![]() |
الخبر عن استيلاء السلطان على مراكش
ثم انهزامه أمام الأمير أبي عنان ومهلكه بجبل منتاتة عفا الله عنه لما أجفل السلطان من سجلماسة سنة إحدى وخمسين بين يدي الأمير أبي عنان وعساكر بني مرين وقصد مراكش وركب إليها الأوعار من جبل المصامدة.ولما شارفها تسارع إليه أهل جهاتها بالطاعة من كل أوب ونسلوا من كل حدب.ولحق عامل مراكش بالأمير أبي عنان ونزع إلى السلطان صاحب ديوان الجباية أبو المجد محمد بن أبي مدين بما كان في المودع من مال الجباية فاختصه واستكتبه وجعل إليه علامته.واستركب واستلحق وجبى الأموال وبث العطاء ودخل في طاعته قبائل العرب من جشم وسائر المصامدة وثاب له ملك بمراكش أمل معه أن يستولي على سلطانه ويرتجع فارط أمره من يد مبتزه.وكان الأمير أبو عنان لما رجع إلى فاس عسكر بساحتها وشرع في العطاء وأزاح العلل وتقبص على كاتب الجباية حمزة بن شعيب بن محمد بن أبي مدين اتهمه بممالأة بني مرين في الإباية عليه عن اللحاق بمراكش من سجلماسة.وأثار حقده في ذلك ما كان من نزوع عمه أبي المجد إلى السلطان بأموال الجباية.ووسوس إليه في السعاية به كاتبه وخالصته أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي عمرو لما بينهما من المنافسة فتقبض عليه وامتحنه ثم قطع لسانه وهلك في ذلك الامتحان.وارتحل الأمير أبو عنان وجموع بني مرين إلى مراكش وبرز السلطان للقائهم ومدافعتهم وانتهى كل واحد من الفريقين إلى وادي أم ربيع وتربص كل واحد بصاحبه إجازة الوادي ثم أجازه السلطان أبو الحسن وأصبحوا جميعاً في التعبية.والتقى الجمعان بتامدغرست في آخر صفر من سنة إحدى وخمسين فاختل مصاف السلطان وانهزم عسكره ولحق به أبطال بني مرين فرجعوا عنه حياء وهيبة. وكبا به فرسه يومئذ في مفره فسقط إلى الأرض والفرسان تحوم حوله.واعترضهم دونه أبو دينار سليمان بن علي بن أحمد أمير الدواودة ورديف أخيه يعقوب كان هاجر مع السلطان من الجزائر ولم يزل في جملته إلى يومئذ. فدافع عنه حتى ركب وسار من ورائه رداءاً له.وتقبض على حاجبه علال بن محمد فصار في يد الأمير أبي عنان وأودعه السجن إلى أن امتن عليه بعد مهلك أبيه. ولخص السلطان إلى جبال هنتاتة ومعه كبيرهم عبد العزيز بن محمد بن علي فنزل عليه وأجاره.واجتمع إليه الملأ من هنتاتة ومن انضاف إليهم من المصامدة وتدامروا وتعاهدوا على الدفاع عنه وبايعوه على الموت. وجاء أبو عنان على أثره حتى احتل بمراكش وأنزل عساكره على جبال هنتاتة ورتب المسالح لحصاره وحربه وطال عليه ثواؤه.وطلب السلطان من ابنه الإبقاء وبعث في حاجبه محمد بن أبي عمرو فحضر عنده وأحسن العذر عن الأمير أبي عنان.والتمس له الرضى منه فرضي عنه وكتب له بولاية عهده. وأوعز إليه بأن يبعث له مالاً وكسى فسرخ الحاجب ابن أبي عمرو إلى إخراجها من المودع بدار ملكهم. واعتل السلطان خلال ذلك فمرضه أولياؤه وخاصته.وافتصد لإخراج الدم ثم باشر الماء بعضوه للطهارة فورم وهلك لليال قريبة عفا الله عنه لثلاث وعشرين من ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين. وبعث أولياؤه بالخبر إلى ابنه بمعسكره من ساحة مراكش ورفعوه على أعواده إليه فتلقاه حافياً حاسراً وقبل أعواده وبكى واسترجع ورضي عن أوليائه وخاصته وأنزلهم بالمحل الذي رضوه من دولته.ووارى أباه بمراكش إلى أن نقله إلى مقبرة سلفه بشالة في طريقه إلى فاس.وتلقى أبا دينار بن علي بن أحمد بالقبول والكرامة وأحله من كنفه محل الرحب والسعة وأسنى جوائزه وخلع عليه وحمله.وأنصرف من فاس إلى قومه يستحثهم للقاء السلطان أبي عنان بتلمسان لما كان أجمع على الحركة إليها بعد مهلك أبيه ورعى لعبد العزيز بن محمد أمير هنتاتة إجارته للسلطان واستماتته دونه فعقد له على قومه وأحله بالمحل الرفيع من دولته ومجلسه واستبلغ في تكريمه.والله تعالى أعلم.ولاية السلطان ابي عنان الخبر عن حركة السلطان أبي عنان إلى تلمسان وإيقاعه ببني عبد الواد بأنكاد ومهلك أبي سعيد سلطانهم لما هلك السلطان أبو الحسن وانقضى شأن الحصار وارتحل السلطان أبو عنان إلى فاس ونقل شلو أبيه إلى مقبرتهم بشالة فدفنه مع من هنالك من سلفه وأغذ السير إلى فاس وقد استبد بالأمر وخلت الدولة عن المنازع فاحتل بفاس وأجمع أمره على غزو بني عبد الواد لارتجاع ما بأيديهم من الملك الذي سموا لاستخلاصه.ولما كان فاتح سنة ثلاث وخمسين نادى بالعطاء وأزاح العلل وعسكر بساحة البلد الجديد واعترض العسكر وارتحل يريد تلمسان. واتصل الخبر بأبي سعيد وأخيه فجمعوا قومهم ومن إليهم من الأشياع والأحزاب من زناتة والعرب وارتحلوا إلى لقائه.ونزل السلطان بمعسكر وادي ملوية وتلوم به أياماً لاعتراض الحشد والعرب.ثم رحل على التعبية حتى إذا احتل ببسيط أنكاد وتراءى الجمعان انفض سرعان المعسكر ولحقوا بالمغرب.وركب السلطان في التعبية وخاض بحر القتال وقد أظلم الجو به. حتى إذا خلص إليهم من غمرة وخالطهم بصفوفهم ولوا الأدبار ومنحوهم الأكتاف. واتبع بنو مرين آثارهم فاستولوا على معسكرهم واستباحوه.واستلحموهم قتلاً وسبياً وصفدوهم أسارى وغشيهم الليل وهم متسايلون في آثارهم وتقبض على أبي سعيد سلطانهم فسيق إلى السلطان وأمر باعتماله وأطلق أيدي بني مرين من الغذ على حلل العرب من المعقل فاستباحوهم واكتسحوا أموالهم جزاء بما شرهوا إليه من النهب بالمحلة في هيعة ذلك المجال ثم ارتحل به على تعبية إلى تلمسان فاحتل بها لربيع من سنته واستوت في ملكها قدمه.وأحضر أبا سعيد فقرعه ووبخه وأراه أعماله حسرة عليه وأحضر الفقهاء وأرباب الفتيا فأفتو بحرابته وقتله.وأمضى حكم الله فيه فذبح بمحبسه لتاسعة من اعتقاله مثلاً للآخرين.وخلص أخوه الزعيم أبو ثابت إلى قاصية الشرق فكان من خبره ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم. الخبر عن شأن أبي ثابت وإيقاع بني مرين به بوادي شلف وتقبض الموحدين عليه ببجاية لما أوقع السلطان ببني عبد الواد بأنكاد وتقبض على أبي سعيد سلطانهم خلص أبو ثابت أخوه في فل منهم. ومر بتلمسان فاحتمل حرمهم ومخلفهم.وأجفل إلى الشرق فاحتل بشلف من بلاد مغراوة. وعسكر هناك واجتمع إليه أوشاب من زناتة.وحدث نفسه باللقاء ووعدها بالصبر والثبات. وسرح السلطان وزيره فارس بن ميمون بن ودرار في عساكر بني مرين والجند فأغذ السير إليهم وارتحل من تلمسان على أثره.ولما تراءى الجمعان صدق الفريقان المجاولة وخاضوا النهر بالقراع. ثم صدق بنو مرين الحملة وأجازوا النهر إليهم فانكشفوا واتبعوا آثارهم فاستلحموهم واستباحوا معسكرهم واستاقوا أموالهم ودوابهم ونساءهم وارتحلوا في أتباعهم.وكتب الوزير بالفتح إلى السلطان.ومر أبو ثابت بالجزائر طارقاً وأجاز إلى قاصية الشرق فاعترضتهم قبائل زواوة وأرجلوهم عن خيلهم وانتهبوا أسلابهم ومروا حفاة عراة. واحتل الوزير بالجزائر فاستولى عليها.واقتضى بيعة السلطان منهم فأتوها.واحتل السلطان بالمدية وأوعز إلى أمير بجاية المولى أبي عبد الله محمد حافد مولانا الأمير أبي يحيى مع وليه ونزمار وخالصته يعقوب بن علي بالقبض على أبي ثابت وأشياعه فأذكوا العيون عليهم وقعدوا لهم بالمرصاد.وعثر بعض الجشم على أبي ثابت وأبي زيان ابن أخيه أبي سعيد ووزيرهم يحيى بن داود فرفعوهم إلى الأمير ببجاية فاعتقلهم.وارتحل إلى لقاء السلطان بالمدية وبعث بهم مع مقدمته وجاء على أثرهم ونزل على السلطان بمعسكره من المدية خير نزل بعد أن تلقاه بالمبرة والاحتفاء وركب إلى لقائه. ونزل عن فرسه للسلطان فنزل السلطان براً به وأودع أبا ثابت السجن.وتوافت إليه وفود الدواودة بمكانه من المدية فأكرم وفدهم وأسنى أعطياتهم من الخلع والحملان والذهب وانقلبوا خير منقلب. ووافته بمكانه ذلك بيعة ابن مزني عامل الزاب ووفدهم فأكرمهم ووصلهم.وفرغ السلطان من شأن المغرب الأوسط وبث العمال في نواحيه وثقف أطرافه وسما إلى ملك إفريقية كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن تملك السلطان أبي عنان بجلية وانتقال صاحبها إلى المغرب لما وصل المولى أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبي زكرياء يحيى صاحب بجاية إلى السلطان بمكانه من المدية في شعبان من سنته وأقبل السلطان عليه وبوأه كنف ترحيبه وكرامته خلص الأمير به نجياً وشكى إليه ما تلقاه من أهل عمله من الامتناع الجباية والسعي في الفساد وما يتبع ذلك من زبون الحامية واستبداد البطانة.وكان السلطان متشوقاً لمثلها فأشار عليه بالنزول عنها يعوضه عنها ما شاء من بلاده فسارع إلى قبول إشارته ودس إليه مع حاجبه محمد بن أبي عمرو أن يستبد بذلك على رؤوس الملأ ففعل ونقم عليه بطانته ذلك وفر بعضهم من معسكره فلحق بإفريقية ومنهم علي بن القائد محمد بن الحكم.وأمره السلطان أن يكتب بخطه إلى عامله على البلد بالنزول عنها وتمكين عمال السلطان منها ففعل. وعقد السلطان عليها لعمر بن علي الوطاسي من أولاد الوزير الذين ذكرنا خبر انتزائهم بتازوطا من قبل.ولما قضى السلطان حاجاته من المغرب الأوسط واستولى على بجاية انكفأ راجعاً إلى تلمسان لشهود الفطر بها ودخلها في يوم مشهود.وحمل أبا ثابت ووزيره يحيى بن داود على جملين يخطران بهما في ذلك المحفل بين السماطين فكانا عبرة لمن حضر.وسيقا من الغد إلى مصارعهما فقتلا قعصاً بالرماح.وأنزل السلطان المولى الأمير أبا عبد الله صاحب بجاية خير نزل وفرض له في مجلسه تكرمة به إلى أن كان من توثب صنهاجة وأهل بجاية بعمر بن علي ما نحن ذاكروه إن شاء الله الخبر عن ثورة أهل بجاية ونهوض الحاجب إليها في العساكر كان صنهاجة هؤلاء من أعقاب تكلاتة ملوك القلعة وبجاية نزل أولوهم بوادي بجاية بين القبائل من برابرتها الكتاميين في مواطن بني ورياكل مذ أول دولة الموحدين وأقطعوهم على العسكر معهم.ولما ضعفت جنود الموحدين وقل عددهم انفردوا بالعسكرة مع السلطان وصار لهم بذلك اعتزاز وزبون على الدولة.وكان المولى الأمير أبو عبد الله هذا قد أصاب منهم لأول أمره وقتل محمد بن تميم من أكابر مشيختهم.وكان حاجبه فارح مولى ابن سيد الناس عريفاً عليهم من عهد أبيه الأمير أبي زكرياء وكان مستبداً على المولى أبي عبد الله.فلما نزل عن أمارته للسلطان أبي عنان سخط ذلك ونقمه عليه وأسرها في نفسه ولم يبدها له.وسرحه أميره مع عمر بن علي الوطاسي لنقل حرمه ومتاعه وماعون داره فوصل إليها.وشكى إليه الصنهاجيون مغبة أمرهم في ثقل الوطأة وسوء الملكة فأشكاهم ودعاهم إلى الثورة ببني مرين والقيام بدعوة الموحدين للمولى أبي زيد صاحب قسنطينة فأجابوه وتواعدوا للفتك بعمر بن علي بمجلسه من القصبة.وتولى كبرها منصور بن الحاج من مشيختهم وباكره بداره على عادة الأمراء ولما أكب عليه للثم أطرافه طعنه بخنجره وفر إلى بيته جريحاً فولجوا عليه واستلحموه.وركب الحاجب فارح وهتف الهاتف بدعوة المولى أبي زيد وطيروا بالخبر إليه واستدعوه فتثاقل عن إجابتهم. وبعث مولى من المعلوجي للقيام بأمره. وبلغ الخبرإلى السلطان فاتهم المولى أبا عبد الله بمداخلة حاجبه فاعتقله بداره.واعتقل وفداً من ملأ بجاية كان ببابه وثابت آراء المشيخة من أهل بجاية وتمشت رجالاتهم وأولوا الرأي والشورى منهم في الفتك بصنهاجة والعلج وداخلهم القائد هلال ابن سيد الناس من المعلوجي وعلي بن محمد بن الميت حاجب الأمير أبي زكرياء يحيى ومحمد بن الحاجب أبي عبد الله بن سيد الناس وتواعدوا الفتك بفارح يوم وصول النائب من قبل صاحب قسنطينة فجهروا بالنكر على الحاجب ودعوه إلى المسجد ليؤامروه. ونذر أمرهم فاعتمدوا دار شيخ الفتيا أحمد بن إدريس.واقتحموا عليه الدار وباشره مولاه محمد بن سيد الناس فطعنه وأشواه ورمى بشلوه في سقف الدار وقطع رأسه وبعث به إلى السلطان.وفر منصور بن الحاج وقومه صنهاجة من البلد وكان بالمرسى أحمد بن سعيد القرموني من حاشية السلطان جاء في السفين لبعض حاجاته من تونس ووافى مرسى بجاية يومئذ فأنزلوه واعصوصبوا عليه وتنادوا بدعوة السلطان وطاعته.وأشار عليهم أحمد القرموني أن يبعثوا إلى قائد تدلس من مشيخة بني مرين يحياتن بن عمر بن عبد المؤمن الونكاسي فاستدعوه ووصل إليهم في لمة من العسكر وبعثوا بأخبارهم إلى السلطان وانتظروا.فلما بلغ الخبرإلى السلطان أمر حاجبه محمد بن أبي عمرو بالنهوض إلى بجاية فعسكر بساحة تلمسان.وانتقى له السلطان من قومه وجنوده خمسة آلاف فارس أزاح عللهم واستوفى أعطياتهم.وسرحه فنهض من تلمسان بعد قضاء منسك الأضحى وأغذ السير إلى بجاية.ولما نزل ببني حسن جمع له صنهاجة ثم خاموا عن اللقاء ولحقوا بقسنطينة وأجازوا منها إلى تونس.واختل الحاجب بمعسكرهم من خميس بتكلات. وخرج إليه المشيخة والوزراء.فتقبض على القائد هلال وأشخصه إلى السلطان ودخل البلد في التعبية واحتل بقصبتها لمحرم فاتح أربع وخمسين. وسكن الناس وخلع على المشيخة واختص علي بن الميت ومحمد بن صيد الناس واستظهر بهم على أمره.وتقبض على جماعة من الغوغاء نقباء علي من تحت أيديهم ممن يتهم بالمداخلة في التوثب يناهزون مايتين واعتقلهم وأركبهم السفين إلى المغرب فودع الناس وسكنوا. وتوافت وفود المواودة من كل جهة وأجزل صلاتهم واقتضى على الطاعة رهنهم.ووصل عامل الزاب يوسف وسد فروجه وارتحل إلى تلمسان أول جمادى لشهرين من مدخله.وأغذ السير بمن معه من العرب والوفود وكنت يومئذ في جملتهم وقد خلع علي وحملني وأجزل صلتي. وضرب لي الفساطيط فوفدت في ركابه.وقدم تلمسان لأول جمادى الآخرة فجلس السلطان للوفد واعترض ما جنب له من الجياد والهدية وكان يوماً مشهوداً. ثم أسنى السلطان جوائز الوفد واختص يوسف بن مزني ويعقوب بن علي بمزيد من البر والصلة وخصوصيات من الكرامة وائتمرهم في شأن إفريقية ومنازلة قسنطينة. ورجع معهم الحاجب ابن أبي عمرو على كره منه لما نذكره من أخباره وانصرفوا إلى مواطنهم لأول شعبان من سنة أربع وخمسين.وانقلبت معه بعد إسناء الجائزة والخلع والحملان من السلطان والوعد الجميل بتجديد ما لي ولقومي ببلدنا من الإقطاع والله أعلم. |
الخبر عن الحاجب ابن أبي عمرو
وما عقد له السلطان علي ثغر بجاية وعلي منازلة قسنطينة ونهوضه لذلك سلف هذا الرجل من أهل المهدية من أجناد العرب من بني تميم بإفريقية وانتقل جده علي إلى تونس باستدعاء السلطان المستنصر وكان فقيهاً عارفاً بالفتيا والأحكام فقلده القضاء بالحضرة.واستعمله على كتابة علامته في الرسائل والأوامر الكبرى والصغرى فاضطلع بذلك وهلك على حاله من التجلة والمنصب وقلد ابنه عبد الله من بعده العلامتين أيام أبي حفص عمر ابن الأمير أبي زكرياء لما كان لأبيه فاضطلع بذلك وكان أخوه أحمد بن علي مسمتاً وقوراً منتحلاً للعلم.ونشأ ابنه محمد وقرأ بتونس وتفقه على مشيختها.ولما التاثت أمورهم وتلاشت أحوالهم خرج محمد بن أحمد بن علي مبتغياً للرزق والمعاش فطوحت به الطوائح إلى بلد القل.وكان منتحلاً للطلب والكتابة فاستعمل شاهداً بمرسى القل أيام رياسة الحاجب أبن غمر وكانت له صحبة مع حسن بن محمد السبتي المنتحل نسب الشرف.وكانا رفيقين في0 مطارح اغترابهما فسعى له في مرافقته في الشهادة فأسعف واتصلا بابن غمر فحمد مذاهبهما.ولما نزع الشريف عبد الوهاب زعيم تدلس إلى طاعة الموحدين أيام التياث أبي حمو بخروج محمد بن يوسف عليه واعتلال الدولة ودخل في أمر ابن غمر وجملته فبعث محمد بن أبي عمرو إلى تدلس واستعمل حسن الشريف في القضاء ومحمد بن عمرو في شهادة الديوان.فلما برئت الدولة من مرضها واستفحل أمر أبي حمو وتغلب على تدلس وجاء رئيس الفتيا ابن الإمام لاقتضاء طاعتها وإنفاد أهلها على السلطان كانوا في الوفد.واستقروا بتلمسان من يومئذ واستعملا معا في خطة القضاء متعاقبين أيام بني عبد الواد وأيام السلطان أبي الحسن. وتعصب على ابن أبي عمرو أيام قضائه جماعة من مشيخة البلد وسعوا به إلى السلطان أبي الحسن.وتظلموا فأشكاهم على علم من براءته واختصه بتأديب ولده فارس هذا وتعليمه فأفرغ وسعه في ذلك.وربي ولده محمد هذا الحاجب مع السلطان أبي عنان مرقاً جليلاً وألقى عليه محبته حتى إذا أخلص له الملك رفع رتبة محمد بن أبي عمرو هذا ورقاه من منزلة إلى أخرى حتى إذا أوفى به على سائر المراتب وجعل إليه العلامة والقيادة والحجابة والسفارة وديوان الجند والحساب والقهرمة وسائر ألقاب دولته وخصوصيات داره فانصرفت إليه الوجوه ووقعت ببابه أشراف من الأعياص والقبائل والشرفاء والعلماء.وسرب إليه العمال أموال الجباية تزلقاً وطال أمره واستيلاؤه على السلطان ونفس عيه رجال الدولة ووزراؤها ما أتاه الله من الحظ حتى إذا خلا لهم وجه السلطان منه عند نهوضه إلى بجاية حامت أعراض السعاية على مكانه فقرطست وألقى السلطان أذنه لاستماعها.فلما رجع من بجاية وكانت له الدالة على السلطان وجد عليه في قبول الألاقي.ولقيه مغاضباً فتنكر له السلطان ثم تجنى فطلب الغيبة عن الدولة وأن يعقد له على بجاية متوهماً أن السلطان ضنين به فبادر السلطان إلى إسعافه وبدا له ما يحتسب من الإعراض عنه.ورجع إلى الرغبة في الإقالة فلم يسعف.وعقد له على حرب قسنطينة وحكمه في المال والجيش وارتحل في شعبان من سنة أربع وخمسين واحتل بجاية آخرها وأشتى بها.ونصب الموحدون تاشفين ابن السلطان أبي الحسن المعتقل عندهم من لدن عهد المولى الفضل واعتقاله إياه فنصبوه للأمر لتفريق كلمة بني مرين وأجمعوا له الآلة والفساطيط وقام بأمره ميمون بن علي لمنافسة مع أخيه يعقوب.وسمع بخبره يعقوب فأغد السير إليه بحلله من بلاد الزاب وفرق جمعهم وردهم على أعقابهم وأحجزهم بالبلد ولما انصرم الشتاء وقضى منسك الأضحى عسكر بساحة البلد واعترض العساكر وأزاح عللهم وفرق أعطياتهم وارتحل إلى منازلة قسنطينة.واجتمع إليه الدواودة بحللهم وجمع المولى أبو زيد صاحب قسنطينة من كان على دعوته من أحياء بونة وميمون بن علي بن أحمد وشيعته من الدواودة وعقد عليهم لحاجبه نبيل وسرحه للقاء ابن أبي عمرو وعساكره فأوقع بهم الحاجب لجمادى من سنة خمس واكتسح أموالهم.ونازل قسنطينة حتى تفادوا منه بتمكينه من تاشفين ابن السلطان أبي الحسن المنصوب للأمر فاقتادوه إليه وأشخصه إلى أخيه السلطان.وأوفد المولى أبو زيد ابنه على السلطان أبي عنان فتقبل وفادته وشكر مراجعته وانكفأ الحاجب ابن أبي عمرو إلى بجاية وأقام بها إلى أن هلك في المحرم فاتح سنة ست وستين فذهب حميد السيرة عند أهل البلد وتفجعوا لمهلكه.وبعث السلطان دوابه لارتحال عياله وولده ونقل شلوه إلى مقبرة أبيه بتلمسان.وسرح ابنه أبا زيان في عسكر بني مرين لمواراته بها.وعقد على بجاية لعبد الله بن علي بن سعيد وزيره فنهض إليها في شهر ربيع من سنة ست وخمسين واستقر بها. وتقبل ما حمده الناس من مذاهب الحاجب وسيره فيها على ما نذكره.وجهز العساكر إلى حصار قسنطينة إلى أن كان من فتحها ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى. الخبر عن خروج أبي الفضل ابن السلطان بجبل السكسيوي ومكر عامل درعة به ومهلكه كان السلطان أبو عنان بعد مهلك أبيه لحق به في جملته أخواه أبو الفضل محمد وأبو سالم إبراهيم وتدبر في ترشيحهما وحذر عليهما مغبته فأشخصهما إلى الأندلس واستقرا بها في إيالة أبي الحجاج ابن السلطان أبي الوليد ابن الرئيس أبي سعيد ثم ندم على ما أتاه من ذلك فلما استولى علي تلمسان والمغرب الأوسط ورأى أن قد استفحل أمره واعتز سلطانه أوعز إلى أبي الحجاج أن يشخصهما إليه ليكون مقامهما لديه أحوط على الكلمة من أن يعتمد على تفريقهما سماسرة الفتن.وخشي أبو الحجاج عليهما غائلته فأبى من إسلامهما إليه وأجاب الرسل بأنه لا يخفر ذمته وجوار المسلمين المجاهدين فأحفظ السلطان كلمته.وأوعز إلى حاجبه محمد بن أبي عمرو بأن يخاطبه في ذلك بالتوبيخ واللائمة فكتب له كتاباً أبدع فيه وقفني عليه الحاجب ببجاية أيام كوني معه فقضيت العجب من فصوله وأغراضه.ولما قرأه أبو الحجاج دس إلى كبيرهما أبي الفضل باللحاق بالطاغية وكانت بينهما ولاية ومخالصة منذ مهلك أبيه ألهنشة على جبل الفتح سنة إحدى وخمسين فنزع إليه أبو الفضل وأجاره وجهز له أسطولاً إلى مراسي المغرب. وأنزله بساحل السوس فلحق بالسكسيوي عبد الله ودعا لنفسه.وبلغ الخبرإلى السلطان بين يدي مقدم حاجبه ابن أبي عمرو من فتح بجاية سنة أربع وخمسين فجهز عساكره إلى المغرب. وعقد على حرب السكسيوي لوزيره فارس بن ميمون بن ودرار وسرحه إليه فنهض من تلمسان لربيع من سنة أربع وخمسين.وأغذ السير إلى السكسيوي ونزل بمخنقه وأحاط به واختط مدينة لمعسكره وتجهيز كتائبه بسفح جبلة وسماها القاهرة. واشتد الحصار على السكسيوي وراسل الوزير في الرجوع إلى الطاعة المعروفة وأن ينتبذ العهد إلى أبي الفضل ففارقه وتنقل في جبال المصامدة.ودخل الوزير فارس إلى أرض السوس فدوخ أقطاره ومهد أنحاءه وسارت الألوية والجيوش في جهاته. ورتب المسالح في ثغوره وأمصاره مثل إيفري وفوريان وتارودانت وثقف أطرافه وسد فروجه.وسار أبو الفضل في جبال المصامدة إلى أن انتهى إلى صناكة وألقى بنفسه على ابن حميدي منهم مما يلي بلاد درعة فأجاره وقام بأمره.ونازله عامل درعة يومئذ عبد الله بن مسل الزردالي من مشيخة دولة بني عبد الواد كان اصطنعه السلطان أبو الحسن منذ تغلبه عليهم وفتحه لتلمسان سنة سبع وثلاثين فاستقر في دولتهم ومن جملة صنائعهم فأخذ بمخنق ابن حميدي وأرهبه بوصول العساكر والوزراء إليه وداخله في التقبض على أبي الفضل وأن يبذل له في ذلك ما أحب من المال فأجاب ولاطف عبد الله بن مسلم الأمير أبا الفضل ووعده من نفسه الدخول في أمره. وطلب لقاه فركب إليه أبو الفضل.ولما استمكن منه عبد الله بن مسلم تقبض عليه ودفع لابن حميدي ما اشترط له من المال وأشخصه معتقلاً إلى أخيه السلطان أبي عنان سنة خمس وخمسين فأودعه السجن وكتب بالفتح إلى القاصية. ثم قتله لليال من اعتقاله خنقاً بمحبسه.وانقضى أمر الخوارج وتمهدت الدولة إلى أن كان مما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن انتقاض عيسى بن الحسن بجبل الفتح ومهلكه كان عيسى بن الحسن بن علي بن أبي الطلاق هذا من مشيخة بني مرين وكان صاحب شوراهم لعهده. وقد كنا قصصنا من قبل أخبار أبيه الحسن عند ذكر دولة أبي الربيع.وكان السلطان أبو الحسن قد عقد له على ثغور عمله بالأندلس وأنزله بجبل الفتح عندما أكمل بناه وجعل إليه النظر في مسالح الثغور وتفريق العطاء على مسالحها فطال عهد ولايته ورسخ فيها قدمه. وكان السلطان أبو الحسن يبعث عنه في الشورى متى عنت.وحضره عند سفره إلى إفريقية وأشار عليه بالإقصار عنها وأراه أن قبائل بني مرين لا تفي أعدادهم بمسالح الثغور إذا رتبت شرقاً وغرباً وعدوة البحر وأن إفريقية تحتاج من ذلك إلى أوفر الأعداد وأشد الشوكة لتغلب العرب عليها وبعد عهدهم بالانقياد فأعرض السلطان عن نصيحته لما كان شره إلى تملكها وصرفه إلى مكان عمله بالثغور الأندلسية.ولما كانت نكبة القيروان وانتزى الأبناء بفاس وتلمسان أجاز البحر لحسم الداء ونزل بغساسة.ثم انتقل إلى وطنه بتازى وجمع قومه بني عسكر.وألفى السلطان أبا عنان قد هزم عساكر ابن أخيه وأخذ بمخنقه فأجلب عليه وبيته بمعسكر من ساحة البلد الجديد.وعقد السلطان أبو عنان على حربه لصنيعه سعيد بن موسى العجيسي وأنزله بثغر بلاد بني عسكر على واد بوحلو.وتواقفا كذلك أياماً حتى تغلب السلطان أبو عنان على البلد الجديد.ثم راسل عيسى بن الحسن في الرجوع إلى طاعته.وأبطأ عنه صريخ السلطان أبي الحسن بإفريقية فراجعه واشترط عليه فتقبل وسار إليه فتلقاه السلطان وامتلأ سروراً بمقدمه. وأنزله قصوره وجعل الشورى إليه في مجلسه واستمرت على ذلك حاله.ولما تمكنت حال ابن أبي عمرو بعد مهلك السلطان أبي الحسن وانفرد بخلة السلطان ومناجاته وحجب عن الخاصة والبطانة أحفظه ذلك ولم يبدها.واستأذن السلطان في الحج فأذن له وقضى فرضه ورجع إلى محله من بساط السلطان سنة ست وخمسين.ولقي ابن أبي عمرو ببجاية وتطارح عليه في أن يصلح حاله عند سلطانه فوعده في ذلك.ولما وفد على السلطان وجده قد استبد في الشورى وتنكر للخاصة والجلساء فاستأذنه في الرجوع إلى مجلسه من الثغر لإقامة رسم الجهاد فأذن له.وأجاز البحر إلى جبل الفتح من سنته وكان صاحب ديوان العطاء بالجبل يحيى الفرقاجي وكان مستظهراً على العمال وكان ابنه أبو يحيى قد برم بمكانه.فلما وصل عيسى إلى الجبل اتبعه السلطان بأعطيات المسالح مع مسعود بن كندوز من صنائع دولته فسرب الفرقاجي إلى الضرب على يده شأنه مع ابنه أيام مغيبه وأنف عيسى من ذلك فتقبض عليه وأودعه المطبق ورد ابن كندوز على عقبيه وأركبه السفين من ليلته إلى سبتة وجاهر بالخلعان. وبلغ الخبرإلى السلطان أبي عنان فقلق لذلك وقام في ركائبه وقعد وأوعز بتجهيز الأساطيل وظن أنه تدبير من الطاغية وابن الأحمر.وبعث أحمد بن الخطيب قائد البحر بطنجة عيناً على شأنهم فوصل إلى مرسى الجبل.وكان عيسى بن الحسن لما جاهر بالخلعان تمشت رجالات الثغر وعرفاء الرجل من غمارة الغزاة الموطنين بالجبل وتحدثوا في شأنه وامتنعوا من الخروج على السلطان وتوامروا في إسلامه برمته.وخلا به سليمان بن داود بن أعراب العسكري كان من خواصه وأهل شوراه.وكان عيسى قد مكن قدمه عند السلطان واستعمله على رندة.فلما جاهر عيسى بالخلعان وركب له ظهر الغدر خالفه سليمان هذا إلى طاعة السلطان وأنفذ كتبه وطاعته. واشتبه عليه الأمر فندم إذ لم يكن بنى أمره على أساس من الرأي.فلما احتل أسطول أحمد بن الخطيب بمرسى الجبل خرج إليه وناشده الله والعهد أن يبلغ السلطان طاعته والبراءة مما صنع أهل الجبل ونسبها إليهم. فعند ذلك خشي غمارة على أنفسهم فثاروا به. ولجأ إلى الحصن فاقتحموه عليه وشدوه وابنه وثاقاً وألقوه في أسطول ابن الخطيب. وأنزله بسبتة وطير إلى السلطان بالخبر فخلع عليه وأمر خاصته فخلعوا عليه.وبعث عمر ابن وزيره عبد الله بن علي وعمر بن العجوز وقائد جند النصارى فأحضروهما بدار السلطان يوم منى من سنة ست.وجلس لهما السلطان ووقفا بين يديه وتنصلاً واعتذراً فلم يقبل منهما وأودعهما السجن وشد وثاقهما حتى مضى منسك الأضحى. ولما كان خاتم سنته أمر بهما فجنبا إلى مصارعهما وقتل عيسى قعصاً بالرماح وقطع ابنه أبو يحيى من خلاف وأبى من مداواة قطعه فلم يزل يتشحط في دمه إلى أن هلك لثانية قطعه وأصبحا مثلاً في الآخرين.وعقد على جبل الفتح وسائر ثغور الأندلس لسليمان بن داود إلى أن كان من الأمر ما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن نهوض السلطان إلى قسنطينة وفتحها ثم فتح تونس عقبها
لما هلك الحاجب محمد بن أبي عمرو عقد السلطان على الثغور ببجاية وما وراءها من بلاد إفريقية لوزيره عبد الله بن علي بن سعيد وسرحه إليها وأطلق يده في الجباية والعطاء.وكانت جبال ضواحي قسنطينة قد تملكها السلطان بما كانت الدواودة متغلبة عليها.وكان عامة أهل ذلك الوطن قبائل سدويكش وعقد السلطان عليهم لموسى بن إبراهيم بن عيسى وأنزله بتاوريرت آخر عمل بجاية في أقاربه وولده وصنائعه.ولما نزل ابن أبي عمرو بجاية وأخذ بمخنق قسنطينة ثم ارتحل عنها على ما عقد من السلم مع المولى الأمير أبي زيد أنزل موسى بن إبراهيم بميلة فاستقر بها.ولما ولي الوزير عبد الله بن علي أمر إفريقية أوعز إليه السلطان بمنازلة قسنطينة فنازلها سنة سبع وأخذ بمخنقها.ونصب المنجنيق عليها واشتد الحصار بأهلها وكادوا أن يلقوا باليد لولا ما بلغ المعسكر من الإرجاف بمهلك السلطان فأفرجوا عنها. ولحق المولى أبو زيد ببونة.وأسلم البلد إلى أخيه مولانا أمير المؤمنين أبي العباس أيده الله تعالى عندما وصل إليه من إفريقية كان بها مع العرب طالباً ملكهم بتونس ومجلباً بهم على ابن تافراكين منذ نازلوا تونس سنة ثلاث وخمسين كما مر.فلما رجع الآن إلى قسنطينة مع خالد بن حمزة داخل خالد المولى أبا زيد في خروجه إلى حصار تونس وإقامة مولانا أبي العباس بقسنطينة فأجاب لذلك وخرج معه. ودخل مولانا أبو العباس إلى قسنطينة فدعا لنفسه. وضبط قسنطينة وكان مدلاً ببأسه وإقدامه.وداخله بعض المنحرفين عن بني مرين من أولاد يوسف رؤساء سدويكش في تبييت موسى بن إبراهيم بمعسكره من ميلة فبيتوه وانتهبوا معسكره وقتلوا أولاده وخلصوا إلى تاوريرت ثم إلى بجاية ولحق بمولانا السلطان مفلولاً.ونكر السلطان على وزيره عبد الله بن علي ما وقع بموسى بن إبراهيم وأنه قصر في إمداده فسرح شعيب بن ميمون وتقبض عليه وأشخصه إلى السلطان معتقلاً وعقد على بجاية مكانه ليحيى بن ميمون بن أمصمود من صنائع دولته.وفي خلال ذلك راسل المولى أبو زيد الحاجب أبا عبد الله بن تافراكين المتغلب على عمه إبراهيم في النزول لهم عن بونة والقدوم عليهم بتونس فتقبلوه وأحلوه محل ولي العهد واستعملوا على بونة من صنائعهم.ولما بلغ خبر موسى بن إبراهيم إلى السلطان أيام التشريق من سنة سبع وخمسين اعتزم على الحركة إلى إفريقية. واضطرب معسكره بساحة البلد الجديد.وبعث في الحشد إلى مراكش.وأوعز إلى بني مرين فأخذ الأهبة للسفر وجلس للعطاء والاعتراض من لدن وصول الخبر إليه إلى شهر ربيع من سنة ثمان.ثم ارتحل من فاس وسرح في مقدمته وزيره فارس بن ميمون في العساكر وسار في الساقة على التعبية إلى أن احتل بجاية وتلوم لإزاحة العلل. ونازل الوزير قسنطينة ثم جاء السلطان على أثره.ولما أطلت راياته وماجت الأرض بعساكره ذعر أهل البلد وألقوا بأيديهم إلى الإذعان وانفضوا من حول سلطانهم مهطعين إلى السلطان وتحيز صاحب البلد في خاصته إلى القصبة.ووصل أخوه المولى الفضل يطلب الأمان فبذله السلطان لهم وخرجوا وأنزلهم بمعسكره أياماً.ثم بعث بالسلطان في الأسطول إلى سبتة فاعتقله بها إلى أن كان من أمره ما نذكره بعد.وعقد على قسنطينة لمنصور بن الحاج مخلوف الياباني من مشيخة بني مرين وأهل الشورى منهم وأنزله بالقصبة منها في شعبان من سنته.ووصل إليه بمعسكره من ساحة قسطنينة بيعة يحيى بن يملول صاحب توزر وبيعة علي بن الخلف صاحب نفطة. ووفد ابن مكي فجدد طاعته.ووصل إليه أولاد مهلهل أمراء الكعوب وأقتال بني أبي الليل يستحثونه لملك تونس فسرح معهم العساكر وعقد عليها ليحيى بن رحو بن تاشفين وبعث أسطوله في البحر مدداً لهم وعقد عليه للرئيس محمد بن يوسف الأبكم وساروا إلى تونس وأخرج الحاجب أبو محمد بن تافراكين سلطانه أبا إسحاق إبراهيم ابن مولانا السلطان أبي يحيى مع أولاد أبي الليل وجهز له العساكر لما أحس بقدوم عساكر السلطان.ووصل الأسطول إلى مرسى تونس فقاتلهم يوما أبو بعض يوم وركب الليل إلى المهدية فتحصن بها. ودخل أولياء السلطان إلى تونس في رمضان من سنة ثمان وأقاموا بها دعوته.واحتل يحيى بن رحو بالقصبة وأنفذ الأوامر وكتبوا إلى السلطان بالفتح.ونظر السلطان بعد ذلك في أحوال الوطن وقبض أيدي العرب من رياح عن الأتاوة التي يسمونها الخفارة فارتابوا وطالبهم بالرهن فأجمعوا على الخلاف.وأرهف لهم حده وتبين يعقوب بن علي أميرهم مكره فخرج معهم ولحقوا جميعاً بالزاب وارتحل في أثرهم.وسار يوسف بن مزني عامل الزاب ينفض الطريق أمامه حتى نزل بسكرة. ثم ارتحل إلى طولقة فتقبض على مقدمها عبد الرحمن بن أحمد بإشارة ابن مزني. وخرب حصون يعقوب بن علي وأجفلوا إلى القفر أمامه ورجع عنهم.وحمل له ابن مزني جباية الزاب بعد أن وعد عامة معسكره بالقرى من الحنطة والأدم واللحمان والعلوفة لثلاث ليالٍ نفذت في ذلك وكافأه السلطان عن صنيعه فخلع عليه وعلى ولده وأسنى جوائزهم ورجع إلى قسنطينة وأعزم على الرحلة إلى تونس.وضاق ذرع العسكر بشأن النفقات والأبعاد في المذاهب وارتكاب الخطر في دخول إفريقية فتمشت رجالاتهم في الانفضاض عن السلطان وداخلوا الوزير فارس بن ميمون فوافقهم عليه وأفن المشيخة والنقباء لمن تحت أيديهم من القبائل في اللحاق بالمغرب حتى تفرعوا.ونمي الخبر إلى السلطان أنهم توامروا في قتله.ونصب إدريس بن عثمان بن أبي العلاء للأمر فأسرها بنفسه ولم يبدها لهم. ورأى قلة العساكر وعلم بانفضاضهم فكر راجعاً إلى المغرب بعد أن ارتحل عن قسنطينة مرحلتين إلى المشرق وأغذ السير إلى فاس واحتل بها غرة في الحجة من سنته.وتقبض يوم دخوله على وزيره فارس بن ميمون اتهمه في مداخلة بني مرين في شأنه وقتله رابع أيام التشريق قعصاً بالرماح. وتقبض على مشيخة بني مرين فاستلحمهم وأودع منهم السجن.وبلغ إلى الجهات خبر رجوعه من قسنطينة إلى المغرب فارتحل أبو محمد بن تافراكين من المهدية إلى تونس.ولما أطل عليها ثار شيعته بالبلد على من كان بها من عساكر السلطان وخلصوا إلى السفين فنجوا إلى المغرب.وجاء على أثرهم يحيى بن رحو بمن معه من العساكر كان مع أولاد مهلهل بناحية الجريد لاقتضاء جبايتهم.واجتمعوا بباب السلطان وأرجأ حركته إلى اليوم القابل فكان ما نذكره أن شاء الله تعالى. الخبر عن وزارة سليمان بن داود ونهوضه بالعساكر إلى إفريقية لما رجع السلطان من إفريقية ولم يستتم فتحها بقي في نفسه منها شيء. وخشي على ضواحي قسنطينة من يعقوب بن علي ومن معه من الدواودة المخالفين فأهمه شأنهم واستدعى سليمان بن داود من مكان ولايته بثغور الأندلس وعقد له على وزارته. وسرحه في العساكر إلى إفريقية فارتحل إليها لربيع من سنة تسع وخمسين.وكان يعقوب بن علي لما كشف عن وجهه في الخلاف أقام السلطان مكانه أخاه ميمون بن علي منازعه وقدمه على أولاد محمد من الدواودة وأحله بمكانه من رياسة البدو والضواحي.ونزع إليه عن أخيه يعقوب الكثير من قومه وتمسك بطاعة السلطان طوائف من أولاد سباع بن يحيى وكبيرهم يومئذ عثمان بن يوسف بن سليمان فانحاشوا جميعاً إلى الوزير ونزلوا على معسكره بحللهم.وارتحل السلطان في أثره حتى احتل بتلمسان فأقام بها لمشارفة أحواله منها واحتل الوزير سليمان بوطن قسنطينة.وأوعز السلطان إلى عامل الزاب يوسف بن مزني بأن يكون يده معه وأن يؤامره في أحوال الدواودة لرسوخه في معرفتها فارتحل إليه من بسكرة ونازلوا جبل أوراس واقتضوا جبايته ومغارمه.وشردوا المخالفين من الدواودة عن العيث في الوطن فتم غرضهم من ذلك.وانتهى الوزير وعساكر السلطان إلى أول أوطان إفريقية من آخر مجالات رياح وانكفأ راجعا إلى المغرب.ووافى السلطان بتلمسان ووصلت معه وفود العرب الذين أبلوا في الخدمة فوصلهم السلطان وخلع عليهم وحملهم وفرض لهم العطاء بالزاب وكتب لهم به وانقلبوا إلى أهلهم.ووفد على أثرهم أحمد بن يوسف بن مزني أوفده أبوه بهديته إلى السلطان من الخيل والرقيق والدرق فتقبلها السلطان وأكرم وفادته وأنزله. واستصحبه إلى فاس ليريه أحوال كرامته ويستبلغ في الاحتفاء به. واحتل بدار ملكه منتصف ذي القعدة من سنة تسع وخمسين. والله أعلم. الخبر عن مهلك السلطان أبي عنان ونصب السعيد للأمر باستبداد الوزير الحسن بن عمر في ذلك لما وصل السلطان إلى دار ملكه بفاس احتل بها بين يدي العيد الأكبر حتى إذا قضى الصلاة من يوم الأضحى أدركه المرض وأعجله طائف الوجع عن الجلوس يوم العيد على العادة فدخل إلى قصره ولزم فراشه واشتد به وأطاف به النساء يمرضنه.وكان ابنه أبو زيان ولي عهده وكان وزيره موسى بن عيسى العقولي من صنائع دولتهم وأبناء وزرائهم قد عقد السلطان له على وزارته واستوصاه به فتعجل الأمر ودخل رؤوس بني مرين في الانحياش إلى أميرهم والفتك بالوزير الحسن بن عمر.وداخله في ذلك عمر بن ميمون لعداوة بينهما وبين الوزير فخشيهم الحسن بن عمر على نفسه.وفاوض عليه أهل المجلس بذات صدره وكانت نفرتهم عن ولي العهد مستحكمة لما بلوا من سوء دخلته وشر ملكته فاتفقوا على تحويل الأمر عنه.ثم نمي لهم أن السلطان مشرف على الهلكة لا محالة وأنه موقع بهم من قبل مهلكه فأجمعوا أمرهم على الفتك به والبيعة لأخيه السعيد طفلاً خماسياً.وباكروا دار السلطان وتقبضوا على وزيره موسى بن عيسى وعمر بن ميمون فقتلوهما وأجلسوا السعيد للبيعة.وأوعز وزيره مسعود بن رحو بن ماساي بالتقبض على أبي زيان من نواحي القصر فدخل إليه وتلطف في إخراجه من بين الحرم. وقاده إلى أخيه فبايعه وتله إلى بعض حجر القصر فأتلف فيها مهجته.واستقل الحسن بن عمر بالأمر يوم الأربعاء الرابع والعشرين لذي الحجة من سنة تسع وخمسين والسلطان أثناء ذلك على فراشه يجود بنفسه. وارتق الناس دفنه يوم الخميس والجمعة بعده فلم يدفن فارتابوا.وفشا الكلام وارتاب الجماعة فأدخل الوزير زعموا إليه بمكانه من بيته من غطه حتى أتلفه.ودفن يوم السبت وحجب الحسن بن عمر الولد السعيد المنصوب للأمر وأغلق عليه بابه وتفرد بالأمر والنهي دونه.ولحق عبد الرحمن ابن السلطان أبي عنان بجبل لكاي يوم بيعة أخيه وكان أسن منه وإنما آثروه لمكان ابن عمه مسعود بن ماساي من وزارته فبعثوا إليه من لاطفه واستنزله على الأمان وجاء به إلى أخيه فاعتقله الحسن بالقصبة من فاس.وبعث عن أبناء السلطان الأصاغر الأمراء بالثغور فجاء المعتصم من سجلماسة وامتنع المعتمد بمراكش كان بها كفالة عامر بن محمد الهنتاتي استوصاه به السلطان وجعله هنالك لنظره فمنعه من الوصول وخرج به من مراكش إلى معقله من جبل هنتاتة وجهز الوزير العساكر لمحاربته.ولم يزل هنالك إلى أن استنزله عمه السلطان أبو سالم عند استيلائه على ملك المغرب كما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم. الخبر عن تجهيز العساكر إلى مراكش ونهوض الوزير سليمان بن داود لمحاربة عامر بن محمد بن علي كان عامر بن محمد بن علي شيخ هنتاتة من قبائل المصامدة.وكان السلطان يعقوب قد استعمل أباه محمد بن علي على جباياتهم والسلطان أبو سعيد استعمل عمه موسى بن علي. وربي عامر هذا في كفالة الدولة وسار في جملة السلطان إلى إفريقية وولاه السلطان أحكام الشرطة بتونس.ولما ركب البحر إلى المغرب أركب حرمه وحظاياه في السفين وجعلهم إلى نظر عامر بن محمد. وأجازوا البحر إلى الأندلس فنزلوا المرية.وبلغهم غرق الأسطول بالسلطان أبي الحسن وعساكره فأقام بهم بمكانه في المرية. وبعث السلطان أبو عنان عنه فلم يجب داعيه وفاء ببيعة أبيه.حتى إذا هلك السلطان أبو الحسن بدارهم بالجبل ورعى لهم السلطان أبو عنان إجارتهم لأبيه حين لفظته البلاد وتحاماه الناس أجمع أمره على الوفادة عليه فوفد بمن معه من الحرم.وأكرم السلطان أبو عنان وفادته وأحسن نزله.ثم عقد له على جباية المصامدة سنة أربع وخمسين وبعثه لها من تلمسان فاضطلع بهذه الولاية.وأحسن الغناء فيها والكفاية عليها حتى كان السلطان أبو عنان يقول وددت لو أصبت رجلاً يكفيني ناحية الشرق من سلطاني كما كفاني عامر بن محمد ناحية الغرب وأتورع.ونافسه الوزراء في مقامه ذلك عند السلطان ورتبته.وانفرد الحسن بن عامر آخر الأمر بوزارة السلطان فاشتدت منافستهم وانتهت إلى العداوة والسعاية.وكان السلطان بين يدي مهلكه ولى أبناءه الأصاغر على أعمال ملكه فعقد لابنه محمد المعتمد على مراكش واستوزر له وجعله إلى نظر عامر واستوصاه به.فلما هلك السلطان وانتقل الحسن بن عمر بالأمر ونصب السعيد للملك استقدم الأبناء من الجهات فبعث عن المعتمد بمراكش فأبى عليه عامر من الوفادة عليهم وصعد به إلى معقله من جبل هنتاتة. وبلغ الحسن بن عمر خبره فجهز إليه العساكر وأزاح عللهم.وعقد على حربه للوزير سليمان بن داود مساهمة في القيام بالأمر وسرحه في المحرم من سنة ستين فأغذ السير إلى مراكش واستولى عليها.وصمد إلى الجبل فأحاط به وضيق على عامر وطاول منازلته.وأشرف على اقتحام معقله إلى أن بلغ خبر افتراق في مرين وخروج منصور بن سليمان من أعياص الملك على الدولة وأنه منازل للبلد الجديد فانفض المعسكر من حوله وتسابقوا إلى منصور بن سليمان فلحق به الوزير سليمان بن داود وتنفس المخنق عن عامر إلى أن استولى السلطان أبو سالم على ملك المغرب في شعبان من سنة ستين. واستقدم عامر والمعتمد ابن أخيه من مكانهم بالجبل فقدم الخبر عن ظهور أبي حمو بنواحي تلمسان وتجهيز العساكر لمدافعته ثم تغلبه عليها وما تخلل ذلك من الأحداث كان أبناء عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن هؤلاء أربعة كما ذكرناه في أخبارهم وكان يوسف كبيرهم وكان سكوناً منتحلاً لطرق الخير لا يريد علوا في الأرض. ولما ملك أخوه عثمان بتلمسان عقد له على تنس.وكان ابنه موسى متقبلاً مذهبه في السكون والدعة ومجانبة أهل الشر. ولما تغلب السلطان أبو عنان عليهم سنة ثلاث وخمسين وفر أبو ثابت إلى قاصية الشرق واهتبلتهم قبائل زواوة وأرجلوهم عن خيلهم سعوا على أقدامهم.وانتبذ أبو ثابت وأبو زيان ابن أخيه أبي سعيد وموسى ابن أخيه يوسف ووزيرهم يحيى بن داود ناحية عن قومهم وسلكوا غير طريقهم وتقبض على أي ثابت ويحيى بن داود ومحمد بن عثمان وخلص موسى إلى تونس فنزل على الحاجب أبي محمد بن تافراكين وسلطانه خير نزل وأجاره مع فل من قومه خلصوا إليهم وأسنوا جرايتهم. وبعث السلطان أبو عنان فيهم إلى ابن تافراكين فأبى من إسلامهم وجاهر بإجارتهم على السلطان.ولما استولت عساكر السلطان على تونس وأجفل عنها سلطانها أبو إسحاق إبراهيم ابن مولانا السلطان أبي يحيى خرج موسى بن يوسف هذا في جملته.ولما رجع السلطان إلى المغرب صمد المولى أبو إسحاق إبراهيم ابن مولانا السلطان أبي يحيى وابن أخيه المولى أبو زيد صاحب قسنطينة مع يعقوب بن علي وقومه من الدواودة إلى منازلة قسنطينة وإرتجاعها. وسار في جملتهم موسى بن يوسف هذا فيمن كان عندهم من زناتة قومه.وكان بنو عامر بن زغبة خارجين على السلطان أبي عنان منذ غلبه بني عبد الواد على تلمسان.وكانت رياستهم إلى صغير بن عامر بن إبراهيم فلحق بإفريقية في قومه. ونزلوا على يعقوب بن علي وجاوروه بحللهم وظعنهم.فلما أفرجوا عن قسنطينة بعد امتناعها واعتزم صغير على الرحلة بقومه إلى وطنهم من صحراء المغرب الأوسط دعوا موسى بن يوسف هذا إلى الرحلة معهم لينصبوه للأمر ويجلبوا به على تلمسان فخلى الموحدون سبيله وأعانوه بما اقتدروا عليه لوقتهم وعلى حال سفرهم من آلة وفسطاط.وارتحل مع بني عامر وارتحل معهم صولة بن يعقوب بن علي وزيان بن عثمان بن سباع من أمراء الدواودة ودغار بن عيسى في حلله من بني سعيد إحدى بطون رياح. وأغذ السير إلى المغرب للعيث في نواحيه. وجمع لهم أقتالهم من سويد أولياء السلطان والدولة.والتقوا بقبلة تلمسان فانهزمت سويد وهلك عثمان ابن كبيرهم ونزمار وكان مهلك السلطان في خلال ذلك.وكان السلطان حين استعمل الأبناء على الجهات عقد لمحمد المهدي من أولاده على تلمسان.ولما اتصل خبر وفاة السلطان بالعرب أغذوا السير إلى تلمسان وملكوا ضواحيها. وجهز الحسن بن عمر إليها عسكراً عقد عليه وعلى الحامية الذين بها لسعيد بن موسى العجيسي من صنائع السلطان وسرحه إليها وسار في جملته أحمد بن مزني فاصلاً إلى عمله بعد أن وصله وخلع عليه وحمله.وسار سعيد بن موسى في العساكر إلى تلمسان فاحتل بها في صفر من سنة ستين.وزحف إليهم جموع بني عامر وسلطانهم أبو موسى بن يوسف فغلبوهم على الضاحية وأحجزوهم بالبلد.ثم نازلوهم الحرب أياماً واقتحموها عليهم لثمان خلون من ربيع واستباحوا من كان بها من العسكر وامتلأت أيديهم من أسلابهم ونهابهم.وخلص سعيد بن موسى بابن السلطان إلى حفة صغير بن عامر فأجاره ومن جاء على أثره من قومه وأوفد معهم رجالات من بني عامر ينفضون الطريق أمامه إلى أن أبلغوه مأمنه من دار ملكهم.واستولى أبو حمو على ملك تلمسان واستأثر بالهدية التي ألفى بمودعها كان السلطان انتقاها وبعث بها إلى صاحب برشلونة بطره بن ألقنط وبعث إليه بها بفرس أدهم من مقرباته بمركب ولجام ذهبيين ثقيلين.فاتخذ أبو حمو ذلك الفرس لركوبه وصرف الهدية في مصارفه ووجوه مذاهبه.والله غالب على أمره. |
الخبر عن نهوض الوزير مسعود بن ماساي إلي تلمسان وتغلبه عليها
ثم انتقاضه ونصبه منصور بن سليمان للأمر لما بلغ الوزير الحسن بن عمر خبر تلمسان واستيلاء أبي حمو عليها جمع مشيخة بني مرين وأمرهم في النهوض إليها فأبوا عليه من النهوض بنفسه وأشاروا بتجهيز العسكر ووعدوه بمسيرهم كافة ففتح ديوان العطاء وفرق الأموال وأسنى الصلات وأزاح العلل وعسكر بساحة البلد الجديد.ثم عقد عليهم لمسعود بن رحو بن ماساي وحمل من المال وأعطاه الآلة وسار في الألوية والعساكر. وكان في جملته منصور بن سليمان بن أبي مالك بن يعقوب بن عبد الحق وكان الناس يرجون بأن سلطان المغرب صائر إليه بعد مهلك أبي عنان.وشاع ذلك في ألسنة الناس وذاع وتحدث به السمر والندمان وخشي منصور على نفسه لذلك فجاء إلى الوزير وشكا إليه ذلك فانتهره بأن لا يختلج بفكره مثل هذا الوسواس انتهاراً خلا من وجه السياسة فازدجر واقتصر.ولقد شهدت هذا الموطن ورجمت ذلة انكساره وخضوعه في موقفه. ورحل الوزير مسعود في التعبية.وأفرج أبو حمو عن تلمسان ودخلها مسعود في ربيع الثاني واستولى عليها. وخرج أبو حمو إلى الصحراء وقد اجتمعت إليه جموع العرب من رغبة والمعقل.ثم خالفوا بني مرين إلى المغرب واحتلوا بأنكاد بحللهم وظواعنهم وجهز مسعود بن رحو ي إليهم عسكراً من جنوده انتقى فيه مشيخة من بني مرين وأمرائهم وعقد عليهم لعامر ابن عمه عبو بن ماساي. وسرحهم فزحفوا إليهم بساحة وجدة.وصدقهم العرب الحملة فانكشفوا واستبيح معسكرهم واستلبت مشيختهم وأرجلوا عن خيلهم ودخلوا إلى وجدة عراة.وبلغ الخبرإلى بني مرين بتلمسان وكان في قلوبهم مرض من استبداد الوزير عليهم وحجزه لسلطانهم فكانوا يتربصون بالدولة. فلما بلغ الخبروجاض الناس له جيضة الحمر خلص بعضهم نجياً بساحة البلد واتفقوا على البيعة ليعيش بن علي بن أبي زيان ابن السلطان أبي يعقوب فبايعوه. وانتهى الخبر إلى الوزير مسعود بن رحو وكان متحيناً سلطان منصور بن سليمان فاستدعاه وأكرهه على البيعة وبايعه معه الرئيس الأكبر من بني الأحمر وقائد جند النصارى القمندوز وتسايل إليه الناس وتسامع الملأ من بني مرين بالخبر فبادروا إليه من كل جانب.وذهب يعيش ابن أبي زيان لوجه فركب البحر وخلص إلى الأندلس وانعقد الأمر لمنصور بن سليمان. واجتمع بنو مرين على كلمته وارتحل بهم من تلمسان يريد المغرب.واعترضتهم جموع العرب بطريقهم فأوقعوا بهم وامتلأت أيديهم من أسلابهم وظعنهم.وأغذوا السير إلى المغرب واحتلوا بسبو في منتصف جمادى الآخرة وبلغ الخبرإلى الحسن بن عمرة فاضطرب معسكره بساحة البلد.وأخرج السلطان في الآلة والتعبية إلى أن أنزله بفسطاطه.ولما غشيهم الليل انفضوا عنه ونزع الملأ إلى السلطان منصور بن سليمان فأوقد الشموع وأذكى النيران حول الفسطاط وجمع الموالي والجند وأركب السلطان ودخل إلى قصره وانحجز بالبلد الجديد.وأصبح منصور بن سليمان فارتحل في التعبية حتى نزل بكدية العرائس في الثاني والعشرين لجمادى واضطرب معسكره بها وغدا عليها بالقتال وشد عليها الحملات وامتنعت ليومها.ثم جمع الأيدي على اتخاذ الآلات للحصار. واجتمعت إليه وفود الأمصار بالمغرب للبيعة.ولحقت به كتائب بني مرين التي كانت مجمرة بمراكش لحصار عامر مع الوزير سليمان بن داود فاستوزره وأطلق عبد الله بن علي وزير السلطان أبي عنان من معتقله فاستوزره أيضاً.وأوعز بإطلاق مولانا أبي العباس صاحت قسنطينة من معتقله بسبتة فخلص منه خلوص الإبريز بعد السبك. وأمر منصور بن سليمان بتسريح السجون فخرج من كان بها من دغار بجاية وقسنطينة وكانوا معتقلين من لدن استحواذ السلطان أبي عنان على بلادهم.وانطلقوا إلى مواطنهم وأقام على البلد الجديد يغاديها بالقتال ويراوحها. ونزع عنه إلى الوزير الحسن بن عمر طائفة من بني مرين. ولحق آخرون ببلادهم وانتقضوا عليه ينتظرون مآل أمره.ولبث على هذه الحال إلى غرة شعبان فكان من قدوم السلطان أبي سالم لملك سلفه بالمغرب واستيلائه عليه ما نذكره إن شاء الله الخبر عن نزول المولى أبي سالم بجبال غمارة واستيلائه على ملك المغرب ومقتل منصور بن سليمان كان السلطان أبو سالم بعد مهلك أبيه واستقراره بالأندلس وخروج أبي الفضل بالسوس لطلب الأمر ثم ظفر السلطان أبي عنان به ومهلكه كما ذكرنا قد تورع وسكن وسالمه السلطان. ثم هلك سلطان الأندلس أبو الحجاج سنة خمس وخمسينيوم الفطر بمصلى العيد طعنه أسود موسوس كان ينسب إلى أخيه محمد من بعض إماء قصرهم.ونصبوا للأمر ابنه محمداً وأحجبه مولاه رمضان واستبد عليه. وكان للسلطان أبي عنان اعتزاز كما ذكرناه وكان يؤمل ملك الأندلس.وأوعز إليهم عندما طرقه من طائف المرض سنة سبع وخمسين أن يبعثوا إليه طبيب دارهم إبراهيم بن زرزر الذمي وامتنع من ذلك اليهودي واعتذروا عذره فنكر لهم السلطان قبله.ولما وصل إلى فاس من فتح قسنطينة وإفريقية وتقبض على وزيره والمشيخة من قبله تجنياً عليهم إن لم يبادر السلطان بنفسه وحاجبه للتهنية.وأظلم الجو بينهم واعتزم على النهوض إليهم وكانوا منحاشين بالجملة إلى الطاغية بطره بن أذفونش صاحب قشتالة منذ مهلك أبيه ألهنشة على جبل المفتح سنة إحدى وخمسين.ثم استبد رضوان على الدولة بعد مهلك أبي الحجاج كانت له صاغية إليهم ظاهرها النظر للمسلمين بمسالمة عدوهم.وكان السلطان أبو عنان يعتد ذلك عليهم وعلم أنه لا بد أن يمدهم بأساطيله ويدافعوه عن الإجازة إليهم.وكان بين الطاغية بطرة وبين قمص برشلونة فتنة هلك فيها أهل ملتهم فصرف السلطان قصده إلى قمص برشلونة وخاطبه في اتصال اليد على أدفونش واجتماع أسطول المسلمين وأسطول القمص بالزقاق وضربوا بذلك الموعد.وأتحفه السلطان بهدية سنية من متاع المغرب وماعونه ومركب ذهبي صنيع ومقرب من جياده. وأنفذها إليه فبلغت تلمسان وهلكت قبل وصولها إلى محلها.ولما هلك السلطان أبو عنان أمل أخوه المولى أبو سالم ملك أبيه وطمع في مظاهرة أهل الأندلس له على ذلك لما كان بينهم وبين أخيه.واستدعاه أشياع من أهل المغرب ووصل البعض منهم إليه بمكانه من غرناطة وطلب الإذن من رضوان في الإجازة فأبى عليه فاحفظه ذلك. ونزع إلى ملك قشتالة متطارحاً بنفسه عليه أن يجهز له الأسطول للإجازة إلى المغرب فاشترط عليه وتقبل شرطه.وأجازه في أسطوله إلى مراكش فامتنع عامر من قبوله لما كان فيه من التضييق والحصار بحصة سليمان بن داود كما ذكرناه فانكفأ راجعاً على عقبه.فلما حاذى طنجة وبلاد غمارة ألقى بنفسه إليهم ونزل بالصفيحة من بلادهم.واشتملت عليه قبائلهم وتسايلو وملك سبتة وطنجة وبها يومئذ السلطان أبو العباس ابن أبي حفص صاحب قسنطينة لحق بها بعد الخروج من اعتقاله بسبتة كما ذكرناه فاختصه المولى أبو سالم. بالصحابة والخلة وألفه في اغترابه ذلك إلى أن استولى على ملكه.وألقى بطنجة الحسن بن يوسف الورتاجني وكاتب ديوان الجند أبا الحسن علي بن السعود والشريف أبا القاسم التلمساني.كان منصور بن سليمان ارتاب بهم واتهمهم بمداخلة الحسن بن عمر بمكانه من البلد الجديد فصرفهم من معسكره إلى الأندلس فوافوا المولى أبا سالم عند استيلائه على طنجة فساروا في إيالته.واستوزر الحسن بن يوسف واستكتب لعلامته أبا الحسن علي بن السعود واختص الشريف بالمجالسة والمراكبة. ثم قام أهل الثغور الأندلسية بدعوته.وأجاز يحياتن بن عمر صاحب جبل الفتح إليه بمن كان معه من المعسكر. وطنت حصاة المولى أبي سالم واتسع معسكره وبلغ خبره إلى الثائر على البلد الجديد منصور بن سليمان فجهز عسكراً لدفاعه. وعقد عليه لأخويه عيسى وطلحة وأنزلهم قصر كتامة.وقاتلوه فهزموه واعتصم بالجبل. وبادر الحسن بن عمر من وراء الجدران فبعث إليه بطاعته ووعده بالتمكن من دار ملكه.وداخل بعض أشياع المولى أبي تسالم مسعودك بن رحو بن ماساي وزير منصور في النزوع إلى السلطان وكان قد ارتاب بمنصور وابنه علي فنزع وانفض الناس من حول منصور وتخاذل أشياعه من بني مرين ولحق ببادس من سواحل المغرب.ومشى أهل المعسكر بأجمعهم في ساقاتهم ومواكبهم على التعبية فلحقوا بالسلطان أبي سالم واستغذوه إلى دار ملكه فأغذ السير وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد عن الأمر وأسلمه إلى عمه وخرج إليه فبايعه.ودخل السلطان إلى البلد الجديد يوم الجمعة منتصف شعبان من سنة ستين. واستولى على ملك المغرب وتوافت وفود النواحي بالبيعات.وعقد للحسن بن عمر كلى مراكش وجهزه إليها بالعساكر ريبة بمكانه. واستوزر مسعود بن رخو بن ماساي والحسن بن يوسف الورتاجني واصطفى من خواصه خطيب أبيه الفقيه أبا عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق وجعل إلى مؤلف هذا الكتاب توقيعه وكتابة سره.وكنت نزعت إليه من معسكر منصور بن سليمان بكدية العرائس لما رأيت من اختلال أحواله ومصير الأمر إلى السلطان فأقبل علي وأنزلني بمحل البنوة واستخلصني لكتابته.واستوسق أمره بالمغرب. وتقبض شيعة السلطان ببادس على منصور بن سليمان وابنه علي وقادوهم مصفدين إلى سدته فأحضرهم ووبخهم. وجنبوا إلى مصارعهم فقتلوا قعصاً بالرماح آخر شعبان من سنته. وجمع الأبناء والقرابة المرشحين من ولد أبيه وعمه فأشخصهم إلى رندة من ثغورهم بالأندلس ووكل بهم من يحرسهم. ونزع محمد بن أبي أخيه أبي عبد الرحمن منهم إلى غرناطة. ثم لحق منها بالطاغية واستقر لديه حتى كان من تملكه المغرب ما نقصه.وهلك الباقون غرقاً في البحر بإيعاز السلطان بذلك بعد مدة من سلطانه أركبهم السفين إلى المشرق ثم غرقهم.وخلص الملك من الخوارج والمنازعين واستوسق له الأمر والله غالب على أمره.احتفل السلطان في كرامة مولانا السلطان أبي العباس وشاد ببره وأوعز باتخاذ دار عامر بن فتح الله وزير أبيه لنزله ومهد له المجلس لصق أريكته ووعده بالمظاهرة على ملكه إلى أن بعثه من تلمسان عند استيلائه عليها كما نذكر إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن خلع ابن الأحمر صاحب غرناطة ومقتل رضوان
ومقدمه على السلطان لما هلك السلطان أبو الحجاج سنة خمس وخمسين ونضب ابنه محمد للأمر واستبد عليه رضوان مولى أبيه وكان قد رشح ابنه الأصغر إسماعيل بما ألقى عليه وعلى أمه من محبته.فلما عدلوا بالأمر عنه حجبوه ببعض قصورهم وكان له صهر من ابن عمه محمد بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد في شقيقه فكان يدعوه سراً إلى القيام بأمره حتى أمكنته فرصة في الدولة فخرج السلطان إلى بعض متنزهاته برياضه فصعد سور الحمراء ليلة سبع وعشرين لرمضان من سنة ستين في أوشاب جمعهم من الطغام لثورته. وعمد إلى دار الحاجب رضوان فاقتحم عليه الدار وقتله بين حرمه وبناته.وقربوا إلى إسماعيل فرسه وركبه فأدخلوه القصر وأعلنوا ببيعته. وقرعوا طبولهم بسور الحمراء وفر السلطان من مكانه بمتنزهه فلحق بوادي آش. وغدا الخاصة والعامة على إسماعيل فبايعوه. واستبد عليه هذا الرئيس ابن عمه.ثم قتله لأشهر من بيعته واستقل بسلطان الأندلس ولما لحق السلطان أبو عبد الله بوادي آش بعد مقتل حاجبه رضوان واتصل الخبر بالسلطان المولى أبي سالم امتعض لمهلك رضوان وخلع السلطان رعيا لما سلف له في جوارهم.وأزعج لحينه أبا القاسم الشريف من أهل مجلسه لاستقدامه فوصل إلى الأندلس وعقد مع أهل الدولة على إجازة المخلوع من وادي آش إلى المغرب وأطلق من اعتقالهم الوزير الكاتب أبا عبد الله بن الخطيب كانوا اعتقلوه لأول أمره لما كان رديفاً للحاجب رضوان وركنا لدولة المخلوع فأوصر المولى أبو سالم إليهم بإطلاقه فأطلقوه.ولحق الرسول أبو القاسم بسلطانه المخلوع بوادي آش للإجازة إلى المغرب وأجاز لذي القعدة من سنته. وتم على السلطان بفاس فأجل قدومه وركب للقائه ودخل به إلى مجلس ملكه وقد احتفل بزينته وغص بالمشيخة والعلية.ووقف وزيره ابن الخطيب فأنشد السلطان قصيدته الرائية يستصرخه لسلطانه ويستحثه لمظاهرته على أمره. واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة ورحمة.ونص القصيدة سلا هل لديها من مخبرة ذكر وهل أعشب الوادي ونم به الزهر وهل باكر الوسمي داراً على اللوا عفت آيها إلا التوهم والذكر وجوي الذي ربى جناحي وكره فها أنا ذا مالي جناح ولا وكر نبت بي لا عن جفوة وملالة ولا نسخ الوصل الهني بها هجر ولكنها الدنيا قليل متاعها ولذاتها دأباً تزور وتزور فمن لي بنيل القرب منها ودوننا مدى طال حتى يومه عندنا شهر ولله عيناً من رآنا وللأسى ضرام له في كل جانحة جمر وقد بددت در الدموع يد النوى وللبين أشجان يضيق لها الصدر بكينا على النهر السرور عشية فعاد أجاجاً بعدنا ذلك النهر أقول لأظغاني وقد غالها السرى وآنسها الحادي وأوحشها الزجر رويدك بعد العسر يسر فابشري بإنجاز وعد الله قد ذهب العسر ولله فينا سر غيب وربما أتى النفع من حال يكون بها الضر وإن تجبن الأثام لم يجبن النهى وإن تخذل الأقوام لم يخذل الصبر وإن عركت مني الخطوب مجرياً نفاقاً تساوى عنده الحلو والمر بمنتخب من آل يعقوب كلما دجا الخطب لم يكذب لعزمته فخر تناقلت الركبان طيب حديثه فلما رأته صدق الخبر الخبر ندى لو حواه البحر لذ مذاقه ولم يتعقب مده أبداً جزر وبأس غدا يرتاع من خوفه الردى وترفل في أذياله البتكة البكر أطاعته حتى العصم في قنن الربا وهشت إلى تأميله الأنجم الزهر قصدنا لك يا مولى الملوك على النوى لتنصفنا مما جنى عبدك الدهر كففنا بك الأيام عن غلوائها وقد رابنا منها التعسف والكبر وعدنا بذاك المجد فانصرف الردى ولذنا بذاك العز فانهزم الذعر ولما أتينا البحر يرهب موجه ذكرنا بذاك الغمر فاحتقر البحر خلافتك العظمى ومن لم يدن بها فإيمانه لغو وعرفانه نكر ووصفك يهدي المدح قصد صوابه إذا ضل في أوصاف من دونك الشعر دعتك قلوب المسلمين وأخلصت ولد طاب منها السر لله والجهر وأمنت بالسلم البلاد وأهلها فلا ضيمة تعدو ولا روعة تعرو وقد كان مولانا أبوك مصرحاً بأنك في أبنائه الولد البر وكنت حقيقاً بالخلافة بعده على الفور لكن كل شيء له قدر فأوحشت من دار الخلافة هالة أقامت زماناً لا يلوح بهما البدر ورد عليك الله حقك إذ قضى بأن تشمل النعمى وينسدل الستر وقاد إليك الملك رفقاً بخلقه وقد عدموا ركن الأمانة واضطروا وزادك بالتمحيص عزاً ورفعة وأجراً ولولا السبك ما عرف التبر وأنت الذي تدعى إذا دهم الردى وأنت الذي ترجى إذا أخلف القطر وأنت إذا جار الزمان بحكمه لك النقض والإبرام والنهي والأمر وهذا ابن نصر قد أتى وجناحه كسير ومن علياك يلتمس الجبر غريب يرجي منك ما أنت أهله فإن كنت تبغي الفخر قد جاءك الفخر فعد يا أمير المسلمين لبيعة موثقة قد حل عقدتها الغدر فإن قيل مال مالك الدثر وافر وإن قيل جيش عندك العسكر المجر يكف بك العادي ويحيا بك الهدى ويبني بك الإسلام ما هدم الكفر أعده إلى أوطانه عنك ثانياً وقلده نعماك التي ما لها حصر وعاجل قلوب الناس فيه بجبرها فقد صدهم عنه التغلب والقهر وهم يرقبون الفعل منك وصفقة تحاولها يمناك ما بعدها خسر مرامك سهل لا يؤدك كفله سوى عرض ما إن له في العلى حظر وما العمر إلا زينة مستعارة ترد ولكن الثناء هو العمر ومن باع ما يفنى بباق مخلد فقد انجح المسعى وقد ربح التجر ومن دون ما يبغيه يا مالك العلا جياد المذاكي والمحجلة الغر وراد وشقر واضحات شياتها فأجسامها تبر وأرجلها در وشهب إذا ما ضمرت يوم غارة مطهمة غارت بها الأنجم الزهر وأسد رجال من مرين أعزة عمائمها بيض وآسالها سمر وإن سمعوا العوراء فروا بأنفس حرام على هماتها في الوغى الفر وإن مدحوا اهتزوا ارتياحاً كأنهم نشاوى تمشت في معاطفهم خمر وتبسم ما بين الوشيج ثغورهم وما بين قضب الدوح يبتسم الزهر أمولاي غاضت فكرتي وتبلدت طباعي فلا طبع يعين ولا فكر ولولا حنان منك داركتني به وأحييتني لم يبق عين ولا إثر فأوجدت مني فائتاً أي فائت وأنشرت ميتاً ضم أشلاءه قبر بدأت بفضل لم أكن لعظيمه بأهل فجل اللطف وانشرح الصدر وطوقتني النعمى المضاعفة التي يقل عليها مني الحمد والشكر وأنت بتتميم الصنائع كافل إلى أن يعود العز والجاه والوقر جزاك الذي أسنى مقامك رحمة تفك بها العاني وينعش مضطر إذا نحن أثنينا عليك بمدحة فهيهات يحصى الرمل أو يحصر القطر ولكننا نأتي بما نستطيعه ومن بذل المجهود حق له العذر الصنائع.وانحفظ عليه رسم سلطانه في الموكب والرجل ولم يفقد من ألقاب ملكه إلا الآلة أدباً مع السلطان.واستقر في جملته إلى أن كان من لحاقه بالأندلس وارتجاع ملكه سنة ثلاث وستين ما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن انتقاض الحسن بن عمر وخروجه بتادلا وتغلب السلطان عليه ومهلكه لما فصل الوزير الحسن بن عمر إلى مراكش واستقر بها تأثل له بها سلطان ورياسة نفسها عليه الوزراء بمجلس السلطان وسعوا في تنكر السلطان له حتى أظلم الجو بينهما.وشعر الوزير بذلك فارتاب بمكانه وخشي بادرة السلطان على نفسه.وخرج من مراكش في شهر صفر من سنة إحدى وستين فلحق بتادلا منحرفاً عن الطاعة مرتكباً في أمره. وتلقاه بنو جابر من جشم واعصوصبوا عليه وأجاروه.وجهز السلطان عساكره إلى حربه وعقد عليها لوزيره الحسن بن يوسف وسرحه إليه فاحتل بتادلا.ولحق الحسن بن عمر بالجبل واعتصم به مع حسين بن علي الورديغي كبيرهم.وأحاطت بهم العساكر وأخذوا بمخنقهم. وداخل الوزير بعض أهل الجبل من صناكة في الثورة بهم. وسرب إليهم المال فثاروا بهم وانفض جمعهم.وتقبض على الحسن بن عمر وقادوه برفته إلى عسكر السلطان فاعتقله الوزير وانكفأ راجعاً إلى الحضرة وقدم به على السلطان في يوم مشهود استركب السلطان فيه العسكر.وجلس ببرج الذهب مقعده من ساحة البلد لاعتراض عساكره. وحمل الحسن بن عمر على جمل طائف به بين أهل ذلك المحشر.وقرب إلى المجلس فأومأ إلى تقبيل الأرض فوق جمله وركب السلطان إلى قصره. وانفض الجميع وقد شهدوا عبرة من عبر الدنيا. ودخل السلطان قصره واقتعد أريكته واستدعى خاضته وجلساءه. وأحضره فوبخه وقرر عليه مرتكبه فتلوى بالمعاذير وفزع إلى الإنكار.حضرت يومئذ هذا المجلس فيمن حضره من العلية والخاصة فكان مقاماً تسيل فيه العيون رحمة وعبرة.ثم أمر به السلطان فسحب على وجهه ونتفت لحيته وضرب بالعصا. وتل إلى محبسه وقتل لليال من اعتقاله قعصاً بالرماح بساحة البلد. وصلب شلوه بسور البلد عند باب المحروق وأصبح مثلاً في الآخرين. الخبر عن وفد السودان وهديتهم وإغرابهم فيها بالزرافة كان السلطان أبو الحسن لما أهدى إلى ملك السودان منسا سليمان بن منسا موسى هديته المذكورة في خبره اعتمل في مكافأته وجمع لمهاداته من طرف أرضه وغرائب بلاده.وهلك السلطان أبو الحسن خلال ذلك. ووصلت الهدية إلى أقصى تخومهم من والأتن. هلك منسا سليمان قبل وصولها. واختلف أهل مالي وافترق ملكهم. وتواثب ملوكهم على الأمر وقتل بعضهم بعضاً.وشغلوا بالفتنة حتى قام فيهم منسا جاطه واستوسق له أمرهم ونظر في أعطاف ملكه.وأخبر بشأن الهدية وأخبر أنها بوالاتن فأمر بإنفاذها إلى ملك المغرب. وضم إليها الزرافة الحيوان الغريب الشكل العظيم الهيكل المختلف الشبه بالحيوانات. وفصلوا بها من بلادهم فوصلوا إلى فاس في صفر من سنة اثنتين وستين. وكان يوم وفادتهم يوماً مشهوداً جلس لهم السلطان ببرج الذهب مجلس العرض.ونودي في الناس بالبروز إلى الصحراء فبرزوا ينسلون من كل حدب حتى غص بهم الفضاء وركب بعضهم بعضاً في الازدحام على الزرافة إعجابا بخلقها. وأنشد الشعراء في عرض المدح والتهنية ووصف الحال.وحضر الوفد بين يدي السلطان وأدوا رسالاتهم بتأكيد الود والمخالصة والعذر عن إبطاء الهدية بما كان من اختلاف أهل مالي وتواثبهم على الأمر وتعظيماً سلطانهم وما صاروا إليه والترجمان يترجم عنهم وهم يصدقونه بالنزع في أوتار قسيهم عادة معروفة لهم. وحيوا السلطان يحثون التراب على رؤوسهم على سنة ملوك العجم. ثم ركب السلطان وانفض ذلك المجلس وقد طار به الذكر.واستقر ذلك الوفد في إيالة السلطان وتحت جرايته وهلك السلطان قبل انصرافهم فوصلهم القائم بالأمر من بعده. وانصرفوا إلى مراكش وأجازوا منها إلى ذوي حسان عرب السوس من المعقل المتصلين ببلادهم. الخبر عن حركة السلطان إلى تلمسان واستيلائه عليها وإيثار أبي زيان حافد أبي تاشفين بملكها. وما كان مع ذلك من صرف أمراء الموحدين إلى بلدهم لما استقل السلطان بملك المغرب سنة ستين كما ذكرناه وكان العامل على درعة عبد الله بن مسلم الزردالي من أخلاف بني عبد الواد وشيعة آل زيان اصطنعه السلطان أبو الحسن عند تغلبه على تلمسان. واستعمله ابنه أبو عنان بعد ذلك على بلاد درعة كما ذكرناه.وتولى المكر بأبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن حين خروجه على أخيه السلطان أبي عنان بجبل ابن حميدي فارتاب عند استقلال المولى أبي سالم بالأمر.وخشي بادرته لما نابهم من حقده عليه بسبب أخيه أبي الفضل لما بينهما من لحمة الاغتراب فداخل بطانة له من عرب المعقل واحتمل ذخائره وأمواله وأهله وقطع القفر والى تلمسان.ولحق بالسلطان أبي حمو آخر سنة ستين فنزل منه خير نزل.وعقد له لحين وصوله على وزارته وبإهابه وبمكانه. وفوض إليه في التدبير والحال والعقد.وشمر هو عن ساعده في الخدمة. وجاجأ بعرب المعقل من مواطنيهم رغبة في ولايته وإيثاراً لمكانه من الدولة. ورهبة من السلطان بالمغرب لما كانوا ارتكبوه من مواقفة بني مرين كرة بعد أخرى فاستقروا بتلمسان وانحاشوا جميعاً إلى بني عبد الواد.وبعث السلطان إلى أبي حمو في شأن عاملهم عبد الله بن مسلم فلم يرجع له جواباً عنه.وحظر عليه ولاية المعقل أهل وطنه فلج في شأنهم فأجمع السلطان أمره على النهوض إليه.واضطرب معسكره بساحة البلد وفتح ديوان العطاء. ونادى في الناس بالنفير إلى تلمسان وأزاح العلل.وبعث الحاشرين من وزرائه إلى مراكش فتوافت حشود الجهات ببابه وفصل من فاس في جمادى من سنة إحدى وستين.وجمع أبو حمو في إيالته وعلى التشيع لدولته من زنانة والعرب من بني عامر والمعقل كافة ما عدا العمارنة كان أميرهم الزبير بن طلحة متحيزاً إلى السلطان. وأجفلوا عن تلمسان وخرجوا إلى الصحراء. ودخل السلطان إلى تلمسان ثالث رجب.وخالفه أبو حمو وأشياعه إلى المغرب فنزلوا كرسيف بلد ونزمار بن عريف وخربوه.واكتسحوا ما وجدوا فيه حنقاً على ونزمار وقومه بولاية بني مرين. وتخطوا إلى وطاط فعاثوا في نواحيه. وانقلبوا إلى أنكاد. وبلغ السلطان خبرهم فتلافى أمر المغرب.وعقد على تلمسان لحافد من حفدة السلطان أبى تاشفين كان ربي في حجرهم وتحت كفالة نعمتهم وهو أبو زيان محمد بن عثمان وشهرته بالفتى. وأنزله بالقصر القديم من تلمسان وعسكر عليه زناتة الشرق كلهم.واستوزر له ابن عمته عمر بن محمد بن إبراهيم بن مكن ومن أبناء وزرائهم سعيد بن موسى بن علي وأعطاه عشرة أحمال. من المال دنانير ودراهم. ودفع إليه الآلة.وذكر حينئذ لمولانا السلطان أبي العباس سوابقه وإيلافه في المنزل الخشن فنزل له عن محل إمارته قسنطينة.وصرف أيضاً المولى أبا عبد الله صاحب بجاية لاسترجاع بلده بجاية فعقد لهما بذلك وحملهما.وخلع عليهما وأعطاهما حملين من المال.وكانت بجاية لذلك العهد قد تغلب عليها عمهم المولى أبو إسحاق إبراهيم صاحب تونس فكتب إلى عاملهم على قسنطينة منصور بن الحاج خلوف أن ينزل عن بلده لمولانا السلطان أبي العباس ويمكنه منها.وودع هؤلاء الأمراء وانكفأ راجعاً إلى حضرته لسد ثغور المغرب وحسم داء العدوة فدخل فاس في شعبان من سنته.ولم يلبث أن رجع أبو زيان على أثره بعد أن أجفل عن تلمسان ولحق بوانشريش. وتغلب عليه أبو حمو وفض جموعه فلحق بالسلطان. واستقل أبو حمو بملك تلمسان. وبعث في السلم إلى السلطان فعقد له من ذلك ما رضيه كما نذكره. |
الخبر عن مهلك السلطان أبي سالم
واستيلاء حمو بن عبد الله علي ملك المغرب. ونصبه للملوك واحدا بعد آخر إلى أن هلك كان السلطان قد غلب على هواه الخطيب أبو عبد الله بن مرزوق وكان من خبره أن سلفه من أهل رباط الشيخ أبي مدين وكان جده قائماً على خدمة قبره ومسجده واتصل القيام على هذا الرباط في عقبه. وكان جده الثالث محمد معروفاً بالولاية. ولما مات دفنه يغمراسن بالقصر القديم ليجاوره بجدثه تبركاً به. وكان ابنه أحمد أبو محمد هذا قد ارتحل إلى المشرق. وجاور الحرمين إلى أن هلك وربي محمد ابنه بالمشرق ما بين الحجاز ومصر. وقفل إلى المغرب بعد أن شدا شيئاً في الطلب وتفقه على أولاد الإمام. ولما ابتنى السلطان أبو الحسن مسجد العباد ولاه الخطابة به وسمعه يخطب على المنبر وقد أحسن في ذكره والدعاء له فحلي بعينه واستخلصه لنفسه وأحله محل القرب من مجلسه. وجعله خطيباً حيث يصلي في مساجد المغرب وسفر عنه إلى الملوك.ولما كانت نكبة القيروان خلص إلى المغرب واستقر برباط العباد محل سلفه بعد أحوال أضربنا عن ذكرها اختصاراً.ولما خلص السلطان إلى الجزائر داخله أبو سعيد صاحب تلمسان في السفارة عنه إلى السلطان أبي الحسن وإصلاح بينهما فسار لذلك. ونقمه أبو ثابت وبنو عبد الواد ونكروه على سلطانهم.وسرحوا صغير بن عامر في اتباعه فتقبض عليه وأودعه المطبق.ثم شخصوه بعد حين إلى الأندلس فاتصل بأبي الحجاج صاحب غرناطة. وولاه ظابته ولما اشتهر به من إجادة الخطبة للملوك بزعمهم. وألف السلطان أبا سالم في مثوى غربته من غرناطة وشاركه عند أبي الحجاج في مهماته. ولما نزل بجبال غمارة داخل بني مرين والوزراء في القيام بدعوته.وكان له في ذلك مقام محمود فرعى السلطان وسائله وموالاته القديمة والحادثة إلى مقامه عند أبيه. فلما استوسق له ملك المغرب اختصه بولايته وألقى عليه محبته وعنايته. وكان مؤامره ونجي خلوته والغالب على هواه فانصرفت إليه الوجوه وخضعت له الرقاب ووطئ عتبته الأشراف والوزراء وعكف على بابه القواد والأمراء وصار زمام الدولة بيده. وكان يتجافى عن ذلك أكثر أوقاته حذراً من المغبة. ويزجر من يتعرض له في الشكاية ويردهم إلى أصحاب المراتب والخطط بباب السلطان وهم يعلمون أنه قد ضرب على أيديهم فنقموا ذلك عليه وسخطوا الدولة من أجله. ومرضت قلوب أهل الحل والعقد من تقدمه. ونفس عليه الوزراء ما تعين له عند السلطان من الحظ فتربصوا بالدولة. وشمل هذا الداء الخاصة والعامة.وكان عمر بن عبد الله بن علي لما هلك أبوه الوزير عبد الله بن علي في جمادى سنة ستين عند استيلاء السلطان على ملكه تجلت شفاه الدولة إلى تراثه.وكان مثرياً فاستجار منهم بابن مرزوق وساهمه من تراث أبيه بعد أن حملوا السلطان على النبل منه والإهانة به فأجاره منهم. ورفع عند السلطان رتبته وحمله على الإصهار إليه بأخته. وقلده السلطان أمانة البلد الجديد دار ملكه متى عنت له الرحلة عنها. وأصهر عمر إلى وزير الدولة مسعود بن ماساي تسكيناً لغربه واستخلاصا لمودته. وسفر عن السلطان إلى صاحب تلمسان في شعبان من سنة اثنتين وستين. ونمي عنه أنه داخل صاحب تلمسان في بعض المكر فهم بنكبته وقتله. ودافع عنه ابن مرزوق فخلص من عقابه. وطوى من ذلك على النث وتربص الدولة. وأعيد إلى مكانه من الأمانة على دار الملك أول ذي القعدة مرجعه من تلمسان لما كان السلطان قد تحول عنها إلى القصبة بفاس واختط إيواناً فخماً لجلوسه بها لصق قصوره متعنياً الأبردين. فلما استولى عمر على دار الملك حدثته نفسه بالتوثب.وسول له ذلك ما اطلع عليه من مرض القلوب والنكير على الدولة بمكان ابن مرزوق من السلطان فداخل قائد جند النصارى غرسية بن أنطون. وتعدوا لذلك ليلة الثلاثاء لسبع عشرين ذي القعدة سنة اثنتين وستين.وخلصوا إلى تاشفين الموسوس ابن السلطان أبي الحسن بمكانه من البلد الجديدة فخلعوا عليه وألبسوه شارة الملك. وقربوا له مركبة وأخرجوه إلى أريكة السلطان فأقعدوه عليها. وأكرهوا شيخ الحامية والناشبة محمد بن الزرقاء على البيعة له. وجهروا بالخلعان وقرعوا الطبول ودخلوا إلى مودع المال فأفاضوا العطاء من غير تقدير ولا حسبان.وماج أهل البلد الجديد من الجند بعضهم في بعض واختطفوا ما وصل إليهم من العطاء.وانتهبوا ما كان بالمخازن الخارجة من السلع والعدة. وأضرموا النار في بيوتها ستراً على ما ضاع منها. وأصبح السلطان بمكانه من القصبة فركب واجتمع إليه من حضر من الأولياء والقبائل.وغدا على البلد الجديد وطاف بها يروم فيها منفذاً فاستصعبت واضطرب معسكره بكدية العرايس لحصارها. ونادى في الناس بالاجتماع إليه.ونزل عند قائلة الهاجرة بفسطاطه فتسايل الناس عنه إلى البلد الجديد فوجاً بعد فوج بمرأى منه إلى أن سار إليها أهل خاصته ومجلسه فطلب النجاة بنفسه وركب في لمة من الفرسان مع وزرائه مسعود بن رحو وسليمان بن داود ومقدم الموالي والجند ببابه سليمان بن ونصار.وأذن لابن مرزوق في الدخول إلى داره ومضى على وجهه. ولما غشيهم الليل انفضوا عنه.ورجع الوزيران إلى دار الملك فتقبض عليهما عمر بن عبد الله ومساهمه غرسية بن أنطون واعتقلاهما متفرقين.وأشخص علي بن مهدي بن يرزيجن في طلب السلطان فعثر عليه نائماً في بعض المجاشر بوادي ورغة وقد نزع عنه لباسه اختفاء بشخصه. وتوارى عن العيون بمكانه فتقبض عليه وحمله على بغل. وطير بالخبر إلى عمر بن عبد الله فأزعج لتلقيه شعيب بن ميمون بن داود وفتح الله بن عامر بن فتح الله.وأمرهما بقتله وإنفاذ رأسه فلقياه بخندق القصب وراء كدية العرائس. وأمرا بعض جند النصارى أن يتولى ذبحه. وحمل رأسه في مخلاة فوضعه بين يده الوزير والمشيخة. واستقل عمر بالأمر ونصب الموسوس تاشفين يموه به على الناس. وجرت الأمور إلى غايتها. ولكل أجل كتاب. الخبر عن الفتكة بابن أنطون قائد العسكر من النصارى ثم خروج يحيي بن رحو وبني مرين عن الطاعة لما تقبض عمر بن عبد الله على الوزير جعل معتقل سليمان بن داود بدار غرسية قائد النصارى ومعتقل ابن ماساي بداره صيانة عن الامتهان لمكان صهره ولما كان يؤمل منه من الاستظهار على أمره بعصابته من الأبناء والأخوة والقرابة.وكان غرسية بن أنطون صديقاً لسليمان بن ونصار. فلما رجح عن السلطان ليلة انفضاضهم نزل عليه وكان يعاقره الخمر فباثه شجوه وتفاوضاً في اغتيال عمر وإقامة معتقله سليمان بن داود في الوزارة بما هو عليه من السن ورسوخ القدم في الأمر.ونمي إلى عمر الخبر فارتاب وكان خلواً من العصابة ففزع إلى القائد الموكب السلطاني من الرجل الأندلسيين يومئذ إبراهيم البطروحي فباثه أمره وبايعه على الاستماتة دونه.ثم استقل عصابتهم ففزع إلى يحيى بن رحو شيخ بني مرين وصاحب شوراهم فشكا إليه فأشكاه ووعده الفتك بابن أنطون وأصحابه.وانبرم عقد ابن أنطون وسليمان بن ونصار على شأنهم وغدوا إلى القصر.وأدخل ابن أنطون طائفة من النصارى للاستظهار بهم.ولما توافت بنو مرين بمجلس السلطان على عادتهم وطعموا دعا عمر بن عبد الله القائد ابن أنطون بين يدي يحيى بن رحو وقد أحضر البطروحي رجل الأندلسيين فسأله تحويل سليمان بن داود من داره إلى السجن فأبى وضن به عن الإهانة ينال مثلها من ابن ماساي صاحبه فأمر عمر بن عبد الله بالتقبض عليه فكشر في وجوه الرجال واخترط سكينه للمدافعة فتواثب به بنو مرين وقتلوه لحينه.واستلحموا من وجدوا بالدار من جند النصارى بعد جولة.وفروا إلى معسكرهم ويعرف بالملاح جوار البلد الجديد. وأرجف الغوغاء بالمدينة أن ابن أنطون غدر بالوزيرة فقتل جند النصارى حيث وجدوا من سكك المدينة. وتزاحفوا إلى الملاح لاستلحام من به من الجند.وركب بنو مرين لحماية جندهم من معرة الغوغاء. وانتهب يومئذ الكثير من أموالهم وأمتعتهم وقتل النصارى كثيراً من المجان كانوا يعاقرون الخمر بالملاح. واستبد عمر بالدار واعتقل سليمان بن ونصار إلى الليل وبعث من قتله بمحبسه.وحول سليمان بن داود إلى بعض الدور بدار الملك واعتقله بها واستولى على أمره.ورجع في الشورى إلى يحيى بن رخو واعصوصب بنو مرين عليه واعتز على الوزراء والدولة. وكان عدوا لخاصة السلطان أبي سالم حريصاً على قتلهم. وكان عمر يريد استبقاءهم لما أمله في ابن ماساي فاختلفت أهواؤهما.وتبين ليحيى بن رحو والمشيخة صاغيته إلى ابن ماساي فخشنت صدورهم عليه ودبروا في شأنه وخاطب هو عامر بن محمد باتصال اليد واقتسام ملك المغرب.وبعث إليه بأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم اعتده عنده وليجة لخلاصه من ربقة الحصار الذي هم به مشيخة بني مرين. وكان أبو الفضل هذا بالقصبة تحت الرقبة والأرصاد.فتفقد من مكانه. وأغلظ المشيخة في العتب لعمر على ذلك فلم يستعتب.ونبذ إليهم العهد وامتنع بالبلد الجديد ومنعهم من الدخول إليه فاعصوصبوا على كبيرهم يحيى بن رحو وعسكروا بباب الفتوح. وجاءوا بعبد الحليم ابن السلطان أبي علي. وكان من خبرهم معه ما نذكره. وأطلق عمر ببن عبد الله مسعود بن ماساي من محبسه وسرحه إلى مراكش وواعدوه في الأجلاب عليهم أن حاصروه كما نذكر. الخبر عن وصول عبد الحليم ابن السلطان أبي علي من تلمسان وحصار البلد الجديد كان السلطان أبو الحسن لما قتل أخاه الأمير أبا علي وقضى الحق الذي له في دمه عمل بالحق الذي عليه في ولده وحرمه فكفلهم وأغذاهم نعمته. وساواهم بولده في كافة شؤونهم وأنكح ابنته تاحضريت العزيزة عليه علياً منهم المكنى بأبي يفلوسن.ونزع عنه وهو بالقيروان أيام النكبة ولحق بالعرب. وأجلب معهم على السلطان بالقيروان وتونس. ثم انصرف من إفريقية ولحق بتلمسان.ونزل على سلطانها أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن فبوأه كرامته. ثم شرع في الإجازة إلى الأندلس. وبعث فيه السلطان أبو عنان قبل فصوله فأشخصوه إليه فاعتقله. ثم أحضره ووبخه على مرتكبه مع السلطان أبي الحسن وجحده حقه ثم قتله لليلتين من شهور إحدى وخمسين. ولما هلك السلطان أبو الحسن ولحقت جملته من الخاصة والأبناء بالسلطان أبي عنان وأشخص إخوته إلى الأندلس لشخص معهم ولد الأمير أبي علي هؤلاء عبد الحليم وعبد المؤمن والمنصور والناصر وسعيد ابن أخيهم أبي زيان فاستقروا بالأندلس في جوار ابن الأحمر.ثم طلب أبو عنان إشخاصهم بعد كما طلب إشخاص أخيه فأجارهم ابن الأحمر جميعاً وامتنع من إسلامهم إليه. وكان من المغاضبة لذلك ما قدمناه. ولما اعتقل السلطان أبو سالم الأبناء المرشحين برندة كما قدمناه نزع منهم عبد الرحمن بن علي أبي يفلوسن إلى غرناطة فلحق بأعمامه.وكان السلطان أبو سالم ضجراً بمكانهم مستريباً بشأنهم حتى لقد قتل محمد بن أبي يفلوسن ابن أخته تاحضريت وهو في حجرها وحجره استرابة بما نمي عنه.ولما أجاز أبو عبد الله المخلوع ابن أبي الحجاج إلى المغرب ونزل عليه وصار إلى إيالته رأى أنه قد ملك أمره في هؤلاء المرشحين بغرناطة.وراسل الرئيس محمد بن إسماعيل عند توثبه على الأمر واستلحامه أبناء السلطان أبي الحجاج فراسله في اعتقالهم على أن يمسك المخلوع عن التهامه ويقبض عنانه عن الهوى عليه فاعتقلهم. ثم فسد ما بين الرئيس والطاغية. وزحف إليهم والتهم كثيراً من حصون المسلمين.وبعث إلى السلطان أبي سالم في أن يخلي سبيل المخلوع إليه فامتنع وفاء للرئيس.ثم دافع الطاغية عن ثغوره بإسعاف طلبه فجهز المخلوع وملأ حقائبه صلات وأعطاه الآلة.وأوعز إلى أسطوله بسبتة فجهز وبعث علال بن محمد ثقة إليه فأركبه الأسطول وركب معه إلى الطاغية. وخلص الخبر إلى الرئيس بمكانه من سلطان غرناطة وكان أبو حمو صاحب تلمسان يراسله في أولاد أبي علي. وأن يجهزهم إليه ليجدهم زبوناً على السلطان أبي سالم فبادر لحينه وأطلقهم من مكان اعتقالهم وأركب عبد الحليم وعبد المؤمن وعبد الرحمن ابن أخيهما على أبي يفلوسن في الأسطول.وأجازهم إلى هنين بين يدي مهلك السلطان أبي سالم فنزلوا من صاحب تلمسان بأعز جوار.ونصب عبد الحليم منهم لملك المغرب.وكان محمد السبيع بن موسى بن إبراهيم نزع عن عمر ولحق بتلمسان فتوافى معهم وأخبرهم بمهلك السلطان وبايع له وأغراه بالدخلة إلى المغرب ثم تتابعت رسل بني مرين بمثلها فسرحه أبو حمو وأعطاه الآلة واستوزر له محمد السبيع وارتحل معه يغذان السير.ولقيه بطريقه محمد بن زكدان من أولاد علي من شيوخ بني ونكاسن أهل دبدو ثغر المغرب منذ دخول بني مرين إليه فبايعه وحمل قومه على طاعته وأغذ السير وكان يحيى بن رخو والمشيخة لما نبذ عمر بن عبد الله إليهم العهد وعسكروا بباب الفتوح أوفدوا مشيخة منهم على تلمسان لاستقدام السلطان عبد الحريم فوافوه بتازى ورجعوا معه.وتلقته جماعة بني مرين بسبو.ونزلوا على البلد الجديد يوم السبت سابع محرم من سنة ثلاث وستين وأضربوا معسكرهم بكدية العرائس.وغادوا البلد بالقتال وراوحوها سبعة أيام وبيعات الأمصار توافيهم والحشود تسايل إليهم.ثم إن عمر بن عبد الله برز من السبت القابل في مقدمة السلطان أبي عمر بمن معه من الجند المسلمين والنصارى رامحة وناشبة.ووكل السلطان من جاذبه في الساقة على التعبية المحكمة.وناشبهم الحرب فدلفوا إليه فاستطردهم ليتمكن الناشبة من عقرهم من الأسوار حتى فشت فيهم الجراحات. ثم صمم نحوهم فانفرج القلب وانفضت الجموع. وزحف السلطان في الساقة فانذعروا في الجهات. وافترق بنو مرين إلى مواطنهم. ولحق يحيى بن رحو بمراكش مع مبارك بن إبراهيم شيخ الخلط.ولحق عبد الحليم وإخوته بتازى بعد أن شهد لهم أهل المقام بصدق الجلاد وحسن البلاء في ذلك المجال وصابر عمر بن عبد الله أمره ينتظر قدوم محمد بن أبي عبد الرحمن كما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن قدوم محمد ابن الأمير أبي عبد الرحمن
وبيعته بالبلد الجليد في كفالة عمر بن لما نبذ عمر إلى بني مرين عهدهم واعصوصبوا عليه ونكروا ما جاء به من البيعة لأبي عمر مع فقدانه العقل الذي هو شرط الخلافة شرعاً وعادة ونقموه عليه اتهم نفسه في نظره وفزع إلى التماس المرشحين فوقع نظره على حافد السلطان أبي الحسن محمد ابن الأمير أبي عبد الرحمن النازع لأول دولة السلطان أبي سالم من رندة إلى الطاغية.وكان قد نزل منه بخير مثوى فبعث إليه مولاه عتيقاً الخصي ثم تلاه بعثمان ابن الياسمين ثم تلاهما بالرئيس الأبكم من بني الأحمر وفي كل ذلك يستحث قدومه.وخاطب المخلوع ابن الأحمر وهو في جوار الطاغية كما قدمناه وقريب عهد بجوارهم فخاطبه في استحثاثه واستخلاصه من يد الطاغية.وكان المخلوع يرتاد لنفسه نزولاً من ثغور المسلمين لما كان فسد بينه وبين الطاغية ورام النزوع عن إيالته فاشترط على الوزير عمر النزول له عن رندة فتقبل شرطه وبعث إليه الكتاب بالنزول عنها بعد أن وضع الملأ عليه خطوطهم من بني مرين والخاصة والشرفاء فسار ابن الأحمر إلى الطاغية.وسأل منه تسريح محمد هذا إلى ملكه وأن قبيله دعوه إلى ذلك فسرحه بعد أن شرط عليه وكتب الكتاب بقبوله. وفصل من إشبيلية في شهر المحرم فاتح ثلاث وستين.ونزل بسبتة وبها سعيد بن عثمان من قرابة عمر بن عبد الله. وأرصده لقدومه فطير بالخبر إليه فخلع أبا عمر من الملك وأنزله بداره مع حرمه.وبعث إلى السلطان أبي زيان محمد بالبيعة والآلة والفساطيط. ثم جهز عسكراً للقائه فتلقوه بطنجة. وأغذ السير إلى الحضرة فنزل منتصف شهر صفر بكدية العرائس.واضطرب معسكره بها وتلقاه الوزير يومئذ وبايعه وأخرج فسطاطه فاضطر به بمعسكره وتلوم السلطان هنالك ثلاثاً. ثم دخل في الرابعة إلى قصره واقتعد أريكته وتودع ملكه.وعمر مستبد عليه لا يكل إليه أمراً ولا نهيأ. واستطال عند ذلك المنازعون أولاد علي كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن تجهيز السلطان عبد الحليم وإخوته إلى سجلماسة بعد الواقعة عليهم بمكناسة لما سمع عبد الحليم بقدوم محمد بن أبي عبد الرحمن من سبتة إلى فاس وهو بمكانه من تازى سرح أخاه عبد المؤمن وعبد للرحمن ابن أخيه إلى اعتراضه فانتهوا إلى مكناسة وخاموا عن لقائه.فلما دخل إلى البلد الجديد أجلبوا بالغارة على النواحي وكثر العيث.وأجمع الوزير عمر على الخروج إليهم بالعسكر فبرز في التعبية والآلة وبات بوادي النجا.ثم أصبح على تعبية وأغذ السير إلى مكناسة فزحف إليه عبد المؤمن وابن أخيه عبد الرحمن في جموعهم فجاولهم القتال ساعة ثم صمد إليهم فدفعهم عن مكناسة.وانكشفوا فلحقوا بأخيهم السلطان عبد الحليم بتازى. ونزل الوزير عمر بساحة مكناسة وأوفد بالفتح على السلطان وكنت وافده إليه يومئذ فعمت البشرى واتصل السرور. وتهنأ السلطان ملكه وتودع من يومئذ سلطانه.ولما وصل عبد المؤمن إلى أخيه عبد الحليم بتازى مفلولاً انفض معسكره ونزعوا عنه إلى فاس وذهب لوجهه هو وإخوانه مع وزيرهم السبيع ومن كان معهم من العرب المعقل فلحقوا بسجلماسة. وكان أهلها قد دخلوا في بيعتهم ودانوا بطاعتهم واستقروا بها.وجددوا رسم الملك والسلطان إلى أن كان من خروجهم عنها ما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن قدوم عامر في محمد ومسعود بن ماساي من مراكش وما كان من وزارة ابن ماساي واستبداد عامر بن محمد بمراكش كان السلطان أبو سالم لما استقل بملك المغرب استعمل على جباية المصامدة وولاية مراكش محمد بن أبي العلاء بن أبي طلحة من أبناء العمال. وكان مضطلعاً بها. ونافس الكثير من ذوي عامر فأحفظه ذلك.وربما تكررت سعايته في عامر عند السلطان ولم يقبل.ولما بلغ عامر خبر مهلك السلطان أبي سالم وقيام عمر بالأمر وكانت بينهما خلة بيت محمد بن أبي العلاء فتقبض عليه وامتحنه وقتله واستقل بأمر مراكش.وبعث إليه الوزير عمر بأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم يعتده لما توقع من حصار بني مرين إياه أن يجلب به عامر عليهم ويستنقذه كما ذكرناه. ثم سرح مسعود بن ماساي كما ذكرناه.ولما أحاط بنو مرين بالبلد الجديد جمع عامر من إليه من الجند والحشود وزحف بأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم إلى أنفى ونزل بوادي أم ربيع.ولما انفض جمعهم من على البلد الجديد لحق به يحيى بن رحو وكان له صديقاً ملاطفاً فتنكر له توفية لعمر بن عبد الله وصاحبه مسعود. وبعثه إلى الجبل ولم يشهده الجمع فذهب مغاضباً.ولحق بسجلماسة بالسلطان عبد الحليم. وهلك في بعض حروبه مع العرب. ولما انفض عبد المؤمن وأجفل عبد الحليم من تازى ولحقوا بسجلماسة واستوسق الأمر لعمر بن عبد الله وفرغ من شأن المنازعين ومضايقتهم له رجع إلى ما كان يؤمله من الاستظهار على أمره بمسعود بن رحو وإخوته وأقاربه لمكان الصهر الني بينهما فاستقدمه للوزارة مرضاة لبني مرين لما كان عليه من استمالتهم لجميع المذاهب والإغضاء عما نالوه به من النكاية.وكان عامر بن محمد مجمعاً القدوم على السلطان فقدم في صحابته ونزل من الدولة خير منزل. وعقد السلطان لمسعود بن رحو على وزارته بإشارة الوزير عمر واضطلع بها.ودفعه عمر إليها استنامة إليه وثقة بمكانه واستظهارا بعصابته. وعقد مع عامر بن محمد الحلف على مقاسمة المغرب من تخم وادي أم ربيع وجعل أمارة مراكش لأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم إسعافاً بغرض عامر بن محمد في ذلك.وأصهر عامر إليهم في بنت مولانا السلطان أبي يحيى المتوفى عنها السلطان أبو الحسن فحملوا أولياءها على العقد له عليها.وانكفأ راجعاً إلى مكان عمله بمراكش يجر الدنيا وراءه عزاً وثروة وتابعاً لجمادى من سنة ثلاث وستين. وصرف عمر عزيمته إلى تشريد عبد الحليم وأخيه من سجلماسة كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبرعن زحف الوزير عمر بن عبد الله إلى سجلماسة لما احتل عبد الحليم وإخوته بسجلماسة اجتمع إليهم عرب المعقل بكافة حللهم. واقتضوا خراج البلاد فوزعوه فيهم واقتضوا على الطاعة رهنهم. وأقطعهم جهات المختص بأسرها واعصوصبوا عليه. واستحثه يحيى بن رحيم ومن هناك من شيخه بني مرين إلى النهوض للمغرب فأجمع أمره على ذلك.وتدبر الوزير عمر أمره وخشي أن يضطرم جمره فأجمع الحركة إليه. وناس في الناس بالعطاء والصلة فاجتمعوا إليه وبث العطاء فيهم. واعترض العساكر وأزاح العلل.وارتحل من ظاهر فاس في شعبان من سنة ثلاث وستين وارتحل معه ظهيره مسعود بن ماساي وبرز السلطان عبد الحليم إلى لقائهم.ولما تراءت الفئتان بتاعزوطت عند فرج الجبل المفضي من تلول المغرب إلى الصحراء هموا باللقاء. ثم تواقفوا أياماً وتمشت بينهم رجالات العرب في الصلح والتجافي لعبد الحليم عن سجلماسة تراث أبيه فانعقد مسعود ما بينهما وافترقا.ورجع كل واحد منهما إلى عمله ومكانه من سلطانه. ودخل عمر والوزير مسعود إلى البلد الجديد في رمضان من سنته وتلقاهما سلطانهما بأنواع المبرة والكرامة.ونزع الوزير محمد السبيع عن السلطان عبد الحليم إلى الوزير عمر وسلطانه فتقبل وحل محل الكرامة والردافة للوزارة واستقر كل بمكانه.وتودعوا أمرهم إلى أن كان من خلع عبد المؤمن لأخيه عبد الحليم ما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر في بيعة العرب لعبد المؤمن وخروج عبد الحليم إلى المشرق لما رجع عبد الحليم بعد عقد السلم مع الوزير عمر إلى سجلماسة واستقر بها. وكان عرب المعقل من ذوي منصور فريقين الأحلاف وأولاد حسين. وكانت سجلماسة وطناً للأحلاف وفي مجالاتهم مذ أول أمرهم ودخولهم المغرب. وكان من أولاد حسين في ممالأة الوزير عمر ما قدمناه فكانت صاغية السلطان عبد الحليم إلى الأحلاف بسبب ذلك أكثر فأسف ذلك أولاد حسين على الأحلاف وتجددت بينهما لذلك فتنة وتزاحفاً.وأخرج السلطان عبد الحليم أخاه عبد المؤمن لرقع ما بينهما من الخرق ولأمته فلما قدم على أولاد حسين دعوه إلى البيعة والقيام بأمره فأبى وأكرهوه عليها وبايعوه.وزحفوا إلى سجلماسة في صفر من سنة أربع وستين. وبرز عبد الحليم إليهم في أوليائه من الأحلاف. وتواقفوا ملياً وعقلوا رواحلهم. ثم انكشف الأحلاف وانهزموا. وهلك يحيى بن رحو كبير المشيخة من بني مرين يومئذ في حربهم. وتغلبوا على سجلماسة ودخل إليها عبد المؤمن وتخلى له أخوه عبد الحليم عن الأمر وخرج إلى المشرق لقضاء فرضه فودعه وزوده بما أراد. وارتحل إلى الحج وقطع المفازة إلى بلد مالي من السودان. وصحب منها ركاب الحاج إلى مصر.ونزل على أميرها المتغلب على سلطانها يومئذ وهو يلبغا الخاصكي وأنهى خبره إليه.وعرف بمقامه فاستبلغ في تكريمه بما يناسب بيته وسلطانه.وقضى حجه وانصرف إلى المغرب فهلك بقرب الإسكندرية سنة ست وستين واستقل عبد المؤمن بأمرسجلماسة حتى كان من نهوض العسكر إليه ما نذكره إن شاء افه تعالى. الخبر عن نهوض ابن ماساي بالعسكر إلى سجلماسة واستيلائه عليها ولحاق عبد المؤمن بمراكش لما افترقت كلمة أولاد السلطان أبي علي وخلع عبد المؤمن أخاه تطاول الوزير عمر إلى التغلب عليهم.ونزع إليه الأحلاف عدو أولاد حسين وشيعة عيد الحليم المخلوع فجهز العساكر وبث العطاء وأزاح العلل. وسرح ظهيره مسعود بن ماساي إلى سجلماسة فنهض إليها في ربيع من سنة أريع.وتلقاه الأحلاف يحللهم وناجعتهم وأغذ السير ونزع الكثير من أولاد حسين إلى الوزير مسعود.وبعث عامر بن محمد عن عبد المؤمن فرحل عن سجلماسة وتركها.ولحق بعامر فتقبض عليه واعتقله بداره من جبل هنتاتة. ودخل الوزير مسعود إلى سجلماسة واستولى عليها. واقتلع منها جرثومة الشقاق باقتلاع دعوة أولاد أبي على منها.وكر راجعاً إلى المغرب لشهرين من حركته فاحتل بفاس إلى أن كان من خبره وانتقاضه على عمر وفساد ما بينهما ما نذكره. الخبر عن انتقاض عامر ثم انتقاض الوزير ابن ماساي على أثره لما استقل عامر بالناحية الغربية من جبال المصامدة ومراكش وما إلى ذلك من الأعمال واستبد بها ونصب لأمره أبا الفضل ابن السلطان أبي سالم واستوزر له واستكتب وصارت كأنها دولة مستقلة فصرف إليه النازعون من بني مرين على الدولة وجوه مفرهم ولجأوا إليه فأجارهم على الدولة واجتمع إليه منهم ملأ.وأشاروا عليه باستقدام عبد المؤمن وأنه أبلغ ترشيحاً من أبي الفضل بنسبه وقيامه على أمره وصاغية بني مرين إليه فاستدعاه وأظهر لعمر أنه يروم بذلك مصلحته والمكر لعبد المؤمن.ونمي ذلك كله إلى عمر فارتاب به. ونزع إليه آخر من نزع السبيع بن موسى بن إبراهيم الوزير. كان لعبد الحليم فكشف عمر القناع في مطالبته وتجهيز العسكر إليه.واستراب بأهل ولايته. وعثر على كتاب من الوزير مسعود بن ماساي إليه يخالصه وببذل له النصيحة فتقبض على حامله وأودعه السجن فتنكر مسعود.وأغزاه صحابته الملابسون له من بني مرين بالخروج ومنازعة عمر في الأمر.ووعدوه النصر منه فاضطرب معسكره بالزيتون من خارج فاس مورياً بالنزعة إبان الربيع وزخرف الأرض في شهر رجب من سنة خمس.وبنى أصحابه الفساطيط في معسكره حتى إذا استوفوا جمعهم واعتزم على الخروج ارتحل مجاهراً بالخلاف وعسكر بوادي النجا من كان يعده الخروج معه من بني مرين.ثم ارتحل إلى مكناسة.وكتب إلى عبد الرحمن بن علي أبي يفلوسن يستقدمه للبيعة وكان بجهات تادلاً قد خرج بها بعد انصرافهم من سجلماسة وتخلفه عن أخيه عبد المؤمن.وبعث عامر إليه بعثاً فهزموه ثم لحق ببني ونكاسن فبعث إليه ابن ماساي وأصحابه فقدم عليهم وبايعوه. وأخرج عمر سلطانه محمد بن أبي عبد الرحمن وعسكر بكدية العرائس.وبث العطاء وأزاح العلل. ثم ارتحل إلى وادي النجا فبيته مسعود وقومه فثبت هو ومعسكره في مراكزهم حتى انجاب الظلام وفروا أمامهم فاتبعوا لمم آثارهم وانفض جمعهم.وبدا لهم ما لم ولحق مسعود بن ماساي بن رحو بتادلا. ولحق الأمير عبد الرحمن ببلاد بني ونكاسن. ورجع عمر والسلطان إلى مكانهم من الحضرة. واستمال مشيخة بني مرين فرجعوا إليه وعفا لهم عنها واستصلحهم.وتمسك أبو بكر بن حمامة بدعوة عبد الرحمن بن أبي يفلوسن وأقامها في نواجيه.وبايعه عليه موسى بن سيد الناس من بني علي أهل جبل دبدو من بني ونكاسن بما كان صهراً له. وخالفه قومه إلى الوزير عمر. وأغراه بالنهوض إلى أبي بكر بن حمامة فنهض وغلبه على بلاده. واقتحم حصنه إيكلوان. وفر هو وصهره موسى وفارقوا سلطانهم عبد الرحمن ونبذوا إليه عهده. ورجعوا إلى طاعة صاحب فاس فلحق هو بتلمسان ونزل على السلطان أبي حمو. فاستبلغ في تكريمه. ولحق وزيره مسعود بن ماساي بدبدة ونزل على أميره محمد بن زكدان صاحب ذلك الثغر. ثم بدا له في أمره وداخل صاحب الثغر وبعث عن الأمير عبد الرحمن من تلمسان ليطارد به لفرصة ظنها في المغرب ينتهزها.وأبى عليه أبو حمو من ذلك فركب مطية الفرار ولحق بابن ماساي وأصحابه فنصبوه للأمر وأجلبوا على تازى. ونهض الوزير إليهم في العساكر داخل بتازى. وتعرضوا للقائه ففض جموعهم وردهم على أعقابهم إلى جبل دبدو.وسعى بينهم ونزمار بن عريف ولي الدولة في قبض عنانهم عن المنازعة والتجافي عن طلب الأمر وأن يتحيزوا إلى الأندلس للجهاد فأجاز عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ووزيره ابن ماساي من غساسة فاتح سبع وستين.وخلا الجو من أجلابهم وعنادهم ورجع الوزير إلى فاس واحتشد إلى مراكش كما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن نهوض الوزير عمر وسلطانه إلى مراكش
لما فرغ عمر من شأن مسعود وعبد الرحمن بن أبي يفلوسن صرف نظره إلى ناحية مراكش وانتزاء عامر بن محمد بها.وأجمع أمره على الحركة إليه فأفاض العطاء وناس بالسفر إلى حرب عامر وأزاح العلل وارتحل إليه لرجب من سنة سبع.وصعد عامر وسلطانه أبو الفضل إلى الجبل فاعتصم به وأطلق عبد المؤمن من معقله.ونصب له الآلة وأجلسه على سرير حذاء سرير أبي الفضل يوهم أنه بايع له وأنه قد حكم أمره يجأجئ بذلك لبني مرين لما علم من صاغيتهم إليه.وخشي عمر مغبة ذلك فألان له في القول ولاطفه في الخطاب وسعى بينهما في الصلح حسون بن علي الصبيحي فعقد له عمر من ذلك ما ابتغاه وانقلب إلى فاس.ورجع عامر عبد المؤمن إلى معتقله وأجرى الأحوال على ما كانت من قبل إلى أن بلغهم قتل الوزير عمر لسلطانه كما نذكره إن شاء الله تعالى.ولاية عبدالعزيز ابن السلطان ابي الحسن الخبر عن مهلك السلطان محمد بن أبي عبد الرحمن وبيعة عبد العزيز ابن السلطان ابني الحسن كان شأن هذا الوزير عمر في الاستبداد على سلطانه محمد هذا عجباً حتى بلغ مبلغ الحجر للسفهاء من الصبيان. وقد جعل عليه العيون والرقباء حتى من حرمه وأهل قصره.وكان السلطان كثيراً ما يتنفس الصعداء من ذلك مع ندمائه ومن يختصه بذلك من حرمه إلى أن حدث نفسه باغتيال الوزير. وأمر بذلك طائفة من العبدى كانوا يختصون به فنمي القول.وأرسل به الوزير بعض الحرم كانوا عيناً له عليه فخشيه على نفسه.وكان من الاستبداد والدالة أن الحجاب مرفوع له عن خلوات السلطان وحرمه ومكاشفة رتبه فخلص إليه في حشمه وهو معاقر لندمائه فطردوهم عنه وتناولوه غطاً حتى فاض وألقوه في بئر بروض الغزلان.واستدعى الخاصة فأراهم مكانه وأنه سقط عن دابته وهو ثمل في تلك البئر وذلك في المحرم فاتح ثمان وستين.واستدعى من حينه عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن وكان في بعض الدور بالقصبة من فاس تحت رقابة وحراسة من الوزير لما كان السلطان محمد يروم الفتك به غيرة منه على الملك لمكان ترشيحه فحضر بالقصر وجلس على سرير الملك.وفتحت الأبواب لبني مرين والخاصة والعامة فزدحموا على تقبيل يده معطين الصفقة على طاعته. وكمل أمره وباشر الوزير من حينه إلى تجهيز العساكر إلى مراكش.ونادى بالعطاء وفتح الديوان وكمل الاعتراض. وارتحل بسلطانه من فاس في شهر شعبان وأغذ السير إلى مراكش.ونازل عامر بن محمد بمعقله من جبل هنتاتة ومعه الأمير أبو الفضل ابن السلطان أبي سالم وعبد المؤمن ابن السلطان أبي علي أطلقه من الاعتقال أيضاً وأجلسه موازي ابن عمه واتخذ له الآلة يموه به شأنه الأول ثم سعى بينه وبين عامر في الصلح فانعقد بينهما وانكفأ راجعاً بسلطانه إلى فاس في شهر شوال فكان حتفه إثر ذلك كما نذكره إن شاء الله. الخبر عن مقتل الوزير عمر بن عبد الله واستبداد السلطان عبد العزيز بأمره كان عمر قد عظم استبداده على السلطان عبد العزيز فحجره ومنعه من التصرف في شيء من أمره. ومنع الناس من التعرض له في شيء من أمورهم. وكان أمه حذرة عليه إشفاقاً وحباً.وكان عمر لما ملك أمره واستبد عليهم سما إلى الإصهار إليهم في بنت السلطان أبي عنان.واشترط لها زعموا تولية أخيه الأمر. ونمي ذلك إلى السلطان وأن عم مغتاله لا محالة.وقارن ذلك أن عمر أوعز إلى السلطان بالتحول عن قصره إلى القصبة فركب أسنة الغرر لاضطراره واعتزم على الفتك به. وأكمن بزوايا داره جماعة من الرجل وأعدهم للتوثب به.ثم استدعاه إلى بيته للمؤامرة معه على سنته فدخل معه. وأغلق الموالي من الخصيان باب القصر من ورائه. ثم أغلظ له السلطان في القول وعتبه. ودلف الرجل إليه من زوايا الدار فتناولوه بالسيوف هبراً.وصرخ ببطانته بحيث أسمعهم فحملوا على الباب وكسروا أغلاقه فألفوه مضرجاً بدمائه فولوا الأدبار وانفضوا من القصر وانذعروا. وخرج السلطان إلى مجلسه فاقتعد أريكته واستدعى خاصته.وعقد لعمر بن مسعود بن منديل بن حمامة من بني مرين وشعيب بن ميمون بن ودرار من الجشم ويحيى بن ميمون أمصمود من الموالي. وكملت بيعته منتصف في القعدة سنة ثمان وستين.وتقبض على ابن الوزير عمر وأخيه وعمه وحاشيتهم وذويهم واعتقلهم حتى أتى القتل عليهم لليال. واستأصل النكال شأفتهم. وسكن وأمن ورد المنافرين بأمانه وبسط لهم في وجه بشره.ثم تقبض لأيام على سليمان بن داود ومحمد السبيع وكانا من مخالصة عمر بمكان فاعتقلهما استرابة بهما ولشيء نمي له عنهما.وأودعهما السجن إلى أن هلك واعتقل معهما علال بن محمد والشريف أبا القاسم ريبة بصحابتهما. ثم امتن عليهما بشفاعة ابن الخطيب وزير ابن الأحمر وأقصاه. ثم أطلق عنانه في الاستبداد. وقبض أيدي الخاصة والبطانة. عن التصرف في شيء من سلطانه إلا بإذنه وعن أمره. وهلك لأشهر من استبداده الوزير الخبر عن انتزاء أبي الفضل ابن المولي أبي سالم ثم نهوض السلطان إليه ومهلكه لما فتك السلطان عبد العزيز بعمر بن عبد الله المتغلب كليه سولت لأبي الفضل ابن السلطان أبي سالم نفسه مثلها في عامر بن محمد لمكان استبداده عليه وأغراه بذلك بطانته.وتوجس لها عامر فتمارض بداره.واستأذنه في الصعود إلى معتصمه بالجبل ليمرضه هناك حرمه وأقاربه وارتحل بجملته.ويئس أبو الفضل من الاستمكان منه.وأغراه حشمه بالراحة من عبد المؤمن.ولليال من منصرف عامر ثمل أبو الفصل ذات ليلة وبعث عن قائد الجند من النصارى فأمره بقتل عبد المؤمن بمكان معتقله من قصبة مراكش فجاء برأسه إليه.وطار الخبر إلى عامر فارتاع وحمد الله أن خلص من غائلته.وبعث ببيعته إلى السلطان عبد العزيز وأغراه بأبي الفضل ورغبه في ملك مراكش.ووعده بالمظاهرة فأجمع السلطان أمره على النهوض إلى مراكش.ونادى في الناس بالعطاء وقضى أسباب حركته.واوتحل من فاس سنة تسع وستين.واستبد أبو الفضل بعد مهلك عبد المؤمن.واستوزر طلحة السنوري وجعل علامته لمحمد بن محمد بن منديل الكناني وجعل شوراه لمبارك بن إبراهيم عطية الخلطي.ثم سخط طلحة التينوري بسعاية الكناني فقتله واعتمد بعساكره منازلة عامر.ولما فصل لذلك من مراكش جاءه الخبر بحركة السلطان عبد العزيز إليه فانفض معسكره.ولحق بتادلا ليعتصم بها في معتقل بني جابر. وعاج السلطان عن مراكش بعساكره إليها فنازله وأخذ بمخنقه وقاتله ففل عسكره.وداخله بعض بني جابر في الإخلال بمصافه يوم الحرب مع مال بذله لهم ففعلوا وانهزمت عساكر أبي الفضل وجموعه وتقبض على أشياعه.وسيق مبارك بن إبراهيم إلى السلطان فاعتقله إلى أن قتله مع عامر عند مهلكه كما نذكره.وفر الكناني إلى حيث لم يعلم مسقطه.ثم لحق بعامر بن محمد ولحق أبو الفضل بقبائل صناكة من ورائهم.وداخلهم أشياع السلطان من بني جابر وبذلوا لهم المال الدثر في إسلامه فأسلموه.وبعث السلطان إليهم وزيره يحيى بن ميمون فجاء به أسب وأحضره السلطان فوبخه وقرعه واعتقله بفسطاط في جواره ثم غط من الليل.وكان مهلكه في رمضان من سنة تسع.وبعث السلطان إلى عامر يختبر طاعته بذلك فأبى عليه.وجاهر بالخلاف إلى أن كان من شأنه ما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن نكبة الوزير يحيى بن ميمون بن المصمود ومقتله كان يحيى بن ميمون هذا من رجالات دولتهم وربي في دولة السلطان أبي الحسن وكان عمه علال عدواً له لعداوة أبيه.ولما انتزى السلطان أبو عنان على ملك أبيه استخلص يحيى هذا سائر أيامه وهلك كما ذكرناه.واستعمل يحيى ببجاية فلم يزل بها إلى أن تقبض عليه الموحدون لما استخلصوا بجاية من يده.وصار إلى تونس واعتقل بها مدة . ثم صرفوه إلى المغرب أيام عمر فاختص به.ولما عقد له السلطان عبد العزيز على وزارته وكان قوي الشكيمة شديد الحزم وصعب العداوة مرهف الحد وكان عمه علال بعد أن أطلقه السلطان من الاعتقال مكنه من إذنه وأقامه متصرفاً بين يديه فألقى إلى السلطان استبداد يحيى عليه وحذره من شأنه.ورفع إليه أنه يروم تحويل الدعوة لبعد القرابة من آل عبد الحق وأنه داخل في ذلك قواد الجند من النصارى.وأصاب الوزير وجع قعد به عن مجلس السلطان فاختلف الناس إلى زيارته .وعكف ببابه قواد النصارى فاستراب بأمرهم.وتيقن الأمر بعكوفهم فأرسل السلطان من حشمه من تقبض عليه وأودعه السجن.ثم جنب إلى مصرعه من الغد وقتل قعصاً بالرماح. وقتل المتهمون من القرابة وقواد الجند واستلحموا جميعاً وصاروا مثلاً في الآخرين. والأمر لله. الخبر عن حركة السلطان إلى عامر بن محمد ومنازلته بجبله ثم الظفر به لما فرغ السلطان من شأن أبي الفضل عقد على مراكش لعلي بن محمد بن أجانا من صنائع دولتهم.وأوعز إليه بالتضييق على عامر والأخذ بمخنقه وإلجائه إلى الطاعة. وانقلب إلى فاس واعتزم على الحركة إلى تلمسان. وبينما هو في الاستغفار كذلك إذ جاء الخبر بأن علي بن أجانا نهض إلى عامر وحاصره أياماً. وأن عامراً زحف إليه ففض معسكره.وتقبض على ابن أجانا والكثير من العسكر فاعتقلهم فقام السلطان في ركائبه وقعد وأجمع أمره على النهوض إليه بكافة بني مرين وأهل المغرب فبعث في الحشود وبث العطاء.وعسكر بظاهر البلد حتى استوفى الغرض وعقد على وزارته لأبي بكر بن غازي بن يحيى بن الكاس لما كان فيه من مخايل الرياسة والكفاية ورفع محله.وارتحل سنة سبعين فاحتل بمراكش ثم خرج إلى منازلته وكان عامر بن محمد قد نصب بعض الأعياص من آل عبد الحق من ولد أبي ثابت بن يعقوب بن عبد الله اسمه تاشفين.ولحق به علي بن عمر بن ويغلان من شيوخ بني ورتاجن كبير بني مرين وصاحب الشورى فيهم لعهده فاشتد أزره به.وتوافى به كثير من الجند النازعين عن السلطان رهبة من بأسه أو سخطة بحاله أو رغبة فيما عند عامر قريبهم. وأمسك الله يده عن العطاء فلم يسل بقطرة. وطال مثوى السلطان بساحته وعلى حصاره. وبوأ المقاعد للمقاتلة وغاداه بالقتال وراوحه. وتغلب على حصونه شيئاً فشيئاً إلى أن تعلق بأعلى الجبل تامسكروط وكان لأبي بكر بن غازي غناء مذكور ويئس أصحاب عامر وأشياعه من عطائه.وفسد ما بينه وبين علي بن عمر هذا فدس إلى السلطان بطلب الأمان ويتوثق لنفسه ثم نزع إليه. وداخله فارس بن عبد العزيز ابن أخي عامر في القيام بدعوة السلطان والخلاف على عمه لما كان يوسق به من إرهاف الحد وتفضيل ابنه أبي بكر عليه فبلغ خبره إلى السلطان.واقتضى له وثيقة من الأمان والعهد به بها إليه فثار بعمه. واستدعى القبائل من الجبل إلى طاعة السلطان فأجابوه.واستحث السلطان للزحف إليهم فزحفت العساكر والجنود واستوت على معتصم الجبل.ولما استيقن عامر أن قد أحيط به أوعز إلى ابنه أن يلحق بالسلطان مموهاً بالنزوع فألقى بنفسه إليه وبذل له الأمان ولحقه بجملته.وانتبذ عامر عن الناس وذهب لوجهه ليخلص إلى السوس فرده الثلج وقد كانت السماء أرسلت به منذ أيام برداً وثلجاً حتى تراكم بالجبل بعضه على بعض. وسد المسالك فاقتحمه عامر وهلك فيه بعض حرمه ونفق مركوبه.وعاين الهلكة العاجلة فرجع مخفياً أثره إلى غار أوى إليه مع أدلاء بذل لهم المال ليسلكوا به ظهر الخبل إلى الصحراء بالسوس. وأقاموا ينتظرون إمساك الثلج. وأغرى السلطان بالبحث عنه فدلهم عليه بعض البربر وعثروا عليه فسيق إلى السلطان وأحضره بين يديه.ووبخه فاعتذر وبخع بالطاعة.ورغب في الإقالة واعترف بالذنب فحمل إلى مضرب بني له وراء فسطاط السلطان واعتقل هنالك. وتقبض يومئذ على محمد بن الكناني فاعتقل. وانطلقت الأيدي على معاقل عامر ودياره فانتهب من الأموال والسلاح والذخيرة والزرع والأقوات والخرثى ما لا عين رأت ولا خطر على قلب أحد منهم.واستولى السلطان على الجبل ومعاقله في رمضان من سنة إحدى وسبعين لحول من يوم حصاره.وعقد على هنتاتة لفارس بن عبد العزيز بن محمد بن علي وارتحل إلى فاس واحتل بها آخر رمضان ودخلها في يوم مشهود برز فيه الناس.وحمل عامر وسلطانه تاشفين على جملين وقد أفرغ عليهما الرث وعبثت بهما أيدي الإهانة فكان ذلك عبرة لمن رآه. ولما قضى منسك الفطر أحضر عامراً فقرعه بذنوبه. وأوتي كتابه بخطه يخاطب به أبا حمو يستنجده على السلطان فشهد عليه.وأمر السلطان فامتحن ولم يزل يجلد حتى انتثر لحمه وضرب بالعصا حتى ورمت أعضاؤه وهلك بين يدي الوزعة. واحضر الكناني ففعل به مثله. وجنب تاشفين سلطانهم إلى مصرعه فقتل قعصاً بالرماح. وجنب مبارك بن إبراهيم من محبسه بعد طول الاعتقال فألحق بهم.ولكل أجل كتاب. وصفا الجو للسلطان من المنازعين. وفرغ لغزو تلمسان كما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن ارتجاع الجزيرة
قد تقدم لنا ذكر تغلب الطاغية ألهنشة على الجزيرة سنة ثلاث وأربعين. وأنه نازل بعدها جبل الفتح سنة إحدى وخمسين. وهلك بالطاعون وهو محاصر له عندما استفحل أمره واشتدت شوكته فكفى الله به شأنه. وولي أمر الجلالقة بعده ابنه بطرة وعدا على سائر إخوته.وفر أخوه القمط ابن حظية أبيه المسماة بلغتهم ألريق " بهمزة " إلى قمص برشلونة فأجاره وأنزله خير نزل. ولحق به من الزعماء المركش ابن خالته وغيره من أقماصهم.وبعث إليه بطرة ملك قشتالة في إسلام أخيه فأبى من إخفار جواره. وحدثت بينهما بسبب ذلك الفتنة الطويلة افتتح بطرة فيها كثيراً من معاقل صاحب برشلونة وأوطأ عساكره نواحي أرضه وحاصر بلنسية قاعدة شرق الأندلس مراراً وأرجف عليها بعساكره وملأ البحر إليها بأساطيله إلى أن ثقلت على النصرانية وطأته وساءت فيهم ملكته فانتقضوا عليه ودعوا القمط أخاه فزحف إلى قرطبة.وثار على بطرة أهل إشبيلية وتيقن صاغية النصارى إليه ففر عن ممالكه ولحق بملك الإفرنج وراء جليقية وفي الجوف عنها وهو صاحب أنكلطرة واسمه ألفنس غالس.ووفد عليه صريخاً سنة سبع وستين فجمع قومه وخرج في صريخه إلى أن استولى على ممالكه.ورجع ملك الإفرنج فعاد النصارى إلى شأنهم مع بطرة. وغلب القمط على سائر الممالك فتحيز بطرة إلى ثغوره مما يلي بلاد المسلمين. ونادى صريخه بابن الأحمر فانتهز فيها الفرصة.ودخل بعساكره المسلمين فأثخن في أرض النصرانية وخرب معاقلهم ومدنهم مثل أبدة وجيان وغيرهما من أمهات أمصارهم.ثم رجع إلى غرناطة ولم تزل الفتنة قائمة بين بطرة وأخيه القمط إلى أن غلبه القمط وقتله.وفي خلال هذه الفتن بقيت ثغورهم مما يلي أرض المسلمين عورة.وتشوف المسلمون إلى ارتجاع الجزيرة التي قرب عهدهم بانتظامها في ملكة المسلمين.وكان صاحب المغرب في شغل عن ذلك بما كان فيه من انتقاض أبي الفضل ابن أخيه وعامر بن محمد فراسل صاحب الأندلس في أن يزحف إليها بعساكره على أن عليه عطاءهم وإمداده بالمال والأساطيل وعلى أن يكون مثوبة جهادها خالصة له فأجابه إلى ذلك وبعث إليه أحمال المال.وأوعز إلى أساطيله بسبتة فعمرت وأقلعت إلى مرسى الجزيرة لحصارها.وزحف ابن الأحمر بعساكر المسلمين على أثرها بعد أن قسم فيهم العطاء وأزاح العلل واستعد الآلة للحصار فنازلها أياما قلائل.ثم أيقن النصارى بالهلكة لبعدهم عن الصريخ ويأسهم من مدد ملوكهم فألقوا باليد وسألوا النزول على حكم السلم فأجابهما السلطان عليه.ونزلوا عن البلد وأقيمت فيها شعائر الإسلام ومراسمه ومحيت منها كلمة الكفر وطواغيته.وكتب الله أجرها لمن أخلص في معاملته وذلك سنة سبعين. وولى ابن الأحمر عليها من قبله.ولم تزل لنظره إلى أن تمحض النظر عن هدمها خشية استيلاء النصرانية عليها فهدمت أعوام ثمانين وأصبحت خاوية كأن لم تغن بالأمس. والبقاء لله وحده. الخبر عن حركة السلطان إلى تلمسان واستيلائه عليها وعلي سائر بلادها وفرار أبي حمو عنها كان عرب المعقل موطنين بصحراء المغرب من لدن السوس ودرعة تافليلالت وملوية وصا. وكان بنو منصور منهم أولاد حسين والأحلاف مختصين بطاعة بني مرين وفي وطنهم. كانوا مغلبين للدولة وتحت قهر من سلطانها.ولما ارتجع بنو عبد الواد ملكهم بتلمسان على يد أبي حمو وكان الاختلاف بالمغرب عاث هؤلاء المعقل وأكثروا في الوطن الفساد.ولما استقلت الدولة من عثرها تحيزوا إلى بني عبد الواد وأقطعوهم في أوطانهم. واستقروا هنالك من لدن نزوع عبد الله بن مسلم العامل كان بدرعة إلى أبي حمو ووزارته له.وفسد ما بين سلطان المغرب وبين أبي حمو من جراء ذلك.ونهض أبو حمو سنة ست وستين إلى المغرب وعاث في نواحي دبدو ثغر المغرب فشبت لذلك نار العداوة بينه وبين صاحب الثغر محمد بن زكدان فكان داعية لعداء صاحب المغرب على الأيام.ولما استبد السلطان عبد العزيز وهلك عبد الله بن مسلم صاحبهم وترددت الرسل بين أبي حمو وبين السلطان عبد العزيز كان فيما اشترط عليه التجافي عن قبول المعقل عرب وطنه لما فيه من الاستكثار بهم عليه.وأبى عليهم أبو حمو منها لاستظهاره بهم على زغبة من أهل وطنه وغيرهم. وكثر التلاحي في ذلك وأحفظ السلطان وهم بالنهوض إليه سنة سبعين. وأقصر لما أخذ بحجرته من خلاف عامر.وصاحب الثغر محمد بن زكدان أثناء ذلك يحرضه على الحركة إلى أبي حمو ويرغبه في ملك تلمسان. ولما قضى السلطان من حركة مراكش وفرغ من شأن عامر ورجع إلى فاس وافاه بها أبو بكر بن عريف أمير سويد في قومه من بني مالك بحللهم وناجعتهم صريخاً على أبي حمو لما نال منهم.وتقبض على أخيهم محمد ورؤساء بني مالك جزاء بما يعرف لهم ولسلفهم من ولاية صاحب المغرب. ووفد عليه معهم رسل أهل الجزائر ببيعتهم يستحثون السلطان لاستنقاذهم من لهواته.ووامر السلطان في ذلك وليه وفزمار بن عريد ومحمد بن زكدان صاحب دبدو فزعموا له بالغناء في ذلك.واعتزم على النهوض إلى تلمسان وبعث الحاشرين إلى مراكش للاحتشاد. وتوافى الناس ببابه على طبقاتهم أيام منى من سنة إحدى وسبعين.وأفاض العطاء وأزاح العلل ولما قضى نسكه في الأضحى اعترض العساكر وارتحل إلى تلمسان واحتل بتازى.وبلغ خبر نهوضه إلى أبي حمو فجمع من إليه من زناتة الشرق وسني عامر من عرب زغبة.وتوافت جموعه بساحة تلمسان وأضرب هنالك معسكره واستعرض جنوده واعتزم على الزحف إلى لقاء بني مرين ثقة بمكان المعقل.وتحيز من كان معه من عرب المعقل الأحلاف وعبيد الله إلى السلطان عبد العزيز بمداخلة وليهم ونزمار.واجتمعوا إليه وسرح معهم صنائعه فارتحلوا بين يديه وسلكوا طريق الصحراء.وبلغ خبر تحيزهم وإقبالهم إلى أبي حمو فأجفل هو وجنوده وأشياعه من بني عامر وسلكوا على البطحاء.ثم ارتحلوا عنها وعاجوا على منداس وخرجوا إلى بلاد الديالم. ثم لحقوا بوطن رياح ونزلوا على أولاد سباع بن علي بن يحيى.وارتحل السلطان عبد العزيز من تازى وقدم بين يديه وزيره أبا بكر بن غازي فدخل تلمسان وملكها.ورحل السلطان على أثره واحتل بتلمسان يوم عاشوراء من سنة اثنتين وسبعين فدخلها في يوم مشهود واستولى عليها وعقد لوزيره أبي بكر بن غازي على العسكر من بني مرين والجنود والعرب من المعقل وسويد وسرحه في أتباعهم وجعل شوراه إلى وليه ونزمار وفوض إليه في ذلك.وارتحلوا من تلمسان آخر المحرم وكنت وافداً على أبي حمو فلما أجفل عن تلمسان ودعته وانصرفت إلى هنين للإجازة إلى الأندلس.ووشى بعض المفسدين عند السلطان بأني احتملت مالاً للأندلس فبعث جريدة من عسكره للقبض علي. ووافوه بوادي الزيتون قبل مدخله إلى تلمسان فأحضرني وسألني.وتبين كذب الواشين فأطلقني وخلع علي وحملني ولما ارتحل الوزير في أتباع أبي حمو استدعاني وأمرني بالنهوض إلى رياح والقيام فيهم بطاعته وصرفهم عن طاعة أبي حمو وصريخه فنهضت لذلك ولحقت بالوزير بالبطحاء وارتحلت معه إلى وادي وراك من بلاد العطاف فودعته وذهبت لوجهي وجمعت رياحاً على طاعة السلطان ونكبت بهم عن صريخ أبي حمو فنكبوا عنه.وخرج أبو زيان من محل بؤرته بحصين فلحق بأولاد محمد بن علي بن سباع من الدواودة.وارتحل أبو حمو من المسيلة فنزل بالدوسن وتلوم بها.وأوفدت من الدواودة على الوزير ونزمار فكانوا أدلاءهم في النهوض إليه.ووافوه بمكانه من الدوسن في معسكره من في زناتة وحلل بني عامر والوزير في التعبية.وأمم زناتة والعرب من المعقل وزغبة ورياح محدقة به فأجهضوه عن ماله ومعسكره فانتهب بأسره. واكتسحت أموال العرب الذين معه ونجا بدمه إلى مصاب. وتلاحق به ولده وقومه متفرقين على كل مفازة وتلوم الوزير بالدوسن أياماً. ووافاه هنالك إتحاف بن مزني وانقلب إلى المغرب.ومر على قصور بني عامر بالصحراء فاستباحها وشردهم عنها إلى قاصية القفر ومفازة العطش. ولحق بتلمسان في ربيع الثاني.ووفدت أنا بالدواودة على السلطان ورئيسهم أبو الدينار بن علي بن أحمد فبر السلطان مقدمه ورعى له سوابقه عند أبيه وخلع عليه وحمله. وخلع على الوفد كافة وانصرفوا إلى مواطنهم.وبعث السلطان عماله في الأمصار وعقد لصنائعه على النواحي وجهز الكتائب مع وزيره عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة لحصار حمزة بن علي بن راشد من آل ثابت بن منديل كان ربي في حجر الدولة ونشأ في جو نعمتها وسخط حاله لديهم فنزع إلى وطن سلفه من بلاد معراوة. ونزل بجبل بني بو سعيد فأجاروه وبايعوه على الموت دونه. وسرح السلطان وزيره إلى الأخذ بمخنقهم فنزل عليهم وقاتلهم.وامتنعوا في رأس شاهق لهم فأوطن الوزير بالخميس من وادي شلف وأحجرهم بمعتصمهم.وتوافت لديه الأمداد من العساكر من تلمسان فجمرها كتائب وبوأهم المقاعد للحصار وأقام هنالك. واستولى السلطان على سائر الوطن من الأمصار والأعمال وعقد عليها. واستوسق له ملك المغرب الأوسط كما كان لسلفه. والملك بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده. الخبر عن اضطراب المغرب الأوسط ورجوع أبي زيان إلى تيطرى وأجلاب العرب بأبي حمو على تلمسان إلي أن غلبهم السلطان جميعاً على الأمر واستوسق له الملك لما خلص أبو حمو من واقعة الدوسن هو وأحياء بني عامر وأشياعه لحقوا بالصحراء وأبعدوا فيها عن قصورهم قبلة جبل راشد. ورجع الوزير ونزمار بن عريف بأحياء العرب كافة من زغبة والمعقل.وكان السلطان لما احتل بتلمسان طلب العرب منه إطلاق أيديهم على ما أقطعهم أبو حمو إياه من الوطن على الزبون والاعتزاز عليه فاستنكف من ذلك لعظم سلطانه واستبداد ملكه فسخطوا أحواله ورجوا أن يكون لأبي حمو ظهور ينالون به ما أملوه. فلما انهزم وفلت عساكره وظهر السلطان ظهوراً لا كفاء له فيئسوا.وأزمع رحو بن منصور بن يعقوب أمير الخوارج من عبيد الله إحدى بطون المعقل الخروج على السلطان. ولما خرج العرب إلى مشاتيهم لحق بأبي حمو وأحياء بني عامر وكاثرهم وقادهم إلى العيث في الأوطان.وأجلبوا على ممالك السلطان ونازلوا وجدة في رجب من سنة اثنتين وسبعين. وصمد نحوهم العساكر من تلمسان فأجفلوا وعادوا إلى البطحاء واكتسحوا أوطانهم.ونهض إليهم الوزير في العساكر ففروا أمامه واتبع آثارهم إلى أن أصحروا. واستنسر خلال ذلك بغاث حمزة بن علي بن راشد فبيت معسكر الوزير بمكانه من حصاره بشلف ففض جموعه ولحق مفلولاً بالبطحاء. وبلغ الخبرإلى حصين وكانوا راهبين من السلطان لما اشتهر عنهم من الخلاف على الدول والقيام بأمر الخوارج فجأجئوا بأبي زيان الثائر كان عندهم من مكانه بأحياء أولاد يحيى بن علي بن سباع من الدواودة فلحق بهم وأجلبوا على ضواحي المدية ونازلوا عسكر السلطان بها. واضطرم المغرب الأوسط ناراً واتصل ذلك مدة.ولما كانت سنة ثلاث وسبعين واستمال السلطان رخو بن منصور عن أبي حمو وبذل له مالاً وأقطعه ما أحب من الضواحي وفعل ذلك بسائرهم وملأ صدورهم ترغيباً.واعتزم على تجهيز العساكر معهم لحسم أدواء الفساد وإخراج الثوار من النواحي.واتهم وزيره عمر بن مسعود بالمداهنة في أمر المغراوي فسرح من ذويه من تقبض عليه وأشخصه إلى حضرته مقيداً واعتقله بفاس.وجهز عساكره واعترض جنوده وعقد لوزيره أبي بكر بن غازي على حراب الثوار والخوارج فنهض من تلمسان في رجب من سنة ثلاث وسبعين.واعتمد حمزة بن علي بن راشد في معتصمه بجبل بني بوسعيد وألح عليهم بالقتال فعضتهم الحرب بنابها وداخلهم الرعب وأوفدوا مشيختهم على الوزير بالطاعة.ونبذ العهد إلى حمزة فعقد لهم ما ابتغوه. ولحق حمزة بأبي زيان بمكانه من حصين.ثم أثنى عزمه عن ذلك ورجع إلى ضواحي شلف. وبيته بعض الحامية بتيمروغت فثبتوا في مراكزهم وانفض جمعه وتقبض عليه وسيق إلى الوزير فاعتقله.وبعث إلى السلطان في شأنه فأمر بقتله فاحتز رأسه ورؤوس أشياعه وبعث بهم إلى السلطان وعلق أشلاءهم بأسوار مليانة. ثم زحف إلى حصين فأحجرهم بمعقلهم بتيطرى. واجتمعت إليه أحياء زغبة كافة.فأحاط بهم من كل جانب وطاولهم الحصار وغاداهم الحرب وخاطبني السلطان بمكاني من الزاب وأوعز إلي بنفير رياح كافة إلى معسكر الوزير فاستنفرتهم بأحيائهم وناجعتهم.ونازلنا الجليل من جانب الصحراء مما يلي ضواحي رياح فأصابهم الجهد وداخلهم الرعب وانفضوا من المعقل وانذعروا في الجهات في المحرم فاتح أربع وسبعين ولحق أبو زيان بواركلي واستولى الوزير على المعقل وانتهب ما فيه.واقتضى رهن حصين على الطاعة وقرر عليهم الوضائع والمغارم فأعطوها عن يد.وكان أبو حمو في خلال ذلك قد أجلب على تلمسان ينتهز فرصة في انتباذ العساكر عن السلطان.وكان وليه خالد بن عامر أمير بني عامر من زغبة مريد الطاعة لما اتهم أبو حمو به بولاية رديفه عبد الله بن عسكر بن معرف دونه فأسخطه ذلك وداخل السلطان عبد العزيز في الأنحراف إليه عن أبي حمو على مال إليه فنزع عنه.وجهز له السلطان عسكراً لحرب أبي حمو وأشياعه في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين من بني عامر وأولاد يغمور من المعقل وعقد عليهم لمحمد بن عثمان من قرابة أبي بكر بن غازي.وتعرضوا للقائهم فانفض جمعهم ومنحوا أكتافهم.وأحيط بمعسكر أبي حمو وحلل العرب فاكتسح ما واستولى بنو مرين على أمواله وحرمه وولده فاستاقوهم إلى السلطان فأشخصهم إلى فاس فأنزلهم بقصوره. وتقبض على مولاه عطية بن موسى صاحب شلف فامتن عليه وألحقه جملته.ونجا أبو حمو وألقى بنفسه إلى عبد الله بن صغير مستميتاً فامتن عليه وبعث معه الأدلاء إلى تيكورارين من بلاد القبلة فنزلها وكان ذلك بين يدي فتح تيطرى بليال.واستوت قدم السلطان في ملكه واستولى على المغرب الأوسط ودفع الثوار والخوارج عنه.واستمال كافة العرب إلى طاعته فأتوها راغبين وراهبين. ووفد عليه الوزير أبو بكر. |
الخبر عن قدوم الوزير ابن الخطيب
علم السلطان بتلمسان نازعاً إليه من سلطانه الأحمر صاحب الأندلس أصل هذا الرجل من لوشة على مرحلة من غرناطة من البسيط الذي في ساحتها المسمى بالمرج على وادي شنجيل ويقال شنيل المختوق في ذلك البسيط من الجنوب إلى الشمال كان له بها سلف معدود في وزرائها.وانتقل أبوه عبد الله إلى غرناطة واستخدم لملوك بني الأحمر واستعمل على مخازن الطعام.ونشأ ابنه محمد هذا بغرناطة وتأدب على مشيختها واختص بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل وأخذ عنه العلوم الفلسفية وبرز في الطب وانتحل الأدب وأخذ عن أشياخه وامتلأ من خوض اللسان نظمه ونثره مع انتقاء الجيد منه. ونبغ في الشعر والترسل بحيث لا يجارى فيهما.وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بني الأحمر لعصره وملأ الدولة بمدائحه وانتشرت في الآفاق فرقاه السلطان إلى خدمته وأثبته في ديوان الكتاب ببابه مرؤوساً بأبي الحسن بن الجياب شيخ العدوتين في النظم والنثر وسائر العلوم الأدبية.وكاتب السلطان بغرناطة من لدن أيام محمد المخلوع من سلفه عندما قتل وزيره محمد بن الحكيم المستبد عليه كما مر في أخبارهم.فاستبد ابن الجياب برياسة الكتاب من يومئذ إلى أن هلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعماية فولى السلطان أبو الحجاج حينئذ محمد بن الخطيب هذا رياسة الكتاب ببابه مثناة بالوزارة. ولقبه بها فاستقل بذلك. وصدرت عنه غرائب من الترسل في مكاتبات جيرانهم من ملوك العدوة. ثم داخله السلطان في تولية العمال على يده بالمشارطات فجمع له بها أموالاً. وبلغ في المخالصة إلى حيث لم يبلغ بأحد ممن قبله. وسفر عنه إلى السلطان أبي عنان ملك بني مرين بالعدوة مقرباً بأبيه السلطان أبي الحسن فجلى في أغراض سفارته.ثم هلك السلطان أبو الحجاج سنة خمس وخمسين عدا عليه بعض الزعانف يوم الفطر بالمسجد في سجوده للصلاة وطعنه فأشواه وفاض لوقته.وتعاورت سيوف الموالي المعلوجي هذا القاتل فمزقوه أشلاء. وبويع ابنه محمد لوقته.وأقام بأمره مولاهم رضوان الراسخ القدم في قيادة عساكرهم وكفالة الأصاغر من ملوكهم واستبد بالدولة. وأفرد ابن الخطيب بوزارته كما كان لأبيه واتخذ لكتابته غيره.وجعل ابن الخطيب رديفاً له في أمره ومشاركاً في استبداده معنى فجرت الدولة على أحسن حال وأقوم طريقة.ثم بعثوا الوزير ابن الخطب سفيراً إلى السلطان أبي عنان مستمداً له على عدوهم الطاغية على عادتهم مع سلفه.فلما قدم على السلطان ومثل بين يديه تقدم الوفد الذين معه من وزراء الأندلس وفقهائها واستأذنه في إنشاد شيء من الشعر خليفة الله ساعد القدر علاك ما لاح في الدجى قمر ودافعت عنك كف قدرته ما ليس يستطيع دفعه البشر وجهك في النائبات بدر دجى لنا وفي المحل كفك المطر والناس طراً بأرض أندلس لولاك ما أوطنوا ولا عمروا وجملة الأمر أنه وطن في غير علياك ما له وطر ومن به مذ وصلت حبلهم ما جحدوا نعمة ولا كفروا وقد أهمتهم نفوسهم فوجهوني إليك وانتظروا فاهتز السلطان لهذه الأبيات وأذن له في الجلوس. وقال له قبل أن يجلس ما ترجع إليهم إلا بجميع طلباتهم. ثم أثقل كاهلهم بإحسانه وردهم بجميع ما طلبوه.وقال لي شيخنا القاضي أبو القاسم الشريف وكان معه في ذلك الوفد لم يسمع بسفي قضى سفارته قبل أن يسلم على السلطان إلا هذا. ومكثت دولتهم هذه بالأندلس خمس سنين.ثم ثار بهم محمد الرئيس ابن عم السلطان شركه في جده الرئيس أبي سعيد. وتحين خروج السلطان إلى متنزهه خارج الحمراء. وتسور دار الملك المعروفة بالحمراء وكبس رضواناً في بيته فقتله. ونصب للملك إسماعيل ابن السلطان أبي الحجاج بما كان صهره على شقيقته. وكان معتقلاً بالحمراء فأخرجه وبايعه وقام بأمره مستبداً عليه. وأحس السلطان محمد بقرع الطبول وهو بالبستان فركب ناجياً إلى وادي آش وضبطها.وبعث بالخبر إلى السلطان أبي سالم إثر ما استولى على ملك آبائه بالمغرب.وقد كان مثواه أيام أخيه أبي عنان عندهم بالأندلس. واعتقل الرئيس القائم بالدولة هذا الوزير ابن الخطيب وضيق عليه في محبسه. وكانت بينه وبين الخطيب ابن مرزوق مودة استحلمت أيام مقامه بالأندلس كما مر.وكان غالباً على هوى السلطان أبي سالم فزين له استدعاء هذا السلطان المخلوع من وادي آش يعده زبوناً على أهل الأندلس ويكف به عادية القرابة المرشحين هنالك متى طمحوا إلى ملك المغرب فقبل ذلك منه.وخاطب أهل الأندلس في تسهيل طريقه من وادي آش إليه. وبعث من أهل مجلسه الشريف أبا القاسم التلمساني وحمله مع ذلك الشفاعة في ابن الخطيب.وحل معتقله فانطلق وصحب الشريف أبا القاسم إلى وادي آش وسار في ركاب سلطانه.وقدموا على السلطان أبي سالم فاهتز لقدوم ابن الأحمر وركب في موكب لتلقيه وأجلسه إزاء كرسيه.وأنشد ابن الخطيب قصيدته كما مر يستصرخ السلطان لنصره فوعده وكان يوماً مشهوداً وقد مر ذكره. ثم أكرم مثواه وأرغد نزله ووفر أرزاق القادمين في ركابه وانتظر به وأرغد عيش ابن الخطيب في الجراية والأقطاع.ثم استأنس واستأذن السلطان في التحول بجهات مراكش والوقوف على آثار الملك بها فأذن له وكتب إلى العمال بإتحافه فتبارزوا في ذلك وحصر منه على حظ.وعندما مر بسلا في قفوله من سفره. دخل مقبرة الملوك بشالة ووقف على قبر السلطان أبي الحسن وأنشد قصيدة على روي الراء يرثيه ويستجير به في استرجاع ضياعه بقرطبة ومطلعها إن بان منزله وشطت داره قامت مقام عيانه أخباره قسم زمانك غيرة أو عبرة هذا ثراه وهذه آثاره فكتب السلطان أبو سالم في ذلك إلى أهل الأندلس بالشفاعة فشفعوه.واستقر هو بسلا منتبذاً عن سلطانه طول مقامته بالعدوة. ثم عاد السلطان محمد المخلوع إلى مكانه بالأندلس سنة ثلاث وستين كما مر في أخباره.وبعث عن مخلفه بفاس من الأهل والولد القائم بالدولة يومئذ عمر بن عبد الله بن علي فاستقدم ابن الخطيب من سلا وبعثهم لنظره.وسر السلطان بقدومه ورده إلى منزلته كما كان مع رضوان كافله. وكان عثمان بن يحيى بن عمر شيخ الغزاة وابن شيوخهم قد لحق بالطاغية في ركاب أبيه عندما أحس بالشر من الرئيس صاحب غرناطة.وأجاز يحيى من هنالك إلى العدوة وأقام عثمان بدار الحرب فصحب السلطان في مثوى اغترابه هنالك وتقلب في هذا مذاهب خدمته.وانحرفوا عن الطاغية عندما يئسوا من الفتح على يديه فتحولوا عنه إلى ثغور بلاده.وخاطبوا عمر بن عبد الله في أن يمكنهم من بعض الثغور الغربية التي لطاعتهم بالأندلس يرتقبون منها الفتح.وخاطبني السلطان المخلوع في ذلك وكانت بيني وبين عمر بن عبد الله أزفة مرعية ومخالصة متأكدة فوفيت للسلطان بذلك من عمر بن عبد الله.وحملته على أن يرد عليه مدينة رندة إذ هي تراث سلفه فقبل إشارتي في ذلك. وتسوغها السلطان المخلوع ونزل بها وعثمان بن يحيى في جملته وهو المقدم في بطانته. ثم غزوا منها مالقة فكانت ركاباً للفتح.وملكها السلطان واستولى بعده على دار ملكه بغرناطة وعثمان بن يحيى متقدم القدم في الدولة غريق في المخالصة وله على السلطان دالة واستبداد على هواه.فلما وصل ابن الخطيب بأهل السلطان وولده وأعاده السلطان إلى مكانه في الدولة من علو يده وقبول إشارته فأدركته الغيرة من عثمان ونكر على السلطان الاستكفاء به والتخوف من هؤلاء الأعياص على ملكه فحذره السلطان وأخذ في التدبير عليه حتى نكبه وأباه وإخوته في رمضان سنة أربع وستين وأودعهم المطبق.ثم غربهم بعد ذلك وخلا لابن الخطيب الجو وغلب على هوى السلطان ودفع إليه تدبير الدولة وخلط بينه بندمانه وأهل خلوته.وانفرد ابن الخطيب بالحل والعقد وانصرفت إليه الوجوه وعلقت به الآمال وغشي بابه الخاصة والكافة وغصت به بطانة السلطان وحاشيته فتفننوا في السعايات فيه وقد صم السلطان عن قبولها. ونمي الخبر بذلك إلى ابن الخطيب فشمر عن ساعده في التقويض عنهم.واستخدم للسلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن ملك العدوة يومئذ قي القبض على ابن عمه عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ابن السلطان أبي علي كانوا قد نصبوه شيخاً على الغزاة بالأندلس لما أجاز من العدوة بعد ما جاس خلالها لطلب الملك وأضرم بها نار الفتنة في كل ناحية وأحسن دفاعه الوزير عمر بن عبد الله القائم حينئذ بدولة بني مرين فاضطر إلى الإجازة إلى الأندلس فأجاز هو ووزيره مسعود بن ماسي ونزلوا على السلطان المخلوع أعوام سبعة وستين فأكرم نزلهم.وتوفي علي بن بدر الدين شيخ الغزاة فقدم عبد الرحمن مكانه.وكان السلطان عبد العزيز قد استبد بملكه بعد مقتل الوزير عمر بن عبد الله فغص بما فعله السلطان المخلوع من ذلك. وتوقع انتقاض أمره منهم. ووقف على مخاطبات من عبد الرحمن يسربها في بني مرين فجزع لذلك.وداخله ابن الخطيب في اعتقال ابن أبي يفلوسن وابن ماساي وإراحة نفسه من شغبهم على أن يكون له المكان من دولته متى نزع إليه فأجابه إلى ذلك وكتب له العهد بخطه على يد سفيره إلى أندلس وكاتبه أبي يحيى بن أبي مدين.وأغرى ابن الخطيب سلطانه بالقبض على ابن أبي يفلوسن وابن ماساي فتقبض عليهما واعتقلهما.وفي خلال ذلك استحكمت نفرة ابن الخطيب لما بلغه عن البطانة من القدح فيه والسعاية.وربما تخيل له أن السلطان مال إلى قبولها وأنهم قد أحفظوه عليه فأجمع التحويلع عن الأندلس إلى المغرب.واستأذن السلطان في تفقد الثغور الغربية.وسار إليها في لمة من فرسانه ومعه ابنه علي الذي كان خالصة للسلطان وذهب لطبنة.فلما حاذى جبل الفتح فرضة المجاز إلى العدوة مال إليه وسرح أذنه بين يديه فخرج قائد الجبل لتلقيه.وقد كان السلطان عبد العزيز أوعز إليه بذلك وجهز له الأسطول من حينه فأجاز إلى سبتة.وتلقاه ولاتها بأنواع التكرمة وامتثال المراسيم.ثم سلك لقصد السلطان فقدم عليه سنة ثلاث وسبعين بمقامته من تلمسان فاهتزت له الدولة.وأركب السلطان خاصته لتلفيه وأحله من مجلسه محل الأمن والغبطة ومن دولته بمكان البنوة والعزة.وأخرج لوقته كاتبه أبا يحيى بن مدين سفيراً إلى صاحب الأندلس في طلب أهله وولده فجاء بهم على أكمل حالات الأمن والتكرمة.ثم لغط المنافسون له في شأنه وأغروا السلطان بتتبع عثراته وأبدى ما كان كامناً في نفسه من سقطات دالته وإحصاء معائبه.وشاع على ألسنة أعدائه كلمات منسوبة إلى الزندقة أحصوها عليه ونسبوها إليه.ورفعت إلى قاضي الحضرة أبي الحسن ابن أبي الحسن فاستردها وسجل عليه بالزندقة.وراجع صاحب الأندلس رأيه فيه.وبعث القاضي ابن الحسن إلى السلطان عبد العزيز في الانتقام منه بتلك السجلات وإمضاء حكم الله فيه فصمم عن ذلك وأنف لذمته أن تخفر ولجواره أن يرد وقال لهم هلا انتقمتم منه وهو عندكم وأنتم عالمون بما كان عليه وأما أنا فلا يخلص إليه بذلك أحد ما كان في جواري.ثم وفر الجراية والإقطاع له ولبنيه ومن جاء من أهل الأندلس في جملته.فلما هلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين ورجع بنو مرين إلى المغرب وتركوا تلمسان سار هو في ركاب الوزير أبي بكر بن غازي القائم بالدولة فنزل بفاس واستكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن وأغراس الجنات. وحفظ عليه القائم بالدولة الرسوم التي رسمها له السلطان المتوفى. واتصلت حاله على ذلك إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الساعة الآن 08:02 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |