![]() |
القطرات الأربع
كان في قديم الزمام، ملكٌ كبيرٌ حكيم، اسمه حسَّان.. وكان الملك حسان، يحبُّ الأذكياءَ، ويرفعُ قَدْرَهم، فهو يُقيم مُسابقةً، بينَ حينٍ وآخر، يطرحُ فيها سؤالاً واحداً، ومَنْ يجبْ عنه، يقلّدْهُ وساماً ملكيّاً رفيعاً. واليوم. هو يومُ المسابقةِ الكبرى.. الملك حسان في شرفةِ القصر، وحولَهُ الوزراء والقُوّاد.. والساحة الواسعة، تغصُّ بالبشر ،من رجالٍ ونساءٍ وأطفال، وكلُّ واحدٍ يقول في سِّرهِ : - ماسؤالُ اليوم ؟! لقد حضر الناسُ، من أقصى المملكة، ليسمعوا السؤالَ الجديد ... - ما أَغلى قطرةٍ في المملكة؟ - ومتى الجواب؟ - في مثل هذا اليوم، من العام القادم . *** وانصرف الناسُ، يفكِّرون في السؤال ... قال طفلٌ لأبيه : - إذا عرفْتُ أغلى قطرة، هل أنالُ وسامَ الملك؟ ابتسمَ والدهُ، وقال : - نعم يابني! قال الطفل : - قطرة العسل . - لماذا؟ - لأنها حلوةٌ ولذيذةٌ. وقالتْ طفلةٌ لأُمِّها : - أنا أعرفُ أغلى قطرة.. - ماهي؟ - قطرة العطر.. - لماذا؟ - لأنَّها طيِّبةُ الرائحة . *** وشُغِلَ الناسً بالقطرات، فهذا يقول : - إنَّها قطرةُ الزيت.. وذاك يقول : - إنَّها قطرةُ النفط .. وأكثرهم يقول : - سؤالُ الملكِ، ليس سهلاً، كما تظنّون ! فما القطرةُ التي يريد ؟! *** قال عقيل : - لن أهدأَ حتى أعرفَ الجواب .. وأقبلَ على مطالعةِ الكتب، ومصاحبةِ العلماء تارةً يقرأُ في كتاب ،وطوراً يصغي إلى عالم... مضتْ عدَّةُ شهور، ولم يصلْ إلى مايريد! وذاتَ يوم... زار عالماً كبيراً، فوجدَهُ مُنكباً على تأليفِ كتاب ... المحبرةُ أمامه والريشةُ في يده.. وفجأة .. لمع في ذهنه الجواب : - إنها قطرةُ الحبر! رمزُ العلوم والأدبْ لولاها ضاع تراثنا .. لولاها ماكانتْ كُتُبْ *** وفي مكانْ آخرَ من المملكة، كان ربيعةُ يمشي تعِباً، في أرضٍ قاحلة جرداء .. اشتدَّ به العطش، ولم يعثرْ على ماء! ظلَّ يسيرُ حتى وهنَتْ قواه، وأشرفَ على الهلاك . - ماذا يعمل ؟! وقف يائساً ، ينظرُ حوالَيه .. شاهدَ بقعةً خضراء ! لم يصدِّق عينيه، وقالَ مُستغرباً : - الأرضُ الميتةُ، لا تنتجُ خضرة! ومع ذلك .. سارَ نحو البقعة الخضراء، يدفعه أملٌ جديد... وعندما وصل إليها ،وجد الماء ! أقبل عليه فرِحاً، يشربُ ويشربُ، حتى ارتوى تماماً.. حمد الله، وقعد يستريح، ويتأمَّلُ المياه، وما يحيط بها، من عشبٍ غضٍّ، ونبتٍ نضير... وتذكرَّ سؤال الملك، فنهض واقفاً، وقال : - لقد عرفتُ أغلى قطرة ! إنَّها قطرةُ ماء فيها أسرارً الحياة إنَّها قطرةُ ماء *** واختلط الحارثُ بأصنافِ الناس ... شاهدَ البنَّاءَ الذي يحوِّلُ كومةَ الأحجارِ إلى قصر جميل، وشاهد النجارَ الذي يصنعُ من جذعٍ غليظِ خزانةً أنيقة... وشاهد الفلاح الذي يحوِّلُ أرضه البَوار إلى جنَّةِ أشجارٍ وثمارٍ شاهد وشاهد كثيراً من العمال، الذين يعمرون الوطن، ويسعدون البشر وشاهد قطرات العرق، تزين جباههم السُّمر.. عادَ مسروراً ،وهو يقول : - عرّفْتُها.. عرَفْتُها ... إنَّها قطرةُ العَرَق ! رمزُ النشاطِ والعملْ تكرهُ كلَّ القاعدينْ كأنَّها لؤلؤةٌ تهَوى جِباهَ العاملينْ *** أمْا طارق ، فقد وصلَ في أسفارهِ، إلى جنوب البلاد... وجد الناسَ في هرج ومرج... سأل عنِ الخبر، فقيل له : - لقد اجتاز الأعداءُ حدودَ مملكتنا.. دخل السوقَ، فسمع كلماتٍ غاضبة: - الأعداءُ يقتلون ويحرقون ! - إنَّهم يخربون مابناه العمال ! - ويفسدون زروعَ الفلاحين ! - ويلقون كتبَ العلماءِ في النهر! - مياههُ تجري سوداء! - حياتنا أشدُّ سواداً ! - هيّا إلى الجهاد ! - هيّا إلى الجهاد ! انضمَّ طارقٌ إلى المجاهدين، وانطلقوا جميعاً إلى الحرب، يتسابقون إلى الموت، ويبذلون الدماء، حتى أحرزوا النصر، وطردوا الأعداء ... عادت الأرضُ حرَّةً .. وعادتِ الحياةُ كريمةً وعادَ الناسُ فرحين، يحملون شهداءهم الأبرار.. سقطَتْ على يد طارق، قطرةُ دمٍ حمراء ،نظر إليها طويلاً، وقال : أنتِ أغلى القطرات أنتِ رمزٌ للفداء أنتِ عزٌّ للحياة أنتِ روح للضياء *** مضى عامٌ كامل، وحانَ موعدُ الجواب .. الملك حسان في شرفةِ القصر، وحولَهُ الوزراءُ والقُوّاد.. والساحة الواسعةُ، تغصُّ بالبشر، من رجالٍ ونساءٍ وأطفال ... وكلُّ واحدٍ يقول في سرِّه : - مالجوابُ الصحيح ؟! لقد حضر عقيل، ومعه قطرةُ حبر . وحضر ربيعة، ومعه قطرةُ ماء . وحضر الحارث، ومعه قطرةُ عرق . وحضر طارق، ومعه قطرةُ دم.. إنَّهم أربعةُ رجال، يحملون أربعَ قطرات .. والسؤالُ الآن : - مَنْ سيفوزُ بالوسام ؟! |
الفــراخ الثلاثة تنفَّسَ الصباح، يرشُّ الندى، ويرسلُ الضياء. وداعبَتْ أناملُ النسيم، أغصانَ الشجرةِ الفارعة، فتمايلَتْ ناعمةُ ناضرة .. وفتحتِ العصفورة عينيها، فبادرَتْها الشجرةُ قائلةً : - صباح الخير يا صديقتي العصفورة! - صباح الخير يا صديقتي الشجرة.! - هل استيقظَ صغارك ؟ - لم يستيقظوا بعد - هذا دأبهم كلَّ يوم.. يتأخّرون في النوم - سأتركهم قليلاً، لأجلبَ لهم طعام الفطور - إذهبي ولا تقلقي، إنَّهم في أحضاني. ألقتِ العصفورةُ على فراخها، نظرةَ حبٍّ وحنان، ثم رفرفتْ بجناحيها، وطارتْ في الفضاء.. ظلَّ الفراخُ الثلاثةُ، في عشِّهم الدافئ، وعندماارتفعتِ الشمسُ، فركوا عيونهم، وأفاقوا من نومهم، فلم يجدوا أمَّهم .. انتظروها طويلاً، ولكنَّها لم ترجعْ! آلمهم الجوع، وأصابهم الجزع .. قال أحدهم خائفاً : - أرجوا أنْ تسلمَ أمُّنا من الصيادين واضافَ آخر : - ومن الطيور الجارحة .. وقال الثالث : - احفظها لنا يارب ! سمعتِ الشجرةُ حديثَ الفراخ، فأوجستْ منه خيفةً، غير أنَّها كتمَتْ مشاعرَها، وقالتْ مُواسيةً : - لا تجزعوا ياصغاري، ستعودُ أُمّكم قريباً - لقد تأخّرَتْ كثيراً! - كَسْبُ الرزقِ ليس سهلاً .... غداً تكبرون وتعرفون صمتَ الفراخُ الثلاثة، ونهضَ الفرخُ الأكبرُ، إلى حافَّةَ العشّ، ليرقبَ رجوعَ أُمَّهِ.. تدحرجَتْ حبّةُ قمحٍ كانت تحته .. رآها أخوهُ الأصغر، فصاح مسروراً : - هذه حبةُ قمح ! التفتَ الفرخُ الأكبرُ، وقال : - إنَّها لي - ليستْ لك - لقد كانت تحتي - أنا رأيتها قبلك لن تأخذَها أبداً .. اختلف الأخوانِ، وأخذا يتعاركان .. ومكثَ أخوهما الأوسط، ينظرُ إليهما ويتفرَّج.. حاولت الشجرةُ إنهاءَ النزاع، فلم يستجبْ لها أحد. قالتْ للفرخ الأوسط : - لمَ لا تصلحُ بينَ أخويك؟ - لا أتدخَّلُ فيما لا يعنيني .. - بل يعنيك ! - كيف؟ - أنتم إخوةٌ تعيشون في عشٍّ واحد.. -سأبقى بعيداً عن المتاعب - لن ترتاحَ في عشٍّ يسودُهُ النِّزاع. - لا أتدخّلُ فيما لايعنيني - أوقفتِ الشجرةُ الحوار ، فالفرخُ عنيد، والكلامُ معه لا يفيد.. لم ينتهِ النزاعُ بينَ الفرخين .. هذا ينقرُ بمنقاره، وذاك يخمشُ بأظافره.. تعبَ الفرخُ الأصغر.. رفع قشَّةً صلبةً، وضربَ أخاه الأكبر.. انتحى هذا جانباً.. أصابت القشةُ عين الفرخِ الأوسطِ، فبدأ يصرخُ متألّماً .. جاءَهُ أخوه الأصغر، وأخذَ يعتذرُ إليه وجاءَهُ أخوه الأكبر، وشرع يمسحُ له عينيه .. وعندما سكنَ ألمهُ، تذكَّرَ قولَ الشجرة " لن ترتاحَ في عشٍّ يسودهُ النزاع "، فأصلح بين أخويه، واعتذرَ الصغيرُ لأخيه الكبير ،وقبَّلَ الكبير أخاه الصغير، وزالَ الخلافُ بينهم ،وعادَ الحبُّ إلى عشّهم .. قال الفرخ الأوسط : - أين الحبَّة ؟ - لماذا ؟ - سأقسمها بينكما .. بحثَ الفرخانِ عن الحبّةِ، فلم يجدا شيئاً! قال الفرخ الكبير : - لقد ضاعتْ بين القَشِّ.. وقال الفرخ الأصغر : - ربما سقطتْ خارجَ العش .. حزن الفراخُ الثلاثة، على الحبّةِ الضائعة .. قالتِ الشجرة : - افرحوا ياأحبّائي، واتركوا الحزن. - كيف نفرحُ وقد ضاعت الحبّة ؟! - الحُبُّ الذي عادَ إليكم، أفضلُ من الحبّة بكثير - صدقْتِ والله ! قالتِ الشجرة : - عليكم أن تصلحوا العشَّ، قبلَ عودةِ أُمِّكم .. نظر الفراخ إلى العش، فأدهشهم ما أصابه من تخريب!! قالتِ الشجرة : - لقد مات أبوكم دفاعاً عن هذا العش . - وماالعملُ الآن ؟ - ابنوا بالحُبِّ، ماخربتم بالخلاف - لن نختلفَ بعد اليوم أسرعَ الفراخُ الثلاثة، يعملون متعاونين، فأصلحوا العشَّ، ورمَّموا جوانبه، وحينما فرغوا من عملهم، تأمَّلو العشَّ الجميل، وتبادلوا نظراتِ المودَةِ، فأشرقَتْ وجوههم سروراً. وفجأة .. صاحتِ الشجرة : - لقد عادتْ أُمّكم ... لقد عادتْ أُمّكم هبَّ الفراخُ يزقزقون، ويرقصون، فتعالتْ فوق العشِّ، أغاني الحبِّ والفرح .. |
غضب الطبيعة بقلم الكاتبة: سمر المزغن ارسل البحر اذاه المجرجرة الذي يصل الى الاذان كأنه الزئير المنبعث من حلوق الوحوش الضارية ، والعالي كأنه الجبال الشاهقة ، معلنا عن قدومه لحضور اجتماع هام ، تقدم البحر تصحبه امواجه الصاخبة ، مزمجرا غاضبا ثم صرخ – دون القاء السلام - بصوة قوي غريب ، لو سمعته الهضاب لارتجت من مكانها فزعة : " انا مغتاض جدا، ولا يمكنني ان اتحمل اكثر ضرر الانسان ، لوثني بنفطه الذي قتل اسماكي ، لم يترك لي حتى بعض الاصداف تزينني وتلون شاطئي ، ذلك الشاطىء الذي غدا سلة مهملات كبيرة يلقي فيها فضلاته واوساخه … لقد طفح الكيل والانسان يحرمني من التسلي مع اصدقائي الاسماك … الم ادعه يسبح في هناء ونعيم في مياهي الباردة خلال فصل الصيف ؟ ألم استقبل الشمس وادعوها لالقاء أشعتها الدافئة وهو يلهو ويمرح ؟ ألم أسخر له شاطئي ليلعب برماله ويرتاده متى شاء مع اصدقائه ؟ ألم اتركه يصنع من الرمل قصورا يزينها بأصداف متناثرة ؟ لما كل هذا الجشع والطمع الذي يحركه حتى أنه لم يترك لي أصدافي تمسح لي دمعي حين ابكي ، وتلعب معي أوقات فراغي ؟ ألم أمسك نفسي عن البكاء وأنا أسمح له مضطرا باصطياد أسماكي وهي تنظر لي معاتبة ، لائمة ؟ ثم بعد ذلك اراها تشوى أمامي لتصبح سوداء فاحمة ، وصوتها يرن في أذني يلومني على عدم عدالتي وانصافي ، يحرص ان يصطاد أكبر قدر من أسماكي ، وأشباحها الحمراء المتشحة بالسواد تحاصرني في منامي ويقظتي ، مناظرها مخيفة وهي الملطخة بالدم والسواد ، تعكر صحوتي ومنامي ، وأمام ذلك ألست مذنبا وأنا أسمح له بكل ذلك السلب والنهب ، ساكتا، صامتا ، صابرا ، ومتحملا أذى وخطر أفعاله ؟ " . طأطأ البحر رأسه وأسنده على أمواجه المتأثرة بكلامه الى حد البكاء . خفت صوته شيئا فشيئا وأخذ يصدر زفرات طويلة بين الفينة والفينة ، لما رفع رأسه انحدرت من عينه دمعة حارة كبيرة لتسقط على الموج المرتطم بالصخور وتختلط بالزبد. كان منظره محزنا للغاية، وغادر المكان قبل أن تضعف ارادته تماما فيختنق بالعبرات … جاء البحر غاضبا قويا ، لو اعترضه الانسان لأغرقه بموجه ثم انصرف ذليلا حزينا منكسر الخاطر لو شاهده الانسان على حالته تلك لسخر منه واستهزأ به . نفخ الريح بقوة وقال : " كلام البحر صحيح ، الانسان يضر نفسه ويضرنا بافعاله ، انا أيضا لوثني بدخان سياراته السريعة، في حين ان دراجاته أقل سرعة ولا تؤذيه ولا تؤذيني ، طائراته وصواريخه وبواخره وقطاراته مصادر لراحته ومصدر لايذائي … التبغ الكريه الذي يستهلكه في البيت وفي الحي والمقهى ، ألم يعرف لحد الان انه يلوثني ويسبب له افات مميتة، ويشكل اذى لمن حوله ويسبب لهم الامراض … ثم أيضا تلك المصانع التي تدمرني وتجعل مني سوادا في سواد ، ثم … " قاطعه الحيوان مزمجرا : " على مهلك أيها الهواء ، لست اكثر مني هما ولا أظن أن صدرك يسع غمي ، الانسان جعل مني عبدا ذليلا ، أكل بيضي والتهم لحمي وشرب لبني ، لم يكفه أنه ركبنا وحملنا ما لا طاقة لنا به حتى في الصحراء الجافة ، لم يكفه أنه حثنا على السير بعصاه الغليظة الخشنة، حتى زج بنا في السجون يزين بها بيوته وحدائقه ، ليتمتع بمشاهدتنا في حين لا نطلب سوى الحرية … يعيش صغارنا محرومين من الحرية ويموتون حزينين لأنهم لم يذوقوا طعم الحرية ولم ينعموا بالغابات الخضراء والجبال العالية … نحرس بيته ليلا نهارا لينام هادئا ونبقى نحن سهارى ، يقظين لحمايته ، وجزائنا في الاخير عظام بليت ولحوم فسدت وضربات توجعنا ، ثم نصاحبه في كل مكان ليتفاخر أمام أصدقائه بالسلسلة الحديدية التي تشد عنقنا كأنها تنوي خنقنا …" صرخ صرخة مدوية ثم نظر شزرا والشرر يتطاير من عينيه وكشر عن أنيابه متهيئا للهجوم ، لكنه رجع الى الوراء كأن مسا من الجنون أصابه، وانزوى يهذي في ركن بعيد . تدخلت الشجرة وقالت : " يقطع الانسان خشبي ليصنع منه مهودا لصغاره ، يرتاحون في مهودهم ونبكي بكاء متواصلا، صنع منا قواربا، سفنا ، مراكبا ، وبيوتا تحميه من قر الصيف وبرد الشتاء . وهبته كل شيء حتى الهواء أنقيه له ولكنه ظالم ، فلما نكران الجميل . اكل الانسان ثماري اليانعة ، اقتلع اخوتي ليصنع منهم كراسي يستلقي عليها وطاولات لأكله … رفس جيراني النبتات الصغيرة بأحذيته الضخمة ". سكتت الشجرة برهة ثم أضافت : " اني أدعو الجميع لمحاسبة الانسان " وبقيت في مكانها صامدة مظهرة شجاعة وصبرا … كل من تكلم قبلها أبدى هيجانا وحزنا ، ولكنها الوحيدة التي تمالكت نفسها ومكثت في مكانها تنتظر رأي الجميع. سألت الأرض الشمس : " وانت أيتها الشمس ما رأيك " - أنتظر رأي القمر . همس القمر : " رأيي معاكس للجميع ، الانسان يحبني في الليالي التي أنيرها، وعلى كل أنا متأكد أن الانسان لم يقصد ايذاء البحر وتلويث الهواء وتخريب الطبيعة وقتل الحيوان، الانسان صنع محميات حتى لا تنقرض الانواع النادرة الفريدة من الحيوانات، الشجرة رفيقة الانسان ولا حياة لها بدونه، أنا أدعو لمسامحته وسأتولى بنفسي تنبيهه لهفواته، سأطلب منه حماية الطبيعة لأنه لا حياة له من غيرنا ولا حياة لنا من غيره، سأبعث للبحر لأحدثه وأرضيه وأهدئه. انفض المجلس وأسارير الحاضرين مختلفة : بعض الملامح تدل على اليأس ، منها ما تدل على الغيض والندم في نفس الوقت، منها ما تدل على الشك ، ومنها ما تدل على الامل . |
حلم في حديقة الحيوانات مفيدة ، فتاة طيبة القلب وفية ، جميلة وذكية ، جميع الناس يحبونها لانها تساعد الكل قدر استطاعتها ... غدا اول ايام العطلة الصيفية ، ارادت مفيدة ان يكون اول يوم عطلة لها في حديقة الحيوانات ، طلبت من امها اسية اصطحابها الى الحديقة فوافقت . من الغد ، ارتدت بطلتنا اجمل ثيابها وحلت شعرها بضفيرة طويلة متناسقة ، ثم تعطرت وخرجت تصحبها امها ، لم تنس طبعا احضار بعض الطعام لها ولوالدتها . فتشت عن قطع الخبز القديمة التي لم تعد صالحة للاكل لتقديمها للحيوانات ، كانت مفيدة تقف عند كل قفص لتتفرج على ما بداخله ولتقرأ ما هو مكتوب من معلومات عن كل حيوان اسير القفص ، في الغد روت لنا مفيدة تفاصيل زيارتها للحديقة قائلة : اعترضتنا القرود المرحة وقد كانت تمتع الناظرين بحركاتها البهلوانية وهي على عجلة من امرها كانها تقدم عرضا تدربت عليه في السيرك ، دون ان تهمل التقاط ما يرمي به الزائرون في مهارة وسرعة وفي لمح البصر ، كانت تقلدنا في كل ما نفعله ونحن نضحك ، لم اتمالك نفسي امام حركاتها المضحكة فانفجرت ضحكا ، انتقلنا الى قفص الدب فارعبني صوته وكدت اهرب مستغيثة لكن امي اخبرتني انه لا يستطيع تكسير القفص ، اخذت اصيح قائلة : " لا اريد البقاء في هذا المكان فالننتقل الى قفص اخر " ... مررنا على الزرافة ادهشني طولها الخارق ، ومررنا بقفص النمر الذي اعجبت بفروه الرائع وفرو أخيه الفهد ، لكن في نفس الوقت افزعتني انيابهما ومخالبهما . لن انس طبعا انني مررت حذو الفيل الرمادي مع امي ، لكن ما اذهلني هو دهاء وذكاء ابن اوى و الذئب وصديقه الثعلب الماكر . من المواقف الطريفة : اني مررت على النعامة فوجدتها مدخلة رأسها في باطن الارض كعادتها ، انها كالطامع "اشعب" لا ينفك عن التطفل على الموائد . حيرني ظهر الجمل والناقة فاجابتني ماما اسية بقولها : " ان ظهره هكذا يا حبيبتي ليمكن الجلوس عليه بسهولة وهو يدعى "سفينة الصحراء" كما انه اكثر الحيوانات صبرا على الماء ، وعلى ذكر الماء فقد زرت فرس النهر الكبير والضخم الجثة ، واستغربت من ضخامة جثته الأعظم من جثة الثور وزوجته البقرة وصديقتها وجارتها الجاموسة اللاتي يبعدن عنها ببضع امتار … لن انس طبعا زيارة الفقمة صديقة الدلفين وكذلك القرش المخيف الذي يذكرني " بدراكولا " وقصته الخرافية المخيفة حتى ان اعوان الحديقة تركوه منعزلا لخطورته ، كما لن انس اني شاهدت عدة حيوانات مائية اخرى ، كالسمك والحوت الكبير ، وهلما جرا … بعد هذا التجوال قررت الاستراحة انا وامي ، جلسنا على مقعد امام المراجيح وشرعنا في اكل بعض الطعام الذي احضرناه ، وكنت استعجل الاكل حتى اكملت لمجتي وانطلقت جريا نحو الارجوحة ، اما امي فقد نصحتني بعدم الركض ، والتحول لمشاهدة الخراف والماعز والفئران والقنافد … واذكر ان علاقة صداقة متينة توثقت بيني وبين بطة فقد كنت اطعمها وصديقاتها البطات وجاراتها الوزات والبجعات ينظرن اليها في حسد شزرا ، فانقذتها من غيرتهن وسلمتهن بعض الطعام ، لذلك نظرت إلي بامتنان وشكر . عند المرور على مأوى الخنازير فضلت الجري والابتعاد عن المكان مع حرصي على سد انفي لاشمئزازي من الروائح الكريهة … عند زيارة الكنغر ظننت انه يلبس سروالا به جيوب لحماية ابنه ، لكن عندما قرات المعلومات عنه فهمت كل شيء . اطربتني زقزقة العصافير وهديل الحمام وقد سافرت في بحر الموسيقى عند الاستماع لتغريد البلابل ، وتمنيت ان اكون مثل تلك الفراشات ذات الالوان المبهجة الزاهية ، وقد ازدادت ضحكاتي حتى انقلبت على ظهري عند سماع الببغاء وهو يردد اقوالي مباهيا بالوانه الزاهية كمباهاة الطاووس الموجود قربه بريشه الملون . بقينا وقتا نتـامل الخيول وهي تملأ المكان بصهيلها وكذلك الحمير بنهيقها ، وقد الححت على امي ان تشتري لي دجاجة ، فرخا ، كلبا او ارنبا لكنها اخبرتني ان الحيوانات الموجودة في حديقة الحيوانات ليست للبيع ووعدتني بان تشتري لي حيوانا لطيفا من السوق عند العودة. كنت طوال الطريق التهم قطع شوكولاطة لذيذة واتسلى ببالونة وقناع مضحك وبعض اللعب اشترتها لي امي من الحديقة ، وكنا نستغرق في الضحك طوال الوقت عندما المح احد الحيوانات واشبهها بشيء مضحك ، دون ان انسى اننا استمتعنا بمنظر نافورة رقراقة جارية . قبل ان ننتقل الى قفص الاسد وعائلته ذهبنا الى قفص الثعابين وقمنا بلعبة : من يخرج لسانه اكثر ويحدث فحيحا قويا لكن ماما غلبتني في اللعبة …. راجعت كراسي وكل ما كتبته من معلومات على الحيوانات كما اضفت نكتة على التيس ولحيته الطويلة . حذو قفص الاسد انتابني بعض الخوف وشعرت بانه سيحصل شيء ما ، واذ بالاسد ينفجر غيضا ويحمر وجهه غضبا ويزأر زئيرا عاليا عندما شاهد ضفيرتي بالذات ولا أدري لماذا ... هرب الجميع عند تحطيم الاسد للقفص ، لم اعرف كيف تسمرت في مكاني من الدهشة ... بغتة نما للاسد جناحان ابيضان طارا بهما وحلق بواسطتهما عاليا ماسكا بي من ثيابي تارة ومن ضفيرتي طورا . نظرت تحتي فاخذت ارتجف كالقصبة في مهب الريح واحسست باعضاء جسمي ترتجف وباسناني تصطك ، دارت الدنيا بي وكاد قلبي يخرج من صدري ، جف ريقي ، لكنني بالكاد تمالكت نفسي ، وتمنيت الا اسقط ، وبالطبع لم اصرخ رغم مسكه القوي لشعري حتى لا يفزع الاسد العجيب ويسقطني ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقد قادت الاقدار حمامة ازعجت الاسد الطائر ، وعندما اراد الفتك بها سقطت من مخالبه من ارتفاع عال، حمدت الله وشكرته لانني سقطت على كومة قش فوق جبل كبير ، ولم اصب الا بخدوش بسيطة لم تألمني كثيرا ، احسست ان احدا يدفعني الى الامام ، وعلى حين غرة وفي غفلة مني سقطت من قمة الجبل ، عند الوصول اصطدم رأسي بصخرة كبيرة فانفلقت جمجمتي وصرخت صرخة مدوية ، كرر الصدى ندائي كانه يسخر مني ، واذ بي انهض فاجد نفسي في غرفتي مرتمية على الارض واقعة من السرير وقد اصطدم راسي بالمنبه فاخذ يرن رنينا عاليا متواصلا حتى ايقظ جميع افراد العائلة ، صببت عليه جام غضبي وقمت بتانيبه تأنيبا شديدا ، عند ذلك سمعت وقع اقدام ثابتة فارتميت فوق فراشي مخفية المنبه بين طيات ملابسي متظاهرة بالنوم متجنبة وخائفة من غيض امي . |
حارس البسـتان بقلم الكاتب: محمود البدوى كان نعمان حارسا لبستان الشيخ سليمان ، وهو بستان كبير غنى بالثمر ومن أشهر البساتين فى الصعيد ، ومنذ ثلاثين سنة ونعمان يحرس هذا البستان .. ولم تحدث فى خلال هذه السنين الطوال حادثة سرقة واحدة .. كانت المنطقة كلها تعيش آمنة .. كان مرهوبا قوى البطش .. وكان الفلاحون ينسجون حول بندقيته المقصوصة الأساطير .. يقولون أنها تفرش .. وتغرد .. وتنطلق منها النيران فى كل اتجاه .. مع أنه لم تطلق من هذه البندقية رصاصة واحدة .. وكان الغلامان سعيد وعمار يصطادان البط فى البركة القريبة من البستان عندما انطلقت خرطوشة طائشة من بندقية سعيد فأصابت عمار فسقط والدم ينـزف منه .. وأصاب الذعر سعيدا فجرى إلى نعمان خفير البستان وقص عليه ما حدث وهو يبكى ويرتعش .. فهدأ نعمان من روعه وذهب معه إلى المصاب فحمله إلى داخل العريشة .. وأسعفه وربط الجرح وتركه هو وسعيد لزوجته لتعنى بالجريح ولا تدع سعيدا يخرج من البستان حتى لا يتعرض لأى سوء .. وكانت فلاحة قد بصرت بالمصاب وهو ملقى بجوار البـركة وسعيد يجرى مذعورا .. فطارت إلى أهله وأخبرتهم أن سعيدا قتل عمارا .. وانتشر الخبر فى القرية بسرعة النار فى الهشيم .. وخرجت عائلة عمار وهى مسلحة بالبنادق ، والشوم ، والهراوات .. لتضرب أى إنسان تجده من عائلة سعيد .. وكانت عائلة سعيد قليلة العدد وضعيفة بالنسبة لعائلة عمار .. فخشيت أن تفنى جميعا .. وهرب أفرادها فى المزارع .. وأخذ رجال عمار يزحفون إلى مكان الحادث وفى عيونهم الشر والغضب والجهالة .. ورآهم نعمان خفير البستان وهم يتقدمون .. وأدرك أنهم يريدون قتل الغلام المسكين فتناول بندقيته وتحرك من مكانه حتى أصبح قريبا من الطريق الذى يأتى منه الرجال .. وجلس هادئا وبندقيته ملقاة بجانبه وكانوا يتقدمون فى سواد يسد عين الشمس ، وعجب للجهالة وللغضب الذى يقلب الإنسان إلى شيطان مجنون .. وتساءل هل جاء كل هؤلاء ليقتلوا غلاما مسكينا لاعصبية له فى القرية ولا عائلة قوية تحميه. ظل يراقبهم وهم مهرولون ويلوحون بالنبابيت .. ومنهم من كان يجرى فى قلب المزارع ويدوس على بساط البرسيم .. وعندما لمحوه وهو جالس على رأس الطريق حبسوا من خطوهم إذ ندر أن يترك نعمان البستان فى ليل أو نهار .. وكانوا كلما اقتربوا منه تمهلوا فى سيرهم حتى سمعوه يقول بصوت خافت وهو ينقر الأرض بعصا صغيرة من البوص .. ـ لا أحد منكم يعبر الطريق .. فتوقف الرجال واضطربوا .. ـ إننا بعيدون عن البستان ونبحث عن سعيد .. لقد قتل عمار .. ـ أعرف هذا .. ولا أحد منكم يتقدم خطوة .. فسمر الرجال فى أماكنهم كأنما غشيتهم غاشية .. وقال أحدهم ليخفف من حدة الموقف .. ـ إننا لانريد به شرا .. وسنسلمه للمركز .. ـ ليضربه العساكر .. وليصنعوا منه مجرما فى يوم وليلة .. لا .. ـ ولكنه قاتل .. ـ انه لم يقتل .. والخرطوشة طائشة .. وهذا يحدث لكل إنسان .. ـ وأين عمار ؟ .. نريد جثته .. ـ سأحملها إليكم فى المساء .. والآن اذهبوا .. ومن بقى منكم بعد أن أعد العشرة فسأصرعه .. وعجب الرجال لتخاذلهم وللضعف الذى طرأ عليهم فجأة وقد كانوا أشد ما يكونون حماسة للانتقام .. ماذا جرى لهم أيخذلهم رجل واحد .. ومنهم من هو أشد بطشا منه وقوة .. وسلاحهم أشد فتكا من سلاحه .. وليس معه سوى بندقية عتيقة مقصوصة .. ربطها بالسلك والدوبارة .. فما سر قوته وجبروته طوال هذه السنين ؟.. وقبل أن تغرب الشمس بصر الفلاحون بنعمان قادما على الجسر وهو يمشى ثابت الخطى بجوار حماره .. وقد وضع على كتفه بندقيته العتيقة .. وكان يركب على الحمار سعيد وعمار وكانا ما زالا صديقين متحابين .. وقد احتضن سعيد عمارا ليمنعه من السقوط .. إذ كان الأخير بادي الاعياء .. وقال أحد الفلاحين .. بعد أن مر عليهم نعمان : " أرأيت أننا كنا معتدين وحمقى ؟ .. ولقد انتصر علينا هذا الرجل وحده .. لأنه كان مؤمنا .. يدافع عن غلام مسكين وقد ظل طول حياته .. يحمى الضعفاء .. ويسحق الشر .. أينما كان فأعطاه الله هذه القوة الرهيبة " |
كعكات جدّتي
بقلم: الكاتب: نزار نجار العيدُ يدقّ الأبوابَ، ويهمس: - هيّا، يا أطفال، أنا قادم، يومان فقط، وأحلّ ضيفاً عليكم.. نتهيّأ لقدومه، تتهيأ جدّتي أم الطّاهر، يتهّيأ جيراننا، تتهيّأ حارتنا لاستقباله كما يليق الاستقبال.. البيوت في الحارة، كلّ البيوت تستيقظ باكراً، والأطفال ينهضون مع خيوط الفجر الأولى، وأهل الحارة يهرعون إلى فرن النحّاسين، يصلّون الفجر في جامع الأشقر، ثم يقصدون الفرن، يأخذون دوراً عند" أبي صبحي".. والرجل يبلّ قلم ( الكوبيا ) بريقه، ويسجل الأسماء بخطٍّ مرتعش وحروف متشابكة؛ لايفكُّ ارتباطها ولا يعرف تناثر نقاطها غيرُ أبي صبحي نفسه.. ورقة مدعوكة، مقطوعة من دفتر مدرسيّ مسطّر لكنّها- بالنسبة إلينا- ليست ورقة عادية، فهي مطرّزةٌ بالألقاب والأسماء والتوصيات: - ابو أحمد.. فطائر بالجوز أم عادل: هريسة بالفستق الحلبي.. أبو علي كرشة .. أقراص مرشوشة بالسمسم أم محمود الطبلة.. صينية صغيرة واحدة.. سعيد الفهمان.. صينية كبيرة.. أمّا جدّتي أم الطّاهر فاسمها لا بدّ أن يكون في رأس الورقة!. قبقابي يوقظُ النائمين في الحارة، أقفز من الدار إلى الفرن، أقطع الدرجات الحجرية، أجتاز البوابة المعتمة، والزّقاق الصّغير، تتفرّق القطط، تركض بعيدة وقد أزعجها قرع القبقاب، أصير أمام الفرن ، رائحة الخبز الأسمر الطّازج تستقبلني، أرغفةٌ منفوخة كالأقمار المعلّقة على السطوح ، تذوب في الأفواه كما تذوب" غزّولة البنات".. صوان نحاسية ذات أطرافٍ مدروزة تدخل الفرن أو تخرج منه، وأمام الباب، هناك، يزدحم رجال بحطّاتٍ وقنابيز يحجزون دوراً، نساء قادمات من أطراف الحارة، يجئن مبكّراتٍ ، على رؤوسهنّ أطباق القش الملوّنة، وقد عقدْن المناديل المزركشة وفي عيونهنّ الواسعة لهفة وانتظار.. ترى هل يسبْقن غيرهنّ، ويأخذْنَ أقراص العيد قُبَيل أذان الظّهر جدّتي تمسح رأسي بكفّها الحانية، وتهمس لي: - لا يُفرحُ قلبي غيرك.. هيّا.. قمْ.. وخذْ دَوْراً عند أبي صبحي.. كعك العيد- في الصّواني- جاهز.. هذا أنا، أوّل من وصل.. ما أسعدني.. سبقت أولاد الحارة كلّهم، اسم جدّتي أم الطاهر في رأس الصفحة، وكعك جدّتي بحبّة البركة واليانسون يدخل الفرن،... يتقاطر الأولاد ورائي، حسن وسالم وفادي وعبّودة، ومحمد وأيمن وبشير.. تتألّق عيونهم النّاعسة أمام نور الفرن، يتحلّب ريقهم وهم يَرَوْن الفطائر والهريسة الغارقة في السمن البلدي، والكعك المسمسم، والأقراص المنقوشة.. سهرت جدّتي الليل بطوله مع أمّي وعمّتي من أجل كعك العيد، وجدّي لايحبّ إلاّ كعكات جدّتي. لا يأكل حلوى إلا من صُنْع يديها.. وأبي كذلك، وأمي وعمّتي وأنا وإخوتي.. والأقارب، والجيران وأهل الحارة.. ما إن يقترب العيد حتى نتحلّق حول الجدّة ما أجمل السهر والسّمر والحكايات التي نسمعها.. ونمدّ أكفّاً صغيرةً منمنمة.. ولا ندري كيف تُرْبَطُ- بعدئذ- في أكياس قماشية، تشدّ جدّتي وتقول: - ضمّوا أصابعكم هكذا.. وتحذّر أمّي: - ارفعوا أيديكم، بعيداً عن الأغطية والملاءات البيض!.. أرفع صوتي محتّجاً: - ولكنْ.. أكبر كعكة من نصيبي! تبتسم جدّتي وتهمس في أذني: - أكبر كعكة يتقاسمها الجميع.. أنت ولد عاقل! أهزّ رأسي مقتنعاً: - نعم .. ياجدّتي.. الكعكة الكبيرة لي ولأخوتي.. حكايات جدّتي تحملنا إلى عالم مسحور.. نسافر إلى بلاد مجهولة، نقطع غابة، نتسلّق جبلاً، نعبر نهراً أو بحراً، أو نهبط وادياً أو منحدراً.. الصّواني صارت جاهزة، والكعك الطّازج يخرج من الفرن،جدّتي تفرك كفّيها بلهفة: - أنت.. منْ يفرحُ قلبي.. كم أحبّك!.. أقفز أمامها.. - أكبر كعكة من نصيبي! تمسك جدّتي بكفيّ وتقول: - انتظر.. ليس قبلَ أنْ.. وتساعدها أمي: - هاتوا أكّفكم يا أولاد!.. وننام تلك الليلة، أكفَّنا مضمومةٌ، وأصابعُنا مأسورة في أكياس جدّتي القماشية، ننام بهدوء بعد أن يئسنا من إظهار مهاراتنا فوق الوسائد والمساند، لا قفز ولا شقلبةَ ولا دحرجة.. وفي الصباح، صباح العيد، نفتح أعيننا مبكّرين، وتحلّ جدّتي عقدة الأكياس، تحرّرُ أصابعنا، فإذا أكفّنا مخضّبةٌ بالحنّاء، تلك نقوش جدّتي النّاعمة السّحرية!.. نفرد أصابعنا أمام وجوهنا، تضيء شموس، وتركضُ نجوم، لقد تلطّخت راحاتنا الوردية برسوم مدهشة، وها نحن نتذوّق مع جدّتي كعكها الّلذيذ.. وأكبر كعكة نتقاسمها جميعاً.. تلك دارنا، فإذا اجتزتم الدرجاتِ الحجرية في أول حارة النحّاسين، وعبرتم البوابة_ هناك ذات القوس القديم، ستجدونني أمام الباب الخشبي، كفّاي ملطّختان بحنّاء جدّتي، وأنا أنتظركم، لتذوقوا كعك الجدّة، ولن تنسوا طعمه أبدأً.. |
حكمة الهدهد بقلم الكاتبة: حنان درويش دعا الهدهد طيور الغابة منذ الصباح الباكر إلى اجتماع طارئ، وبدا وكأنّ أمراً خطيراً قد وقع، أو هو على وشك الوقوع... فمثل هذه الدعوات لا تحدث إلاّ في حالات نادره. سارعت الطيور تمسح عن عيونها آثار النوم، ومضت في طريقها نحو الساحة الكبيرة، محاولة أن تخمّن سبب هذه الدعوة المفاجئة، وعندما اكتمل الحضور، انبرى الهدهد يتكلّم: - أنتم تعلمون أيّها الأعزّاء أنّ هذه الغابة هي موطننا وموطن آبائنا وأجدادنا، وستكون لأولادنا وأحفادنا من بعدنا.. لكنّ الأمور بدأت تسوء منذ أن استطاعت بندقيّة الصياد الوصول إلى هنا، فأصبحت تشكّل خطراً على وجودنا. - كيف؟.. قل لنا.. تساءل العصفور الصغير. - في كلّ يوم يتجوّل الصيادون في الغابة متربصين، ولعلّكم لاحظتم مثلي كيف أخذ عددنا يتناقص، خصوصاً تلك الأنواع الهامّة لهم. مثل ماذا؟ تساءل الببغاء - مثل الكنار والهزار والكروان ذات الأصوات الرائعة.. ومثل الحمام والدجاج والبط والإوز والشحرور والسمّان ذات اللحم المفيد، والبيض المغذي، ومثلك أيّها الببغاء... فأنت أفضل تسلية لهم في البيوت، نظراً لحركاتك الجميلة وتقليدك لأصواتهم. وقف الطاووس مختالاً، فارداً ريشه الملوّن.. الأحمر، والأصفر، والأخضر، والأسود.. قال: - لا بد وأنّك نسيتني أيّها الهدهد، فلم يَردْ اسمي على لسانك، مع أنني أجمل الطيور التي يحبّ الإنسان الحصول عليها، ليزيّن بها حدائقه. - لا لم أنسك، وكنتُ على وشك أن أذكرك... فشكلك من أجمل الأشكال.. ولكنْ حذار من الغرور. قال الحجل بدهاء: - معك حق فيما قلته أيّها الهدهد.. حذار من الغرور. نظر الطاووس نحو الحجل بغضب شديد، اتجّه إليه وهو يؤنّبه: - إنّك لا تقلّ خبثاً عن الثعلب الماكر، ولذا لن أعيرك أيّ اهتمام. حاول الحجل أنْ يردَّ له الإهانة، لكنّ الهدهد هدّأ من حاله قائلاً له: - دعونا الآن من خلافاتكم... فأنتم إخوة ويجب أن لا تنشغلوا عن المشكلة الكبيرة التي تواجهنا جميعاً. قال الشحرور: - أيها الصديق معك حق.. لقد لامست كبد الحقيقة.. قل لنا ماذا نفعل؟ رفع الهدهد وجهه، فاهتزّت ريشاته المغروسة في رأسه... قال: - لقد دعوتكم لنتبادل الرأي في هذا الموضوع.. فليذهب كلّ منكم إلى عشّه الآن، ويأتني غداً في مثل هذا الوقت بالتحديد، وقد حمل إليّ حلاً نستطيع به حماية أنفسنا من بنادق الصيادين |
أحلام صبي بقلم الكاتبة: جمانة طه أحس فارس بالضجر من القراءة، ومن حلّ المسائل الحسابية. فتح التلفاز، وراح يشاهد بعض أفلام الكرتون التي أدخلت الدهشة إلى قلبه، والخيال إلى عقله. فاندمج مع بطل الفيلم الذي كان فارساً من فرسان أيام زمان، يرتدي الدرع ويضع الخوذة على رأسه والقناع على وجهه ويحمل بيده سيفاً طويلاً. تخيل فارس أنه بطل يدافع عن أخوته وأصدقائه في فلسطين المحتلة. نادى أمه، وقال: أنا فارس من الفرسان، أريد أن أذهب وأنقذ المظلومين. قالت لـه أمه: لا تزال صغيراً يا فارس، افعل هذا عندما تكبر. - أنا ضجر جداً وأريد أن أفعل هذا الآن. ضحكت أمه، وقالت: إنك لست فارساً، بل صبي صغير. - ولكني ضجر ومتضايق، وسأذهب الآن بعيداً. مسحت أمه على رأسه بحنان، وقالت: إذا ذهبت يا صغيري، فسألحق بك إلى أي مكان تذهب إليه. - إذا لحقتِ بي، فسأصبح سمكة في جدول غزير المياه، وأسبح بعيداً. - إذا أصبحتَ سمكة في جدول غزير المياه، فسأصير صياداً، وأصطادك. - إذا صرتِ صياد سمك، فسأصبح أنا صخرة على جبل عال، ولن تتمكني من الوصول إلي. - إذا أصبحتَ صخرة على جبل عالٍ، فسأتعلم كيف أتسلق الجبل، وأتبعك أينما كنت. - إذا تسلقتِ الجبل، فسأختبئ في حديقة بعيدة عن الأنظار. - إذا اختبأتَ في حديقة بعيدة عن الأنظار، فسأصبح بستانياً وأجدك. - لن تستطيعي، لأني سأتحول إلى طائر وأحلق بعيداً في السماء. - إذا تحولتَ إلى طائر، فسأصبح شجرة تأتي إليها، وترتاح على أغصانها. - إذا أصبحتِ شجرة، فسأصير قارباً صغيراً وأبحر بعيداً. - إذا صرتَ قارباً صغيراً، فسأصير ريحاً وأحرك قاربك إلى حيثما أشاء. - عندها سألتحق بسيرك، ألعب على الأرجوحة وأطير من طرف إلى طرف. - إذا التحقتَ بسيرك، فسأصير لاعبة سيرك، أمشي في الهواء على حبل مشدود، وأصل إليك. - إذاً سأصبح أرنباً، وأقفز في الغابة من مكان إلى مكان آخر. - إذا أصبحتَ أرنباً، فسأصير حقلاً من الجزر لتأكل منه ما تشاء. سكت الصبي برهة، ثم قال: في هذه الأحوال من الأفضل لي، أن أبقى في البيت كما أنا. ردت عليه أمه: وستجدني دائماً بقربك يا صغيري، أرعى شؤونك، وأسهر على راحتك، وأبعد عن نفسك الضجر. قبَّل الصبي أمه، فقبلته وضمته إلى صدرها في عناق حنون. |
من أجل قطرة ماء بقلم الكاتبة: لبنى ياسين طق... طق... طق ... يكاد رأسه ينفجر وتدوي الضربات فوق دماغه بطريقة مرعبة ... وضع الوسادة فوق رأسه عله يهرب من هذا الصوت المزعج إلا انه لم يفلح ...طق ...طق... طق ... اللعنة على هذا الصنبور, منذ شهور وهو ينقط بالطريقة نفسها إلا أنها المرة الأولى التي يزعجه فيها ذلك فعلا ... ربما كان السبب في ذلك طفلاه اللذان فاجآه وهو يغسل سيارته, فأخذا يرميان في وجهه بحماس وأدب كل ما قالته لجنة ترشيد المياه والتي كانت لحظه العاثر في زيارة للمدرسة في أسبوع التوعية لتعليم الأطفال فوائد الترشيد كي تطلعهم على مضار هدر المياه بطريقة مستهترة, طق... طق ...طق ... يا لهذه القيلولة المزعجة, يكاد رأسه ينفجر والصنبور يرفض أن يغلق فمه مبتلعا صرخة الاستغاثة المشؤومة التي كانت تنطلق من فمه دون استجابة, بينما تتردد الآية الكريمة التي زرعها ابنه في رأسه ناصحاً "إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين ", وأخيرا وبعد حرب ضروس بين رأسه وأذنيه وصنبور الماء استكان مستسلما لإغفاءة هو في أمس الحاجة إليها. الصنبور مرة أخرى وهو ينقط في وعاء كبير هاجمه في الحلم, امتلأ الوعاء حتى بدأ الماء بالسيلان عن حوافه, ثم تضخم و تضخم وعاء الماء حتى وجد نفسه فجأة في لجة أمواج عاتية قزما يحاول النجاة بحياته, لم يستطع أن يقاوم لأمواج التي تتقاذفه يمنة ويسرى وترفعه تارة فوقها ثم ترميه تارة أخرى في عمق جسدها الغاضب وهو عاجز عن فعل أي شئ ... حتى الصراخ, فجأة رمت به موجة ضخمة على الشاطئ الرملي, تلفت حوله فإذا بالرمال تحيط به من كل صوب وقد كشفت الشمس عن نواجذها بينما اختفى الماء تماما كأنه لم يكد يغرق فيه منذ لحظة, بدأ يتصبب عرقا من شدة اللظى القادم من قرص الشمس, تلفت يمنة ويسرى عـله يرى ولو جدول ماء صغيراً إلا أن المكان كان صحراء قاحلة ...على امتداد النظر لم يكن ثمة كائن غيره برفقة الشمس والسماء والرمال المشتعلة بلهيب الشمس... لا شئ مطلقا سواهم. شد قدميه شداً ليُخرج نفسه من هذا المكان, إلا انه لم يكن هناك أية إشارة لوجود كائن حي واحد ولا حتى شجرة صغيرة يحتمي بها من أشعة الشمس الحارقة, بينما بلغ العطش مبلغه وجف حلقه وتيبست شفتاه, قال في نفسه: قد ادفع نصف عمري الآن من أجل كأس واحد من الماء لكن أحداً لن يرغب بهذا الثمن أو غيره إذ لا أحد مطلقا سواه في هذا المكان . اشتد عطشه اكثر ... لم يعد يستطيع التنفس ... أحس انه يوشك على الاختناق ودارت في خلده ذكريات كان فيها الماء متوفرا بشكل مريح ... لم يكن يعلم أن الماء ثمين إلى هذا الحد ... تذكر سيارته التي كان يرويها بمئات الليترات من الماء لتبدو لامعة ... لو أن كأسا واحدا من هذه الليترات يأتيه الآن وسيدفع مقابله كل ثروته ... إلا أن شيئا من هذا لم ولن يحصل ...هربت من عينه دمعة رسمت طريقا لها على خده ... فكر في نفسه ملهوفاً إنها قطرة ماء ومد لسانه صوبها في محاولة لاصطيادها علها تخفف من لوعة الكبد لقطرة ماء ... هل كان الماء غاليا حتى هذا الحد ؟؟؟ نزلت من عينه دمعة أخرى كان يحاول اصطيادها عندما رنت الساعة معلنة انتهاء قيلولته, فتح عينيه فإذا هو في المنزل وإذا بالصحراء كابوسا دمرته رنة الساعة, لكن صنبور الماء ما زال ينقط ... طق... طق... طق... ودون أدنى تفكير هرول نحو الهاتف يطلب السمكري ليقوم بإصلاح الصنبور وفحص بقية أنابيب المياه . |
الأرنوب بقلم الكاتب: د. أسد محمد مرّ فيل ضخم وسط بيوت الأرانب فهدم بيت الأرنب الكبير ، انزعج الجميع من أجله، و قرروا مساعدته في بناء بيت جديد له ، رفض قائلا: - إن الطقس بارد و لا احتمل الانتظار حتى تبنوا لي بيتا جديداً . حاولوا أن يفهموا منه ماذا يريد، و اقترحوا عليه أن يجهزوا له البيت المهجور مؤقتاً، فقال لهم: - أنا الأرنب الكبير وتريدونني أن أنام في بيت مهجور وغير نظيف. قدموا له عدة اقتراحات أخرى، تظاهر بالغضب وابتعد عنهم، تفقد البيوت مساءً فأعجبه بيت الأرنوب النشيط،ودون أن يسأله، دخل البيت وقال: - هذا بيتي الجديد، هيا اخرج منه. تدخلت الأرانب وقالت: - البيت للأرنوب ولا يحق لك أخذه. هزّ رأسه ساخراً، وقال، - لن أسمح له بالدخول إليه أبدا. تجنبت الأرانب الدخول معه في خلاف لأنهم يعرفون جيداً قوته و المشاكل التي يمكن أن يسببها في حال غضبه، تدخل الأرنوب، وقال: - قد يغضب ويؤ ذيننا جميعاً، سأبني بيتا جديداً. اختار المكان وبدأ يحفر وكراً، فجآت الأرانب وساعدته، وتمكن من بناء بيت بسرعة كبيرة، شكرهم على مساعدته، عاشت الأرانب بعد ذلك بسلام، لكن الأرنب الكبير انزعج وظن أنهم تحدوه بسبب مساعدتهم للأرنوب، واعتقد أنهم لا يزورونه بسبب انزعاجهم منه. فيما بعد أوضحت له الأرانب أنهم كانوا منشغلين بجمع الطعام لذا لم يتمكنوا من زيارته، لم يقتنع بكلامهم، وقال في نفسه: - لا يزالون غاضبين مني، وسأعاقبهم. اندفع مساء اليوم التالي واحتل بيت الأرنوب النشيط وطرده منه، ثم نام فيه، توقع في الصباح أن مشكلة ستحدث وسيخرب على الأرانب حياتهم الآمنة، لكن الأرنوب ترك الأمر سراً كي لا يزعج أحداً، تصرف بذكاء ونام في بيته القديم الذي أخذه منه الأرنب، وهكذا راح الأرنوب ينتظر حتى ينام الأرنب في أحد البيتين، ثم ينام في الآخر، وقال: - لقد أصبح لي بيتان: بيت قديم و بيتي الجديد. بعد فترة سأل الأرنب الكبير نفسه: - لماذا لم تحدث أية مشكلة؟ و أين ينام الأرنوب؟ راقب الأرنوب واكتشف السر، فقرر أن يمنعه، ووقف في منتصف المسافة بين البيتين، وقال: - سأحرسهما جيدا، وأنام هنا، أو الأفضل أن أبني بيتا بينهما، وأمنعه من النوم في بيتي. فكر في الأمر قليلا وتابع: - لن أتمكن من بنائه وحدي، و لن يساعدوني. وقف مساءً بين البيتين، أحس الأرنوب بما يخطط له الأرنب وبأنه سيمنعه من النوم، فراقبه حتى تعب ونام، ثم تسلل ونام في بيته، وعندما علم الأرنب بذلك، اعترف أن الأرنوب النشيط أذكى منه ، وبأن خطته فشلت، فكر في الأمر طويلاً، وأخيرا قال: - يكفيني بيت واحد، ولا يمكنني النوم في بيتين في الوقت نفسه. |
القلم الساحر بقلم الكاتب: السيد نجم ما أن تستضاء الأرض في مطلع كل نهار, حتى ينهض "توما" من النوم, ويمسح بجبهته التراب, تحية لله, ثم يجمع أدوات الكتابة .. القلم المصنوع من أعواد الغاب, وأحبار سوداء صنعها من نبات النيلة, وملف كبير من أوراق البردي. بعدها يذهب إلى مدخل سوق القرية, فيكتب للفلاحين الشكاوى والمظالم, وما جعل الجميع يحبونه كثيرا, كما أحبهم. في صباح كل يوم جديد , يتربع "توما" في جلسته فوق المقعد الحجري. فهو صاحب لقب "حامل القلم", بعد أن درس الحكمة وفنون الكتابة في "بيت الحياة" وهو الملحق بمعبد مدينة "طيبة" عاصمة الدولة. في هذا الصباح بالذات, شاف "توما" علامات الفزع على وجوه الناس, علم أن اللصوص هاجموا كل حظائر القرية في ليلة الأمس, وسرقوا البهائم وأيضا القمح والشعير من المخازن. حزت "توما" حزنا شديدا, وبينما جلس يفكر ويبحث عن حل مناسب, دخل عليه ثلاثة رجال يعرفهم .. شيخ البلد, شيخ الخفر, أحد أشراف القرية. رحب بهم, وبدأوا جميعا في حديث طويل. قال شيخ البلد: "يا "توما"..إن المسافر يجئ إلينا بالحمير المحمّلة بالتوابل والملح والأخشاب. أما أنت فقد سافرت وعدت إلينا بالعلم والمعرفة والحكمة .. وميزك الله بالقلم" تابع شيخ الخفر: "أعترف أني عاجز عن مواجهة هؤلاء الأشرار, لم تعد قوة رجالي تكفى, أنا وكل الخفر في حاجة للاستماع إلى حكمة قلمك" شارك الشريف قائلا: "أهل قريتنا طيبون, ليس فينا من يسئ إلى آخر, ونحن معا نطعم الجائع, ونكسو العاري, ونحترم المسن, ونساعد الأرامل واليتامى" بانفعال قال شيخ الخفر معلقا: "ليس عندي غير الرمح والسهم, نمزق بها أجسادهم .. ماذا يفعل "القلم" المصنوع من الغاب الضعيف؟ الناس في القرية خائفين من اللصوص!" وقف "توما" وكأنه اكتشف الفكرة الساحرة, والحل العجيب المدهش, قال لهم: " وجدت الحل.. لن نقضى على الأشرار قبل أن نقضى على الخوف الذي يملأ قلوب الناس" فنظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض في دهشة!! .. من جديد تابع "توما" قائلا: "من يحاول أن يخرس القلم, سوف يخرسه الله إلى الأبد" ففهموا ما يعنيه حامل القلم "توما", وانتظروا تفاصيل الفكرة التي يريد تنفيذها. ...... ....... ...... .... وفى اليوم الجديد, سمع أهل القرية غواق الغربان كلها (صوت الغراب), تساءلوا في حيرة وقلق: "هذا الصوت نذير سوء, ماذا حدث ليلة الأمس؟؟" وخرج شيخ الخفر ورجاله يبحثون عما حدث, فعلموا أن الفلاح الفقير الأخرس "نو" اختفى في ليلة الأمس !. فلما كانت زوجته ممن يتكلمون وليست خرساء, أخبرتهم بالتفاصيل كلها .. وقالت وهى حزينة حزنا شديدا: "بعد منتصف ليلة الأمس, دخل علينا ثلاثة لصوص ملثمين, يضعون قطعا من الكتان فوق وجوههم .. هددوا زوجي المسكين الأخرس, ثم سرقوا كل ما نملك. سرقوا الصندوق الخشبي الأسود الذي نحتفظ بداخله بكل ما نملك" وبعد أن فر اللصوص بالصندوق, خرج الفلاح الأخرس الفقير "نو" ولم يعد حتى الصباح. ..... ....... ....... ...... وبينما جلس الفلاح "نو" عند ضفة النهر يبكى, منذ شروق الشمس وحتى غروبه, ظل الرجل يبكي وهو يبتهل إلى الله.. أن يسمع شكواه, وأن يستجيب إلى دعواته في التخلص من اللصوص .. وعودة ثروته القليلة التي يملكها. وفجأة لمح سطح مياه النهر يعلو .. نعم, يرتفع إلى أعلى, ثم تنشق المياه إلى نصفين. وإذا بحورية جميلة تخرج من الشق الذي رآه في النهر .. كانت جميلة ورشيقة, ولها شعر أسود طويل يصل إلى نصفها السفلي, نصفها الذي هو على هيئة زعنفة سمكة. بكل ما يملك من قوة حاول "نو" أن يبدو قويا, وأشار لها بيده وهو يرجوها ألا تؤذيه. فضحكت الجميلة, وقالت له: " لا تخف يا عم نو... جئت كي أراك وأطلب منك الاطمئنان لأن الله يحمى الضعفاء, وأنت قاومت اللصوص, لكنهم كانوا أقوى منك" ثم اختفت بسرعة, وعادت مياه النهر إلى سابق حالها, وكأن شيئا لم يكن..! من شدة الخوف, بدأ الفلاح المسكين الأخرس "نو" يدعو الله قائلا في نفسه: "أنت الله, سيد السماء والأرض, ولا تشرق الشمس إلا بأمرك.... أدعوك أن تبدد شقائي, وخوفي, وتعيد لي الصندوق الخشبي" بينما هو هكذا, إذا بسطح مياه النهر تنشق ثانية, وتخرج العروس الجميلة مبتسمة. اقتربت منه, وأعطته قطعة صغيرة من الغاب , صفراء اللون, ذهبية المظهر مع ضوء القمر الساطع في كبد السماء. أمسك "نو" بقطعة الغاب دهشا, ومن جديد بدأ يبكى. وكلما سقطت دمعة فوق قطعة الغاب تشكلت بشكل القلم الذي يشبه قلم "حامل القلم توما"!! أسرع عائدا إلى زوجته التي فرحت بعودته, أخبرها بطريقته بكل ما حدث, وفهمت كل الحكاية. معا خرج إلى بيت شيخ البلد فورا. قصت الزوجة المخلصة كل تفاصيل الحكاية, حكاية القلم السحري هذا. ولم ينتظر شيخ البلد طويلا, استدعى شيخ الخفر وشريف القرية, وأسرعوا جميعا إلى دار توما". قالوا جميعا لتوما: "الآن حان الوقت ليبرز دورك يا حامل القلم.. أنها رسالة الله إليك في هذا القلم, وعلى يد هذا الفقير "نو"." ...... ....... ....... ........ في الصباح الجديد, جلس "توما" عند رأس السوق, فوق المقعد الحجري كعادته .. يكتب على الورق البردي, ثم يدور بين لناس في السوق يوزعها عليهم. كتب في اليوم لأول يقول: (أهلي قريتي الأحباء..كل صباح ومساء قولوا معي .. أيها اللصوص ستصيرون شعلة من النار, وستغرقون , بسبب شروركم) لفترة تجاهل الناس ما يقرأون, ويديرون وجوههم أمام نظرات "توما" المعاتبة لهم كلما التقى بهم داخل السوق أو خارجه. في يوم آخر كتب "توما" يقول: (أنت يا من تقرأ تلك البردية .. لا تجعل وجهك يعبس مما حدث وحسب, يجب أن تدبر أمرك في هدوء وبسرعة) فبدأ الناس يتساءلون, ويتناقشون معا: " ماذا نفعل واللصوص أقوياء وأشرار؟" " كيف نواجههم ؟؟" فرح "توما" بالأسئلة, وقال لهم جميعا: "الخطوة الأولى, أن تقلعوا الخوف من قلوبكم, وأن تزرعوا الشجاعة مكانها). رويدا بدأ الجميع يردد أقوال توما, وحفظها الأطفال الصغار, وحتى إن لم يفهموا معناها. وفى الأسواق وفى كل مكان بدأ الجميع يغنى, بقلع الخوف وزرع الشجاعة !! وأصبحت كلمات "توما" تردد في الأفراح, وأيام تحنيط موتاهم. ....... ...... ....... ...... كانت السيدة العجوز "حور" تجمع البيض في السلة كل أسبوع, لتبيعها في السوق وتشترى ما تحتاجه من قمح وفاكهة وغيرها. وهى في طريقها إلى السوق, قابلها اللصوص واستولوا على السلة الممتلئة بالبيض!! الحقيقة لم يكن الأمر هكذا ببساطة وسهولة, لأن السيدة العجوز لم تستسلم للصوص. فقد قال لها كبيرهم: "أعطنا السلة أيتها العجوز " فقالت لهم: " أنا سيدة عجوز, وبهذا البيض سوف أحضر طعامي لأسبوع كامل... أرجوكم , اتركوه لي ..." فضحك اللصوص, وسخروا منها ومن دموعها, حتى قال أحدهم: " لماذا العناد أيتها العجوز, سوف تنفذين أوامرنا فورا؟ " فلما لمحت العجوز أحد شباب القرية, قادم من بعيد, تشجعت, وصرخت في اللصوص بصوت مرتفع, قالت: " لن يحدث, لن أعطيكم طعامي لأسبوع كامل..." فلما ضحك اللصوص ثانية, قالت: " لن يرحمكم الله لو حاولتم استخدام القوة معي..." أحد اللصوص صرخ فيها: " دعك من الحكمة التي يصيح بها "توما" ليل نهار" فهمس أحد اللصوص إلى كبيرهم: " يبدو أننا سوف نعانى كثيرا بعد كلمات "توما" هذا" وما أن بدأ أحدهم انتزاع السلة من يد العجوز بالقوة, بدأت العجوز في المقاومة, وضمت السلة إلى صدرها بقوة, وبدأت تصرخ بكل قوتها: "لن أدعكم تسرقوني .... اقتلوني ولا تأخذوا طعامي" ما بين الشد والجذب بين اللصوص والعجوز..سقطت السلة إلى الأرض, وتحطم البيض! وكانت لحظة وصول شباب القرية, اندفعوا جميعا نحو اللصوص, للمرة الأولى يفاجأ اللصوص بمقاومة شباب القرية, فأسرعوا يجرون في كل اتجاه, وفى كل مكان بعيدا عن العجوز والشباب القوى ! للمرة الأولى يعدو اللصوص, ويرجون النجاة من أحد أفراد القرية! ..... ...... ..... ...... بسرعة وصل اللصوص إلى المغارة البعيدة القاطنة في قلب الجبل القريب من القرية, بدأ كبيرهم الكلام محذرا من المستقبل وهو يتساءل: " ما حدث اليوم خطير يا رجالي .. يجب أن نبدأ خطة جديدة" علق آخر: " بل يجب أن ننزل بكل سكان القرية العقاب الشديد على ما بدر من شبابهم اليوم..." وبعد مناقشات طالت, علق كبيرهم في حسم قائلا: "اسمعوا.. يجب تنفيذ كل كلمة أنطق بها الآن. إن سر ما حدث كان بسبب كلمات الكاتب "توما", ولا حل إلا أن نسكت هذا القلم." فعلق الجميع في دهشة: " وماذا نفعل مع الكلمات أو هذا القلم المصنوع من الغاب؟؟!" جادا علق كبيرهم: " نعم.. سوف نسرق هذا القلم, مهما كلفنا ذلك من جهد أو مشقة" ردوا عليه بصوت متردد: " موافقون!!!" ...... ....... ....... ....... بينما كان صاحب القلم الساحر "توما" خارج داره, يتأمل السماء الصافية والنجوم المتلألئة ليلا في منتصف الليل. إذا باللصوص يتسللون إلى داره , يبعثرون كل شئ, يبحثون عن القلم الساحر. ولم يشعر بهم "توما" لفترة طويلة, حتى نجحوا في مهمتهم الشريرة ! في الصباح انتشر الخبر, وعلم أهل القرية بما حدث مع "توما" وقلمه السحري. ومع ذلك ردد الجميع, وقالوا لتوما: "كلماتك الآن في قلوبنا, لسنا في حاجة لي القلم المسروق" فرح "توما " بما سمع, ولم يعلق. وبينما شيخ القرية وشيخ الخفر وشريف القرية , كلهم معا يتحدثون مع "توما". سمع الجميع بعض الضوضاء في مؤخرة السوق هناك. اندفعوا ... كلموا اقتربوا أكثر من مصدر الهرج والمرج والضجيج, كلما اتضح الموقف أكثر..لقد حاول اللصوص سرقة الماشية كعادتهم في الأسواق..لكن ما حدث اليوم, أن قاومهم الجميع.. الصغير والكبير, الرجال والنساء.. كل أهل القرية الموجودون في السوق قاوموا اللصوص. أنزلوا بهم إصابات شديدة, وعجز كل اللصوص عن الفرار!! وبدأت مهمة الخفر, ليعلن شيخ الخفر أنه تم القبض على كل اللصوص. وبعده أعلن شيخ القرية عن شكره إلى الجميع, وقبلهم كلهم "توما" الكاتب المخلص الأمين .. وابتسم وهو يقول: "بل كل الشكر إلى قلمه الساحر العجيب" هلل الجميع, وزغردت السيدات, ثم طلبوا أن يسمعوا كلمات "توما" إليهم, بعد انتصارهم على اللصوص, فقال: "سوف يهلك كل من يحاول سرقة أهل قريتنا .... ليس بسبب القلم الساحر كما تقولون.. لأنه سرق!!" فعبر الجميع عن خوفهم, وانزعجوا, ليتابع "توما" قائلا: " الآن القلم الساحر أصبح في قلوبكم.. وكل كلمة أنتم قادرون على تنفيذها قبل أن يكتبها, لأنكم أصحاب حق, ولا تقولون أو تفعلون إلا الحق". ومن جديد هلل الجميع فرحا بعد خوف وقلق. وقضت القرية ليلة من أسعد الليالي, ما بين الغناء والرقص والأفراح |
ليلى والأمير بينما كانت ليلى تتنزه في الغابة كعادتها سمعت صوت الرعد و المطر فأسرعت لتحتمي تحت أحد ألأشجار من المطر حل المساء و لازلت الأمطار تهطل بغزارة أخيراً توقف المطر و على ليلى العودة إلى منزل جدتها المريضة لكن مع هذا الظلام الكثيف يستحيل آن تعرف طريقها كما أن ليلى تخاف السير في الغابة عند غروب الشمس فالوحوش في كل مكان لذلك قررت ليلى أن تبيت هذه الليلة في الغابة و في ذلك الوقت مرت قافلة تجارية لأحد الأمراء من الشجرة التي تبيت بها ليلى ظن الحراس أولا أن من تحت الشجرة حيوان مفترس فجهز الأمير سهمه ليرميه على الوحش المفترس تحت الشجرة لكن عندما اقترب الأمير من الشجرة رأى فتاة بيضاء كالثلج شعرها أسود كالفحم سأل الأمير ليلى عن سبب بقائها في الغابة في هذا الوقت من الليل فأخبرته بقصتها أوصل الأمير ليلى إلى منزلها في صباح اليوم التالي فما أن هم بالذهاب حتى سمع صوتها تصرخ وتبكي و سألها عن سبب بكائها فقالت ليلى للأمير أن جدتها العجوز ماتت ولم يبقى لليلى أحد فـأخذ الأمير ليلى إلى قصر والده وأصبحت ليلى طباخة ماهرة في قصر الملك و عندما قرر الأمير الزواج أراد زوجة من عامة الناس و لأنه يثق بليلى أراد منها أن تبحث له عن زوجة ولكن ليلى كلما قدمت للأمير فتاة قال هذه سمينة و هذه نحيلة و هذه سمراء و هذه شديدة البياض تعبت ليلى من كثرة البحث و قد أحس الأمير أن الزوجة التي يريدها هي ليلى فتقدم لخطبتها وافقت ليلى لكن الملك لم يوافق أن يتزوج ابنه الوحيد من طباخة كانت في القصر و لشدة تعلق الأمير بليلى خاف الملك أن يرفض الأمير ترك ليلى فقام الملك بمأمره تقوم على خطف ليلى والذهاب بها بعيداً عن القصر و تركها عند الساحرة الشريرة التي قامت بحبسها في دائرة أطرافها ممن النار كي تحترق قدماها لو حاولت الفرار استيقظ الأمير من نومه فلم يجد ليلى أخذ يبحث عنها في القصر فلم يجدها و على مائدة الغذاء قال الأمير لوالده الملك عن اختفاء ليلى أبدى الملك حزنه الكاذب على اختفاء ليلى إلى أن قلبه كان يرقص من الفرح خرج الأمير من القصر ودار المنطقة بأكملها فلم يجد ليلى عاد الأمير إلى القصر خائباً حزيناً وقد أعلن عن جائزة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومة عن ليلى كان مستشار الملك طماعاً بالجائزة لذلك اخبر الأمير بما فعله الملك با ليلى حزن الأمير كما لم يحزن أحد من قبل وذهب سريعاً إلى كهف الساحرة ليسترد ليلى و لكن كيف يفعل هذا دون علم الساحرة الشريرة غير الأمير ملابسه و لبس ملابس السحرة و وضع له شارب طويل و دخل إلى الساحرة و تكلم بلهجة شريرة حزينة قائلاً للساحرة :أيتها الساحرة العظيمة كنت ساحر عظيم مثلك لكن حبسني أحدهم في علبة صغيرة وأخيراً تمكنت من الخروج و لكني نسيت سحري أفلا تعلميني السحر من جديد و وافقت الساحرة أن تعلم الأمير السحر وبدأت الساحرة دروسها بتعليم الأمير كيف يوقد النار ويطفئ النار علمته الطريقة فانتظر خروجها أطفئ النار المحيطة بليلى وعاد إلى قصره هارباً من الساحرة و عندما عاد أمره الملك بالتخلص من ليلى رفض الأمير بشدة فطرده والده الملك خارج القصر خرج الأمير و ليلى حزينين من القصر لكن الأمير سكن مع ليلة في بيت واحد و وجد الأمير له عمل في القرية و عاش الأمير و ليلى بقية حياتهما سعيدان و في حب أبدي و لم يندم الأمير بأنة ترك حكمه و ثروته من اجل الزواج ب ليلى ... |
بــــــائع الأحــــلام
كل صباح يستقيظ " حمادة" على صوت عم " حمامة" الذي يأتى كل يوم إلى شارعهم ليحقق لهم أحلامهم مهما كانت كبيرة أو صغيرة . ينهض "حماده" من فراشه مسرعا نحو النافذة المطلة على الشارع ... ينفض عن عينيه لُباب النوم بفركهما بقوة ثم يجلس مستمتعاً برؤية عم " حمامة" ومن حوله أطفال الشارع وأطفال الشوارع المجاورة يشترون منه أحلامهم الخضراء بقروشهم القليلة التي تعينه على شظف الحياة وتحميه هو وأطفاله الصغار من أهوال الدهر ونوائبه. وجوه الأطفال دائما بشوشة وتعلوها مسحة من الفرح العارم كلما حقق عم " حمامة" حلماً من أحلامهم ، الأطفال تستريح كثيراً لعم " حمامة " ويسعدون كثيراً بالوقت الذي يقضونه معه فهو رجل طيب القلب ... نقي السريرة ... ووجهه رائق وملامحه تغرف من لون طمي النيل بغير حساب. يبذل عم " حمامة" قصارى جهده في تحقيق أحلام الأطفال ... في كل مرة يحقق فيها عم "حمامة" حلماً لأحد الأطفال يشعر بسعادة جارفة وفى كل مرة يعدهم بأنه سيحضر لهم المرة القادمة الكثير من المفاجآت ودائماً يفي بوعوده لهم؛ فطوال سنوات طويلة لم يتخلف عم"حمامة" عن الحضور إلى الشارع ليحقق أحلام الأطفال الصغيرة بعرائسه الممتعة التي تحكي لهم الكثير والكثير من الحكايات المشوقة التي تشنف آذانهم الرقيقة فتحكي لهم العرائس الجميلة حكايات ألف ليلة وليلة والشاطر حسن وست الحسن والجمال وأمنا الغولة وعنترة بن شداد والناصر صلاح الدين وانتصاره على الصليبيين وتحرير القدس الشريف تلك الحكاية التي يظل الأطفال يطلبونها من عم"حمامة" ومن عرائسه بمجرد أن تنتهي، فكل طفل من أطفال الشارع يرى نفسه صلاح الدين ويتمنى أن يكون في نفس قوته وشجاعته وبسالته وخاصة "حمادة" الذي يظل طول الليل يحلم بأنه يقود الجيوش ليطرد الأعداء من أرض الوطن الطاهرة. يظل "حمادة" في مكانه المفضل يطل من النافذة المطلة على الشارع مصوباً ناظريه نحو عم "حمامة" وحكاياته المدهشة ويظل هكذا حتى نهاية النهار ورحيل الشمس التي يرحل معها عم"حمامة" عائداً إلى منزله وأولاده الذين كانوا دائما موضع حسد "حماده" على أبيهم الرائع وحكاياته الجميلة حتى إنه لا ينتبه إلى دعوة أمه المستمرة لتناول الطعام الذي كان لا يتناوله إلا بعد أن يرحل عم "حمامة" عن الشارع. نبت الحلم ذات يوم في قلب "حمادة" الصغير وظل الحلم يكبر ويكبر مع الأيام ولكن كلما عزم "حمادة" على النزول لكي يحقق "حمامة" حلمه الصغير يتحسس جيبه الخالي من أي نقود ويتراجع عن النزول خوفاً من رفض عم "حمامة" أن يحقق له حلمه الكبير، على الرغم من طيبة قلب عم "حمامة" وأنه لا يحرج أي طفل ولم يفعل هذا الموقف مع أي طفل غيره ولكن خجله وحمرة خدوده البضة حالا بينه وبين النزول إلى عم "حمامة" ليحقق له حلمه وكان يواسى نفسه بأنه من الممكن أن يكون حلمه أكبر من قدرة عم "حمامة" على تحقيقه. في المساء وبعد أن يرحل عم "حمامة" عائداً إلى منزله وإلى أطفاله الصغار ينزل "حمادة" إلى الشارع ويجلس مع أصحابه يتبادلون النوادر والحكايات والأحلام التي استطاع عم "حمامة" أن يحققها لهم طيلة النهار فهذا "منصور" ابن عم" حامد البقال كان يحلم بأن يمتلك دراجة فحقق له عم "حمامة" حلمه حين قام هو وعرائسه بتمثيل مسرحية الدراجة وتخيل "منصور" معهم أنه يمتلك دراجة ولقد تحقق الحلم بالفعل عندما نجح "منصور" في اجتياز امتحان الشهادة الابتدائية حيث اشترى له أبوه دراجة صغيرة هدية نجاحه وظل "منصور" يركبها قاطعاً الشارع ذهاباً وإياباً وهو يشدو بصوته الخشن ( بابا جي أمتي ... جي الساعة ستة ... راكب والا ماشى ... راكب بسكلتة...حمرا ولا بيضا... بيضا زي القشدة ... وسعوا له السكة واضربوا له سلام ... دا العساكر ورا والضباط قدام). أوقف "حمادة" "منصور" وقال له : - هل حصلت على الدراجة لأنك نجحت في الامتحان أم لأن عم "حمامة" حقق لك الحلم أولاً؟. ضحك "منصور" وقال: - عم "حمامة" لا يبيع الدراجات ولا يمتلك حتى ثمنها هو يحقق لك حلمك داخل صندوقه العجيب فقط وليس في الحقيقة. تتعالى الضحكات والصيحات بين الأصحاب الذين يستمرون في سرد النوادر والحكايات والأحلام التي يحققها لهم عم "حمامة" فيتحدث "مقار عاطف" ويقول: - أنا كان عندي حلم كبير. رد الجميع في صوت واحد: - ما هو ... ما هو حلمك الكبير يا مقار؟!. رد مقار بسرعة وقال: - دائما كنت أحلم بأن أمتلك كمبيوتر في البيت فأنا أحب الكمبيوتر حباً كبيراً لأن عليه الكثير والكثير من الألعاب الشيقة والممتعة. سأله "حمادة" باندهاش: - وهل لا يوجد في الكمبيوتر إلا الألعاب الشيقة والممتعة فقط؟. رد مقار وقال له : - لا بل الكمبيوتر مفيد في أشياء كثيرة أسمع أبي وعمي دائما يتحدثان عنها ولكن أنا قلت أسباب حبي للكمبيوتر و... "حمادة" مقاطعاً: - المهم هل حقق لك عم "حمامة" حلمك الكبير هذا؟. قال مقار في هدوء عجيب : - نعم ولكنه طلب مني نقوداً أكثر من النقود التي طلبها من "منصور" لكي يحقق له حلم الدرجة. - ولماذا طلب منك يا "مقار" عم "حمامة" نقوداً أكثر مما طلب من "منصور"؟، أليست الأحلام كلها واحدة وسعرها كله واحد؟. رد "مقار" بنفس هدوئه: - قال لي عم "حمامة" إنه لكي يحقق حلمي لابد أن يعطى "فرح" النجار هذه النقود الزائدة حتى يصنع له كمبيوتر من الخشب يستخدمه في عرض مسرحية تحقق حلم الكمبيوتر مع عرائسه. قال "حمادة" بلهفة: - وهل أنت تمتلك الآن كمبيوتر يا "مقار"...؟. قال "مقار" ضاحكاً: - لقد قال لك "منصور" منذ قليل إن عم "حمامة" لا يمتلك هذه الأشياء لكي يبيعها لنا لكنه فقط يحقق لنا أحلامنا داخل صندوقه العجيب ومع ذلك فإن بابا "عاطف" وعدني بأنه سوف يشتري لي الكمبيوتر عندما أنجح العام القادم. صاحت "هدى" بعد أن انتهى "مقار" من حكايته قائلة: - إنني الوحيدة التي حقق لها عم "حمامة" حلمها على أرض الواقع. صاح الجميع في صوت واحد: - كيف؟، كيف يا هدى استطاع عم "حمامة" أن يحقق لك حلمك على أرض الواقع؟. قالت "هدى": - لقد كنت أحلم بأن يكون عندي عروسة تفتح عينيها ثم تغلقهما وتقول (بابا – ماما) مثل العروسة التي كانت تمتلكها "ريتا" ابنة زوج أمك يا "حمادة" وعندما لم يكن معي النقود التي طلبها عم "حمامة" قال لي لا أقلق فدفع النقود المتبقية من جيبه الخاص واشترى العروسة التي حلمت كثيرا بأن تكون معي حتى لا أتوسل كثيراً لريتا حتى تُلعبني معها وكانت ترفض بشدة وتغيظني بالعروسة التي معها، الآن أنا معي واحدة مثلها بالضبط ولا يوجد أحد أفضل من أحد. قال "حمادة" بحزن: - أتمنى ألا تكوني قد حزنت يا هدى من موقف ريتا أنت تعلمين أنه بعد وفاة والدي وسيطرة ذلك الغريب على منزلنا وعلى أمي لا أملك أن أصنع معه أو مع أولاده الحاقدين أي شيء. قالت هدى وهي تحاول أن تخفف من وقع الكلام والذكرى على صديقها "حمادة": - ماذا تقول يا "حمادة" أنا لا أكره أحداً ولا أكن إلا كل رحمة ومودة للجميع وبعد ما ذنبك أنت؟. كان "حمادة" ينصت بشدة لكلام أصحابه وتزيغ عيناه كلما كانت تدور بينهم سيرة زوج أمه فقد ذاق هو وأمه وإخوته الكثير من العذاب والأهوال على يد هذا الرجل القاسي القلب الغليظ المشاعر... لا يعرف من أين أتاهم؟ ولماذا اصطفاه أبوه المسكين لكي يكون صديقه الصدوق؟ فقد غزل حول أبوه المسكين خيوط شباكه العنكبوتية وسقط أبوه الطيب القلب النقي السريرة في هذا الشرك اللعين الذي نصبه له هذا الرجل حتى أغرقه في الديون وأشياء كثيرة لم يستوعبها عقله الصغير، ومن فرط ما أصاب أباه من ألاعيب هذا الماكر الذي يدعى "سمحون" وهن قلب أبيه الأبيض ومات حسرة وكمدا على ما آل إليه حاله وحال أسرته التي كانت يوماً ما سعيدة . ولم تمر أيام على وفاة أبيه حتى سارع "سمحون" بالاستيلاء على كل ما يمتلكونه: الأرض التي ورثها أبوه عن آبائه وأجداده والمنزل الذي كانوا يعيشون فيه وحتى أمه لم يرحمها واستولى عليها تحت خديعة الزواج ومصلحة الأبناء الثلاثة. أفاق "حمادة" على صوت أصحابه وهم يقولون له: - وأنت يا "حمادة" بماذا تحلم؟. ذرفت دمعة ساخنة من عيني "حمادة" رغماً عنه وهو يقول: - أنا ليس لي أحلام. ردت عليه "هدى" بسرعة وقالت : - أكيد لك حلم يا "حمادة" فكل واحد منا لكي يعيش لابد أن يكون له أحلامه التي يسعى لتحقيقها، ولكن يبدو أن حلمك كبير جداً ويصعب تحقيقه. لم يشأ "حمادة" أن يرد عليها وترك أصدقاءه وعاد مسرعاً إلى المنزل وقرر بينه وبين نفسه أنه لابد أن يحقق حلمه الكبير ولو كان تحقيقه في صندوق عم "حمامة" العجيب فقط، ورغم أن زوج أمه "سمحون" لا يعامله هو وإخوته مثلما يعامل ولديه ريتا وديفيد، ولا يعطيه مصروفه اليومي إلا أنه قرر التعاون مع إخوته حتى يحققوا حلمهم الكبير، فقرروا التخلي عن الكثير من عاداتهم اليومية حتى يستطيعوا أن يدخروا من القروش القليلة التي تمنحهم إياها أمهم خلسة حتى لا يثور عليها ذلك الرجل البغيض "سمحون"، فكان القرار الأول التخلي عن شراء الحلوى التي يحبونها كثيرا كما يجب أن يذهبوا إلى مدارسهم سيراً على الأقدام بدلا من ركوب السيارة وألا ينفقوا أي قرش من قروشهم القليلة إلا في حالات الضرورة القصوى فقط وأن يدخروا هذه القروش حتى يستطيعوا إكمال المبلغ المطلوب لعم "حمامة" حتى يحقق لهم حلمهم الكبير بطرد ذلك الرجل البغيض هو وأولاده من منزلهم حتى يستطيعوا أن ينعموا به وبحياتهم الخاصة دون وجود هؤلاء الغرباء وسطهم. مرت الأيام وراء الأيام حتى استطاع "حمادة" هو وإخوته ادخار المبلغ المطلوب لتحقيق حلمهم وكانت سعادة كبيرة تغمرهم ففي الصباح سوف يحققون حلمهم على يد عم "حمامة"... في الصباح استيقظ "حمادة" وإخوته وهرعوا مسرعين نحو النافذة حتى ينتظروا وصول عم "حمامة" ليحقق لهم الحلم ولكن مرت الساعة تلو الساعة وبعدها مرت الساعات ولم يأت عم"حمامة" ... ظلوا واقفين في النافذة منتظرين وصول عم "حمامة" حتى جاء عليهم الليل وكادت الدهشة والحيرة واليأس تنال منهم حتى كان "منصور" يمر من أسفل النافذة فسألوه عن غياب عم "حمامة" العجيب فقال لهم إن عم "حمامة" مات صباح اليوم. حزن "حمادة" وإخوته حزناً شديداً على وفاة عم "حمامة" وضياع حلمهم وظلوا هكذا أياماً كانت تمر عليهم بطيئة جداً حتى كان صباح استيقظ فيه "حمادة" هو وإخوته على صوت يشبه كثيراً صوت عم "حمامة" ينادي مثله على تحقيق الأحلام للأطفال والأغرب أن معه نفس صندوق عم "حمامة" العجيب ، وعندما سألوا عنه عرفوا أن هذا الشاب اليافع هو "زغلول" الابن الأكبر لعم "حمامة" حيث قرر استكمال مسيرة أبيه في تحقيق أحلام الأطفال.. بسرعة البرق خطف "حمادة" هو وإخوته النقود التي ادخروها وهرولوا إلى الشارع لعل "زغلول" يحقق حلمهم الذي استعصى عليهم أياماً طوال. |
قطة مريم ذات مساء قالت ماما لابنتها الصغيرة مريم: - في الصباح سوف أذهب إلى الوحدة الصحية القريبة لكي أُطعم أخاك "يوسف" ضد مرض شلل الأطفال قالت مريم : - كيف يا ماما؟ قالت ماما : - سوف أطعمه في فمه مثلما طعمتك أنت عندما كنت في مثل عمره وأنت تتذكرين يا "مريم" أنك مازلت تطعمين حتى الآن بجرعات منشطة ضد هذا المرض اللعين. قالت مريم : - ما هو هذا المرض يا ماما؟ قالت ماما: - إنه مرض شلل الأطفال يا "مريم" وقد اكتشفه عالم كبير كان مهتماً بالأطفال وصحتهم وهو العالم "سولك" وهو عبارة عن فيروس دقيق يصيب الأطفال. قالت مريم وهي تريد أن تعرف المزيد عن هذا المرض: - ولماذا تقولين عليه أنه مرض لعين؟ قالت ماما بهدوء: - لأنه عندما يصيب الأطفال يجعلهم عاجزين عن الحركة فلا يستطيعون الحركة أو الجري أو اللعب. قالت مريم بلهفة: - أسرعي يا ماما لكي تطعمي أخي "يوسف" حتى نلعب معاً لأنني أحب اللعب معه كثيراً. قالت ماما: - جميل يا "مريم" أن تحبي اللعب لأنه مفيد جداً للأطفال وأجمل أن تحبي اللعب مع أخيك الوحيد "يوسف". قالت مريم : - وماذا تريدين منى أن أفعل يا ماما. قالت ماما : - سوف استيقظ مبكراً حتى أستطيع اللحاق بالوحدة الصحية لكي لا يفوتني موعد الجرعة وأرجو عندما تستيقظين ولا تجديني لا تقلقي لأنني لن أتأخر. قالت مريم: - حاضر يا ماما .... لن أقلق حتى تأتي. في الصباح خرج بابا "مريم" لعمله كالمعتاد ، كما خرجت ماما لكي تطعم "يوسف" الذي ولد منذ شهور ليست بالقليلة ، وبينما "مريم" بمفردها في المنزل وهي غارقة في النوم كعادتها – إذ بالقطة تقترب منها تحاول إيقاظها وهي تدفع بقدمها الصغير كتف "مريم" وتقول لها: - مريم ... مريم ... استيقظي يا مريم. بعد محاولات لم تمل من كثرتها القطة استيقظت "مريم" وقالت للقطة ومازال باب النوم عالقاً بجفونها: - ماذا تريدين أيتها القطة؟ قالت القطة بتوسل: - إنني جائعة وأريد أي شئ آكله. قالت مريم باندهاش : - جائعة !! وماذا أستطيع أن أفعل لك أيتها القطة المسكينة؟ قالت القطة وهي تكاد أن تفقد الأمل في إيجاد أي طعام : - أرجوكِ يا "مريم" ... أرجوكِ أعطيني أي طعام لكي أتناوله فإنني أكاد أن أموت من الجوع. اغرورقت عينا "مريم" بالدموع لمنظر القطة الجائعة وقالت لها: - سامحيني أيتها القطة المسكينة لأنني بمفردي في المنزل حيث أن ماما ذهبت لكي تعطي الطعُم لأخي "يوسف" حتى لا يصيبه مرض شلل الأطفال ويستطيع اللعب معي وأنا لا أعرف ماذا أفعل لك؟ قالت القطة بنفس توسلها: - أرجو أن تحاولي .... أرجوكِ يا "مريم". قالت مريم : سوف أبحث لكِ عن أي شئ داخل الثلاجة علني أجد لك ما يسد رمقك ويخلصك من هذا الجوع القاتل. قالت القطة بلهفة: - بسرعة يا "مريم" .... بسرعة . ذهبت "مريم" إلى المطبخ وأخذت تبحث في كل مكان عن أي شئ تستطيع أن تقدمه للقطة الجائعة.. لكنها لم تجد شيئاً وعندما همت بالعودة إلى القطة لكي تخبرها بأنه لا يوجد شئ تستطيع أن تقدمه لها لكي تأكله تذكرت أن ماما قالت لها بالأمس أنه يوجد بالثلاجة قليل من اللبن سوف يشربه أخوها "يوسف" بعد أن يعود من التطعيم. قالت مريم للقطة: - يا أيتها القطة المسكينة أنه لا يوجد بالمنزل سوى قليل من اللبن وهو طعام الإفطار لأخي "يوسف" ولا أستطيع أن أتصرف فيه لأن ذلك قد يغضب ماما مني. قالت القطة وقد بلغ بها الجوع مداه: أرجوكِ يا "مريم" أعطيني اللبن لكي أشربه ولن تغضب منك ماما أبداً لأنك فعلت خيراً ولا يغضب أحد من فعل الخير. قالت مريم : - وأن لم تغضب ماما فهل يرضيك أن يعود أخي "يوسف" ولا يجد شيئاً يأكله؟ فقد يعود هو الآخر جائعاً!! قالت القطة : - ماما سوف تنصرف في إطعام أخيك "يوسف" لأنها كبيرة وتستطيع ذلك ولكن أنقذيني الآن وأعطيني اللبن لأشربه. رق قلب "مريم" الصغير لحال القطة الجائعة وأعطتها بسرعة اللبن الذي ما إن وضعته "مريم" أمامها حتى انكبت عليه القطة بلهفة وشربته حتى آخر نقطة في الطبق. بعد أن فرغت القطة من شرب اللبن وشعرت بالشبع قالت: - هذا جميل كبير منك يا "مريم سوف يطوق عنقي حتى يقدرني ربنا وأستطيع أن أرده لكِ قالت مريم: - لا تشغلي بالك بهذه الأمور فأنت قطة صغيرة وضعيفة فكيف تشغلي بالك برد الجميل من عدمه ؟ قالت القطة: - ربنا كبير ... والله خلق كل كائن وله هدف من خلقه لهذا الكائن مهما كان هذا الكائن كبيراً أو صغيراً ... سميناً أو نحيفاً .... طويلاً أو قصيراً. ضحكت "مريم" ولم تجد القطة بداً من الاستئذان منها والانصراف وبعد أن انصرفت القطة عادت ماما بعد أن أطعمت "يوسف" فقصت عليها "مريم" قصة القطة الجائعة وقصت عليها أيضاً ما فعلته معها فابتسمت ماما وقالت لها: - حسناً فعلت يا "مريم" فالقطط حيوانات أليفه وتحب الإنسان كثيراً كما أنها تستطيع أن تقدم له الكثير من الخدمات التي يعجز غيرها من الكائنات عن تقديمها. ضحكت مريم بصوت عال أثار انتباه ماما فقالت لها ماما: - على ماذا تضحكين يا "مريم"؟ قالت "مريم" والضحكة لم تفارق شفتيها بعد: - كأنك كنت معنا يا ماما ... تصوري أن القطة قالت لي أن ما فعلته معها جميل كبير يطوق عنقها وأن ربنا يقدرها وتستطيع أن ترده لي،وتعجبت أنا كثيراً لما قالته. ردت ماما عليها وهي تربت علي كتفها بحنان: - ربنا كبير يا "مريم" والله خلف كل كائن وله هدف في خلقه لهذا الكائن مهما كان هذا الكائن كبيراً أو صغيراً ... سميناً أو نحيفاً ... طويلاً أو قصيراً وقد تثبت لك الأيام عكس ما تظنين. طلت تساؤلات الدهشة من عيني "مريم" وقالت : - نفس كلام القطة تماماً على كل حال أنت لست حزينة أو غضبانه مني لأنني تصرفت بمفردي هكذا وأضعت طعام أخي "يوسف". قالت الأم بنفس حنانها الأمومي الذي غمر "مريم": - بالعكس يا "مريم" كنت ساكون حزينة وأغضب منك كثيراً لو أنك فعلت عكس ذلك وتركت القطة لوحش الجوع يفترسها دون أن تساعديها. قالت مريم بفرح: - يعني هذا عمل خير يا ماما. ردت ماما بسرعة: - طبعاً يا حبيبتي هذا العمل خير ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً. قالت مريم وهي تقبل يديها على الوجهين: - الحمد لله .... الحمد لله. مرت الأيام وبعدها الشهور وحان موعد إعطاء جرعة التطعيم التنشيطية لمرض شلل الأطفال وكالعادة في المساء نبهت ماما ابنتها "مريم" بعدم القلق لتأخرها خارج المنزل أو الخوف من تواجدها بمفردها داخل المنزل بعد أن يغادره أبوها للعمل أومأت "مريم" بالإيجاب لكلام أمها "فمريم" تحب كثيراً أن تطيع أبيها وأمها حتى تنال رضاهما وحبهما لها ... في الصباح خرجت ماما لكي تطعم أخيها "يوسف" وبعدها بقليل خرج بابا للعمل،وبينما "مريم" غارقة في النوم كعادتها شعرت بشيء غريب يأكل في أصابعها ... استيقظت "مريم" فزعة وازدادت ذعراً عندما شاهدت فاراً صغيراً يحاول أن يلتهم أصابعها الصغيرة ... ظلت "مريم" تصرخ وتصرخ ولا أحد يسمعها ... والفأر يمرح أمامها على السرير بنشوة لما يراه من فزع وهلع "مريم"... مازالت صرخات "مريم" تملأ المنزل حتى اخترقت جدرانه وملأت الشارع فوصلت الصرخات إلى أذن القطة التي كانت تلهو بالشارع أسفل منزل "مريم" تماماً عرفت القطة أن هذه الصرخات "لمريم" فهرولت إلى منزل "مريم" محاولة الدخول ولكن الباب الموصد بإحكام منعها من ذلك. لم تيأس القطة ففكرت بسرعة وبسرعة أكثر قفزت إلى البلكونة التي توجد في حجرة "مريم" فوجدتها مازالت تصرخ والفأر يجري أمامها على السرير ... وثبت القطة وثبة واحدة انقضت فيها على الفأر الذي لم يستطيع الإفلات من هول المفاجأة والتهمته على الفور. بعدها أخذت تهدأ من روع "مريم" وهي تقول لها: - لا تخافي يا "مريم" ... لقد انتهى كل شئ. هدأت "مريم" وقالت للقطة من بين دموعها التي مازالت تنهمر من عينيها : - أشكرك .... أشكرك يا صديقتي القطة لم أكن أعرف أنه من الممكن أن يأتي اليوم الذي ستنقذيني فيه من أي مكروه أتعرض له. قالت القطة بفرح: - هل أدركت الآن يا مريم كيف أن الله له حكمة في خلقه وها هو الله عز وجل قدرني وجعلني أرد الجميل لك. ضحكت "مريم" لكي تتغلب على ما تبقي من خوف داخلها وقالت: - نعم أيتها القطة الحبيبة...من الآن أنت صديقتي وأنا صديقتك فهل تقبلين ؟ قالت القطة بنفس فرحتها: - نعم أقبل يا "مريم" ... أقبل أن نكون أصدقاء إلى الأبد؟ أمسكت "مريم" بقدم القطة وأخذا يتسامران معاً حتى عادت أمها بعد أن أطعمت أخيها "يوسف" الجرعة التنشيطية ضد مرض شلل الأطفال اللعين. |
السلحفاة والأرنب خرجت البطة من الماء بعد أن سبحت طويلا ، وكعادتها أخذت تبحث في التراب الطري عن دودة تلتهمها .. مر الفلاح النشيط فحياها أجمل تحية ثم قال : - كيف حالك أيتها البطة ؟؟ .. أراك وحيدة اليوم على غير العادة..أين صديقك الأرنب .. لا بد أنه يقفز مرحا هنا أو هناك ؟؟.. قالت البطة وهي تنظر إلى البعيد : - سأخبرك يا صديقي الفلاح رغم أن الأمر قد يبدو غريبا بعض الشيء .. أنت تعرف الكثير عن تلك القصة التي تروى هنا وهناك عن السباق القديم الذي جرى بين السلحفاة والأرنب ، وكيف استطاعت السلحفاة أن تسبق الأرنب ، لتكون هذه القصة شيئا لا ينسى من جيل إلى جيل؟؟.. قال الفلاح : - كل هذا أعرفه فما الجديد يا صديقتي ؟؟.. أجابت البطة : - الجديد أن الأرنب عاد ليسابق السلحفاة .. منذ أيام وهو يفكر بالأمر وأخيرا رأى أن يعيد للأرانب كرامتهم .. إذ كيف يمكن للسلحفاة أن تسبق الأرنب وهو المعروف بسرعته ، إنه شيء لا يطاق .. هكذا قال لي .. ضحك الفلاح ثم قال : - هذا غير معقول ، إذ نعرف جميعا أن الحكاية رسخت في الأذهان ولن تتغير ، ونعرف أنه لا يعقل أن تسبق السلحفاة الأرنب بعد مرور هذا الزمن على الحكاية ، فالأرنب لن يعود إلى خطأ أحد أجداده ، ألست معي في ذلك ؟؟ .. هزت البطة رأسها بفخر وقالت : - يبدو أنك لا تعرف البقية .. أتظن أن السباق الذي نسمع عنه في الحكاية القديمة هو الوحيد ؟؟.. لا يا صديقي فلقد سبقت السلحفاة الأرنب مرتين بعد ذلك .. أتصدق ؟؟.. وضع الفلاح يده على خده وقال : - حقا هذا غريب عجيب .. أكاد لا أصدق شيئا ، لكن أعرف صدقك أيتها البطة العزيزة .. والله هذا زمن العجائب !!السلحفاة تسبق الأرنب ، وللمرة الثالثة ؟؟ .. أكاد لا أفهم .. قالت البطة : - في المرة القديمة التي نعرفها نام الأرنب وضيع الوقت هكذا تقول الحكاية .. أما فيما بعد ، وهذا شيء لم تذكره الكتب والحكايات والمصادر على حد علمي ، فقد أخذ الأرنب يمضي وقته في اللعب مصرا على ترك النوم ، لكنه نسي السباق ولم يتذكره إلا متأخرا، وكانت هي المرة الثانية بعد تلك التي تذكرها الحكاية ، أما في الثالثة، فقد حدث أغرب شيء يمكن أن يتصوره العقل .. فالأرنب الذي استعد للسباق كل الاستعداد ، امتلأ بالغرور والغطرسة ، وحين بدأ السباق ، كان أرنبنا يمشي وراء السلحفاة وهو يهزأ من بطئها ، مرة يقلدها ، ومرة يقفز ويصرخ ضاحكا من فكرة هذا السباق غير مصدق أن السلحفاة يمكن أن تسبق أحدا من أجداده ، وحين انتهى السباق فوجئ بأنه كان خلف السلحفاة وليس أمامها !!.. ضرب الفلاح يدا بيد وقال باستغراب : - مسكين هذا الأرنب ، أتدرين أكاد لا أصدق حتى الآن .. لكن أيمكن أن تسبقه هذه المرة .. شيء غريب .. أجابت البطة : - طلبت مرافقتهما فرفضا بشكل قاطع .. وها أنا أنتظر عودتهما من السباق .. تأخرا كثيرا .. لكن أعتقد أن الأرنب سيفوز هذه المرة .. ما رأيك أن تنتظر معي ؟؟.. كان الفلاح يفكر باستغراب .. جلس على الأرض قرب البطة وفي ظنه أن الأرنب سيأتي وهو يقفز فرحا بعد قليل .. لكنه فجأة قفز واقفا وقال : - سامحك الله ، كدت أنسى عملي ، العمل أهم شيء ، لن أكون كسولا مثل تلك الأرانب التي جعلت السلحفاة تسبقها !! سأسمع منك الحكاية عند عودتي من الحقل .. مضى الفلاح وهو يردد بصوت مرتفع : - هذه أم العجائب وأبوها أيضا .. سلحفاة تسبق أرنبا ؟؟.. لا إله إلا الله .. بقيت البطة وحيدة تنتظر ، وكانت بين الحين والحين تنظر إلى البعيد بتساؤل .. عندما عاد الفلاح من حقله أدهشه أن يرى الأرنب حزينا كئيبا ، وكان يقف بعيدا عن البطة إلى حد ما .. سأل الفلاح البطة بلهفة : - ماذا جرى ؟؟ كأن الجواب مرسوم في هيئة الأرنب لكن أيعقل أن يكون قد حدث ما خطر في ذهني ؟؟ قالت البطة متأثرة : - إيه يا صديقي الفلاح ، لقد فعلها وخسر للمرة الرابعة .. قال الفلاح : - حقا إنه أمر أغرب من الخيال لكن كيف ؟؟ .. قالت البطة : - المرات السابقة لم تعلمه على ما يبدو ، تصور أن يخسر هكذا بكل بساطة ؟؟.. قال الفلاح : - لكن كيف ؟؟.. أجابت البطة : - في هذه المرة ، أمضى الأرنب وقته وهو ينظر إلى صورته عندما انعكست في الماء .. كان كما أخبرني فرحا بصورته الجميلة وهي تتمايل مع تمايل ماء البحيرة ..وهكذا مر الوقت سريعا ، وحين انتبه لنفسه ، كان كل شيء قد انتهى !!.. ومرة رابعة تفوز السلحفاة!! قال الفلاح : - هذا شيء غير طبيعي ، صديقك الأرنب كسول بشكل لا يصدق ، أو أنه غبي إلى أبعد حد .. على كل تصبحين على خير .. مضى الفلاح إلى بيته ، وحاولت البطة أن تعيد الأرنب إلى مرحه .. لكن دون جدوى فقد كان مسكونا بالحزن .. وحين مضى بعيدا ، ذهبت البطة لتنام وتستيقظ باكرا .. |
ألحان النسمة الصغيرة الباردة في الحارات الصغيرة ، تمتد الشوارع الكثيرة مسافة ، ثم تنتهي . الهواء الذي يملأ تلك الشوارع القصيرة.. يحرك الهواء الغبار وبقايا الأوراق .. والروائح الطائرة من الأكوام المتروكة .. هذا الهواء يخرج من شارع صغير ، إلى شارع ، إلى شارع .. يدور في الشارع ، ماشيا على مهل ، ملتفا ، و ملتويا .. حتى يصرفه جدار ما ، فيتكوم قليلا .. وتسقط الأوراق منه ، وتتكوم مخشخة .. كانت النسمة الصغيرة الباردة من ضمن الحزم الطائرة مع هذا الهواء . دارت النسمة الصغيرة الباردة معه .. حملت أوراقا .. مبتعدة عن الروائح .. أسرعت .. الروائح تلحقها .. وعندما تكوم الهواء وسط الحارة مرة أخرى ، أمام جدار ، تحت تلك الشجرة .. لم تستطع النسمة الصغيرة الباردة أن تستقر .. دارت ودارت، ثم طارت بسرعة ، وهي تقول : - لأخرج من هذا الجو الخانق !! فرت ، لكن الجدار الكبير الواقف صدمها ، تلوت متألمة ، وانحدرت حتى استقرت في الظل .. كانت أوراق الشجرة الكبيرة تحدق بها وهي واقفة منتظرة .. هبت النسمة الصغيرة الباردة إلى الأغصان ، و هفهفت بين ثنايا الأوراق الخضراء فرحة .. فرحت الأوراق و تحركت بطرب ، وأصدرت ألحانا صغيرة وجميلة كالغناء .. توافدت العصافير : من الجدران القصيرة ، من الشقوق ، من فوق سعف النخيل اليابسة ، من السطوح حيث تخبئ أعشاشها ، من كل مكان .. جاءت العصافير ، و حطت على الأغصان .. توقف رجل محني الظهر ، و رفع عينيه الصغيرتين إلى أوراق الشجرة التي تعزف ألحانها .. شاهد العصافير الفرحة ومن نافذة قريبة أطلت فتاة صغيرة بضفيرتين طويلتين ، وعينين ذكيتين ، كانت تبتسم ، وهي تشرع النافذة للهواء .. نور الشمس الناعم أخذ يتماوج من بين الأغصان مطاردا قطع الظل المرحة .. ازداد فرح النسمة الصغيرة الباردة ، وتمدد جسمها و اتسع .. تراقصت الأشجار الأخرى القريبة واهتزت .. طربت النسمة ، ولوحت بمناديلها البراقة ، وانطلقت من فوق الجدران .. ماجت في الشوارع .. وانطلقت إلى الحقول .. كانت أسراب العصافير تتبع النسمة الباردة وهي تكسو الأشياء .. وهاهم الأطفال اللاعبون يجرون خلفها .. وأوراق الأشجار تلتفت .. حتى المياه .. مياه البرك النائمة اختضت و تماوجت فرحة .. الرجل العجوز يهمس باسما : يا لهذه النسمة الصغيرة الباردة |
الغيمة والريح والفلاح مرت الريح فوق البحر فقالت له: -أيها البحر هل ترافقني؟ فقال البحر: - إلى أين؟ فقالت الريح: - للقيام برحلة في البلاد. - فقال البحر: - لا أستطيع. - سألته الريح: - لماذا؟ فأجاب البحر: - لأني أنا البحر: ولم يعجب هذا الجواب الريح فقالت: - يا له من متكبر! وتابعت الريح طريقها فوق البحر فشاهدت مركباً فقالت له: - هل ترافقني؟ فقال المركب: - إذا سمحت لي، فالتجار ينتظرون على الشاطئ الآخر وعنابري حافلة بالجوز واللوز والفراء والفلفل واللؤلؤ والمرجان. ونفخت الريح في الأشرعة فانتفخت وتهادى المركب فوق البحر حتى وصل إلى الشاطئ حيث كان تجار الجوز والفراء والتوابل والصنوبر واللؤلؤ والمرجان ينتظرون، ثم توقف عند الشاطئ ولم يتقدم بعد ذلك. وتابعت الريح طريقها فشاهدت شجرة فقالت لها: - أيتها الشجرة هل ترافقينني في رحلتي؟ أجابت الشجرة: - كلا. فسألتها الريح: - لماذا؟ فردت الشجرة: - لأني أنتظر الربيع كي أورق وأزهر وأصنع ثمراً للناس. وجرت الريح بين البيوت فقالت لأحدها: - هل ترافقني في رحلتي؟ فقالت البيت: - بودي لو أرحل معك، فقد ضجرت من البقاء في مكان واحد. ولكن البيوت وا أسفاه لا ترحل لأنها ثابتة. وواصلت الريح سيرها فالتقت بجبل فقالت له: - هل تسافر معي؟ فقال لها الجبل: - كيف أسافر معك وأنا أحمل على ظهري الثلج والغابة. وانحدرت الريح إلى الطريق العامة وقد عللت النفس بأنه من الممكن أن تجد هناك أحداً ما، فصادفت عمود كهرباء، فقالت له: - أيها العمود هل تمضي معي فتتفرج على الدنيا بدلاً من أن تقف هنا ثابتاً فيدخل الملل إلى قلبك؟ فقال عمود الكهرباء - ليتني أستطيع أن أفعل، ولكن عما قليل تغيب الشمس ويعم الظلام وهنا تأتي مهمتي فأحمل النور إلى البيوت؛ وعندئذ ينحني التلاميذ على كتبهم لحفظ دروسهم، وتحمل آلام صنارتها وخيطانها لتتابع نسج الصوف، ويفتح الأب صحيفته ليستطلع الأخبار قرب الموقد. وشعرت الريح بالوحدة فأنت وأعولت. تلفتت هنا وهناك فرأت غيمة فقالت لها: - أيتها الصديقة هل تسافرين معي؟ فقالت الغيمة بفرح: - نعم.. نعم فأنا على موعد مع فلاح بذر حبوبه وغرس شتوله في الأرض ثم راح ينتظرني في حقله. لعلي قد تأخرت في السفر إليه. وأخشى أن أصل بعد فوات الأوان. فقالت الريح: - أمتطي ظهري وسأحملك إليه قبل أن تذوي شتوله وتموت بذوره في باطن الأرض. وامتطت الغيمة ظهر الريح التي سرعان ما انطلقت في طريقها فرحة جذلى لأنها تحمل الأمل والخير لفلاح ينتظر. |
السمكة والحرية كان الإناء الذي وضعت فيه السمكة صغيرا جدا .. كانت قبل فترة قصيرة في البحر الواسع الشاسع الذي لا يُحد، ووجدت نفسها فجأة في مكان لا يكاد يتسع لحركتها، ولسوء حظها فقد نسيها الصبي هكذا على الشاطئ ومضى مع أهله.. كانت السمكة حزينة مهمومة تبحث عن أي طريقة للعودة إلى البحر فلا تجد .. حاولت القفز ففشلت، دارت بسرعة وحاولت الخروج، فارتطمت بطرف الإناء الصلب .. كان البلبل يرقبها ولا يعرف لماذا تدور وتقفز هكذا، اقترب من الإناء وقال : ما بك أيتها السمكة ، أما تعبت من كل هذا الدوران والقفز ؟؟.. قالت بألم : ألا ترى المصيبة التي أصابتني ؟؟.. قال البلبل دون أن يفهم شيئا : مصيبة !! أي مصيبة .. أنت تلعبين وتقولين مصيبة ؟؟.. - سامحك الله ألعب وأنا في هذه الحال ، ألعب وأنا بعيدة عن البحر ، ألعب وقد تركني الصبي في هذا الإناء ومضى هكذا دون أن يشعر بعذابي .. !!.. كيف ألعب وأنا دون طعام ؟؟.. كيف ألعب وأنا سأموت بعد حين إذا بقيت بعيدة عن البحر . قال البلبل : أنا آسف.. فعلا لم أنتبه .. رأيت إناء جميلا وسمكة تتحرك وتدور، فظننت أنك ترقصين فرحا . أتمنى أن أستطيع الوصول إليك، لكن كما ترين مدخل الإناء ضيق والماء الذي فيه قليل، وأنت أكبر حجما مني، كيف أصل إليك ؟؟ ثم كيف أحملك ؟؟.. قالت السمكة : إنني في حيرة من أمري .. لا أدري ماذا أفعل ! أحب الحرية ، أريد أن أعود إلى البحر الحبيب ، هناك سأسبح كما أريد، أنتقل من مكان إلى مكان كما أشأء قال البلبل : سأحاول مساعدتك ، انتظري وسأعود بعد قليل .. طار البلبل مبتعدا ، حتى التقى بجماعة من الحمام ، طلب البلبل من جماعة الحمام أن تساعده في إنقاذ السمكة المسكينة التي تريد الخلاص من سجنها الضيق الذي وضعها فيه الصبي ورحل .. وافقت جماعة الحمام ، وطارت نحو الإناء وحملته ، ثم تركته يقع في البحر .. كانت فرحة السمكة لا تقدر بثمن وهي تخرج سابحة إلى بحرها الحبيب .. قفزت على وجه الماء وصاحت بسرور : شكرا لكم جميعا على ما قمتم به .. شكرا لك أيها البلبل الصديق .. وغطست في الماء وهي تغني أجمل أغنية للحرية .. كانت تملك من السعادة بحريتها ما لا يقدر بثمن. |
مميز
تسلم الايادي |
دائما مميّزة سيدتي شكرا لك |
سلمت الاياددي على القصص
لي عودةsha@ |
حكايا مميزة
اعود اليها كلما احتجت سلمت يداك |
#cc#يسلمو على الطرح الرائع لا عدمنا حضورك تحياتي لك#cc# |
رائع ما اخترته من قصص بورك فيك أختاه |
رد: حكايـات قبـل النـوم
|
رد: حكايـات قبـل النـوم
|
رد: حكايـات قبـل النـوم
شكرا على القصص الجميلة
مودتي |
رد: حكايـات قبـل النـوم
جزيل الشكر على الجهد في تجميع القصص
مع التحية 🌸 |
الساعة الآن 07:03 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |