منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

تهاني 7 - 8 - 2010 01:04 AM



مجهود رائع وموضوع قيّم
بانتظار المزيد من هذا العطاء

لك مني ارقّ تحية وأعذبها



أبو جمال 7 - 8 - 2010 01:07 AM

اخت ميارى
لا ادري ماذا اقول وكيف اشكرك على هذا الانجاز المذهل
قد تكون عبارة بارك الله فيك ووقاك ومنحك الستر والعافية ونفع بك هي افضل ما استطيع قوله هنا
يعطيك العافيه

ميارى 7 - 8 - 2010 04:48 AM

مسير ابن مقلة إلى الموصل واستقرارها لابن حمدان
كان ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان عاملاً على الموصل فجـاء عمه أبو العلاء سعيد فضمن الموصل وديار ربيعة سراً وسار إليها فظهر أنه في طلب المال من ابن أخيه‏.‏ وشعر ناصر الدولة بذلك فخرج لتلقيه فخالفه إلى بيته فبعث من قبله واهتم الراضي بذلك وأمر الوزير أبا علي بن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار في العساكر من شعبان سنة ثلاث وعشرين فرحل عنها ناصر الدولة ودخل الزوران واتبعه الوزير إلى حمل السـن‏.‏ ثـم عاد عنها إلى الموصل وأقام في جبايتها وبعث ناصر الدولة إلى بغداد بعشرة آلاف دينـار لابـن الوزيـر ليستحـث أبـاه فـي القـدوم فكتـب إليه بما أزعجه فسار من الموصل واستخلـف عليهـا علـي بـن خلـف بـن طيـاب وماتـرد الديلمي من الساجية‏.‏ ودخل بغداد منتصف شوال وجمع ناصر الدولة ولقي ماترد الديلمي على نصيبين إلى الرقة وانحدر منها إلى بغداد ولحقه ابن طياب واستولى ناصر الدولة حمدان على الموصل وكتب في الرضا وضمان البلاد فأجيب وتعذرت عليه‏.‏

نكبة ابن مقلة وخبر الوزارة
كان الوزير ابن مقلة قد بعث سنة ثلاث وعشرين إلى محمد بن رائق بواسط يطالبه بارتفاع أعمـال واسـط والبصـرة وكان قد قطع الجبل‏.‏ فلما جاءه كتاب ابن مقلة كتب إليه جوابه يغالطه وكتب إلى الراضي بالسعي في الوزارة وأنه يقوم بنفقات الدار وأرزاق الجند فجهز الوزير ابنه سنة أربع وعشرين لقصده ووري بالأهواز وأنفذ رسوله إلى ابن رائق بهذه التورية يؤنسه بها وباكر القصر لانقاذ الرسول فقبض عليه المظفر بن ياقوت والحجرية‏.‏ وكان المظفر قد أطلق من محبسه وأعيد إلى الحجبة فاستحسن الراضي فعلهم‏.‏ واختفى أبو الحسين ابن الوزير وسائر أولاده وحرمه وأصحابه وأشار إلى الحجرية والساجية بوزارة علي بن عيسى فامتنع وسار بأخيه عبد الرحمن فاستوزره الراضي وصادر ابن مقلة‏.‏ ثم عجز عن تمشية الأمور وضاقت عليه الجباية فاستعفى من الورزارة فقبض عليه الراضي وعلى أخيه على ثلاثة أشهـر مـن وزارته واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي فصادر علي بن عيسى على مائة ألف دينـار‏.‏ ثـم عجـز عـن الـوزارة وضاقت الأموال وانقطعت‏.‏ وطمع أهل الأعمال فيما بأيديهم فقطع ابن رائق جمل واسط والبصرة وقطع ابن البريدي حمل الأهواز وأعمالها وانقطع حمل فارس لغلـب ابـن بويـه عليهـا ولـم يبق غير هذه الأعمال ونطاق الدولة قد تضايق إلى الغاية وأهل الدولة مستبـذون علـى الخلافـة والأحـوال متلاشية‏.‏ فتحمص أبو جعفر وكثرت عليه المطالبات وذهبت هيبته‏.‏ فاختفى لثلاثة أشهر ونصف من وزارته واستوزر الراضي مكانه أبا القاسم سليمان بن الحسن فكان حاله مثل حال من قبله في قلة المال ووقوف الحال‏.‏ ولما رأى الراضي وقوف الحال من الوزراء استدعى أبا بكر محمد بن رائق من واسط وكاتبه بأنـه قـد أجابـه إلـى مـا عـرض من السعي في الوزارة على القيام بالنفقات وأرزاق الجند فسر ابن رائـق بذلـك وشـرع يتجهـز للمسيـر‏.‏ ثـم أنفـذ إليـه الراضي الساجية وقلده إمارة الجيش وجعله أمير الأمراء وفوض إليه الخراج والدواوين والمعادن في جميع البلاد وأمـر بالخطبـة لـه علـى المنابـر وانحـدر إليـه أربـاب الدواويـن والكتـاب والحجـاب‏.‏ ولمـا جـاءه الساجيـة قبـض عليهـم بواسط في ذي الحجة من سنة أربع وعشرين ونهب رجالهم ودوابهم ومتاعهم ليوفر أرزاقهم على الحجرية فاستوحشوا لذلك وخدموا بدار الخلافة وأصعد ابن رائق إلـى بغـداد وفـوض الخليفـة إليـه أمرهم‏.‏ وأمر الحجرية بتقويض خيامهم والرجوع إلى منازلهم وأبطل الدواوين وصير النظر إليه فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور‏.‏ وبقي ابن رائق وكتابه ينظرون في جميع الأمور فبطلت الدواوين وبيـوت الأمـوال مـن يومئـذ وصارت لأمير الأمراء والأموال تحمل إلى خزانته ويتصرف فيها كما يريد ويطلب من الخليفة ما يريد‏.‏ وتغلب أصحاب الأطراف وزال عنهم الطاعة‏.‏ ولم يبق للخليفة إلا بغداد وأعمالها وابن رائق مستبد عليه‏.‏ وأما باقي الأعمال فكانت البصرة في يـد ابـن رائـق وخوزستـان والأهـواز فـي يـد ابـن البريـدي وفـارس فـي يـد عمـاد الدولـة ابن بويه وكرمان في يد علي بن الياس والري وأصبهان والجبل في يد ركن الدولة ابن بويه وشمكير أخو مرداويح ينازعه في هذه الأعمال والموصل وديار بكر ومضر وربيعة في يد حمدان ومصر والشام في يد ابن طغج والمغـرب وإفريقيـة فـي يـد العبيدييـن والأندلـس فـي يـد عبـد الرحمن بن الناصر من ولد عبد الرحمن الداخل وما وراء النهر في يد بني سامان وطبرستان في يد الديلم والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القرمطي‏.‏ ولـم يبـق لنـا مـن الأخبـار إلا ما يتعلق بالشلافة فقط في نطاقها المتضايق أخيرا وإن كانت مغلبة‏.‏ وهي أخبار ابن رائق والبريدي وأما غير ذلك من الأعمال التي اقتطعت كما ذكرناه فنذكر أخبارها منفردة ونسوق المستبدين دولاً كمـا شرطنـاه أول الكتـاب‏.‏ ثـم كتـب ابـن رائـق عـن الراضـي إلـى أبـي الفضـل بن جعفر بن الفرات‏.‏ وكان على الخراج بمصر والشام وظن أنه بوزارته تكون له تلك الجباية فوصل إلى بغداد وولي وزارة الراضي وابن رائق جميعاً‏.‏ وصول يحكم مع ابن رائق كان يحكم هذا من جملة مرداويح قائد الديلم ببلاد الجبل وكان قبله في جملة ماكان بن كالي ومن مواليه وهبه له وزيره أبو علي الفارض ثم فارق ماكان مع من فارقه إلى مرداويح‏.‏ وكان مرداويح قد ملك الري وأصبهان والأهـواز وضخـم ملكـه وصنـع كراسـي مـن ذهـب وفضـة للجلـوس عليهـا هـو وقـواده ووضع على رأسه تاجاً تظنه تاج كسرى وأمر أن يخاطب بشاهنشاه واعتزم على قصد العراق والاستيلاء عليه وتجديد قصور كسرى بالمدائن‏.‏ وكان فـي خدمتـه جماعـة مـن التـرك ومنهـم يحكم‏.‏ فأساء ملكهم وعسكرهم فقتلوه سنة ثلاث وعشرين بظاهـر أصبهـان كمـا نذكـره فـي أخبارهـم‏.‏ واجتمـع الديلـم والجبـل بعـده علـى أخيـه وشمكيـر بـن زيار وهـو والـد قابـوس ولمـا قتـل مرداويح افترق الأتراك فرقتين ففرقة سارت إلى عماد الدولة بن بويه بفارس والأخرى وهي الأكثر سارت نحو الجبل عند يحكم فجبوا خراج الدينور وغيرها‏.‏ ثم سـاروا إلـى النهـروان وكاتبـوا الراضـي فـي المسيـر إليـه فـأذن لهـم وارتـاب الحجرية بهم فأمرهم الوزير بالرجـوع إلـى بلـد الجبـل فغضبـوا واستدعاهـم ابـن رائـق صاحـب واسط والبصرة فمضوا إليه وقدم عليهم يحكم وكان الأتراك والديلم من أصحاب مرداويج فجاءته جماعة منهم فأحسـن إليهـم وإلى يحكم وسماه الرائقي نسبة إليه وأذن له أن يكتبه في مخاطباته‏.‏

مسير الراضي وابن رائق لحرب ابن البريدي
ثـم اعتـزم ابـن رائـق سنـة خمـس وعشريـن على الراضي في المسير إلى واسط لطلب البريدي في المال ليكون أقرب لمناجزته فانحدر في شهر محرم وارتاب الحجرية بفعله مع الساجية فتخلفوا ثم تبعوه فاعترضهم وأسقط أكثرهم من الديوان فاضطربوا وثاروا فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم جماعة ولجأ فلهم إلى بغداد فأوقع بهم لؤلؤ صاحب الشرطة ونهبت دورهم وقطعت أرزاقهم وقبضت أملاكهم وقتل ابن رائق من كان في حبسه من الساجية وسار هو والراضي نحو الأهـواز لإجـلاء ابـن البريـدي منهـا‏.‏ وقـدم إليـه في طلب الاستقامة وتوعده فجدد ضمان الأهواز بألـف دينـار فـي كـل شهـر ويحمـل فـي كـل يـوم قسطـه‏.‏ وأجابـه إلـى تسليـم الجيـش لمـن يسيـر إلى قتال ابـن بويـه لنفرتهـم عـن بغـداد‏.‏ وعـرض ذلـك علـى الراضـي فأشـار الحسيـن بـن علـي القونجـي وزير ابن رائـق بأن لا تقبل لأنه خداع ومكر‏.‏ وأشار أبو بكر بن مقاتل بإجابته وعقد الضمان على ابن البريدي وعاد ابن رائق والراضي إلى بغداد فدخلاها أول صفر ولم يف ابن البريدي بحمل المال وأنفذ ابن رائق جعفر بن ورقاء ليسير بالجيش إلى فارس‏.‏ ودس إليهم ابن البريدي أن يطلبوا منه المال ليتجهزوا به فاعتذر فشتموه وتهددوه بالقتل‏.‏ وأتى ابن البريدي فأشار عليه بالنجاء‏.‏ ثـم سعـى ابـن مقاتـل لابـن البريـدي فـي وزارة ابـن رائـق عوضـاً عـن الحسيـن القونجـي وبـذل عنـه ثلاثين ألف دينار فاعتذر له بسوابق القونجي عنده وسعيه له وكان مريضاً‏.‏ فقال له ابن مقاتل أنه هالك فقال ابن رائق قد أعلمني الطبيب أنه ناقه فقال الطبيب يراجيك فيه لقربه منك ولكن سـل ابـن أخيـه علـي بـن حمـدان‏.‏ وكـان القونجـي قـد استنـاب ابـن أخيـه فـي مرضه فأشار عليه ابن مقاتل أن يعرف الأمير إذا بمهلكة وأشار عليه أن يستوزره‏.‏ فلما سأله ابن رائق أيأسه منه‏.‏ فقـال ابـن رائـق عنـد ذلـك لابـن مقاتـل‏:‏ اكتـب لابن البريدي يرسل من ينوب عنه في الوزارة فبعث أحمـد بـن الكونـي واستولـى مع مقاتل على ابن رائق وسعوا لابن البريدي أبي يوسف في ضمان البصرة‏.‏ وكان عامل البصرة من قبل ابن رائق محمد بن يزداد وكان شديد الظلم والعسف بهم فخادعه ابـن البريـدي وأنفـذ أبـو عبـد اللـه مولـاه إقبالاً في ألفي رجل وأقاموا في حصن مهدي قريباً‏.‏ فعلم ابـن يـزداد أنه يروم التغلب على البصرة وأقاما على ذلك وأقام ابن رائق شأن هذا العسكر في حصـن مهدي‏.‏ وبلغه أيضاً أنه استخدم الحجريين الذين أذن لهم في الانسياح في الأرض وأنهم اتفقـوا مـع عسكـره علـى قطـع الحمل وكاتبه بطردهم عنه فلم يفعل‏.‏ فأمر ابن السكوني أن يكتب إلـى ابـن البريدي بالكتاب على ذلك‏.‏ ويأمر بإعادة العسكر من حصن مهدي فأجاب بإعدادهم للقرامطة وابن يزداد عاجز عن الحماية‏.‏ وكـان القرامطـة قـد وصلـوا إلـى الكوفـة فـي ربيـع الآخـر وخـرج ابـن رائـق فـي العساكر إلى حصن ابن هبيرة ولم يستقر بينهم أمر‏.‏ وعاد القرمطي إلى بلده وسار ابن رائق إلى واسط فكتب ابن البريـدي إلى عسكره بحصن مهدي أن يدخلوا البصرة ويملكوها من ابن يزداد وأمدهم جماعة من الحجرية فقصدوا البصرة وقاتلوا ابن يزداد فهزموه ولحق بالكوفة وملك إقبال مولى ابن البريدي وأصحابه البصرة وكتب ابن رائق إلى البريدي يتهدده ويأمره بإخراج أصحابه من البصرة فلم يفعل‏.‏

استيلاء يحكم على الأهواز
ولما امتنع ابن البريدي من الإفراج عن البصرة بعث ابن رائق العساكر مع بدر الحريشي ويحكم مولاه وأمرهم بالمقام بالجامدة فتقدم يحكم عن بدر وسار إلى السوس وجاءته عساكر البريدي مـع غلامـه محمـد الجمـال فـي ثلاثـة آلـاف ومـع يحكم مائتان وسبعون من الترك فهزمهم يحكم ورجع حمد بن الجمال إلى ابن البريدي فعاقبه على انهزامه وحشد له العسكر فسار في ستة آلاف ولقيهـم يحكـم عنـد نهـر تستـر فانهزمـوا مـن غير قتال‏.‏ وركب ابن البريدي السفن ومعه ثلثمائة ألف دينار ففرق أصحابه رماله ونجا إلى البصرة وأقام بالأبلة وبعث غلامه إقبالاً فلقي جماعة من أصحاب ابن رائق فهزمهم وبعث ابن رائق مع جماعة من أهل البصرة يستعطفه فأبى فطلبوا وأقام ابن البريدي بالبصرة واستولى يحكم على الأهواز‏.‏ ثم بعث ابن رائق جيشه في البحر والبـر فانهـزم عسكـر البـر واستولـى عسكـر المـاء علـى الكـلأ فهـرب ابـن البريـدي فـي السفن إلى جزيرة أوال وتـرك أخـاه أبـا الحسيـن فـي عسكـر بالبصـرة فدفـع عسكـر ابـن رائق عن الكلأ فسار ابن رائق مـن واسـط‏.‏ واستولـى يحكـم علـى الأهـواز وقاتلـوا البصـرة فامتنعـت عليهـم‏.‏ وسـار أبـو عبـد اللـه بـن البريـدي مـن أوال إلـى عمـاد الدولـة بـن بويـه بفارس فأطعمه في العراق وبعث معه أخاه معز الدولة إلـى الأهـواز فسيـر إليهـا ابـن رائـق ومولـاه جكم على أن يكون له الحرب والخراج وأقام ابن البريدي على البصرة وزحفت إليه عساكرهم فأعجلوه عن تقويض خيامه فأحرقها وسار إلى الأهواز مجرداً وسبقته عساكره إلى واسط وأقام عند يحكم أياماً وأشير عليه بحبسه فلم يفعل ورجع ابن رائق الى واسط‏.‏

استيلاء معز الدولة على الأهواز
لما سار أبو عبد الله بن البريدي من جزيرة أوال إلى عماد الدولة ابن بويه بفارس مستجيراً به مـن ابـن رائـق ويحكـم ومستنجداً عليهم طمع عماد الدولة في الاستيلاء على العراق فسير معه أخـاه معـز الدولـة أحمـد بـن بويـه فـي العسكـر ورهـن ابـن البريدي عنده ولديه أبا الحسين محمدا وأبا جعفر الفياض‏.‏ وسار يحكم للقائهم فلقيهم بأرجان‏.‏ فانهزم أمامهم وعاد إلى الأهواز وخلف جيشاً بعسكر مكرم‏.‏ فقاتلهم معز الدولة ثلاثة عشر يوماً ثم انفضوا ولحقوا بتستر وملك معز الدولـة عسكـر مكـرم وذلـك سنـة سـت وعشريـن وسـار يحكـم مـن الأهـواز إلـى تستـر وبلغ الخبر إلى ابـن رائـق بواسـط فسـار إلى بغداد وجاء يحكم من تستر إلى واسط‏.‏ ولما استولى معز الدولة وابـن البريـدي علـى عسكر مكرم ولقيهم أهل الأهواز وسار معهم إليها فأقاموا شهراً‏.‏ ثم طلب معـز الدولـة من ابن البريدي عسكره الذي في البصرة ليسير بهم إلى أخيه ركن الدولة بأصبهان لحـرب وشمكيـر فأحضـر منهـم أربعـة آلاف‏.‏ ثم طلب من عسكره الذين بحصن مهدي ليسير بهم فـي المـاء إلـى واسـط فارتـاب ابـن البريـدي وهـرب إلـى البصرة‏.‏ وبعث إلى عسكرها الذين ساروا إلى أصبهان وكانوا متوقفين بالسوس فرجعوا إليه‏.‏ ثم كتب إلى معز الدولة أن يفرج له عن الأهواز ليتمكن من الجباية والوفاء بها لأخيه عماد الدولة وكان قد ضمن له الأهواز والبصرة بثمانيـة عشـر ألـف ألـف درهـم‏.‏ فرحـل معـز الدولـة إلـى عسكـر مكرم وأنفذ ابن البريدي عامله إلى الأهواز‏.‏ ثـم بعـث إلى معز الدولة بأن يتأخر إلى السوس فأبى وعلم يحكم بحالهم فبعث جيشاً استولوا على السوس وجندي سابور وبقيت الأهواز بيد ابن البريدي ومعز الدولة بعسكر مكرم وقد ضاقـت أحـوال جنـده‏.‏ ثـم بعـث إليـه أخـوه عمـاد الدولة بالمدد فسار إلى الأهواز وملكها‏.‏ ورجع ابـن البريـدي إلـى البصـرة ويحكـم فـي ذلـك مقيـم بواسـط وقـد صـرف همـه إلى الاستيلاء على رتبة ابـن رائـق ببغـداد‏.‏ وقـد أنفـذ لـه ابـن رائـق علـي بـن خلـف بن طباب ليسيروا إلى الأهواز ويخرجوا ابـن بويه‏.‏ ويكون يحكم على الحرب وابن خلف على الخراج فلم يلتفت يحكم لذلك واستوزر علـي بـن خلـف وبحكـم فـي أحـوال واسط‏.‏ ولما رأى أبو الفتح الوزير ببغداد أدبار الأحوال أطمع ابن رائق في مصر والشام وقال أنا أجيبهما لك وعقد بينه وبين ابن طغج صهراً‏.‏ وسار أبو الفتح إلى الشام في ربيع الآخر وشعر ابن رائق بمحاولة يحكم عليه فبعث إلى ابن البريدي بالاتفاق على يحكم على أن يضمن ابن البريدي واسط بستمائة ألف فنهض يحكم إلى ابـن البريـدي قبـل ابـن رائـق وسـار إلـى البصـرة فبعـث إليـه ابـن البريدي أبا جعفر الجمال في عشرة آلاف فهزمهم يحكم وارتاع ابن البريدي لذلك ولم يكن قصد يحكم إلا الألفـة فقـط والتضـرع لابـن رائق فبعث إليه بالمسالمة وان يقلده واسط إذا تم أمره فاتفقا على ذلك وصرف نظره إلى أمر بغداد‏.‏

وزارة أبي مقلة ونكبته
ولمـا انصـرف أبـو الفتـح بـن الفـرات إلـى الشـام استـوزر الراضـي أبـا علـي بن مقلة على سنن من قبله والأمـر لابـن رائـق وابـن مقلـة كالعاريـة‏.‏ وكتـب لـه في أمواله وأملاكه فلم يردها‏.‏ فشرع في التدبير عليه فكتب إلى ابن رائق بواسط ووشمكير بالري يطمع كلاً منهما في مكانه وكتب الراضي يشير بالقبض على ابن رائق وأصحابه واستدعى يحكم لمكانه وأنه يستخرج منهم ثلاثة آلاف ألـف دينار فأطمعه الراضي على كره‏.‏ فكتب هو إلى يحكم يستحثه‏.‏ وطلب من الراضي أن ينتقـل إلى دار الخلافة حتى يتم الأمر فأذن له وحضر متنكراً آخر ليلة من رمضان سنة ست وعشرين فأمر الراضي باعتقاله واطلع ابن رائق من الغد على كتبه فشكر ذلك له ابن رائق وأمر بابـن مقلـة فـي منتصـف شـوال فقطـع ثـم عولـج وبـريء وعـاد إلـى السعـي فـي الـوزارة والتظلـم مـن ابن رائق والدعاء عليه فأمر بقطع لسانه وحبسه إلى أن مات‏.‏

استيلاء يحكم على بغداد
لم يزل يحكم يظهر التبعية لابن رائق ويكتب على أعلامه وتراسه يحكم الرائقي إلى أن وصلته كتـب ابـن مقلـة بـأن الراضـي قلـده إمـرة الأمراء فطمع وكاشف ابن رائق ومحا نسبه إليه من أعلامه وسلاحـه‏.‏ وسـار مـن واسـط إلـى بغـداد فـي ذي القعـدة سنـة سـت وعشرين‏.‏ وكتب إليه الراضي بالرجـوع فأبـى ووصـل إلى نهر ديالي وأصاب ابن رائق في غربيه فانهزموا وعبروا النهر سبحاً‏.‏ وسار ابن رائق إلى عكبرا ودخل يحكم بغداد منتصف في القعدة ولقي الراضي من الغد وولاه أمير الأمراء وكتب عن الراضي إلى القواد الذين مع ابن رائق بالرجوع عنه فرجعوا وعاد ابن رائق إلى بغداد فاختفى بها لسنة واحد عشر شهراً من إمارته ونزل يحكم بدار مؤنس واستقر ببغداد متحكماً في الدولة مستبداً على الخليفة‏.‏

دخول أذربيجان في طاعة وشمكير
كان من عمال وشمكير على أعمال الجبل السيكري بن مرس‏.‏ وحشة البساسيري كان أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحبي قريش بن بدران وبعثهما إلى القائم سراً من البساسيـري بمـا فعـل بالأنبـار فانتقـض البساسيـري لذلـك واستوحـش مـن القائـم ومـن رئيـس الرؤسـاء وأسقـط مشاهرتهـم ومشاهـرة حواشيهـم وهـم بهدم منازل بني المجلبان‏.‏ ثم أقصر وسار إلى الأنبار وبها أبو القاسم بن المجلبان وجاءه دبيس بن مزيد ممداً له فحاصر الأنبار وفتحها عنـوة ونهبهـا وأسـر مـن أهلهـا خمسمائـة ومائـة مـن بني خفاجة وأسر أبا الغنائم وجاء به إلى بغداد فأدخله في جمل وشفع دبيس بن مزيد في قتله وجاء إلى مقابل التاج من دار الخليفة فقبل الأرض وعاد إلى منزله‏.‏

وصول الغزالي الدسكرة ونواحي بغداد
وفـي شـوال مـن سنـة سـت وأربعيـن وصـل صاحب حلوان من الغز وهو إبراهيم بن إسحاق إلى الدسكـرة فافتتحهـا ونهبها وصادر النساء‏.‏ ثم سار إلى بغداد وقلعة البردان وهي لسعدي بن أبي الشوك وبها أمواله فامتنعت عليه فخرب ما حولها من القرى ونهبها وقوي طمع الغز في البلـاد وضعـف أمـر الديلـم والأتـراك‏.‏ ثـم بعـث طغرلبـك أبـا علـي بـن أبـي كاليجار الذي كان بالبصرة في جيش من الغز إلى خوزستان فاستولى على الأهواز وملكها ونهب الغز الذين معه أموال الناس ولقوا منهم عناء‏.‏

ظهور ابن رائق ومسيره إلي الشام
وفي سنة سبـع وعشريـن وثلثمائـة سـار يحكـم إلـى الموصـل وديـار ربيعـة بسبب أن ناصر الدولة بن حمدان أخر المال الذي عليه من ضمان البلاد فأقام الراضي بتكريت وسار يحكم ولقيه ناصر الدولة على ستة فراسخ من الموصل فانهزم واتبعه يحكم إلى نصيبين ثم إلى آمد وكتب إلى الراضي بالفتح‏.‏ فسار من تكريت في الماء إلى الموصل وفارقه جماعة من القرامطة كانوا في عسكره وكان ابن رائق يكاتبهم من مكان اكتفائه فلما وصلوا بغـداد خـرج ابـن رائـق إليهـم واستولـى وطـار الخبـر إلـى الراضـي فأصعـد مـن المـاء وسار إلى الموصل وكتب إلى يحكم بذلك‏.‏ فرجع عن نصيبين بعد أن استولى عليها‏.‏ وشرع أهل العسكر يتسللون إلى بغداد فأهم ذلك يحكم‏.‏ ثم جاءت رسالة ابن حمدان في الصلـح وتعجيل خمسمائة ألف درهم فأجابوه وقرره ورجعوا إلى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمد بـن يحيـى بـن شيـرزاد رسـولاً عـن ابـن رائق في الصلح على أن يقلده الراضي طريق الفرات وديار مضـر وحران والرها وما جاورها جندي قنسرين والعواصم‏.‏ فأجابه الراضي وقلده وسار إلى ولايته في ربيع الآخر‏.‏ وكان يحكم قد استناب بعض قواد الأتراك على الأنبار واسمه بالبان وطلب تقليد طريق الفرات فقلد وسار إلى الرحبة‏.‏ ثم انتقض وعاد لابن رائق وعصى على يحكـم فسـار إليـه غازياً وكبسه بالرحبة على حين غفلة لخمسة أيام من مسيره فظفر به وأدخله بغداد على جمل وحبسه وكان آخر العهد به‏.‏ وزارة ابن البريدي قد تقدم لنا مسير الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات إلى الشام ولما سار استناب بالحضرة عبد الله بن علـي البصـري وكـان يحكـم قـد قبـض علـى وزيـره خلـف بـن طبـاب واستـوزر أبـا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد فسعى في وزارة ابن البريدي ليحكم حتى تم ذلـك‏.‏ ثـم ضمـن ابـن البريـدي أعمـال واسـط بستمائـة ألـف دينـار كـل سنـة‏.‏ ثـم جـاء الخبر بموت أبي الفتـح بـن الفـرات بالرملـة‏.‏ فسعـى أبـو جعفر بن شيرزاد في وزارة أبي عبد الله للخليفة فعقد له الراضي بذلك واستخلف بالحضرة عبد الله بن علي البصري كما كان مع أبي الفتح‏.‏

مسير ركن الدولة إلي واسط ورجوعه عنها
لمـا استقـر ابـن البريـدي بواسط بعث جيشاً إلى السوس وبها أبو جعفر الظهيري وزير معز الدولة أحمد بن بويه ومعز الدولة بالأهواز‏.‏ فتحصن أبو جعفر بقلعـة السـوس وعـاث الجيـش فـي نواحها‏.‏ وكتب معز الدولة إلى أخيه ركن الدولة وهو على اصطخر قد جاء من أصبهان لما غلبـه وشمكيـر عليهـا‏.‏ فلمـا جـاء كتاب أخيه معز الدولة سار محمد إلى السوس وقد رجع عنه جيـش ابـن البريـدي‏.‏ ثـم سـار إلـى واسـط يحـاول ملكهـا فنزل في جانبها الشرقي وابن البريدي في الجانب الغربي واضطرب عسكر ابن بويه واستأمن جماعة منهم إلى ابن البريدي‏.‏ ثم سار الراضـي ويحكـم من بغداد إلى واسط للأمداد فرجع ركن الدولة إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز‏.‏ وبلغه أن وشمكير قد أنفذ عسكره مدداً لماكان بن كالي وأن أصبهان خالية فسار إليها من رامهرمز وأخرج من بقي منها من أصحاب وشمكير وملكها فاستقر بها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:50 AM

مسير يحكم إلي بلد الجبل وعوده إلي واسط واستيلاؤه عليها
كـان يحكـم قـد أرسـل ابـن البريدي وصاهره واتفقا على أن يسير يحكم إلى بلاد الجبل لفتحها من يد وشمكير وأبو عبد الله بن البريدي إلى الأهواز لأخذها من يد معز الدولة ابن بويه فسار يحكـم إلـى حلـوان وبعـث إليـه ابـن البريـدي بخمسمائـة رجـل مدداً‏.‏ وبعث يحكم بعض أصحابه إلى ابـن البريـدي يستحثـه إلـى السـوس والأهـواز فأقـام يماطلـه ويدافعـه ويبيـن لـه أنه يريد مخالفة يحكم إلى بغداد‏.‏ فكتب إليه بذلك فرجع عن قصده إلى بغداد‏.‏ وعزل ابن البريدي من الوزارة وولى مكانـه أبـا القاسـم بـن سليمـان بـن الحسين بن مخلد وقبض على ابن شيرزاد الذي كان ساعياً له وتجهـز إلـى واسـط وانحـدر فـي المـاء آخـر ذي الحجة سنة ثمان وعشرين‏.‏ وبعث عسكراً في البر وبلغ الخبر ابن البريدي فسار عن واسط إلى البصرة واستولى عليها يحكم وملكها‏.‏

استيلاء ابن رائق على الشام
قد تقدم لنا مسير ابن رائق إلى ديار مضر وثغور قنسرين والعواصم فلما استقر بها حدثته نفسه بملك الشام فسار إلى حمص فملكها‏.‏ ثم سار إلى دمشق وبهـا بـدر بـن عبـد اللـه الإخشيدي ويلقب بدير فملكها من يده‏.‏ ثم سار إلى الرملة ومنها إلى عريش مصر يريد ملك الديار المصرية ولقيه الإخشيذ محمد بن طغج وانهزم أولاً وملك أصحاب ابن رائق خيامه‏.‏ ثم خرج كمين الاخشيذ فانهزم ابن رائق إلى دمشق وبعث الاخشيذ في أثره أخاه أخا نصر بن طغج وسار إليهم ابن رائق من دمشق فهزمهم وقتل أبو نصر فكفنه ابن رائق وحمله مع ابنه مزاحم إلى أخيه الاخشيذ بمصر‏.‏ وكتب يعزيه ويعتذر‏.‏ فأكرم الأخشيذ مزاحماً واصطلح مع أبيه على أن تكون مصر للاخشيذ من حد الرملة وما وراءها من الشام لابن رائق ويعطي الأخشيذ عن الرملة في كل سنة مائة وأربعين ألف دينار‏.‏ الصوائف أيام الراضي

وفي سنة اثنتيـن وعشرين
سار الدمستق إلى سميساط في خمسين ألفا من الروم ونازل ملطية وحاصرها مدة طويلة حتى فتحها بالأمان وبعثهم إلى مأمنهم مع بطريق من بطارقته‏.‏ وتنصر الكثير منهم محبة في أهليهـم وأموالهـم‏.‏ ثـم افتتحـوا سميسـاط وخربـوا أعمالهـا وأفحشـوا فـي أسطولـه فـي البحـر‏.‏ ففتحـوا بلـد جنـوة ومـروا بسردانيـة فأوقعوا بأهلها ثم مروا بقرقيسيا من ساحل الشام فأحرقوا مراكبهـا وعـادوا سالميـن‏.‏

وفي سنة سـت وعشريـن
كـان الفـداء بيـن المسلميـن والـروم فـي ذي القعدة على يد ابن ورقاء الشيباني البريدي في ستة آلاف وثلثمائة أسير‏.‏ الولايات أيام الراضي والقاهر قبله قد تقدم لنا أنه لم يبق من الأعمال في تصريف الخلافة لهذا العهد إلا أعمال الأهواز والبصرة وواسط والجزيرة وذكرنا استيلاء بني بويه على فارس وأصبهان ووشمكير على بلاد الجبل وابن البريدي على البصرة وابن رائق على واسط‏.‏ وأن عماد الدولة ابـن بويـه علـى فـارس وركن الدولة أخوه يتنازع مع وشمكير علـى أصبهـان وهمـذان وقـم وقاشـان والكـرج والـري وقزوين‏.‏ واستولى معز الدولة أخوهما على الأهواز وعلى كرمان واستولى ابن البريدي على واسـط‏.‏ وسـار ابـن رائـق إلـى الشـام فاستولـى عليهـا‏.‏

وفي سنة ثلـاث وعشرين
قلد الراضي أبنيه أبـا جعفـر وأبـا الفضل ناحية المشرق والمغرب‏.‏

وفي سنة إحدى وعشرين
ورد الخبر بوفاة تكين الخاصكي بمصر وكان أميراً عليها وولى القاهر مكانه ابنه محمداً وثار به الجند فظفر بهم‏.‏ وفيهـا وقعـت الفتنـة بيـن بنـي ثعلـب وبنـي أسد ومعهم طيئ وركب ناصر الدولة الحسن بن عبد اللـه بن حمدان ومعه أبو الأعز بن سعيد بن حمدان ليصلح بينهم فوقعت ملاحاة قتل فيها أبو الأعـز علـى يـد رجـل مـن ثعلـب فحمل عليهم ناصر الدولة واستباحهم إلى الحديثة‏.‏ فلقيهم يانس غلـام مؤنس والياً على الموصل فانضم إليه بنو ثعلب وبنو أسد وعادوا إلى ديار ربيعة‏.‏

وفي سنة أربـع وعشريـن
قلـد الراضـي محمـد بـن طغـج أعمـال مصر مضافاً إلى ما بيده من الشام وعزل عنها أحمد بن كيغلغ‏.‏ وفاة الراضي وبيعة المتقي

وفي سنة تسـع وعشريـن وثلثمائـة
توفـي الراضـي أبـو العباس أحمد بن المقتدر في ربيع الأول منها لسبـع سنيـن غيـر شهـر مـن خلافتـه‏.‏ ولمـا مـات أحضـر يحكم ندماءه وجلساه لينتفع بما عندهم من الحكمـة فلم يفهم عنهم لعجمته‏.‏ وكان آخر خليفة خطب على المنبر وأن خطب غيره فنادر‏.‏ وآخـر خليفـة جالس السمر ووصل الندماء‏.‏ ودولته آخر دول الخلفاء في ترتيب النفقات والجوائز والجرايـات والمطابـخ والخـدم والحجـاب‏.‏ وكـان يحكـم يـوم وفاتـه غائبـاً بواسـط حين ملكها من يد ابن البريدي فانتظر في الأمور وصول مراسمه فورد كتابه مع كاتبه أبي عبد الله الكوفي يأمر فيه باجتماع الوزراء وأصحاب الدواوين والقضاة والعلويين والعباسيين ووجوه البلد عند الوزير أبي القاسـم سليمان بن الحسن ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضي مذهبه وطريقه فاجتمعـوا وذكروا إبراهيم بن المقتدر واتفقوا عليه وأحضروه من الغد وبايعوا له آخر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين‏.‏ وعرضت عليه الألقاب فاختار المتقي لله وأقر سليمان على وزارته كما كان والتدبير كله للكوفي كاتب يحكم وولى سلامة الطولوني على الحجبة‏.‏

مقتل يحكم
كان أبو عبد الله البريدي بعد هربه إلى البصرة من واسط أنفذ جيشاً إلى المدار فبعث إلى لقائهم جيشاً من واسط عليهم تورون انتخب له الكرة فظفر بجيش ابن البريدي ولقي يحكم خبـره فـي الطريـق فسـر بذلـك وذهـب يتصيـد فبلغ نهر جور وعثر في طريقه ببعض الأكراد فشره لغزوهم وقصدهم في خف من أصحابه وهربوا بين يديه وهو يرشقهم بسهامه‏.‏ وجاءه غلام منهم من خلفه فطعنه فقتله‏.‏ واختلف عسكره فمضى الديلم فكانوا ألفاً وخمسمائة إلى ابن البريدي‏.‏ وقد كان عزم على الهرب من البصرة فبعث لقدومهم وضاعف أرزاقهم وأدرهـا عليهـم‏.‏ وذهـب الأتـراك إلـى واسـط وأطلقـوا بكتيـك مـن حبسـه وولـوه عليهـم‏.‏ فسـار بهـم إلـى بغداد في خدمة المتقي وحصر ما كان في دار يحكم من الأموال والدواوين فكانت ألف ألف ومائة إمارة البريدي ببغداد وعوده إلى واسط لما قتل يحكم قدم الديلم عليهم بشكوار بن ملك بن مسافر ومسافر هو ابن سلار صاحب الطـرم الـذي ملـك ولـده بعـده أذربيجـان وقاتلهم الأتراك فقتلوه فقدم الديلم عليهم مكانه كورتكيـن منهـم‏.‏ وقدم الأتراك عليهم بكتيك مولى يحكم‏.‏ وانحدر الديلم إلى أبي عبد الله بن البريـدي فقـوي بهـم واصعـدوا إلـى واسط‏.‏ وأرسل المتقي إليهم مائة وخمسين ألف دينار على أن يرجعـوا عنهـا‏.‏ ثـم قسـم في الأتراك في أجناد بغداد أربعمائة ألف دينار من مال يحكم‏.‏ وقدم عليهـم سلامـة الطولونـي وبـرز بهـم المتقـي إلى نهر ديالي آخر شعبان سنة ست وعشرين‏.‏ وسار ابـن البريـدي مـن واسـط فأشفـق أتـراك يحكـم ولحق بعضهم بابن البريدي وسار آخرون إلى الموصل منهم تورون وجحجح‏.‏ واختفى سلامة الطولوني وأبو عبد الله الطولوني ودخل أبو عبد الله البريدي بغداد أول رمضان ونزل بالشفيعي ولقيه الوزير أبو الحسين بن ميمون والكتاب والقضاة وأعيان الناس‏.‏ وبعث إليه المتقي بالتهنئة والطعام وكان يخاطب بالوزير‏.‏ ثم قبض على الوزير أبي الحسين لشهرين من وزارته وحبسه بالبصرة وطلب من المتقي خمسمائة ألف دينار للجند وهـدده بمـا وقـع للمعتـز والمستعيـن والمهتـدي فبعـث بهـا إليه ولم يلقه مدة مقامه ببغداد‏.‏ ولما وصله المال من المتقي شغـب الجنـد عليـه فـي طلبـه وجـاء الديلـم إلـى دار لأخيـه أبـي الحسيـن ثـم انضـم إليهـم الترك وقصدوا دار أبي عبد الله فقطع الجسر ووثب العامة على أصحابه وهرب هو وأخوه وابنـه أبـو القاسـم وأصحابهم وانحدروا إلى واسط وذلك سلخ رمضان لأربعة وعشرين يوماً من قدومه‏.‏

إمارة كورتكين الديلمي
ولمـا هـرب ابـن البريـدي استولـى كورتكيـن علـى الأمـور ببغداد ودخل إلى المتقي قلده إمارة الأمراء وأحضر علي بن عيسى وأخاه عبد الرحمن فدبر الأمور ولم يسمهما بوزارة‏.‏ واستوزر أبا إسحاق محمد بن أحمد الإسكافي القراريطي وولي على الحجبة بدر الجواشيني‏.‏ ثم قبض كورتكين على بكتيك مقدم الأتراك خامس شوال وغرقه واقتتل الأتراك والديلم وقتل بينهما خلق وانفرد كورتكين بالأمر وقبض على الوزيـر أبـي إسحـاق القراريطـي لشهـر ونصـف مـن وزارته وولى مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي‏.‏

عود ابن رائق إلى بغداد
قد تقدم لنا أن جماعة من أتراك يحكم لما انفضوا عن المتقي ساروا إلى الموصل ثم ساروا منهـا إلى ابن رائق بالشام وكان من قوادهم تورون وجحجح وكورتكين وصيقوان فأطمعوه في بغـداد‏.‏ ثـم جاءتـه كتـب المتقـي يستدعيـه فسـار آخر رمضان واستخلف بالشام أبا الحسن أحمد بن علي بن مقاتل وتنحى ناصر الدولة بن حمدان على طريقه‏.‏ ثم حمل إليه مائة ألف دينار وصالحه وبلغ الخبر إلى أبي عبد الله بن البريدي فبعث أخوته إلى واسط وأخرج الديلم عنها وخطبـوا له بها‏.‏ وخرج كورتكين عن بغداد إلى عكبرا فقاتله ابن رائق أياماً ثم أسرى له ليلة عرفـة فأصبح ببغداد من الجانب الغربي ولقي الخليفة وركب معه في دجلة‏.‏ ووصل كورتكين آخر النهار فركب ابن رائق لقتاله وهو مرجل واعتزم على العود إلـى الشـام ثـم طائفـة مـن عسكره ليعبروا دجلة ويأتوا من ورائهم‏.‏ وصاحت العامة مع ابن رائق بكورتكين وأصحابه ورجموهم فانهزموا واستأمن منهم نحو أربعمائة فقتلوا وقتل قواده وخلع المتقي علي ابن رائق وولاه أمير الأمراء وعزل الوزير أبا جعفر الكرخي لشهر من ولايته وولى مكانه أحمد الكوفي وظفر بكورتكين فحبسه بدار الخلافة‏.‏

وزارة ابن البريدي واستيلاؤه علي بغداد
وفرار المتقي إلي الموصل لما استقر ابن رائق في إمارة الأمراء ببغداد أخر ابن البريدي حمل المال من اسط فانحدر إليه في العساكـر فـي عاشـوراء مـن سنـة ثلاثيـن وهـرب بنـو البريـدي إلـى البصـرة‏.‏ ثـم سعـى أبـو عبـد اللـه الكوفـي بينهـم وبيـن ابـن رائـق وضمـن واسـط بستمائـة ألـف دينار وبقاياها بمائتي ألف‏.‏ ورجع ابن رائـق إلـى بغـداد فشغبـت عليـه الجنـد وفيهـم تـورون وأصحابـه‏.‏ ثـم انفضـوا آخـر ربيـع إلـى أبـي عبد اللـه بواسـط فقـوي بهم وذهب ابن رائق إلى مداراته فكاتبه بالوزارة واستخلف عليها أبا عبد الله بن شيرزاد‏.‏ ثم انتقض واعتـزم علـى مسيـر إلـى بغـداد فـي جميـع الأتـراك والديلـم‏.‏ وعـزم ابـن رائـق على التحصن بدار الخلافة ونصب عليها المجانيق والعرادات وجند العامة فوقع الهرج وخرج بالمتقـي إلـى نهـر ديالـي منتصـف جمادى الآخرة‏.‏ وأتاهم أبو الحسين في الماء والبر فهزمهم ودخل دار الخلافة وهرب المتقي وابنه أبو منصور وابن رائق إلى الموصل لستة أشهر من إمارته‏.‏ واختفى الوزير القراريطي ونهبـت دار الخليفـة ودور الحـرم وعظـم الهـرج وأخـذ كورتكيـن مـن محبسـه فأنفـذ إلـى واسـط ولـم يتعرضـوا للقاهـر‏.‏ وكان نزل أبو الحسين بدار الخلافة وجعل تورون على الشرطة بالجانب الغربي وأخذ رهائن القواد تورون وغيره وبعث بنسائهم وأولادهم إلى أخيه عبد الله بواسط‏.‏ وعظم النهب ببغداد وتـرك النـاس دورهـم وفرضـت المكـوس فـي الأسـواق خمسـة دنانيـر على الكر فغلت الأسعار وانتهى إلى ثلثمائة دينار الكر وجاءت ميرة من الكوفة وأخذت فقيل إنها لعامل الكوفة وأخذها عامل بغداد وكان معه جماعة من القرامطة فقاتلهم الأتراك وهزموهم ووقعت الحرب بين العامـة والديلـم فقتـل خلـق مـن العامـة واختفـى العمال لمطاولة الجند إلى الضواحي ينتهبون الزرع بسنبلة عند حصاده وساءت أحوال بغداد وكثرت نقمات الله فيهم‏.‏

مقتل ابن رائق وولاية ابن حمدان مكانه
كـان المتقـي قد بعث إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمده على ابن البريدي عندما قصد بغداد فأمده بعسكر مع أخيه سيف الدولة فلقيه بتكريت منهزماً ورجع معه إلى الموصل‏.‏ وخرج ناصر الدولة عن الموصل حتى حلف له ابن رائق واتفقا فجاء وتركه شرقي دجلة وعبر إليه أبـو منصـور بـن المتقـي وابـن رائـق فبالغ في تكرمتهما‏.‏ فلما ركب ابن المتقي قال لابن رائق‏:‏ أقم نتحدث في رأينا مذهباً إلى الاعتذار وألح عليه ناصر الدولة فاستراب وجذب يده وقصد الركـوب فسقـط فأمـر ناصر الدولة بقتله وإلقائه في دجلة وبعث إلى المتقي بالعذر وأحسن القول وركب إليه فولاه أمير الأمراء ولقبه ناصر الدولة وذلك مستهل شعبان من سنة ثلاثين وخلع على أخيه أبي الحسن ولقبه بسيف الدولة‏.‏ فلما قتل ابن رائق سار الأخشيذ من مصر إلى دمشق وبها محمد بن يزداد من قبل ابن رائق فاستأمن إليه وملك الأخشيذ دمشق وأقر ابن عود المتقي إلي بغداد وفرار البريدي لما استولى أبو الحسين البريدي على بغداد وأساء السيرة كما مر امتلأت القلوب منه نفرة فلما قتـل ابـن رائـق أخـذ الجنـد فـي الفـرار عنـه والانتقاض عليه ففر جحجح إلى المتقي واعتزم تورون وأنـوش تكيـن والأتـراك علـى كبس أبي الحسين البريدي‏.‏ وزحف تورون لذلك في الديلم فخالفه أنـوش تكيـن في الأتراك فذهب تورون إلى الموصل فقوي بهم ابن حمدان والمتقي وانحدروا إلى بغداد وولى ابن حمدان على أعمال الخراج والضياع بديار مضر وهي الرها وحران ولقيا أبا الحسـن أحمـد بـن علي بن مقاتل فاقتتلوا وقتل ابن مقاتل واستولى ابن طباب عليها‏.‏ ولما وصل المتقـي وابـن حمـدان إلـى بغـداد هـرب أبـو الحسيـن ابـن البريـدي منهـا إلـى واسـط لثلاثـة أشهـر وعشرين يومـاً مـن دخولـه واضطربت العامة وكثر النهب ودخل المتقي وابن حمدان في العساكر في شوال مـن السنـة‏.‏ وأعـاد أبـا إسحـاق القراريطـي إلـى الـوزارة وولى تورون على الشرطة‏.‏ ثم سار إليهم أبو الحسين البريدي فخرج بنو حمدان للقائهم وانتهوا إلى المدائن فأقام بها ناصر الدولة وبعث أخـاه سيـف الدولـة وأبلـغ عمـه أبـا عبـد اللـه الحسيـن بـن سعيـد بـن حمـدان فاقتتلوا عنده أياماً وانهزم سيف الدولة أولاً‏.‏ ثم أمده ناصر الدولة بالقواد الذين كانوا معه وجحجح بالأتراك وعاودوا القتال فانهزم أبو الحسين إلى واسط وأقصر سيف الدولة عن اتباعه لما أصاب أصحابه من الوهـن والجـراح‏.‏ وعـاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي الحجة‏.‏ ثم سار سيف الدولة إلى واسط وهرب بنو البريدي عنها إلى البصرة فملكها وأقام بها‏.‏ استيلاء الديلم على أذربيجان كانت أذربيجان بيد ديسم بن إبراهيم الكردي من أصحاب يوسف بن أبي الساج وكان أبوه مـن أصحـاب هارون الشاري من الخوارج‏.‏ ولما قتل هارون لحق بأذربيجان وشرد في الأكراد فولد له ديسم هذا فكبر وخدم ابن أبي الساج وتقدم عنده إلى أن ملك بعدهم أذربيجان‏.‏ وجـاء السيكـري خليفـة وشمكيـر فـي الجبـل سنـة ست وعشرين وغلبه على أذربيجان‏.‏ ثم سار هو إلى وشمكير وضمن له طاعة ومالاً واستمده فأمده بعسكر من الديلم وساروا معه فغلب السيكري وطرده وملك البلاد وكان معظم جيشه الأكراد فتغلبوا على بعض قلاعه فاستكثر من الديلم وفيهم صعلوك بن محمد بن مسافر بن الفضل وغيرهما فاستظهر بهم وانتـزع مـن الأكـراد مـا تغلبـوا عليـه وقبـض على جماعة من رؤسائهم‏.‏ وكان وزيره أبو القاسم علي بن جعفر قد ارتاب منه فهرب إلى الطرم وبها محمد بن مسافر من أمراء الديلم وقد انقض عليه ابناه وهشودان والمرزبان واستوليا على بعض قلاعه ثم قبضا على أبيهمـا محمـد وانتزعـا أموالـه وذخائـره وتركـاه فـي حصنـه سليباً فريداً‏.‏ فقصد علي بن جعفر المرزبان وأطمعه في أذربيجان فقلده وزارته وكانت نحلتهما في التشيع واحدة لأن علي بن جعفر كان من الباطنية والمرزبان من الديلم وهم شيعة‏.‏ وكاتب علي بن جعفر أصحاب ديسم واستمالهم واستفسدهم عليه وخصوصاً الديلم‏.‏ ثم التفتـوا للحـرب وجـاء الديلـم إلـى المرزبـان واستأمـن معهـم كثيـر من الأكراد وهرب ديسم في فل من أصحابـه إلـى أرمينيـة واستجار بجادق بن الديواني فأجاره وكرمه وندم على ما فرط في إبعاد الأكراد وهـم علـى مذهبـه فـي الخارجيـة‏.‏ وملـك المرزبـان أذربيجـان واستولـى عليهـا‏.‏ ثـم استوحـش منه علي بن جعفر وزير ديسم وتنكر له أصحاب المرزبان فأطمعه المرزبان بأخذ أموالهـم وحملهم على طاعة ديسم وقتل الديلم عندهم من جند المرزبان ففعلوا‏.‏ وجاء ديسم فملكها وفـر إليه من كان عند المرزبان حتى اشتد عليه الحصار واستصلح أثناء ذلك الوزير علي بن جعفر‏.‏ ثم خرجوا من توزير ولحق ديسم بأردبيل وجاء علي بن جعفر إلى المرزبان‏.‏ ثـم حاصر المرزبان أردبيل حتى نزل له ديسم على الأمان وملكها صلحاً‏.‏ وملك توزير كذلك ووفى له ثم طلب ديسم أن يبعثه إلى قلعته بالطرم فبعثه بأهله وولده وأقام هنالك‏.‏ لما فر بنو البريدي عن واسط إلى البصرة ونزل بها سيف الدولة أراد الانحدار خلفهم لانتزاع البصرة منهم واستمد أخاه ناصر الدولة فأمده بمال مع أبي عبد الله الكوفي‏.‏ وكان تورون وجحجح يستطيلان عليه فأراد الاستئثار بالمال فرده سيف الدولة مع الكوفي إلى أخيه وأذن لتورون في مال الجامدة ولجحجح في مال المدار‏.‏ وكان من قبل يراسل لأتراك وملك الشام ومصـر معـه فـلا يجيبونـه‏.‏ ثـم ثـاروا عليـه في شعبان من سنة إحدى وثلاثين فهرب من معسكره ونهـب سـواده وقتـل جماعـة من أصحابه‏.‏ وكان ناصر الدولة لما أخبره أبو عبد الله الكوفي بخبر أخيـه فـي واسـط بززيسيـر إلـى الموصـل وركـب إليـه المتقي يستمهله فوقف حتى عاد وأغذ السير لثلاثـة عشـر شهـراً مـن إمارتـه فثـار الديلـم والأتـراك ونهبوا داره ودبر الأمور أبو إسحاق القراريطي من غير لقب الوزارة‏.‏ وعزل أبو العباس الأصبهاني لأحد وخمسين يوماً من وزارته‏.‏ ثم تنازع الإمارة بواسط بعد سيـف الدولـة تـورون وجحجح واستقر الحال أن يكون تورون أميراً وجحجح صاحب الجيش‏.‏ ثم طمع ابن البريدي في واسط وأصعد إليها وطلب من تورون أن يضمنـه إياهـا فـرده رداً جميـلاً‏.‏ وكـان قـد سار جحجح لمدافعته فمر به الرسول في طريقه وحادثه طويلاً وسعى إلى تورون بأنه لحق بابن البريدي فأسرى إليه وكبسه منتصف رمضان فقبض عليه وجاء به إلى واسـط فسملـه وبلـغ الخبر إلى سيف الدولة وكان لحق بأخيه فعاد إلى بغداد منتصف رمضان وطلـب المـال مـن المتقـي لمدافعـة تـورون‏.‏ فبعـث أربعمائـة ألـف درهـم وفرقها في أصحابه وظهر له من كان مستخفياً ببغداد‏.‏ وجاء تورون من واسط بعد أن خلف بها كيغلغ‏.‏ فلما أحس به سيف الدولة رحل فيمن انضم إليه من أجناد واسط وفيهم الحسن بن هارون وسار إلى الموصل ولم يعاود بنو حمدان بعدها بغداد‏.‏ إمارة تورون ثم وحشته مع المتقي لما سار سيف الدولة عن بغداد دخلها تورون آخر رمضان سنة إحدى وثلاثين فولاه المتقي أمير الأمراء وجعل النظر في الوزارة لأبي جعفر الكرخي كما كان الكوفي‏.‏ ولما سار تورون عن واسط خالفه إليها البريدي فملكها‏.‏ ثم انحدر تورون أول ذي القعدة لقتل البريـدي وقـد كان يوسف بن وجيه صاحب عمان سار في المراكب إلى البصرة وحارب ابن البريدي حتى أشرفوا على الهلاك‏.‏ ثم احترقت مراكب عمان بحيلة دبرها بعض الملاحين ونهب منها مال عظيم‏.‏ ورجع يوسـف بـن وجيـه مهزومـاً فـي المحـرم سنـة اثنتيـن وثلاثيـن‏.‏ وهـرب فـي هـذه الفتنـة أبـو جعفر بن شيرزاد من تورون فاشتمل عليه وكان تورون عند اصعاده من بغداد استخلف مكانه محمد بن ينال الترجمان‏.‏ ثم تنكر له فارتاب محمد وارتاب الوزير أبو الحسن بن مقلة بمكان ابن شيرزاد من تورون وخافا غائلته وخوفا المتقي كذلك وأوهماه أن البريدي ضمنه مـن تورون بخمسمائة ألف دينار التي أخذها من تركة يحكم وأن ابن شيرزاد جاء عن البريدي ليخلعه ويسلمه فانزعج لذلك وعزم على المسير إلى ابن حمدان وكتبوا إليه أن ينفذ عسكراً يسير صحبته‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:52 AM

مسير المتقي إلى الموصل
ولما تمت سعاية ابن مقلة وابن ينال بتورون مع المتقي اتفق وصول ابن شيرزاد إلى بغداد أول اثنتين وثلاثيـن فـي ثلاثمائـة فـارس وأقـام بدسـت الأمـر والنهـي لا يعـرج علـى المتقـي فـي شـيء‏.‏ وكـان المتقـي قـد طلـب مـن ناصـر الدولـة بـن حمـدان عسكـراً يصحبـه إلـى الموصـل فبعثهم ابن عمه أبو الله الحسيـن بـن سعيـد بـن حمـدان فلمـا وصلـوا بغـداد اختفـى ابـن شيـرزاد وخـرج المتقـي إليهـم فـي حرمه وولده ومعه وزيره وأعيان دولته مثل سلامة الطولوني وأبي زكريا يحيى بن سعيد السوسي وأبي محمد المارداني وأبي إسحاق القراريطي وأبي عبد الله الموسوي وشابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب وأبي نمر بن محمد بن ينال الترجمان وساروا إلى تكريت وظهـر ابـن شيرزاد فـي بغـداد وظلـم النـاس وصادرهـم وبعـث إلـى تـورون فـي واسـط بخبـر المتقـي فعقـد ضمـان واسط على ابن البريدي وزوجه ابنته وسار إلى بغداد‏.‏ وسيـف الدولـة إلـى المتقي بتكريت‏.‏ ثم بعث المتقي إلى ناصر الدولة يستحثه فوصل في ربيع الآخر وركب المتقي من تكريت إلى الموصل وأقام هو بتكريت‏.‏ وسار تورون لحربه فتقدم إليـه أخـوه سيف الدولة فاقتتلوا أياماً‏.‏ ثم انهزم سيف الدولة وغنم تورون سواده وسواد أخيه ولحقوا بالموصل وتورون في اتباعهم‏.‏ ثم ساروا عنها مع المتقي إلى نصيبين ودخل تورون الموصـل ولحـق المتقـي بالرقة وراسل تورون بأن وحشته لأجل ابن البريدي وأن رضاه في إصلاح بني حمدان فصالحهما تورون وعقد الأمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم محل سنة وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقي وبنو حمدان بالرقة‏.‏

مسير ابن بويه إلى واسط وعوده عنها ثم استيلاؤه عليها
كان معز الدولة بن بويه بالأهواز وكان ابن البريدي يطمعه في كل وقت في ملك العراق وكان قد وعده أن يمده إلى واسط‏.‏ فلما أصعد تورون إلى الموصل خالفه معز الدولة إلى واسط وأخلـف ابـن البريـدي وعلـى فـي المـدد‏.‏ وعـاد تـورون مـن الموصـل إلـى بغداد وانحدر منها للقاء معز الدولة منتصف ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثين واقتتلوا بقباب حميد بضعة عشر يوماً‏.‏ ثم تأخـر تـورون إلـى نهـر ديالـي فعبـره ومنـع الديلـم مـن عبوره بمن كان معه من المقاتلة في الماء وذهب ابـن بويـه ليصعـد ويتمكن من الماء فبعث تورون بعض أصحابه فعبروا ديالي وكمنوا له حتى إذا صـار مصعـداً خرجوا عليه غير أهبة فانهزم هو ووزيره الصهيري وأسر منهم أربعة عشر قائداً واستأمـن كثيـر مـن الديلـم إلـى تـورون ولحـق ابـن بويـه والصهيـري بالسوس‏.‏ ثم عاد إلى واسط ثانية فملكها ولحق أصحاب بني البريدي بالبصرة‏.‏

قتل ابن البريدي أخاه ثم وفاته
كـان أبـو عبـد اللـه بـن البريـدي قـد استهلـك أموالـه في هذه النوائب التي تنوبه واستقرض من أخيه أبـي يوسـف مـرة بعـد مـرة وكان أثرى منه ومال الجند إليه لثروته‏.‏ وكان يعيب على أخيه تبذيره وسـوء تدبيره‏.‏ ثم نمي الخبر إليه أنه يريد المكر به والاستبداد بالأمر‏.‏ وتنكر كل واحد منهما للآخر ثم أكمن أبو عبد الله غلمانه في طريق أبي يوسف فقتلوه وشغب الجند لذلك فأراهم شلوه فافترقوا ودخل دار أخيه وأخذ ما فيها من الأموال وجواهر نفيسة كان باعها له بخمسين ألف درهم وكان أصلها ليحكم وهبها لبنته حين زوجها له وأخذها يحكم من دار الخلافة فاحتـاج إليهـا أبـو عبـد اللـه بعـد فباعها له وبخسه أبو يوسف في قيمتها‏.‏ وكان ذلك من دواعي العداوة بينهما‏.‏ ثم هلك أبو عبد الله بعد مهلك أخيه بثمانية أشهر وقام بالأمر بعده بالبصرة أخوهمـا أبـو الحسـن فأسـاء السيرة في الجند فثاروا به ليقتلوه‏.‏ فهرب منهم إلى هجر مستجيراً بالقرامطة وولوا عليهم بالبصرة أبا القاسم ابن أخيه أبي عبد الله وأمد أبو طاهر القرمطي أبا الحسن وبعث معه أخويه لحصار البصرة فامتنعت عليهم وأصلحـوا بيـن أبـي القاسـم وعمـه ودخل البصرة وسار منها إلى تورون ببغداد‏.‏ ثم طمع يأنس مولى أبي عبد الله في الرياسة وداخـل بعـض قـواد الديلـم فـي الثـورة بأبـي القاسـم‏:‏ واجتمـع الديلـم إلـى المائـد وبعـث أبـو القاسم وإليه يأنس فهم به ليفرد بالأمر فهرب يأنس واختفى وتفرق الديلم واختفى القائد‏.‏ ثم قبض عليه ونفاه وقبض على يأنس بعد أيام وصادره على مائة ألف دينار وقتله‏.‏ ولما قدم أبو الحسين البريدي إلـى بغـداد مستأمنـاً إلـى تـورون فأمنـه وطلـب الإمـداد علـى ابـن أخيـه وبـذل فـي ذلـك أمـوالاً‏.‏ ثـم بعـث ابـن أخيـه مـن البصـرة بالأمـوال فأقـره على عمله وشعر أبو الحسن بذلك فسعى عند ابن تورون فـي ابـن شيـرزاد إلـى أن قبـض عليـه وضـرب واستظهـر أبـو عبـد اللـه بـن أبـي موسـى الهاشمـي بفتاوى الفقهاء والقضاة بإباحة دم أبي الحسيـن كانـت عنـده مـن أيـام ناصـر الدولـة وأحضـروا بدار المتقي وسئلوا عن فتاويهم فاعترفوا بأنهم أفتوا بها فقتل وصلب ثم أحرق ونهب داره‏.‏ وكان ذلك منتصف ذي الحجة من السنة وكان ذلك آخر أمر البريديين‏.‏ الصوائف أيام المتقي خرج الروم سنة ثلاثين أيام المتقي وانتهوا إلى قرب حلب فعاثوا في البلاد وبلغ سبيهم خمسة آلاف‏.‏ وفيها دخل ثمل من ناحية طرسوس فعاث في بلاد الروم وامتلأت أيدي عسكره من الغنائـم وأسـر عـدة مـن بطارقتهـم‏.‏

وفي سنة إحـدى وثلاثيـن
بعـث ملـك الـروم إلـى المتقـي يطلـب منـه منديلاً في بيعة الرها زعموا أن المسيح مسح به وجهه فارتسمت فيه صورته وأنه يطلق فيه عدداً كثيراً من أسرى المسلمين واختلف الفقهاء والقضاة في إسعافه بذلك وفيه غضاضة أو منعـة ويبقـى المسلمـون بحـال الأسـر‏.‏ فأشـار عليـه وعلـى ابـن عيسى بإسعافه لخلاص المسلمين فأمر المتقـي بتسليمـه إليهـم‏.‏ وبعـث إلـى ملـك الـروم مـن يقوم بتسليم الأسرى‏.‏

وفي سنة اثنتين وثلاثين
خرجـت طـوارق مـن الـروس فـي البحـر إلـى نواحـي أذربيجـان ودخلـوا فـي نهـر اللكـز إلى بردعة وبها نائب المرزبان ابن محمد بن مسافر ملك الديلم بأذربيجان فخرج في جموع الديلم والمطوعة فقتلوهـم وقاتلوهـم فهزمهـم الـروس وملكـوا البلـد وجـاءت العساكـر الإسلاميـة مـن كل ناحية لقتالهم فامتنعوا بهـا ورماهـم بعـض العامـة بالحجـارة فأخرجوهـم مـن البلـد وقاتلـوا مـن بقـي وغنموا أموالهم واستبدوا بأولادهم ونسائهم‏.‏ واستنفر المرزبان الناس وزحف إليهم في ثلاثين ألفاً فقاتلوهم فامتنعوا عليه فأكمن لهم بعض الأيام فهزمهم وقتل أميرهم ونجا الباقون إلى حصن البلد وحاصرهم المرزبان وصابرهم‏.‏ ثم جـاءه الخبـر بـأن أبـا عبـد اللـه الحسيـن بـن سعيـد بـن حمـدان بلـغ سلمـاس متوجهـاً إلـى أذربيجان بعثه إليهـا ابـن عمـه ناصـر الدولـة ليتملكهـا فجهـز عسكـراً لحصـار الروس في بردعة وسار إلى قتال ابن حمـدان‏.‏ فارتحـل ابـن حمـدان راجعـاً إلـى ابـن عمـه باستدعائـه بالانحـدار إلى بغداد لما مات تورون وأقام العسكر على حصار الروس ببردعة حتى هربوا من البلد وحملوا ما قدروا عليه وطهر الله البلد منهم وفيها ملك الروم رأس عين واستباحوها ثلاثاً وقاتلهم الأعراب ففارقوها‏.‏ الولايات أيام المتقي قد تقدم لنا أنه لم يكن بقي في تصريف الخليفة إلا أعمال الأهواز والبصرة وواسط والجزيرة والموصـل لبنـي حمـدان‏.‏ واستولـى معـز الدولـة علـى الأهـواز ثـم علـى واسـط وبقيـت البصـرة بيـد أبـي عبـد اللـه بـن البريدي واستولى على بغداد مع المتقي يحكم ثم ابن البريدي ثم تورتكين الديلمي ثـم ابن رائق ثانية ثم ابن البريدي ثانية ثم حمدان ثم تورون‏.‏ يختلفون على المتقي واحداً بعد واحد وهو مغلب لهم والحل والعقد والإبرام والنقض بأيديهم ووزير الخليفة عامل من عمالهم متصرف تحت أحكامهم‏.‏ وآخر من دبر الأمور أبو عبد الله الكوفي كاتب تورون وكان قبله كاتب ابن رائق وكان على الحجبة بدر بن الجرسي فعزله عنها سنة ثلاثين وجعل مكانه سلامة الطولوني وولي بدر طريق الفرات ففزع إلى الأخشيذ واستأمن إليه فولاه دمشق‏.‏ وكار من المستبدين في النواحي يوسف بن وجيه وكان صاحب الشرطة ببغداد أبا العباس الديلمي‏.‏

خلع المتقي وولاية المستكفي
لـم يـزل المتقـي عنـد بنـي حمـدان مـن شهـر ربيـع الآخـر سنـة اثنتين وثلاثين إلى آخر السنة ثم آنس منهم الضجر واضطر لمراجعة تورون فأرسل إليه الحسن بن هارون وأبا عبد الله بن أبي موسـى الهاشمـي فـي الصلـح وكتب إلى الأخشيذ محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فجاءه وانتهـى إلـى حلـب وبهـا أبـو عبـد الله بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة فارتحل عنهـا وتخلـف عنه ابن مقاتل‏.‏ وقد كان صادره ناصر الدولة على خمسين ألف دينار فاستقدم الأخشيذ وولاه خراج مصر‏.‏ وسار الأخشيذ من حلب ولقي المتقي بالرقة وأهدى إليه وإلى الوزير بن الحسين بن مقلة وسائر الحاشية واجتهد به أن يسير معه إلى مصر ليقيم خلافته هنالك فأبى فخوفه من تورون فلم يقبل‏.‏ وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر فيحكمه في البلاد فأبى وكانوا ينتظرون عود رسلهم من تورون فبعثوا إليهم بيمين تورون والوزيـر ابـن شيـرزاد بمحضـر القضـاة والعـدول والعباسيين والعلويين وغيرهم من طبقات الناس‏.‏ وجاء الكتاب بخطوطهم بذلك وتأكيد اليمين ففـارق المتقـي الأخشيـذ وانحـدر مـن الوقـت فـي الفـرات آخر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ولقيه تورون بالسنديـة فقبـل الـأرض وقـال‏:‏ قـد وفيـت بيمينـي ووكـل بـه وبأصحابـه وأنزله في خيمته‏.‏ ثم سلمه لثلاث سنين ونصف من خلافته وأحضر أبا القاسم عبد الله بن المكتفي فبايعه الناس على طبقاتهم ولقب المستكفي وجيء بالمتقي فبايعه وأخذت منه البردة والقضيـب واستـوزر أبـا الفرج محمد بن علي السامري فكان له اسم الوزارة على سنن من قبله والأمور راجعة لابن شيـرزاد كاتـب تـورون‏.‏ ثـم خلـع المستكفـي على تورون وتوجه وحبس المتقي وطلب أبا القاسم الفضل ابن المقتدر الذي لقب فيما بعد بالمطيع فاختفى سائر أيامه وهدمت داره‏.‏

وفاة تورون وإمارة ابن شيرزاد
وفي المحرم من سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مات تورون ببغداد لست سنين وخمسة أشهر من إمارته وكان ابن شيرزاد كاتبه أيامه كلها وبعثه قبل موته لاستخلاص الأموال من هيت‏.‏ فلما بلغـه خبـر الوفـاة عـزم على عقد الإمارة لناصر الدولة بن حمدان فأبى الجند من ذلك واضطربوا وعقدوا له الرياسة عليهم واجتمعوا عليه وحلفوا وبعـث إلـى المستكفـي ليحلـف لـه فأجابـه وحلـف له بحضرة القضاة والعدول‏.‏ ودخل إليه ابن شيرزاد فولاه أمير الأمراء وزاد في الأرزاق زيـادة متسعـة فضاقـت عليـه الأموال فبعث أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي إلى ابن حمدان يطالبه بالمحال ويعده بإمارة الأمراء فأنفذ إليه خمسمائة ألف درهم وطعاماً‏.‏ وفرقها في الجند فلم تكف ففرض الأموال على العمال والكتاب والتجار لأرزاق الجند ومدت الأيدي إلى أموال الناس وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الخلاص من بغداد‏.‏ ثم استعمـل على واسط نيال كوشه وعلى تكريت الفتح السيكري فسار إلى ابن حمدان ودعا له شكراً فولاه عليها من قبله‏.‏

استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد
واندراج أحكام الخلافة في سلطانهم قـد تقـدم لنـا استبـداد أهـل النواحي على الخلافة منذ أيام المتوكل ولم يزل نطاق الدولة العباسية يتضايـق شيئـاً فشيئـاً‏.‏ وأهـل الدولـة يستبدون واحداً بعد واحد إلى أن أحاطوا ببغداد وصاروا ولـاة متعـددة يفـرد كـل واحـد منهـم بالذكـر وسياقـة الخبـر إلـى آخرهـا‏.‏ وكـان من أقرب المستبدين إلى مقـر الخلافـة بنو بويه بأصبهان وفارس ومعز الدولة منهم بالأهواز‏.‏ وقد تغلب على واسط ثم انتزعت منه وبنو حمدان بالموصل والجزيرة وقد تغلب على هيت وصارت تحت ملكهم ولم يبق للخلفاء إلا بغداد ونواحيها مـا بيـن دجلـة والفـرات وأمراؤهـم مـع ذلـك مستبـدون عليهـم ويسمون القائم بدولتهم أمير الأمراء كما مر في أخبارهم إلى أن انتهى ذلك إلى دولة المتقي والقائم بها ابن شيرزاد‏.‏ وولى على واسط نيال كوشة كما قلنا فانحرف عن ابن شيرزاد وكاتـب معـز الدولة وقام بدعوته في واسط واستدعاه لملك بغداد‏.‏ فزحف في عساكر الديلم إليها ولقيه ابن شيرزاد والأتراك وهربوا إلى ابن حمدان بالموصل واختفى المستكفي وقدم معز الدولـة كاتبـه الحسـن بـن محمـد المهلبي إلى بغداد فدخلها وظهر الخليفة فظهر عنده المهلبي وجدد له البيعة عن معز الدولة أحمد بن بوبه وعن أخويه عماد الدولة علي وركن الدولة الحسن‏.‏ وولاهـم المستكفـي علـى أعمالهـم ولقبهـم بهذه الألقاب ورسمها على سكته‏.‏ ثم جاءه معز الدولة إلى بغداد وملكها وصرف الخليفة في حكمه واختص باسم السلطان‏.‏ فبقيت أخبار الدولة تؤثر عنهم وإن كان منها ما يختص بالخليفة فقليل‏.‏ فلذلك صارت أخبار هؤلاء الخلفاء منذ المستكفـي إلـى المتقـي مندرجـة فـي أخبـار نجي بويه والسلجوقية من بعدهم لعطلهم من التصرف إلا قليـلاً يختـص بالخلفـاء نحـن ذاكروه ونرجئ بقية أخبارهم إلى أخبار الديلم والسلجوقية الغالبين على الدولة عندما نفرد دولتهم كما شرطناه‏.‏

الخلفاء العباسيين المغلبين لدولة بني بويه
الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي وما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد ونواحيها‏:‏ لمـا دخـل معـز الدولـة بـن بويـه إلـى بغـداد غلـب علـى المستكفـي وبقـي فـي كفالتـه وكـان المستكفي في سنـة ثلـاث وثلاثيـن قبلهـا قبـض علـى كاتبـه أبي عبد الله بن أبي سليمان وعلى أخيه واستكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي في خاص أمره وكان قبله كاتباً لابن حمدان وكان يكتب للمستكفي قبل الخلافة‏.‏ فلما نصب للخلافة قدم من الموصل فاستكتبه المستكفي في هذه السنة على وزيره أبي الفرج لاثنتين وأربعين يوماً من وزارته‏.‏ وصادره على ثلثمائة ألف درهم‏.‏ ولما استولى معز الدولة ببغداد على الأمر بعث أبو القاسم البريدي صاحب البصرة خلع المستكفي وبيعة المطيع وأقـام المستكفـي بعـد استيـلاء معـز الدولـة علـى الأمـر أشهـر قلائـل ثـم بلـغ معـز الدولة أن المستكفـي يسعـى فـي إقامـة غيـره فتنكـر لـه ثـم أجلسـه فـي يـوم مشهود لحضور رسول من صاحب خراسـان وحضـر هـو فـي قومـه وعشيرتـه وأمر رجلين من نقباء الديلم جاء ليقبلا يد المستكفي‏.‏ ثم جذباه عن سريـره وساقـاه ماشيـاً‏.‏ وركـب معـز الدولـة وجـاء بـه إلـى داره فاعتقلـه بهـا واضطرب الناس وعظم النهب ونهب دار الخلافة وقبـض علـى أبـي أحمـد الشيـرازي كاتـب المستكفي وكان ذلك في جمادى الآخرة لسنة وأربعة أشهر من خلافته‏.‏ ثـم بويـع أبـو القاسـم الفضـل بـن المقتـدر وقـد كـان المستكفـي طلبـه حيـن ولـي لاطلاعـه علـى شأنـه في طلب الخلافة فلم يظفر به واختفى‏.‏ فلما جاء معز الدولة تحول إلى داره واختفى عنده فلما قبض عليه المستكفي بويع له ولقب المطيع لله‏.‏ ثم أحضر المستكفي عنده فأشهد على نفسه بالخلـع وسلـم عليـه بالخلافـة ولـم يبـق للخليفـة مـن الأمـر شـيء البتـة منـذ أيـام معز الدولة‏.‏ ونظر وزير الخليفة مقصور على إقطاعه ونفقات داره والوزارة منسوبة إلى معز الدولة وقومه من الديلـم شيعة للعلوية منذ إسلامهم على يد الأطروش فلم يكونوا من شيعة العباسية في شيء ولقد يقـال بـأن معـز الدولـة اعتزم على بر الخلافة منهم إلى العلوية فقال له بعض أصحابه لا تول أحداً يشركك قومك جملهم في محبته والاشتمال عليه وربما يصير لهم دونـك فأعـرض عـن ذلـك وسلبهم الأمر وتسلبهم عماله وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وسائر أراضيه‏.‏ وصار إنما يتناول هذه ما يقطعه معز الدولة ومن بعده فيما يسد بعض حاجاته‏.‏ نعم أنهم يفردونهم بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك والجلوس للوفد وإجلالهم في التحيـة والخطـاب وكـل ذلـك طوع القائم على الدولة وكان يفرد في كل دولة بني بويه والسلجوقية بلقب السلطان مما لا يشاركه فيه أحد ومعنى الملك من تصريف القدرة وإظهـار الأبهـة والعـز حاصـل لـه دون الخليفـة وغيـره وكانـت الخلافـة حاصلـة للعباسي المنصوب لفظاً المسلوب معنى والله المدبر للأمور لا إله غيره‏.‏

انقلاب حال الدولة بما تجدد في الجباية والإقطاع
لما استولى معز الدولة طلب الجند أرزاقهم على عادتهم وأكثر لسبب ما تجدد من الاستيلاء الذي لم يكن له فاضطر إلى ضرب المكوس وأخذ أموال الناس من غير وجهها وأقطع قواط وأصحابه من أهل عصبيته وغير المساهمين له في الأمر جميع القوى التي بجانب السلطان فارتفعـت عنهـا أيـدي العمـال وبطلـت الدواويـن واختلـف حـال القرى في العمارة عما كان في أيدي القواد والرؤساء حصل بهم لأهلها الرفق فزادت عمارتها وتوفر دخلها‏.‏ ولم تكن مناظرتهم في ذلك ولا تقديره عليهم وما كان بأيدي العامة والأتباع عظم خرابه لمـا كـان يعـدم مـن الغـلاء والنهـب واختلـاف الأيـدي وما يزيد الآن من الظلم ومصادرات الرعايا والحيف في الجباية وإهمال النظر في تعديل القناطر والمشارب وقسم المياه على الأرضين‏.‏ فإن خربت قراهم ردوها وطلبـوا العـوض عنها فيصير الآخر منها لما صار إليه الأول‏.‏ ثم أمر معز الدولة قواده وأصحابه بحماية الإقطاع والضياع وولاتها وصارت الجبايات لنظرهم والتعويل في المرتفع على أخبارهم‏.‏ فلا يقدر أهل الدواوين والحسابات على تحقيق ذلك عليهم ولم يقف عند ذلك على غاية‏.‏ فبطلت الأموال وصار جمعها من المكوس والظلامات وعجـز معـز الدولـة عـن ذخيـرة يعدهـا لنوائـب سلطانه‏.‏ ثم استكثر من الموالي الأتراك ليجدع بهم من أنوف قومه وفرض لهم الأرزاق وزاد لهم الإقطاع فعظمت غيرة قومه من ذلك وآل الأمر إلى المنافرة كما هو الشأن في طبيعة الدول‏.‏

دولة بني حمدان
ولمـا استولـى معـز الدولـة علـى بغـداد وخلـع المستكفي بلغ الخبر إلى ناصر الدولة بن حمدان فشق ذلك عليه وسار من الموصل إلى بغداد وانتهى إلى سامرا في شعبان سنة أربع‏.‏ وكان معز الدولة حين سمع قدوم عساكره مع ينال كوشة وقائد آخر فقتل القائد ولحق بناصر الدولة‏.‏ وجـاء ناصر الدولة إلى بغداد فأقام بها وخالفه معز الدولة إلى تكريت فنهبها لأنها من أعماله‏.‏ ثم عاد معز الدولة والمطيع فنزلوا بالجانب الغربـي مـن بغـداد وقاتلـوا ناصـر الدولـة بالجانـب الشرقي وتقدم ناصر الدولة إلى الأعراب بالجانب الغربي بقطع الميرة عن معز الدولة فغلت الأسعار وعزت الأقوات ومنع ناصر الدولة من الخطبة للمطيع والمعاملة بسكته ودعا للمتقي وبيت معز الدولة مراراً‏.‏ وضاق الأمر به واعتزم على ترك بغداد والعود إلى الأهواز‏.‏ ثم أظهر الرحيل ذات ليلة وأمـر وزيـره أبـا جعفـر الصهيـري بالعبـور فـي أكثـر العساكـر وأقـام بالكينة مكانه وجاء ينال شوكه لقتاله فانهزم واضطرب عسكر ناصر الدولـة وأجفلـوا وغنـم الديلم أموالهم وأظهرهم‏.‏ ثم أمن معز الدولة الناس وعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثيـن وقـام التوزونيـة عليـه فلمـا شعروا به نكروه وهموا بقتله فأسرى هارباً ومعه ابن شيرزاد وفـر إلـى الجانـب الغربـي‏.‏ ثم لحق بالقرامطة فأجاروه وبعثوه إلى الموصل‏.‏ ثم استقر الصلح بينه وبيـن الدولـة كمـا طلـب ولمـا فـر عن الأتراك اتفقوا على تكين الشيرازي فولوه عليهم وقبضوا على مـن تخلـف مـن كتابـه وأصحابـه وسـاروا فـي اتباعـه إلـى نصيبيـن ثـم إلـى سنجـار ثم إلى الحديثة ثم إلى السن‏.‏ ولحق هنالك عسكر معز الدولة مع وزيره أبي جعفر الصهيري وقد كان استمده ناصر الدولة‏.‏ وسار ناصر الدولة وابن الصهيري إلى الموصل فنزلوا عليها وأخذ الصهيري من ناصر الدولة ابن شيرزاد وحمله إلى معز الدولة وذلك سنة خمس وثلاثين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:53 AM

استيلاء معز الدولة علي البصرة
وفي هذه السنة انتقض أبو القاسم البريدي بالبصرة فجهز معز الدولة الجيش وجماعة أعيانهم إلـى واسـط ولقيهـم جيـش بـن البريـدي فـي المـاء علـى الظهـر فانهزموا إلى البصرة وأسروا من أعيانهم جماعـة‏.‏ ثـم سـار معـز الدولـة سنـة سـت وثلاثيـن إلـى البصرة ومعه المطيع لاستنقاذها من يد أبي القاسم بن البريدي وسلكوا إليها البرية فبعث القرامطة يعذلون في ذلك معـز الدولـة فكتـب يهددهم‏.‏ ولما قارب البصـرة استأمنـت إليـه عساكـر أبـي القاسـم وهـرب هـو إلـى القرامطـة فأجاروه وملك معز الدولة البصرة‏.‏ ثم سار منها إلى الأهواز لتلقي أخيه عماد الدولة وترك المطيع وأبا جعفر الصهيري بالبصرة ولقي أخاه بأزجان‏.‏ ثم عاد إلى بغداد والمطيع معه وأراد السيـر إلـى الموصـل فأرسـل إليه ناصر الدولة في الصلح وحمل المال فتركه‏.‏ ثم انتقض سنة سبع وثلاثيـن فسـار إليه معز الدولة وملك الموصل ولحق ناصر الدولة بنصيبين وأخذ معز الدولة في ظلم الرعايا وعسفهم‏.‏ ثم بعث إليه أخوه ركن الدولة بأصبهان بأن عسكر خراسان قصد جرجان والري واستمده فاضطر معز الدولة إلى صلح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة وما ملكه سيف الدولة من الشام دمشق وحلب على ثمانية آلاف ألف ألف درهم ويخطب لعماد الدولة وركن الدولة ومعز الدولة بني بويه فاستقر الصلح على ذلك وعاد إلى بغداد‏.‏

ابتداء أمر بني شاهين بالبطيحة
كان عمران بن شاهين من أهل الجامدة وحصلت عنده جبايات فهرب إلى البطيحة خوفاً من الحكـام وأقـام بيـن القصـب والآجـام يقتات بصيد السمك والطير وكشف سابلة البطيحة‏.‏ واجتمع عليه جماعة من الصيادين واللصوص‏.‏ ثم اشتد خوفه فاستأمن إلى أبي القاسم بن البريدي صاحب البصرة نقله جماعة الجامدة ونواحي البطائح‏.‏ وجمع السلاح واتخذ مقاتـل علـى تلـال البطيحة وغلب على نواحيها وسرح معز الدولة وزيره أبا جعفر الصهيري سنة ثمان وثلاثين فقاتله وهرب واستأمن أهله وعياله‏.‏ ثم جاء الخبر إلى معز الدولة بموت أخيه عماد الدولة بفارس واضطراب أحواله بها‏.‏ فكتب إلى الصهيري بالفرار إلى شيرزاد لإصلاح الأمور فسار إليهـا وعـاد عمـران بـن شاهين إلى البطيحة واجتمع إليه أصحابه وقوي أمره‏.‏ وبعث معز الدولة إلى قتاله روزبهان من أعيان عسكره فأطال حصاره في مضايق البطيحة‏.‏ ثم ناجزه الحرب فهزمه عمران وهرب عسكره وصار أصحابه يطلبون البذرقة والخفارة من جند السلطان في السابلة وانقطع طريق البصرة إلا على الظهر‏.‏ وكـان الصهيـري قـد هلـك وولـى مكانه المهلبي فكتب معز الدولة إلى المهلبي وهو بالبصرة فصعد إلى واسط وأمنه بالقواد والسلاح وأطلق يده في الإنفاق‏.‏ فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران فانتهى إلى مضايق خفية وأشار عليه روزبهان بمعاجلة القوم وكتب إلى معز الدولة يشكـو المطاولـة مـن المهلبـي فكتـب إليـه معـز الدولة بالاستبطاء فبادر إلى المناجزة وتوغل في تلك المضايق فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ونجا هو سباحة في الماء وأسر عمران أكابر القواد حتى صالحه معز الدولة وقلمه البطائح وأطلق له أهله على أن يطلق القواد الذين في أسره فأطلقهم‏.‏ موت الصهيري وزارة المهلبي كـان أبـو جعفـر محمـد بـن أحمـد الصهيـري وزيـراً لمعـز الدولـة وكـان قـد سـار لقتـال عمران واستخلـف مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي فعرفت كفايته وإصلاحه وأمانته وتوفي أبو جعفر الصهيري محاصراً لعمران فولى معز الدولة مكانه أبا محمد المهلبي فأحسن السيرة وأزال المظالـم وخصوصـاً عـن البصـرة فكـان فيهـا شعب كثيرة من المظالم من أيام أبي البريدي وتنقل في البلاد لكشف المظالم وتخليص الحقوق فحسن أثره ونقم عليه معز الدولة بعض الأمور فنكبه سنة إحدى وأربعين وحبسه في داره ولم يعزله‏.‏ حصار البصرة قـد تقدم لنا أن القرامطة أنكروا على معز الدولة مسيره إلى البصرة على بلادهم وذكرنا ما دار بينهم في ذلك‏.‏ ولما علم يوسف بن وجيـه استيحاشهـم بعـث إليهـم يطمعهـم فـي النصـرة واستمدهم فأمـدوه‏.‏ وسـار فـي البحـر سنـة إحـدى وأربعيـن وبلـغ الخبـر إلـى الوزيـر المهلبـي وقـد قـدم من شأن الأهواز‏.‏ فسار إلى البصرة وسبق إليها ابن وجيه وقاتله فهزمه وظفر بمراكبه‏.‏

استيلاء معز الدولة على الموصل وعوده
قد تقدم لنا صلح معز الدولة مع ناصر الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة‏.‏ فلما كانت سنة سبع وأربعين خرج وحمل المال فسار معز الدولة إلى الموصل في جمادى ومعه وزيره المهلبـي فاستولـى علـى الموصـل ولحـق ناصر الدولة بنصيبين ومعه كتابه وجميع أصحابه وحاشيته ومن يعرف وجوه المنافع وأنزلهم في قلعة كواشي وغيرها‏.‏ وأمر الأعـراب بقطـع الميـرة عـن الموصل فضاقت الأبواب على عسكر معز الدولة‏.‏ فسار عن الموصل إلى نصيبين واستخلف عليها سبكتكين الحاجب الكبير وبلغه في طريقه أن أولاد ناصر الدولة بسنجار في عسكر فبعـث عسكـراً فكبسوهـم واشتغلـوا بالنهـب فعـاد إليهـم أولاد ناصر الدولة وهم غازون فاستلحموهم وسار ناصر الدولة عن نصيبين إلى ميافارقين ورجع أصحابه إلى معز الدولة مستأمنيـن فسـار هـو إلـى أخيـه سيف الدولة بحلب فتلقاه وأكرمه وتراسلوا في الصلح على ألفي ألـف درهـم وتستعمائـة ألـف درهم وإطلاق من أسر بسنجار وأن يكون ذلك في ضمان سيف الدولة فتم بينهما وعاد معز الدولة إلى العراق في محرم سنة ثمان وأربعين‏.‏

بناء معز الدولة ببغداد
أصاب معز الدولة سنة خمسين مرض أشفى منه حتى وصى واستوخم بغداد فارتحل إلى كلواذا ليسير إلى الأهواز وأسف أصحابه لمفارقة بغداد فأشاروا عليه أن يبني لسكناه في أعاليها‏.‏ فبنى داراً أنفق عليها ألف ألف دينار‏.‏ وصادر فيها جماعة من الناس‏.‏ كـان الديلـم كمـا تقـم لنـا شيعـة لإسلامهـم علـى يد الأطروش وقد ذكرنا ما منع بني بويه من تحويل الخلافة عن العباسية إليهم‏.‏ فلما كان سنة إحدى وخمسين وثلثمائة أصبح مكتوباً على باب الجامع ببغداد لعن صريح في معاوية ومن غصب فاطمة فدك ومن منع من دفن الحسن عند جده ومن نفى أبا ذر ومن أخرج العباس من الشورى‏.‏ ونسب ذلك إلى معز الدولة‏.‏ ثم محي من الليلة القابلة فأراد معز الدولة إعادته‏.‏ فأشار المهلبي بأن يكتب مكان المحو لعن معاوية فقـط والظالميـن لـآل رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم‏.‏ وفي ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة أمـر النـاس بإظهـار الزينـة والفـرح لعبـد العزيـز مـن أعيـان لشيعـة‏.‏ وفـي السنـة بعدهـا أمـر النـاس فـي يـوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم ويقعدوا عن لبيع والشراء ويلبسوا المسوح ويعلنوا بالنياحة وتخرج النساء مسبلات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ولطمن خدودهن حزناً على الحسين ففعـل النـاس ذلـك‏.‏ ولـم يقـدر أهـل السنـة علـى منعـه لـأن السلطان للشيعة‏.‏ وأعيد ذلك سنة ثلاث وخمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة وجرى نهب الأموال‏.‏

استيلاء معز الدولة على عمان وحصاره البطائح
انحدر معز الدولة سنة خمس وخمسين إلى واسط لقتال عمران بن شاهين بالبطائح فأنفذ الجيش من هنالك مع أبي الفضل العباس بن الحسن وسار إلى الأبلة فأنفذ الجيش إلى عمان وكـان القرامطـة قـد استولـوا عليهـا وهـرب عنهـا صاحبهـا نافـع وبقـي أمرها فوضى فاتفق قاضيها وأهل البلد أن ينضبوا عليهم رجلاً منهم فنصبوه ثم قتله بعضهم فولوا آخر من قرابة القاضي يعرف بعبد الرحمن بن أحمد بن مروان واستكتب علي بن أحمد الذي كان وصل مع القرامطة كاتباً‏.‏ وحضر وقت العطـاء فاختلـف الزنـج والبيـض فـي الرضـا بالمسـاواة وبعدمهـا واقتتلوا فغلب الزنج وأخرجوا عبد الوهاب واستقر علي بن أحمد أميراً فلما جاء معز الدولة إلـى واسـط هـذه السنـة قـدم عليـه نافع الأسود صاحب عمان مستنجداً به فانحدر به من الأبلة وجهز له المراكب لحمل العساكر وعليهم أبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس وهي مائـة قطعة فساروا إلى عمان وملكوها تاسع ذي الحجة من سنة خمس وخمسين وقتلوا من أهلها وأحرقوا مراكبها وكانت لسعـه وثمانيـن وعـاد معـز الدولـة إلـى واسـط وحاصـر عمـران وأقـام هنالك فاعتل وصالح عمران وانصرف عنه‏.‏

وفاة الوزير المهلبي
سار الوزير المهلبي فـي جمـادى سنـة اثنتيـن وخمسيـن إلـى عمـان ليفتحهـا فاعتـل فـي طريقـه ورجـع إلـى بغداد فمات في شعبان قبل وصوله وحمل فدفن بها لثلاث عشرة سنـة وثلاثـة أشهـر مـن وزارته‏.‏ وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وصارت إليه وحواشيه ونظر في الأمور بعده أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس ابن فساغس ولم يلقب أحد منهما بوزارة‏.‏

وفاة معز الدولة بولاية ابنه بختيار
ولما رجع معز الدولة إلى بغداد اشتد مرضه فعهد بالسلطنة إلى ابنه عز الدولة وتصدق وأعتق‏.‏ وتوفي فـي ربيـع مـن سنـة سـت وخمسيـن لاثنتيـن وعشريـن سنـة مـن سلطنتـه وولـى ابنـه عـز الدولة بختيار وقد كان أوصاه بطاعة عمه ركن الدولة وبطاعة ابنه عضد الدولة لأنه كان أكبر سناً وأخبر بالسياسة ووصاه بحاجبه سبكتكين وبكاتبيه أبي الفضل المجاس وأبي الفرج فخالف وصاياه وعكف على اللهو وأوحش هؤلاء ونفى كبار الديلم شرها في إقطاعاتهم‏.‏ وشغـب عليـه الأصاعـد فذادهـم واقتدى بهم الأتراك وجاء أبو الفرج محمد بن العباس من عمان بعد أن سلمها إلى نواب عضد الدولة الذين كانوا في أمداده وخشي أن يؤمر بالمقام بها وينفرد أبو الفضل صاحبه بالوزارة ببغداد فكان كما ظن‏.‏ ثم انتقض بالبصرة حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار سنة ست وخمسين فبعث الوزير أبو الفضل العباس فسار مورياً بالأهواز ونـزل واسـط وكتـب إلـى حبشي بأنه جاء ليسلمه البصرة وطلب منه المعونة على أمره فأنفذ إليه مائتي ألف درهم وأرسل الوزير خلال ذلك إلى عسكر الأهواز أن يوافوه بالأبلة لموعد ضربه لهم فوافوه وكبسوا حبشياً بالبصرة وحبسوه برامهرمز ونهبوا أمواله‏.‏ وكان من جملة ما أخذ له عشـرة آلـاف مجلد من الكتب وبعث ركن الدولة بتخليص حبشي ابن أخيه وجعله عند عضد الدولة فأقطعه إلى أن مات سنة سبع وستين‏.‏ عزل أبي الفضل ووزارة ابن بقية لما ولي أبو الفضل وزارة بختيار كثر ظلمه وعسفه وكان محمد بن بقية من حاشية بختيار وكـان يتولى له المطبخ‏.‏ فلما كثر شغب الناس من أبي الفضل عزله بختيار سنة اثنتين وستين وولى مكانه محمد بن بقية فانتشر الظلم أكثر وخربت النواحي وظهر العيارون ووقعت الفتن بيـن الأتـراك وبختيـار فأصلـح ابـن بقيـة بينهـم وركـب سبكتكيـن بالأتـراك إلى بختيار ثم أفسد بينهم وتحرك الديلم على سبكتكين وأصحابه فأرضاهم بختيار بالمال ورجعوا عن ذلك‏.‏كان ناصر الدولة بن حمدان قد قبض عليه ابنه أبو تغلب وحبسه سنة ست وخمسين وطمع في المسيـر إلـى بغـداد وجـاء أخـوه حمـدان وإبراهيم فازعين إلى بختيار ومستنجدين به فشغل عنهما بما كان فيه من شأن البطيحة وعمان حتى إذا قضى وطره من ذلك وعزل أبا الفضل الوزير واستـوزر ابـن بقيـة حملـه علـى ذلـك وأغـراه بـه فسـار إلـى الموصـل ونزلهـا في ربيع الآخر سنة ثلاث وستين ولحق أبو تغلب بسنجار بأصحابه وكتابه ودواوينه‏.‏ ثـم سـار إلـى بغـداد وبعـث بختيـار فـي أثـره الوزيـر ابـن بقيـة وسبكتكيـن فدخـل ابـن بقيـة بغـداد وأقـام سبكتكين يحاربه في ظاهرها ووقعت الفتنة داخل بغداد في الجانب الغربي بين أهل السنة والشيعة‏.‏ واتفق سبكتكين وأبو تغلب على أن يقبضا على الخليفة والوزير وأهل بختيار ويعود سبكتكين إلى بغداد مستولياً وأبو تغلب إلى الموصل‏.‏ ثم اقصر سبكتكين عن ذلك وتوقف وجاءه الوزير ابن بقية‏.‏ وأرسلوا إلى أبي تغلب في الصلح وأن يضمن البلاد ويرد على أخيه حمدان أقطاعه وأملاكه إلا ماردين وعاد أبو تغلب إلى الموصل ورحل بختيار وسار سبكتكين للقائه‏.‏ واجتمـع بختيـار وأبـو تغلـب على الموصل وطلب أبو تغلب زوجته ابنة بختيار وأن يحط عنه من الضمان ويلقب لقبا سلطانياً فأجيب إلى ذلك خشية منه ورحل بختيار إلى بغداد وسر أهل الموصـل برحيلـه لمـا نالهـم منـه وبلغـه فـي طريقه أن أبا ثعلب قتل قوماً من أصحابه وكانوا استأمنوا لبختيار وزحفوا لنقل أهلهم وأموالهم فاشتد ذلك عليه وكتب إلى الوزير أبي طاهر بن بقية والحاجب ابن سبكتكين يستقدمهما في العساكر فجاؤوا وعادوا إلى الموصل وعزم على طلبه حيث سار‏.‏ فأرسل أبو تغلب في الصلح وجاء الشريف أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي وحلف على العلم في قتل أولئك المستأمنة وعاد الصلح والاتفاق كمـا كـان ورجـع بختيار إلى بغداد وبعث ابنته إلى زوجها أبي تغلب‏.‏

الفتنة بين بختيار وسبكتكين والأتراك
كان بختيار قد قلت عنده الأموال وكثرت مطالب الجند وشغبهم فكان يحاول جمع الأموال فتوجـه إلـى الموصـل لذلك ثم رجع فتوجه إلى الأهواز ليجدد ريعه إلى مصادرة عاملها وتخلف عنـه سبكتكيـن والأتـراك الذيـن معـه ووقعـت فتنـة بين الأتراك والديلم بالأهواز واقتتلوا ولج الأتراك فـي طلـب ثأرهـم‏.‏ وأشار عليه أصحاب الديلم بقبض رؤساء الأتراك وقوادهم ففعل وكان من جملتهـم عامـل الأهـواز وكاتبـه ونهبـت أموالهـم وبيوتهـم ونـودي فـي البلد وباستباحتهم وبلغ الخبر إلى سبكتكين وهو ببغداد فنقض طاعة بختيار وركب في الأتراك وحاصر داره يومين وأحرقها وأخذ أخويه وأمهما فبعثهم إلى واسط في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وانحدر المطيع معهم فرده وترك الأتراك في دور الديلم ونهبوها وثارت العامة مع سبكتكين لأن الديلم كانوا شيعة وسفكت الدماء وأحرق الكرخ وظهر أهل السنة‏.‏

خلع المطيع وولاية الطائع
كان المطيع قد أصابه الفالج وعجز عن الحركة وكان يتستر به وانكشف حاله بسبكتكين في هـذه الواقعـة فدعـاه إلى أن يخلع نفسه ويسلم الخلافة عبد الكريم ففعل ذلك منتصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين لست وعشرين سنة ونصف من خلافته وبويع ابنه الكريم ولقب الطائع‏.‏

الصوائف وعادت الصوائف
منذ استبد ناصر الدولة بن حمدان بالموصل وأعمالها وملك سيف الدولة أخوه مدينتي حلب وحمص سنة ثلاث وثلاثين فصار أمر الصوائف إليه فنذكرها في أخبار دولتهم فقد كان لسيف الدولة فيها آثار وكان للروم في أيامه جولات حسنت فيها مدافعته‏.‏ وأما الولايات فانقطعت منذ استيلاء معز الدولة على العراق وانقسمت الدولة الإسلامية دولاً نذكر ولايات كل منها في أخبارها عند انفرادها على ما شرطناه‏.‏ فتنة سبكتكين وموته وإمالة افتكين لما أوقع بختيار في الأتراك بالأهواز ما أوقع وانتقض سبكتكين ببغداد عمد بختيار إلى من حبسه من الأتراك فأطلقهم وولى منهم على الأتراك زادويه الذي كان عامل الأهواز وسار إلى واسـط للقائـه وأخويـه وكتـب إلـى عمه ركن الدولة وابن عمه عضد الدولة يستنجدهما وإلى أبي تغلب بن حمدان في المدد بنفسه ويسقط عنه مال الاقطاع وإلى عمران بن شاهين بالبطيحة كذلك فجهز إليه عمه ركن الدولة العسكر مع وزيره أبي الفتح بن العميد وكتب إلى ابن عمه عضـد الدولـة بالمسيـر معـه فتثاقـل وتربـص بختيـار طمعـاً في ملك العراق‏.‏ وأما عمران بن شاهين فدافع واعتذر بأن عسكره لا يفتكون في الديلم لما كان بينهم وأما أبو تغلب فبعث أخاه أبا عبـد اللـه الحسيـن فـي عسكر إلى تكريت فلما سار الأتراك عن بغداد إلى واسط لقتال بختيار وجاء هو إليها ليقيم الحجة في سقوط الاقطاع عنه ووجد الفتنة حامية بين العيارين فكف القسامـة وانتظـر مـا يقـع ببختيـار فيدخـل بغـداد ويملكهـا‏.‏ ولما سار الأتراك إلى واسط حملوا معهم خليفتهم الطائع لله وأباه المطيع المخلوع وانتهوا إلى دير العاقول فهلك المطيع وسبكتكين معاً وولى الأتراك عليهم افتكين من أكابر قوادهم ومولى معز الدولة فانتظم أمرهم وسارو إلى واسط‏.‏ وحاصروا بها بختيار خمسين يوماً حتى اشتد عليه الحصار وهو يستحث عضد الدولة‏.‏ لمـا تتابعـت كتـب بختيـار إلـى عضـد الدولـة باستحثاثـه سار في عساكر فارس وجاءه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه إلـى الأهـواز فـي عساكـر الـري وسـاروا إلـى واسـط وأجفـل عنهـا افتكيـن والأتـراك إلـى بغـداد ورجـع أبـو تغلـب إلـى الموصـل‏.‏ ولمـا جـاء عضـد الدولـة إلـى واسـط سار إلى بغداد في الجانب الشرقي وسار بختيار في الجانب الغربي وحاصروا الأتراك ببغداد من جميع الجهات‏.‏ وأرسـل بختيـار إلـى ضبـة بـن محمد الأسدي من أهل عين التمر وإلى أبي سنان وأبي تغلب بن حمـدان بقطـع الميـرة والإغـارة علـى النواحـي فغلا السعر ببغداد وثار العيارون ووقع النهب وكبس افتكيـن المنـازل فـي طلـب الطعـام فعظـم الهـرج وخـرج افتكيـن والأتراك للحرب فلقيهم عضد الدولة فهزمهم وقتل أكثرهم واستباحهم ولحقوا بتكريت وحملوا الخليفة معهم ودخل عضد الدولة إلى بغـداد فـي جمـادى سنـة أربـع وستيـن‏.‏ وحـاول فـي رد الخليفـة الطائـع فـرده وأنزلـه بـداره وركـب للقائه الماء في يوم مشهود‏.‏ ثم وضع الجند على بختيار فشغبوا عليه في طلب أرزاقهم وأشـار عليـه بالغلظـة عليهـم والاستعفاء من الإمارة وإنه عند ذلك يتوسط في الإصلاح فأظهر بختيـار التخلـي وصـرف الكتاب والحجاب ثقة بعضد الدولة وتردد السفراء بينهم ثلاثاً‏.‏ ثم قبض عضد الدولة على بختيـار وإخوتـه ووكـل بهـم وجمـع النـاس أعلمهم بعجز بختيار ووعدهم بحسن النظر وقام بواجبات الخلافـة‏.‏ وكـان المرزبـان بـن بختيار أميراً بالبصرة فامتنع فيها على عضد الدولة وكتب إلى ركن الدولـة يشكـو مـا جـرى علـى أبيـه بختيـار مـن ابنـه عضـد الدولـة ووزيره ابن العميد فأصابه من ذلك المقيم المقعد حتى لقد طرقه المرض الذي لم يستقل منه‏.‏ وكان ابن بقية وزير بختيار قد سار إلى عضد الدولة وضمنه واسط وأعمالها فانتفض عليه بهـا وداخـل عمـران بـن شاهيـن فـي الخلافـة فأجابـه وكتـب إلـى سهـل بـن بشر وزير افتكين بالأهواز وقد كان عضد الدولة ضمنه إياها وبعثه إليها مع جيش بختيار فاستماله ابن بقية وخرجت إليه جيوش عضد الدولة فهزمهم وكاتب أباه ركن الدولة بالأحوال وأوعز ركن الدولة إليه وإلى المرزبان بالبصرة على المسير بالعراق لإعادة بختيار‏.‏ واضطربـت النواحـي علـى عضـد الدولـة لإنكـار أبيـه وانقطـع عـن مـدد فارس وطمع فيه الأعداء فبعث أبا الفتح بن العميد إلى أبيه يعتذر عما وقع وأن بختيار عجز ولا يقدر على المملكـة وأنـه يضمـن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم ويبعث بختيار وإخوته إليه لينزله بأي الأعمال أحب ويخير أباه في نزوله العراق لتدبير الخلافة ويعود هو إلى فارس وتهدد أباه بقتل بختيـار وإخوتـه وجميـع شيعهـم إن لم يوافق على واحدة من هذه‏.‏ فخاف ابن العميد غائلة هذه الرسالة وأشار بإرسال غيره وأن يمضي هو بعدها كالمصلح فبعث عضد الدولة غيره‏.‏ فلما ألقى الرسالة غضب ركن الدولة ووثب إلى الرسول ليقتله ثم رده بعد أن سكن غضبه وحمله إلى عضد الدولة من الشتم والتقريع على ما فعله وعلى ما يطلب منه من كل صعب من القول‏.‏ وجاء ابن العميد على أثر ذلك فحجبه وتهدده ثم لم يزل يسترضيه بجهده واعتذر بأن قبوله لهذه الرسالة حيلة على الوصول إليه والخلاص من عضد الدولة وضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق فأجاب عضد الدولة إلى ذلك وأفرج عن بختيار ورده إلى السلطنة على أن يكون نائباً عنه ويخطب عنه ويجعل أخاه أبا إسحـاق أميـر الجيـش لعجـز بختيار ورد عليهم ما أخذ لهم وسار إلى فارس وأمر ابن العميد أن يلحـق بـه بعـد ثلـاث فتشاغـل مع بختيار باللذات ووعده أن يصير إلى وزارته بعد ركن الدولة‏.‏ وأرسل بختيار عن ابن بقية فقام بأمر الدولة واحتجن الأموال فإذا طولب بها دس للجند فشغبوا حتى تنكر له بختيار واستوحش هو‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:55 AM

خبر افتكين
ولما انهزم افتكين من عضد الدولة بالمدائن لحق الشام ونزل قريباً من حمص وقصد ظالم ابن موهوب أمير بني عقيل العلوية بالشام فلم يتمكن منه وسار افتكين إلى دمشق وأميرها ريان خادم المعز لدين الله العلوي وقد غلب عليه الأحداث فخرج إليه مشيخـة البلـد وسألـوه أن يملكهم ويكف عنهم شر الأحداث وظلم العمال واعتقاد الرافضة فاستحلفهم على ذلك ودخل دمشق وخطب فيها للطائع في شعبان سنة أربع وستين‏.‏ ورجع أيدي العرب من ضواحيها وفتك فيهم وكثرت جموعه وأمواله وكاتب المعز بمصر يداريه بالانقياد فكتب يشكره ويستدعيـه ليوليـه مـن جهتـه فلـم يثـق إليه فتجهز لقصده ومات في طريقه سنة خمس وستين كما نذكر بقية خبره في دولتهم‏.‏ ملك عضد الدولة بغداد وقتل بختيار ولما انصرف عضد الدولة إلى فارس كما ذكرناه أقام بها قليلاً ثم مات أبوه ركن الدولة سنة سـت وستيـن بعـد أن رضـي عنه وعهد له بالملك كما نذكره في خبره‏.‏ فلما مات شرع بختيار ووزيره ابن بقية في استمالة أهل أعماله مثل أخيه فخر الدولة وحسنويه الكردي وطلب ابن حمـدان وعمـران بـن شاهيـن فـي عدوانـه فسـار عضد الدولة لطلب العراق واستمد حسنويه وابن حمدان فواعداه ولم يبعداه فسار إلى الأهواز ثم سار إلى بغداد ولقيه بختيار فهزمه عضد الدولة واستولى على أمواله وأثقاله ولحق بواسط وحمل إليه ابن شاهين أموالاً وهدايا ودخل إليه مؤكداً للاستجارة به‏.‏ ثم صعد إلى واسط وبعث عضد الدولة عسكراً إلى البصـرة فملكوها وكانت مصر شيعة له دون ربيعة‏.‏ وجمع بختيار ما كان لـه ببغـداد والبصـرة فـي واسط وقبض على ابن بقية وأرسل عضد الدولة في الصلح واختلفت الرسائل وجاءه عبد الـرزاق وبـدر ابنـا حسنويـه فـي ألـف فـارس مـدداً فانتقـض‏.‏ وسـار إلى بغداد وسار عضد الدولة إلى واسط ثم إلى البصرة فأصلح بين ربيعة ومضر بعد اختلافهم مائة وعشرين سنة‏.‏ ثـم دخلـت سنـة سبـع وستيـن فقبـض عضـد الدولـة على أبي الفتح ابن العميدي وزير أبيه وجدع أنفـه وسمـل إحـدى عينيـه لمـا بلغـه عنـه فـي مقامـه بالفـرات عنـد بختيـار‏.‏ ولمـا أطلع عليه من مكاتبته إيـاه فبعـث إلـى أخيـه فخـر الدولـة بالـري بالقبـض عليـه وعلـى أهلـه فقبـض عليـه وأخذ داره بما فيها‏.‏ ثـم سـار عضـد الدولـة إلـى بغـداد سنـة سبـع وستيـن وبعـث إلـى بختيار يخيره في الأعمال فأجاب إلى طاعته وأمره بإنفاذ ابن بقية إليه ففقأ عينيه وأنفذه وخرج عن بغداد يقصد الشام ودخل عضـد الدولـة بغداد وخطب له بها وضرب على بابه ثلاث توتات ولم يكن شيء من ذلك لمن قبله وأمر بابن بقية فرمي بين الفيلة فقتلته‏.‏ ولما سار بختيار إلى الشام ومعه حمدان أخو أبي ثعلب وانتهوا إلى عكبرا أحسن له حمدان وقصـد الموصـل‏.‏ وكـان عضـد الدولـة قـد استحلفـه أن لا يدخل ولاية أبي ثعلب فنكث وقصدها وجاءته رسل أبي ثعلب بتكريت في إسلام أخيه حمدان إليه فيمده بنفسه ويعيده إلـى ملكـه فقبـض علـى حمـدان وبعثـه مـع نوابـه فحبسـه وسـار أبـو ثعلـب إليـه فـي عشرين ألف مقاتل وزحفـوا إلـى بغـداد ولقيهما عضد الدولة فهزمهما وأمر بختيار فقتل صبراً في عدة من أصحابه لإحدى عشرة سنة من ملكه‏.‏

استيلاء عضد الدولة على ملك بني حمدان
ثم سار عضد الدولة بعد الهزيمة ومقتل بختيار إلى الموصل فملكها منتصف ذي القعدة من سنة سبع وستين وكان حمل معه الميرة والعلوفات فأقام في رغد وبث السراة في طلب أبي ثعلـب وراسلـه فـي ضمـان البلـاد علـى عادتـه فلـم يجبـه فسـار إلـى نصيبيـن ومعه المرزبان بن بختيار وأبو إسحاق وطاهر أخو بختيار وأمهم فبعث عضد الدولة عسكراً إلى جزيرة ابن عمر مع حاجبـه أبـي عمـر لحـرب طغان وعسكراً إلى نصيبين مع أبي الوفاء طاهر بن محمد ففارقها أبو ثعلب إلى ميافارقين وأتبعه أبو الوفاء إليها فامتنعت عليه‏.‏ ولحق أبو ثعلب بأردن الروم ثم بالحسنية من أعمال الجزيرة وتتبع أبو ثعلب قلاعه وأخذ أمواله في كواشي وغيرها وعاد إلى ميافارقيـن‏.‏ ثـم سـار عضـد الدولـة إليـه بنفسـه واستأمـن إليـه كثير من أصحابه ورجع إلى الموصل وبعث العسكر في اتباعه فدخل بلاده فصاهره ورد الرومي المملك عليهم في غير بيت الملك ليستعيـن بـه علـى أمـره واتبعـه عسكـر عضـد الدولـة فهزمهـم ونجا إلى بلاد الروم لمساعدة ورد على شأنه لما يؤمل من نصرته إياه‏.‏ واتفق أن ورداً انهزم فيئس منه أبو ثعلب وعاد إلى بلاد الإسلام ونزل بآمد شهرين حتى فتح عضد الدولة جميع بلاده كما يذكر في أخبار دولتهم واستخلف أبا الوفاء على الموصل وعاد إلى بغداد وانقطع ملك بني حمدان عن الموصل حيناً من الدهر‏.‏

وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة
ثـم توفي عضد الدولة في شوال سنة اثنتين وسبعين لخمس سنين ونصف من ملكه واجتمع القواد والأمراء على ولاية ابنه كاليجار المرزبان وبايعوه ولقبوه صمصام الدولة‏.‏ وجاءه الطائع معزيـاً فـي أبيـه وبعـث أخويـه أبـا الحسيـن أحمـد وأبـا ظاهر فيروزشاه فانتقض أخوهم شرف الدولة بكرمان في فارس وسبق إليها أخويه وملكها وأقاما بالأهواز وقطع خطبة صمصـام الدولـة أخيه وخطب لنفسه وتلقب تاج الدولة‏.‏ وبعث إليه صمصام الدولة عسكراً صحبة علي بن دنقـش حاجـب أبيـه وبعـث شـرف الدولـة عسكـره مـع الأميـر أبـي الأغر دفليس بن عفيف الأسدي والتقيا عند قرقـوب فانهـزم ابـن دنقـش فـي ربيـع سنـة ثلـاث وسبعيـن وأسـر واستولـى أبـو الحسـن علـى ثم إن أسفار بن كردويه من أكابر الديلم قام بدعوة شرف الدولة ببغداد سنة خمس وسبعين واستمال كثيراً من العسكر واتفقوا على ولاية أبي نصر بن عضد الدولة نائباً عن أخيه شرف الدولة وراسلهم صمصام الدولة في الرجوع عن ذلك فلم يزدهم إلا تمادياً‏.‏ وأجابه فولاد بن مابدرار أنفةً من متابعة أسفـار وقاتلـه فهزمـه وأخـذ أبـا مضـل أسيـراً وأحضـره عنـد أخيـه صمصام الدولة واتهم وزيره ابن سعدان بمداخلتهم فقتله ومضى اسفار إلى أبي الحسين بن عضـد الدولـة وباقي الديلم إلى شرف الدولة‏.‏ وسار شرف الدولة إلى الأهواز فملكها من يد أخيـه الحسيـن‏.‏ ثـم ملـك البصـرة مـن يـد أخيـه أبـي طاهـر وراسلـه صمصـام الدولـة فـي الصلح فاتفقوا على الخطبة لشرف الدولة بالعراق وبعث إليه بالخلع والألقاب من الطائع‏.‏

نكبة صمصام الدولة وولاية أخيه شرف الدولة
لما ملك شرف الدولة من يد أخيه أبي طاهر سار إلى واسط فملكها وعمد صمصام الدولة إلـى أخيـه أبـي نصـر وكـان محبوسـاً عنـده فأطلقـه وبعثـه إلـى أخيـه شـرف الدولـة بواسـط يستعطفـه به فلـم يلتفـت إليـه‏.‏ وجـزع صمصـام الدولـة واستشـار أصحابـه فـي طاعـة أخيـه شرف الدولة فخوفوه عاقبتـه وأشـار بعضهـم بالصعـود إلـى عكبـرا ثـم منهـا إلى الموصل وبلاد الجبل حتى يحدث من أمر الله في فتنة بين الأتراك والديلم أو غير ذلك ما يسهل العود وأشار بعضهم بمكاتبة عمه فخر الدولـة والمسيـر علـى طريـق أصبهـان فيخالـف شـرف الدولـة إلـى فـارس فربمـا يقـع الصلـح على ذلك‏.‏ فأعرض صمصام الدولة عن ذلك كله وركب البحر إلى أخيه شرف الدولة فتلقاه وأكرمه‏.‏ ثم قبـض عليـه لأربـع سنيـن من إمارته وسار إلى بغداد في شهر رمضان من سنة ست وسبعين فوصلها وأخوه صمصام الدولة في اعتقاله‏.‏ واستفحـل ملكـه واستطـال الديلـم علـى الأتـراك بكثرتهم فإنهم بلغوا خمسة عشر ألفاً والأتراك ثلاثة آلاف‏.‏ ثم كثرت المنازعات بينهم وغص الديلم بالأتراك وأرادوا إعادة صمصام الدولة إلى الملك‏.‏ ثم اقتتلوا فغلبهم الديلم وقتلوا منهم وغنموا أموالهم وسار بعضهم فذهب في الأرض ودخل الآخرون مع شرف الدولة إلى بغداد وخرج الطائع لتلقيه وهنأه وأصلح شرف الدولة بين الفريقين وبعث صمصام الدولة إلى فارس فاعتقل بها واستوزر شرف الدولة أبا منصور بن صالحان‏.‏

ابتداء دولة باد وبني مروان بالموصل
قد تقدم لنا أن عضد الدولة استولى على ملك بني حمدان بالموصل سنة سبع وستين ثم استولـى على ميافارقين وآمد وسائر ديار بكر من أعمالهم وعلى ديار مضر أيضاً من أعمالهم سنـة ثمان وستين وولى عليها أبا الوفاء من قواده وذهب ملك بني حمدان من هذه النواحي‏.‏ وكـان فـي ثغـور ديار بكر جماعة من الأكراد الحميدية مقدمهم أبو عبد الله الحسين بن دوشتك ولقبـه بـاد وكـان كثيـر الغزو بتلك البلاد وأخافة سبلها‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ حدثني بعض أصدقائنا من الأكراد الحميدية أن اسمه باد وكنيته أبو شجاع وأن الحسين هو أخوه وأن أول أمره أنه ملك أرجيش من بلاد أرمينية فقوي‏.‏ ولما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده وهم بقبضه ثم سأل عنه فافتقـده وكـف عـن طلبه‏.‏ فلما مات عضد الدولة استفحل أمره واستولى على ميافارقين وكثير من ديار بكر ثم على نصيبين‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ سار من أرمينية إلى ديار بكر فملك ثم ميافارقين وبعث صمصـام الدولـة إليه العساكر مع أبي سعيد بهرام بن أردشير فهزمهم وأسر جماعة منهم فبعث عساكر أخرى مع أبي القاسم سعيد بن الحاجب فلقيهم في بلد كواشي وهزمهم وقتل منهم وأسـر ثـم قتل الأسرى صبراً‏.‏ ونجا سعيد إلى الموصل وباد أتباعه فثار به أهل الموصل نفوراً مـن سـوء سيـرة الديلـم فهرب منها ودخل باد وملك الموصل‏.‏ وحدث نفسه بالمسير إلى صمصام الدولـة ببغـداد وانتـزاع بغـداد مـن يـد الديلـم واحتفـل فيـه ولقيهـم بـاد فـي صفـر مـن سنـة أربع وسبعين فهزموه وملكوا الموصل ولحق بديار بكر وجمع عليه عساكر‏.‏ وكان بنو سيف الدولة بن حمدان بحلب قد ملكها معهم سعد الدولة ابنه بعد مهلكه فبعث إليـه صمصـام الدولـة أن يكفيـه أمـر بـاد علـى أن يسلـم إليـه ديـار بكر فبعث سعد الدولة جيشاً فلم يكن لهم طاقة وزحفوا إلى حلب فبعث سعد الدولة من اغتاله في مرقده بخيمته من البادية وضربه فاعتل واشفى على الموت وبعث إلى سعد وزياد الأميرين بالموصل فصالحهما على أن تكون ديار بكر والنصف من طور عبدين لباد ورجع زياد بغداد وهو الذي جاء بعساكر الديلـم وانهـزم بـاد أمامـه‏.‏ ثـم توفـي سعـد الحاجـب بالموصـل سنة سبع وسبعين فتجدد لباد الطمع فـي ملكهـا وبعـث شـرف الدولة على الموصل أبا نصر خواشاذه فدخل الموصل واستمد العساكر والأموال فأبطأت عنه فدعا العرب من بني عقيل وبني نمير وأقطعهم البلاد ليدافعوا عنها‏.‏ واستولـى بـاد علـى طـور عبدين وأقام بالجبل وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فانهزم وقتل‏.‏ وبينمـا خواشـاذه يتجهـز لقتـال بـاد جـاءه الجنـد بمـوت شـرف الدولـة‏.‏ ثـم جـاء أبـو طاهـر إبراهيم وأبو عبـد اللـه الحسيـن ابنـا ناصـر الدولـة بـن حمـدان أميريـن علـى الموصل من قبل بهاء الدولة وبقيت في ملكهمـا إلـى سنـة إحـدى وثمانيـن فبعـث بهـاء الدولـة عسكـراً مـع أبـي جعفـر الحجـاج بـن هرمز فملكها وزحـف إليـه أبـو الـرواد محمـد بن المسيب أمير بني عقيل فقاتله وبالغ في مدافعته واستمد بهاء الدولـة فبعـث إليـه الوزيـر أبـا القاسـم علـي بن أحمد وسار أول سنة اثنتين وثمانين وكتب إلى أبي جعفر بالقبض عليه بسعاية ابن المعلم وشعر الوزير بذلك فصالح أبا الرواد ورجع ووجد بهاء الدولة قد قبض على ابن المعلم وقتله‏.‏

وفاة شرف الدولة وملك بهاء الدولة
ثم توفي شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك بن عضد الدولة في جمادى سنة تسع وسبعين لسنتيـن وثمانيـة أشهر من إمارته ودفن بمشهد علي بعد أن طالت علته بالاستسقاء وبعث وهو عليـل إلـى أخيـه صمصـام الدولـة بفارس فشمله وبعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس ومعه الخزائن والعدد وجملة من الأتراك وسئل شرف الدولة في العهد فملكه وأبى أن يعهد واستخلف أخاه بهـاء الدولـة لحفـظ الأمـور في حياته‏.‏ فلما مات قعد في المملكة وجاء الطائع للعزاء وخلع عليه للسلطنـة فأقـر أبـا منصـور بـن صالحـان علـى وزارتـه وبعـث أبـا طاهـر إبراهيـم وأبـا عبـد الله الحسين ابني ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل وكان في خدمته شرف الدولة فاستأذنا بهاء الدولة بعد موته في الاصعاد إلى الموصل فأذن لهما‏.‏ ثم ندم على ما فرط في أمرهما وكتب إلى خواشاذه بمدافعتهما فامتنعا وجاءا ونزلا بظاهر الموصل‏.‏ وثـار أهل الموصل بالديلم والأتراك وخرجوا إلى بني حمدان وقاتلوا الديلم فهزموهم وقتل الديلم كثيراً منهم واعتصم الباقون بدار الإمارة فأخرجوهم على الأمان ولحقوا ببغداد وملـك بنـو حمـدان الموصـل‏.‏ وكـان أبـو علي بن شرف الدولة لما انصرف إلى فارس بلغه موت ابنه بالبصرة فبعـث العيـال والأمـوال فـي البحـر إلـى أرجـان وسـار هـو إليهمـا ثـم سـار إلى شيراز فوافاه بها عمه صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقهما الموكلون بهما ومعهما قولاد وجاؤوا إلى شيراز واجتمع عليهم الديلم وخرج أبو علي إلى الأتراك فاجتمعوا عليه وقاتل صمصام الدولة والديلم أيامـاً‏.‏ تـم سـار إلـى نسـا فملكهـا وقتـل الديلـم بهـا‏.‏ ثـم سار إلى أرجان وبعث الأتراك إلى شيراز لقتـال صمصـام الدولـة فنهبـوا البلـد وعـادوا إليه بأرجان‏.‏ ثم بعث بهاء الدولة إلى علي ابن أخيه يستقدمـه واستمال الأتراك سراً فحملوا أبا علي على المسير إليه فسار في جمادى سنة ثمانين فأكرمـه ثـم قبـض عليـه وقتلـه‏.‏ ثـم وقعـت الفتنـة ببغـداد بيـن الأتـراك والديلـم واقتتلوا خمسة أيام‏.‏ ثم راسلهـم بهـاء الدولـة فـي الصلـح فلم يجيبوا وقتلوا رسله فظاهر الأتراك عليهم فغلبوهم واشتدت شوكـة الأتـراك من يومئذ وضعف أمر الديلم وصالح بينهم على ذلك‏.‏ وقبض على بعض الديلم وافترقوا‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:58 AM

خروج القادر إلى البطيحة
كـان إسحـاق بـن المقتـدر لمـا توفـي تـرك ابنـه أبا العباس أحمد الذي لقب بالقادر فجرت بينه وبين أخـت لـه منازعـة فـي ضيعة ومرض الطائع مرضاً مخوفاً ثم أبل فسعت تلك الأخت بأخيها وأنه طلـب الخلافـة فـي مـرض الطائـع فأنفـذ أبـا الحسيـن بـن حاجـب النعمـان فـي جماعـة للقبـض عليه وكان بالحريم الظاهري فغلبهم النساء عليه وخرج من داره متستراً‏.‏ ثم لحق بالبطيحة ونزل على مهذب الدولة فبالغ في خدمته إلى أن أتاه بشير الخلافة‏.‏

فتنة صمصام الدولة
لما تغلب صمصام الدولة على بلاد فارس وجاء أبو علي شرف الدولة إلى عمه بهاء الدولة فقتله كما ذكرنا سار بهاء الدولة من بغداد إلى خوزستان سنة ثمانين وثلثمائة قاصداً بلاد فـارس‏.‏ واستخلـف أبـا نصـر خواشـاذه علـى بغـداد‏.‏ ولمـا بلـغ خوزستـان أتـاه نعي أخيه أبي طاهر فجلـس للعـزاء بـه‏.‏ ثـم سـار إلى أرجان فملكها وأخذ ما فيها من الأموال وكان ألف ألف دينار وثمانيـة آلـاف درهـم وكثيـراً مـن الثيـاب والجواهر وشغب الجند لذلك فأطلق تلك الأموال كلها لهم ثم سارت مقدمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبندجان وبها عسكر صمصام الدولة فانهزموا وثبت أبو العلاء بن الفضل في نواحي فارس‏.‏ ثم بعث صمصام الدولة عسكره وعليهم قولاد بن مابدان فهزموا أبا العلاء وعاد إلى أرجان وجاءه صمصام الدولة من شيراز إلى قولاد ثم وقع الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان وما وراءها من ملك العراق وأن يكون لكـل واحـد منهمـا إقطـاع فـي بلـد صاحبـه وتعاقدا على ذلك ورجع بهاء الدولة إلى بغداد فوجد الفتنة بين أهل السنة والشيعة بجانب بغداد وقد كثر القتل والنهب والتخريب فأصلح ذلك‏.‏ وكان قبل سيره إلى خوزستان قبض على وزيره أبي منصور بن صالحان واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير وكان الحكم والتدبير في دولته لأبي الحسين بن المعلم‏.‏

خلع الطائع وبيعة القادر
ثم إن بهاء الدولة قلت عنده الأموال وكثر شغب الجند ومطالباتهم وقبض على وزيره سابور فلـم يغـن عنه وامتدت عيناه إلى أموال الطائع وهم بالقبض عليه وحسن له ذلك أبو الحسين بن المعلـم الغالـب علـى هـواه فتقـدم إلـى الطائـع بالجيـوش لحضـوره فـي خدمتـه فجلـس وجلـس بهـاء الدولة على كرسي ثم جاء بعض الديلم يقبل يد الطائع فجذبه عن سريره وأخرجه ونهب قصور الخلافـة وفشـا النهـب فـي النـاس وحمـل الطائـع إلـى دار بهاء الدولة فأشهد عليه بالخلع سنة إحدى وثمانين لسبع عشرة سنة وثمانية أشهر من خلافته‏.‏ وأرسل بهاء الدولة خواص أصحابه إلى البطيحـة ليحضروا القادر بالله أبا العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر ليبايعوه فجاؤوا به بعد أن بايع مهذب الدولة صاحب البطيحة في خدمته وسار بهاء الدولة وأعيان النـاس لتلقيـه فتلقوه وساروا في خدمته ودخل دار الخلافة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان وخطب له صبيحتها وكانت مدة إقامته بالبطيحة ثلاث سنين غير شهر ولم يخطب له بخراسان وأقاموا على بيعة الطائع فأنزله بحجرة من قصره ووكل عليه من يقوم بخدمته على أتم الوجوه وأجرى أحواله على ما كان عليه في الخلافة إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين فصلى عليه ودفنه‏.‏

ملك صمصام الدولة الأهواز وعودها لبهاء الدولة ثم استيلاؤه ثانياً عليها
قـد تقـدم لنـا ما وقع بين بهاء الدولة وصمصام الدولة من الصلح على أن يكون له فارس ولبهاء الدولة خوزستان وما وراءها وذلك سنة ثمان‏.‏ ولما كانت سنة ثلاث وثمانين تحيل بهاء الدولة فبعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز على أن يبعـث إليـه الجيـوش مفترقـة فـإذا اجتمعـت كبـس بلـاد فارس على حين غفلة‏.‏ وشعر صمصام الدولة بذلك قبل اجتماع العساكر فبعث عساكره إلى خوزستان ثم جاءت عساكر العراق والتقوا فانهزم أبو العلاء وحمل إلى صمصـام الدولـة أسيـراً فاعتقلـه وبعـث بهاء الدولة وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط يحاول له جمع المال فهرب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة‏.‏ ثم كثر شغب الديلم على بهاء الدولة ونهبوا دار الوزير نصر بن سابور واستعفى واستوزر أبـا القاسـم علـي بـن أحمـد‏.‏ ثـم هـرب وعـاد سابـور إلـى الوزارة وأصلح الديلم ثم أنفذ بهاء الدولة عسكره إلى الأهواز سنة أربع وثمانين وعليهم طغان التركي وانتهوا إلى السوس فارتحل عنها أصحاب صمصام الدولة وملكها طغان وكان أكثر أصحابـه التـرك وأكثـر أصحـاب صمصـام الدولة الديلم ومعه تميم وأسد فزحف إلى طغان بالأهواز وأسرى من تستر ليكبس الأتراك الذين مع طغان فقتل في طريقه وأصبح دونهم بمرأى منهم فركبوا لقتالهم وأكمنوا له ثم قاتلوه فهزموه وفتكوا في الديلم بالقتل حرباً وصبراً‏.‏ وجاء الخبر إلى بهاء الدولة بواسط فسار إلى الأهواز فترك بها طغان ورجع ولحق صمصام الدولـة بفـارس فاستلحم من وجد بها من الأتراك وهرب فلهم إلى كرمان واستأذنوا ملك السند في اللحاق بأرضه فأذن لهم ثم ركب لتلقيهم فقتلهم عن آخرهم‏.‏ ثم جهز صمصام الدولة عساكـره إلـى الأهـواز مـع العـلاء بن الحسين وكان افتكين برامهرمز من قبل بهاء الدولة مكان أبي كاليجار المرزبان بن سفهيعون وجاء بهاء الدولة إلى خوزستان للعلاء قائد صمصام الدولة وكاتبه وكاتب افتكين وابن مكرم إلى أن قرب منهم وملك البلد من أيديهم وأقاموا بظاهرها واستمدوا بهاء الدولة فأمدهم بثمانين من الأتراك فقتلوهم عن آخرهم وسار بهاء الدولة نحو الأهـواز ثـم عـاد إلـى البصـرة وعـاد ابـن مكرم إلى عسكر مكرم والعلاء والديلم في اتباعه إلى أن جاوزوا تستر إليه فاقتتلوا طويلاً وأصحاب بهاء الدولة من تستر إلى رامهرمز وهم الأتراك وأصحاب صمصام الدولة من تستر إلى أرجان فاقتتلوا ستة أشهر ورجعوا إلى الأهواز ثم رحل الأتراك إلى واسط واتبعهم العلاء قليلاً ثم رجع وأقام بعسكر مكرم‏.‏

ملك صمصام الدولة البصرة
لما رحل بهاء الدولة إلى البصرة استأمن كثير من الديلم الذين معه إلى العلاء نحو من أربعمائة فبعثهم مع قائده السكرستان إلى البصرة وقاتلوا أصحاب بهاء الدولة ومال إليهم أهل البلد ومقدمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي وارتاب بهم بهاء الدولة فهرب الكثير منهـم إلـى السكرستـان وحملـوه فـي السفـن فأدخلـوه البصرة‏.‏ وخرج بهاء الدولة وأصحابه فكتب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة يغريه بالبصرة فبعث إليها جيشاً مع قائده عبد الله بن مرزوق فغلب عليها السكرستان وملكها لمهذب الدولة ثم عاد السكرستـان وقاتلهـا وكاتـب مهـذب الدولـة بالصلح والطاعة والخطبة له بالبصرة وأعطـى ابنـه رهينـة علـى ذلـك فأجابـه وملـك البصـرة وعسف بهم وكان يظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومهذب الدولة‏.‏ ثم إن العلاء بن الحسن نائب صمصام الدولة بخوزستان توفي بعسكر مكرم فبعث مكانه أبا علي إسماعيل بن أستاذ هرمز وسار إلى جنديسابور فدفع عنها أصحاب بهاء الدولة وأزاح الأتراك عن ثغر خراسان جملة وعادوا إلى واسط وكاتب جماعة منهم ففزعوا إليه ثم زحف إليهـم أبو محمد مكرم والأتراك وجرت بينهم وقائع ثم انتقض أبو علي إسماعيل بن أستاذ هرمز ورجـع إلـى طاعـة بهـاء الدولـة وهـو بواسـط سنة ثمان وثمانين فاستوزره ودبر أمره واستدعاه إلى مظاهرة قائده ابن مكرم بعسكر مكرم فسار إليه وكانت من إسماعيل خديعة تورط فيها بهاء الدولة واستمد بدر بن حسنويه فأمده بعض الشيء وكاد يهلك ثم جاءه الفرج بقتل صمصام الدولة‏.‏

مقتل صمصام الدولة
كان صمصام الدولة بن عضد الدولة مستولياً على فارس كما ذكرناه وكان أبو القاسم وأبو نصـر ابنـا بختيـار محبوسيـن ببعـض قلـاع فـارس فجـرد الموكليـن بهمـا فـي القلعـة وأخرجـوا عنها واجتمع إليهما من الأكراد‏.‏ وكان جماعة من الديلم استوحشوا من صمصـام الدولـة لمـا أسقطهـم مـن الديوان فلحقوا بابني بختيار وقصدوا أرجان وتجهز صمصام الدولة إليهم‏.‏ وكان أبو علي بن أستاذ هرمز مقيماً بنسا فثار به الجند وحبسه ابنا بختيار ثم نجا وقصد صمصام الدولة القلعـة التـي علـى شيـراز ليمتنع فيها إلى أن يأتيه المدد فلم يمكنه أن يأتيها من ذلك وأشار عليه باللحاق بأبي علي بن أستاذ هرمز أو بالأكراد وجاءته منهم طائفة فخرج معهم بأمواله فنهبوه وسار إلى الرودمان على مرحلتين من شيراز‏.‏ وجاء أبو النصر بن بختيار إلى شيراز فقبض صاحب الرودمان على صمصام الدولة وأخذه منه أبو نصر وقتله في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين لتسع سنين من إمارته على فارس‏.‏

استيلاء بهاء الدولة على فارس
ولما قتل صمصام الدولة وملك ابنا بختيار بلاد فارس كتبا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز في الأهواز بأخذ الطاعة لهما من الديلم ومحاربة بهاء الدولة فخافهما أبو علي بما كان من قتله أخويهما وأغرى الديلم بطاعة بهاء الدولة وراسله واستحلفه لهم فحلف وضمـن لهـم غائلـة الأتراك الذين معه وأغراهم بثأر أخيه من ابني بختيار فدخلوا في طاعته وجاءه وفد من أعيانهم فاستوثقوا منه وكتبوا إلى من كان بالسوس منهم بذلك‏.‏ وركب بهاء الدولة إلى نائب السـوس فقاتلـوه أولاً ثـم اجتمعـوا عليـه وساروا إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز وأرجان وملكوا سائر بلـاد خوزستان‏.‏ وسار أبو علي بن إسماعيل إلى شيراز وقاتلهما وتسرب إليه أصحاب ابني بختيـار فاستولـى علـى شيـراز سنـة تسـع وثمانيـن ولحـق أبـو نصـر بـن بختيـار ببلاد الديلم وأبو القاسم ببدر بن حسنويه ثم بالبطيحة وكتب أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح فجاءه وترك شيراز وأحرق قرية الرودمان حيث قتل أخوه صمصام الدولة واستأصل أهلها وبعث عسكراً مع أبي الفتح إلى جعفر بن أستاذ هرمز إلى كرمان فملكها‏.‏ ولما لحق أبو القاسم بن بختيار ببلاد الديلم كاتب من هنالك الديلـم الذيـن بكرمـان وفـارس تسلمهم فأجابوه وسار إلى بلاد فارس واجتمع عليه كثير من الزط والديلم والأتراك‏.‏ ثم سار إلـى كرمـان وبهـا أبـو جعفـر بـن أستـاذ هرمز فهزمه إلى السرجان‏.‏ ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها وأكثر كرمان وبعث بهاء الدولة الموفق بن علي بن إسماعيل في العساكر إلى جيرفت فاستأمن إليه ما كان بها من أصحاب بختيار وملكها وتجرد في جماعة من شجعان أصحابه لاتباع ابن بختيار فلحقه بدارين وقاتله فغدر به بعض أصحابه فقتله وحمل رأسه إلى الموفق واستولـى علـى بلـاد كرمـان وإسماعيـل عليها وعاد إلى بهاء الدولة فتلقاه وعظمه واستعفى الموفق من الخدمة فلم يعفه ولج الموفق في ذلك فقبض عليه بهاء الدولة وكتب إلى وزيره سابور بالقبض على ذويه ثم قتله سنة أربع وتسعين واستعمل بهاء الدولة أبا محمد مكرماً علـى عمان‏.‏

الخبر عن وزراء بهاء الدولة
قد ذكرنا أن بهاء الدولة كان استوزر أبا نصر بن سابور بن أردشير ببغداد وقبض على وزيره أبي منصور بن صالحان قبل مسيره إلى خوزستان وإن أبا الحسن بن المعلم كان يدبر دولتـه وذلـك منـذ سنـة ثمانيـن فاستولـى ابـن المعلـم علـى الأمور وانصرفت إليه الوجوه فأساء السيرة وسعى في أبي نصر خواشاده وأبي عبد الله بن طاهر فقبضهما بهاء الدولـة مرجعـه مـن خوزستان وشغب الجند وطلبوا تسليمه إليهم ولاطفهم فلم يرجعوا فقبض عليه وسلمه إليهم فقتلوه وذلك سنة اثنتين وثمانين‏.‏ ثم قبض على وزيره أبي نصر بالأهواز سنة إحدى وثمانين واستـوزر أبـا القاسـم عبد العزيز بن يوسف ثم استوزر بعده أبا القاسم علي بن أحمد وقبض عليـه سنـة اثنتيـن وثمانين لاتهامه بمداخلة الجند في أمر ابن المعلم واستوزر أبا نصر بن سابور وأبا منصور بن صالحان جميعاً‏.‏ وشغب الجند على أبي نصر ونهبوا داره سنة ثلاث وثمانين فاستعفـى رفيقـه ابن صالحان فاستوزر أبا القاسم علي بن أحمد ثم هرب وعاد أبو نصر إلى الوزارة بعد أن أصلح أمور الديلم فاستوزر مكانه الفاضل وقبض عليه سنـة سـت وثمانيـن واستـوزر أبـا نصـر سابـور بـن أردشير فبقي شهرين وفرق أموال بهاء الدولة في القواد ثم هرب إلى البطيحة فاستوزر بهاء الدولة مكانه عيسى بن ماسرجس‏.‏

ولاية العراق
كان بهاء الدولة منذ استولى على فارس سنة تسع وثمانين أقام بها وولى على خوزستان والعراق أبا جعفر الحجاج بن هرمز فنزل بغداد ولقيه عميد الدولة فساءت سيرته وفسدت أموال البلاد وعظمت الفتنة ببغداد بين الشيعة وأهل السنة وتطاول الدعار والعيارون فعزله بهاء الدولة سنة تسعين وولى مكانه أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز ولقيه عميد الجيوش فأحسن السيرة وحسم الفتنة وحمل إلى بهاء الدولة أموالاً جليلة‏.‏ ثم ولى مكانه سنة إحدى وتسعين أبا نصر سابور وثار به الأتراك ببغداد فهرب منهم ووقعت الفتنة بين أهل الكرخ والأتراك وكان أهل السنة مع الأتراك‏.‏ ثم مشى الأعلام بينهم في الصلح فتهادنوا‏.‏

وفي سنة ثمانيـن
ابتـدأت دولة بني مروان بديار بكر بعد مقتل خالهم باد وقد مر ذكره‏.‏

وفي سنة اثنتيـن وثمانيـن
انقرضـت دولـة بنـي حمـدان بالموصـل وابتدئـت دولـة بنـي المسيـب مـن عقيب كما نذكرها‏.‏

وفي سنة أربع وثمانين
انقرضت دولة بني سامان من خراسان وابتدئت دولة بني سبكتكيـن فيهـا‏.‏

وفي سنة تسـع وثمانين
انقرضت دولة بني سامان مما وراء النهر وانقسمت بنو سبكتكيـن وملـك الخاقان ملك الترك‏.‏

وفي سنة ثمان وثمانين
ابتدأت دولة بني حسنويه الأكراد بخراسان‏.‏

وفي سنة تسـع وتسعيـن
كـان ابتـداء دولـة بنـي صالـح بـن مـرداس مـن بنـي كلـاب بحلـب كمـا نستوفي سياقة أخبارهم في دولهم منفردة كما شرطناه‏.‏

ظهور بني مزيد
وفي سنة سبـع وثمانيـن خـرج أبـو الحسـن علـي بـن مزيـد فـي قومـه بنـي أسـد ونقـض طاعـة بهـاء الدولـة فبعث إليه العساكر فهرب أمامهم وأبعد حتى امتنع عليهم‏.‏ ثم بعث في الصلح والاستقامة وراجـع الطاعـة‏.‏ ثـم رجـع إلـى انتقاضـه سنـة اثنتيـن وتسعيـن واجتمـع مع قرواش بن المقلد صاحب الموصـل وقومـه بني عقيل فحاصروا المدائن‏.‏ ثم بعث إليهم أبو جعفر الحجاج وهو نائب بغداد العساكر فدفعوهم عنها وخرج الحجاج واستنجد خفاجة فجاء من الشام وقاتل بني عقيل وبني أسد فهزموه‏.‏ ثم خرج إليهم ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والأسر واستبـاح ملـك بنـي مزيـد وظهـر فـي بغـداد فـي مغيـب أبـي جعفر من الفتنة والفساد والقتل والنهب مـا لا يحصـى فكـان ذلـك السبـب فـي أن بعـث بهـاء الدولة أبا علي بن جعفر أستاذ هرمز كما مر ولقيه عميد الجيوش فسكن الفتنة وأمن الناس‏.‏ ولما عزل أبو جعفر أقام بنواحي الكوفة وارتاب به أبو علي فجمع الديلم والأتراك وخفاجة وصار إليه واقتتلوا بالنعمانية وذلك سنة ثلاث وتسعين فانهزم أبو جعفر وسار أبو علي إلى خوزستـان ثـم إلـى السـوس فعـاد أبـو جعفر إلى الكوفة ورجع أبو علي في اتباعه فلم تزل الفتنة بينهمـا وكـل واحـد منهما يستنجد ببني عقيل وبني أسد وخفاجة حتى أرسل بهاء الدولة عن أبي علي وبعثه إلى البطيحة لفتنة بني واصل كما نذكره في دولتهم‏.‏ ولما كانت سنة سبع وتسعين جمع أبو جعفر وسار لحصار بغداد وأمده ابن حسنويه أمير الأكـراد وذلـك أن عميـد الجيوش ولى على طريق خراسان أبا الفضل بن عنان وكان عدو البدر بن حسنويه فارتاب لذلك واستدعى أبا جعفر وجمع له جموعاً من أمراء الأكراد منهم هندي بـن سعـد وأبـو عيسـى شـادي بـن محمـد ورزام بـن محمـد‏.‏ وكـان أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي انصرف عن بهاء الدولة مغاضباً له فسار معهم وكانوا عشرة آلاف وحاصروا بغداد وبها أبو الفتـح بـن عنـان شهـراً‏.‏ ثـم جاءهـم الخبـر بانهـزام ابـن واصـل بالبطيحـة الـذي سـار عميـد الجيـوش إليه فافترقوا وعاد ابن مزيد إلى بلده وسار أبو جعفر إلى حلوان وأرسل بهاء الدولة في الطاعة وحضر عنده بتستر فأعرض عنه رغباً لعميد الجيوش‏.‏

فتنة بني مزيد وبني دبيس
كـان أبـو الغنائـم محمد بن مزيد مقيماً عند أصهاره بني دبيس في جزيرتهم بخوزستان فقتل أبو الغنائم بعض رجالاتهم ولحق بأخيه أبي الحسن فانحدر أبـو الحسـن إليهـم فـي ألفـي فـارس واستمد عميد الجيوش فأمده بعسكر مـن الديلـم ولقيهـم فانهـزم أبـو الحسـن وقتـل أخـوه أبـو الغنائم‏.‏

ظهور دعوة العلوية بالكوفة والموصل
وفـي أول المائـة الخامسـة خطـب قـرواش بـن المقلـد أميـر بنـي عقيل لصاحب مصر الحاكم العلوي في جميـع أعمالـه‏:‏ وهـي الموصـل والأنبـار والمدائـن والكوفـة فبعث القادر القاضي أبا بكر الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه فأكرمه وكتب إلى عميد الجيوش بمحاورة قرواش وأطلق له مائة ألف دينار يستعيـن بهـا‏.‏ وسـار عميـد الجيوش لذلك فراجع قرواش الطاعة وقطع خطبة العلويين وكان ذلك داعياً في كتابة المحضر بالطعن في نسب العلويـة بمصـر شهـد فيـه الرضـي والمرتضـى وابـن البطحاوي وابن الأزرق والزكي وأبو يعلى عمر بن محمد ومن العلماء والقضاة ابن الأكفاني وابن الجـزري وأبـو العبـاس الأبيـوردي وأبـو حامد الإسفرايني والكستلي والقدوري والصهيري وأبو عبد الله البيضاوي وأبو الفضل النسوي وأبو عبد الله النعمان فقيه الشيعة‏.‏ ثم كتب ببغداد محضر آخـر بمثـل ذلـك سنـة أربـع وأربعين وزيد فيه انتسابهم إلى الديصانية من المجوس وبني القداح من اليهود وكتب فيه العلوية والعباسية والفقهاء والقضاة وعملت به نسخ وبعث بها إلى البلاد‏.‏

وفاة عميد الجيوش وولاية فخر الملك
كـان عميـد الجيـوش أبـو علـي بـن أبـي جعفر أستاذ هرمز وكان أبو جعفر هذا من حجاب عضد الدولـة وجعـل ابنـه أبـا علـي فـي خدمـة ابـن صمصـام الدولـة‏.‏ فلمـا قتـل رجـع إلى خدمة بهاء الدولة ولمـا استولـى الخـراب علـى بغـداد وظهـر العيارون بعثه بهاء الدولة عليها فأصلحها وقمع المفسدين ومات لثمان سنين ونصف من ولايته إلى أول المائة الخامسة‏.‏ وولى بهاء الدولة مكانه بالعراق فخر الملك أبا غالب فوصل بغداد وأحسن السياسة واستقامت الأمور به واتفق لأول قدومه وفاة أبي الفتح محمد بن عنان صاحب طريق خراسان بحلوان لعشرين سنة من إمارته وكان كثيـر الأجلـاب علـى بغـداد‏.‏ فلمـا توفـي ولـي ابنـه أبـو الشـوك وقام مقامه فبعث فخر الملك العساكر لقتاله فهزموه إلى حلوان‏.‏ ثم راجع الطاعة وأصلح حاله‏.‏

مقتل فخر الملك وولاية ابن سهلان
كان فخر الملك أبو غالب من أعظم وزراء بني بويه وولي نيابة بغداد لسلطان الدولة خمس سنيـن وأربعـة أشهـر‏.‏ ثـم قبـض عليـه وقتلـه في ربيع سنة ست وأربعمائة وولى مكانه أبا محمد الحسـن بـن سهلـان ولقبـه عميـد أصحـاب الجيوش‏.‏ وسار سنة تسع إلى بغداد وجرد من الطريق مع طراد بن دبيـس الأسـدي فـي طلـب مهـارش ومضـر ابنـي دبيـس وكـان مضـر قـد قبـض عليـه قديمـاً بأمر فخر الملك فأراد أن يأخذ جزيرة بني أسد منه ويوليها طراداً فساروا عن المدار واتبعهم ولحق الحسن بن دبيس آخرهم فأوقع به واستباحه‏.‏ ثم استأمن له مضر ومهارش فأمنهما وأشرك معهما طراداً في الجزيرة ورجع وأنكر عليه سلطان الدولة فعله ووصل إلى واسط والفتنة قائمة فأصلحها‏.‏ ثم بلغه اشتداد الفتن ببغداد فسار وأصلحها وكان أمر الديلم قد ضعف ببغداد وخرجوا إلى واسط‏.‏

الفتنة بين سلطان الدولة وأخيه أبي الفوارس
قـد ذكرنـا أن سلطـان الدولـة لمـا ملـك بعـد أبيه بهاء الدولة ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان فلما سـار إليهـا اجتمـع إليـه الديلـم وحملـوه علـى الانتقـاض وانتـزاع الملـك مـن يـد أخيه فسار سنة ثمان إلى شيراز‏.‏ ثم سار منها ولقيه سلطان الدولة فهزمه وعاد إلى كرمـان واتبعـه سلطـان الدولـة فخـرج هاربـاً مـن كرمـان ولحق محمود بن سبكتكين مستنجداً به فأكرمه وأمده بالعساكر وعليهم أبـو سعيـد الطائـي مـن أعيـان قواده فسار إلى كرمان وملكها ثم إلى شيراز كذلك وعاد سلطان الدولة لحربه فهزمه وأخرجه من بلاد فارس إلى كرمان وبعث الجيوش في أثره فانتزعوا كرمان منه‏.‏ ولحق بشمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه صاحب همذان وترك ابن سبكتكين لأنه أساء معاملة قائده أبي سعيد الطائي‏.‏ ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فأكرمه وبعث إليه أخوه جلال الدولة من البصرة مالاً وثياباً وعرض عليه المسير إليه فأبى وأرسل أخاه سلطان الدولة في المراجعة وأعاده إلى ولاية كرمان وقبض سلطان الدولة سنة تسع على وزير بن فانجس وإخوته وولى مكانه أبا غالب الحسن بن منصور‏.‏

خروج الترك من الصين
وفي سنة ثمـان وأربعيـن خرجـت مـن المفـازة التـي بين الصين وما وراء النهر أمم عظيمة من الترك تزيـد على ثلاثمائة ألف خيمة ويسمون الخيمة جذكان ويتخذونها من الجلود‏.‏ وكان معظمهم من الخطـا قـد ظهـروا فـي ملـك تركستـان فمـرض ملكهـا طغـان فسـاروا إليهـا وعاثـوا فيهـا‏.‏ ثم أبل طغان واستنفر المسلمين من جميع النواحي وسار إليهم في مائة وعشرين ألفاً فهزموا أمامه واتبعهم مسيـرة ثلاثـة أشهـر ثـم كبسهم فقتل منهم نحواً من مائتي ألف وأسر مائة ألف وغنم من الدواب والبيوت وأواني الذهب والفضة من معمول الصين ما لا يعبر عنه‏.‏ ملك مشرف الدولة وغلبه على سلطان الدولة لـم يـزل سلطـان الدولـة ثابـت القـدم فـي ملكـه بالعـراق إلـى سنـة إحـدى عشـرة وأربعمائـة فشغـب عليـه الجنـد ونـادوا بشعـار أخيـه مشـرف الدولـة فأشير عليه بحبسه فعف عن ذلك وأراد الانحدار إلى واسط فطلبه الجند في الاستخلاف فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق وسار إلى الأهواز فلما بلغ تستر استوزر سهلان وقد كان اتفق مع أخيه مشرف أول الدولة الوزير ابن سهلـان أن لا يستـوزره فاستوحـش لذلـك مشـرف الدولـة وبعث سلطان الدولة الوزير ابن سهلان ليخرجه من العراق فجمع أتراك واسط وأبا الأغردبيس بن علي بن مزيد ولقي ابن سهلان عند واسط فهزمه وحاصره بها حتى اشتد حصاره وجهده الحصار فصالحه ونـزل وسار الديلم الذين بواسط في خدمته وسار أخوه جلال الدولة أبو طاهر صاحب بصرة إلى وفاقه وخطب له ببغداد وقبض على ابن سهلان وكحله‏.‏ وسار سلطان الدولة إلى أزجان‏.‏ ثـم رجـع إلـى الأهـواز وثار عليه الأتراك الذين هنالك ودعوا بشعار مشرف الدولة وخرجوا إلى السابلـة فأفسدوهـا‏.‏ وعـاد مشـرف الدولـة إلـى بغـداد فخطـب لـه بهـا سنـة اثنتـي عشـرة وطلب منه الديلـم أن ينحدروا إلى بيوتهم بخوزستان فبعث معهم وزيره أبا غالب فلما وصلوا إلى الأهواز انتقضوا ونادوا بشعار سلطان الدولة وقتلوا أبا غالب لسنة ونصف من وزارته‏.‏ ولحق الأتراك الذين كانوا معه اطراد بن دبيس بالجزيرة‏.‏ وبلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب وافتراق الديلم فأنفذ ابنه أبا كاليجار إلى الأهواز وملكها‏.‏ ثم وقع الصلح بينهما على يد أبي محمد بن أبي مكرم ومؤيد الملك الرخجي علـى أن تكـون العـراق لمشـرف الدولـة وفـارس وكرمـان لسلطـان الدولة‏.‏ واستوزر مشرف الدولة أبا الحسين بن الحسن الرخجي ولقبه مؤيد الملك بعد قتل أبي غالب ومصـادرة ابنـه أبـي العبـاس‏.‏ ثـم قبـض عليـه سنة أربع عشرة بعد حول من وزارته بسعاية الأثير الخـادم فيـه واستـوزر مكانـه أبـا القاسـم الحسيـن بن علي بن الحسن المغربي كان أبوه من أصحاب سيـف الدولـة بـن حمدان وهرب إلى مصر وخدم الحاكم فقتله وهرب ابنه أبو القاسم هذا إلى الشام وحمل حسان بن الفرج بن الجراح الطائي على نقض طاعة الحاكم والبيعة لأبي الفتوح الحسـن بـن جعفـر العلـوي أميـر مكـة فاستقدمـه إلـى الرملة وبايعه‏.‏ ثم خالفه وعاد إلى مكة وقصد أبو القاسم العراق واتصل بالوزير فخر الملك وأمره القادر بإبعاده فلحق قرواش أمير الموصل وكتـب لـه ثـم عـاد إلـى العـراق وتنقلـت بـه الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرخجي وكان خبيثاً محتـالاً حسوداً‏.‏ ثم قدم مشرف الدولة إلى بغداد سنة أربع عشرة ولقيه القادر ولم يلق أحداً قبله‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:00 AM

الخبر عن وحشة الأكراد وفتنة الكوفة
كان الأثيـر عنبـر الخـادم مستوليـاً فـي دولـة مشـرف الدولـة الوزيـر أبـي القاسـم المغربـي عديلـه فـي حملهـا فنقم الأتراك عليهما وطلب من مشرف الدولة الخراج من بغداد خوفاً على أنفسهما فخـرج معهمـا غضبـاً علـى الأتـراك ونزلـوا علـى قـرواش بالسندية‏.‏ واستعظم الأتراك ذلك وبعثوا بالاعتـذار والرغبـة‏.‏ وقـال أبـو القاسـم المغربـي دخل بغداد إنما هو أربعمائة ألف وخرجها ستمائة فاتركوا مائة واحتمل مائة فأجابوه إلى ذلك خداعاً‏.‏ وشعر بوصولهم فهرب لعشرة أشهر من وزارته‏.‏ ثـم كانـت فتنـة بالكوفـة بيـن العلويـة والعباسيـة وكـان لأبـي القاسم المغربي صهر وصداقة في العلوية فاستدعى العباسيون المغربي عليهم فلم يعدهم لمكان المغربي‏.‏ وأمرهم بالصلح فرجعوا إلى الكوفة واستمد كل واحد منهم خفاجة فأمدوهـم وافترقـوا عليهـم واقتتـل العلويـة والعباسيـة فغلبهم العلوية ولحقوا ببغداد ومنعوا الخطبة يوم الجمعة وقتلوا بعض قرابة العلوية الذين بالكوفة فعهد القادر للمرتضي أن يصرف أبا الحسن علي بن أبي طالب ابن عمر عن نقابة الكوفة ويردهـا إلـى المختـار صاحـب العباسية‏.‏ وبلغ ذلك المغربي عند قرواش بسر من رأى فشرع في إرغام القادر‏.‏ وبعث القادر إلى قرواش يطرده فلحق بابن مروان في ديار بكر‏.‏

وفاة شرف الدولة وولاية أخيه جلال الدولة
ثم توفي مشـرف الدولـة أبـو علـي بـن بهـاء الدولـة سنـة سـت عشـرة فـي ربيـع لخمـس سنيـن مـن ملكـه وولي مكانه بالعراق أخوه أبو طاهر جلال الدولة صاحب البصرة وخطب له ببغداد واستقدم فبلغ واسط‏.‏ ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب ببغداد في شوال لابن أخيه أبي كاليجار بن سلطان الدولة وهو بخوزستان يحارب عمه أبا الفوارس صاحب كرمان‏.‏ وسمع جلال الدولة بذلك فبادر إلى بغداد ومعه وزيره أبو سعد بن ماكولا‏.‏ ولقيه عسكرها فردوه أقبـح رد ونهبـوا خزائنـه فعـاد إلى البصرة واستحثوا أبا كاليجار فتباطأ لشغله بحرب عمه وسار إلـى كرمـان لقتـال عمـه فملكهـا واعتصم عمه بالجبال‏.‏ ثم تراسلا واصطلحا على أن تبقى كرمان لأبي الفوارس وتكون بلاد فارس لأبي كاليجار‏.‏

قدوم جلال الدولة إلى بغداد
ولما رأى الأتراك اختلال الأحوال وضعف الدولة بفتنة العامة وتسلط العرب والأكراد بحصـار بغداد وطمعهم فيها وأنهم بقوا فوضى وندموا على ما كان منهم في رد جلال الدولة اجتمعوا إلـى الخليفـة يرغبـون إليـه أن يحضـر جلـال الدولـة من البصرة ليقيم أمر الدولة فبعث إليه القاضي أبا جعفـر السمنانـي بالعهـد عليـه وعلـى القـواد فسـار جلـال الدولـة إلـى بغداد في جمادى من سنة ثمان عشرة‏.‏ وركب الخليفة في الطيار لتلقيه فدخل ونزل التجيبي وأمر بضرب الطبل في أوقات الصلوات‏.‏ ومنعه الخليفة من ذلك فقطعه مغاضباً‏.‏ ثم أذن له الخليفة فيه فأعاده وأرسل مؤيد الملك أبا علي الرخجي إلى الأثير عنبر الخادم عند قرواش يستدعيه يعتذر عن الأتراك‏.‏ ثم شغب الأتراك عليه سنة تسع عشرة وحاصروه بداره وطلبوا من الوزير أبي علي بن ماكولا أرزاقهم ونهبوا دوره ودور الكتاب والحواشي‏.‏ وبعث القادر من أصلح بينهـم وبينـه فسكـن شغبهـم‏.‏ ثم خالفوا أبا كاليجار بن سلطان الدولة إلى البصرة فملكها ثم ملك كرمان بعد وفاة صاحبهـا قـوام الدولـة أبـي الفـوارس ابـن بهـاء الدولـة كمـا نذكـر فـي أخبارهـم فـي دولتهـم عنـد إفرادها بالذكر فنستوفي أخبارهم ودول سائـر بنـي بويـه وبنـي وشمكيـر وبنـي المرزبـان وغيرهـم مـن الديلـم فـي النواحي‏.‏

مسير جلال الدولة إلى الأهواز
كـان نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد صاحب الحلة ولم تكن الحلة يومئذ بمدينة قد خطب لأبي كاليجار لمضايقة المقلد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد وجمع عليه منيعاً أمير بني خفاجة وعساكر بغداد فخطب هو لأبي كاليجار واستدعاه لملك واسط وبها الملك العزيز ابن جلال الدولة فلحق بالنعمانية وتركها وضيق عليه نور الدولة من كل جهة فتفرق ناس من أصحابه وهلـك الكثيـر مـن أثقالـه‏.‏ واستولى أبو كاليجار على واسط ثم خطب له في البطيحة وأرسل إلـى قـرواش صاحـب الموصـل وعنـده الأثيـر عنبـر يستدعيهمـا إلـى بغداد فانحدر عنبر إلى الكحيل ومـات بـه‏.‏ وقعـد قـرواش وجمـع جلـال الدولـة عساكـره ببغـداد واستمد أبا الشوك وغيره وانحدر إلى واسط وأقام هنالك من غير قتال وضاقت عليه الأحوال‏.‏ واعتزم أبو كاليجار علـى مخالفتـه إلـى بغـداد وجـاءه كتـاب أبـي الشـوك بزحف عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ويشير بالصلح والاجتماع لمدافعتهم فأنفذ أبو كاليجار الكتاب‏.‏ لجلـال الدولـة فلـم ينتـه عـن قصـده ودخـل الأهـواز فنهبهـا وأخـذ مـن دار الإمـارة مائتي ألف دينار‏.‏ واستباح العرب والأكراد سائر البلد وحمل حريم كاليجار إلى بغداد سبياً فماتت أمه في الطريق‏.‏ وسار أبو كاليجار لاعتراض جلـال الدولـة وتخلـف عنـه دبيـس لدفـع خفاجـة عـن أصحابـه واقتتلوا في ربيع سنة إحدى وعشرين ثلاثة أيام فانهزم أبو كاليجار وقتل من أصحابه ألفان‏.‏ ودبيس لما فارق أبا كاليجار وصل إلى بلده وجمع إليه جماعة من قومه وكانوا منتقضين عليه بالجامعيـن فأوقـع بهـم وحبـس منهـم وردهـم إلـى وفاقـه‏.‏ ثـم لقـي المقلـد بـن أبي الأغر وعساكر جلال الدولة فانهزم أمامهم وأسر جماعة من أصحابه وسار منهزماً إلى أبي سنان غريب ابن مكين فأصلح حاله مع جلال الدولة وأعاده إلى ولايته على ضمان عشرة آلاف دينار وسمع بذلك المقلـد فجمـع خفاجـة ونهبـوا النيـل وسـورا وأحرقـوا منازلهـا‏.‏ ثم عبر المقلد إلى أبي الشوك فأصلح أمـره مـع جلـال الدولـة‏.‏ ثـم بعـث جلـال الدولة سنة إحدى وعشرين عسكره إلى المدار فملكها من يد أصحاب أبي كاليجار واستباحوها وبعث أبو كاليجار عسكره لمدافعتهم فهزموهم وثار أهل البلد بهم فقتلوهم ولحق من نجا منهم بواسط وعادت المدار إلى أبي كاليجار‏.‏ لما استولى جلال الدولة على واسط نزل بها ولده وبعث وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح فملكهـا‏.‏ ثـم بعثـه إلى البصرة وبها أبو منصور بختيار بن علي من قبل أبي كاليجار فسار في السفـن وعليهـم أبـو عبـد اللـه الشرابي صاحب البطيحة فلقي بختيار وهزمه‏.‏ ثم سار الوزير أبو علـي فـي أثـره فـي السفـن فهزمه بختيار‏.‏ وسيق إليه أسيراً فأكرمه وبعثه إلى أبي كاليجار فأقام عنـده وقتله غلمانه خوفاً منه لقبيح منه اطلع عليه‏.‏ وكان قد أحدث في ولايته رسوماً جائرةً ومكوساً فاضحةً‏.‏ ولما أصيب الوزير أبو علي بعث جلال الدولة من كان عنده من جنـد البصـرة فقاتلوا عسكر أبي كاليجار وهزموهم وملكوا البصرة ونجا من كان بها إلى أبي منصور بختيار بالابلة‏.‏ وبعث السفن لقتاله من بالبصرة فظفر بهم أصحاب جلال الدولة فسار بختيار بنفسه وقاتلهم وانهزم وقتل وأخذ كثير من السفهاء‏.‏ وعزم الأتراك بالبصرة على المسير إلى الابلة وطلبوا المال من العامل فاختلفوا وتنازعوا وافترقوا ورجع صاحب البطيحة واستأمن آخرون إلى أبي الفرج بن مسافجس وزير أبي كاليجار‏.‏ وجـاء إلـى البصـرة فملكهـا‏.‏ ثـم توفـي بختيـار نائـب الملـك أبـي كاليجار في البصرة وقام بعده صهره أبـو القاسـم بطاعـة أبي كاليجار في البصرة‏.‏ ثم استوحش وانتقض وبعث بالطاعة لجلال الدولة وخطب له وبعث إلى ابنه العزيز بواسط يستدعيه فسار إليه وأخرج عساكر أبي كاليجار وأقام معه إلى سنة خمس وعشرين حكم لأبي القاسم‏.‏ ثم أغراه الديلم به وأنه يتغلب عليه فأخرجه العزيز وامتنع بالابلة وحاربهم أياماً وأخرج العزيز عن البصرة ولحق بواسط وعاد أبو القاسم إلى طاعة أبي كاليجار‏.‏

وفاة القادر ونصب القائم
ثم توفي القادر بالله سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة لإحدى وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وكانت الخلافة قبلها قد ذهب رونقها بجسارة الديلم والأتراك عليها فأعاد إليها أبهتها وجـدد ناموسهـا وكـان لـه فـي قلـوب النـاس هيبـة‏.‏ ولمـا توفـي نصـب للخلافـة ابنـه أبـو جعفـر عبد الله وقد كان أبوه بايع له بالعهد في السنة قبلها لمرض طرقه وأرجف الناس بموتـه فبويـع الـآن واستقرت له الخلافة ولقب القائم بأمر الله‏.‏ وأول من بايعه الشريف المرتضى‏.‏ وبعث القاضي أبا الحسن الماوردي إلى أبي كاليجار ليأخذ يه البيعة ويخطب له في بلاده فأجاب وبعث بالهدايا ووقعت لأول بيعته فتنة بين أهل السنة والشيعة وعظم الهرج والنهب والقتل وخربت فيها أسواق وقتل كثير من جباة المكوس‏.‏ وأصيب أهل الكرخ وتطـرق الدعـار إلـى كبـس المنازل ليلاً وتنادى الجند بكراهية جلال الدولة وقطع خطبته‏.‏ ولم يجبهم القائـم إلـى ذلـك وفـرق جلـال الدولـة فيهـم الأمـوال فسكنـوا وقعـد في بيته وأخرج دوابه من الاصطبل وأطلقها بغير سائس ولا حافظ لقلة العلف‏.‏ وطلب الأتراك منه أن يحملهم في كل وقت فأطلقهـا وكانـت خمسة عشر وفقد الجاري فطرد الطواشي والحواشي والأتباع وأغلق باب داره والفتنة تتزايد إلى آخر السنة‏.‏ وثوب الجند بجلال الدولة وخروجه من بغداد ثم جاء الأتراك سنة ست وعشرين إلى جلال الدولة فنهبوا داره وكتبه ودواوينه وطلبوا الوزير أبا إسحاق السهيلي فهرب إلى حلة غريب بن مكين وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وخطبوا ببغداد لأبي كاليجار وهو بالأهواز واستقدموه فأشار عليه بعض أصحابه بالامتناع فاعتذر إليهـم فأعادوا جلال الدولة‏.‏ وساروا إليه معتذرين وأعادوه بعد ثلاثة وأربعين يوماً‏.‏ واستوزر أبـا القاسـم بـن ماكولا ثم عزله واستوزر عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم‏.‏ ثم أمره بمصادرة أبـي المعمـر بـن الحسيـن البساسيـري فاعتقلـه فـي داره وجـاء الأتـراك لمنعـه فضربـوا الوزيـر ومزقوا ثيابه وأدموه‏.‏ وركب جلال الدولة فأطفأ الفتنة وأخذ من البساسيري ألف دينار وأطلقه واختفى الوزير‏.‏ ثم شغب الجند ثانياً في رمضان أنكروا تقديم الوزير أبي القاسم من غير علمهم وأنه يريد التعرض لأموالهم فوثبوا به ونهبوا داره وأخرجوه إلى مسجد هالك فوكلوا به فوثب العامة مع بعض القواد من أصحابه فأطلقوه وأعادوه إلى داره وذهب هو في الليـل إلـى الكـرخ بحرمـه ووزيـره أبـو القاسـم معه‏.‏ واختلف الجند في أمره وأرسلوا إليه بأن يملكوا بعض أولاده الأصاغر وينحدر هو إلى واسط وهو في خلال ذلك يستميلهم حتى فرق جماعتهم وجاء الكثير إليه فأعادوه إلى داره واستخلف البساسيـري فـي جماعـة للجانـب الغربـي سنـة خمـس وعشريـن لاشتداد أمر العيارين ببغداد وكثرة الهرج وكفايته هو ونهضته‏.‏ ثـم عـاد أمـر الخلافـة والسلطنـة إلـى أن اضمحـل وتلاشـى وخـرج بعض الجند إلى قرية فلقيهم أكراد وأخذوا دوابهم وجاؤوا إلى بستان القائم فتعللوا على عماله بأنهم لا يدافعوا عنهم ونهبوا ثمرة البستان وعجز جلال الدولة من عتاب الأكراد وعقاب الجند وسخط القائم أمره وتقدم إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل المراتب الدينية فرغب جلال الدولة من الجند أن يحملهم إلى ديوان الخلافة فحملوا وأطلقوا وعظم أمر العيارين وصاروا في حماية الجند وانتشر العرب في النواحي فنهبوها وافسدوا السابلة وبلغوا جامع المنصور من البلد وسلبوا النساء في المقبرة‏.‏ ولحق الوزير أبو سعيد وزير جلال الدولة بأبي الشوك مفارقاً للوزارة ووزر بعده أبا القاسم فكثـرت مطالبـات الجنـد عليـه فهرب وأخذه الجند وجاؤوا به إلى دار الملك حاسراً عارياً إلا من قميـص خلـق وذلـك لشهريـن مـن وزارتـه‏.‏ وعـاد سعيـد بـن عبـد الرحيـم إلى الوزارة‏.‏ ثم ثار الجند سنة سبع وعشرين بجلـال الدولـة وأخرجـوه مـن بغـداد بعـد أن استمهلهـم ثلاثـاً فأبـوا ورمـوه بالحجـارة فأصابـوه ومضى إلى دار المرتضى بالكرخ‏.‏ وسار منها إلى رافع بن الحسين بن مكن بتكريت ونهب الأتراك داره وقلعوا أبوابها ثم أصلح القائم شأنه مع الجند وأعاده وقبض على وزيره أبي سعيد بن عبد الرحيم وهي وزارته السادسة‏.‏ وفي هذه السنة نهى القائم عن التعامل بالدنانير المعزية وتقدم إلى الشهود أن لا يذكروها في كتب التعامل‏.‏

الصلح بين جلال الدولة وأبي كاليجار
ترددت الرسل سنة ثمان وعشرين بين جلال الدولة وابن أخيه أبي كاليجار حتى انعقد بينهما الصلح على يد القاضي أبي الحسن الماوردي وأبي عبد الله المردوسني واستحلف كل واحد منهمـا للآخـر وأظهـر جلـال الدولـة سنة تسع وعشرين من القائم الخطاب بملك الملوك فرد ذلك إلى الفتيـا وأجـازه القاضـي أبـو الطيـب الطبـري والقاضـي أبـو عبـد اللـه الصهيـري والقاضـي ابـن البيضاوي وأبو القاسـم الكرخـي ومنـع منـه القاضـي أبـو الحسـن المـاوردي ورد عليهـم فأخـذ بفتواهم وخطب له بملك الملوك‏.‏ وكان الماوردي أخص الناس بجلال الدولة وكان يتردد إليه‏.‏ ثم انقطع عنه بهذه الفتيا ولزم بيته من رمضان إلى النحر فاستدعاه جلـال الدولـة وحضـر خائفاً وشكره على القول بالحق وعدم المحاباة وقد عدت إلى ما تحب فشكره ودعا له وأذن للحاضرين بالانصراف معه وكان الإذن لهم تبعاً له‏.‏

استيلاء أبي كاليجار على البصرة
وفي سنة إحدى وثلاثين بعث أبو كاليجار عساكره إلى البصرة مع العادل أبي منصور ابن مسافنة وكانت في ولاية الظهير أبي القاسم وليها بعد بختيار انتقض عليه مرة ثم عاد وكان يحمـل إلـى أبـي كاليجـار كـل سنـة سبعين ألف دينار وكثرت أمواله ودامت دولته‏.‏ ثم تعرض ملا الحسيـن بـن أبـي القاسـم بـن مكـرم صاحـب عمـان فكاتب أبا كاليجار وضمن البصرة بزيادة ثلاثين ألف دينار وبعث أبو كاليجار العساكر مع ابن مسافية كما ذكرنا‏.‏ وجاء المدد من عمان إلى البصرة وملكوها وقبض على الظهير أبي القاسم وأخـذت أموالـه وصـودر علـى مائتـي ألـف دينـار فأعطاهـا‏.‏ وجـاء الملك أبو كاليجار البصرة فأقام بها أياماً وولى فيها ابنه عز الملوك ومعه الوزير أبو الفرج بن فسانجس ثم عاد إلى الأهواز وحمل معه الظهر‏.‏ ثم شغب الأتراك على جلال الدولة سنة اثنتيـن وثلاثيـن وخيمـوا بظاهـر البلـد ونهبـوا منهـا مواضع‏.‏ وخيم جلال الدولة بالجانب الغربي وأراد الرحيل عن بغداد فمنعه أصحابه فاستمد دبيس بن مزيد وقرواشاً صاحب الموصل فأمدوه بالعساكر‏.‏ ثم صلحت الأحوال بينهم وعاد إلى داره وطمع الأتراك وكثر نهبهم وتعديهم وفسدت الأمور بالكلية‏.‏

دولة السلجوقية
ابتداء دولة السلجوقية قـد تقـدم لنـا أن أمـم التـرك فـي الربـع الشرقـي الشمالـي مـن المعمـور‏:‏ مـا بين الصين إلى تركستان إلى خوارزم والشاش وفرغانة وما وراء النهر بخارى وسمرقند وترمذ وإن المسلمين أزاحوهـم أول الملة عن بلاد ما وراء النهر وغلبوهم عليها وبقيت تركستان وكاشغر والشاش وفرغانة بأيديهم يؤدون عليها الجزاء‏.‏ ثم أسلموا عليها فكان لهم بتركستان ملك ودولة نذكرها فيما بعد فإن استفحالهـا كـان فـي دولـة بنـي سامـان جيرانهـم فيمـا وراء النهـر وكـان فـي المفازة بين تركستان وبلاد الصين أمم من الترك لا يحصيهم إلا خالقهم لاتساع هذه المفازة وبعد أقطارها فإنها فيما يقال مسيرة شهر من كل جهة فكان هنالك أحياء بادون منتجعون رجالة غذاؤهم اللحوم والألبان والـذرة فـي بعـض الأحيـان ومراكبهـم الخيـل ومنهـا كسبهـم وعليهـا قيامهم وعلى الشاء والبقر من بين وكان من أممهم الغز والخطا والتتر وقد تقدم ذكر هؤلاء الشعوب‏.‏ فلما انتهت دولة ملوك تركستان وكان شغر إلى غايتها وأخذت في الاضمحلال والتلاشي كما هو شأن الدول وطبيعتهـا تقـدم هـؤلاء إلـى بلـاد تركستـان فأجلبـوا عليها بما كان غالب معاشهم في تخطف الناس من السبل وتناول الرزق بالرماح شأن أهل القفر البادين وأقاموا بمفازة بخارى‏.‏ ثم انقرضت دولة بني سامان ودولة أهل تركستان‏.‏ واستولى محمود بن سبكتكين من قواد بني سامان وصنائعهم على ذلك كله‏.‏ وعبر بعض الأيام إلى بخارى فحضر عنده أرسلـان بـن سلجـوق فقبـض عليـه وبعـث بـه إلـى بلـاد الهنـد فحبسه وسار إلى أحيائه فاستباحها ولحق بخراسان وسارت العساكر في اتباعهم فلحقوا بأصبهان وهم صاحبها علاء الدولة ابن كالويه بالغدر بهم وشعروا بذلك فقاتلوه بأصبهان فغلبهم فانصرفوا إلى أذربيجان فقاتلهم صاحبها وهشودان من بني المرزبان‏.‏ وكانوا لما قصدوا أصبهان بقي فلهم بنواحـي خـوارزم فعاثـوا فـي البلـاد وخـرج إليهـم صاحـب طـوس وقاتلهـم‏.‏ وجـاء محمود بن سبكتكين فسار فـي اتباعهـم مـن رستـاق إلـى جرجـان ورجع عنهم ثم استأمنوا فاستخدمهم وتقدمهم يغمر وأنزل ابنه بالري‏.‏ ثم مات محمود وولي أخوه مسعـود وشغـل بحـروب الهنـد فانتقضـوا وبعـث إليهـم قائـداً فـي العساكر وكانوا يسمون العراقية وأمراؤهم يومئذ كوكاش ومرقاوكول ويغمر وباصعكي ووصلـوا إلى الدامغان فاستباحوها ثم سمنان ثم عاثوا في أعمال الري واجتمع صاحـب طبرستـان وصاحب الري مع قائد مسعود وقاتلوهم فهزمهم الغـز وفتكـوا فيهـم وقصـدوا الـري فملكـوه وهرب صاحبه إلى بعض قلاعه فتحصن بها وذلك سنة ست وعشرين وأربعمائة‏.‏ واستألفهـم عـلاء الدولـة بن كالويه ليدافع بهم ابن سبكتكين فأجابوه أولاً ثم انتقضوا‏.‏ وأما الذين قصدوا أذربيجان منهم ومقدموهم بوقا وكوكباش ومنصور ودانا فاستألفهم وهشودان ليستظهر بهـم فلـم يحصـل علـى بغيتـه مـن ذلك‏.‏ وساروا إلى مراغة سنة تسع وعشرين فاستباحوها ونالوا من الأكراد الهديانية فحاربوهم وغلبوهم وافترقوا فرقتين فرجع بوقا إلى أصحابهم الذين بالري وسـار منصـور وكوكبـاش إلـى همـدان وبها أبو كاليجار بن علاء الدولة بن كالويه فظاهرهم على حصاره متى خسرو بن مجد الدولة‏.‏ فلما جهد الحصار لحق بأصبهان وترك البلد فدخلوها واستباحوها وفعلوا في الكرخ مثل ذلك وحاصروا قزوين حتى أطاعوهم وبذلوا لهم سبعة آلاف دينار‏.‏ وسار طائفة منهم إلى بلد الأرمن فاستباحوها وأثخنوا فيها ورجعوا إلى أرمينية‏.‏ ثم رجعوا من الري إلى حصار همذان فتركها أبو كاليجار وملكوها سنة ثلاثين ومعهم متى خسـرو المذكـور فاستباحـوا تلك النواحي إلى استراباذ وقاتلهم أبو الفتح بن أبي الشوك صاحب الدينور فهزمهم وأسر منهم وصالحوه على إطلاق أسراهم‏.‏ ثم مكروا بأبي كاليجار أن يكون معهم ويدبر أمرهم وغدروا به ونهبوه‏.‏ وخر علاء الدولة من أصبهان فلقي طائفة منهم فأوقع بهـم وأثخن فيهم وأوقع وهشودان بمن كان منهم في أذربيجان وظفر بهم الأكراد وأثخنوا فيهم وفرقوا جماعتهم‏.‏ ثم توفي كول أمير الفرق التي بالري وكانوا لما أجازوا من وراء النهر إلى خراسان بقي بمواطنهم الأولى هنالك طغرلبك بن ميكاييل بن سلجـوق وإخوتـه داود وسعـدان ونيـال وهمفـري فخرجـوا إلـى خراسـان من بعدهم وكانوا أشد منهم شوكة وأقوى عليهم سلطاناً فسار نيـال أخـو طغرلبـك إلـى الـري فهربـوا إلـى أذربيجـان ثم إلى جزيرة ابن عمر وفي ديار بكر‏.‏ ومكر سليمان بن نصير الدولة بن مروان صاحب الجزيرة بمنصور بن عز ير علي فحبسه وافترق أصحابه وبعث قرواش صاحب الموصل إليهم جيشه فطردهم وافترقت جموعهم ولحق الغز بديـار بكـر وأثخنـوا فيهـا وأطلـق نصيـر الدولة أميرهم منصوراً من يد ابنه فلم ينتفع منهم بذلك‏.‏ وقاتلهم صاحب الموصل فحاصروه ثم ركب في السفين ونجا إلى السند وملكوا البلد وعاثوا فيها‏.‏ وبعث قرواش إلى الملك جلال الدولة يستنجده وإلى دبيس بن مزيد وأمراء العرب‏.‏ وفرض الغز على أهل الموصل عشرين ألف دينار فثار الناس بهم وكان كوكباش قد فارق الموصل فرجع ودخلها عنوة في رجب سنة خمس وثلاثين وأفحش في القتل والنهب‏.‏ وكانوا يخطبون للخليفة ولطغرلبك بعده فكتب الملك جلال الدولة إلى طغرلبك يشكو لـه بأحوالهـم فكتـب إليـه أن هـؤلاء الغـز كانـوا فـي خدمتنـا وطاعتنـا حتـى حـدث بيننـا وبيـن محمـود بـن سبكتكين مـا علمتـم ونهضنـا إليـه وسـاروا فـي خدمتنـا فـي نواحي خراسان فتجاوزوا حدود الطاعة وملكة الهيبة ولا بد من إنزال العقوبة بهم وبعث إلى نصير الدولة بعده يكفهم عنه‏.‏ وسار دبيس بن مزيد وبنو عقيل إلى قرواش صاحب الموصل وقعد جلال الدولة عن إنجاده لما نزل به من الأتراك وسمع الغر بجموع قرواش فبعثوا إلى من كان بديار بكر منهم واجتمعوا إليهـم واقتتـل الفريقـان فانهـزم العـرب أول النهـار ثـم أتيحت لهم الكرة على الغز فهزموهم واستباحوهم وأثخنوا فيهم قتلاً وأسراً واتبعهم قرواش إلى نصيبين ورجع عنهم فساروا إلى ديـار بكـر وبلـاد الأرمن والروم وكثر عيثهم فيها‏.‏ وكان طغرلبك وإخوته لما جاؤوا إلى خراسان طالت الحروب بينهم وبين عساكر بني سبكتكين حتى غلبوهم وحصل لهم الظفر وهزموا سياوشي حاجب مسعود آخر هزائمهم وملكوا هراة فهرب عنها سياوشي الحاجـب ولحـق بغزنة وزحف إليهم مسعود ودخلوا البرية ولم يزل في اتباعهم ثلاث سنين‏.‏ ثـم انتهـزوا فيـه الفرصـة باختلـاف عسكـره يومـاً علـى المـاء فانهزمـوا وغنمـوا عسكـره وسـار طغرلبـك إلـى نيسابـور سنـة إحـدى وثلاثيـن فملكهـا وسكـن السادياج وخطب له بالسلطان الأعظم العمال في النواحي‏.‏ وكان الدعار قد اشتد ضررهم بنيسابور فسد أمرهم وحسم عللهم واستولى السلجوقية على جميع البلاد‏.‏ وسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها القوتيـاق حاجـب مسعـود فحاصـره وعجـز مسعـود عـن إمـداده فسلـم البلـد لداود واستقل السلجوقيـة بملـك البلـاد أجمـع‏.‏ ثـم ملـك طغرلبـك طبرستـان وجرجـان من يد أنو شروان بن متوجهر قابـوس وضمنهـا أنـو شـروان بثلاثيـن ألـف دينـار وولـى على جرجان مرداويج في أصحابه بخمسين ألـف دينـار وبعث القائم القاضي أبو الحسن الماوردي إلى طغرلبك فقرر الصلح بينه وبين جلال الدولة القائم بدولته ورجع بطاعته‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:02 AM

فتنة قرواش مع جلال الدولة
كان قرواش قد أنفذ عسكره سنة إحدى وثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت واستغاث بجلال الدولة وأمر قرواشاً بالكف عنه فلم يفعل وسار لحصاره بنفسه‏.‏ وبعث إلى الأتراك ببغـداد يستفسدهـم علـى جلـال الدولـة فاطلـع علـى ذلـك فبعـث أبـا الحـارث أرسلـان البساسيـري في صفر سنة اثنتين وثلاثين للقبض على نائب قرواش بالسندسية واعترضه العرب فمنعوه ورجع وأقامـوا بين صرصر وبغداد يفسدون السابلة وجمع جلال الدولة العساكر وخرج إلى الأنبار وبها قرواش فحاصرها‏.‏ ثم اختلفت عقيل على قرواش فرجع إلى مصالحة جلال الدولة‏.‏

وفاة جلال الدولة وملك أبي كاليجار
لما قلت الجبايات ببغداد مد جلال الدولة يده إلى الجوالي فأخذها وكانت خاصة بالخليفة ثم توفـي جلـال الدولـة أبـو طاهـر بـن بهـاء الدولـة فـي شعبـان سنـة خمـس وثلاثيـن وأربعمائـة لسبـع عشرة مـن ملكـه‏.‏ ولمـا مـات خـاف حاشيته من الأتراك والعامة فانتقل الوزير كمال الملك بن عبد الرحيم وأصحابه الأكابر إلى حرم دار الخلافة واجتمع القواد للمدافعة عنهم وكاتبوا الملك العزيز أبا منصور بن جلال الدولة في واسط بالطاعة واستقدموه وطلبـوا حـق البيعـة فراوضهـم فيهـا فكاتبهم أبو كاليجار عنها فعدلوا إليه‏.‏ وجاء العزيز من واسط وانتهى إلى النعمانية فغدر به عسكـره ورجعوا إلى واسط وخطبوا لأبي كاليجار‏.‏ وسار العزيز إلى دبيس بن مزيد ثم إلى قـرواش بـن المقلـد ثم فارقه إلى أبي الشوك فغدر به فسار إلى نيال أخي طغرلبك فأقام عنده مدة ثم قصد بغداد مختفياً فظهر على بعض أصحابه فقتله ولحق هو بنصير الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين سنة إحدى وأربعين‏.‏ وأما أبـو كاليجـار فخطـب لـه ببغـداد فـي صفـر سنـة سـت وثلاثيـن‏.‏ وبعـث إلـى الخليفـة بعشـرة آلـاف دينـار وبأمـوال أخـرى فرقـت إلـى الجنـد ولقبـه القائـم بمحيـي الدين وخطب له أبو الشوك ودبيس بن مزيـد ونصيـر الدولـة بـن مـروان بأعمالهم‏.‏ وسار إلى بغداد ومعه وزيره أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس‏.‏ وهم القائم لاستقباله فاستعفى من ذلك وخلع على أرباب الجيوش وهم البساسيري والنساوري والهمام أبو اللقاء‏.‏ وأخرج عميد الدولة أبا سعيـد مـن بغـداد فمضى إلى تكريت وعاد أبو منصور بن علاء الدولة بن كالويه صاحب أصبهان إلى طاعته وخطب له على منبره انحرافاً عن طغرلبك‏.‏ ثـم راجعـه بعـد الحصـار واصطلحـا علـى مـال يحملـه وبعـث أبو كاليجار إلى السلطان طغرلبك في الصلح وزوجه ابنته فأجاب وتم بينهما سنة تسع وثلاثين‏.‏

وفاة أبي كاليجار وملك ابنه الملك الرحيم
كان أبو كاليجار والمرزبان بن سلطان الدولة قد سارا سنة أربعين إلى نواحي كرمان وكان صاحبها بهرام بن لشكرستان من وجوه الديلم قد منع الحمل فتنكر له أبو كاليجار وبعث إلى أبي كاليجار يحتمي به وهو بقلعة بردشير فملكها من يده وقتل بهرام بعض الجند الذين ظهر منهـم علـى الميـل لأبـي كاليجـار فسـار إليـه ومرض في طريقه ومات بمدينة جنايا في سنة أربعين لأربع سنين وثلاثة أشهر من ملكه‏.‏ ولما توفي نهب الأتراك معسكره وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور وأرادوا نهبه فمنعهم الديلم وساروا إلى شيراز فملكها أبو منصور واستوحش الوزير منه فلحق ببعـض قلاعـه وامتنـع بهـا ووصـل خبـر وفـاة أبـي كاليجار إلى بغداد وبها ولده الملك الرحيم أبو نصر خسرو فيروز فبايع له الجند وبعث إلى الخليفـة فـي الخطبـة والتلقـب بالملـك الرحيـم فأجابـه إلـى مـا سـأل إلا اللقـب بالرحيـم للمانـع الشرعـي من ذلك‏.‏ واستقر ملكه بالعراق وخوزستان والبصرة وكان بها أخوه أبو علي واستولى أخوه أبو منصور كما ذكرنا على شيراز فبعث الملك الرحيم أخاه أبا سعد في العساكر فملكها وقبض علـى أخيـه أبي منصور وسار العزيز جلال الدولة من عند قرواش إلى البصرة فدافعه أبو علي بن كاليجار عنها‏.‏ ثم سار الملك الرحيم إلى خوزستان وأطاعه من بها من الجند وكثرت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة‏.‏

مسير الملك الرحيم إلى فارس
ثم سار الملك الرحيم من الأهواز إلى فارس سنـة إحـدى وأربعيـن وخيـم بظاهـر شيـراز ووقعت فتنة بين أتراك شيراز وبغداد فرحل أتراك بغداد إلى العراق وتبعهم الملك الرحيم لانحرافه عن أتراك شيراز‏.‏ وكان أيضا منحرفاً عن الديلم بفارس لميلهم إلى أخيه فلاستون باصطخـر وانتهـى إلـى الأهواز فأقام بها واستخلف بارجان أخويه أبا سعد وأبا طالب فزحف إليهما أخوهما فلاستون وخرج الملك الرحيم من الأهواز إلى رامهز للقائهم فلقيهم وانهزم إلى البصرة ثم إلى واسط وسارت عساكر فارس إلى الأهواز فملكوها وخيموا بظاهرها‏.‏ ثم شغبـوا علـى أبـي منصـور وجاء بعضهم إلى الملك الرحيم فبعث إلى بغداد واستقر الجند الذين بها وسار إلى الأهواز فملكها وأقام ينتظر عسكر بغداد‏.‏ ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة اثنتين وأربعين‏.‏ ثـم تقـدم سنـة ثلـاث وأربعين ومعه دبيس بن مزيد والبساسيري وغيرهما‏.‏ وسار هزارشب بن تنكيـر ومنصـور بـن الحسيـن الأسـدي فيمـن معهمـا مـن الديلـم والأكـراد من أرجان إلى تستر فسبقهم الملـك الرحيـم إليهـا وغلبهـم عليهـا‏.‏ ثـم زحـف فـي عسكـر هزارسـب فوافـاه أميـره أبـو منصور بمدينة شيراز فاضطربوا ورجعوا ولحق منهم جماعة بالملك الرحيم فبعث عساكر إلى رامهرمز وبها أصحاب أبي منصور فحاصرها وملكها في ربيـع سنـة ثلـاث وأربعيـن‏.‏ ثـم بعـث أخـاه أبـا سعـد فـي العساكـر إلـى بلـاد فـارس لـأن أخـاه أبـا نصـر خسـرو كان باصطخر وضجر من تغلب هزارشب بن تنكير صاحب أخيه أبي منصور فكتب إلى أخيه الملك الرحيم بالطاعة فبعث إليه أخاه أبا سعد فأدخله اصطخر وملكه‏.‏ ثم اجتمع أبو منصور فلاستون وهزارسب ومنصور بن الحسين الأسدي وساروا للقاء الملك الرحيم بالأهواز واستمدوا السلطان طغرلبك وأبو إطاعته فبعث إليهم عسكراً وكان قد ملك أصبهـان واستطـال وافتـرق كثيـر مـن أصحـاب الملـك الرحيم عنه مثل البساسيري ودبيس بن مزيد والعـرب والأكـراد وبقي في الديلم الأهوازية وبعض الأتراك من بغداد‏.‏ ورأى أن يعود من عسكر مكـرم إلـى الأهـواز ليتحصن بها وينتظر عسكر بغداد‏.‏ ثم بعث أخاه أبا سعد إلى فارس كما ذكرنـا ليشعل أبا منصور وهزراسب ومن معهما عن قصده فلم يعرجوا على ذلك وساروا إليه بالأهـواز وقاتلهـم فانهـزم إلـى واسـط ونهب الأهواز وفقد في الواقعة الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم فلم يوقف له على خبر‏.‏ وسار أبو منصور وأصحابه إلى شيراز لأجل أبي سعد وأصحابه فلقيهم قريباً منها وهزمهم مرات واستأمن إليه الكثير منهم واعتصم أبو منصور ببعض القلاع وأعيدت الخطبة بالأهواز للملـك الرحيـم واستدعـاه الجنـد بهـا وعظمـت الفتنـة ببغـداد بيـن أهـل السنـة والشيعـة فـي غيبة الملك الرحيـم واقتتلـوا وبعـث القائـم نقيـب العلوييـن ونقيـب العباسييـن لكشـف الأمر بينهما فلم يوقف على يقين في ذلك‏.‏ وزاد الأمر وأحرقت مشاهد العظماء من أهل البيت وبلغ الخبر إلى دبيس بن مزيد فاتهم القائم بالمداهنة في ذلك فقطع الخطبة له ثم عوتب فاستعتب وعاد إلى حاله‏.‏

مهادنة طغرلبك للقائم
قـد تقم لنا شأن الغز واستيلائهم على خراسان من يد بني سبكتكين عام اثنتين وثلاثين ثم استيلاء طغرلبـك علـى أصبهـان مـن يـد ابـن كالويـه سنـة اثنتيـن وأربعيـن‏.‏ ثـم بعـث السلطـان طغرلبـك أرسلـان ابـن أخيـه داود إلـى بلاد فارس فافتتحها سنة اثنتين وأربعين واستلحم من كان بها من الديلم ونزل مدينة نسا وبعث إليه القائم بأمر الله بالخلع والألقاب وولاه على ما غلب عليه فبعث إليه طغرلبك بعشرة آلـاف دينـار وأعلـاق نفيسـة مـن الجواهـر والثيـاب والطيـب وإلـى الحاشية بخمسة آلاف دينار وللوزير رئيس الرؤسـاء بألفيـن وحضـروا العيـد فـي سنـة ثلـاث وأربعين ببغداد فأمر الخليفة بالاحتفال في الزينة والمراكب والسلاح‏.‏ ثم سار الغز سنة أربع وأربعين إلى شيراز وبها الأمير أبو سعد أخو الملك الرحيم فقاتلهم وهزمهم كما نذكر في أخبارهم‏.‏

استيلاء الملك الرحيم على البصرة من يد أخيه
ثـم بعث الملك الرحيم سنة أربع وأربعين جيوشه إلى البصرة مع بصيرة البساسيري فحاصروا بهـا أخـاه أبا علي وقاتلوا عسكره في السفن فهزموهم وملكوا عليهم دجلة والأنهر‏.‏ وجاء الملك الرحيم بالعسكر في البر واستأمن إليه قبائل ربيعة ومضر فأمنهم وملك البصرة وجاءته رسل الديلـم بخوزستـان بطاعتهـم‏.‏ ومضـى أخوه أبو علي إلى شط عمان وتحصن به فسار إليه الملك الرحيم وملك عليه شط عمان ولحق بعبادان وسار منها إلى أرجان‏.‏ ثـم لحـق بالسلطـان طغرلبك بأصبهان فأكرمه وأصهر إليه وأقطع له وأنزله بقلعة من أعمال جرباذقان‏.‏ وولى الملك الرحيـم وزيـره البساسيـري علـى البصـرة وسار إلى الأهواز وأرسل منصور بن الحسين وهزارشب في تسليم أرجان وتستر فتسلمها واصطلحا‏.‏ وكان المقدم على أرجان فولاد بن خسرو من الديلم فرجع إلى طاعة الملك الرحيم سنة خمس وأربعين‏.‏

فتنة ابن أبي الشوك ثم طاعته
كـان سعـدي بـن أبـي شـوك قـد أعطـى طاعته للسلطان طغرلبك بنواحي الري وسار في خدمته وبعثـه سنـة أربـع وأربعيـن فـي العساكـر إلـى نواحـي العـراق فبلـغ النعمانيـة وكثـر عيثـه وراسلـه ملـد من بنـي عقيـل قرابـة قريـش بـن بـدران فـي الاستظهـار له على قريش ومهلهل أخي أبي الشوك فوعهم فسار إليهم مهلهل وأوقع بهم على عكبرا فساروا إلى سعدي وشكوا إليه وهو على سامرا فسـار وأوقـع بعمـه مهلهل وأسره وعاد إلى حلوان وهم الملك الرحيم بتجهيز العساكر إليه بحلوان واستقدم دبيس بن مزيد لذلك‏.‏ ثم عظمت الفتنة سنة خمس وأربعين ببغداد من أهل الكرخ وأهل السنة ودخلها طوائف من الأتراك وعم الشر وأطرحت مراقبة السلطان وركب القواد لحسم العلة فقتلوا علوياً من أهل الكـرخ فنـادت نساؤه بالويل فقاتلهم العامة وأضرم النار في الكرخ بعض الأتراك فاحترق جميعه‏.‏ ثـم بعـث القائـم وسكـن الأمر وكان مهلهل لما أسر سار ابنه بدر إلى طغرلبك وابن سعدي كان عنـده رهينـة وبعث إلى سعدي بإطلاق مهلهل عند ذلك فامتنع سعدي من ذلك وانتقض على طغرلبك وسار من همذان إلى حلوان وقاتلها فامتنعت عليه فكاتب الملك الرحيم بالطاعة ولحقـه عساكـر طغرلبـك فهزموه ولحق ببعض القلاع هنالك‏.‏ وسار بدر في اتباعه إلى شهرزور ثم جاءه الخبر بأن جمعاً من الأكراد والأتراك قد أفسدوا السابلة وأكثروا العيث فخرج إليهم البساسيـري واتبعهـم إلـى البواريـخ وأوقـع بالطوائـف منهـم واستباحهـم وعبـروا الزاب فلم يمكنه العود إليهم ونجوا‏.‏

وفي سنة سـت وأربعيـن
شغب الأتراك على وزير الملك الرحيم في مطالبة أرزاقهم واستعدوه عليه فلم يعدهم فشكوا من الديوان وانصرفوا مغضبين وباركوا من الغد لحصار دار الخليفة‏.‏ وحضـر البساسيـري واستكشف حال الوزير فلم يقف له على خبر‏.‏ وكبست الدور في طلبه فكان ذلك وسيلة للأتراك في نهب دور الناس‏.‏ واجتمع أهل المحال لمنعهم ونهاهم الخليفة فلم ينتهـوا فهـم بالرحلـة عـن بغـداد‏.‏ ثـم ظهـر الوزيـر وأنصفهـم فـي أرزاقهـم فتمادوا على بغيهم وعسفهم واشتد عيث الأتراك والأعراب في النواحي فخربت البلاد وتفرق أهلها وأغار أصحاب ابن بدران بالبرد وكبسوا حلل كامل بن محمد بن المسيب ونهبوها ونهبوا في جملتها ظهراً وأنعاماً للبساسيري وانحل أمر الملك والسلطنة بالكلية‏.‏

استيلاء طغرلبك على أذربيجان وعلى أرمينية والموصل
سار طغرلبك سنة أربعين إلى أذربيجان فأطاعه صاحب قبرير أبو منصور وشهودان ابـن محمد وخطب له ورهن ولده عنده‏.‏ ثم أطاعه صاحب جنده أبو الأسوار ثم تبايع سائر النواحـي علـى الطاعـة وأخـذ رهنهم وسار إلى أرمينية فحاصر ملاذكرد وامتنعت عليه فخرب مـا جاورهـا مـن البلـاد‏.‏ وبعـث إليـه نصيـر الدولـة بن مروان بالهدايا وقد كان دخل في طاعته من قبل‏.‏ وسار السلطان طغرلبك لغزو بلاد الروم واكتسحها إلى أن بلغ أردن الروم ورجع إلى أذربيجان ثـم إلـى الـري وخطـب لـه قريـش بـن بـدران صاحـب الموصـل فـي جميـع أعمالـه وزحـف إلـى الأنبـار ففتحهـا ونهـب مـا فيهـا البساسيـري فانتقض لذلك وسار في العساكر إلى الأنبار فاستعاده من يده‏.‏

وحشة البساسيري
كان أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحبي قريش بن بدران وبعثهما إلى القائم سراً من البساسيـري بمـا فعـل بالأنبـار فانتقـض البساسيـري لذلـك واستوحـش مـن القائـم ومـن رئيـس الرؤسـاء وأسقـط مشاهرتهـم ومشاهـرة حواشيهـم وهـم بهدم منازل بني المجلبان‏.‏ ثم أقصر وسار إلى الأنبار وبها أبو القاسم بن المجلبان وجاءه دبيس بن مزيد ممداً له فحاصر الأنبار وفتحها عنـوة ونهبهـا وأسـر مـن أهلها خمسمائة ومائة من بني خفاجة وأسر أبا الغنائم وجاء به إلى بغدا فأدخله على جمل وشفع دبيس بن مزيد في قتله وجاء إلى مقابل التاج من دار الخليفة فقبل الأرض وعاد إلى منزله‏.‏

وصول الغز إلى الدسكرة ونواحي بغداد
وفـي شـوال مـن سنـة سـت وأربعيـن وصـل صاحب حلوان من الغز وهو إبراهيم بن إسحاق إلى الدسكـرة فافتتحهـا ونهبهـا وصـادر النسـاء‏.‏ ثـم سـار إلـى رسغبـاد وقلعـة البردان وهي لسعدي بن أبي الشوك وبها أمواله فامتنعت عليه فخرب ما حولها من القرى ونهبها وقوي طمع الغز في البلاد وضعف أمر الديلم والأتراك‏.‏ ثم بعث طغرلبك أبا علي ابن أبي كاليجار الذي كان بالبصـرة فـي جيـش من الغز إلى خوزستان فاستولى على الأهواز وملكها ونهب الغز الذين معه أموال الناس ولقوا منهم عناء‏.‏

استيلاء الملك الرحيم علي شيراز
وفي سنة سبـع وأربعيـن سـار فولاذ الذي كان بقلعة اصطخر من الديلم وقد ذكرناه إلى شيراز فملكها من يد أبي منصور فولاستون بن أبي كاليجار وكان خطب بها للسلطـان طغرلبـك فخطب فولاذ بها للملك الرحيم ولأخيه أبي سعد يخادعهما بذلك‏.‏ وكان أبو سعد بأرجان فاجتمـع هـو وأخـوه أبـو منصـور علـى حصـار شيـراز فـي طاعـة أخيهمـا الملك واشتد الحصار على فولاذ وعدمت الأقوات فهرب عنها إلى قلعة اصطخر وملك الأخوان شيراز وخطبا لأخيهما الملك الرحيم‏.‏ قد ذكرنا تأكد الوحشة بين البساسيري ورئيس الرؤساء‏.‏ ثـم تأكـدت سنـة سبـع وأربعيـن وعظمت الفتنة بالجانب الشرقي بين العامة وبين أهل السنة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحضروا الديوان حتى أذن لهـم فـي ذلـك وتعرضـوا لبعـض سفـن البساسيـري منحـدرة إليـه بواسط وكشفوا فيها عن جرار خمر فجاؤوا إلى أصحاب الديـوان الذيـن أمـروا بمساعدتهـم واستدعوهم لكسرها فكسروها واستوحش لذلك البساسيري ونسبه إلى رئيس الرؤساء‏.‏ واستفتى الفقهاء في أن ذلك تعد على سفينته فأفتاه الحنفية بذلك‏.‏ ووضع رئيس الرؤساء العيون على البساسيري بإذن من دار الخلافة وأظهر معايبه‏.‏ وبالغوا في ذلك ثم قصدوا في رمضان دور البساسيري بإذن من دار الخلافة فنهبوهـا وأحرقوهـا ووكلـوا بحرمـه وحاشيتـه‏.‏ وأعلن رئيس الرؤساء بذم البساسيري وأنه يكاتب المستنصر صاحب مصر فبعث القائم إلى الملك الرحيم فأمره بإبعاده فأبعده‏.‏

استيلاء السلطان طغرلبك على بغداد والخلعة والخطبة له
قد ذكرنا من قبل رجوع السلطان طغرلبك من غزو الروم إلى الري ثم رجع إلى همذان ثم سار إلى حلوان عازماً على الحج والاجتياز بالشام لازالته من يد العلوية‏.‏ وأجفل الناس إلى غربـي بغـداد وعظـم الإرجاف ببغداد ونواحيها وخيم الأتراك بظاهر البلد‏.‏ وجاء الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد البساسيري عنه كما أمره القائم فسار إلى بلد دبيس بن مزيد لصهر بينهما‏.‏ وبعث طغرلبك إلى لقائهما بالطاعة وإلى الأتراك بالمقاربة والوعد فلم يقبلوا وطلبوا من القائم إعادة البساسيري لأنه كبيرهم‏.‏ ولما وصل الملك الرحيم سأل من الخليفة إصلاح أمره مع السلطـان طغرلبـك فأشـار القائـم بـأن يقـوض الأجنـاد خيامهـم ويخيمـوا بالحريم الخلافي ويبعثوا جميعاً إلى طغرلبك بالطاعة فقبلوا إشارته وبعثوا إلى طغرلبك بذلك فأجاب بالقبول والإحسان‏.‏ وأمر القائم بالخطبة لطغرلبك على منابر بغداد فخطب آخر رمضان من سنة سبع وأربعين واستأذن في لقاء الخليفة وخرج إليه رؤساء الناس في موكب من القضاة والفقهاء والأشراف وأعيـان الديلـم‏.‏ وبعـث طغرلبـك للقائم وزيره أبا نصر الكندري وأبلغه رسالة القائم واستحلفه له وللملك الرحيم وأمراء الأجناد‏.‏ ودخل طغرلبك بغداد ونزل بباب الشماسية لخمس بقين من رمضان وجاء هنالك قريش بن بدران صاحب الموصل وكان من قبل في طاعته‏.‏

القبض على الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه
ولمـا نـزل طغرلبـك بغـداد وافتـرق أهـل عسكـره فـي البلـد يقضـون بعـض حاجاتهـم فوقعت بينهم وبين بعض العامة منازعة فصاحوا بهم ورجموهم وظن الناس أن الملك الرحيم قد اعتزم على قتال طغرلبك فتواثبوا بالغز من كل جهة إلا أهل الكرخ فإنهم سألوا من وقع إليهم من الغز وأرسل عميد الملك وزير طغرلبك عن عدنان بن الرضي نقيب العلويين وكان مسكنه بالكرخ فشكره عـن السلطـان طغرلبك‏.‏ ودخل أعيان الديلم وأصحاب الملك الرحيم إلى دار الخلافة نفياً للتهمة عنهـم‏.‏ وركـب أصحـاب طغرلبـك فقاتلـوا العامـة وهزموهم وقتلوا منهم خلقاً ونهبوا سائر الدروب ودور رئيـس الرؤسـاء وأصحابـه والرصافـة ودور الخلفـاء وكـان بهـا أموال الناس نقلت إليها للحرمة فنهب الجميع واشتد البلاء وعظم الخوف‏.‏ وأرسل طغرلبك إلى القائم بالعتاب ونسبة ما وقع إلى الملك الرحيم والديلم وأنهم انحرفوا وكانوا برآء من ذلك‏.‏ وتقدم إليهم الخليفة بالحضور عند طغرلبك مع رسوله فلما وصلوا إلى الخيام نهبها الغز ونهبوا رسـل القائـم معهـم‏.‏ ثـم قبـض طغرلبـك علـى الملـك الرحيـم ومـن معه وبعث بالملك الرحيم إلى قلعة السيـروان فحبـس بهـا وكـان ذلـك لسـت سنيـن من ملكه‏.‏ ونهب في تلك الهيعة قريش بن بدران صاحب الموصل ومن معه من العرب ونجا سليباً إلى خيمة بدر بن المهلهل واتصل بطغرلبك خبره فأرسل إليه وخلع عليه وأعاده إلى مخيمه وبعث القائم إلى طغرلبك بإنكار ما وقع في أخفـار ذمتـه في الملك الرحيم وأصحابه وأنه يتحول عن بغداد فأطلق له بعضهم بلكسكسالربه وأنزع الإقطاعات من يد أصحابه الملك الرحيم فلحقوا بالبساسيري وكثر جمعه وبعث طغرلبك إلـى دبيـس بالطاعـة وإنفاذ البساسيري فخطب له في بلاده وطرد البساسيري فسار إلى رحبة ملك وكاتب المستنصر العلوي صاحب مصر‏.‏ وأمـر طغرلبـك بأخـذ أمـوال الأتـراك الجند وأهملهم وانتشر الغز السلجوقية في سواد بغداد فنهبوا الجانب الغربي من تكريت إلى النيل والجانب الشرقي إلى النهروانات وخرب السواد وانجلـى أهله وضمن السلطان طغرلبك البصرة والأهواز من هزارشب بن شكر بن عياض بثلثمائـة وستين ألف دينار وأقطعه أرجان وأمره أن يخطب لنفسه بالأهواز دون ما سواها‏.‏ وأقطع أبا علي بن أبي كاليجار ويسين وأعمالها وأمر أهل الكرخ بزيادة‏:‏ الصلاة خير من النوم في نداء الصبح وأمر بعمارة دار المملكة وانتقل إليها في شوال‏.‏ وتوفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بالله في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏ ثم أنكح السلطان طغرلبك من القائم بالله خديجة بنت أخيه داود واسمها أرسلان خاتون وحضر للعقد عميد الملك الكندي وزير طغرلبك وأبو علي بن أبي كاليجار وهزارسب بن شكر بن عياض الكردي وابن أبي الشـوك وغيرهـم مـن أمـراء الأتـراك مـن عسكـر طغرلبـك‏.‏ وخطـب رئيس الرؤساء وولي العقد وقبل الخليفة بنفسه‏.‏ وحضر نقيب النقباء أبو علي بن أبي تمام ونقيب العلويين عدنان بن الرضي والقاضي أبو الحسن الماوردي وغيرهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:03 AM

انتقاض أبي الغنائم بواسط
كان رئيس الرؤساء سعى لأبي الغنائم بن المجلبان في ولاية واسط وأعمالها فوليها وصادر أعيانها وجند جماعة وتقوى بأهل البطيحة وخندق على واسط وخطب للمستنصر العلوي بمصـر فسـار أبو نصر عميد العراق لحربه فهزمه وأسر من أصحابه ووصل إلى السور فحاصره حتـى تسلـم البلـد‏.‏ ومـر أبـو الغنائـم ومعـه الوزيـر بن فسانجس ورجع عميد العراق إلى بغداد بعد أن ولـى علـى واسـط منصـور بـن الحسيـن فعـاد ابـن فسانجـس إلـى واسـط وأعـاد خطبـة العلوي وقتل مـن وجـده مـن الغز ومضى منصور بن الحسين إلى المدار وبعث يطلب المدد فكتب إليه عميد العراق ورئيس الرؤساء بحصار واسط فحاصرها وقاتله ابن فسنجس فهزمه وضيق حصاره واستأمـن إليـه جماعـة من أهل واسط فملكها وهرب فسانجس واتبعوه فأدركوه وحمل إلى بغداد في صفر سنة ست وأربعين فشهر وقتل‏.‏

الوقعة بين البساسيري وقطلمش
وفـي سلـخ شـوال مـن سنـة ثمـان وأربعيـن سـار قطلمـش وهـو ابـن عم السلطان طغرلبك وجد بني قليج أرسلان ملوك بلاد الروم فسار ومعه قريش بن بدران صاحب الموصل لقتال البساسيري ودبيـس وسـار بهـم إلى الموصل وخطبوا بها للمستنصر العلوي صاحب مصر وبعث إليهم بالخلع وكـان معهـم جابـر بـن ناشـب وأبـو الحسـن وعبـد الرحيـم وأبو الفتح بن ورائر ونصر بن عمر ومحمد بن حماد‏.‏

مسير طغرلبك إلى الموصل
لما كان السلطان طغرلبك قد ثقلت وطأته على العامة ببغداد وفشى الضرر والأذى فيهم من معسكره فكاتبه القائم يعظه ويذكره ويصف له ما الناس فيه فأجابه السلطان بالاعتذار بكثرة العساكـر‏.‏ ثـم رأى رؤيـا فـي ليلتـه كأن النبي صلى الله عليه وسلم يوبخه على ذلك فبعث وزيره عميـد الملـك إلـى القائـم بطاعة أمره فيما أمر وأخرج الجند من وراء العامة ورفع المصادرات‏.‏ ثم بلغه خبر وقعة قطلمش مع البساسيري وانحراف قريش صاحب الموصل إلى العلوية فتجهز وسار عن بغداد ثلاثة عشر شهراً من نزوله عليها ونهبـت عساكـره أوانـا وعكبـرا وحاصـر تكريت حتى رجع صاحبها نصر بن عيسى إلى الدعوة العباسية وقتله السلطان ورجع عنه إلـى البواريـخ فتوفـي نصـر وخافـت أمـه غريبـة بنـت غريـب بن حكن أن يملك البلد أخوه أبو العشام فاستخلفت أبا الغنائم ابن المجلبان ولحقت بالموصل ونزلت على دبيس بن مزيد‏.‏ وأرسل أبو الغنائم رئيس الرؤساء فأصلح حاله ورجع إلى بغـداد وسلـم لـه تكريـت وأقـام السلطان بالبواريخ إلى سنة تسع وأربعين وجاءه أخوه ياقوتي في العساكر فسار إلى الموصل وأقطع مدينة بلد هزارسب بن شكر الكردي وأراد العسكر نهبها فمنعهم السلطان‏.‏ ثم أذن لهم في اللحاق إلى الموصل وتوجه إلى نصيبين وبعث هزارشب إلى البرية في ألف فارس ليصيب من العرب فسار حتى قارب رحالهم وأكمن الكمائن وقاتلهم ساعة‏.‏ ثم استطردهم واتبعـوه فخرجـت عليهـم الكمائـن فانهزموا وأثخن فيهم الغز بالقتل والأسر‏.‏ وكان فيهم جماعة من بني نمير أصحاب حران والرقة وحمل الأسرى إلى السلطان فقتلهم أجمعين‏.‏ ثم بعث دبيس وقريش إلى هزارسب يستعطف لهم السلطان فقبل السلطان ذلك منهما وورد أمر البساسيري إلى الخليفة فرحل ومعه الأتراك البغداديون ومقبل ابن المقلـد وجماعـة مـن عقيـل إلـى الرحبـة وأرسل السلطان إليهما أبا الفتح بن ورام يستخبرهما فجاء بطاعتهما وبمسير هزارشب إليهما فأذن له السلطان في المسير وجاء إليهما واستحلفهما وحثهما على الحضور فخافا‏.‏ وأرسل قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ودبيس ابنه منصوراً فأكرمهما السلطان وكتب لهما بأعمالهما‏.‏ وكان لقريش نهر الملك وبادرويا والأنبار وهيت ودجيل ونهر بيطر وعكبـرا وأوانا وتكريت والموصل ونصيبين‏.‏ ثم سار السلطان إلى ديار بكر فحاصر جزيرة ابن عمر وبعث إليه يستعطفه ويبذل له المال وجاء إبراهيم نيال أخو السلطان وهو محاصر ولقيه الأمراء والناس وبعث هزارشب إلى دبيس وقريش يحذرهما فانحدر دبيس إلى بلده بالعراق‏.‏ وأقام قريش عند البساسيري بالرحبة ومعه ابنه مسلم وشكا قطلمش ما أصاب أهل سنجار منه عند هزيمته أمام قريش ودبيس فبعث العساكر إليها وحاصرها ففتحها عنوة واستباحها وقتل أميرها علي بن مرجي وشفع إبراهيم فـي الباقيـن فتركهـا وسلمهـا اللـه وسلـم معهـا الموصـل وأعمالهـا ورجـع إلى بغداد في سنة تسع وأربعين فخرج رئيس الرؤساء للقائه عن القائم وبلغه سلامه وهديته وهي جام من ذهب فيه جواهر وألبسه لباس الخليفة وعمامته فقبل السلطان ذلك بالشكر والخضوع والدعاء وطلب لقاء الخليفة فأسعف وجلس له جلوساً فخماً‏.‏ وجاء السلطان في البحر فقرب له لما نزل من السهيرية من مراكب الخليفة والقائم على سرير علوه سبعـة أذرع متوشحـاً البـردة وبيـده القضيـب وقبالتـه كرسـي لجلوس السلطان فقبل الأرض وجلس على الكرسي وقال له رئيس الرؤساء عن القائم‏:‏ أمير المؤمنين شاكر لسعيك حامد لفعلك مستأنس بقربك ولاك ما ولاه الله من بلاده ورد إليك مراعاة عباده فاتق الله فيما ولاك واعـرف نعمتـه عليـك واجتهـد فـي نشـر العـدل وكـف الظلـم وإصلـاح الرعية فقبل الأرض وأفيضـت عليـه الخلـع وخوطـب بملـك المشـرق والمغرب وقبل يد الخليفة ووضعها على عينيه ودفع إليه كتاب العهد وخرج فبعث إلى القائم خمسين ألف دينار وخمسين مملوكاً من الأتراك منتقين بخيولهم وسلاحهم إلى ما في معنى ذلك من الثياب والطيب وغيرهما‏.‏

فتنة نيال مع أخيه طغرلبك ومقتله
كـان إبراهيـم نيـال قـد ملـك بلـاد الجبـل وهمذان واستولى على الجهات من نواحيها إلى حلوان عام سنـة سبـع وثلاثيـن‏.‏ ثـم استوحـش مـن السلطـان طغرلبـك بمـا طلـب منـه أن يسلـم إليـه مدينة همذان والقلاع فأبى من ذلك نيال وجمع جموعاً وتلاقيا فانهزم نيال وتحصن بقلعة سرماج فملكها عليه بعـد الحصـار واستنزلـه منهـا وذلـك سنة إحدى وأربعين‏.‏ وأحسن إليه طغرلبك وخيره بين المقام معه أو إقطاع الأعمال فاختار المقام‏.‏ ثم لما ملك طغرلبك بغداد وخطب له بها سنة سبع وأربعين خرج إليه البساسيري مع قريش بن بدران صاحب الموصل ودبيس بن مزيد صاحب الحلة وسار طغرلبك إليهم من بغداد ولحقه أخوه إبراهيم نيال فلما ملك الموصل سلمها إليه وجعلهـا لنظـره مـع سنجار والرحبة وسائر تلك الأعمال التي لقريش ورجع إلى بغداد سنة تسع ثـم بلغه سنة خمسين بعدها أنه سار إلى بلاد الجبل فاستراب به وبعث إليه يستقدمه بكتابه وكتـاب القائـم مـع العهـد الكنـدي فقـدم معـه‏.‏ وفـي خلال ذلك قصد البساسيري وقريش بن بدران الموصل فملكاها وجفلوا عنها فاتبعهم إلى نصيبين وخالفه أخوه إبراهيم نيال إلى همذان في رمضـان سنـة خمسيـن‏.‏ يقـال إن العلـوي صاحب مصر والبساسيري كاتبوه واستمالوه وأطمعوه في السلطنـة فسـار السلطـان في اتباعه من نصيبين ورد وزيره عميد الملك الكندي وزوجته خاتون إلـى بغـداد ووصـل إلـى همـذان ولحـق بـه مـن كان ببغداد من الأتراك فحاصر همذان في قلعة من العسكر واجتمع لأخيه خلق كثير من الترك وحلف لهم أن لا يصالح طغرلبك ولا يدخل بهم العراق لكثرة نفقاته‏.‏ وجاءه محمد وأحمد ابنا أخيه أرباش بأمداد من الغز فقوي بهم ووهن طغرلبك فأفرج عنه إلى الري وكاتب إلى أرسلان ابن أخيه داود وقد كان ملك خراسان بعد أبيه سنة إحدى وخمسين كما يذكر في أخبارهم فزحف إليه في العساكر ومعه أخواه ياقوت وقاروت بك ولقيهم إبراهيم فيمن معه فانهزم وجيء به وبابني أخيه محمد وأحمد أسرى إلى طغرلبك فقتلهم جميعاً ورجع إلى بغداد لاسترجاع القائم‏.‏

دخول البساسيري بغداد وخلع القائم ثم عوده
قـد ذكرنا أن طغرلبك سار إلى همذان لقتال أخيه وترك وزيره عميد الملك الكندي ببغداد مع الخليفـة وكان البساسيري وقريش بن بدران فارقا الموصل عند زحف السلطان طغرلبك إليهما فلما سار عن بغداد لقتال أخيه بهمذان خالفه البساسيري وقريش إلى بغداد فكثر الإرجاف بذلك وبعث على دبيس بن مزيد ليكون حاجبه ببغداد ونزلوا بالجانب الشرقي وطلب من القائـم الخـروج معـه إلـى أحيائـه واستدعى هزارسب من واسط للمدافعة واستمهل في ذلك فقال العرب لا نشير فأشيروا بنظركم وجاء البساسيري ثامن ذي القعدة سنة خمسين في أربعمائة غلـام علـى غايـة مـن سـوء الحـال ومعـه أبـو الحسيـن بـن عبـد الرحيـم وجـاء حسيـن بـن بـدران في مائة فـارس وخيمـوا مفترقيـن عـن البلـد واجتمـع العسكـر والقوم إلى عميد العراق وأقاموا إزاء البساسيري وخطب البساسيري ببغداد للمستنصر العلوي صاحب مصر بجامع المنصـور ثـم بالرصافة وأمر بالأذان بحي على خير العمل وخيم بالزاهر وكان هوى البساسيري لمذاهـب الشيعة وترك أهل السنة للانحراف عن الأتراك فرأى الكندي المطاولة لانتظار السلطان ورأى رئيـس الرؤسـاء المناجـزة وكـان غيـر بصيـر بالحـرب فخـرج لقتالهـم فـي غفلة من الكندي فانهزم وقتل من أصحابه خلق ونهب باب الأزج وهو باب الخلافة‏.‏ وهـرب أهـل الحريـم الخلافـي فاستدعـى القائـم العميـد الكنـدي للمدافعة عن دار الخلافة فلم يرعهم إلا اقتحام العدو عليهم من الباب النوبي فركب الخليفة ولبس السواد والنهب قد وصل باب الفردوس والعميد الكندي قد استأمن إلى قريش فرجع ونادى بقريش من السور فاستأمن إليه على لسان رئيس الرؤساء واستأمن هو أيضاً معه وخرجا إليه وسارا معه ونكر البساسيري على قريش نقضه لما تعاهدا عليه فقال إنما تعاهدنا على الشركة فيما يستولي عليه وهذا رئيس الرؤساء لك والخليفة لي‏.‏ ولمـا حضـر رئيـس الرؤساء عند البساسيري وبخه وسأله العفو فأبى منه وحمل قريش القائم إلى معسكره على هيئته ووضع خاتون بنت أخي السلطان طغرلبك في يد بعـض الثقـات مـن خواصـه وأمـره بخدمتهـا وبعـث القائـم ابن عمه مهارش فسار به إلى بلده حديثة خان وأنزله بها‏.‏ وأقام البساسيري ببغداد وصلى عيد النحر بالألوية المصرية وأحسن إلى الناس وأجرى أرزاق الفقهـاء ولـم يتعصـب لمذهـب‏.‏ وأنـزل أم القائـم بدارهـا وسهل جرايتها‏.‏ وولى محمود بن الأفرم على الكوفة وسعى الفرات وأخرج رئيس الرؤساء من محبسه آخر ذي الحجة فصلبه عند التجيبي لخمسيـن سنـة مـن تـردده فـي الـوزارة‏.‏ وكـان ابـن ماكـرلا قد قبل شهادته سنة أربع عشرة‏.‏ وبعث البساسيـري إلـى المستنصـر العلـوي بالفتـح والخطبـة لـه بالعراق وكان هنالك أبو الفرج ابن أخي أبي القائـم المغربي فاستهان بفعله وخوفه عاقبته وأبطأت أجوبته مدة ثم جاءت بغير ما أمل وسار البساسيـري مـن بغـداد إلـى واسـط والبصـرة فملكهـا وأراد قصر الأهواز فبعث صاحبها هزارشب بـن شكـر فأصلـح أمـره على مال يحمله‏.‏ ورجع البساسيري إلى واسط في شعبان سنة إحدى وخمسيـن وفارقـه صدقـة بـن منصـور بـن الحسيـن الأسـدي إلـى هزارسـب وقد كان ولى بغداد أباه علـى مـا يذكـر‏.‏ ثـم جـاء الخبر إلى البساسيري بظفر طغرلبك بأخيه وبعث إليه والي قريش في إعادة الخليفة إلى داره ويقيم طغرلبك وتكون الخطبة والسكة له فأبى البساسيري من ذلـك فسـار طغرلبك إلى العراق وانتهى إلى قصر شيرين وأجفل الناس بين يديه‏.‏ ورحل أهل الكرخ بأهليهـم وأولادهـم براً وبحراً وكثر عيث بني شيبان في الناس وارتحل البساسيري بأهله وولده سادس ذي القعدة سنة إحدى وخمسين لحول كامل من دخوله وكثر الهرج في المدينة والنهب والاحـراق‏.‏ ورحـل طغرلبـك إلـى بغـداد بعـد أن أرسـل مـن طريقـه الأستـاذ أحمد بن محمد بن أيوب المعـروف بابـن فورك إلى قريش بن بدران بالشكر على فعله في القائم وفي خاتون بنت أخيه زوجة القائم وأن أبا بكر بن فورك جاء بإحضارهما والقيام بخدمتهما وقد كان قريش بعث إلـى مهـارش بـأن يدخـل معهـم إلـى البريـة بالخليفـة ليصـد ذلك طغرلبك عن العراق ويتحكم عليه بما يريد فأبى مهارش لنقض البساسيري عهوده واعتذر بأنه قد عاهد خليفة القائم بما لا يمكن نقضـه ورحـل بالخليفـة إلـى العـراق وجعـل طريقـه على بدران بن مهلهل‏.‏ وجاء أبو فورك إلى بدر فحمله معه إلى الخليفة وأبلغه رسالة طغرلبك وهداياه وبعث طغرلبك للقائه وزيره الكنـدي والأمـراء والحجـاب بالخيـام والسرادقات والمقربات بالمراكب الذهبية فلقوه في بلد بدر‏.‏ ثم خرج السلطـان فلقيـه بالنهـروان واعتـذر عـن تأخـره بوفاة أخيه داود بخراسان وعصيان إبراهيم بهمـذان وأنـه قتلـه علـى عصيـان‏.‏ وأقـام حتـى رتـب أولـاد داود فـي مملكتـه وقال إنه يسير إلى الشام في اتباع البساسيري‏.‏ وطلب صاحب مصر فقلده القائم سيفه إذ لم يجد سواه وأبدى وجهه للأمراء فحيوه وانصرفوا‏.‏ وتقدم طغرلبك إلى بغداد فجلس في الباب النوبي مكان الحاجب وجاء القائم فأخذ طغرلبك بلجام بغلته إلى باب داره وذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وسار السلطان إلى معسكره وأخذ في تدبير أموره‏.‏

مقتل البساسيري
ثـم أرسـل السلطـان طغرلبـك خمارتكيـن فـي ألفيـن إلـى الكوفـة واستقـر معـه سرايا بن منيع في بني خفاجة وسار السلطان طغرلبك في أثرهم فلم يشعر دبيس وقريش والبساسيري وقد كانوا نهبـوا الكوفـة إلا والعساكـر قـد طلعـت عليهـم من طريق الكوفة فأجفلوا نحو البطيحة‏.‏ وساردبيس ليـرد العـرب إلى القتال فلم يرجعوا ومضى معهم ووقف البساسيري وقريش فقتل من أصحابهما جماعـة وأسـر أبـو الفتح بن ورام ومنصور بن بدران وحماد بن دبيس وأصاب البساسيري سهم فسقط عن فرسه وأخذ رأسه لمتنكيرز وأتى العميد الكندري وحمله إلى السلطان وغنـم العسكر جميع أموالهم وأهليهم وحمل رأس البساسيري إلى دار الخلافة فعلق قبالة النوبي في منتصف ذي الحجة‏.‏ ولحق دبيس بالبطيحة ومعه زعيم الملك أبو الحسن عبد الرحيم وكان هذا البساسيري من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة اسمه أرسلان وكنيتـه أبـو الحـارث ونسبـه فـي التـرك‏.‏ وهـذه النسبـة المعروفـة لـه نسبـة إلـى مدينـة بفـارس حرفهـا الـأول متوسـط بين الفاء والباء والنسبة إليها فسوي ومنها أبو علي الفارسي صاحب الإيضاح‏.‏ وكان أولاً ينسب إليها فلذلك قيل فيه هو بساسيري‏.‏

مسير السلطان إلى واسط وطاعة دبيس
ثـم انحدر السلطان إلى واسط أول سنة اثنتين وخمسين وحضر عنده هزارسب بن شكر من الأهواز وأصلح حال دبيس بن مزيد وصدقة بن منصور بن الحسين أحضرهما عند السلطان وضمـن واسـط أبـو علي بن فضلان بمائتي ألف دينار وضمن البصرة الأغر أبو سعد سابور بن المظفـر وأصعـد السلطـان إلـى بغـداد واجتمـع بالخليفـة ثـم سـار إلـى بلد الجبل في ربيع سنة اثنتين وخمسيـن‏.‏ وأنـزل ببغـداد الأميـر برسـو شحنـة وضمـن أبو الفتح المظفر بن الحسين في ثلاث سنين بأربعمائة ألف دينار ورد إلى محمود الأخرم إمارة بني خفاجة وولـاه الكوفـة وسقـي الفـرات وخواص السلطان بأربعة آلاف دينار في كل سنة‏.‏ وزارة القائم ولما عاد القائم إلى بغداد ولى أبا تراب الأشيري على الأنهار وحضور المراكب ولقبه حاجب الحجـاب وكـان خدمه بالحديثة‏.‏ ثم سعى الشيخ أبو منصور في وزارة أبي الفتح بن أحمد بن دارست على أن يحمل مالاً فأجيب وأحضر من الأهواز في منتصف ربيع من سنة ثلاث وخمسيـن فاستـوزره وكـان مـن قبـل تاجـراً لأبـي كاليجار ثم ظهر عجزه في استيفاء الأموال فعزله وعـاد إلـى الأهـواز‏.‏ وقـدم أثـر ذلـك أبـو نصـر بـن جهيـر وزير نصير الدولة بن مروان نازعاً منه إلى الخليفة القائم فقبله واستوزره ولقبه فخر الدولة‏.‏ عقد طغرلبك علي ابنة الخليفة كان السلطان طغرلبك قد خطب من القائم ابنته على يد أبي سعد قاضي الري سنة ثلاث وخمسيـن فاستنكـف مـن ذلـك‏.‏ ثـم بعـث أبـا محمـد التميمـي فـي الاستعفـاء مـن ذلك وإلا فيشترط‏.‏ ثلاثمائـة ألـف دينـار وواسـط وأعمالهـا‏.‏ فلمـا ذكر التميمي ذلك للوزير عميد الملك بني الأمر على الإجابة قال‏:‏ ولا يحسن الاستعفاء ولا يليق بالخليفة طلب المال وأخبر السلطان بذلك فسر به وأشاعه في الناس ولقب وزيره عميد الملك وأتى أرسلان خاتون زوجة القائم ومعه مائة ألف ألـف دينـار ومـا يناسبها من الجواهر والجوار وبعث معهم قرامرد بن كاكويه وغيره من أمراء الري فلمـا وصلـوا إلـى القائـم استشـاط وهـم بالخـروج مـن بغـداد‏.‏ وقـال له العميد‏:‏ ما جمع لك في الأول بيـن الامتنـاع والاقتـراح وخـرج مغضبـاً إلـى النهـروان فاستوقفـه قاضـي القضـاة والشيخ أبو منصور بن يوسف‏.‏ وكتب من الديوان إلى خمارتكين من أصحاب السلطان بالشكوى من عميد الملك وجـاءه الجـواب بالرفـق ولـم يـزل عميد الملك يريض الخليفة وهو يتمنع إلى أن رحل في جمادى من سنـة أربـع وخمسيـن‏.‏ ورجـع إلـى السلطان وعرفه بالحال ونسب القضية إلى خمارتكين فتنكر له السلطان وهرب واتبعه أولاد نيال فقتلوه بثأر أبيهم وجعل مكانه سارتكين وبعث للوزير بشأنه‏.‏ وكتب السلطان إلى قاضي القضاة والشيخ أبي منصور بن يوسف بالعتب وطلب بنت أخي زوجـة القائـم فأجـاب الخليفـة حينئـذ إلـى الأصهـار وفوض إلى الوزير عميد الكندري عقد النكاح علـى ابنتـه للسلطـان وكتـب بذلـك إلـى أبي الغنائم المجلبان فعقد عليها في شعبان من تلك السنة بظاهـر تبريـز‏.‏ وحمـل السلطان للخليفة أموالاً كثيرة وجواهر لولي العهد وللمخطوبة وأقطع ما كان بالعراق لزوجته خاتون المتوفاة للسيدة بنت الخليفة‏.‏ وتوجه السلطان في المحرم سنة خمس وخمسين من أرمينية إلى بغداد ومعه من الأمراء أبو علي بن أبي كاليجار وسرخاب بن بدر وهزار وأبو منصور بن قوامرد بن كاكويه وخرج الوزير ابن جهير فتلقاه وترك عسكره بالجانب الغربي ونادى الناس بهم‏.‏ وجاء الوزير ابـن العميـد لطلـب المخطوبـة فأفـرد لهـم القائـم دوراً لسكنـاه وسكنـى حاشيتـه وانتقلت المخطوبة إليها وجلست علـى سريـر ملبـس بالذهـب ودخـل السلطـان فقبـل الـأرض وحمل لها مالاً كثيراً من الجواهر وأولم أياماً وخلع على جميع أمرائه وأصحابه وعقد ضمان بغداد على أبي سعد الفارسي بمائة وخمسين ألف دينار وأعاد ما كان أطلقه رئيس العراقين من المواريث والمكوس وقبض على الأعرابي سعد ضامن البصرة وعقد ضمان واسط على أبي جعفر بن فضلان بمائتي ألف‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:05 AM

وفاة السلطان طغرلبك وملك ابن أخيه داود
ثـم سـار السلطـان طغرلبـك مـن بغـداد فـي ربيـع الآخـر إلـى بلـد الجبـل فلمـا وصـل الـري أصابـه المرض وتوفي ثامن رمضان من سنة خمس وخمسين وبلغ خبر وفاته إلى بغداد فاضطربت واستقدم القائـم مسلـم بـن قريـش صاحـب الموصـل ودبيس بن مزيد وهزارسب صاحب الأهواز وبني ورام وبدر بن مهلهل فقدموا وأقام أبو سعد الفارسي ضامن بغداد سوراً على قصر عيسى وجمع الغلـال وخـرج مسلـم بـن قريـش مـن بغـداد فنهب النواحي وسار دبيس بن مزيد وبنو خفاجة وبنو ورام والأكراد لقتاله‏.‏ ثم استتيب ورجع إلى الطاعة‏.‏ وتوفي أبو الفتح بن ورام مقدم الأكراد والجاوانية وحمل العامة السلاح لقتال الأعراب فكانت سبباً لكثرة الذعار‏.‏ ولما مات طغرلبك بايع عميد الدولة الكندري بالسلطنة لسليمان ابن داود وجعفر بك وكان ربيـب السلطـان طغرلبك خلف أخاه جعفر بك داود على أمه وعهد إليه بالملك فلما خطب له اختلف عليه الأمر وسار باغي سيان وأردم إلى قزوين فخطب لأخيه ألـب أرسلـان وهـو محمد بن داود وهو يومئذ صاحب خراسان ووزيره نظام الملك سار إلى المذكور وسال الناس إليه وشعر الكندري باختلال أمره فخطب بالري للسلطان ألب أرسلان وبعده لأخيه سليمان‏.‏ وزحـف ألـب أرسلـان فـي العساكـر من خراسان إلى الري فلقيه الناس جميعاً ودخلوا في طاعته وجاء عميد الملك الكندري إلـى وزيـره نظـام الملـك فخدمـه وهـاداه فلـم يغـن عنـه وخشـي السلطان غائلته فقبض عليه سنة ست وخمسين وحبسه بمرو الروذ‏.‏ ثم بعث بعد سنة من محبسه بقتله من ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وكان مـن أهـل نيسابـور كاتبـاً بليغـاً‏.‏ فلمـا ملك طغرلبك نيسابور وطلب كاتباً فدله عليه الموفق والد أبي سهل فاستكتبه واستخلصه وكان خصياً يقال إن طغرلبك خصاه لأنه تزوج بامرأة خطبها له وغطى عليـه فظفـر بـه فحاصره وأقره على خدمته‏.‏ وقيل أشاع عند أعدائه أنه تزوجها ولم يكن ذلك فخصى نفسه ليأمن غائلته وكان شديد التعصب على الشافعية والأشعرية‏.‏ واستأذن السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان ثم أضاف إليهم الأشعرية فاستعظم ذلـك أئمـة السنـة‏.‏ وفـارق خراسـان أبـو القاسـم القشيـري ثـم أبـو المعالـي إلـى مكة فأقام أربعة سنين يترددبيـن الحرميـن يـدرس ويفتـي حتـى لقـب إمـام الحرميـن‏.‏ فلمـا جـاءت دولة ألب أرسلان أحضرهم نظام الملك وزيره فأحسن إليهم وأعاد السلطان ألب أرسلان السيدة بنت الخليفة التي كانت زوجة طغرلبك إلى بغداد وبعث في خدمتها الأمير ايتكين السليماني وولاه شحنة ببغداد وبعـث معهـا أيضـاً أبـا سهـل محمـد بـن هبـة اللـه المعـروف بابـن الموفـق لطلـب الخطبـة ببغداد فمات في طريقه وكان من رؤساء الشافعية بنيسابور‏.‏ وبعث السلطان مكانه العميد أبا الفتح المظفر بن الحسيـن فمـات أيضـاً فـي طريقـه فبعـث وزيـره نظـام الملـك وخرج عميد الملك ابن الوزير فخر الدولة بن جهير لتلقيهم وجلس لهم القائم جلوساً فخماً في جمادى الأولى من سنة ست وخمسين وساق الرسل بتقليد ألب أرسلان السلطنة وسلمت إليهم الخلع بمشهد من الناس ولقب ضياء الدولة وأمر بالخطبة له على منابر بغداد وأن يخاطب بالولد المؤيد حسب اقتراحه فأرسل إلى الديـوان لأخـذ البيعـة النقيـب طـراد الزينبـي فأرسل إليه بنقجوان من أذربيجان وبايع وانتقض على السلطان ألب أرسلان من السلجوقية صاحب هراة وصغانيان فسار إليهم وظفر بهم كما نذكر في أخبارهم ودولتهم عن إفرادها بالذكر انتهى‏.‏

فتنة قطلمش والجهاد بعدها
كـان قطلمـش هـذا من كبار السلجوقية وأقربهم نسباً إلى السلطان طغرلبك ومن أهل بيته وكان قد استولى على قومة واقصراي وملطية وهو الذي بعثه السلطان طغرلبك أول ما ملك بغداد سنة تسع وأربعين لقتال البساسيري وقريش بن بدران صاحب الموصل ولقيهم على سنجار الري فجهز ألب أرسلان العساكر من نيسابور في المحرم من سنة سبع وخمسين وساروا على المفارقة فسبقوا قطلمش إلى الري وجاء كتاب السلطان إليه ولقيه فلم يثبت ومضى منهزماً واستبـاح السلطـان عسكـره قتـلاً وأسـراً وأجلت الواقعة عنه قتيلاً فحزن له السلطان ودفنه‏.‏ ثم سار إلى بلاد الروم معتزماً على الجهاد ومر بأذربيجان ولقيه طغرتكين من أمراء التركمان في عشيـرة وكـان ممارسـاً للجهـاد فحثـه علـى قصـده وسلـك دليلاً بين يديه فوصل إلى نجران على نهر أرس وأمر بعمل السفـن لعبـوره وبعـث عساكـر لقتـال خـوي وسلمـاس مـن حصـون أذربيجـان وسار هو في العساكر فدخل بلاد الكرخ وفتح قلاعها واحدة بعد واحدة كما نذكـر فـي أخبارهـم‏.‏ ودوخ بلادهـم وأحـرق مدنهـم وحصونهم وسار إلى مدينة آي من بلاد الديلم فافتتحها وأثخن فيها وبعث بالبشائر إلى بغداد وصالحه ملك الكرخ على الجزية ورجع إلى أصبهـان‏.‏ ثـم سـار منهـا إلـى كرمـان فأطاعه أخوه قاروت بن داود جعفر بك‏.‏ ثم سار إلى مرو وأصهر إليه خاقان ملك ما وراء النهر بابنته لابنه ملكشاه وصاحب غزنة بابنته لابنه الآخر انتهى‏.‏

العهد بالسلطنة لملكشاه بن ألب أرسلان
وفي سنة ثمان وخمسين عهد ألب أرسلان بالسلطنة لابنه ملكشاه واستخلف له الأمراء وخلع عليهم وأمر بالخطبة في سائر أعماله وأقطع بلخ لأخيه سليمان وخوارزم لأخيه ازعزا ومرو لابنـه أرسلـان شـاه وصغانيـان وطخارستـان لأخيـه إليـاس ومازنـدران للأميـر ابنايخ وبيغوا وجعل ولاية نقشوان ونواحيها لمسعود ابن ازناس‏.‏ وكان وزيره نظام الملك قد ابتدأ سنة سبع وخمسيـن بنـاء المدرسـة النظاميـة ببغـداد وتمت عمارتها في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وعين للتدريس بها الشيخ إسحاق الشيرازي واجتمع الناس لحضور درسه وتخلف لأنه سمع أن في مكانهـا غصبـاً‏.‏ وبقـي النـاس فـي انتظاره حتى يئسوا منه فقال الشيخ أبو منصور لا ينفصل هذا الجمع إلا عن تدريس وكان أبو منصور الصباغ حاضراً فدرس وأقـام مدرسـاً عشريـن يومـاً حتى سمع أبو إسحاق الشيرازي بالتدريس فاستقر بها‏.‏ وزراء الخليفة كان فخر الدولة ابن جهير وزير القائم كما ذكرناه ثم عزله سنة ستين وأربعمائة فلحق بنور الدولـة دبيـس بن مزيد بالقلوجة وبعث القائم عن أبي يعلى والد الوزير أبي شجاع وكان يكتب لهزارسب ابن عوض صاحب الأهواز فاستقدمه ليوليه الوزارة فقدم ومات في طريقه وشفع دبيس بن مزيد في فخر الدولة بن جهير فأعيد إلى وزارته سنة إحدى وستين في صفر‏.‏

الخطبة بمكة
وفي سنة اثنتيـن وستيـن خطـب محمـد بـن أبـي هاشـم بمكـة للقائـم وللسلطان ألب أرسلان وأسقط خطبة العلوي صاحب مصر وترك حي على خير العمل من الأذان وبعث ابنه وافداً على السلطان بذلك فأعطاه ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة ورتب كل سنة عشرة آلاف دينار‏.‏ كان مسلم بن قريش منتقضاً على السلطان وكان هزارسب بن شكر بن عوض قد أغرى السلطـان بدبيـس بـن مزيـد ليأخـذ بلـاده فانتقـض‏.‏ ثـم هلـك هزارشـب سنة اثنتين وستين بأصبهان منصرفاً من وفادته على السلطان بخراسان فوفد دبيس على السلطان ومعه مشرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وخرج نظام الملك لتلقيهمـا وأكرمهمـا السلطـان ورجعـا إلـى الطاعة‏.‏ الخطة العباسية بحلب واستيلاء السلطان عليها كـان محمود بن صالح بن مراد قد استولى هو وقومه على مدينة حلب وكانت للعلوي صاحب مصـر‏.‏ فلمـا رأى إقبـال دولـة ألـب أرسلـان وقوتهـا خافـه علـى بلده فحملهم على الدخول في دعوة القائـم وخطب له على منابر حلب سنة ثلاث وستين وكتب بذلك إلى القائم فبعث إليه نقيب النقبـاء طـراد بـن محمـد الزينبـي بالخلـع‏.‏ ثـم سار السلطان ألب أرسلان إلى حلب ومر بديار بكر فخرج إليه صاحبها ابن مروان وخدمه بمائة ألف دينار‏.‏ ومر بآمد فامتنعت عليه وبالرهـا كذلك‏.‏ ثم نزل على حلب وبعث إليه صاحبها محمود مع نقيب النقباء طراد بالاستعفاء من الحضور فالح في ذلك وحاصره فلما اشتد عليه الحصار خرج ليلاً إلى السلطان ومعه أمه واقعة السلطان مع ملك الروم وأسره كـان ملـك الـروم فـي القسطنطينيـة وهـو أرمانـوس قد خرج سنة اثنتين وستين إلى بلاد الشام في عساكر كثيفة ونزل على منبج ونهبها وقتل أهلها وزحف إليه محمود بن صالح بن مرداس وابن حسـان الطائـي فـي بني كلاب وطىء ومن إليهم من جموع العرب فهزمهم وطال عليه المقام على منبج وعزت الأقوات فرجع إلى بلاده واحتشد وسار في مائتي ألف من الزنج والروم والروس والكـرخ وخـرج فـي احتفـال إلـى أعمـال خلاط ووصل إلى ملازجرد‏.‏ وكان السلطان ألب أرسلان بمدينة خوي من أذربيجان عند عوده من حلب فتشوق إلى الجهاد ولم يتمكن من الاحتشاد فبعث أثقاله وزوجته مع نظام الملك إلى همذان وسار فيمن حضره من العساكر وكانوا خمسة عشر ألفاً‏.‏ ووطن نفسه على الاستماتة فلقيت مقدمته عند خلاط جموع الروسية في عشرة آلـاف فانهزمـوا وجيء بملكهم إلى السلطان فحبسه وبعث بالأسلاب إلى نظام الملك ليرسلها إلى بغداد‏.‏ ثم تقارب العسكران وجنح السلطان للمهادنة فأبى ملك الروم فاعتزم السلطان وزحف وأكثر من الدعاء والبكاء وعفر وجهه بالتراب‏.‏ ثم حمل عليهم فهزمهم وامتلأت الـأرض بأشلائهـم وأسـر الملـك أرمانـوس جـاء بـه بعض الغلمان أسيراً فضربه السلطان على رأسه ثلاثاً ووبخه‏.‏ ثم فاداه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعلى أن يطلق كل أسير عنده وأن تكون عساكر الروم مدداً للسلطان متى يطلبها‏.‏ وتم الصلح على ذلك لمدة خمسين سنة‏.‏ وأعطاه السلطان عشرة آلاف دينار وخلع عليه وأطلقه ووثب ميخائيل على الروم فملك عليهم مكان أرمانوس فجمع ما عنده من الأموال فكان مائتي ألف دينار وجيء بطبق مملوء بجواهر قيمته تسعون ألفاً‏.‏ ثم استولى أرمانوس بعد ذلك على أعمال الأرمن وبلادهم‏.‏

شحنة بغداد
قد ذكرنا أن السلطان ألب أرسلان ولى لأول ملكه ايتكين السليماني شحنة بغداد سنة ست وخمسين فأقام فيها مدة ثم سار إلى السلطان في بعض مهماته واستخلف ابنه مكانه فأساء السيرة وقتل بعض المماليك الداوية فأنفذ قميصه من الديوان إلى السلطان وخوطب بعزلـه‏.‏ وكان نظام الملك يعني به فكتب فيه بالشفاعة وورد سنة أربع وستين فقصد دار الخلافة وسأل العفو فلم يحب وبعث إلى تكريت ليسوغها بإقطاع السلطان فبرز المرسوم من ديوان الخلافـة بمنـع ذلك‏.‏ ولما رأى السلطان ونظام الملك إصرار القائم على عزله بعث السلطان مكانه سعـد الدولـة كوهرابيـن اتباعاً لمرضاه الخليفة‏.‏ ولما ورد بغداد خرج الناس للقائه وجلس له القائم واستقر شحنة‏.‏

مقتل السلطان ألب أرسلان وملك ابنه ملكشاه
سار السلطان ألب أرسلان محمد إلى ما وراء النهر وصاحبه شمس الملك تكين وذلك سنة خمـس وستيـن وعبـر علـى جسـر عقـده علـى جيحون في نيف وعشرين يوماً وعسكره تزيد على مائتي ألف‏.‏ وجيء له بمستحفظ القلاع ويعرف بيوسف الخوارزمي فأمر بعقابه على ارتكابه فأفحـش فـي سـب السلطان فغضب وأمر بإطلاقه ورماه بسهم فأخطأه فسير إليه يوسف وقام السلطان عن سريره فعثر ووقع فضربه بسكينة وضرب سعد الدولة ودخل السلطان خيمته جريحـاً‏.‏ وقتـل الأتراك يوسف هذا ومات السلطان من جراحته عاشر ربيع سنة خمس وستين لتسع سنين ونصف من ملكه ودفن بمرو عند أبيه‏.‏ وكان كريماً عادلاً كثير الشكر لنعمة الله والصدقة واتسع ملكه حتى قيل فيه سلطان العالم‏.‏ ولما مات وقد أوصى بالملك لابنه ملكشاه فجلس للملك وأخذ له البيعة وزيره نظام الملـك وأرسـل إلـى بغـداد فخطـب له على منابرها‏.‏ وكان ألب أرسلان أوصى أن يعطي أخوه قاروت بك أعمال فارس وكرمان وشيأ عينه من المال وكان بكرمان‏.‏ وأن يعطي ابنه إياس بن ألب أرسلان ما كان لأبيه داود وهو خمسمائة ألف دينار وعهد بقتال من لم يقض بوصيته‏.‏ وعاد ملكشـاه مـن بلـاد مـا وراء النهر فعبر الجسر في ثلاثة أيام وزاد الجند في أرزاقهم سبعمائة ألف دينار ونزل نيسابور وأرسل إلى ملوك الأطراف بالطاعة والخطبة فأجابوا‏.‏ وأنزل أخاه إياس بن ألب أرسلان ببلخ وسار إلى الري‏.‏ ثم فوض إلى نظام الملك وأقطعه مدينة طوس التي هي منشؤه وغيرهـا ولقبـه ألقابـاً منهـا أتابـك ومعناهـا الأميـر الوالـد فحمـل الدولـة بصرامـة وكفايـة وحسـن سيـرة وبعث كوهرابين الشحنة إلى بغداد سنة ست وستين لاقتضاء العهد فجلس له القائـم وعلى رأسه حافده وولي عهده المقتدي بأمر الله وسلم إلى سعد الدولة كوهرابين عهد السلطان ملكشاه بعد أن قرأ الوزير أوله في المحفل وعقد له اللواء بيده ودفعه إليه‏.‏

وفاة القائم ونصب المقتدي للخلافة
ثـم توفـي القائـم بأمـر اللـه أبـو جعفـر بـن القادر افتصد منتصف شعبان من سنة سبع وستين ونام فانفجر فصاده وسقطت قوته‏.‏ ولما أيقن بالموت أحضر حافده أبا القاسم عبد الله ابن ابنه ذخيرة الدين محمد وأحضر الوزير ابن بهير والنقباء والقضاة وغيرهم وعهد له بالخلافة‏.‏ ثم مات لخمس وأربعين سنة من خلافته‏.‏ وصلى عليه المقتدي وبعي بعهد جده وحضر بيعته مؤيد الملك بن نظام الملـك والوزيـر فخـر الدولـة بـن جهـر وابنـه عميـد الدولـة وأبـو إسحـاق الشيرازي وأبو نصر بن الصباغ ونقيب النقباء طراد والنقيب الطاهر المعمر بن محمد وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني وغيرهم من الأعيان والأماثل‏.‏ ولما فرغوا من البيعة صلى بهم العصـر ولـم يكـن للقائـم عقـب ذكـر غيـره لـأن ابنـه ذخيـرة الديـن أبـا العبـاس محمـداً توفـي فـي حياته ولم يكن له غيره فاعتمد القائم لذلك‏.‏ ثم جاءت جاريته ارجوان بعد موته لستة أشهر بولد ذكر فعظم سرور القائم به ولما كان حادثـة البساسيـري حملـه أبـو الغنائـم ابـن المجلبـان إلى حران وهو ابن أربع سنين وأعاده عند عود القائم إلى داره‏.‏ فلما بلغ الحلم عهد له القائم بالخلافة ولما تمت بيعته لقب المقتدي وأقر فخر الدولـة بـن جهير على وزارته بوصية جحه القائم بذلك‏.‏ وبعث ابن عميد الدولة إلى السلطان ملكشاه لأخذ البيعة في رمضان من سنة سبع وستين وبعث معه من الهدايا ما يجل عن الوصـف‏.‏ وقـدم سعـد الدولـة كوهرابيـن سنـة ثمـان وستيـن إلـى بغـداد شحنـة ومعـه العميد أبو نصر ناظـراً فـي أعمـال بغـداد وقـدم مؤيـد الملـك ابـن نظام الملك سنة سبعين للإقامة ببغداد ونزل بالدار التي بجوار مدرستهم‏.‏ كـان أبـو نصـر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري قد حج سنة تسع وستين فورد بغداد منصرفاً مـن الحج ووعظ الناس بالنظامية وفي رباط شيخ الشيوخ ونصر مذهب الأشعري فأنكر عليه الحنابلة وكثر التعصب من الجانبين وحدثت الفتنـة والنهـب عنـد المدرسـة النظاميـة فأرسـل مؤيـد الملـك إلـى العميـد والشحنـة فحضـروا فـي الجنـد وعظمـت الفتنـة ونسب ذلك إلى الوزير فخر الدولة بن جهير وعظم ذلك على عضد الدولة فأعاد كوهرابين إلى الشحنة ببغداد‏.‏ وأوصاه المقتـدي بعـزل فخر الدولة من الوزارة وأمر كوهرابين بالقبض على أصحابه ونمي الخبر إلى بني جهيـر فبـادر عميـد الدولـة ابـن الوزيـر إلـى نظـام الملـك يستعطفـه‏.‏ ولمـا بلـغ كوهرابيـن رسالة الملك إلى المقتدي أمر فخر الدولة بلزوم منزله‏.‏ ثم جاء ابنه عميد الدولة وقد استصلح نظام الملك في الشفاعـة لهم فأعيد عميد الملك إلى الوزارة دون أبيه فخر الدولة وذلك في صفر سنة اثنتين وسبعين‏.‏

استيلاء تتش بن ألب أرسلان على دمشق وابتداء دولته ونفيه فيها
كان أتسز بهمزة وسين وزاي ابن أبق الخوارزمي من أمراء السلطان ملك شاه وقد سار سنة ثلاث وستين إلى فلسطين من الشام ففتح مدينة الرملة ثم حاصر بيت المقدس وفتحها من يد العلوييـن أصحاب مصر وملك ما يجاورها ما عدا عسقلان‏.‏ ثم‏.‏ حاصر دمشق حتى جهدها الحصـار فرجـع وبقـي يـردد الغـزوات إليهـا كـل سنـة‏.‏ ثـم حاصرهـا سنـة سبع وستين وبها المعلى بن حمدرة من قبل المنتصر العبيدي فأقام عليها شهراً‏.‏ ثم أقلع ديار أهل دمشق بالمعلى لسوء سيرته فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ثم أخذ إلى مصر وجلس بها ومات محبوساً‏.‏ واجتمع المصامـدة بعد هربه من دمشق وولوا عليهم انتصار ابن يحيى المصمودي ولقبوه زين الدولة‏.‏ ثم اختلفوا عليه ووقعت الفتنة وغلت الأسعار ورجع أتسز إلى حصارها فنزل له عنها انتصار على الأمان وعوضه عنها بقلعة بانياس ومدينة يافا من الساحل وخطب فيها أتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان وستين‏.‏ وتغلـب علـى أكثـر الشـام ومنع من الأذان بحي على خير العمل‏.‏ ثم سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها حتى أشرف على أخذها‏.‏ ثم انهزم من غير قتال ورجع إلى دمشق وقد انتقـض عليـه أكثـر بلـاد الشـام فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة‏.‏ وبلغـه أن أهـل القـدس وثبـوا بأصحابـه ومخلفـه وحصروهـم في محراب داود عليه السلام فسار إليهم وقاتلوه فملكهم عنوة وقتلهم في كل مكان إلا من كان عند الصخرة‏.‏ ثم إن السلطان ملك شاه أقطع أخاه تاج الدولة تتش سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشام وما يفتحه من نواحيها فسار إلى حلب سنة إحدى وسبعين وحاصرها وضيق عليها وكانت معه جموع كثيرة من التركمان‏.‏ وكان صاحب مصر قد بعث عساكره مع قائده نصير الدولة لحصار دمشق فأحاطوا بها وبعث أتسز إلى تتش وهـو علـى حلـب يستمـده فسـار إليـه وأجفلـت العساكـر المصريـة عـن دمشـق وجـاء إليهـا تتش فخرج أتسز للقائه بظاهر البلد فتجني عليه حيث لم يستعد للقائه وقبض عليه وقتله لوقته وملك البلد وأحسن السيرة فيها وذلك سنة إحدى وسبعين فيما قال الهمذاني‏.‏ وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر أن ذلك كان سنة اثنتين وسبعين‏.‏ وقال ابن الأثير والشاميون في هذا الاسم افسلس والصحيح أنه أتسز وهو اسم تركي‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:06 AM

سفارة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عن الخليفة
كـان عميـد العراق أبو الفتح بن أبي الليث قد أسار السيرة وأساء إلى الرعية وعسفهم واطرح جانب الخليفة المقتدي وحواشيه فاستدعى المقتدي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وبعثه إلى السلطان ملك شاه والوزير نظام الملك بالشكوى من ابن العميد فسار لذلك ومعه جماعة من أعيـان الشافعيـة منهم أبو بكر الشاشي وغيره وذلك سنة خمس وخمسين‏.‏ وتنافس أهل البلاد في لقائه والتمسح بأطرافه والتماس البركة في ملبوسه ومركوبه وكان أهل البلاد إذا مر بهـم يتسايلون إليه ويزدحمون على ركابه وينشدون على موكبه كل أحد ما يناسب ذلك وصدر الأمر بإهانة ابن العميد ورفع يده عما يتعلق بحواشي المقتدي وجرى بينه وبين إمام الحرمين مناظرة بحضرة نظام الملك ذكرها الناس في كتبهم انتهى‏.‏

عزل ابن جهير عن الوزارة وإمارته
علي ديار بكر ثم إن عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير عزله الخليفة المقتدي عن الوزارة ووصل يوم عزل رسول من قبل السلطان ونظام الملك يطلب بني جهير فأذن لهم وساروا بأهلهم إلى السلطان فلقاهم كرامةً وبراً وعقد لفخر الدولة على ديار بكر مكان بني مروان وبعث معه العساكر سنة وأعطاه الآلة وأذن له أن يخطب فيها لنفسه ويكتب اسمه في السكة فسار لذلك سنة ست وسبعين‏.‏ ثـم بعـث إليـه السلطـان سنـة سبـع وسبعيـن بمـدد العساكـر مـع الأميـر ارتـق بـن اكسـب جل أصحاب ماردين لهذا العهد وكان ابن مروان قد استمد فخر الدولة بن جهير بنواحيها وكان معه جماعة من التركمان فتقدموا إلى قتل مشرف الدولة وانهزم أمامهم وغنم التركمان من كـان معـه مـن أحيـاء العـرب ودخـل آمـد فحصره بها فخر الدولة وأرتق فراسل أرتق وبذل له مالاً علـى الخـروج مـن ناحيتـه فـأذن لـه وخـرج‏.‏ ورجـع ابـن جهيـر إلـى ميافارقيـن ومعـه بهـاء الدولـة منصور بن مزيد صاحب الحلة والنيل والجامعين وابنه سيف الدولة صدقة ففارقوه إلى العراق وسار هو إلى خلاط‏.‏ وكان السلطان لما بلغه انهزام مشرف الدولة وحصاره بآمد بعث عميد الدولة بن فخر الدولة بـن جهيـر فـي عسكـره إلـى الموصـل ومعـه قسيم الدولة اقسنقر جد نور الدين العادل وكاتب أمراء التركمان بطاعته وساروا إلى الموصـل فملكوهـا‏.‏ وسـار السلطـان بنفسـه إليهـا وقـارن ذلـك خلوص مشرف الدولة من حصار آمد فراسل مؤيد الدولة بن نظام الملك وهو على الرحبة وأهـدى لـه فسعـى له عند السلطان وأحضره وأهدى للسلطان سوابق خيله وصالحه وأقره على بلـاده وعـاد إلـى خراسـان‏.‏ ولـم يـزل فخـر الدولـة بـن جهيـر فـي طلـب ديار بكر حتى ملكها‏.‏ فأنفذ إليـه زعيـم الرؤسـاء القاسـم سنـة ثمـان وسبعيـن وحاصرهـا وضيـق عليهـا حتـى غـدر بهـا بعض أهل العسكر من خارج وملكها وعمد أهل البلد إلى بيوت النصارى بينهم فنهبوها بما كانوا عمال بني مروان وكان لهم جور على الناس‏.‏ وكان فخر الدولة مقيماً على ميافارقين محاصراً لها وجاءه سعد الدولة كوهرابين في العسكر مـدداً مـن عنـد السلطـان فخـرج فـي حصارهـا وسقـط بعـض الأيـام جانب من سورها فدهش أهل البلد وتنادوا بشعار السلطان ملك شاه واقتحم فخر الدولة البلد واستولى على ما كان لبني مـروان وبعـث بأموالهـم إلـى السلطـان مـع ابنه زعيم الرؤساء فلحقه بأصبهان سنة ثمان وسبعين‏.‏ ثـم بعـث فخـر الدولـة أيضـا عسكـراً إلـى جزيـرة ابـن عمـر وحاصروها حتى جهدهم الحصار فوثب طائفة من أهل البلد بعاملها وفتحوا الباب ودخل مقدم العسكر فملك البلد ودخل سنة ثمان وسبعين‏.‏ وانقرضت دولة بني مروان من ديار بكر واستولى عليها فخر الدولة بن جهير ثم أخذها السلطان من يده وسار إلى الموصل فتوفي بها وكان مولده بها واستخدم لبرلة بن مقلة وسفـر عنـه إلـى ملـك الـروم‏.‏ ثـم سـار إلـى حلـب ووزر لمعـز الدولة أبي هال بن صالح‏.‏ ثم مضى إلـى ملطيـة ثـم إلـى مـروان بديـار بكـر فوزر له ولولده‏.‏ ثم سار إلى بغداد ووزر للخليفة كما مر في آخر ما ذكرنا‏.‏ وتوفي سنة ثلاث وثمانين انتهى‏.‏

خبر الوزارة
لمـا عـزل الخليفـة المقتـدي عميـد الدولـة عـن الـوزارة سنة ست وسبعين رتب في الديوان أبا الفتح المظفـر بـن رئيـس الرؤسـاء‏.‏ ثـم استـوزر أبـا شجـاع محمـد بـن الحسيـن فلـم يـزل فـي الـوزارة إلى سنة أربع وثمانين فتعرض لأبي سعد بن سمحاء اليهودي وكان وكيلاً للسلطان ونظام الملك‏.‏ وسار كوهرابيـن الشحنـة إلى السلطان بأصبهان فمضى اليهودي في ركابه وسمع المقتدي بذلك فخرج توقيعـه بإلـزام أهـل الذمـة بالغيـار فأسلـم بعضهم وهرب بعضهم‏.‏ وكان ممن أسلم أبو سعد العلاء بن الحسن بن وهب بن موصلايا الكاتب وقرابته ولما وصل كوهرابين وأبو سعد إلى السلطان وعظمت سعايتهما في الوزير أبي شجاع فكتب السلطان ونظام الملك إلى المقتدي في عزله فعزله وأمره بلزوم بيته وولى مكانه أبا سعد ابن موصلايا الكاتب وبعث المقتدي إليهما في عميد الدولة بن جهير فبعثا به إليه واستوزره سنة أربع وثمانين وركب إليه نظام الدولة فهنأه في الوزارة في بيته وتوفي الوزير أبو شجاع سنة ثمان وثمانين‏.‏

استيلاء السلطان على حلب
قد ذكرنا من قبل استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب وخطبـة صاحبهـا محمـود ابـن صالح بن مرداس علـى منابـره باسمـه سنـة ثلـاث وستيـن‏.‏ ثـم عـاد بعـد ذلـك إلـى طاعـة العلويـة بمصـر‏.‏ ثم انتقضت دولة بني مرداس بها وعادت رياستها شورى في مشيختها وطاعتهم لمسلم بن قريش صاحب الموصل وكبيرهم ابن الحثيثي‏.‏ واستقر ملك سليمان ابن قطلمش ببلاد الروم وملك أنطاكية سنة سبع وسبعين‏.‏ وتنازع مع مشرف الدولة ابن قريش ملك حلب وتزاحفا فقتـل سليمـان بـن قطلمـش مسلـم بـن قريـش سنـة تسـع وسبعيـن‏.‏ وكتـب إلى أهل حلب يستدعيهم إلـى طاعتـه فاستمهلـوه إلـى أن يكاتبـوا السلطـان ملـك شاه‏.‏ فإن الكل كانوا في طاعته وكتبوا إلى تتـش أخـي السلطـان وهـو بدمشـق أن يملكـوه فسـار إليهـم ومعـه ارتق‏.‏ بن أكسب كان قد لحق به عندمـا جـاء السلطـان إلـى الموصـل وفتحهـا خشيـة ممـا فعلـه في خلاص مسلم بن قريش من حصار آمد فأقطعه تتش بيت المقدس‏.‏ فلمـا جـاء تتـش إلـى حلـب وحاصـر القلعة وبها سالم بن مالك ابن بدران ابن عم مشرف الدولة مسلـم بـن قريـش وكـان ابـن الحثيثـي وأهـل حلـب قد كاتبوا السلطان ملك شاه أن يسلموا إليه البلد فسـار مـن أصبهـان فـي جمـادى سنة تسع وستين ومر بالموصل ثم بحران فتسلمها وأقطعها محمد بن مسلم بن قريش ثم بالرها فملكها من يد الروم ثم بقلعة جعفر فحاصرها وملكها من يد بعض بني قشير ثم بنبج فملكها ثم عبر الفرات إلى حلب فأجفل أخوه تتش إلى البرية ومعه أرتـق‏.‏ ثـم عـاد إلـى دمشـق وكان سالم بن مالك ممتنعاً بالقلعة فاستنزله منها وأقطعه قلعة جعبر فلم تزل بيده ويد بنيه حتى ملكها منهم نور الدين العادل وبعث إلى السلطان بالطاعة على شيـراز وولـى السلطـان علـى حلـب قسيم الدولة صاحب شيراز نصر بن علي بن منقذ الكناني وسلـم إليـه اللاذقيـة وكفرطـاب وفامية فأقر على شيراز وولى السلطان على حلب قسيم الدولة آقسنقر جد نور الدين العادل ورحل إلى العراق وطلب أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثي فحمله معه وأنزله بديار بكر فتوفي فيها بحال أملاق‏.‏ ودخل السلطان بغداد في ذي الحجة من سنة تسع وسبعين وأهدى إلى المقتدي وخلع عليه الخليفة وقد جلس له في مجلس حفل ونظام الملك قائم يقدم أمراء السلطان واحداً بعد واحد آخـر للسلام للخليفة ويعرف بأسمائهم وأنسابهم ومراتبهم‏.‏ ثم فوض الخليفة المقتدي إلى السلطان أمور الدولة وقبل يده وانصرف‏.‏ ودخل نظام الملك إلى مدرسته فجلس في خزانة الكتب واسمـع جـزء حديـث وأملـى آخـر وأقـام السلطـان في بغداد شهراً ورحل في صفر من سنة ثمانين إلى أصبهان وجاء إلى بغداد مرة أخرى في رمضان من سنة أربع وثمانين ونزل بدار الملك وقـدم عليـه أخـوه تـاج الدولـة تتـش وقسيـم الدولـة آقسنقـر مـن حلب وغيرهما من أمراء النواحـي‏.‏ وعمـل ليلـة الميعـاد مـن سنـة خمـس وثمانيـن لـم يـر أهل بغداد مثله وأخذ الأمراء في بناء الدور ببغداد لسكناهم عند قدومهم فلم تمهلهم الأيام لذلك‏.‏

فتنة بغداد
كانت مدينـة بغـداد قـد احتفلـت فـي كثـرة العمـران بمـا لـم تنتـه إليـه مدينـة فـي العالـم منـذ مبـدء الخليقـة فيمـا علمناه واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرهـا وأعيـا علـى الحكام أمرهم وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً‏.‏ وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها وبمن الحنابلـة والشافعيـة وغيرهـم مـن تصريـح الحنابلـة بالتشبيـه فـي الـذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد وحاشاه منه فيقـع الجـدال والنكيـر ثـم يفضـي إلـى الفتنـة بيـن العـوام‏.‏ وتكـرر ذلـك منذ حجر الخلفاء‏.‏ ولا يقدر بنو بويه ولا السلجوقية على حسم ذلـك منهـا لسكنـى أولئـك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبعدهم عن بغداد‏.‏ والشوكة التي تكون بها حسـم العلـل لاتفاقهـم‏.‏ وإنمـا تكون ببغداد شحنة تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة ولم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلـك لاشتغالهـم بمـا هـو أعظـم منـه فـي الدولـة والنواحي‏.‏ وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم يقلع عنها إلى أن اختلفت جدتها وتلاشى عمرانها وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام‏.‏

مقتل نظام الملك وأخباره
كان من أبناء الدهاقين بطوس أبو علي الحسين بن علي بن إسحاق فشب وقرأ بها وسمع الحديث الكبير وتعلق بالأحكام السلطانية وظهرت فيها كفايته وكان يعرف بحسن الطوسي‏.‏ وكان أميره الذي يستخدمه يصادره كل سنة فهرب منه إلى داود وحفري بك وطلبه مخدومه الأميـر فمنعـه وخدم أبا علي بن شادان متولي الأعمال ببلخ لحفري بك أخي السلطان طغرلبك وهو والد السلطان ألب أرسلان‏.‏ ولما مات أبو علي وقد صرف نظام الملك هذا بالكفاية والأمانـة أوصـى بـه ألـب أرسلـان فأقام بأمور في دولته ودولة ابنه ملك شاه من بعده وبلغ المبالغ كما مر واستولى على الدولة‏.‏ وولى أولاده الأعمال وكـان فيمـن ولـاه منهـم ابـن ابنـه عثمـان جمـال وولـى علـى مـرو وبعـث السلطـان إليهـا شحنـة مـن أعظـم أمرائـه ووقـع بينـه وبين عثمان نزاع فحملته الحداثة والادلال بجاهه على أن قبض على الأمير وعاقبه فانطلق إلى السلطان مستغيثاً وامتعض لها السلطان وبعث إلـى نظـام الملـك بالنكيـر مـع خواصـه وثقاتـه فحملتـه الدالة على تحقيق تعديد حقوقه على السلطان وإطلاق القول في العتاب والتهديد بطوارق الزمن‏.‏ وأرادوا طي ذلك عن السلطان فوشى به بعضهـم‏.‏ فلمـا كـان رمضـان مـن سنة خمس وثمانين والسلطان على نهاوند عائداً من أصبهان إلى بغـداد وقـد انصـرف الملك يومه ذلك من خيمة السلطان إلى خيمته فاعترضه صبي قيل إنه من الباطنيـة فـي صـورة مستغيـث فطعنه بسكينة فمات وهرب الصبي فأدرك وقتل وجاء السلطان إلى خيمة نظام الملك يومه وسكن أصحابه وعسكره وذلك لثلاثين سنة من وزارته سوى ما وزر لأبيه ألب أرسلان أيام إمارته بخراسان‏.‏

وفاة السلطان ملك شاه وملك ابنه محمود
لما قتل نظام الملك على نهاوند كما ذكرناه سار السلطان لوجهه ودخل بغداد آخر رمضان من سنته ولقيه الوزير عميد الدولة بن جهير واعتزم السلطان أن يولي وزارته تاج الملك وهو الـذي سعـى بنظـام الملـك وكانـت قـد ظهـرت كفايتـه‏.‏ فلمـا صلى السلطان العيد عاد إلى بيته وقد طرقه المرض وتوفي منتصف شوال فكتمت زوجته تركمان خاتون موته وانزلت أموالها وأموال أهل الدولة بحريم دار الخلافة وارتحلت إلى أصبهان‏.‏ وسلوا السلطان معها في تابوته وقد بذلت الأموال للأمراء على طاعة ابنها محمود والبيعة له فبايعوه وقدمت من طريق قوام الدولة كربوقـا الـذي ملـك الموصـل من بعد ذلك فسار بخاتم السلطان لنائب القلعة وتسلمها‏.‏ ولما بايعت لولدها محمود وعمره يومئذ أربع سنين بعثت إلى الخليفة المقتدي في الخطبة له فأجابها على شرط أن يكون أثر من أمراء أبيه هو القائم بتدبير الملك وأن يصدر عن رأي الوزير تاج الملك ويكـون لـه ترتيب العمال وجباية الأموال فأبت أولاً من قبول هذا الشرط حتى جاءها الإمام أبو حامـد الغزالـي وأخبرهـا أن الشرع لا يجير تصرفاته فأذعنت لذلك فخطبت لابنها آخر شوال من السنة ولقب ناصر الدولة والدين وكتب إلى الحرمين الشريفين فخطب له بهما‏.‏ ثورة بركيارق بملك شاه كانت تركمان خاتون عند موت السلطان ملك شاه قد كتمت موته وبايعت لابنها محمود كما قلناه وبعثت إلى أصبهان سراً في القبض على بركيارق ابن السلطان ملك شاه خوفاً من أن ينازع ابنها محموداً فحبس‏.‏ فلما ظهر موت ملك شاه وثب مماليك بركيارق نظام الملك على سلاح كان له بأصبهان وثاروا في البلد وأخرجوا بركيـارق مـن محبسـه وبايعـوه وخطبـوا لـه بأصبهان‏.‏ وكانت أمه زبيدة بنت عم ملك شاه وهو ياقولي خائفة على ولدها من خاتون أم محمـود وكـان تـاج الملـك قـد تقـدم إلـى أصبهـان وطالبه العسكر بالأموال فطلع إلى بعض القلاع لينزل منها المال وامتنع فيها خوفاً من مماليك نظام الملك‏.‏ ولما وصلت تركمان خاتون إلى أصبهان جاءها فقبلت عذره‏.‏ وكان بركيارق لما أقامت خاتون ابنها محموداً بأصبهان خرج فيمن معه من النظامية إلى الري واجتمع معه بعض أمراء أبيه وبعثت خاتون العساكر إلى قتاله وفيهم أمراء ملك شاه‏.‏ فلما تراءى الجمعان هرب كثير من الأمراء إلى بركيارق واشتد القتال فانهزم عسكر محمود وخاتون وعادوا إلى أصبهان وسار بركيارق في أثرهم فحاصرهم بها‏.‏

مقتل تاج الملك
كـان الوزيـر تـاج الملـك قـد حضـر مع عسكر خاتون وشهد وقعة بركيارق‏.‏ فلما انهزموا سار إلى قلعة يزدجرد فحبس في طريقه وحمل إلى بركيارق وهو محاصر أصبهان وكان يعرف كفايته فأجمع أن يستوزره وأصلح هو النظامية وبذل لهم مائتي ألف دينار واسترضاهم بها‏.‏ ونمي ذلك إلى عثمان نائب نظام الملك فوضع الغلمان الأصاغر عليه الطالبين ثار سيدهم وأغراهم فقتلـوه وقطعـوه قطعـاً وذلـك فـي المحـرم سنـة سـت وثمانيـن‏.‏ ثـم خـرج إلى بركيارق من أصبهان وهو محاصر لها عز الملك أبو عبد الله بن الحسين بن نظام الملك وكان على خوارزم ووفد على السلطـان ملـك شـاه قبـل مقتـل أبيه‏.‏ ثم كان ملكهما فأقام هو بأصبهان وخرج إلى بركيارق وهو يحاصرها فاستوزره وفوض إليه أمر دولته انتهى‏.‏

الخطبة لبركيارق ببغداد
ثـم قـدم بركيارق بغداد سنة ست وثمانين وطلب من المقتدي الخطبة فخطب له على منابرها ولقـب ركـن الديـن وحمـل الوزيـر عميـد الدولـة بن جهير إليه الخلع فلبسها وتوفي المقتدي وهو مقيم ببغداد‏.‏

وفاة المقتدي ونصب المستظهر للخلافة
ثـم توفـي المقتـدي بأمـر اللـه أبـو القاسـم عبـد اللـه بـن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله في منتصف محرم سنة سبع وثمانين وكان موته فجأة أحضر عنده تقليد السلطان بركيارق ليعلم عليه فقرأه ووضعه‏.‏ ثم قدم إليه طعام فأكل منه ثم غشي عليه فمات وحضر الوزير فجهزوا جنازته وصلى عليه ابنه أبو العباس أحمد ودفن وذلك لتسع عشرة سنة وثمانية أشهر من خلافته‏.‏ وكانت له قوة وهمة لولا أنه كان مغلباً وعظمت عمارة بغداد في أيامه وأظن ذلك لاستفحال دولـة بنـي طغرلبـك‏.‏ ولمـا توفـي المقتـدي وحضـر الوزيـر أحضـر ابنـه أبـا العبـاس أحمـد الحاشيـة فبايعوه ولقبوه المستظهر وركب الوزير إلى بركيارق وأخذ بيعته للمستظهر‏.‏ ثم حضر بركيارق لثالثة مـن وفاتـه ومعـه وزيره عز الملك بن نظام الملك وأخوه بهاء الملك وأمر السلطان بأرباب المناصب فجمعوا وحضر النقيبان طراد العباسي والمعمر العلوي وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني والغزالي والشاشي وغيرهم فحبسوا في العراء وبايعوا‏.‏ قد ذكرنا فيما تقدم أن تتش ابن السلطان ألب أرسلان استقل بملك دمشق وأعمالها وأنه وفد على السلطان ملك شاه ببغداد قبل موته وانصرف وبلغه خبر وفاته بهيت فملكها وسار إلى دمشق فجمع العساكر وزحف إلى حلب فأطاعه صاحبها قسيم الدولة آقسنقر وسار معه وكتـب إلـى ناعيسـان صاحـب أنطاكيـة وإلـى بـرار صاحب الرها وحران يشير عليهما بطاعة تتش حتـى يصلـح حـال أولـاد ملـك شـاه فقبلـوا منه وخطبوا له في بلادهم وساروا معه فحضر الرحبة وملكها في المحرم سنة ست وثمانين وخطب فيها لنفسه‏.‏ ثم فتح نصيبين عنوة وعاث فيها وسلمها لمحمد بن مشرف الدولة وسار يريد الموصل ولقيه الكافي فخر الدولة بن جهير وكان فـي جزيـرة ابـن عمـر فاستـوزره وبعـث إلـى إبراهيم بن مشرف الدولة مسلم بن قريش وهو يومئذ ملك الموصل يأمره بالخطبة له وتسهيل طريقه إلى بغداد فأبى من ذلك وزحف إليه تتش وهو في عشرة آلاف وآقسنقر على ميمنته وتوزران على ميسرته وإبراهيم في ستين ألفاً والتقوا فانهـزم إبراهيم وأخذ أسيراً وقتل جماعة من أمراء العرب صبراً وملك تاج الدولة تتش الموصل وولـى عليهـا علـي بـن مشـرف الدولة‏.‏ وفوض إليه أمر صفية عمة تتش وبعث إلى بغداد يطلب مساعـدة كوهرابيـن الشحنـة فجـاء العـذر بانتظار الرسل من العسكر فسار إلى ديار بكر وملكها ثـم إلـى أذربيجـان وبلـغ خبـره إلى بركيارق وقد استولى على همذان والري فسار لمدافعته فلما التقـى العسكـران جنـح آقسنقـر إلـى بركيارق وفاوض توران في ذلك وأنهما إنما اتبعا تتش حتى يظهر أمر أولاد ملكشاه فوافقه على ذلك وسارا معاً بركيارق فانهزم تتش وعاد إلى دمشق واستفحل بركيارق وجاءه كوهرابين يعتذر عن مساعدته لتتش في الخطبة فلم يقبله وعزله وولى الأمير نكبرد شحنه بغداد مكانه خطب لبركيارق ببغداد كما قدمناه‏.‏ ومات المقتدي ونصب المستظهر ولما عاد تتش من أذربيجان إلى الشام جمع العساكر وسار إلى حلب لقتال آقسنقر وبعث بركيارق كربوقا الذي صار أمير الموصل مدداً لأقسنقر ولقبهم تتـش قريبـاً مـن حلـب فهزمهم وأسر أقسنقر فقتله صبراً‏.‏ ولحق توران وكربوقا بحلب وحاصرهما تتش فملكها وأخذهما أسيرين وبعـث إلـى حـران والرهـا الطاعـة وكانتـا لتـوران فامتنعـوا فبعـث برأسـه إليهـم وأطاعـوه وحبس كربوقا في حمص أن أطاعه رضوان بعد قتل أبيه تتش‏.‏ ثـم سار تتش إلى الجزيرة فملكها ثم ديار بكر ثم خلاط وأرمينية ثم أذربيجان ثم سار إلى همذان فملكها وكان بها فخر الدولة نظام الملك سار من حران لخدمة بركيارق فلقيه الأمير تاج من عسكر محمود بن ملكشاه بأصبهان فنهب ماله ونجا بنفسه إلى همذان وصادف بها تتش وشفع فيه باغسيان وأشار بوزارته فاستوزره وأرسل إلى بغداد يطلب الخطبـة مـن المستظهر وبعث يوسف بن أبق التركماني شحنته إلى بغداد في جمع من التركمان فمنع من دخولها‏.‏ وكـان بركيـارق قـد سـار إلـى نصيبيـن وعبـر دجلـة فـوق الموصـل إلى أربل ثم إلى بلد سرخاب بن بـدر حتـى إذا كـان بينـه وبيـن عمـه تسعـة فراسـخ وهـو فـي ألـف رجـل وعمـه فـي خمسيـن ألفاً فبيته بعض الأمراء من عسكر عمه فانهزم إلى أصبهان وبها محمود ابن أخيه وقد ماتت أمه تركمان خاتـون فأدخلـه أمـراء‏:‏ محمـود واحتاطوا عليه‏.‏ ثم مات محمود سلخ شوال من سنة سبع وثمانين واستولى بركيارق على الأمر وقصده مؤيد الملك بن نظـام الملـك فاستـوزره فـي ذي الحجـة واستمال الأمراء فرجعوا إليه وكثر جمعه‏.‏ وكان تتش بعد هزيمة بركيارق قد اختلف عليه الأمراء وراسل أمراء أصبهان يدعوهم إلى طاعته فواعدوه انتظار بركيارق وكان قد أصابه الجدري فلما أبل نبذوا إليه عهده وساروا مع بركيارق من أصبهان وأقبلت إليهم العساكر من كـل مكـان وانتهـوا إلـى ثلاثين ألفاً والتقوا قريباً من الري فانهزم تتش وقتله بعض أصحاب أقسنقر وكان قد حبس وزيره فخر الملك بن نظام الملك فأطلق ذلك اليوم واستفحل أمر بركيـارق وخطب له ببغداد‏.‏ كان السلطان بركيارق قد ولى على خراسان وأعمالها أخاه لأبيـه سنجـر فاستقـل بأعمـال خراسان كما يذكر في أخبار دولتهم عند انفرادها بالذكر‏.‏ وإنما نذكر هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة والخطبة لهم ببغداد لأن مساق الكلام هنا إنما هو عن أخبار دولة بني العباس ومن وزر لهم أو تغلب خاصة‏.‏ وكان لسنجر بن ملكشاه أخ شقيق اسمـه محمـد ولمـا هلـك السلطان ملكشاه سار مع أخيه محمود وتركمان خاتون إلى أصبهان‏.‏ فلما حاصرهم بركيارق لحـق بـه أخـوه محمـد هـذا وسـار معـه إلى بغداد سنة ست وثمانين وأقطعه دجلة وأعمالها وبعث معه قطلغ تكين أتابك‏.‏ فلما استولى على أمره قتله أنفة من حجره‏.‏ ثـم لحق به مؤيد الملك بن عبيد الله بن نظام الملك كان مع الأمير أنز وداخله قي الخلاف على السلطـان بركيـارق‏.‏ فلمـا قتـل أنـز كمـا نذكـر فـي أخبارهـم لحـق مؤيـد الملـك بمحمـد ابـن السلطـان ملك شـاه وأشـار عليـه ففعـل وخطـب لنفسـه‏.‏ واستـوزره مؤيـد لملـك وقارن ذلك أن السلطان بركيارق قتل خاله مجد الملك البارسلاني فاستوحش منه أمراؤه ولحقوا بأخيه محمد وسار بركيارق إلى الري واجتمع له بها عساكر وجاء عز الملك منصور ابن نظام الملك في عساكر وبينمـا هـو فـي الـري إذ بلغـه مسيـر أخيـه محمـد إليـه فأجفـل راجعـاً إلـى أصبهـان فمنعـه أهلها الدخول فسار إلى خوزستان‏.‏ وجاء السلطان محمد إلى الري أول ذي القعدة من سنة اثنتين وتسعين ووجد أم بركيارق بها وهي زبيدة خاتون فحبسها مؤيد الملك وقتلها واستفحل ملك محمد وجاءه سعد الدولة كوهرابين شحنة بغداد وكان مستوحشاً من بركيارق وجاء معه كربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحـب جزيـرة ابـن عمـر وسرخـاب ابـن بـدر صاحـب كركـور فلقـوه جميعـاً بقـم‏.‏ وسـار كربوقـا وجكرمـش معـه إلى أصبهان ورد كوهرابين إلى بغداد في طلب الخطبة من لخليفة وأن يكون شحنة بها فأجابه المستظهر إلى ذلك وخطب له منتصف ذي الحجة منة اثنتين وتسعين ولقب غياث الدنيا والدين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:09 AM

إعادة الخطبة لبركيارق
لما سار بركيارق مجفلاً من الري إلى خوزستان أمام أخيه محمد وأمير عسكره يومئذ نيال بن أنـوش تكين الحسامي ومعه جماعة من الأمراء أجمع المسير إلى العراق فسار إلى واسط وجاءه صدقـة بـن مزيـد صاحـب الحلـة‏.‏ ثـم سـار إلـى بغـداد فخطـب لـه بهـا منتصـف صفر من سنة ثلاث وتسعيـن‏.‏ ولحـق سعد الدولة كوهرابين ببعض الحصون هنالك ومعه أبو الغازي بن أرتق وغيره من الأمراء وأرسل إلى السلطان محمد ووزيره مؤيد الملك يستحثهما في الوصول فبعث إليه كربوقـا صاحـب الموصـل وجكرمـش صاحب الجزيرة فلم يرضه‏.‏ وطلب جكرمش العود إلى بلده فأطلقه‏.‏ ثم نزع كوهرابين ومن معه من الأمراء إلى بركيارق باغزاء كربوقا صاحب الموصل وكاتبوه فخرج إليهم ودخلوا معه بغداد واستوزره الأغر أبو المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني وقبض على عميد الدولة ابن جهير وزير الخليفة وطالبه بأموال ديار بكر والموصـل فـي ولايتـه وولايـة أيـه وصادره على مائة وستين ألف دينار فحملها إليه وخلع المستظهر على السلطان بركيارق واستقر أمره‏.‏

المصاف الأول بين بركيارق محمد وقتل كوهرابين والخطبة لمحمد
ثم سار بركيارق من بغداد إلى شهرزور لقتال أخيه محمد واجتمع إليه عسكر عظيم من التركمـان وكاتبـه رئيـس همـذان بالمسير إليه فعدا عنه ولقي أخاه محمداً على فراسخ من همذان ومحمـد فـي عشريـن ألـف مقاتـل ومعه الأمير سرخو شحنة أصبهان وعلى ميمنته أمير آخر وابنه أياز وعلى ميسرته مؤيد الملك والنظامية‏.‏ ومع بركيارق في القلب وزيره أبو المحاسن وفـي ميمنتـه كوهرابيـن وصدقـة بـن مزيد وسرخاب بن بدر‏.‏ وفي ميسرته كربوقا وغيره من الأمراء‏.‏ فحمـل كوهرابين من ميمنة بركيارق على ميسرة محمد فانهزموا حتى نهبت خيامهم‏.‏ ثم حملت ميمنة محمد على ميسرة بركيارق فانهزمت وحمل محمد معهم فانهزم بركيارق ورجع كوهرابين للمنهزمين فكبا به فرسه وقتل وافترقت عساكر بركيارق وأسر وزيره أبو المحاسن فأكرمه مؤيد الملـك وأنزلـه وأعـاده إلـى بغـداد ليخاطـب المستظهـر فـي إعـادة الخطبة للسلطان محمد ففعل وخطب له ببغداد منتصف رجب سنة ثلاث وتسعين‏.‏ وابتداء أمر كوهرابين أنه كان لامرأة نجوزستان وصار خادماً للملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة‏.‏ وحظي عنده وكان يستعرض حوائج تلك المرأة وأصاب أهلها منه خيراً‏.‏ وأرسله أبو كاليجـار مـع ولـده أبـي نصر إلى بغداد فلما قبض عليه السلطان طغرلبك مضى معه إلى محبسه بقلعة طبرك‏.‏ ولما مات أبو نصر سار إلى خدمة السلطان ألب أرسلان فحظي عنده وأقطعه واسط وجعله شحنة بغداد وكان حاضراً معه يوم قتله يوسف الخوارزمي ووقاه بنفسه‏.‏ ثم بعثـه ابنـه ملك شاه إلى بغداد لاحضار الخلع والتقليد واستقر شحنة ببغداد إلى أن قتل ورأى ما لم يره خادم قبله من نفوذ الكلمة وكمال القدرة وخدمة الأمراء والأعيان وطاعتهم انتهى‏.‏

مصاف بركيارق مع أخيه سنجر
ولما انهزم السلطان بركيارق من أخيه محمد لحق بالري واستدعى شيعته وأنصاره من الأمراء فلحقوا به‏.‏ ثم ساروا إلى أسفراين وكاتب الأمير داود حبشي بن الترنطاق يستدعيه وهـو صاحب خراسان وطبرستان ومنزله بالدامغان فأشار عليه باللحاق بنيسابور حتـى يأتيـه‏.‏ فدخل نيسابور وقبض على رؤسائها ثم أطلقهم وأساء التصرف‏.‏ ثم أعاد الكتاب إلى داود حبشي بالاستدعاء فاعتـذر بـأن السلطـان سنجـر زحـف إليـه فـي عساكـر بلـخ‏.‏ ثـم سـأل منـه المـدد فسـار بركيارق إليه في ألف فارس وهو في عشرين ألفاً والتقوا بسنجر عند النوشجان وفي ميمنة سنجر الأمير برغش وفي ميسرته كوكر ومعه في القلب رستم‏.‏ فمحل بركيارق على رستـم فقتلـه وانهـزم أصحابـه ونهب عسكرهم وكادت الهزيمة تتم عليهم‏.‏ ثم حمل برغش وكوكر على عسكر بركيارق وهم مشتغلون بالنهب فانهزموا وانهزم بركيارق‏.‏ وجاء بعض التركمان بالأميـر داود حبشـي أسيـراً إلـى برغـش فقتلـه ولحـق بركيـارق بجرجـان ثـم بالدامغـان وقطع البرية إلى أصبهان بمراسلة أهلها فسبقه أخوه محمد إليها فعاد أسيرهم انتهى‏.‏

عزل الأمير عميد الدولة بن جهير ووفاته
قد ذكرنا أن وزير السلطان بركيارق وهو الأغر أبو المحاسن أسر في المصاف الأول بين بركيارق ومحمد وأن مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد أطلقه واصطنعه وضمنه عمارة بغداد وحمله طلب الخطبة لمحمد ببغداد من المستظهر فخطب له وكان فيما حمله للمستظهر عزل وزيره عميد الدولة بن جهير‏.‏ وبلغ ذلك عميد الدولة فأرسل من يعترض الأغر ويقتله فامتنـع بعقـر بابـل‏.‏ ثـم صالحـه ذلـك الذي اعترضه وطلب لقاءه فلقيه ودس الأغر إلى أبي الغازي بن أرتق وكان وصل معه وسبقه إلى بغداد فرجع إليه ليلاً ويئس منه ذلك الذي اعترضه ووصـل الأغـر بغـداد وبلـغ إلـى المستظهـر رسالـة مؤيـد الدولـة فـي عـزل عميـد الدولـة فقبض عليه في رمضان من سنة ثلاث وتسعين وعلى إخوته وصودر على خمسة وعشرين ألف دينار وبقي محبوساً بدار الخلافة إلى أن هلك في محبسه‏.‏

المصاف الثاني بين بركيارق وأخيه محمد ومقتل مؤيد الملك والخطبة لبركيارق
قـد ذكرنـا أن بركيـارق لمـا انهزم أمام أخيه محمد في المصاف الأول سار إلى أصبهان ولم يدخلها فمضـى إلـى عسكـر مكـرم إلـى خوزستـان وجـاءه الأميـران زنكـي وألبكـي ابنـا برسـق‏.‏ ثـم سـار إلى همـذان فكاتبـه أيـاز من كبار أمراء محمد بما كان استوحش منه فجاءه في خمسة آلاف فارس وأغراه باللقاء فارتحل لذلك‏.‏ ثم استأمن إليه سرخاب بن كنخسرو صاحب آوة فاجتمع له خمسـون ألفـاً مـن المقاتلـة وبقـي أخـوه فـي خمسـة عشـر ألفـاً‏.‏ ثم اقتتلوا أول جمادى الآخرة سنة أربع وتسعيـن وأصحـاب محمـد يغـدون على محمد شيئاً فشيئاً مستأمنين‏.‏ ثم انهزم آخر النهار وأسر وزيره مؤيد الملك وأحضره عنـد بركيـارق غلـام لمجـد الملـك البارسلانـي ثـار منـه مولـاه فلمـا حضر وبخه بركيارق وقتله وبعث الوزير أبو المحاسن من يسلم إليه أمواله وصادر عليها قرابته في بغداد وفـي غيـر بغـداد وفـي بلـاد العجـم‏.‏ ويقـال كـان فيمـا أخـذ لـه قطعـة مـن البلخـش زنـة إحـدى وأربعين مثقالاً‏.‏ ثـم سـار بركيـارق إلـى الـري ولقيـه هنـاك كربوقـا صاحـب الموصل ونور الدولة دبيس بن صدقة بن مزيد واجتمعت إليه نحو من مائة ألف فارس حتى ضاقت بهم البلاد ففرق العساكر‏.‏ وعاد دبيـس إلـى أبيـه وسار كربوقا إلى أذربيجان لقتال مودود بن إسماعيل بن ياقوتا كان خرج على السلطـان هنالـك‏.‏ وسـار أيـاز إلـى همـذان ليقضـي الصـوم عنـد أهلـه ويعـود فبقـي بركيـارق فـي خـف من الجنود‏.‏ وكان محمد أخوه لما انهزم لجهات همذان سار إلى شقيقه بخراسان فانتهى إلى جرجـان وبعـث يطلب منه المدد فأمده بالمال أولاً‏.‏ ثم سار إليه بنفسه إلى جرجان وسار معه إلى الدامغان وخرب عسكر خراسان ما مروا به من البلاد وانتهوا إلى الري واجتمعت إليهم النظاميـة وبلغهـم افتـراق العساكـر عـن بركيـارق فأغذوا إليه السير فرحل إلى همذان فبلغه أن أياز راسـل محمداً فقصد خوزستان وانتهى إلى تستر واستدعى بني برسق فقعدوا عنه لما بلغهم مراسلة أياز للسلطان فسار بركيارق نحو العراق وكان أياز راسل محمداً في الكون معه فلم يقبله فسار من همذان ولحق بركيارق إلى حلوان وساروا جميعاً إلى بغداد‏.‏ واستولـى محمـد علـى مخلـف أيـاز بهمـذان وحلـوان وكـان شيئاً مما لا يعبر عنه‏.‏ وصادر جماعة من أصحاب أياز من أهل همذان ووصل بركيـارق إلـى بغـداد منتصـف ذي القعـدة سنـة أربـع وتسعيـن وبعث المستظهر لتلقيه أمين الدولة بن موصلايا في المراكب وكان بركيارق مريضاً فلزم بيتـه وبعـث المستظهـر فـي عيـد الأضحـى إلـى داره منبـراً خطب عليه باسمه وتخلف بركيارق عن شهود العيد لمرضه وضاقت عليه الأموال فطلب الإعانة من المستظهر وحمل إليه خمسين ألف دينـار بعـد المراجعـات ومـد يده إلى أموال الناس وصادرها فضجوا وارتكب خطيئة شنعاء في قاضي جبلة وهو أبو محمد عبد الله بن منصور‏.‏ وكان من خبره أن أباه منصوراً كان قاضياً بجبلـة فـي ملكـة الروم فلما ملكها المسلمون وصارت في يد أبي الحسن علي بن عمار صاحب طرابلـس أقـره علـى القضـاء بهـا‏.‏ وتوفـي فقـام ابنـه أبـو محمـد هذا مقامه ولبس شعار الجندية وكان شهماً فهم ابن عمار بالقبض عليه وشعر فانتقض وخطب للخلفاء العباسية‏.‏ وكان ابن عمار يخطـب للعلويـة بمصر وطالت منازلة الفرنج بحصن جبلة إلى أن ضجر أبو محمد هذا وبعث إلى صاحب دمشق وهو يومئذ طغتكين الأتابك أن يسلم إليه البلد فبعث ابنه تاج الملوك موري وتسلـم منـه البلـد وجـاء بـه إلـى دمشـق وبـذل لهم فيه ابن عمار ثلاثين ألف دينار دون أمواله فلم يرضوا بإخفار ذمتهم وسار عنهم إلى بغداد ولقي بها بركيارق فأحضره الوزير أبو المحاسن وطلبـه فـي ثلاثيـن ألـف دينـار فأجـاب وأحالهم على منزله بالأنبار فبعث الوزير من أتاه بجميع ما فيه وكان لا يعبر فكانت من المنكرات التي أتاها بركيارق‏.‏ ثم بعث الوزير إلى صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد صاحب حلب يطلب منه ألف ألف دينار متخلفة من مال الجباية وتهدده عليها فغضب وانتقض وخطب لمحمد وبعث إليه بركيارق الأمير أيـاز يستقدمـه فلـم يجب وبعث إلى الكوفة وطرد عنها نائب بركيارق واستضافها إليه‏.‏

استيلاء محمد على بغداد
قد ذكرنا استيلاء محمد على همذان في آخر ذي الحجة من سنة أربع وتسعين ومعه أخوه سنجـر‏.‏ وذهـب بركيـارق إلـى بغـداد فاستولـى عليهـا وأسـاء السيـرة بهـا وبلـغ الخبـر إلـى محمـد فسار مـن همـذان فـي عشـرة آلـاف فـارس ولقيـه بحلـوان أبـو الغـازي بن أرتق شحنته ببغداد في عساكره وأتباعـه‏.‏ وكـان بركيـارق فـي شـدة مـن المـرض وقـد أشـرف علـى الهلـاك فاضطـرب أصحابه وعبروا به إلى الجانب الغربي حتى إذا وصل محمد بغداد وترآى الجمعان من عدوتي دجلة ذهب بركيارق وأصحابه إلى واسط ودخل محمد بغداد وجاءه توقيع المستظهر بالانتقاض مما وقع به بركيارق وخطب له على منابر بغداد وجاءه صدقة بن منصور صاحب الحلة فأخرج الناس للقائه ونزل سنجر بدار كوهرابين واستوزر محمد بعد مؤيد الملك خطيب الملك أبا منصور محمد بن الحسين فقدم إليه في المحرم سنة خمس وتسعين انتهى‏.‏

المصاف الثالث والرابع وما تخلل بينهما من الصلح
ولم يتم ثم ارتحل السلطان وأخوه سنجر عن بغداد منتصف المحرم من سنة خمس وتسعين وقصد سنجـر خراسـان ومحمـد همـذان فاعتـرض بركيـارق خـاص الخليفـة المستظهر وأبلغه القبيح فاستدعـى المستظهـر محمـداً لقتـال بركيـارق فجـاء إليه وقال أنا أكفيكه‏.‏ ورتب أبا المعالي شحنة ببغـداد وكـان بركيارق بواسط كما قلنا فلما أبل من مرضه عبر إلى الجانب الشرقي بعد جهد وصعوبة لفرار الناس من واسط لسوء سيرتهم‏.‏ ثم سار إلى بلاد بني برسق حتى أطاعوا واستقاموا وساروا معه فاتبع أخاه محمداً إلى نهاوند وتصافوا يومين ومنعهما شدة البرد من القتال‏.‏ ثم اجتمع أياز والوزير الأغر من عسكر بركيارق وبلد أجي وغيرهم من الأمراء من عسكـر محمـد‏.‏ وتفاوضـوا فـي شكـوى مـا نـزل بهـم مـن هـذه الفتنـة ثـم اتفقوا على أن تكون السلطنة بالعـراق لبركيـارق ويكـون لمحمـد مـن البلـاد الحيـرة وأعمالهـا وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصـل علـى أن يمـده بركيـارق بالعسكـر متـى احتـاج إليـه على من يمتنع عليه منها‏.‏ وتحالفا على ذلـك وافترقـا فـي ربيـع الأول سنة خمس وتسعين ثم سار بركيارق إلى ساوة ومحمد إلى قزوين وبـدا لـه فـي الصلـح واتهـم الأمـراء الذيـن سعوا فيه وأسر إلى رئيس قزوين أن يدعوهم إلى صنيع عنـده وغـدر بهـم محمـد فقتل بعضاً وسمل بعضاً وأظهر الفتنة‏.‏ وكان الأمير نيال بن أنوش تكين قد فارق بركيارق وأقام مجاهداً للباطنية في الجبال والقلاع فلقي محمداً وسار معه إلى الري وبلغ الخبر إلى بركيـارق فأغـذ إليـه السيـر فـي ثمـان ليـال واصطفـوا فـي التاسـع وكـلا الفريقيـن فـي عشـرة آلـاف مقاتـل‏.‏ وحمـل سرخاب بن كنجسر والديلمي صاحب آوة من أصحاب بركيارق على نيال بن أنوش تكين فهزمه وانهزم معه عسكر محمد وافترقوا فلحق قريق بطبرستان وآخر بقزوين ولحـق محمـد بأصبهـان فـي سبعيـن فارسـاً واتبعـه أيـاز وألبكـي بـن برسق فنجا إلى البلد وبها نوابه فلم ما تشعث من السور وكان من بناء علاء الديـن بـن كاكويـه سنـة تسـع وعشريـن لقتـال طغرلبك وحفر الخنادق وأبعد مهواها وأجرى فيها المياه ونصب المجانيق واستعد للحصار‏.‏ وجاء بركيارق في جمادى ومعه خمسـة عشـر ألـف فـارس ومائـة ألـف مـن الرجـل والاتبـاع فحاصرها حتى جهدهم الحصار وعدمت الأقوات والعلوفة فخرج محمد عن البلد في عيد الأضحى من سنته في مائة وخمسين فارساً ومعه نيال ونزل في الأمراء وبعث بركيارق في اتباعه الأمير أياز‏.‏ وكانت خيل محمد ضامرة من الجوع فالتفت إلى أياز يذكره العهود فرجع عنه بعد أن نهب منه خيلاً ومالاً وأخذ علمه وجنده إلى بركيارق‏.‏ ثم شد بركيارق في حصار أصبهان وزحف بالسلاليم والذبابات وجمع الأيدي على الخندق فطمه وتعلق الناس بالسور فاستمات أهل البلد ودفعوهم‏.‏ وعلم بركيارق امتناعها فرحل عنها ثامن عشر ذي الحجة‏.‏ وجمـر عسكـراً مـع ابنـه ملكشـاه وترشـك الصوالـي علـى البلـد القديـم الـذي يسمـى شهرستـان وسـار إلـى همـذان بعـد أن كـان قتـل علـى أصبهـان وزيره الأغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستانـي اعترضـه فـي ركوبـه من خيمته إلى خدمة السلطان متظلم فطعنه وأشواه ورجع إلى خيمته فمات وذهب للتجار الذين كانوا يعاملونه أموال عظيمة لأن الجباية كانت ضاقت بالفتن فاحتـاج إلـى الاستدانـة ونفـر منـه التجار لذلك‏.‏ ثم عامله بعضهم فذهب مالهم بموته وكان أخوه العميـد المهـذب أبـو محمـد قـد سـار إلى بغداد لينوب عنه حين عقد الأمراء الصلح بين بركيارق ومحمد فقبض عليه الشحنة ببغداد أبو الغازي بن أرتق وكان على طاعة محمد‏.‏

الشحنة ببغداد والخطبة لبركيارق
كـان أبو الغازي بن أرتق شحنة ببغداد وولاه عليها السلطان محمد عند استيلائه في المصاف الأول وكان طريق خراسان إليه فعاد بعض الأيام منها إلى بغداد وضرب فارس من أصحابه بعض الروحين بسهم في ملاحاة وقعت بينهم عند العبور فقتله فثارت بهم العامة وأمسكوا القاتل وجاؤوا به إلى باب النوبة في دار الخلافة ولقيهم ولد أبي الغازي فاستنقذه من أيديهم فرجموه وجاء إلى أبيه مستغيثاً وركب إلى محلة الملاحين فنهبها وعطف عليه العيارون فقتلوا مـن أصحابـه وركبـوا السفين للنجاة فهرب الملاحون وتركوهم فغرقوا‏.‏ وجمع أبو الغازي التركماني لنهب الجانب الغربي فبعث إليه المستظهـر قاضـي القضـاة والكبـا الهراسـي مـدرس النظاميـة بالامتناع من ذلك فاقتصر أبو الغازي أثناء ذلك متمسكاً بطاعة السلطان محمد‏.‏ فلما انهزم محمـد وانطلـق مـن حصـار أصبهـان واستولـى بركيـارق علـى الـري بعث في منتصف ربيع الأول من سنة ست وتسعين من همذان كمستكين القيصراني شحنة إلى بغداد‏.‏ فلما سمع أبو الغازي بعث إلى أخيه سقمان بحصن كيفا يستدعيه للدفاع‏.‏ وجاءه سقمان ومر بتكريت فنهبها ووصـل كمستكيـن ولقيـه شيعـة بركيـارق وأشـاروا عليـه بالمعاجلة ووصل إلى بغداد منتصف ربيع‏.‏ وخرج أبو الغازي وأخوه سقمان إلى دجيل ونهبا بعـض قراهـا واتبعهمـا طائفـة من عسكر كمستكين‏.‏ ثم رجعوا عنهما وخطب للسلطان بركيارق ببغـداد وبعـث كمستكيـن إلـى سيـف الدولـة صدقـة بالحلـة عنـه وعـن المستظهـر بطاعة بركيارق فلم يجـب وكشـف القنـاع وسـار إلـى جسر صرصر فقطعت الخطبة على منابر بغداد فلم يذكر أحد عليها من السلاطين واقتصر على الخليفة فقط‏.‏ وبعث سيف الدولة صدقة إلى أبي الغازي وسقمان بأنه جاء لنصرتهما فعدوا إلى دجيل وعاثوا في البلاد واجتمع لذلك حشد العرب والأكراد مع سيف الدولة وبعث إليه المستظهر في الإصلاح وخيموا جميعاً بالرملة وقاتلهـم العامـة وبعـث الخليفـة قاضـي القضـاة أبـا الحسـن الدامغاني وتاج رؤساء الرياسة ابن الموصلايا إلـى سيـف الدولـة بكـف الأيـدي عـن الفسـاد فاشترطـوا خروج كمستكين القيصراني شحنة بركيارق وإعادة الخطبة للسلطان محمد فتم الأمر على ذلك وعاد سيف الدولة إلى الحلة وعاد القيصراني إلى واسط وخطب بها لبركيارق فسـار إليـه صدقـة وأبو الغازي وفارقها القيصراني فاتبعه سيف الدولة‏.‏ ثم استأمن ورجع إليه فأكرمه وخطب للسلطان محمد بواسط وبعده سيف الدولة وأبي الغازي واستناب كل واحد ولده ورجع أبو الغازي إلى بغداد وسيف الدولة إلى الحلة وبعث ولده منصور إلى المستظهر يخطب رضاه بما كان منه في هذه لحادثة فأجيب إلى ذلك‏.‏ كانت الخطبة بالري للسلطان بركيارق‏.‏ فلما خرج السلطان محمد من الحصار بأصبهان بعث نيال بن أنوش تكين الحسامي إلى الري ليقيم الخطبة له بها فسار ومعه أخوه علي وعسف الرعايا‏.‏ ثم بعث السلطان بركيارق إليه برسق بن برسق في العساكر فقاتله على الري وانهزم نيال وأخوه منتصف ربيع من سنة ست وتسعين وذهب علي إلى قزوين وسلك نيال على الجبـال إلـى بغـداد وتقطـع أصحابـه فـي الأوعـار وقتلـوا ووصـل إلـى بغـداد فـي سبعمائـة رجل وأكرمه المستظهـر واجتمـع هـو وأبـو الغازي وسقمان ابنا أرتق بمشهد أبي حنيفة فاستحلفوه على طاعة السلطان محمد وساروا إلى سيف الدولة صدقة واستحلفوه على ذلك‏.‏ واستقـر نيال ببغداد في طاعة السلطان محمد وتزوج أخت أبي الغازي كانت تحت تاج الدولة تتش‏.‏ وعسف بالناس وصادر العمال واستطال أصحابه في العامة بالضرب والقتل‏.‏ وبعث إليه المستظهر مع القاضي الدامغاني بالنهي عن ذلك وتقبيح فعله‏.‏ ثم مع ابلغاري فأجـاب وحلـف علـى كـف أصحابـه ومنعهـم‏.‏ واستمـر علـى قبـح السيـرة فبعـث المستظهـر إلى سيف الدولة صدقة يستدعيه لكف عدوانه فجاء إلى بغداد في شوال من سنة ست وتسعين وخيم بالمنجمي ودعا نيالاً للرحلة عن العراق على أن يدفع إليه‏.‏ وعاد إلى الحلة وسار نيال مستهل ذي القعدة إلـى أوانـا ففعـل مـن النهـب والعسـف أقبـح ممـا فعـل ببغـداد فبعـث المستظهـر إلـى صدقـة فـي ذلـك فأرسـل ألـف فـارس وسـاروا إليـه مـع جماعـة من أصحاب المستظهر وأبي الغازي الشحنة وذهب نيال أمامهم إلـى أذربيجـان قاصـداً إلـى السلطـان محمـد ورجـع أبـو الغـازي والعساكر عنه‏.‏

المصاف الخامس بين السلطانين
كانت كنجة وبلاد أرزن للسلطان محمـد وعسكـره مقيـم بهـا مـع الأميـر غـز علـي فلمـا طـال حصاره بأصبهان جاؤوا لنصرته ومعهم منصور بن نظام الملك ومحمد ابن أخيه مؤيد الملك ووصلـوا إلـى الـري آخـر ذي الحجـة سنـة خمس وتسعين وفارقه عسكر بركيارق‏.‏ ثم خرج محمد مـن أصبهـان فسـاروا إليـه ولقـوه بهمـذان ومعـه نيـال وعلـي ابنا أنوش تكين فاجتمعوا في ستة آلاف فارس‏.‏ وسار نيال وأخوه على الري وأزعجتهم عنها عساكر بركيارق كما مر‏.‏ ثم جاءهم الخبر فـي همـذان بزحـف بركيـارق إليهـم فسـار محمـد إلـى بلـاد شـروان‏.‏ ولمـا انتهـى إلـى أردبيـل بعـث إليه مودود بن إسماعيل بن ياقوتي وكان أميراً على بيلقان من أذربيجان وكان أبوه إسماعيل خال بركيارق وانتقض عليه أول أمره فقتله فكان مودود يطالبه بثأر أبيه وكانت أخته تحت محمد فبعث إليه وجاءه إلى بيلقان‏.‏ وتوفي مودود إثر قدومه منتصف ربيع من سنة ست وتسعين فاجتمع عسكره على الطاعة لمحمد وفيهم سقمان القطبي صاحب خلاط وأرمينية ومحمد بن غاغيسا كان أبوه صاحب أنطاكية‏.‏ وكان ألب أرسلان ابن السبع الأحمر‏.‏ ولما بلغ بركيارق اجتماعهم لحربه أغذ السير إليهم فوصل وقاتلهم على باب خوي من أذربيجان من المغـرب إلـى العشـاء‏.‏ ثـم حمل أياز من أصحاب بركيارق على عسكر محمد فانهزموا وسار إلى خلـاط ومعه سقمان القطبي ولقيه الأمير علي صاحب أرزن الروم‏.‏ ثم سار إلى وبها منوجهر أخـو فضلـون الـروادي‏.‏ ثم سار إلى تبريز ولحق محمد بن يزيد الملك بديار بكر وسار منها إلى بغـداد‏.‏ وكان من خبره أنه كان مقيماً ببغداد مجاوراً للمدرسة النظامية فشكا الجيران منه إلى أبيه فكتب إلى كوهرابيـن بالقبـض عليـه فاستجـار بـدار الخلافـة‏.‏ ثـم سـار سنـة اثنتيـن وتسعيـن إلـى محمـد الملـك الباسلاني وأبوه حينئذ بكنجة عند السلطان محمد قبل أن يدعو لنفسه‏.‏ ثم سار بعـد أن قتـل محمـد الملـك إلـى والـده مؤيـد الملـك وهـو وزيـر السلطان محمد‏.‏ ثم قتل أبوه واتصل هو بالسلطان وحضر هذه الحروب كما ذكرنا‏.‏ وأما السلطان بركيارق بعد هزيمة محمد فإنه نزل جبـلاً بيـن مراغـة وتبريـز وأقـام بـه حـولاً وكـان خليفة المستظهر سديد الملك أبو المعالي كما ذكرناه‏.‏ ثـم قبـض عليـه منتصـف رجـب سنـة سـت وتسعيـن وحبـس بـدار الخليفة مع أهله كانوا قد وردوا عليه من أصبهان‏.‏ وسبب عزله جهله بقواعد ديوان الخلافة لأنه كـان يتصـرف فـي أعمـال السلاطين وليست فيها هذه القوانين‏.‏ ولما قبض عاد أمين الدولة أبو سعد بن الموصلايا إلى النظر في الديوان وبعث المستظهر عن زعيم الرؤساء أبي القاسم بن جهير من الحلة وكان ذهب إليها في السنة قبلها مستجيراً بسيف الدولة صدقة لأن خاله أمين الدولة أبا سعد بن الموصلايا كان الوزير الأعز وزير بركيـارق يشيـع عنـه أنـه الـذي يحمـل المستظهـر علـى موالـاة السلطان محمد والخطبة له دون بركيـارق فاعتـزل أميـن الدولـة الديـوان وسـار ابـن أختـه أبـو القاسـم بـن جهيـر مستجيراً بصاحب الحلة فاستقدمه الخليفة الآن وخرج أرباب الدولة لاستقباله وخلع عليه للوزارة ولقيه قوام الدولة ثم عزله على رأس المائـة الخامسـة‏.‏ واستجـار سيـف الدولة صدقة بن منصور ببغداد فأجاره وبعث عنه إلى الحلة وذلك لثلاث سنين ونصف من وزارتـه ونـاب فـي مكانـه القاضـي أبـو الحسـن بـن الدامغانـي أياماً‏.‏ ثم استوزر مكانه أبا المعالي بن محمـد بـن المطلـب فـي المحـرم سنـة إحـدى وخمسمائة‏.‏ ثم عزله سنة اثنتين بإشارة السلطان محمد وأعاده بإذنه على شرطية العدل وحسن السيرة وأن لا يستعمل أحداً من أهل الذمة‏.‏ ثم عزل في رجب من سنة اثنتين سين واستوزر أبا القاسم بن جهير سنة تسع وخمسين واستوزر بعده الربيع أبا منصور بن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير السلطان‏.‏

الصلح بين السلطانين بركيارق ومحمد
ولما تطاولت الفتنة بين السلطانين وكثر النهب والهرج وخربت القرى واستطـال الأمـر عليهـم وكـان السلطـان بركيـارق بالـري والخطبـة لـه بها وبالجبل وطبرستان وخوزستان وفارس وديار بكر والجزيـرة والحرميـن‏.‏ وكـان السلطـان محمـد بأذربيجـان والخطبـة لـه بهـا وببلاد أران وأرمينية وأصبهان والعراق جميعه إلا تكريت‏.‏ وأما البطائح فبعضها لهذا وبعضها لهذا والخطبة بالبصرة لهما جميعاً‏.‏ وأما خراسان من جرجان إلى ما وراء النهـر يخطـب فيهـا لسنجـر بعـد أخيـه السلطـان محمد‏.‏ فلما استبصر بركيارق في ذلك ورأى تحكم الأمراء عليه وقلة المال جنح إلى الصلح وبعث القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي وأبا الفرج أحمد بن عبد الغفار الهمذاني المعـروف بصاحـب قراتكيـن إلـى أخيـه محمـد فـي الصلـح فوصـلا إليـه بمراغة وذكراه ووعظاه فأجاب إلى الصلح على أن السلطان لبركيارق ولا يمنع محمداً من اتخاذ الآلة ولا يذكر أحد منهما مع صاحبـه فـي الخطبـة فـي البلـاد التـي صـارت إليـه وتكـون المكاتبـة مـن وزيريهمـا فـي الشـؤون لا يكاتب أحدهمـا الآخـر ولا يعارض أحد من العسكر في الذهاب إلى أيهما شاء ويكون للسلطان محمد من نهر اسبندرو إلى الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام وأن يدخل سيف الدولـة صدقة بأعماله في خلفه وبلاده والسلطنة كلها وبقية الأعمال والبلاد كلها للسلطان بركيارق‏.‏ وبعـث محمـد إلـى أصحابه بأصبهان بالافراج عنها لأصحاب أخيه وجاؤوا بحريم محمد إليه بعد أن دعاهم السلطان بركيارق إلى خدمته فامتنعوا فأكرمهم وحمل حريم أخيه وزودهم بالأموال وبعـث العساكـر فـي خدمتهـم‏.‏ ثـم بعـث السلطـان بركيـارق إلـى المستظهـر بمـا استقر عليه الحال في الصلح بينهم وحضر أبو الغازي بالديوان وهو شحنة محمد وشيعته إلا أنه وقف مع الصلح فسـأل الخطبـة لبركيـارق فأمـر بهـا المستظهـر وخطـب لـه علـى منابـر بغداد وواسط في جمادى سنة سبع وتسعين ونكر الأمير صدقة صاحب الحلة الخطبة لبركيارق وكان شيعة لمحمد‏.‏ وكتب إلى الخليفة بالنكير على أبي الغازي وأنه سائر لإخراجه عن بغداد فجمع أبو الغازي التركمان وفارق بغداد إلى عقرقوبا وجاء سيف الدولة صدقة ونزل مقابل التاج وقبل الأرض وخيم بالجانب الغربي‏.‏ وأرسل إليه أبو الغازي يعتذر عن طاعة بركيارق بالصلح الواقع وأن إقطاعه بحلـوان فـي جملة بلاده التي وقع الصلح عليها وبغداد التي هو شحنه فيها قد صارت له فقبل ورضـى وعـاد إلـى الحلة‏.‏ وبعث المستظهر في ذي القعدة من سنة سبع وتسعين الخلع للسلطان بركيارق والأمير أياز والخطير وزير بركيارق وبعث معهما العهد له بالسلطنة واستحلفه الرسل على طاعة المستظهر ورجعوا‏.‏

وفاة السلطان بركيارق وملك ابنه ملك شاه
كـان السلطـان بركيـارق بعد الصلح وانعقاده أقام بأصبهان أشهراً وطرقه المرض فسار إلى بغداد فلمـا بلغ بلد يزدجرد اشتد مرضه وأقام بها أربعين يوماً حتى أشفى على الموت فأحضر ولده ملك شاه وجماعة الأمراء وولاه عهده في السلطنة وهو ابن خمس سنين وجعل الأمير أياز أتابكه وأوصاهم بالطاعة لهما واستحلفهم على ذلك وأمرهم بالمسيـر إلـى بغـداد‏.‏ وتخلـف عنهم ليعود إلى أصبهان فتوفي في شهر ربيـع الآخـر سنـة ثمـان وتسعيـن‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى ابنـه ملـك شـاه والأمير أياز على اثني عشر فرسخاً من بلد يزدجرد فرجعوا وحضروا لتجهيزه وبعثوا به إلى أصبهان للدفن بها في تربة أعدها وأحضر أياز السرادقات والخيام والخفر والشمسة وجميع آلات السلطنة فجعلها لملك شاه‏.‏ وكان أبو الغازي شحنة ببغداد وقد حضر عند السلطان بركيـارق بأصبهـان فـي المحـرم وحثـه علـى المسيـر إلى بغداد فلما مات بركيارق سار مع ابنه ملك شـاه والأميـر أياز ووصلوا بغداد منتصف ربيع الآخر في خمسة آلاف فارس وركب الوزير أبو القاسـم علـي بـن جهيـر لتلقيهـم فلقيهم بدبالي وأحضر أبو الغازي والأمير طمايدل بالديوان وطلبوا الخطبة لملك شاه بن بركيارق فأجاب المستظهر إلى ذلك وخطب له ولقب بألقاب جده ملك شاه ونثرت الدنانير عند الخطبة‏.‏ كان محمد بعد صلحه مع أخيه بركيارق قد اعتزم على المسير إلى الموصل ليتناولها من يد جكرمس لما كانت من البلاد التي عقد عليها وكان بتبريز ينتظر وصول أصحابه من أذربيجان فلمـا وصلـوا استـوزر سعـد الملـك أبـا المحاسـن لحسن أثره في حفظ أصبهان‏.‏ ثم رحل في صفر سنة ثمان وتسعين يريد الموصل وسمع جكرمس فاستعد للحصار وأمر أهل السواد بدخول البلد‏.‏ وجاء محمد فحاصره وبعث إليه كتب أخيه بأن الموصل والجزيرة من قسمته وأراه أيمانه بذلك ووعده بأن يقره على ولايتها فقال جكرمس قد جاءتني كتب بركيـارق بعـد الصلـح بخلاف هذا فاشتد محمد في حصاره وقتل بين الفريقين خلق ونقب السور ليلة فأصبحوا وأعادوه ووصل الخبر إلى جكرمس بوفاة بركيارق عاشـر جمـادى فاستشـار أصحابـه ورأى المصلحة في طاعة السلطان محمد فأرسل إليه بالطاعة وأن يدخـل إليـه وزيـره سعـد الملـك فدخل وأشار عليه بالحضور عند السلطان فحضر وأقبل السلطان عليه ورده لجيشه لما توقع من ارتياب أهل البلد بخروجه وأكثر من الهدايا والتحف للسلطان ولوزيره‏.‏ ولما بلغه وفاة أخيه بركيارق سار إلى بغداد ومعه سقمان القطبي نسبة إلى قطب الدولة إسماعيـل بـن ياقوتـا بـن داود وداود هـو حقربيـك وأبـو ألب أرسلان وسار معه جكرمس وصاحب الموصل وغيرهما من الأمراء‏.‏ وكان سيف الدولة صاحب الحلة قد جمع عسكراً خمسة عشر ألفاً من الفرسان وعشرة آلاف رجل وبعث ولديه بدران ودبيس إلى السلطان محمـد يستحثـه علـى بغـداد‏.‏ ولمـا سمـع الأميـر أيـاز بقدومـه خـرج هـو وعسكـره وخيمـوا خارج بغداد واستشار أصحابه فصمموا على الحـرب وأشـار وزيـره أبـو المحاسـن بطاعـة السلطـان محمـد وخوفـه عاقبـة خلافـه وسفه آراءهم في حربه وأطمعه في زيادة الاقطاع‏.‏ وتردد أياز في أمره وجمع السفن عنده وضبط المثار ووصل السلطان محمد آخر جمادى من سنة ثمان وتسعين ونزل بالجانب الغربي وخطب له هنالك ولملك شاه بالجانب الشرقي‏.‏ واقتصر خطيب جامع المنصور على الدعاء للمستظهر ولسلطان العالم فقط‏.‏ وجمع أياز أصحابه لليمين فأبوا مـن المعـاودة وقالوا لا فائدة فيها والوفاء إنما يكون بواحدة فارتاب أياز بهم وبعث وزيره المصفى أبا المحاسن إلى السلطان محمد في الصلح وتسليم الأمر فلقي أولاً وزيره سعد الملك أبا المحاسن سعـد بـن محمـد وأخبـر فأحضره عند السلطان محمد وأدى رسالة أياز والعذر عما كان منه أيام بركيارق فقبله السلطان وأعتبه وأجابه إلى اليمين‏.‏ وحضر من الغد القاضي والنقيبان واستحلف الكيا الهراسي مدرس النظامية بمحضر القاضي وزير أياز بمحضرهم لملك شاه ولأياز وللأمراء الذين معه فقال‏:‏ أما ملك شاه فهو ابني وأما أياز والأمراء فأحلف لهم إلا نيال بن أنوش وسار واستحلفه الكيا الهراسي مدرس النظامية بمحضر القاضي والنقيبين‏.‏ ثـم حضـر أيـاز مـن الغـد ووصـل سيـف الدولـة صدقـة وركـب السلطان للقائهما وأحسن إليهما وعمل أياز دعوة في داره وهي دار كوهرابين وحضـر عنـده السلطان وأتحفه بأشياء كثيرة منها حبل البلخش الذي كان أخذه من تركة مؤيد الملك بن نظام الملـك‏.‏ وحضـر مـع السلطـان سيـف الدولـة صدقـة بـن مزيـد‏.‏ وكـان أيـاز قد تقدم إلى غلمانه بلبس السلاح ليعرضهم على السلطان وحضر عندهم بعض الصفاعين فأخذوا معـه فـي السخريـة وألبسوه درعاً تحت قميصه وجعلوا يتناولونه بأيديهم فهـرب منهـم إلـى خـواص السلطـان ورآه السلطان متسلحاً فأمر بعض غلمانه فالتمسوه وقد وجدوا السلاح فارتـاب ونهـض مـن ديـار أياز‏.‏ ثم استدعاه بعد أيام ومعه جكرمس وسائر الأمراء فلما حضر وقف عليهم بعض قواده وقال لهـم‏:‏ إن قليـج أرسلـان بـن سليمـان بن قطلمش قصد ديار بكر ليملكها فأشيروا بمن نسيره لقتاله فأشاروا جميعاً بالأمير أيـاز وطلـب هـو مسيـر سيـف الدولـة صدقـة معـه فاستدعـى أيـاز وصدقة ليفوضهم في ذلك فنهضوا إليه وقد أعد جماعة من خواصه لقتل أياز فلما دخلوا ضرب أياز فقطع رأسه ولف شلوه في مشلح وألقي على الطريق وركب عسكره فنهبوا داره وأرسـل السلطـان لحمايتهـا فافترقـوا واختفـى وزيره‏.‏ ثم حمل إلى دار الوزير سعد الملك وقتل في رمضان من سنته‏.‏ وكان من بيت رياسة بهمذان وكان أياز من مماليك السلطان مللك شاه وصـار بعـد موتـه فـي جملـة أميـر آخـر فاتخـذه ولداً وكان شجاعاً حسن الرأي في الحرب واستبد السلطـان محمـد بالسلطنة وأحسن السيرة ورفع الضرائب وكتب بها الألواح ونصبت في الأسواق وعظم فساد التركمان بطريق خراسان وهي من أعمال العراق فبعث أبـو الغـازي بـن أرتـق شحنـة بغـداد بـدل ابـن أخيـه بهـرام بـن أرتـق علـى ذلـك البلـد فحمـاه وكـف الفسـاد عنه‏.‏ وسار إلى حصن من أعمال سرخاب بن بدر فحصره وملكه‏.‏ ثم ولى السلطان محمد سنقر البرسقي شحنة بالعراق وكان معه في حروبه وأقطع الأمير قاياز الكوفة وأمر صدقة صاحب الحلة أن يحمـي أصحابـه مـن خفاجة‏.‏ ولما كان شهر رمضان من سنة ثمانية وتسعين عاد السلطان محمد إلى أصبهان وأحسن من فيهم السيرة وكف عنهم الأيدي العادية‏.‏

الشحنة ببغداد
كـان السلطـان قـد قبـض سنـة اثنتيـن وخمسيـن على أبي القاسم الحسين بن عبد الواحد صاحب المخزن وعلى ابن الفرج بن رئيس الرؤساء واعتقلهما وصادرهما على مال يحملانه وأرسل مجاهد الدين لقبض المال وأمره بعمارة دار الملك فاضطلع بعمارتها وأحسن السيرة في الناس وفاة السلطان محمد وملك ابنه محمود ثم توفي السلطان محمد بن ملك‏.‏ شاه آخر ذي الحجة من سنة إحدى وخمسمائة وقد كان عهد لولده محمود وهو يومئذ غلام محتلم وأمره بالجلوس على التخت بالتاج والسوارين وذلك لاثنتـي عشـرة سنـة ونصـف مـن استبـداده بالملـك واجتمـاع النـاس عليـه بعد أخيه‏.‏ وولي بعده ابنه محمود وبايعه أمراء السلجوقية ودبر دولته الوزير الرسب أبو منصور ابن الوزير أبي شجاع محمد بـن الحسيـن وزيـر أبيـه وبعـث إلـى المستظهـر فـي الخطبـة فخطـب لـه علـى منابـر بغـداد منتصـف المحـرم سنـة اثنتـي عشرة وكان آقسنقر البرسقي مقيماً بالرحبة استخلف بها ابنه مسعوداً وسار إلى السلطان محمد يطلب الزيادة في الإقطاع والولاية‏.‏ ولقيه خبر وفاته قريباً من بغداد فمنعه بهروز الشحنة من دخولها وسار إلى أصبهان فلقيه بحلوان توقيع السلطان محمود بأن يكون شحنـة بغـداد لسعـي الأمـراء لـه فـي ذلك تعصباً على مجاهد الدين بهروز وغيره منه لمكانه عند السلطان محمد‏.‏ ولمـا رجـع آقسنقـر إلـى بغداد هرب مجاهد الدين بهروز إلى تكريت وكانت من أعماله‏.‏ ثم عزل السلطـان محمـود آقسنقـر وولـى شحنـة بغـداد الأميـر منكبـرس حاكمـاً فـي دولتـه بأصبهان فبعث نائباً عنـه ببغـداد والعـراق الأميـر حسيـن بـن أروبك أحد أمراء الأتراك‏.‏ ورغب البرسقي من المستظهر بالعدة فلم يتوقف فسار آقسنقر إليه وقاتله وانهزم الأمير حسين وقتل أخوه وعاد إلى عسكر السلطان وذلك في ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة‏.‏

وفاة المستظهر وخلافة المسترشد
ثـم توفـي المستظهـر باللـه أبـو العبـاس أحمـد بـن المقتـدي باللـه أبو القاسم عبد الله بن القائم بالله في منتصـف ربيـع الآخـر سنـة اثنتي عشرة وخمسمائة لأربع وعشرين سنة وثلاثة أشهر من خلافته وبويـع بعـده ابنـه المسترشـد باللـه الفضل وكان ولي عهده منذ ثلاث وعشرين سنة وبايعه أخوه أبو عبد الله محمد وهو المقتدي وأبو طالب العباس وعمومته بنو المقتدي وغيرهـم مـن الأمـراء والقضاة والأئمة والأعيان‏.‏ وتولى أخذ البيعة القاضي أبـو الحسـن الدامغانـي وكـان نائبـاً عـن الوزارة فأقره المسترشد عليها ولم يأخذ البيعة قاض غير هذا للمسترشد وأحمد بن أبي داود للواثـق والقاضـي أبـو علـي إسماعيـل بن إسحاق للمعتضد‏.‏ ثم عزل المسترشد قاضي القضاة عن نيابة الوزارة واستوزر أبا شجاع محمد بن الرسب أبي منصور خاطبه أبوه وزير السلطان محمـود وابنـه محمـد فـي شأنـه فاستـوزره‏.‏ ثـم عزله سنة عشر واستوزر مكانه جلال الدين عميد ولمـا شغـل النـاس ببيعـة المسترشـد ركـب أخـوه الأمير أبو الحسن في السفن مع ثلاثة نفر وانحدروا إلـى المدائـن ومنهـا إلـى الحلـة فأكرمـه دبيـس وأهم ذلك المسترشد وبعث إلى دبيس في إعادته مع النقيب علي بن طراد الرثيني فاعتذر بالذمام وأنه لا يكرهه فخطب النقيب أبا الحسن أخا الخليفة في الرجوع فاعتذر بالخوف وطلب الأمان‏.‏ ثم حدث مع البرسقي ودبيس ما نذكره فتأخـر ذلـك إلـى صفـر مـن سنتـه وهـي سنـة ثلـاث عشـرة فسـار أبـو الحسـن ابـن المستظهـر إلـى واسـط وملكهـا فبـادر المسترشـد إلى ولاية العهد لابنه جعفر المنصور ابن اثنتي عشرة سنة فخطب له وكتب إلى البلاد بذلك وكتب إلى دبيس بمعاجلة أخيه أبي الحسن فإنه فارق ذمامه فبعث دبيـس العساكـر إلـى واسـط فهـرب منهـا وصادفـوه عنـد الصبح فنهبوا أثقاله وهرب الأكراد والأتراك عنه وقبض عليه بعض الفرق وجاؤوا به إلى دبيس فأكرمه المسترشد وأمنه وأنزله أحسن نزل‏.‏

انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود
ثم مصالحته واستقرار جكرمس شحنة ببغداد كان السلطان محمد قد أنزل ابنه مسعـوداً بالحلـة وجعـل منـه حيـوس بـك أتابـك فلمـا ملـك السلطان محمود بعد وفاة أبيه ثم ولي المسترشد الخلافة بعد أبيه وكان دبيس صاحب الحلة ممرضاً في طاعته وكان آقسنقر البرسقي شحنة بالعراق كما ذكرناه أراد قصد الحلة وأخلى دبيـس عنهـا وجمـع لذلـك جموعـاً مـن العـرب والأكـراد وبـرز مـن بغـداد في جمادى سنة اثنتي عشرة وبلغ الخبر إلى الملك مسعود بالموصل وأن العراق خال من أحامية فأشار عليه أصحابه بقصد العـراق للسلطنـة فـلا مانـع دونهـا فسـار فـي جيـوش كثيـرة ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عمار صاحب طرابلس وسيأتي خبره وقسيم الدولة زنكي بن آقسنقر ابن الملك العادل وصاحب سنجار وأبو الهيجاء صاحب أربل وكربادي بن خراسان التركماني صاحب البواريخ‏.‏ ولمـا قربوا من العراق خافهم آقسنقر البرسقي بمكان حيوس بك من الملك مسعود وأما هو فقد كان أبوه محمد جعله أتابك لابنه مسعود فسار البرسقي لقتالهم وبعثوا إليه الأمير كربادي في الصلح وأنهم إنما جاؤوا بحدة له على دبيس فقبل وتعاهدوا ورجعوا إلى بغداد كما مر خبره وسار البرسقي لقتاله فاجتمع مع دبيس بن صدقة واتفقا على المعاضدة وسار الملك مسعود ومن معه إلى المدائن للقاء دبيس ومنكبـرس‏.‏ ثـم بلغهـم كثـرة جموعهمـا فعـاد الملـك مسعـود والبرسقي وحيوس بك وعبروا نهر صرصر وحفظ المخاضـات وأفحـش الطائفتـان فـي نهـب السواد واستباحته بنهر الملك ونهر صرصر ونهر عيسى ودجيل‏.‏ وبعث المسترشد إلى الملك مسعود والبرسقي بالنكير عليهم فأنكر البرسقي وقوع شيء من ذلك واعتزم على العود إلى بغـداد وبلغـه أن دبيـس ومحـرس قـد جهـز العساكر إليها مع منصور أخي دبيس وحسن بن أوربك ربيـب منكبرس فأغذ السير وخلف ابنه عز الدين مسعوداً على العسكر بصرصر‏.‏ واستصحـب عمـاد الدين زنكي بن آقسنقر وجاؤوا بغداد ليلاً فمنعوا عساكر منكبرس ودبيس من العبور‏.‏ ثم انعقد الصلح بين منكبرس والملك مسعود وكان سببه أن حيوس بك كاتب السلطان محمود وهـو بالموصـل فـي طلـب الزيـادة لـه وللملـك مسعـود فجـاء كتـاب الرسـول بأنـه أقطعهم أذربيجان‏.‏ ثم بلغـه قصدهـم بغـداد فاتهمهـم بالانتقـاض وجهـز العساكـر إلـى الموصـل وسقط الكتاب بيد منكبـرس وكـان علـى أم الملـك مسعود فبعث به إلى حيوس بك وداخله في الصلح والرجوع عما هـم فيـه فاصطلحـوا واتفقوا‏.‏ وبلغ الخبر إلى البرسقي فجاء إلى الملك مسعود وأخذ ماله وتركه وعاد إلى بغداد فخيم بجانب منها‏.‏ وجاء الملك مسعود وحيوس بك فخيما في جانب آخر وأصعد دبيس ومنكبرس فخيما كذلك وتفـرق عـن البرسقـي أصحابـه وجموعـه وسـار عـن العـراق إلـى الملـك مسعـود فأقـام معـه واستقـر منكبـرس شحنـة ببغـداد وعـاد دبيـس إلى الحلة وأساء منكبرس السرة في بغداد بالظلم والعسف وانطلاق أيدي أصحابه بالفساد حتى ضجر الناس وبعث عنه السلطان محمود فسار إليه وكفى الناس شره‏.‏ كان الملك طغرل قد أقطعه أبـوه السلطـان محمـد سنـة أربـع وخمسيـن وخمسمائـة سـاوة وآوة وزنجان وجعل أتابكه الأمير شركير وكان قد افتتح كثيراً من قلاع الإسماعيلية فاتسع ملك طغرل بها ولما مات السلطان محمد بعث السلطان محمود الأمير كتبغري أتابك طغرل وأمره أن يحمله إليه وحسن له المخالفة فانتقض سنة ثلاث عشرة فبعث إليه السلطان بثلاثين ألف دينار وتحف وودعه بإقطاع كثيرة وطلبه في الوصول فمنعه كتبغري وأجاب بأننا في الطاعة ومعنا العساكر وإلى أي جهة أراد السلطان قصدنا‏.‏ فاعتزم السلطان على السيـر إليهـم وسـار مـن همـذان في جمادى سنة ثلاث عشرة في عشرة آلاف غازيأ‏.‏ وجاء النذير إلى كتبغري بمسيره فأجفـل هـو وطغـرل إلـى قلعـة سرجهـان وجـاء السلطان إلى العسكر بزنجان فنهبه وأخذ من خزانة طغرل ثلثمائة ألف دينار وأقام بزنجان وتوجه منها إلى الري وكتبغري من سرجهان بكنجـة وقصده أصحابه وقويت شوكته وتأكدت الوحشة بينه وبين أخيه السلطان محمود‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:10 AM

الفتنة بين السلطان محمود وعمه سنجر صاحب خراسان
والخطبة ببغداد لسنجر كـان الملك سنجر أميراً على خراسان وما وراء النهر منذ أيام شقيقه السلطان محمد الأولي مع بركيارق‏.‏ ولما توفي السلطان محمد جزع له جزعاً شديداً حتى أغلق البلـد للعـزاء وتقـدم للخطبـة بذكـر آثـاره ومحاسـن سيـره مـن قتـال الباطنيـة وإطلـاق المكوس وغير ذلك‏.‏ وبلغه ملك ابنه محمود مكانه وتغلب الأمراء عليه فنكر ذلك واعتزم على قصد بلد الجبل والعراق وأتى له محمود ابن أخيه وكان يلقب بناصر الدين فتلقب بمعز الدين لقب أبيه ملك شاه‏.‏ وبعث إليه السلطـان محمـود بالهدايـا والتحـف مـع شرف الدولة أنو شروان بن خالد وفخر الدولة طغايرك بن أكفربن وبذل عن مازندان مائتي ألف دينار كل سنة فتجهز لذلك ونكر على محمود تغلب وزيره أبي منصور وأمير حاجب علي بن عمر عليه وسار وعلى مقدمته الأمير أنز وجهز السلطـان محمـود علـي بـن عمـر حاجبـه وحاجـب أبيه في عشرة آلاف فارس وأقام هو بالري فلما قـارب الحاجـب مقدمـة سنجـر مـع الأميـر أنـز بجرجان راسله باللين والخشونة‏.‏ وإن السلطان محمداً وصانا بتعظيم أخيه سنجر واستحلفنا على ذلك إلا أنا لا نقضي على زوال ملكنا‏.‏ ثم تهدده بكثرة العساكر وقوتها فرجع أنز عن جرجان واتبعه بعض العساكر فنالوا منه‏.‏ وعاد علـي بـن عمـر إلـى السلطـان محمـود فشكـره وأشـار عليـه أصحابـه بالمقـام بالـري فلم يقبل‏.‏ ثم ضجر وسـار إلـى حرقـان وتوافـت إليـه الأمـداد مـن العـراق منكبـرس شحنـة بغداد في عشرة آلاف فارس ومنصور أخو دبيس وأمراء البلخية وغيرهم‏.‏ وسار إلى همذان فأقام بها وتوفي بها وزيره الربيـب واستـوزر مكانـه أبـا طالـب السميـري‏.‏ ثـم جاء السلطان سنجر إلى الري في عشرين ألفاً وثمانية عشر فيلاً ومعه ابن الأمير أبي الفضل صاحب سجستان وخوارزم شاه محمد والأمير أنز والأمير قماج واتصل به علاء الدولة كرساسف بن قرامرد بن كاكوبه صاحب يزد وكان صهـر محمـد وسنجـر علـى أختهما‏.‏ واختص بمحمد ودعاه محمود فتأخر عنه فأقطع بلده لقراجا الساقي الذي ولي بعد ذلك فارس‏.‏ وسار علاء الدولة إلى سنجر وعرفه حال السلطان محمود واختلاف أصحابه وفساد بلاده فزحـف إليـه السلطـان محمـود مـن همـذان فـي ثلاثيـن ألفـاً ومعـه علـي بـن عمـر أميـر حاجـب ومنكبرس وأتابكـه غـز غلي وبنو برسق وسنجق البخاري وقراجا الساقي ومعه تسعمائة حمل من السلاح والتقيـا علـى سـاوة فـي جمـادى سنـة ثلاث عشرة فانهزمت عساكر السلطان سنجر أولاً وثبت هو بيـن الفيلـة والسلطـان محمـود واجتمـع أصحابـه إليـه‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى بغـداد فأرسـل دبيس بن صدقة إلـى المسترشد في الخطبة للسلطان سنجر فخطب له آخر جمادى وقطعت خطبة محمود بعد الهزيمـة إلـى أصبهـان ومعـه وزيـره أبـو طالـب السميـري والأميـر علـي بن عمر وقراجا واجتمعت عليه العساكر وقوي أمره‏.‏ وسار السلطان سنجر من همذان ورأى قلة عساكره فراسل ابـن أخيـه فـي الصلـح وكانـت والدتـه وهـي جدة محمود تحرضه على ذلك فأجاب إليه‏.‏ ثم وصل إليه آقسنقر البوسقي الذي كان شحنة ببغداد وكان عند الملك مسعود من يوم انصرافه عنها وجاء رسولـه مـن عنـد السلطـان محمـود بـأن الصلـح إنمـا يوافـق عليـه الأمراء بعد عود السلطان سنجر إلى خراسان فأنف مـن ذلـك وسار من همذان إلى الكرج وأعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح وأن يكون ولي عهده فأجاب إلى ذلك وتحالفا عليه‏.‏ وجاء السلطان محمود إلى عمه سنجر ونزل في بيت والدته وهي جدة محمود وحمل إليه هدية حفلة‏.‏ وكتب السلطان سنجر إلى أعماله بخراسان وغزنة وما وراء النهر وغيرها من الولايات بأن يخطب للسلطان محمود وكتب إلى بغداد بمثل ذلك وأعاد عليه جميع البلاد سوى الري لئلا تحدث محموداً نفسه بالانتقاض‏.‏ ثم قتل السلطان محمود الأمير منكبرس شحنة بغداد لأنه لما انهزم محمود وسار إلى بغداد ليدخلهـا منعـه دبيـس فعـاث فـي البلـاد ورجـع وقـد استقـر في الصلح فقصد السلطان مستجيراً به فأبـى مـن إجارتـه ومؤاخذتـه وبعثـه إلـى السلطـان محمود فقتله صبراً لما كان يستبد عليه بالأمور‏.‏ وسار شحنة إلى بغداد على زعمه فحقد له ذلك وأمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين بهـروز شحنـة بالعـراق وكـان بهـا نائـب دبيـس بـن صدقـة فعـزل به‏.‏ ثم قتل السلطان محمود حاجبه علـي بـن عمر وكان قد استخلفه ورفع منزلته فكثرت السعاية فيه فهرب إلى قلعة عند الكرخ كـان بهـا أهلـه وماله‏.‏ ثم لحق بخوزستان وكان بيد بني برسق فاقتضى عهودهم وسار إليهم‏.‏ فلما كان على تستر بعثوا من يقبض عليه فقاتلهم فلم يقر عنه وأسروه واستأذنوا السلطان محموداً في أمره فأمر بقتله وحمل رأسه إليه‏.‏

انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود والفتنة بينهما
كـان الملك مسعود قد استقر بالموصل وأذربيجان منذ صالحه السلطان محمود عليها بأول ملكه وكان آقسنقر البرسقي مع الملك مسعود منذ فارق شحنة بغداد وأقطعه مراغة مضافة إلى الرحبـة وكـان دبيـس يكاتـب حيوس بك الأتابك في القبض عليه وبعثه إلى مولاه السلطان محمود ولبـذل لهم المال على ذلك‏.‏ وشعر بذلك البرسقي ففارقه إلى السلطان محمود وعاد إلى جميل رأيـه فيـه‏.‏ وكـان دبيـس مـع ذلـك يغـري الأتابك حيوس بك بالخلاف على السلطان محمود ويعدهم من نفسه المناصرة لينال باختلافهم في تمهيد سلطانه ما ناله أبوه باختلاف بركيارق ومحمد‏.‏ وكان أبو المؤيد محمد بن أبي إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني يكتب للملك محمود ويرسم الطغري وهي العلامة على مراسيمه ومنها هباته‏.‏ وجاء والده أبو إسماعيل من أصبهان فعزل الملك مسعود وزيره أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستوزره مكانه سنة ثلاث عشرة فحسن له الخلاف الذي كان دبيس يكاتبهم فيه ويحسنه لهم‏.‏ وبلغ السلطان محموداً خبرهم فكتب يحذرهم فلم يقبلوا وخلعوا وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس وذلك سنة أربع عشرة‏.‏ وكانت عساكر السلطان محمود مفترقة فبادروا إليه والتقوا في عقبة استراباذ منتصف ربيع الأول والبرسقـي فـي مقدمـة محمـود وأبلـى يومئـذ واقتتلـوا يومـاً كامـلاً وانهزمـت عساكـر مسعـود فـي عشيتـه وأسـر جماعـة منهـم وفيهـم الوزيـر الأستـاذ أبو إسماعيل الطغرائي فأمر السلطان بقتلـه لسنـة مـن وزارتـه‏.‏ وقـال هو فاسد العقيدة‏.‏ وكان حسن الكتابة والشعر وله تصانيف في الكيمياء‏.‏ وقصد الملك مسعود بعد الهزيمة جبلاً على اثني عشر فرسخاً من مكان الوقعة فاختفى فيه وبعث يطلب الأمان من أخيه فبعث إليه البرسقي يؤمنه ويحضره‏.‏ وكان بعض الأمراء قد لحق به في الجبل وأشار عليه باللحاق بالموصل واستمد دبيساً فسار لذلك وأدركه البرسقي على ثلاثين فرسخاً من مكانه وأمنه عن أخيـه وأعـاده إليـه فأريـب العساكر للقائه وبالغ في إكرامه وخلطه بنفسه‏.‏ وأما أتابكه حيوس بك فلما افتقد السلطان مسعـود سـار إلـى الموصـل وجمـع العساكـر وبلغـه فعـل السلطـان مـع أخيه فسار إلى الزاب‏.‏ ثم جاء السلطـان بهمـذان فأمنـه وأحسـن إليه‏.‏ وأما دبيس فلما بلغه خبر الهزيمة عاث في البلاد وأخربها وبعـث إليـه المسترشد بالنكير فلم يقبل فكتب بشأنه إلى السلطان محمود وخاطبه السلطان في ذلك فلم يقبل وسار إلى بغداد وخيم إزاء المسترشد وأظهر أنه يثأر منهم بأبيه‏.‏ ثـم عـاد عـن بغـداد ووصـل السلطان في رجب فبعث دبيس إليه زوجته بنت عميد الدولة بن جهير بمال وهدايا نفيسة وأجيب إلى الصلح على شروط امتنع منها فسار إليه السلطان في شـوال ومعـه ألـف سفينـة‏.‏ ثـم استأمـن إلـى السلطـان فأمنـه وأرسـل نسـاءه إلـى البطيحـة‏.‏ وسار إلى أبـي الغـازي مستجيـراً بـه ودخـل السلطـان الحلـة وعـاد عنهـا ولـم يزل في دبيس عند أبي الغازي‏.‏ وبعث أخاه منصوراً إلى أصحابه من أمراء النواحي ليصلح حاله مع السلطان فلم يتم ذلك‏.‏ وبعـث إليـه أخـوه منصـور يستدعيـه إلـى العـراق فسـار من قلعة جعبر إلى الحلة سنة خمس عشرة وملكها وأرسل إلى الخليفة والسلطان بالاعتذار والوعد بالطاعة قلم يقبل منه وسارت إليه العساكر مع سعد الدولة بن تتش ففارق الحلة ودخلها سعد وأنزل بالحلة عسكراً وبالكوفة آخر‏.‏ ثم راجع دبيس الطاعة على أن يرسل أخاه منصوراً رهينة فقبل ورجع العسكر إلى بغداد سنة ست عشرة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:12 AM

إقطاع الموصل للبريقي وميافارقين لأبي الغازي
ثـم أقطـع السلطـان محمـود الموصل وأعمالها والجزيرة وسنجار وما يضاف إلى ذلك للأمير آقسنقر البرسقي شحنة بغداد وذلك أنه كان ملازماً للسلطان في حروبه ناصحاً له وهو الذي حمل السلطان مسعوداً على طاعة أخيه محمود وأحضره عنده فلما حضر حيوس بك وزيره عند السلطـان محمـود من الموصل بقيت بدون أمير فولى عليها البرسقي سنة خمس عشرة وخمسمائة وأمره بمجاهـدة الفرنـج فأقـام فـي إمارتهـا دهـراً هـو وبنـوه كمـا يأتـي فـي أخبارهـم‏.‏ ثـم بعـث الأميـر أبـو الغازي بن أرتق ابنه حسام الدين تمرتاش شافعاً في دبيس بن صدقة وأن يضمن الحلة بألف دينار وفرس في كل يوم ولم يتم ذلك‏.‏ فلما انصرف عن السلطان أقطع أباه أبا الغازي مدينة ميافارقيـن وتسلمهـا مـن يـد سقمـان صاحـب خلـاد سنـة خمـس عشـرة وبقيـت في يده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم صلاح الدين بن أيوب سنة ثمانين وخمسمائة كما يذكر في أخبارهم‏.‏

طاعة طغرل لأخيه السلطان محمود
قد تقدم ذكر انتقاض الملك طغرل بساوة وزنجان على أخيه السلطان محمود بمداخلة أتابكه كتبغـري وأن السلطـان محموداً المشار إليه أزعجه إلى كنجة وسار إلى أذربيجان يحاول ملكها‏.‏ ثم توفي أتابكه كتبغري في شوال سنة خمس عشرة وكان آقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة فطمـع فـي رتبـة كتبغـري وسـار إلـى طغـرل واستدعـاه إلـى مراغة وقصدوا أردبيل فامتنعت عليهم فجـاؤوا إلـى تبريـز وبلغهـم أن السلطـان أقطـع أذربيجان لحيوس بك وبعثه في العساكر وأنه سبقهم إلى مراغة فعدلوا عنها وكافؤوا صاحب زنجان فأجابهم وسار معهم إلى أبهر فلم يتم لهم مرادهـم وراسلـوا السلطـان فـي الطاعـة واستقـر حالهـم‏.‏ وأمـا حيـوس بـك فوقعت بينه وبين الأمراء من عسكره منافرة فسعوا به عند السلطان فقتله بتبريز في رمضان من سنته وكان تركياً من مماليك السلطان محمد وكان حسن السيرة مضطلعاً بالولايـة‏.‏ ولمـا ولـي الموصـل والجزيـرة كـان الأكراد قد عاثوا في نواحيها وأخافوا سبلها فأوقع بهم وحصر قلاعهم وفتح الكثير منها ببلد الهكارية وبلد الزوزان وبلد النسوية وبلد النحسة حتى خاف الأكراد واطمأن الناس وأمنت السبل‏.‏

أخبار دبيس مع المسترشد
قد ذكرنا مسير العساكر إلى دبيس مع برسق الكركوي سنة أربع عشرة وكيف وقع الاتفاق وبعث دبيس أخاه منصوراً رهينة فجاء برتقش به إلى بغداد سنة ست عشرة ولم يرض المسترشد ذلك وكتب إلى السلطان محمود بأن دبيس لا يصلحه شيء لأنه مطالب بثأر أبيه وأشار بأن يبعث عن البرسقي من الموصل لتشديد دبيس وبكون شحنة ببغداد فبعث إليه السلطـان وأنزلـه شحنـة ببغـداد وأمـره بقتـال دبيـس فأقام عشرين شهراً ودبيس معمل في الخلاف‏.‏ ثم أمره المسترشد بالمسير إليـه وإخراجـه مـن الحلـة فاستقـدم البرسقـي عساكـره مـن الموصـل وسـار إلـى الحلـة ولقيـه دبيـس فهـزم عساكـره ورجـع إلـى بغـداد فـي ربيـع مـن سنـة سـت عشرة وكان معـه فـي العسكـر مضـر بـن النفيـس بـن مذهـب الدولـة أحمـد بـن أبـي الخيـر عامـل البطيحـة فغـدا عليه عمه المظفر بن عماد بن أبي الخير فقتله في انهزامهم‏.‏ وسار إلى البطيحة فتغلب عليها وكاتب دبيس في الطاعة وأرسل دبيس إلـى المسترشـد بطاعتـه وأن يبعـث عمالـه لقرى الخاص يقبضون دخلها على أن يقبض المسترشد على وزيره جلال الديـن بن علي بن صدقة فتم بينهما ذلك وقبض المسترشد على وزيره وهرب ابن أخيه جلال الدين أبو الرضي إلى الموصل وبلغ الخبر بالهزيمة إلى السلطان محمود فقبض على منصور أخي دبيس وحبسه وأذن دبيس لأصحاب الإقطاع بواسط في المسير إلى إقطاعهم فمنعهم الأتراك منها فجهز إليهم عسكراً مع مهلهل بن أبي العسكر‏.‏ وأمر مظفر بن أبي الخير عامل البطيحة بمساعدته‏.‏ وبعث البرسقي المدد إلى أهل واسط فلقيهم مهلهل بن أبي المظفر فهزموه وأسروه وجماعة من عسكره واستلحموا كثيراً منهم‏.‏ وجاء المظفر أبو الخير على أثره وأكثر النهب والعيث وبلغه خبر الهزيمة فرجع وبعث أهـل واسـط بتذكـرة وجدوهـا مـع مهلهـل بخـط دبيس فأمره بالقبض على المظفر فمال إليهم وانحرف عن دبيس‏.‏ ثم بلغ دبيس أن السلطان محموداً سمل أخاه منصوراً فانتقض ونهب ما كان للخليفة بأعماله وسار أهل واسط إلى النعمانية فأجلوا عنها أصحاب دبيس‏.‏ وتقدم المسترشد إلى البرسقي بالمسير لحرب دبيس فسار لذلك كما نذكر‏.‏ ثم أقطع السلطان محمود مدينة واسط للبرسقي مضافة إلى ولاية الموصل فبعث عماد الدين زنكي بن آقسنقر ولد نور الدين العادل‏.‏

نكبة الوزير ابن صدقة وولاية نظام الملك
قـد ذكرنا آنفا أن دبيس اشترط على المسترشد في صلحه معه القبض على وزيره جلال الدين أبي علـي بـن صدقـة فقبـض عليـه فـي جمـادى سنـة سـت عشـرة وأقـام فـي نيابـة الـوزارة شـرف الديـن علي بن طراد الزينبي‏.‏ وهرب جلال الدين أبو الرضي ابن أخي الوزير إلى الموصل‏.‏ وبعث السلطان محمود إلى المسترشد في أن يستوزر نظام الدولة أبا نصر أحمد بن نظام الملك وكان السلطان محمود قـد استـوزر أخـاه شمـس الملـك عثمـان عندمـا قـل الباطنيـة بهمـذان وزيـره الكمـال أبـا طالـب السميـري فقبـل المسترشـد إشارتـه واستـوزر نظـام الملـك وقد كان وزر للسلطـان محمـد سنـة خمسمائـة ثم عزل ولزم داره ببغداد‏.‏ فلما وزر وعلم ابن صدقة أنه يخرجه طلـب مـن المسترشـد أن يسيـر إلـى سليمـان بـن مهـارش بحديثـة غانـة فـأذن لـه فسـار ونهـب في طريقه وأسر ثم خلص إلى مأمنه واقعة عجيبة‏.‏ ثم قتل السلطان محمود وزيره شمس الملك فعزل المسترشد أخاه نظام الدين أحمد عن وزارته وأعاد جلال الدين أبا علي بن صدقة إلى مكانه‏.‏

واقعة المسترشد مع دبيس
كـان دبيـس فـي واقعتـه مـع البرسقـي قـد أسر عفيفاً الخادم ثم أطلقه سنة سبع عشرة وحمله إلى المسترشـد رسالـة بخـروج البرسقـي للقتـال يتهـدده بذلك على ما بلغه من سمل أخيه وحلف لينهبن بغـداد فاستطـار المسترشـد غضبـاً وأمـر البرسقـي بالمسيـر لحربـه فسـار في رمضان من سنته‏.‏ ثم تجهـز للخليفـة وبـرز مـن بغـداد واستدعـى العساكـر فجـاءه سليمان بن مهارش صاحب الحديثة في بنـي عقيـل وقـرواش بـن مسلـم وغيرهمـا‏.‏ ونهـب دبيـس نهـر الملـك مـن خـاص الخليفـة ونـودي فـي بغـداد بالنفيـر فلـم يتخلـف أحـد وفرقـت فيهـم الأمـوال والسلـاح وعسكـر المسترشـد خـارج بغداد في عشر ذي الحجة وبرز لأربع بعدها وعبر دجلة وعليه قباء أسود وعمامة سوداء وعلى كتفه البردة وفي يده القضيب وفي وسطه منطقة حديد صيني ووزيره معه نظام الدين ونقيب الطالبيين ونقيب النقباء علي بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل وغيرهم فنزل بخيمة وبلغ البرسقي خروجه فعاد بعسكره إليه‏.‏ ونزل المسترشد بالحديثة بنهر الملك واستحلف البرسقي والأمراء على المناصحة وسار فنزل المباركة وعبى البرسقي أصحابه للحرب ووقف المسترشد وراء العسكر في خاصته وعبى دبيس أصحابه صفاً واحداً وبين يديهـم الإمـاء تعـزف وأصحـاب الملاهـي وعسكـر الخليفـة تتجاذب القراءة والتسبيح مع جنباته ومع أعلامه كرباوي خراسان وفي الساقة سليمان بن مهـارش‏.‏ وفـي ميمنـة البرسقـي أبـو بكـر بـن إليـاس مع الأمراء البلخية فحمل عنتر بن أبي العسكر مـن عسكـر دبيـس علـى ميمنـة البرسقـي فدحرها وقتل ابن أخي أبي بكر‏.‏ ثم حمل ثانية كذلك فحمـل عمـاد الديـن زنكـي بـن آقسنقـر فـي عسكر واسط على عنتر بن أبي العسكر فأسره ومن معه‏.‏ وكان من عسكر المسترشد كمين متوار فلما التحم الناس خرج الكمين واشتد الحرب وجرد المسترشد سيفه وكبر وتقدم فانهزمت عساكر دبيس وجيء بالأسرى فقتلوا بين يدي الخليفة وسبي نساؤهم ورجع الخليفة إلى بغداد في عاشوراء من سنة سبع عشرة‏.‏ وذهب دبيس وخفي أثره وقصد غزية من العرب فأبوا من ذلك إيثاراً لرضا المسترشد والسلطان فسار إلى المشقر من البحرين فأجابوه وسار بهم إلى البصـرة فنهبوهـا وقتلـوا أميرهـا وتقـدم المسترشـد للبرسقي بالانحدار إليه بعد أن عنفه علـى غفلتـه عنـه وسمـع دبيـس ففـارق البصـرة وبعـث البرسقـي عليهـا زنكـي بن أقسنقر فأحسن حمايتها وطرد العرب عن نواحيها ولحق دبيس بالفرنج فـي جعبـر وحاصـر معهـم حلـب فلـم يظفـروا وأقلعـوا عنهـا سنـة ثمـان عشـرة فلحـق دبيس بطغرل ابن السلطان محمد وأغراه‏.‏ بالمسترشد وبملك العراق كما نذكر‏.‏

ولاية برتقش شحنة بغداد
ثم إن المسترشد وقعت بينه وبين البرسقي منافرة فكتب إلى السلطان محمود في عزله عن العراق وإبعاده إلى الموصل فأجابه إلى ذلك وأرسل إلى البرسقي بالمسير إلى الموصل لجهاد الافرنج وبعث إليه بابن صغير من أولاده يكون معه وولى على شحنة بغداد برتقش الزكوي وجاء نائبه إلى بغداد فسلم إليه البرسقي العمل وسار إلى الموصل بابن السلطان وبعث إلى عماد الدين زنكي أن يلحق به فسار إلى السلطان وقدم عليه بالموصل فأكرمه وأقطعه البصرة وأعاده إليها‏.‏

وصول الملك طغرل ودبيس إلى العراق
قد ذكرنا مسير دبيس بن صدقة من الشام إلى الملك طغرل فأحسن إليه ورتبه في خاص أمرائـه وجعل دبيس يغريه بالعراق ويضمن له ملكه فسار لذلك سنة تسع عشرة ووصلوا دقوقاً فكتب مجاهد الدين مهروز من تكريت إلى المسترشد بخبرهما فتجهـز إلـى دفاعهمـا وسـار إليهما‏.‏ وأمر برتقش الزكوي الشحنة أن يستنفر ويستبعد فبلغت عدة العسكر اثني عشر ألفاً سوى أهل بغداد وبرز خامس صفر سنة تسع عشرة وسار فنزل الخالص وعدل طغرل إلى طريق خراسان وأكثرت عساكره النهب ونزل رباط جلولاء‏.‏ وسار إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في العساكر فنزل الدسكرة‏.‏ وجاء المسترشد فنزل معه وتوجه طغرل ودبيس فنزلا الهارونيـة واتفقـا أن يقطعا جسر النهروان فيقيم دبيس على المعابر ويخالفهم طغرل إلى بغداد ثم عاقتهم جميعاً عوائق المطر وأصابت طغرل الحمى وجاء دبيس إلى النهروان ليعبر وقد لحقهم الجوع فصادف أحمالاً من البر والأطعمة جاءت مـن بغـداد للمسترشـد فنهبهـا وأرجـف فـي معسكـر المسترشـد أن دبيس ملك بغداد فأجفلوا من الدسكرة إلى النهروان وتركوا أثقالهم‏.‏ ولما حلـوا بالنهـروان وجدوا دبيس وأصحابه نياما فاستيقظ وقبل الأرض بين يدي المسترشد وتذلل فهم بصلحه ووصل الوزير ابن صدقة فثناه عن ذلك ثم مد المسترشد الجسر وعبر ودخل بغـداد لفتنـة خمسـة وعشريـن يومـاً‏.‏ وسـار دبيـس إلـى طغرل ثم اعتزموا على المسير إلى السلطان سنجر ومروا بهمذان فعاثوا في أعمالها وصادروا واتبعهم السلطان فانهزموا بين يديه ولحقوا بالسلطان سنجر شاكين من المسترشد والشحنة برتقش‏.‏

الفتنة بين المسترشد والسلطان محمود
ثـم وقعـت بيـن برتقـش الزكـوي وبيـن نـواب المسترشـد نبـوة فبعـث إليه المسترشد يتهدده فخافه على نفسه وسار إلى السلطان محمود في رجب سنة عشرين فحذر منه وأنه ثاور العساكر ولقي الحروب وقويت نفسه وأشار بمعاجلته قبل أن يستفحل أمره ويمتنع عليه فسار السلطان نحو العـراق فبعـث إليـه المسترشـد بالرجوع عن البلاد لما فيها من الغلاء من فتنة دبيس وبذل له المال وأن يسير إلى العراق مرة أخرى فارتاب السلطان وصدق ما ظنه برتقش وأغذ السير فعبر المسترشد إلى الجانب الغربي مغضباً يظهر الرحيل عن بغداد إذ قصدها السلطان‏.‏ وصانعه السلطان بالاستعطاف وسؤاله في العود فأبى فغضب السلطان ودخل نحو بغداد‏.‏ وأقام المسترشد بالجانب الغربي وبعث عفيفاً الخادم من خواصه في عسكر إلى واسط ليمنع عنهـا نواب السلطان فأرسل السلطان إليه عماد الدين زنكي بن أقسنقر وكان على البصرة كما ذكرناه فسار إليه وهزمه وقتل من عسكره ونجا عفيف إلى المسترشد برأسه فجمع المسترشد السفن وسد أبواب دار الخلافة إلا باب النوبي ووصل السلطان في عشر ذي الحجة من سنة عشرين ونزل باب الشماسيـة ومنـع العسكـر عـن دور النـاس‏.‏ وراسـل المسترشـد فـي العـود والصلـح فأبى ونجا جماعة من عسكر السلطان فنهبوا التاج في أول المحرم سنة إحدى وعشرين فضج العافة لذلك واجتمعوا وخرج المسترشد والشماسية على رأسه والوزير بين يديه وأمر بضرب الطبول ونفخ الأبواق ونادى بأعلى صوته يا لهاشم ونصب الجسر وعبر الناس دفعة واحـدة‏.‏ وكـان فـي الـدار رجـال مختفـون في السراديب فخرجوا على العسكر وهم مشتغلون في نهب الدار فأسروا جماعة منهم ونهب العامة دور أصحاب السلطان‏.‏ وعبر المسترشد إلـى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد وأمر بحفر الخنادق فحفرت ليلاً ومنعوا بغداد عنهم واعتزموا على كبس السلطان محمود‏.‏ وجـاء عمـاد الديـن زنكـي من البصرة في حشود عظيمة ملأت البر والبحر فاعتزم السلطان على قتال بغداد‏.‏ وأذعن المسترشد إلى الصلح فاصطلحوا وأقام السلطان ببغداد إلى ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين ومرض فأشير عليه بمفارقة بغداد فارتحل إلى همذان ونظر فيمن يوليه شحنة العراق مضافاً إلى ما بيده ويثق به في مد تلك الخلة‏.‏ جمل إليه الخليفة عند رحيله الهدايا والتحف الألطاف فقبل جميعها‏.‏ ولما أبعد السلطان عن بغداد قبض على وزيره أبي القاسم علي بـن الناصـر النشابـاذي لاتهامـه بممالـأة المسترشـد واستـوزر مكانـه شـرف الديـن أنوشروان بن خالد وكان مقيماً ببغداد فاستدعاه وأهدى إليه الناس حتى الخليفة‏.‏ وسار من بغـداد في شعبان فوصل إلى السلطان بأصبهان خلع عليه ثم استعفى لعشرة أشهر وعاد إلى بغداد ولم يزل الوزير أبو القاسم محبوساً أن جاء السلطان سنجر إلى الري في السنة بعدها فأطلقه وأعاده إلى وزارة السلطان‏.‏

أخبار دبيس مع السلطان سنجر
لما وصل دبيس إلى السلطان سنجر ومعه طغرل أغرياه بالمسترشد والسلطان محمود وأنهما عاصيـان عليـه وسهـلا عليـه أمـر العـراق فسار إلى الري واستدعى السلطان محموداً يختبر طاعته بذلـك فبادر للقائه‏.‏ ولما وصل أمر سنجر العساكر فتلقوه وأجلسه معه على سريره وأقام عنده مدة وأوصاه بدبيس أن يعيده إلى بلده ورجع سنجر إلى خراسان منتصف ذي الحجة ورجع محمـود إلـى همذان ودبيس معه‏.‏ ثم سار إلى بغداد فقدمها في تاسوعاء سنة ثلاث وعشرين واسترضـى المسترشـد لدبيـس فرضـي عنـه علـى شريطـة أن يوليـه غيـر الحلة فبذل في الموصل مائة ألف دينار‏.‏ وشعر بذلك زنكي فجاءه إلى السلطان وهجم على الستر متذمماً وحمل الهدايا وبذل مائة ألف فأعاده السلطان إلى الموصل وأعاد بهروز شحنة على بغداد وجعلت الحلة لنظره‏.‏ وسار السلطان إلى همذان في جمادى سنة ثلاث وعشرين ثم مرض السلطان فلحق دبيس بالعراق وحشد المسترشد لمدافعته وهرب بهروز من الحلة فدخلها دبيس رمضان من سنة ثلاث وعشرين‏.‏ وبعث السلطان في أثره الأميرين اللذين ضمناه له وهما كزل والأحمديلي فلما سمع دبيس بهما أرسل إلى المسترشد يستعطفه وتردد الرسل وهو يجمع الأموال والرجال حتى بلغ عسكره عشرة آلاف ووصل الأحمديلي بغداد في شوال وسار في أثر دبيس‏.‏ ثم جاء السلطان إلى العراق فبعث إليه دبيس بالهدايا وبذل الأموال على الرضى فأبى ووصل إلى بغـداد ودخـل دبيـس البريـة وقصـد البصـرة فأخـذ مـا كـان فيهـا للخليفـة والسلطـان وجاءت العساكر في اتباعه فدخل البرية انتهى‏.‏

وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود ثم منازعته عمومته واستقلال مسعود
ثـم توفـي السلطان محمود في شوال من سنة خمس وعشرين لثلاث عشرة سنة من ملكه واتفق وزيره أبو القاسم النشاباذي وأتابكه أقسنقر الأحمديلي على ولاية ابنه داود مكانه وخطب له في جميع بلاد الجبل وأذربيجان ووقعت الفتنة بهمذان ونواحيها‏.‏ ثم سكنت فسار الوزير بأموالـه إلى الري ليأمن في ايالة السلطان سنجر ثم أن الملك داود سار في ذي القعدة من سنة خمـس وعشريـن مـن همـذان إلى ربكان وبعت إلى المسترشد ببغداد في الخطبة وأتاه الخبر بأن عمـه مسعـوداً سـار مـن جرجـان إلـى تبريـز وملكهـا فسـار إليـه وحصره في تبريز إلى سلخ المحرم من سنة ست وعشرين ثم اصطلحا وأفرج داود عن تبريز وخرج السلطان مسعود منها واجتمعت عليه العساكر فانتقض وسار إلى همذان‏.‏ وأرسـل إلـى المسترشـد فـي الخطبـة فأجابهـم جميعـاً بـأن الخطبـة للسلطـان سنجـر صاحـب خراسـان ويعيـن بعـده مـن يـراه‏.‏ وبعـث إلـى سنجـر بـأن الخطبـة إنمـا ينبغـي أن تكـون لـك وحدك فوقع ذلك منه أحسن موقع وكاتب السلطان منه أحسن موقع وكاتب السلطان مسعود عماد الدين زنكي صاحب الموصل فأجابه وسار إليه وانتهى إلى المعشوق‏.‏ وبينما هم في ذلك إذ ثار قراجا الساقي صاحب فـارس وخوزستـان بالملـك سلجـوق شـاه ابـن السلطـان محمـد وكـان أتابكه فدخل بغداد في عسكر كبيـر ونزلـه فـي دار السلطـان واستخلفـه المسترشـد لنفسـه ووصل مسعود إلى عباسة فبرزوا للقائه وجاءهم خبر عماد الدين زنكي فعبر قراجا إلى الجانب الغربي للقائه وواقعه فهزمه وسار منهزماً إلى تكريت وبها يومئذ نجم الدين أيوب أبو السلطان صلاح الدين فهيأ له الجسر للعبور وعبر فأمن وسار لوجهه‏.‏ وجاء السلطان مسعود من العباسة للقاء أخيه سلجوق ومن معه مدلاً بمكان زنكي وعسكره من ورائهم وبلغه خبر انهزامهـم فنكـص علـى عقبـه وراسـل المسترشـد بأن السلطان سنجر وصل إلى وطلب الاتفاق من المسترشد وأخيه سلجوق شاه قراجـا علـى قتـال سنجـر علـى أن يكـون العـراق للمسترشـد يتصـرف فيـه نوابـه والسلطنـة لمسعـود وسلجـوق شـاه ولـي عهـده فأجابوه إلى ذلك وجاء إلى بغداد في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وتعاهدوا على ذلك‏.‏

واقعة مسعود مع سنجر وهزيمته وسلطنة طغرل
لما توفي السلطان محمود وولي ابنه داود مكانه نكر ذلك عمه السلطان سنجر عليهم وسار إلى بلاد الجبل ومعه طغرل ابن أخيه السلطان محمد كان عنده منذ وصوله مع دبيس فوصل إلـى الـري ثـم إلـى همـذان وسار السلطان مسعود وأخوه سلجوق وقراجا الساقي أتابك سلجوق للقائـه‏.‏ وكـان المسترشـد قـد عاهدهـم على الخروج وألزموه ذلك ثم إن السلطان سنجر بعث إلى دبيس وأقطعه الحلة وأمره بالمسير إلى بغداد وبعث إلى عماد الدين زنكي بولاية شحنكية بغداد والسير إليها فبلغ المسترشد خبر مسيرهما فرجع لمدافعتهما‏.‏ وسار السلطان مسعود وأصحابـه للقـاء السلطـان سنجـر ونـزل استرابـاذ فـي مائـة ألـف مـن العسكر فخاموا عن لقائه ورجعوا أربع مراحل فأتبعهم سنجر وتراءى الجمعان عند الدينور ثامن رجب فاقتتلوا وعلى ميمنة مسعود قراجا الساقي وكزل وعلى ميسرته برتقش باردار ويوسـف حـاروس فحمـل قراجـا الساقـي في عشرة آلاف على السلطان سنجر حتى تورط في مصافه فانعطفوا عليه من الجانبين وأخذ أسيراً بعد جراحات‏.‏ وانهـزم مسعـود وأصحابـه وقتـل بعضهـم وفيهـم يومئـذ يوسـف حـاروس وأسـر آخـرون فيهم قراجا فأحضر عند السلطان سنجر فوبخه ثم أمر بقتله‏.‏ وجاء السلطان مسعود إليه فأكرمه وعاتبه على مخالفته وأعاده أميراً إلى كنجة‏.‏ وولى الملك طغرل ابن أخيه محمداً في السلطنة وجعـل وزيـره أبـا القاسـم النشابـاذي وزير السلطان محمود وعاد إلى خراسان ووصل نيسابور في عاشر رمضان من سنته‏.‏ وأما الخليفة فرجع إلى بغداد كما قلناه لمدافعة دبيس وزنكي وبلغـه الخبـر بهزيمـة السلطـان مسعـود فعبر إلى الجانب الغربي وسار إلى العباسة ولقيهما بحصن البرامكة آخر رجب‏.‏ وكان في ميمنته جمال الدولة إقبال وفي ميسرته مطر الخادم فانهزم إقبال لحملة زنكي وحمل الخليفة ومطـر علـى دبيـس فانهـزم وتبعه زنكي فاستمرت الهزيمة عليهم وافترقوإ ومضى دبيس إلى الحلة وكانت بيد إقبال وجاءه المدد من بغداد فلقي دبيس وهزمه ثم تخلص بعد الجهد وقصـد واسط وأطاعه عسكرها إلى أن خلت سنة سبع وعشرين فجاءهم إقبال وبرتقش باردار وزحفوا في العساكر براً وبحراً فانهزمت أهل واسط‏.‏ ولمـا استقـر طغـرل بالسلطنـة وعـاد عمـه سنجر إلى خراسان لخلاف أحمد خان صاحب ما وراء النهر عليه وكان داود ببلاد أذربيجان وكنجة فانتقض وجمع العساكر وسار إلى همذان وبرز إليـه طغـرل وفـي ميمنتـه ابـن برسـق وفـي ميسرته كزل وفي مقدمته أقسنقر‏.‏ وسار إليه داود في ميمنته برتقش الزكوي والتقيا في رمضان سنـة سـت وعشريـن فأمسـك برتقـش عـن القتـال واستـراب التركمـان منـه فنهبـوا خيمتـه واضطـرب عسكـر داود لذلـك فهـرب أتابكـه أقسنقر الأحمديلي واستمرت الهزيمة عليهم وأسر برتقش الزكـوي ومضـى داود ثـم قـدم بغـداد ومعـه أتابكه أقسنقر الأحمديلي فأنزله الخليفة بدار السلطان وأكرمه‏.‏ ولما بلغ السلطان مسعوداً هزيمة داود ووصوله إلى بغداد قدم إليها وخرج داود لتلقيه وترجل له عن فرسه ونزل مسعود بدار السلطنة في صفر سنة سبع وعشرين وخطب له على منابر بغـداد ولـداود بعـده واتفقـا مـع المسترشـد بالسيـر إلـى أذربيجـان وأن يمدهمـا وسـارا لذلـك وملك مسعود سائر بلاد أذربيجان وحاصر جماعة من الأمراء بأردبيل ثم هزمهم وقتل منهم وسار إلى همذان وبرز أخو طغرل للقائه فانهزم واستولى مسعود على همذان وقتل أقسنقر قتلـه الباطنيـة ويقـال بدسيسـة السلطـان محمود‏.‏ ولما انهزم طغرل قصد الري وبلغ قم ثم عاد إلى أصبهان ليمتنع بها وسار أخوه مسعود للحصار فارتاب طغرل بأهل أصبهان وسار إلى بلاد فارس فاتبعه مسعود واستأمن إليه بعض أمراء طغرل فارتاب بالباقين وانهزم إلى الري في رمضان من سنته واتبعه مسعود فلحقه بالري وقاتله فانهزم طغرل وأسر جماعـة مـن أمرائـه وعـاد مسعـود إلـى همذان ظافراً وعندما قصد طغرل الري من فارس قتل في طريقه وزيره أبا القاسم النشاباذي في شوال من سنته لموجدة وجدها عليه‏.‏

مسير المسترشد لحصار الموصل
لما انهزم عماد الدين زنكي أمام المسترشد كما قلنا لحق بالموصل وشغل سلاطين السلجوقية فـي همـذان بالخلـف الواقـع بينهـم ولجـأ جماعـة مـن أمـراء السلجوقيـة إلـى بغـداد فـراراً مـن الفتنة فقوي بهم المسترشد وبعث إلى عماد الدين زنكي بعض شيوخ الصوفية من حضرته فأغلظ في الموعظـة فأهانـه زنكـي وحبسـه فاعتـزم المسترشـد علـى حصـار الموصـل وبعـث بذلـك إلـى السلطـان مسعـود وسـار مـن بغداد منتصف شعبان سنة سبع وعشرين في ثلاثين ألف مقاتل‏.‏ ولمـا قـارب الموصـل فارقهـا زنكي ونزل بها نائبه نصير الدين حقر ولحق بسنجر وأقام يقطع المدد والميرة عن عسكـر المسترشـد حتـى ضاقـت بهـم الأمـور وحاصرهـا المسترشـد ثلاثـة أشهـر فامتنعت عليه ورحل عائداً إلى بغداد فوصل يوم عرفة من سنته يقال إن مطراً الخادم جاء من عسكر السلطان مسعود لأنه قاصد العراق فارتحلا لذلك‏.‏ مصاف طغرل ومسعود وانهزام مسعود ولما عـاد مسعـود إلـى همـذان بعـد انهـزام أخيـه طغـرل بلغـه انتقـاض داود ابـن أخيـه محمـود بأذربيجان فسار إليه وحصره ببعض قلاعها فخالفه طغرل إلى بلاد الجبل واجتمعت عليه العساكـر ففتح كثيراً من البلاد وقصد مسعوداً وانتهى إلى قزوين فسار مسعود للقائه وهرب من عسكره جماعة كان طغرل قد داخلهم واستمالهم فولى مسعود منهزماً آخر رمضان سنة ثمان وعشرين واستأذن المسترشد في دخول بغداد وكان نائبه بأصبهان البقش السلامي ومعه أخوه سلجوق شاه فلما بلغهم خبر الهزيمة لحقوا ببغداد ونزل سلجوق بدار السلطان وبعث إليه الخليفـة بعشـرة آلـاف دينـار‏.‏ ثـم قـدم مسعـود بعدهـم ولقـي في طريقه شدة وأصحابه بين راجلين وركاب فبعث إليهم المسترشد بالمقام والخيام والأمـوال والثيـاب والآلـات وقـرب إليهـم المنـازل وفاة طغرل واستيلاء السلطان مسعود ولما وصل مسعود إلى بغداد أكرمه المسترشد ووعده بالمسير معه لقتال أخيـه طغـرل وأزاح علل عسكره واستحثه لذلك وكان جماعة من أمراء السلجوقية قد ضجروا من الفتنة ولحقوا بالمسترشد فساروا معه ودس إليهم طغرل بالمواعيد فارتاب المسترشد ببعضهم وأطلع على كتاب طغرل إليه وقبض عليـه ونهـب مالـه فلحـق الباقـون بالسلطـان وبعـث فيهـم المسترشـد فمنعهم السلطان فحدثت بينهم الوحشة لذلك وبعث السلطان إلى الخليفة يلزمه المسير معه وبينـا همـا علـى ذلـك إذ جـاءه الخبـر بوفـاة طغـرل فـي المحرم من سنة تسع وعشرين فسار السلطان مسعود إلى همذان وأقبلت إليه العساكر فاستولى عليها وأطاعه أهل البلاد واستوزر شرف الدين أنوشروان خالداً وكان قد سار معه بأهله‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:14 AM

فتنة السلطان مسعود مع المسترشد
لمـا استولى السلطان مسعود على همذان استوحش منه جماعة من أعيان الأمراء منهم برتقش وكـزل وسنقـر والـي همـذان وعبـد الرحمـن بـن طغرلبـك ففارقـوه ودبيـس بن صدقة معهم واستأمنوا إلى الخليفة ولحقوا بخوزستان وتعاهدوا مع برسق على طاعة المسترشد وحـذر المسترشد من دبيس وبعث شديد الدولة بن الأنباري الأمان للأمراء دون دبيس ورجع دبيس إلى السلطان مسعود‏.‏ وسار الأمراء إلى بغداد فأكرمهم المسترشد واشتدت وحشة السلطان مسعود لذلك ومنافرته للمسترشد فاعتزم المسترشد على قتاله وبرز من بغداد في عاشـر رجب وأقام بالشفيع وعصى عليه صاحب البصرة فلم يجبه وأمراء السلجوقية الذين بقوا معه يحرضونه على المسير فبعث مقدمته إلى حلوان‏.‏ ثـم سـار مـن شعبـان واستخلـف علـى العـراق إقبـالاً خادمـه فـي ثلاثـة آلـاف فارس ولحقه برسق بن برسق فبلغ عسكره سبعة آلاف فارس وكان أصحاب الأعراب يكاتبون المسترشد بالطاعة فاستصلحهم مسعود ولحقوا به وبلغ عكسره خمسة عشر ألفاً‏.‏ وتسلل إليه كثير من عكسر المسترشد حتى بقي في خمسة آلاف وبعث إليه داود ابن السلطان محمود من أذربيجان بأن يقصد الدينور ليلقاه بها بعسكـره فجفـل للقـاء السلطـان مسعـود وسـار وفـي ميمنتـا برتقـش بـاردار وكـور الدولـة سنقر وكزل وبرسق بن برسق وفي ميسرته جاولي برسقي وسراب سلار واعليـك الـذي كـان قبـض عليه من أمراء السلجوقية بموافقتهم السلطان وكان ذلك عاشر رمضان سنة تسع وعشرين‏.‏ وانحازت ميسرة المسترشد إليه وانطبقت عساكره عليه وانهزم أصحاب المسترشد وأخذ هو أسيـراً بموكبـه وفيهـم الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي وقاضي القضاة والخطباء والفقهاء والشهـود وغيرهـم‏.‏ وأنـزل المسترشـد فـي خيمـة وحبـس الباقون بقلعة سرحاب وعاد السلطان إلى همذان وبعث الأمير بك آي المحمدي إلى بغداد شحنة فوصل سلـخ رمضـان ومعـه عميـد فقبضوا أملاك الخليفة وأخذوا غلاته وضج الناس ببغداد وبكوا على خليفتهم وأعول النساء ثـم عمد العامة إلى المنبر فكسروه ومنعوا من الخطبة وتعاقبوا في الأسواق يحثون التراب على رؤوسهم وقاتلوا أصحاب الشحنة فأثخن فيهم بالقتل وهرب الوالي والحاجب وعظمت الفتنة ثـم بلـغ السلطـان فـي شـوال أن داود ابـن أخيه محمود عصى عليه بالمراغة فسار لقتاله والمسترشد معه وتردد الرسل بينهما في الصلح‏.‏

مقتل المسترشد وخلافة الراشد
قد ذكرنا مسير المسترشد مع السلطان مسعود إلى مراغة وهو في خيمة موكل به‏.‏ وترددت الرسل بينهما وتقرر الصلح على أن يحمل مالاً للسلطان ولا يجمع العساكر لحرب ولا فتنة ولا يخرج من داره فانعقد على ذلك بينهما وركب المسترشد وحملت الغاشية بين يديه وهو على العود إلى بغداد فوصل الخبر بموافاة رسول من السلطان سنجر فتأخر مسيره لذلك وركب السلطـان مسعـود للقاء الرسول وكانت خيمة المسترشد منفردة عن العسكر فدخل عليه عشرون رجلاً أو يزيدون من الباطنية فقتلوه وجدعوه وصلبوه وذلك سابع عشر ذي القعدة من سنة تسع وعشرين لسبع عشرة ونصف من خلافته‏.‏ وقتـل الرجـال الذيـن قتلـوه وبويـع ابنـه أبـو جعفر بعهد أبيه إليه بذلك فجددت له البيعة ببغداد في مـلأ مـن النـاس وكان إقبال خادم المسترشد في بغداد فلما وقعت هذه الحادثة عبر إلى الجانب الغربي وأصعد إلى تكريت ونزل على مجاهد الدين بهروز‏.‏ ثم بعد مقتل المسترشد بأيام قتل دبيـس بـن صدقـة علـى بـاب سرادقـة بظاهـر مدينـة خوي أمر السلطان مسعود غلاماً أرمنياً بقتله فوقف على رأسه فضربه وأسقط رأسه واجتمع إلى أبيه صدقة بالحلـة عساكـره ومماليكـه واستأمـن إليـه قطلـغ تكيـن وأمـر السلطـان مسعود بك آي شحنة بغداد فأخذ الحلة من يد صدقة فبعث بعض عساكره إلى المدائن وخام عن لقائه حتى قدم السلطان إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين فقصده وصالحه ولزم بابه‏.‏

الفتنة بين الراشد والسلطان مسعود ولحاقه بالموصل
وخلعه وبعـد بيعة الراشد واستقراره في الخلافة وصل برتقش الزكوي من عند السلطان محمود يطلب مـن الراشـد ما استقر على أبيه من المال أيام كونه عندهم وهو أربعمائة ألف دينار فأجابه بأنه لـم يخلـف شيئـاً وأن مالـه كـان معـه فنهـب‏.‏ ثـم نمي إلى الراشد أن برتقش تهجم على دار الخلافة وفتش المال فجمع الراشد العساكـر وأصلـح السـور ثـم ركـب برتقـش ومعـه الأمـراء البلخيـة وجاؤوا لهجم الدار وقاتلهم عسكر الخليفة والعامة فساروا إلى طريق خراسان وانحدر بك آي إلى خراسان وسار برتقش إلى البند هجين ونهبت العامة دار السلطان والراشد واشتدت الوحشة بين السلطان والراشد وانحرف الناس عن طاعة السلطان إلى الخليفة وسار داود ابن السلطان في عسكر أذربيجان إلى بغداد ونزل بدار السلطان في صفر من سنة ثلاثين‏.‏ ووصل عماد الدين زنكي من الموصل ووصل برتقش باردار صاحب قزوين والبقش الكبير صاحب أصبهان وصدقة بن دبيس صاحب الحلة وابن برسق وابن الاحمديلي وجفل الملك داود برتقش باردار شحنة ببغداد وقبض الراشد على ناصح الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير استادار وعلى جمال الدين إقبال‏.‏ وكان قدم إليه من تكريت فتنكر له أصحابه وخانوه وشفـع زنكـي فـي إقبـال الخـادم فأطلقـه وصـار عنـده وخـرج الوزيـر جلـال الدين أبو الرضا بن صدقة لتلقـي زنكي فأقام عنده‏.‏ ثم شفع فيه وأعاده إلى وزارته ولحق قاضي القضاة الزينبي بزنكي أيضاً وسار معه إلى الموصل ووصل سلجوق شاه إلى واسط وقبض بها بك آي ونهب ماله ثم سار السلطان داود نحو طريق خراسان ومعه زنكي لقتال السلطان مسعود وبرز الراشد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان ورجـع بعـد ثلـاث وأرسـل إلـى داود والأمـراء بالعـود وقتال مسعود من وراء السور وراسلهم مسعود بالطاعـة والموافقـة فأبـوا وتبعهـم الخليفـة فـي ذلـك‏.‏ وجـاء مسعود فنزل على بغداد وحصرهم فيها وثار العيارون وكثر الهرج وأقاموا كذلك نيفاً وخمسين وامتنعوا وأقلع السلطان عنهم‏.‏ ثم وصله طرنطاني صاحب واسط بالسفن فعاد وعبـر إلـى الجانـب الغربـي فاضطـرب الراشـد وأصحابـه وعـاد داود إلـى بلـاده وكـان زنكي بالجانب الغربي فعبـر إليـه الراشـد وسـار معـه إلـى الموصـل ودخـل السلطـان مسعـود بغـداد منتصـف ذي القعـدة سنـة ثلاثيـن وأمن الناس‏.‏ واستدعى القضاة والفقهاء والشهود وعرض عليهم يمين الراشد بخطه‏:‏ إني متى جندت جنداً وخرجت ولقيـت أحـداً مـن أصحـاب السلطـان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمـر فافتـوا بخلعـه ووافقهـم علـى ذلـك أصحـاب المناصـب والولايات واتفقوا على ذمه فتقدم السلطان لخلعه وقطعت خطبته ببغداد وسائر البلاد في ذي القعدة من سنة ثلاثين لسنة من خلافته‏.‏

خلافة المقتفي
ولما قطعت خطبة الراشد استشار السلطان مسعود أعيان بغداد فيمن يوليه فأشاروا بمحمد بن المستظهر فقدم إليهم بعمل محضر في خلع الراشد وذكروا ما ارتكبه من أخذ الأموال ومن الأفعال القادحة في الإمامة وختموا آخر المحضر بأن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إماماً‏.‏ وحضـر القاضـي أبـو طاهـر بـن الكرخـي فشهـدوا عنـده بذلـك وحكـم بخلعـه ونفـذه القضـاة الآخرون وكان قاضي القضاة غائباً عند زنكي بالموصل وحضر السلطان دار الخلافة ومعـه الوزير شرف الدين الزينبي وصاحب المخزن ابن العسقلاني وأحضر أبو عبد الله بن المستظهر فدخل إليه السلطان والوزير واستخلفاه‏.‏ ثم أدخلوا الأمراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء فبايعـوه ثامـن عشـر ذي الحجـة ولقبـوه المقتفـي‏.‏ واستـوزر شـرف الديـن علـي بـن طراد الزينبي وبعث كتـاب الحكـم بخلـع الراشـد إلى الآفاق وأحضر قاضي القضاة أبا القاسم علي بن الحسين فأعاده إلى منصبه وكمال الدين حمزة بن طلحة صاحب المخزن كذلك‏.‏

فتنة السلطان مسعود مع داود واجتماع داود للراشد للحرب ومقتل الراشد
ولما بويع للمقتفي والسلطان مسعود ببغداد بعث عساكره يطلب الملك داود فلقيه عند مراغه فانهزم داود وملك قراسنقر أذربيجان‏.‏ ثم قصد داود خوزستـان واجتمـع عليـه مـن عساكـر التركمان وغيرهم نحو عشرة آلاف مقاتل وحاصر تستر وكان السلطان سلجوق شاه بواسط بعث إلى أخيه مسعود يستنجده فأنجده بالعساكر وسار إلى تستر فقاتله داود وهزمه‏.‏ وكان السلطان مسعود مقيماً في بغداد مخافة أن يقصد الراشد العراق من الموصل وكان قد بعث لزنكـي فخطـب للمقتفـي فـي رجـب سنـة إحـدى وثلاثين وسار الراشد من الموصل فلما بلغ خبر مسيره إلى السلطان مسعود أذن للعسكر في العود إلى بلادهم وانصرف صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد أن زوجه ابنته‏.‏ ثم قدم على السلطان مسعود جماعة الأمراء الذين كانوا مع الملك داود مثل البقش السلامي وبرسق بن برسق صاحب تستر وسنقر خمارتكين شحنة همذان فرضي عنهم وولى البقش شحنـة ببغـداد فظلـم النـاس وعسفهـم‏.‏ ولمـا فارق الراشد زنكي من الموصل سار إلى أذربيجان وانتهى إلـى مراغـة وكـان بوزابـة وعبـد الرحمـن طغرلبـك صاحـب خلخـال والملـك وداود ابـن السلطان محمود خائفين من السلطان مسعود فاجتمعوا إلى منكبرس صاحب فارس وتعاهدوا علـى بيعـة داود وأن يـردوا الراشـد إلى الخلافة فأجابهم الراشد إلى ذلك وبلغ الخبر إلى السلطان فسـار مـن بغـداد فـي شعبـان سنـة اثنتيـن وثلاثيـن وبلغهـم قبل وصوله وصول الراشد إليهم فقاتلهم بخوزستان فانهزموا وأسر منكبـرس صاحـب فـارس فقتلـه السلطـان مسعـود صبـراً وافترقـت عساكـره للنهـب وفـي طلـب المنهزميـن ورآه بوزابـة وعبـد الرحمـن طغرلبـك في فل من الجنود فحملوا عليه وقتل بوزابة جماعة من الأمراء منهم صدقة بن دبيس وابن قراسنقر الأتابك صاحب أذربيجـان وعنتر بن أبي العسكر وغيرهم كان قبض عليهم لأول الهزيمة وأمسكهم عنده‏.‏ فلما بلغه قتل منكبرس قتلهم جميعاً وانصرف العسكران منهزمين وقصد مسعود أذربيجان وداود همـذان‏.‏ وجـاء إليه الراشد بعد الوقعة وأشار بوزابة وكان كبير القوم بمسيرهم فسار بهم إلى فارس فملكها وأضافها إلى خوزستان‏.‏ وسار سلجوق شاه ابن السلطان مسعود ليملكها فدافعه عنها البقش الشحنة ومطر الخادم أمير الحاج وثار العيارون أيام تلك الحرب وعظم الهرج ببغداد ورحل الناس عنها إلى البلاد‏.‏ فلمـا انصـرف سلجـوق شاه واستقر البقش الشحنة فتك فيهم بالقتل والصلب‏.‏ ولما قتل صدقة بن دبيس ولى السلطان على الحلة محمداً أخاه وجعل معه مهلهلاً أخا عنتر بن أبي العسكر يدبره‏.‏ ولما وصل الراشد والملك داود إلى خوزستان مع الأمراء على ما ذكرنا وملكوا فارس ساروا إلى العراق ومعهم خوارزم شاه‏.‏ فلما قاربوا الجزيرة خرج السلطان مسعود لمدافعتهم فافترقوا ومضى الملك داود إلى فارس وخوارزم شاه إلى بلاده وبقي الراشد وحده فسار إلى أصبهـان فوثـب عليـه فـي طريقـه نفـر مـن الخراسانيـة الذيـن كانـوا فـي خدمتـه فقتلـوه فـي القيلولـة خامس وعظم أمر هذه الفتنة واختلفت الأحوال والمواسم وانقطعت كسوة الكعبة في هذه السنة من دار الخلافة من قبل السلاطين حتى قام بكسوتها تاجر فارسي من المترددين إلى الهند أنفق فيها ثمانية عشر ألف دينار مصرية وكثر الهرج من العياريـن حتـى ركـب زعماؤهـم الخيـول وجمعوا الجموع وتستر الوالي ببغداد بلباس ابن أخيه سراويل الفتوة عن زعيمهم ليدخل في جملتهـم وحتـى هـم زعيمهـم بنقـش اسمـه فـي سكـة بانبار فحاول الشحنة والوزير على قتله فقتل ونسب أمر العيارين إلى البقش الشحنة لما أحدث من الظلم والعسف فقبض عليه السلطان مسعـود وحبسـه بتكريـت عنـد مجاهد الدين بهروز ثم أمر بقتله فقتل‏.‏ ثم قدم السلطان مسعود في ربيع سنة ثلاث وثلاثين في الشتاء وكان يشتي بالعراق ويصيف بالجبال‏.‏ فلما قدم أزال المكـوس وكتـب بذلـك فـي الألـواح فنصبـت فـي الأسـواق وعلـى أبواب الجامع ورفع عن العامة نزول الجند عليهم فكثر الدعاء له والثناء عليه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:15 AM

وزارة الخليفة
وفي سنة أربـع وثلاثيـن وقـع بيـن المقتفـي ووزيـره علـي بـن طـراد الزينبـي وحشـة بمـا كـان يعتـرض علـى المقتفـي فـي أمـره فخـاف واستجـار بالسلطـان مسعـود فأجـاره وشفـع إلـى المقتفي في إعادته فامتنع وأسقـط اسمه من الكتب واستناب المقتفي ابن عمه قاضي القضاة والزينبي ثم عزله واستناب شديد الدولة الانباري‏.‏ ثم وصل السلطان إلى بغداد سنة ست وثلاثين فوجد الوزير شرف الدين الزينبي في داره فبعث وزيره إلى المقتفي شفيعاً في إطلاق سبيله إلى بيته فأذن له انتهى‏.‏

الشحنة ببغداد
وفي سنة سـت وثلاثيـن عـزل مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد وولى كزل أميراً آخر من مماليك السلطان محمود فكان على البصرة فأضيف إليه شحنكية بغداد ولما وصل السلطان مسعود إلى بغداد ورأى تبسط العيارين وفسادهم أعاد بهروز شحنة ولـم ينتفـع النـاس بذلـك لـأن العياريـن كانـوا يتمسكـون بالجـاه من أهل الدولة فلا يقدر بهروز على منعهم وكان ابن الوزير وابن قاروت صهر السلطان يقاسمانهم فيما يأخذون من النهب‏.‏ واتفق سنة ثمان وثمانين أن السلطان أرسل نائب الشحنكية ووبخه على فساد العيارين فأخبره بشأن صهـره وابـن وزيـره فأقسـم ليصلبنـه إن لـم يصلبهمـا فأخـذ خاتمـه علـى ذلـك وقبض على صهره ابن قاروت فصلبه وهرب ابن الوزير وقبض على أكثر العيارين وافترقوا وكفى الناس شرهم‏.‏

انتقاض الأعياض واستبداد الأمراء على الأمير مسعود وقتله إياهم
وفي سنة أربعين سار بوزابة صاحب فارس وخوزستان وعساكره إلى قاشان ومعه الملك محمـد ابـن السلطان محمود واتصل بهم الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد ولقي بوزابة الأمير عباس صاحب الري وتآمرا في الانتقاض على السلطان مسعود وملكا كثيراً من بلاده فسار السلطان مسعود عن بغداد ونزل بها الأمير مهلهل والخادم مطر وجماعة من غلمـان بهـروز‏.‏ وسار معه الأمير عبد الرحمن طغرلبك وكان حاجبه ومتحكماً في دولته وكان هواه مع ذينك الملكين فسار السلطان وعبد الرحمن حتى تقارب العسكران فلقي سليمان شاه أخاه مسعوداً فحنـق عليـه وجـرى عبـد الرحمـن فـي الصلـح بيـن الفريقيـن وأضيفت وظيفة أذربيجان وأرمينية إلى ما بيده‏.‏ وسار أبـو الفتـح بـن هزارشـب وزيـر السلطـان مسعـود ومعـه وزيـر بوزابـة فاستبـدوا علـى السلطان وحجروه عن التصرف فيما يريده وكان بك أرسلان بن بلنكري المعروف بخاص بك خالصـة للسلطـان بمـا كـان مـن تربيته فداخلوه واستولوا به على هوى السلطان بكل معنى‏.‏ وكان صاحب خلخال وبعض أذربيجان فلما عظم تحكمه أسر السلطان إلى خاص بك بقتل عبد الرحمـن فـدس ذلك إلى جماعة من الأمراء وقتلوه في موكبه ضربه بعضهم بمقرعة حديد فسقط إلـى الـأرض ميتـاً وبلـغ إلـى السلطـان مسعـود ببغـداد ومعـه عبـاس صاحـب الـري فـي عسكر أكثر من عسكره فامتعض لذلك فتلطف له السلطان واستدعاه إلى داره فلما انفرد عن غلمانه أمر به فقتل‏.‏ وكان عباس من غلمان السلطان محمود وولي الري وجاهد الباطنية وحسنـت آثـاره فيهـم‏.‏ وكـان مقتلـه فـي ذي القعـدة سنـة إحـدى وأربعيـن‏.‏ ثـم حبـس السلطـان مسعود أخاه سليمان شاه بقلعة تكريت وبلغ مقتل عباس إلى بوزاية فجمع عساكره من فارس وخوزستان وسار إلـى أصبهـان فحاصرهـا ثـم سـار إلـى السلطـان مسعـود والتقيـا بمـرج قراتكيـن فقتـل بوزابـة قيـل بسهم أصابه وقيل أخذ أسيراً وقتل صبراً وانهزمت عساكره إلى همذان وخراسان‏.‏

انتقاض الأمراء ثانية علي السلطان
ولما قتل السلطان من قتل من أمرائه استخلص الأمير خاص بك وأنفذ كلمته في الدولة ورفع منزلته فحسده كثير من الأمراء وخافـوا غائلتـه وسـاروا نحـو العـراق وهـم ايلدكـر المسعـودي صاحب كنجة وارانية وقيصر والبقش كون صاحب أعمال الجبل وقتل الحاجـب وطرنطـاي المحمـودي شحنـة واسـط وابـن طغابـرك‏.‏ ولمـا بلغـوا حلـوان خـاف النـاس بأعمـال العـراق وعنـي المقتفي بإصلاح السور وبعث إليهم بالنهي عن القدوم فلم ينتهوا ووصلوا في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين والملك محمد ابن السلطان محمود معهم ونزلوا بالجانب الشرقي وفارق مسعود جلال الشحنة ببغداد إلى تكريت ووصل إليهم علي بن دبيس صاحب الحلة ونزل بالجانب الغربي‏.‏ وجند المقتفي أجناداً وقتلوهم مع العامة فكانوا يستطردون للعامة والجنـد حتـى يبعـدوا ثـم يكرون عليهم فيثخنوا فيهم‏.‏ ثم كثر عيثهم ونهبهم‏.‏ ثم اجتمعوا مقابل التاج وقبلوا الأرض واعتذروا وترددت الرسل ورحلوا إلى النهروان‏.‏ وعاد مسعود جلال الشحنـة مـن تكريـت إلـى بغـداد وافتـرق هـؤلاء الأمـراء وفارقـوا العـراق والسلطـان مـع ذلـك مقيـم ببلـد الجبـل‏.‏ وأرسـل عمـه سنجـر إلـى الـري سنـة أربـع وأربعين فبادر إليه مسعـود وترضـاه فأعتبـه وقبـل عـذره‏.‏ ثـم جـاءت سنـة أربـع وأربعيـن جماعـة أخـرى مـن الأمراء وهم البقش كون والطرنطاي وابن دبيس وملك شاه ابن السلطان محمود فراسلوا المقتفي في الخطبة لملـك شـاه فلم يجبهم وجمع العساكر وحصن بغداد وكاتب السلطان مسعودا بالوصول إلى بغداد فشغلـه عمـه سنجـر إلـى الـري‏.‏ ولما علم البقش مراسلة المقتفي إلى مسعود نهب النهروان وقبض علـى علـي بـن دبيـس وهـرب الطرنطـاي إلـى النعمانية ووصل السلطان مسعود إلى بغداد منتصف شوال ورحل البقش كون من النهروان وأطلق ابن دبيس‏.‏

وزارة المقتفي
وفي سنة أربع وأربعين استوزر المقتفي يحيى بن هبيرة وكان صاحب ديوان الزمام وظهرت منه كفاية في حصار بغداد فاستوزره المقتفي‏.‏ وفاة السلطان مسعود وملك ملك شاه ابن أخيه محمود ثم توفي السلطان مسعود أول رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة لإحدى وعشرين سنة من بيعته وعشرين من عوده بعد منازعة إخوته‏.‏ وكان خاص بك بن سلمكري متغلباً على دولته فبايع لملك شاه ابن أخيه السلطان محمود وخطب له بالسلطنة في همذان وكان هذا السلطان مسعـود آخـر ملـوك السلجوقيـة عـن بغـداد‏.‏ وبعـث السلطـان ملـك شـاه الأمير شكاركرد في عسكر إلى الحلة فدخلها وسار إليه مسعود جلال الشحنة وأظهر له الاتفاق‏.‏ ثم قبض عليه وغرقه واستبـد بالحلـة‏.‏ وأظهـر المقتفـي إليـه العساكـر مـع الوزيـر عون الدولة والدين بن هبيرة فعبر الشحنة إليهم الفرات وقاتلهم فانهزموا‏.‏ وثار أهل الحلة بدعوة المقتفي ومنعوا الشحنة من الدخول فعاد إلى تكريت‏.‏ ودخل ابن هبيرة الحلة وبعث العساكر إلى الكوفة وواسط فملكوها وجاءت عساكر السلطان إلـى واسـط فغلبـوا عليهـا عسكـر المقتفـي فتجهـز بنفسـه وانتزعها من أيديهم وسار منها إلى الحلة‏.‏ ثم عاد إلى بغداد في عشر ذي القعدة‏.‏ ثم إن خاص بك المتغلب على السلطان ملك شاه استوحش وتنكر وأراد الاستبداد فبعث عن الملك محمد ابن السلطان محمد بخوزستان سنة ثمـان وأربعيـن فبايعـة أول صفر وأهدى إليه وهو مضمر الفتك فسبقه السلطان محمد لذلك وقتله ثانـي يوم البيعة ايدغدي التركماني المعروف بشملة من أصحاب خاص بك ونهاه عن دخوله إلى السلطان محمد فلم يقبل‏.‏ فلما قتل خاص بك نهب شملة عسكره ولحق بخوزستان‏.‏ وكان خاص بك صبياً من التركمان اتصل بالسلطان مسعود واستخلصه وقدمه على سائر الأمراء‏.‏

حروب المقتفي مع أهل الخلاف وحصار البلاد
ثم بعث المقتفي عساكره لحصار تكريت مع ابن الوزير عون الدين والأمير ترشك من خواصه وغيرهمـا ووقـع بينـه وبيـن ابـن الوزيـر منافـرة خشـي لهـا ترشـك على نفسه فصالح الشحنة صاحب تكريت وقبض على ابن الوزير والأمراء وحبسهم صاحب تكريت وغرق كثير منهم‏.‏ وسار ترشـك والشحنـة إلـى طريـق خراسـان فعاثـوا فيهـا وخـرج المقتفـي فـي اتباعهـم فهربـا بيـن يديه ووصل تكريـت وحاصرهـا أيامـاً‏.‏ ثـم رجع إلى بغداد وبعث سنة تسع وأربعين بتكريت في ابن الوزير وغيره من المأسورين فقبض على الرسول فبعث إليهم عسكراً فامتنعوا عليه‏.‏ فسار المقتفي بنفسـه فـي صفـر مـن سنته وملك تكريت وامتنعت عليه القلعة فحاصرها ورجع في ربيع‏.‏ ثم بعث الوزير عون الدين في العساكر لحصارها واستكثر من الآلات وضيق عليها‏.‏ ثم بلغه الخبر بأن شحنة مسعود وترشك وصلا في العساكر ومعهم الأمير البقش كون وأنهما استحثا الملك محمداً لقصد العراق فلم يتهيأ له فبعث هذا العسكر معهم وانضاف إليهم خلق كثيـر مـن التركمـان فسـار المقتفي للقائهم‏.‏ وبعث الشحنة مسعود عن أرسلان ابن السلطان طغرل بن محمد وكان محبوساً بتكريت فأحضره عنه ليقاتل به المقتفي والتقوا عند عقر بابل فتنازلوا ثمانية عشر يوماً ثم تناجزوا آخر رجب فانهزمت ميمنة المقتفـي إلـى بغـداد ونهبـت خزائنـه وثبـت هو واشتد القتال وانهزمت عساكر العجم وظفر المقتفي بهم وغنم أموال التركمان وسبى نساءهم وأولادهم‏.‏ ولحق البقش كون ببلد المحلو وقلعة المهاكين وأرسلان بـن طغـرل ورجـع المقتفي إلى بغداد أول شعبان‏.‏ وقصد مسعود الشحنة وترشك بلد واسط للعيث فيها فبعث المقتفي الوزير ابن هبيرة في العساكر فهزمهم‏.‏ ثم عاد فلقيه المقتفي سلطان العراق وأرسلان بن طغرل وبعث إليه السلطان محمد في إحضاره عنده‏.‏ ومات البقش في رمضان من سنته وبقي أرسلان مع ابن البقش وحسن الخازنداد فحملاه إلى الجبل ثم سارا به إلى الركن زوج أمه وهو أبو البهلوان وأرسلان وطغـرل الذي قتله خوارزم شاه وكان آخر السلجوقية ثلاثتهم أخوة لأم‏.‏ ثم سار المقتفي سنة خمسيـن إلـى دقوقـا فحاصرهـا أيامـاً ثـم رجـع عنهـا لأنه بلغه أن عسكر الموصل تجهز لمدافعته عنها فرحل‏.‏

استيلاء شملة علي خوزستان
قد ذكرنا من قبل شأن شملة وأنه من التركمان واسمه ايدغدي وأنه كان من أصحاب خاص بك التركماني وهرب يوم قتل السلطان محمد صاحبه خاص بك بعد أن حذره منه فلم يقبل ونجا من الواقعة فجمع جموعاً وسار يريد خوزستان وصاحبهما يومئذ ملك شاه ابن السلطان محمـود بـن محمـد‏.‏ وبعـث المقتفـي عساكـره لذلـك فلقيهـم شملـة في رجب وهزمهم وأسر وجوههم‏.‏ ثـم أطلقهـم وبعـث إلـى الخليفـة يعتذر فقبل عذره وسار إلى خوزستان فملكها من يد ملك شاه ابن السلطان محمود‏.‏

إشارة إلى بعض أخبار السلطان سنجر بخوزستان ومبدأ دولة بني خوارزم شاه
كان السلطان سنجر من ولد السلطان ملك شاه لصلبه ولما استولى بركيارق بن ملك شاه علـى خوزستـان سنـة تسعيـن وأربعمائـة مـن يـد عمـه أرسلـان أرغـون كما نذكر في أخبارهم عند تفردهـا مستوفـى ولـى عليهـا أخـاه سنجـر وولـى علـى خـوارزم محمد بن أنوش تكين من قبل الأمير داود حبشي بن أليوساق‏.‏ ثم لما ظهر السلطان محمد ونازع بركيارق وتعاقبا في الملك وكان سنجـر شقيقاً لمحمد فولاه على خراسان ولم يزل عليها‏.‏ ولما اختلف أولاد محمد من بغده كان عقيـد أمرهـم وصاحـب شوراهـم إذ خلـف لـه ببغـداد مقدمـاً اسمه على اسم سلطان العراق منهم سنـة ثـم خرجـت أمـم الخطـا من الترك من مفازة الصين وملكوا ما وراء النهر من يد الجابية ملوك تركستان سنة ست وثلاثين كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وسار سنجر لمدافعتهم فهزموه فوهن لذلك فاستعد عليه خوارزم شاه بعض الشيء‏.‏ وكان الخلفاء لما ملكوا بلاد تركستان أزعجوا الغز عنها إلى خراسان وهم بقية السلجوقية هناك‏.‏ وأجاز السلجوقية لأول دولتهـم إلـى خراسـان فملكوهـا وبقـي هـؤلاء الغـز بنواحـي تركستـان فأجـازوا أمـام الخطـا إلـى خراسـان وأقامـوا السلطـان بهـا حتـى عتـوا ونمـوا‏.‏ ثـم كثر عيثهم وفسادهم وسار إليهم السلطان سنجر سنة ثمان وأربعين فهزموه واستولوا عليه وأسروه وملكـوا بلـاد خراسان وافترق أمراؤه على النواحي‏.‏ ثم ملكوه وهو أسير في أيديهم ذريعة لنهب البلـاد واستولـوا بـه علـى كثيـر منهـا وهـرب مـن أيديهـم سنـة إحـدى وخمسيـن ولـم يقـدر علـى مدافعتهـم‏.‏ ثم توفي سنة اثنتين وخمسين وافترقـت بلـاد خراسـان علـى أمرائـه كمـا يذكـر فـي أخبارهـم‏.‏ ثـم تغلـب بنـو خوارزم شاه عليها كلها وعلى أصبهـان والـري مـن ورائهـا وعلـى أعمـال غزنـة مـن يـد بنـي سبكتكين وشاركهم فيها النور بعض الشيعة وقام بنو خوارزم شاه مقام السلجوقية إلى أن انقرضت دولتهم على يد جنكزخان ملك التتر من أمم الترك في أوائل المائة السابعة كما يذكر ذلك كله في أخبار كل منهم عندما نفردها بالذكر إن شاء الله تعالى‏.‏

الخطبة ببغداد لسليمان شاه ابن السلطان محمد
وحروبه مع السلطان محمد بن محمود كـان سليمـان بن محمد عند عمه سنجر بخراسان منذ أعوام وقد جعله ولي عهده وخطب له بخراسـان‏.‏ فلمـا غلـب الغـز علـى سنجـر وأسروه تقدم سليمان شاه على العساكر ثم غلبتهم الغز فلحق بخوارزم شاه فصاهره أولاً بابنة أخيه ثم تنكر فسار إلى أصبهان فمنعه شحنتها من الدخول فسار إلى قاشان فبعث إليه السلطان محمد شاه بن محمود فقصد اللحف ونزل على السيد محسن وبعث إلى المقتفي ليستأذنه في القدوم وبعث زوجته وولده رهناً على الطاعة والمناصحة فأذن له وقدم في خف من العساكر ثلثمائة أو نحوها وأخرج الوزير عون الدين بن هبيرة ولده لتلقيه ومعه قاضي القضاة والنقباء ودخل وعلى رأسه الشمسية وخلع عليه‏.‏ ولما كان المحرم من سنة إحدى وخمسين حضر عند المقتفي بمحضر قاضي القضاة وأعيان العباسيين واستحلفه على الطاعة وأن لا يتعرض للعراق‏.‏ ثم خطب له ببغداد وبلقـب أبيـه السلطان محمد وبعث عسكرا نحو ثلاثة آلاف واستقدم داود صاحـب الحلـة فجعـل لـه أمـر الحجابـة وسار نحو الجبل في ربيع‏.‏ وسار المقتفي إلى حلوان وسار إلى ملك شاه بن محمود أخي سليمان صاحب خوزستان فاستحلفه لسليمان شاه وجعله ولي عهده وأمدهما بالمال والأسلحة وساروا إلى همذان وأصبهان وجاءهم المذكر صاحب بلاد أران فكثر جمعهم وبلغ خبرهم السلطان محمد بن محمود فبعث إلى قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل ونائبه زين الدين ليستنجدهما فأجاباه وسار للقاء سليمان شاه وأصحابه فالتقوا في جمادى وانهزم سليمان شاه وافترقت عساكره‏.‏ وسار المذكر إلى بلاده وسار سليمان شاه إلى بغداد وسلك على شهرزور فاعترضه زين الديـن علـي كوجـك نائـب قطـب الديـن بالموصـل وكـان مقطع شهرزور الأمير بران من جهة زين الدين فاعترضاه وأخذاه أسيراً وحمل زين الدين إلى الموصل فحبسه بقلعتها وبعث إلى السلطان محمد بالخبر‏.‏

حصار السلطان محمد بغداد
كـان السلطان محمد قد بعث إلى المقتفي في الخطبة له ببغداد فامتنع من إجابته ثم بايع لعمه سليمان وخطب له وكان ما قدمناه من أمره معه‏.‏ ثم سار السلطان محمد من همذان في العساكـر نحـو العـراق فقـدم فـي ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وجاءته عساكر الموصل مدداً من قبل قطب الدين ونائبه زين الدين واضطربت الناس ببغداد وأرسل المقتفي عـن فضلوبـواش صاحب واسط فجاء في عسكره وملك مهلهل الحلة فاهتم ابن هبيرة بأمر الحصار وجمع السفن تحت الناحي وقطع الجسر وأجفل الناس من الجانب الغربي ونقلت الأموال إلى حريم دار الخلافة‏.‏ فرق المقتفي السلاح في الجند والعامة ومكثوا أياماً يقتتلون ومد لسلطان جسراً على دجلة فعبر على الجانب الشرقي حتى كان القتال في الجانبين‏.‏ ونفذت الأقوات في العسكر واشتد القتال والحصار على أهل بغداد لانقطاع الميرة والظهر من عسكـر الموصـل لـأن نـور الديـن محمـود بـن زنكي وهو أخو قطب الدين الأكبر بعث إلى زين الدين يلومه على قتال الخليفة‏.‏ ثم بلغ السلطان محمداً أن أخاه ملك شاه والمذكر صاحب بلاد أران وأرسلـان ابـن الملـك طغـرل بـن محمـد سـاروا إلـى همـذان وملكوهـا فارتحـل عـن بغـداد في آخر ربيع سنة اثنتين وخمسين‏.‏ وسار إلى همذان وعاد زين الدين كوجك إلى الموصل‏.‏ ولمـا قصـد السلطان محمد همذان صار ملك شاه والمذكر ومن معهما إلى الري فقاتلهم شحنتها آبنايـخ وهزمـوه وأمـده السلطان محمد بالأمير سقمان بن قيماز فسار لذلك ولقيهما منصرفين عن الري قاصدين بغداد فقاتلهما وانهزم أمامهما فسار السلطان في أثرهما إلى خوزستان فلمـا انتهى إلى حلوان جاءه الخبر بأن المذكر بالدينور وبعث إليه ابنايخ بأنه استولى على همذان وأعـاد خطبته فيها فافترقت جموع ملك شاه والمذكر وفارقهم شملة صاحب خوزستان فعادوا هاربين إلى بلادهم وعاد السلطان محمد إلى همذان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:19 AM

حروب المقتفي مع أهل النواحي
كان سنقر الهمذاني صاحب اللحف وكان في هـذه الفتنـة قـد نهـب سـواد بغـداد وطريـق خراسان فسار المقتفي لحربه في جمادى سنة ثلاث وخمسين وضمن له الأمير خطلو برس إصلاحـه فسـار إليـه خالـه على أن يشرك المقتفي معه في بلد اللحف الأمير أزغش المسترشدي فأقطعها لهمـا جميعـاً ورجـع‏.‏ ثـم عـاد سنقـر علـى أزغـش وأخرجـه وانفـرد ببلـده وخطـب للسلطـان محمـد فسـار إليـه خطلـو بـرس من بغداد في العساكر وهزمه وملك اللحف وسار سنقر إلى قلعة الماهكي للأمير قايماز العميدي ونزلها في أربعمائة ألف فارس‏.‏ ثم سار إليه سنقر سنة أربع وخمسين فهزمه ورجع إلى بغداد فخرج المقتفي إلى النعمانية وبعـث العساكر مع ترشك فهرب سنقر في الجبال ونهب ترشك مخلفه وحاصر قلعة الماهكي‏.‏ ثم عاد إلى البندنجين وبعث بالخبر إلى بغداد ولحق سنقر بملك شاه فأمده بخمسمائة فارس وبعـث ترشـك إلـى المقتفـي فـي المـدد فأمده وبعث إليه سنقر في الإصلاح فحبس رسوله وسار إليـه فهزمـه واستبـاح عسكـره ونجـا سنقـر جريحـاً إلـى بلـاد العجـم فأقام بها‏.‏ ثم جاء بها سنة أربع وخمسيـن إلـى بغـداد وألقـى نفسـه تحـت التـاج فرضـي عنه المقتفي وأذن له في دخول دار الخلافة‏.‏ ثـم زحـف إلـى قايمـاز السلطـان فـي ناحية بادرايا سنة ثلاث وخمسين فهزمه وقتله وبعث المقتفي عساكره لقتال شملة فلحق بملك شاه‏.‏

وفاة السلطان محمد بن محمود وملك عمه سلطان شاه
ثم أرسلان بن طغرل ثم إن السلطان محمد بن محمود بن ملك شاه لما رجع عن حصار بغداد أصابه مرض السل وطـال بـه وتوفـي بهمـذان فـي ذي الحجـة سنـة أربـع وخمسيـن لسبـع سنيـن ونصـف مـن ملكـه وكان له ولد فيئس من طاعة الناس له ودفعه لأقسنقر الأحمديلي وأوصاه عليه فرحل به إلى مراغة‏.‏ ولمـا مـات السلطـان محمـد اختلـف الأمـر فيمـن يولونه ومال الأكثر إلى سليمان شاه عمه وطائفة إلى ملك شاه أخيه وطائفة إلى أرسلان ابن السلطان طغرل الذي مع الدكز ببلاد أران‏.‏ وبـادر ملكشاه أخوه فسار من خوزستان ومعه شملة التركماني ودكلا صاحب فارس ورحـل إلـى أصبهـان فأطاعه ابن الخجندي وأنفق عليه الأموال‏.‏ وبعث إلى عساكر همذان في الطاعة فلم يجيبوه وأرسل أكابر الأمراء من همذان إلى قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل في سليمان شاه المحبوس عنده ليولوه عليهم وذلك أول سنة خمس وخمسين فأطلقه على أن يكون أتابكاً له وجمال الدين وزيره وزيراً وجهزه بجهاز السلطنة وبعث معه نائبـه زيـن الديـن علـي كوجـك فـي عسكـر الموصـل‏.‏ فلما قاربوا بلاد الجبل وأقبلت العساكر من كل جهة على السلطان سليمـان ارتـاب كوجـك لذلـك وعـاد إلى الموصل فلم ينتظم أمر سليمان ودخل همذان وبايعوا له وخطب له ببغداد‏.‏ وكثرت جموع ملك شاه بأصبهان وبعث إلى بغداد في الخطبة وأن يقطع خطبة عمه ويراجع القواعد بالعراق إلى ما كانت فوضع عليه الوزير عون الدين بن هبيرة جارية بعث بها إليه فسمته فمات سنة خمس وخمسين فأخرج أهـل أصبهـان أصحابـه وخطبـوا لسليمـان شـاه‏.‏ وعاد شملة إلى خراسان فملك كل ما كان ملك شاه تغلب عليه منها‏.‏ واستقر سليمان شاه بتلك البلاد وشغل باللهو والسكر ومنادمة الصفاعين وفوض الأمور إلى شرف الدين دواداره من مشايخ السلجوقية كان ذا دين وعقل وحسن تربية فشكا الأمراء إليه فدخل عليه وعذله وهو سكـران فأمـر الصفاعيـن بالـرد عليـه وخـرج مغضبـاً‏.‏ وصحـا سليمـان فاستـدرك أمـره بالاعتذار فأظهر القبول واجتنب الحضور عنده‏.‏ وبعث سليمان إلـى ابنايـخ صاحـب الـري يستقدمه فاعتذر بالمرض إلى أن يفيق‏.‏ ونمـي الخبـر إلى كربازة الخادم فعمل دعوة عظيمة حضرها السلطان والأمراء وقبض عليه وعلى وزيره أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي وعلى أصحابه في شوال من سنة ست وخمسين فقتل وزيره وخواصه وحبسه أياماً‏.‏ وخرج ابنايخ صاحب الري ونهب البلاد وحاصر همذان وبعث كردبار إلى الدكز يستدعيه ليبايع لربيبه أرسلان شاه بن طغرل فسار في عشرين ألف فارس ودخل همذان وخطـب لربيبه أرسلان شاه بن طغرل بالسلطنة وجعل الدكز أتابكاً له وأخاه من أمه البهلول ابن الدكز حاجبـاً‏.‏ وبعـث إلـى المقتفـي فـي الخطبـة وأن تعاد الأمور إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود فطـرد رسولـه وعاد إليه على أقبح حالة‏.‏ وبعث إلى ابنايخ صاحب الري فحالفه على الاتفاق وصاهره في ابنته على البهلول وجاءت إليه بهمذان وكان الدكز من مماليك السلطان مسعود وأقطعه أران وبعض أذربيجان ولـم يحضـر شيئـاً مـن الفتنـة وتـزوج أم أرسلـان شـاه وزوجـه طغرل فولدت له محمد البهلوان وعثمان كزل أرسلان‏.‏ ثم بعث الدكز إلى أقسنقر الأحمديلي صاحـب مراغـة فـي الطاعـة لأرسلـان شـاه ربيبـه فأمتنـع وهددهـم بالبيعة للطفل الذي عنده محمود بـن ملـك شـاه‏.‏ وقـد كـان الوزيـر ابـن هبيـرة أطمعـه في الخطبة لذلك تطفل فيما بينهم فجهز الدكز العساكر مع ابنه البهلوان وسار إلى مراغة واستمد أقسنقر ساهرمز صاحب خلاط فأمـده بالعساكر والتقى أقسنقر والبهلوان فانهزم البهلوان وعاد إلى همذان‏.‏ وعاد أقسنقر إلى مراغة ظافراً‏.‏ وكان ملك شاه بن محمود لما مات بأصبهان مسموماً كما ذكرنا لحق طائفة من أصحابه ببلاد فارس ومعه ابنه محمود فقبض عليه صاحب فارس زنكي بن دكلا السلفري بقلعة اصطخر‏.‏ ولما مات بعث الدكز إلى بغداد في الخطبة لربيبه أرسلان وشرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيـى بـن هبيـرة فـي التصريـف بينهـم بعـت ابـن دكـلا وأطمعـه فـي الخطبـة لمحمود بن ملك شاه الذي عنـده أن ظفر بالدكز فأطلقه ابن دكلا وبايع له وضرب الطبل على بابه خمس نوب وبعث إلى ابنايخ صاحب الري فوافقه وسار إليه في عشرة آلاف‏.‏ وبعث إليه أقسنقر الأحمديلي وجمع الدكز العساكر وسار إلى أصبهان يريد بلاد فارس‏.‏ وبعث إلى صاحبها زنكي بن دكلا في الطاعـة لربيبـه أرسلـان فأبـى وقـال إن المقتفي أقطعني بلاده وأنا سائر إليه‏.‏ واستمد المقتفي وابن هبيـرة فواعـدوه وكاتبـوا الأمـراء الذيـن مـع الدكـز بالتوبيـخ علـى طاعتـه والانحراف عنه إلى زنكي بن دكلا صاحب فارس وابنايخ صاحب الري وبدأ الدكز بقصد ابنايخ‏.‏ ثم بلغه أن زنكي بن دكلا نهب سميرم ونواحيها فبعث عسكراً نحواً من عشرة آلاف فارس لحفظها فلقيهم زنكي فهزمهـم فبعـث الدكـز إلـى عساكر أذربيجان فجاء بها ابنه كزل أرسلان‏.‏ وبعث زنكي بن دكلا العساكر إلى ابنايخ ولم يحضر بنفسه خوفاً على بلاد شملة من صاحب خوزستان‏.‏ ثم التقى الدكـز وابنايـخ فـي شعبـان سنـة سـت وخمسين فانهزم ابنايخ واستبيح عسكره وحاصره الدكز ثم صالحه ورجع إلى همذان‏.‏

وفاة المقتفي وخلافة المستنجد
وهـو أول الخلفـاء المستبديـن علـى أمرهـم من بني العباس عند تراجع الدولة وضيق نطاقها ما بين الموصل وواسط والبصرة وحلوان ثـم توفـي المقتفـي لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر في ربيع الأول سنة خمس وخمسين لأربع وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وهو أول من استبد بالعراق منفرداً عن سلطان يكـون معـه مـن أول أيـام الديلم فحكم على عسكره وأصحابه فيما بقي لمملكتهم من البلدان بعد استبـداد الملـوك فـي الأعمـال والنواحـي‏.‏ ولمـا اشتد مرضه تطاول كل من أم ولده إلى ولاية ابنها‏.‏ وكانت أم المستنجد تخاف عليه وأم أخيه علي تروم ولاية أبنها واعتزمت على قتل المستنجد واستدعته لزيارة أبيه وقد جمعت جواريها وآتت كل واحدة منهن سكيناً لقتله وأمسكت هي وابنهـا سيفيـن وبلـغ الخبـر إلـى يوسـف المستنجـد فأحضـر إستـادار أبيه وجماعة من الفراشين وأفرغ السلاح ودخل معهم الدار وثار به الجواري فضرب إحداهن وأمكنها فهربوا وقبض على أخيه علـى وأمـه فحبسهـا وقسـم الجـواري بيـن القتـل والتغريق حتى إذا توفى المقتفي جلس للبيعة فبايعه أقاربه أولهم عمه أبو طالب ثم الوزير عون الدين بن هبيرة وقاضي القضاة وأرباب الدولة والعلماء وخطب لـه‏.‏ وأقـر ابـن هبيـرة علـى الـوزارة وأصحـاب الولايـات علـى ولايتهـم وأزال المكوس والضرائب وقرب رئيس الرؤسـاء وكـان استـادار فرفـع منزلتـه عبـد الواحـد المقتفـي وبعـث عـن الأميـر ترشـك سنة ست وخمسين من بلد اللحف وكان مقتطعاً بها فاستدعاه لقتال جمـع مـن التركمـان أفسـدوا فـي نواحـي البندنجيـن فامتنـع من المجيء وقال‏:‏ يأتيني العسكر وأنا أقاتل بهـم فبعـث المستنجـد العساكـر مـع جماعـة مـن الأمـراء فقتلوه وبعثوا برأسه إلى بغداد‏.‏ ثم استولى بعـد ذلـك علـى قلعـة الماهكـي من يد مولى سنقر الهمذاني ولاه عليها سنقر وضعف عن مقاومة التركمان والأكراد حولها فاستنزله المستنجد عنهـا بخمسـة عشـر ألـف دينـار وأقـام ببغـداد‏.‏ وكانت هذه القلعة أيام المقتدر بأيدي التركمان والأكراد‏.‏ اجتمعت خفاجة سنة ست وخمسين إلى الحلة والكوفة وطالبوا برسومهم من الطعام والتمر وكـان مقطـع الكوفـة أرغـش وشحنـة الحلة قيصر وهما من مماليك المستنجد فمنعوهما فعاثوا في تلك البلاد والنواحي فخرجوا إليهم في أثرهم واتبعوهم إلى الرحبة فطلبوا الصلح فلم يجبهم أرغـش ولا قيصـر فقاتلوهـم فانهزمـت العساكر وقتل قيصر وخرج أرغش ودخل الرحبة فاستأمـن لـه شحنتهـا وبعثـوه إلـى بغـداد‏.‏ ومـات أكثـر النـاس عطشاً في البرية وتجهز عون الدين بن هبيـرة فـي العساكـر لطلـب خفاجة فدخلوا البرية ورجع وانتهت خفاجة إلى البصرة وبعثوا بالعدو وسألوا الصلح فأجيبوا‏.‏

إجلاء بني أسد من العراق
كـان فـي نفـس المستنجـد باللـه مـن بنـي أسـد أهـل الحلـة شـيء لفسادهـم ومساعدتهـم السلطـان محمد فـي الحصـار فأمـر يزدن بن قماج بإجلائهم من البلاد وكانوا منبسطين في البطائح فجمع العساكر وأرسـل إلـى ابـن معروف فقدم السفن وهو بأرض البصرة فجاءه في جموع وحاصرهم وطاولهم فبعـث المستنجـد يعاتبـه ويتهمـه بالتشيـع فجـز هـو وابـن معـروف فـي قتالهـم وسـد مسالكهـم فـي الماء فاستسلموا وقتل منهم أربعة آلاف ونودي عليهم بالملا من الحلة فتفرقوا في البلاد ولم يبق الفتنة بواسط وما جرت إليه كان مقتطـع البصـرة منكبـرس مـن موالـي المستنجـد وقتلـه سنـة تسـع وخمسيـن وولـى مكانـه كمستكيـن وكـان ابـن سنكـاه ابن أخي شملة صاحب خوزستان فانتهز الفرصة في البصرة ونهب قراها وأمر كمستكين بقتاله فعجز عن إقامة العسكر وأصعد ابن سنكاه إلى واسط ونهب سوادها‏.‏ وكان مقتطعها خطلو برس فجمع الجموع وخرج لقتاله واستمال ابن سنكاه الأمراء الذين معه فخذلوه وانهزم وقتله ابن سنكاه سنة إحدى وستين ثم قصد البصرة سنة اثنتين وستين ونهب جهتها الشرقية وخرج إليه كمستكين وواقعـه وسـار ابـن سنكـاه إلـى واسـط وخافه الناس ولم يصل إليها‏.‏

مسير شملة إلى العراق
سـار شملـة صاحـب خوزستـان إلـى العـراق سنة اثنتين وستين وانتهى إلى قلعة الماهكي وطلب من المستنجد إقطاع البلاد واشتط في الطلب فبعث المستنجـد العساكـر لمنعـه وكتـب إليـه يحـذره عاقبة الخلاف فاعتذر بأن الدكز وربيبه السلطان أرسلان شاه أقطعا الملك الذي عنده وهو ابن ملك شاه بلاد البصرة وواسط والحلة وعرض للتوقيع بذلك وقال أنا أقنع بالثلث منه فأمـر المستنجـد حينئـذ بلعنـه وأنـه مـن الخـوارج وتعبـت العساكـر إلـى أرغمـش المسترشـدي بالنعمانيـة وإلـى شـرف الديـن أبـي جعفـر البلدي ناظر واسط ليجتمعا على قتال شملة وكان شملة أرسـل مليـح ابـن أخيـه فـي عسكـر لقتـال بعـض الأكراد فركب إليه أرغمش وأسره وبعض أصحابه وبعـث إلـى بغـداد وطلب شملة الصلح فلم يجب إليه‏.‏ ثم مات أرغمش من سقطة سقطها عن فرسه وبقي العسكر مقيماً ورجع شملة إلى بلاده لأربعة أشهر من سفره‏.‏

وفاة الوزير يحيى
ثـم توفـي الوزيـر عـون الديـن يحيـى بـن محمـد بـن المظفـر بن هبيرة سنة ستين وخمسمائة في جمادى الأولى وقبض المستنجد على أولاده وأهله وأقامت الوزارة بالنيابة‏.‏ ثم استوزر المستنجـد سنـة ثلاث وستين شرف الدين أبا جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدي ناظر واسط وكان عضد الدين أبو الفرج بن دبيس قد تحكم في الدولة فأمره المستنجد بكف يده وأيدي أصحابه وطالب الوزير أخاه تاج الدين بحساب عمله بنهر الملك من أيام المقتفي وكذلك فعل بغيره فخافه العمال وأهل الدولة وحصل بذلك أموالاً جمة‏.‏

وفاة المستنجد وخلافة المستضيء
كان الخليفة المستنجد قد غلـب علـى دولتـه استـاذدار عضـد الديـن أبـو الفـرج ابـن رئيـس الرؤسـاء وكـان أكبـر الأمـراء ببغـداد وكـان يرادفـه قطب الدين قايماز المظفري‏.‏ ولما ولى المستنجـد أبـا جعفـر البلـدي علـى وزارتـه غـض مـن استاذدار وعارضه في أحكامه فاستحكمت بينهمـا العداوة وتنكر المستنجد لاستاذدار وصاحبه قطب الدين فكانا يتهمان بأن ذلك بسعاية الوزيـر‏.‏ ومـرض المستنجـد سنة ست وستين وخمسمائة واشتد مرضه فتحيلا في إهلاكه يقال إنهمـا واضعـاً عليـه الطبيـب وعلم أن هلاكه في الحمام فأشار عليه بدخوله فدخله وأغلقوا عليه بابـه فمـات‏.‏ وقيـل كتـب المستنجـد إلى الوزير ابن البلدي بالقبض على استاذدار وقايماز وقتلهما وأطلعهما الوزير على كتابه فاستدعيـا يـزدن وأخـاه يتمـاش وفاوضهمـا وعرضـا عليهـم كتابـه واتفقـوا علـى قتلـه فحملـوه إلـى الحمام وأغلقوا عليه الباب وهو يصيح إلى أن مات تاسع ربيع من سنة ست وستين لإحدى عشرة سنة من خلافته‏.‏ ولما أرجف بموته قبل أن يقبض ركب الأمراء والأجناد متسلحين وغشيتهم العامة واحتفـت بهم وبعث إليه استاذدار بأنه إنما كان غشياً عرضاً وقد أفاق أمير المؤمنين وخف ما به فخشـي الوزيـر مـن دخول الجند إلى دار الخلافة فعاد إلى داره وافترق الناس‏.‏ فعند ذلك أغلق استاذدار وقايماز أبواب الدار وأحضر ابن المستنجد أبا محمد الحسن‏.‏ وبايعاه بالخلافة ولمباه المستضيء بأمر الله وشرطا عليه أن يكون عضد الدين وزيـراً وابنـه كمـال الديـن استـاذادر وقطـب قايمـاز أميـر العسكـر فأجابهـم إلـى ذلـك وبايعـه أهـل بيتـه البيعـة الخاصـة‏.‏ ثـم توفـي المستنجـد وبايعه الناس من الغد في التاج البيعة العامة وأظهر العدل وبذل الأموال وسقط في يد الوزير وندم على ما فرط واستدعي للبيعة فلما دخل قتلوه‏.‏ وقبض المستضيء على القاضي ابن مزاحـم وكان ظلوماً جائراً واستصفاه ورد الظلامات منه على أربابها وولى أبا بكر بن نصر بن العطار صاحب المخزن ولقبه ظهير الدين‏.‏

انتقاض الدولة العلوية بمصر
وعود الدعوة العباسية إليها ولأول خلافة المستضيء كان انقراض الدولة العلوية بمصر والخطبة بهـا للمستضـيء مـن بنـي العباس في شهر المحرم فاتح سنة سبع وستين وخمسمائة قبل عاشوراء وكان آخر الخلفاء العبيدييـن بهـا العاضد لدين الله من أعقاب الحافظ لدين الله عبد المجيد وخافوا المستضيء معه ثامن خلفائهم وكان مغلباً لوزارته‏.‏ واستولى شاور منهم وثقلت وطأته عليهم فاستقدم ابن شوار من أهل الدولة من الاسكندرية وفر شاور إلى الشام مستنجداً بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكي من أقسنقر وكان من مماليك السلجوقية وأمرائهم المقيمين للدعوة العباسية‏.‏ وكـان صلـاح الديـن يوسف بن نجم أيوب بن الكردي هو وأبوه نجم الدين أيوب وعمه أسد الدين شيركـوه في جماعة من الأكراد في خدمة نور الدين محمود بالشام‏.‏ فلما جاء شاور مستنجداً بعث معه هؤلاء الأمراء الأيوبية وكبيرهم أسد فأعاده إلى وزارته وقتل الضرغام ولم يوف له شاور بما ضمن له عند مسيره من الشام في نجدته‏.‏ وكان الفرنج قد ملكوا سواحل مصر والشام وزاحموا ما يليها من الأعمال وضيقوا على مصر والقاهرة إلى أن ملكوا بلبيس وأيلـه عنـد العقبـة‏.‏ واستولـوا علـى الدولـة العلويـة فـي الضرائـب والطلبات وأصبحوا مأوى لمن ينحني عن الدولـة‏.‏ وداخلهـم شـاور في مثل ذلك فارتاب به العاضد وبعث عز الدين مستصرخاً به على الفرنج في ظاهر أمره ويسرحون في ارتعاء من إباة شاور والتمكن منه فوصل لذلك وولاه العاضد وزارته وقلده ما وراء بابه فقتـل الوزيـر شـاور وحسـم داءه وكـان مهلكـه قريبـاً مـن وزارته يقال لسنة ويقال لخمسين يوماً فاستوزر العاضد مكانه صلاح الديـن ابـن أخيـه نجـم الدين فقام بالأمر وأخذ في إصلاح الأحوال وهو يعد نفسه وعمه من قبله نائباً عن نور الدين محمود بن زنكي الذي بعثه وعمه للقيام بذلك‏.‏ ولما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين ضعف أمر العاضد وتحكم صلاح الدين في أموره وأقام خادمه قراقوش للولاية عليه في قصره والتحكم عليه فبعث إليه نور الدين محمود الملك العادل بالشام أن يقطع الخطبة للعاضد ويخطب للمستضيء ففعل ذلك علـى توقـع النكيـر مـن أهـل مصر‏.‏ فلما وقع ذلك ظهر منه الاغتباط وانمحت آثار الدولة العلوية وتمكنت الدولة العباسية فكان ذلك مبدأ الدولة لبني أيوب بمصـر‏.‏ ثـم ملكـوا مـن بعدهـا أعمـال نـور الديـن بالشـام واستضافـوا اليمـن وطرابلـس الغـرب واتسـع ملكهـم كمـا يذكـر في أخبارهم‏.‏ ولما خطب للمستضيء بمصر كتب له نور الدين محمود من دمشق مبشراً بذلك فضربت البشائر ببغداد وبعث بالخلع إلى نور الدين وصلاح الدين مع عماد الدين صندل مـن خـواص المقتفويـة وهـو أستـاذدار المستضـيء فجـاء إلـى نـور الديـن بدمشق وبعث الخلع إلى صلاح الدين وللخطباء بمصر وبإسلـام السـواد‏.‏ واستقـرت الدعـوة العباسيـة بمصر إلى هذا الجهد والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏ ثم بعث نور الدين محمود إلى المستضيء رسوله القاضي كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله الشهرزوري قاضي بلاده يطلب التقليد لما بيده من الأعمال وهي مصر والشام والجزيرة والموصل وبما هو في طاعته كديار بكر وخلاط وبلاد الروم التي لقليـج أرسلـان وأن يقطـع صريعين ودرب هارون من بلاد سواد العراق كما كانتا لأبيه فأكرم الرسول وزاد في الإحسان خبر يزدن من أمراء المستضيء كان يزدن قد ولاه المستضيء الحلة فكانت في أعماله وكانت حمايتها لخفاجة وبني حزن منهم فجعلها يزدن لبني كعب منهم وأمرهم الغضبان فغضب بنو حزن وأغاروا عليهم على السواد وخـرج يـزدن فـي العسكـر لقتالهـم ومعه الغضبان وعشيرة بنو كعب فبينما هم ليلة يسيرون رمي الغضبان بسهم فمات فعادت العساكر إلى بغداد وأعيدت حفاظة السواد إلى بني حزن‏.‏ ثم مات يزدن سنة ثمان وستين وكانت واسط من إقطاعه فاقتطعت لأخيه ايتامش ولقب علاء الدين‏.‏

مقتل سنكاه بن أحمد أخي شملة
قد ذكرنا في دولة المستنجد فتنة سنكاه هذا وعمه شملة صاحب خوزستان‏.‏ ثم جاء ابن سنكاه إلى قلعة الماهكي فبنى بإزائها قلعة ليتمكن بها من تلك الأعمال فبعث المستضيء العسكر من بغداد لمنعه فقاتلهم واشتد قتاله‏.‏ ثم انهزم وقتل وعلق رأسه ببغداد وهدمت القلعة‏.‏

وفاة قايماز وهربه
قد ذكرنا شأن قطب الدين قايماز وأنه الذي بايع للمستضيء وجعلـه أميـر العسكـر وجعلـه عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء وزيراً‏.‏ ثم استفحل أمر قايماز وغلب على الدولة وحمل المستضيء على عزل عضد الدين أبي الفرج من الوزارة فلم يمكنه مخالفته وعزله سنة سبـع وستين فأقام معزولاً‏.‏ وأراد الخليفة سنة تسع وتسعين أن يعيده إلى الوزارة فمنعه قطب الدين من ذلك وركب فأغلق المستضيء أبواب داره مما يلي بغداد وبعث إلى قايماز ولاطفه بالرجوع فيما هم من وزارة عضد الدين فقال لا بد من إخراجه من بغداد فاستجار برباط شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيـل فأجـاره واستطـال قايمـاز علـى الدولـة وأصهر على علاء الدين يتامش في أخته فزوجها منه وحملوا الدولة جميعاً‏.‏ ثم سخط قايماز ظهير الدين بن العطار صاحب المخزن وكان خاصاً بالخليفة وطلبه فهرب فأحرق داره وجمع الأمراء فاستحلفهم على المظاهرة وأن يقصدوا دار المستضيء ليخرجوا منها ابن العطار فقصد المستضيء على سطح داره وخدامه يستغيثون ونادى في العامـة بطلـب قايماز ونهب داره فهـرب مـن ظهـر بيتـه ونهبـت داره وأخـذ منهـا مـا لا يحصـى مـن الأمـوال‏.‏ واقتتل العامة على ولحق قايماز بالحلة وتبعه الأمراء وبعث إليه المستضيء شيخ الشيوخ عبد الرحيم ليسير عن الحلة إلى الموصل تخوفاً من عوده إلى بغداد فيعود استيلاؤه لمحبة العامة فيه وطاعتهـم لـه فسـار إلـى الموصـل وأصابـه ومـن معـه فـي الطريـق عطـش فهلك الكثير منهم وذلك في ذي الحجـة من سنة سبعين‏.‏ وأقام صهره علاء الدين يتامش بالموصل‏.‏ ثم استأذن الخليفة في القدوم إلى بغداد فقدم وأقام بها عاطلاً بغير إقطاع وهو الذي حمل قايماز على ما كان منه وولى الخليفة أستاذ داره سنجر المقتفوي ثم عزله سنة إحدى وسبعين وولى مكانه أبا الفضل هبة الله بن علي بن الصاحب‏.‏

فتنة صاحب خوزستان
قد ذكرنا أن ملك شاه بن محمود بن السلطان محمد استقر بخوزستان وذكرنا فتنة شملة مع الخلفـاء‏.‏ ثـم مـات شملـة سنة سبعين وملك ابنه مكانه‏.‏ ثم مات ملك شاه بن محمود وبقي ابنه بخوزستـان فجـاء سنـة اثنتيـن وسبعيـن إلـى العـراق وخـرج إلـى البندنجيـن وعاث في الناس‏.‏ وخرج الوزيـر عضـد الديـن أبـو الفـرج فـي العساكـر ووصـل عسكـر الحلـة وواسـط مـع طاش تكين أمير الحاج وغـز علـي وسـاروا للقاء العدو وكان معه جموع من التركمان فأجفلوا ونهبتهم عساكر بغداد‏.‏ ثم ردهـم الملـك ابـن ملـك شـاه وأوقعـوا بالعسكـر أيامـاً ثم مضى الملك إلى مكانه وعادت العساكر إلى بغداد‏.‏ قد ذكرنا أخبار الوزير عضد الدين أبي الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيـس الرؤسـاء أبـي القاسـم بن المسلمة كان أبوه أستاذ دار المقتفي‏.‏ ولما مات ولي ابنه مكانه‏.‏ ولمـا مات المقتفي أقره المستنجد ورفع قدره ثم استوزره المستضيء وكان بينه وبين قايماز ما قدمناه وأعاد المستضيء للوزارة فلما كانت سنة ثلاث وسبعين استأذن المستضيء في الحج فأذن له وعبر دجلة فسافر في موكب عظيم من أرباب المناصب واعترضه متظلم ينـادي بظلامته ثم طعنه فسقط وجاء ابن المعوذ صاحب الباب ليكشف خبره فطعن الآخر وحملا إلـى بيتهمـا فماتـا‏.‏ وولـي الوزيـر ظهيـر الديـن أبـو منصـور بـن نصـر ويعـرف بابـن العطـار فاستولـى على الدولة وتحكم فيها‏.‏

وفاة المستضيء وخلافة الناصر
ثـم توفـي المستضـيء بأمـر الله أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد في ذي القعدة سنة خمس وسبعين لتسع سنين ونصف من خلافته وقام ظهير الدين العطار في البيعة لابنه أبي العباس أحمـد ولقبـه الناصـر لديـن اللـه فقـام بخلافتـه وقبـض علـى ظهيـر الديـن بـن العطار وحبسه واستصفاه‏.‏ ثم أخرجه من عشر ذي القعدة من محبسه ميتاً‏.‏ وفطن به العامة‏.‏ فتناوله العامة وبعثوا به وتحكم في الدولة أستاذ دار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب وكان تولى أخذ البيعة للناصر مع ابن العطار وبعث الرسل إلى الآفاق لأخذ البيعة وسار صدر الدين شيخ الشيـوخ إلـى البهلـوان صاحـب همـذان وأصبهـان والـري فامتنـع مـن البيعـة فأغلظ له صدر الدين في القـول‏.‏ وحـرض أصحابـه علـى نقـض طاعتـه إن لـم يبايـع فاضطـر إلـى البيعـة والخطبـة‏.‏ ثـم قبـض سنـة ثلاث وثمانين على أستاذ دار أبي الفضل ابن الصاحب وقتله من أجل تحكمه وأخذ له أموالاً عظيمة‏.‏ وكان الساعي فيه عند الناصر عبيد الله بن يونس من أصحابه وصنائعه فلم يزل يسعى فيه عند الناصر حتى أمر بقتله واستوزر ابن يونس هذا ولقبه جلال الدين وكنيته أبو المظفر ومشى أرباب الدولة في خدمته حتى قاضي القضاة‏.‏ هدم دار السلطنة ببغداد وانقراض ملوك السلجوقية قد ذكرنا فيما تقدم ملك أرسلان شاه بن طغرل ربيب الدكز واستيلاء الدكز عليه وحروبه مـع ابنايـخ صاحـب الـري‏.‏ ثـم قتلـه سنـة أربـع وستيـن واستولـى علـى الـري‏.‏ ثـم توفي الدكز الأتابك بهمـذان سنـة ثمـان وستين وقام مكانه ابنه محمد البهلوان وبقي أخوه السلطان أرسلان بن طغرل فـي كفالتـه‏.‏ ثـم مـات سنـة ثلـاث وستيـن ونصـب البهلـوان مكانـه ابنـه طغـرل‏.‏ ثم توفي البهلوان سنة اثنتيـن وثمانيـن وفـي مملكتـه همـذان والـري وأصبهـان وأذربيجـان وأرانيـة وغيرهـا وفـي كفالتـه السلطان طغرل بن أرسلان‏.‏ ولما مات البهلوان قام مكانه أخوه كزل أرسلان ويسمى عثمان فاستبد طغـرل وخـرج عـن الكفالـة ولحق به جماعة من الأمراء والجند واستولى على بعض البلاد ووقعت بينـه وبيـن كـزل حـروب‏.‏ ثـم قـوي أمـر طغرل وكثر جمعه وبعث كزل إلى الناصر يحذره من طغرل ويستنجده ويبذل الطاعة على ما يختاره المستضيء رسوله فأمر بعمارة دار السلطنة ليسكنهـا‏.‏ وكانت ولايتهم ببغداد والعراق قد انقطعت منذ أيام المقتفي فأكرم رسول كزل وعده بالنجدة وانصرف رسول طغرل بغير حرب‏.‏ وأمر الناصر بهدم دار السلطنة ببغـداد فمحـا أثرهـا‏.‏ ثـم بعـث الناصـر وزيـره جلـال الديـن أبا المظفر عبيد الله بن يونس في العساكر لإنجاد كزل ومدافعـة طغـرل عـن البلـاد فسـار لذلـك فـي صفـر لسنـة أربـع وثمانيـن واعترضهـم طغرل على همذان قبل اجتماعهم بكزل واقتتلوا ثامن ربيع وانهزمت عساكر بغداد وأسروا الوزير‏.‏ ثم استولى كزل على طغرل وحبسه ببعض القلاع ودانت له البلاد وخطب لنفسه بالسلطنة وضرب النوب الخمس‏.‏ ثم قتل على فراشه سنة سبع وثمانين ولم يعلم قاتله‏.‏

استيلاء الناصر على النواحي
توفي الأمير عيسى صاحب تكريت سنة خمس ثمانين قتله إخوته فبعـث الناصـر العساكـر فحصروها حتى فتحوها على الأمان وجاؤوا بإخوة عيسى إلى بغداد فسكنوها وأقطع لهم السلطـان‏.‏ ثـم بعـث سنـة خمـس وثمانيـن عساكـره إلـى مدينـة غانـة فحاصروهـا مـدة وقاتلوها طويلاً‏.‏ ثم جهدهم الحصار فنزلوا عنها على الأمان واقطاع عيونها ووفى لهم الناصر بذلك‏.‏ نهب العرب البصرة كانت البصرة في ولاية طغرل مملوك الناصـر كـان مقطعهـا واستنـاب بهـا محمـد بـن إسماعيـل واجتمـع بنـو عامـر بـن صعصعـة سنة ثمان وثمانين وأميرهم عميرة قصدوا البصرة للنهب والعيث‏.‏ وخـرج إليهـم محمـد بـن إسماعيـل في صفر فقاتلهم سائر يومه‏.‏ ثم ثلموا في الليل ثلماً في السور ودخلوا البلد وعاثوا فيها قتلاً ونهباً‏.‏ ثم بلغ بني عامر أن خفاجة والمشفق ساروا لقتالهـم فرحلـوا إليهـم وقاتلوهـم فهزموهم وغنموا أموالهم وعادوا إلى البصرة وقد جمع الأمير أهل السواد فلم يقوموا للعرب وانهزموا ودخل العرب البصرة فنهبوها ورحلوا عنها‏.‏

استيلاء الناصر على خوزستان ثم أصبهان والري وهمذان
كـان الناصـر قـد استنـاب فـي الـوزارة بعد أسر ابن يونس مؤيد الدين أبا عبد اله محمد بن علي المعـروف بابـن القصاب وكان قد ولي الأعمال في خوزستان وغيرها وله فيها الأصحاب‏.‏ ولما توفي صاحبها شملة واختلف أولاده راسله بعضهم في ذلك فطلب من الناصر أن يرسل معه العساكـر ليملكهـا فأجابـه وخـرج فـي العساكـر سنة إحدى وتسعين وحارب أهل خوزستان فملك أولاً مدينـة تستر‏.‏ ثم ملك سائر الحصون والقلاع وأخذ بني شملة ملوكها فبعث بهم إلى بغداد وولى الناصر على خوزستان طاش تكين مجير الدين أمير الحاج‏.‏ ثـم سار الوزير إلى جهات الري سنة إحدى وتسعين وجاءه قطلغ ابنايخ بن البهلوان وقد غلبه خـوارزم شاه وهزمه عند زنجان وملك الري من يده‏.‏ وجاء قطلغ إلى الوزير مؤيد ورحل معه إلى همذان وبها ابن خوارزم شاه في العساكر فأجفل عنها إلى الري وملك الوزير همذان ورحل في اتباعهم وملك كل بلد مروا بها إلى الري‏.‏ وأجفل عسكر خوارزم إلى دامغان وبسطـام وجرجـان‏.‏ ورجـع الوزيـر إلـى الـري فأقـام بهـا‏.‏ ثـم انتقـض قطلـغ بـن البهلـوان وطمـع في الملك فامتنع بالري وحاصره الوزير فخرج عنها إلى مدينة آوة فمنعهم الوزير منها ورحل الوزير في أثرهم من الري إلى همذان وبلغه أن قطلغ قصد مدينة الكرج فسار إليه وقاتله وهزمه ورجع إلـى همـذان فجـاءه رسـول خـوارزم شاه محمد تكش بالنكير على الوزير في أخذ البلاد ويطلب إعادتهـا فلـم يجبـه الوزيـر إلـى ذلـك فسار خوارزم شاه إلى همذان وقد توفي الوزير ابن القصاب خلـال ذلـك فـي شعبـان سنـة اثنتيـن وتسعيـن فقاتـل العساكـر التي كانت معه بهمذان وهزمهم وملك همذان وترك ولده بأصبهان وكانوا يبغضون الخوارزمية فبعث صدر الدين الخجندي رئيس الشافعية إلى الديوان ببغداد يستدعي العساكر لملكها فجهز الناصر العساكر مع سيف الدين طغرل يقطع بلد اللحف من العراق وسار فوصل أصبهان ونزل ظاهر البلد وفارقها عسكر الخوارزمية فملكها طغرل وأقام فيها الناصر وكان من مماليك البهلوان‏.‏ ولما رجع خوارزم شاه إلى خراسان اجتمعوا واستولوا على الري وقدموا عليهم كركجة من أعيانهم وساروا إلى أصبهان فوجـدوا بهـا عسكـر الناصـر وقـد فارقهـا عسكـر الخوارزميـة فملكوا أصبهان وبعث كركجة إلى بغداد بالطاعة وأن يكون له الري وساوة وقم وقاشان‏.‏ ويكون للناصر أصبهان وهمذان وزنجان وقزوين فكتب له بما طلب وقوي أمره‏.‏ ثـم وصـل إلـى بغـداد أبـو الهيجـاء السميـن مـن أكابـر أمـراء بنـي أيـوب وكـان في إقطاعه بيت المقدس وأعمالـه فلمـا ملـك العزيـز والعـادل مدينة دمشق من الأفضل بن صلاح الدين عزلوا أبا الهيجاء عن القـدس فسـار إلـى بغـداد فأكرمـه الناصـر وبعثـه بالعساكـر إلى همذان سنة ثلاث وتسعين فلقي بها أزبـك بـن البهلـوان وأميـر علم وابنه قطلمش وقد كاتبوا الناصر بالطاعة فداخل أمير علم وقبض علـى أزبـك وابـن قطلمـش بموافقتـه وأنكر الناصر ذلك على أبي الهيجاء وأمره بإطلاقهم‏.‏ وبعث إليهم بالخلع فلم يأمنوا وفارقوا أبا الهيجاء فخشي من الناصر ودخل إلى اربل لأنه كان من أكرادها ومات قبل وصوله إليها‏.‏ وأقام كركجة ببلاد الجبل واصطنع رفيقه أيدغمش واستخلصه ووثق به فاصطنع أيدغمـش المماليك وانتقض عليه آخر المائة السادسة وحاربه فقتله واستولى على البلاد‏.‏ ونصب أزبك بـن البهلـوان للملـك وكفلـه‏.‏ ثـم توفـي طـاش تكيـن أميـر خوزستـان سنـة اثنتيـن وستمائـة وولى الناصر مكانه صهره سنجر وهو من مواليه‏.‏ وسار سنجر سنة ثلاث وستمائة إلى جبال تركستان جبال منيعة بين فارس وعمان وأصبهان وخوزستان وكان صاحب هذه الجبال يعرف بأبي طاهـر وكان للناصر مولى اسمه قشتمر من أكابر مواليه ساءه وزير الدولة ببعض الأحوال فلحق بأبي طاهر صاحب تركستان فأكرمه وزوجه بابنته‏.‏ ثم مات أبو طاهر فأطاع أهل تلك الولاية قشتمر وملك عليهم وبعث الناصـر إلـى سنجـر صاحـب خوزستان يعضده في العساكر فسار إليه وبذل له الطاعة على البعد‏.‏ فلم يقبل منه فلقيه وقاتله فانهزم سنجر وقوي قشتمر على أمره وأرسل إلى ابن دكلا صاحب فارس وإلى أيدغمش صاحب الجبل فاتفق معهما على الامتناع على الناصر واستمر حاله‏.‏ كان نصير الدين ناصر بن مهدي العلوي من أهل الري من بيت إمارة وقدم إلى بغداد عندما ملـك الوزيـر ابـن القصاب الري فأقبل عليه الخليفة وجعله نائب الوزارة‏.‏ ثم استوزره وجعل ابنه صاحـب المخـزن فتحكم في الدولة وأساء إلى أكابر موالي الناصر فلما حج مظفر الدين سنقر المعـروف بوجـه السبـع سنـة ثلاث وستمائة وكان أميراً ففارق الحاج ومضى إلى الشام وبعث إلى الناصر أن الوزير ينفي عليك مواليك ويريد أن يدعي الخلافة فعزله الناصر وألزمه بيته‏.‏ وبعث من كل شيء ملكه ويطلب الإقامة بالمشهد فأجابه الناصر بالأمان والاتفاق وأن المعزلة لم لكن لذنب وإنما أكثر الأعداء المقالات فوقع ذلك‏.‏ واحترز لنفسه موضعاً ينتقل إليه موقراً محترماً فاختار أيالة الناصر خوفاً أن يذهب الأعداء بنفسه‏.‏ ولمـا عـزل عـاد سنقر أمهر الحاج وعاد أيضا قشتمر وأقيم نائباً في الوزارة فخر الدين أبو البدر ومحمد بن أحمد بن اسمينا الواسطي ولم يكن له ذلك التحكم وقارن ذلك وفـاة صاحـب المخـزن ببغـداد أبـو فـراس نصـر بـن ناصـر بـن مكـي المدائنـي فولـى مكانـه أبـو الفتـوح المبارك بن عضد الديـن أبـي الفـرج بـن رئيس الرؤساء وأعلى محله وذلك في المحرم سنة خمس وستمائة‏.‏ ثم عزل آخر السنة لعجزه ثم عزل في ربيع من سنة ست وستمائة فخر الدين بن اسمينا ونقل إلى المخزن وولى نيابة الوزارة مكانه مكين الدين محمد بن محمد بن محمد بن بدر القمر كاتب

ميارى 7 - 8 - 2010 05:22 AM

انتقاض سنجر بخوزستان
قـد ذكرنـا ولايـة سنجر مولى الناصر على خوزستان بعد طاش تكين أمير الحاج ثم استوحش سنة ست وستمائـة واستقدمـه الناصـر فاعتـذر فبعـث إليـه العساكـر مـع مؤيـد الديـن نائـب الوزارة وعز الدين بن نجاح الشرابي من خواص الخليفة‏.‏ فلما قاربته العساكر لحق بصاحب فارس أتابك سعد بن دكلا فأكرمه ومنعه ووصلت عساكر الخليفة خوزستان في ربيع من سنته وبعثوا إلـى سنجـر فـي الرجـوع إلـى الطاعـة فأبـى وسـاروا إلـى أرجـان لقصـد ابـن دكـلا بشيـراز والرسـل تتـردد بينهـم‏.‏ ثـم رحلوا في شوال يريدون شيراز فبعث ابن دكلا إلى الوزير والشرابي بالشفاعة في سنجـر واقتضـاء الأمـان لـه فأجابـوه إلـى ذلـك وأعـادوا سنجـر إلـى بغـداد فـي المحـرم سنـة ثمـان وستمائـة ودخلـوا بـه مقيـداً‏.‏ وولـى الناصـر مولـاه ياقوتاً أمير الحاج على خوزستان‏.‏ ثم أطلق الناصر سنجر في صفر من سنة ثمان وستمائة وخلع عليه‏.‏

استيلاء منكلي على بلد الجبل وأصبهان وهرب أيدغمش ثم مقتله
ومقتل منكلي وولاية أغلمش قد ذكرنا استيلاء أيدغمش من أمراء البهلوانية على بلاد الجبل‏:‏ همذان وأصبهان والري وما إليها فاستفحل فيها وعظم شأنه وتخطى إلى أذربيجان وأرانية فحاصر صاحبها أزبك بن البهلوان‏.‏ ثم خرج سنة ثمان وستمائة منكلي مـن البهلوانيـة ونازعـه الملـك وأطاعـه البهلوانيـة فاستولـى علـى سائـر تلـك الأعمال‏.‏ وهرب شمس الدين أيدغمش إلى بغداد وأمر الناصر بتلقيه فكـان يومـاً مشهـوداً‏.‏ وخشـي منكلـي من اتصاله فأوفد ابنه محمداً في جماعة من العسكر وتلقاه الناس على طبقاتهم وقد كان الناصر شرع في إمداد أيدغمش فأمده وسار إلى همذان في جمادى من سنة عشر ووصل إلى بلاد ابن برجم من التركمان الأيوبية وكان الناصر عزله عن إمارة قومه وولى أخاه الأصغر فبعث إلى منكلي بخبر أيدغمش فبعث العساكر بطلبه فقتلوه وافترق جمعه‏.‏ وبعـث الناصـر إلى أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأرانية يغريه به وكان مستوحشاً منه‏.‏ وأرسل أيضاً إلى جلال الدين صاحب قلعة الموت وغيرها من قلاع الإسماعيلية من بلاد العجم بمعاضدة أزبك على أن يقتسموا بلاد الجبل وجمع الخليفة العساكر من الموصل والجزيرة وبغداد وقدم على عسكر بغداد مملوكه مظفر الدين وجه السبع واستقدم مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كوجك وهو على أربله وشهرزور وأعمالها وجعله مقدم العساكر جميعاً‏.‏ وساروا إلى همـذان فهـرب منكلي إلى جبل قريب من الكرج وأقاموا عليه يحاصرونه ونزل منكلي في بعض الأيـام فقاتـل أزبـك وهزمـه إلـى مخيمـه‏.‏ ثـم جـاء مـن الغـد وقـد طمـع فيهـم فاشتـدوا فـي قتاله وهزموه فهرب البلاد أجمع وافترقت عساكره واستولت العساكر علـى البلـاد وأخـذ جلـال الديـن ملـك الإسماعيليـة منهـا مـا عينته القسمة‏.‏ وولى أزبك بن البهلوان على بقية البلاد اغلمش مملوك أخيه وعادت العساكر إلى بلادها ومضى منكلي منهزماً إلى مدينة ساوة فقبض عليه الشحنة بها وقتله وبعث أزبك برأسه إلى بغداد وذلك في جمادى سنة اثنتي عشرة‏.‏

ولاية حافد الناصر على خوزستان
كان للناصر ولد صغير اسمه علي وكنيته أبو الحسن قد رشحه لولاية العهد وعزل عنها ابنه الأكبـر وكـان هـذا أحـب ولـده إليـه فمـات فـي ذي القعـدة سنـة عشر فتفجع له وحزن عليه حزناً لم يسمع بمثله‏.‏ وشمل الأسف عليه الخاص والعام‏.‏ وكان ترك ولدين لقبهما المؤيد والموفق فبعثهما الناصر إلى تستر من خوزستان بالعساكر في المحرم سنة ثلاث عشرة وبعث معهما مؤيد الدين نائب الوزارة وعزل مؤيد الدين الشرابي فأقاما بهما أياماً‏.‏ ثم أعاد الموفق مع الوزير والشرابي إلى بغداد في شهر ربيع وأقام المؤيد بتستر‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل وطلب الخطبة له ببغداد
كان أغلمش قد استولى على بلاد الجبل كما ذكرناه واستفحل أمره وقوي ملكه فيها‏.‏ ثم قتله الباطنيـة سنـة أربـع عشـرة وستمائة‏.‏ وكان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه وارث ملك السلجوقية‏.‏ قـد استولـى علـى خراسـان ومـا وراء النهـر فطمـع فـي إضافـة هـذه البلـاد إليـه فسـار فـي عساكره واعترضه صاحب بلاد فارس أتابك سعد بش دكلا على أصبهان وقد ساقه من الطمع في البلاد مثل الذي ساقه فقاتله وهزمة خوارزم وأخذه أسيراً‏.‏ ثم سار إلى ساوة فملكها ثم قزوين وزنجان وأبهر ثم همذان ثم أصبهان وقم وقاشان‏.‏ وخطب له صاحب أذربيجان وأرانية وكان يبعث في الخطبة إلى بغداد ولا يجاب فاعتزم الآن على المسير إليها وقـدم أميـراً فـي خمسة عشر ألف فارس وأقطعه حلوان فنزلها‏.‏ ثم أتبعه بأمير آخر فلما سار عن همذان سقط عليهم الثلج وكادوا يهلكون تخطف بقيتهم بنو برجم من التركمان وبنو عكا مـن الأكـراد‏.‏ واعتـزم خـوارزم شـاه على الرجوع إلى خراسان وولى على همذان طابسين وجعل إمارة البلاد كلها لابنه ركن الدين وأنزل معه عماد الملك المساوي متولياً أمور دولته وعاد إلى خراسان سنة خمس عشرة وأزال الخطبة للناصر من جميع أعماله‏.‏ إجلاء بني معروف عن البطائح كان بنو معروف هؤلاء من ربيعة ومقدمهم معلى وكانت رحالهم غربي الفرات قرب البطائح فكثر عيثهم وإفسادهم السابلة وارتفعت شكوى أهل البلاد إلى الديوان منهم فرسم للشريف سعد متولي واسط وأعمالها أن يسير إلى قتالهم وإجلائهم فجمع العساكر من تكريت وهيت والحديثـة والأنبـار والحلـة والكوفة وواسط والبصرة فهزمهم واستباحهم وتقسموا بين القتل والأسر والغرق وحملت الرؤوس إلى بغداد في ذي القعدة سنة عشر‏.‏

ظهور التتر
ظهرت هذه الأمة من أجناس الترك سنة ست عشرة وستمائة وكانت جبال طمغاج من أرض الصين بينها وبين بلاد تركستان ما يزيد على ستة أشهر وكان ملكهم يسمى جنكزخان من قبيلة يعرفون نوحي فسار إلى بلاد تركستان وما وراء النهر وملكها من أيدي الخطا ثم حارب خـوارزم شـاه إلـى أن غلبـه علـى مـا فـي يـده مـن خراسـان وبلـاد الجبـل ثم تخطى أرانية فملكها‏.‏ ثم سـاروا إلـى بلـاد شـروان وبلـد اللـان واللكـز فاستولـوا علـى الأمم المختلفة بتلك الأصقاع‏.‏ ثم ملكوا بلاد قنجاق وسارت طائفة أخرى إلى غزنة وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان فملكـوا ذلـك كلـه فـي سنة أو نحوها وفعلوا من العيث والقتل والنهب ما لم يسمع بمثله في غابر الأزمـان‏.‏ وهزمـوا خـوارزم شـاه عـلاء الديـن محمـد بـن تكـش فلحـق بجزيـرة فـي بحـر طبرستان فامتنع بهـا إلـى أن مـات سنـة سبـع عشـر وستمائـة لإحـدى وعشرين سنة من ملكه‏.‏ ثم هزموا ابنه جلال الديـن بغزنـة واتبعـه جنكزخـان إلـى نهـر السند فعبر إلى بلاد الهند وخلص منهم وأقام هنالك مدة ثـم رجـع سنـة اثنتيـن وعشريـن إلـى خوزستان والعراق‏.‏ ثم ملك أذربيجان وأرمينية إلى أن قتله المظفر حسبما نذكر ذلك كله مقسماً بين دولتهم ودولة بني خوارزم شاه أو مكرراً فيهما‏.‏ فهناك تفصيل هذا المحل من أخبارهم والله الموفق بمنه وكرمه‏.‏

وفاة الناصر وخلافة الظاهر ابنه
ثم توفي أبو العباس أحمد الناصر بن المستضيء في آخر شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة لسبع وأربعين سنة من خلافته بعد أن عجز عن الحركة ثلاث سنين من آخر عمره وذهبـت إحـدى عينيـه وضعـف بصـر الأخـرى‏.‏ وكانـت حاله مختلفة في الجد واللعب وكان متفنناً فـي العلـوم ولـه تآليـف فـي فنـون منهـا متعددة ويقال إنه الذي أطمع التتر في ملك العراق لما كانت بينـه وبيـن خـوارزم‏.‏ شاه من الفتنة وكان مع ذلك كثيراً ما يشتغل برمي البندق واللعب بالحمام المناسيـب ويلبـس سراويل الفتوة شأن العيارين من أهل بغداد‏.‏ وكان له فيها سند إلى زعمائها يقتصه على من يلبسه إياها وكان ذلك كله دليلاً على هرم الدولة وذهاب الملك عن أهلها بذهـاب ملاكهـا منهـم‏.‏ ولمـا توفـي بويـع ابنـه أبو نصر محمد ولقب الظاهر وكان ولي عهده عهد له أولاً سنـة خمـس وثمانيـن وخمسمائـة ثـم خلعـه مـن العهـد وعهـد لأخيـه الصغيـر علـي لميلـه إليه‏.‏ وتوفي سنة اثنتـي عشـرة فاضطـر إلـى إعـادة هـذا فلمـا بويـع بعد أبيه أظهر من العدل والإحسان ما حمد منه ويقال إنه فرق في العلماء ليلة الفطر التي بويع فيها مائة ألف دينار‏.‏

وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر
ثـم توفـي الظاهر أبو نصر محمد في منتصف رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة لتسعة أشهر ونصـف مـن ولايتـه وكانـت طريقتـه مستقيمـة وأخباره في العدل مأثورة‏.‏ ويقال إنه قبل وفاته كتب بخطه إلى الوزير توقيعاً يقرؤه على أهل الدولة فجاء الرسول به وقال‏:‏ أمير المؤمنين يقول ليس غرضنـا أن يقـال بـرز مرسـوم وأنفـذ مثـال ثـم لا يتبيـن لـه أثر بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال‏.‏ ثم تناولوا الكتاب وقرؤوه فإذا فيه بعد البسملة أنه ليس إمهالنا إهمالا ولا إغضاؤنا إغفـالاً ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملاً وقد غفرنا لكم ما سلف من إخراب البلاد وتشريد الرعايا وتقبيح السنة وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكاً للأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل وأنياب أسد مهيب تنطقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلـون رأيـه إلـى هواكم ماطلتم بحقه فيطيعكم وأنتم له عاصون ويوافقكم وأنتم له مخالفون والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمناً وفقركم غنى وباطلكم حقاً‏.‏ ورزقكم سلطاناً يقبل العثرة ولا يؤاخذ إلا من أصر ولا ينتقم إلا ممن استمـر يأمركـم بالعـدل وهـو يريـده منكـم وينهاكـم عـن الجـور وهـو يكرهه يخاف الله فيخوفكم مكره ويرجو الله تعالى ويرغبكم في طاعته فإن سلكتم مسالك نواب خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكتم والسلام‏.‏ ولما توفي بويع ابنه أبو جعفـر المستنصـر وسلـك مسالـك أبيـه إلا أنـه وجـد الدولـة اختلفـت والأعمال قد انتقضت والجباية قد انتقصت أو عدمت فضاقت عن أرزاق الجند وأعطياتهم فأسقـط كثيـراً مـن الجند واختلفت الأحوال‏.‏ وهو الذي أعاد له محمد بن يوسف بن هود دعوة العباسية بالأندلس آخر دولة الموحدين بالمغرب فولاه عليها وذلك سنة تسع وعشرين وستمائة كمـا يذكر في أخبارهم‏.‏ ولآخر دولته ملك التتر بلاد الروم من يد غياث الدين كنخسرو وآخر ملوك بني قليج أرسلان ثم تخطوها إلى بلاد أرمينية فملكوها‏.‏ ثم استأمن إليهم غياث الدين وفاة المستنصر وخلافة المستعصم آخر بني العباس ببغداد لم يزل هذا الخليفة المستنصر ببغداد فالنطاق الذي بقي لهم بعد استبداد أهل النواحي كما قدمنا‏.‏ ثم انحل أمرهم من هذا النطاق عروة وتملك التتـر سائـر البلـاد وتغلبـوا علـى ملـوك النواحـي ودولهم أجمعين ثم زاحموهم في هذا النطاق وملكوا أكثره‏.‏ ثم توفي المستنصر سنة إحدى وأربعين لست عشرة سنة من خلافته وبويع بالخلافة ابنه عبد الله ولقب المستعصم وكان فقيهاً محدثاً‏.‏ وكان وزيره ابن العلقمي رافضياً وكانت الفتنة ببغداد لا تزال متصلة بين الشيعة وأهل السنة وبين الحنابلة وسائر أهل المذاهب وبين العيارين والدعار والمفسدين مبدأ الأمراء الأول فلا تتجدد فتنة بين الملوك وأهل الدول إلا ويحدث فيها بين هؤلاء ما يعني أهل الدولة خاصة زيادة لما يحدث منهـم أيـام سكـون الدولـة واستقامتهـا وضاقـت الأحـوال علـى المستعصم فأسقط أهل الجند وفرض أرزاق الباقين على البياعات والأسـواق وفـي المعايـش فاضطرب الناس وصافت الأحوال وعظم الهرج ببغداد ووقعت الفتن بين الشيعة وأهل السنة وكـان مسكـن الشيعـة بالكـرخ فـي الجانـب الغربـي وكـان الوزيـر ابـن العلقمي منهم فسطوا بأهل السنة وأنفذ المستعصم ابنه أبا بكر وركن الدين الدوادار وأمرهم بنهب بيوتهم بالكرخ ولم يراع فيه ذمة الوزير فآسفه ذلك وتربص بالدولة وأسقط معظم الجند يموه بأنه يدافع التتر بما يتوفر من أرزاقهم في الدولة‏.‏ وزحف هلاكو ملك التتر سنة اثنتين وخمسين إلى العراق وقد فتح الري وأصبهان وهمذان وتتبع قلاع الإسماعيلية ثم قصد قلعة الموت سنة خمس وخمسين فبلغه في طريقه كتاب ابن الموصلايا صاحب اربل وفيه وصية ابن العلقمي وزير المستعصم إلى هلاكو يستحثه لقصد بغداد ويهون عليه أمرها فرجع عن بلاد الإسماعيلية وسار إلى بغداد واستدعى أمراء التتر فجاءه بنحو مقدم العسكر ببلاد الروم وقد كانوا ملكوها‏.‏ ولما قاربوا بغداد برز للقائهم أيبك الدوادار في العساكر فانكشف التتر أولاً ثم تذامروا فانهزم المسلمون واعترضهم دون بغداد أو حال مياه من بثوق انتفثت من دجلة فتبعهم التتر دونها وقتل الدوادار وأسر الأمـراء الذيـن معه‏.‏ ونزل هلاكو بغداد وخرج إليه الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فاستأمن لنفسه ورجع بالأمان إلى المستعصم وأنه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم‏.‏ فخرج المستعصم ومعه الفقهاء والأعيان فقبض عليه لوقته وقتل جميع من كان معه‏.‏ ثم قتل المستعصم شدخاً بالغمد ووطأً بالأقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت وذلك سنة ست وخمسين‏.‏ وركب إلى بغداد فاستباحها واتصل العيث بها أياماً وخرج النساء والصبيان وعلى رؤوسهم المصاحف والألواح فداستهم العساكر وماتوا أجمعين‏.‏ ويقال أن الـذي أحصـي ذلـك اليـوم مـن القتلـى ألـف ألـف وستمائة ألف واستولوا مـن قصـور الخلافـة وذخائرهـا علـى مـا لا يبلغـه الوصـف ولا يحصـره الضبـط والعـد وألقيـت كتـب العلم التي كانت بخزائنهم جميعاً في دجلة وكانت شيئاً لا يعبر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لأول الفتح في كتب الفرس وعلومهم‏.‏ واعتزم هلاكو على إضرام بيوتها ناراً فلم يوافقه أهل مملكته‏.‏ ثم بعث العساكر إلى ميافارقين فحاصروهـا سنين ثم جهدهم الحصار واقتحموها عنوة وقتل حاميتها جميعاً وأميرهم من بني أيـوب وهـو الملـك ناصـر الديـن محمد بن شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب وبايع له صاحـب الموصـل وبعـث بالهديـة والطاعـة وولـاه علـى عملـه‏.‏ ثـم بعـث بالعساكـر إلـى اربـل فحاصرها وامتنعت فرحل العساكر عنها ثم وصل إليه صاحبها ابن الموصلايا فقتله واستولى على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة كلها وتاخم الشام جميع جهاته حتى زحف إليه بعد كما يذكـر وانقـرض أمـر الخلافة الإسلامية لبني لعباس بغداد وأعاد لها ملوك الترك رسماً جديداً في خلفـاء نصبوهـم هنالـك مـن أعقـاب الخلفـاء الأوليـن ولم يزل متصلاً لهذا العهد على ما نذكر الآن‏.‏ ومـن العجـب أن يعقـوب بـن إسحـاق الكنـدي فيلسـوف العرب ذكر في ملاحمه وكلامه على القرآن الـذي دل على ظهور الملة الإسلامية العربية أن انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين والستمائة فكـان كذلـك وكانـت دولـة بني العباس من يوم بويع للسفاح سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى أن قتل المعتصم سنة خمس وستمائة خمسمائة سنة وأربعاً وعشرين وعدد خلفائهـم ببغـداد سبعـة وثلاثون خليفة‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:24 AM

الخلفاء العباسيين بمصر
الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم لما هلك المستعصم ببغداد واستولى التتر على سائر الممالك الإسلامية فافترق شمل الجماعة وانتثر سلك الخلافة وهرب القرابة المرشحون وغير المرشحين من قصور بغداد فذهبوا في الأرض طولاً وعرضاً ولحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر وهو عم المستعصم وأخـو المستنصـر وكـان سلطانهـا يومئـذ الملـك الظاهـر بيبرس ثالث ملوك الترك بعد بني أيوب بمصر والقاهرة فقام على قدم التعظيم وركب لتلقيه وسر بقدومه وكان وصوله سنة تسع وخمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة وحضر القاضي يومئذ تاج ابن بنت الأغر فأثبـت نسبـه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة ولم يكن شخصه خفياً وبايع له الظاهر وسائر الناس ونصبه للخلافة الإسلاميـة ولقبـوه المستنصـر وخطـب لـه علـى المنابر ورسم اسمه في السكة‏.‏ وصدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان وفوض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله وكتب تقليده بذلك وركب السلطان ثاني يومه إلى خارج البلد ونصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا وقرأ كتاب التقليد‏.‏ وقام السلطان بأمر هذا الخليفة ورتب له أرباب الوظائف والمناصب الخلافية من كل طبقة وأجـرى الـأرزاق السنيـة وأقام له الفسطاط والآلة‏.‏ ويقال أنفق عليه في معسكره ذلك ألف ألف دينـار مـن الذهـب العيـن واعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الإسلام من يد أهل الكفـر‏.‏ وقـد كان وصل على أثر الخليفة صاحب الموصل وهر إسماعيل الصالح بن لؤلؤ أخرجه التتـر مـن ملكـه بعـد مهلـك أبيـه فامتعـض له الملك الظاهر ووعده باسترجاع ملكه وخرج آخر هذه السنـة مشيعـاً للخليفة ولصالح بن لؤلؤ ووصل بهما إلى دمشق فبالغ هنالك في تكرمتهما وبعث معهما أميرين من أمرائه مدداً لهما وأمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات‏.‏ فلمـا وصلـوا الفـرات بادر الخليفة بالعبور وقصد الصالح بن لؤلؤ الموصل واتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر للقائه والتقى الجمعان بعانة وصدموه هنالك فصادمهم قليلاً ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة وسارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح إسماعيل بها سبعة أشهر وملكوها عليه عنوة وقتل رحمه الله‏.‏ وتطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أصل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الإسلامية وبينما هو يسائل الركبان عن ذلك إذ وصل رجل مـن بغـداد ينسـب إلـى الراشـد بـن المسترشـد‏.‏ قال صاحب حماة في تاريخه عن نسابة مصر‏:‏ إنه أحمد بن حسـن بـن أبـي بكـر ابـن الأميـر أبـي علـي ابـن الأميـر حسـن بـن الراشـد‏.‏ وعنـد العباسييـن السليمانيين فـي درج نسبهـم الثابـت أنه أحمد بن أبي بكر بن علي بن أحمد بن الإمام المسترشد انتهى كلام صاحب حماة‏.‏ ولـم يكـن فـي آبائـه خليفـة فيمـا بينـه وبيـن الراشـد‏.‏ وبايـع لـه بالخلافـة الإسلاميـة ولقبـه الحاكم وفوض هو إليه الأمور العامة والخاصة وخرج هو له عن العهدة وقام حافظاً لسياج الديـن بإقامـة رسـم الخلافـة‏.‏ وعمـرت بذكـره المنابر وزينت باسمه السكة ولم يزل على هذا الحال أيـام الظاهـر بيبرس وولديه بعده ثم أيام الصالح قلاون وابنه الأشرف وطائفة من دولة ابنه الملك الناصر محمد بن قلاون إلى أن هلك سنة إحدى وسبعمائة ونصب ابنه أبو الربيع سليمـان للخلافة بعده ولقبه المستكفي‏.‏ وحفظ به الرسم وحضر مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلـاون للقـاء التتـر فـي النوبتين اللتين لقيهم فيها فاستوحش منه السلطان بعض أيامه وأنزله بالقلعة وقطعـه عـن لقـاء الناس عاماً أو نحوه‏.‏ ثم أذن له في النزول إلى بيته ولقائه الناس إذا شاء وكان ثـم تجـددت لـه الوحشـة وغربـه إلـى قـوص سنـة ثمـان وثلاثيـن ثـم هلـك الخليفـة أبو الربيع سنة أربعين قبل مهلك الملك الناصر رحمهما الله تعالى‏.‏ وكان عهد بالخلافة لابنه أحمد فبويع له ولقب الحاكم ثم بدا للسلطان في إمضاء عهد أبيه بذلك فعزله واستبدل منه بأخيه إبراهيم ولقبه الواثـق‏.‏ وكـان مهلـك الناصـر لأشهـر قريبـة مـن ذلـك فأعـادوا أحمـد الحاكـم ولـي عهـد أبيـه سنة إحدى وأربعيـن وأقـام فـي الخلافـة إلـى سنـة ثلـاث وخمسيـن وهلـك رحمـه اللـه فولـي من بعده أخوه أبو بكر ولقب المعتضد ولم يزل مقيماً لرسم الخلافة إلى أن هلك لعشرة أعوام من خلافته سنة ثلاث وستيـن ونصـب بعـده ابنه محمد ولقب المتوكل فأقام برسم الخلافة وحضر مع السلطان الأشرف شعبان بن حسيـن بـن الملـك الناصـر عـام انتقـض عليـه التـرك فـي طريقـه إلـى الحـج‏.‏ وفسـد أمـره ورجـع الفـل إلـى مصـر وطلبـه أمـراء التـرك فـي البيعـة لـه بالسلطـة مـع الخلافـة فامتنـع مـن ذلـك‏.‏ ثـم خلعـه أيبـك مـن أمـراء التـرك المستبديـن أيام سلطانه بالقاهرة سنة تسع وتسعين لمغاضبة وقعت بينهما ونصب للخلافـة زكريا ابن عمه إبراهيم الواثق فلم يطل ذلك وعزل زكريا لأيام قليلة وأعاده إلى منصبه إلى أن كانت واقعة قرط التركماني من أمراء العساكر بمصر ومداخلتـه للمفسديـن فـي الثـورة بالسلطـان الملـك الظاهـر أبـي سعيـد برقـوق سنـة خمـس وثمانيـن وسعـى عنـد السلطـان بأنـه ممـن داخله قـرط هـذا فاستـراب بـه وحبسـه بالقلعـة سنـة ستيـن وأدال منه بعمر ابن عمه الواثق إبراهيم ولقبه فأقام ثلاثاً أو نحوها ثم هلك رحمه الله آخر عام ثمانية وثلاثين ونصب السلطان عوضه أخاه زكريـا الـذي كـان أيبـك نصبـه كمـا قدمنـا ذكره ثم حدثت فتنة بليقا الناصري صاحب حلب سنة إحـدى وتسعيـن وسبعمائة‏.‏ وتعالى على السلطان بحبسه الخليفة وأطال النكير في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمد المتوكل من محبسه بالقلعة وأعاده إلى الخلافة على رسمه الأول وبالغ في تكرمتـه وجـرت فيمـا بيـن ذلـك خطـوب نذكـر أخبارهـا مستوفـاة فـي دولـة التـرك المقيميـن لرسـم هؤلاء الخلفـاء بمصـر‏.‏ وإنمـا ذكرنـا هنـا مـن أخبارهـم مـا يتعلـق بالخلافـة فقط دون أخبار الدولة والسلطان‏.‏ وهذا الخليفة المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة والمعين لإقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة والمبرك بذكره على منابر هذه الإيالة تعظيماً لأبيهم الظاهر وجرياً على سنن التبرك بسلفهم ولكمال الإيمان في محبتهم وتوفية لشروط الإمامة بينهم‏.‏ وما زال ملوك الهند وغيرهم من ملوك الإسلام بالنواحي يطلبون التقليد منه ومن سلفه بمصر ويكاتبون في ذلك ملوك الترك بها من بني قلاون وغيره فيجيبونهم إلى ذلك ويبعثون إليهم بالتقليد والخلع والأبهة ويمدون القائمين بأمورهم بمواد التأييد والإعانة بمن الله وفضله‏.‏

الدولة العلوية
أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العباس ونبـدأ منهـم بدولـة الأدارسـة بالمغـرب الأقصـى‏.‏ قد تقدم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعلي بن أبي طالب وبنيه رضي الله عنهم وما كان من شأنهم بالكوفة وموجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره واضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم حتى قتل المتولون كبر ذلك منهم حجـر بـن عـدي وأصحابـه ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معـروف ثـم نـدم الشيعة على قعودهم عن مناصرته فخرجوا بعد وفاة يزيد وبيعة مروان وخرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة وسموا أنفسهم التوابين وولوا عليهم سليمان بن صرد ولقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم‏.‏ ثم خرج المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالباً بدم الحسين رضي الله عنه وداعيا لمحمد بن الحنفيـة وتبعـه علـى ذلـك جموعـه مـن الشيعة وسماهم شرطة الله وزحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله وبلغ محمد بن الحنفية من أحوال المختار ما نقمه عليه فكتب إليه بالبراءة منـه فصـار إلـى الدعـاء لعبـد اللـه بـن الزبير‏.‏ ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن علي بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه وخـرج إليـه ابنـه يحمـي بالجوزجـان من خراسان فقتل وصلب كذلك وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية وقد تقدم ذلك كله في أخبار الدولتين‏.‏ ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلوية وذهبوا طرائق قددا فمنهم الإمامية القائلون بوصية النبـي صلـى اللـه علـه وسلـم لعلـي بالإمامـة وشممونـه الوصـي بذلـك ويتبـرؤون مـن الشيخيـن لمـا منعـوه حقـه بزعمهم وخاصموا زيدا بذلك حين دعا بالكوفة‏.‏ ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسموا بذلك رافضة‏.‏ ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي وبنيه على سائر الصحابة وعلى شروط يشترطونها وإمامة الشيخين عندهم صحيحة وإن كان علي أفضل وهذا مذهب زيد وأتباعه وهم جمهور الشيعة وأبعدهم عن الإنحراف والغلو‏.‏ ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد الحسن والحسيـن ومـن هـؤلاء كانـت شيعـة بنـي العبـاس القائلـون بوصيـة أبـي هاشـم بـن محمد بن الحنفية إلى محمـد بـن علـي بـن عبـد الله بن عباس بالإمامة‏.‏ وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة وافترق كل مذهـب منهـا إلـى طوائـف بحسب اختلافهم‏.‏ وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان‏.‏ ولما صار أمر بني أمية إلى اختلال أجمع أهل البيت بالمدينة وبايعوا بالخلافة سراً لمحمـد بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن بن علي وسلم له جميعهم وحضرهذا العقد أبو جعفـر عبـد اللـه بـن محمـد بـن علـي بـن عبـد الله بن عباس وهو المنصور وبايع له فيمن بايع له من أهل البيت وأجمعوا على ذلك لثقدمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم ولهذا كان مالك وأبوحنيفة رحمهما الله يحتجان إليه حين خرج من الحجاز ويريدون أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لإنعقاد هذه البيعة من قبل وربما صار إليه الأمر عند الشيعة بانتقال الوصية من زيـد بـن علـي‏.‏ وكـان أبـو حنيفـة يقـول بفضله ويحتج إلى حقه فتأدت إليهما المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره وحبس أبو حنيفة على القضاء‏.‏ ولما انقرضت دولة بني أمية وجاءت دولة بني العباس وصار الأمرلأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن وأن محمد بن عبد الله يروم الخـروج وأن دعاتـه ظهـروا بخراسـان فحبـس المنصور لذلك بني حسن وإخوته وإبراهيم وجعفر وعلي القائم وابنه موسى بن عبـد اللـه وسليمـان وعبـد الله ابن أخيه داود ومحمد وإسماعيل واسحاق بنو عمه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهرالكوفة حتى هلكوا في حبسهم وأرهبـوا لطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وفارس وبعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها وبعث عاملاً إلى اليمن ودعا لنفسه وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتسمى بالمهدي وكـان يدعـى النفـس الزكيـة وحبس رباح بن عثمان المري عامل المدينة فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور ونصه‏:‏ بعد البسملة من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله‏.‏ أما بعد فإنما جزاء الذين يحاربـون اللـه ورسولـه ويسعـون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلـاف أو ينفـوا مـن الـأرض ذلـك لهـم خـزي فـي الدنيـا ولهـم فـي الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم‏.‏ وأن لك ذمة الله وعهده وميثاقه إن تبـت مـن قبـل أن نقدر عليك أن نؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن تابعك وجميع شيعتك وأن أعطيك ألف درهم وأنزلك من البلاد حيث شئت وأقضي لك ما شئت من الحاجات وأن أطلق من سجن من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك ثم لا أتبع أحداً منكم بمكروه‏.‏ وإن شئت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام‏.‏ فأجابـه محمـد بـن عبـد اللـه بكتـاب نصـه بعد البسملة من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد‏.‏ أمـا بعـد طسـم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمـة ونجعلهـم الوارثيـن ونمكـن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأنـا أعـرض عليـك مـن الأمـان مثـل الـذي أعطيتنـي ففـد تعلـم أن الحـق حقنـا وأنكم إنما أعطيتموه بنا ونهضتم فيه بسعينا وحزتموه بفضلنا وأن أبانا علياً عليه السلام كان الوصي والإمـام فكيـف ورثتمـوه دوننـا ونحـن أحيـاء وقـد علمتـم أنـه ليـس أحد من بني هاشم يشيد بمثل فضلنا ولا يفخر بمثـل قديمنـا وحديثنـا ونسبنـا ونسيبنـا وأنـا بنـو بنتـه فاطمـة في الإسلام من بينكم فإنا أوسط بني هاشـم نسبـاً وخيرهـم أمـاً وأبـاً لـم تلدنـي العجـم ولـم تعـرف في أمهات الأولاد وأن الله عز وجل لم يزل يختار لنا فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه أقدمهم إسلاماً وأوسعهم علماً وأكثرهم جهاداً علي بن أبي طالب ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلى إلى القبلة ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهـل الجنـة ومـن المتولديـن فـي الإسلـام سيدا شباب أهل الجنة ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين من قبل جـدي الحسـن لحسيـن فمـا زال اللـه يختـار لـي حتـى اختار لي في معنى النار فولدني أرفع الناس درجة في الجنة وأهون أهل النار عذابأ يوم القيامة فأنا ابن خير الأخيار وابن خير الأشرار وابـن خيـر أهـل الجنـة وابـن خير أهل النار‏.‏ ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمنك على نفسك وولدك وكل ما أصبته إلا حداً من حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك وأحرى بقبول الأمان منك‏.‏ فأما أمانك الذي عرضت علي فهو أي الأمانات هي أأمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبي مسلم والسلام‏.‏ فأجابه المنصور بعد البسملة‏:‏ من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله‏.‏ فقـد أتانـي كتابـك وبلغنـي كلامـك فـإذا جـل فخـرك بالنساء لتضل به الحفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والأولياء وقد جعل الله العم أبا وبدأ به على الولد فقال جل ثناؤه عن نبيه عليه السلام واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‏.‏ ولقد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث محمد صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة فأجابه إثنان أحدهمـا أبـي وكفـر بـه إثنـان احدهمـا أبوك‏.‏ وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن فلو أعطى على قـرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت لب‏.‏ ولكن الله يختارلدينه من يشاء من خلقه‏.‏ وأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى وأسعدهم بدخول الجنة غداً‏.‏ ولكن الله أبى ذلك فقال أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفاطمة أم الحسين وأن هاشماً ولد عليا مرتيـن وأن عبـد المطلـب ولـد الحسـن مرتيـن فخيـر الأوليـن رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم لم يلده هاشم إلا مرة واحدة ولم يلده عبد المطلب إلا مرة واحدة‏.‏ وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل قد أبى ذلك فقال‏:‏ ما كان محمد أبا أحداً من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولكنكم قرابة ابنته وإنها لقرابة قريبة غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا يجوز أن تؤم فكيف تورث الإمامة من قبلها ولقد طلب بها أبوك من كل وجه وأخرجها تخاصم ومرضها سراً ودفنها ليلا وأبى الناس إلا تقديـم الشيخيـن‏:‏ ولقـد حضـر أبـوك وفـاة رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم فأمر بالصلاة غيره‏.‏ ثم أخـذ النـاس رجـلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم ثم كان في أصحاب الشورى فكل دفعه عنها بايع عبد الرحمن عثمان وقبلها عثمان وحارب أباك طلحة والزبير ودعا سعداً إلـى بيعتـه فأغلق بابه دونه‏.‏ ثم بايع معاوية بعده وأفضى أمر جدك إلى أبيك الحسن فسلمه إلى معاوية بخـزف ودراهـم وأسلـم في يديه شيعته وخرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله وأخذ مالاً مـن غيـر حلـة فـإن كـان لكـم فيهـا شـيء فقـد بعتمـوه فأمـا قولك إن الله اختار لك في الكفر فجعل أبـاك أهـون أهـل النـار عذابـا فليـس فـي الشـر خيار ولا من عذاب الله هين ولا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتخر بالنار سترد لتعلم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏.‏ وأما قولك لم تلدك العجم ولم تعرف فيك أمهات الأولـاد وأنـك أوسـط بنـي هاشـم نسبـا وخيرهم أما وأبا فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طراً وقحمت نفسك على من هو خير منك أولا وآخراً وأصلا وفصلا‏.‏ فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى والد والده فانظر ويحك أين تكون من الله غداً وما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي بن الحسين وهو لأم ولد ولقد كان خيراً من جدك حسن بن حسن‏.‏ ثم ابنه محمد خير من أبيك وجدته أم ولد ثم ابنه جعفر وهو خير ولقد علمت أن جدك عليا حكم الحكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكمابه فأجمعا علـى خلعـه‏.‏ ثـم خـرج عمـك الحسيـن بـن علـي بـن مرجانـة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه ثـم أتـوا بكـم علـى الأقتـاب كالسبـي المجلـوب إلـى الشـام ثـم خـرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرقوكم بالنار وصلبوكـم علـى جـذوع النخـل حتـى خرجنـا عليهـم فأدركنـا يسيركـم إذ لـم تدركوه ورفعنا أقداركم وأورثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار كل صلاة مكتوبة كما يلعن الكفرة فسفهناهم وكفرناهم وبينا فضله وأشدنا بذكره فاتخذت ذلـك علينا حجة وظننت أنا بما ذكرنا من فضل علي قدمناه على حمزة والعباس وجعفر كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم وأبتلي أبوك بالدماء‏.‏ ولقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم وولاية زمزم وكانت للعباس من دون إخوتـه فنازعنـا فيهـا أبـوك إلـى عمـر فقضى لنا عمر بها وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من عمومته أحد حياً إلا العباس وكان وارثه دون عبد المطلب وطلب الخلافة واحد مـن بنـي هاشـم فلـم ينلهـا إلا ولـده فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وبنوه القادة الخلفاء فقد ذهب بفضل القديم والحديث ولو أن العباس أخرج بدر كرهاً لمات عماك طالب وعقيل جوعاً ويلحسان جفان عتبة وشيبة فأذهب عنهما العار والشنار‏.‏ ولقد جاء الإسلام والعباس يمون به طالب للأزمة التي أصابتهم ثم فـدى عقيـلاً يـوم بـدر فعززناكـم فـي الكفر وفديناكم من الأسر وورثنا دونكم خاتم الأنبياء وأدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه ووضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم والسلام‏.‏ ثـم عقد أبو جعفرعلى حربه لعيسى ابن عمه موسى بن علي فزحف إليه في العساكر وقاتله بالمدينة فهزمه وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين ولحق ابنه علي بالسند إلى أن هلـك هنـاك واختفـى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور ورجع عيسى إلى المنصور فجهزه لحرب إبراهيم أخي محمد بالعيرة فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه وقتله حسبما مر ذكره هنالك وقتل معه عيسـى بـن زيـد بـن علـي فيمـن قتـل مـن أصحابـه‏.‏ وزعـم ابـن قتيبـة أن عيسـى بـن زيـد بـن علـي ثار على المنصور بعد قتل أبي مسلم ولقيه في مائة وعشرين ألفا وقاتله أياما إلى أن هم المنصـور بالفـرار ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه هنالك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر‏.‏ ثـم خـرج بالمدينـة أيـام المهـدي سنـة تسـع وستين من بني حسن الحسين بن علي بن حسن المثلث وهو أخو عبد الله بن حسن المثنى وعم المهدي وبويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي وقد كان قدم حاجاً من البصرة فولاه حربه يوم التروية فقاتله بفجة على ثلاثة أميال من مكة وهزمه وقتله وافترق أصحابه وكان فيهم عمه إدريـس بـن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت عنهم يومئذ ولحق بمصر نازعاً إلى المغرب وعلـى بريـد مصـر يومئـذ واضـح مولـى صالـح بـن المنصـور ويعـرف بالمسكيـن وكـان يتشيع فعلم بشأن إدريـس وأتـاه إلـى المكـان الـذي كـان به مستخفيا وحمله على البريد إلى المغرب ومعه راشد مولاه فنزل بوليلى سنة ست وسبعين وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من قبائـل البربـر وكبيرهـم لعهـده فأجـاره وأكرمـه وجمـع البربـر علـى القيـام بدعوتـه وخلـع الطاعة العباسية وكشف القناع واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره وكان فيهم مجـوس فقاتلهم إلى أن أسلموا‏.‏ وملك المغرب الأقصى ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين ودخلت ملـوك زناتـة أجمـع فـي طاعتـه واستفحـل ملكـه وخاطـب إبراهيـم بـن الأغلـب صاحـب القيـروان وخاطـب الرشيـد بذلـك فشد إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ وأنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا من الدعوة العباسية ومنتحلا للطالبيين واختصه الإمام إدريس وحلى بعينيه وكان قد تأبط سماً في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه ودفـن ببوليلـى سنـة خمـس وسبعيـن وفـر الشمـاخ ولحقـه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده وأجاز الشماخ الوادي فأعجزه وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه إدريس سنة ثمـان وثمانيـن واجتمعـوا علـى القيـام بأمره ولحق به كثير من العرب من إفريقيا والأندلس وعجز بنو الأغلـب أمـراء إفريقيـا عنه فاستفحلت له ولبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبـي العافيـة وقومـه مكناسـة أوليـاء العبيدييـن عـام ثلاثـة عشـر وثلاثمائـة حسبمـا نذكـر ذلـك فـي أخبـار البربر ونعدد ملوكهم هناك واحداً واحداً وانقراض دولتهم وعودها ونستوعب ذلك كلـه لأنـه أمس بالبربر فإنهم كانوا القائمين بدعوتهم‏.‏ ثم خرج يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الديلم سنة ست وسبعين أيام الرشيد واشتدت شوكتهم وسرح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان وتلطف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب ويكتب له الرشيد بذلك خطه فتم بينهما وجاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب وأجرى له أرزاقا سنية ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير فيقال أطلقه بعدها ووصله بمـال ويقـال سمـه لشهرمـن اعتقالـه ويقال أطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكـان بسببـه نكبـة البرامكـة وانقـرض شـأن بنـي حسـن وخفيت دعوة الزيدية حينا من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمن والديلم ما نذكره والله غالب على أمره‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:29 AM

الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد
كانت الدولة العباسيـة قـد تمهـدت مـن لـدن أبـي جعفـر المنصـور منهـم وسكـن أمـر لخـوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد ووقع بين بنيه من الفتنة ما وقع وقتل الأميـن بيـد طاهـر بـن الحسيـن ووقـع حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع وبقي المأمون مقيماً بخراسان تسكيناً لأهلها عن ثائرة الفتن وولي على العراق أحسن بن سهل اتسع الخرق حينئذ بالعراق وأشيع عن المأمون أن الفضـل بـن سهـل غلـب عليـه وحجـره فامتعـض الشيعـة لذلـك وتكلمـوا وطمـع العلويـة فـي التوثـب علـى الأمـر فكـان فـي العـراق أعقـاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنـى المقتـول بالبصـرة أيـام المنصـور‏.‏ وكـان منهـم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ولقبه أبوه طباطبا للكنـة كانت في لسانه أيام مرباه بين داياته فلقب بها‏.‏ وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلـى إمامتـه لأنهـا كانـت متوارثـة فـي آبائـه مـن إبراهيـم الإمـام جـده علـى مـا قلناه في خبره خرج سنة تسع وتسعين ودعا لنفسه ووافاه أبو السرايا السري بن منصور كبير بني شيبان فبايعه وقام بتدبيـر حربـه وملك الكوفة وكثر تابعوه من الأعراب وغيرهم‏.‏ وسرح حسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة ويقـال إن أبا السرايا سمه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين واستبد عليه وزحفت عليهم جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا وملك البصرة وواسط والمدائن‏.‏ وسـرح الحسـن بن سهل لحربه هرثمة بن أعين وكان مغضبا فاسترضاه وجهز له جيوش وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه فغلبهم على المدائن وهزمهم وقتل منهم خلقاً ووجه أبو السرايا إلى مكـة الحسيـن الأفطـس بـن الحسـن بـن علـي زيـن العابديـن وإلـى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسـن المثنـى ابـن الحسن وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة وكان بمكة مسرور الخـادم الأكبـر وسليمـان بـن داود بـن عيسـى فلمـا أحسـوا بقـدوم الحسيـن فـروا عنهـا وبقـي النـاس في الموقف فوضـى ودخلهـا الحسيـن مـن الغـد فعاث في أهل الموسم ما شاء الله واستخرج الكنز الذي كان فـي الكعبـة من عهد الجاهلية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وقدره فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله‏.‏ ثم إن هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه ثم بحث عن منصور بن المهدي فكان أميراً معه واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة وخرج إلى القادسية ثم إلى واسط ولقيه عاملها وهزمه ولحق بجلولا مغلـولا جريحـاً فقبـض عليـه عاملهـا وقدمـه إلى الحسن بن سهل بالنهروان فضرب عنقه وذلك سنة مائتين وبلغ الخبر الطالبيين بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق وسموه أمير المؤمنين وغلب عليه ابناه علي وحسين فلم يكن يملك معهما من الامر شيئاً ولحق إبراهيم بن أخيه موسـى الكاظـم بـن جعفـر الصـادق باليمـن فـي أهـل بيتـه فدعا لنفسه هنالك وتغلب على الكثيرمن بلاد اليمن وسمي الجزار لكثرة ما قتل من الناس‏.‏ وخلـص عامـل اليمـن وهـو إسحـاق بـن موسـى بـن عيسـى إلى المأمون فجهزه لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجه إلى مكة وغلبهم عليها وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الأعراب بالساحل فاتبعهم إسحاق وهزمهم ثم طلبهم وطلب محمد الأمان فأمنه ودخل مكه وبايع للمأمون وخطب على المنبـر بدعوتـه وسابقتـه الجيـوش إلى اليمن فشردوا عنه الطالبيين وأقاموا فيه الدعوة العباسية ثم خرج الحسين الأفطس ودعا لنفسه بمكة وقتله ابنيه علياً ومحمداً‏.‏ ثـم إن المأمـون لمـا رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم وكان يرى مثل رأيهم أو قريباً منه في شأن علي والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة إحـدى ومائتيـن وكتـب بذلك إلى الآفاق وتقدم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة فحقد بنو العباس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمه إبراهيم بن المهدي سنة اثنين ومائتين وخطب له ببغداد وعظمت الفتنة‏.‏ وشخص المأمون من خراسان متلافيا أمر العـراق وهلـك علـي بـن موسـى في طريقه فجأة ودفن بطوس سنة ثلاث ومائتين‏.‏ ووصل المأمون إلى بغداد سنة أربع وقبض على عمه إبراهيم وعفا عنه وسكن الفتنة‏.‏ وفي سنة تسـع بعدهـا خـرج باليمـن عبـد الرحمـن بـن أحمـد بـن عبـد اللـه بـن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب يدعو للرضا من آل محمد وبايعه أهل اليمـن وسـرح إليـه المأمـون مولـاه دينـارا واستأمن له فأمنه وراجع الطاعة‏.‏ ثم كثر خروج الزيدية من بعد ذلك بالحجاز والعراق والجبال والديلم وهرب إلى مصر خلق وأخذ منهم خلق وتتابع دعاتهم‏.‏ فـأول من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم علي بن عمر بن زين العابدين هرب خوفاً من المعتصـم سنـة تسـع عشرة ومائتين وكان بمكان من العبادة والزهد فلحق بخراسان ثم مضى إلى الطالقان ودعا بها لنفسه واتبعته أمم الزيدية كلهم - ثم حاربه عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات ويقال إنه مات مسموماً‏.‏ ثـم خـرج مـن بعـده بالكوفـة أيضـاً الحسيـن بـن محمـد بـن حمـزة بـن عبـد اللـه بـن الحسيـن الأعـرج بـن علـي بن زين العابدين واجتمع إليه الناس من بني أسد وغيرهم من جموعه وأشياعه وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين وزحف إليه ابن بشكال من أمراء الدولة فهزمه ولحق بصاحب الزنج فكان معه‏.‏ وكاتبه أهل الكوفة في العود إليه وظهر عليه صاحب الزنج فقتله‏.‏ وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة وأعمالها وكان يقول في لفظه من أعلمه أنه من ولد عيسى بن زيد الشهيد وأنه علي بن محمد بن زيد بن عيسى‏.‏ ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد والحق أنه دعي في أهل البيت كما نذكره في أخباره‏.‏ وزحف إليه الموفق أخو المعتمد ودارت بينه وبينهم حروب إلى أن قتله ومحا أثر تلك الدعوة كما قدمناه في أخبار الموفق ونذكره في أخبارهم‏.‏ ثم خرج في الديلم من ولده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوي وهو الحسـن بـن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسـن خرج لخمس وخمسين فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها وكانت له ولشيعته الزيدية دولة هناك‏.‏ ثم انقرضت آخر المائة الثالثة وورثها مـن ولـد الحسـن السبـط ثم من ولد عمر بن علي بن زين العابدين الناصر الأطروش وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر وهو ابن صاحب الطالقان‏.‏ أسلم الديلم على يد هذا الأطـروش وملـك بهـم طبرستـان وسائـر أعمال الداعي وكانت له ولبنيه هنالك دولة‏.‏ وكانوا سببا لملك الديلم البلاد وتغلبهم على الخلفاء كما نذكرذلك في أخبار دولتهم‏.‏ ثـم خـرج باليمـن مـن الزيدية من ولد القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا أخي محمد صاحب أبي السرايـا عـام ثمانيـة وثمانيـن ومائتيـن يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسـم الرسـي فاستولـى علـى صعـدة وأورث عقبه فيها ملكاً باقياً لهذا العهد وهي مركز الزيدية كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وفي خلال ذلك خـرج بالمدينـة الأخـوان محمـد وعلـي ابنـا الحسـن بـن جعفـر بـن موسـى الكاظـم وعاثـا فـي المدينة عيثاً شديداً وتعطلت الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من شهر وذلك سنة إحدى وسبعين‏.‏ ثـم ظهـر بالمغـرب مـن دعـاة الرافضـة أبـو عبـد اللـه الشيعـي فـي كتامـة مـن قبائـل البربـر عـام ستـة وثمانيـن ومائتين داعيا لعبيد الله المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق فظهـر علـى الأغالبـة بالقيـروان وبايـع لعبيـد الله المهدي سنة ست وتسعين فتم أمره وملك المغربين واستفحلت له دولة بالمغرب ورثها بنوه‏.‏ ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فملكها منهم المعز لدين الله معد بن إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله المهدي وشيـد القاهـرة‏.‏ ثـم ملـك الشـام واستفحل ملكه إلى أن انقرضت دولتهم على العاضد منهم على يد صلاح الدين بن أيوب سنة خمس وستين وخمسمائة‏.‏ ثـم ظهـر فـي سـواد الكوفـة سنـة ثمـان وخمسيـن ومائتيـن مـن دعـاة الرافضـة رجـل اسمـه الفـرج بـن يحيى ويدعى قرمط بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفية فيه كثير من كلمات الكفر والتحليـل والتحريـم وادعـى أن محمـد بـن الحنفيـة هو المهدي المنتظر وعاث في بلاد السواد ثم في بلـاد الشام وتلقب وكرويه بن مهرويه واستبد طائفة منهم بالبحرين ونواحيها ورئيسهم أبو سعيد الجنابـي وكان له هناك ملك ودولة أورثها بنيه من بعده إلى أن انقرضت أعوامهم كما يذكر في أخبار دولتهم‏.‏ وكان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العبيديين بالمغرب وطاعتهم‏.‏ ثم كان بالعراق من دعاة الإسماعيلية وهـؤلاء الرافضـة طوائـف آخـرون استبـدوا بكثيـر مـن النواحي ونسب إليهم فيها القلاع‏:‏ قلعة الموت وغيرها وينسبون تارة إلى القرمطة وتارة إلـى العبيديين وكان من رجالاتهم الحسن بن الصباح في قلعة الموت ما إلى أن انقرض أمرهم آخر الدولة السلجوقية‏.‏ وكان باليمامة ومكة والمدينة من بعـد ذلـك دول للزيديـة والرافضـة فكـان باليمامـة دولـة لبنـي الأخضـر وهـو محمـد بـن يوسـف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى خرج أخـوه إسماعيـل بـن يوسـف فـي باديـة الحجـاز سنـة اثنتين وخمسين ومائتين مكة‏.‏ ثم مات فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها وأورثها لبنيه إلى أن غلبهم القرامطة‏.‏ وكان بمكة دولة لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى خرج محمد بن سليمان أيام المأمون وتسمى بالناهض وملك مكة واستقرت إمارتها في بنيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم وكبيرهم محمـد بـن جعفـر بـن أبـي هاشـم محمـد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون فملكها من إبراهيم سنة أربع وخمسين وأربعمائة وغلب بني حسن على المدينة وداول الخطبـة بمكـة بيـن العباسييـن والعبيدييـن واستفحل ملكه في بنيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة وغلب على مكة بنو أبي قمي أمراؤها لهذا العهد‏.‏ ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن إدريـس مطاعـن بـن عبـد الكريـم بـن موسـى بـن عيسـى بـن محمـد بـن سليمـان بـن عبـد اللـه بـن موسى الجون وورث دولة الهواشم وملكهم أورثها بنيه إلى هذا العهد كما نذكر في أخبارهم وهؤلاء كلهم زيدية‏.‏ وبالمدينـة دولـة للرافضـة لولـد الهنـاء‏.‏ قال المسبحي‏:‏ اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم وفي كتاب العتبي مؤرخ دولة ابن سبكتكين أن مسلما اسمه محمد بن طاهر وكان صديقاً لكافور ويدبر أمـره وهـو مـن ولـد الحسـن بـن علـي زيـن العابديـن‏.‏ واستولـى مسلـم علـى المدينـة أعـوام ستيـن وثلاثمائـة وأورثها بنيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:30 AM

الأدارسة ملوك
المغرب الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصى ومبدأ دولتهم وانقراضها ثم تجددها مفترقة في نواحي المغرب لمـا خـرج حسيـن بـن علـي بـن حسـن المثلـث بـن حسـن المثنـى بـن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدي واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه إدريس ويحيى وقاتلهم محمـد بـن سليمـان بـن علـي بعجـة علـى ثلاثـة أميـال عـن مكـة فقتـل الحسيـن فـي جماعـة من أهل بيته وانهزمـوا وأسـر كثيـر منهـم‏.‏ ونجـا يحيـى بـن إدريـس وسليمـان وظهـر يحيـى بعد ذلك في الديلم وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه‏.‏ وأما إدريس ففر ولحق بمصر وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بـن المنصـور ويعـرف بالمسكيـن وكـان واضـح يتشيـع فعلـم شـأن إدريـس وأتاه إلى الموضع الذي كان به مستخفيا ولم ير شيئـا أخلـص مـن أن يحملـه علـى البريـد إلـى المغـرب ففعل ولحق إدريس بالمغرب الأقصى هو ومولاه راشـد ونـزل بوليلـى سنـة اثنتيـن وسبعيـن وبهـا يومئـذ إسحـاق بـن محمـد بـن عبد الحميد أمير أوربة وكبيرهم لعهده فأجاره وأجمع البرابر على القيام بدعوته وكشف القناع في ذلـك واجتمعـت عليه زواغة ولواتة ومدراته وغياثة ونفرة ومكناسة وغمارة وكافة البربر بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره‏.‏ وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا ولحق به من إخوته سليمان ونزل بأرض ولمـا استوثـق أمر إدريس وتمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية واليهودية والنصرانية مثل قندلاوة وبهلوانة ومديونة ومازار وفتـح تامستـا ومدينـة شالـة وتـادلا وكان أكثرهم على دين اليهودية والنصرانية فأسلموا على يديه طوعـاً وكرهـاً وهـدم معاقلهـم وحصونهـم‏.‏ ثـم يزحـف إلى تلمسان وبها من قبائل بني يعرب ومغراوه سنة ثلاث وسبعين ولقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه الطاعة وبذل له إدريس الأمان ولسائر زناتة فأمكنه مـن قيـاد البلـد وبنـى مسجدهـا وأمـر بعمل منبره وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر لهذا العهد‏.‏ ورجع إلى مدينة وليلى ثم دس إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ أنفذه بكتابة إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً النزوع إليه فيمن نزع من وهران المغرب متبرئاً من الدعوة العباسية ومنتحلا للطلب‏.‏ واختصه الإمام إدريس حلا بعينه وكمان قد تأبط سما في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان به كما زعموا حتفه ودفن بوليلى سنة خمس وسبعين‏.‏ وفـر الشمـاخ ولحقـه فيمـا زعمـوا راشـد بوادي ملوية فاختلفا ضربتين قطع فيها راشد يد الشماخ وأجاز الوادي فأعجزه واعتلق بالبرابر من أوربة وغيرهم فجمل من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزه بايعوه حملا ثم رضيعا ثم فصيلا إلى أن شب واستنم فبايعوه بجامع وليلى سنة ثمان وثمانين ابن إحدى عشرة سنة وكان ابن الأغلب دس إليهم الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشدا مولاه سنة ست وثمانين وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن إلياس العبدي ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس فقاموا بأمره وجردوا لأنفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته وافتتحوا بلاد المغرب كلها واستوثق لهم الملك بها واستوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المسمى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم‏.‏ وسمته على الخرطوم وكأنها خطام ونزع إليه كثير من قبائل العرب والأندلس حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة فاختصهم دون البربر وكانوا له بطانة وحاشية واستفحل بهم سلطانه‏.‏ ثـم قتـل كبيـر أوربـة إسحـاق بـن محمـود سنـة اثنتيـن وتسعيـن لمـا أحـس منـه بموالـاة إبراهيـم بـن الأغلـب وكثرت حاشية الدولة وأنصارها وضاقت وليلى بهم فاعتام موضعا لبناء مدينة لهم وكانت فاس موضعا لبني بوغش وبني الخير من وزاغة وكان في بني بوغش مجوس ويهود ونصارى وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم وأسلموا كلهم على يده‏.‏ وكانت بينهم فتن فبعث للإصلـاح بينهـم كاتبـه أبـا الحسـن عبـد الملـك بـن مالـك الخزرجـي‏.‏ ثم جاء إلى فاس وضرب أبنيته بكـزواوه وشـرع بنائهـا فاختـط عـدوة الأندلـس سنـة اثنيـن وتسعين‏.‏ وفي سنة ثلاث بعدها اختط عدوة والقرويين وبنى مساكنه وانتقل إليها وأسس جامع الشرفاء وكانـت عـدوة القروييـن مـن بـاب السلسلـة إلـى غديـر الجوزاء والجرف واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين بدعوته وأمر العز والملك‏.‏ ثم خرج غازيا المصامدة سنة سبع وتسعين فافتتح بلادهم ودانوا بدعوته‏.‏ ثم غزا تلمسان وجدد بناء مسجدها وإصلاح منبرها وأقام بها ثلـاث سنيـن وانتظمـت كلمـة البرابـرة وزناتـة ومحوا دعوة الخوارج منهم واقتطع الغربيين عن دعوة العباسيين من لدن الشموس الأقصى إلى شلف‏.‏ ودافع إبراهيم بن الأغلب عن حماه بعد ما ضايقه بالمكاد واستقاد الأولياء واستمال بهلـول بـن عبـد الواحـد المظفـري بمـن معه من قومه عن طاعة إدريس إلى طاعة هارون الرشيد‏.‏ ووفد عليه بالقيروان واستراب إدريس بالبرابرة فصالح إبراهيم بن الأغلب وسكن من غربه‏.‏ وعجز الأغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الأدارسة ودافعوا خلفاء بني العباس بالمعاذير بالغض من إدريس والقدح في نسبه إلى أبيه إدريس بما هو أوهن من خيوط العناكب‏.‏ وهلك إدريس سنة ثلاث عشرة وقام بالأمر من بعده ابنه محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدتـه كنـزة أم إدريـس علـى أن يشـرك إخوتـه في سلطانه ويقاسم ممالك أبيه‏.‏ فقسم المغرب بينهم أعمـالا اختـص منهـا القاسـم بطنجـة وبسكـرة وسبتـه وتيطاويـن وقلعـة حجـر النسر وما إلى ذلك من البلاد والقبائل واختص عمر بتيكيسان وترغة وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة واختص داود ببلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من القبائل‏:‏ مكناسـة وغياثـة واختـص عبـد اللـه بإغمات وبلد نفيس وجبـال المصادمـة وبلـاد لمطـة والسـوس الأقصـى واختـص يحيـى بأصيـلا والعرائش وبلاد زوغة وما إلى ذلك‏.‏ واختص عيسى بشالة وسلا وأزمور وتامستا وما إلى ذلك من القبائل‏.‏ واختص حمزة بوليلى وأعمالها وأبقى الباقين في كفالتهم وكفالة جدتهم كنزة لصغرهـم‏.‏ وبقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله‏.‏ وخرج عيسى بأزمور على أخيه محمد طالباً الأمر لنفسه فبعث لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع‏.‏ ولما أوقع عمر بعيسى وغلب علـى مـا فـي يـده إستنابـه إلـى أعمالـه بـإذن أخيـه محمـد‏.‏ ثـم أمـره أخـوه محمـد بالنهـوض إلـى حـرب القاسـم لقعـوده عـن إجابتـه فـي محاربـة عيسـى فزحـف إليـه وأوقـع بـه واستناب عليه إلى مـا فـي يـده فصـار الريـف البحـري كلـه مـن عمـل عمـر هـذا من تيكيسان وبلاد غمارة إلى سبتة ثم إلـى طنجـة‏.‏ وهـذا ساحـل البحـر الرومـي ثـم ينعطـف إلـى أصيـلا ثم سلا ثم أزمور وبلاد تامستا وهذا ساحل البحر الكبير‏.‏ وتزهد القاسم وبنى رباطاً بساحل أصيلا للعبادة إلى أن هلك‏.‏ واتسعـت ولايـة عمـر بعمل عيسى والقاسم وخلصت طويته لأخيه محمد الأمير وهلك في إمارة أخيـه محمـد ببلـد صنهاجـة بموضـع يقـال لـه فـج الفـرص سنة عشرين ومائتين ودفن بفاس وعمر هذا هو جد المحموديين الدائلين بالأندلس من بني أمية كما نذكره‏.‏ وعقـد الأميـر محمـد علـى عملـه لولـده علـي بن عمر‏.‏ ثم كان مهلك الأمي ومحمد لسبعة أشهر من مهلـك أخيـه عمـر سنـة إحـدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف ولده علياً في مرضه وهو ابن تسع سنين فقام بأمره الأولياء والحاشية من العرب وأوربة وسائر البربر وصنائع الدولة وبايعوه غلاماً مترعرعاً وقامـوا بأمـره وأحسنـوا كفالتـه وطاعتـه فكانـت أيامـه أيـام وهلـك سنـة أربـع وثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته وعهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر وامتد سلطانه وعظمت دولته وحسنت آثار أيامه‏.‏ واستجدت فاس في العمران وبنيت بها الحمامات والفنادق للتجار وبينت الأرباض ورحل إليهـا النـاس مـن الثغور القاصية واتفق أن نزلتها امرأة من أهل القيروان تسمى أم البنين بنت محمد الفهري وقال ابن أبي ذرع اسمها فاطمة وإنها من هوارة‏.‏ وكانت مثرية بموروث أفادته من ذويها واعتزمت علـى صرفـه فـي وجـوه الخيـر فاختطـت المسجـد الجامـع بعـدوة القروييـن أصغـر مـا كـان سنـة خمس وأربعين في أرض بيضاء كان أقطعها الإمام إدريس وأنبطت بصحنها بئراً شراباً للناس فكأنما نبهت بذلك عزائم الملوك من بعدها ونقلت إليه الخطبة من جامع إدريس لضيق محلته وجوار بيته‏.‏ واختط بعد ذلك أحمد بن سعيد بن أبي بكر اليغرني صومعته سنة خمس وأربعين وثلاثمائة علـى رأس مائـة سنـة من اختطاط الجامع حسبما هو منقوش في الحجارة بالركن الشرقي منها‏.‏ ثم أوسع في خطته المنصور بن أبي عامر وجلب إليه الماء وأعذ له السقاية والسلسلة بباب الحفـاة منـه‏.‏ ثم أوسع في خطته آخر ملوك لمتونة من الموحدين وبنى مرين واستمرت العمارة به وانصرفـت هممهـم إلـى تشييـده والمنافسـات فـي الاحتفـال بـه فبلـغ الاحتفـال فيـه ما شاء الله حسبما هـو مذكـور فـي تواريـخ المغـرب‏.‏ وهلـك يحيـى هـذا سنة وولي ابنه يحيى بن يحيى فأساء السيرة وكثر عيثه في الحرم وثارت به العامة لمركب شنيع أتاه وتولى كبر الثورة عبد الرحمن بن أبي سهل الحزامي وأخرجوه من عدوة القرويين إلى عدوة الأندلسيين فتوارى ليلتين ومات أسفـا لليلتـه‏.‏ وانقطـع الملـك مـن عقب محمد بن إدريس‏.‏ وبلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمه علي بن عمـر صاحب الريف‏.‏ واستدعاه أهل الدولة من العرب والبربر والموالي فجاء إلى فاس ودخلها وبايعوه واستولى على أعمال المغرب إلى أن ثار عليه عبد الرزاق الخارجي خرج بجبال لمتونة وكـان علـى رأي الصفريـة فزحـف إلـى فاس وغلب عليها ففر إلى أوربة وملك عبد الرزاق عدوة الأندلس وامتنعت منه عدوة القرويين وولوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن إدريس وكـان يعرف بالصرام بعثوا إليه فجاءهم في جموعه وكانت بينه وبين الخارجي حروب‏.‏ ويقال إنه أخرجـه مـن عـدوة الأندلـس واستعمـل عليهـا ثعلبـة بـن محـارب بـن أبـي صفـرة‏.‏ ثـم استعمل ابنه عبد اللـه المعـروف بعبـود من بعده ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنـة اثنتيـن وتسعيـن ومائتين‏.‏ وقام بالأمر مكانه يحيى بن إدريس بن عمر صاحب الريف وهو ابـن أخـي علـي بـن عمر فملك جميع أعمال الأدارسة وخطب له على سائر أعمال المغرب وكان أعلى بني إدريس ملكا وأعظمهم سلطانـا وكـان فقيهـاً عارفـاً بالحديـث ولـم يبلـغ أحـد مـن الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة‏.‏ وفي أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بإفريقيا وتغلبوا على الإسكندرية واختطوا المهدية كما نذكره في دولة كتامة‏.‏ ثم طمحوا إلى ملك المغرب وعقدوا لمضالة بن حبوس كبير مكناسة وصاحب تاهرت علـى محاربـة ملوكـه سنـة خمـس وثلاثمائة فزحف إليه في عساكر مكناسة وكتامة وبرز لمدافعته يحيى بن إدريس صاحـب المغـرب بجموعه من المغرب وأولياء الدولة من أوربة وسائر البرابرة والموالي والتقوا على مكناسة وكانـت الدبـرة علـى يحيـى وقومـه ورجـع إلـى فاس مغلولا وأجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤديه إليه وطاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه يؤديها فقبل الشرط وخرج عن الأمر وخلع نفسه وأنفذ بيعته إلى عبيد الله المهدي وأبقى عليه مصالحه في سكنى فاس وعقد له على عملها خاصة وعقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسـة يومئـذ وصاحـب سنوروتازه على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة ودولة موسى‏.‏ وكان بين موسى بن أبي العافية وبين يحيى بن إدريس شحناء وعداوة يضطغنها كل واحد لصاحبـه حتـى إذا عـاد مضالـة إلـى المغـرب فـي غزاتـه الثانيـة سنـة تسـع أغـزاه موسـى بن أبي العافية بطلحة بن يحيى بن إدريس صاحب فاس فقبض عليه مضالة استصفى أمواله وذخائره وغربه إلـى أصيـلا والريـف عمـل ذي قربـاه ورحمـه وولـى على فاس ريحان الكتامي‏.‏ ثم خرج يحيى يريد إفريقيـا فاعترضـه ابـن أبـي العافيـة وسجنـه سنتيـن وأطلقـه ولحـق بالمهديـة سنـة إحـدى وثلاثيـن وهلك فـي حصـار أبـي يزيـد سنـة واستبـد ابـن أبـي العافيـة بملـك المغـرب وثار على ريحان الكتامي بفاس سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ونفى ريحان عنها وملكها عامين وزحف للقاء موسى بن أبي العافية وكانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى وانجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل وخلص الحسن إلى فاس منهزماً وغدر به حامد بن حمدان الأوربي واعتقله‏.‏ وبعث إلى موسى فوصل إلى فاس وملكها وطالبه بإحضار الحسن فدافعه عن ذلك وأطلق الحسـن متنكـراً فتدلـى مـن السـور فسقـط ومـات مـن ليلته‏.‏ وفر حامد بن حمدان إلى المهدية وقتل موسى بن أبي العافية عبد الله بن ثعلبة بن محـارب وابنيـه محمـداً ويوسـف وذهـب ملـك الأدارسـة واستولـى ابن أبي العافية على جميع المغرب وأجلى بني محمد بن القاسم بن إدريس وأخـاه الحسن إلى الريف فنزلوا البصرة واجتمعوا إلى كبيرهم إبراهيم بن محمد بن القاسم أخي الحسـن وولـوه عليهـم واختـط لهـم الحصن المعروف بهم هنالك وهو حجر النسر سنة سبع عشرة وثلاثمائة أنزلوه وبنو عمر بن إدريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة وطنجة وبقي إبراهيم كذلك‏.‏ وشمر الناصر المرواني لطلب المغرب وملك سبتة علي بن إدريس سنة تسع عشـرة وكبيرهـم يومئـذ أبـو العيش بن إدريس بن عمر فانجابوا له عنها وأنزل بها حاميته‏.‏ وهلك إبراهيم بن محمد كبير بني محمد فتولى عليهم من بعده أخوه القاسم الملقب بكانون وهو أخو الحسن الحجام واسمه القاسم بن محمد بن القاسم وقام بدعوة الشيعة انحرافا عن أبي العافية ومذاهبه‏.‏ واتصل الأمر في ولده وغمارة أولياؤهم لقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة‏.‏ ودخلت دعوة المروانيين خلفاء قرطبة إلى المغرب وتغلبت زناتة على الضواحي‏.‏ ثم ملك بنو يعـرب فـاس وبعدهـم مغـراوة وأقـام الأدارسـة بالريـف مـع غمارة وتجدد لهم به ملك في بني محمد وبني عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر ومدينة سبتة وأصيلا‏.‏ ثم تغلب عليهم المروانيون وأثخنوهم إلى الأندلس ثم أجازوهم إلى الإسكندرية‏.‏ وبعث العزيز العبيدي بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبي عامر وقتله‏.‏وعليه كان انقراض أمرهم وانقراض سلطان أوربة من المغرب وكان من أعقاب الأدارسة الذين أووا إلـى غمـارة فكانـوا الدائليـن مـن ملـوك الأمويـة بالأندلـس‏.‏ وذلـك أن الأدارسـة لمـا انقـرض سلطانهـم صـاروا إلـى بلـاد غمـارة واستجـدوا بهـا رياسة واستمرت في بني محمد وبني عمر من ولد إدريس بن إدريس وكانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة وخلطة‏.‏ وكان بنو حمود هؤلاء مـن غمـارة فأجـازوا مـع البربـر حيـن أجـازوا في مظاهرة المستعين‏.‏ ثم غلبوه بعد ذلك على الأمر وصار لهم ملك الأندلس حسبما تذكر في أخبارهم‏.‏ وأما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس وطلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة وطلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيـح نسبـه‏.‏ ولحـق بتلمسان فملكها وأذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط واقتسموا ممالكه ونواحيـه فكانـت تلمسـان مـن بعـده لابنـه محمـد بن أحمد بن القاسم بن محمد بن أحمد وأظن هذا القاسم هو الذي يدعي بنو عبد الواد نسبه فإن هذا أشبه من القاسم بن إدريس بمثل هذه الدعوى‏.‏ وكانت ارشكول لعيسى بن محمد بن سليمان‏.‏ وكان منقطعاً إلى الشيعة‏.‏ وكانت جـراوة لإدريـس بـن محمـد بـن سليمـان ثـم لابنـه عيسـى وكنيتـه أبـو العيش ولم تزل إمارتها في ولده ووليهـا بعـده ابنـه إبراهيـم بـن عيسـى ثم ابنه يحيى بن إبراهيم ثم أخوه إدريس بن إبراهيم وكان إدريس بن‏.‏ إبراهيم صاحب أرشكول منقطعا إلى عبد الرحمن الناصر وأخوه يحيى كذلك‏.‏ وارتـاب مـن قبلـه ميسـور قائـد الشيعة فقبض عليه سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ثم انحرف عنهم فلمـا أخـذ ابـن أبـي العافيـة بدعـوة العلويـة نابـذ أوليـاء الشيعـة فحاصـر صاحـب جـراوة الحسـن بن أبي العيـش وغلبـه علـى جـراوة فلحـق بابن عمه إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول‏.‏ ثم حاصرها البوري بن موسى بن أبي العافية وغلب عليهما وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبـة وكانـت تنـس لإبراهيـم بـن محمـد بن سليمان ثم لابنه محمد من بعده ثم لابنه يحيى بن محمد ثم ابنه علي بن يحيى وتغلب عليـه زيـري بـن منـاد سنـة اثنتيـن وأربعيـن وثلاثمائـة ففـر إلـى الجبـر بـن محمـد بن خزر وجاز ابناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقاهما رحبا وتكرمة‏.‏ ورجع يحمى منهما إلى طلـب تنـس فلـم يظفـر بهـا‏.‏ وكـان مـن ولـد إبراهيـم هـذا أحمـد بـن عيسـى بـن إبراهيـم صاحـب سـوق إبراهيم وسليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط‏.‏ وكان من بني محمد بن سليمـان هـؤلاء وبطوش بن حناتش بن الحسن بن محمد بن سليمان قال ابن حزم وهم بالمغرب كثير جداً وكان لهم بها ممالك وقد بطل جميعها ولم يبق منهم بها رئيـس بنواحـي بجايـة‏.‏ وحمل بني حمـزة هـؤلاء جوهـر إلـى القيـروان وبقيـت منهـم بقايـا فـي الجبـال والأطـراف معروفـون هنالـك عند البربر والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أولها فلم يتم لصاحبها دولة وذلك أن دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه وكان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعتهم بالنواحي علي بن محمـد بـن أحمـد بـن عيسـى بـن زيد الشهيد ولما اشتهر أمره فر وقتل ابن عمه علي بن محمد بن الحسن بن علي بن عيسى وبقي هو متغيباً فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتيـن أيـام المهـدي أنـه هـو فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب ولقيه صاحب الزنج حياً معروفاً بين النـاس فرجـع عـن دعـوى نسبـه وانتسـب إليـه إلـى يحيـى بـن يزيـد قتيـل الجـون ونسبـه المسعـودي إلـى طاهر بن الحسين بن علي وقال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر‏.‏ ويشكل ذلك بأن الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلا من زين العابدين قاله ابن حزم وغيره فإن أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن حسن الأصغر بن زين العابديـن فتطـول سلسلة نسبه وتشتمل على اثني عشرة إلى الحسين بن فاطمة ويبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه‏.‏ والذي عليه المحققون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيـس مـن قريـة تسمـى ودريفن من قرى الري واسمه علي بن عبد الرحيم حدثته نفسه بالتوثب ورأى كثرة خروج الزيدية من الفاطميين فانتحل هذا النسب وادعاه وليس من أهله‏.‏ ويصدق هذا أنه كان خارجياً على رأي الأزارقة يعلن الطائفتين من أهل الجمل وصفين وكيف يكون هـذا مـن علـوي صحيـح النسـب ولأجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل وعاث في جهات البصرة واستباح الأمصار وخربهـا وهـزم العساكـر وقتـل الأمـراء الأكابر واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها من جاوبه لمكره سنة الله في عباده‏.‏ وسيـاق الخبـر عنـه أنـه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر ثم سار إلى البحرين سنة تسع وأربعين ومائتيـن فادعـى أنـه علـوي مـن ولـد الحسيـن بـن عبيـد اللـه بـن عبـاس بـن علـي ودعـا النـاس إلـى طاعتـه فاتبعـه كثيـر مـن أهـل هجـر‏.‏ ثـم تحـول إلى الإحساء ونزل على بعض بني تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقـت العـرب عنـه ولحـق بالبصـرة والفتنـة فيها بين البلالية والسعدية وبلغ خبره محمد بن رجاء العامـل فطلبـه فهـرب وحبـس ابنـه وزوجتـه وبعـض أصحابـه ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بـن زيـد الشهيـد كمـا قلنـاه وأقـام بها حولا‏.‏ ثم بلغه أن البلالية والسعدية أخرجوا محمد بن رجاء مـن البصـرة وأن أهلـه خلصـوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ومعه يحيى بن محمد وسليمان بن جامع‏.‏ ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمدحاني وعلي بن أبان وعبدان غير من سمينـا فنـزل بظاهـر البصـرة ووجـه دعوتـه إلـى العبيـد مـن الزنـوج وأفسدهـم علـى مواليهـم ورغبهـم في العتق ثم في الملك واتخذ راية رسم فيها ‏"‏ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ‏"‏ الآية‏.‏ وجاءه موالـي العبيـد فـي طلبهـم فأمرهم بضربهم وحبسهم ثم أطلقهم‏.‏ وتسايل إليه الزنوج واتبعوه وهزم عساكر البصرة والأبلة وذهب إلى القادسية وجاءت العساكر من بغداد فهزمهم ونهب النواحي وجاء المدد إلى البصرة مع جعلان من قواد الترك وقاتلوه فهزمهم‏.‏ ثم ملك الأبلة واستباحها وسار إلى الأهواز وبها إبراهيم بن المدبر على الخوارج فافتتحها وأسر ابن المدير سنة ست وخمسين إلى أن فر من محبسهم فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين وهو يومئذ عامل البصرة وسار من واسط فهزمه علي بن أبان من قواد الزنج لحربهم هزمـه إلـى البحريـن فتحصن بالبصرة وزحف علي بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانه ودخلها وأحرق جامعها ونكب عليه صاحب الزنج فصرفه وولى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني‏.‏ وبعث المعتمد محمد المولد إلى البصرة فأخرج عنها الزنج ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه ثم سـاروا إلـى الأهـواز وعليهـا منصـور الخيـاط فواقع الزنج فغلبوه وكان المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمـد الموفـق مـن مكـة وعقـد لـه علـى الكوفـة والحرميـن وطريق مكة واليمن ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وأمـره أن يعقـد ليارجـوج علـى البصـرة وكـور دجلـة واليمامـة والبحريـن مكـان سعيـد بـن صالـح‏.‏ ثـم انهـزم سعيـد بـن صالـح فعقد يارجوج لمنصور بـن جعفـر مكانـه ثـم قتلـه الزنـج كمـا قلنـاه فأمـر المعتمـد أخـاه الموفـق بالمسيـر إليهم في ربيع سنة ثمان وخمسيـن وعلـى مقدمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة وسار قائدهم علي بن أبان فلقي مفلحا فقتـل مفلح وانهزم أصحابه ورجع الموفق إلى سامرا وكان اصطيخور ولي الأهواز بعد منصور الخياط وجاءه يحيـى بـن محمـد البحرانـي مـن قـواد الزنـج وبلغهـم مسيـر الموفـق فانهـزم يحيـى البحراني ورجع في السفن فأخذ وحمل إلى سامرا فقتل وبعث صاحب الزنج مكانه علي بن أبان وسليمان الشعراني فملكوا الأهواز من يد اصطيخور سنة تسع وخمسين بعد أن هزموه وهرب في السفن فغرق‏.‏ وسـرح المعتمـد لحربهـم موسـى بـن بغـا بعـد أن عقـد لـه على تلك الأعمال فبعث إلى الأهواز عبد الرحمـن بـن مفلـح وإلـى البصـرة إسحاق بن كيداجق وإلى باداورد إبراهيم بن سليمان وأقاموا في حروبهـم مـدة سنـة ونصفهـا‏.‏ ثـم استعفـى موسـى بـن بغـا وولي تلك الأعمال مكانه مسرور البلخي وجهز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق لحربهم بعد أن عهد له بالخلافة ولقبه الناصر لدين الله الموفق وولاه على أعمال المشرق كلها إلى آخر أصفهان وعلى الحجاز فسار لذلك سنة اثنتين وستين واعترضه يعقوب الصفار يريد بغداد فشغل بحربه وانهزم الصفار وانتزع من يده ما كان ملكه من الأهواز‏.‏ وكان مسرور البلخي قد سار إلى المعتمد وحضر معه حرب الصفار فاغتنم صاحب الزنج خلو تلك النواحي من العسكر وبث سراياه للنهب والتخريب في القادسية وجاءت العساكر مـن بغـداد مـع اغرتمش وخشنش فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان بن جامع وقتل خشنش‏.‏ وكان علـي بـن أبـان مـن قوادهـم قـد سـار إلـى الأهـواز وأميرهـا يومئـذ محمـد بن هزار مرد الكردي فبعث مسـرور البلخـي أحمـد بـن الينونة للقائهم فغلب أولاً‏.‏ على الأهواز علي بن أبان ثم ظاهره محمد بـن هـزار مرد والأكراد فرجع إلى السوس وأقام علي بن أبان وصاحبه بتستر وطمع أنه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفار فاقتتلا وانهزم علـي بـن أبـان وخـرج واضطربـت فـارس بالفتنة‏.‏ ثم ملك الصفار الأهواز وواعد الزنج وسار سليمان بن جامع من قواد الزنج وولي الموفـق علـى مدينـة واسـط أحمـد بـن المولـد فزحـف إليه الخليل بن أبان فهزمه واقتحم واسطا واستباحها سنـة أربـع وستيـن وضربـت خير لهم في نواحي السواد إلى النعمانية إلى جرجرايا فاستباحوها وسـار علـي بـن ابـان إلـى الأهـواز فحاصرها واستعمل الموفق عليها مسروراً البلخي فبعثه تكيد البخـاري إلـى تستر فهزمهم علي بن أبان وجماعة الزنج وسألوه الموادعة فوادعهم واتهمه مسرور فقبض عليه وبعث مكانه اغرتمش فهزم الزنج أولاً ثم هزموه ثانيا فوادعهم‏.‏ ثم سار علي بن أبان إلى محمد بن هزارمرد الكردي فغلبه على رامهرمز حتى صالحه عليها على مائتي ألف درهـم وعلـى الخطبـة لـه فـي أعمالـه‏.‏ ثـم سار أبن أبان لحصار بعض القلاع بالأهواز فزحف إليه مسرور البلخي فهزمه واستباح معسكره‏.‏ وكان الموفق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العباس سنة ست وستين في عشرة آلاف من المقاتلة ومعه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بأن سليمان بن جامع أقبل في المقاتلة والسفن براً أو بحراً وعلى مقدمته الجناني ولحقهم سليمان بن موسى الشعراني بالعساكر ونزلوا من الطفح إلى أسفل واسط فسار إليهم أبو العباس فهزمهم فتأخروا وراءهم وأقام على واسط يردد عليهم الحروب والهزائم مرة بعد أخرى ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان وابن جامع أن يجتمعا لحرب أبي العباس بن الموفق وبلغ ذلك الموفق فسار من بغـداد فـي ربيـع سنـة سبـع وستيـن فانتهـى إلـى المنيعـة وقاتـل الزنج فانهزموا أمامه واتبعهم أصحاب أبى العباس ابنه فاقتحموا عليهم المنيعة وقتلوا وأسروا وهدم سور المنيعة وطمس خندقها وهرب الشعراني وابن جامع وسار أبو العباس إلـى المنصـورة بطهشـا فنازلهـا وغلـب عليهـا وأفلت ابن جامع إلى واسط وغلب على ما فيها من الذخائر والأموال وهدم سورها وطم خنادقها ورجع إلى واسط‏.‏ ثم سار الموفق إلى الزنج بالأهواز واستخلف ابنه هارون على جنده بواسط وجاءه لخبر برجوع الزنج إلى طهشا والمنصورة فرد إليهم من يوقع بهم ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس وعلـي بـن أبـان بالأهـواز فسـار إلـى صاحبـه واستأمـن المخلفـون هنالـك إلـى موفـق فأمنهم وسار إلى تستـر وأمـن محمـد بـن عبـد اللـه الكـردي ثـم وافى الأهواز وكتب إلى ابنه هارون أن يوافيه بالجند بنهـر المبـارك مـن فرات البصرة وبعث ابنه أبا العباس حرب الخبيث بنهر أبي الخصيب واستأمن إليه جماعة من قواده فأمنه وكتب إليه بالدعوة والأعذار وزحف إليه في مدينته المختارة له وأطلـق السفـن فـي البحـر وعبـى عساكـره وهـي نحـو مـن خمسيـن ألفـاً والزنـج فـي نحو من ثلاثمائة ألف مقاتـل ونصـب الآلـات ورتـب المنـازل للحصـار وبنـى المقاعـد للقتال واختط مدينة الموفقية لنزوله وكتب بحمل الأموال والميرة إليها فحملت وقطع الميـرة عـن المختـارة وكتـب إلـى البلـاد بإنشـاء السفـن والاستكثـار منهـا وقـام يحاصرهـا من شعبان سنة سبع وستين إلى صفر من سنة سبعين‏.‏ ثم اقتحم عليهم المختارة فملكها وفر الخبيث وابنه انكلاي وابن جامع إلى معقل أعده واتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه وأمرهم من الغد بأتباعه فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ابن جامع‏.‏ ثم قتل صاحب الزنج وجيء برأسـه ولحـق انكلـاي بالدينـاري خمسـة آلـاف ولحقهـم أصحاب الموفق فظفروا بهم وأسروهم أجمعين‏.‏ وكان درمونة من قواده قد لحـق بالبطيحـة واعتصـم بالمغايـض والآجـام ليقطـع الميـرة عـن أصحـاب الموفق‏.‏ فلما علم بقتل صاحبه استأمن إلى الموفـق فأمنـه‏.‏ ثـم أقـام الموفـق بمدينتـه قليـلا وولـى علـى البصـرة والأبلـة وكـور دجلـة ورجـع إلى بغداد فدخلها في جمادى سنة سبعين وكان لصاحب الزنج من الولد محمـد ولقبـه انكلـاي ومعنـاه بالزنجية ابن الملك ثم يحيى وسليمان والفضل حبسوا في المطبق إلى أن هلكوا‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:34 AM

الخبر عن دعاة الديلم والجبل من العلوية
وما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعي وأخيه أولا‏.‏ ثم للأطروش وبنيه وتصاريف ذلك إلي انقضائه كـان أبـو جعفـر المنصور قد اختص من العلوية من بني الحسن السبط حافده الحسن بن زيد بن الحسن وولاه المدينة وهو الذي امتحن الإمام مالكا رحمه الله كما هو معروف‏.‏ وهو الذي أغرى المنصور عن قبل ببنـي حسـن وأخبـره بدسيسـة محمـد المهـدي وابنـه عبـد اللـه فـي شـأن الدعـاء لهم حتى قبض عليهم وحملهم إلى العراق كما قدمناه‏.‏ وكان له عقب بالري منهم‏:‏ الحسن بن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسـن والـي المدينة ولما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافـل بهـا لسليمـان بـن عبـد اللـه بـن طاهـر نائبـاً عـن محمـد بـن طاهر صاحب خراسان وبين محمد وجعفر من بني رستم من أهل نواحي طبرستان حادث فتنة وقد تقدم ذكرها أغروا به أهل تلك النواحي وبعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه وكانوا على المجوسية يومئذ وهم حرب لمحمد بن أوس لدخوله بلادهم وقتله وسبيه منهم أيام المسالمة وملكهم يومئـذ وهشـوذار بـن حسان فأجابوا ابني رستم إلى حربه‏.‏ وبعـث ابنـا رستـم إلـى محمـد بـن إبراهيـم بطبرستـان لكـون الدعـوة له فامتنع ودلهم على الحسن بن زيد بالري فاستدعوه بكتاب محمد بن إبراهيم فشخص إليهم وقد اتفق الديلم وابنا رستم وأهـل ناحيتهـم علـى بيعتـه فبايعـوه وانضـم إليهـم أهـل جبـال طبرستان‏.‏ وزحف إلى آمد فقاتله ابن أوس دونـه وخالفـه الحسـن بـن زيـد فـي جماعـة إلـى آمـد فملكهـا ونجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية وزحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب وبعث بعض قواده إلى سارية فملكها وانهزم سليمان إلى جرجان واستولى الحسن على معسكره بما فيه وعلى حرمه وأولاده فبعثهم إليه في السفن‏.‏ ويقـال‏:‏ إن سليمـان انهـزم لـه لدسيسـة التشيـع التـي كانـت فـي بنـي طاهـر ثـم أقبـل الحسـن بـن زيـد إلى طبرستـان فملكهـا وهـرب عنهـا سليمـان ثـم بعـث الحسـن دعاته إلى النواحي وكان يعرف بالداعي العلـوي فبعـث إلـى الـري القاسـم ابـن عمـه علـي بن إسماعيل وبها القاسم بن علي بن زيد العابدين السمـري فملكهـا واستخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير بن زين العابدين‏.‏ وبعث إلـى قزويـن الحسيـن المعـروف بالكوكبـي بـن أحمـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن محمـد بـن جعفر وهزمه وأسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجن إلى محمد بن ميكال فهزمه وقتلـه وملك الري من يده وذلك سنة خمسين ومائتين‏.‏ ثـم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم ودخلها سليمان‏.‏ ثم قصد سارية وأتاه ابنا قاران بن شهرزاد من الديلم وأتاه أهل آمد وغيرهم طائعين فصفح عنهم‏.‏ ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه وقتل من أعيان أصحابه ثلاثمائة وأربعين رجلا‏.‏ ثم زحف موسى بن بغا لحربهم سنة ثلاث وخمسيـن فلقيـه الحسـن الكوكبـي علـى قزويـن وانهـزم إلـى الديلم واستولى موسى بن بغا على قزوين ثـم رجـع الكوكبـي سنـة سـت وخمسيـن فاستولـى علـى الـري واستولـى القاسـم بـن علـي بعدها على الكرخ سنة سبع ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان وبعث إليها محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن وغلبهم عليها وانتقـض أمـر ابـن طاهـر بخراسـان مـن يومئـذ واختلف المغلبون عليه وكان ذلك داعياً إلى انتزاع يعقوب الصفار خراسان من يده‏.‏ ثم غلبه الحسين سنة تسع وخمسين على قومس‏.‏

استيلاء الصفار على طبرستان
كان عبد الله السخري ينازعه يعقـوب بـن الليـث الصفـار الرياسـة بسجستـان فلمـا استولـى يعقـوب علـى الأمـر هـرب عبـد اللـه إلى نيسابور مستجيراً بابن طاهر فأجاره‏.‏ فلما هلك يعقوب الصفـار بنيسابـور هـرب عبـد اللـه إلـى الحسـن بـن زيد ونزل سارية وبعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد فسار إليه يعقوب سنة ستين وهزمه فلحق أرض الديلم ولحق عبد الله بالري‏.‏ وملك يعقوب ساريـة وآمـد وجبـى خراجهـا وسـار فـي طلـب الحسـن فتعلـق بجبـال طبرستـان واعترضتـه الأمطـار والأوحـال فلـم يخلـص إلا بمشقـة‏.‏ وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن وما فعله معه وسار إلى الري في طلب عبد الله السخري فأمكنه منه والي الري فقتله‏.‏ ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة إحدى وستين وغلب عليها أصحاب الصفار واقتطعها عنهم‏.‏ ثم انتقض السجستاني على يعقوب بن الليث بخراسان وملكها‏.‏ من يده كما ذكرنـاه فسـار وحاربـه أبـو طلحـة بـن شركـب وأمـره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس وستين وانتزاع جرجان من يده ثم خرج عنها بقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم فملكها الحسن بن زيد‏.‏ ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست وستين كبسه بجرجان وهو غاز فهزمه ولحق بآمد وملك سارية واستخلف عليها الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله الشيعي بن الحسين الأصغر بن زين العابدين‏.‏ وانصرف فأظهر الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد ودعا لنفسه فبايعه جماعة‏.‏ ثم وافاه الحسن بن زيد فظفر به وقتله‏.‏

وفاة الحسن بن زيد وولاية أخيه
ثـم توفـي الحسـن بـن زيـد صاحـب طبرستـان فـي رجـب سنـة سبعيـن وولـي مكانـه أخـوه محمـد وكـان قيامهم أولاً على ابن طاهر كما ذكرناه‏.‏ ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان وانتقض عليه أحمد السجستاني وملكها من يده ثم مات يعقوب سنة خمس وستين وولي مكانه أخوه عمرو وزحف إلى خراسان وقاسم السجستاني فيهـا وكانـت بينهمـا حـروب وكـان الحسـن داعـي طبرستان يقابلهما جميعاً إلى أن هلك وولي مكانه أخوه كما ذكرناه‏.‏ وكانت قزوين تغلب عليها أثناء ذلك عساكر الموفق ووليها أذكوتكين من مواليهم فزحف إلى الري سنة اثنتين وسبعين وزحـف إليـه محمـد بن زيد في عالم كبير من الديلم وأهل طبرستان وخراسان فانهزم وقتل من عسكره ستة آلاف وأسر ألفان وغنم أذكوتكين عسكره جميعاً وملك الري وفرق عماله في نواحيهـا‏.‏ ثـم مات السجستاني وقام بأمره في خراسان رافع بن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمـد بـن زيـد علـى طبرستـان وجرجـان فلحق بالديلم ثم صالحه سنة إحدى وثمانين وخطب له فيهـا سنـة اثنتيـن وثمانيـن علـى أن ينجـده علـى عمـر بن الليث وكتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد بن زيد خذلانه لرافع فخلى له عن طبرستان وملكها‏.‏

مقتل محمد بن زيد
كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان وقتل رافع بن هرثمة طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاه‏.‏ واتصل الخبر بإسماعيل بن أحمد الساماني ملك تلك الناحية فعبر جيحون وهزم جيـوش عمـرو بـن الليـث ورجع إلى بخارى فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ وأعوزه العبور‏.‏ وجاء إسماعيل فعبر النهر وأخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر‏.‏ ثم اقتتلـوا فانهـزم عمـرو وأسـره إسماعيـل وبعـث بـه إلـى المعتضـد سنـة ثمان وثمانين فحبسه إلى أن قتل وعقد لإسماعيل على ما كان بيد عمرو‏.‏ ولما اتصل بمحمد بن زيد واقعة عمرو وأمره سار من طبرستان لا يرى أن إسماعيل يقصدها فلما انتهى إلى جرجان بعث إليه إسماعيل يصده عن ذلك فأبى فسرح إليه محمد بن هرون وكان من قواد رافع بن هرثمة وصار من قواد إسماعيل بن سامان فلقي محمد بن زيد على جرجان واقتتلوا فانهزم محمد بن هارون أولا‏.‏ ثم رجعت الكرة على محمد بن زيد وافترقت عساكره وقتل من عساكره عالم وأسر ابنه زيد وأصابته هو جراحات هلك منها لأيام قلائل وغنـم ابـن هارون عسكره بما فيه وسار إلى طبرستان فملكها وبعث يزيد إلى إسماعيل فأنزله ببخارى ووسع عليه الإنفـاق واشتـدت عليـه شوكـة الديلـم‏.‏ وحاربهـم إسماعيـل سنـة تسـع وثمانيـن وملكهـم يومئـذ ابن حسان فهزمهم وصارت طبرستان وجرجان في ملك بني سامان مع خراسان إلى أن ظهر بها الأطروش كما نذكر بعد‏.‏ ويقال إن زيد بـن محمـد بـن زيـد ملـك طبرستان من بعد ذلك إلى أن توفي ملكها من بعده ابنه الحسن بن زيد‏.‏

ظهور الاطروش العلوي وملكه طبرستان الأطروش
هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذي كان منهم داعي الطالقان أيام المعتصم وقد مـر ذلـك‏.‏ واسـم الأطـروش الحسـن بـن علـي بـن الحسيـن بـن علـي بـن عمـر دخـل إلـى الديلـم بعـد مقتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد وحملهـم علـى رأي الزيديـة فدانـوا بـه‏.‏ ثـم دعاهـم إلـى المسيـر معـه إلـى طبرستـان‏.‏ وكـان عاملهـا محمـد بـن نـوح مـن قبـل أحمـد بـن إسماعيـل بـن سامـان وكـان كثير الإحسان إليهم فلم يجيبوا الأطروش إلى البغـي عليـه‏.‏ ثـم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح وولى عليها غيره فأساء السيرة فأعاد إليهـا ابـن نـوح ثـم مـات فاستعمـل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوكا فأساء السيرة وتنكر لرؤساء الديلم فدعاهم الحسن الأطروش للخـروج معـه فأجابـوه فسـار إليهـم صعلـوك ولقيهـم بشاطىء البحر على مرحلة من سالوس فانهزم وقتل من أصحابه نحو من أربعة آلاف وحصر الاطروش بقيتهم في سالوس حتى استأمنوا إليه فأمنهم ونزل آمد‏.‏ وجـاء صهـره الحسـن بـن قاسـم بـن علـي بـن عبـد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بـن الحسـن بـن زيـد والـي المدينـة وقـد مـر ذكـره فلـم يحضـر قتـل أولئك المستأمنين واستولى الأطروش على طبرستان وتسمى الناصر وذلك سنة إحدى وثلاثمائة ولحق صعلوك بالري وسار منها إلى بغداد‏.‏ ثـم زحـف الناصـر سنـة اثنتين فخرج عن آمد ولحق بسالوس وبث إليه صعلوك العساكر فهزمهم الحسن الداعي وهو الحسن بن زيد‏.‏ ثم زحفت إليه عساكر خراسان وهي للسعيد نصر بن أحمد فقتلوه سنة أربع وثلاثمائة وولى صهره وبنوه وكانت بينهم حروب بالديلم كما نذكره‏.‏ وكان له من الولد أبو القاسم وأبو الحسن وكان قواده من الديلم جماعة منهم ليلى بن النعمان وولاه صهره الحسن بعد ذلك جرجان وما كان بن كالي وكانت له ولاية استراباذ ويقرأ مـن كتاب الديلم وكان من قواده الديلم جماعة أخرى منهم أسفار بن شيرويه من أصحاب ماكان ومرداويج من أصحاب أسفار والسيكـري مـن أصحابـه أيضـاً ومولويـه مـن أصحـاب مرداويـج ويأتي الخبر عن جميعهم‏.‏ وكـان الحسـن بن قاسم صهر الأطروش وكان رديفه في الأمر حتى كان يعرف بالداعي الصغير واستعمل على جرجان سنة ثمان وثلاثمائة ليلى بن النعمان من كبار الديلم وكان له مكان في قومه وكان الأطروش وأولاده يلقبونه المؤيد لدين الله المنتصر لآل رسول الله وكانت خراسـان يومئذ لنصر بن أحمد من بني سامان‏.‏ وكـان الدامغان ثغرها من ناحية طبرستان وكان بها فراتكين من موالي ابن سامان فوقعت بينه وبين ليلى حروب وهزمه ليلى واستفحل أمره ونزع إليه فارس مولى فراتكين فأكرمه وأصهر إليه بأخته واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص وهو ابن أخت أحمد بن سهل قائد السامانية عندمـا نكـب خالـه أحمـد فأمنـه وأجـاره‏.‏ ثـم حرضـه الحسـن بـن قاسـم الداعي الصغير على المسير إلـى نيسابـور فسـار إليهـا ومعـه أبـو القاسـم بن حفص فملكها من يد فراتكين سنة ثمان وثلاثمائة‏.‏ وخطب بها للداعي وأنفذ السعيد نصر عساكره إليه من بخارى مع قائده حمويه بن علي ومعه محمد بن عبيد الله البلعي وأبو جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدواني ويقر أخان فلقيهم ليلى بطوس وقاتلوه فانهزم إلى آمد ولم يقدر على الحصار ولحقه يقراخان فقبض عليه وبعث حمويه من قتله واستأمن الديلم إليهم فأمنوهم وأشار حمويه بقتلهم فاستجاروا بالقواد وبعث برأس ليلى إلى بغداد وذلك في ربيع من سنة تسع وبقي فارس مولى فراتكين بجرجان‏.‏ إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع وثلاثمائة كما قدمناه ولى مكانه بطبرستان صهره وهو الحسن بن القاسم وقـد مـر ذكـره ويسمـى بالداعـي الصغيـر ويلقـب بالناصـر‏.‏ وبعـض النـاس يقولـون هـو الحسـن بن محمد أخي الأطروش هكذا قال ابن حزم وغيره وليس بصحيح وإنما هو صهره الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة‏.‏ ثم من عقب حافده محمد البطحانـي بـن القاسـم بـن الحسـن وكـان أبـو الحسـن بـن الأطروش باستراباذ فبايع له ما كان بن كالي وقام بأمره فلما قتل ليلى بن نعمان صاحب جرجان وعاد فراتكين إليها ثم انصرف عنهـا وجاءه أبو الحسن بن أطروش باستراباذ فبايع له فملكها فبعث السعيد بن سامان صاحب خراسان قائده سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهراً ومع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب وهو ابن عم ماكان بن كالي فلما اشتد بهم الحصـار خـرج أبـو الحسن وسرخاب في ثمانية آلاف من الديلم والجند فانهزم سيجور أولاً أتبعوه وقد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم وقتل من الديلم والجند نحو أربعة آلاف وخلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ ولحقه سرخاب فخلفه وأقام سيجرر بجرجان‏.‏ ثم هلك سرخاب وسار أبو الحسن إلى سارية وإستخلف ماكان بن كالي علـى استرابـاذ فاجتمع إليه الديلم وولوه على أنفسهم وزحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدة‏.‏ ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها وولوا عليها يقراخان وعادوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ثم سار ماكان بن كالي إلى استراباذ وملكها من يد يقراخان ملك جرجان وأقام بها وذلك سنة عشر وثلائمائة‏.‏ ثم استولى أسفار بن شيرويه على جرجان واستقل بها وكان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ماكان بن كالـي ونكـره لبعـض أحوالـه فطـرده مـن عسكـره وسار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه وبعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له وقد كان ماكان سار إلى طبرستان وولى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسـن عليـا وكـان أبـو الحسـن بـن الأطـروش معتقـلا عنـده وهم ليله بقتله وقصده في محبسه فظفر به أبو علي وقتله وخرج من الدار‏.‏ وأختفى وبعث من الغد إلى القواد فبايعوا له وولوا على جيشه علي بن خرشيد ورضوا به‏.‏ واستقدموا أسفار بن شيرويه فاستأذن بكر بن محمد وقدم عليهم وسار إليهم ماكان بن كالي فحاربـوه وغلبـوه علـى طبرستان وأنزلوا بها أبا علي بن الأطروش فأقام بها أياماً ومات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه وجاء ماكان بن كالي لحرب أسفار بطبرستان فانهزم أسفار ولحـق ببكـر بـن محمد بجرجان وأقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة فولاه السعيد على جرجان وأرسل إلى مرداويج بن دينـار الجبلـي وجعلـه أميـر جيشـه وزحفـوا إلـى طبرستـان فملكوها وكان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم وقائده ماكان بن كالي الديلمي فسار إلى طبرستان وقاتله أسفار فانهزم ماكان والحسن بـن القاسم الداعي وقتل بخذلان أصحابه إياه لأنه كان يشتد عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في أن يستقدموا هذرسيدان من رؤساء الجبل وكان خال مرداويج ووشكين فيقدموه عليهم ويحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش‏.‏ ونما الخبر بذلك إلى الداعي وقدم هذرسيدان فلقيه الداعي مع القواد وأدخلهم إلى عصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا وقتلهم عن آخرهم فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن وقتـل واستولـى أسفـار علـى طبرستـان والـري وجرجـان وقزويـن وزنجـار وأبهـر وقـم والكرج ودعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان وأقام بسارية واستعمل على آمد هرون بـن بهـرام وقصـد بذلـك استخلاصـه لنفسـه لأنـه كـان يخطـب لأبـي جعفـر مـن ولـد الناصـر الاطروش فولاه آمد وزوجه بإحدى نسائه الأعيان بها وحضر عرسه أبو جعفـر وغيـره مـن العلويين وهجم عليه أسفار يوم عرسه بآمد فقبض على أبي جعفر وغيره من أعيان العلويين وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا من بعد ذلك‏.‏ ومن تاريخ بعض المتأخرين‏:‏ أن الحسن بن القاسم الداعي صهر الأطروش بويع بعد موته ولقب الناصر وملك جرجان‏.‏ وكان الديلم قـد اشتملـوا علـى جعفـر بـن الأطـروش وتابعـوه فصـار الداعـي إلـى طبرستـان وملكهـا ولحـق جعفـر بدنباونـد فقبـض عليـه علـي بـن أحمـد بن نصر وبعث به إلـى علـي بـن وهشـودان بـن حسـان ملـك الديلـم وهو عامله فحبسه علي بن وهشودان بن حسان ملـك الديلـم فلمـا قتـل أطلقـه مـن بعده حسرة فيروز فاستجاش جعفر بالديلم وعاد إلى طبرستان فملكهـا وهـرب الحسـن‏.‏ ثـم مـات جعفـر فبويـع أبـو الحسـن ابـن أخيـه الحسـن فلمـا ظهـر ماكان بن كالي بايع للحسن الداعي وأخرجه إليه وقبض على الحسن أحمد وهو ابن أخـي جعفـر وحبسـه بجرجان عند أخيه أبي علي ليقتله فقتله الحسن ونجا وبايعه القواد بجرجان‏.‏ ثم حاربه ما كان فانهزم الحسن إلى آمد ومات بها وبويع أخوه أبو جعفر بن محمد بن أحمد وقصـده مـا كان من الري فهرب من آمد إلى سارية وبها أسفار ابن شيرويه‏.‏ فقاتل دونه وانهزم أسفار إلى جرجان واستأمن إلى أبي بكر بن محمد بن الياس‏.‏ ثم بايع ما كان لأبي القاسم الداعي وخرج الحسن إلى الري وطلب مرداويج بثأر خاله سيداب بن بندار‏.‏ وكان الداعي بجرجـان سنـة إحدى وعشرين وثلاثمائة وانصرف ما كان إلى الديلم ثم ملك طبرستان وبايع بها لأبـي علـي الناصـر بـن إسماعيـل ابـن جعفـر بـن الأطـروش وهلـك بعد مدة‏.‏ ومضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم إلى أن غلب مرداويج على الري فكتب إليـه وأخرجه عن الديلم وأحسن إليه‏.‏ فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لأبي جعفر هذا وسمي صاحب القلنسوة إلى أن مات وبويع أخوه ولقب الثائـر وأقـام مـع الديلـم‏.‏ وزحـف سنـة ست وثلاثين إلى جرجان وبها ركن الدولة بن بويه فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائـر وتعلق بالجبال وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلاثمائة لثلاثين سنة من ملكه وبايعوا لأخيه الحسين بن جعفر وتلقب بالناصر وتقبفر عليه ليكوبن وشكس ملك الجبل وسلمه وانقرض ملك الفاطميين أجمع بتلك الجبال والبقاء لله وحده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:36 AM

الخبر عن دولة الإسماعيلية
ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان والقاهرة‏.‏ وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب‏.‏ أصل هؤلاء العبيديين من الشيعة الإمامية وقد تقدم لنا حكاية مذهبهم والبراءة من الشيخين ومن سائر الصحابة لعدولهم عن بيعة علي إلى غيره مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم له بالإمامة بزعمهم وبهذا امتازوا عن سائر الشيعة‏.‏ وإلا فالشيعة كلهم مطبقون على تفضيل علـي ولـم يقـدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الأفضل ولا عند الكيسانيـة لأنهـم لـم يدعـوا هـذه الوصيـة فلـم يكـن عندهـم قـادح فيمـن خالفهـا‏.‏ وهـذه الوصيـة لـم تعرف لأحد من أهل النقل‏.‏ وهي من موضوعات الإمامية وقد يسمون رافضة قالوا لأنه لما خرج زيد الشهيد بالكوفة واختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين وأنهم ظلموا علياً فنكر ذلك عليهم فقالوا له‏:‏ وأنت أيضا فلم يظلمك أحد ولا حق لك في الأمر وانصرفوا عنه ورفضوه فسموا رافضة وسمي أتباعه زيدية‏.‏ ثم صارت الإمامة من علي إلـى الحسـن ثـم الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنـه جعفـر الصـادق كـل هـؤلاء ثم افترقـوا مـن ههنـا فرقتيـن‏:‏ وهـم الاثنـا عشريـة والإسماعيليـة‏.‏ واختـص الاثنـا عشريـة باسـم الإماميـة لهذا العهد ومذهبهم أن الإمامة انتقلت من جعفـر الصـادق إلـى ابنـه موسـى الكاظـم وخـرج دعاتـه بعـد مـوت أبيه فحمله هرون من المدينة وحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد وحبسه عنـد ابـن شاهـك‏.‏ ويقـال أن يحيـى بـن خالـد سمـه فـي رطـب فقتلـه وتوفي سنة ثلـاث وثمانيـن ومائـة وزعـم شيعتهـم أن الإمـام بعـده ابنـه علـي الرضـا وكان عظيما في بني هاشم وكانت لـه مـع المأمـون صحبـة وعهد له بالأمر من بعده سنة إحدى ومائتين عند ظهور الدعاة للطالبيين وخروجهـم فـي كـل ناحية‏.‏ وكان المأمون يومئذ بخراسان لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العباسيين وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي ببغداد فارتحل المأمون إلى العـراق وعلـي الرضـا معـه فهلك علي في طريقه سنة ثلاث ومائتين ودفن بطوس ويقال إن المأمون سمه‏.‏ ويحكـى أنـه دخـل عليـه يعـوده فـي مرضـه فقـال لـه أوصنـي فقال له علي إياك أن تعطي شيئا وتندم عليه ولا يصح ذلك لنزاهة المأمون عن إراقة الدماء بالباطل سيما دماء أهل البيت‏.‏ ثم زعم شيعتهـم أن الأمرمـن بعـد علـي الرضـا لابنـه محمـد التقي وكان له من المأمون مكان وأصهر إليه في ابنتـه فأنكحـه المأمـون إياهـا سنـة خمـس ومائتيـن‏.‏ ثـم هلـك سنـة عشريـن ومائتين ودفن بمقابر قريش وتزعم الاثنا عشرية أن الإمام بعده ابنه علي ويلقبونه الهادي ويقال الجواد ومات سنـة أربـع وخمسين ومائتين وقبره بقم وزعم ابن سعيد أن المقتدر سمه‏.‏ ويزعمون أن الإمام بعده ابنه الحسن ويلقب العسكري لأنه ولد بسر مـن رأى وكانـت تسمـى العسكـر وحبـس بهـا بعـد أبيـه إلـي أن هلـك سنة ستين ومائتين ودفن إلى جنب أبيه في المشهد وترك حملا ولد منه ابنه محمد فاعتقل ويقال دخل مع أمه في السـرداب بـدار أبيـه وفقـد فزعمت شيعتهم أنه الإمام بعد أبيه ولقبوه المهدي والحجة‏.‏ زعموا أنه حي لم يمت وهم الآن ينتظرونه ووقفوا عند هذا الانتظار وهو الثاني عشر من ولد علي ولذلـك سميـت شيعتـه الاثنـي عشريـة‏.‏ وهـذا المذهـب فـي المدينـة والكرخ الشام والحلة والعراق وهم حتى الان على ما بلغنا يصلون المغرب فإذا قضوا الصلاة قدموا مركبا إلى دار السرداب بجهازه وحليته ونـادوا بأصوات متوسطة أيهـا الإمـام أخـرج إلينـا فـإن النـاس منتظـرون والخلـق حائـرون والظلـم عـام والحق مفقود فاخرج إلينا فتقرب الرحمة من الله آثارك ويكررون ذلك إلى أن تبدو النجوم ثم ينصرفـون إلـى الليلـة القابلـة هكـذا دأبهـم‏.‏ وهـؤلاء مـن الجهـل بحيـث ينتظـرون من يقطع بموته مع طول الآمد لكن التعصب حملهم على ذلك وربما يحتجون لذلك بقصة الخضر والأخرى أيضاً باطلة والصحيح أن الخضر قد مات‏.‏ وأمـا الإسماعيليـة فزعموا أن الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسماعيل وتوفي قبل أبيه‏.‏ وكان أبو جعفـر المنصـور طلبـه فشهد له عامل المدينة بأنه مات‏.‏ وفائدة النص عندهم على إسماعيل وإن كـان مـات قبـل أبيـه بقـاء الإمامـة فـي ولده كما نص موسى على هارون صلوات الله عليهما ومات قبلـه‏.‏ والنـص عندهـم لا مرجـع وراءه لـأن البـداء علـى اللـه محـال‏.‏ ويقولـون في ابنه محمد أنه السابع التام من الأئمة الظاهرين وهو أول الأئمـة المستوريـن عندهـم الذيـن يستتـرون ويظهـرون الدعـاة وعددهم ثلاثة ولن تخلو الأرض منهم عن إمام إما ظاهر بذاته أو مستور فر بد من ظهور حجته ودعاته‏.‏ والأئمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الاسبوع والسماوات والكواكـب والنقبـاء تدور عندهم على اثني عشر‏.‏ هم يغلطون الأئمة المستورين عندهم محمد بـن إسماعيل وهو محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبد الله مهدي صاحب الدولة بإفريقية والمغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة‏.‏ وكـان مـن هـؤلاء الإسماعيليـة القرامطـة واستقرت لهم دولة بالبحرين في أبي سعيد الجنابي وبنيه أبـي القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفي داعي اليمن لمحمد الحبيب ثم ابنه عبد الله ويسمـى بالمنصـور وكـان مـن الاثنـي عشريـة أولا فلمـا بطـل ما في أيديهم رجع إلى رأي الإسماعيلية وبعـث محمـد الحبيـب أبـو عبـد اللـه إلـى اليمـن داعيـة لـه فلمـا بلغـه عن محمد بن يعفرملك صنعاء أنه أظهـر التوبـة والنسـك وتخلـى عـن الملـك فقـدم اليمـن ووجـد بهـا شيعـة يعرفـون ببنـي موسى في عدن لاعة‏.‏ وكان علي بن الفضل من أهل اليمن ومن كبار الشيعة وطاهر بن حوشب على أمره وكتب له الإمام محمد بالعهد لعبد الله ابنه وأذن له في الحرب فقام بدعوته وبثها في اليمن وجيش الجيوش وفتح المدائن وملك صنعاء وأخرج منها بني يبعن وفرق الدعـاة فـي اليمـن واليمامة‏.‏ والبحرين والسنـد والهنـد ومصـر والمغـرب وكـان يظهـر الدعـوة للرضـا مـن آل محمـد وكان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة‏.‏ ومن عنده سار إلى إفريقية فوجد في كتامة من الباطنية خلقا كثيراً وكان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر الصادق إلى المغرب‏.‏ أقاموا بإفريقية وبثوا فيها الدعوة وتناقله من البرابرة أمم وكان أكثرهم من كتامة فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدي ووجد هذا المذهب في كتامة فقام على تعليمه وبثه وإحيائه حتى تم الأمر وبويع لعبد الله كما نذكر الآن في أخبارهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:37 AM

دولة العبيديين
ابتداء دولة العبيديين وأولهـم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفرالصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضرالذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعـن فـي نسبهـم وشهـد فيـه أعلـام الأئمـة‏.‏ وقـد مر ذكرهم فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغـرب شاهـد بصحـة نسبهم‏.‏ وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك‏.‏ والذين شهدوا في المحضـر فشهادتهـم علـى السمـاع وهي ما علمت‏.‏ وقد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائـة سنـة فتلـون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي عليه مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحة نسبهم‏.‏ وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثما وسفسفة‏.‏ وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وإفريقية‏.‏ وكان أصل ظهورهم بأفريقيـة دخـول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق وقال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة والآخر ببلد سوف جمار وكلاهما من أرض كتامة ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص وكان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن وأن المهدي خـارج فـي هـذا الوقـت فسـار وأظهـر الدعـوة للمهدي مـن آل محمـد بنعوتـه المعروفـة عندهـم واستولـى علـى أكثـر اليمـن وتسمـى بالمنصـور وابتنى حصنا بجبل لاعة‏.‏وملك صنعاء من بني يعفر وفرق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب‏.‏ وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسـب وكـان محتسبـاً بالبصـرة وقيـل أنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله هذا يعرف بالمعلم لأنه كان يعلـم مذهـب الإماميـة فاتصـل أبـو عبـد اللـه بمحمـد الحبيب ورأى ما فيه من‏.‏ الأهلية فأرسله إلى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه ثم يذهب إلى المغرب يقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة‏.‏ فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه وشهد مجالسه وأفاد علمه‏.‏ ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقي بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم وفيهم من لقـي الحلواني وابن بكار وأخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم وكان منهم موسى بن حريـث كبيـر بنـي سكـان مـن جملـة أحـد شعوبهـم وأبو القاسم الورنجومي من أحلافهم ومسعود بن عيسى بن ملال المساكتي وموسى بن تكاد فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم ورأوا ما هو عليـه مـن العبـادة والزهد فعلق ببقلوبهم وصار يتعهدهم في رحالهم فاغتبطوا به واغتبط بهم‏.‏ ولما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاوياً وجه مذهبه عنهم بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك وأنهم أنما يعطون السلطـان طاعـة معروفـة فاستيقـن تمـام أمـره فيهـم وخـرج معهـم إلـى المغـرب وسلكـوا طريـق الصحراء وعدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا بلد سوماثة وبها محمد بن حمـدون بـن سمـاك الأندلسي من بجاية الأندلس نزيلا عندهم وكان قد أدرك الحلواني وأخذ عنه‏.‏ فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فأكرمه وفاوضه وتفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة‏.‏ ثـم ارتحلـوا وصحبهـم ابـن حمـدون ودخلـوا بلـد كتامـة منتصـف ربيـع سنة ثمان وثمانين ومائتين فنزل علـى موسـى بـن حريـث ببلـده انكجـان فـي‏.‏ بلـد بنـي سكتـان مـن جبيلـة وعيـن له مكان منزله بفج الأخيـار وأن النـص عنـده مـن المهدي بذلك وبهجرة المهدي وأن أنصار الأخيار من أهل زمانه وأن اسمهم مشتـق مـن الكتمـان‏.‏ واجتمـع إليـه الكثيـر مـن أهـل كتامـة ولقـي علماءهـم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر بمذهبه وأعلن بإمامة أهل البيت دعا للرضا من آل محمـد‏.‏ واتبعـه أكثر كتامة وكانوا يسمونه بأبي عبد الله الشيعي والمشرقي‏.‏ وبلغ خبره إلى أمير إفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب فبعث إليه بالتهديد والوعيد فأساء الرد عليه وخاف رؤساء كتامة عادية ابن الأغلـب وأغراهـم عمـال بلادهـم بالشيعـي مثـل موسـى بـن عيـاش صاحب مسيلة وعلي بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف‏.‏ وجاء ابن تميم صاحب يلزمة فاجتمعـوا وتفاوضـوا في شأنه وحضر يحيى المساكتي وكان يدعى الأمير ومهدي بن أبي كمارة رئيس لهيعة وفرج بن جمران رئيس أجانة وثمل بـن بحـل رئيـس لطانـة‏.‏ وراسلـوا بيـان بـن صفلـان رئيـس بني سكتان وأبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكجان في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم وحذروه عاقبة أمره فرد أمره إلى أهل العلم فجاؤوا بالعلماء وهموا باغتياله فلم يتم لهم ذلك وأطبقت بجيلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه وردوهم خائبين‏.‏ ثم راجعوا بيات بن صقلاب في أمره ولاطفوه حتى صفا إليهم وشعر بذلك أبو عبد الله الشيعي وأصحابه فبعثوا إلى الحسن بن هارون الغساني يسألونه الهجرة إليهم فأجابهم ولحق ببلـدة تـازروت مـن بلادهم واجتمعت غسان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل فاعتز وامتنـع وعظـم أمـره‏.‏ ثـم انتفض على الحسن بن هارون أخوه محمد منافسة له في الرياسة وكان صديقـا لمهـدي بن أبي كمارة فداخله في التثريب على أبي عبد الله وعظمت الفتنة بين لهيعة وغسان وولى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هارون على حروبه وظهر بعد أن كان مختفياً‏.‏ وكـان لمهـدي بـن أبـي كمـارة شيخ لهيعة أخ اسمه أبو مديني وكان من أحباب أبي عبد الله فقتل أخاه مهدياً ورأس على لهيعة مكانه فصاروا جميعـاً إلـى ولايـة أبـي عبـد اللـه وأبـي مدينـي ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي وأصحابه ونازلوه بمكانه من تازروت‏.‏ وبعث الشيعي سهل بـن فوكـاش إلـى فحـل بـن نـوح رئيـس لطانـة وكـان صهـره لينجـد لـه عـن حربهم في السلم فمشى إلى كتامة وأبوا إلا أن يناجزوهم الحرب فغلبهم أبو عبد الله وأصحابه وانهزمت كتامة وأبلى عروبة بـن يوسف الملوشي في ذلك اليوم بلاء حسناً واجتمعت إلى أبي عبد الله غسان كلها ويلزمة ولهيعة وعامة بجاية ورئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة وأبو زاكي تمام بن معارك‏.‏ ولحق بجيلة من بجاية فرج بن خيران ويوسف بن محمد مـن لطانـة وفحـل بـن نـوح واستقـام أمـر الباقـي للشيعي وجمع فتح بن يحيى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي فسار إليهم وأوقع بهم ولحق فلهم بسطيف‏.‏ ثـم استأمنـوا إليـه فأمنهـم ودخلـوا فـي أمـره وولـى منهـم هـارون بـن يونـس علـى حروبـه‏.‏ ولحـق رئيسهـم فتـح بـن يحيـى بعجيسـة وجمـع ثانية لحربه الشيعي فسار إليه ومعه جموع كتامة وتحصن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي وفتحها واجتمعت إليه عجيسة وزواوة وجميع قبائـل كتامـة ورجع إلـى تـازروت وبـث دعاتـه فـي كـل ناحيـة فدخـل النـاس قـي أمـره طوعـاً وكرهـاً‏.‏ ولحـق فتـح بـن يحيـى بالأميـر إبراهيم بن أحمد بتونس واستحثه حرب الشيعي‏.‏ ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلـة بعـض أهلهـا وقتـل صاحبهـا موسى بن عياش وولي عليها ماكنون بن ضبارة الجايي وهو أبـو يوسـف ولحـق إبراهيـم بـن موسـى بـن عيـاش بأبـي العبـاس إبراهيـم بـن الأغلـب بتونـس بعـد خـروج أبيـه إلـى صقليـة‏.‏ وكـان فتـح بـن يحيـى المساكتي قد نزع إليه من قبل ذلك ووعده المظاهرة فجهز العساكر وعقد عليها لابنه أبي خوال وزحف من تونس سنة تسع وثمانين فدوخ كتامة ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال وفر الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان فامتنع بها فهدم أبو خوال القصر واتبعه‏.‏ وتوغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره وتوقع البيات‏.‏ وسـار إبراهيـم بـن موسى بن عياش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسس الأخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب وأجفل أبو خوال وخرج من بلاد كتامة واستوطن أبو عبد الله ايكجان وبنى بها بلداً وسماهـا دار الهجـرة‏.‏ واستبصر الناس في أمره ودخلوا في دعوته‏.‏ ثم هلك الحسن بن هارون وجهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوال ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم ورجع منهزماً وأقـام قريبـاً منهـم يدافعهـم ويمنعهـم مـن التقـدم‏.‏ وفـي خلـال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الأغلب وقتل ابنه أبو العباس وقام بالأمر ابنه زيادة الله فاستدعى أخاه أبا خوال وقتله وانتقل من تونـس إلى وقادة وانهمك في لذاته وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد وعلا أمره وبشرهم بأن وصول المهدي إلى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته ولمـا توفـي محمـد الحبيـب بـن جعفـر بـن محمـد بـن إسماعيـل الإمام عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له‏:‏ أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنا شديدة‏.‏ واتصل خبره بسائر دعاته في إفريقية واليمن وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم وأنهم في انتظاره‏.‏ وشاع خبره واتصل بالعباسيين فطلبه المكتفي ففر من أرض الشام إلى العراق‏.‏ ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاماً حدثاً وخاصته ومواليه بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها علي بن الفضل من بعد ابن حوشب وأنه أساء السيرة فانثنى عن ذلك واعتـزم علـى اللحـاق بأبـي عبـد اللـه الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية ثم خرج من الإسكندرية في زي التجار‏.‏ وجاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر وهو يومئذ عيسى النوشـري بخبرهـم والقعـود لهـم بالمراصـد وكتب نعته وحليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم وامتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم‏.‏ وجـد المهـدي فـي السيـر وكـان لـه كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه فيقـال إن ابنـه أبـا القاسـم استردهـا مـن برقـة حيـن زحـف إلـى مصـر ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ومر بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله وهو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس وساءله فأنكـر فحبسـه‏.‏ وكتـب إلـى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته وسار إلى قسنطينة‏.‏ ثم عـدل عنهـا خشيـة علـى أبي العباس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إلى سجلماسة وبها اليسع بن مدرار فأكرمه‏.‏ ثـم جـاء كتـاب زيـادة الله ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع ثم إن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقا لهم اجتمعت إليه سائر كتامة وزحف إلى سطيف فحاصرها مدة وكان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها أيضاً داود بن جاثة من كبار لهيعة لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي وأخيه واستأمن أهل سطيف فأمنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها وجهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها وهم متحصنون بجبلهم‏.‏ ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية ولحق بالقيروان‏.‏ وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتـى وصلـوا إليـه وعرفـوه بالخبـر‏.‏ ثـم زحـف الشيعـي إلـى طبنـة فحاصرهـا وقتـل فتـح وجهز زيادة الله العساكر مع هارون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول وكانوا في طاعـة الشيعـي فهدمها هارون وقتل أهلها وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله‏.‏ ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلها على يد يوسف الغساني ولحق عسكرها بالقيروان‏.‏ وشاع عن الشيعي وفاؤه بالأمان فأمنـه النـاس وكثـر الأرجـاف بزيـادة اللـه فجهـز العساكر وأزاح العلل وأنفق ما في خزائنه وذخائره وخرج بنفسـه سنـة خمـس وتسعيـن ونـزل الأريس‏.‏ ثم حاد عن اللقاء وأشار عليه أصحابه بالرجـوع إلـى القيـروان ليكـون ردءاً للعساكـر فرجـع وقـدم علـى العساكـر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته وأمره بالمقام هنالك‏.‏ ثم زحف الشيعي إلـى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحاً وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة وقتل عاملها وسـرح عساكـره فـي إفريقية فرددوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم‏.‏ ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمنهم واستعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني فجاء إبراهيم بن الأغلـب واقتحمهـا عليـه‏.‏ ثـم نهـض الشيعـي فـي احتفـال مـن العساكـر إلى باغاية ثم إلى سكتانة ثم إلـى تبسـة ففتحهـا كلهـا علـى الأمـان‏.‏ ثـم إلـى القصريـن من قمودة فأمن أهلها وأطاعوه‏.‏ وسار يريد رقـادة فخشـي إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب علـى زيـادة الله لقلة عسكره فنهض إلى الشيعي واعترضه ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها واقتحمها على الأمان ثم إلى قفصة كذلك ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكراً مع أبي مكدولة الجيلي‏.‏ ثم صار إلى ايكجان وخالفـه إبراهيـم إلـى باغايـة وبلـغ الخبـر إلـى الشيعـي فسرح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي ومعه عروبـة بـن يوسـف الملوشـي ورجـاء بـن أبـي قنـة فـي اثنـي عشـر ألفـا فقاتلـوا ابن أبي الأغلب ومنعوه من باغاية فرحل عنها واتبعوه إلى فج العرعر ورجعوا عنه‏.‏ ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنـة سـت وتسعيـن فـي مائتـي ألـف مـن العساكـر إلـى إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب بالأريس‏.‏ ثم اقتتلوا أياما ثم انهزم إبراهيم واستبيح عسكره وفر إلى القيروان ودخل الشيعي الأريس فاستباحها ثم سار فنزل قمودة واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففر إلى المشرق ونهبت قصـوره‏.‏ وافترق أهل رقادة إلـى القيـروان وسوسـة‏.‏ ولمـا وصـل إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب إلـى القيـروان نـزل قصـر الإمارة وجمع الناس وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالأمـوال فاعتـدوا وتصايحـت بـه العامـة ففـر عنهـا ولحـق بصاحبـه‏.‏ وبلـغ أبـا عبـد اللـه الشيعـي خبر فرارهم بسبيبة فقدم إلى رقادة وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا وأمنوا الناس وجـاء علـى أثرهم‏.‏ وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأمنهم وأكرمهم ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصرها وأطلق أخاه أبا العباس من الاعتقال ونادى بالأمان فتراجع الناس وفر العمال في النواحي‏.‏ وطلب أهل القيروان فهربوا وقسـم دور البلـد علـى كتامـة فسكنوهـا وجمـع أمـوال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه واستأذنه لخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحدا‏.‏ ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله ومن الآخـر تفـرق أعـداء اللـه وعلـى السلاح عدة في سبيل الله وفي وسم الخيل الملك لله‏.‏ ثـم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدي واستخلف على إفريقية أخاه أبا العباس وترك معه أبا زاكي تمام بن معارك الألجائي واهتز المغرب لخروجه وفرت زناتة من طريقه‏.‏ ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم وأرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل وخرج للقائه‏.‏ فلما تراءى الجمعان انفض معسكره هرب هو وأصحابه وخرج أهـل البلـد مـن الغـد للشيعي وجاؤوا معه إلى محبس المهدي ابنه فأخرجهما وبايع للمهدي ومشى للمهدي ومشى مـع رؤسـاء القبائـل بيـن أيديهما هو يبكي من الفرح ويقول‏:‏ هذا مولاكم حتى أنزله بالمخيم وبعث في طلب اليسع أدرك وجيء به فقتل وأقاموا بسجلماسة أربعين يوماً ثم ارتحلوا إلى إفريقية ومروا بأيكجان فسلم الشيعي ما كان بها من الأموال للمهدي‏.‏ ثـم نزلـوا رقادة في ربيع سبع وتسعين وحضر أهل القيروان وبويع للمهدي البيعة العامة واستقام أمـره وبث دعاته في الناس فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف وقسم الأموال والجواري في رجال كتامة وأقطعهم الأعمال ودون الدواوين وجبى الأموال وبعث العمال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الألجائي وعلى صقلية الحسن بن أحمد بن أبي خنزير فسار إليها ونزل البحر ونزل مازر في عيد أضحى من سنة سبع وتسعين فاستقضى إسحاق بن المنهـال وولـى أخـاه علـى كريت‏.‏ أجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى العدوة الشمالية ونزل بسيط قلوريـة مـن بلـاد الإفرنـج فأثخـن فيهـا ورجـع إلـى صقليـة فأسـاء السيرة في أهلها فثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى مهدي فقبل عذرهم وولى عليهم مكانه علي بن عمر البلوي فوصل خاتم تسع سعين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:38 AM

مقتل أبي عبد الله الشيعي وأخيه
لمـا استقـام سلطان عبيد الله المهدي بإفريقية استبد بأمره وكفح أبا عبد الله الشيعي وأخاه أبا العبـاس عـن الاستبـداد عليـه والتحكـم فـي أمـره فعظـم ذلـك عليهمـا وصـرح أبـو العبـاس بما في نفسه فنهـاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك فلم يصغ إليه‏.‏ ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه وبلغ ذلك إلى المهدي فلم يصدقه‏.‏ ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس وقال إنه مفسد للهيبة فتلطـف فـي رده ولـم يجبـه إليـه ففسـدت النيـة بينهما واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما أخذه من أموال ايكجان واستأثر به دونهم وألقوا إليهم أن هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونـا إليـه حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ وقال له جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك فقتله المهدي ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتـل المهـدي وداخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك وغيره من قبائل كتامة‏.‏ ونمـي الخبـر إلـى المهـدي فتلطـف فـي أمرهـم وولـى مـن داخلهـم مـن قـواد كتامـة على البلاد فبعث تمام بـن معـارك علـى طرابلـس وبعـث إلـى عاملهـا ماكنـون بقتله فقتله عند وصوله‏.‏ ثم اتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله وكان أكثرها لزيادة الله‏.‏ ثم إن المهدي استدعى عروبة بن يوسف وأخاه حباسة وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر وحمل عروبة على أبي عبد الله فقال له لا تفعل فقال الذي أمرتنـا بطاعته أمرنا بقتلك ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين‏.‏ ويقال إن المهدي صلى على أبي عبد الله وترحم عليه وعلم أن الذي حمله على ذلك إغراء أبي العباس أخيه وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي وسكنها‏.‏ ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان وفشا القتل فيهم فركب المهدي وسكنها وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة وقتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله‏.‏ ولما استقام أمر المهدي بعد الشيعي جعل ولاية عهده لابنه أبي القسم نزار وولى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف‏.‏ وعلى المغـرب أخـاه عروبـة وأنزلـه باغايـة فسـار إلـى تاهـرت فاقتحمها وولى عليها دواس بن صولات اللهيص‏.‏ ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعـي ونصبـوا طفـلا لقبـوه المهـدي وزعمـوا أنه نبي وأن أبا عبد الله الشيعي لم يمت فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم وقتل الطفل الذي نصبوه وأثخن فيهم ورجع ثم انتقض أهل طرابلـس سنـة ثلاثمائـة وأخرجـوا عاملهـم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسم فحاصرها طويلا ثم فتحهـا وأثخـن فيهم وأغرمهم ثلاثمائة ألف دينار‏.‏ ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة إحدى وثلاثمائة إلى الإسكندرية ومصر وبعث أسطوله فـي البحـر فـي مائتيـن مـن المراكـب وشحنها بالإمداد وعقد عليها لحباسة بن يوسف وسارت العساكر فملكوا برقة ثم الإسكندرية والفيوم‏.‏ وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مرات وأجلاهم عن مصـر فرجعـوا إلـى المغـرب‏.‏ ثـم عـاد حباسـة فـي العساكر في البحر سنة اثنتين إلى الإسكندرية فملكها وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات وكان الظهور آخـراً لمؤنـس وقتـل مـن أصحابه نحو من سبعة آلاف‏.‏ وانصرف إلى المغرب فقتله المهدي وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر‏.‏ وسرح إليهم المهدي مولاه غالباً في العساكر فهزمهم وقتل عروبة وبني عمه في أمم لا تحصى‏.‏ ثم انتقض أهل صقلية وتقبضوا على عاملهم علي بن عمرو وولوا عليهم أحمد بن قهرب فدعا للمقتدر العباسـي وذلك سنة أربع وثلاثمائة‏.‏ وخلع طاعة المهدي وجهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول بن قهرب فغلبه وقتل ابن أبي خنزير‏.‏ ثم راجع أهل صقلية آمرهم وكاتبوا المهدي وثاروا بابن قهرب فخلعوه وبعثوا به إلى المهدي فقتلـه علـى قبـر ابن أبي خنزير وولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد وبعث معه عساكر كتامـة‏.‏ ثـم اعتـزم المهـدي علـى بنـاء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصماً لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج‏.‏ ويحكى عنه أنه قال‏:‏ بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعـة مـن نهـار وأراهـم موقـف صاحـب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعا لبنائها ومر بتونس وقرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلـت بزنـد فاختـط المهديـة بهـا وجعلهـا دار ملكـه وأدار بها سورا محكما وجعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث‏.‏ ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ونظر إلى منتهاه وقـال‏:‏ إلـى هـذا الموضـع يصـل صاحـب الحمـار يعنـي أبا يزيد‏.‏ ثم أمر أن يبحث في الجبل لإنشاء السفـن تسعمائة سفين وبحث في أرضها أهراء للطعام ومصانع للماء وبنى فيها القصور والدور فكملت سنة ست ولما فرغ منها قال اليوم أمنت على الفواطم‏.‏ ثـم جهـز ابنـه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع وثلاثمائة فملك الإسكندرية ثم سـار فملـك الجيـزة والأشمونيـن وكثيـراً مـن الصعيـد‏.‏ وكتـب إلـى أهـل مكة بطلب الطاعة فلم يجيبوا إليها وبعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر وكانت بينه وبين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس وأصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلـى إفريقيـة وكانـت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مدداً لأبي القاسم وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامي وكانا شجاعيـن وسـار الأسطـول مـن طرسـوس للقائهـم فـي خمسة وعشرين مركباً والتقوا على رشيد وظفرت مراكب طرسوس وأحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب فمات سليمان في حبس مصر‏.‏ وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى إفريقية‏.‏ ثـم أغـزى المهـدي سنـة ثمـان مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فـاس مـن الأدارسـة وهـو يحيـى بن إدريس بن إدريس بن عمرو واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته وعقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمـال المغـرب ورجـع‏.‏ ثـم عـاود غـزو المغرب سنة تسع فدوخه ومهد جوانبه وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس فتقبض عليه وضم فاس إلى أعمال موسى ومحا دعوة الإدريسية من المغرب وأجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة‏.‏ ومنهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث وأربعمائة كما نذكر هنالك ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة وعقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وسار في أتباعـه زناتـة فـي نواحـي المغـرب فكانـت بينـه وبينهـم حـروب هلـك ضالـة فـي بعضهـا على يد محمد بـن خـرز‏.‏ واضطـرب المغـرب فبعـث المهـدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكره كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلاثمائة ففر محمد بن خزر وأصحابه إلى الرمال‏.‏ وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوارة وسائر الإباضية والصفرية ونواحي تاهرت قاعدة المغـرب الأوسـط إلـى مـا وراءهـا ثـم عـاج إلـى الريـف فافتتـح بلـد لكور من ساحل المغرب الأوسط ونازل صاحب جراوة من آل إدريس وهو الحسن بن أبي العيش وضيـق عليـه ودوخ أقطـار المغـرب ورجـع ولـم يلـق كيـداً‏.‏ ومـر بمكان بلد المسيلة وبها بنو كملان من هوارة وكان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان وقضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه‏.‏ ولما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم وسماها المحمدية ودفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهـم إلـى بنائهـا وعقـد لـه عليهـا وعلـى الزاب بعد اختطاطها فبناها وحصنها وشحنها بالأقوات فكانت مدداً للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر‏.‏ ثم انتقض موسى بن أبي العافية عامل فاس والمغرب وخلع طاعة الشيعة وانحرف إلى الأموية من وراء البحر وبث دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد بن بصلين المكناسي قائد المهدي وسار في العساكر فلقيه ميسور وهزمه وأوقع به وبقومه مكناسة وأزعجه عن الغرب إلى الصحارى وأطراف البلاد ودوخ المغرب وثقف أطرافه ورجع ظافراً‏.‏

وفاة عبيد الله المهدي وولاية ابنه أبي القاسم
ثـم توفـي عبيـد اللـه فـي ربيـع سنـة اثنتيـن وعشريـن لأربـع وعشريـن سنـة من خلافته وولي ابنه أبو القاسم محمد ويقال نزار بعده ولقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال أنه لم يركب سائر أيامه إلا مرتين وكثر عليه الثوار‏.‏ وثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي وزعم أنه ابن المهدي وحاصر طرابلس‏.‏ ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه‏.‏ ثم أغزى المغرب وملكه وولى على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذابي وحاصر الأدارسة ملوك الريف وغوارة فنهض ميسور الخصي من القيروان في العساكر ودخل المغرب وحاصر فاس واستنزل عاملها أحمد بن بكر‏.‏ ثم نهض في اتباع موسى كانت بينهما حروب وأخذ الثوري بن موسى في بعضها أسيرا وأجلاه ميسور عن مغرب وظاهره عليه الأدارسة الذين بالريف وانقلب ميسـوراً إلـى القيروان سنة أربع وعشرين وعقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال بن أبي العافية وما يفتحه من البلاد فملك المغرب كلها ما عدا فاس وأقام دعوة الشيعة بسائر أعماله‏.‏ ثم جهز أبو القاسم اسطولا ضخما لغزو ساحل الإفرنجة وعقد عليـه ليقـرب بـن إسحـاق فأثخـن في بلاد الإفرنجة وسبى ونازل بلد جنوة وافتتحها وعظم صنع اللـه فـي شأنهـا ومـروا بسردانيـة مـن جـزر الفرنـج فأثخنـوا فيها‏.‏ ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فأحرقوا مراكبها‏.‏ ثم بعث عسكراً إلى مصر مع خادمه زيران فملكوا الإسكندرية وجاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها ورجعوا إلى المغرب‏.‏

أخبار أبي يزيد الخارجي
وهو أبو يزيد مخلد بن كيراد وكان أبوه كيراد من اهل قسطيلة من مدائن بلد تـوزر وكـان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة وبها ولد ولده أبو يزيد ونشأ بتوزر‏.‏ وتعلم القرآن وخالط النكارية من الخوارج وهم الصفرية فمال إلى مذهبهم وأخذ به ثم سافر إلى تاهرت وأقام بها يعلـم الصبيـان‏.‏ ولمـا صـار الشيعـي إلى سجلماسة في طلب المهدي هو إلى تقيوس وأقام يعلم‏.‏ فيهـا‏.‏ وكـان يذهـب إلى تكبير أهل ملته واستباحة الأموال والدماء والخروج على السلطان‏.‏ ثم أخـذ نفسـة بالحسبـة علـى النـاس وتغييـر المنكـر بسنـة سـت عشـرة وثلاثمائـة فكثر أتباعه‏.‏ ولما مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس وركب الحمار وتلقب بشيخ المؤمنين ودعا للناصر صاحب الأندلس هن بني أمية فاتبعه أمم من البربر‏.‏ وزحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر وهزمه وزحف إلى باغاية فحاصرها ثم انهزم عنها وكتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلانين‏.‏ ثم فتح تبسة صلحاً ومجانة كذلك وأهدى له رجل من أهل مرماجنة حماراً أشهب فكان يركبه وبه لقب وكـان يلبس جبة صوف قصيرة ضيقة الكمين‏.‏ وكان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا وملكها أبو يزيد وأحرقها ونهبها وقتل في الجامع مـن لجـأ إليـه وبعـث عسكـراً إلـى سبيبـة ففتحهـا وقتـل عاملهـا‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى القاسم فقال لا بد أن يبلغ المصلى من المهدية‏.‏ ثم جهز العساكر وبعثها إلى رقادة والقيروان وبعث خادمه ميسوراً الخصـي لحربـه وبعـث عسكراً مع خادمه بشرى إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى تونس ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها وقتل الأطفال وسبى النساء واجتمع إليـه قبائـل البربـر واتخـذ الأبنيـة والبيـوت وآلـات الحـرب وبعـث إليـه بشرى عسكراً من تونس‏.‏ وبعث أبو يزيد للقائهم عسكراً آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد وظفر أصحاب بشرى‏.‏ ثم ثار أهل تونس ببشرى فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنهم وولى عليهم وسار إلى القيروان وبعث القائم خديمه بشرى للقائه وأمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة وبعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد وقتل منهم أربعة آلاف وجيء بأسراهم إلى المهدية فقتلوا فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميين فهزم طلائعهم وأتبعهم إلى القيروان ونزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل وعاملهـا يومئـذ خليـل بـن إسحـاق وهـو ينتظـر وصـول ميسـور بالعساكـر ثـم ضايقـه أبو يزيد وأغراه الناس بالخروج فخرج وهزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان‏.‏ ودخـل أبـو يزيـد وقـادة فعـاث فيها وبعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث وثلاثين ونهبها وأمن خليلا فقتله أبو يزيد وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم ورفـع النهب عنهم وزحف ميسور إلى أبي يزيد وكان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد وداخلوه في الغدر بميسور‏.‏ وكتب إليه القائم بذلك فحفرهم فطردهم عنه‏.‏ ولحقوا بأبي يزيد وسار معـه إلـى ميسـور فانهـزم ميسور وقتله بنو كملان وجاؤوا برأسه فأطافه بالقيروان وبعث بالبشرى إلى البلاد‏.‏ وبلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار وأمر بحفر الخنادق وأقام أبو يزيد سبعين عاماً في مخيم ميسور وبث السرايا في كل ناحية يغنمون وبعودون وأرسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة واستباحوها وخرب عمران افريقيـة مـن سائـر الضواحـي ولحـق فلهـم بالقيروان حفاة عراة‏.‏ ومات أكثرهم جوعاً وعطشاً‏.‏ ثـم بعـث القائـم إلى رؤساء كتامة والقبائل وإلى زيري بن مناد ملك صنهاجة بالمسير إلى المهدية فتأهبوا لذلك وسمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية وبث السرايا في جهاتها وسمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الأول‏.‏ وكان ابنه فضـل قـد جـاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة وركب في أثرهم ولقي أصحابه منهزمين‏.‏ ولمـا رآه الكتاميـون انهزمـوا بغيـر قتـال واتبعهـم أبـو يزيـد إلـى بـاب المهدية ورجع‏.‏ ثم جاء أيام لقتالهم فوقـف علـى الخندق المحدث وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة وهزمهم وجاوز السور إلى البحر ووصل المصلى على رمية سهم من البلد والبربر يقاتلون من الجانب الآخر‏.‏ ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم وبلغ ذلك أبا يزيد وسمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم أن يمر بباب المهدية ويأتي زيري وكتامـة مـن ورائهـم فقاتلـوا أهـل الأربـاض ومالـوا عليـه لمـا عرفـوه ليقتلـوه وتخلص بعد الجهد ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه وانهزم العبيد‏.‏ ثم رحل وتأخر قليلا وحفرعلى معسكره خندقاً واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والـزاب وأقاصـي المغـرب وضيـق على أهل المرية ثم زحف إليها آخر جمادى فقاتلها وتورط في قتالها يومه ذلك‏.‏ ثم خلص وكتب إلى عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها فجاؤوا وزحف بهـم آخـر رجـب فانهـزم وقتـل مـن أصحابه‏.‏ ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال ولم يظفر ورجع إلى معسكره واشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات والدواب وافترق أهلها في النواحي ولم يبق بها إلا الجند‏.‏ وفتح القائم أهراء الزرع التي أعدها المهدي وفرقها فيهم‏.‏ ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثاً من ورجومة وغيرهم فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية وأحاط بسوسة وضيق عليها‏.‏ ثـم انتقـض البربـر عليـه بمـا كان منه من المجاهرة بالمحرمات والمنافسة بينهم فانفضوا عنه ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين‏.‏ وغنم أهل المهدية معسكره وكثر عبث البربر في أمصار إفريقية وضواحيها وثار أهل القيروان بهم وراجعوا طاعة القائم‏.‏ وجاء على بن حمدون من المسيلة بالعساكـر فبيتـه أيوب بن أبي يزيد وهزمه وسار إلى تونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرات وانهـزم إلـى القيـروان فـي ربيـع سنـة أربـع وثلاثيـن‏.‏ فبعـث أيـوب ثانيـة لقتـال علـي بن حمدون ببلطة‏.‏ وكانـت حروبـه معـه سجـالا إلـى أن اقتحـم عليـه البلـد بمداخلـة بعـض أهلهـا‏.‏ ولحـق ابـن حمدون ببلاد كتامة واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسطنطينة‏.‏ وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم وجاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم‏.‏ وملـك ابـن حمـدون مدينـة يتجسـت وباغايـة‏.‏ ثـم زحـف أبـو يزيـد إلـى سوسـة فـي جمـادى الآخـر من سنته وبها عسكر القائم وتوفي القائم وهو بمكانه من حصارها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:39 AM

وفاة القائم وولاية ابنه المنصور
ثم توفي القائم أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب افريقية بعد أن عهد إلى ولده إسماعيل بعده وتلقب بالمنصور وكتم موت أبيه حذراً أن يطلع عليه أبو يزيد وهو بمكانه من حصار سوسة فلم يسم بالخليفة ولا غير السكة ولا الخطبة ولا البنود الى أن فرغ من أمر أبي يزيد يذكر‏.‏

بقية أخبار أبي يزيد ومقتله
ولما مات القائم كان أبو يزيد محاصر السوسة كما تقدم وقد جهد أهلها الحصار فلما ولي إسماعيـل المنصـور وكـان‏.‏ أول عملـه أن بعـث الأساطيـل مـن المهدية إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة والأمتعة والميرة مع رشيق الكاتب ويعقوب بن إسحاق وخرج بنفسه في أثرهم وأشار أصحابه بالرجوع فرجع ووصل الأسطول إلى سوسة وخرجوا لقتال أبي يزيد وعساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد واستبيح معسكره نهباً وإحراقاً ولحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول وثـاروا بعاملـه فخـرج إليه ورحل إلى سبيبة وذلك أواخر شوال سنة أربع‏.‏ وجاء المنصور إلى القيروان وأمن أهلها وأبقى على حرم أبي يزيد وأولاده وأجرى عليهم الرزق وخرجت سرية مـن عسكـر المنصـور لاستكشـاف خبـر أبـي يزيـد‏.‏ وجاءت أخرى من معسكر أبي يزيد لمثل ذلك فالتقوا وانهزمت سرية المنصور فقوي أبو يزيد بذلك وكثر جمعه وعاد فقاتل القيروان وخندق المنصور على عسكره وقاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ثم قاتلهم ثانيا فانهزموا وثبت المنصور وراجع أصحابه من طريق المهدية وسوسة‏.‏ ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليـه رحـل أواخـر فـي القعـدة ثـم رجـع فقاتلهـم وكانـت الحـرب سجالا وبعث السرايا إلى طريق المهدية وسوسة نكاية فيهم وبعث إلى المنصور في حرمه وأولـاده فبعثهـم إليـه بعـد أن وصلهـم‏.‏ وقـد كان أقسم على الرحيل فلما وصلوا إليه نكث وقاتلهم خامس المحرم سنة خمس وثلاثين فهزمهم‏.‏ ثم عبى المنصور عساكره منتصف المحرم وجعل البرابـر فـي الميمنـة وكتامـة فـي الميسـرة وهـو وأصحابـه فـي القلـب‏.‏ وحمـل أبـو يزيـد علـى الميمنـة فهزمهـا ثم على القلب فلقيه المنصور واشتد القتال‏.‏ ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم وأسلم أثقاله وعسكره وقتل خلق من أصحابه وبلغت رؤوس القتلى الذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف ومضى أبو يزيد لوجهـه ومـر بباغايـة فمنعـه أهلهـا مـن الدخـول فأقـام يحاصرهـا ورحل المنصور في ربيع الأول لأتباعه واستخلف على المهدية مراماً الصفلي وأدركه علـى باغايـة فأجفل المنصور في أتباعه‏.‏ وكلما قصد حصنا سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بـن خـزر أميـر مغـراوة مـن أصحـاب أبـي يزيـد ومواطئـه بالغـرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه وأمره بطلب أبي يزيد‏.‏ ووصـل أبـو يزيـد إلى بني برزال وكانوا نكارية وبلغه خبر المنصور في أتباعه فسلك الرملة‏.‏ ثم عـاد نواحـي غمـرة فصـادف المنصـور وقاتلـه فانهـزم أبـو زيـد إلـى جبـل سالـات والمنصور في أثره في جبـال وأوعار ومضايق تفضي إلى القفر وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس أمامه إلا المفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرة من بلاد صنهاجة‏.‏ ووفد عليه هنالك زيري بن مناد أمير صنهاجة فأكرمـه ووصلـه كما يجب له‏.‏ وجاء كتاب محمد بن جزر بالمكان الذي فيه أبو يزيد من المفازة وأقـام المنصـور هنالـك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة وحاصرها‏.‏ فلما عوفي المنصور رحل أول رجب سنة خمـس وثلاثيـن وقصـده فأفـرج عـن المسيلـة وقصـد المفـازة يريـد بلـاد السـودان فأبـى عليـه بنـو كملـان أصحابـه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصنوا بها‏.‏ وجاء المنصور فنزل بساحتهم عاشر شعبان ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهـزم وأسلـم عسكـره وأولـاده وطعنه بعض الفرسان فأكبه وحامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف وتخلص‏.‏ ثم سار المنصور في أثره أول رمضان ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته‏.‏ ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب وترك أثقاله وساروا إلى رؤس الجبال يرمون بالصخر وتزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي وكثر القتل‏.‏ ثم تحاجزوا وتحصن أبو يزيد بقلعة كتامة واستأمـن الذيـن معه من هوارة فأمنهم المنصور وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة وأضرمها ناراً وقتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية وجمع أهله وأولاوده في القصر وأظلم الليل فأمر المنصور بإشعال النيران في الشعراء المحيطة بالقصر حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذراً من فراره حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له وأمر المنصور بطلبه فألفوه وقد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحـا فسقـط مـن الوعـر وارتـث فحملـوه إلـى المنصـور فسجـد سجـدة الشكر وأقام عنده إلى سلخ المحرم مـن سنـة ست وثلاثين‏.‏ ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده وحشوه تبناً واتخذ له قفصـا فأدخـل فيـه مـع قرديـن يلاعبانه بعثاله‏.‏ ورحل إلى القيروان والمهدية ولحق ابنه فضل بمعبد بـن خـزر وزحـف بـه إلـى طبنة وبسكرة‏.‏ وقصد المنصور فانهزم معبد وصعد إلى كتامة فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر ومعهما زيري بن مناد في صنهاجة فانهزم فضل ومعبد وافترق جمعهم ورجع المنصور إلى القيروان فدخلها‏.‏

بقية أخبار المنصور
ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب وانحرف عن طاعة الشيعة ودعا للأموية من وراء البحـر وزحـف إلـى تاهـرت فحاصرهـا فنهـض إليـه المنصـور فـي صفـر سنـة سـت وثلاثيـن وجـاء إلى سوق حمزة فأقام به‏.‏ وحشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية ورحل مع المنصور فأخرج حميد عن تاهرت وعقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني وعقد لزيري بن مناد على قومه وعلى سائر بلادهم‏.‏ ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال وأقام هو على وادي ميناس وكان هنالـك ثلاثـة جبـال كـل منهـم عليـه قصـر مبنـي بالحجـر المنحـوت فوجـد فـي وجـه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح فأمر المنصور التراجمة بقراءته وإذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهـل هـذا البلـد علـى الملـك فبعثنـي إليهـم ففتـح الله عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به‏.‏ ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه‏.‏ ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع على زيري بن مناد وحمله ودخل المنصورية في جمـادى سنـة ست وثلاثين فبلغه أن فضل بن أبي يزيد جاء إلى جبل أوراس وداخل البربر في الثـورة فخـرج إليـه المنصـور فدخل الرمل ورجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية ورجع فضل بن أبي يزيد إلى باغاية‏.‏ وأقام يحاصرها فغدر به باطيط وبعث برأسه إلى المنصور‏.‏ ثـم عقـد سنـة تسـع وثلاثيـن للحسيـن بـن علـي بـن أبـي الحسيـن الكلبـي علـى صقلية وأعمالها وكانت لخليل بن إسحاق فصرفه الحسين واستقل بولايتها فكان له فيها ولبنيه ملك سنذكره‏.‏ وبلغ المنصور أن ملك إفرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج أسطوله وشحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقلي وأمر الحسين بن علي عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى عدوة الإفرنجة ونزلوا قلورية ولقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه‏.‏ وكان فتحاً لا كفاء له وذلـك سنـة أربعيـن وثلاثمائـة ورجـع فرج بالغنائم إلى المهدية سنة اثنين وأربعين وكان معبد بن خزر بعد مظاهرته لفضل بن أبي يزيـد لـم يـزل منتقضـا وأوليـاء المنصـور فـي طلبـه حتـى أخـذ فـي بعـض الوقائـع وسيـق مـع وفاة المنصور وولاية ابنه المعز ثم توفي المنصور إسماعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين لسبع سنين من خلافته أصابه الجهد من مطر وثلج تجلد على ملاقاته ودخل على أثره الحمام فعيت حرارته ولازمـه السهـر فمـات‏.‏ وكـان طبيبـه إسحـاق بـن سليمان الإسرائيلي قد نهاه عن الحمام فلم يقبل‏.‏ وولى الأمر بعده ابنه معد ولقب المعز لدين الله فاستقام أمره وخرج لجبل أوراس سنة اثنتين وأربعين وجالت فيه عساكره واستأمن إليه بنو كملان ومليلة من هوارة ودخلوا في طاعته فأمنهم وأحسن إليهم‏.‏ واستأمن إليه محمد بن خزر بعد مقتل أخيه معبد فأمنه ورجع إلى القيروان وترك مولاه قيصر في العساكر وعقد له على باغاية فدوخ البلاد وأحسن إلى الناس وألـف مـن كـان شـارداً مـن البربـر ورجـع بهـم إلى القيروان فأكرمهم المعز ووصلهم‏.‏ ثم وفد بعدهم محمد بن خزر أمير مغراوة فلقاه مبرة وتكريماً‏.‏ وأقام عنده بالقيروان إلى أن هلك سنة ثمان وأربعين‏.‏ واستقدم المعز زيري بن مناد سنة ثلاث وأربعين أمير صنهاجة فقدم من أستير فأجزل صلته ورده إلـى عملـه‏.‏ وبعـث إلـى الحسيـن بـن علـي عامـل صقليـة سنـة أربـع وأربعين أن يخرجه بأسطوله إلى ساحل المرية من بلاد الأندلس فعاث فيه وغنم وسبى ورجع فأخرج الناصر صاحـب الأندلس أسطوله إلى سواحل إفريقية مع غالب مولاه فمنعتهم العساكر وأقلعوا‏.‏ ثـم عـاودوا سنـة خمـس وأربعيـن فـي سبعيـن مركبا فأحرقوا مرسى الخزر وعاثوا في جهات سوسة ثم في نواحي طبرنة ورجعوا‏.‏ واستقام أمر المعز في بلاد إفريقية والمغرب واتسعت إيالته وكانت أعماله من إيفكـان خلـف تاهرت بثلاثة مراحل إلى زناتة التي دون مصر وعلى تاهرت وإيفكان يعلى بن محمد اليفرني وعلـى أشيـر وأعمالهـا زيـري بـن منـاد الصنهاجـي وعلـى المسيلـة وأعمالهـا جعفر بن علي الأندلسي وعلى باغية وأعمالها قيصر الصقلي‏.‏ وكان على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامـي وعلـى سجلماسـة محمـد بـن واسـول المكناسي‏.‏ ثم بلغه سنة سبع وأربعين أن يعلى بن محمد اليفرني داخل الأمويـة مـن وراء البحـر وأن أهـل المغـرب الأقصـى نقضـوا طاعـة الشيعـة فأغزى جوهراً الصقلي الكاتب إلى المغرب بالعساكر وكان على وزارته وخرج معه جعفر بن علي صاحب المسيلة وزيري بن مناد صاحب أشير وتلقاهم يعلى بن محمد صاحب المغرب الأوسط‏.‏ ولمـا ارتحـل عـن إيفكـان وقعت هيعة في أصحاب صيلة وقيل له إن بني يعرب أوقعوها فتقبض على يعلى وناشته سيوف كتامة لحينه وخرب إيفكان وأسر ابنه يدو بن يعلى وتمادوا إلى فـاس ثـم تجاوزوها إلى سلجماسة فأخذها وتقبض على الشاكر لله محمد بن الفتح الذي تلقب بأميـر المؤمنيـن مـن بنـي واسـول وولى ابن المعتز من بني عمه مكانه ودوخ المغرب إلى البحر‏.‏ ثم رجع إلى فاس وحاصرها وواليها يومئذ أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي وقاتلهـا مـدة فامتنعـت عليـه وجاءتـه هدايا الأمراء الأدكرنية من السوس‏.‏ ثم رحل إلى سلجماسة وبها محمد بـن واكول من مكناسة وقد تلقب بأمير المؤمنين الشاكر لله وضرب السكة باسمه تقدست عزة اللـه فلمـا سمـع بجوهر هرب ثم أخذ أسيراً وجيء به إلى جوهر وسار عن سلجماسة وافتتح البلـاد فـي طريقـه‏.‏ ثـم عـاد إلـى فـاس وأقـام في حصارها إلى أن افتتحها عنوة على يد زيري بن مناد تسنم سوارها ليلا ودخلها وتقبض على أحمد بن بكر وذلك سنة ثمان وأربعين وولى عليهـا مـن قبلـه وطـرد عمال بني أمية من سائر المغرب‏.‏ وانقلب إلى القيروان ظافراً عزيزاً وضم تاهرت إلى زيري بن مناد‏.‏ وقدم بالفاطميين وبأحمد بن بكر وبمحمد بن واسال أسيرين في قفصين ودخل بهما إلى المنصورية في يوم مشهود‏.‏ وكانت ولاية المغرب والمشرق منقسمة بين مولييه فيصر ومظفر وكانا متغلبين على دولته فقبض عليهما سنة تسع أربعين وقتلهما‏.‏ وفي سنة خمسين كان تغلب النصارى على جزيرة إقريطش وكان بها أهل الأندلس من جالية الحكـم بن هشام بسبب ثورة الرفض ففر بهم إلى الإسكندرية فثاروا بها وعبد الله بن طاهر يومئـذ عامل مصر فحاصرهم بالإسكندرية حتى نزلوا على الأمان وأن يجيزوا البحر إلى جزيرة إقريطش فعمروها ونزلوها منذ تلك الأيام وأميرها أبو حفص البلوطي منهم واستبد بها وورث بنـوه رياسـة فيها إلى أن نازلهم النصارى في هذه السنة في سبعمائة مركب واقتحموها عليهم عنوة وقتلوا منهم وأسروا وبقيت في أيدي النصارى لهذا العهد والله غالب على أمره‏.‏ وافتتح صاحب صقلية سنة إحدى وخمسين قلعة طرمين من حصون صقلية بعد حصـار طويل أجهدهم فنزلوا على حكم صاحب صقلية بعد تسعة أشهر ونصف للحصار وأسكن المسلمين بالقلعة وسماها المعزية نسبة إلى المعز صاحب إفريقية‏.‏ ثم سـار صاحـب صقليـة بعدها وهو أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسن إلى حصـار رمطـة مـن قلـاع صقليـة فاستمدوا ملكهم صاحب القسطنطينية فجهز لهم العساكر براً وبحراً واستمد صاحب صقلية المعز فأمده بالعساكر مع ابنه الحسن ووصل مدده إلى مدينة ميسني وساروا بجموعهم إلى رمطة وكان على حصارها الحسن بن عمار فحمل عسكرا على رمطة وزحف إلى عسكر الروم مستميتاً فقاتلهم فقتل أمير الروم وجماعة من البطارقة وهزموا أقبح هزيمـة واعترضهـم خندق فسقطوا فيه وأثخن المسلمون فيهم وغنموا عسكرهـم‏.‏ واشتـد الحصـار علـى أهـل رمطة وعدموا الأقوات فاقتحمها المسلمون عنوة وركب فل الروم البحر يطلبون النجاة فإتبعهم الأمير أحمد بن الحسن في أسطوله فأدركهم وسبح بعض المسلمين في الماء فخرق مراكبهم وانهزمـوا وبـث أحمـد سرايـا المسلميـن فـي مدائـن الـروم فغنمـوا منهـا وعاثـوا فيهـا حتى صالحوهم على الجزية وكانت هذه الواقعة سنة أربع وخمسين وتسمى وقعة المجاز‏.‏

فتح مصر
ثم إن المعز لدين الله بلغه اضطراب أحوال مصر بعد موت كافـور الأخشيـدي وعظـم فيهـا الغلاء وكثرت الفتن وشغل بغداد عنهم بما كان من الفتن بين بختيار بن معز الدولة وعضد الدولة ابن عمه فاعتزم المعز على المسير إلى مصر وأخرج جوهراً الكاتب إلى المغرب لحشد كتامـة وأوعـز إلـى عمـال برقـة لحفـر الآبـار فـي طريقها وذلك سنة خمس وخمسين فسيره إلى مصر وخرج لتوديعه وأقام أياما في معسكره وسار جوهر وبلغ خبره إلى عساكر الأخشيدية بمصر فافترقوا وكان ما يذكر في أخبارهم وقدم جوهر منتصف شعبان من سنة ثمان وخمسين فدخلها وخطب في الجامع العتيق منه باسم المعتز وأقيمت الدعوة العلوية‏.‏ وفي جمادى من سنـة تسـع وخمسيـن دخـل جوهـر جامـع ابـن طولـون فصلـى فيـه وأمـر بزيـادة حـي علـى خيـر العمـل فـي الآذان فكان أول أذان أذن به في مصر‏.‏ ثم بعث إلى المعز بالهدايا وبأعيان الدولة الأخشيدية فحبسهـم المعز بالمهدية وأحسن إلى القضاة والعلماء من وفدهم وردهم إلى مصر وشرع جوهر في بناء القاهرة واستحث المعز للقدوم على مصر‏.‏

فتح دمشق
ولما فتحت مصر وأخذ بنو طفج هرب منهم الحسن بن عبد الله بن طفج إلى مكة ومعه جماعـة مـن قوادهـم فلمـا استشعـر جوهـر بـه بعث جعفر بن فلاح الكتامي في العساكر إليه فقاتله مراراً ثم أسره ومن كان معه من القواد وبعث بهم إلى جوهر فبعث بهم جوهر إلى المعز بإفريقية‏.‏ ودخل جعفر الرملة عنوة فاستباحها ثم أمن من بقي وجبى الخراج وسار إلى طبرية وبها ابن ملهم وقد أقام الدعوة للمعز فتجافى عنه وسار إلى دمشق فافتتحها عنوة وأقام بها الخطبة للمعز لأيام من المحرم سنة تسع وخمسين وكان بدمشق الشريف أبو القاسم بن يعلى الهاشمي وكان مطاعا فيهم فجمع الأوباش والذعار وثار بهم في الجمعة الثانية ولبس السواد وأعـاد الخطبة للمطيع فقاتلهم جعفر بن فلاح أياماً وأولى عليهم الهزائم‏.‏ وعاثت جيوش المغاربة في أهل دمشق فهرب ابن أبي يعلى ليلا من البلد وأصبحوا حيارى وكانوا قد بعثوا الشريف الجعفري إلى جعفر في الصلح فأعاده إليهم بتسكين الناس والوعد الجميل وأن يدخـل البلـد فيطـوف فيـه ويرجـع إلـى معسكـره فدخـل وعـاث المغاربة في البلد بالنهب فثار الناس بهم وحملوا عليهم وقتلوا منهم وشرعوا في حفر الخنادق وتحصين البلد‏.‏ ومشى الشريـف أبـو القاسـم فـي الصلـح بينهـم وبيـن جعفـر بـن فلـاح فتـم ذلـك منتصـف فـي الحجـة مـن سنة تسع وخمسين ودخل صاحب شرطة جعفر فسكن الناس س وقبض علي جماعة من الأحداث وقتـل منهـم وحبـس‏.‏ ثـم قبـض علـى الشريـف أبـي القاسـم بـن أبـي يعلـى فـي المحـرم مـن سنـة ستيـن وبعـث بـه إلـى مصـر واستقـام ملـك دمشـق لجعفـر بـن فلـاح وكان خرج بإفريقية في سنة ثمان وخمسين أبو جعفر الزناتي واجتمعت إليه جموع من البربر والنكارية وخرج إليه المعز بنفسه وانتهى إلى باغاية وافترقت جموع أبي خزر وسلك الأوعار فعاد المعز وأمر بلكين بن زيري بالمسير في طلبه فسار لذلك حتى انقطع عنه خبره ثم جاءه أبو جعفر مستأمناً سنة تسع وخمسين فقبله وأجرى عليه الرزق وعلى أثر ذلك وصلت كتب جوهر بإقامة دعوته بمصر والشـام وباستدعائه إليها فاشتد سرور المعز بذلك وأظهره في الناس ونطق الشعراء بامتداحه‏.‏ ثم زحف القرامطة إلى دمشق وعليهم ملكهم الأعصم ولقيهم جعفر بن فلاح فظفر بهـم وقتلهـم‏.‏ ثـم رجعـوا إليه سنة إحدى وستين وبرز إليهم جعفر فهزموه وقتلوه وملك الأعصم مسير المعز إلى مصر ونزوله بالقاهرة ولما انتهت هذه الأخبار إلى المعز اعتزم على المسير إلى مصر وبدأ بالنظر في تمهيد المغرب وقطع شواغله وكان محمد بن الحسن بن خزر المغراوي مخالفاً عليه بالمغـرب الأوسـط وقـد كثرت جموعه من زناتة والبربـر وكـان جبـاراً طاغيـاً فأهـم المعـز أمـره وخشـي علـى إفريقيـة غائلته فأمر بلكين بن زيري بن مناد بغزوه فغزاه في بلاده وكانت بينهما حروب عظيمة‏.‏ ثم انهـزم محمـد بن خزر وجموعه ولما أحس بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه وقتل في المعركة سبعة عشر من أمراء زناتة وأسر منهم كثير وذلك سنة ستين‏.‏ وسر المعز ذلك وقعد للهناء به‏.‏ واستقدم بلكين بن زيري فاستخلفه على إفريقية والمغرب وأنزله القيروان وسماه يوسف وكناه أبا الفتوح وولى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي ولـم يجعل لبلكين ولاية عليه ولا على صاحب صقلية‏.‏ وجعل على جباية الأموال زيادة الله بن الغريم وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني وحسين بن خلف المرصدي بنظر بلكين وعسكر ظاهـر المنصوريـة آخـر شـوال مـن سنـة إحدى وستين وأقام على سردانية قريباً من القيروان حتى فرغ من أعماله ولحقته عساكره وأهل بيته وعماله وحمل له ما كـان فـي قصـره مـن الأمـوال والأمتعـة‏.‏ وارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه وسار معه بلكين قليلا ثم ودعه ورده إلى عمله وسـار هـو إلـى طرابلـس فـي عساكـره وهـرب بعضهـم إلـى جبـل نفوسـة فامتنعوا به وسار إلى برقة فقتـل بها شاعره محمد بن هانىء الأندلسي وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة اثنتيـن وستيـن‏.‏ ثـم سـار إلـى الإسكندريـة وبلغهـا فـي شعبـان مـن هـذه السنـة ولقيـه بهـا أعيـان مصر فأكرمهم ووصلهم وسار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله ومنزل الخلفاء بعده إلى آخر دولتهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:42 AM

حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق
كـان للقرامطة على بني طفج بدمشق ضريبة يؤدونها إليهم فلما ملك ابن فلاح بدعوة المعز قطع تلك الضريبة وآسفهم بذلك فرجعوا إلى دمشق وعليهم الأعصم ملكهم فبرز إليهم جعفر بن فلـاح فهزمـوه وقتلوه وملكوا دمشق وما بعدها إلى الرملة وهرب من كان بالرملة وتحصنوا بيافا‏.‏ وملك القرامطة الرملة وجهزوا العساكر على يافا وساروا إلى مصر ونزلوا عين شمس وهي المعروفة لهذا العهد بالمطرية‏.‏ واجتمع إليهم خلق كثير من العرب وأولياء بني طفج وحاصروا المغاربة بالقاهرة وقاتلوهم أياماً فكان الظفر بهم‏.‏ ثم خرج المغاربة واستماتوا وهزمهم فرحلوا إلـى الرملـة وضيقـوا حصـار يافـا وبعـث إليهم جعفر بالمدد في البحر فأخذه القرامطة وانتهى الخبر إلى المعز القيروان‏.‏ وجاء إلى مصر ودخلها كما ذكرناه‏.‏ وسمع أنهم يريدون المسير إلى مصر فكتب إلى الأعصم يذكره فضل بنيه وأنهم إنما دعوا له ولآبائه وبالغ في وعظه وتهدده فأساء في جوابه وكتب إليه‏:‏ وصل كتابك الذي قل تحصيله وكثر تفصيله ونحن سائرون إليك والسلام‏.‏ وسار من الأحساء إلى مصر ونزل عين شمس في عساكـره واجتمع إليه الناس من العرب وغيرهم‏.‏ وجاء حسان بن الجراح في جموع عظيمة من طيـىء وبـث سرايـاه فـي البلـاد فعاثـوا فيهـا وأهـم المعـز شأنه فراسل ابن الجراح واستماله بمائة ألف دينـار علـى أن ينهـزم عـن القرامطـة واستحلفـوه علـى ذلك‏.‏ وخرج المعز ليوم عينوه لذلك فإنهزم ابن الجـراح بالعـرب‏.‏ وثبـت القرامطـة قليـلا ثـم إنهزمـوا وأخـذ منهم نحو ألف وخمسمائة أسير‏.‏ وساروا في أتباعهم ولحق القرامطة باذرعات وساروا منها إلى الأحساء وقتلوا صبراً ونهب معسكرهم‏.‏ وجرد المعز القائد أبا محمود في عشرة آلاف فارس وبعث المعز القائد ظالم ابن موهوب العقيلي والياً على دمشق فدخلها وكان العامل بها من قبل القرامطة أبو اللجاء وابنه‏.‏ في جماعة منهم فحبسهم ظالم وأخذ أموالهم ورجع القائد أبو محمود من أتباع القرامطة إلى دمشق فتلقاه ظالم وسر بقدومه وسأله المقام بظاهر دمشق حذراً من القرامطة ففعل ودفع أبا اللجـاء وابنـه فبعـث بهـم إلـى مصـر فحبسـوا بهـا وعـاث أصحاب أبي محمود في دمشق فاضطرب النـاس وقتـل صاحـب الشرطـة بعضهم فثاروا به وقتلوا أصحابه‏.‏ وركب ظالم بذراريهم وأجفل أهـل الضواحـي إلـى البلـد مـن عيـث المغاربـة ثم وقعت في منتصف شوال من سنة ثلاث وستين فتنـة بيـن العامـة وبيـن عسكـر أبـي محمـود وقاتلـوه أيامـاً‏.‏ ثـم هزمهـم وتبعهم إلى البلد وكان ظالم بن موهوب يداري العامة فأشفق في هذا اليوم على نفسه وخرج من دار الإمارة وأحرق المغاربة ناحيـة بـاب الفراديـس ومـات فيهـا خلـق واتصلـت الفتنـة إلى ربيع الآخر من سنة أربع وستين‏.‏ ثم وقـع الصلـح بينهـم علـى إخـراج ظالـم مـن البلـد وولايـة جيـش بـن الصمصامـة ابن أخت محمود فسكن الناس إليه ثم رجع المغاربة إلى العيث وعاد العامة إلى الثـورة وقصـدوا القصـر الـذي فيـه جيش فهرب ولحق بالعسكر وزحف إلى البلد فقاتلهم وأحرق ما كان بقي وقطع الماء عن البلد فضاقت الأحوال وبطلت الأسواق وبلغ الخبـر إلـى المعـز فنكـر ذلـك علـى أبـي محمـود واستعظمـه وبعـث إلـى ريـان الخـادم فـي طرابلس يأمره بالمسير إلى دمشق لاستكشاف حالها وأن يصرف القائد أبا محمود عنها فصرفه إلى الرملة وبعث إلى المعز بالخبر وأقام بدمشق إلى أن وصل أفتكين والياً على دمشق‏.‏ وكـان أفتكيـن هـذا مـن موالي عز الدولة بن بويه ولما ثار الأتراك على ابنه بختيار مع سبكتكين ومات سبكتكين قدمه الأتراك عليهم وحاصروا بختيار بواسط وجاء عضد الدولـة لأنجـاده فأجفلـوا عـن واسـط فتركـوه ببغـداد‏.‏ وسـار أفتكيـن فـي طائفـة مـن الجنـد إلـى حمـص فنـزل قريباً منها وقصـده ظالـم بـن موهـوب العقيلـي ليقبضـه فعجـز عنـه وسـار أفتكيـن فنـزل بظاهـر دمشق وبها زياد خادم المعز وقد غلب عليه وعلى أعيان البلد الأحداث والذعار فلم يملكوا معهم أمر أنفسهم فخرج الأعيان إلى أفتكين وسألوا منه الدخول إليهم ليولـوه وشكـوا إليـه حـال المغاربـة ومـا يحملونهم عليه من عقائـد بعـض الرفـض ومـا أنـزل بهـم عمالهـم مـن الظلـم والعسـف فأجابهـم واستحلفهـم وحلـف لهـم وملـك البلـد وخـرج منهـا زياد الخادم وقطع خطبة المعز العلوي وخطب للطائع العباسي وقمع أهل الفساد ودفع العرب عما كانوا استولوا عليه من الضواحي‏.‏ واستقل ملك دمشق وكاتب المعز بطلب طاعته وولايتها من قبله فلم يثـق إليـه ورده وتجهـز لقصده وجهز العساكر فتوفي بعسكره ببلبيس كما يذكر‏.‏

وفاة المعز وولاية ابنه العزيز
ثـم توفـي المعـز بمصـر فـي منتصـف ربيـع الآخـر سنـة خمـس وستيـن لثلـاث وعشريـن سنـة مـن خلافته وولـي ابنـه نزار بعهده إليه ووصيته ولقب العزيز بالله وكتم موت أبيه إلى عيد النحر من السنة فصلى بالناس وخطبهم ودعا لنفسه وعزى بأبيه وأقر يعقوب بن كلس على الوزارة كما كان أيـام أبيـه وأقـر بلكيـن بن زيري على ولاية إفريقية وأضاف إليه ولاية عبد الله بن يخلف الكتامي وهي طرابلس وسرت وجر أبيه‏.‏ وكان أهل مكة والمدينة قد خطبوا للمعز أبيه في الموسم فتركوا الخطبة للعزيز فبعث جيوشه إلى الحجاز فحاصروا مكة والمدينة وضيقوا عليهم حتى رجعوا إلى دعوتهم وخطب للعزيز بمكة وكان أمير مكة عيسى بن جعفر والمدينة طاهر بن مسلم ومات في هذه السنة فولي ابنه الحسن وابن أخيه مكانه‏.‏

بقية أخبار أفتكين
ولما توفي المعز وولي العزيز قام أفتكين وقصد البلاد التي لهم بساحل الشام فبدأ بصيـدا فحاصرها وبها ابن الشيخ في رؤوس المغاربة وظالم بن موهوب العقيلي فبرزوا إليه وقاتلوه فاستنجد لهم ثم كر عليهم وأوقع بهم وقتل منهم أربعة آلاف وسار إلى عكة فحاصرها وقصد طبرية وفعل فيها مثل صيدا‏.‏ ورجع واستشار العزيز وزيره يعقوب بن كلس فأشار بإرسال جوهر الكاتب إليه فجهزه العزيز وبعثه وأقبل أفتكين على أهل دمشق يريهم التحول عنهـم ويذكرهـم بذلـك ليختبرهـم فتطارحـوا إليـه واستماتـوا واستحلفهـم علـى ذلـك ووصل جوهـر فـي ذي القعـدة سنـة خمـس وستيـن فحاصـر دمشـق شهريـن وضيـق حصارها وكتب أفتكين إلى الأعصم ملك القرامطة يستنجده فسار إليه من الإحساء واجتمع إليهم من رجال الشام والعرب نحو من خمسين ألفاً وأدركوا جوهراً بالرملة وقطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلـان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد وأرسل جوهر إلى أفتكين بالمغاربة والوعد والقرمطي يمنعه ثم سأله في الاجتماع فجاءه أفتكين ولم يزل جوهر يعتل له في الدروة والغارب وأفتكين يعتذر بالقرمطـي ويقـول‏:‏ أنت حملتني على مداراته‏.‏ فلما أيس منه كشف له عما هم فيه من الضيق سأله الصنيعة وأنها يتخذها عند العزيز فحلف له على ذلك وعزله القرمطي‏.‏ وأراه جوهـر أن يحمـل العزيـز علـى المسير بنفسه فصم من عزله وأبى إلا الوفاء وانطلق جوهر إلى مصـر وأغرى العزيز بالمسير إليهم فتجهز في العساكر وسار وجوهر في مقدمته ورجع أفتكين والقرمطـي إلـى الرملـة واحتشدوا ووصل العزيز فصطوا للحرب بظاهر الرملة في محرم سنة سبع وستيـن‏.‏ وبعـث العزيـز إلـى أفتكيـن يدعـوه إلى الطاعة يرغبه ويعده بالتقدم في دولته ويدعوه إلى الحضـور عنـده فتقـدم بيـن الصفيـن وترجـل وقبل الأرض وقال‏:‏ قل لأمير المؤمنين لو كان قبل هذه لسارعت وأما الآن فلا يمكنني‏.‏ وحمل على المسيرة فهزمهم وقتل الكثير منهم فامتعض العزيز وحمـل هـو والميمنـة جميعـاً فهزمهـم ووضـع المغاربـة السيـف فقتلوا نحواً من عشرين ألفا‏.‏ ثم نزل في خيامه وجيء بالأسرى فخلع على من جاء بهم وبذل لمن جاء بأفتكين مائة ألف دينار فلقيه المفرج بن دغفل الطائي وقد جهده العطش فاستسقاه وتركه بعرشه مكرماً‏.‏ وجاء إلى العزيز ولما حضر عند العزيز وهو لا يشك أنه مقتول أكرمه العزيز ووصل ونصب له الخيـام وأعـاد إليـه ما نهب له ورجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه وحجابه وبعث إلى الأعصم القرمطي من يرده إليه ليصله كما فعل بأفتكين فأدرك بطبرية وامتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار وفرضها له ضريبة‏.‏ وسار القرمطي إلى الأحساء وعاد العزيز إلى مصر ورقي رتبة أفتكين وخص به الوزير يعقوب بن كلس فسمه وسمع العزيز بأنه سمه فحبسه أربعين يوماً وصـادره علـى خمسمائـة ألـف دينـار ثـم خلـع عليـه وأعاده إلى وزارته‏.‏ وتوفي جوهر الكاتب في ذي القعدة من سنة إحدى وثمانين وقام ابنه الحسن مقامه ولقب قائد القواد‏.‏ وكان أفتكين قد استخلص أيام وزارته دمشق رجلا اسمه قسام فعـلا صبتـه وكثـر تابعـه واستولى على البلد‏.‏ ولما انهزم أفتكين والقرامطة بعث العزيز القائد أبا محمود بن إبراهيم واليا علـى دمشـق كمـا كـان لأبيـه المعـز فوجـد فيها قساما قد ضبط البلد وهو يدعو للعزيز فلم يتم له معـه ولايـة‏.‏ وبقـي قسـام مستبـداً عليـه إلـى أن مـات أبـو محمـود سنـة سبعيـن‏.‏ ثـم جاء أبو ثعلب بن حمدان صاحب الموصل إلى دمشق عند انهزامه أمام عضد الدولة فمنعه قسام من الدخول وخاف أن يغلبه على البلد بنفسه أو بأمر العزيز واستوحش أبو ثعلب لذلك فقاتله قليلا ثم رحل إلى مطرية‏.‏ وجاءت عساكر العزيز مع قائده الفضل فحاصروا قساما بدمشق ولم يظفروا به ورجعوا ثم بعث العزيز سنة تسع وستين سليمان بن جعفر بن فلاح فنزل بظاهرها ولم يمكنه قسام من دخولها ودس إلى الناس فقاتلوه وأزعجوه عن مكانه‏.‏ وكان مفرج بن الجراح أمير بني طيىء وسائر العرب بأرض فلسطين قد كثرت جموعه وقويت شوكته وعاث في البلاد وخربها فجهز العزيز العساكر لحربه مع قائده بلتكين التركي فسار إلى الرملة واجتمع إليه العرب من قيس وغيرهم ولقي ابن الجراح وقد أكمن لهم بلتكين من ورائهم فانهزم ومضى إلى إنطاكية فأجاره صاحبها‏.‏ وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى بلاد الشام فخاف ابن الجراح وكاتب بكجور مولـى سيـف الدولـة وعاملـه على حمص ولجأ إليه فأجاره‏.‏ ثم زحف بلتكين إلى دمشق وأظهر لقسـام أنـه جـاء لإصلـاح البلـد‏.‏ وكـان مـع قسـام جيـش بن الصمصامة ابن أخت أبي محمود قد قام بعده في ولايتـه فخـرج إلـى بلتكيـن فأمـره بالنـزول معـه بظاهـر البلـد هـو وأصحابـه‏.‏ واستوحـش قسـام وتجهـز للحـرب‏.‏ ثـم قاتـل وانهـزم أصحابـه ودخـل بلتكيـن أطـراف البلـد فنهبـوا وأحرقوا‏.‏ واعتزم أهل البلـد علـى الاستئمـان إلـى بلتكيـن وشافهـوه بذلـك فـأذن لهـم وسمع قسام فإضطرب وألقى ما بيده واستأمن الناس إلى بلتكين لأنفسهم ولقسام فأمن الجميع‏.‏ وولى على البلد أميراً اسمه خطلج ثم اختفى قسام بعد يومين فنهبت دوره ودور أصحابه وجاء ملقياً بنفسه على بلتكين فقبله وحمله إلى مصر فأمنه العزيز‏.‏ وكان بكجور في غوية من غلمان سيف الدولة وعامله على حمص‏.‏ وكان يمد دمشق أيام هذه الفتنة والغلاء ويحمل الأقوات من حمص إليها ويكاتب العزيز بهـذه الخدم‏.‏ ثم استوحش سنة ثلاث وسبعين من مولاه أبي المعالي فاستنجز من العزيز وعده إياه بولاية دمشق وصادف ذلك أن المغاربة بمصر أجمعوا على التوثب بالوزير بن كلس ودعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق فأمره العزيز بالقدوم وولاية بكجور على دمشق ففعل ودخلها بكجور في رجب من سنة ثلاث وسبعين وعاث في أصحاب ابن كلس وحاشيته بدمشق لما كان يبلغه عنه من صد العزيز عن ولايته‏.‏ ثـم أسـاء السيـرة فـي أهـل دمشـق فسعـى ابـن كلـس في عزله عند العزيز وجهز العساكر سنة ثمان وسبعين مع منير الخادم وكتب إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته وجمع بكجور العرب وخرج للقائه فانهزم‏.‏ ثم خاف من وصول نزال فاستأمن لهم وتوجه إلى الرقة فاستولى عليها ودخل منيـر دمشـق واستقـر فـي ولايتهـا وارتفعت منزلته عند العزيز وجهزه لحصار سعد الدولة بحلب‏.‏ وكان بكجور بعد انصرافه من دمشق إلى الرقة سأل من سعد الدولة العود إلى ولاية حمص فمنعه فأجلب عليه واستنجد العزيز لحربه ويعث إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته فسار إليه بالعساكر وخرج سعد الدولة من حلب للقائهم‏.‏ وقد أضمر نزال الغدر ببكجور تقدم إليـه بذلك عيسى بن نسطورس وزير العزيز بعد ابن كلس‏.‏ وجاء سعد الدولة للقائهم وقد استمد عامل إنطاكية للروم فأمده بجيش كثير وداخل العرب الذيـن مع بكجور في الانهزام عنه ووعدوه ذلك من أنفسهم فلما تراءى الجمعان وشعر بكجور بخديعة العرب إستمات وحمل على الصف بقصد سعد الدولة فقتل لؤلؤ الكبير مولاه بطعنه إياه ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه فسار إلى بعض العرب وحمل إلى سعد الدولة فقتله وسار إلى الرقة فملكها وقبض جميع أمواله وكانت شيئاً لا يعبر عنه‏.‏ وكتب أولاده إلى العزيز يستشفعـون بـه فشفـع إلـى سعـد الدولـة فيهم أن يبعثهم إلى مصر ويتهدده على ذلك فأساء سعد الدولة الرد وجهز لحصار حلب الجيوش مع منجوتكين فنزل عليها وحاصرها وبها أبو الفضائل بن سعد الدولة ومولاه لؤلؤ الصغير‏.‏ وأرسلا إلى بسيل ملك الروم يستنجدانه وهو في قتال بلغـار فبعـث إلـى عامـل إنطاكيـة أن يمدهما فسار في خمسين ألفا حتى نزل حبس العاصي وبلغ خبره إلى منجوتكين فارتحل عن حلب ولقي الروم فهزمهم وأثخن فيهم قتلاً وأسراً‏.‏ وسار إلى إنطاكية وعاث في نواحيها وخرج أبو الفضائل في مغيب منجوتكين إلى ضواحي حلب فنقل ما فيها من الغلال وأحرق بقيتها لتفقـد عساكـر منجوتكيـن الأقـوات‏.‏ فلمـا عـاد منجوتكين إلى الحصار جهز عسكره وأرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربي في الصلح فعقد له ذلـك ورحـل منجوتكيـن إلى دمشق وبلغ الخبر إلى العزيز فغضب‏.‏ وكتب إلى منجوتكين بالعود إلى حصار حلب وإبعاد الوزير المغربي وأنفذ الأقوات للعسكر في البحر إلى طرابلس‏.‏ وأقام منجوتكيـن فـي حصـار حلـب‏.‏ وأعادوا مراسلة ملك الروم فاستنجدوه وأغزوه وكان قد توسط بلـاد البلغـار فعـاد مجـداً فـي السيـر‏.‏ وبعـث لؤلـؤ إلـى منجوتكيـن بالخبـر حـذراً علـى المسلمين وجاءته جواسيسه بذلك فأجفل بعـد أن خـرب مـا كـان اتخـذه فـي الحصـار مـن الأسـواق والقصـور والحمامات‏.‏ ووصل ملك الروم إلى حلب ولقي أبا الفضائل ولؤلؤاً ثم سار في الشام وافتتح حمص وشيزر ونهبهما وحاصـر طرابلـس أربعيـن يومـاً فامتنعـت عليـه وعـاد إلـى بلـاده وبلـغ الخبـر إلـى العزيـز فعظـم عليـه واستنفر الناس للجهاد وبرز من القاهرة وذلك سنة إحدى وثمانين‏.‏ ثم انتقض منير في دمشق فزحف إليه منجوتكين إلى دمشق‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:43 AM

أخبار الوزراء
كان وزير المعز لدين الله يعقوب بـن يوسـف بـن كلـس أصلـه مـن اليهـود وأسلـم وكـان يدبـر الأحوال الإخشيدية بمصر وعزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع وخمسين وصادره فاستتر بمصـر ثـم فـر إلـى المغـرب ولقـي المعـز لدين الله وجاء في ركابه إلى مصر فاستوزره وعظم مقامه عنده واستوزره بعده ابنه العزيز إلى أن توفي سنة ثمانين وصلى عليه العزيز وحضر دفنه وقضى عنه دينه‏.‏ وقسم عمله فرد النظر في الظلامات إلى الحسن بن عمار كبير كتامة ورد النظـر فـي الأمـوال إلـى عيسـى بـن نسطـورس ولـم تـزل الـوزارة سائـر دولتهم في أرباب الأقلام وكانوا بمكان وكان منهم البارزي‏.‏ وكان مع الوزارة قاضي القضاة وداعي الدعاة‏.‏ وسأل أن يرسم اسمـه علـى السكـة فغـرب ومنـع ومـات قتيـلا بتنيـس‏.‏ وأبو سعيد النسري وكان يهودياً وأسلم قبل وزارته والجرجاني وقطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب وحلف الحاكم بيمين لا تكفـر ليقطعنـة‏.‏ ثـم رده بعـد ثلـاث وخلـع عليـه وابـن أبـي كدينـة ثلاثـة عشـر شهـراً‏.‏ ثم صرف وقتل وأبو الطاهر بن ياشاد وكان من أهل الدين واستعفى فأعفي وأقام معتكفا في جامع مصر وسقط ليلة من السطح فمات‏.‏ وكان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي وكان بعده بدر الجمالـي أيـام المستنصـر وزير سيف الدولة واستبد له على الدولة ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم‏.‏

أخبار القضاة
كـان النعمـان بـن محمـد بـن منصـور بـن أحمـد بـن حيـون فـي خطة القضاء للمعز بالقيروان‏.‏ ولما جاء إلـى مصـر أقـام بها في خطة القضاء إلى أن توفي وولي ابنه علي ثم توفي سنة أربع وسبعين وثلاثمائـة فولـى العزيـز أخـاه أبـا عبـد الله محمداً خلع عليه وقلده‏.‏ وكان المعز قد وعد أباه بقضاء ابنـه محمـد هـذا بمصـر وتم في سنة تسع وثمانين أيام الحاكم‏.‏ وكان كبير الصيت كثير الإحسان شديـد الاحتيـاط فـي العدالـة فكانـت أيامـه شريفـة‏.‏ وولـي بعـده ابـن عمـه أبـو عبـد اللـه الحسين علي بن النعمان أيام الحاكم ثم عزل سنة أربع وتسعين وقتل وأحرق بالنار وولي مكانه ملكة بن سعيـد الفارقـي إلـى أن قتلـه الحاكـم سنـة خمـس وأربعمائة بنواحي القصور وكان عالم المنزلة عند الحاكـم ومداخـلا لـه فـي أمـور الدولـة وخالصـة لـه فـي خلواتـه‏.‏ وولي بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام‏.‏ واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم كان كثيراً ما يجمعون للقاضي المظالم والدعـوة فيكـون داعـي الدعـاة وربما يفردون كلا منهما‏.‏ وكان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عندما يخطب الخلفاء في الجمع والأعياد‏.‏

وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم
قد تقدم لنا أن العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين وبرز في العساكر لغزو الروم ونـزل بلبيـس فاعتورتـه الأمـراض واتصلـت بـه إلـى أن هلـك آخـر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشـرة سنة ونصف من خلافته ولقب الحاكم بأمر الله واستولى برجوان الخادم على دولته كما كـان لأبيـه العزيـز بوصيتـه بذلـك وكـان مدبـر دولتـه وكـان رديفـه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمار ويلقب بأمين الدولة وتغلب على ابن عمار وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم ونكـر منجوتكيـن تقديـم ابـن عمار في الدولة وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض وجهز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان وانهزم منجوتكين وأصحابه وقتل منهم ألفين وسيق أسيراً إلى مصر فأبقى عليه ابن عمار واستماله للمشارقة‏.‏ وعقد على الشام لسليمان بن فلاح ويكنى أبا تميم فبعث من طبرية أخاه علياً إلى دمشق فامتنـع أهلهـا فكاتبهـم أبـو تميـم وتهددهـم وأذعنـوا ودخـل علـى البلد ففتك فيهم‏.‏ ثم قدم أبو تميم فأمـن وأحسـن وبعـث أخاه عليا إلى طرابلس وعزل عنها جيش ابن الصمصامة فسار إلى مصر وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار وأعيان كتامة وكان معهما في ذلك شكر خادم عضـد الدولة نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ونكبة أخيه شرف الدولة إياه فخلص إلى العزيز فقربه وحظي عنده فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامـة‏.‏ وثـارت الفتنـة واقتتـل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة واختفى ابن عمار وأظهر برجوان الحاكم وجدد له البيعة وكتـب إلـى دمشـق بالقبـض على أبي تميم بن فلاح فنهب ونهبت خزائنه واستمر القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق واستولى الأحداث‏.‏ ثم أذن برجوان لابـن عمـار فـي الخـروج مـن أستاره وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره‏.‏ واضطرب الشام فانتقض أهـل صـور وقـام بهـا رجـل ملـاح اسمـه العلاقـة وانتقـض مفـرج بـن دغفل بن الجراح ونزل على الرملة وعاث في البلاد وزحف الدوقس ملك لروم إلى حصـن أفامية محاصراً لها‏.‏ وجهز برجوان العساكر مع جيش ابن الصمصمامة فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون وأسطولا في البحر واستنجد العلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب فظفر بهم أسطول المسلمين‏.‏ واضطرب أهل صور وملكها ابن حمدان وأسر العلاقة وبعث به إلى مصر فسلخ وصلب وسار جيش ابن الصمصامة إلى الفرج بن دغفل فهرب أمامه ووصل إلى دمشق وتلقاه أهلها مذعنين وأحسن إليهم وسكنهم ورفع أيدي العدوان عنهم‏.‏ ثـم سـار إلـى أفامية وصاف الروم عندها فانهزم أولاً هو وأصحابه وثبت بشارة الأخشيدي بن قـرارة فـي خمسمائـة فـارس ووفـق الدوقـس ملـك الروم على رابية في ولده وعدة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين فقصد كردي من مصاف الأخشيدي وبيده عصا من حديد يسمى الخشت وظنه الملك مستأمناً فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله وانهزم الروم واتبعهم جيش ابـن الصمصامـة إلـى أنطاكية يغنم ويسبي ويحرق‏.‏ ثم عاد مظفراً إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخـل‏.‏ واستخلـص رؤسـاء الأحـداث واستحجبهم وأقيم له الطعام في كل يوم وأقام على ذلك برهـة‏.‏ ثـم أمـر أصحابـه إذا دخلـوا للطعـام أن يغلـق بـاب الحجـرة عليهم ويوضع السيف في سائرهم فقتل منهم ثلاثة آلاف ودخل دمشق وطاف بها وأحضر الأشرف فقتل أيديهم وبعث بهم إلى مصر وأمن الناس‏.‏ ثم إنه توفي وولى محمود بن جيش وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين وبعث جيشاً إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها وولى عليها يانساً الصقلي‏.‏ ثم ثقل مكان برجـوان علـى الحاكـم فقتلـه سنة تسع وثمانين وكان خصياً أبيض وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده‏.‏ ثم قتل الحسين بن عمار ثم الحسين بن جوهر القائد‏.‏ ثم جهز العساكر مع يارختكين إلى حلب وقصد حسان بن فرج الطائي لما بلغ من عيثه وفساده‏.‏ فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسان وأبوه مفرج فانهزم وقتل ونهبـت النواحـي وكثـرت جمـوع بنـي الجـراح وملكـوا الرملـة واستقدمـوا الشريـف أبـا الفتـوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة‏.‏ ثـم استمالهمـا الحاكـم ورغبهمـا فـرداه إلـى مكـة وراجعـا طاعـة الحاكم وراجع هو كذلك وخطب له بمكة‏.‏ ثم جهز الحاكم العساكر إلى الشام مع علي بن جعفر بن فلاح وقصد الرملة فانهزم حسان بن مفرج وقومه وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم وأخذ مـا كـان لهـم مـن الحصـون بجبـل السـراة ووصـل إلى دمشق في شوال سنة تسعين فملكها واستولى عليها وأقام مفرج وابنه حسان شريدين بالقفز نحواً من سنتين‏.‏ ثم هلك مفرج وبعث حسان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله‏.‏

خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به
كـان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل وأنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتبعهم بالقتل وهو ابن عشرين سنة وقصد القيروان فأقام بها يعلم الصبيان‏.‏ ثم قصد مصر وكتب الحديث ثم سار إلى مكة واليمن والشام وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام واسمه الوليد وإنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها لوضوئه على عادة الصوفية‏.‏ ثم عاد إلى نواحي مصر ونزل على بني قرة من بادية هلال بن عامر وأقام يعلم الصبيـان ويؤمهـم فـي صلاتهـم‏.‏ ثـم أظهر ما في نفسه ودعا للقائم‏.‏ وكان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم والناس معه على خطر وكان قتل جماعـة مـن بنـي قـرة وأحرقهـم بالنار لفسادهم فبادر بنو قرة وكانوا في أعمال برقة فأجابوه وانقاد له وبايعوا‏.‏ وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الأصل حروب ودماء فوضعوها واتفقوا على بيعته‏.‏ وكتـب عامـل برقـة أنيـال الطويـل بخبرهـم إلى الحاكم فأمره بالكف عنهم‏.‏ ثم اجتمعوا وساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة وملكوا برقة وغنموا الأموال والسلاح وقتلوه‏.‏ وأظهر أبو ركوة العدل وبلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه وكف عن الأذى والقتل وجهز خمسة آلاف فارس مع القائـد أبي الفتوح الفضل بن صالح فبلغ ذات الحمام وبينها وبين برقة مفازة صعبة معطشة وأمر أبو ركوة من غور المياه التي فيها على قلبها‏.‏ ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم ونال منهم وثبت أبو ركوة واستأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم وقتله فأمنهم ولحقوا به وانهزمت عساكر الحاكم وقتل خلق كثير منهم‏.‏ ورجع أبو ركوة إلى برقة ظافراً وردد البعوث والسرايا إلى الصعيد وأرض مصر‏.‏ وأهم الحاكم أمره وندم على ما فرط‏.‏ وجهز علي بن فلاح العساكر لحربهم‏.‏ وكاتب الناس أبا ركوة يستدعونه وممن كتب إليه الحسن بـن جوهـر قائـد القـواد وبعثهـم فـي ستـة عشـر ألـف مقاتـل سـوى العـرب وبعـث أخـاه في سرية فواقع بنـي قـرة وهزمهـم وقتـل مـن شيوخهـم عبـد العزيز بن مصعب ورافع بن طراد ومحمد بن أبي بكر واستمال الفضل بني قرة فأجابه ماضي بن مقرب من أمرائهم وكان يطالعه بأخبارهم‏.‏ وبعث علي بن فلاح عسكراً إلى الفيوم فكبسه بنو قرة وهزموه ونزل أبو ركوة بالهرمين ورجع من يومه‏.‏ ثم رحل الفضل إلى الفيوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة وهزمهـم واستأمـن بنـو كلـاب وغيرهم ورجع علي بن فلاح وتقدم الفضل لطلب أبي ركوة وخذل ماضي بن مقرب بني قرة عن أبي ركوة فقالوا له انج بنفسك إلى بلد النوبة ووصل إلى تخومهم وقال‏:‏ أنا رسول الحاكم فقالوا‏:‏ لا بد من استئذان الملك فوكلوا به وطالعوا الملك بحقيقة الحال‏.‏ وكان صغيرا قد ولي بعـد سرقـة أبيـه وبعـث إليـه الفضـل بشأنـه وطلبه فكتب إلى شجرة بن مينا قائد الخيل الثغر بأن يسلمـه إلى نائب الحاكم فجاء به رسول الفضل وأنزله الفضل في خيمة وحمله إلى صر فطيف به على جمل لابساً طرطوراً وخلفه قرد يصفعه‏.‏ ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل فمات قبل وصوله‏.‏ وقطع رأسه وصلب‏.‏ وبالغ الحاكم في إكرام الفضل ورفع مرتبته ثم قتله بعد ذلك وكان ظفر الحاكم بأبي ركوة سنة سبع وتسعين‏.‏ بقية أخبار الحاكم‏:‏ كان الحسن بن عمار زعيم كتامة مدبر دولته كما ذكرناه وكان برجوان خادمه وكافله وكان بيـن الموالـي والكتامييـن فـي الدولـة منافسـة‏.‏ وكان كثيراً ما يفضي إلى القتال‏.‏ واقتتلوا سنة سبع وثمانيـن‏.‏ وأركب المغاربة ابن عمار والموالي برجوان وكانت بينهم حروب شديدة‏.‏ ثم تحاجزوا واعتزل ابن عمار الأمور وتخلى بداره عن رسومه وجراياته وتقدم برجوان بتدبير الدولـة‏.‏ وكان كاتب بن فهر بن إبراهيم يربع وينظر في الظلامات ويطالعه‏.‏ وولي على برقـة يأنـس صاحـب الشرطـة مكـان صنـدل‏.‏ ثـم قتـل برجـوان سنـة تسع وثمانين ورجع التدبير إلى القائد أبي عبـد اللـه الحسيـن بـن جوهـر وبقي ابن فهر على حاله‏.‏ وفي سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيري صاحب إفريقية وولى عليها يأنس العزيزي من موالي العزيز فوصل إليها وأمكنه عامل المنصور منها وهو عصولة بن بكار‏.‏ وجـاء إلى الحاكم بأهله وولده وماله وأطلق يد يأنس على مخلفه بطرابلس يقال كان له من الولد نيف وستون بين ذكر وأنثى ومن السراري خمس وثلاثون فتلقي بالمبرة وهيىء له القصور ورتب له الجراية وقلـده دمشـق وأعمالهـا فهلـك بهـا لسنـة مـن ولايتـه‏.‏ وفي سنة اثنتيـن وتسعيـن وصـل الصريـخ مـن جهة فلفول بن خزرون المغراوي في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين فجهزت العساكـر مـع يحيـى بـن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين ونزع إلى بني أميـة وراء البحـر‏.‏ ولـم يـزل هـو وأخـوه فـي تصريفهـم إلـى أن قتـل المنصـور بـن أبـي عامر جعفراً منهما ونزع أخـوه يحيـى إلـى العزيـز بمصـر فنـزل عليـه وتصـرف فـي خدمتـه وبعثـه إلـآن الحاكـم فـي العساكـر لمـا قدمناه فاعترضه بنو قرة ببرقة ففضوا جموعه‏.‏ ورجع إلى مصر وسار يأنس من برقة إلى طرابلس فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه‏.‏ وبعـد وفـاة عصولـة ولـي علـى دمشـق مفلـح الخادم وبعده علي بن فلاح سنة ثمان وتسعين‏.‏ وبعد مسير يأنـس ولـي علـى برقـة صنـدل الأسـود‏.‏ وفي سنة ثمـان وتسعيـن عـزل الحسيـن بـن جوهـر القائـد وقـام بتدبيـر الدولـة صالـح بـن علـي بـن صالـح الروبـاذي‏.‏ ثـم نكـب حسيـن القائـد بعد ذلك وقتل ثم قتـل صالـح بعـد ذلـك وقـام بتدبيـر الدولـة الكافـي بـن نصر بن عبدون وبعده زرعة بن عيسى بن نسطورس ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزان‏.‏ وكثر عيث الحاكم في أهل دولته وقتله إياهم - مثل الجرجراي وقطعه أيديهم حتى إن كثيراً منهم كانوا يهربون من سطوته وآخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلات‏.‏ وكـان حاله مضطربا في الجور والعدل والإخافة والأمن والنسك والبدعة‏.‏ وأما ما يرمى به من الكفر وصدور السجلات بإسقاط الصلوات فغيـر صحيـح ولا يقولـه ذو عقـل ولـو صـدر مـن الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته‏.‏ وأما مذهبه في الرافضة فمعروف‏.‏ ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلـك فكـان يـأذن فـي صلـاة التراويـح ثـم ينهى عنها‏.‏ وكان يرى بعلم النجوم ويؤثره‏.‏ وينقل عنه أنه منـع النساء من التصرف في الأسواق ومنع من أكل الملوخيا‏.‏ ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرضوا لأهل السنة في التراويـح بالرجـم وفـي الجنائـز فكتـب فـي ذلـك سجـلاً قـرىء علـى المنبـر بمصـر كان فيه‏:‏ أمـا بعـد فـإن أميـر المؤمنيـن يتلـو عليكـم آيـة مـن كتاب الله المبين ‏"‏ لا إكراه في الدين ‏"‏ الآية‏.‏ مضى أمس بما فيه وأتى اليوم بما يقتضيه‏.‏ معاشر المسلمين نحن الأئمة وأنتم الأمة‏.‏ لا يحل قتل من شهـد الشهادتين ولا يحل عروة بين اثنين تجمعها هذه الأخوة عصم الله بها من عصم وحرم لها مـا حـرم مـن كـل محـرم من دم ومال ومنكح الصلاح والأصلح بين الناس أصلح والفساد والإفساد بين العباد يستقبح‏.‏ يطوى ما كان فيما مضى فلا ينشر ويعرض عما انقضى فلا يذكـر‏.‏ ولا يقبـل علـى مـا مـر وأدبـر مـن إجـراء الأمـور علـى مـا كانـت عليه في الأيام الخالية أيام آبائنا الأئمـة المهتديـن سلـام اللـه عليهـم أجمعيـن مهديهـم بالله وقائمهم بأمر الله ومنصورهم بالله ومعزهم لدين الله وهـو إذ ذاك بالمهديـة والمنصوريـة وأحـوال القيـروان تجـري فيهـا ظاهـرة غيـر خفية ليست بمستورة عنهم ولا مطوية‏.‏ يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ولا يعـارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون‏.‏ صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيهـا يصلـون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون ولا يمنع من التكبير عليها المربعون‏.‏ يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون‏.‏ لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالـف فيهم بما خلف‏.‏ لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده وإلى الله ربه ميعاده عنده كتابه وعليـه حسابـه‏.‏ ليكـن عبـاد اللـه علـى مثـل هـذا عملكـم منـذ اليـوم لا يستعلي مسلم على مسلم بما اعتقـده ولايعتـرض معتـرض علـى صاحبـه فيمـا اعتمـده‏.‏ مـن جميـع مـا نصـه أمير المؤمنين في سجله هـذا وبعد قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى اللـه مرجعكـم جميعـاً فينبئكـم بمـا كنتـم تعملون ‏"‏‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏ كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة الحاكم وولاية الظاهر
ثم توفي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار قتيلا ببركة الحبش بمصر وكان يركب الحمار ويطوف بالليل ويخلو بدار في جبل المقطم للعبادة ويقال لاستنزال روحانية الكواكب‏.‏ فصعد ليلة من ليالي لثلاث بقين من شوال سنة إحدى عشرة ركب على عادته ومشى معه راكبان فردهمـا واحـداً بعـد آخـر فـي تصاريـف أمـوره‏.‏ ثـم افتقـد ولم يرجع وأقاموا أياماً في انتظاره‏.‏ ثم خرج مظفر الصقلي والقاضي وبعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين واتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة وفيها عدة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله‏.‏ ويقال بلغه عن أخته أن الرجال يتناوبون بها فتوعدها فأرسلت إلى ابن دواس من قواد كتامة وكان يخاف الحكم فأغرته بقتله وهونته عليه لما يرميه به الناس من سوء العقيدة فقد يهلك النـاس ونهلـك معـه ووعدتـه بالمنزلـة والإقطـاع فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته‏.‏ ولما أيقنوا بقتله اجتمعـوا إلـى أختـه سـت الملـك فأحضـرت علي بن دواس وأجلس علي بن الحاكم صبياً لم يناهز الحلم وبايع له الناس ولقب الظاهر لإعزاز دين الله ونفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له‏.‏ ثم حضر ابن دواس من الغد وحضر معه القواد فأمرت ست الملـك خادمهـا فعلـاه بالسيـف أمامهم حتى قتله وهو ينادي بثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان وقامت بتدبير الدولة أربع سنين‏.‏ ثم ماتت وقام بتدبير الدولة الخادم معضاد وتافر بن الوزان وولي وزارته أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي وكان متغلباً على دولته وانتقض الشام خلال ذلك وتغلب صالح بن مـرداس مـن بنـي كلـاب علـى حلـب وعـاث بنـو الجـراح فـي نواحيه فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريري والي فلسطين في العساكر وأوقع بصالح بن الجراح وقتل صالح وابنه وملك دمشق‏.‏ وملـك حلـب مـن يـد شبـل الدولـة نصـر بـن صالـح وقتله وكان بينه وبين بني الجراح قبل ذلك وهو بفلسطين حروب حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها وأخرب ابن الجراح الرملة وأحرقها‏.‏ وبعث السرايا فانتهت إلى العريش وخشي أهل بلبيس وأهل القرافة على أنفسهم فانتفلوا إلى مصر وزحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق وعليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين‏.‏ وبعث حسان بن الجراح إليهم بالمدد ثم صالحوا صالح بن مرداس وانتقل إلى حصار حلب وملكها من يد شعبان الكتامي وجردت العساكر من الشام وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر ثـم توفـي الظاهـر لإعـزاز ديـن اللـه أبـو الحسـن علـي ابـن الحاكـم منتصف شعبان سنة سبع وعشرين لست عشرة سنة من خلافته فولي ابنه أبو تميم معد ولقب المستنصر بأمر الله وقام بأمره وزيـر أبيـه أبـو القاسـم علـي بـن أحمد الجرجراي وكان بدمشق الوزيري اسمه أقوش تكين‏.‏ وكانت البلاد صلحت على يديه لعدله ورفقه وضبطه وكان الوزير جرجراي يحسده ويبغضه وكتب إليه بإبعاد كاتبه أبي سعيد فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض فلم يجب الوزيري إلى ذلـك واستوحش وجاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثب به ودس معهم بذلك إلى بقية جند بدمشق فتعللوا عليه فخرج إلى بعلبك سنة ثلاث وثلاثين فمنعه عاملها من الدخول فسار إلى حماة فمنع أيضاً فقوتل وهو خلال ذلـك ينهـب فاستدعـى بعـض أوليائـه مـن كفرطـاب فوصـل إليـه فـي ألفـي رجـل وسار إلى حلب فدخلها وتوفي بهـا فـي جمـادى الآخـرة مـن السنـة وفسـد بعـده أمـر الشام وطمع العرب في نواحيه وولى الجرجراي على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشام وملك حسان بن مفرج فلسطين وزحف معز الدولة بن صالح الكلابي إلى حلب فملك المدينة وامتنع عليه أصحاب القلعة وبعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم فسلموا القلعة لمعز الدولة بن صالح فملكها‏.‏ كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبيديين بإفريقية وخطب للقائم العباسي وقطع الخطبة للمستنصر العلـوي سنـة أربعيـن وأربعمائـة فكتـب إليـه المستنصـر يتهـدده‏.‏ ثـم إنـه استـوزر الحسيـن بـن علي التازوري بعد الجرجراي ولم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله كان يقول في كتابه إليهم عبده ويقول في كتاب التازوري صنيعته فحقد ذلك وأغـرى بـه المستنصر وأصلح بين زغبة ورياح من بطون هلال وبعثهم إلى إفريقية وملكهم كل ما يفتحونه وبعـث إلـى المعز‏:‏ أما بعد فقد أرسلنا إليك خيولا وحملنا عليها رجالا فحولا ليقضي الله أمراً كان مفعولاً‏.‏ فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لأن المعز كان أباد أهلها من زناتة فاستوطن العرب برقة واحتقر المعز شأنهم واشترى العبيد واستكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفاً‏.‏ وزحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين وجازت رياح الأتبح وبنو عدي إلـى إفريقيـة فأضرموهـا نـاراً‏.‏ ثـم سـار أمراؤهـم إلـى المعـز وكبيرهـم مؤنـس بـن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعز وأجزل لهم عطاياه فلـم يغـن شيئـاً وخرجـوا إلـى مـا كانـوا عليـه مـن الفسـاد ونـزل بإفريقيـة بـلاء لـم ينـزل بهـا مثلـه‏.‏ فخرج إليهم المعز في جموعه من صنهاجة والسودان نحواً من ثلاثين ألفاً والعرب في ثلاثة آلاف فهزموه وأثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم‏.‏ ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة وقتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف ونزل العرب بمصلى القيروان ووالوا عليهم الهزائم وقتلت منهم أمم‏.‏ ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقاً وأدار المعز السور على القيروان سنة سـت وأربعيـن‏.‏ ثـم ملـك مؤنـس بـن يحيـى مدينـة باجـة سنـة سـت وأربعين وأمر المعز أهل القيروان بالانتقـال إلـى المهديـة للتحصيـن بهـا وولـى عليهـا ابنـه تيمـا سنة خمس وأربعين‏.‏ ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين وانطلقت أيدي العرب علـى القيـروان بالنهـب والتخريـب وعلـى سائـر الحصـون والقرى كما يذكر في أخبارهم‏.‏ ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويه عند انقراض دولتهم واستيلاء السلجوقية كما نذكره في أخبارهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:44 AM

مقتل ناصر الدولة ابن حمدان بمصر
كانت أم المستنصر متغلبة على دولته وكانت تصطنع الوزراء وتوليهم وكانوا يتخذون الموالـي من الأتراك للتغلب على الدولة‏.‏ فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله‏.‏ فاستوزرت أولاً أبا الفتح الفلاحي ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله ووزر بعده أبا البركات حسـن بن محمد وعزله‏.‏ ثم ولي الوزارة أبا محمد التاوزري من قرية بالرملة تسمى تازور فقام بالدولة إلى أن قتل‏.‏ ووزر بعده أبو عبد الله الحسين بن البابلي وكان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة ابن حمدان واستمالوا معهم كتامة والمصامدة‏.‏ وخرج العبيد إلى الضياع واجتمعوا في خمسين ألف مقاتل وكان الأتراك ستة آلاف وشكوا إلى المستنصر فلم يشكهم فخرجوا إلى غرمائهم والتقوا بكوم الريش وأكمن الأتراك للعبيد ولقوهم فانهزموا وخرج كمينهم على العبيد وضربوا البوقات والكاسات فارتاب العبيد وظنوه المستنصر فانهزموا وقتل منهم وغرق نحو أربعين ألفاً‏.‏ وفدى الأتراك وتغلبوا وعظـم الافتـراء فيهـم فخلـت الخزائـن واضطربـت الأمـور وتجمـع باقـي العسكر من الشام وغيره إلى الصعيد واجتمعوا مع العبيد وكانوا خمسة عشر ألفاً وساروا إلى الجيزة فلقيهم الأتراك وعليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد وعاد ناصر الدولة والأتـراك ظافريـن‏.‏ واجتمع العبيد في الصعيد وحضر الأتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الأتراك ففعلوا وهربوا إلى ظاهـر البلـد ومعهـم ناصـر الدولـة وقاتـل أولياء المستنصر فهزمهم وملك الإسكندرية ودمياط وقطـع الخطبـة منهمـا ومـن سائـر الريـف للمستنصر وراسل الخليفة العباسي ببغداد وافترق الناصر من القاهرة‏.‏ ثم صالح المستنصر ودخـل القاهرة واستبد عليه وصادر أمه على خمسين ألف دينار وافترق عنه أولاده وكثير من أهلـه فـي البلـاد ودس المستنصـر لقواد الأتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك وقصدوه في بيته وهـو آمـن منهـم فلمـا خـرج إليهـم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه وجاؤوا برأسه ومروا على أخيه في بيتـه فقطعـوا رأسـه وأتـوا بهمـا جميعـا إلى المستنصر وذلك سنة خمس وستين وولى عليهم الذكر منهم وقام بأمر الدولة‏.‏

استيلاء بدر الجمالي على الدولة
أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصـر ومواليهـا وكـان حاجبـا لصاحـب دمشـق واستكفاه فيما وراء بابه‏.‏ ثم مات صاحب دمشق فقام بالأمور إلى أن وصل الأميـر علـى دمشـق وهـو ابـن منيـر فسـار هـو إلى مصر وترقى في الولايات إلى أن ولي عكا وظهر منه كفاية واضطلاع‏.‏ ولما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه والفساد والتضييق إستقـدم بـدراً الجمالـي لولاية الأمور بالحضرة فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فأذن له في ذلك وركب البحر من عكا في عشرة مراكب ومعه من جند كثيف من الأرمن وغيرهم فوصل إلى مصر وحضر عند الخليفة فولاه ما وراء بابه وخلع عليه بالعقد المنظـوم بالجوهـر مكـان الطوق ولقبه بالسيد الأجل أمير الجيوش مثل والي دمشق‏.‏ وأضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين وداعي دعاة المؤمنين ورتب الوزارة وزاده سيفه ورد الأمـور كلهـا إليه ومنه إلى الخليفة‏.‏ وعاهده الخليفة على ذلك وجعل إليه ولاية الدعاة والقضاة وكان مبالغاً في مذهب الإمامية فقام بالأمور واسترد ما كان تغلب عليه أهل النواحي مثل ابن عمار بطرابلـس وابـن معـروف بعسقلـان وبنـي عقيـل بصـور‏.‏ ثـم استـرد من القواد والأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال والأمتعة‏.‏ وسار إلى دمياط وقد تغلب عليها جماعة من المفسدين من العرب وغيرهم فأثخن في لواته بالقتل والنهب في الرجال والنساء وسبى نساءهم وغنم خيولهم‏.‏ ثم سار إلى جهينة وقد ثـاروا ومعهـم قـوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع وستين فهزمهم وأثخن فيهم وغنـم أموالهـم‏.‏ ثـم سـار إلـى أسـوان وقـد تغلـب عليهـا كنـز الدولة محمد فقتله وملكها وأحسن إلى الرعايا ونظم حالهم وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين وعادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه‏.‏ وصول الغز إلى الشام واستيلاؤهم عليه وحصارهم مصر‏:‏ كـان السلجوقيـة وعساكرهـم مـن الغـز قـد استولـوا فـي هذا العصر على خراسان والعراقين وبغداد وملكهـم طغرلبـك وانتشـرت عساكرهـم فـي سائـر الأقطـار وزحـف إتسـز بـن أنـز مـن أمـراء السلطان ملك شاه وسماه الشاميون أفسفس والصحيح هذا وهو اسم تركي هكذا قال ابن الأثيـر فزحـف سنـة ثلـاث وثلاثيـن بـل وستين ففتح الرملة ثم بيت المقدس وحاصر دمشق وعاث فـي نواحيهـا وبهـا المعلـى بـن حيـدرة ولـم يـزل يوالـي عليهـا البعـوث إلـى سنـة ثمـان وستيـن وكثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به وهرب إلى بلسيس‏.‏ ثم لحق بمصر فحبـس إلـى أن مـات ولمـا هـرب مـن دمشـق اجتمعت المصامدة وولوا عليهم انتصار بن يحيى منهم ولقبـوه وزيـر الدولـة‏.‏ ثـم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء وجاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه‏.‏ وأنزل وزير الدولة بقلعة بانياس ودخل دمشق في ذي القعدة وخطب فيها للمقتدي العباسي‏.‏ ثـم سـار إلـى مصـر سنـة تسـع وستين فحاصرها وجمع بدر الجمالي العساكر من العرب وغيرهم وقاتله فهزمه وقتل أكثر أصحابه ورجع إتسز منهزماً إلى الشام فأتى دمشق وقد صانوا مخلفه فشكرهـم ورفـع عنهـم خـراج سنة تسع وستين وجاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفـه وحصـروا أهلـه وأصحابـه في مسجد داود عليه السلام فحاصرهم ودخل البلد عنوة وقتل أكثر أهله حتى قتل كثيراً في المسجد الأقصى‏.‏ ثم جهز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة فحاصر دمشق وضيق عليها وكان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد أقطـع أخـاه تتـش سنـة سبعيـن وأربعمائة بلاد الشام وما يفتحه منها فزحف إلى حلب وحاصرها وضيق عليها ومعه جموع كثيـرة مـن التركمان فبعث إليه إتسز من دمشق يستصرخه فسار إليه وأجفلت عساكر مصر عن دمشـق وخـرج إتسـز مـن دمشق للقائه فقتله وملك البلد وذلك سنة إحدى وسبعين‏.‏ وملك ملك شـاه بعـد ذلـك حلـب واستولـى السلجوقيـة علـى الشـام أجمـع وزحـف أميـر الجيـوش بدر الجمالي من مصر في العساكر إلى دمشق وبها تاج الدولة تتش حاصره وضيق عليه وامتنع عليه ورجع وزحفت عساكر مصر سنة اثنتين وثمانين إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يـد أولـاد القاضـي عيـن الدولـة بـن أبي عقيل كان أبوهم قد انتزى عليها ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جبيـل وضبـط أميـر الجيـوش البلـاد وولـى عليهـا العمـال‏.‏ وفي سنة أربـع وثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية وكان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشي من طائفته فانتقض سنة ست وثمانين وبعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة واقتحمت عليهم العساكر وبعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم‏.‏ ثم توفي أمير الجيوش بـدر الجمالـي سنـة سبـع وثمانيـن فـي ربيـع الـأول لثمانيـن سنـة مـن عمـره‏.‏ وكـان لـه موليان أمين الدولة لاويز ونصير الدولة أفتكين فلما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فأنكر ذلك أفتكين وركب في الجند وشغبوا على المستنصر واقتحموا القصر وأسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر وقدم للوزارة ابنه محمداً الملك أبا القاسم شاه ولقبه بالأفضل مثل لقب أبيه‏.‏ وكان أبو القاسم بن المقري رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك فولى بعد موته الوزارة المقري وكانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ‏.‏ وقام الأفضـل أبـو القاسـم بالدولـة وجـرى علـى سنـن أبيـه في الاستبداد وكانت وفاة المستنصر قريباً من ولايته‏.‏

وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي
ثـم توفي المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع وثمانين لستين سنة من خلافته ويقال لخمـس وستيـن بعـد أن لقـي أهـوالا وشدائـد وانفتقـت عليـه فتـوق استهلـك فيهـا أمواله وذخائره حتى لـم يكـن لـه إلا بساطـه الـذي يجلـس عليـه وصار إلى حد العزل والخلع حتى تدارك أمره باستقدام بـدر الجمالـي مـن عكـا فتقـوم أمـره ومكنـه فـي خلافتـه‏.‏ ولمـا مـات خلف من الولد أحمد ونزاراً وأبا القاسـم‏.‏ وكـان المستنصـر فيما يقال قد عهد لنزار وكانت بينه وبين أبي القاسم الأفضل عداوة فخشـي بادرتـه وداخـل عمته في ولاية أبي القاسم على أن تكون لها كفالة الدولة فشهدت بأن المستنصر عهد له بمحضر القاضي والداعي فبويع ابن ست ولقب المستعلي بالله وأكره أخوه الأكبر على بيعته ففر إلى الإسكندرية بعد ثلاث وبها نصير الدولة أفتكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأفضل فانتقض وبايع لنزار بعهده ولقب المصطفى لدين الله‏.‏ وسار الأفضل بالعساكر وحاصرهـم بالإسكندريـة واستنزلهـم علـى الأمـان وأعطاهـم اليميـن على ذلك وأركب نزاراً السفن إلى القاهرة وقتل بالقصر‏.‏ وجاء الأفضل ومعه افتكين أسيراً فأحضره يوماً ووبخه فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصى وقال‏:‏ لا يتناول اليمين هذه للقتلة ويقال إن الحسين بن الصباح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زي تاجر وسأله إقامـة الدعـوة لـه ببلـاد العجـم فأذن له في ذلك وقال له الحسن من إمامي بعدك فقال‏:‏ ابني نزار فسار ابن الصباح ودعا الناس ببلاد العجم إليه سراً‏.‏ ثم أظهر أمره وملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت وغيرها كما نذكره في أخبار الإسماعيلية وهم من أجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار‏.‏ ولما ولي المستعلي خرج ثغر عن طاعته وولي عليه واليه كشيلة وبعث المستعلـي العساكـر فحاصره ثم اقتحموا عليه وحملوه إلى مصر فقتل بها سنة إحدى وتسعين وأربعمائة‏.‏ وكان تتـش صاحـب الشـام قـد مـات واختلـف بعـده ابنـاه رضـوان ودقاق وكان دقاق بدمشق ورضوان بحلب فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أيامـاً قلائـل ثـم عـاودوا الخطبـة للعباسيين‏.‏

استيلاء الفرنج على بيت المقدس
كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للأمير سليمان بن أرتق التركماني وقارن ذلك استفحال الفرنج واستطالهم على الشام وخروجهم سنة تسعين وأربعمائة ومروا بالقسطنطينية وعبروا خليجها وخلى صاحب القسطنطينية سبيلها ليحولوا بينه وبين صاحـب الشـام مـن السلجوقية والغز فنازلوا أولا أنطاكية فأخذوها من يد باغيسيان من قواد السلجوقية وخرج منهـا هاربـاً فقتلـه بعـض الأرمـن فـي طريقـه وجـاء برأسـه إلى الفرنج بأنطاكية‏.‏ وعظم الخطب على عساكر الشام وسار كربوقا صاحب الموصل فنزل مـرج دابـق واجتمـع إليـه دقـاق بـن تتـش وسليمان بن أرتق وطغتكين أتابك صاحب حمص وصاحب سنجار وجمعوا من كان هنالك من الترك والعرب وبادروا إلى أنطاكية لثلاثة عشر يوماً من حلول الفرنج بها‏.‏ وقد اجتمع ملوك الفرنج ومقدمهم بنميد وخرج الفرنج وتصادموا مع المسلمين فانهزم المسلمون وقتل الفرنج منهم ألوفا واستولوا على معسكرهم وساروا إلى معرة النعمان وحاصروها أياماً وهربـت حاميتهـا وقتلـوا منهـا نحـوا مـن مائة ألف وصالحهم ابن فنقذ على بلده شيزر وحاصـروا حمـص فصالحهـم عليهـا جنـاح الدولـة ثـم حاصـروا عكة فامتنعت عليهم وأدرك عساكر الغز من الوهن ما لا يعبر عنه فطمع أهل مصر بهم وسار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها وبها سقمان وأبو المغازي ابنا أرتق وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سوتج ونصبوا عليها نيفاً وأربعين منجنيقاً وأقاموا عليها نيفاً وأربعين يوماً ثم‏.‏ وأحسن الأفضل إلى سقمان وأبي المغازي ومن معهما وخلى سبيلهم فسار سقمان إلى بلد الرهـا وأبـو المغـازي إلـى بلـد العراق وولى الأفضل على بيت المقدس ورجع إلى مصر ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس وحاصروه نيفاً وأربعين يوماً ونصبوا برجين ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان واستباحوها أسبوعـاً ولجـأ المسلمـون إلـى محـراب داود عليـه السلام واعتصموا بـه إلـى أن استنزلهـم بالأمـان وخرجـوا إلـى عسقلـان وقتـل بالمسجـد عنـد الشجرة سبعون ألفاً وأخذوا من المسجد نيفاً وأربعين قنديلا من الفضة يزن كل واحد منها ثلاثـة آلاف وستمائة وتنوراً من الفضة يزن أربعين رطلاً بالشامي ومائة وخمسين قنديلاً الصفر وغيـر ذلـك ممـا لا يحصـى‏.‏ وأجفـل أهـل بيـت المقـدس وغيرهـم مـن أهـل الشام إلى بغداد باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل والسبي والنهب‏.‏ وبعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطـان بركيـارق وإخوته محمد وسنجر بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك للخلاف الذي كـان بينهـم‏.‏ ورجـع الوفـد مؤيسيـن من نصرهم‏.‏ وجمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر وسار إلى الفرنج فساروا إليهم وكبسوهم على غير أهبة فهزموهم‏.‏ وافترق عسكر مصر وقد لاذوا بخم الشعراء هناك فأضرموها عليهم ناراً فاحترقوا وقتل من ظهر ورجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا‏.‏ ثـم توفـي المستعلـي أبـو القاسـم أحمـد بـن المستنصـر منتصـف صفـر سنـة خمـس وتسعيـن لسبـع سنين من خلافته فبويع ابنه أبو علي ابن خمس سنين ولقب الآمر بأحكام الله ولم يل الخلافة فيهم أصغر منه ومن المستنصر فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:45 AM

هزيمة الفرنج لعساكر مصر
ثم بعث الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسي أميراً مملوك أبيه فلقي الفرنج بين الرملة ويافا ومقدمهم بغدوين فقاتلهم وانهزم وقتل واستولى الفرنج على معسكـره فبعـث الأفضـل ابنـه شـرف المعالي في العساكر فبارزوهم قرب الرملة وهزمهم واختفى بغدويـن فـي الشجـر ونجـا إلـى الرملـة مـع جماعـة من زعماء الفرنج فحاصرهم شرف المعالي خمسة عشـر يومـاً حتـى أخذهـم فقتـل منهـم أربعمائـة صبـراً‏.‏ وبعـث ثلاثمائـة إلـى مصر ونجى بغدوين للغزو وسار بهم إلى عسقلان فهرب شرف المعالي وعاد إلى أبيه‏.‏ وملك الفرنج عسقلان وبعث العساكـر في البر مع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان وبعث الأسطول في البحر إلى يافا مع القاضـي ابـن قـادوس فبلغ إلى يافا واستدعى تاج العجم وحبسه‏.‏ وبعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدم العساكر الشامية‏.‏ ثم بعث الأفضل سنة ثمان وتسعين ابنه سنا الملك حسين وأمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج فساروا في خمسة آلاف واستمدوا طغتكين أتابك دمشق فأمدهم ألف وثلاثمائة ولقوا الفرنج بين عسقلان ويافا فتفانوا بالقتل وتحاجزوا وافترق المسلمون إلى عسقلان ودمشق‏.‏ وكان مـع الفرنـج بكتـاش بـن تتـش عـدل عنـه طغتكيـن بالملـك إلـى بنـي أخيـه دقـاق بن تتش فلحق الإفرنج مغاضباً‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif استيلاء الفرنج على طرابلس وبيروت
كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر وكان يحاصرها من الفرنـج ابـن المردانـي صاحـب صيحيل والمدد يأتيهم من مصر‏.‏ فلما كانت سنة ثلاث وخمسين وصل أسطول من الفرنج مع ‏"‏ ويمتديـن ‏"‏ إلـى صيحيل من قمامصتهم فنزل على طرابلس وتشاجر مع المرداني فبادر بغدوين صاحب القدس وأصلح بينهم ونزلوا جميعاً على طرابلس وألصقوا أبراجهم بسورها وتأخرت الميـرة عنهـم مـن مصـر فـي البحر لركود البحر فاقتحمها الفرنج عنوة ثاني الأضحى من سنة ثلاث وخمسيـن وقتلـوا ونهبـوا وأسـروا وغنمـوا‏.‏ وكـان واليهـا قـد إستأمـن قبـل فتحها في جماعة من الجند فلحقوا بدمشق ووصل الأسطول بالمدد وكفاية سنة من الأقوات بعد فتحها ففرقوه في صور وصيدا وبيروت واستولى الفرنج على معظم سواحل الشام‏.‏ وإنما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية لأنها كانت من أعمالهم وسنذكر البقية في أخبار الفرنج إن شاء الله تعالى‏.‏ كـان الأميـر قـد استولـى علـى عسقلـان وبها قائد من قواد شمس الخلافة فداخل بغدوين صاحب بيت المقدس من الفرنج وهاداه ليمتنع به على أهل مصر وجهز أمير الجيوش عسكراً من مصر للقبض عليه إذا حضر وشعر بذلك وانتقض وأخرج من عنده من أهل مصر وخاف الأفضل أن يسلـم عسقلـان إلـى الفرنـج فأقره على عمله وارتاب شمس الخلافة بأهل عسقلان وأتخذ بطانة مـن الأرمـن فاستوحـش أهـل البلـد فثـاروا بـه وقتلوه وبعثوا إلى الآمر والأفضل بذلك فأرسل إليهم الوالي من مصر وأحسن إليهم واستقامت أحوالهم‏.‏ وحاصر بغدوين بعد ذلك مدينة صور وفيها عساكر الأرمن واشتد في حصارها بكل نوع وكان به عز الملك الأعز من أولياء الأمر فاستمد طغتكين أتابك دمشق فأمده بنفسه وطال الحصار وحضر أوان الغلال فخشي الفرنج أن يفسـد طغتكين غلال بلدهم فأفرجوا عنها إلى عكا وكفى بالله شرهم‏.‏ ثم زحف بغدوين ملـك الفرنـج مـن القـدس إلى مصر وبلغ سنتين وسبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به وعاد إلى القدس ومات وعهد بملك القدس للقمص صاحب الرها ولولا ما نزال بملوك السلجوقية من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشام‏.‏ ولكن الله خبأ ذلك لصلاح الدين بن أيوب حتى فاز بذكره‏.‏

مقتل الأفضل
قد قدمنا أن الآمر ولاه الأفضل صغيراً ابن خمس فلما استجمع واشتد تنكر للأفضل وثقلت وطأته عليه فانتقل الأفضل إلى مصر وبنى بها داراً ونزلها وخطب منه الأفضل ابنته فزوجها على كره منه وشاور الآمر أصحابه في قتله فقال له ابن عمه عبد المجيد وكان ولي عهده لا تفعـل وحـذره سـوء الأحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه وحسن ولايتهما للدولة ولا بـد مـن إقامـة غيـره والاعتمـاد فيتعـرض للحذر من مثلها إلى الامتناع منه‏.‏ ثم أشار عليه من مداخلـة ثقتـه أبي عبد الله بن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله ويقتل به فيسلـم عرضـك‏.‏ وكـان ابـن البطائحـي فراشـاً بالقصـر واستخلصـه الأفضـل ورقـاه واستحجبـه فاستدعـاه الآمـر وفـي داخلـه فـي ذلـك ووعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر وهـو سائر في موكبه من القاهرة منقلباً من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة كان يفرق السلاح على العادة في الأعياد وثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط وقتلا وحملا إلى داره وبه رمق فجاءه الآمر متوجعاً وسأله عن ماله فقال‏:‏ أما الظاهر فأبو الحسن ابن أبي أسامة يعرفه وكان أبوه‏.‏ قاضياً بالقاهرة وأصله من حلب‏.‏ وأما الباطن فإن البطائحي يعرفه‏.‏ ثم قضى الأفضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته وإحتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين وخمسين أردبا من الورق ومن الديباج الملون والمتاع البغدادي والاسكندري وطرف الهند وأنواع الطيوب والعنبر والمسك ما لا يحصـى‏.‏ حتـى لقـد كان من ذخائره دكة عاج وأبنوس محلاه بالفضة عليها عرم متمن من العنبر زنته ألف رطل وعلى العرم مثل طائـر مـن الذهـب برجليـن مرجانـاً ومنقـار زمـرذاً وعينـان ياقوتتان كان ينصبها في بيته ويضوع عرفها فيعم القصر وصارت إلى صلاح الدين‏.‏

ولاية ابن البطائحي
قال ابن الأثير‏:‏ كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق ومات ولم يخلف شيئاً ثم ماتت أمه معلقـاً فتعلم البناء أولا‏.‏ ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق ويدخل بها على الأفضل فخف عليه واستخدمـه مـع الفراشيـن وتقدم عنده واستحجبه ولما قتل الأفضل ولاه الآمر مكانه وكان يعرف بابن فاتت وابن القائد فدعاه الآمر جلال الإسلام ثم خلع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة ولقبه المأمون فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد ونكر ذلك الآمر وتنكر له واستوحش المأمـون وكـان لـه أخ يلقـب المؤتمـن فاستـأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءاً هنالك فأذن له وسار معه القواد وفيهم علي بن السلار وتاج الملوك قائمين وسنا الملك الجمل ودري الحروب وأمثالهم وأقام المأمون على استيحاش من الآمر وكثرت السعاية فيه وأنه يدعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملا به وأنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن

مقتل البطائحي
ولما كثرت السعاية فيه عند الآمر وتوغر صدره عليه كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغـر الإسكندريـة بالوصول إلى دار الخلافة فهم لذلك علي بن سلار فحضروا واستأذن المؤتمن بعدهـم فـي الوصـول فـأذن لـه‏.‏وحضـر رمضـان مـن سنـة تسـع عشـرة فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة ودخل المأمون والمؤتمن فقبض عليهما وحبسهما داخل القصر وجلس الآمر من الغد في إيوانه وقرأ عليه وعلى الناس كتاباً بتعديد ذنوبهم‏.‏ وترك الآمر رتبة الوزارة خلواً وأقام رجليـن مـن أصحـاب الدواويـن يستخرجـان الأمـوال مـن الخراج والزكاة والمكس ثم عزلهما لظلمهما‏.‏ ثم حضر الرسول الذي بعثة إلى اليمن ليكشف خبر المأمـون وحضـر ابـن نجيـب وداعيته فقتل وقتل المأمون وأخوه المؤتمن‏.‏

مقتل الآمر وخلافة الحافظ
كـان الآمـر مؤثـراً للذاتـه وطموحاً إلى المعالي وقاعداً عنها وكان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل الوقت ثم يقصر عنه وكان يقرض الشعر قليلا ومن قوله‏:‏ أصبحت لا أرجو ولا ألقى إلا إلهي وله الفضل جـدي نبـي وإمامـي أبي ومذهبي التوحيد والعـدل وكانت الفداوية تحاول قتله فيتحرر منهم واتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت وركب بعض الأيام إلى الروضة ومر على الجسر بين الجزيرة ومصر فسبقوه فوقفوا في طريقه‏.‏ فلما توسط الجسر إنفرد عن الموكب لضيقة فوثبوا عليه وطعنوه وقتلوا لحينهم ومات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع وعشرين وخمسمائة‏.‏ لتسع وعشرين سنة‏.‏ ونصف من خلافته‏.‏ وكان قلد استخلص مملوكين وهما برغش العـادل وبرعـوارد هزبـر الملـوك وكـان يؤثـر العـادل منهمـا فلمـا مـات الآمـر تحيلـوا فـي قيـام المأمـون عبـد الحميـد بالأمـر وكـان أقرب القرابة سناً وأبوه أبو القاسم بن المستضيء معه وقالوا إن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكراً فهو الخليفة بعدي وكفالته لعبد الحميد فأقاموه كافلا ولقبوه الحافظ لدين الله وذكروا من الوصية أن يكون هزبر الملوك وزيراً والسعيدباس من موالي الأفضل صاحب الباب وقرأوا السجل بذلك في دار الخلافة‏.‏

ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة ومقتله
ولمـا تقـرر الأمـر على وزارة هزبر الملوك وخلع عليه أنكر ذلك الجند وتولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم‏.‏ وكان أبو علي بن الأفضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسداً لصاحبه وأوجد له السبيل إلى ذلك فخرج وتعلق به الجند وقالوا‏:‏ هذا الوزير ابن الوزير وتنصل فلم يقبلوا وضربوا له خيمة بين القصرين وأحدقوا بـه وأغلقـت أبـواب القصـر فتسـوروه وولجـوا مـن طيقانـه‏.‏ واضطـر الحافـظ إلـى عـزل هزبـر الملوك ثم قتله وولى أبو علي أحمد بن الأفضل الوزارة وجلـس بدسـت أبيـه ورد النـاس أمـوال الـوزارة المقضيـة‏.‏ واستبـد علـى الحافظ ومنعه من التصرف ونقل الأموال من الذخائر والقصر إلـى داره وكـان إماميـا متشـدداً فأشـار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر‏.‏ وضرب الدراهم بإسمه دون الدنانير‏.‏ ونقش عليها الله الصمد الإمام محمد وهو الإمام المنتظر‏.‏ وأسقط ذكر إسماعيل من الدعاء على المنابر وذكر الحافظ وأسقط من الآذان حي على خير العمل‏.‏ ونعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر‏.‏ وأراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من أخوته فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل وقتلهم فلم يقدر أبو علي على قتله فخلعه واعتقله‏.‏ وركب بنفسه في المواسم وخطب للقائـم مموهـا فتنكـر لـه أوليـاء الشيعـة ومماليـك الخلفـاء‏.‏ وداخـل يونـس الجنـد مـن كتامـة وغيرهـم في شأنه واتفقوا على قتله‏.‏ وترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد وهو في موكبه وهم يتلاعبون على الخيل‏.‏ ثم اعتمدوه فطعنوه وقتلوه وأخرجوا الحافظ من معتقله وجددوا له البيعة بالخلافة ونهب دار أبي علي‏.‏ وركب الحافظ وحمل ما بقي فيها إلى القصر‏.‏ واستوزر أبا الفتح يانساً الحافظي ولقبه أمير الجيوش وكان عظيم الهيبة بعيد الغور واستبد عليه فاستوحش كل منهما بصاحبه‏.‏ ويقال إن الحاكم وضع له سما في المستراح هلك به وذلك آخر في الحجة سنة ست وعشرين‏.‏ ولما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلي دست الوزارة ليستريح مـن التعـب الـذي عـرض منهـم للدولة وأجمع أن يفوض الأمور إلى ولده وفوض إلى ابنه سليمان‏.‏ ومات لشهرين فأقام ابنه الآخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة وعزم على اعتقال أبيه وداخل الإجناد في ذلك فأطاعوه واطلـع أبـوه علـى أمـره ففتـك بهـم‏.‏ يقـال إنـه قتـل منهـم فـي ليلـة أربعيـن‏.‏ وبعـث أبوه خادماً من القصر فهزمه حسن وبقي الحافظ محجورا وفسد أمره وبعث حسـن بهـرام الأرمنـي لحشـد الأرمـن ليستظهر بهم على الجند وثاروا بحسن وطلبوه من أبيه ووقفوا بين القصرين وجمعوا الحطب لإحـراق القصر‏.‏ واستبشع الحافظ قتله بالحديد فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع وعشرين‏.‏ وزارة بهرام ورضوان بعده‏:‏ ولما مات حسـن بـن الحافـظ ورحـل بهـرام لحشـد الأرمـن اجتمـع الجنـد وكـان بهـرام كبيرهـم وراودوا الحافظ على وزارته فوافقهم وخلع عليه وفوض إليه الأمور السلطانية وأستثنى عليه الشرعية وتبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة واستعمل الأرمن وأهانوا المسلمين وكان رضوان بن ولحيس صاحب الباب وهو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة وكان ينكر على بهرام ويهزأ به فولاه بهرام الغربية ثم جمع رضوان وأتى إلى القاهرة ففر بهرام وقصد قوص في ألفين من الأرمـن ووجـد أخـاه قتيـلا فلـم يعرض لأهل قوص وباء بحق الخلافة وصعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة‏.‏ ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر وهو إبراهيم الأوحد فاستنزلـه علـى الأمـان لـه وللأرمـن الذيـن معـه‏.‏ وجـاء بـه فأنزلـه الحافـظ فـي القصر إلى أن مات على دينه واستقر رضوان في الوزارة ولقب بالأفضل وكان سنيا وكان أخو إبراهيم إمامياً فأراد الأستبداد وأخذ في تقديم معارفه سيفاً وقلماً‏.‏ وأسقط المكوس وعاقب من تصـدى لهـا فتغيـر لـه الخليفـة فـأراد خلعـه وشاور في ذلك داعي الدعاة وفقهاء الإمامية فلم يعينوه في ذلك بشيء‏.‏ وفطـن لـه الحافـظ فـدس خمسيـن فارسـاً ينـادون في الطرقات بالثورة عليه وينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هارباً منتصف شوال سنة ثلـاث وثلاثيـن ونهبـت داره وركـب الحافـظ وسكـن الناس ونقل ما فيها إلى قصره‏.‏ وسار رضوان يريد الشام ليستنجد الترك وكان في جملته شاور وهو من مصطفيه وأرسل الحافظ الأمير بن صال ليرده على الأمان فرجع وحبس في القصـر وقيـل وصـل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين وأقام عنده ثم رجع إلى مصـر سنـة أربـع وثلاثيـن فقاتلهـم عنـد بـاب القصـر وهزمهـم‏.‏ ثم افترق عنه أصحابه وأرادوا العود إلى الشام فبعث عنه الحافظ بن مصال وحبسه بالقصر إلى سنة ثلاث وأربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة وجمع المغاربـة وغيرهـم ورجع إلى القاهرة ونزل عند جامع الأقمر وأرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفاً على عادتهم مع الوزير ثم استزاد عشرين وعشرين‏.‏ وفي خلال ذلك وضع الحافـظ عليه جمعاً كثيراً من السودان فحملوا عليه وقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الحافظ‏.‏ واستمر الحافظ في دولته مباشراً لأموره وأخلى رتبة الوزارة فلم يول أحداً بعده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:46 AM

وفاة الحافظ وولاية ابنه الظافر
ثم توفي الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الأمير أبي القلسم أحمد بن المستنصر سنة أربع وأربعين لتسع عشرة سنة ونصف من خلافته وعن أبي العالية يقال بلغ عمره سبعاً وسبعين سنـة ولـم يـزل فـي خلافتـه محجـور الـوزارة ولمـا مـات ولـي بعـده ابنـه أبـو منصور إسماعيل بعهده إليه بذلك ولقب الظافر بأمر الله‏.‏ وزارة ابن مصال ثم ابن السلار‏:‏ كان الحافظ لما عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مصال فاستوزره أربعين يوماً وكان علي ين السلار والياً على الإسكندرية ومعه بلارة بنت عمه القاسم وابنه منها عباس وتزوجت بعده بابن السلار شب عباس وتقدم عند الحافظ حتى ولي الغربية فلم يرض ابن السلار وزارة ابـن مصال واتفق مع عباس على عزله وبلغ الخبر إلى ابن مصال فشكا إلى الظافر‏.‏ فلم يشكـه فقـال ذوو الحـرب‏:‏ ليـس هنـا من يقاتل ابن السلار فغضب الظافر ودس عليه من بني علي مصلحيـه فخـرج إلـى الصعيـد وقدم ابن السلار إلى القاهرة فاستوزره الظافر وهو منكر له ولقبه العادل‏.‏ وبعث العساكر مع العباس ربيبه في أتباع ابن مصال خرج في طلبه‏.‏ وكان جماعة من لواتة السودان فتحصنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم وقتل ابن مصال وجاء برأسه‏.‏ وقام ابن سلار بالدولة وحفظ النواميس وشد من مذاهبه أهله‏.‏ وكان الخليفة مستوحشاً منه منكراً له وهو مبالغ في النصيحة والخدمة‏.‏ واستخدم الرجالة لحراسته فارتـاب لـه صبيـان الخـاص مـن حاشيـة الخليفـة فاعتزمـوا علـى قتلـه ونمـي ذلـك فقبـض على رؤوسهم فحبسهم وقتل جماعة منهم وافترقوا ولم يقدر الظافر على إنكار ذلك‏.‏ وأحتفل ابن السلار بأمـر عسقلـان ومنعها من الفرنج وبعث إليها بالمدد كل حين من الأقوات والأسلحة فلم يغن ذلك عنها وملكها الفرنج وكان لذلك من الوهن على الدولة ما تحدث به الناس‏.‏ ولما قتل العادل ين السلار صبيان الخاص تأكد نكر الخليفة له واشتد قلقه‏.‏ وكان عباس بن أبي الفتوح صديقاً ملاطفاً له فكان يسكنه ويهديه‏.‏ وكان لعباس ولد اسمه نصير استخصه الظافر وأستدناه ويقال كان يهواه ففاوض العادل عباساً في شأن ابنه عن مخالطة ابنه للظافر فلم ينته ابنه فنهى العادل جدته عن السماح للولد أن يدخل إلى بينه فشق ذلك على نصير وعلى أبيه وتنكر للعادل‏.‏ وزحف الفرنج إلى عسقلان فجهز العادل الجيوش والعساكر إليهـا مـدداً مـع مـا كـان يمدهـا وبعثهم مع عباس ابن أبي الفتوح فارتاب لذلك وفاوض الظافر في قتل العادل وحضر معهم مؤيداً لدولة الأمير أسامة بن منقذ أحد أمراء شيزر وكان مقرباً عند الظافـر وصديقـا لعبـاس فاستصـوب ذلـك وحـث عليـه وخـرج عبـاس بالعساكـر إلى بلبيس وأوصـى ابنـه نصيـر بقتله فجاء قي جماعة إلى بيت جدته والعادل نائم فدخل إليه وضربه فلم يجهـز عليـه وخـرج إلـى أصحابـه‏.‏ ثـم دخلوا جميعاً فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الظافر ورجع عباس من بلبيس بالعساكر فاستوزره الظافر وقام بالدولة وأحسن إلى الناس وأيس أهل عسقلان من المدد فأسلموا أنفسهم وبلدهم بعد حصار طويل وكان ذلك كله سنة ثمان وأربعين‏.‏

مقتل الظفر وأخويه وولاية ابنه الفائز
ولمـا وزر عبـاس للظافـر وقـام بالدولـة كـان ولـده نصير من ندمان الظافر وكان يهواه كما تقدم‏.‏ وكان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس وأصدقائه فقبح عليه سوء المقالة في ابنه وأشـار عليـه بقتـل الظافـر فاستدعـى ابنـه نصيـرا وقبح عليه في شناعة الأحدوثة فيه بين الناس وأغراه باغتيال الظافـر ليمحـو عنـه مـا يتحـدث بـه النـاس فسـأل نصيـر مـن الظافـر أن يأتـي إلـى بيتـه فـي دعـوة فركـب مـن القصـر إليـه فقتلـه نصيـر ومـن جـاء معـه ودفنهـم في داره وذلك في محرم سنة تسع وأربعين وباكر إلى القصر ولم ير الظافر وسأل خدام القصر فأحسن العذر ورجع إلى أخوي الظافر يوسف وجبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير فقالا له‏:‏ خبر الوزير‏.‏ فلما جاء عبـاس مـن الغـد أخبـره بأنـه ركـب إلـى بيت نصير ابنه ولم يعد فاستشاط غيظاً عليه ورماه بأنه داخل أخويه في قتله‏.‏ ثم استدعاهما فقتلهما وقتل معهما ابنا هنالك لحسن بن الحافظ‏.‏ ثم أخـرج ابنـه القاسـم عيسـى ابن خمس سنين وحمله على كتفه وأجلسه على سرير الملك وبايع له بالخلافة ولقبه الفائز بالله ونقل عباس بسب ذلك ما في القصر من الأموال والذخائر ما لا حد له‏.‏ وعند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب وفزع وبقي سائر أيامه يعتاده الصرع‏.‏ وزارة الصالح بن رزيك‏:‏ ولما قتل الظافر وأخواه كما ذكرناه كتب النساء من القصر إلى طلائع بن زريك وكان والياً علـى الأشمونيـن والبهنسـة‏.‏ وجـاء الخبـر بـأن النـاس اختلفوا على عباس بسبب ذلك فجمع وقصد القاهرة ولبس السواد حزنا ورفع على الرماح الشعور التي بعث بها النساء حزناً‏.‏ ولما عبر البحر خرج عباس وولده ودفعوا ما قدروا عليه من مال وسلاح من حاصل الدولة ومعهما صديقهما أسامة بن منقذ فاعترضهم الفرنج وقاتلوا فقتل عباس وأسر ولده ونجا أسامة إلى الشام‏.‏ ودخـل طلائـع القاهـرة فـي ربيـع سنـة تسـع وخمسيـن وجـاء إلـى القصـر راجـلا‏.‏ ثـم مضـى إلـى دار عباس ومعه الخادم الذي حضر لقتله فاستخرجه من التراب ودفنه عند آبائه وخلع الفائز عليه الوزارة ولقبه الصالح‏.‏ وكان إمامياً كاتباً أديبا فقام بأمر الدولة وشرع في جمع الأموال والنظـر فـي الولايـات‏.‏ وكـان الأوحـد بـن تميـم مـن قرابـة عبـاس واليـاً على تنيس وكان لما سمع بفعله قريبه عباس جمع وقصد القاهرة فسبقه طلائع فلما إستقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط وتنيـس‏.‏ ثـم بعـث فـي فـداء نصيـر مـن عبـاس بـن الفرنـج فجـيء بـه وقتلـه وصلبـه بـه زويلـه‏.‏ ثم نظر فـي المزاحميـن مـن أهـل الدولـة ولـم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز وابن غالب فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا ونهب دورهما وتتبع كبراء الأمراء بمثل ذلك حتى خلا الجو ووضع الرقباء والحجاب على القصر وثقلت وطأته على الحرم ودبرت عمة الفائـز فـي قتـل الصلـح وفرقت الأموال في ذلك‏.‏ ونمي الخبر إليه فجاء إلى القصر وأمر الأستاذين والصقالبة بقتلها فقتلوهـا سـراً وصـار الفائـز فـي كفالـة عمتـه الصغـرى وعظـم إشتـداد الفائـز واستفحـل أمـره وأعطى الولايات للأمراء واتخذ مجلساً لأهل الأدب يسامرون فيه وكان يقرض الشعر ولا يجيده‏.‏ وولى شاور السعدي على قرضه وأشار عليه حجابه يصرفـه واستقدمـه فامتنـع وقـال‏:‏ إن عزلنـي دخلـت بلـاد النوبـة‏.‏ وعلى عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يد ابن طغتكين أتابك تتش سنة تسع وأربعين وخمسمائة‏.‏

وفاة الفائز وولاية العاضد
ثم توفي الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل سنة خمس وخمسين لست سنين من خلافته فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر وطلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم وعدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده فوقع اختياره على أبي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة وهو غلام ولقبه العاضد لدين الله وزوجه ابنته وجهزها بما لم يسمع بمثله‏.‏

مقتل الصالح بن رزيك وولاية ابنه رزيك
ولما استفحل يمر الصالح وعظم استبداده بجباية الأموال والتصرف وحجر العاضد تنكر له الحـرم ودس إلـى الأمـراء بقتلـه‏.‏ وتولـت كبـر ذلـك عمـة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها‏.‏ واجتمع قوم من القواد والسودان منهم الريفـي الخـادم وابـن الداعـي والأميـر بـن قـوام الدولة وكان صاحب الباب وتواطؤا على قتلـه ووقفـوا فـي دهليـز القصـر وأخـرج ابـن قـوام الدولة الناس أمامه وهو خارج من القصر واستوقفه عنبر الريفي يحادثـه وتقـدم ابنـه رزيـك فوثـب عليـه جماعـة منهـم وجرحوه وضرب ابن الداعي الصالح فأثبته وحمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه ذلك‏.‏ وإذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس ومات من الغد‏.‏ وبعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ونسبه إلى العمـة وأحضـر ابنـه رزيـك وولـاه الوزارة مكان أبيه ولقبه العادل فأفذ له في الأخذ بثأره فقتل العمة وابن قوام الدولة والأستاذ عنبر الريفي وقام بحمل الدولة وأشير عليه بصرف شاور من قوص وقد كان أبوه أوصاه ببقائه وقال له قد ندمت على ولايته ولم يمكني عزله فصرفه وولى مكانه الأمير بن الرفعة فاضطـرب شـاور وخرج إلى طريق الواحات وجمع وقصد القاهرة وجاء الخبر إلى رزيك فعجز عـن لقائـه وخـرج فـي جماعـة من غلمانه بعدة أحمال من المال والثياب والجوهر وانتهى إلى طفيحة واعترضه ابن النضر وقبض عليه وجاء به إلى شاور فاعتقله واعتقل معه أخاه فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته ولتسع سنين من ولاية أبيه‏.‏ وزارة شاور ثم الضرغام من بعده ودخل شاور القاهرة سنة ثمان وخمسين ونزل بدار سعيد السعداء ومعه ولده طبن وشجاع والطازي وولاه العاضد الوزارة ولقيه أمير الجيوش وأمكنه من أموال بني رزيـك فاستصفـى معظمها وزاد أهل الرواتـب والجرايـات عشـرة أمثالهـا واحتجـب عـن النـاس وكـان الصالـح بـن رزيك قد أنشأ في لواتة أمراء يسمون البرقية وكان مقدمهم الضرغام وكان صاحب البـاب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته وثار عليه وأخرجه من القاهرة فلحق بالشام وقتل ولده علياً وكثيراً من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة وخلت من الأعيان وأدى ذلك إلى خرابها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:47 AM

مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى مصر مع شاور
ولما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخاً وشرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر‏.‏ وجهز نور الدين شيركوه وكان مقدماً في دولته ويذكر سبب إتصالـه بـه فـي موضعه فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وقد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته وينتقم له ممن نازعه وسار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين إن هموا به ولمـا وصـل أسـد الديـن وشاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام وفخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه ورجع إلى القاهرة وقتل رفقاؤه الأمراء البرقية الذين أغروه بشاور‏.‏ ودخل أسد الدين القاهرة ومعه أخو الضرغام أسيراً وفر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة وقتل أخواه وعاد شاور إلى وزارته وتمكن منها‏.‏ ثم نكث عهده مع أسد الدين وسلطانه وصرفه إلى الشام‏.‏

فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره
ولمـا رجـع أسـد الدين من مصر إلى الشام أقام بها في خدمة نور الدين‏.‏ ثم استأذن نور الدين العـادل سنـة اثنتيـن وستيـن فـي العـود إلـى مصـر فـأذن لـه وجهـزه فـي العساكـر وسـار إلـى مصر ونازل بلاد الفرنج في طريقه ثم وصل إلى من ديار مصر وعبر النيل إلى الجانب الغربي ونزل الجيزة وتصرف في البلاد الغربية نيفاً وخمسين واستمد شاور الفرنج وجاء‏.‏ بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد فرجعا للقائهـم علـى رهـب لكثـرة عددهـم وصدقهـم القتـال فهزمهـم علـى قلـة مـن معه لم يبلغوا ألفي فارس‏.‏ ثم سار إلى الإسكندرية وهو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها فاستأمن أهلها وملكها وولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ورجع إلى جباية الصعيد‏.‏ واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة وأزاحوا عللهم وساروا إلى الأسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور وبعثوا له أثر ذلك في الصلح فصالحهم ورد إليهم الإسكندرية ورجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنـة اثنتين وستين‏.‏ واستطال الفرنج على أهل مصر وشرطوا عليهم أن ينزلوا القاهرة وشحنة وأن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين وقرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك‏.‏ رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور وزارته ثم طمع الإفرنج في مصر واستطالوا على أهلها وملكوا بلبيس واعتزموا على قصد القاهرة‏.‏ وأمر‏.‏ شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت ونهب أهلها ونزل الفرنج على القاهرة وأرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده وخشي شاور من إتفاق العاضد ونور الدين فداخل الفرنج في الصلح على ألفي ألف دينار مصرية معجلة وعشرة آلاف إردب من الزرع وحذرهم أمر القهر إلى ذلك وكان فيه السفير الجليس بن عبد القوي وكان الشيخ الموفق كاتب السر وكان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه وقال‏:‏ هو رب الحرمة علينا وعلـى آبائنـا وأهـل النصيحة لنا‏.‏ فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه ويشاوره فقال له قل لمولانا يعني العاضد أن تقرير الجزية للفرنـج خيـر مـن دخـول الغـز للبلـاد وإطلاعهم على الأحوال‏.‏ ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مدداً للعاضد كما سأل وبعث معه صلاح الدين ابن أخيه وجماعة الأمراء فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا عن القاهـرة ورجعـوا إلـى بلادهم‏.‏ وقال ابن الطويل مؤرخ دولة العبيدين‏:‏ إنه هزمهم على القاهرة ونهب معسكرهم ودخل أسد الديـن إلـى القاهـرة فـي جمـادى سنـة أربـع وستيـن وخلـع عليـه العاضـد ورجع إلى معسكره وفرضت له الجرايات‏.‏ وبقي شاور على ريبة وخوف وهو يماطله فيمـا يعيـن لـه مـن الأمـوال‏.‏ ودس العاضـد إلـى أسـد الديـن بقتـل شـاور وقـال‏:‏ هـذا غلامنـا ولا خيـر لـك في بقائه ولا لنا فبعث عليه صلاح الدين بن أخيه وعز الدين خرديك‏.‏ وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الإمام الشافعي فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين وخرديك فقتلاه وبعثا برأسه إلى العاضد ونهبت العامة لدوره واعتقل ابناه شجاع والطازي وجماعة من أصحابه بالقصر وخلع عليه للوزارة واستقر في الأمـر وغلـب علـى الدولـة وأقطـع البلـاد لعساكـره‏.‏ واستعـد أصحابـه فـي ولايتهـا ورد أهـل مصر إلى بلدهم وأنكر ما فعلوه في تخريبها‏.‏ ثم اجتمع بالعاضد مرة أخرى وقال له جوهر الأستاذ‏:‏ يقول لك مولانا لقد تيقنا أن الله أدخرك نصرة لنا على أعدائنا فحلف له أسد الدين على النصيحة فقال له‏:‏ الأمل فيك أعظم وخلع عليه وحسن عنده موقع الجليس بن عبد القوي وكان داعي الدعاة وقاضي القضاة فأبقاه على مراتبه‏.‏ ثـم توفـي أسـد الديـن رحمـه الله تعالى لشهرين في أيام قلائل من وزارته وقيل لأحد عشر شهراً وأوصـى أصحابـه أن لا يفارقـوا القاهرة‏.‏ ولما توفي كان معه جماعة من الأمراء النورية منهم عين الدولة الفاروقي وقطـب الديـن نسـال وعيـن الديـن المشطـوب الهكـاوي وشهـاب الديـن محمـود الحازمـي فتنازعـوا فـي طلـب الرياسة وفي الوزارة جمع كل أصحابه للمغالبة‏.‏ ومال العاضد إلى صلاح الدين لصغره وضعفه عنهم ووافقه أهل دولته على ذلك بعد أن ذهب كثير منهم إلى دفع الغز وعساكرهم إلى شرقية ويولى عليهم قراقوش‏.‏ ومال آخرون إلى وزارة صلاح الدين ومـال العاضـد إلـى ذلـك لمكافأتـه عـن خدمتـه السالفة فاستدعاه وولاه الوزارة واضطرب أصحابه‏.‏ وكان الفقيه عيسى الهكاري من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه إلا عين الدولة الفاروقي فأنه سار إلى الشام وقام صلاح الدين بوزارة مصر نائباً عن نور الدين يكاتبه بالأمير الأصفهسان ويشركه في الكتاب مع كافة الأمراء بالديـار المصريـة‏.‏ ثـم استبـد صلـاح الديـن بالأمـور وضعف أمر العاضد وهدم دار المعرفة بمصر وكانت حبسا‏.‏ وبناها مدرسة للشافعية وبنى دار الغزل كذلك للمالكية وعزل قضاة الشيعة وأقام قاضياً شافعياً في مصر واستناب في جميع البلاد‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:48 AM

حصار الفرنج دمياط
ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر وملكوها ودفعوهم عنها ندموا على ما فرطوا فيها وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم وخشوا غائلة العز على بيت المقدس وكاتبوا الفرنج بصقلية والأندلس واستنجدوهم وجاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس وستين وبها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر والأموال مع بهاء الدين قراقوش وأمراء الغز واستمـد نـور الديـن واعتـذر عـن المسيـر إليهـا بشـأن مصـر والشيعـة فبعـث نـور الديـن العساكر إليها شيئاً فشيئاً وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام فضيق عليهـا فأقلـع الفرنج عن دمياط لخمسين يوماً من نزولها فوجدوا بلادهم خراباً‏.‏ وأثنى العاضد على صلاح الديـن فـي ذلـك‏.‏ ثـم بعـث صلـاح الديـن غرابيـه نجـم الديـن وأصحابـه إلـى مصـر وركب العاضد للقائه تكرمة له‏.‏

واقعة الخصيان وعمارة
ولمـا استقـام الأمـر لصلـاح الديـن بمصـر غـص بـه الشيعـة وأولياؤهـم واجتمع منهم العوريش وقاضـي القضـاة ابـن كامـل والأميـر المعـروف والكاتـب عبـد الصمد وكان فصيحاً وعمارة اليمني الشاعر الزبيدي وكان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لأخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيباً وافراً من ارتفاعها وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر إسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قد ربى العاضد وصهره فأغروه بذلك ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبسا بذلك ولم يكن العاضد الذي حضر وأوهموه أنه عقد معـه‏.‏ ثـم اتصـل الخبـر بنجـم الديـن بـن مضـال مـن أولياء الشيعة وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الأسكندرية واستغضبـه بهـاء الديـن قراقـوش ببعـض النزغـات فظنـوا أنـه غضـب فاطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيراً وعمارة كات الدست وصاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة‏:‏ داعي الدعاة وعبد الصمد جابي الأموال والعوريش ناظراً عليه فوافقهم ابن مضال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وعلـى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس‏.‏ وأحضر زمام القصر وهو مختص بالغز ونكر عليه خـروج العاضـد إلـى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد أن هذا لم يقع وأخبر العاضد بطلـب حضـور نجـاح مـع مختـص فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضي إلى اليمن ويحمله على الإستبداد وأنه تعرض فيها للجانب النبوي يوجب استباحة دمه وهو قوله‏:‏ فاخلق لنفسك ملكاً لا تضاف به إلى سواك وأور النار في العلـم وكـان هـذا الدين من رجل سعى إلى أن دعوه سيد الأمم فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين وأخر ابن كامل عنهم عشرين يوماً‏.‏ ثم شنقه ومر عمارة بباب القاضي الفاضل فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشنقة‏:‏ عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص هو العجب وفي كتاب ابن الأثير‏:‏ أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة عثر على حامله وقرأ الكتاب وجيء به‏.‏ إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة وعزل جميع الخدام واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش وكان خصياً أبيض وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة واجتمعوا في خمسين ألفا وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها ناراً وأحرق أموالهم وأولادهـم فانهزمـوا وركبهـم السيـف‏.‏ ثـم استأمنـوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة توريشاه فاستلحمهم‏.‏

انقراض الدولة العلوية بمصر
قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر وضعف أمر العاضد بها وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضيء العباسي وهو يماطل بذلك حـذراً مـن استيـلاء نـور الديـن عليـه ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل‏.‏ ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به وأنه لا يمكن نور الدين‏.‏ ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشاني وكان يدعى بالأمير العالم فلما رأى أحجامهم عن هذه الخطبة قال‏:‏ أنا أخطبها فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستنصر فلم ينكر إليه فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعـوا العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر‏.‏ وكان العاضد فـي شـدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك وتوفي في عاشوراء من السنة وجلس صلاح الدين للعـزاء فيـه واحتـوى علـى قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه وكان في خزائنهم مـن الذخيـرة مـا لـم يسمـع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرد وحلي الذهب وآنية الفضة والذهب ووجد ماعون القصـر مـن الموائـد والطسـوت والأباريـق والقـدور والصحـاف والخـوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والأسورة كل ذلك من الذهب‏.‏ ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات والمعلقات والوشي ما لا تقله الأوقار ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه وقاضيه ومن الظهر والكراع والسلاح ومن الخدم والوصائف خمسين ألفا‏.‏ ومن المال ما يملأ مائة بيت‏.‏ ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا وكانت الدولة عند عهد العزيز والحاكم قـد خـلا جوهـا مـن رجالـات كتامة وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول كما ذكرنـاه مـن قبـل‏.‏ ولمـا هلـك العاضـد وحول صلاح اللين الدعوة إلى العباسية اجتمع قوم من الشيعة بمصر وبايعوا الداود بن العاضد ونمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم وأخرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة‏.‏ ثـم خـرج بعـد حيـن ابنـه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد وحبس إلى أن هلك‏.‏ وظهـر بعـد حيـن بجهـة فـاس بالمغـرب محمـد بـن عبد الله بن العاضد ودعا هنالك وتسمى بالمهدي فقتـل وصلـب‏.‏ ولـم يبـق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق وهم دعاة الفداوية‏.‏ وفي بلـاد الإسماعيليـة التي كانت فيها دعوتهم بالعراق‏.‏ وقام بها ابن الصباح في قلعة الموت وغيرها كمـا يذكـر فـي أخبارهم إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يـد هولاكـو مـن ولد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستماية والأمر لله وحده‏.‏ هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير وقليل من ابن بنو حمدون الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديين ومال أمرهم كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس وهو علي بن حمدون بن سماك بن مسعود بن منصور الجذامي يعرف بابن الأندلسي واتصل بعبيد الله وأبـي القاسـم بالمشـرق قبـل شـأن الدعـوة وبعثـوه مـن طرابلـس إلـى عبـد اللـه الشيعـي فأحسـن اللقـاء والانصـراف ولزمهم أيام اعتقالهم بسجلماسة فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة ورقوه إلى الرتب‏.‏ ولما رجع أبو القاسـم مـن حركتـه إلـى المغـرب سنـة خمـس عشـرة وثلاثمائـة واختـط مدينـة المسيلة استعمل علي بن حمدون على بنائها وسماها المحمدية‏.‏ ولما تم بناؤها عقد له على الزاب وأنزله بها وشحنها بالأقـوات التـي كانـت ميـرة للعساكـر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة‏.‏ ولم يزل والياً على الزاب وربى ابنيه جعفراً ويحيى بدار أبي القاسم‏.‏ وكان جعفر سار إلى المعز‏.‏ ولما كانت فتنة أبي يزيد وأضرمت إفريقية ناراً وفتنة وأهاب القائم بالأولياء من كل ناحيـة كتـب إلـى ابـن حمـدون أن يجنـد قبائـل البربـر ويوافيـه فنهـض إلـى المهديـة فـي عسكـر ضخم بقسنطينة وهو يحتشـد كـل مـن مـر بـه فـي طريقـه حتـى وصـل إلـى شـق بناريـة‏.‏ ثـم قـارب باجـة وكـان بهـا أيـوب بـن أبي يزيد في عسكر كبير من النكارية والبربر فزحف إليهم وتناور الفريقان‏.‏ ثم بيته أيوب فاستبـاح معسكـره وتـردى علـي بـن حمـدون بعـض الشواهـق فهلـك سنـة أربـع وثلاثين وثلاثمائة‏.‏ ولما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على المسيلة والزاب لجعفر بن علي بن حمدون وأنزله بها وأخاه يحيى واستجدوا بهـا سلطانـاً ودولـة وبنـوا القصـور والمنتزهـات واستفحـل بهـا ملكهـم وقصدهم بها العلماء والشعراء وكان فيمن قصدهم ابن هانىء شاعر الأندلس وأمداحه فيهم معروفة مذكورة وكان بين جعفر هذا وبين زيري بن مناد عداوة جرتها المنافسة والمساماة في الدولـة فسـاء أثـر زيـري فيـه عنـد صدمتـه للمغـرب وفتكـه بزناتـة وسعـوا بـه إلـى الخليفة وألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة‏.‏ وتولى محمد بن خزر أمير مغراوة‏.‏ ثم إن المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة اثنتين وثلاثمائـة استقـدم جعفـراً فاستـراب جعفـر ومـال بعسكـره إلـى زناتـة قبل قدومه وانقطعت الرسائـل بينـه وبين صنهاجة والخليفة المعز وشملت عليه زناتة قبل قدومه كسوا عليه ودعا إلى نقض طاعة المعز والدعاء للحاكم المستنصر فوجدهم أقدم إجابة لها وناهضهم زيري الحرب قبـل إستكمـال التعبيـة فكانـت عليـه مـن أمـراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح فقصوا رأسه وبعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر كرم الحاكم وفادتهم ونصب رأس زيري بسوق ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بـدم أبيـه أظهـروا الغـدر بـه ورأى أن يتجنـب مجابهتهم لضيق ذات يده وعجز رؤساؤهم عن الذب والدفاع عنها وقبضت الأيدي عن تناوله لدنو الفتنة ومراس العصبية فأوجس الخيفة في نفسه وألطف الحيلة في الفرار رغبة بحيلته وشحن السفن بما معه من المال والمتاع والرقيق والحشم وذخيرة السلطان وأجاز البحر ولحق بسدة الخلافة من قرطبـة وأجـاز معـه عظمـاء الزناتييـن معطيـن الصفقـة علـى القيـام بدعوتـه والإحتطاب في جبل طاعتـه فكـرم مثـواه وأجمـل وفادتهـم وأحسـن منصرفهـم وانقلبـوا لمحبتـه والتشيع له ومناغاة الأدارسة للقيام في خدمته بالمغرب الأقصى وبث دعوته‏.‏ وتخلف عنهم أولـاد علـي بـن حمـدون بالحضـرة وأقامـوا بسـدة الخلافة ونظموا في طبقات الوزراء وأجريت عليهم سنيات الأرزاق والتحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة‏.‏ ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب لارتكابهم في منازعتهـم أمـرا خرقـوا حـدود الـآداب مـع الخلافـة فاستدعوا إلى القصر واعتقلوا ثم أطلقوا لأيام قلائل لما انغمس الحكم في علة الفالج وركدت ريح المروانية بالمغرب واحتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور ودفع العدو‏.‏ واستدعي يحيى بن محمد بن هاشم من العدوة وكان والياً على فاس والمغرب وأداله الحاجب المصفحي لجعفر بن علي بن حمدون وجمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة والراحـة ممـا يتوقـع منه على الدولة عند من ولي الخلافة لما كانوا صاروا إليه من النكبة وطروق المحنة فعقدوا له ولأخيه يحيى على المغرب وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال وكسى فاخرة للخلـع علـى ملـوك العـدوة فنهـض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه واجتمع إليه ملوك زناتـة مـن بنـي يفـرن ومغـراوة وسجلماسـة‏.‏ ولمـا هلك الحكم وولي هشام وقام بأمره المنصور‏.‏ بن أبي عامر اقتصر لأول قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان ورجال الدولة وقلدهـا أربـاب السيـوف والأقلـام مـن الأوليـاء والحاشيـة وعـدل فـي ضبطه على ما وراء ذلك على ملـوك زناتـة ونقدهـم بالجوائـز والخلـع وصـار إلـى إكرام وفودهم وإثبات من رغب الإثبات في ديوان السلطان منهم فجدوا في ولاية الدولة وبث الدعوة وفسد ما بين هذين الأميرين جعفر وأخيه واقتطـع يحيـى مدينـة البصـرة لنفسـه وذهـب بأكثـر الرجـال‏.‏ ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبته بنـو غواطة في غزاته إياهم‏.‏ ثم استدعاه محمد بن أبي عامر لأول أمره لما رأى من الاستكانة إليـه وشـد أزره به ونقم عليه كراهته لما لقيه بالأندلس من الحكم ثم أصحبه وتخلى لأخيه عن عمل المغرب وأجـاز البحـر إلـى ابـن أبـي عامـر فحـل منـه بالمكـان الأثيـر ولمـا زحـف بلكيـن إلـى المغـرب سنة تسع وستين زحفته المشهورة خرج محمد بن أبي عامر من قرطبة إلي الجزيرة لمدافعته بنفسه وأجاز جعفر بن علي إلى سبتة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال وانضمـت إليـه ملـوك زناتـة رجـع عنهم بلكين كما نذكره‏.‏ ولما رجع إلى ابن أبي عامر اغتاله في بعض ليالي معاقرتهـم وأعـد لـه رجـالا فـي طريقـه مـن سمـره إلـى داره فقتلـوه سنـة ولحـق يحيـى بـن علـي بمصـر ونـزل بـدار العزيـز وتلقـاه بالمبـرة والتكريـم وطـال بـه ثـراؤه واستكفـى بـه العظائم ولما استصـرخ فلفـول بـن خـزرون بالحاكـم فـي استرجـاع طرابلـس مـن يـد صنهاجـة المتغلبيـن عليـه دفع إليه العساكـر وعقد عليها ليحيى بن علي واعترضه بنو قرة من الهلاليين ببرقة ففلوه وفضوا جموعه ورجـع إلـى مصـر‏.‏ ولـم يزل بمصر إلى أن هلك هنالك‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

الخبر عن القرامطة واستبداد أمرهم
وما استقر لهم من الدولة بالبحرين وأخبارها إلي حين انقراضها هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية ولا الطالبيين وإنما قام بها دعاة المهدي من أهـل البيـت علـى اختلـاف منهـم فـي تعييـن هـذا المهـدي كمـا نذكـره وكـان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشاني من دعاة المهدي ويسمى أيضاً كرويه بن مهدويه وهو الـذي انتهـى إليه دعاتهم بسواد الكوفة ثم بالعراق والشام ولم يتم لهؤلاء دولة والآخر يسمى أبا سعيد الحسن بـن بهـرام الجنابـي كانـت دعوتـه بالبحريـن واستقـرت لـه هنالـك دولـة ولبنيـه‏.‏ وانتسب بعض مزاعمهم إلى دعاة الإسماعيلية الذين كانوا بالقيروان كما نذكره‏.‏ ودعـوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد والقواعد منافية للشرائع والإسلام في الكثيـر مـن مزاعمهـم وأول مـن قـام بهـا بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين رجل أظهر الزهد والتقشف وزعم أنه يدعو إلى المهدي وأن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم واستجاب له جمع كثير ولقب قرمط وأصلها بالكاف‏.‏ وكان يأخذ من كل من يجيب دعوته دينارا للإمام‏.‏ وجعل عليهم نقباء وسماهم الحواريين وشغل الناس بذلك عن شؤونهم وحبسه عامل الناحية ففرمـن حبسـه ولـم يوقـف لـه علـى خبـر فـازداد أتباعـه فتنـة فيـه ثـم زعـم أنـه الـذي بشـر به أحمد بن محمـد ابـن الحنفيـة‏.‏ وأن أحمـد نبـي وفشـا هـذا المذهـب في السواد وقرىء بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصه بعد البسملة‏:‏ يقول الفرج بن عثمان الحمد الله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها لتعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام‏.‏ وباطنها أوليائي الذيـن عرفـوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب وأنا الذي لا اسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا الذي أبلو عبادي وأستخبر خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وأخلدته في نعمتي ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهانا في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت على ألسنة رسلي فأنا الذي لا يتكبر علي جبار إلا وضعته ولا عزيز إلا ذللته فليس الذي أصر على أمره ودام على جهالته وقال لن نبرح عليه عاكفين وبـه مؤمنيـن أولئـك هـم الكافـرون‏.‏ ثـم يركـع ويقـول فـي ركوعه مرتين سبحان ربي ورب العزة تعالى عما يصف الظالمون وفـي سجـوده اللـه أعلـى مرتيـن اللـه أعظم مرة والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمـر حلال والغسل من الجنابة كالوضوء ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخلب‏.‏ ومن خالف وحارب وجب قتله ومن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى‏.‏ إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضاً وتشهد عليهم الكذب‏.‏ والذي حملهـم علـى ذلـك إنمـا هـو مـا اشتهر بين الشيعة من أمر المهدي مستندين فيه إلى الأحاديث التي خرجهـا بعضهـم وقـد أرينـاك عللهـا في مقدمة الكتاب في باب الفاطمي فلهجوا به وبالدعوة إليه فمن الصادق فيمن يعنيه وأن كان كاذباً في استحقاقه‏.‏ ومنهم من بني أمره علـى الكـذب والانتحال عساه يستولي بذلك على حظ من الدنيا ينال بها صفقة‏.‏ وقد يقال إن ظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج وإنه سار على الأمان وقال له إن ورائي مائة ألف سيف فناظرني لعلنا نتفق ونتعاون‏.‏ ثم اختلفا وانصرف قرمط عنه وكان يسمي نفسه القائم بالحق‏.‏ وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج ثم زحف إليـه أحمـد بـن محمـد الطائي صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم وفتك بهم وتتابعت العساكر في السواد في طلبهـم وأبادوهـم وفـر هـو إلـى أحيـاء العـرب فلـم يجبه أحد منهم فاختفى في القفر في جب بناه واتخذه لذلك وجعل عليه باب حديد واتخذ بجانبه تنوراً سحراً إن أرهقه الطلب فلا يفطن لـه‏.‏ ولمـا اختفـى فـي الجـب بعـث أولـاده فـي كلـب بـن دبـرة بأنهـم مـن ولـد إسماعيل الإمام مستجيرون بهـم‏.‏ ثـم دعـوا إلـى دعوتهـم أثنـاء ذلـك وكانـوا ثلاثـة يحيـى وحسيـن وعلـي فلم يجبهم أحد إلى ذلك إلا بنـو القليـص بـن ضمضـم بـن علـي بـن جنـاب فبايعـوا ليحيـى علـى أنـه يحيـى بـن عبـد الله بن محمد بـن إسماعيـل الإمـام وكنـوه أبـا القاسـم ولقبوه الشيخ‏.‏ ثم حول اسمه وادعى أنه محمد بن عبد الله وأنه كان يكتم هذا الاسم وأن ناقته التي يركبها مأمورة ومن تبعها منصور فزحف إليه سبك مولـى المعتضـد فـي العساكـر فهزمهـا وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائي في العساكر فانهزمت القرامطة وجيء ببعضهم أسيراً فاحتضره المعتضد وقال‏:‏ هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحل فيكم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل‏.‏ فقال لـه‏:‏ يـا هـذا أرأيـت لـو حلـت روح إبليـس فمـا ينفعـك فاتـرك مـا لا يعنيـك إلـى ما يعنيك‏.‏ فقال له قل فيمـا يعنـي فقـال له قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوكم العباس حي فلم يطلب هذا الأمـر ولا بايعـه أحـد ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى العباس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى وكانوا ستة وفيهم الأقرب والأبعد وهذا إجماع منهم على دفع جدك عنها فبماذا تستحقون أنتم الخلافة فأمر المعتضد به فعذب وخلت عظامه ثم قطع مرتين ثم قتل‏.‏ ثم زحـف القرامطـة إلـى دمشـق وعليهـا طغـج مولـى ابـن طولـون سنـة تسعيـن‏.‏ واستصـرخ بابـن سيـده بمصـر فجـاءت العساكـر لإمـداده فقاتلهـم مـراراً وقتـل يحيى بن ذكرويه المسمى بالشيخ في خلق من أصحابـه واجتمـع فلهـم علـى أخيـه الحسيـن وتسمـى أحمـد أبـا العبـاس وكانت في وجهه شامة يزعم أنها فلقب صاحب الشامة المهدي أمير المؤمنين وأتاه ابن عمه عيسى بن مهدي وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الإمام ولقبه المدثر وعهد إليه وزعم أنه المذكور في القرآن‏.‏ ولقب غلاماً من أهله المطوق‏.‏ ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادي وسار إلى دمشق فحاصرهـا حتـى صالحـوه علـى مـال ودفعـوه لـه‏.‏ ثـم سـار إلـى حمـص وحماة والمعرة وبعلبك فخطب لـه بهـا واستباحهـا جميعـاً ثـم إلـى سلميـة وبها جماعة من بني‏.‏ هاشم فاستلحمهم حتى الصبيان بالمكاتـب والبهائـم‏.‏ ثم خرج المكتفي إليه وقدم عساكره فكبسهم ونجا فلهم إلى حلب‏.‏ وانتهى المكتفـي إلـى الرقـة وقـد سـار بـدر مولـى ابـن طولـون فـي أتباع القرامطة فهزمهم وأثخن فيهم وبعث المكتفـي العساكـر مـع يحيـى بـن سليمان الكاتب‏.‏ وفيهم الحسين بن حمدان من بني تغلب ومعهم بنو شيبان فواقعوا القرامطة سنة إحدى وتسعين فهزموهـم وقتـل منهـم خلـق مـن أصحـاب القرمطي ونجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته‏.‏ وسار هو مستخفياً إلى ناحية الكوفة‏.‏ ومعه المدثر والمطوق وغلام له وانتهو إلى الرحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم وبعث بهم إلى المكتفي بالرقة ورجع إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة‏.‏ مائتي سوط وأما علـي بـن ذكرويه ففر بعد مقتل أخيه يحيى على دمشق إلى ناحية الفرات‏.‏ واجتمع إليه فل من القرامطة فاستباح طبرية‏.‏ ثـم لمـا اتبعهـم الحسيـن بـن حمدان فر إلى اليمن واجتمع إليه دعاتهم هنالك وتغلب على كثير من مدنـه وقصـد صنعـاء فهـرب عنها ابن يعفر فاستباحها وتجافى عن صعدة لذمة العلوية بينه وبين بنـي الرسـى ونـازل بنـي زيـاد بـن بيـد ومات في نواحي اليمن‏.‏ وفي خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بني القليص بعد أن كانوا استكانوا وأقاموا بالسماوة فبعث إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيـد ويسمـى أبـا غانـم فجاءهـم بكتابـه سنـة ثلـاث وتسعين بأنه أوحي إليه بأن صاحب الشامة وأخـاه الشيـخ مقبلان وأن إمامه يظهر من بعدهما يملأ الأرض عدلاً ويظهر وطاب أبو غانم على أحياء كلب فاجتمع إليه جماعة منهم وقصد الشام فاستباح بصرى وأذرعات ونازل دمشق وعاملهـا يومئـذ أحمـد بـن كيغلـغ وهـو غائـب بمصـر فـي محاربة الجليجي الثائر من شيعة بني طولون على عساكر المكتفي وقابلـه خلفـاؤه فهزمهـم وقتـل بعضهـم وسـار إلـى الـأردن فقتـل عاملهـا ونهب طبرية وبعث المكتفي الحسين بن حمدان في العساكر ففر أبو غانم إلى السماوة وغور مياهها واتبعته العساكر إلى أن جهدهم العطش ثم رجع الحسين بهم إلى الرحبة وقيل إنهم تقبضوا على أبي غانم وقتلوه وافترق جمعهم وذلك سنة ثلاث وتسعين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:49 AM

ظهور ذكرويه ومقتله
ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الذي كان مختفياً فيه منذ عشرين سنة وحضـر عنـده دعاتهـم فاستخلـف عليهـم أحمـد بـن القاسـم بن أحمد وعرفهم بما له عليهم من المنة وأن رشادهم في امتثال أمره ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها وسار وهو محتجب يدعونه السيـد ولا يرونـه والقاسـم يباشـر الأمـور ويتولاهـا‏.‏ وبعـث المكتفـي عساكـره فهزمهم القرامطة بالسواد وغنموا معسكرهم وساروا لاعتراض الحاج ومروا بالصوان وحاصـروا الواقصـة فامتنعـت عليهـم وطمـوا الآبـار والمياه في تلك النواحي‏.‏ وبعث المكتفي محمد بن إسحاق بن كنداج الصهال ورجعوا‏.‏ ونهب القرامطة الحاج وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثاً علـى غيـر مـاء فاستسلموا وغنم أموالهم وأموال التجار وأموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلـى مكـة‏.‏ ثـم مـن مكـة إلـى بغـداد عندما أجمعوا النقل إليها‏.‏ ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص قبل فامتنعوا وجهز المكتفي العساكر مـع وصيـف بـن صوارتكيـن وجماعـة مـن القـواد فساروا على طريق خفان وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ثم هزموهم وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجيء به أسيراً وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته ومات لخمس ليال فسيق شلـوه إلـى بغـداد وصلـب وبعـث‏.‏ برأسـه إلـى خراسـان مـن أجـل الحاج الذين نهبهم من أهلها‏.‏ ونجا الفـل مـن أصحابـه إلـى الشام فأوقع بهم الحسين بن حمدان واستلحمهم وتتبعوا بالقتل في نواحي الشام والعراق وذلك سنة أربع وتسعين وثلاثمائة‏.‏ ودولة بني الجنابي منها وفي سنة إحـدى وثمانيـن جـاء إلـى القطيعـي مـن البحريـن رجـل تسمـى بيحيـى بـن المهدي وزعم أنه رسول عن المهدي وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف علي بن المعلي بن أحمد الدبـادي وكـان متغاليـاً فـي التشيـع فجمـع الشيعـة وأقرأهـم كتـاب المهـدي وشنع الخبر في سائر قرى البحريـن فأجابـوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنابي واسمه الحسن بن بهرام وكان منه عظمائهم‏.‏ ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم ويأمرهم أن يدفعوا ليحيـى ستـة دنانيـر وثلاثيـن عـن كـل رجـل فدفعوهـا‏.‏ ثـم غـاب وجـاء بكتـاب آخـر يأمرهـم أن يدفعـوا إليـه خمـس أموالهـم فدفعـوا وقـام يتـردد فـي قبائـل قيـس‏.‏ ثـم أظهـر أبـو سعيـد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه القرامطة والأعراب وسار إلى القطيف طالباً البصرة وكـان عليهـا أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة وبعث المعتمد على ابن عمـر‏:‏ الغنـوي وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين وضم إليه ألفين من المقاتلة وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه ورجع عنه عند اللقاء بنو ضبة فانهزم وأسره الجنابي واحتوى على معسكره وحرق الأسرى بالنار‏.‏ ثم من عليه وأطلقه فسار إلى الأبلة ومنهـا إلـى بغـداد وسـار أبـو سعيـد إلـى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي‏.‏ ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصاً من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال‏:‏ كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلاثمائة فنقل الكلام وكان أبو سعيد عهد لابنه الأكبر سعيد فلم به وثار به أخوه الأصغر والظاهر سليمان فقتله وقـام بأمرهم وبايعه العقدانية وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية‏.‏ وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتطره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدية‏.‏ ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها ورجع واضطربت بغداد وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها‏.‏ ثـم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها وخرب الجامع وتركها خربة‏.‏ ثم خرج سنـة اثنتـي عشـرة لاعتـراض الحـاج فأوقـع بهم وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا‏.‏ ثم خرج سنة أربع عشرة إلى العراق فعاث في السواد ودخل الكوفة وفعل فيها أشد من البصـرة‏.‏ وفي سنة أربـع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبنى مدينـة الأحسـاء وسماهـا المؤمنيـة فلـم تعـرف إلا بـه وبنـى قصـره وأصحابه حوله‏.‏ وفي سنة خمس عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده‏.‏ وبعث المقتدر عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وولاه واسط وبعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره‏.‏ وأرجف أهل بغداد وسار أبو طاهر إلى الأنبار وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهارون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه وتوافقوا ثم تحاجزوا وعاد مؤنس إلى بغداد وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه‏.‏ وسار إلى هشت والكوفة وقاتل الرقة فامتنعت عليه وفـرض الأتـاوة علـى أعـراب الجزيـرة يحملونهـا إلـى هجـر ودخل في دعوته جماعة من بني سليم بن منصور وبني عامر بن صعصعة‏.‏ وخرج إليه هارون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية وظفر هارون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد‏.‏ وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيراً من الحاج ومن أهلها ونهب أموالهم جميعاً وقلع باب البيت والميزاب وقسم كسوة البيت في أصحابه واقتلع الحجر الأسود وانصرف به وأراد أن يجعل الحج عنده وكتب إليه عبيد الله المهدي من القيروان يوبخه على ذلك ويتهدده فكتـب إليـه بالعجـز عـن رده مـن الناس ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسماعيل من القيروان في رده فردوه وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفاً من الذهب على أن يردوه فأبوا وزعموا أنهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته‏.‏ وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشـام بالغـزو حتـى ضربـت لـه الأتـاوة ببغـداد وبدمشـق علـى بنـي طغـج‏.‏ ثـم هلـك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه ومات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور وولى أخوه الأكبر أحمد بن الحسـن واختلـف بعـض العقدانيـة عليـه ومالـوا إلـى ولايـة سابـور بـن أبـي طاهـر وكاتبـوا القائـم في ذلك فجـاء جوابـه بولايـة الـأخ أحمد وأن يكون الولد سابور ولي عهده فاستقر أحمد في الولاية عليهم وكنوه أبا منصور وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه‏.‏ ثم قبض سابور على عمه أبي منصور فاعتقله بموافقة إخوته له على ذلك وذلك سنة ثمان وخمسيـن‏.‏ ثـم ثـار بهـم أخـوه فأخرجـه مـن الاعتقـال وقتـل سابـور ونفى إخوته وأشياعهم إلى جزيرة أوال‏.‏ ثـم هلـك أو منصـور سنـة تسـع وخمسيـن يقـال مسمومـاً على يد شيعة سابور وولى ابنه أبو علي الحسن بن أحمد ويلقب الأعصم وقيل الأغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه ونفى جمعاً كثيـراً مـن ولـد أبـي طاهـر يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلاثمائة وحج هذا الأعصم بنفسه

فتنة القرامطة مع المعز العلوي
ولمـا استولـى جوهـر قائد المعز لدين الله على مصر وجعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه ونابذوه وكتب له المعز وأغلظ عليه ودس لشيعـة أبـي طاهر وبنيه أن الأمر لولده وأطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة اثنتين وخطب للمطيع العباسي في منابره ولبس السواد‏.‏ ثم زحف إلى دمشق وخرج جعفر بن فلاح لحربه فهزمـه الأعصـم وقتلـه وملـك دمشـق وسـار إلى مصر فحاصر جوهراً بها وضيق عليه‏.‏ ثم غدر بـه العـرب وأجفلـوا فأجفـل معهـم وعـاد إلى الشام ونزل الرملة وكتب إليه المعز سنة إحدى وستين بالنفـي والتوبيخ وعزله عن القرامطة وولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال ونهبوا الاحساء في غيبته وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة وأن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال‏.‏ وبعث من أحكم بينهم الصلح‏.‏ ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه وراء الخنادق وبذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه وانهزم ونهب معسكره‏.‏ وجاء المعز من إفريقية ودخل القاهرة سنة ثلاث وستين وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وانتزع ما ملكوه من الشام وسار إلى مصر وبعث المعز لدين الله ابنه عبد الله فلقيهم على بلبيس وانهزم الأعصم وفشا القتل والأسر في أصحابه فكانوا نحواً من ثلاث آلاف ورجع الأعصم إلى الإحساء واستخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طيىء حتى استرجع بهم ما غلـب عليـه القرامطـة مـن الشـام بعـد حـروب وحصـار‏.‏ ثـم مـات المعـز سنة خمس وستين وطمع الأعصم في بلاد الشام وكان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد سار أفتكين منهزماً إلى دمشـق وكانـوا مضطربيـن فخرجـوا إليه وولوه عليهم وصالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز وبعث إليـه جوهر في العساكر فحاصره فكتب أفتكين إلى الأعصم واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست وستين‏.‏ وخرج معه أفتكين ونازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر وزحف إليهم العزيز وهزمهم وتقبض على أفتكين ولحق الأعصم بطبريـة منهزمـاً‏.‏ ثـم ارتحـل منهـا إلـى الأحسـاء وأنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس واتفقوا على إخراج الأمر عن ولد أبي سعيد الجنابـي وقدمـوا رجليـن منهـم‏:‏ وهمـا جعفـر وإسحاق وسار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال وكان بنو أبـي طاهـر قبلهـم فقتلـوا كـل مـن دخـل إليهـم مـن ولـد أحمـد بـن أبـي سعيـد وأشياعـه‏.‏ ثـم قـام بأمـر القرامطة جعفر وإسحاق هذان ورجعوا إلى دعوة العلوية ومحاربة بني بويه ورجعوا سنة أربع وستيـن إلـى الكوفة فملكوها‏.‏ وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية‏.‏ ثم اختلف جعفر وإسحاق وطمع كل منهما في الرياسة على صاحبه وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم وملك الأحساء من أيديهم وأذهب دولتهم وخطب للطائـع واستقرت الدولة له ولبنيه‏.‏

ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة
كان بأعمال البحرين خلق من العرب وكـان القرامطـة يستنجدونهـم علـى أعدائهـم ويستعينـون بهم في حروبهم وربما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الأوقات وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم وأظهرهم في الكثرة والعزة بنو ثعلب‏.‏ ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين واستحكمت العداوة بينهم وبين بني بويه بعد انقراض ملك بني الجنابي وعظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية وكان خالصة للقرامطة ودعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه وداخل بني مكرم رؤساء عمان فـي مثـل ذلـك فأجابـوه واستولـى الأصغـر علـى البحريـن وأورثهـا بنيـه واستولـى بنـو مكـرم على عمان ثم غص بنو ثعلب بسليم واستعانوا عليهم ببني عقيل وطردوهم من البحرين فساروا إلى مصر ومنها كان دخولهم إلى إفريقية كما يأتي‏.‏ ثـم اختلـف بنـو ثعلـب وبنـو عقيل بعد مدة وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقية وامتد ملك الأصغر وطالت أيامه وتغلب على الجزيرة والموصل وحارب بني عقيـل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة وغص بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه واعتقله ثم أطلقه ومات‏.‏ وبقي الملك متوارثاً في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا وتلاشوا وانقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة وغلبهم عليها وعلى تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقية فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم الأولى ووجدوا بني ثعلب قد أدركهم الهرم فغلبوا عليهم‏.‏ قـال ابن سعيد‏:‏ سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة إحدى وخمسين وستمائة عـن البحريـن فقالـوا الملـك فيها لبني عامر بن عوف بن عقيل وبنو ثعلب من جملة رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء‏.‏ ولنذكر هنا نبذة في التعريف بكاتـب القرامطـة وأمصـار البحرين وعمان لما أن ذلك من توابع أخبارهم‏.‏ الكاتب كان كاتبهم أبو الفتح الحسيـن بـن محمـود ويعـرف بكشاجـم كـان مـن أعلـام الشعـراء وذكـره الثعالبـي فـي اليتيمـة والحصـري فـي زهـر الـآداب وهـو بغدادي المولد واشتهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي وكتب لهم بعده ابنه أبو الفتح نصر ولقبه كشاجم مثل أبيه كاتباً للأعصم البحريـن - إقليـم يسمـى باسـم مدينتـه ويقال هجر باسم مدينة أخرى منه وكانت حضرية فخربها القرامطـة وبنـو الأحسـاء وصارت حاضرة وهذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة وعمان شرقيها بحر فارس وغربيها متصل باليمامة وشماليها البصرة وجنوبها بعمان كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين كثيرة البقل والفواكه مفرطة الحر منهالة الكثبان يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهي من الإقليم الثاني وبعضها في الثالث‏.‏ كانت في الجاهلية لعبد القيس وبكر بن وائل من ربيعة وملكها للفرس وعاملهـا مـن قبلهـم المنـذر بـن سـاوى التميمـي‏.‏ ثـم صـارت رياستهـا صـدر الإسلام لبني الجـارودي ولـم يكـن ولاة بني العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث سنين واستباحها قتلاً وإحراقاً وتخريباً‏.‏ ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء وتوالت دولة القرامطة وغلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب‏.‏ بعدهم بنو عامر ابن عقيل قال ابن سعيد‏:‏ والملك الآن فيهم في بني عصفور‏.‏ الأحسـاء - بناهـا أبـو طاهـر القرمطـي فـي المائـة الثالثـة وسميـت بذلـك لمـا فيها من أحساء المياه في الرمال ومراعي الإبل وكانت للقرامطة بها دولة وجالوا في أقطار الشام والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشام وعمان‏.‏ دارين - هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها فيقال مسك دارين والرماح الخطية‏.‏ عمـان - وهـي مـن ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضرموت وعمان وهـي خامسهـا إقليـم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبها بحر الهند وغربيها بلاد حضرموت وشماليها البحرين كثيرة النخل والفواكه وبها مغاص اللؤلؤ شفيت بعمان بن قحطان أول من نزلها بولايـة أخيـه يعـرب وصـارت بعـد سيـل العـرم للأزد‏.‏ وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندي والخوارج بها كثيرة‏.‏ وكانت لهم حروب عمال بني بويه وقاعدتهم تروى وملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة وهي في الإقليم الثاني وبها مياه وبساتين وأسواق وشجرها النخل‏.‏ وكانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب‏.‏ وكثير من نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم الشامي عثه المعتضد وأعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال وأقام الخطبة لبني العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهروا شعار السنة‏.‏ ثـم اختلفـوا سنـة خمس وثلاثمائة وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهـم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر وخطب بها لعبيد الله المهدي وترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس وسبعين فترهب واليها منهم وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها من القرامطة والروافض وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم‏.‏ ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه وأعانوهم بالمراكب من فارس فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم وخطوا لبني العباس‏.‏ ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها وكان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم وكان ملكاً جواداً ممدوحـاً‏.‏ قالـه البيهقي ومدحه مهيار الديلمي وغيره ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك وفي سنة اثنين وأربعين ضعف ملك بني مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها الخوارج وملكوها وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك وصار في حجار من مدر هذا الإقليـم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الأقليم الثاني ومما يلي الشحر وحجار في شماليهـا إلـى البحريـن بينهما سبع مراحل وهي في جبال منيعة فلم تحتج إلى سور وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الأزدي من ذرية رياسة‏.‏ وكان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم ويرون أنهم من ولد الجلندي‏.‏ الإسماعيلية الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفارس والشام وسائر أمورهم ومصائرها هذا المذهب هو مذهب القرامطة وهم غلاة الرافضة وهـو علـى مـا رأيتـه مـن الاضطـراب والاختلـاف‏.‏ ولـم يـزل متناقـلاً فـي أهلـه بأنحـاء العـراق وخراسـان وفارس والشام‏.‏ واختلف بعضهم باختلاف الأعصار والأمصـار وكانـوا يدعـون أولاً قرامطـة‏.‏ ثـم قيـل لهـم بالعـراق باطنيـة ثـم الإسماعيليـة ثـم النزاريـة لمـا حـدث مـن عهـد المستضيء العلوي لابنه نزار وقتله شيعتهم بمصر ولم يبايعوا له وكان عنده ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية ونفى الإمامة بعده عن أئمتهم بصر فسموا أصحابه لذلك نزارية وكان هذا المذهب بعد موت ذكرويه وانحلال عقدتهم بقي منبثاً في الأقطار ويتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه ولذلك سموا الباطنية وفشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونـه مـن استباحـة الدمـاء فكانـوا يقاتلـون النـاس ويجتمـع لذلـك جمـوع منهم يكمنون في البيوت ويتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك‏.‏ ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعقل الخلفاء وعجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم وكف الغوائل عنهما فانتشروا في هذه العصور وربما اجتمع منهم جماعة بساوة بأنحاء همذان فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنـة ثـم أطلقهـم‏.‏ ثـم استولـوا بعـد ذلـك علـى الحصـون والقلـاع فـأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس كان صاحبها على مذهبهم فأووا إليـه واجتمعـوا عنـده وصـاروا يخطفـون النـاس مـن السابلة وعظم ضررهم بتلك النواحي‏.‏ ثم استولوا على قلعة أصفهان واسمها شاه در كان السلطان ملك شاه بناها وأنزل بها عامله فاتصل به أحمد بن غطاش كان أبوه من مقدمي الباطنية وعنه أخذ ابن الصباح وغيره منهم وكـان أحمـد هـذا عظيمـاً فيهـم لمكـان أبيـه ورسوخـه فـي العلم بينهم فعظموه لذلك وتوجوه وجمعوا له مالاً وقدموه عليهم واتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه وقلده الأمور حتى إذا توفي استولى أحمد بن غطاش على قلعة شاه در وأطلق أيدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية‏.‏ ثـم استولـوا علـى قلعـة المـوت مـن نواحي قروين وهي من بنيان الديلم ومعنى هذا الإسم عندهم تميل العقاب‏.‏ ويقال لتلك الناحية طالقان وكانت في ضمان الجعفري فاستناب بها علوياً وكان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك واتصل به الحسن بـن الصبـاح وكـان بينهـم عالمـاً بالتعاليـم والنجوم والسحر وكان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه وجال في البلاد وانتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر وأمره بدعاء الناس إلى إمامته وقال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى ابنه نزار وعاد من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم ورجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي فأكرمه واعتقد البركة فيه وأقام بها وهو يحاول إحكام أمره في تملكها فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوي منها وملكها‏.‏ واتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار وبعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ورجعت العساكر واستولوا أيضاً على قلعة طبس وما جاورها مـن قلـاع قوهستان وهي زرون وقائد وكان رئيس قوهستان المنـور مـن أعقـاب بنـي سيجـور أمـراء خراسان للسامانية فطلبه عامل قوهستان وأراد اغتصاب أخته فاستدعى الإسماعيلية وملكهم هذه القلاع واستولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك وانتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز وولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنيـة وخدمـه وأهـدى لـه حتـى صـارت مفاتيـح القلعـة فـي يـده فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجـاء فـي جمـع مـن أصحابـه ليـلاً وهـرب التركـي فملكهـا وقتـل مـن كـان بهـا وقـوي‏.‏ بهـا على أهل أصفهان وفرض عليهم القطائع‏.‏ ومن قلاعهم أسويا وندبين الرمل وآمد ملكوها بعد ملك شاه غدراً ومنها أزدهر ملكها أبو الفتـوح ابن أخت الحسن بن الصباح‏.‏ ومنها كردكوه ومنها قلعة الناظر بخوزستان وقلعة الطنبور قرب أرجان‏.‏ ملكها أبو حمزة الإسكاف من أهل أرجان وقد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهـم ورجـع داعيـة لهـم‏.‏ ومنهـا قلعـة ملاوخـان بيـن فـارس وخوزستـان امتنـع بها المفسدون نحواً من مائتي سنة لقطع الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه وقتل من بها فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز فولى عليها من قبله وداخله الباطنية الذين من أرجان في بيعها منهم فأبى فقالوا نرسل إليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا وبعثـوا إليهـم رجـالاً منهـم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح المقلعة وقبضوا على صاحبها وقويت شوكتهم‏.‏ وامتدت أيدي الناس إلى قتلهم واعتقدوا جهادهم وثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم وقتلتهم العامة بأصفهان وكانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان وبها أخوه محمد وأمه خاتون الجلالية وفشت فيها دعوتهم وكثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم وقتلوهم وحفـروا الأخاديـد وأوقدوهـا بالنيـران وجعلـوا يأتـون بالباطنية فيلقونهم فيها وتجرد جاولي سقاور وكان والياً بفارس للجهاد فيهم وتحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا‏.‏ الهـروب إليهم فوثقوا هم وساره هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم‏.‏ ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدراً فكان يقصد أحدهم أميـراً من هؤلاء وقد استبطن خنجراً واستمات‏.‏ حملهم على ذلك السلطان بركيارق واستعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه ويهلـك غالباً ويقتل الباطني لوقته فقتلوا منهم كذلك جماعة ولما ظهر بركيارق على أخيه محمد انتشـروا فـي عسكـره واستعانـوا بطائفـة منهـم وتهـددوا بالقتـل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم وخافوا عاديتهم ولازموا حمل السلاح وشكوا إلى بركيارق بذلك وبما يلقونه منهم ومن عسكر أخيه فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم وركب والعسكر معه فتتبعوهم بالقتل حتى إن الأمير محمداً من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه وكان صاحب يزد اتهم برأيهم فهرب وقتل‏.‏ وكتب إلـى بغـداد فـي أبـي إبراهيـم الاسترابـاذي وكـان بركيـارق بعثـه رسـولاً فأخذ هنالك وقتل واستلحموا في كل جهة واستلحم المتهمون وانطلقت عليهم الأيدي في كل ناحية وذلك سنة ست وثمانين‏.‏ ولمـا استفحـل أمـر السلطـان محمـد بعـد أخيـه بركيارق زحف إلى قلعة شاه در التي بها أحمد بن غطاش لقربها من أصفهان سرير ملكه فجمع العساكر والأمم وخرج في رجب في أول المائة السادسة وأحاط بجبل القلعة ودووه أربعة فراسخ ورتب الأمراء لقتالهم نوباً‏.‏ ولما اشتد الأمر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصه‏:‏ ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله وإن ما جاء به محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم حـق وصدق وإنما يخالفون في الإمام هل يجوز للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبـل طاعتهـم ويحرسهم من كل أذى أم لا فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك وتوقف بعضهم وجمعوا للمناظرة‏.‏ فقال السمنجانـي مـن كبـار الشافعيـة‏:‏ يجـب قتالهـم ولا يجـوز قرارهـم بمكانهـم ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين فإنهم لا يرون مخالفـة إمامهـم إذا خالـف أحكـام الشـرع وبذلـك تبـاح دماؤهم إجماعاً وطالت المناظرة في ذلك‏.‏ ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء من يناظرهم وعينوا أعياناً من أصفهان وقصدوا بذلك المطاولة والتعلل فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شيء فاشتد السلطـان إليهـم فـي حصارهـم واستأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من أصفهان وأن يؤجلوا في الرحيل شهراً فأجابهم وأقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الأطعمة ووثبوا على بعض الأمراء وسلم منهم فجدد السلطان حصارهم وطلبوا أن ويقيم الباقون بضرس من القلعة إلى أن يصل الأولون ثم يبعث مع الآخرين من يوصلهم إلى ابن الصبـاح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك وخرج الأولون إلى الناظر وطبس وخرب السلطان القلعة وتمسك ابن غطاش بالضرس الذي هو فيه وعزم على الاعتصام به وزحف إليه الناس عامة وهـرب بعضهـم إلـى السلطان فدله على عورة المكان فصعدوا إليه وقتلوا من وجدوا فيه وكانوا ثمانيـن وأخـذ ابن غطاش أسيراً فسلخ وحشي جلده تبناً وقتل ابنه وبعث برأسيهما إلى بغداد وألقت زوجه نفسها من الشاهق فهلكت‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:50 AM

خبر الإسماعيلية بالشام
لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه إلى الشام وأقام هنالك داعيـة متخفيـاً واستجـاب لـه من الشام خلق‏.‏ وكان الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غـدراً‏.‏ وكـان أبـو الغازي بن ارتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه وأشار أبو الغازي علـى ابـن طغتكيـن الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ونقل إليه فأظهر حينئذ شخصه وأعلن بدعوته وأعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره وكثر تابعوه وخاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين ووزيره أبي علي حصناً يأوي إليـه فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين وخمسمائة وترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبه وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس والنصرانية والدرزية وأميرهم يسمـى الضحـاك فسـار بهـرام لقتالهـم سنـة اثنتيـن وعشريـن واستخلـف علـى بانيـاس إسماعيل من أصحابه ولقيهم الضحاك في ألف رجل وكبس عسكره فهزمهم وقتله وعاد فلهم إلى بانياس فأقام بأمرهم إسماعيل وجمع شملهم وبث دعاته في البلاد وعاضده المزدغاني وزير دمشق وانتصر لهذه الطائفـة وأقـام بدمشـق خليفـة لبهـرام اسمـه أبـو الوفـا فقـوي أمـره وكثـر أتباعـه‏.‏ واستبـد علـى صاحبها تاج الملوك بن طغتكين‏.‏ ثم إن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور وتواعدوا ليوم عينوه ودس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبـة ونمـى الخبـر إلـى إسماعيـل فخـاف أن يثـور بـه النـاس فأعطى بانباس للفرنج وانتقل إليهم ومات سنة أربع وعشرين وكان الإسماعيلية قلاع في تلك الجهات‏.‏ تتصل بعضهـا ببعـض أعظمهـا قلعـة مصياف فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة اثنتين وسبعين إليها وحاصر مصياف وضيق حصارها وبعث سنان مقـدم الإسماعيليـة إلـى خـال صلـاح الديـن بحمـاة وهـو شهـاب الديـن الحـادي أن يسـأل صلـاح الدين في الصلح معهم ويتهددونه على ذلك سراً فسار إلى صلاح الدين وأصلح أمرهم عنده ورحل عنهم‏.‏

بقية الخبر عن قلاع الإسماعيلية في العراق
ولم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشاً لهذه الغواية وسفطاً لهؤلاء الخباث منذ سار بها أحمـد بـن غطـاش والحسـن بـن الصبـاح‏.‏ وكـان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة عريقة في الغلو داخلة من باب الكفر وتسميها الرافضة المقالات الجديدة ولا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم‏.‏ وقد ذكرها الشهرستاني في كتاب ملـل والنحـل فعليـك بـه إن أردت معرفتهـا‏.‏ وبقـي الملـوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال ولما افتـرق أمـر السلجوقيـة واستبـد ايتغمش بالري وهمذان سار إليهم سنة ثلاث وستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها وفتـح منهـا خمـس قلاع واعتزم على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك ثم زحف إليهم جلال الدين منكبري بن علاء الدين وخوارزم شاه عندما رجع من الهند وملك بلـاد أذربيجـان وأرمينيـة فقتلـوا بعـض أمرائـه بمثـل قتلهم فسار إلى بلادهم ودوخ نواحي الموت وقد مر ذكـره‏.‏ وقلاعهم التي بخراسان خربها واستباحها قتلاً ونهباً‏.‏ وكانوا منذ ظهر التتر قد شرهوا علـى الجهـات فأوقـع بهـم جلـال الدين هذه الواقعة سنة أربع وعشرين وستمائة وكفحهم عما سموا إليه من ذلك‏.‏ ولما استفحل أمر التتر سار هولاكو عام الخمسين والستمائة في بغداد وخرب قلاعهـم وزحـف الظاهـر بعـد ذلـك إلـى قلاعهم التي بالشام خرب كثيراً منها وطوع ما بقي منها وصارت مصياف وغيرها في طاعته وانقرض أمرهـم إلا مغتاليـن يستعملهـم الملـوك فـي قتـل أعدائهم على البعد غدراً ويسمون الفداوية أي الذين يأخذون فدية أنفسهم على الاستماتة في مقاصد من يستعملهم والله وارث الأرض من عليها‏.‏

الخبر عن دوله بني الأخيضر باليمامة من بني حسن
كان موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد وإبراهيـم طالبـه أبـو جعفـر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك‏.‏ ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربـه ألـف سـوط قلمـا قتـل أخـوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان مـن عقبـه إسماعيـل وأخـوه محمـد الأخيضـر ابنـا يوسف بن إبراهيم بن موسى فخرج إسماعيل في أعـراب الحجـاز وتسمـى السفـاك سنـة إحـدى وخمسيـن ومائتيـن‏.‏ ثـم قصـد مكـة فهـرب عاملهـا جعفر بسباسات وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل جماعة من الجند وأهل مكة وأخذ مـا كـان حمـل للإصلاح من المال وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحواً من مائتي ألف دينار‏.‏ ثـم نهبهـا وأحـرق بعضهـا بعضاً وأقام في ذلك خمسين يوماً‏.‏ ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرهـا حتـى مـات أهلهـا جوعـاً ولـم يصـل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصـل عساكـر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار ورحل بعد مقامه شهرين إلى جدة فأخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم ورجع إلى مكة وقد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف وسلبوا الناس وهربوا إلى مكة وبطل الموقف إسماعيل وأصحابه وخطب لنفسه ثم رجع إلى جدة واستباحوها ثانية‏.‏ ثم هلك لسنة من خروجه‏.‏ بالخدري آخر سنة اثنتين وخمسين أيـام حـرب المستعيـن والمعتـز‏.‏ وكـان يتـردد بالحجـاز منـذ اثنتيـن وعشريـن سنـة ومـات ولم يعقب وولي مكانه أخوه محمد الأخيضر وكان أسن منه بعشرين سنة ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ قلعة الحضرمية وكان له من الولد محمد وإبراهيم وعبد اللـه ويوسـف وهلـك فولـي بعـده ابنـه يوسـف وأشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته‏.‏ ثم هلـك وانفرد إسماعيل بملك اليمامة وكان له من الإخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف‏.‏ فلما هلـك إسماعيـل ولـي مـن بعـده أخـوه الحسـن وبعـده ابنـه أحمـد بـن الحسـن‏.‏ ولـم يـزل ملكهـا فيهـم إلـى أن غلب عليهم القرامطة وانقرض أمرهم والبقاء لله‏.‏ وكان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب ممـا يلـي البجـر المحيـط ملـك بنـي صالـح ذكرهـم صاحـب كتـاب زجـار فـي الجغرافيـا‏.‏ ولم نقف على نسـب صالـح هـذا مـن خبـر يعـول عليـه‏.‏ وقـال بعـض المؤرخيـن إنـه صالـح بـن عبـد الله بن موسى بن عبـد الله الملقب أبا الكرام ابن موسى الجون وإنه خرج أيام المأمون بخراسان وحمل إليه وحبسه وابنـه محمـد مـن بعده ولحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة‏.‏ ولم يذكر ابن حزم في أعقـاب موسـى الجـون صالحـاً هـذا بهذا النسب ولعله صالح الذي ذكرناه آنفآ في ولد يوسف بن محمد الأخيضر والله أعلم‏.‏

دولة السليمانيين
الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومباديء أمورهم وتصاريف أحوالهم مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها إلا أنه لما انقـرض سكانهـا مـن قريـش بعـد المائـة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى فأقفرت من قريش ولم يبق بها إلا أتباع بنـي حسـن أخلـاط مـن النـاس ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم‏.‏ ولم يزل العمال عليها من قبـل بنـي العبـاس وشيعتهم والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين والمعتز وما بعدهما فحدثـت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط‏.‏ وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن سليمان وليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون وبين العصرين نحو من مائة سنة سنة إحدى وثلاثمائة أيام المقتدر وخلع طاعة العباسية وخطب في الموسم فقال‏:‏ الحمد الله الذي أعاد الحق إلى نظامه وأبرز زهر الإيمـان مـن أكمامـه وكمـل دعـوة خيـر الرسـل بإسباطـه لابنـي أعمامـه صلـى اللـه عليه وسلم وعلى آله الطاهرين وكف عنا ببركته أسباب المعتدين وجعلها كلمه باقية في عقبه إلى يوم الدين ثم أنشد‏:‏ لأطلبن بسيفـي ماكان للحق في دينا يعدون كل بلاد من العراق علينا وكان يلقب بالزيدي نسبة إلى نحلته من مذاهب الإمامية وبقي ركب العراق يتعاهد مكة إلى أن اعترضـه أبـو طاهـر القرمطـي سنـة اثنتـي عشـرة وأسـر أبـا الهيجـاء بـن حمـدان والد سيف الدولة وجماعـة معه وقتل الحجاج وترك النساء والصبيان بالقفر فهلكوا وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة‏.‏ ثم أنفذ المقتدر سنة سبع عشرة منصورا الديلمي من مواليه فوافاه يوم التروية بمكة أبو طاهر القرمطي فنهب الحاج وقتلهم حتى في الكعبة والحرم وامتلأ زمزم بالقتل والحجاج يصيحـون كيـف يقتـل جيـران اللـه فيقـول ليـس بجـار مـن خالـف أوامـر اللـه ونواهيـه‏.‏ ويتلـو‏:‏ ‏"‏ إنمـا جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ‏"‏ الآية‏.‏ وكان يخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية‏.‏ ثم قلع الحجر الأسود وحمله إلى الاحساء وقلع باب البيت وحمله وطلع رجل يقلع الميزاب فسقط ومات فقال اتركوه فإنه محروس حتى يأتي صاحبه يعني المهدي فكتب إليه ما نصه‏:‏ والعجب مـن كتبـك إلينـا ممتنـاً علينـا بمـا ارتكبتـه واجترمتـه باسمنـا مـن حرم الله وجيرانه بالأماكن التي لم تزل الجاهليـة تحـرم إراقـة الدمـاء فيهـا وإهانـة أهلهـا‏.‏ ثم تعديت ذلك وقلعت الحجر الذي هو يمين الله في الأرض يصافح بها عباده وحملته إلى أرضك ورجوت أن نشكرك فلعنك الله ثم لعنك والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده وفعل في يومه ما عمل فيه حساب غده انتهى‏.‏ فانحرفت القرامطة عن طاعة العبيدين لذلك‏.‏ ثم قتل المقتدر على يد مؤنس سنة عشرين وثلاثمائة وولى أخوه القاهر وحج بالناس أميره تلك السنة‏.‏ وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو علي يحيى الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق أبا طاهر القرمطي أن يطلق السبيـل للحجـاج علـى مكس يأخذه منهم‏.‏ وكان أبو طاهر يعظمه لدينه ويؤمله فأجابه إلى ذلك وأخـذ المكـس مـن الحجـاج لم يعهد مثله في الإسلام‏.‏ وخطب في هذه السنة بمكة للراضي بن المقتدر‏.‏ وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المقتفي من بعده ولم يصل ركب العراق في هذه السنين من القرامطـة‏.‏ ثـم ولـي المستكفـي بـن المكتفـي سنة ثلاث وثلاثين على يد توروز أمير الأمراء ببغداد فخرج الحاج في هذه السنة لمهادنة القرامطة بعد أبي طاهر‏.‏ ثم خطب للمطيع ابن المقتدر‏.‏ بمكة مع معز الدولة سنة أربع وثلاثين عندما استولى معز الدولة ببغداد وقلـع عين المستكفي واعتقله‏.‏ ثم تعطل الحاج بسبب القرامطة وردوا الحجر الأسود سنة تسع وثلاثين بأمر المنصور العلوي صاحب إفريقية وخطابه في ذلك لأميرهم أحمد بن أبي سعيد‏.‏ ثـم جـاء الحـاج إلى مكة سنة اثنتين وأربعين مع أمير من العراق وأمير من مصر فوقعت الحرب بينهمـا علـى الخطبـة لابـن بويـه ملـك العـراق وابـن الأخشيـد صاحـب مصـر فانهـزم المصريـون وخطب لإبن بويه واتصل ورود الحاج من يومئذ‏.‏ فلما كانت سنة ثمان وأربعين وجاء الحاج مـن بغـداد ومصـر كـان أميـر الحـاج مـن العـراق ومحمد بن عبيد الله فأجابه إلى ذلك‏.‏ ثم جاء إلى المنبـر مستعداً وأمر بالخطبة لابن بويه فوجم الآخر وتمت عليه الحيلة وعاقبه أميره كافور ويقال قتله‏.‏ ووقع ابن بويه لمحمد بن عبيد الله باتصال إمارته على الحاج‏.‏ ولما كانت سنة ست وخمسين وصل بركب العراق أبو أحمد الموسوي‏.‏ نقيب الطالبيين وهو والد الشريف الرضي ليحـج بالنـاس ونهـب بنـو سليـم حـاج مصـر وقتـل أميرهـم‏.‏وفي سنة ست وخمسين حج بالناس أبو أحمد المذكور وخط بمكة لبختيار بعد مـوت أبيـه معـز الدولـة والخليفـة يومئـذ المطيـع‏.‏ واتصـل حـج أبـي أحمـد يركب العراق‏.‏ وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة فلما قتل أحمد وقعت الفتنة بين أبي الحسن القرمطي وخلع طاعة العبيديين وخطب للمطيع وبعث إليه بالرايات السود ونهض إلى دمشق فقتل جعفر بن فلاح قائد العلويين وخطب للمطيع‏.‏ ثـم وقعـت الفتنـة بيـن أبـي الحسـن وبيـن جعفـر وحصلـت بينهـم دمـاء‏.‏ وبعث المعز العلوي من أصلح بينهـم وجعـل ديـة القتلـى الفاضلـة في مال المعز‏.‏ وهلك بمصر أبو الحسن فولي أخوه عيسى‏.‏ ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر سنة أربع وثمانين‏.‏ ثم جاءت عساكر عضد الدولة ففر الحسن بن جعفر‏.‏ إلى المدينة ولما مات العزيز بالرفقة وعاد بنو أبي طاهر وبنو أحمد بن أبي سعيد إلى الفتنة فجاء من قبل الطائع أمير علوي إلى مكة وأقام له بها خطبة‏.‏ وفي سنة سبع وستين بعث العزيز من مصر باديس بن زيري الصنهاجي وهو أخو بلكين صاحب إفريقية أميراً على الحاج فاستولى على الحرمين وأقام له الخطبة وشغل عضد الدولة في العراق بفتنة بختيار ابن عمه فبطل ركب العراق‏.‏ ثم عاد في السنة بعدها وخطب لعضد الدولة أبو أحمد الموسوي وانقطعت بعدها خطبة العباسييـن عـن مكـة وعـادت لخلفـاء مصـر العبيدييـن إلى حين من الدهر‏.‏ وعظم شأن أبي الفتوح واتصلت إمارته في مكة وكتب إليه القادر سنة ست وتسعين في الأذن لحاج العراق فأجابه على أن الخطبة للحاكم صاحب مصر‏.‏ وبعث الحاكم إلى ابن جراح أمير طيـىء باعتراضهـم وكـان على الحاج الشريف الرضي وأخوه المرتضى فلاطفهم ابن الجراح وخلى سبيلهـم علـى أن لا يعـودوا‏.‏ ثم اعترض حاج العراق سنة أربع وتسعين الأصيغر الثعلبي عندما ملك الجزيرة فوعظه قارئان كانا في الركب‏.‏ ثم اعترضهم في السنة بعدها أعراب خفاجة ونهبوهـم‏.‏ وسـار فـي طلبهـم علـي بـن يزيد أمير بني أسد فأوقع بهم سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏ ثم عادوا‏.‏ إلى مثل ذلك من السنة بعدها فعاد علي بن يزيد فأوقع بهم وسماله بذلك ذكر وكان ثـم كتـب الحاكـم سنـة اثنتيـن وأربعيـن إلـى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر ونكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة وانتقض له وحمل الوزير أبو القاسم المغربي على طلب الأمر لنفسه‏.‏ وكان الحاكم قتل أباه وأعمامـه فخطـب أبـو الفتـوح لنفسـه وتلقـب الراشـد باللـه وسـار إلـى مدينـة الرملـة لإستدعاء ابن الجراح أمير طيىء لمغاضبة بينه وبين الحاكم‏.‏ ثـم سـرب الحاكـم أموالـه فـي بنـي الجـراح فانتقضـوا على أبي الفتوح وأسلموه وفر الوزير المغري إلى ديار بكر من أرض الموصل ومعه ابن سبابة‏.‏ وفر التهامي إلى الري وكان معه‏.‏ وقطع الحاكم الميـرة عـن الحرميـن ثـم راجـع أبـو الفتوح الطاعة فعفا عنه الحاكم وأعاده إلى إمارته بمكة ولم يحج من العراق في هذه السنين أحد‏.‏ وفي سنة اثنتـي عشرة حج بأهل العراق أبو الحسن محمد بن الحسن الإفساسي فقيه الطالبيين واعترضهم بنو نبهان من طيىء وأميرهم حسان بن عدي وقاتلوهم فهزموهم وقتـل أميرهـم حسان‏.‏ وخطب في هذه السنة للظاهر بن الحاكم بمكة‏.‏ ولما كان الموسم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ضرب رجل من قوم مصر الحجر الأسود بدبوس فصدعه وثلمه وهو يقـول‏:‏ كـم تعبدكم تقبل فتبادر إليه الناس فقتلوه وثار أهل العراق بأهل مصر فنهبوهم وفتكوا فيهم‏.‏ ثم حج بركب العراق سنة أربع عشرة النقيب بن الأفساسي وخشي من العرب فعاد إلى دمشق ولما بويع القائم العباسي سنة اثنتين وعشرين رام أن يجهز الحاج فلم يقدر لاستيـلاء العـرب وانحلال أمر بني بويـه‏.‏ ثـم خطـب بمكـة للمستنصـر بـن الظاهـر‏.‏ ثـم توفـي الأميـر أبـو الفتـوح الحسـن بـن جعفر بن محمد بن سليمان رئيس مكة وبني سليمان سنة ثلاثين وأربعمائة لأربعين سنة من إمارته وولى بعده إمارة مكة ابنه شكر وجرت له مع أهل المدينة خطوب ملك في أثنائها المدينة وجمع بين الحرمين وعليه انقرضت دولة بني سليمان سنة ثلاثين بمكة وجاءت دولة الهواشم كما يذكر‏.‏ وشكر هذا هو الذي يزعم بنو هلال بن عامر أنه تزوج الجازية بنت سرحان من أمراء الأثبج منهم وهو خبر مشهور بينهم في أقاصيصهم وحكايات يتناقلونها ويطرزونها بأشعار من جنس لغتهم ويسمونه الشريف بن هاشم‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ غلب جعفر بن أبي هاشم على مكة أيام الأخشيديين وولي بنوه من بعده عيسى بن جعفر وأبو الفتوح وابنه شكر بن أبي الفتوح وقد انقـرض لـأن شكـراً لـم يولـد لـه وصـار أمـر مكـة إلى عبد كان له‏.‏ انتهى كلام ابن حزم‏.‏ وليس أبو هاشم الذي نسب جعفر إليه أبا الهواشم الذي يأتي ذكرهم لأن هذا كان أيام الأخشيديين وذلك أيام المستضيء العبيدي وبينهما نحو من مائة سنة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:51 AM

دولة الهواشم
الخبر عن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها هـؤلاء الهواشـم مـن ولـد أبـي هاشـم محمـد بـن الحسن بن حمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بـن موسـى الجـون ونسبـه معـروف وقـد مـر‏.‏ وكانـت بيـن هـؤلاء الهواشـم وبيـن السليمانييـن فتـن متصلـة ولمـا مـات شكـر ذهبـت الرياسـة مـن بنـي سليمـان لأنـه لم يعاقب‏.‏ وتقدم فيهم طراد بن أحمد ولم يكن من بيت الإمارة وإنما كانوا يؤملونه لإقدامه وشجاعته‏.‏ وكان رئيس الهواشم يومئذ محمد بن جعفر بن محمد وهو أبو هاشم المذكور وقد ساد في الهواشم وعظم ذكره فاقتتلوا سنة أربع وخمسين بعد موت شكر فهزم الهواشم بني سليمان وطردوهم عن الحجاز فساروا إلى اليمن وكان لهم بها ملك كما يذكر‏.‏ واستقـل بإمـارة مكـة الأميـر محمـد بـن جعفـر وخطـب للمستنصـر العبيـدي ثم ابتدأ الحاج من العراق سنة ست وخمسين بنظر السلطان البارسلان بن داود ملـك السلجوقيـة حيـن استولـى على بغداد والخلافة طلب منه القائم ذلك فبذل المال وأخذ رهائن العرب‏.‏ وحج بالناس أبو الغنائم نور الدين المهدي الزيني نقيب الطالبين‏.‏ ثم جاور في السنة بعدها واستمال الأمير محمد بن جعفر عن طاعة العبيديين فخطب لبني العبـاس سنـة ثمان وخمسين وانقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ما فعل فرد الخطبة للعبيدييـن ثم خاطبه القائم وعاتبه وبذل له أموالاً فخطب له سنة اثنتين وستين بالموسم فقط وكتـب إلـى المستنصـر بمصـر معتـذراً ثـم بعـث القائم أبا الغنائم الزيني سنة ثلاث وستين أميراً إلى الركب العراقي ومعه عسكر ضخم ولأمير مكة من عند ألب أرسلان ثلاثون ديناراً وتوقيعاً بعشرة آلاف دينار‏.‏ واجتمعوا بالموسم وخطب الأمير محمد بن جعفر وقال‏:‏ الحمد لله الذي هدانا إلى أهل بيته بالـرأي المصيـب وعوض بيته بلبسة الشباب بعد لبسة المشيب وأمال قلوبنا إلى الطاعة ومتابعة إمـام الجماعـة‏.‏ فانحـرف المستنصـر عـن الهواشم ومال إلى السليمانيين‏.‏ وكتب إلى علي بن محمد الصبيحي صاحب دعوتهم باليمن أن يعينهم علـى استرجـاع ملكهـم وينهـض معهـم إلـى مكـة فنهض وانتهى إلى المهجم‏.‏ وكان سعيد بن نجاح الأحوال موتور بني الصبيحي قد جاء من الهند ودخل صنعاء فثار بها واتبع الصبيحي في سبعين رجلاً وهو في خمسة آلاف فبيته بالمهجم وقتله‏.‏ ثـم جمـع محمـد بـن جعفـر أجنـاداً‏.‏ مـن التـرك وزحـف بهـا إلـى المدينـة فأخـرج منهـا بنـي حسن وملكها وجمع بين الحرمين‏.‏ ثـم مـات القائـم العباسـي وانقطع ما كان يصل إلى مكة فقطع محمد بن جعفر الخطبة للعباسيين‏.‏ ثـم جـاء الزينـي مـن قابـل بالأمـوال فأعادهـا‏.‏ ثـم بعث المقتدي سنة سبعين منبراً إلى مكة صنيعاً استجيد خشبه ونقش عليه بالذهب اسمه‏.‏ وبعث على الحاج ختلع التركي‏.‏ وهو أول تركي تأمر على الحاج وكان والياً بالكوفة‏.‏ وقهر العرب مع جماعته فبعثه المقتدي أميراً على الحاج فوقعـت الفتنـة بيـن الشيعـة وأهـل السنـة وكسـر المنبـر وأحـرق وتـم الحـج‏.‏ ثـم عـاودوا الفتنـة سنـة ثلـاث وسبعين وقطعت الخطبة للمستنصر وأعيدت للمقتدي واتصلت إمارة ختلع على الحاج وبعده خمارتكين إلى أن مات ملك شاه ووزيره نظام الملك فانقطعت الخطبة للعباسيين وبطل الحاج من العراق باختلاف السلجوقية وتغلب العرب‏.‏ ومات المقتـدي خليفـة بغـداد وبويـع ابنـه المستظهـر ومـات المستنصـر خليفـة مصـر وبويـع ابنـه المستعلي من إمارته وهو الذي أظهر الخطبة العباسية بمكة وبها ابتدىء أمره وكان يسقطها بعـض الأحيـان‏.‏ وولـي بعـده ابنـه قاسـم فكثـر اضطرابـه ومهـد بنـو مزيـد أصحـاب الحلة طريق الحاج من العراق فاتصل حجهم‏.‏ وحج سنة اثنتي عشرة وخمسمائة نظر الخادم من قبل المسترشد بركب العراق وأوصل الخلع والأموال إلى مكة‏.‏ ثم توفي قاسم بن محمد سنة ثمان عشـرة وخمسمائـة لثلاثيـن سنـة مـن إمارتـه وكانـت فـي اضطراب‏.‏ وتغلب وولي بعده ابنه أبو قليبة بمكة فافتتـح بالخطبـة العباسية وأحسن الثناء عليه بالعدل ووصل نظر الخادم أميراً على الركب ومعه الأموال والخلع‏.‏ ثم مات أبو قليبة سنة سبع وعشرين لعشر سنين من إمارته والخطبة للعباسيين وإمارة الحاج لنظر الخادم‏.‏ ثم كانت واقعة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وتعطل ركب الحاج‏.‏ ثم حـج نظـر الخـادم فـي السنـة بعدهـا‏.‏ ثـم بعثـت أسمـاء الصبيحيـة صاحبـة اليمـن لأميـر مكـة قاسم بن أبـي قليبـة فتوعدتـه علـى قطـع خطبـة الحافـظ وماتـت فكفاه الله شرها وانقطع الركب العراقي في هـذه السنيـن للفتـن والغـلاء‏.‏ ثـم حـج سنـة أربـع وأربعين نظر الخادم ومات في طريقه فولي قيماز واعترضه رهط من الأعراب فنهب الركب واتصل حج قيماز والخطبة لبني العباس إلى سنة خمس وخمسين قبله‏.‏ وبويع المستنجد فخطب له كما كان لأبيه المقتفي‏.‏ ثم قتل قاسم بن أبي قليبة سنة ست وستين وبعث المستضيء بالركب طاتنكين التركي‏.‏ وانقرضت دولـة العبيدييـن بمصـر ووليهـا صلـاح الديـن بن أيوب واستولى على مكة واليمن وخطب له بالحرمين ثم مات المستضيء سنة خمـس وسبعيـن وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت أمه بنفسها سنة خمس وثلاثين وكانت له آثار عظيمة ورجعت فانهت إلى الناصر بن عيسى بن قاسم ما اطلعت عليه من أحواله فعزله عن إمارة مكة وولى أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر ومات سنة تسع وثمانين السنة التـي مـات فيهـا صلـاح الديـن‏.‏ وضعـف أمـر الهواشـم وملـك مكـة مـن أيديهـم بنو قتادة الخبر عن بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم عن بني أبي نمير منهم أمراؤها لهذا العهد كـان مـن ولـد موسـى الجـون النبي مر ذكره في بني حسن عبد الله أبي الكرام وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد‏:‏ سليمان وزيد وأحمد‏.‏ ومنه تشعبت ولده‏.‏ فأما زيد فولده اليوم بالصحراء بنهر الحسنية وأما احمد فولده بالدهناء وأما سليمان فكان من ولده مطاعن بن عبـد الكريـم بن يوسف بن عيسى بن سليمان وكان لمطاعن إدريس وثعلب بالثعالبة بالحجاز‏.‏ فكان لإدريس ولدان قتادة النابغة وصرخة‏.‏ فأما صرخة فولده شيع يعرفون بالشكرة وأما قتـادة النابغة فكان يكنى أبا عزيز وكان من ولده علي الأكبر وشقيقه حسن‏.‏ فمن ولده حسن إدريـس وأحمد ومحمد وجمان وإمارة ينبع في أعقابهم ومنهم لهذا العهد أميران يتداولان إمارتها مـن ولـد إدريـس بـن حسن بن إدريس وأما أبو عزيز قتادة النابغة فمن ولد موالي عز أمراء مكة لهذا العهد‏.‏ وكان بنو حسن بن الحسن كلهم موطنين بنهر العلقمية من وادي ينبع لعهد إمارة الهواشم بمكة وكانـوا ظواعـن باديـة‏.‏ ولمـا نشـأ فيهـم قتـادة هـذا جمـع ذوي مطاعـن وأركبهـم واستبد بإمارتهم وكان بوادي ينبع بنو خراب من ولد عبد الله بن حسن بن الحسن وبنو عيسى بن سليمان بن موسى الجون فحاربهم بنو مطاعن هـؤلاء وأميرهـم أبـو عزيـز قتـادة وأخرجهم وملك ينبع والصفراء واستكثر مـن الجنـد والمماليـك‏.‏ وكـان علـى عهـد المستنصـر العباسي في أواسط المائة السادسة‏.‏ وكان الأمراء يومئذ بمكة الهواشم من ولد جعفر بن هاشم بن المحسن بن محمد بن موسى بن أبـي الكـرام عبـد اللـه وقـد مـر ذكرهـم‏.‏ وكـان أخرجهـم مكثـر بـن عيسـى بن قاسم الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيس ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة فسار قتادة إلى مكة وانتزعها من أيديهم وملكها وخطب للناصر العباسي وأقام في إمارتها نحواً من أربعين سنة‏.‏ واستفحل ملكـه واتسـع إلى نواحي اليمن وكان لقبه أبا عزيز‏.‏ وفي سنة ثلاث وستمائة حج بالركب وجه السبـع التركـي مـن مماليـك الناصـر وفـر مـن طريقـه إلى مصر فنهب الركب‏.‏ وفي سنة ثمان وستمائة وثـب شخـص مـن حاج العراق على شريف من قرابة قتادة فقتله فاتهم الشرفاء به أمراء الركب فثاروا بهم وقتلوا منهم خلقاً‏.‏ ثم بعث إليهم بالأموال من بغداد وبعث قتـادة بعـض أولـاده يستعتب فأعتب‏.‏ وفي سنة خمس عشرة خطب بمكة للعادل بن أيوب بعد الناصر الخليفة وللكامل بن العادل بعدهما‏.‏ وفي سنة ست عشرة كان خروج التتر وكان قتادة عادلاً وأمن الناس في أيامه ولم الأموال والخلع تحمل إليه واستدعاه الناصر في بعض السنين فكتب إليه‏:‏ ولي كف ضرغام أذل ببسطها وأشـري بهـا عـز الـورى وأبيع تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع أأجعلها تحت الرجا ثـم ابتغـي خلاصـاً لها إني إذاً لوضيع وما أنا إلا المسك في كـل بقعـة يضوع وأما عندكم فيضيع واتسعت دولته فملك ملك مكة والينبع وأطراف اليمن وبعض أعمال المدينة وبلاد نجد وكان يستكثـر مـن المماليـك‏.‏ وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة ويقال سمه ابنه حسن ويقال داخل ابنه حسن جاريته فأدخلته ليلاً فخنق أباه ثم قتلها وملك مكة وامتعض لذلك ابنه راجح بن أبي عزيز قتادة وشكاه إلى أمير حاج أقباش التركي عند وصوله فأشكاه ووعده بالإنصاف منه فأغلق حسن أبواب مكة وخرج بعض أصحابه إلى الأمير أقباش فلقوه عند باب المعلى فقتلوه وعلقوه بالمسعى‏.‏ ثم جاء المسعود بن الكامل سنة عشرين من اليمن إلى مكة فحج وقاتله حسن ببطن المسعى فغلبـه المسعـود وملـك مكـة ونصـب رايتـه وأزال رايـة أميـر الركـب وكتـب الخليفـة مـن بغـداد يعاتب أباه على ذلك وعلى ما فعله في مكة والتخلف فكتب إليه أبوه‏:‏ برئـت يـا أقسـى من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قـوة إلا باللـه العلـي العظيـم‏.‏ فغـرم ديـات الشرفاء وأصابه شلل في يده ومضى حسن بن قتادة إلـى بغـداد صريخـاً بعـد أن بقي طريداً بالشام والجزيرة والعراق‏.‏ ثم جاء إلى بغداد دخيلاً وهم الترك بقتله بأقباش أمير الركب فمنعوا منه‏.‏ ومات ببغداد سنة اثنتين وعشرين ودفن بمشهد الكاظم‏.‏ ثم مات المسعود بن الكامل بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ وعلى اليمن أمير الجيوش عمر بن علي بن رسول وقصـد راجـح بـن قتـادة مكـة سنة تسع وعشرين مع عساكر عمر بن رسول فملكها سنة ثلاثين من يد فخر الدين بن الشيخ ولحق فخر الدين بمصر ثم جاءت عساكر مصر سنة اثنتيـن وثلاثيـن مع الأمير جبريل وملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن‏.‏ ثم جاء عمر بن رسول معه بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد المستنصر‏.‏ ولمـا ملـك التتـر العـراق سنـة أربـع وثلاثيـن وعظـم أمرهم وانتهوا إلى أربل أبطل المستنصر الحج من أمر الجهاد وأفتاه العلماء بذلك‏.‏ ثـم جهـز المعتصـم الحـاج مـع أمـه سنـة ثلـاث وأربعيـن وشيعهـا إلـى الكوفـة‏.‏ ولما حجت ضرب تركي فـي الموسـم شريفـاً وكتـب راجـح فيـه إلـى الخليفـة فقطعـت يـده وبطـل الحج بعد ذلك‏.‏ ثم قوي أمر الموطـىء أمـام الزيديـة باليمن واعتزم على قطع الخطبة لبني العباس فضاق به المظفر بن عمر بن رسول وكاتب المعتصم يحرضه على تجهيز الحاج بسبب ذلك‏.‏ ثم قوي أمر الموطـىء أمـام الزيدية باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين إلى الناصر بن العزيز بن الظاهـر بـن أيـوب بدمشـق مستجيشـاً علـى أبـي سعيـد وسـار إلـى مكـة فقتـل أبا سعيد فرب الحرم ونقض عهد الناصر وخطب لصاحب اليمن‏.‏ قـال ابـن سعيـد‏:‏ وفي سنة ثلاث وخمسين بلغني وأنا بالمغرب أن راجح بن قتادة جاء إلى مكة وهو شيخ كبير السن وكان يسكن السدير على نحو اليمن فوصل إلى مكة وأخرج منها جماز بن أبي عزيز فلحق بالينبع‏.‏ قال‏:‏ وفي سنة اثنتيـن وستيـن وضـل الخبـر إلـى المغـرب بـأن أمـر مكـة دائـر بين أبي نمي بن أبي سعيد الذي قتل جماز به على إمارة مكة وبين غالب بن راجح الذي أخرجـه أبـوه جمـاز إلـى الينبـع‏.‏ ثـم استبد أبو نمي على أمر مكة ونفى قتلة أبيه أبي سعيد إلى الينبـع وهـم إدريـس وجمـاز ومحمـد وقد كان إدريس منهم ولي أمر مكة قليلاً فانطلقوا إلى الينبع وملكوه وأعقابهم أمراؤه لهذا العهد وأقام أبو نمى أميراً بمكة نحواً من خمسين سنة وهلك على رأس المائة السابعة أو بعدها بسنتين وخلف ثلاثين ولداً‏.‏ لما هلك أبو نمي قام من بعده بأمر مكة ابناه رميثة وحميضة ونازعهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهمـا ووافـق ذلـك وصـول بيبـرس الجاشنكيـر كافـل الملك الناصر بمصر لأول ولايته فأطلقهمـا وولاهمـا وبعث‏.‏ برميثة وحميضة إلى مصر ثم ردهما السلطان إلى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعث إليه وبعطيفة وأبي الغيث‏.‏ ثم طال تنازعهم وتعاقبهم في إمارة مكة مرة بعد أخـرى‏.‏ وهلـك أبـو الغيـث في بعض حروبهم ببطن مر‏.‏ ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلـى الملـك الناصـر سنـة خمـس عشـرة واستمـد بأمرائـه وعساكـره‏.‏ وهـرب حميضـة بعد أن استصفـى أمـوال أهـل مكـة‏.‏ ثـم رجـع بعد رجوع العساكر إلى مكة‏.‏ ثم اصطلحوا وتوافقوا‏.‏ ثم خالف عطيفة سنة ثمان عشرة ووصل إلى السلطان وجاء بالعسكر فملك مكة وتقبض على رميثة فسجن أياماً ثم أطلق سنة عشرين عند مقدم السلطان من حجه وأقام بمصر‏.‏ وبقـي حميضـة مشرداً إلى أن استأمن السلطان فأمنه وكان معه جماعة من المماليك فروا إليه من مصر أيام انتقاضه فشعروا بطاعته فخافوا على أنفسهم أن يحضروا معه فقتلوه وجاؤوا إلـى السلطان يعتقدون ذلك وسيلة عنده فأقاد رميثة منهم بأخيه فقتل المباشر للقتل وعفا عن الباقيـن‏.‏ وأطلـق رميثـة إلـى مكـة مشاركـاً لأخيـه عطيفـة في إمارتها‏.‏ ثم هلك عطيفة وأقام أخوه رميثـة بعـده مستقـلاً بإمـارة مكـة إلـى أن كبـر وهـرم‏.‏ ثـم هلـك وكان ابناه ثقبة وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه‏.‏ ثم أراد الرجوع عن ذلك فلم يجيباه إلى شيء مما أراد واستمرا على ولايتهمـا معـه‏.‏ ثـم تنازعـا وخـرج ثقبة وبقي عجلان بمكة‏.‏ ثم غلبه عليها ثقبة ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين فولى صاحب الأمر بمصر عجلان منهما وفر ثقبة إلى بلاد الحجاز فأقام هنالك وعاقبه إلى مكة مراراً‏.‏ وجاء عجلان سنة اثنتين وستين بالمدد من عسكر القاهرة فكبسه ثقبة وقتل أخاه وبعضاً من العسكر ولم يزل عجلان على إمارته سالكاً سبيل العدل والإنصاف في الرعية متجافياً عن الظلم عما كان عليه قومه من التعرض للتجار والمجاورين‏.‏ وسعـى فـي أيـام إمارتـه فـي قطع ما كان لعبيدهم على الحاج من المكس‏.‏ وثبت لهم في ديوان السلطان عليها عطاء يتعاهدهم أيام الموسم وكانت من حسنات سلطان مصر‏.‏ وسعى هذا الأميـر عجلـان جـزاه اللـه خيـراً وأقام على ذلك إلى أن هلك سنة سبع وسبعين وولي ابنه أحمد بعـده‏.‏ وقـد كـان فـوض إليـه فـي حياتـه وقاسمـه فـي أمـره فقـام أحمـد بأمـر مكة وجرى إلى سن أبيه في إثبات مراسم العدل وإحياء معالمه حتى شاع عنه ذلك في الآفاق على ألسنة الحـاج والمجاورين‏.‏ وولاه صاحب مصر لعهده الملك الظاهر أبو سعيد برقوق على ما كان أبوه وسير إليه بالخلع والتفويض على عادتهم في ذلك‏.‏ وكان في محبس أحمد جماعة من قرابته منهم أخوه محمد ومحمد ابن أخيه ثقبة وعنان ابن عمه مغامس في آخرين‏.‏ فلما مات أحمد هربوا من محبسهم ولحقوا بهم فردوهم وأجلوا محمد بن عجلان منهم إلا عناناً فأنه لحق بمصر مستجيشاً على محمد وكبيش فأنجده السلطان وبعثه مع أمير الركب ليطالع أحوالهم واستصحب معه جماعة مـن الباطنيـة فتكـوا بمحمـد عنـد لقائـه المحمـل الذي عليه كسوة الكعبة بشارة الخليفة وتقبيله الخف الـذي يحملـه علـى العـادة فـي ذلـك وتركـوه صريعـاً فـي مكانـه ودخلـوا إلـى مكـة فولى أمير الحاج عنان بن مغامس ولحق كبيش وشيعته بجدة فلما انقضى الموسم ورجع الحاج جاء كبيش وأصحابه وحاصروا مكة‏.‏ وكـان بينهم وبين عنان حروب قتل كبيش في بعضها‏.‏ ثم لحق علي بن عجلان وأخوه حسن بالملك الظاهر صاحب مصر فرأى أن يحسم المادة بولايته فولاه سنة تسع وثمانين مشاركاً لعنان بن مغامس في الإمارة وسار مع أمير الركب فلما وصلوا لكومرد بكروا إلى مكة على العادة وخـرج عنـان للقائهـم‏.‏ ثـم نكص من بعض الطريق هارباً ودخل على مكة واستقل بإمارتها‏.‏ ولما انفض الموسم ورجع الحاج جاء عنان ومعه بنو عمه مبارك وجماعة الشرفاء فحاصروا مكة على علي ونازعوه الإمارة ثـم أفرجـوا ثـم رجعـوا وحالهـم علـى ذلـك متصـل لهـذا العهـد‏.‏ ووفـدوا علـى السلطـان بمصـر سنـة أربـع وتسعين فأفرد علياً بالإمارة وأفاض عليه العطاء وأكثف له الجند والمستخدمين وأبقى عنان بن مغامس عنده وأجرى عليه الرزق ونظمه فـي أهـل دولتـه‏.‏ ثـم نمـى إلـى السلطـان أنـه يـروم الفـرار إلـى الحجـاز لينازع أمير مكة علي بن عجلان فقبض عليـه وحبسـه فقبـض علـي بـن عجلـان علـى الأشراف الذين كانوا هنالك شيعة له‏.‏ ثم من عليهم وأطلقهم فعادوا إلى منازعته والفتنة معه لهذا العهد والله متولي الأمور لا رب غيره‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:52 AM

الخبر عن بني مهنى أمراء المدينة المنورة من بني الحسن
وذكر أوليتهم ومفتتح إمارتهم كانت المدينة بلد الأنصار من الأوس والخزرح كما هو معروف‏.‏ ثم افترقوا على أقطار الأرض فـي الفتوحـات وانقرضـوا ولـم يبق بها أحد إلا بقايا من الطالبيين‏.‏ قال ابن الحصين في ذيله على الطبري‏:‏ دخلت المائة الرابعة والخطبة بالمدينة للمتقدر‏.‏ قال‏:‏ وترددت ولاية بني العباس عليها والرياسة فيها بين بني حسين وبني جعفر إلى أن أخرجهم بنو حسين فسكنوا بين مكة والمدينة‏.‏ ثم أجلاهم بنو حرب من زبيد إلى القرى والحصون وأجازوهم إلى الصعيد فهم هنالك إلى اليوم‏.‏ وبقي بنو حسين بالمدينة إلـى أن جاءهـم ظاهـر بـن مسلـم مـن مصـر فملكـوه عليهـم‏.‏ وفـي الخبـر عن وصول ظاهر هذا أن مسلماً أباه اسمه محمد بن عبيد الله بن ظاهر بن يحيى المحدث ابن الحسن بن جعفر ويسمى عند الشيعة حجة الله بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن زين العابدين وكان مسلم هذا صديقاً لكافور المتغلب على الأخشيدية بمصر وكان يدبر أمره ولم يكـن بمصر لعصره أوجه منه‏.‏ ولما ملك العبيديون مصر وجاء المعز لدين الله ونزل بالقاهرة التي اختطهـا وذلـك سنـة خمـس وستيـن وثلاثمائة خطب يومئذ من مسلم هذا كريمته لبعض بنيه فرده مسلم فسخطه المعز ونكبه واستصفى أمواله وأقام في اعتقاله إلى أن هلك‏.‏ ويقال فر من محبسه فهلك في مفره ولحق ابنه ظاهر بن محمد بعد ذلك بالمدينة فقدمه بنو حسين على أنفسهم واستقل بإمارتها سنين‏.‏ ثـم مـات سنـة إحـدى وثمانيـن وثلاثمائـة وولـي مكانـه ابنـه الحسـن‏.‏ وفـي كتـاب العتبـي مؤرخ دولة ابن سبكتكين‏:‏ أن الذي ولي بعده هو صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن ظاهر وكنيتـه أبـو علـي واستقـل بهـا دون ابنـه الحسـن إلى أن هلك وولي بعده ابنه هاني ثم ابنه مهنى‏.‏ ولحق الحسن بمحمود بن سبكتكين فأقام عنده بخراسان وهذا غلـط لـأن المسبحـي مـؤرخ العبيدييـن ذكـر وفـاة ظاهـر بـن مسلـم فـي سنتهـا كمـا قلنـاه وولايـة الحسـن ابنـه‏.‏ وقـال‏:‏ فـي سنة ثلاث وثمانين وعامل المدينة الحسن بن ظاهر ويلقب مهنى والمسبحي أقعد بأخبار المدينة ومصر من العتبي إلا أن امراء المدينة لهذا العهد ينتسبون إلى داود ويقولون‏:‏ جاء من العراق فلعلهم لقنوا ذلك عمن لا يعرفه ومؤرخ حماة متى ينسب أحداً من أوليهم فإنما ينسبه إلى أبي داود والله أعلم وقـال أبـو سعيـد‏:‏ وفي سنة تسعيـن وثلاثمائـة ملكهـا أبـو الفتوح حسن بن جعفر أمير مكة من بني سليمان بأمر الحاكم العبيدي وأزال عنها إمارة بني مهنى من بني الحسين وحاول نقل الجسد النبـوي إلـى مصـر ليـلا فأصابتهـم ريح عاصفة أظلم لها الجو وكادت تقتلع البناء من أصله فردهم أبـو الفتـوح عـن ذلـك ورجـع إلى مكة‏.‏ وعاد بنو مهنى إلى المدينة‏.‏ وذكر مؤرخ حماة من أمرائهم منصور بن عمارة ولم ينسبه وقال‏:‏ مات سنة سبع وتسعين وأربعمائة وولي بعده ابنه‏.‏ قال‏:‏ وهـم مـن ولـد مهنـى‏.‏ وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنى بن حسين بن مهنى بن داود وكنيته أبو قليتة وأنه حضر مع صلاح الدين بن أيوب غزاة إنطاكية وفتحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة‏:‏ وقال الزنجازي مؤرخ الحجاز فيما ذكر عنه ابن سعيد حين ذكر ملوك المدينة من ولد الحسين فقال‏:‏ وأحقهم بالذكر لجلالة قدره قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنى‏.‏ ولاه المستضيء فأقام خمساً وعشرين سنة‏.‏ ومات سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم وكان‏.‏ شاعـراً وهـو الـذي كانـت بينـه وبيـن أبـي عزيـز قتـادة صاحـب مكـة وقعـة المصـارع ببـدر سنة إحدى وستمائة‏.‏ زحف أبو عزيز من مكة وحاصره بالمدينة واشتد في حصاره‏.‏ ثم ارتحل وجاء المـدد إلـى سالـم مـن بنـي لـام إحـدى بطـون همـذان فـأدرك أبـا عزيـز ببـدر واقتتلـوا وهلـك من الفريقين خلق وانهزم أبو عزيز إلى مكة‏.‏ ‏:‏ وفي سنة إحدى وستمائة جاء المعظم عيس بن العادل فجدد المصانع والبرك وكان معه سالم بـن قاسـم أميـر المدينـة جـاء يشكـو مـن قتـادة فرجـع معـه ومـات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة‏.‏ وولـي بعـده ابنـه شيخـة وكـان سالـم قـد استخـدم عسكـراً مـن التركمـان فمضـى بهـم جمـاز بـن شيخـة إلـى قتـادة وغلبـه وفـر إلـى الينبـع وتحصـن بهـا‏.‏ وفي سنة أربـع وأربعيـن قتـل صاحـب المدينة شيخة وولي ابنه عيسى‏.‏ ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وملك مكانه‏.‏ قـال ابـن سعيـد‏:‏ وفي سنة تسـع وخمسيـن كـان بالمدينـة أبـو الحسـن بـن شيخـة بـن سالم وقال غيره‏:‏ كـان بالمدينـة سنـة ثلـاث وخمسيـن أبـو مالـك منيـف بـن شيخـة ومـات سنـة سبـع وخمسيـن وولي أخوه جماز وطال عمره ومات سنة أربع وسبعمائة وولي ابنه منصور‏.‏ ولحق أخوه مقبل بالشـام ووفـد علـى بيبـرس بمصـر فأقطعـه نصـف إقطـاع منصـور‏.‏ ثم أقبل إلى المدينة على حين غفلة مر أخيـه منصور وبها ابنه أبو كبيشة فملكها عليه ولحق أبو كبيشة بإحياء العرب ثم استجاشهم ورجع إلى المدينة سنة تسع فقتل عمه مقبلا‏.‏ وجاء منصور إلى محل إمارته‏.‏ وكان لمقبل ابـن‏.‏ اسمه ماجد فأقطع بعض إقطاع أبيه فأقام مع العرب يجلب على المدينة ويخالف منصوراً عمـه إليهـا متـى خـرج عنهـا‏.‏ ووقـع بيـن منصـور وبيـن قتـادة صاحـب الينبـع حـرب سنـة إحـدى عشـرة من أجله‏.‏ ثم جاء ماجد بن مقبل بالمدينة سنة سبع عشرة لقتال عمه منصور واستنجد منصور بالسلطان فبعث إليه العساكر وحاصر ماجد بن مقبل بالمدينة‏.‏ ثم قاتلهم وانهزم وبقي منصور على إمارته وتوفي سنه خمس وعشرين وولي ابنه كبيش بن منصور على إمارته وطالت أيامه ونازعه ودي بن جماز وحاصره وولي بعده طفيل وقبض عليه طاز سنة إحدى وخمسين وولي عطية‏.‏ ثم توفي عطيـة سنـة ثلـاث وثمانيـن وولـي بعـده طفيـل وقبـض عليـه فامتنـع وولـي جماز بن هبة بن جماز بن منصور وملوك الترك بمصر يختارون لولايتها من هذين البيتين لا يعدلـون عنهمـا إلـى سواهمـا‏.‏ وولايتهـا اليـوم لجمـاز بـن هبـة بن جماز وابن عمه عطية بن محمد بن عطية ينازعه لما بينهما من المنازعة والمنافسة قديماً وحديثاً شأن العجليين في التثور وهما جميعا على مذهب الإمامية من الرافضة ويقولون بالأئمة الإثني عشر وبما يناسب ذلك مـن اعتقـادات الإماميـة‏.‏ واللـه يخلـق مـا يشـاء ويختـار‏.‏ هـذا آخـر الخبـر عن أمراء المدينة ولم أقف على أكثر منه والله المقدر لجميع الأمور سبحانه لا إله إلا هو‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:52 AM

الخبر عن دولة بني الرسي أئمة الزيدية بصعدة
وذكر أوليتهم ومصائر أحوالهم قـد ذكرنـا فيمـا تقـدم خبـر محمـد بـن إبراهيـم الملقـب أبـوه طباطبـا بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن الدعي وظهوره أيام المأمون وقيام أبي السرايا ببيعته وشأنه كله‏.‏ ولما هلك وهلك أبو السرايا وانقـرض أمرهـم طلـب المأمـون أخـاه القاسـم الرسـي بن إبراهيم طباطبا ففر إلى السند ولم يزل به إلى أن هلك سنة خمس وأربعين ومائتين ورجع ابنه الحسن إلى اليمن وكان من عقبه الأئمة بصعدة من بلاد اليمن أقاموا للزيدية بها دولة اتصلت آخر الأيام وصعدة جبل في الشرق عن صنعاء وفيه حصون كثيرة أشهرها صعدة وحصن تلا وجبل مطابة وتعرف كلها ببني الرسي‏.‏ وأول من خرج بها منهم يحيى بـن الحسيـن بـن القاسـم الرسـي دعـا لنفسـه بصعـدة وتسمـى بالهادي وبويع بها سنة ثمان وثمانين في حياة أبيه الحسين وجمع الجموع من شيعتهم وغيرها وحـارب إبراهيـم بـن يعفـر‏.‏ وكـان أسعـد بـن يعفـر السادس من أعقاب التبايعة لصنعاء وكملا فغلبه على صنعاء ونجران فملكها وضرب السكة ثم انتزعها بنو يعفر منه ورجع إلى صعدة وتوفي سنة ثمـان وتسعين لعشر سنين من ولايته هكذا قال ابن الحارث قال‏:‏ وله مصنفات في الحلال والحرام‏.‏ وقال غيره‏:‏ كان مجتهداً في الأحكام الشرعية وله في الفقه آراء غريبة وتواليف بين الشيعة معروفة‏.‏ قال الصولي‏:‏ وولي بعـده ابنـه محمـد المرتضـى واضطـرب النـاس عليـه وهلـك سنـة عشريـن وثلاثمائة لست وعشرين سنة من ولايته‏.‏ وولي بعده أخوه الناصر أحمد واستقام ملكه واطرد في بنيـه بعـده فولـي بعـده ابنـه حسيـن المنتجـب ومـات سنـة أربـع وعشريـن‏.‏ وولـي بعـده أخـوه القاسـم المختار إلى أن قتله أبو القاسم الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين‏.‏ وقال الصولي‏:‏ من بني الناصر الرشيد والمنتجب ومات سنة أربع وعشرين‏.‏ وقال ابن حزم لما ذكر ولد أبي القاسم الرسي فقال‏:‏ ومنهم القائمون بصعدة من أرض اليمن أولهم يحيى الهادي له رأي في الفقه وقد رأيتـه ولـم يبعـد فيـه عـن الجماعـة كـل البعـد‏.‏ كان لأبيه أحمد الناصر بنون ولي منهم صعدة بعده جعفر الرشيد وبعده أخوه القاسم المختار ثم الحسن المنتجب ومحمد المهدي‏.‏ قـال‏:‏ وكـان اليمانـي القائم بماردة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة يذكر أنه عبد الله بن أحمد الناصر أخـو الرشيـد والمختـار والمنتجـب والمهـدي وقـال ابـن الحاجب‏:‏ ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقـع الخلـاف بينهـم وجـاء السليمانيـون مـن مكـة عندمـا أخرجهـم الهواشم فغلبوا عليهم بصعـدة‏.‏ وانقرضـت دولتهـم بهـا فـي المائـة السادسـة‏.‏ قـال ابـن سعيد‏:‏ وكان من بني سليمان حين خرجوا من مكة إلى اليمن أحمد بن حمزة بن سليمان فاستدعاهم أهل زبيد لينصروهم على علي بن مهدي الخارجي حين حاصرهم وبها فاتك بن محمد من بني نجاح فأجابهم على أن يقتلـوا فاتكـاً فقتلوه سنة ثلاث وخمسمائة وملكوا عليهم أحمد بن حمزة فلم يطق مقاومة علي بن مهـدي ففـر عـن زبيـد وملكها ابن مهدي قال‏:‏ وكان عيسى بن حمزة أخو أحمد في عمرة باليمن ومنهـم غانـم بـن يحيى ثم ذهب ملك بني سليمان من جميع التهائم والجبال واليمن على يد بني مهدي‏.‏ ثم ملكهم بنو أيوب وقهروهم واستقر ملكهم آخراً في المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة قال ابن النديم‏:‏ أخذ الملك بصعدة عن أبيه واشتدت يده مع الناصر العباسي وكان يناظره ويبعث دعاته إلى الديلم وجيلان حتى خطب له هنالك وصار له فيها ولاه وأنفق الناصـر عليـه أمـوالا فـي العـرب باليمـن ولـم يظفر به‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ جمع المنصور عبد الله بن حمزة أيام الزيدية بصعدة سنة اثنتين وخمسمائة وزحف إلى اليمن فخاف منه المعز بن سيف الإسلام طغتكيـن بـن أيـوب‏.‏ ثـم زحـف إليـه المعـز فهزمـه ثـم جمـع ثانيـة سنـة اثنتـي عشـرة وستمائـة جموعـاً مـن همذان وخولان وارتجت له اليمن وخاف المسعود بن الكامل وهو يومئذ صاحب اليمن ومعه الكرد والترك وأشار أمير الجيوش عمر بن رسول بمعاجلته قبل أن يملك الحصون‏.‏ ثم اختلف أصحاب المنصور ولقيه المسعود فهزمه وتوفي المنصور سنة ثلاثين وستمائة عن عمر مديد وترك ابنـاً اسمـه أحمـد ولـاه الزيديـة ولـم يخطبـوا لـه بالإمامـة ينتظـرون علـو سنـه واستكمـال شروطـه ولما كانت سنة خمس وأربعين بايع قوم من الزيدية لأحمد الموطىء من بقية الرسـي وهـو أحمـد بـن الحسين من بني الهادي لأنهم لما أخرجهم بنو سليمان من كرسي إمامتهم بصعـدة آووا إلـى جبـل قطابـة بشرقـي صعـدة فلـم يزالـوا هنالـك وفي كل عصر منهم إمام شائع بأن الأمر إليهم أن بايع الزيدية الموطىء وكان فقيهاً أديباً عالمـاً بمذهبهـم قوامـاً صوامـاً بويـع سنـة خمس وأربعين وستمائة وأهم نور الدين عمر بن رسول شأنه فحاصره بحصن تلا سنة وامتنع عليه فأفرج عن وحمل العساكـر مـن الحصـون المجـاورة لحصاره‏.‏ ثم قتل عمر بن رسول وشغل ابنه المظفر بحصن الدملوة فتمكن الموطىء وملك عشرين حصناً وزحف إلى صعدة فغلب السليمانيين عليها وقد كانوا بايعـوا لأحمد ابن إمامهم عبد الله المنصور ولقبوه المتوكل عندما بويعا للموطىء بالإمامة في تلا لأنهم كانوا ينتظرون استكمال سنه فلما بويع الموطىء بايعوه ولما غلبهم على صعدة نزل أحمد المتوكل إمامهم وبايع له وأمنه وذلك سنة تسع وأربعين ثم حج سنة خمسين وبقي أمر الزيدية بصعدة في عقب الموطىء هذا وسمعت بصعدة أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة علـي بـن محمـد فـي أعقابهـم وتوفـي قبـل الثمانين والسبعمائة علي بن محمد في أعقابهم وولي ابنه صلـاح وبايعـه الزيدية‏.‏ وكان بعضهم يقول ليس هو بإمام لعدم شروط الإمامة فيقول هو أنا لكم مـا شئتم إمام أو سلطان‏.‏ ثم مات صلاح آخر سنة ثلاث وتسعين وقام بعده ابنه نجاح وامتنع الزيدية من بيعته فقال أنا محتسب لله هذا ما بلغنا عنهم بمصر أيام المقام فيهـا واللـه وارث الأرض ومن عليها‏.‏


الساعة الآن 07:56 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى