منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   حـكايـات عـربـيـة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=17740)

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:31 AM

الإيمـان بحـق الوطـن
علم عمرو بن الجموح، أن أبناءه خارجون للقتال في سبيل الله، فخرج يستبقهم، فوقفوا جميعاً في وجهه، يصدونه عن ذلك ويقولون:‏ ‏ أما نكفيك نحن نجاهد عنك في سبيل الله؟‏ ‏ إن الله يعذرك لعرجتك، فصاح فيهم، ما بالكم تمنعوني أن أدخل الجنة؟!‏ ‏ وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏ ادع الله أن أستشهد في سبيله. ثم رفع يديه إلى السماء داعياً، اللهم لا ترجعني إلى أهلي خائباً، ثم سأل الرسول:‏ ‏ أإذا استشهدت في سبيل الله أدخل الجنة بعرجتي هذه؟‏ ‏ فأجابه الرسول بل تدخل الجنة صحيحها، وذهب فقاتل حتى استشهد، فقال عليه الصلاة والسلام: والله لكأني أرى عمرو بن الجموح، يمشي بعرجته هذه سليماً في الجنة، ثم قال:‏ ‏ والله إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره، ومنهم عمرو بن الجموح. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:31 AM

الاخــتزال
لليونانيين قلم يعرف بالساميا، ولا نظير له عندنا. فإن الحرف الواحد منه يحيط بالمعاني الكثيرة، ويجمع عدة كلمات. قال جالينوس: ‏ ‏ كنت في مجلس عام، فتكلمت في التشريح. فلما كان بعد أيام لقيني صديق لي، فقال إن فلانًا يحفظ عليك في مجلسك العام أنك تكلمت بكذا وكذا، وأعاد عليّ ألفاظي بعينها. فقلت: من أين لك هذا؟ قال: إني التقيت بكاتب ماهر بالساميا، فكان يسبقك بالكتابة في كلامك. ‏ ‏ وهذا القلم يتعلمه الملوك وجلّة الكتـّاب، ويُمنع منه سائر الناس لجلالته. وقد جاءنا من بعلبك رجل متطبّب زَعَم أنه يكتب بالساميا. فجرّبنا عليه ما قال، فرأيناه إذا تكلمنا بعشر كلمات أصغى ثم كتب كلمة فاستعدناها فأعادها بألفاظنا. ‏ ‏ وللصين كتابة يقال لها كتابة المجموع؛ وهي أن لكل كلام يطول شكلاً من الحروف يأتي على المعاني الكثيرة. فإن أرادوا أن يكتبوا ما يكتب في مائة ورقة، كتبوه في صفحة واحدة. ‏ ‏ قال محمد بن زكريا الرازي: ‏ ‏ قصدني رجل من الصين، فأقام بحضرتي نحو سنة، تعلم فيها العربية كلامًا وخطّا في مدة خمسة أشهر حتى صار فصيحًا حاذقًا سريع اليد. فلما أراد الانصراف إلى بلده، قال لي قبل ذلك بشهر: ‏ ‏ إني على الخروج، وأحبُّ أن تُملي عليَّ كتب جالينوس الستة عشر لأكتبها. ‏ ‏ فقلت: ‏ ‏ لقد ضاق عليك الوقت، ولا يفي زمانُ مقامك لنسخ قليل منها. ‏ ‏ فقال الفتى: ‏ ‏ أسألك أن تهب لي نفسك مدة مقامي، وتملي عليّ بأسرع ما يمكنك، فإني أسبقك بالكتابة. ‏ ‏ فتقدّمت إلى بعض تلاميذي بالاجتماع معنا على ذلك، وكنا نملي عليه بأسرع ما يمكننا، فكان يسبقنا. ولم نصدّقه إلا في وقت المعارضة، فإنه عارض بجميع ما كتبه. ‏ ‏ وسألته عن ذلك فقال: ‏ ‏ إن لنا كتابة تعرف بالمجموع، فإذا أردنا أن نكتب الشيء الكثير في المدة اليسيرة كتبناه بهذا الخط، ثم إذا شئنا نقلناه إلى القلم المتعارَف والمبسوط. ‏
من كتاب "الفهرست" لابن النديم. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:31 AM

الاعتــدال
ذهب رجل إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه، يشكو ألماً في أسنانه، على صغر سنه.‏ ‏ وكان الإمام، مع كبر سنه، يتمتع بأسنان كاملة سليمة، لم يشك ألماً بها قط.‏ ‏ قال الرجل:‏ ‏ أيها الإمام الأعظم، خبرني عن سبب تمتعك بأسنانك كاملة.‏ ‏ فقال له الإمام:‏ ‏ يا هذا، أعضاء الله حفظناها في الصغر، فحفظها لنا في الكبر. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:32 AM

البيروني على فراش الموت
قال الفقيه أبو الحسن عليّ بن عيسى: ‏ ‏ دخلتُ على أبي الرِّيحان البيروني وهو يجود بنفسه، قد حَشْرَجَ نَفَسُه، وضاق به صدرُه. فقال لي وهو في تلك الحال: ‏ ‏ ذكرتَ لي يومًا حِسَاب الجَدَّات من قِبَل الأم، وقد أُنْسِيتُه فأعده عليّ. ‏ ‏ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ ‏ ‏ قال: يا هذا أُودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرًا من أن أُخَلِّيها وأنا جاهل بها؟ ‏ ‏ فأعدتُ عليه ذلك وحَفِظَه. ‏ ‏ وخرجتُ من عنده فسمعتُ الصراخ عليه وأنا في الطريق. ‏
من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:32 AM

التاسع نلقيه في البحر
‏ رأيتُ بعض الأصحاب يأخذ ثلاثين قطعة من قطع الشطرنج، نصفها من السُّود ونصفها من البيض، ويرصّها رصّا مخصوصًا في صورة دائرة، ويدّعي أن مركبًا كان على ظهر البحر، وفيه مسلمون (بيض) وكفّار (سود). فأشرفوا على الغرق، وأرادوا أن يرموا إلى البحر نصف عددهم ليخفّ المركب، فينجو بعضهم ويسلم المركب. فقالوا: ‏ ‏ نقترع، ومن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر. ‏ ‏ فتأملهم الريّس بعض الوقت وهم جالسون في دائرة، ثم قال: ‏ ‏ ليس هذا حكمًا مرضيّا. و إنما الحكم أنّا نعدّ الجماعة، فكل من كان تاسعًا ألقيناه في البحر. ‏ ‏ فارتضوا بذلك، ولم يزل يعدّهم ويلقي التاسع فالتاسع فإذا هو قد ألقى الكفار أجمعين، وسلم المسلمون! ‏
من كتاب "شرح لامية العجم" للصفدي.‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:33 AM

التُّـفَّاحـة
‏ في مدينة جَبْلَة قبرُ الوليّ الصالح الشهيد إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه، وهو الذي نَبَذَ المُلْكَ وانقطع إلى الله تعالى حسبما شُهِرَ ذلك. ولم يكن إبراهيم من بيت مُلْك كما يظنه الناس، إنما ورثَ المُلْكَ عن جدّه أبي أمّه. وأما أبوه أدهم فكان من الفقراء الصالحين السائحين المتعبّدين الوَرِعين المنقطعين.‏ ‏ ويُذكَر أن أدهم هذا مرّ ذات يوم ببساتين مدينة بُخارى وتوضّأ من بعض الأنهار التي تتخللها، فإذا بتفاحة يحملها ماء النهر. فقال: "هذه لا خَطَرَ لها". فأكلها. ثم ندم ووقع في خاطره من ذلك وسواس. فعزم على أن يعترف لصاحب البستان وأن يَسْتَحِلّه. فقرع باب البستان فخرجت إليه جارية، فقال لها: ‏ ‏ ادعي لي صاحب المنزل.‏ ‏ فقالت: إنه لامرأة.‏ ‏ فقال: استأذني لي عليها.‏ ‏ ففعلت، فأخبر المرأة بخبر التفاحة، وطلب عفوها، فقالت له:‏ ‏ إن هذا البستان نِصفُه لي ونِصفُه للسلطان. (والسلطان يومئذ بمدينة بَلْخ، وهي مسيرة عشرة من بُخارى). ‏ ‏ وأحَلَّتْه المرأة من نصف التفاحة. فذهب إلى بلخ، فاعترض السلطان في موكبه وأخبره الخبر واستحلّه، فأمره أن يعودَ إليه في الغد.‏ ‏ وكان للسلطان بنت بارعة الجمال، قد خطبها أبناء الملوك فتمنّعت، وحُبِّبتْ إليها العبادة وحُبّ الصالحين، وهي تحبّ أن تتزوج من ورِع زاهد في الدنيا. فلما عاد السلطان إلى منزله أخبر بنتَه بخبر أدهم، وقال: ‏ ‏ ما رأيتُ أروعَ من هذا، يأتي من بُخارى إلى بلخ لأجل نصف تفّاحة؟ ‏ ‏ فرغبت في تزوّجه. فلما أتى أدهم من الغد قال له السلطان: ‏ ‏ لا أحِلُّك إلا أن تتزوج ببنتي.‏ ‏ فتمنَّع أولاً ثم قبِل الزواج منها. وحملت منه فولدت إبراهيم رضي الله عنه الذي أسند الملكُ إليه بعد وفاة جدّه. ‏
من كتاب "رحلة ابن بطوطة". ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:33 AM

التجمـُّل فـي المسألــة
‏ كان عبد الرحمن الداخل ببعض مجالسه، فمثل بين يديه رجل من جند قـِنسرين يستجديه، فقال:‏ ‏ يا ابن الخلائف الراشدين والسادة الأكرمين، إليك فررت، وبك عذت، من زمن ظلوم، ودهر غشوم، قلَّ المال وكثر العيال، وشعث الحال فصيـَّر إلى نداك المآل، وأنت ولي الحمد والمجد، والمرجوُّ للرِّفد، فأجابه عبد الرحمن على الفور:‏ ‏ سمعنا مقالتك، وقضينا حاجتك، وأمرنا بعونك، على دهرك، على كرهنا لسوء مقالك فلا تعودَنَّ ولا سواك لمثله، من إراقة ماء وجهك، بتصريح المسألة، والإلحاف في الطلبة، وإذا ألمّ بك خطب أو مر بك أمر، فارفعه إلينا في رُقعة لا تعدوك، كيما تستر عليك خلتك وتكف شماتة العدو عنك، بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا عز وجل، بإخلاص الدعاء، وصدق النية. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:33 AM

التحاسـد والتخـاذل
‏ قال أبو عبيدة مَعمر بن المُثنَّى:‏ ‏ مرَّ قيس بن زهير ببلاد غطفان، فرأى بها ثروة وعددا،‏ ‏ فكرِه ذلك.‏ ‏ فقيل له: ‏ ‏ أيسوءك ما يسُرُّ الناس؟‏ ‏ قال:‏ ‏ إنك لا تدري أنَّ مع النعمة والثروة التحاسد والتخاذل، وأن مع القلة التحاشد والتناصر. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:34 AM

الثقــة بـالله
علم الرشيد، أن في دمشق رجلاً من بقايا الأمويين، عظيم السطوة، كثير الأعوان والجنود، يـُخشى خطره على الدولة، فأرسل إليه من يحضره مقيداً، فلما ذهب إليه الرسول، قيده وحمله على راحلته وسارا، فلما وصلا إلى ظاهر دمشق التفت الأموي إلى بستان حسن وقال:‏ ‏ هذا بستان لي، وفيه غرائب الأشجار وبدائع الأثمار، ثم انتهى إلى مزارع حسان وقـُرى واسعة وقال:‏ ‏ مثل ذلك، فعجب الرسول من هدوء الأموي، ورباطة جأشه، وقال له:‏ ‏ ألست تعلم أن أمير المؤمنين أقلقه أمرك، فأرسل إليك من انتزعك من بين أهلك ومالك وولدك؟ لا تدري عاقبة أمرك ولا ما ينتهي إليه حالك؟‏ ‏ فقال الأموي:‏ ‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، وإني على ثقة من الله عز وجل، وفي يده ناصية أمير المؤمنين، ولا يملك أمير المؤمنين لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله!

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:34 AM

الحـُبّ والطعــام
‎ كان أبو الحارث حسين يـُظهرِ لجارية من المحبة أمرًا عظيمـًا. فدعتـْه وأخـّرت الطعام إلى أن ضاق، فقال:‏ ‏ يا سيـّدتي، مالي لا أسمع للغداء ذِكـْرًا؟‏ ‏ فقالت:‏ ‏ يا سبحان الله! أما يكفيك النظر إليّ وما ترغبه فيّ من أن تقول هذا!‏ ‏ فقال:‏ ‏ يا سيدتي، لو جلس جميل وبثينة من بكرة إلى هذا الوقت لا يأكلان طعامـًا لبصق كلُّ واحد منهما في وجه صاحبه! ‏
من كتاب "جمع الجواهر في المُلـَح والنوادر" للحُصْري.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:34 AM

الحُـبّ والعـدل
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لرجل:‏ ‏ والله لا يحبّك قلبي أبداً.‏ ‏ قال الرجل:‏ ‏ أوَ يحرمني ذلك من عدلك؟‏ ‏ قال: لا.‏ ‏ قال:‏ ‏ لا ضَيْرَ إذن، إنما يأسف على الحب النساء. ‏
من كتاب "الفخري" لابن طباطبا. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:34 AM

الحجّـاج في النـار
حَلَف رجلٌ بالطّلاق أن الحجّاج بن يوسف في النّار. فقيل له: ‏ ‏ "سَلْ عن يمينك وعمّا إذا كانت امرأتُك تجوزُ لك". ‏ ‏ فأتى أيوب السِّخْتِيَاني الزّاهد، فأخبره. فقال له: ‏ ‏ لستُ أُفتى في هذا بشيء، يغفرُ الله لمن يشاء. ‏ ‏ فأتى شيخَ المعتزلة عمرو بن عُبيد، فأخبره ـ فقال: ‏ ‏ تمسَّك بامرأتِك، فإن الحجّاجَ إن لم يكن من أهل النار فليس يضُرُّكَ أن تَزْنِي! ‏ ‏
من كتاب "نثر الدّرّ" لمنصور بن الحسين الآبي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:35 AM

الحدأة وصرة المال
‏ من أخبار المنصور بن أبي عامر مؤسس الدولة العامرية بالأندلس أن رجلاً من تجار المشرق قصد المنصور من مدينة عدن بجوهر كثير وأحجار نفيسة. فأخذ المنصور من ذلك ما استحسنه، ودفع إلى الجوهري التاجر صرّة مال.‏ ‏ وأخذ التاجر في انصرافه طريق الرّملة على شط النهر، فلما توسطها، واليوم قائظ وعرقه منصبّ، دَعَته نفسُه إلى التبرُّد في النهر. فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط، فمرّت حدأة فاختطفت الصرة تحسبها لحماً، وصاعدت في الأفق بها ذاهبة. ورآها التاجر فقامت قيامته، وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بدعوى ولا بحيلة، واشتد به الحزن.‏ ‏ وعاد إلى المنصور فأعلمه بقصته. فقال المنصور له:‏ ‏ هل تذكر الناحية التي طارت الحدأة إليها؟‏ ‏ قال: نعم، مرّت مشرّقة عل سمت هذا الجنان الذي يلي قصرك (يعني الرّملة). فدعا المنصور شرطيّه الخاصّ به فقال له: جئني بمشيخة أهل الرملة. ‏ ‏ فمضى وجاء بهم. فأمرهم بالبحث عمن تغيّر حاله من الفقر سريعاً وانتقل عن الإضاقة دون تدريج. فولّوا ثم عادوا فقالوا:‏ ‏ يا مولانا، ما نعلم إلا رجلاً من ضعفائنا كان يعمل هو وأولاده بأيديهم، ويعجز عن شراء دابة، رأيناه قد اكتسى هو وولده كسوة متوسطة.‏ ‏ فأمر المنصور بإحضاره. فلما أُتي به، قال له:‏ ‏ شيء ضاع منا وسقط إليك، ما فعلت به؟‏ ‏ فقال: هو ذا يا مولاي.‏ ‏ وضرب بيده إلى حجزة سراويله فأخرج الصرة بعينها. فصاح التاجر طرباً وكاد يطير فرحاً.‏ ‏ قال المنصور للرجل:‏ ‏ خبِّرني بما حدث.‏ ‏ قال: بينما أنا أعمل في بستان تحت نخلة، إذ سقطت أمامي، فأخذتها وراقني منظرها، وقلت في نفسي: إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار، فاحترزت بها ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة دنانير منها وقلت: أقلُّ ما يكون من كرم مولاي أنه يسمح لي بها.‏ ‏ فقال المنصور للتاجر: خذ صرّتك وانظرها واصدقني عن عددها.‏ ‏ ففعل، وقال: وحق رأسك يا مولاي ما ضاع منها سوى الدنانير العشرة التي ذكرها، وقد وهبتها له.‏ ‏ فقال المنصور له: نحن أولى بذلك منك، ولا ننغص عليك فرحتك. ‏ ‏ ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضاً عن دنانيره، وللرجل بعشرة دنانير أخرى، وقال له:‏ ‏ لو جئتنا قبل البحث عنك لكان ثوابك موفوراً!‏ ‏ فأخذ التاجر في الثناء على المنصور وقد عاوده نشاطه، وقال:‏ ‏ والله لأبُثَّنَّ في الأقطار عظيمَ مُلكك، وَلأقولَنّ إنك تملك طير بلادك كما تملك إنْسَها! ‏
من كتاب "البيان المغْرب في أخبار المغرب" لابن عذارى المراكشي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:35 AM

الحمـد لله
قال سرّي السقطي، وكان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد: ‏ ‏ منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولي مرة: الحمد للّه. ‏ ‏ قيل له: وكيف ذلك ؟ ‏ ‏ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد وقال: نجا حانوتُك! ‏ ‏ فقلت: ‏ ‏ الحمد للّه!‏ ‏ فأنا نادم من ذلك الوقت حيث أردتُ لنفسي خيراً من دون الناس. ‏
من كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:35 AM

الخـائن
وَفَدَ الحجاج بن يوسف الثّقفي على عبد الملك بن مروان، ومعه إبراهيم بن طلحة. وكان الحجاج لما وَلِي الحرمين بعد قتل عبد الله بن الزبير، استحضر إبراهيم بن طلحة فقرّ به وأعظم منزلتَه رغم صلته بابن الزبير، فلم تزل تلك حالة عنده حتى خرج به إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، فخرج معه مُعادِلا له، لا يقصّر له في برّ ولا إكرام.‏ ‏ فلما حضرا باب عبد الملك، دخل الحجاج، فما ألقى السلام حتى قال: ‏ ‏ قدمتُ عليك يا أمير المؤمنين برجل الحجاز وأسده، لم أر له بالحجاز نظيرا في الفضل والأدب والمروءة وحسن المذهب، مع قرابة الرحم، ووجوب الحق، وما بلوتُ منه من الطاعة والنصيحة، وهو إبراهيم بن طلحة، وقد أحضرتُه ببابك ليَسْهُلَ عليه إذنُك. ‏ ‏ قال عبد الملك: ‏ ‏ أَذْكَرْتَنا رحما قريبةً وحقا واجبا. يا غلام! ائذن له. ‏ ‏ فلما دخل إبراهيم أدناه الخليفةُ حتى أجلسه على فراشه، ثم قال له: ‏ ‏ يا ابن طلحة، إن أبا محمد (الحجاج) أذكرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب وحسن المؤازرة. فلا تدعنّ حاجة في خاصتك وعامتك إلا ذكرتَها. ‏ ‏ فقال ابن طلحة: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، إن أولى الحوائج ما كان لك ولجماعة المسلمين فيه نصيحة. وعندي نصيحة لا أجد بُدّا من ذكرها، ولا أقدر على ذلك إلا ونحن بمفردنا. ‏ ‏ فقال عبد الملك: ‏ ‏ دون أبي محمد؟! ‏ ‏ قال: دون أبي محمد. ‏ ‏ فقال عبد الملك للحجاج: ‏ ‏ قُم يا أبا محمد. ‏ ‏ فلما خرج الحجاج، قال الخليفة: ‏ ‏ قل نصيحتك يا ابن طلحة. ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، عمدت إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه وبُعْده عن الحق وقُربه من الباطل. فولّيته الحرمين، وهما ما هما، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي البررة الأخيار، يطأهم بالعسف، ويسومهم بالظلم والخسف، ويحكم فيهم بغير السُّنّة، بعد الذي كان من سفك دمائهم، وما انتهك من حُرمهم. فاعزِله يا أمير المؤمنين حتى لا تكون بينك وبين نبيك يوم القيامة خصومة. ‏ ‏ فبُهِت عبدُ الملك لكلامه، ثم قال: ‏ ‏ كذبت! وقد ظنّ الحجاجُ بك الخير وأطنب في مدحك والثناء عليك وقد يُظَنُّ الخير بغير أهله. قم عني فإنك أنت الكاذب المائن الخائن! ‏ ‏ فقام ابن طلحة لا يعرف لنفسه طريقا. فما خرج من الباب حتى لحقه رجلٌ صاح بالحرس: ‏ ‏ احبسوا هذا! ‏ ‏ وقيل للحجاج: أمير المؤمنين يطلبك. ‏ ‏ ومكث ابن طلحة مليّا من النهار لا يشك أن الخليفة والحجاج في أمره. ثم خرج الآذن فقال له: ‏ ‏ ادخل يا ابن طلحة. ‏ ‏ فلما أراد الدخول على عبد الملك، إذا بالحجاج يلقاه عند الباب وهو خارج من عنده. فما رآه الحجاج حتى عانقه وقبّل ما بين عينيه، وقال له: ‏ ‏ قد جزى الله المتواخين بفضل تواصلهم، فجزاك الله عني أفضل الجزاء، ولن أنسى لك هذا الجميل ما حييت. ‏ ‏ ثم مضى وطلحة يقول في نفسه: ‏ ‏ يهزأ بي وربّ الكعبة. ‏ ‏ فلما دخل على عبد الملك، بدأه الخليفة بقوله: ‏ ‏ قد عزلتُ الحجاج عن الحرمين وولّيتُه العراق وفارس معا. ولم أشأ أن أفْسِدَ مودّتَه لك وأخيب ظنَّه فيك، فأخبرته أنك أنت الذي دعوتني إلى توليته عليهما لفضله وحزمه وحكمته. فاخرج معه إن شئت وأخلِصْ له الودّ والنصيحة فإنك غيرُ ذامٍّ لصحبته. ‏
من كتاب "بدائع السلك في طبائع الملك" لابن الأزرق. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:36 AM

الخـادم الفصيــح
‏ حدّث أبو العيناء قال:‏ ‏ كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها أنني مررت يومـاً بسوق النخـّاسين، فرأيتُ غلامـاً يـُنادَى عليه وقد بلغ ثلاثين ديناراً، فاشتريته.‏ ‏ وكنت أبني داراً، فدفعتُ إليه عشرين ديناراً على أن ينفقها على الصناع، فجاءني بعد أيام يسيرة فقال:‏ ‏ قد نفدت النفقة.‏ ‏ فقلت: هاتِ حسابك!‏ ‏ فرفع حسابـاً بعشرة دنانير. قلت: أين الباقي؟‏ ‏ قال: قد اشتريت به لنفسي ثوبـاً.‏ ‏ قلت: من أمرك بهذا؟‏ ‏ قال: لا تعجل يا مولاي، فإن أهل المروءة لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزَّين على مواليهم!‏ ‏ فقلت في نفسي: أنا اشتريت الأصمعيّ ولـَمْ أَعلم!‏ ‏ وكانت هناك امرأة أردت أن أتزوجها سرّا من ابنة عمي. فقلت له يومـاً:‏ ‏ أفيك خير؟‏ ‏ قال: إي لعمري.‏ ‏ فأطلعته على الخبر. فقال: أنا نـِعم العـَون لك.‏ ‏ فتزوجتُ المرأة ودفعتُ إليه ديناراً، وقلت له:‏ ‏ اشترِ لنا به بعض السمك الهازبي.‏ ‏ فمضى ورجع وقد اشترى سمكـاً من صنف آخر. فغاظني ذلك وقلت:‏ ‏ ألم آمرك أن تشتري من السمك الهازبي؟‏ ‏ قال: بلى، ولكن الطبيب أبقراط كتب يقول إن الهازبي يولـِّد السوداء، وهذا سمك أقل غائلة!‏ ‏ فقلت: يا ابن الفاعلة! أنا لم أعلم أني اشتريت جالينوس!‏ ‏ وقمتُ عليه فضربته عشر مقارع. فلما فرغتُ من ضربه أخذني وأخذ المقرعة وضربني سبع مقارع، وقال:‏ ‏ يا مولاي، الأدب ثلاث، والسـَّبـْع فضل، وذلك قصاص، فضربتك هذه السـَّبع خوفـاً من القصاص يوم القيامة!‏ ‏ فغاظني هذا، فرميته فشججته، فمضى من وقته إلى ابنة عمي، فقال لها: يا مولاتي، إن الدّين النصيحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مـَنْ غـَشـَّنا فليس منا. وأنا أُعـْلمك أن مولاي قد تزوج فاستكتمني، فلما قلت له لا بدّ من تعريف مولاتي الخبر ضربني وشجـّني.‏ ‏ فمنعتني بنت عمي من دخول الدار، وحالت بيني وبين ما فيها، فلم أر الأمر يصلح إلا بأن طلقت المرأة التي تزوجتها.‏ ‏ وقلت في نفسي: أعتقه وأستريح، فلعله يمضي عني.‏ ‏ فلما أعتقته لزمني وقال:‏ ‏ الآن وجب حقـُّك عليّ.‏ ‏ ثم إنه أراد الحج، فجهـّزته وزوّدته وخرج. فغاب عني عشرين يومـاً ورجع. فقلت له:‏ ‏ لـِمَ رجعت؟‏ ‏ فقال: فكرت وأنا في الطريق فإذا الله تعالى يقول: (ولله على الناس حـِجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً)، وكنتُ غير مستطيع، وفكرت فإذا حقك أوجب، فرجعت!‏ ‏ ثم إنه أراد الغزو، فجهـّزته، فلما غاب عني بعتُ كل ما أملك بالبصرة من عقار وغيره، وخرجت عنها خوفـاً من أن يرجع! ‏
من كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:36 AM

الخَلَف الطالـح
قال محمد بن جرير الطبري:‏ ‏ حدثنا وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنشد بيت لبيد بن ربيعة:‏ ‏ ذَهَبَ الذين يُعَاشُ في أكْنافِهِم ‏ ‏ وبَقَيْتُ في خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ ‏ ‏ ثم تقول:‏ ‏ رحم الله لبيدا! كيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم! ‏ ‏ قال عروة:‏ ‏ رحم الله عائشة! فكيف بها لو أدركتْ من نحن بين ظهرانيهم! ‏ ‏ قال هشام بن عروة:‏ ‏ رحم الله أبي! فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم! ‏ ‏ قال الطبري: ‏ ‏ رحم الله هشاماً! فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم!‏
من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:37 AM

الخليفة وصاحب الشرطة
‏ كان موسى الهادي بن الخليفة المهدي متيقّظا غيورا كريما شهما شديد البطش جريء القلب، ذا إقدام وعزم وحزم.‏ ‏ حدّث عبد الله بن مالك، (وكان يتولّى شرطة المهديّ)، قال:‏ ‏ كان الخليفة المهدي يأمرني بضرب ندماء الهادي ومغنّيه وحبسهم صيانة له عنهم، فكنت أفعل ما يأمرني به المهدي. وكان الهادي يرسل إليّ في التخفيف عنهم فلا أفعل. ‏ ‏ فلما مات المهدي ووليَ الهادي الخلافة أَيْقَنْتُ بالتلف. فاستحضرني يوما فدخلتُ عليه وهو جالس على كرسي، والسيف والنّطع بين يديه. فلما سَلَّمتُ قال:‏ ‏ لا سَلَّم الله عليك! أتَذْكُرُ يوم بعثتُ إليك في أمر الحرّاني وضرْبه فلم تقبل قولي؟ وكذلك فعلتَ في فلان وفلان (وعدَّدَ ندماءه) فلم تلتفت إلى قولي.‏ ‏ قلت: نعم. أفتأذن في ذكر الحُجَّة؟‏ ‏ قال: نعم.‏ ‏ قلت: ناشدتك الله، لو أنك قَلَّدْتني ما قلّدني المهدي، وأمرتني بما أمر، فبعث إليَّ بعضُ بنيك بما يخالف أمرَك، فاتّبعتُ قولَه وتركتُ قولك، أكان يسرُّك ذلك؟‏ ‏ قال: لا.‏ ‏ قلت: فكذلك أنا لك، وكذلك كنتُ لأبيك.‏ ‏ فاستَدْناني فقبّلتُ يدَه، ثم أمر لي بالخِلَع وقال:‏ ‏ ولّيتُك ما كنتَ تتولاه، فامضِ راشدا.‏ ‏ فمضيتُ مفكّرا في أمري وأمره، وقلت في نفسي:‏ ‏ شابٌّ يشرب، والقوم الذين عصيتُه في أمرهم هم ندماؤه ووزراؤه وكُتّابه. وكأني بهم حين يغلب الشرابُ عليه يغلبون على رأيه، ويحسّنون له هلاكي.‏ ‏ فإني لجالس وعندي بُنَيَّةٌ لي، والكانون بين يديّ، وقُدَّامي رُقاق أسخِّنه بالنار وآكل وأُطعم الصغيرة، وإذا بوقع حوافر الخيل. فظننتُ أن الدنيا قد زُلزِلت. فقلت:‏ ‏ هذا ما كنت أخافه.‏ ‏ وإذا الباب قد فُتح، وإذا الخدم قد دخلوا والهادي في وسطهم على دابّته. فلما رأيتُه وثبتُ فقبّلتُ يده ورجله وحافرَ فرسه. فقال لي:‏ ‏ يا عبد الله، إني فكّرت في أمرك فقلت: ربما خطر بذهنك أني إذا شربتُ وحولي أعداؤك، أزالوا حسنَ رأيي فيك، فيُقْلِقُكَ ذلك. فصرت إلى منزلك لأؤنسك وأُعْلمك أن ما كان عندي من الحقد عليك قد زال جميعه. فهات وأطعِمني مما كنتَ تأكل، لتعلم أني قد تَحَرَّمْتُ بطعامك، فيزول خوفُك.‏ ‏ فأدنيتُ إليه من الرّقاق فأكل. ثم قال:‏ ‏ هاتوا ما صحبناه لعبد الله.‏ ‏ فدخل أربعمائة بغل محمّلة بالدراهم وغيرها. وقال:‏ ‏ هذه لك، فاستعين بها على أمرك.‏ ‏ ثم انصرف. ‏
من كتاب "الفَخْرِي" لابن طَباطَبا. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:37 AM

الخيـزران والهـادي
‏كانت الخيزران، كثيراً ما تكلم ابنها الهادي، في الحوائج، فكان يجيبها إلى كل ما تسأله، حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته، وانهال الناس عليها، وطمعوا فيها، فكلمته يوما في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلاً، واعتلّ بعلة، فقالت الخيزران:‏ ‏ لا بد من إجابتي، قال:‏ ‏ لا أفعل، قالت:‏ ‏ قد تضمـّنـْتُ هذه الحاجة لعبد الله بن مالك، فغضب الهادي وقال:‏ ‏ ويل لابن الفاعلة، قد علمت أنه صاحبها، والله لأقضيتها له، قالت:‏ ‏ وإذن والله لا أسالك حاجة أبداً، قال:‏ ‏ إذن والله لا أبالي، وحمي وغضب، فقامت مغضبة، فقال:‏ ‏ مكانك تستوعبي كلامي، والله لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي، أو أحد من خاصتي، أو أحد من خدمي، لأضربت عنقه، ولأقبضنّ ماله، فمن شاء فليلزم ذلك، ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك كل يوم؟ أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك؟ إياك ثم إياك ما فتحت بابك لملي أو ذمي، فانصرفت الخيزران ما تفعل ما تطأ، فلم تنطق عنده بحلوة ولا بمرة بعدها.‏ ‏ وجمع الهادي رءوس دولته، وقال لهم:‏ ‏ أيما خير، أنا أم أنتم؟ قالوا:‏ ‏ بل أنت يا أمير المؤمنين، قال:‏ ‏ فأيما خير، أمي أم أمهاتكم، قالوا:‏ ‏ بل أمك يا أمير المؤمنين، قال:‏ ‏ فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه، فيقولوا:‏ ‏ فعلت أم فلان وصنعت أم فلان؟ قالوا:‏ ‏ ما أحد منا يحب ذلك، قال:‏ ‏ فما بال الرجال يأتون أمي فيتحدثون بحديثها؟ فما سمعوا ذلك حتى انقطعوا عنها، وزاد هذا في همّ الخيزران ووجدها على ابنها، ولما حضرت الهادي العلة، وكان على سفر، وأيقن بالهلاك، استدعى أمه، فلما قدمت قال لها:‏ ‏ أنا هالك في هذه اليلة، وقد كنت أمرتك بأشياء ونهيتك عن أخرى، مما أوجبته سياسة الملك، وسياسة الشرع من برّك، ولم أكن بك عاقاً، بل كنت لك صائناً، وبرّا واصلاً، ثم قضـَى قابضاً على يدها، واضعاً لها على صدره، وهو يقول:‏ ‏ يا ليت أم الهادي ما ولدت الهادي، والله لو أن أم الهادي أذنبت ما عفا الهادي عنها. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:37 AM

الدّليل على قوة النفس
‏ مِمَّا يُكرَهُ للملوك المبالغةُ في الميل إلى النّساء، والانهماك في محبّتهن، وقطع الزمان بالخلوة معهن. فأما مشاورتهن في الأمور فمجلبةٌ للعجز، ومدْعاة إلى الفساد، ومَنْبهة على ضعف الرأي، اللهم إلا أن تكون مشاورتهن يراد بها مخالفتهن، كما قال عليه السلام: "شاوروهنّ وخالفوهن"! فإذا أشكل عليكم الصواب فشاوروهنّ، فإذا مِلْنَ إلى شيء فاعلموا أن الصواب في خلافه.‏ ‏ وقد حَدَثَ أن عضدَ الدولة فَنّاخُسْرَوْ بن بُوَيْه شغفته امرأة من جواريه حباً، وغلب عليه، فاشتغل بها عن تدبير المملكة حتى ظهر الخلل في مملكته، فخلا به وزيرُه وقال له:‏ ‏ أيها الملك، إن هذه الجارية قد شغلتك عن مصالح دولتك حتى لقد تطرّق النقص عليها من عدّة جهات. وما سبب ذلك إلا اشتغالك عن إصلاح دولتك بهذه المرأة. والصواب أن تتركها وتلتفت إلى إصلاح ما فسد.‏ ‏ وبعد أيام جلس عضد الدولة على مُشْتَرَف له على دجلة، واستدعى الجارية فحضرت. فشاغلها ساعة حتى غفلت عن نفسها ثم دفعها إلى النهر فغرقت. وتفرّغ خاطرُه من حبها واشتغل بإصلاح أمور دولته.‏ ‏ وقد نسب الناس هذا الفعل من عضد الدولة إلى قوة النفس حين قويتْ نفسه على قتل محبوبته. وأنا أستدلّ بهذا الفعل على ضعف نفس عضد الدولة لا على قوّتها، فلو أنه تركها حيّة ثم أعرض عنها لكان ذلك هو الدليل على قوّة نفسه. ‏
من كتاب "الفخري" لابن طباطبا. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:38 AM

الدِّيـن والعقـل
‏ كتب أحدُ الزائغين إلى الإمام الجليل أبي حامد الغزالي يقول إن المقصود من الدّعوة والداعي، ومن أحكام الشريعة والتكاليف الظاهرة والتعبّد بالفرائض هو حصولُ المعرفة، فإن حصلت المعرفة عند امرئ أمكنه الاستغناء عن ظواهر الشرع وعن مراعاة الوسائط. ‏ ‏ فكان جواب الغزالي: ‏ ‏ مَثَلُ المغتر بعقله والمنخدع بهذا الظن كمثل رجل بنى له أبوه قصرا على رأس جبل، ووضع له فيه سَدًّا من حشيش طيب الرائحة، وأكّد الوصيّة على ولده مرّة بعد أخرى ألاّ يُخْلى هذا القصر عن هذا الحشيش طول عمره، وقال له: ‏ ‏ إيّاك أن تسكن هذا القصر ساعة من ليل أو نهار إلا وهذا الحشيش فيه. ‏ ‏ فلما مات الأب، زرع الولد حول القصر أنواعا من الرَّياحين، وجلب من البرِّ والبحر أحمالا من العُود والعنبر والمِسْك، وجمع في حديقة قصره جميع ذلك، مع شجرات كثيرة من الرياحين الطيبة الرائحة. فانغمرت رائحةُ الحشيش لما فاحت هذه الروائح. فقال الرجل: ‏ ‏ لا أشك أن والدي ما أوصاني بحفظ هذا الحشيش إلا لطيب رائحته. والآن قد استغنيتُ بهذه الرياحين عن رائحته، فلا فائدة فيه الآن. وهو يضيق علي المكان. ‏ ‏ ثم أمر بالحشيش فرُمِيَ من القصر. ‏ ‏ فلما خلا القصر من الحشيش ظهرت من بعض ثُقَبِ القصر حَيَّةٌ هائلة، وضربته ضربةً أشرف بها على الهلاك، فتنبّه حيث لم ينفعه التنبُّه، وفطن إلى أن الحشيش كان من خاصيته دَفْعُ هذه الحية المُهْلِكَة. ‏ ‏ وكان لأبيه في الوصية بالحشيش غرضان: أحدهما انتفاع الولد برائحته، وذلك قد أدركه الولد بعقله، والثاني أن تَرُّدَّ الرائحةُ الحيات المهلكة، وذلك مما قَصَّرَتْ عن إدراكه بصيرةُ الولد، فاغترّ الولد بما عنده من العلم، وظنّ أنه لا سرَّ وراء معلومه ومعقوله. ‏ ‏ قد وقع لأبي حنيفة مثلُ هذا الظن في الفقهيات، فقال: أوجب اللهُ في كل أربعين شاةً شاةً، وقصد به إزالة الفقر، والشاةُ آلةٌ في الإزالة فإذا حصلت الإزالةُ بمال آخر غير الشاة فقد حصل تمامُ المقصود. ‏ ‏ فقال الشافعي: صدقتَ بقولك أن هذا مقصود، وأخطأت في حُكْمِك بأنه لا مقصودَ سواه، إذ كيف تأمن أن يُقال يوم القيامة: قد كان لنا سرٌّ آخر في إشراك الغنيِّ الفقير مع نفسه في جِنس ماله؟! ‏
من كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" لتاج الدين السبكي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:38 AM

الدليـل علـى الله
قال رجل لجعفر الصادق: ‏ ‏ ما الدليل على اللّه، ولا تَذْكُرْ لي العالَم والعَرَضَ والجوهر؟ ‏ ‏ فقال له: ‏ ‏ هل ركبتَ البحر؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: هل عصفتْ بكم الريحُ حتى خفتم الغرق؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاّحين؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فهل أحسّت نفسُك أن ثَمَّ من يُنجيك؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فإن ذاك هو اللّه. ‏ ‏ ‏
من كتاب "ربيع الأبرار" للزمخشري ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:38 AM

الديـن يســر
‏ عن أنس قال:‏ ‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال:‏ ‏ فنزلنا منزلاً في يوم حار.‏ ‏ أكثرنا ظـِلاًّ صاحب الكساء.‏ ‏ ومنا من يتقي الشمس بيديه، قال:‏ ‏ فسقط الصوَّام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركب، فقال الرسول صلوات الله عليه:‏ ‏ ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:39 AM

الذّاهـب والبـاقي
قالت عائشة رضي الله عنها: ‏ ‏ ذبحنا شاةً فتصدّقنا بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ‏ ‏ هل بقي منها شيء؟‏ ‏ فقلت: يا رسول الله، ما بقي منها إلا كتفها. ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ كلّها بقي إلا كتفها! ‏
من كتاب "المسجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:39 AM

الـرءوس المتهاويــة
‏ قال عبد الملك بن عمير:‏ ‏ كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الكوفة حين جيء برأس مـُصعب بن الزبير فوُضع بين يديه. رآني قد ارتعت فقال لي:‏ ‏ مالك؟‏ ‏ فقلت:‏ ‏ أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، كنتُ بهذا القصر بهذا الموضع مع عبيد الله بن زياد فرأيتُ رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بين يديه، ثم كنت في هذا المكان مع المختار بن أبي عبيد الثقفي فرأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يديه، ثم كنت فيه مع مصعب بن الزبير فرأيت رأس المختار فيه بين يديه، ثم هذا رأس مصعب بن الزبير بين يديك!‏ ‏ فقام عبد الملك من موضعه، وأمر بهدم ذلك المكان الذي كنا فيه. ‏
من كتاب "شرح لامية المعجم" للصفدي


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:39 AM

الرسول ينصف طائـراً
عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال:‏ ‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر.‏ ‏ فرأينا حـُمـَّرة "طائر أحمر اللون" معها فرخان لها فأخذناهما، فجاءت الحمرة تعرش (تظلل بجناحيها) من أجل فرخيها.‏ ‏ فقال الرسول عليه السلام:‏ ‏ من فجع هذه بولدها؟‏ ‏ ردوا ولدها إليها

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:39 AM

الرشيد بن الزبير والمرأة القاهرية
كان الرشيد بن الزبير على جلالته وفضله، ومنزلته من العلم والنّسب، قبيحَ المنظر، أسودَ الجِلْدَة، ذا شَفَة غليظة وأنف مبسوط كخِلْقة الزنوج، قصيرًا. ‏ ‏ حدّث يومًا فقال: ‏ ‏ مررت بموْضع في القاهرة، وإذا امرأةٌ شابّة، صبيحة الوجه، وضيئة المنظر. فلما رأتني نظرتْ إليّ نظر مُطْمِعٍ لي في نفسه. فتوهمّتُ أنني وقعتُ منها بموقع، ونَسِيت نفسي وأشارت إليّ بطَرْفها، فتبِعتها وهي تدخل في سِكـّة وتخرج من أخرى، حتى دخلتْ دارًا، وأشارت إليّ، فدخلتُ. وَرَفَعَتِ النـِّقاب عن وجهٍ كالقمر في ليلة تمامه، ثم صفـّقتْ بيديها منادية: يا ست الدار! فنزلت إليها طفلة، فقالت لها: ‏ ‏ إن رَجَعتِ تبولين في الفِراش تركتُ سيدَنا القاضي يأكلكِ! ‏ ‏ ثم التفتت إليَّ وقالت: ‏ ‏ لا أَعْدَمَني اللّهُ إحسانَك. ‏ ‏ فخرجتُ وأنا خـَزْيان خَجلاً، لا أهتدي إلى الطريق. ‏
من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:40 AM

الرشيد والرجل الأندلسيّ
حكي أن رجلاً من الأندلس قدم على هارون الرشيد، فقال له الرشيد:‏ ‏ يُقال إن الدنيا بمثابة طائر، ذَنَبُه الأندلس.‏ ‏ فقال الأندلسيّ:‏ ‏ صدقوا يا أمير المؤمنين، وإنه طاووس.‏ ‏ فضحك الرشيد، وتعجّب من سرعة جواب الرجل وانتصاره لبلده. ‏
من كتاب "نفح الطيب" للمقَّرى التِّلمساني. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:40 AM

السُّعــاة
‏ مشى الخليفة القادر باللّه ذات ليلة في أسواق بغداد فسمع شخصًا يقول لآخر: ‏ ‏ قد طالت دولة هذا المشوم، وليس لأحد عنده نصيب. ‏ ‏ فأمر خادمًا كان معه أن يحضره بين يديه فلما سأله عن صنعته قال: ‏ ‏ إني كنت من السُّعاة الذين يستعين بهم أرباب الدولة على معرفة أحوال الناس فمذ وُلـِّيَ أمير المؤمنين أقصانا وأظهر الاستغناء عنا، فتعطّلت معيشتنا وانكسر جاهُنا. ‏ ‏ فقال له : أتعرف مَن في بغداد من السعاة مثلك؟ ‏ ‏ قال : نعم. ‏ ‏ فأحضر كاتبًا، وكتب أسماءهم، وأمر بإحضارهم ثم أجرى لكل واحد منهم معلومًا، ونفاهم إلى الثغور القاصية، ورتَّبهم هناك عيونًا على أعداء الدِّين. ‏ ‏ ثم التفت القادر إلى مَن حوله وقال: ‏ ‏ اعلموا أن هؤلاء قد ركَّب اللّه فيهم شرًّا، وملأ صدورهم حقدًا على العالم، ولا بدّ لهم من إفراغ ذلك الشّر. فالأَوْلى أن يكون ذلك في أعداء الدِّين، ولا نُنَغِّص بهم المسلمين. ‏ ‏ ‏
من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:40 AM

الشـاعر المُغَنـِّي
كان حُنَين شاعراً مـُغـَنـِّيـاً فحلاً من فحول المغنِّين. وكان نصرانيـّا يسكن الحِيرة، ولم يكن بالعراق غيره، فاستولى عليه في عصره وقَدِم ابنُ مُحْرِز المـُغنـِّي إلى الكوفة، فبلغ خبرُه حُنَيْنـاً، فخشيَ أن يعرفه الناسُ فَيَسْتَحْلُوه ويستولـيَ على البلد فيسقُطَ هو. فتلطّف له حتى دعاه، فغنّاه ابنُ مُحرز لحنـاً، فسمع ما هاله وحيّره. فقال له حنين:‏ ‏ كم مَنَّتْك نفسُك من العراق؟‏ ‏ قال:ألفَ دينار.‏ ‏ فقال: فهذه خمسمائة دينار عاجلة، فخُذها وانصرف، واحلف لي أنك لا تعود إلى العراق.‏ ‏ وكان ابنُ مُحْرِز صغير الهمـّة، لا يحبّ عِشرة الملوك، ولا يُؤْثر على الخَلْوة شيئـاً.‏ ‏ فأخذها وانصرف.‏ ‏ ثم قدم الحِيرة ابن سُرَيج المـُغنـِّي ومعه ثلاثمائة دينار. فأتى بها منزل حُنين، وقال:‏ ‏ أنا رجل من أهل الحجاز، بلغني طِيبُ الحيرة وجَودة خمرها، وحُسن غنائك، فخرجت بهذه الدنانير لأنفقها معك وعندك، ونتعاشر حتى تنفد وأنصرف.‏ ‏ فسأله حنين عن اسمه ونَسَبه، فَغَيـَّرهما، وانتمى إلى بني مخزوم. فأخذ حنين المال منه وقال:‏ ‏ مُوَفَّر مالُك عليك، ولك عندنا كلُّ ما يحتاج إليه مثلُك ما نَشِطْتَ للمُقام عندنا، فإذا دَعَتْكَ نفسُك إلى بلدك جَهَّزناك إليه، ورددنا عليك مالك.‏ ‏ وأسكنه داراً كان ينفرد فيها، فمكث عنده شهرين لا يعلم حنين ولا أحد من أهله أنه يُغَنّي، حتى انصرف حنين من دار الوالي في يوم صائف مع قيام الظَّهيرة، فصار إلى باب الدار التي كان أَنزل ابنَ سُريج فيها، فوجده مغلقـاً. فارتاب بذلك، ودقَّ الباب فلم يُفتح له ولم يُجبه أحد.‏ ‏ فصار إلى منازل الحُرَم فلم يجد فيها ابنته ولا جواريها، ورأى ما بين الدار التي فيها الحُرَم ودار ابن سُرَيج مفتوحـاً. فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته، فلما دخلها رأى ابنته وجواريها وقوفـاً على باب السرداب وهنَّ يُومِئْنَ إليه بالسكوت وتخفيف الوطء. فلم يلتفت إلى إشارتهن لِمَا تداخله، إلى أن سمع تَرَنُّمَ ابن سريج. فألقى السيف من يده، وصاح به - وقد عرفه من غير أن يكون رآه، ولكن بالنَّعْت والحِذْق:‏ ‏ أبا يحيى، جـُعلتُ فداءك، أتيتنا بثلاثمائة دينار لتنفقها عندنا في حـِيرتنا! فوحقِّ المسيح لا خرجتَ منها إلا ومعك ثلاثمائة دينار وثلاثمائة دينار وثلاثمائة دينار، سوى ما جئت به معك!‏ ‏ ثم دخل عليه فعانقه ورحّب به، ثم صار معه إلى الوالي فوصَلَه بعشرين ألف درهم.‏ ‏ وكان المغنون في ذلك العصر أربعة نفر: ثلاثة بالحجاز هم ابن سريج والغَرِيض ومَعْبَد، وحُنين وحده بالعراق. فاجتمع الثلاثة بالحجاز فتذاكروا أمر حنين، فقالوا: ما في الدنيا أهلُ صناعة شرّ منا؛ لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز، لا نزوره ولا نستزيره؟‏ ‏ فكتبوا إليه، ووجّهوا إليه نفقة.‏ ‏ وكتبوا يقولون:‏ ‏ نحن ثلاثة وأنت وحدَك، فأنت أولى بزيارتنا.‏ ‏ فَشَخَص إليهم . فلما كان على مرحلة من المدينة بَلَغَهم خبرُه، فخرجوا يتلقَّونه، ودخلوا المدينة، فلما صاروا في بعض الطريق قال لهم معبد:‏ ‏ صِيروا إليَّ. فقال له ابن سريج: إن كان لك من الشرف مثلُ ما لمولاتي صِرنا إليك، فقال الغريض: إن كان لكما من الشرف والمروءة مثلُ ما لمولاتي سُكَينة بنت الحسين عَطَفْنا إليك. فقال: ما لي من ذلك شيء.‏ ‏ وعَدَلوا إلى منزل سكينة. فلما دخلوا إليها أَذِنَت للناس إِذْنـاً عامـاً، فَغَصَّت الدارُ بهم يسمعوه، وصعِدوا فوق السطح وازدحموا عليه، فسقط الرِّواق على مَن تحته فمات حنينٌ تحت الهدم. ‏
من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:41 AM

الشجـرة
استودع رجلٌ رجلاً آخر مالاً، ثم طالبه به فأنكره. فخاصمه إلى إياس بن معاوية القاضي، وقال:‏ ‏ دفعتُ إليه مالاً في الموضع الفلاني.‏ ‏ قال إياس: ‏ ‏ فأيّ شيء كان في ذلك الموضع؟‏ ‏ قال: شجرة.‏ ‏ قال:‏ ‏ فانطلق إلى ذلك الموضع، وانظر إلى تلك الشجرة، فلعلّ الله يوضِّحُ لك هناك ما تُبَيِّنُ به حقَّك. أو لعلك دفنت مالك عند الشجرة ثم نسيتَ، فتتذكّر إذا رأيتَ الشجرة.‏ ‏ فمضى. وقال إياس للمُطالَب بالمال:‏ ‏ اجلس حتى يرجعَ صاحبُك.‏ ‏ فجلس، وانشغل إياس عنه بالنظر في قضايا الناس، وهو ينظر إليه بين الحين والحين. ثم التفت إياس إليه فجأة وقال:‏ ‏ تُرى هل بلغ صاحبك الآن موضع الشجرة؟‏ ‏ فأجاب الرجل:‏ ‏ لا أظن، فهي بعيدة.‏ ‏ فقال:‏ ‏ يا عدوّ الله، هات المال فقد أقررتَ على نفسك! ‏
من كتاب "المحاسن والمساوئ" للبيهقي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:41 AM

الشـَّحـّاذ
جلس أحمد بن طولون يومـاً في بعض بساتينه، وأحضر الطعام ومن يؤاكله من خاصته. فرأى من بعيد سائلاً في ثوب خـَلـَق، وحال سيئة، وهو جالس يتأمل البستان ومن فيه. فأخذ ابن طولون رغيفـاً، فجعل عليه دجاجة وشواء لحم وقطع فالوذج كبيرة، وغطـّاه برغيف آخر، ودفعه إلى بعض غلمانه وقال له:‏ ‏ امض إلى هذا السائل فسلـّمه إياه.‏ ‏ وأقبل يراقب الغلامَ في تسليمه الرغيف وما يكون من الرجل. فلم يزل يتأمل السائل ساعة، ثم أمر بإحضاره. فلما مـَثـَل بين يديه كلـّمه فأحسن الجواب ولم يضطرب من هيبته. فقال له ابن طولون:‏ ‏ هات الرسائل التي معك.‏ ‏ فاعترف له الرجل بأنه جاسوس، وأن الكتب معه ما أوصلها ليدبـّر أمره في إيصالها، فوكل به حتى مضى وأُحضرت الكتب.‏ ‏ فقال أحدُ الخاصة لابن طولون:‏ ‏ أيها الأمير، إن لم يكن هذا وَحـْيـاً فهو سحر.‏ ‏ فقال:‏ ‏ لا والله يا هذا، ما هو وحي ولا سحر، ولكنه قياس صحيح. رأيتُ هذا الرجل على ما هو عليه من سوء الحال فأشفقتُ عليه، وعلمتُ أن مثله لا يصل إلى مثل ما بين أيدينا من الطعام. فأردتُ أن أسـُرّه بما أرسلتـُه إليه، فما هشّ له ولا مدّ يدا إليه. فنفر قلبي منه وقلت:‏ ‏ "هذا عينه ملأى وفي غنى عن هذا. هو جاسوس لا شك فيه". فأحضرته أحادثه، فازداد إنكاري لأمره لقوّة قلبه واجتماع لبـّه، وأنه ليس عليه من شواهد الفقر ما يدل على فقره. ‏
من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" للبـَلـَوي


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:41 AM

الشـَّـرْط
قيل لرجل:‏ ‏ هل يولد لرجل في الثمانين؟‏ ‏ قال:‏ ‏ نعم، إن كان له جار في العشرين. ‏
من كتاب "الهفوات النادرة" لمحمد بن هلال الصابي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:42 AM

الشَّعْبـِيّ وملك الروم
كان الشعبي، نديم الخليفة عبد الملك بن مروان، كوفيا تابعيا جليل القدر، وافر العلم.‏ ‏ حكى الشعبيّ قال: ‏ ‏ أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم. فلما وصلتُ إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته. وكانت الرسل لا تُطيل الإقامة عنده، غير أنه استبقاني أياماً كثيرة، حتى استحثثتُ خروجي. فلما أردت الانصراف قال لي:‏ ‏ من أهل بيت الخليفة أنت؟‏ ‏ قلت: لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ فهمس لأصحابه بشيء، فدُفعتْ إليّ رقعة، وقال لي:‏ ‏ إذا أدّيتَ الرسائل إلى الخليفة فأوصلْ إليه هذه الرقعة.‏ ‏ فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة. فلما خرجت من قصره تذكّرتها، فرجعتُ فأوصلتُها إليه. فلما قرأها قال لي:‏ ‏ أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟‏ ‏ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت الخليفة أنت؟ قلت لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغتُ الباب ردّني، فلما مثلت بين يديه قال لي: أتدري ما في الرقعة؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: اقرأها.‏ ‏ فقرأتها، فإذا فيها:‏ ‏ "عجبتُ من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيرَه!"‏ ‏ فقلت له:‏ ‏ والله لو علمتُ ما فيها ما حَمَلتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك.‏ ‏ قال عبد الملك: ‏ ‏ أفتدري لم كتبها؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: حسدني عليك، وأراد أن يُغريني بقتلك.‏ ‏ فلما بلغت القصة مسامع ملك الروم قال:‏ ‏ ما أردت إلا ما قال! ‏
من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:42 AM

الشَّفيـعُ العُريـان
غَضِبَتْ النَّوارُ زوجُ الفرزدقِ منه، فخرجت إلى عبد اللّه بن الزبير ونزلت على زوجه خـَوْلة بنت منظور، وسألتْها الشفاعة لها، بينما نزل الفرزدقُ على حمزة بن عبد اللّه بن الزبير، فوعده الشفاعة. ‏ ‏ وتكلمت خَوْلة في النَّوار، وتكلّم حمزة في الفرزدق، فأُنْجِحَتْ خَولة. وأمر ابنُ الزبير الفرزدقَ ألاّ يقربَ النـَّوار فقال الفرزدقُ في ذلك: ‏ ‏ ‏ أمـّا بنــوه فلم تنجح شفاعتـُهــم وشـُفـِّعـَتْ بنتُ منظور بن زَبـَّانا ليس الشـّفيع الذي يأتيك مـُتـّزِرًا ‏ مثلَ الشفيع الذي يأتيك عـُريانا! ‏
من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:43 AM

الشفاعـة فـي حـد السرقــة
"رُوي أن أسامة بن زيد، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليشفع لفاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، وكانت سرقت قطيفة وحلياً، فأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على حـِبـّه أسامة، وقال له عليه السلام:‏ ‏ أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فاختطب فقال:‏ ‏ إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها".‏ ‏ وقال صلى الله عليه وسلم:‏ ‏ من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضادَّ الله عز وجل، وكما تحرم الشفاعة في الحدود يحرم على الإمام قبول الشفاعة فيها:‏ ‏ فعن الزبير بن العوام، أنه لقى رجلاً قد أخذ سارقاً، يريد أن يذهب به إلى السلطان، فشفع له الزبير رضي الله عنه، فقال له:‏ ‏ لا، حتى أبلغ به إلى السلطان، فقال الزبير:‏ ‏ إنما الشفاعة قبل أن يبلغ السلطان، فإذا أبلغ السلطان وشفع، لـُعـِنَ الشافع والمشفوع. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:43 AM

الشــمعة
وفد على الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولٌ من بعض الآفاق. فلما دخل دعا عمرُ بشمعة غليظة فأُوقدت. وكان الوقت ليلاً. وجعل عمر يسأله عن حال أهل البلد، وكيف سيرة العامل، وكيف الأسعار، وكيف أبناء المهاجرين والأنصار، وأبناء السبيل والفقراء، فأنبأه الرسول بجميع ما عَلِمَ من أمر تلك المملكة. فلما فَرَغَ عمر من مسألته، قال الرسول له: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين كيف حالُك في نفسك وبَدَنك، وكيف عيالك؟ ‏ ‏ فنفخ عمر الشمعة فأطفأها، وقال: ‏ ‏ يا غلام، عَلَيّ بسراج. ‏ ‏ فأتى بفتيلة لا تكاد تضيء فعجب الرسول لإطفائه الشمعة وقال: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، فعلتَ أمرًا حيّرني. ‏ ‏ قال: وما هو؟ ‏ ‏ قال: إطفاؤك الشمعة عند مسألتي إياك عن حالك؟ ‏ ‏ قال: الشمعة التي أطفأتُها هي من مال الله ومال المسلمين، وكنت أسألك عن أمرهم وحوائجهم وهي موقدة، فلما صرتَ لشأني وأمر عيالي أطفأتُ نار المسلمين! ‏
من كتاب "سيرة عمر بن عبد العزيز" لعبد الله بن عبد الحكم. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:43 AM

الصبيّ الغريـق
‏ لما انتصر جيش الخليفة المعتضد على هارون الشاري، نُصبت القِباب ببغداد، وزُيِّـنت الطرقات، وتكاثف الناس على الجسور، فانخسف بهم الجسر الأعلى وسقط على زورق مملوء ناسًا، فغرق في ذلك اليوم نحو من ألف نفس، واستُخرج الغرقى من نهر دجلة بالكلاليب وبالغَاصة، وارتفع الضجيج، وكثر الصراخ من الجانبين جميعًا. ‏ ‏ فبينما الناس كذلك إذ أخرج بعض الغاصة صبيّا عليه حلي فاخرة من ذهب وجوهر، فبصر به شيخ من النظارة، فجعل يلطم وجهه حتى أدمى أنفه، ثم تمرّغ في التراب، وجعل يصيح: ‏ ‏ ابني! لم تَمُتْ إذ أخرجوك صحيحًا سويّا لم يأكلك السمك! ليتني يا حبيبي كحلت عيني بك مرة قبل الموت! ‏ ‏ وأخذه فحمله على حمار، ثم مضى به. ‏ ‏ فما برح القوم الذين رأوا من الشيخ ما رأوا، حتى أقبل رجل معروف باليسار مشهور من التجار، حين بلغه الخبر، وهو لا يشك إلا أن الصبي في أيديهم، وليس يهمه ما كان عليه من حليّ وثياب، وإنما أراد أن يكفِّن ابنه ويصلـِّي عليه ويدفنه. فخبّره الناس بالخبر، فبقي هو ومن معه من التجار متعجبين مبهوتين، وسألوا عن الشيخ المحتال واستبحثوا فإذا لا عين ولا أثر. ‏ ‏ ‏
من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:44 AM

الصـدق ينجيــك
يحكى أن أبا يزيد البسطامي الصوفي، أراد الذهاب إلى بغداد لطلب العلم، فأعطته أمه أربعين ديناراً هي ميراثه من أبيه، وقالت له ضع يدك في يدي، وعاهدني على التزام الصدق فلا تكذب أبداً، فعاهدها على ذلك، وخرج مع قافلة يريد بغداد، وفي أثناء الطريق، خرج اللصوص ونهبوا كل ما في القافلة، ورأوا البسطامي رث الثياب، فقالوا:‏ ‏ هل معك شيء؟ فقال:‏ ‏ معي أربعون ديناراً، فسخروا منه وحسبوا أنه أبله وتركوه، ورجعوا إلى كهف كان به كبير اللصوص، ينتظر ما يأتون به، فلما رآهم قال:‏ ‏ هل أخذتم كل ما في القافلة، قالوا:‏ ‏ نعم، إلا رجلاً سألناه عما معه، فقال:‏ ‏ معي أربعون ديناراً، فتركناه احتقاراً لشأنه، ونظن أن به خبلاً في عقله، فقال:‏ ‏ عليّ به، فلما حضر بين يديه، قال:‏ ‏ هل معك شيء، فقال:‏ ‏ نعم معي أربعون ديناراً، قال:‏ ‏ أين هي؟ فأخرجها وسلمها له، فقال كبير اللصوص:‏ ‏ أمجنون أنت يا رجل؟ كيف ترشد عن نقودك وتسلمها باختيارك؟ فقال له:‏ ‏ لما أردت الخروج من بلدي، عاهدت أمي على الصدق، فأنا لا أنقض عهد أمي، فقال كبير اللصوص:‏ ‏ لا حول ولا قوة إلا بالله، أنت تخاف أن تخون عهد أمك، ونحن لا نخاف أن نخون عهد الله، ثم أمر برد جميع ما أخذ من القافلة، وقال:‏ ‏ أنا تائب على يديك يا رجل، فقال من معه:‏ ‏ أنت كبيرنا في قطع الطريق، واليوم أنت كبيرنا في التوبة، تبنا جميعاً إلى الله، وتابوا توبتهم. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:44 AM

الصـوم والحـر
كان الحجاج بن يوسف الثقفي، على ما به من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء، جواداً كريماً، لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين، وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل، ولما شق عليه ذلك، قال لهم: رسولي إليكم الشمس إذا طلعت، فاحضروا للفطور، وإذا غربت، فاحضروا للعشاء.‏ ‏ وحدث أن خرج يوماً للصيد، وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غداؤه، قال لأصحابه، التمسوا من يأكل معنا، فتفرقوا كل إلى جهة، فلم يجدوا إلا أعرابياً، فأتوا به، فقال له الحجاج: هلم يا أعرابي فَكُلْ، قال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته، قال الحجاج: ومن هو؟ قال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى، دعاني إلى الصوم فأنا صائم.‏ ‏ قال الحجاج: صوم في مثل هذا اليوم على حره؟ قال الأعرابي: صمتُ ليوم هو أحرُّ منه، قال الحجاج: فأفطر اليوم وصم غداً، فقال الأعرابي: أَوَيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟ قال الحجاج: ليس لي إلى ذلك سبيل. قال الأعرابي: فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس إليه سبيل؟‏ ‏ قال الحجاج: إنه طعام طيب. قال الأعرابي: والله ما طيَّبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية.‏ ‏ قال الحجاج: أبعدوه عني. ‏


الساعة الآن 09:44 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى