منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 28 - 7 - 2010 05:46 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 51

الدروس والعبر كثيرة جداً في سورة يوسف ونحن نقف عند كل آية وكل كلمة لنصل إلى المنهج الذي يمكن أن نستفيد منه في حياتنا وبالتحديد في الواقعة التي نتكلم عنها وهي واقعة المراودة ونتكلم على أي إنسان عندما يتعرض لمأزق الشهوة والمراودة وللأسف في حياتنا الآن النساء تراود الشباب وتنصب الشباك حول فريستها. فكيف لهذا الإنسان الذي يتعرض لحادثة زنى أو مراودة أن يقول كما قال يوسف (معاذ الله)؟ هل هو كلام باللسان أم أن القلب يجب أن يكون على يقين نابع وصادق ويجعل هذا اليقين واقعاً يعصمه من الخطأ (فاستعصم). في الحلقة الماضية وقفنا عند الحكم والعلم لما بلغ يوسف أشده (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (كذلك) كلمة مهمة نربطها هنا مع ما سبق في الآيات ونفرق بين الحكم والعلم وعلاقتهما بيوسف u.
الحق تبارك وتعالى يبدأ نقلة جديدة ومرحلة جديدة (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بعد أن قال (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). بلغ أشده أي بلغ مبلغ الرجال في القوة والعقل والحكمة والعلماء أخذوا هذه الكلمة وعملوا منها كلمة البلوغ هناك لفظ اضطلاحي وهي كلمة البلوغ إذا بلغ الفتى الحلم والفتاة المحيض وصارت للكلمة معنى إصطلاحياً وهذه الكلمة تطلق على الإنسان وطالما قال (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) عند أهل اللغة أي أنه عند الفتى عندما يستطيع أن ينجب مثله وتستطيع المرأة أن تنجب مثلها، امرأة العزيز راودته بعد أن بلغ أشده ولم تراوده وهو طفل لأنها ليست شاذة والمراودة لم تذكر إلا بعد (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وإنما لما بلغ أشده. وكلمة أشده قدرها العلماء بحوالي 30 أو 35 سنة. نحن مختلفين في نقطة كم سنة وهذا لا يهم وإنما الذي يهم وقع القرآن (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) حكماً يستطيع أن يحكم ويميز بين الحق والباطل والخطأ والصواب والعلم تأويل الأحاديث الذي سيعلمه لغيره وينفع به البلد كلها ولذلك في الحلقة الماضية قلنا أن العزيز قال أمران (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) والقرآن عقّب (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) أي يوسف تربى داخل البيت ونفعهم وصدق حدس العزيز لأن يوسف نفع الأمة كلها وليس فقط بيت العزيز وهذا يدل أن العزيز كان لديه بصيرة قد تكون خابت في امرأته ولكن صدقت في يوسف لأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ومن ضمن توقيع هذه الآية ما فعلته امرأة العزيز ولو لم تفعل هذا فأين إظهار عفة يوسف وأين ما حصل له عند دخوله السجن؟ لذا عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له والمسلم الواعي يشكر في الحالتين ويصبر في الحالتين. لو كانت امرأة العزيز مثالية لم يكن يوسف ليدخل السجن ويأول الأحلام ولم يصبح عزيز مصر فهي قضية متكاملة لذا علينا أن نرى العِبَر فيها ونقول دائماً الحمد لله رب العالمين، بحان الله، لا حول ولا قوة إلا بالله وكلام كثير نفهم منه أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يجب أن نفهم معنى الابتلاء لأن البعض لا يفهم معنى الابتلاء يقول إذا ابتلاه ربه هل يكرهني ربي؟ هذا عكس حقيقة الواقع في الابتلاء. عندما يُبتلى أحد بمرض السرطان مثلاً يجب أن يسجد لله ركعتين شكراً لأنه إنذار بعلم الوصول باقتراب الأجل فيستعد فإن طال عمره واستعد يكتسب حسنات وإن جاءه الأجل يكون مستعداً لذا من يسجد لله شكراً عندما يعلم أنه مصاب بمرض خبيث هو فهمان وليس فاهماً فقط. ما بكى العارفون على شيء أهم من حسن الخاتمة وحسن الخاتمة لا يأتي مع موت الفجاءة ولذها كان r يستعيذ من موت الفجاءة لكن الموت الذي يكون بترتيب أن يمرض الإنسان ويدخل المستشفى هذا فضل من رب العالمين لكننا لم نتعود أن نحمد الله ونشكره وكل أمر نأخذه بمنظور ضيق مثل كوب الماء الذي يراه البعض فارغاً والآخر يراه ملآن. وهذه نقطة عليها يبكي العارفون الفاهمون.
(وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) من هم المحسنون؟ الرسول r قالها لنا " أن تخشى الله كأنك تراه" هذا هو الإحسان والقرآن الكريم قال (آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات) هذه تصرفات المحسنين والقرآن يقول وكذلك نجزي المحسنين أي أن كل من أحسن يأخذ جزاء يوسف لما أحسن. الحكم والعلم ليس هناك أهم من هاتين يحتاجهما المسلم. توقيع الحكم والعلم (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) كأن الحكم والعلم لا يكونوا في أيّ سن أو لأي أحد، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) قالها بتجريد من غير تعريف بـ (أل). عندما نقرأ قوله تعالى (وراودته) نحن قبل أن نُكمِل الآية مطمئنين على يوسف u لأن الله تعالى آتاه حكماً وعلماً وهو محسن لذا كان سهلاً توقيع القرآن مع من يفهم كلام الله تعالى. الاختلاف الذي حصل في موضوع الهمّ رحم الله الشيخ عبد الجليل عيسى ومحمد رشيد رضا الذين فسروا القرآن بحب وبتعمق قالوا لا نرى محلاً للخلاف في قصة الهم وذكرنا سابقاً من هم الذين برّأوا يوسف uالله تعالى والعزيز وامرأة العزيز والنسوة والشاهد حتى إبليس برّأه إذن يوسف لا يقع في معصية والله تعالى إعتبره من المحسنين (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ثم قال بعدها (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) نحن مطمئنين على يوسف u. يجب أن نفهم استخدام ألفاظ القرآن لِمَ قال راودته؟ لأن المراودة لا تتم إلا بخداع والخداع لا يكون إلا مع شخص أنت تتوقع أنه يرفض كما جاء في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ (61)) سيعلمون حيلاً قد تطول حتى يأخذوه، هذه شرحت (وراودته) وشرحت ما فعله إخوة يوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) أي هم لهم حيل في هذه المواضيع. طالما قال سنراود أي أن أباهم سيرفض عندما يطلبوا منه ذلك.
المسوغات هي التي جعلت البعض يفهمون الهمّ خطأ لكن الأمر واضح عندما نفهم القرآن. القرآن يقول (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) يبين أن موقف يوسف ضعيف لكن علينا أن نتذكر الحُكم والعلم وأن يوسف من إصطفاء الله وأنه من المحسنين. (عَن نَّفْسِهِ) أي أن نفسه رافضة وقلنا أنه إذا رأت المرأة مَنْ أمامها أنه موافق فلم تراوده؟ هي تحتاج أن تلمح له فقط وسيأتي إليها. إمرأة العزيز خرجت عن إلف المعتاد ولذا همّت به والهمّ هنا كان للقتل. وعلينا أن نفرق بين السوء والفحشاء البعض قال هما للزنا وبعض أهل اللغة قالوا أن السوء يختلف عن الفحشاء فقالوا الزنا والقتل وواقعة الزنا في رأيهم أنها انتهت عند قول تعالى على لسان يوسف (معاذ الله) حسمت القضية هنا. (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) عندما نقرأها بهذه الطريقة نفهم منها أن امرأة العزيز عملت ما هو غير معتاد لأن العادة أن يطلب الرجل المرأة لكن أن تطلب المرأة الرجل هذا أمر غير إلف العادة وهذه المرأة امرأة العزيز وقالت لزوجها الحكم وهذا يظهر سطوتها وهي تكلمت مع النسوة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) هي التي تحكم وهذا الأمر يبين سطوتها وسلطانها وإضافة إلى ذلك جرح الأنوثة في رفض يوسف لها لما قال (معاذ الله). لو الرجل طلب من المرأة ورفضت لا يحصل شيئاً لأن هذا هو المعتاد لكن أن تطلب امرأة العزيز وهي جبارة ومتسلطة ويرفض يوسف لها الطلب، نسأل هنا هي طلبت الزنا ويوسف رفض فهل تهم بالزنا ثانية؟ كلا أن مسألة الزنا انتهت إنما الهمّ هنا هو البطش والقتل (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وبعدها قال (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ) والمراودة عكس هذا فالمراودة أمر واستبقا الباب أمر آخر ويبدو أنه مشاحنة أما المراودة فكانت تدلل وإغراء وغيره. (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ) مع أنها غلّقت الأبواب. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) غلّقت ولم تقل أغلقت وقالت الأبواب ولم تقل الباب حصل انتقال من المراودة إلى القول المباشر (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) لم تكتفِ بالإشارة وإنما قالتها ولهذا همت به. المراودة أخذت وقتاً وقامت بأمور تظهر ليوسف أنه آمن (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) لو قالت أغلقت يكون الباب له قفل واحد لكن قالت غلّقت والأبواب وليس الباب وقصور الملوك لا يكون الباب قريب من الباب الآخر وإنما هناك فواصل بين الأبواب فهناك على الأقل ثلاثة أبواب أو أكثر. المراودة لم تنفع فغلّقت الأبواب فلم يستجب يوسف لها ثم قالت صريحة (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) والبديع هنا الذي يجب على شبابنا وفتياتنا على حد سواء أن يوقِّعوا قوله تعالى (معاذ الله) الذي يطلب يرفضه الآخر ويعيده إلى الصواب. امرأة العزيز الواضح من مجرى القصة في القرآن أنها لم تعد إلى الصواب مع أن يوسف قال لها (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) هو يعطيها درساً في الأخلاق لكن هذا الدرس كان له رد فعل عكسي مع امرأة العزيز.
في عصرنا يحاول البعض أن يكبق منهج الله تعالى ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيجد استهزاء من الناس لأنه يقول الحق. هنا السؤال هل سيصمد ويتحمل؟ يجب على الإنسان أن يصمد ويتحمل مهما كانت الظروف ومهما حاول الناس إحباطه. امرأة العزيز حاولت أن تبطش بيوسف u لذا صاغها القرآن بطريقة (ولقد همت به/ وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) بعض شيوخنا الأفاضل ممن فهم القرآن قرأ الآيات: ولقد همت به/ وهم بها لولا أن رأى برهان ربه. لا نقول لماذا قال تعالى هكذا وإنما نقول ما الحكمة في قوله تعالى؟ تخيل لو القرآن قال ولقد همت به ولم يهم يوسف بها قد تدل على أن يوسف كان عاجزاً ضعيفاً لذا لم يهم لكن القرآن صاغ صياغة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) هذه الصياغة تدل على أن يوسف u كان قادراً على امرأة العزيز ونتذكر ابني آدم أحدهما أراد قتل الآخر والثاني لم يدافع وإلا كان قتله وإنما قال (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة) إبن آدم الثاني لم يدافع عن نفسه لأن الرسول r قال لنا قاعدة : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فسأل الناس عن الثاني قال r لأن الآخر كان حريصاً على قتل أخيه. لذا يوسف لم يهم ولذا صيغت الآية بهذه الصياغة ويوسف u لم يهم ليس عن عجز أو عن ضعف وإنما عن حكمة وعلم الذي أعطاه إياه الله تعالى ونحن نقول الرسول r علّم المتعلمين لأنه r أول ما تعلم علمه شديد القوى وكذلك يوسف قال لما فسر لصاحبيه في السجن قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) أرجع الفضل إلى الله تعالى. ولهذا صيغت الآية بهذه الصياغة ولِو قال القرآن لم يهمّ يوسف بها قد نظن أنه كان ضعيفاً عاجزاً لكن القرآن أراد أن يقول أن يوسف لو أراد لهمّ بها لكن الصياغة الصحيحة لفهمكم: ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها معنى الكلام أو لولا حرف امتناع لوجود مثل: شربت الماء لولا أن الإناء كُسِر أنا أريد أن أشرب لكن حصل ما منعني من الشرب. لولا امتناع لوجود فلوجود البرهان امتنع الهمّ، إمتنع وجود الهمّ لوجود برهان ربه وبرهان الله تعالى للأولياء والصالحين والأنبياء سابق. الإسرائيليات قالوا أنه رأى صورة يعقوب على الحائط أو رأى العزيز وهذا كلام فارغ فهل يوسف يخاف من أبيه أكثر مما يخاف من الله تعالى لكن في القرآن قال تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) والآية تعطينا حيثيات الحكم (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) المخلَصين من قبل آدم ومن ساعة ما قال الشيطان (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) الحجر) وقوله تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) الحجر) هؤلاء العباد العاديين فما بالنا بالأنبياء؟.
على من يعود الضمير في (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)؟ هل يعود على الله تعالى أم على العزيز الذي ربّى يوسف؟ اختلف المفسرون وأهل اللغة في هذا الأمر وأنا شخصياً أرى أن قوله (إنه ربي) يعود على الله تعالى لأن الضمير في اللغة يعود على أقرب عائد، قال (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) الله، إنه ربي. ثم في ذلك الزمن كان يطلق لفظ الرب على الملك وهو قالها (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) لكن يوسف لم يقل ربي إلا على رب العالمين (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يوسف نبي ولا يطلق اللفظ إلا على من يستحقه لأنه نبي فاهم والرجل معه في السجن يقول على الملك ربي لكن يوسف لا يقوله إلا على الله تعالى. وهو الله تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ). هناك فرق بين إكرام المثوى وإحسان المثوى، أن تكرم مثواه في يديك أن تعمل له لكن الإحسان نتيجة وهي ليست للبشر لذلك (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الذي يحسن لما يؤدي نعمة لأحد يؤديها لله تعالى وليس لأحد فهذا هو الإحسان يكون لله وليس لأحد لكن الإكرام يكون من أحد لأحد إنما الإحسان أساساً من عند الله تبارك وتعالى ولهذا قال (أَحْسَنَ مَثْوَايَ) لم يقل أكرم مثواي. ثم قال (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الظالمون تختلف باختلاف الفاعل: امرأة العزيز ظلمت نفسها وظلمت زوجها أما يوسف uلو فعل هذه الفعلة هو ليس في باله إلا الله تعالى. امرأة العزيز تخاف من زوجها بدليل أنها عندما التقت زوجها لدى الباب قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) لذا بنى الفعل لما لم يسمى فاعله (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) حتى يكون الفعل على حسب الفاعل، يوسف لا يخاف إلا من الله رب العالمين. (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) هم لم يهم وليس عن عجز أو ضعف وإنما خوفاً من الله تعالى تبارك وتعالى.
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) كذلك علمناه الحكم والعلم فرفض لنصرف عنه السوء حتى يبين أن البرهان سابق ولذلك قال (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) ما معنى رأى هنا؟ تيقن وليس رأى بعينه لأن هذا أقل درجات الإيمان وسبق أن شرحنا الفرق بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين. إذا كان هناك شخص أخبرناه أن الرسول r قال أن في كوب ما عسلاً فالرجل قال طالما أن الرسول r قالها فأنا أصدقه كما فعل أبو بكر الصديق فهذا وثّق الكلام هذا إيمان بعلم اليقين (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) التكاثر) الرؤيا هنا من الفعل رأى بمعنى رؤية علِم من كثرة العلم كأنهم يرونها، هناك شخص يقول أنا أصدق الرسول لكني أريد أن أرى ما بداخل الكوب فنظر فقال نعم فيها عسل (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) وثالث قال أريد أن أذوقها (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) لم يصدق حتى يذوق، وهذا لم يؤمن حتى دخل النار، هذا في النار. هذه الثلاثة أول واحد هذه أقل درجات الإدراك وأعلى درجات اليقين والإيمان (علم اليقين) والثالث أعلى درجات الإدراك وأقل درجات اليقين والإيمان (حق اليقين) والثاني وسط بين الإثنين (عين اليقين).
ختمت الآيات في سورة الواقعة بالتسبيح (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) إلحق نفسك ونزّه الله تعالى عن الشريك. (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) دخل النار لأنه لم ينزّه المولى عز وجل هذا دخل في النار، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة). أي إلحق نفسك ونزه الله تعالى عن الشريك. أعلى درجات الإيمان أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الإدراك أقل درجات الإيمان. صاحب هذا المقام إسمه الصدّيق لأنه صدق في وقت ومكان لم يكن أحد يصدِّق. وأول صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب. نحن كمسلمين نقول أعلم أن الله حق وأن محمداً حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن القيامة حق وآخرين لم يصدقوا كلام الله ورسوله إلا عندما أصبحوا في النار (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) لم يصدق القرآن وكرم الرسول إلا عندما أصبح في النار. وكما أطمع أنا في الجنة خائف من النار (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) لذلك في المحسنين قال (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) الناس كلهم نيام وهم يبيتون لربهم والناس كلهم يسهرون وهؤلاء يصلون ويذكرون الله تعالى، وهؤلاء (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات) شتان بين من يسهر الليل يسبح ويصلي وبين من يتكلم في أمور أخرى.
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) لذا رفض الزنا ورفض أن يهم بها كما همت به. التوقيع في الآية (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ) (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) أي قبل وقوع الواقعة ونصرف هنا بمعنى صرفنا، الفعل المضارع هنا بوقع الماضي (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) بمعنى كان من عبادنا المخلصين هو مخلَص من قبل الواقعة لذا جرى يوسف وجاء قوله تعالى واستبقا الباب، نسأل أي باب؟ الباب هنا جنس وليس باباً بعينه. هو جرى من امرأة العزيز (واستبقا الباب) أي تسابقا والذي سبق ظهر من القميص الذي قُدّ من دبر إذن يوسف هو الذي سبق والشاهد أوضح هذه المسالة ولفت نظرهم إلى من قطع قكيصه من دبر. إستبق يعني تسابقا والذي سبق عرفناه من القميص إذن يوسف هو الذي سبق إذن يوسف وفرّ هارباً منها وبدأ يفتح الأبواب حتى وصل إلى آخر باب " باب السكة أو باب الطريق" ووجد العزيز عنده. الباب الأولى لجنس الباب والثانية لآخر باب وأنت خارج والذي يعتبر بالنسبة للداخل أول باب. (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) حددت له نوع العقوبة ولم تحدد نوع السوء لكن صِدْق يوسف قلب الموازين هي لم تقل من أراد بأهلك زنى وإنما قالت سوءاً.
الابتلاءات جاءت متتالية على يوسف uولم يكن لديه وقت ليستريح ومع هذا قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لم يقل أهون.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/7/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:48 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 52


ابتلاءات كثيرة ومتوالية دون توقف يتعرض لها يوسف u بدءاً من الحقد والحسد واضغينة التي أحاطت به وهو صغير من إخوته الذين كانوا يحقدون على يوسف ويحسدونه على حب أبيه له. كل هذه المشاعر الحاقدة هي البيئة التي أحاطت به منذ صغره. ويتطور الأمر إلى ترجمة المشاعر إلى جريمة إلى عبودية وإلى بيع إلى غربة وافتراق عن الأهل والبيئة إلى نشأة في مجتمع غريب إلى تعرّض يوسف لابتلاءات من التي ربته صغيراً إلى فتنة السجن، فتن متلاحقة والعجيب في هذا القصص القرآني العظيم أن مع كل ابتلاء وفتنة ينجح يوسف u وهذا النجاح ليس مجرد إفلات وإنما يحصل على أعلى الدرجات ببساطة لأنه من عباد الله المخلَصين. نكمل مع ابتلاءات يوسف u وكنا قو وقفنا عند عملية الإستباق بينه وبين امرأة العزيز ومنه نأخذ ملمحاً آخر من القصة.
نقف عند قوله تعالى (واستبقا الباب) (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)) يا لموقف العزيز! لم يعنِّف زوجته ولا أي شيء كأن الموضوع عادي بالنسبة له!. (واستبقا الباب) ما دلالة إختيار الصياغة هذه للفعل على هذا الشكل؟ ومسألة ربط الفعل بهذه الصياغة بما قلناه أن هذا الإستباق ليس لأن يوسف يهرب من واقعة الزنا ولكنه استباق حتى لا يتحول صراعه معها إلى قتل لها.
هذه الآيات سنقف عليها وقوف التدبر لأسباب كثيرة منها حتى نبين كم تعرض يوسف للازم معنى المراودة وتعرض لضغوط كثيرة جداً حتى يوافق على ما طلبته امرأة العزيز ومع ذلك رفض بكل الوسائل والسبل وهذا نموذج حيّ لكل شبابنا ونساءنا على الابتعاد عن الرذائل والوقوف حجر عثرة أمام ما يوسوس به الشيطان أو النفس العاصية والعياذ بالله. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الآيات فيها ألفاظ تعلمنا كيف نتدبر. الكلمات في القرآن يختلف عن أي سياق لغوي آخر لذا قلنا يجب أن ننتبه للغة القرآن ونشير إلى بعض التفاسير التي تستخدم الألفاظ أن قدّت يعني قطعت وينبغي أن نعلم أن القرآن يختلف عن الصياغة الأدبية في كلام البشر أو كلام الشعراء والأدباء لذا سنجد بعض الكلمات التي لا تصلح إلا هي ولا ينفع أن نضع قطعت مكان قدّت.
إذا بدأنا بقوله تعالى (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) الإستباق المعنى اللغوي له أن اثنان أحدهما يريد أن يحقق هدفه قبل الآخر أياً كان هذا الهدف. ورد قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ (17)) نستبق هنا تختلف عن استبقا الباب. في الأولى قال (نستبق) أما هنا فقال (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) نستبق الأولى قد تكون سباق جري أو تكون سباق رمي سهام وعند رمي السهام هل هناك هدف يرمون عليه أو يستبقون من يرمي السهم أعلى؟ استبق الأولى هنا مطلقة يجرون مسابقة بينهم. أما هنا (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) فهل الهدف هو الباب؟ يجب أن نتوقف عندها لأنه سبق أن قيل (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)، (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) ثم قال (ألفيا سيدها لدى الباب) وقبلها قال (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) فلا يمكن أن يكون سيّدها الذي لدى الباب يكون عند الباب الأول أو الثاني ولا يمكن إلا أن يكون هذا الباب هو آخر باب. الباب هنا له توقيع قال هناك (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) أما في (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) هو آخر باب والباب هنا هو جنس الباب. غلّقت لم يقل أغلقت وقال الأبواب ولم يقل الباب، غلّقت أي يجب أن يكون على الباب أكثر من قفل حتى تضمن أن الباب لن يُفتح من الخارج. هذا كلام لغوي جميل وفيه منطق، (استبقا الباب) أي يوسف يفتح الأبواب واحداًً تلو الآخر لغاية ما ألفيا سيدها لدى الباب الأخير. إذن كلمة استبق الباب هنا، هذه ليست مسابقة يلعبها مع امرأة العزيز وإنما لكل منهما هدف هو يريد أن يفلت وهي تريد أن تمنعه لأنها تريد أن يتم ما أرادته بدليل ما قالته (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) هذا كان غرضها في ملاحقة يوسف لكن توقيع القرآن كان بديعاً في قوله (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) البعض يقولون قدّ بمعنى قطع وهذا غير صحيح لأنه لو قرأنا القرآن كله نجد أنه لم يستخدم القرآن هذه الكلمة في مكان آخر. يقولون قد يعني قطع أو مزق لكن قطع ومزق لهم معاني يختلفوا عن قدّ. قدّ في اللغة يعني شق بطول القميص أي قطعته بالطول. قدّ شق بالطول، قطّ شق بالعرض. إذن التدبر في آيات القرآن يقف بنا عند استخدام اللفظ أنه لا ينفع يف الآية غير (قدّ) إذن قدّ يعني شق طولي، كلمة مزّق جاءت في سورة سبأ فقط (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)) وجاءت في استخدام معين وبمعنى معين التمزيق أي التقطيع بحيث لا يبقى شيء من الذي مُزِّق. معنى قدّ اللغوي الأوحد أنها شقته بالطول. (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) هذه سيكون لها وقع في التحقيق الذي سيتم لأنه حصل تحقيق جنائي. (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) لم قال ألفيا ولم قال سيدها؟ ألفيا استخدمت في القرآن ثلاث مرات في حين أنه في سورة الكهف قال (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا (65)) عندما يشرحون ألفيا يقولون وجدوا ولكن هذا ليس صحيحاً.
قلنا أن الباب ليس الهدف والإستباق يختلف باختلاف هدف الفاعل، بالنسبة ليوسف هو يفلت منها حتى لا يقف أمام إنسانة تريد أن تقتله بعد أن فشلت في المراودة وهي تريد أن تمنعه من الخروج وتحقق رغبتها بدليل ما قالته أمام النسوة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ). وقلنا أن قدّت أي شقّت بالطول وهذا المعنى له وقع جنائي في التحقيق مهم جداً يعلمنا إياه القرآن. (ألفيا) لم يقل وجدا لأن وجدا معناها قابل والمقابلة في القرآن تختلف باختلاف الكلمة التي أُطلقت على المقابلة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (170) البقرة) ألفى يعني أمر تقابله من غير ترتيب منك. ألفيا سيدها امرأة العزيز لما عملت المراودة وغلقت الأبواب كان ممكن أن يجاريها يوسف فهذه العملية ستأخذ وقتاً فهي رتبت بحيث أن العزيز لن يعود في ذلك الوقت، ألفيا تدل على أنها تفاجأت لو قال وجدا سيدها تدل على أنها تنتظره أما ألفيا فتدل على أنه تفاجأت لأنه ليس موعد عودته. كلمة سيدها تبيّن كيف صيغ القرآن إن صح التعبير وأنه كتاب يختلف عن أي كتاب آخر. كان يمكن أن يقال زوجها أو بعلها لكن لن تعطي المعنى الذي تعطيه كلمة سيدها. عندما نقرأ (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (21)) أخذه ليربيه في بيته فهناك احتمال أن يكون يوسف خادماً وسيكون العزيز بالنسبة ليوسف سيّد. فلو كان كذلك لقال ألفيا سيده لدى الباب وهذا أقرب للصياغة لأن سيدها أفضل منها أن يقول زوجها من وجهة نظر الصياغة الأدبية وعندما نعمل بحث لغوي في ذلك العصر لوجدنا أن النساء كانت تطلق على الزوج كلمة السيد (ومن هنا جاءت كلمة سي السيد الذي استعملها نجيب محفوظ). السيد هو الزوج لم يقل سيده إذن العزيز بالنسبة ليوسف أب بالبنوّة ولم يعتبره خادماً عنده أو ذو شأن صغير داخل البيت لذا أطلق هذا اللفظ ليعيطنا هذه المعاني.
هنا سندخل على أسلوب منقطع النظير في توقيع الكلمات في القرآن (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) هذا توقيع غريب جداً من هذه المرأة لم تقل كان سيعتدي عليّ وإنما تعطي بكلامها فرصة ليوسف أنها قد تتهمه أو لا تتهمه والإتهام غير واضح. هي تقول لزوجها كأن أحد في الداخل يحاول أن يعتدي عليها وعلى يوسف مثلاً أو على أحد من أهله وهي هربت مع يوسف. ممكن الذي حاول غير موجود وهي لم تقل أنه يوسف أساساً وهذا يدل على أن هذه المرأة كان لديها من الخبث أنها توحي ليوسف أن الأمر بيدها يمكنها أن تقول أو لا تقول وهي ما زالت مصرة على موقفها قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) كلها مبهمة لم تحدد (ما، جزاء، من، أراد، سوءاً) وكلمة يسجن مفتوحة لأن السجن يعني الحبس لو هي ستحبسه لقالت من المسجونين كما قال فرعون لأن يُسجن قد يكون في البيت، أو عذاب أليم غير محددة حتى تُفهم يوسف أن الأمر بيدها هي. هناك فرق بين كلامها ورد يوسف فقال مباشرة (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) حدد الفاعل، هناك فرق بين ما قالته هي وما قاله يوسف (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) فهو حدد الفاعل هذا الكلام من قلب القرآن ولا نحتاج إلى الإسرائيليات. حدد المتهمة وحدد ما أرداته ولم يقل سوء. امرأة العزيز لم تتكلم عن الفحشاء وإنما قالت سوء والسوء عند العرب هو القتل وليس الفحشاء أو الرذيلة أو الزنا، هي خبأت ما أرادته بكلام مبدع (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا). هذا الكلام كان أمام العزيز قطعاً هذا مشهد ثلاثي بالقطع، رباعية المشهد فيه احتمالات وكل احتمال يكون معه احتمال آخر: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) وبعدها قال (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) نقف هنا عند الشهادة هل كان هذا الرجل مع العزيز أو نودي عليه لاحقاً؟ كل احتمال يكون معه احتمال آخر. ثلاثية الموقف فيه امرأة العزيز والعزيز ويوسف والموقف الثاني رباعية المشهد فيه امرأة العزيز والعزيز ويوسف مع الشاهد. إحتمال أن الشاهد كان مع العزيز غير معقول لأنه لو كان الشاهد مع العزيز لرأى قميص يوسف وما احتاج أن يقول (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) لأن هذا القول يفيد الجهل والاحتمالية. إذن الإحتمال الأول مستحيل أن الشاهد رأى يوسف وعليه القميص. لكن الإحتمال الثاني أوقع أنه أُرسِل له ولم ير القميص وهذه فيها احتمالين إما أنه أُرسل له القميص أو أن القميص وقع من يوسف. ما يقوله البعض أن الشاهد طفل ضغير تكلم في براءة يوسف هذا كلام بليس عليه دليل من القرآن فلا نأخذ به. (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) شهد تأتي بمعنى حضر الواقعة وهذا لم يحصل وتأتي بمعنى علم أي أن هذا الرجل عنده علم استنباط تحكي له الحكاية فيقول (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27)) إذن هذا الرجل يقول المنطق أنه إما كان واقفاً لكن القميص لم يكن على يوسف أو أنه استدعي بعد الحادثة.
(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) هل المقصود من أهل امرأة العزيز؟ أو من أهل الحكمة؟ ما علاقة هذا بتغليب رأي على رأي؟
من أهلها أي من أهل امرأة العزيز وكأنه يريد أن يقول أنه إذا كان الإنسان حكيماً صادقاً عاقلاً لن يهمه إذا كانت على صلة قرابة به وإنما يقول الحق وهذا ما علمنا إياه رسول الله rأبو ذر الغفاري يقول أوصاني خليلي محمد r أن أصل رحمة وإن قطعني وأن أقول الحق ولو كان مُرّاً. لكن صاحب الصدق لا يكذب أبداً مهما كانت علاقته أو مصلحته. (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) الشاهد لم ير القميص وإلا تكون شهادته ليس لها قمية أنه لو رأى القميص مقطوعاً من الخلف فلا أهمية لشهادته. إما أن يكون قد استدعي في الحالتين الشاهد لم ير القميص ابتداء وإنما هو يتكلم عن الواقعة فالقرآن يعمل سيناريو ويعمل واقعة نحن نستبط بقية القصة إذن الكلام قيل أمام العزيز أنها قطعت القميص إذن هناك كلام حٌذِف دلّ عليه الكلام بعده وهذا عظمة الأداء القرآني أنه ليس فيه تطويل وأنت تستنبط بقية القصة. قال الشاهد أنه إذا هجم أحدهم على امرأة وهي لا تريده فعلاً فستدافع عن نفسها فسيكون القطع من الأمام أما لو كان العكس فيكون قطع القميص من خلف. فسأل الشاهد عن القميص ليرى من أين قطع القميص ووجد أنه قُد أي شق بالطول، يمكن أنه سأل عن القميص وفي خلال إحضار القميص قال الشاهد هذا الكلام بدليل أنه قال (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) عندما قال حيثيات الحكم لم يكن يرى القميص لكنه الآن رأى. من الذي قال هنا؟ العزيز أو الشاهد؟ عندنا فاعل ومتكلم والمتكلم إما الشاهد وإما العزيز. قال (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) القميص جيء به ولما رأى - الغالب أن الكلام إلى الآن كلام الشاهد - لأن الحكم سيكون للشاهد، عندما سمعنا (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) أي أعطيت الشاهد مناط التحكيم أنه سنسمعه الضمير عائد على الشاهد. كان يمكن أن يقال (إنه من كيدكِ إن كيدكِ عظيم) لكنه عمم الحكم كأن امرأة العزيز لها منزلة حتى عند الشاهد بحيث لا يمكنه أن يتهمها فأطلق الحكم على كل النساء مع أن الكلام يقصدها هي.
نتكلم عن العزيز وله شأن في مجتمعه ونتكلم عن امرأة العزيز ولها شأنها في مجتمعها وعند زوجها ونتكلم عن يوسف الذي اشتروه وربّوه وهو بمثابة العبد لما يقول يوسف عكس كلام امرأة العزيز فلماذا لا يكتم على الموضوع؟ وما دلالة توسيع الأمر والمدينة سمعت الكلام؟ وجيء بالشاهد فهل كان معروفاً عن يوسف أنه كان ذو شأن وهو صدّيق؟
بيّن القرآن هذا في قوله (سيدها) ولم يقل سيّده وهذا يثبت منزلة يوسف عند العزيز فهو يعتبره ابنه ولا يعتبره خادماً في البيت وكلمة سيد تدل على أنه زوجها وتدل على منزلة يوسف. هذه المنزلة بيّنها القرآن في استخدام كلمة (سيدها) كان يمكن أن يقول سيده أو سيدهما لكن القرآن قال سيدها. والأهم أنه قد يكون الملك جاء بالشاهد لا حتى يفضح وإنما حتى يحسم الأمر أمام نفسه لأنه يعرف أن هذا الولد صدّيق والأحداث لا تدل على أن يوسف يتصرف هكذا وهو يريد أن يقطع الشك باليقين وهي تقول كلاماً يجب أن يحقق فيه مع أنها صاغت الكلام بطريقة ملتبسة عامة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهي تريد أن تبين أن هناك واقعة أخرى غير ما حصل حقيقة لكن فضحها يوسف في ردّه (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) قد يكون كلاهما يهربان من سارق وهي فتحت المجال ليوسف لكن يوسف فضح الأمر بصدقه وقال الحقيقة. العزيز كأنه أراد أن يحسم الأمر فطلب الشاهد الحكيم حتى يحكم في الأمر وكلام الشاهد يؤكد هذه الفكرة من طريقته في التفكير. أُخبِر بالموضوع ودل حكمه على أنه عنده وعي بدليل أنه طلب القميص ليراه ويتحقق من الحيثيات حتى في جرائم القتل عندنا يحدث هذا الأمر تصل إلى القاتل عن طريق هذا الفكر. القرآن عبّر (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) وقال الشاهد لها (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) جمع النسوة كلهن. ونلاحظ أن الشاهد بدأ بالقُبُل (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) أي بدأ بتصديقها هي أي بما يخدمها وهذا يبين منزلة امرأة العزيز عنده فبدأ بالكلام باعتبار أنها صادقة وكان يجب أن يقول المقابل (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) حوّل الموضوع إلى فكرة كيد النساء ولم يتهمها مباشرة (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ). البعض يربط بين كيد النساء ويقولون أنه أقوى من كيد الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء) ولكن لا رابط بين الإثنين وهذا فرع من كل، كيد الشيطان كيد عام فلا تنفع هذه المقابلة. ما استطاع الشاهد أن يوجه الاتهام لها فقال على وجه العموم (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) اتهام للناسء وهي من ضمنهن. الكلام إلى هنا كلام الشاهد ونعتبره هو المحقِق الذي يحقق في الموضوع وطلب القميص (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ) إذن هذه براءة ليوسف وانتهى دوره هنا وترك الأمر عند العزيز. قال العزيز (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) يأخذها أكثر المفسرين على أنه الكلام في هذه الواقعة ونحن نقول أعرض عن هذه الواقعة وذكرها وعن التهديدات التي تعرض لها من امرأة العزيز لكن لا تتكلم في هذا الموضوع. الرجل يفهم منه بعد ذلك أن هذا التعميم الذي في كلامها يقصد منه أنها تضحك عليه وأنها في نفس الوقت تهدد يوسف لذا قال له أعرض عن هذا ولا يهمك من كلامها وتهديدها. ثم قال (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) غفر فعل ثلاثي لما يدخل عليه الألف والسين والتاء أي طلب المغفرة فهل تستغفره هو؟ وهذا ما جعل البعض يظن أنه ما زال كلام الشاهد يعني فاستغفري زوجك لكن كلا قوله.( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) هذا كلام العزيز ولا يمكلكه الشاهد (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) نقول هذا كلام العزيز لأن الشاهد لم يستطع أن يقول هذا الكلام لامرأة العزيز بدليل أنه أطلق الحكم وعمّمه (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). من قوله (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) هذا كلام العزيز. قال استغفري هل تستغفره هو؟ أو تستغفر الله تعالى؟ هناك خلاف بين المفسرين على هذا وهذا ما سنوضحه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/8/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:49 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 53

سورة يوسف ملئية بالآيات والقصص القرآني الذي يعطينا الدروس والملامح ونحن نتكلم عن واقعة الزنا وقلنا كيف أن الذي لا يتبع المنهج يقع بسهولة في براثن النفس الأمارة بالسوء والشياطين شياطين الإنس والجن والنتيجة واحدة وهي الوقوع في المعصية والزنا. ونحن نحاول أن نتعلم كيف لا نقع في هذه المعصية.
وقفنا عند انتقال المشهد من حالة التحكيم التي يشهد فيها الشاهد ببراءة يوسف وينتشر الخبر في المدينة وتتكلم النسوة عن الواقعة ويصل كلامهن إلى امرأة العزيز وتتصاعد الأحداث حتى ينتهي الأمر بدخول يوسف البريء إلى السجن.
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) يوسف)
لماذا قال قال (نسوة) ولم يقل (قالت)؟ ولماذا تكلمت النساء تحديداً بالموضوع؟ وهل امرأة العزيز كان عندها فراسة؟ وما الذي جعلها أحضرت النسوة وأحضرت لكل واحدة منهن سكينة كأنها استقرأت ماذا سيحصل عندما سيرون يوسف الجميل؟ واستقرأت أنهم سيقطعون أيديهم عندما يرون يوسف؟ فما الذي دفعها إلى أن تفكر وتدبر هذا التدبير الذي قد لا يخطر على بال بشر عادي؟.
الآيات تحمل في طياتها كماً كبيراً من المعاني ومن المراد اللغوي في الكلمات وليس هناك كلمة في القرآن الكريم كله إلا ولها معنى ولها لازم معنى ولها مراد وقلنا سابقاً أن القرآن لن يُفهم إذا سألت ما معنى هذه الكلمة وحدها وإنما القرآن تختلف صياغته عن أي كتاب آخر وأي صياغة أخرى لذا قال في بداية السورة (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)) ولعلّ هنا للغاية أن العرب يفهموا الكلام ثم يُعلِّموه. نرجع آيات قليلة لنقول أن الموقف كان محصوراً بين ثلاثة أشخاص (يوسف وامرأة العزيز والعزيز) ثم أربعة أشخاص فقط (يوسف والعزيز وامرأة العزيز والشاهد) والذي شغل العزيز فقط أن لا يُسمع هذا الكلام خارج القصر. عظمة الأداء القرآني في هذه الآية (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) يدل على أن العزيز خائف أن ينتقل الكلام ويُعرف خارج المدينة. (وقال نسوة في المدينة) إذن الكلام انتقل. القضية كلها في أننا لما نسمع الأحداث ونسير مع الفهم المنطقي للآيات يدل على أن أربعة كانوا على علم بالموضوع فإذن كيف تسرب الموضوع إلى خارج القصر؟ حرص العزيز ويجب أن نفهم أنه لما قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) يجب أن نعلم أن يوسف أعرض عن هذا لأنه صدّيق وامرأة العزيز قالت له هيت لك قال معاذ الله ولهذا لما قال له العزيز أعرض عن هذا يؤكد أن يوسف أعرض عن هذا لأنه لا ينقل الكلام. لكن الآية بعدها (وقال نسوة في المدينة) تدل على أن الموضوع عُرِف خارج القصر. يجب أن نفهم أن العزيز لما قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) يجب أن نعلم أن يوسف أعرض عن هذا ولم يتكلم لأنه يخاف الله تعالى ولم ينقل الكلام. (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) لا نعلم إن كانت استغفرت بل والآيات بعدها تدل على أنها ما زالت مصرة على المعصية والرذيلة. إذن من نقل الكلام إلى خارج القصر؟ يوسف لم يفعل، هناك احتمال أن العزيز لديه حرس وهم كانوا معه عندما دخل القصر وأياً كان فهذا يدل لعى أنه لا شيء يبقى مخفياً كما نستعملها في كلامنا. (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) وهي الكلمة التي قالها يوسف (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) لذا يمكن أن يكون أحد من الحرس هو الذي نقل الكلام.
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أولاً نسوة جمع قِلة لكلمة امرأة عندما تريد أن تجمعها (نساء تدل على الكثرة ونسوة على القلة) وجمع القلة هنا لو أنهن صادقات في كلامهن (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) فهل يقمن بما فعلنه؟ لمذا قال النسوة هذا الكلام؟ كلامهم يدل على أن النسوة من كثرة ما سمعت عن يوسف وجماله أشاعت هذه الأمور لعل العزيز يطرد يوسف من القصر فتستأثر به إحداهن. هذا الكلام هو منطق الأحداث من أول قول يوسف (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) لم يقل (كيدها) أي أن ما قالته النسوة هو من كيدهن كما أن الكلام الذي قالته امرأة العزيز هو من كيدها. النسوة نقلت الكلام ونشرته لعل العزيز يطرد يوسف فتستأثر به إحداهن. وزادت النسوة على الكلام (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا). علة يوسف أنه واقع في كيد امرأة العزيز وفي كيد غيرها وهذه ليست مسألة طبيعية بل كل واحدة تفكر وتخطط (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) تدل على أن النسوة صدّقت يوسف وأن امرأة العزيز هي التي راودت يوسف وأن الوقائع نقلت كما حصل في قصر العزيز وأنه ليس هناك أسرار فلا بد أن يتسرب الخبر وينتشر الموضوع.
في ظل كل هذه الظروف نقف عند أن يوسف u يتحلى بقدر من الوسامة والجمال والرجولة لدرجة أن النسوة وصفته (إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) هذا أيضاً يحقق قوله تعالى (والله غالب على أمره).
بدأ الكلام ينتشر في المدينة ووصل إلى امرأة العزيز والمنطق يقول أن الإنسان إذا انكشف سره يتوارى خجلاً ويحاول أن يغير هذا الصورة ليخفي الفضيحة لكن امرأة العزيز دائماً لديها مواقف متقدمة وجريئة وأحضرت النسوة إلى القصر وكأنه لا يهمها الموضوع أن يُعرف سرّها أو لا يعرف وإنما يهمها أن يتم ما أرادته بدليل أنها تقول أمام النسوة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) كل هذا الكلام يظهر أنها امرأة من طراز فريد. أؤكد أن كلمة نسوة لم يحدد القرآن عددهم وإنما أشار أنه جمع قلة وفي بعض التفاسير يذكرون عددهن وهذا كلام ليس عليه دليل لأنه لم يحدد القرآن عددهن وإنما هم نسوة غير معروفين ولا يهمنا ما عدد النسوة.
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30)) تظهر أن الإنسان يقول عن أمر ما خطأ ثم يفعله. كان المتصور أن يقول يوسف وإلا تصرف عني كيدها لأن النسوة أنكرت هذا الفعل على امرأة العزيز من قبل لكن يوسف قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) هذا يدل على أن النسوة وقعت في نفس الخطأ الذي انتقدت امرأة العزيز عليه قبل ذلك وهذا يظهر شيوع الفاحشة في مجتمع لم يتبنى الفضيلة ومع هذا يوسف ثابت في موقفه ولم يبرر وهذا يدل على عظمة الأداء ليوسف. (وقال نسوة في المدينة) لم يقل نسوة المدينة فحرف (في) يبين أنه جمع قلة من النسوة وليس كل نسوة المدينة وهذا يدل على أنه كما أن يوسف عنده من الفضيلة ما حماه من ارتكاب المعصية هناك نساء كثيرات لم تلتفت إلى هذا الأمر فذكر (في) في الآية من صيانة الإحتمال. النسوة قالت عن امرأة العزيز أنها في ضلال مبين ثم راودن يوسف أيضاً. بعض المفسرين يقول أن امرأة العزيز دبرت للنسوة أن تقطع أيديهن هذا كلام غير صحيح لأنه لم تقصد أن تقطع النسوة أيديهن وكأن العملية كلها احتفال وإنما ما أرادته فقط هو أن ترى النسوة يوسف. (متكأ) في عرف أهل اللغة هو ما يتكأ عليه وفيه كثير من الطعام والفاكهة وعلينا أن نفهم الآيات على مراد الله فيها (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) لم يقل بكلامهن لأنها اعتبرت الكلام مكر لأنهن ظنن أن العزيز عندما يسمع هذا الكلام يطرد يوسف من القصر فيتحقق مراد النسوة. فمن بديع القرآن أنه قال (سمعت بمكرهن) وليس بكلامهن لأنه هو ليس كلاماً ولكنه في الحقيقة مكر (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) هنا تبين مقدار حبها ليوسف، قوله له (اخرج) يدل على أنها وضعت يوسف في مكان ولم تقل له ادخل عليهن أي لم يكن في مكان خارجي مكشوف وإنما كان يوسف مصاناً في مكان داخلي. (قد شغفها) كأنك شققت القلب ووضعت الحب في سودة القلب، شغفها أي ملك شغاف قلبها وحبه تمكن منها وهذا يظهر في أكثر من موقف: لما قالت (ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً) لم تذكره من حبها له، والنقطة الثانية (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) ثم قالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تدل على أنها أدخلته مرة ثانية وخبّأته كأنها أخرجته لمحة ثم أدخلته من جديد ولذلك استعمل (فذلكن) لمّا تكلمت عنه تكلمت بإشارة البعيد. قولها (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) ثم (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تدل على أنها خبّأته عن أعين النسوة وهذا يدل على أن العزيز لم يطرد يوسف وإنما هو تحت تصرف امرأة العزيز هي التي تأمره بالدخول أو الخروج.
كلمة (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وقع في نفس النسوة أن الله تعالى لا يخلق مثل يوسف فقلن (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ)، ساعة ما رأينه وقع في أنفسهن شيئاً أن هذا لن يخلق مثله فقلن (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) ولذلك أكبرنه أي قلن الله أكبر ولما قلن حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم كأنهن رأين بشراً كثيراً لكن ليس مثله فقالت امرأة العزيز مباشرة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) هذا من حيث جماله فأعلت من قيمة يوسف وأنه في عِفّة وأنه بعيد المنال وهي تجعل النسوة يتحسرن بقولها عن عفّته (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) ومع هذا لن تتركه (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لما يسجن بعد ذلك كل أهل المدينة يعلمون أن يوسف ما زال على عفته واستمسك واستعصم لكن لو لم يسجن يوسف لكان دل ذلك على أن يوسف قبل بمراودة امرأة العزيز، فالسجن كان لفائدة يوسف. قد تقول فلان في السجن لكن من يؤكد ذلك؟ ولكن قال (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ) يؤكد ذلك دخول فتيان معه وخرج أحدهم يتكلم عن يوسف فهذا أكبر دليل على أن يوسف استمسك إلى نهاية الأمر وامرأة العزيز قالت (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) وسُجِن يوسف إذن لم يرتكب الفحشاء. دخول الفتيان أكبر دليل على أن يوسف في السجن وأنه استمسك بالامتناع عن الوقوع في المعصية. كان ممكن أن تبقيه في القصر ولكن كان دل على أن يوسف قبل معها.
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) المسلم الحق يبقى رضى الله عنده أهم من أي شيء في أي موقف وأهم مما يُحِبّ فجعله (أحب).
الموقف صعب على يوسف هو موقفه ضعيف وامرأة العزيز لديها سلطان وقوة ولكن المنهج عنده واضح وكلما تعرض للخطر أو الفتنة يستعمل المنهج لينجو وليس عنده لحظة ضعف أو شك. الكيد لم يكن فقط من امرأة العزيز وإنما من النسوة فقال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فيها دعوة من النسوة وامرأة العزيز أن يكون هناط علاقة محرمة وعلى رأسعهم امرأة العزيز ومع هذا يوسف يستعصم بالله ويستعين بالله والله تعالى يكافئه دائماً بالنصر.
العلاقة بين امرأة العزيز ويوسف كانت ستكون في منتهى الشذوذ لأنها هي بمثابة أمه التي ربّته ثم أن المفروض أن يكون الرجل هو الذي يقود زمام المبادرة لكن هذه المرأة خرجت عن إلف العادة. استخدام فعل المراودة (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) مع هذه القوة وهي ساعة طلب الموضوع راودته وتزينت وتجملت وعملت كل ما تفعله النسوة إذا أردن هذا والذي يدل على هذا كله كلمة (وراودته). وكلمة (هيت لك) هذا التصريح بعد الإيحاء، المراودة كانت إيحاءات لكنها هي خرجت من الإيحاءات إلى التصريح. نذكر ما قاله إخوة يوسف (سنراود عنه أباه) أي سيحتالون على أبيهم ليأخذوه. كلمة المراودة افتعال شتى أنواع الحيل للوصول إلى المراد فلما لم تنفع المراودة مع يوسف (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) هي انتقلت من المراودة التي تعني كل أنواع الإيحاءات من غير تصريح فلما لم تحصل على نتيجة صرّحت وقالت (هيت لك). يوسف نبي وثابت على مبدئه وهذا يعني أنه يتميز بالذكاء عن باقي البشر ولم يلقِ بالاً للمراودة وهذا الذي جعل امرأة العزيز تنتقل من الإيحاء إلى التصريح وعند التصريح قال (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) فظل مستمسكاً ومستعصماً بالله تعالى إلى آخر الطريق هذا يبين لنا الآية (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) الآيات هو استعصامه واستمساكه بالعروة الوثقى بدليل لما مكرت النسوة وكادوا مع كيد امرأة العزيز ومكرها قال يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لم يقل أهون عليّ. عند الناس العاديين نقول أهون أن فلان فضل السجن على الرشوة. لو سألنا أنفسنا لماذا نخطئ؟ لأننا لا نضع الخطأ مع العفة وإرضاء الله في كفتي ميزان لا نفكر وإنما نقدم على المعصية. أحبّ على وزن أفعل (أفعل التفضيل) كأن فيها كفتان: إرضاء الله أو الخطأ. لو يوسف uحاشا لله وعاذ الله عمل الفاحشة لكان سيداً مطاعاً وهذا ما يتحجج به البعض الآن لكن نقول لهم كل نعيم في الدنيا مؤقت وزائل والبعض يقول فعلت ووقعت للحفاظ على لقمة العيش. (أحبّ) لأن الحياة لما وصفت في القرآن وصفت أنها متاع أي يعني مهما طال وقتها فلها نهاية. انظروا إلى من هم في نعيم دنيوي مهما طال به الأمد فله نهاية وسينتهي الأمر قبل أن تبدأ الدنيا بالنسبة للواحد منا يحدد الأجل وعندما ينفخ الملك الروح في الجنين قبل أن يولد يحدد رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. الأجل تحدد قبل أن يولد فالأجل هذا أصلاً سيف مسلط على الرقاب فمهما طال النعيم في الدنيا سيزول وكل نعيم في الدنيا سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار في الآخرة هيّن. لذا يوسف قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) السجن له نهاية بالتأكيد حتى لو مات في السجن سيكون في الجنة فلما استمسك يوسف واستعصم بالله دخل السجن لكن خرج منه عزيزاً وخرج في مكانة الرجل الذي ما حرص على امرأته ولا على بيته فلما حرص يوسف على مرضاة الله خرج بمكانة العزيز ولما مكّنه الملك بمنتهى الرضى والاحتياج له فجعل الله تعالى في مكانة وجعل كل البلد تحتاجه. لذا قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ولم يقل أهون علي لكن أحب من ماذا؟ مما يجعونني إليه. لم يقل أنا الذي أصد وإنما قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) لما قال (معاذ الله) يوسف يعلم أن الذي يحميه ليس قوته وإنما استمساكه واستعصامه بالله تعالى. (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) إذن الذي لا يعمل مثل يوسف يكون من الجاهلين وإذا كان من الجاهلين لن يكون في الجنة لا في الدنيا ولا في الآخرة. ونعيم الدنيا نعيم متاع وهو أمر زائل وليس حقيقة لكن الحياة الدنيا في الاخرة متاع لأنه نعيم مؤقت سيزول إما بموتك أنت وابتعادك عنه أو بابتعاد النعيم عنك. كل كلمة في الآيات توقع توقيعاً بديعاً في مناط الأحداث يعني النسوة قطعن أيديهن وقلن حاشا لله في هذه الأثناء امرأة العزيز تكبر يوسف عند النسوة ليتحسرن عليه أكثر. (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) ويوسف قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) بعد واقعة امرأة العزيز واستدعائها للنسوة هو ما زال في بيت العزيز.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) استجابة المولى له كانت في صرف الكيد عن يوسف, لما أراد المولى أن يوقع لنا كُنه يوسف في هذه المسألة قال (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) لن يقل لنصرفه عن السوء والفحشاء ولما دعا يوسف واستجاب له ربه قال (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) هذه تكررت مرتين. لنصرف عنه السوء كأن يوسف وكل من استمسك واستعصم تجعله في مكانة لا تجعله يذهب إلى السوء والفحشاء وإنما هم الذين يأتونه والذي يستمسك ويستعصم لن يكون مرتاحاً لأن السوء والفحشاء سيأوتك وهذا من الابتلاء. الابتلاء أن يأتيك السوء والفحشاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) يقولوا هنا معناها يعلنوا إيمانهم لذلك توقيعها في القرآن (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) المولى قال للرسول (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) المسألة ليست في أن أقول ولكن تحصل أحداث تدل على إيمانك لا تكون بالكلام وإنما تكون بالفعل لذلك (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك) فالفتنة والابتلاء هي من تثبت إيمان فلان من عدمه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/8/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:51 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 54

ما زلنا مع قصة يوسف والدروس المستفادة منها والعجيب أنه مع كل ابتلاء ينجح يوسف باستعانته بالله وقوة إيمانه وعقيدته وهذه نقطة فاصلة عندما يتعرض الإنسان لهكذا ابتلاء يرجع الأمر كله لله سبحانه وتعالى ولا يتكل على قوته.
الدرس المهم الذي وقفنا عنده في الحلقة السابقة أنه رغم مكر امرأة العزيز وفتنة النساء وكل الملابسات الله تعالى كان الملجأ والملاذ ليوسف u(وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) ومع هذا سيدخل يوسف السجن لكن نقف قليلاً عند مسألة استجابة الله تعالى في صرف الكيد عن يوسف. نريد أن نوضح هل هذه الإستجابة كانت قاصرة على أن يوسف لا يضعف أمام كيد النسوة أو أن تأثيره سيمتد إلى المراحل ما بعد دخول السجن؟
مسألأة الإستجابة تحتاج لوقفة في توقيع كل إتجاه. نعود آية ماذا قال يوسف ساعة تكلمت امرأة العزيز في وضعه بعد الرفض المستمر ساعة قال (معاذ الله) وأمام النسوة كان هناك شأن آخر لم يتكلم عنها القرآن وتركها للقارئ كل يأخذ حسب فهمه وتدبره وتلقيه. قال (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تنبين لهم أن النسوة وقعن في حب يوسف من نظرة واحدة فقط لكنها قالت كلمة السجن أكثر من مرة في كلامها ولما نوقع القرآن نجد أن أول ما قالته لما ألفيا سيدها لدى الباب قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وأمام النسوة قالت (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) والذي سنقف عنده أن يوسف نبي وشأنه في الكلام يختلف عن شأن أيّ شخص آخر غير نبي. قال (رب) في الدعاء نتكلم بحسب توجيه الدعاء لله تعالى عندنا كلمة رب وكلمة إله متى نستخدم كل منهما؟ المسألة التي فيها يوسف مسألة رفض معصية أي هناك تكليف بـ(إفعل ولا تفعل) وهذه مسألة تتعلق بالألوهية لم يقل القرآن (إلهي) وإنما قال (رب) والمسألة التي نتكلم فيها لا تتعلق بإفعل ولا تفعل التي تتعلق بالربوبية وإنما تتعلق بالألوهية التي تتعلق بالتكليف نستشعر في قوله تعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أن يوسف متمسك بأنه ليس بطلاً وأنها ليس شطارة منه وإنما هو يستعين بالله. قلنا امرأة العزيز راودته في البداية فقال (معاذ الله) ولم يقل معاذ ربي لأن هذه مسألة رفض معصية في تكليف بـ إفعل ولا تفعل (ألوهية) فمعاذ الله مكانها هنا. ولما قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لأنه يريد أن يقول ما قاله ساعة أكد مناط الرب فلم يقل (إنه الله أحسن مثواي) وإنما قال (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، وفي السجن قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لم يقل الله، وهنا قال (قال رب) كأنه يقول مع أن هذه معصية فأنا متمسك بالربّ الذي رباني وأنقذني فهو الذي سينقذني.
صياغة القرآن كل كلمة في مكانها وكل شيء محسوب بشكل دقيق.
الإنسان البسيط الذي ليس لديه علم ولكن لديه يقين بالفطرة ويستعين بالله هل يتساوى مع العالمين أم أن الأمر يتعلق بالفطرة؟ الله سبحانه وتعالى يتعامل مع خلقه بمسألة الفطرة التي فطر الناس عليها ويمكن ألأن يكون هذا البسيط أفضل عند الله من ألف عالم والمسألة تتعلق باليقين والصدق. لو قرأنا آيات سورة يوسف هي ليست قصة فقط وإنما فيها حصيلة علمية لننجو لذلك الكلام في القرآن بقصد التمثيل والتشبيه، يوسف يخرج من كل موقف بيقين ومسألة السجن يوسف قال كلمة بعد تهديده بالسجن للمرة الثانية وهو موقفه ضعيف جداً والنسوة من كبار القوم ولما يتكلم يتكلم مع نفسه ولا يكلم النسوة (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) بينه وبين الله تعالى. لما نسمع أنه قال رب في هذا الموقف فعندما يمس الإنسان الضر يدعو ربه وليس الله (دعوا ربهم). (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) هل ما تفعله النسوة محبوب؟ أحبّ أفعل تفضيل أي شيء أفضل من شيء. هذا فيه رسالة أن يوسف رجل طبيعي ولكنه قال (أحب إلي) أي بالنسبة ليوسف أما غيره فقد يكون هذا الشيء محبوب. يوسف ليس عنده حب تفضيل وإنما هو ليس عنده هذا الأمر والسجن أحب إليه من هذا الأمر. السجن والمعصية التي مناطها غضب الله عز وجل، السجن مهما كان فيه أحب إلى يوسف وليس أهون وليس باعتبار أن ما تدعوه إليه النساء محبوب وإنما مسألة مرضاة الله والمعصية يأخذ المناط من العملية وهو في باله المولى عز وجل وليس النسوة بدليل الكلمات التي قالها (معاذ الله) بعد تصريح امرأة العزيز (هيت لك).
يوسف u رأى أن السجن أحب إليه من معصية الله عز وجل رغم أن الأمر فيه ظلم وتقييد الحرية وإحساسه أنه مسجون ظلماً وأنه بريء ومع هذا يرى يوسف أن السجن أفضل من معصية الله عز وجل فهل هذا أيضاً من ضمن قوله تعالى (والله غالب على أمره). يوسف مهما كان السجن أهون عنده من معصية الله وأي شيء أمام معصية الله محببة ليوسف مهما كان فيها من ضيق ولذلك التوقيع الإلهي بعدها أن دخوله السجن أخرجته عزيز مصر. معصية الله ليست واردة عنده ولما توجه إلى الله قال (رب) والتوقيع القرآني (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ). قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) هناك أمران في الدعاء أنه حتى لو دخل السجن هو مرتاح لكنه يريد أن يصرف الله تعالى عنه كيدهن وقد يكون الصرف في دخوله السجن والله تعالى قال (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) وقلنا أن الاستجابة غير التلبية الاستجابة قد تكون بشيء لم تكلبه ثم التلبية يوم القيامة تكون باستبدالها ببيت في الجنة لكن هنا حصلت الإستجابة بالتلبية (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ). فصرف عنه كيدهن أي أن النسوة سكتن عندما وجدن رفض يوسف. (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) مستمرة في حق يوسف (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) السوء يأتي إليك لكن التوقيع القرآني يبعد عن يوسف السوء والفحشاء وكيد النسوة. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) عندنا طلب أن يصرف عنه الكيد وهو في سبيل ذلك مستعد أن يدخل السجن والذي حصل في الاستجابة شيء رائع استجابة بالتلبية (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) وتوقيع غريب (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ).
ما الذي جعلهم يغيرون رأيهم ويدخلون يوسف السجن مع أنه ما زال في بيت العزيز مع أن العزيز قال في البداية (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا)؟
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أي آيات براءة يوسف وهذا أمر غريب. ما الذي بدا؟ المفروض أن الموضوع قد انتهى لكن يوسف ما زال في بيت العزيز ولا يمكن أن تعود العلاقة بين يوسف وامرأة العزيز كما كانت قبل (هيت لك). القرآن يصون احتمال هذا الأمور (بدا لهم) من هم؟ الوضع يجب أن يفهم أن (لهم) تعني العزيز وأهل مشورته والذي بدا لهم بدا لهم نتيجة الوضع وأن يوسف ما زال داخل القصر والعزيز يخرج. للأسف أن امرأة العزيز ما زال لها تأثير لأنها قالت من البداية (إلا أن يسجن) وسجن يوسف تحقيق لرغبتها. لم يطردوا يوسف لأن امرأة العزيز تريده أمام عينها وتحت شيطرتها فعندما يكون في السجن هي تعرف أخباره. لو سأل العزيز أهل المشورة لنصحوه بأن يطرد يوسف وليس سجنه لأنه قال له (يوسف أعرض عن هذا) وقوله (واستغفري لذنبك) هي المخطئة فلمَ يسجن يوسف؟ هذا يدل على أنه ما زال لديها تأثير على العزيز. الآيات تنطق على براءة يوسف فلماذا يسجن؟
(حتى حين) امرأة العزيز عندها أمل أن يخرج من السجن عندما تستشعر أنه سيوافق ولهذا لم يحدد عدد سنوات لسجنه وإنما قال (حتى حين) ولا يوجد سجن بدون تحديد مدة عقوبة. لم نسمع لا في القانون ولا في القرآن (حتى حين) عقوبة مفتوحة! إذن (حتى حين) أي أنها تستعيده للقصر إذا سمع كلامها ورجع عن استعصامه بالله وقبل بالمعصية. (حتى حين) توقيع مبدع في إصرار امرأة العزيز على المعصية والأعدب إصرار يوسف على الإلتجاء إلى الله تعالى وأن السجن أحب إليه من معصية الله تعالى.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ (36)) أي نُفِّذ القرار. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) القارئ يظن أنه لن يحدث مشاكل على اعتبار أن دخول السجن عقاب فكيف استجاب له ربه؟ هذه نقطة أثارها بعض المفسرين. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) وهذا حصل لأن الله تعالى صرف عنه كيدهن ويوسف لم يطلب من ربه أن لا يدخله السجن، يوسف يقول (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) مشكلته الحقيقية هي الكيد أما السجن فليس لديه فيه مشكلة. لو أنه قال لا أريد أن أدخل السجن ولا أريد الكيد لاختلف الأمر لكن يوسف قال السجن ليس مشكلة أما الكيد فهو المشكلة وليس لديه مانع من دخول السجن فلاستجابة كانت مبدعة إستجابة بالتلبية فصرف عنه كيدهن وابتلاه لتوقيع السجن (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) يوسف قال حلى لو دخلت السجن فليس هناك مشكلة وهو صادق بدليل أن القرآن الكريم قال (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ (36)) أي دخل السجن. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) السجن يبدو أن شر لكنه فيه كل الخير. إرض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس وهذا الغنى ليس غنى مال ولكن غنى في كل شيء. المهيمن هو الله تعالى وهو غالب على أمره وهذه قيلت في أول القصة (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) في كل شيء في المراودة والشاهد والنسوة واستدعاء امرأة العزيز للنسوة وإصرارها على المعصية ثم سجن يوسف مع أنه بريء ولكن السجن توقيع لقوله (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) يوسف رجل صادق. من أول يوم في السجن قال له اللذان دخلا معه (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وبدأوا بسؤاله وصدق الله تعالى (إنه من عبادنا المخلصين). قد يكون هذان الفتيان اللذان دخلا مع يوسف هما أيضاً مظلومين. التوقيع القرآني (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) تدل على أن كل واحد منهما مختلف. لأول مرة يكون مع البراءة حكم مع أنهم رأوا الآيات التي رأوا براءة يوسف فيها حكموا عليه بالسجن.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) من الذي أبدى لهم؟ الله تعالى لأنه غالب على أمره. كما حصل مع النبي r قبل الهجرة عندما تشاور المشركين في قريش هل يقتلونه أو يخرجوه لكن الله غالب على أمره فأخرجوه.
ينتقل المشهد إلى داخل السجن وتأخذ القصة منعطفاً جديداً حتى تتحقق أيضاً إرادة الله تعالى (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) مع يوسف فتيان لا ندري هل هما مذنبان أو مظلومان والغريب أن الإثنين يحلما بحلم مختلف وجاءا إلى يوسف بالتحديد ويقولان (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) هذا كله تدبير إلهي أن أحدهما سيخرج من السجن وسيكون مقرباً من الملك حتى لما يحلم الملك ولا يعرف أحد تأويل الرؤيا يذهب هذا الفتنى ليوسف ليأول الرؤية. هل كلمة (معه) في دخل معه السجن هل هي معية المكان أو معه أي في نفس الوقت؟ قد تكون هذه أو تلك. ودخل معه السجن أي نفذ الحكم ودخول يوسف السجن كان (هل كلمة حتى حين تعني عندما يوافق على ما طلبته امرأة العزيز أو حتى حين أي حتى تهدأ الأمور) هناك ما يسمى حبس احتياطي حتى تهدأ الأمور. لكن يبدو أن حتى حين لها علاقة بأن امرأة العزيز لها سيطرة لأنهم نفذوا رغبتها في سجن يوسف.
المفروض أن أهل المشورة يكونوا من الحكماء فلم لم يقوم أحد منهم ويقول اطردوا يوسف من المدينة؟ وهل العزيز في قلبه مكانة ليوسف فأبقاه في نفس المدينة؟ يوسف له مكانة عند العزيز بدليل قوله تعالى (ليسجنن) بالجمع ولم يقل ليسجنه العزيز. الحكم كان لأهل المشورة الذين سيطرت عليهم امرأة العزيز ويوسف غالي على قلب العزيز لأنه ربّاه توقيعها أن يوسف دخل السجن.
ما الذي سيحصل في السجن وتأويل الرؤيا وخروج يوسف من السجن سنتناولها في الحلقة القادة إن شاء الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/8/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:52 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 55
تقديم علاء بسيوني
سورة يوسف تمثل مشواراً طويلاً من الابتلاءات وتثبت أن يوسف uينجح في كل ابتلاء ويثبت أنه من عباد الله المخلَصين وأن وعد الله سيتحقق (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). الذي يخصنا من هذه الدروس نلخصها في درس كبير أن المنهج واضح ومهما كانت المعوقات فإن الذي يتمسك بالمنهج هو الذي سيربح في النهاية لكن القصة تبقى في مناط الصبر عند الإنسان لأن الإنسان ينظر لوعد الله تعالى بالنصر ويريده في الحال وعندما يُعرض على إنسان مالاً حراماً من عمل فيه شبهة أو محرمات تجد بعض الناس يقول هل أترك عملي قبل أن أجد عملاً آخر؟ البعض يعتقد أنه يستمر في عمل الحرام والشبهة إلى أن يظهر لك طريق حلال! الله تعالى وعد بالنصر فهل نصبر على الابتلاءات حتى نحصل على الجائزة أم لا؟ هذه هي الفلسفة المستفادة من قصة يوسف u.
مشهد دخول السجن مشهد جديد يدخل فيه البريء يوسف السجن وهذه من ضمن ابتلاءات يوسف u وكل ما حدث هو من ترتيب محكم من الله سبحانه وتعالى وليس من قبيل الصدفة.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40))
عندما يكون إنسان بهذه المواصفات ويختاره الله تعالى ليكون نبياً ورسولاً فهذا لا يأتي من فراغ والمواصفات الموجودة فيه بالفطرة ومع أنه سبحانه وتعالى تعهد يوسف u بالتربية وأنه من نسل أنبياء كل هذه المقومات يجب أن تجعل يوسف يتصرف بهذا الشكل.
دخل يوسف السجن ودخل معه اثنان بغض النظر عما قيل في الإسرائيليات (وفي هذه كثير من الاسرائيليات التي دخلت في كتب التفاسير أن أحدهما كان خباز الملك والآخر ساقي الملك وأنهما حاولا أن يدسا السم للملك والذي نجا بعد ذلك هو الذي أخبر الملك بالمكيدة وهذا كله لا أصل له وهو من الإسرائيليات) هذان الفتيان رأيا بفراستهما أن يوسف من المحسنين فسألوه وهذه ثقة بيوسف أنه سيؤوّل لهم الرؤيا وحتى لا تفهم الثقة خطأ من الفتيان أرجع يوسف u الفضل كعادته لله تعالى (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)، والملمح الآخر اهتمام الفتيان بالرؤيا وتأويلها فأجّل يوسف تأويل الرؤيا إلى ما بعد إخبارهما عن التوحيد وكان همّه الأساسي أن يخبرهم بمناط العقيدة والتوحيد قبل تأويل الرؤيا. فهل لو كان أحد غير يوسف في هذا الموقف يتصرف بهذا الشكل؟ أم هل هذا منطق الأنبياء والمحسنين المخلَصين ويتحقق قوله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)؟
هذا كله يحتاج إلى تدبر. الله تعالى يضرب المثال في قضية العِفّة والبعد عن معصية الله في كبيرة من الكبائر التي اشتهرت في كل عصر وخاصة عصرنا وهي الزنا بنبي لأنه عندما يقول (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) الناس عندما تسمع هذه الآية يحتجون ويقولون هو رسول ونحن لا يمكن أن نكون مثله إذن لماذا أرسل الله تعالى الرسول؟ هذه قضية غابت عن الناس فالله تعالى عندما يضرب المثل بالرسل يجب أن نحاول أن نكون مثلهم. لما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) الصادقين عندما تكون مطلقة تعني الأنبياء والرسل والقرآن لم يقل من الصادقين (المنّية هي ليست بيدي وإنما هي اصطفاء من الله تعالى) أما مع الصادقين تعني معية تقليد وليست معية توصيف. وما زال الناس يسألون عن قضية ابليس لما خاطبه تعالى هل كان من الملائكة أم لا (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) الحجر) ولم يقل منهم لأنه ليس منهم. هذه الآيات في قصة يوسف توضح أموراً عالية جداً أولاً (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ) هذه معية ذات هم دخلوا معه والاحتمالات كثيرة ونحن نتكلم لنوضح للمشاهدين بعض ما جاء في كتب النفسير لأن بعض المفسرين يرفض الإسرائيليات في بداية التفسير ثم فجأة يضع إحتمالات لكلام لم تقله إلا الإسرائيليات (أن أحد الفتيان خباز الملك والآخر ساقي الملك ونحن ليس عندنا دليل على هذا لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة) ثم يقول أن أهل المشورة دبروا مؤامرة أن هذان الفتيان أرادوا أن يسمموا العزيز لكنه في نفس الوقت قال أنهما ساقي الملك وخباز الملك وليس العزيز كما قالوا في أول الرواية وأوقع نفسه في خطأ واضح. للأسف ليس كل ما هو تراث محقق فما نفعل للمسلم الذي أمامه عشرات الكتب التي فيها الصحيح وغير الصحيح؟ فهل يجب أن يكون هناك لجنة كبيرة تحقق ما هو موجود في المصادر وهل يجب أن يكون هناك تفسير عصري للقرآن ويستخدم الدروس والعبر من القصص القرآني والآيات حتى نطبقها كمنهج في حياتنا كمسلمين. هذا منهجنا نحن نتدبر القرآن من خلال التوقيع اللغوي للآيات في مختلف السور بدليل انتقالنا من سورة الفرقان إلى الروم إلى سورة يوسف وتوقيع سورة يوسف (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وذكرنا ما قاله تعالى في سورة الروم (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)). عيب غالبية المسلمين في هذا العصر أنه أول ما يجد القصة يريد أن يسمعها كقصة ولا يريد أن يأخذ العبرة والعظة. ففي قصة يوسف عندما سأله االفتيان (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) نراك فعل يرى يأتي بمعنى شاهَد أو علِم فعندنا احتمالين قد يكون الفتيان سمعا قصة يوسف uالذي أدخلوه السجن حتى تسكت القضية وكلام الناس، (إنا نراك من المحسنين) تحتمل أن يكون معناها إنا علِمنا أنك من المحسنين أو نشاهدك الآن. يسوف uلما سمع منهما الرؤيا قال لهما أنه سيخبرهما لأن الله تعالى علّمه الذي علّمه لأنه اتبع عقيدة وأنه من عائلة تعبد الله الواحد وأثبت لهم العقيدة والتوحيد وتكلم معهم ليكونوا من أهل التوحيد وضرب لهم المثال هل يعبدون إلهاً واحداً أو آلهة بدون أن يقول لهم أن عنده وحي وإنما بالمنطق هل تعبد عدة آلهة تختلف أهواءهم وكل منهم يطلب منك طلباً أو تعبد إلهاً واحداً؟ وتوقيع القرآن أن السجن كان سجناً إحتياطياً مؤقتاً بدليل أن أحد الفتيان سيخرج من السجن والآخر سينفذ عليه عقوبة إذن السجن ليس سجن عقوبة وإنما سجن احتياطي فصدق الذي قال (ليسجننه حتى حين) عند أهل المشورة تعني حتى تهدأ الأمور وعند امرأة العزيز حتى يعقل يوسف ويرجع من وجهة نظرها. هذا الكلام هل نأخذه من كلام الله تعالى أو من الإسرائيليات؟ عيب الإسرائيليات يظهر غباء لأنهم يأتون بكلام ليس موجوداً لا في الكتاب ولا في السنة وينسبون كلاماً لم يقله الرسول r ونحن عقيدتنا في ديننا ما قاله الله تعالى وما قاله الرسول r. في خطبة الرسول rكان يفتتح خطبته: "فإن خير الكلام كتاب الله وخير الهدي هدي محمد r" فهذان هما المصدران اللذان نأخذ منهما والرسول r حذّرنا من الاسرائيليات (وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) حذرنا الرسول r أن لا نأخذ من غيره، خذ من الكتاب ومن السنة حتى ترتاح ولا يأتيك ما يمكن أن يشك فيه. تعريف البدعة هي الزيادة في الدين على سبيل التعبد ما لم يفعله الرسول r. هناك حديث : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ما معنى الحديث؟ السُنّة غير البِدعة التي هي أن تأتي بما هو غير مسبوق. السُنّة الحسنة بمعنى أحيا سُنّة غابت عن الناس والسُنّة السيئة هي البِدعة فكلمة (سنّ) الأولى بمعنى أحيا وكلمة (سنّ) الثانية هي أحدث بِدعة لم تُعمل سابقاً وهذا من المشترك اللفظي. والمسلم يجب أن يعمل كل ما عمله الرسول r وينتهي عن كل ما لم يفعله الرسول r. الناس للأسف تسأل بعد أن تعمل وليس قبل كما يحدث في الحج بدل أن يسأل عن كل ما يجب فعله قبل أن يحج يسأل بعدما يعود ويكون قد عمل.
في بعض النقاشات بين المسلمين وغير المسلمين والحوارات بين الديانات يقول المسلمون كيف نناقش بالقرآن والأحاديث وهؤلاء لا يؤمنون بالقرآن ولا بالرسول r؟ فهل يصلح هذا المنطق المجرد الذي استخدمه يوسف u الذي يتناسب مع الفطرة هل يصلح لأن يكون ركيزة للنقاش مع غير المسلمين؟ هذا يصلح في بداية النقاش مع غير المسلمين يجب أن تبدأ بمنطقية الأمور كما فعل يوسف u ثم ينقلهم للعقيدة وعندما يدخلون العقيدة نكلمهم بالقرآن.
يوسف لم يتكلم مع فتيان السجن عن الرؤيا بداية وإنما توقيع القرآن قال أنه سيقول لهما عندما يحصل أي كلما يحصل لهما سيقول ولكنه يقول ليس من عنده وإنما من عند ربه. وقبل أن يتكلم عن العقيدة الصحيحة تكلم بمنطق (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) وذكر أنه اتبع ملة آبائه (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ (38)) ذكر عقيدتهم التي هي التوحيد ولم يلزمهم بها وهذه سياسية ومنهجية فكر وطريقة عرض (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) هل أعبد بشراً أم أعبد إلهاً؟ الذي يسير على منهج عقيدة يرتاح والبعض يقول أن الإغريق عندهم آلهة لكل شيء وهذا الإله عمل والآخر عمل كذا وهذا كله غير صحيح لأن هذا من صنع بشر الذي أخبر القصة أن هناك آلهة متعددة وحصل بينهم صراع وفي الأصل هذا غير صحيح وإنما من عند بشر فهل أعبد بشراً أو أعبد إلهاً؟ القرآن عرض لكل هذا لكن في قضية الإختيار جاء بآية في منتهى الإبداع (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11) لقمان) هل ادّعى أحد أنه خلق؟ لو قال أحدهم أنا خلقت ولم ينازعه أحد ستعبده لكن لم يدّعي أحد الخلق. القرآن علمنا كيف نجادل النمرود الذي ادّعى لنفسه أنه يحيي ويميت لم يناقشه إبراهيم فيها وإنما استدرجه إلى قضية أكبر (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ (258) البقرة) التوقيع القرآني (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) هذا كلام بمنطق القرآن. (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11) لقمان) من قال أنه خلق الشمس أو القمر أو الأرض أو غيرها؟ لا أحد. البعض قد يتساءل في الآية (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون) هذه الآية من عدالة التوقيع اللغوي في القرآن. أثبت الله تعالى الخلق لغيره لكن هذا الذي يخلق خلق من ماذا؟ لو ضربنا مثلاً أن رجلاً نجاراً وضعته في غرفة فارغة وقلت له إصنع لي طاولة فسيسألك أن تعطيه خشباً ومسامير وأدوات لكن خلق الله لهذا قال فتبارك الله الذي خلق من دون شيء الذي يقولون عنه عدم لكن لا عدم في وجود الله وكلمة عدم لا تتفق مع الله واجب الوجود وليس موجوداً كما يقولون لأن الموجود إسم مفعول أي هناك من أوجده وهذا لا يليق بالله تعالى. الخالق الأعظم سبحانه وتعالى يخلق من لا شيء من لا وجود وليس من عدم (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) له أي أن الشيء عنده سبحانه موجود ولو كان عندنا غير موجود إذن ليس هناك عدم مع الله تعالى. أحسن الخالقين أثبت الله تعالى لك الخلق لكن حدود خلقك من موجودات أما خلقه تعالى فمن لا شيء. هذا هو المنطق الذي يتفق مع الفطرة السليمة التي توصل للإله الحق وللدين الحق والمنهج الحق ولذا استعمل يوسف u هذا المنطق في طريقة العرض ليصل بالفتيان إلى التوحيد الحق.
يوسف أوّل الرؤيا من عند الله تعالة بدليل قوله (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لأنه عندما تعرض الناس عليك الرؤيا تقول أنا رأيت كذا وهذا الكذا يريد الناس أن يوقعوه في الواقع فالذي يعبر الرؤيا ينقل هذا الكلام إلى أرض الواقع، الذي يقول أني رأيت أو حلمت يستعمل أفعالاً ماضية والماضي قد حصل ويمكن أن يملكه أي أحد لكن عندما تفسر له تقول له سيحصل كذا أي هذا سيحصل في المستقبل وهذا أمر لا يكون إلا لله تعالى. يوسف قال (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا) الحلم ماضي والمفسر عندما يفسر ينقل الكلام من الماضي للمستقبل لكن من يملك هذه إلا الله تعالى؟ ومن يتجرأ أن يقول سيحصل لك كذا؟ هذا ما نسمعه في برامج تفسير الأحلام وهذا كفر لأن المستقبل غيب والغيب لا يملكه إلا الله تعالى.
أول ما قال يوسف (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا (37)) قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) اي أنه يتكلم بوحي وما علمه الله تعالى إياه وصاحب الوحي إذا قال سيحصل يعني سيحصل فعندما قال r(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) الروم) (غلِبت الروم) هذا فعل ماضي و(سيغلبون) هذا مستقبل وهذا وحي من الله تبارك وتعالى لمحمد r ولا أحد يقدر عليه سوى الله سبحانه وتعالى.
الصياغة القرآني والفتيان يتكلمان عن الرؤيا (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) استخدما فعل المضارع (أراني) لأنه يؤكد أنه رآها رؤية منامية كأنها واقع ولا زالت في ذهنه وكأنها حاصلة الآن حتى لا يشك يوسف uبالرؤيا ولذلك استخدم الفعل المضارع (أراني).
يجب أن نستفيد من قصة يوسف وطريقة عرضه لمنطق التوحيد المجرد وطريقة مخاطبته للفتيان في السجن بالدعوة الحسنة واللطف (يا صاحبي السجن) لتكون دروساً لنا في مخاطبة الناس ودعوتهم وأمرهم بالمعروف ونهيههم عن المنكر والدعوة لا تكون من إنسان فظ وقالها القرآن للرسول r (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران).
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/9/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:53 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 56
تقديم علاء بسيوني
الرحلة مستمرة في سورة يوسف والهدف استخلاص المنهج من قصة يوسف الذي رغم تعرضه لابتلاءات كثيرة خرج منتصراً وهذا نستفيد منه حتى لا نضعف ونقع في الزنا. وقفنا عند دخول يوسف السجن الذي هو تدبير إلهي لحكمة أن يخرج يوسف من السجن بصورة أحسن ويبرّأ والعبرة دائماً بالخواتيم.
مسألة دخول يوسف السجن والفتيان وكيف استغل يوسف هذا الموقف ليدخل في مسألة التوحيد فما الدرس الذي نخرج منه من قصة يوسف r؟
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40))
دائماً أكثر الناس لا يعلمون والقِلّة عادة هي المنتبهة الطائعة والأكثرية هي الغافلة ولكن البقاء للأصلح والعبرة بالخواتيم ومن دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم اجعلني مع القليل" وهناك من لا يشكر (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) غافر).
نلخص قصة يوسف r أن مسألة منهج يوسف u وهو مع تزايد الابتلاءات لا يضعف والبعض يعتقد أنه إذا ابتلاه ربه فهو غاضب عليه ويرى عكس الأمر فبدل أن يراه منحة أو رفعة درجات يعتقد أنها محنة وأن الله تعالى غاضب عليه. فما الذي جعل يوسف يصل لهذه المرتبة؟
نحن لم ننتقل من سورة الفرقان إلى سورة يوسف إلا لتحقيق كيف نتقي هذا الإم الذي هو الزنا وطبقنا هذا على كل إثم من الآثام التي ضرب تعالى بها المثل في سورة الفرقان وهي غير مذكورة على سبيل الحصر وإنما على سبيل التمثيل: الشرك والقتل والزنا. الشرك مثال لأمور كثيرة تظهر من حديث لرسول الله r "إذا كان العبد المؤمن وإذا كان العبد الكافر" ممكن يسأل أحدهم أين الباقي؟ هو حدد المؤمن والكافر ومع العلم أنه في مقابل الإيمان هناك صنوف كثيرة النفاق والشرك والكفر لكن الرسول r يعطي مثالاً يجمع تحته كل الصنوف فكما قال إذا كان العبد المؤمن قد يكون محسناً أو مؤمناً أو غيره من درجات العبودية لله تعالى وكلهم في الجنة لكن تختلف درجاتهم وأقلّ الجنة جنة وأقل النار نار والعياذ بالله. هناك فرق بين التصنيف ودرجات الجنة وهذه عملية واسعة جداً فداخل كل درجة درجات فالمؤمن يختلف عن مؤمن آخر والرسول r قال بين أبي بكر وعمر هيهات هيهات هيهات، وهذا الكلام داخل الدرجة. نضرب مثالاً بداية يوسف كيف كانت وكيف كانت نهايته وماذا تعرض له من ابتلاءات؟ أول إخبار عن يوسف u يرى رؤيا (إذ قال يوسف لأبيه) ونهايته عزيز مصر، ملك مصر مكانة لم تأت بين يوم وليلة ونحن عندما يعرض علينا حادثة الزنا هذه لدقائق ورفضنا لها ينبني عليها أمور لا نتحيلها فبرفضنا لها نكون قد أغضبنا الشيطان والناس وأرضينا الله تعالى. نسير مع يوسف في كل واقعة، كل واقعة تعطينا موضوعاً لكنه هو يحمل همّ أمر آخر، امرأة العزيز تفكر في واقعة الزنا التي تنتهي في دقائق معدودة مهما طالت لكن بالنسبة ليوسف (معاذ الله) ولما جاءت بالنسوة راودنه جميعاً وعندها كلّم المولى عز وجل وقدّم له مسألة في منتهى الخطورة لا يفعلها إلا من صدق مع الله فقال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33)) إتهم نفسه بالتقصير مع أنه لم يقصّر أبداً ووضع نفسه في منزلة حتى يبين أن الفضل لله تعالى وهنا يعلمنا أن نبقى في معية الله واثبت الفضل لله. نحن لا نعرض لقصة يوسف لنتكلم عن مسألة الرؤيا ولكن ضرب الله تعالى بيوسف المثل وهو واحد لنتعلم منه.
ما الفرق بين دخول يوسف السجن وخروجه من السجن؟
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56))
لم يخرج يوسف u مباشرة وإنما خرج بشروطه بعد أن يُبرّأ. يجب أن نتعلم كيف نتدبر القرآن وهي غير سهلة مع أنها قد تبدو سهلة. وردت (ائْتُونِي بِهِ) مرتين أول مرة ليأول الرؤيا ويسمعها الملك منه شخصياً والثانية بعد أن تكلمت النسوة وتكلمت امرأة العزيز فبقاء يوسف في السجن على مراده هو لا خروجه على مراد العزيز تبين أن يوسف صاحب فكر ومنهج ويظهر أنه لم يخرج لأنه بريء من التهمة ولكن خرج يلبي إحتياج الملك. نقطة البقاء في السجن المدة التي تكلمت فيها النسوة وذكرنا أن الملك أجرى تحقيقاً مع النسوة (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) ولم يحقق مع امرأة العزيز التي تكلمت من تلقاء نفسها (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) هذا يؤكد مقدار الحب الكامن في نفسها ليوسف ويؤكد منزلة يوسف عند الناس فضلاً عن امرأة العزيز وهي تكلمت من غير تحقيق. ويؤكد ما قاله يوسف في بداية الأمر أن العملية ليست كلاماً يقال (السجن أحب إلي) أحبّ هذه احتاجت لاختبار لذا لما قال تعالى (فاستجاب له ربه) قال أحدهم كيف استجاب وقد دخل السجن؟ هذا يبين أننا لم نفهم معنى الاستجابة. الاستجابة وقعت في أمرين استجابة تلبية في أمر واستجابة ابتلاء في أمر آخر. أحياناً تدخل شخصاً تعرفه أنت والناس تجهله فتدخله في تجربة حتى تثبت لغيرك ما تريد أن تُظهره فيه ولو لم تكن واثقاً من الشخص ومن النتيجة لا تقدم على التجربة. الذي يجري الأحداث بهذه الكيفية هو الله تعالى تحقيقاً لقوله تعالى (والله غالب على أمره) هذه الآية تعمل دائماً لأن الذي سمع من يوسف كان ممكن أن يأخذ تأويل الرؤيا من يوسف ويقولها للملك مباشرة وهذا يحصل الآن من سرقة الأبحاث والاكتشافات والأفكار في الجامعات وغيرها.
حياتنا مبنية اليوم على عكس هذه المفاهيم ويسألأ الناس ماذا نفعل؟ نقول لهم علينا أن نكون في معية الله لأن الله غالب على أمره وإلا لكان الرجل الذي نجا من السجن أخذ تأويل الرؤيا من يوسف وأخبرها للملك بنفسه. يوسف u صاحب فكر ومنهج فهو قال لصاحبه في السجن اذكرني عند ربك لا من أجل الخروج لأنه فسر الرؤيا وهو في السجن وإنما من أجل البراءة. يوسف من أول الآيات يسير بمنهج على مراد الله وهذه بدأت من بداية القصة ويعقوب حذّره من بداية القصة (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا (5)) الذي حصل هو الكيد ويوسف لم يقص الرؤيا لإخوته وسمع ما قاله له أبوه وإلا لكانوا قتلوه ولكن الله غالب على أمره.
نربط بين مكانين في سورة يوسف (ائتوني به) وبين آخر السورة (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) الموضوع يبلوره الله تعالى لنا على لسان يوسف u. كلام يوسف ترجمة لما يقوله المولى تعالى أن المنهج إلهي وأن الفضل لله وهمّه ليست الدنيا وإنما الآخرة وما حصل ليوسف كله بولاية الله تبارك وتعالى (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) ولذلك في مسألة الرؤيا قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) يعني ما حصل من بداية القصة (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)) إلى آخرها (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) واختيار هذا التوصيف لله (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فالذي فطر السموات والأرض سهل عليه أن يفعل كل هذا (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) كل ما حصل بولاية الله وفي الآخرة توفني مسلماً لم يقل مؤمناً أو محسناً لأن هذا إسلام الوجه وهو أرقى درجات العبودية، يوسف أسلم في البداية ثم آمن ثم اتقى ثم أحسن ثم أسلم إسلام الوجه فلا يغرنا إيماننا أن نموت مسلمين لكن يوسف من ذكائه قال (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) هو يعتبر نفسه ليس من الصالحين لأنه يستقل ما يفعله. هو لا يعتبر نفسه من الصالحين وهذا من ذكاء المؤّدي وإنما يريد أن يكون مع الصالحين في الآخرة. الآية فيها توقيع بديع جداً يقول للرسول r(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102)) وهذه قضية حجر الزاوية في قضي الإيمان لذا في مطلع البقرة (الذين يؤمنون بالغيب) الإيمان بالغيب مهم جداً وهذه القصة بالنسبة للرسول r لما تكلم بها غيب (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ما حصل بين إخوة يوسف لم يحضره الرسول r والمفروض أن اليهود عندما سمعوا القصة وهي عندهم في التوراة والإنجيل كان عليهم أن يصدقوا ولكنهم حرفوا وقالوا عنه مجنون وساحر.
في التوراة خطاب من الله تعالى لبني إسرائيل أنه سيرسل لهم من بني إخوتهم رسولاً والمفروض أن يكون من نسل اسماعيل لأنه أخو اسحق لكنهم أدخلو الهوى في التفسير وقالوا سيخرج النبي منهم. كلام عيسى لبني إسرائيل (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (6) الصف) وبنو إسرائيل كانوا يريدون أن يكون خاتم الأنبياء منهم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم (29) الروم) هؤلاء الذين ظلموا تصلح في كل عصر لأنهم قد يكونوا ظلموا أنفسهم أو ظلموا الناس أو ظلموا غيرهم والذي يظلم نفسه يتبع الهوى لا المنهج. من أين عرف الرسول r قصة يوسف إن لم يكن وحياً؟ هو وحي لأنه لم يكن في تلك الفترة ولم يتعلم لذلك يقول تعالى له (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)) هو لم يكن معهم ليعلم وهذه الآية تطمئن الرسول r وتطمئننا على الواقعة التي حدثت (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ثم يقول (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) هذا الذي كان يجب أم يكون لكن التوقيع (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وقال قبلها (ولكن أكثر الناس لا يعملون) (ولكن أكثر الناس لا يشكرون). لننظر ما حدث في عهد رسول الله ونأخذ النسبة نجد القليل من أسلم لذا قال (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ثم قال بعدها بآيتين (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) وهذا ما يحص في مجتمعنا اليوم كل واحد على طريقته كما قال تعالى في سورة الروم قال (كل حزب بما لديهم فرحون) أي يدعون أنهم هم الصح. لأم الله واحد لا بد أن يكون الدين واحداً والطريقة واحدة لذا افتراق الأمة على 71 أو 72 أو 73 هذا كلام منطقي لكن بالمنطق الإله الواحد يعبد بدين واحد لأن الحق لا يتعدد. شاهدنا في قصة يوسف ما حدث من عهد (إذ قال يوسف لأبيه) إلى قوله (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) المُلك الذي أخذه لم يكن ملكاً مطلقاً لذا قال (من الملك) لأن الملك المطلق لله تعالى فيوسف نبي فهم الحقيقة وقال (وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) نضعها مع (ذلكما مما علمني ربي) لم يقل تفسير الأحلام وإنما تأويل الأحلام.
قال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) بعض الملك والبعض يغتر بقدرة أو بتصرف أو غيره فلما تفنى السموات والأرض ويموت كل شيء يسأل تعالى لمن المُلك اليوم؟ لله الواحد القهار. هذا الموضوع حجر زاوية فلا يمكن أن يكون القرآن مخلوق لأن ملك الموت نفسه سيموت والله تعالى ينادي بالقرآن إذن القرآن باقٍ ببقاء الله إذن تعريف القرآن هو كلام الله باق ببقاء الله لا يصيبه موت أو عجز أو تحريف أو غيره (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
سورة يوسف مليئة بالدروس أولها أنه يجب أن نلجأ للمولى عز وجل ثم لا نغتر بعبادتنا وقربنا إلى الله لكن نسأل الله تعالى المعونة وأهمها يجب أن نفهم المنهج جيداً ولا نعتمد على النوايا فقط ولا نقصر في فهم المنهج ونتصور أننا على صواب ولا يمكن أن نقع لذا علينا الاستعانة بالله تعالى ومسألة الزنا ليست حكراً على الشباب الذي يعاني من الكبت والذي يتعرض لمغريات كثيرة وإنما هناك من هم متزوجون لسنوات ولكنهم بسبب بعض المشاكل أو أي سبب من الأسباب يقعون في الزنا لأسباب عديدة ولكنه لن يقع إذا قال يا رب وفهم المنهج وطلب العون من الله تعالى.
هل مشوار الحياة هو منتهى الأمل؟ مستقبلنا الحقيقي هو في الآخرة وليس في الدنيا (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) إذن هم لا يعلمون والغالبية لا تعلم. الإنسان يتسابق لشراء أرض هنا وبيت هناك ولم ينتبه أنه سيترك كل ما يملك ولا يفكر ببناء قصور له في الجنة
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
فمن بناها لخير طاب مسكنه ومن بناها لشرّ خاب بانيها
المفروض أن نفكر ونفهم الحياة فلو جمعنا الأموال لن نأخذه معنا القبر ولن نأخذ أكثر مما كتبه الله تعالى لنا فمن الذكاء أن آخذ على قدر حياتي حتى أعبد هذا الإله وعندنا آية فاصلة حاكمة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فعلينا أن نوقّع ونحقق هذا الآية. علينا أن نعمل في الدنيا بما يتناسب مع المنهج ولو قصدنا وجه الله تعالى في أي عمل سيوفقنا الله تعالى ويجب أن لا يشغلنا شيء عن ذكر الله تعالى لأننا سنترك كل شيء في هذا الدنيا.
خلال شهر رمضان المبارك يعرض برنامج طريق الهداية يومي الخميس والجمعة الساعة 3.30 عصراً بتوقيت مكة المكرمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/9/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:55 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 57
تقديم علاء بسيوني
التوبة ليست كلمات يقولها اللسان وانتهى الأمر، هناك من يقول بلسانه تبت إلى الله ثم يقع في المعصية ذلك لأنه ببساطة لم يتب، فالتوبة عملية متكاملة تحتاج إلى فهم ووعي ومكانة من القرب والتوقى عند الله سبحانه وتعالى. كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. شهر رمضان كان فرصة لتقرب الإنسان لله والطاعة لكن للأسف البعض يقل تقربه بعد رمضان وبالتالي يخطيء الإنسان فيحتاج للتوبة. ذكرنا في حلقات سابقة الكبائر الثلاثة التي ذكرها تعالى في سورة الفرقان وهي الشرك بالله والقتل والزنا وكيف نفعِّل عملية التوبة حتى نبتعد عن الكبائر ثم الصغائر ثم يصل لمرحلة القرب من الله تعالى والتقوى.
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71))
هل الترتيب في الآيات يوصف أن هناك شروط للتوبة نحن غافلون عنها؟ هل عندما أخطيء يخرج الإيمان من قلبي؟ وما المقصود بالأعمال الصالحة؟ وهل من شروط التوبة أن أعيد الحقوق لأصحابها بعد أن أتوب حتى لو كانت كلمة؟
موضوع التوبة اعتاد الناس أن يتوبوا باللسان (أستغفر الله، تبت إلى الله) وكثير من يخلط بين الاستغفار والتوبة ولا يعرفون مقام كل واحد منهما. في عهد علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين دخل رجل إلى الصلاة فقال اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ثم قال الله أكبر وبدأ بالصلاة فسأله علي ابن أبي طالب ماذا فعلت؟ قال كنت أتوب، فقال علي ابن أبي طالب "إن سرعة التوبة باللسان هي توبة الكذابين". علي ابن أبي طالب لم يعلم مم يتوب الرجل لكن لفت نظره سرعة توبة الرجل بالكلام. الرجل سأله: فما التوبة؟ قال عليّ: التوبة كلمة تقع على ستة أشياء (يعني حتى تتوب يجب أن تمر بست مراحل) فالندم على ما مضى (يجب أن تندم على ما فات وكثير لا يندم على ما فات لأننا لو لم نستحضر المعصية لن نعلم كيف يتوب، لم نسأل أنفسنا مم نتوب؟ ولماذا نتوب؟ وإلى من نتوب؟ لو استحضرت عظمة الله تعالى الذي تتوب إليه الذي لا يمكن أن تنقض العهد معه، نحن لم نفهم من هو الله؟ يقول العلماء من استحضر العقوبة والمعاقِب لم نقدم على المعصية. البعض يحتج بالحديث القدسي الذي فيه يذنب العبد ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، هذا حديث صحيح والله تعالى قال لرسوله r: (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) الحجر) لم تقف الآية عند الغفور الرحيم، يجب أن نضع صفات الجلال والكمال عند قدم المساواة مع بعض هو رحيم لكن ليس عن ضعف، هو رحمن لكن ليس عن عدم قدرة. (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) الأنعام) رب العالمين لا يلزمه شيء وقال تعالى في الحديث القدسي (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً). قال عليّ ابن أبي طالب: التوبة كلمة تقع على ستة أشياء: الندم على ما مضى (هذا من حيث المعصية ذاتها تستقبحها) وفي رواية قال عليّ الندامة وليس الندم، الإعادة فسأله الرجل الإعادة لماذا؟ قال عليّ: للفرائض، يعني ساعة ما وقعت في المعصية هناك فرائض سقطت منك فلا بد أن تعيد هذه الفرائض، البعض يعتبر نفسه في فترة المعصية كافر حتى لا يؤدي الفرائض التي سقطت منه، هذه الأمور تكشف حقيقة التائب والتوبة، فكأن علي ابن أبي طالب يضخِّم مرحلة المعصية، حتى لو صلى العاصي الفرائض في مرحلة المعصية لكنه لم يكن يؤديها بشكلها المطلوب وإلا لنهته عن الفحشاء والمنكر، الدنيا دار ابتلاء والله تعالى جعلها امتحاناً لنا. الإنسان في مرحلة المعصية إذا أطلق نفسه للسرقة أو الزنا أو الشرك وضرب القرآن مثالاً لنا في الكبائر الثلاثة، إبراهيم ويوسف وابني آدم كلام علي ابن طالب عندما قال إعادة الفرائض كأنما يذكر العاصي أنك تصلي للإله الذي زنيت تحت سماه وسرقت تحت سماه وقتلت تحت سماه، عندما تستعظم التوبة ستشاور نفسك مائة مرة قبل أن تعصي. ثم قال علي ابن طالب: رد المظالم، وقال لا يمكن أن تقبل توبة في حق العبد إلا إذا رددت المظلمة سواء كانت كلمة أو مال أو غيره، لو مات من ظلمته أرسل المال للورثة أو ضع المال باسمه صدقة جارية. ثم قال علي: إذابة النفس في الطاعة يعني حتى لا تعمل معصية مرة ثانية تدخل نفسك في طاعات كثيرة، هناك من يأتي المسجد قبل صلاة الظهر بنصف ساعة حتى لا يُخطئ لأنه كان يهرب من المدرسة مع زملائه وكان يتركهم ليأتي للمسد حتى لا يُخطيء. هذا كالذي يحيط نفسه بالتوبة حتى لا يقع في المعصية. ناقشنا مسألة (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) مسألة العمل لأن الإنسان العاصي عصى لأن لديه وقت فراغ فقال علماء النفس إذا أردت أن يعود هذا العاصي عن معصيته أشغله بعمل، وأخص العمل الصالح أن لا تعود للمعصية وأن تشغل نفسك بطاعة حتى تكون لك وقاية وهذا ما عبّر عنه علي ان أبي طالب بإذابة النفس في الطاعة كأن النفس أصبحت جزءاً من الطاعة. ثم قال علي ابن أبي طالب: إذاقة النفس مرارة الطاعة. لما قال الندم قال على ما مضى ولما قال الفرائض قال التي سقطت منك ورد المظالم للناس وإذابة النفس بالطاعة لأنك شغلتها بالمعصية وإذاقة النفس مرارة الطاعة هذه مقابل معالجة لذة المعصية التي تباهى بها العاصي في فترة المعصية وزينها له الشيطان، قال عليّ مرارة لأن أمامها تزيين من الشيطان وأؤكد أن للطاعة حلاوة لا يعرفها إلا من جرّبها كقيام الليل له عند ما يفعلها حلاوة. تبدأ الطاعة بمرارة لكنها ستنتهي بحلاوة وما قال عليّ ابن أبي طالب مرارة إلا ليقابل التزيين فالعاصي يكون معجباً وفرحاً في فترة المعصية ويسعد بها. ثم قال علي ابن أبي طالب: البكاء فسأله الرجل على ماذا أبكي؟ قال مقابل الضحك الذي ضحكته وأنت تعصي فكل ضحكة ضحكتها في معصية يجب أن يقابلها بكاء كل هذا تفعله حتى تفيق أنت لم تتب بعد وإنما هذه كلها مراحل تحضيرية وهذا يبين عظمة الفهم عند علي ابن أبي طالب. نعود لمسألة الإعادة للفرائض إذا فلسفناها نقول قال تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت) والرسول r يقول في الحديث الشريف: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" إذن في الحقيقة كلام علي ابن أبي طالب يوافق القرآن والسنة، إذن الصلوات التي كان يصليها في فترة المعصية لا تحسب له صلاة لأنها ليس فيها شروط الصلاة، لا يعيدها إذا نهته صلاته عن المعصية أما المستمر في المعصية فيجب أن يعيد الفرائض. الإنسان لما يعمل طاعة يكون سعيداً لكن الذي عمل معصية يكون حزيناً.
كل شيء له ثمنه هذا المفهوم إذا غاب عن الناس يجعل الناس يستمرون في المعصية؟ وإذا كان الله تعالى لم يمهلك لتتوب فماذا تفعل؟ لو ضمن أحدنا عمره فليفعل ما يشاء ثم يتوب قبل الموت. وهل استسهال الذنب واستسهال التوبة عوامل تسهل للإنسان الوقوع في الذنب مرة ثانية وثالثة؟ وهل كلام علي ابن أبي طالب من شروط التوبة تحضير لعملية التوبة؟ الإنسان أولاً يستأصل الذنب من تاريخه أولاً ويستأصل من القلب ارتباطه بلذة المعصية. الإذاقة تصرف الذهن لشيء جميل لكن علي ابن ابي طالب يقول إذاقة النفس مرارة الطاعة فكأن بهذا الكلام يعاقب النفس على ما فعلت فمثلاً طول قيام ليل تسأل القائم ليلاً لم تفعل هذا فيقول لك أنا أربي النفس وأؤدبها حتى لا تعود إلى ما فعلت كما يتحمل المريض مرارة الدواء ليتحقق العلاج. الشاعر قال:
إذا كنت في نعمة فارعاها فإن المعاصي تزيل النِعَم
إحدى الأخوات الفاضلات روت لي قصتها مع الحجاب فقالت كانت تتباهى بجسمها وشعرها فبعث الله تعالى مرضاً لو اكتمل معها لابتعدت عن الناس فطلبت من الله تعالى أن يشفيها وهي تلتزم بطاعته وكانت صتدقة فشفاها الله تعالى والتزمت لكن هذه المسألة لا تتم لأي شخص فالموت أو المرض يأتي بغتة وفجأة. الذي عنده نعمة الصحة ويستخدمها في معصية الله تبارك وتعالى وفي إغضاب الله سبحانه وتعالى فأنت لا ترضى أن تغضب أبوك أو أمك أو مديرك وهؤلاء بشر فكيف أمام عظمة الإله الحق.
يا ليت ما بيني وبينك عامر وما بيني وبين العالمين خراب
على كل واحد فينا كلما تعرض عليه معصية استعرض عظمة الإله الحق القوي القادر يراقبني في كل شيء وبعض الناس تقدم على المعصية وليس في بالها صفة الرقيب لله تبارك وتعالى وذاك الرجل الذي اختلى بامرأة فقال لها لا يرانا أحد سوى الكواكب في السماء فقالت له أين مكوكبها؟ فرجع عن المعصية. قد تأتي الغفلة نتيجة عدم استحضار الإله الحق وعظم الصفة التي أغفلناها وهي الرقيب. هل سمعت عن تاجر مخدرات اتفق أن يلتقي مع تاجر مخدرات آخر في قسم الشرطة؟ بالطبع لا وإلا لكان مجنوناً ولكن للأسف نحن نعصي أمام الله تعالى وغاب عنا أنه تعالى لا ينام ولا يغيب وغفلنا عن قوله تعالى (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (255) البقرة) آية الكرسي جميعنا يحفظها لكن قليل من يعمل بها لأن النفس والشيطان ينسياه إياها. لو نجح الإنسان أن يحول مرارة الطاعة لأول وهلة إلى لذة الطاعة يستبدلها بلذة المعصية ولا يجب أن نفهم كلام علي ابن أبي طالب على أنها ستظل مرارة وإنما تبدأ مرارة ثم تصير حلاوة مثابل حلاوة المعصية المزيفة بالتزيين. وقال مرارة لأن الطاعة دائماً فيها مشقة لأنه حُفّت الجنة بالمكاره وحُفّت النار بالشهوات. أنت تقوم في ليالي الشتاء الباردة وتتوضأ بالماء البارد وتصلي لذلك إسباغ الوضوء على المكاره فيه فضل كاستخدام الماء البارد في الشتاء والماء الحار في الصيف فتوضأ وأسبغ الوضوء ولك فضل إضافي وأجر في كلاهما. نحن على دين يكافيء الله تعالى من يعمل حسنة فالذي يجامع زوجته له أجر كما أنه إذا وضع شهوته في حرام يحاسبه الله عليه، هذا إله حق إذا أحسنت يكافئك وإذا أخطأت يعاقبك ولذلك قوله تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) كأني بعلي ابن أبي طالب أن مسألة التبديل ليست رخيصة وسهلة "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" لذا نشتاق جميعاً إليها ويسعى إليها العاملون وكلمة الجنة تأتي مع الذين يعملون والإيمان مقرون دائماً بالعمل (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (105) التوبة) المسألة تحتاج لوقفة حتى الذي يتوب بسرعة يمكن أن يقع في المعصية ثانية في نفس اليوم فالذي يأتي سهلاً يذهب سهلاً والإمام علي ابن أبي طالب يريدك أن تفهم معنى التوب ولذلك بعد أن استعرض المولى الكبائر الثلاث في الآية قال (إلا من تاب) الذي تاب ووقع ثانية هل نقول عليه تاب؟ كلا لأنه وقع في المعصية ثانية إذن لما يقول تعالى (إلا من تاب) يعني تاب بحق وصدق وأول علامات قبول التوبة عدم الرجوع إلى المعصية لأن الذي يعود للمعصية ثانية لم تكن توبته حقيقية لأن التوبة في القرآن واللغة توبتان: عندما يفكر الإنسان بالتوبة يجب أن يكون الله تعالى قد تاب عليه (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) تاب الأولى أي هداهم للتوبة وطالما هداك الله للتوبة ستتم بشكل صحيح ولن يحصل بعدها معصية لأن الذي هداك إليها هو الله عز وجل وليس أنت. في موضوع توقيع قبول التوبة نجد في القرآن (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (25) الشورى) قال تعالى عن عباده ولم يقل من عباده لأن (من) في اللغة تعطي للفاعل منشأ الفعل فإذا قلت فلان أخذ منك شيئاً يعني أن هذا الشيء كان ملكك أنت فكلمة (من) تعطي منشأ فعل العطية للتائب بينما هي ليست هكذا. (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة ليست عندهم المنشأ ليس عندهم مثل توبة آدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) آدم لما عصى لم يعرف أن يتوب فحسمها القرآن (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) آدم مفعول به وليس الفاعل فهو أخذ من رب العالمين الذي أعطاه وهذه مسألة تقطع لسان من يقول أن علينا وزر من آدم لأن آدم انتهى وزره في تلك اللحظة عندما تاب عليه الله تعالى وما ذنبنا نحن؟ لأنه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء). آدم u تاب الله تعالى عليه (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) الله تعالى تواب قبل آدم فما وقع آدم في المعصية إلا لإعمال صفة التواب والذنب انتهى. خطورة الفكر أن الإنسان يضع فكراً من عندياته بعيداً عن المنهج الذي وضع الله تعالى قواعده وبالتالي وارد أن العقل البشري أن يضل لذا قيل: من اعتمد على عقله ضلّ ومن اعتمد على غيره ملّ ومن اعتمد على ماله زلّ ومن اعتمد على الله لا ضل ولا ملّ ولا زلّ. لو أن أبي أخطأ فما ذنبي أنا؟ فكيف يقولون أن علينا وزر من آدم؟ لو كان عندنا وعي علينا أن نسجد لله على معصية آدم لأنه لو لم تحصل هذه المعصية لما شرعت التوبة. هذه علاقة بينك وبين الحالق إذن هناك منهج واضح لذلك قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) استخدام (عن) كأن الله تعالى يريد أن يبعدك عن المعصية فينأى بك عن المعصية ويتحمل عنك. (عن) تعطي معنى التحمل فكأنك ساعة نويت أن تتوب بصدق توبة نصوحة ليست توبة كلام يتقبل الله تعالى عنك.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/10/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:56 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 58
تقديم علاء بسيوني
ما زلنا نتكلم عن التوبة وقلنا أنها حالة وليست مجرد كلمات تقال باللسان وإنما هي حالة حتى يصير الإنسان متاباً. تكلمنا في الحلقة السابقة عن حديث قدسي يحرم الله تعالى الظلم على نفسه وعلى البشر وفيه علاقة الخالق بالمخلوقات. سنقف عند قضية الخطأ والاستغفار والتوبة وسنقف كثيراً في الحديث القدسي عند أمور نربطها ببعضها حتى يصل الإنسان إلى حالة توبة مستديمة. نلمح في الأحاديث القدسية ملمح من الخصوصية بعيداً عن القرآن والأحاديث الشريفة وكأنها علاقة مباشرة أكثر بين الخالق والعباد وكأن بها درجات قرب من الله تعالى.
نقف عند كنه الحديث القدسي. نحن عندنا القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى وعندنا الحديث النبوي الشريف وعندنا الحديث القدسي. القرآن كلام الله يُتعبد بتلاوته ونأخذ منه المنهج والتوجيه. الحديث القدسي كلام الله لكن لا نتعبد بتلاوته وإنما نأخذ منه النصح والتوعية والعلاقة التي بيننا وبين الله تعالى وبيننا وبين الناس وبين العبد ونفسه ومع أن العلاقة التي بيننا وبين الله تعالى واضحة والتي بيننا وبين الناس واضحة ومع ذلك نقع في أخطاء كثيرة لكن لم ينتبه أحد للعلاقة بينه وبين نفسه والكلام في الحديث القدسي يقف عند هذه المنطقة ويحتاج لمن يبيّنه لنا. لما يقول تعالى في الحديث القدسي: " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً فلا تظالموا" "بينكم" هذه واسعة جداً فهي تشمل ما بيننا وبين الناس وبيننا وبين أنفسنا وأبشع أنواع الظلم أن تظلم نفسك وكل علماء الإسلام الذين تكلموا في أنواع الظلم ذكروا مراحل ثلاث: الظلم بينك وبين الله والظلم بينك وبين الناس ومرحلة ثالثة وهي الظلم ما بينك وبين نفسك. الظلم الذي بيني وبين الله ظلمت فيه نفسي والظلم الذي بيني وبين الناس هو ظلم للنفس لأنها ستعاقب عليه والظلم الذي بيني وبين نفسي كلها ظلم للنفس، ساعة أقع في الظلم بيني وبين الله لن يتأثر الله تعالى ولكن أنا الذي أتأثر بذلك. إذن القرآن كلام الله يتعبد بتلاوته والألفاظ من عند الله تعالى أما الحديث القدسي فهو كلام الله لكن لا يُتعبد بتلاوته والألفاظ من عند الله تعالى أما الحديث النبوي فالمعنى من عند الله تعالى يوقعه في ذهن رسول الله rواللفظ من عند رسول الله r.
لما ذكرنا الحديث القدسي كنا نتكلم عن نقطة مهمة جداً في التوبة وهي رد المظالم، عندما يكون عندك شرط أن ترد المظالم إذن أنت وقعت في ظلم والله تبارك وتعالى ينهى في هذا الحديث عن الظلم بكل أنواعه وهو تعالى حرّمه على نفسه. في رواية الإمام مسلم "إني حرمت الظلم على نفسي" وفي رواية الإمام البخاري في الأدب المفرد " إني قد حرمت الظلم على نفسي" و(قد) تأتي للتأكيد. كيف نفهم هذا الحديث؟ ما هو الظلم؟ ما هو التحريم؟ كيف حرمه الله تعالى على نفسه؟ كيف نأخذ التوعية والنصائح العالية من الله تبارك وتعالى لعباده (عباد الرحمن) فالحديث يتسق في نقطتين: العبودية الحقة لله تبارك وتعالى وأن أشرف أنا كمسلم أن أنتسب لله تبارك وتعالى لما يقول يا عبادي كما قال وعباد الرحمن وثانياً أتقي الظلم حتى لا أقع في مظلمة أضطر فيها أولاً لرد المظالم قبل أن أتوب.
ما الفرق في التلقي بين الأحاديث القدسية والنبوية والقرآن؟ القرآن والحديث القدسي كلام الله تعالى يبلغها جبريل u للرسول r أما الحديث النبوي فالرسول r يتكلم بما أوقعه الله تبارك وتعالى في ذهنه إلهاماً أو وحياً. الوحي أنواع مثل (وأوحينا إلى أم موسى) وحي بيد القدير سبحانه وتعالى. لما قال r : إن الروح الأمين ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها" هذا وحي بطريق الإلهام. هناك وحي مباشر مثل (إقرأ باسم ربك الذي خلق) هذا وحي عن طريق الإلقاء وظهرت واضحة عند بداية الوحي.
نص: الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
النداء بـ (يا عبادي) ليس من قبيل الصدفة فالله تبارك وتعالى يريد أن يفهمنا حقيقة العلاقة بيننا وبينه. وذكرنا أن العلاقة بيننا وبين الخالق تعالى غير مفهومة والعلاقة بين أي اثنين يجب أن يكون هناك عقد بينهما ومنهج ورابطة فالعلاقة بيننا وبين الله تعالى من عهد آدم إلى يوم القيامة كم أنزل الله تعالى أنبياء ورسل مع رسالات لأن الأمور لا تسير إلا بمنهج. الله تعالى الإله وضع لنا منهجاً هو القرآن الذي فيه كل شيء يخطر على بالك وفيه حقيقة هذه العلاقة وهذه العبودية. عندما يقول تعالى (يا عبادي) فهو يخاطب فئة من الخلق يجب أن يكون عليها الخلق من العبيد لأننا كلنا عبيد هناك من يأتي لمرحلة العبودية بالعبادية بهواهم ورغبتهم وبما هداهم الله تعالى لأن هذا الحديث يشمل كل شيء يمكن أن تشك فيه فإذا قلت أنا قرأت المنهج واهتديت تكون مخطئاً لأن الله تعالى هو الذي هداك. عندما يقول تعالى "يا عبادي إني حرّمت" أصل التحريم أن تمنع شيئاً، تقول حرمت الشيء الفلاني أي منعته وهذه صيغة من صيغ التحريم وهناك صيغة ثانية منطقية في هذه العلاقة وهي الأمر بالمنع. لما يقول تعالى "إني حرمت الظلم على نفسي" الظلم مرحلة خطيرة في مراحل العلاقات لكن لما يحرِّمه تعالى على نفسه هل من شأن الإله الحق أن يظلم؟ وهل يحتاج تعالى أن يُلزم نفسه على شيء؟ هل الحديث فيه تحفيز للإنسان ليسير على المنهج والله تعالى لن يظلم أبداً فلو وجدت خيراً فاحمد الله ولو وجدت غيرك فلا تلومن إلا نفسك لأنك أنت ظلمت نفسك. الله تعالى لا يلزمه شيء وعندما نتكلم عن المولى عز وجل علينا أن نفهم كنه الإله الحق وهناك خلل لدينا في فهم كنه الإله الحق والله تعالى لا يحتاج إلى شيء إنما هو مراد الله سبحانه وتعالى. لما نذكر إسم الجلالة نقول الله تعالى وعيلنا أن نفهم معنى (تعالى) التي تعني تقدّس وتنزّه عن أمور منها الظلم. لما نقول سبحانه وتعالى يعني تعالى عن أمور وتقدس عنها ومنها الظلم، يوم القيامة هو يوم الفصل والله تعالى يقول فيه لا ظلم اليوم يعني قبل هذا كان هناك ظلم كثير لأن الله تبارك وتعالى توجهت إرادته لأن يحرِّم الظلم إطلاقاً ولما يقول إني حرّمت الظلم على نفسي علينا أن نفهمها من حيث واقعنا نحن لأن الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى تحريم شيء إنما توجهت إرادته إلى ذلك ويجب أن نفهم نحن الجملة في هذا الإطار. "وجعلته بينكم محرماً" الظلم بيننا من أنواع التحريم القاطعة من الله تبارك وتعالى فلما أنت تظلم غيرك تحتاج لتوبة لأنك لما فعلت شيئاً ظلمت فيه نفسك أو غيرك أنت ابتداء لن تستطيع أن تظلم الله تعالى لأنه تعالى قال "لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" لا يمكن لك لأن تضر الولى عز وجل ولا يمكن أن تنفعه وإنما الضرر سيعود عليك أنت وهنا الألفاظ في الحديث قاطعة في التبيان. لما يخاطب الله تعالى في الحديث يقول يا عبادي عؤلاء دخلوا في العبودية بإرادتهم. ولما يقول تعالى (وما ربك بظلام للعبيد) المفاعلة هنا لأنه جمع كل الناس تحت كلمة عبيد فالكل عبيد ومن اختار العبودية لله تبارك وتعالى فأسلم لمحمد r أو لعيسى u أو موسى u أو أي من الأنبياء هذا رجل يتحرك طواعية مع المنهج الذي أنزل من السماء وتوصيفه في كل زمان ومكان أنه مسلم ويكون من العباد لا من العبيد وساعة ما يقع في خطأ يخرج من العباد إلى العبيد. لما وصف الله تعالى عباد الرحمن قال (لا يزنون، لا يقتلون، لا يدعون) هؤلاء لا يفعلوا ذلك لكن من يفعل ذلك يلقى أثاماً ويضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب. وتاب هنا تعني رجع لأنه لما أخطأ خرج من العباد فلما قال تاب رجع بهذه التوبة التي قبلها الله تعالى إلى مرحلة العبادة ولو أخطأ ثانية فهو لم يتب توبة كاملة وإنما كانت توبته كاذبة ولذلك من أول علامات التوبة عدم الرجوع إلى الذنب لكن لو عمل معصية من نوع آخر يكون توبته قد قبلت بدليل أنه لم يرجع إلى القتل أو الزنا أو الشرك لكن رجع مثلاً للسرقة وهي نوع آخر فتكون التوبة قبلت في مكانها. لما قال تعالى (وعباد الرحمن) لم يقل عباد القوي جاء بصفة الرحمن التي لا يمكن لأن يقع فيها ظلم فإذن ساعة وقع في هذه الكبائر الثلاث يكون هو أوقع نفسه فيها نفسه العاصية استجابت للشيطان سواء من شياطين الإنس أو الجن فالمولى عز وجل يوقع حقيقة العلاقة بيننا وبينه تعالى فقال " إني حرمت الظلم على نفسي" أي منعته على نفسي وهذا تفضل من الله على عباده وعيلنا أن نطمئن أن الله تعالى رحمن رحيم ونحن نحب أن يعاملنا الله تعالى يوم القيامة بالفضل لا بالعدل.
بعض الناس لما يتعرض لظلم في حياته ولا ينصفه القضاء مثلاً ولا يجد العدل في حياته فيقولون أين العدل؟ وهل هذا يرضي الله تعالى؟ ويغيب عنه أن الدنيا دار ابتلاء وظلم. الذي اغتصب أرضاً من أحد يكون قد ظلم نفسه أولاً ويوم القيامة سترد المظالم فيأخذ المغتصَب حسنات المغتصِب فإذا فنيت حسناته يطرح عليه من سيئات المغتَصب فيطرح على وجهه في النار لأنه لا ظلم اليوم. فعندما نسمع لا ظلم اليوم لو كنت واعياً لفهمت أنه كان هناك ظلم لكن ليس من الله تعالى لأنه في الحديث قال " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً" فالذي يظلم في الدنيا فكأنه يخالف المنهج ويخالف أوامر وتعلميات الله تبارك وتعالى وهو يظلم تحت وطأة الكبر والطمع والجشع وهذا الظالم يخرج بإرادته من العبادية إلى العبيدية لذا قال تعالى فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وقال تعالى في الحديث القدسي (فلا تظالموا) ولم يقل فلا تظلموا لأنه تعني الظلم من طرف واحد فهو تعالى يمنعك عن الظلم ويمنع غيرك عن الظلم أيضاً ولذلك في قراءة أخرى للحديث (فلا تظّالموا) لما يظلموا مرة تصبح عندهم عادة ويكون فيها مفاعلة ويكون الظالم هذا ظلاّم يشتهي الظلم. ثم نادى تعالى (يا عبادي كلكم ضال) وهذه الكلمة (كلكم) خطيرة، البعض يقول الأنبياء معصومون لكن من الذي عصمهم؟ عصمهم الله تعالى، لذا جاء الاستثناء في الحديث (إلا من هديته) إذن كلكم ضال إما ضلال انحراف أو ضلال عبودية. عندنا حديث آخر :"ما من مولود يولد إلا على الفطرة" أنت مولود على الفطرة السليمة والفطرة عبارة عن الميثاق الأزلي القديم الذي أخذه الله تبارك وتعالى من بني آدم (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا).
علاقة الفطرة بالتلقي من الله تعالى: طالما أن الله تبارك وتعالى بيده كل شيء يطعم من يشاء ويكسو من يشاء ويضل من يشاء ويهدي من يشاء البعض يسأل لم يحاسبنا الله تعالى إذن؟ رب العالمين سيحاسبنا جميعاً وهذه الإشكالية موجودة في أذهان بعض الناس. لو عُينت أستاذاً في كلية وبقيت على مدار سنة تعطي محاضرات وتسأل الطلاب ويجيبون فيمكنك بعد سنة أن تعرف من سيكون الأول والثاني والثالث إلى العاشر فيقولون أنت ظلكتنا فتعمل لهم امتحان وتريهم إجابتهم، هذا للبشر فما بالك بالله تعالى؟ إرادته يجب أن تكون على واقع. أنت انصرفت إرادتك بواقع حصل فالأول في فصلك على واقع امتحنته فنجح. المولى تعالى قبل أن يخلق تتوجه الإرادة إلى شيء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (كن) على وقع الكينونة تقع على شيء فهل يمكن أن يفاجأ الإله بأن فلان اهتدى؟ بالطبع لا لأن من صفاته تعالى المهيمن القيوم وعلمه أزلي. هذا الإله الحق لا يعبد إلا بإرادته ولا يعصى إلا بعلمه. نضرب مثالاً: فرعون قال أنا إله وهذه الأنهار تجري من تحتي لم يكن يعرف من يعصيه ومن يطيعه ومن كان ينحني له ممكن أن يكون لا يحبه لكن الإله الحق ساعة يُعبد يعبد بإرادة الله تعالى والذي يعصي يعصي بعلم الله تعالى بل وبإرادته فساعة يعبد الله يعبد على إرادته والعاصي عصاه بعلمه تعالى وبإرادته. في الحديث "فمن وجد خيراً فليحمد الله" وفي الجنة يقول أهلها (الحمد الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) والذي في النار عرف مقابل هذا. لو لم يرد الله تعالى أن يهدينا ما هدانا. في قوله تعالى في المنافقين قصة كبيرة (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) المرض كان عندهم فزادهم الله تعالى مرضاً وهذا رد على الذي يقول أن الله تعالى لم يهديه. قال تعالى (إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى) وقال تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) وهو يسعى إياه أن يقول أنا بل يقول الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة فإسلامي أنا وساعة قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أحمد الله تعالى على هذه النعمة. هذه الهداية مرجعها إلى الله تبارك وتعالى ولذلك قال تعالى (كلكم ضال إلا من هديته) والهداية هنا تبدأ باصطفاء الأنبياء والمرسلين الذين سيصبحوا رسلاً أي هناك من أرسلهم وهم سيكونوا ناقلي الرسالة والدين إلى الأرض ويحتاجون إلى من ينقل لهم عن الله تعالى فكان أمين الوحي جبريل u. الأمر كله بالنقل من الله تعالى إلى أمين وحي السماء ومن أمين وحي السماء إلى الأنبياء فكأني بالله تبارك وتعالى يقول ما كان الأنبياء قادرون على أن يأخذوا من الله تعالى مباشرة، ساعة اختلى رسول الله r في الغار كان وحده يتدبر ويتفكر وهذا طلب والله تعالى صاحب الفضل الأول فلا يعبد إلا بإرادته ولا يعصى إلا بعلمه وهذه قضية يجب أن نؤمن بها ولذلك قال تعالى (كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) استهدوني أي اطلبوا الهداية مني لا تطلبوها من أحد آخر لأنه سيكون ضلال وشرك فلا نذهب إلى شيخ وإنما نطلب الهداية مباشرة من الله تعالى ولذلك قال تعالى لرسوله r ساعة وجهه إلى هذه النقطة قال (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) إرادته تعالى ومشيئته أنه قريب لكن ليس عن طريق أحد حتى محمد r. كل أسئلة القرآن جاءت إما على صيغة (قل) أو (فقل) لما يقول تعالى للرسول (قل) يعني أن السؤال قد سئل وإذا قال (فقل) يعني السؤال لم يسأل بعد وإنما سيُسألأ. ولما قال (وإذا سألك عبادي عني) لم يقل فقل أو قل وإنما قال (فإني قريب) فالله تعالى قريب من العباد وقريب من العبيد إذا أرادوا أن يعودوا إلى الله تعالى. قال تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) بمجرد أن تخرج من العبيدية إلى العبادية ستجد الله تعالى قريب ورحيم لأنك نويت. لو يقل يا عبادي الذي أخطأوا وإنما قال أسرفوا. من المسرف؟ الذي ينفق بشكل كبير بوعي أو غير وعي، هؤلاء أسرفوا في البعد عن الله والضلال. قال تعالى لهؤلاء (لا تقنطوا من رحمة الله) والشيطان يقنط الإنسان من رحمة الله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته). لذا قال تعالى (فاستهدوني أهدكم) البعض يقول ربنا لم يهدني بعد. استهدوني أي اطلبوا الهداية لكن لا تقول ربنا لم يهدني بعد. يجب عليك أن تتحرك لطلب الهداية (قل إن هدى الله هو الهدى) (من يهده الله فلا مضل له) (فمن يهدي من أضل الله) الله تبارك وتعالى هو الذي يهديه لأنه القادر على كل شيء. فاستهدوني يعني اطلبوا الهداية من الله تبارك وتعالى وقوله تعالى أهدكم أي الذي يطلب الهداية من الله تعالى بصدق لأنه لو كان الطلب صادقاً لتحققت الهداية. الذي يقول ولا يفعل إما أن يكون غير صادق وإما أنه لم يطب مطعمه ولهذا قال تعالى في الحديث بعدها (كلكم جائع إلا من أطعمته).
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/11/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:57 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 59
تقديم علاء بسيوني
حديث قدسي بديع يخاطب الله تعالى فيه كل البشر ويضع فيه أسس للفهم والتلقي عن المولى تبارك وتعالى في قضية الخلق وقضية علاقة الأشياء ببعضها فيما يتعلق بالهدى والهداية ومسيرة الحياة في مشوار الإنسان حتى يلقى الحساب إما إلى الجنة وإما إلى النار والمشكلة أنه رغم كل الكلام في القرآن الكريم الذي يحتاج لتدبر وتلقي ورغم كلام المصطفى r إلا أن هذه القضية ما زالت غير مفهومة إلى هذا اليوم والناس ما زالت تسأل هل نحن مسيرون أو مخيرون وطالما أن كل شيء بقدر الله وهو تعالى المهيمن والمتحكم في المصائر والأقدار فلماذا يحاسبنا؟ وإذا قيل لأحدهم لماذا لا تصلي أو لماذا لا تتحجبي يقولون لم يهدني الله تعالى بعد وكأن التقصير من وجهة نظرهم يرجع إلى المولى تعالى حاشاه. وقفنا في الحلقة السابقة مع الحديث القدسي:
نص: الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
هذا الحديث يحتاج إلى تدبر ووعي حتى نفهم عن الله تعالى. قضية الهدى والضلال هل هي قضية خاصة بالله تعالى وليس لي علاقة بها؟ وهل أنتظر أن يهديني الله تعالى وأنا جالس في بيتي؟ إذا كان هذا الكلام صحيحاً فلماذا تخرج من بيتك لتبحث عن رزقك؟
من جماع ما سبق هذا الذي يدور في أذهان الناس وهذه هي الحقيقة للأسف الشديد فيما يتعلق بالهداية في أذهان الناس. القضية باختصار يوضحها القرآن كثيراً ويوضحها الله تبارك وتعالى في قرآنه بالقرآن. يوضح أن الله تبارك وتعالى أنزل المنهج تلو المنهج لهداية الناس ودعنا نتكلم من القرآن من عند محمد r القرآن منهج الهدى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) توصيف هذا الكتاب في الكتاب (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) المنهج ينزل فالذي يتلقى يستقيم والذي لا يتلقى لا يستقيم. المشيئة هنا تعود على المتلقي ولما نسمع هذا الكلام نفهم أن المنهج ينزل بأمر من الله تبارك وتعالى وعلى الناس أن يتلقوه لكن في الحقيقة مردّ المشيئة هذه حتى لا يغتر مخلوق بإيمانه (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) هذه الآية تحل لغزاً كبيراً بين أهل المنطق وأهل العلم وأهل علم الكلام وأهل علم الحديث وأهل علم التفسير لأنها قضية زلت فيها أقدام وتوقفت فيها أفهام والكل احتار فيها، لمن الهداية؟ لله تبارك وتعالى إذن يقولون فما ذنبي أن خلقني الله تعالى يهودياً أو نصرانياً؟ هذه حجة الضعيف في الفهم عن الله تبارك وتعالى. لما يقول تعالى وهو يخاطب الرسول r الذي كلفه بالرسالة وبالمنطق لا يمكن لأن يكون الرسول r الذي أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق أن يكون على ضلال لكن في الحديث القدسي ما يقابله في القرآن: الحديث يقول : يا عبادي كلكم (بما فيكم الأنبياء والمرسلون) ضالّ (الكل ضال حتى الأنبياء ولكن ليس ضلال منهج أو عقيدة أو شرك أو نفاق أو كفر وإنما ضلال بحث عن الإله الحق) قال تعالى (ووجدك ضالاً فهدى). اليهودي ضلاله كفر وابراهيم u لما خرج يبحث عن الإله الحق هذا ضلال بحث. الله تعالى يخاطب رسوله r بقوله (ووجدك ضالاً فهدى) الضلال هنا يتلخص فيما كان يفعل r في أن يذهب بمفرده إلى الغار ليتفكر في هذا الكون وهذه الحياة وفي هؤلاء الذين يعبدون الأصنام حتى أنه r كان يرفض مبادئ الأخلاق قبل أن يأتيه المنهج كما سبقه إلى هذا جميع الأنبياء فالضلال هنا ضلال بحث عن هذه الحقيقة وعن الإله الحق وكل واحد فينا ضلاله ختلف عن الآخر وحتى ونحن في طريق الهداية يكون هناك نوع من الضلال الجزئي. ساعة يوسوس الشيطان بمعصية وتطمئن النفس لهذه الوسوسة وتشرع في التنفيذ هذا نوع من أنواع الضلال. عندما تسيء النفس مرة بعد مرة إما أن تطمئن لهذه المعصية وإما ترفض وهذه هي النفس اللوامة وهذه قضية الصراع بين المؤمن الحق والشيطان، بين النفس على إطلاقها وبين الشيطان وهذه الوسوسة نوع من أنواع الضلال يحدث للإنسان ولذلك من عظمة هذا الإله الحق في توقيعه لهذه المسألة حيث النية بعد الوسوسة والتنفيذ إسمع لقوله تعالى "كلكم ضال إلا من هديته" ومن ضمن الهداية أن يرحم الله تبارك وتعالى عبده فلا يكتب عليه ما توسوس به نفسه ويقول تعالى للملائكة :"إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها وفي المقابل إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها والحسنة إن عملها تكتب عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء ومن رحمته تعالى في المقابل إن همّ العبد بسيئة فلا تكتبها الملائكة فإن عاد عنها تكتب حسنة فالذي يعود إلى الله تعالى ولا يعمل السيئة تكتب له حسنة فإن عملها تكتب عليه سيئة واحدة في حين أن الحسنة تكتب حسنة من فورها وإن عملها تكتب من عشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء هذا نوع من أنواع الهداية والرحمة وتحريم الظلم والله تعالى ألزم نفسه بهذا وإن كان لا يلزمه شيء سبحانه وتعالى "إني حرمت الظلم على نفسي". ومن منطلق تحريم الظلم أن تكون ضالاً فيهديك الله تعالى، جائع فيطعمك، عارٍ فيكسيك هذا من أنواع تحريم الظلم. "كلكم ضال إلا من هديته" هل الله تعالى خلقنا على الضلال؟ وعندنا حديث "وما من مولود إلا ويلد على الفطرة" كلكم ضال هذا باعتبار لو أني تركتكم لأنفسكم مثل لو أن الله تعالى ترك أهل مكة على ما كانوا عليه صنعوا الأصنام وعبدوها فإذن الإنسان إذا تُرك من غير منهج يضلّ لا أنه هو خُلِق على الضلال لأننا مخلوقين على الفطرة (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) الفطرة هي الميثاق الذي أقررنا به ونحن في أصلاب الآباء أن الله تعالى واحد لا شريك له. لو تُركنا للأهواء نضل فيرسل الله تعالى المنهج تلو المنهج لهداية الناس فالذي يأخذ المنهج ويلتزم به.
طالما هذا كلام الله تعالى أنه أخذ الميثاق منا ونحن في أصلاب الآباء يولد الإنسان ويكبر ويصبح له عقل وإرادة ومع هذا نجد كثيراً من الملاحدة والذين لا يعترفون بالدين فأين ذهب هذا الميثاق بالنسبة لهؤلاء؟ والله تعالى يقول في الحديث القدسي "فاستهدوني أهدكم" وهذا هو الحل بالنسبة لهؤلاء. فما الذي حصل لهؤلاء وماذا فقدوا خلال الفترة من ساعة أخذ الميثاق إلى ساعة أنكروا وجود الله؟ الذي فقدوه هو التسليم، هذه قضية صعبة وهي من أصعب مناطق الدين مسألة العقيدة. الذي فقدوه هو التسليم ونحن نتكلم عمن أنكر الله. نرجع إلى ابني آدم القاتل والرافض الذي قتل عرف أن هنالك إله بدليل أنه قرّب إليه قرباناً وهذا مثبت عنده فلما رفض الله تعالى القربان أنكر الله فهذا أسوأ من الذي أنكر الله تعالى. أيهما أسوأ الكافر بالله الذي يعصي أو المؤمن الذي يعصي؟ المؤمن الذي يعصي لأنه يعرف أن هنالك إله وهو عصاه. الملحد قد لا يعرف أن هنالك إله أما ابن آدم القاتل عرف أن هنالك إله وقدم له قرباناً ومع هذا تمرد على ما أمره الله تعالى به. الكافر والمنافق والمشرك في بوتقة والمؤمن الموحد الذي يعصي، المؤمن العاصي أسوأ لأنه عرف الله ومع هذا يكذب ويغش ويقتل وهناك من ترفض الحجاب وتناقش في الحديث والمنهج. عندما يأتي هذا الكلام من كافر فلا بأس لكن أن يأتي من مؤمن فهذا أصعب. الله تعالى يقول لرسوله r "ووجدك ضالاً فهدى" نبدأ من أول الخط أن يختار الله تعالى هذه النطفة ليكون مسلماً ولما يختار النطفة الثانية ليكون يهودي أو نصراني أو مشرك وعندما تعلم أنك ولدت من أبوين مسلمين تحمد الله وهذا سبب الحمد لأنني لم آتي بالهداية من عند نفسي وحتى الذي يأتي إلإسلام طواعية بعد بلوغه يأتي بفضل من الله تبارك وتعالى وهذا سبب دعاء أخل الجنة في الجنة لم يقولوا هذا من عندنا وإنما قالوا (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). سُئل الصدّيق عن هذه النقطة هل تأتي الهداية من عند نفسي أو من عند الله تعالى؟ وهذه مسألة اختلف فيها أهل علم الكلام وأهل علم التفسير. دأب الإله الحق أن يُطاع بإذنه وأن يُعصى بعلمه وليس أحد يتفلت منه فحاشاه أن يقع في ملكه وكونه ما لا يريد أو أن يريد ما لا يقع وعقيدة كل مسلم تقع بين هذين الأمرين. سُئل الصديق: هل عرفت ربك؟ قال نعم، قالوا فبِمَ؟ قال عرفت ربي بربي ولولا ربي لما عرفت ربي (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فقالوا فكيف عرفته؟ قال: العجز عن الإدراك إدراك والبحث في ذات الله إشراك. طالما لا يمكنني أن أنفي وجود الله كأني اثبته فمن أثبت وجود الله فعلى الذي لم يستطع إثباته أن يسلِّم والبحث في ذات الله وأنت تعلم يعتبر من أنواع الشرك لذلك كلكم ضال وتبدأ بالأنبياء إلا من هديته. ثم قال "فاستهدوني أهدكم" لا تقول لم أعرفه وانتهى الأمر وإنما علينا أن نستهديه تعالى حتى يهدينا. أرسل الله تعالى الرسل مكلفين بالرسالة وأرسل محمداً r(يا أيها المدثر قم فأنذر) والرسول r قال " بلغوا عني ولو آية" فالرسالة وصلت إلى كل واحد منا لنبلغ عنه لكن للأسف نحن لا نطلب الهداية والذي يذهب للمعصية لو استهدى الله لهداه وما عمل المعصية لأن الله تعالى قال (فاستهدوني أهدكم). الله تعالى قال (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) لأن تعالى يحاسب بعلمه. الذي يولد على غير الإسلام والذي يولد على الإسلام سيكون هناك من غير المسلمين من يُسلم ومن المسلمين من يضل ويعصي. المسألة بين أن تستهدي الله وأن يهديك الله فإذا هداك وعملت معصية ثانية تكون بعلم الله لأنه سبق وذكرنا أنه تعالى يُعبد بإذنه ويُعصى بعلمه.
الذين عملوا التكنولوجيا هم غير المسلمين ويبثون قنوات تجرّح الاسلام هذه ستكون حجة عليهم لأنهم لم يبحثوا عن الإسلام مع معرفتهم به (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) "إني حرمت الظلم على نفسي" "كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" إذا هديت واحداً للإسلام ثم يخرج من الإسلام هذه تقع بعلم الله لكن بإرادة الذي خرج. (فألهمها فجورها وتقواها) (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى) فألهمها فجورها وتقواها يعني أن الله تعالى لا يأمر بالفجور وإنما يبيّن للنفس الفجور لتجتنبه والتقوى لتتبعها لكن ماذا تفعل النفس؟ ولذلك فمن وجد خيراً فليحمد الله على هدايته ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسك. لذا لا تقل أنا اهتديت وإنما الهداية من الله تعالى لذا جاء في الحديث القدسي "فمن وجد خيراً فليحمد الله" ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه فأنت السبب وهذا بعلم الله تعالى (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) اليهودي وغير المسلم على الإطلاق لا يمكن أن يفعلوا شيئاً غير مكتوب فهؤلاء مسلمون كرهاً أما المسلم الطائع فهو مسلم بإرادته طوعاً وينسب الهداية لله تعالى (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). إختيارك أنت جزاؤه عندك لذا سمى الله تعالى يوم القيامة يوم الدين.
الشباب اليوم يناقش ويجادل في أمر الدين ويقولون لماذا يحاسبهم الله تعالى وهو الذي وضع قوانين الكون ووضع الجنة والنار. هؤلاء كأنهم يريدون ان يضعوا هم قوانين الكون ويجب أن نحاورهم من منطقهم هم. من هم هؤلاء؟ وأين هو ضمن هذا الكون؟ هل أنت على رأس الكون أو أنت عبد لله؟ إذا كنت عبداً لله يجب أن تسلم له لأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل. العقيدة أن تسلِّم للإله الحق دون أن تناقش أو ترتاب. يجب أن نحاور هؤلاء الشباب بالعقيدة ويجب أن نشعرهم بالفشل أمام أنفسهم. نسألهم هل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ إذا قال نعم فاسألهم أن يعرِّفوا القرآن. البعض يشكك في القرآن ولكل إجابة من إجابات الشباب هؤلاء ردّ مناسب. القضية (من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) الحل (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) نسيتها تطرح على الذي أخذ ونسي أو الذي نسي أن يأخذ. نقف عند نقطة (قال رب) الآن عرف أن له رب! مطلع الآية تتكلم عن الذي لم يذكر الله (من أعرض عن ذكري) لكن يوم القيامة يقول هذا المعرِض (ربِّ) كأني بالله تعالى كما قال لفرعون (آلآن وقد عصيت قبل). هذه عظمة هذا المنهج أنه في لحظة الموت والخروج من الدنيا يفهم الإنسان الحقيقة الكاملة في آية (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) المصيبة أن يوم القيامة سيقول (ربِّ لم حشرتني أعمى) هذه الحجة الثانية عليه أنه كان بصيراً. هناك فرق بين العمى عمى النظر والعمه عمى البصير ولذلك (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). الله تعالى يقول (يا عبادي كلكم ضال) يتكلم تعالى هنا عن الضلال السابق على الهداية التي تكون دائماً من الله وهو ضلال البحث ولو كان الضلال بالمعنى المعلوم لدنيا لقال يا عبيدي وإنما شرفنا بكوننا عباده وشرفنا بشرف الانتساب إليه. القضية أن كلمة عبادي هذه حتى نكون ضمن (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي) أي ادخلي في زمرة عبادي. عبادي كلمة أو مرحلة الذي يذهب إليها يكون مطمئناً والاطمئنان يكون ساعة الموت أو القيامة وليس في الدنيا، ساعة الموت يقولها ملك الموت (يا أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) وهذه منطقة يجب أن نفهمها ملك الموت يقول أحد أمرين: يا أيتها النفس المطمئنة أو يا أيتها النفس الخبيثة، هذه تحصل عند ساعة الموت ولا ينفع عندها صلاتكم للمست أو صدقاتكم أو حجكم أو عمرتكم عنه ويبقى في هذا المقام قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى).
هل الإرادة الإلهية يوم القيامة يمكن أن تغيّر مصير من يدخل النار بدعاء أهله مثلاً؟ إذا تغير المصير فقد كتب الله تعالى هذا ومن ثمّ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) الدعاء أنت مأمور به ومن ضمن إيمانك وإسلامك الدعاء أنت عليك الدعاء ونسأل الله القبول. يجب علينا أن نضمن أعمالنا والرسول r قال لأهله "اعملوا فلن أغني عنكم من الله شيئاً".
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/11/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:58 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 60
تقديم علاء بسيوني
طريق الهداية مفتوح أمام الناس لكن ماذا يفعل الناس؟ هل يجلسون في بيوتهم ينتظرون الهداية أم يسيرون على هذا الطريق؟ ربطنا الحديث القدسي الذي ذكرناه في الحلقة السابقة مع إشكاليات يعيشها الناس في بحثهم عن الهداية ووقفنا عند نقطة ان تكرار النداء في الحديث القدسي بصيغة يا عبادي بعض الناس تتكلم عن علاقة الخالق بالمخلوقات ويقولون لماذا اختار الله تعالى العلاقة بين الخالق والمخلوقين بهذا الشكل ويتناسون المنهج الذي وضعه الله تعالى لهم في الدنيا أما في الجنة فليس مطلوباً منك أي شيء وإنما كل شيء مسخر لك في الجنة فهل هذا ثمن ذلك؟ هذا هو الجزاء وهناك فرق بين دار الجزاء ودار التكليف الدنيا جعلها الله تعالى دار اختبار وجعل الآخرة دار جزاء (أفحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) كل ما يحصل في الدنيا ابتلاءات وكل شيء له جزاء إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ والدنيا دار ابتلاء ودار اختبار. والرسول r في بداية رسالته جمع عشيرته وقومه وقال لهم: والله إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نارٌ أبداً. هذا الحديث يلخص قواعد الموضوع. الرسول r كان يُعرف بين قومه بالصادق الأمين، الجنة والنار ملخص الحديث "فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). في الحديث القدسي الذي معنا تكررت كلمة يا عبادي، الكلام واضح مسألة الجوع والعري مسألتان متلازمتان لأنهما في قضية التوكل في الرزق والرزق يأتي على نمطين إما لجلب المنفعة كالطعام حتى تكون الصحة جيدة وإما لدفع المضرة كاللباس. "كلكم جائع وكلكم عار" قضيتنان متلازمتان. الرزق قضية غفل عنها الناس فمنهم من يسعى وكأنه هو الذي يرزق نفسه ومنهم الذي تكاسل وقال ربنا يرزقني وكلاهما خطأ وإنما عليك أن تسعى بكل طاقتك وتعلم أن الله هو الرزاق وليس الرازق. نذكر أنفسنا بقضية مهمة وهي أنه في الأكل (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وفي اللباس قوله تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) كم يتزين الناس؟! من يتلقى الحديث القدسي يجب أن يأخذ اللباس على أنه لباس التقوى وليس فقط اللباس الساتر لأنه يوم القيامة سيفضح الإنسان وقد يكون بذنوبه ومعاصيه عارٍ يوم القيامة رغم أنه لبس في الدنيا أفخر الملابس لذلك (ولباس التقوى ذلك خير) فاطلب هذا وذاك. وفي الطعام كم يأكل الناس ويطعمون كل هذا ليس من الله تعالى "فاستطعموني أطعمكم" عليك أن تبحث عن الطعام الحلال، سعد ابن أبي وقاص سأل الرسول r أن يكون مستجاب الدعوة فقال له r أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة إذا أطبت المطعم وأخذت الطعام من الله تبارك وتعالى سائلاً إياه الرزق الحلال وأطعمك الله تبارك وتعالى والصدّيق كان إذا شك في لقمة أرجعها لأنه أي جسد نبت من الحرام فالنار أولى به. يجب أن نعرف كيف نتلقى القرآن والحديث. الله تعالى يخاطب جماعة المؤمنين (يا عبادي) كأنه يدفع الناس بإتجاه العبودية الحق لله تبارك وتعالى في حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق ومسألة العبودية أن تمر وتمضي باطمئنان من الله تبارك وتعالى قي خلال هذه الدنيا على مراد الله. الرسول r في قضية الإسراء أعطاه الله تعالى توصيفاً مبدعاً (سبحان الذي أسرى بعبده) وهو r يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله. هذه العبودية عند الإنسان الواعي شرف لهذا العبد أمام هذا المعبود الحق سبحانه. كيف أقول لربنا لماذا تفعل هذا؟ توقيع القرآن (لا يُسأل عما يفعل) والذيت تمردوا قال تعالى فيهم (بل اتبع الذين ظلموا) أبشع أنواع الظلم أن يظلم الناس أنفسهم ويوردوها التهلكة لذا قال تعالى " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً" فلا يظلم أحدٌ نفسه لأنه ستكون خيبة له. من أشرف أنواع التعامل في العلاقة أن تكون عبداً لله تبارك وتعالى, هناك بشر عبد بشراً لكن نحن نعبد الله تبارك وتعالى والله تعالى اختار لنبيه في قصة الإسراء أنه عبده لذا القضية لا يناقش فيها محمد r لأنه عبد وإنما يناقش المعبود الذي قال عن نفسه (سبحان الذي أسرى بعبده).
مسألة العبادية في الحديث، النداء يطرح حقيقة ثم تكليف (كلكم ضال، كلكم جائع،،،) ويطلب من العباد أن يسألوه المعونة، القضية هل فهمنا الأمر أم لم نفهمه؟ لما يتعرض الناس لأمر لم يفهموه، قال تعال (ادعوني أستجب لكم) وفي الحديث القدسي طلب تعالى من عباده الدعاء فهناك من يدعو ولا يجد شيئاً؟
هذه نقطة مهمة في موضوع الاستجابة. الناس تريد أن تسير الأمور على مرادها هي، الله تعالى لم يقل ادعوني ألبّي لكم وإنما قال ادعوني أستجب لكم. الاستجابة هي تصويب خطأ الدعاء الذي هو من القاصر أو الغافل أو غير العالِم وأقصد كل البشر، نحن ندعو بجهلنا والحق تبارك وتعالى بعلمه يستجب. نحن ندعو بما نعتقد أنه خير لنا مثلاً ندعو أن الله تعالى ينجح ابني هذا العام والمولى يعلم بعمله المسبق الأزلي أن هذا الولد لو (لأنه أصلاً برحمته تعالى لم يكتب له أن ينجح لأنه لو نجح سيغتر ويفشل) لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع، أنت طلبت النجاح لكن النجاح ليس في نجاه هذا العام وإنما هو في سقوطه هذا العام ونجاحه فيما بعد. الاستجابة هنا أن يصوب الإله الحق خطأ الدعاء، بعض الأمهات تدعو على أولادها في حالة غضب بالموت فلو أن الله تعالى لبى هذا الدعاء لمات الولد هذا هو الإله الحق. علينا أن ننبه أن البعض يقول انتبه ماذا تدعو فقد يكون باب السماء مفتوح الآن لكن باب السماء مفتوح دائماً لا يُقفل وهذا للأسف كلام بمنطقنا نحن ومن الخطر أن نجعل المسائل تسير على هوانا نحن فلو أن الله تعالى لبى دعوة المرأة على ولدها لماتت هي، الله تعالى استجاب لها بأن صوّب خطأ الدعاء لأن القرآن يقول (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم) الله تعالى يصوّب خطأ الدعاء فلا يلبّي وهذه هي الاستجابة. "كلكم عارٍ، كلكم جائع" البعض يدعو لكن لا يجد جواباً لكن بعض الناس الرزق والمال يفسدهم فلذلك الله تعالى يرزقهم على مراده هو لا على مرادهم هم لأن بعض الناس إذا أغناه الله بعد فقر فأفسد وشرب الخمر وغيره. لذا إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وهذا كلام رسول الله r في أننا نحن لا نعرف لأين الخير فقد يكون الخير في المال وقد يكون في قلة المال. شخص أمه مريضة تسأل الله تعالى لها الشفاء ويطلبون لها الرحمة والشفاء وينقسم الأولاد إلى قسمين قسم يريدها أن لا تموت حتى لو تألمت ألماً شديداً وهذا منتهى الأنانية لأن هذا الولد يحبها ولا يريد أن يبعد عنها وقسم آخر عاقل يقول ربنا ارحمها أياً كانت الرحمة وهذا من منطقية السؤال والإستجابة. فالحمد لله إذا شفيت والحمد لله إذا ماتت والآجال مكتوبة أزلاً والله تعالى يصوب خطأ الدعاء. من الخطأ أن نقول أدعو الله كثيراً ولا يستجاب لي لأنه تعالى قال (ادعوني أستجب لكم) الله تعالى يستجيب في عدم تنفيذ الدعاء وتلبيته والرسول r قال: ما أصاب عبد قط همٌّ ولا حزن فقال اللهم إني عبدك إبن عبدك إبن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا فرج الله ما فيه وأبدله مكانه فرحاً" الدعاء فيه تسليم لله تعالى، أنت في هم تريده أن يفرجه لك ذكرت الله وذكرت نفسك بالعبودية له وكأن الرسول r يقول لك وأنت تدعو أنت عبد عليك أن ترضى بأي قضاء وأنت تحت أمر الله لما أسأل الله تعالى أساله بكل اسم له تعالى وهناك من الأسماء ما لا نعرفها إلا يوم القيامة، الرسول r يسأل الله تعالى بالقرآن (أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي) أبدله الله تعالى حزنه فرح الرضا وإن كان لم يلبي ويجب أن أوقن بأن ما يحصل لي هو خير. الذي يفهم الدين بشكل صحيح يعلم أنه ليس هناك يوم أبيض ويوم أسود لأن أمر المؤمن كله خير " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته شراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وما ذلك إلا للمؤمن" الشاكر والصابر هما جماع أهل الجنة. عند الشكر لم يتضمن معنى الحمد لكن عند الصبر يجب أن يتضمن معنى الحمد لذا نقول أن الحمد كلمة مزدوجة الأداء تقال عند الكرب فتفرجه وتقال عند الخير فتزيده وهذا من فضل الله وليس من سبيل الصدفة أن يكون على رأس الكتاب وبعد البسملة الحمد لله. الحمد غير الشكر ولذلك قال تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) الشكر على شيء يستوجب الشكر لكن الحمد يكون على الحالتين.
سورة الفاتحة تنطبق على الحديث القدسي الذي بين أيدينا ولذلك مطلع الحديث يا عبادي يقابلها في الفاتحة رب العالمين. الشكر على الخير لكن الحمد في مطلع الكتاب تكون للخير والشكر، لو شكرت على ضراء تكون عبيطاً لكن تحمد على الضراء إذن الحمد هو إطلاق الثناء على الله تبارك وتعالى وتقدسيه وتنزيهه عما لا يليق أن نقول له لماذا فعلت كذا يا رب. الحمد لا يكون إلا لله والشكر يكون لغير الله وسبحانه لا يُحمد على مكروه سواه لأننا عبيده لا يمكن أن نفعل شيئاً وإرادة الله نافذة "أنت تريد وأنا أريد فإذا رضيت بما أريد أعطيتك ما تريد وإذا كفرت بما أريد منعتك ما تريد ولا يكون إلا ما أريد" إرادة الله تعالى هي الغالبة والرسول r يذكرنا أننا إذا كنا في همّ إلجأ إلى الله تعالى على أنك عبده ناصيتك بيده ولا يمكن أن يحكم اله تعالى حكماً لا أنفذه وعلي أن أعلم أن كل ما يصيبني عدل لأنه تعالى حرّم الظلم على نفسه. حرم الله الظلم على نفسه قوة لا ضعفاً ولأنه لا يليق بالله تعالى أن يكون ظالماً. الظالم ليس قوياً لأنه لا يظلم إلا ضعيفاً ولا يستطيع أن يظلم قوياً. مناط الظلم ليس القوة وإنما الضعف لذلك "إني حرمت الظلم على نفسي" لأنه قوي.
"يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" قال تعالى تخطئون ولم يقل تذنبون فما الفرق بين الخطأ والذنب ولماذا قدم الليل على النهار وما الفرق بين المغفرة والتوبة؟ الذنب إسم لما يقع في الخطأ أو بالخطأ والتوقيع اللغوي في الحديث مبدع لفهو كلام الله تعالى فقال إنكم تخطئون بالليل والنهار، الخطأ كُتِب ذنباً. قدم الليل على النهار لأن الليل يحمل كثيراً من الأخطاء عن النهار الفاضح فمثلاً الجرائم تتم في الليل مظنة أن لا يراهم أحد وهذا أخطر شيء، غاب عنهم أن إذا غابوا عن أعين الناس فالله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أنت تختبئ من مبصر والله تعالى هو البصير سبحانه والله تعالى هو الرقيب يراك حيث اختفيت من الناس ولذلك قال تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) اللطيف هو الذي يرى ما دقّ من الأفعال ومن دعاء الرسول r اللهم اغفر لي ذنبي كله دقّه وجلّه أوّله وآخره علانيته وسره، المغفرة مطلوبة في كل ما عملناه صغيراً أو كبيراً سراً أو علانية والله تعالى يعلم ما خنت به الناس وأعميته عنهم وما تخبئه في ذهنك ولا يعلمه الناس ولذلك " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" هذه سابقة على التوبة ذكر الإستغفار والمغفرة. الاستغفار طلب المغفرة والمغفرة ستر الذنب حتى تتوب فلا يفضحك ويبقى الذنب مستوراً وليس من مصلحتنا أن يزيل السيئة لأن الله تعالى يبدل السيئات حسنات بعد قبول التوبة. الرسول r يقول " يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" هو r يعلمنا التوبة لتكون منهج حياة وأعظم التوبة التوبة عن توبة ولذلك قال تعالى (إن الله يحب التوابين) وقلنا أن الذي عمل ذنباً ورجع اسمه تاب ثم يعمل ذنباً ويرجع وهذا لا يسمى تواباً وإنما التواب الحقيقي هو الله تعالى فأنت تأخذ من هذه الصفة بأن تتوب عن ذنب وتستديم على التوبة من هذا الذنب واستمرار التوبة حتى لا يعود إلى الذنب.
البعض يسأل أن الله تعالى لا تفيده عباداتنا وقول البعض هل أن الله محتاج لعبادتنا كلمة محتاج خطأ. العبادات هب لمصلحتك أنت فالصلاة أمر من الله الصانع الخبير بصنعته تعرض عليه في اليوم خمس مرات وهذ من قبيل عرض الصنعة على الصانع خمس مرات في اليوم هذا لمصلحة الصنعة نفسها لا لمصلحة الصانع. الرسول r كان إذا أهمه أمر يفزع إلى الصلاة فكأن يعرض الصنعة على الصانع ليصلحها. كأن الصلاة تشحن الجسد والروح على مراد الله تعالى. قال تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) عسى ليس من باب التمني وإنما من باب الغاية والرسول r أسوة لنا وعلينا أن نقلّده. الله تعالى يوقع الحديث "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" الله تعالى كإله حق لا أحد يضره ولا ينفعه لأنه تعالى هو الغني عن العالمين وأوضح هذا بمثال آخر فقال ساعة أطلب منكم الهداية أو التقوى (يا أيها النبي اتق الله) (هدى للمتقين) فقال " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً" ساعة يطلب الله تعالى منا التقوى فهذا ليس له وإنما لأجلنا نحن وكذلك " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً " لو يقل (منكم) لأنه تعالى يفترض التقوى في العباد ويا عبادي يفترض أن يكونوا من أهل التقوى والصلاح. لو أن البشرية كلها كانت على قلب أفجر رجل ما نقص ذلك من كلك الله تعالى شيئاً وهذا توقيع لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
البعض يقول أن الإنسان ضعيف لا يملك شيئاً ولن ينفع الله تعالى أو يضره بشيء ومع هذا فالله تعالى يفرحه توبة عبده فكيف نوفق بينهما؟ الرسول r يقول: "لله أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم وقع على ضالته وقد فقدها في الفلاة" الله لا يفرح بك وإنما الله يفرح لك. أنت ساعة تتوب السؤال هل يفرح الله بك أو لك؟ هذه هي القضية. الله تعالى يفرح لك وليس بك قال تعالى (وإن تشكروا يرضه لكم) يرضى لكم وليس بكم. الفرحة منشأها عند الله تعالى لأنه ساعة خلقني وهداني ثم تبت إليه بعد أن أخطأت بفضله الذي شرع التوبة وآدم أخطأ ليعمل صفة التواب فالله تعالى يفرح لنا وليس بنا.


الساعة الآن 04:40 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى