منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 12 - 8 - 2010 04:35 PM

الخبر عن مهلك السلطان عبد العزيز وبيعة ابنه السعيد
واستبداد أبي بكر بن غازي عليه ورجوع بني مرين إلى المغرب كان السلطان منذ أول نشأته قد أزمنت به الحمى بما أصابه من مرض النحول ولأجل ذلك تجافى السلطان أبو سالم عن احتماله مع الأبناء إلى رندة‏.‏ولما شب أفاق من مرضه وصلح بدنه‏.‏ثم عاوده وجعه في مثواه بتلمسان وتزايد نحوله‏.‏ولما كمل الفتح واستفحل الأمر اشتد به الوجع وصابر المرض وكتمه عن الناس خشية الإرجاف واضطرب معسكره خارج تلمسان للحاق بالمغرب‏.‏ولما كانت ليلة الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين قضى متودعاً بين أهله وولده ودس الخدم بالخبر إلى الوزير فخرج على الناس وقد احتمل محمد السعيد ابن السلطان على كتفه فعزى الناس عن خليفتهم وألقى ابنه بين أيديهم فازدحموا عليه باكين متفجعين يعطونه الصفقة ويقبلون يده للبيعة وأخرجوه إلى المعسكر‏.‏ثم أخرج الوزير شلو السلطان على أعواده وأنزله بفساطيطه وأيقظ بالليل بحراسة العسكر‏.‏وأذن في الناس بالرحيل فخرجوا أفواجاً إلى المحلة‏.‏ ثم ارتحلوا لثلاث وأغنوا السير إلى المغرب واحتلوا بتازى‏.‏ ثم أغذوا السير إلى فاس‏.‏ واحتل ابن السلطان بدار ملكه وجلس للبيعة العامة بقصره‏.‏ وتوافت وفود الأمصار ببيعاتهم على العادة‏.‏واستبد عليه الوزير أبو بكر وحجبه وحجره عن التصرف في شيء من سلطانه ولم يكن في سن التصرف‏.‏ واستعمل على الجهات وجلس بمجلس الفضل‏.‏ واشتغل بأمر المغرب إبراماً ونقضاً إلى أن كان ما نذكره‏.‏


الخبر عن استيلاء أبي حمو علي تلمسان والمغرب الأوسط
لما فصل بنو مرين من تلمسان إثر مهلك السلطان عبد العزيز واحتلوا بتازى اجتمع المشيخة وعقدوا على تلمسان لإبراهيم بن السلطان أبي تاشفين كان ربي في كفالة دولتهم منذ مهلك أبيه فآثروه بذلك لخلوصه‏.‏وبعثوه مع رخو بن منصور أمير عبيد الله من المعقل وسرحوا معهما من كان بالمغرب من مغراوة إلى وطن ملكهم بشلف‏.‏وعقدوا عليهم لعلي بن هارون بن منديل بن عبد الرحمن وأخيه رحمون وانصرفوا إلى بلادهم‏.‏وكان عطية بن موسى مولى أبي حمو قد صار إلى السلطان عبد العزيز فألحقه بجملته وبطانته‏.‏فلما هلك السلطان خرج من القصر واختفى بالبلد حتى إذا فصل بنو مرين من معسكرهم ظاهر البلد خرج من مكان اختفائه وقام بدعوة مولاه أبي حمو‏.‏ واجتمع إليه شيعته من أهل البلد مع من تأشب إليهم من الغوغاء‏.‏وحملوا الخاصة على البيعة لأبي حمو وصلهم إبراهيم بن أبي تاشفين مع رحو بن منصور وقومه من عبيد الله فنابذوه وامتنعوا عليه فرجع عنهم إلى المغرب‏.‏ وطير أولاد يغمور أولياء أبي حمو من عبيد الله بالخبر إليه وهو بمثواه من تيكورارين‏.‏واتصل بابنه أبي تاشفين وهو بحي بني عامر فبادر إلى تلمسان ودخلها ومن معه من بني عبد الواد‏.‏ وتساقط إليه فلهم من كل جانب‏.‏ووصل السلطان على أثرهم بعد اليأس منه فدخلها في جمادى من سنة أربع وسبعين واستقل بملكه‏.‏ وتقبض على بطانته الذين أسفوه في اغترابه ونمي له عنهم السعي عليه فقتلهم ورجع ملك بني عبد الواد وسلطانهم ونهض إلى مغراوة أولياء بني مرين بمكانهم من شلف فغلبهم عليه بعد مطاولة وحروب سجال هلك فيها رحمون بن هارون‏.‏ومحا دعوة بني مرين من ضواحي المغرب الأوسط وأمصاره واستقل بالأمر حسبما ذكرناه في أخباره‏.‏ واتصل الخبر بالوزير أبي بكر بن غازي فهم بالنهوض إليه ثم ثنى عزمه ما كان من خروج الأمير عبد الرحمن بناحية


الخبر عن إجازة الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن إلى المغرب
واجتماع بطوية إليه وقيامهم بدعوته كان محمد المخلوع بن الأحمر قد رجع من رندة إلى ملكه بغرناطة في جمادى من سنة ثلاث وستين وقتل له الطاغية عدوه الرئيس المنتزي على ملكه حين هرب من غرناطة إليه وفاء بعهد المخلوع واستوى على كرسيه واستقل بملكه‏.‏ولحق به كاتبه وكاتب أبيه محمد بن الخطيب فاستخلصه وعقد له على وزارته وفوض إليه في القيام بملكه فاستولى عليه وملك هواه‏.‏وكانت عينه ممتدة إلى المغرب وسكناه إن نزلت به آفة في رياسته فكان لذلك يقدم السوابق والوسائل عند ملوكه‏.‏وكان لأبناء السلطان أبي الحسن كلهم غيرة من ولد عمهم السلطان أبي علي ويخشونهم على أمرهم‏.‏ ولما لحق الأمير عبد الرحمن بالأندلس اصطفاه ابن الخطيب واستخلصه لنجواه ورفع في الدولة رتبته وأعلى منزلته وحمل السلطان على أن عقد له على الغزاة المجاهدين من زناتة مكان بني عمه من الأعياص فكانت له آثار في الاضطلاع بها‏.‏ولما استبد السلطان عبد العزيز بأمره واستقل بملكه وكان ابن الخطيب ساعياً في مرضاته عند السلطان فدس إليه باعتقال عبد الرحمن بن كأبي يفلوسن ووزيره المطارد به مسعود بن ماساي‏.‏وأدار ابن الخطيب في ذلك مكره وحمل السلطان عليهما إلى أن سطا بهما واعتقلهما سائر أيام السلطان عبد العزيز‏.‏وتغير الجو بين ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب وأظلم فتنكر له فنزع عنه إلى عبد العزيز سلطان المغرب سنة اثنتين وسبعين لما قدم من الوسائل ومهد من السوابق فتقبله السلطان وأحله من مجلسه محل الاصطفاء والقرب‏.‏وخاطب ابن الأحمر في أهله وولده فبعثهم إليه واستقر في جملة السلطان‏.‏ثم تأكدت العداوة بينه وبين ابن الأحمر فرغب السلطان في ملك الأندلس وحمله عليه وتواعدوا لذلك عند مرجعه من تلمسان إلى المغرب‏.‏ونمي ذلك إلى ابن الأحمر فبعث إلى السلطان بهدية لم يسمع بمثلها انتقى فيها من متاع الأندلس وماعونها وبغالها الفارهة ومعلوجي السبي وجواريه وأوفد بها رسله يطلب إسلام وزيره ابن الخطيب إليه وأبى السلطان من ذلك ونكره‏.‏ولما هلك واستبد الوزير ابن غازي بالأمر تحيز إليه ابن الخطيب وداخله وخاطبه ابن الأحمر فيه بمثل ما خاطب السلطان فلج واستنكف عن ذلك وأقبح الرد‏.‏وانصرف رسوله إليه وقد رهب سطوته فأطلق ابن الأحمر لحينه عبد الرحمن بن أبي يفلوسن وأركبه الأسطول وقذف به إلى ساحل بطوية‏.‏ ونهض إلى جبل الفتح ونازله بعساكره‏.‏ونزل عبد الرحمن ببطوية في ذي القعدة من سنة أربع وسبعين ومعه وزيره مسعود بن ماساي فاجتمع قبائل بطوية إليه وبايعوه على القيام بدعوته والموت دونه‏.‏ واتصل الخبر بالوزير أبي بكر فعقد لابن عمه محمد بن عثمان على سبتة وبعثه لسد ثغورها لما خشي عليها من ابن الأحمر‏.‏ ونهض من فاس بالعساكر والآلة‏.‏ ونازل عبد الرحمن ببطوية فامتنع عليه وقاتله أياماً‏.‏ ثم رجع إلى تازى ثم إلى فاس‏.‏ودخل الأمر عبد الرحمن تازى واستولى عليها ودخل الوزير إلى فاس وقعد بمجلس الفصل وهو مجمع العودة إلى تازى لتشريد عدوه إلى أن جاءه الخبر ببيعة السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم حسبما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏ولاية السلطان أبي العباس

ميارى 12 - 8 - 2010 04:36 PM

الخبر عن بيعة السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم واستقلاله بالملك
وما كان خلال ذلك من الأحداث ولما نزل محمد بن عثمان بالثغر من سبتة لسد فروجها ومدافعة ما يخشى من عادية ابن الأحمر عليها وكان قد طاول حصار جبل الفتح وأخذ بمخنقه‏.‏وتكررت المواصلة بينه وبين محمد بن عثمان بالعتاب فاستعتب له وقبح ما جاء به ابن عمه من الاستغلاظ فوجد ابن الأحمر بذلك السبيل إلى غرضه‏.‏وداخله في البيعة لابن السلطان أبي سالم من الأبناء الذين كانوا بطنجة تحت الرقبة والحوطة وأن يقيمه للمسلمين سلطاناً مستبداً يجول بسياجهم ويدافع عنهم ولا يتركهم فوضى وهملاً‏.‏ويجب بيعة الصبي الذي لم تنعقد بيعته شرعاً‏.‏واختص هذا بالسلطان من بين أولئك الأولاد وفاء بحقوق أبيه ووعده بالمظاهرة على ذلك واشترط عليه أن ينزلوا له عن الجبل إذا انعقد أمرهم ويشخصوا إليه بيعة الأبناء والقرابة من طنجة ليكونوا في إيالته وتحت حوطته‏.‏ وأن يبعثوا إليه بابن الخطيب متى قدروا عليه فتقبل محمد بن عثمان شرطه‏.‏وكان سفيره في ذلك أحمد الرعيني من طبقة كتاب الأشغال بسبتة كان السلطان أبو الحسن تزوج أمه ليلة إجازته من واقعة طريف وافتقاد حظاياه حتى لحق به الحرم من فاس فردها إلى أهلها‏.‏ونشأ الرعيني في توهم هذه الكفالة فانتفخ نحره لذلك ويحسبها وصلة إلى أبناء السلطان أبي الحسن‏.‏ وكان سفيراً بين محمد بن عثمان وابن الأحمر فأمل رياسة في هذه الدولة‏.‏ ركب محمد بن عثمان من سبتة إلى طنجة وقصد مكان اعتقالهم‏.‏واستدعى أبا العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم من مكانه مع الأبناء فبايع له وحمل الناس على طاعته‏.‏واستقدم أهل سبتة بكتاب البيعة فقدموا وخاطب أهل الجبل فبايعوا وأفرج ابن الأحمر عنهم‏.‏وبعث إليه محمد بن عثمان عن سلطانه بالنزول له عن جبل الفتح وخاطبوا أهله بالرجوع إلى طاعته فارتحل من مالقة إليه ودخله واستولى عليه ومحا دعوة بني مرين مما وراء البحر‏.‏وأهدى للسلطان أبي العباس وأمده وكان محمد بن عثمان عند فصوله من فاس ودعه الوزير ابن عمه وفاوضه في شأن السلطان وأن يقدم للناس إماماً يرجعون إليه ويترك لهم أمرهم وأمره في ذلك ولم يفترقا على مبرم من أمرهم‏.‏فلما ارتكب هذا المرتكب وجاء بهذا الأمر خاطب الوزير يموه عليه بأنه فعل بمقتضى المؤامرة وأنه عن إذنه والله أعلم بما دار بينهما‏.‏ولج الوزير في تكذيبه والبراءة للناس مما رمي به ولاطفه في نقض ذلك الأمر ورد أبي العباس إلى مكانه مع الأبناء تحت الحوطة‏.‏ وأبي محمد بن عثمان من ذلك ودافعه باجتماع الناس وانعقاد الأمر‏.‏ وبينما الوزير يروم ذلك جاءه الخبر بأن محمد بن عثمان أشخص الأبناء المعتقلين كلهم إلى الأندلس وأنهم حصلوا في كفالة ابن الأحمر فوجم وأعرض عن ابن عمه وسلطانه‏.‏ونهض إلى تازى ليفرغ من عدوه إليهم فنازله الأمير عبد الرحمن وأخذ بمخنقه‏.‏واهتبل محمد بن عثمان الغرة في ملك المغرب‏.‏ووصله ممد السلطان ابن الأحمر وعسكره تحت رايته وعقدها عليهم ليوسف بن سليمان بن عثمان بن أبي العلاء من مشيخة الغزاة المجاهدين وعسكر آخر من رجال الأندلس الناشبة يناهزون سبعماية‏.‏وبعث ابن الأحمر رسله إلى الأمير عبد الرحمن باتصال اليد بابن عمه السلطان أبي العباس أحمد ومظاهرته على ملك سلفه بفاس واجتماعهما لمنازلتهما‏.‏وعقد بينهما الاتفاق والمواصلة وأن يختص عبد الرحمن بملك سلفه فتراضيا‏.‏وزحف محمد بن عثمان وسلطانه إلى فاس خالفوا إليها الوزير وانتهوا إلى قصر عبد الكريم‏.‏وبلغ الخبرإلى الوزير بمكانه من حصار تازى فانفض معسكره ورجع إلى فاس ونزل بكدية العرئس‏.‏وانتهى السلطان أبو العباس أحمد إلى زرهون فصمد إليه الوزير بعساكرع وصمم نحوه بمكانة من قنة الجبل فاختل مصافه وانهزمت ساقة العسكر من ورائه‏.‏ورجع على عقبه مفلولاً وانتهب المعسكر ودخل إلى البلد الجديد‏.‏وجأجأ بالعرب من أولاد حسين أن يعسكروا له بالزيتون ظاهر فاس ويخرج بمجموعه إلى حللهم فنهض إليهم عبد الرحمن من تازى لمن كان معه من العرس الأحلاف وشردهم إلى الصحراء‏.‏وشارف السلطان أبا العباس أحمد بمجموعة من العرب وزناتة وبعثوا إلى والي سلفهم ونزمار بن عريف بمكانه من قصر مرادة الذي اختطه بملوية فجاءهم واطلعوه على كامن أسرارهم فأشار عليهم بالاجتماع والاتفاق فاجتمعوا بوادي النجا‏.‏وحضر لعقدهم واتفاقهم وحلفهم على اتصال اليد على عدوهم ومنازلته بالبلد الجديد حتى تمكن إليه منه‏.‏وارتحلوا بزحفهم إلى كدية العرائس في ذي القعدة من سنة خمس وسبعين‏.‏وبرز إليهم بعساكره فدارت الحرب وحمي الوطيس واشتد القتال ملياً ثم زحف إليه العسكران بساقتهما وآلتهما واختل مصافه وانهزمت جموعه وأحيط به وخلص إلى البلد الجديد بعد عصب الريق‏.‏وأضرب السلطان أبو العباس معسكره بكدية العرائس ونزل الأمير عبد الرحمن بإزائه وضربوا على البلد الجديد سياجاً بالبناء للحصار وأنزلوا بها أنواع القتال والإرهاب‏.‏ووصله مدد السلطان ابن الأحمر من الرجالة الأندلسية فضيقوا حصارها‏.‏واحتكموا في ضياع ابن الخطيب بفاس فهدموها وعاثوا فيها‏.‏ولما كان فاتح سنة ست داخل محمد بن عثمان ابن عمه أبا بكر في النزول عن البلد الجديد والبيعة للسلطان لما كان الحصار قد اشتد به‏.‏ويئس من الصريخ وأعجزه المال فأجاب‏.‏واشترط عليهم الأمير عبد الرحمن التجافي عن أعمال مراكش وأن يدينوه بها من سجلماسة فعقدوا له على كره وواطؤوا على المكر‏.‏وخرج الوزير أبو بكر إلى السلطان أبي العباس أحمد وبايعه واقتضى عهده بالأمان وتخلية سبيله من الوزارة فبذله‏.‏ودخل السلطان أبو العباس إلى البلد الجليد سابع المحرم‏.‏وارتحل الأمير عبد الرحمن يومئذ إلى مراكش واستولى عليها وارتحل معه علي بن عمر بن ويغلان شيخ بني مرين والوزير ابن ماساي‏.‏ثم نزع عنه ابن ماساي آل فاس لعهد كان اقتضاه من السلطان أبي العباس‏.‏ وأجاز البحر إلى الأندلس واستقر بها في إيالة ابن الأحمر واستقل السلطان أبو العباس ابن السلطان أبي سالم بملك المغرب ووزيره محمد بن عثمان بن ألكاس وفوض إليه شؤونه وغلب على هواه‏.‏وصار أمر الشورى إلى سليمان بن داود كان نزع إليهم من البلد الجديد من جملة أبي بكر بن غازي بعد أن كان أطلقه من محبسه واستخلصه‏.‏وجعل إليه مرجع إبرامه ونقضه فتركه أحوج ما كان إليه‏.‏ولحق بالسلطان أبي العباس بمكانه من حصار البلد الجديد‏.‏فلما استوسق ملكه ألقى الوزير محمد بن عثمان إليه بمقاد الدولة وأصار إليه أمر الشورى ورياسة المشيخة‏.‏واستحكمت المودة بينهم وبين السلطان ابن الأحمر وتأكدت المداخلة وجعلوا إليه المرجع في نقضهم وإبرامهم لمكان الأبناء المرشحين في إيالته‏.‏ولما ارتحل الأمير عبد الرحمن إلى مراكش نبذوا إليه العهد وتعللوا عليه بأن العقد الأول له إنما كان على ملك سلفه ومراكش إنما ألجأهم إلى العقد عليها إلجاء‏.‏واعتزموا على النهوض إليه ثم أقصروا وانعقدت بينهم السلم سنة ست وسبعين وجعلوا التخم بينهم أزمور‏.‏وعقدوا على ثغرها لحسون بن علي الصبيحي فلم يزل عليها إلى أن هلك كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن مقتل ابن الخطيب
لما استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد دار ملكه فاتح سنة ست وسبعين واستقل بسلطانه والوزير محمد بن عثمان مستبد عليه وسليمان بن داود من أعراب بني عسكر رديف له وقد كان الشرط وقع بينه وبين السلطان ابن الأحمر عندما بويع بطنجة على نكبة ابن الخطيب وإسلامه إليه لما نمي إليه عنه أنه كان يغري السلطان عبد العزيز بملك الأندلس‏.‏فلما زحف السلطان أبو العباس من طنجة ولقيه أبو بكر بن غازي بساحة البلد الجديد فهزمه السلطان ولاذ منه بالحصار أوى معه ابن الخطيب إلى البلد الجديد خوفاً على نفسه‏.‏ولما استولى السلطان على البلد الجديد أقام أياماً ثم أغراه سليمان بن داود بالقبض عليه فقبضوا عليه وأودعوه السجن وطيروا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر‏.‏وكان سليمان بن داود شديد العداوة لابن الخطيب بما كان سليمان بن داود قد بايعه السلطان ابن الأحمر على مشيخة الغزاة بالأندلس متى أعاده الله إلى ملكه‏.‏فلما استقر له سلطانه أجاز إليه سفيراً عن عمر بن عبد الله ومقتضياً عهده من السلطان فصده ابن الخطيب عن ذلك بأن تلك الرياسة لأعياص الملك من آل عبد الحق لأنهم يعسوب زناتة فرجع سليمان يائساً وحقد ذلك لابن الخطيب‏.‏ثم جاور الأندلس بمحل أمارته من جبل الفتح فكانت تقع يينه وبين ابن الخطيب مكاتبات يتنفس كل واحد منهما بصاحبه بما يحفظه لما كمن في صدورهما‏.‏وحين بلغ الخبربالقبض على ابن الخطيب إلى السلطان ابن الأحمر بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب وهو أبو عبد الله بن زمرك فقدم على السلطان أبي العباس وأحضر ابن الخطيب بالشورى في مجلسه الخاصة وأهل الشورى وعرض عليه بعد كلمات وقعت له في كتابته فعظم عليه النكير فيها فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملأ من الناس ثم تل إلى محبسه‏.‏اشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وأفتى بعض الفقهاء فيه‏.‏ودس سليمان بن داود لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله فطرقوا السجن ليلاً ومعهم زعانفة جاءوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر وقتلوه خنقاً في محبسه وأخرج شلوه من الغد فدفن بمقبرة باب المحروق‏.‏ثم أصبح من الغد علي شافة قبره طريحاً وقد جمعت له أعواد وأضرمت عليه ناراً فاحترق شعره واسود بشره فأعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته‏.‏وعجب الناس من هذه الشنعاء التي جاء بها سليمان واعتدوها من هناته‏.‏وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته‏.‏والله الفعال لما يريد‏.‏وكان عفا الله عنه أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فتجيش هواتفه لشعر يبكي نفسه‏.‏ومما قال في ذلك بعدنا وإن جاورتنا البيوت وجئنا لوعد ونحن صموت وأنفاسنا سكنت دفعة كجهر الصلاة تلاه القنوت وكنا عظاماً فصرنا عظاما وكنا نقوت فها نحن قوت وكنا شموس سماء العلا غربن فباحت علينا السموت فكم جدلت ذا الحسام الظبا وذو البخت كم خذلته البخوت فقل للعدا ذهب ابن الخطيب وفات فمن ذا الذي لا يفوت ومن كان يفرح منهم له فقل يفرح اليوم من لا يموت


الخبر عن إجازة سليمان بن داود إلي الأندلس ومقامه بها
إلى أن هلك كان سليمان بن داود هذا منذ عضته الخطوب واختلفت عليه النكايات يروم الفرار بنفسه إلى الأندلس للمقامة مع الغزاة المجاهدين من قومه‏.‏ولما استقر السلطان ابن الأحمر بفاس عند خلعه ووفادته على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين داخله سليمان بن داود في تأميل الكون عنده فعاهده على ذلك وأن يقدمه على الغزاة المجاهدين‏.‏فلما عاد إلى ملكه وفد عليه سليمان بن داود بغرناطة في سبيل السفارة عن عمر بن عبد الله سنة ست وستين وأن يؤكد عقده من السلطان فحال دونه ابن الخطيب وثنى رأى السلطان عن ذلك بأن شياخة الغزاة مخصوصة بأعياص الملك من آل عبد الحق لمكان عصابتهم من الأندلس فأخفق أمل سليمان حينئذ وحقدها على ابن خطيب ورجع إلى مرسله‏.‏ثم كانت نكبته أيام السلطان عبد العزيز فلم يخلص منها إلا بعد مهلكه أطلقه أبو بكر بن غازي بالأمر من بعده ليعتضد بمكانه على شأنه‏.‏فلما اشتد الحصار على ابن غازي خرج عنه سليمان ولحق بالسلطان أبي العباس ابن المولى أبي سالم بمكانه من ظاهر البلد الجديد فكان ذلك من أسباب الفتح‏.‏ولما دخل السلطان إلى دار ملكه من البلد الجديد فاتح سنة ست وسبعين واستوسق أمره رفع مجلس سليمان وأحله محل الشورى واعتضد به وزيره محمد بن عثمان واستخلصه كما ذكرناه‏.‏وكان يرجع إلى رأيه وهو في خلال ذلك يحاول اللحاق بالأندلس فكان من أول أمره التقرب إلى السلطان ابن الأحمر بإغراء الوزير محمد بن عثمان بقتل ابن الخطيب مشنونه فتم ذلك لأول الدولة‏.‏وجرت الأمور بعدها على الاعتمال في مرضاته إلى أن حاول السفارة إليه في أغراض سلطانه سنة ثمان وسبعين في صحبة ونزمار بن عريف فتلقاهما السلطان ابن الأحمر بما يتلقى به أمثالهما وأغرب في تكرمتهما‏.‏فأما ونزمار فانقلب راجعاً لأول بداية الرسالة اقتضى من السلطان خطته لقواد أسطوله بتسهيل الإجازة متى رامها‏.‏وخرج يتصيد فلحق بمرسى مالقة ودفع أمر السلطان بخطه إلى قائد الأسطول فأجازه إلى سبتة ولحق بمكانه‏.‏وأما سليمان فاعتزم على المقام عند ابن الأحمر وأقام هنالك خالصة ونجياً ومشاوراً إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:37 PM

الخبر عن شأن الوزير أبي بكر بن غازي
وما كان من تغريبه إلى ميورقة ثم رجوعه لما اشتد الحصار بالوزير أبي بكر بن غازي وفنيت أمواله وأموال السلطان وظن أنه أحيط به داخله الوزير محمد بن عثمان من مكانهم بحصاره بالنزول عن البلد على الأمان والإبقاء فأجاب‏.‏وخرج إلى السلطان أبي العباس بن أبي سالم فعقد له أماناً بخطه وتحول إلى داره بفاس‏.‏وسلم سلطانه المنصوب للأمر فتسلمه منه الوزير محمد بن عثمان واشتد في الاحتياط عليه إلى أن بعثه إلى السلطان بن الأحمر فكان في جملة الأبناء عنده‏.‏ودخل السلطان أبو العباس إلى دار ملكه واقتعد سريره ونفذت في الممالك أوامره‏.‏وأقام أبو بكر بن غازي على حاله بداره والخاصة يباكرونه والنفوس منطوية على تأميله فغص به أهل الدولة وترددت فيه السعاية‏.‏وتقبض عليه السلطان وأشخصه إلى غساسة وركب منها السفين إلى ميورقة آخر سنة ست وسبعين فأقام بها شهراً ومخاطباته مترددة إلى الوزير محمد بن عثمان‏.‏ثم عطفته عليه رحم فأذن له في القدوم على المغرب والمقامة بغساسة قدمها أوائل سنة سبع واستبد بأمارتها‏.‏وبدا له رأي في تأميل الرتبة وظهر ما كان يخفيه لابن عمه من المنافسة فخاطب السلطان ابن الأحمر من وراء البحر ولاطفه بالتحف والهدايا فكتب إلى ابن عمه محمد بن عثمان يحضه على إعادته إلى مكانه دفعاً لغوائله فأبى من ذلك‏.‏ وداخله ونزمار بن عريف في بعضها كذلك فلج في الامتناع‏.‏ وعمل سلطانه على نبذ العهد إلى أبي بكر بن غازي فتنكر له وأجمع المسير إليه بعساكر العرب فخرج من فاس سنة تسع وسبعين‏.‏وبلغ الخبرإلى أبي بكر بن غازي فاستجاش بالعرب واستحثهم للوصول فوصل إليه الأحلاف من المعقل وسرب فيهم أمواله‏.‏وخرج من غساسة فألقى بينهم وعمد إلى بعض العرب الطارئين فنصبه للأمر مشبهاً ببعض أولاد السلطان أبي الحسن وزحف إليه السلطان حتى نزل بتازى فأجفلت أحياء العرب أمام العساكر من بني مرين والجند‏.‏ ونجا ابن غازي منهم ندمائه‏.‏ثم داخله ونزمار بن عريف في الإذعان للسلطان والتنكيب عن سنن الخلاف فأجاب ووصل به إلى سدة الملك فبعث به السلطان محتاطاً عليه إلى فاس فاعتقل بها‏.‏ونزلت مقدمات العساكر بوادي ملوية وداخل صاحب تلمسان منها رعب فأوفد على السلطان من قومه وكبار مجلسه ملاطفاً ومدارياً فتقبل منه وعقد له السلم وأصدر به كتابه وعهده بخطه وانكفأ راجعاً إلى حضرته بعد أن بعث العمال في تلك النواحي على جبايتها فجمعوا له منها ما رضي‏.‏ولما احتل بدار ملكه أنفذ أمره بقتل أبي بكر بن غازي فقتل بمحبسه طعناً بالخناجر وذهب مثلاً في الأيام واستوسق السلطان أمره‏.‏وأحكم العقد مع الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن صاحب مراكش واتصل بينهما وترددت المهاداة منها بعض إلى بعض وإلى صاحب الأندلس واليهما منه فامتلأت المغرب هدنة وأمناً وانبعثت الآمال بساطاً وغبطة‏.‏والحال متصلة على ذلك لهذا انتقاض الصلح بين عبد الرحمن صاب مراكش والسلطان أبي العباس صاحب فاس واستيلاء عبد الرحمن علي أزمور ومقتل عاملها حسون بن علي كان علي بن عمر كبير بني ورتاجن وشيخ بني ويغلان منهم قد تحيز إلى الأمير عبد الرحمن منذ إجازته من الأندلس واستيلائه على تازى ثم زحفه إلى حصار البلد الجديد مع السلطان أبي العباس كما مر‏.‏ فوصل في جملته إلى مراكش وكان صاحب شوراه وكبير دولته‏.‏وكان يضطغن على خالد بن إبراهيم المبدازي شيخ حاحة من قبائل المصامدة ما بين مراكش وبلاد السوس‏.‏وقد كان علي بن عمر انتقض على ابن غازي الوزير المستبد بعد عبد العزيز ولحق بالسوس‏.‏ومر بخالد بن إبراهيم هذا فاعترضه في طريقه وأخذ الكثير من أثقاله ورواحله‏.‏وخلص هو إلى منجاته بالسوس وقد حقد ذلك لخالد‏.‏ ثم بعث عن شيوخ المعقل عندما أجاز الأمير عبد الرحمن من الأندلس إلى نواحي تازى يروم اللحاق به فوفدوا عليه‏.‏وسار معهم إلى أحيائهم وأقام معهم وهو في طاعة الأمير عبد الرحمن ودعوته إلى أن اتصل به بين يدي حصاره البلد الجديد مع السلطان أبي العباس‏.‏فلما فتح السلطان البلد الجديد أول سنة ست وسبعين واستولى على ملكهم بها وفصل عبد الرحمن إلى مراكش كما كان الوفاق بينهم سار علي بن عمر في جملة الأمير عبد الرحمن إلى مراكش‏.‏واستأذنه في قتل خالد صاحبه فلم يأذن له فأحفظه ذلك وطوى عليه‏.‏ وبعد أيام صعد إلى جبل وريكة في غرض من أغراض الدولة‏.‏ وتقدم إلى حافده عامر ابن ابنه محمد بقتل خالد فقتله في بعض الأيام بظاهر مراكش‏.‏ولحق بجده علي بن عمر بوريكة فتلطف له الأمير عبد الرحمن وراسله بالملاينة والاستعطاف‏.‏ثم ركب إليه بنفسه واستخلصه ونزل به إلى مراكش فأقام معه أياماً‏.‏ ثم ارتاب ولحق بأزمور وعاملها يومئذ حسون بن علي الصبيحي وأغراه بالأجلاب على عمل مراكش وزحفوا جميعاً إلى عمل صنهاجة‏.‏وسرح الأمير عبد الرحمن لمدافعتهم كبير دولته يومئذ وابن عمه عبد الكريم بن عيسى بن سليمان بن منصور بن بي مالك وهو عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق فخرج في العساكر ومعه منصور مولى الأمير عبد الرحمن فلقوا علي بن عمر وهزموه وأخذوا سواده ونجا إلى أزمور‏.‏ثم وفد هو وحسون بن علي على السلطان بفاس‏.‏ ووقعت أثناء ذلك المراسلة بين السلطانين وانعقد بينهما الصلح‏.‏وأقام علي بن عمر بفاس ورجع حسون بن علي إلى مكان عمله بأزمور ثم انتقض ما بين السلطانين ثانياً‏.‏وكان للأمير عبد الرحمن أخوان من ولد محمد بن يعقوب بن حسان الصبيحي وهما علي وأحمد جرثوما بغي وفساد‏.‏وعدا على كبيرهما علي ابن عمه علي بن يعقوب بن علي بن حسان فقتله‏.‏واستعدى أخوه موسى عليه السلطان فأعداه‏.‏وأذن له أن يثأر منه بأخيه فيقتله فجزع لذلك أحمد أخو علي وهم بقتل موسى فاستجار موسى بيعقوب بن موسى بن سيد الناس كبير بني ونكاسن وصهر الأمير عبد الرحمن وأقام أياماً في جواره ثم هرب إلى أزمور فلفحت نار الفتنة‏.‏ونهض الأمير عبد الرحمن إلى أزمور فالم يطق حسون بن علي دفاعه فملكها عليه وقتله واستباحها‏.‏وبلغ الخبرإلى السلطان بفاس فنهض في عساكره وانتهى إلى سلا‏.‏ورجع الأمير عبد الرحمن إلى مراكش وسار السلطان في أتباعه حتى نزل بفحص أكلميم قريباً من مراكش‏.‏وأقام هنالك نحو من ثلاثة أشهر والقتال يتردد بينهم‏.‏ثم سعى بين السلطانين في الصلح فاصطلحوا على حدود العمالات أولاً وانكفأ صاحب فاس إلى بلاط‏.‏وبعث الحسن بن يحيى بن حسون الصنهاجي عاملاً على الثغر بأزمور فأقام بها وكان أصله من صنهاجة أهل وطن أزمور وله سلف في خدمة بني مرين مذ أول دولتهم‏.‏وكان أبوه يحيى في دولة السلطان أبي الحسن عاملاً في الجباية بأزمور وغيرها‏.‏وهلك في خدمته بتونس أيام مقام السلطان بها وترك ولده يستعملون في مثل ذلك‏.‏ونزع الحسن هذا منهم إلى الجندية فلبس شارتها وتصرف في الولايات المناسبة لها‏.‏واتصل بخدمة السلطان أبي العباس لأول بيعته بطنجة وكان يومئذ عاملا بالقصر الكبير فدخل في دعوته وصار في جملته‏.‏وشهد معه الفتح واستعمله في خطط السيف حتى ولاه أزمور هذه الولاية فقام بها كما ذكرناه‏.‏وأما الصبيحيون فالخبر عن أوليتهم أن جدهم حسان من قبيلة صبيح من أفاريق سويد جاء مع عبد الله بن كندوز الكمي من بني عبد الواد حين جاء من تونس وافداً على السلطان يعقوب بن عبد الحق إليه بتنجداع كما مر‏.‏وكان حسان من رعاة إبله‏.‏فلما استقر عبد الله بن كندوز بناحية مراكش وأقطعه السلطان يعقوب في أعمالها وكان الظهر الذي يحمل عليه السلطان مفترقاً في شاوية المغرب فجمعه وجعله لنظر عبد الله بن كندوز فجمع له الرعاة وكبيرهم يومئذ حسان الصبيحي فكان يباشر السلطان في شأن ذلك الظهر ويطالعه في مهماته فحصلت له بذلك مداخلة واجتلبت إليه الحظ حتى ارتفع وأثرى وكبر‏.‏ونشأ ولده في ظل الدولة وعزها وتصرفوا في الولايات فيها‏.‏وانفردوا بالشاوية فلم تزل ولايتها متوارثة فيهم منقسمة بينهم لهذا العهد إلى ما كانوا يتصرفون فيه من غير ذلك من الولايات‏.‏وكان لحسان من ولد علي ويعقوب وطلحة غيرهم‏.‏ومن حسان هذا تفرعت شعوبهم في ولده وهم لهذا العهد متصرفون في الدولة على ما كان سلفهم من ولاية الشاوية والنظر في رواحل السلطان والظهر الذي يحمل من الإبل ولهم عدد وكثرة ونباهة في الدولة‏.‏والله أعلم‏.‏الانتقاض الثاني بين صاحب فاس وصاحب مراكش ونهوض صاحب فاس إليه وحصاره ثم عودهما إلى الصلح ولما رجع السلطان إلى فاس على ما استقر من الصلح وطلب الأمير عبد الرحمن أن يدخل عمالة صنهاجة ودكاكه في أعماله‏.‏وكتب السلطان إلى الحسن بن يحيى عامل أزمور وتلك العمالة بأن يتوجه إليه ويسد المذاهب دونه في ذلك‏.‏وكان الحسن بن يحيى مضطغناً على الدولة‏.‏فلما وصل إليه داخله في الخلاف وأن يملكه تلك العمالة فازداد الأمير عبد الرحمن بذلك قوة على أمره‏.‏وتعلل على صاحب فاس بأن يكون الحدود بين الدولتين وادي أم ربيع‏.‏واستمر صاحب فاس على الإباية من ذلك فنهض الأمير عبد الرحمن من مراكش‏.‏ودخل الحسن بن يحيى في طاعته فملكها وبعث مولاه منصوراً في العساكر إلى أنف فاستولى عليها وصادر أعيانها وقاضيها وواليها وبلغ الخبرإلى السلطان فنهض من فاس في عساكره‏.‏وانتهى إلى سلا فهرب منصور من أنف وتركها‏.‏ولحق بمولاه عبد الرحمن فأجفل من أزمور إلى مراكش والسلطان في أثره حتى انتهى إلى قنطرة الوادي على غلوة من البلد وأقام خمسة أشهر يحاصرها‏.‏واتصل الخبر بالسلطان ابن الأحمر صاحب الأندلس فبعث خالصته الوزير أبا القاسم ابن الحكيم الرندي ليعقد الصلح بينهما فعقده على أن استرهن السلطان أولاد الأمير عبد الرحمن وحافدا أبي الحسن‏.‏وانكفأ السلطان راجعاً إلى سلا‏.‏ولحق به جماعة من جملة الأمير عبد الرحمن من بني مرين وغيرهم نزعوا عنه وكان منهم أحمد بن محمد بن يعقوب الصبيحي‏.‏ولقي في طريقه مولى الأمير عبد الرحمن فجاء به مكرهاً إلى السلطان‏.‏وكان من النازعين أيضاً يعقوب بن سيد الناس كبير بني ونكاسن وأبو بكر بن رحو بن الحسن بن علي بن أبي الطلاق ومحمد بن مسعود الإدريسي وزيان بن علي بن عمر الوطاسي وغيرهم من المشاهير‏.‏وقدموا على السلطان بسلا فتقبلهم وأحسن كرامتهم ورحل راجعاً إلى فاس‏.‏والله أعلم‏.‏انتقاض علي بن زكريا شيخ الهساكرة علي الأمير عبد الرحمن وفتك بمولاه منصور لما رجع السلطان إلى فاس وبدا من الخلل في دولة الأمير عبد الرحمن وانتقاض الناس عليه ما قدمناه نزع يده من التعويد على العساكر وشرع في تحصين البلد‏.‏وضرب الأسوار على القصبة وحفر الخنادق وتبين بذلك اختلال أمره‏.‏وكان علي بن زكرياء شيخ هسكورة كبير المصامدة في دعوته مذ دخل مراكش فتلافى أمره مع صاحب فاس ومد إليه يداً من طاعته‏.‏ثم انتقض على الأمير عبد الرحمن ودخل في دعوة السلطان فبعث إليه الأمير عبد الرحمن مولاه منصوراً يستألفه فأرصد إليه في طريقه من حاشيته من قتله‏.‏ثم بعث برأسه إلى فاس فنهض السلطان في عساكره إلى مراكش‏.‏واعتصم الأمير عبد الرحمن بالقصبة وقد كان افردها عن المدينة بالأسوار‏.‏وخندق عليها فملك السلطان المدينة ورتب على القصبة المقاتلة من كل جهة ونصب الآلة‏.‏وأدار عليها من جهة المدينة حائطاً وأقام يحاصرها سبعة أشهر يغاديها بالقتال ويراوحها‏.‏وكان أحمد بن محمد الصبيحي من الذين بوئوا المقاعد لقتالها فهم بالانتقاض وحددثته نفسه بغمرة السلطان والتوثب به‏.‏وسعى بذلك إل السلطان فتقبض عليه وحبسه‏.‏وبعث السلطان بالنفير إلى أعماله فتوافت الأمداد من كل ناحية‏.‏وبعث صاحب الأندلس إليه مداداً من العسكر‏.‏فلما اشتد الحصار بالأمير عبد الرحمن ونفدت الأقوات وأيقن أصحابه بالهلاك وأهمتهم أنفسهم فهرب عنه وزيره نحو بن العلم من بقية بيت محمد بن عمر شيخ الهساكرة والمصامدة لعهد السلطان أبي الحسن وابنه وقد مر ذكره فلما لحق نحو هذا بالسلطان وعلم أنه إنما جاء مضطراً قبض عليه وحبسه‏.‏ثم انفض الناس عن الأمير عبد الرحمن ونزلوا من الأسوار ناجين إلى السلطان‏.‏وأصبح في قصبته منفرداً وقد بات ليلته يراوض ولديه على الإستماتة وهما أبو عامر وسليم‏.‏وركب السلطان من الغد في التعبية‏.‏وجاء إلي القصبة فاقتحمها بمقدمته‏.‏ولقيهم الأمير عبد الرحمن وولداه باساراك الميدان الذي بين أبواب دورهم فجالوا معهم جولة قتل فيها هو وولداه‏.‏تولى قتلهم علي بن إدريس الثنالقتي وزيان بن عمر الوطاسي‏.‏وطالما كان زيان يمتري ثدي نعمتهم ويجر ذيله خيلاء في جاههم فذهب مثلاً في كفران النعمة وسوء الجزاء‏.‏والله لا يظلم مثقال ذرة‏.‏وكان ذلك خاتم جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين‏.‏ثم رحل السلطان منقلباً إلى فاس وقد استولى على أعمال المغرب وظفر بعدوه ودفع المنازعين عن مكة‏.‏والله أعلم‏.‏اجلاب العرب إلى الغرب في مغيب السلطان بقريبه من ولد أبي علي وبأبي تاشفين في أبي حمو صاب تلمسان ومجيء أبي حمو على أثرهم كان أولاد حسين من عرب المعقل مخالفين علي السلطان قبل مسيره إلى مراكش‏.‏وكان شيخهم يوسف بن علي بن غانم قد حدثت بينه وبين الوزير القائم على الدولة محمد بن عثمان منافرة وفتنة‏.‏وبعث العساكر إلى سجلماسة فخرب ما كان له بها من العقار والأملاك‏.‏وأقام منتقضاً بالقفر‏.‏فلما حاصر السلطان الأمير عبد الرحمن بمراكش وأخذ بمخنقه أرسل أبا العشائر ابن عمه منصور إلى يوسف بن علي وقومه ليجلبوا به على المغرب ولأخذوا بحجزة السلطان عن حصاره فسار لذلك‏.‏ولما قدم على يوسف سار به إلى تلمسان مستجيشاً بالسلطان أبي حمو لذلك القصد بما كان بينه وبين الأمير عبد الرحمن من العهد على ذلك‏.‏فبعث أبو حمو معهم ابنه أبا تاشفين في بعض عساكره وسار في الباقين على أثرهم‏.‏ووصل أبو تاشفين وأبو العشائر إلى أحياء العرب فدخلوا إلى أحواز مكناسة وعاثوا فيها‏.‏وكان السلطان عند سفره إلى مراكش استخلف على دار ملكه بفاس علي بن مهدي العسكري في جماعة من الجند‏.‏واستنجد بوزمار ابن عريف شيخ سويد وولي الدولة المقيم بأحيائه بنواحي ملوية فخالف بين العرب المعقل واستألف منهم العمارنة المنبات وهم الأحلاف‏.‏واجتمعوا مع علي بن مهدي وساروا لمدافعة العدو بنواحي مكناسة فصدوهم عن مرامهم ومنعوهم من دخول البلاد فأقاموا متوافقين أياماً‏.‏وقصد أبو حمو في عسكره مدينة تازى وحاصرها سبعا‏.‏وخرب قصر الملك هنالك ومسجده المعروف بقصر تازورت‏.‏وبينما هم على ذلك بلغ الخبراليقين بفتح مراكش وقتل الأمير عبد الرحمن فأجفلوا من كل ناحية‏.‏وخرج أولاد حسين وأبو العشائر وأبو تاشفين والعرب الأحلاف في اتباعهم وأجفل أبو حمو من تازى راجعاً إلى تلمسان ومر بقصر ونزمار في نواحي بطوية المعروف بمرادة فهدمه ووصل السلطان إلى فاس وقد تم له الظهور والفتح إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏نهوض السلطان إلى تلمسان وفتحها وتخريبها كان السلطان لما بلغه ما فعله العرب وأبو حمو بالمغرب لم يشغله ذلك عن أنه ونقم على أبي حمو ما أتاه من ذلك وأنه نقض عهده من غير داع إلى النقض‏.‏فلما احتل بدار ملكه بفاس أراح أياماً ثم أجمع عزمه على النهوض إلى تلمسان‏.‏وخرج في عساكره على عاداتهم وانتهى إلى تاوريرت‏.‏وبلغ إلى أبي حمو فاضطرب في أمره واعتزم على الحصار وجمع أهل البلد عليه واستعدوا له‏.‏ثم خرج في بعض تلك الليالي بولده وأهله وفي خاصته وأصبح مخيماً بالصفصيف وانفض أهل البلد إليه وبعضهم بعياله وولده مستمسكين به متفادين من معرة هجوم عساكر المغرب‏.‏ولم يزعه ذلك عن قصده وارتحل ذاهباً إلى البطحاء‏.‏ثم قصد بلاد مغراوة فنزل في بني بوسعيد قريباً من شلف وأنزل ولده الأصاغر وأهله بحصن تاجحمومت‏.‏وجاء السلطان إلى تلمسان فملكها واستقر بها أياماً‏.‏ثم هدم أسوارها وقصور الملك بها بإغراء وليه ونزمار جزاء بما فعله أبو حمو من تخريب قصر تازروت وحصن مرادة‏.‏ثم خرج من تلمسان في اتباع أبي حمو ونزل على مرحلة منها‏.‏وبلغه الخبر هنالك بإجازة السلطان موسى ابن عمه أبي عنان من الأندلس إلى المغرب وإنه خالفه إلى دار الملك فأكفأ راجعاً وأغذ السير إلى المغرب كما نذكر‏.‏ورجع أبو حمو إلى تلمسان واستقر في ملكها كما تقدم في أخباره‏.‏إجازة السلطان موسى ابن السلطان أبي عنان من الأندلس إلى المغرب‏.‏واستيلائه علي الملك وظفره بابن عمه السلطان أبي العباس وإزعاجه إليه الأندلس قد تقدم لنا أن السلطان محمد بن الأحمر المخلوع كان له تحكم في دولة السلطان أبي العباس بن أبي سالم صاحب المغرب بما كان من إشارته على محمد عثمان ببيعته وهو معتقل بطنجة ثم بما أمده من مدد العساكر والأموال حتى تم أمره واستولى على البلد الجديد كما تقدم في أول خبره وبما كان له من الزبون عليهم بالقرابة المرشحين الذين كانوا معتقلين بطنجة مع السلطان أبي العباس من أسباط السلطان أبي الحسن من ولد أبي عنان وأبي سالم والفضل وأبي عامر وأبي عبد الرحمن وغيرهم‏.‏وكانوا متعاهدين في معتقلهم أن من أتاح الله له الملك منهم فيخرجهم من الاعتقال ويجيزهم إلى الأندلس‏.‏فلما بويع السلطان أبو العباس وفى لهم بهذا العهد وأجازهم فنزلوا على السلطان ابن الأحمر أكرم نزل أنزلهم بقصور ملكه بالحمراء وقرب لهم المراكب وأفاض عليهم العطاء ووسع عليهم الجرايات والأرزاق‏.‏وأقاموا هنالك في ظل ظليل من كنفه فكان له بهم زبون على الدولة بالمغرب‏.‏وكان الوزير القائم بها محمد بن عثمان يقدر له قدر ذلك كله فيجري في أغراضه وقصوده وتحكمه في الدولة ما شاء الله أن يحكم حتى توجهت الوجوه إلى ابن الأحمر وراء البحر من شيوخ بني مرين والعرب وأصبح المغرب كأنه من بعض أعمال الأندلس‏.‏ولما نهض السلطان إلى تلمسان خاطبوه وأوصوه بالمغرب‏.‏وأنزل محمد بن عثمان بدار الملك كاتبه محمد بن حسن وكان مصطنعاً عنده من بقية شيع الموحدين ببجاية فاختصه ووقاه واستخلفه في سفره هذا على دار الملك‏.‏فلما انتهوا إلى تلمسان وحصل لهم من الفتح ما حصل كتبوا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر مع شيطان من ذرية عبو بن قاسم المزوار كان بدارهم‏.‏وهو عبد الواحد بن محمد بن عبو وكان يسمو بنفسه إلى العظائم التي ليس لها بأهل ويتربص لذلك بالدولة‏.‏وكان ابن الأحمر مع كثرة تحكمه فيهم يجني عليهم بعض الأوقات بما يأتونه من تقصير في شفاعة أو مخالفته في أمر لا يجدون عنه وليجة فيضطغن لهم ذلك‏.‏فلما قدم عليه عبد الواحد هذا بخبر الفتح وقص عليه القصص دس له أن أهل الدولة مضطربون على سلطانهم ومستبدلون به لو وجدوا وأبلغ من ذلك ما حمل ولم يحمل‏.‏وأشار له بخلاء المغرب من الحامية جملة وأن دار الملك ليس بها إلا كاتب حضري لا يحسن المدافعة وهو أعرف به فانتهز ابن الأحمر الفرصة وجهز موسى ابن السلطان أبي عنان من الأسباط المقيمين عنده‏.‏واستوزر له مسعود بن رحو بن ماساي من طبقة الوزراء لبني مرين ومن بني فودود من أحلافهم‏.‏وله في ذلك سلف وكان قد بعثه من قبل وزيراً للأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن حين أجاز إلى المغرب أيام استبداد أبي بكر بن غازي‏.‏فلم يزل معه حتى كان حصار البلد الجديد واستيلاء السلطان أبي العباس عليها‏.‏وذهب الأمير عبد الرحمن إلى مراكش فاستأذنه مسعود في الانصراف إلى الأندلس فأذن له ورجع عنه إلى فاس‏.‏ثم فارقهم وأجاز إلى الأندلس متودعاً ومتودداً للكل ومعولاً على ابن الأحمر فتلقاه بالقبول وأوسع له بالنزل والجراية وخلطه بنفسه وأحضره مع ندمائه‏.‏ولم يزل كذلك إلى أن جهزه وزيراً للمغرب مع موسى ابن السلطان أبي عنان وبعث معهم عسكراً‏.‏ثم ركب معهم السفين إلى سبتة وكانت بينه وبين شرفائها ورؤساء الشورى بها مداخلة فقاموا بدعوة السلطان موسى وأدخلوه وقبضوا على عاملها رحو بن الزعيم المكدولي وجاؤوا به إلى السلطان فملكها غرة صفر من سنة ست وثمانين‏.‏وسلمها لابن الأحمر فدخلت في طاعته‏.‏وسار هو إلى فاس فوصلها لأيام قريبة فأحاط بدار الملك واجتمع إليه الغوغاء‏.‏ونزل الدهش بمحمد بن حسن فبادر بطاعته‏.‏ودخل السلطان موسى إلى دار الملك وقبض عليه لوقته وذلك في عاشر ربيع الأول من السنة وجاء الناس بطاعتهم من كل جانب‏.‏وبلغ الخبرإلى السلطان أبي العباس بمكانه من نواحي تلمسان بأن السلطان موسى قد نزل سبتة فجهز علي بن منصور ترجمان الجند النصارى ببابه مع طائفة منهم‏.‏وبعثهم حامية لدار الملك فانتهوا إلى تازى وبلغهم خبر فتحها فأقاموا هنالك‏.‏وأغذ السلطان أبو العباس السير إلى فاس فلقيه خبر فتحها بتاوريرت فتقدم إلى ملوية وتردد في رأيه بين المسير إلى سجلماسة مع العرب أو قصد المغرب‏.‏ثم استمر عزمه ونازل بتازى وأقام بها أربعاً‏.‏وتقدم إلى الركن وأهل دولته خلال ذلك يخوضون في الانتقاض عليه ميلاً مع ابن عمه السلطان موسى المستولي على فاس‏.‏ويوم أصبح مرتحلاً من الركن أرجفوا به‏.‏ثم انفضوا عنه طوائف قاصدين فاس ورجع هو إلى تازى بعد أن انتهب معسكره واضرمت النار في خيامه وخزائنه‏.‏ثم صبح تازى من ليلته فدخلها وعاملها يومئذ الخير من موالي السلطان أبي الحسن‏.‏وذهب محمد بن عثمان إلى ولي الدولة ونزمار ابن عريف وأمراء العرب من المعقل‏.‏ولما دخل السلطان أبو العباس إلى تازى كتب إلى ابن عمه السلطان موسى يذكره العهد بينهما‏.‏وقد كان السلطان ابن الأحمر عهد إليه أن يبعث به إليه إن ظفر به فبادر السلطان موسى باستدعائه مع جماعة من وجوه بني عسكر أهل تلك الناحية وهم زكرياء بن يحيى بن سليمان ومحمد بن سليمان بن داود بن عراب ومعهم العباس بن عمر الوسناني فجاؤوا به وأنزلوه بالزاوية بغدير الحمص من ظاهر فاس فقيد هنالك‏.‏ثم بعث إلى الأندلس موكلاً به مع عمر بن رخو أخي الوزير مسعود بن ماساي‏.‏واستصحب معه ابنه أبا فارس‏.‏وترك سائرهم بفاس وأجاز البحر من سبتة فأنزله السلطان ابن الأحمر بقلعة ملكه الحمراء‏.‏وفك قيوده ووكل به ووسع له الجراية‏.‏وأقام هنالك محتاطاً به إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:37 PM

نكبة الوزير محمد بن عثمان ومقتله
أصل هذا الوزير من بني الكاس إحدى بطون بني ورتاجن‏.‏ وكان بنو عبد الحق عندما تأثلوا ملكهم بالمغرب يستعملون منهم في الوزارة‏.‏وربما وقعت بينهم وبين الحشم وبني فودود المختصين بالوزارة عندهم مزاحمة أجازوا بسببها إلى الأندلس‏.‏وربما وقع بينهم هنالك وبين بني إدريس وبني عبد الله منافسات فقتلوا فيها بعض بني الكاس ونشأ غازي بن ألكاس منهم في دولة السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن وتهذب بالخلال‏.‏ثم استوزره السلطان أبو الحسن بعد مهلك وزيره يحيى بن طلحة بن محلى بمكانه من حصار تلمسان وقام بوزارته أعواماً وحضر معه واقعة طريف سنة إحدى وأربعين من هذه الماية واستشهد فيها‏.‏ونشأ ابنه أبو بكر في ظل الدولة ممتعاً بحسن الكفالة وسعة الرزق‏.‏وكانت أمه أم ولد وخلفه عليها ابن عمه محمد بن عثمان هذا الوزير فنشأ أبو بكر في حجره‏.‏وكان أعلى رتبة منه بأولية أبيه وسلفه حتى إذا بلغ أشده واستوى سمت به الخلال وجالت أبصار الملوك في اختياره وترشيحه حتى استوزره السلطان عبد العزيز كما قلناه وقام بوزارته أحسن قيام وأصبح محمد بن عثمان هذا رديفه‏.‏وهلك السلطان عبد العزيز فنصب الوزير أبو بكر ابنه السعيد للملك صبياً لم يثغر‏.‏وكان من انتقاض أمره وحصاره بالبلد الجديد واستيلاء السلطان أبي العباس عليه ما قدمناه‏.‏وقام محمد بن عثمان بوزارة السلطان أبي العباس مستبداً عليه ودفع إليه أمور ملكه وشغل بلذاته فعانى محمد بن عثمان من أمور الدولة ما عاناه حتى كان من استيلاء السلطان موسى على ملكهم ما مر‏.‏وانفض بنو مرين عن السلطان أبو العباس وفارقه محمد بن عثمان إلى ولي الدولة ونزمار بن عريف وهو مقيم بظاهر تازى‏.‏وتذمم له فتجهم له ونزمار وأعرض عنه فسار مغذاً إلى أحياء المنبات من عرب المعمل‏.‏كانوا هنالك قبلة تازى لذمة صحابة كانت بينه وبين شيخهم أحمد بن عبوة فنزل عليه متذمماً فخادعه وبعث بخبره إلى السلطان فجهز إليه عسكراً مع المزوار عبد الواحد بن محمد بن عبو بن قاسم وزروق بن توقريطت والحسن أوافو من الموالي فتبرأ منه العرب وأسلموه إليهم فجاءوا به وأشهره يوم دخوله إلى فاس‏.‏واعتقل أياماً وامتحن في سبيل المصادرة حتى استصفى ثم قتل ذبيحاً بمحبسه‏.‏والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏خروج الحسن بن الناصر بغمارة ونهوض الوزير ابن ماساي إليه بالعساكر لما استقل السلطان موسى بملك المغرب وقام مسعود بن ماساي بوزارته مستبداً عليه وكان من تغريبهم السلطان أبا العباس إلى الأندلس ونكبتهم وزيره محمد بن عثمان وقتلهم إياه وافتراق أشياع الوزير محمد بن عثمان من قرابته وبطانته فطلبوا بطن الأرض ولحق منهم ابن أخيه العباس بن المقداد بتونس فوجد هنالك الحسن بن الناصر ابن السلطان أبي علي قد لحق بها من مقره بالأندلس في سبيل طلب الملك فثاب له رأي في الرجوع إلى المغرب لطلب الأمر هنالك‏.‏فسرح به من تونس وقطع المفاوز والمشاق إلى أن انتهى إلى جبل غمارة ونزل على أهل الصفيحة منها فأكرموا مثواه وتلقيه وأعلنوا بالقيام بدعوته‏.‏واستوزر العباس بن المقداد‏.‏وبلغ الخبرإلى مسعود بن ماساي بفاس فجهز العساكر لطلبه مع أخيه مهدي بن ماساي فحاصرها بجبل الصفيحة أياماً وامتنع عليهم فتجهز الوزير مسعود بن ماساي بالعساكر من دار الملك ولاية المنتصر ابن السلطان أبي العباس وفاة السلطان موسى والبيعة للمنتصر ابن السلطان أبي العباس كان السلطان موسى لما استقل بملك المغرب استنكف من استبداد ابن ماساي عليه وداخل بطانته في الفتك به‏.‏وأكثر ما كان يفاوض في ذلك كاتبه وخالصته محمد ابن كاتب أبيه وخالصته محمد بن أبى عمرو‏.‏وكان للسلطان موسى ندمان يطلعهم على الكثير من أموره منهم العباس بن عمرو بن عثمان الوسناقي وكان الوزير مسعود بن ماساي قد خلف أباه عمر على أمه وربي في حجره فكان يدلي إليه بذلك ويشي له بما يدور في مجلس السلطان في شأنه فحصلت للوزير بسبب ذلك نفرة طلب لأجلها البعد عن السلطان‏.‏وبادر الخروج لمدافعة الحسن القائم بغمارة واستخلف على دار الملك أخاه يعيش بن رخو بن ماساي‏.‏فلما انتهى إلى القصر الكبير لحقه الخبر بوفاة السلطان موسى وكانت وفاته في شهر جمادى الآخرة‏.‏طرقه المرض فهلك ليوم وليلة حتى كان الناس يرمون يعيش أخا الوزير بأنه سمه‏.‏وبادر يعيش فنصب ابن أخيه للملك وهو المنتصر ابن السلطان أبي العباس‏.‏وانكفأ الوزير مسعود راجعاً من القصر وقتل السبيع محمد بن موسى بن إبراهيم من طبقة الوزراء وقد مر ذكر قومه وكان أعتقله أيام إجازة الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من الأندلس والبيعة له بفاس كان الوزير مسعود بن ماساي لما استوحش من السلطان موسى بعث ابنه يحيى وعبد الواحد المزوار إلى السلطان ابن الأحمر يسأل منه إعادة السلطان أبي العباس إلى ملكه فأخرجه ابن الأحمر من الاعتقال وجاء به إلى جبل الفتح يروم إجازته إلى العدوة‏.‏فلما توفي السلطان موسى بدا للوزير مسعود في أمره ودس للسلطان ابن الأحمر برده وأن يبعث إليه بالواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من القرابة المقيمين عنده‏.‏ورآه أليق بالاستبداد والحجر فأسعفه ابن الأحمر في ذلك ورد السلطان أحمد إلى مكانه بالحمراء‏.‏وجاء بالواثق فحضر بجبل الفتح عنده وفى خلال ذلك وصل جماعة من أهل الدولة انتقضوا على الوزير مسعود ولحقوا بسبتة وأجازوا إلى السلطان ابن الأحمر وهم يعيش بن علي بن فارس الياباني وسيور بن يحياتن بن عمر الونكاسني وأحمد بن محمد الصبيحي فدفع إليهم الواثق ورجعوا به إلى المغرب على أنهم في خدمة الوزير حتى إذا انتهوا إلى جبل زرهون المطل على مكناسة اظهروا الخلاف على الوزير وصعدوا إلى قبائل زرهون واعتصموا بجبلهم‏.‏ولحق بهم من كان على مثل دينهم من الخلاف على ابن ماساي وصاروا معهم يداً مثل طلحة بن الزبير الورتاجني وسيور بن يحياتن بن عمر الونكاسني ومحمد التونسي من بني أبي الطلاق وفارح بن مهدى من معلوجي السلطان وأصله من موالي بني زيان ملوك تلمسان‏.‏وكان أحمد بن محمد الصبيحي من حين جاء مع الواثق قد استطال على أصحابه وأظهر الاستبداد بما كان من طائفة الجند المستخدمين فغص به أهل الدولة وتبرأوا منه السلطان الواثق فأظهر لهم البراءة منه فوثبوا به وقتلوه عند باب خيمة السلطان‏.‏وتولى كبر ذلك يعيش بن علي بن فارس الياباني كبير بني مرين فذهب مثلاً في الغابرين ولم تبك عليه سماء ولا أرض‏.‏وكان زورق ابن توقريطت من موالي بني علي بن زيان من شيوخ بني وانكاسن وكان من أعيان الدولة ومقدمي الجند قد انتقض على الدولة أيام السلطان موسى ولحق بأحياء أولاد حسين من عرب المعقل المخالفين منذ أيام السلطان موسى‏.‏ونزل على شيخهم موسى بن علي بن غانم لذمة صحابة بينهما من جوارهم في المواطن‏.‏وكان معه في ذلك الخلاف محمد بن يوسف بن علال كان أبوه يوسف من صنائع السلطان أبي الحسن ونشأة دولته استوحشا من الوزير فلحقا بالمغرب‏.‏فلما جاء هذا السلطان الواثق قدما عليه فلقيهما بالتكرمة وأحلهما في مقامهما من الدولة‏.‏وخرج الوزير ابن ماساي في العساكر ونزل قبالتهم بجبل مغيلة وقاتلهم هناك أياماً‏.‏وداخل الذين مع الواثق واستمالهم‏.‏وبعث عساكر إلى مكناسة فحاصروها وكان بها يومئذ عبد الحق بن الحسن بن يوسف الورتاجني فاستنزله منها وملكها‏.‏وترددت المراسلات بينه وبين الواثق وأصحابه على أن ينصبه للأمر‏.‏وبعث بالمنتصر المنصوب عنده إلى أبيه السلطان أبي العباس بالأندلس وانعقد الأمر بينهم على ذلك‏.‏ وسار الواثق في أصحابه إلى الوزير ابن ماساي فنزل عليه‏.‏ومضى يعيش بن علي بن فارس عنهم ذاهباً لوجهه‏.‏ وسار الوزير بالواثق إلى دار الملك فبايعه في شوال سنة ثمان وثمانين بعد أن اشترط عليه لنفسه وأصحابه ما شاء‏.‏وأجاز سلطانه المنتصر إلى أبيه السلطان أبي العباس بالأندلس وقبض على جماعة ممن كان مع الواثق مثل المزوار عبد الواحد وقتله وعلى فارح بن مهدي وحبسه‏.‏ وعلى الخير مولى الأمير عبد الرحمن وامتحنه‏.‏ وعلى آخرين سواهم‏.‏ثم قبض على جماعة من بطانة السلطان موسى كانوا يداخلونه في الفتك به فحبسهم وقتل بعضهم‏.‏ وعلى جند الأندلس الذين جاءوا مداداً للواثق‏.‏ وعلى قوادهم من معلوجي ابن الأحمر فأودعهم السجون‏.‏ثم قبض على كاتب السلطان موسى بن أبي الفضل محمد بن أبي عمر مرجعه من السفارة عن سلطانه إلى الأندلس فاعتقله وصادره ثم أخلى سبيله‏.‏ثم بعث إلى الحسن بن الناصر الثائر بجبل الصفيحة من غمارة مع إدريس بن موسى بن يوسف الياباني فخادعه باستدعائه للملك والبيعة له خدعه واستنزله‏.‏الفتنة بين الوزير ابن ملساي وبين السلطان ابن الأحمر وإجازة السلطان أبي العباس إلى سبتة لطلب ملكها واستيلاؤه عليها لما بايع الوزير ابن ماساي للواثق ورأى أنه قد استقل بالدولة ودفع عنها الشواغب صرف نظره إلى استرجاع ما فرط من أعمال الدولة وافتتح أمره بسبتة‏.‏وكان السلطان موسى لأول إجازته أعطاها لابن الأحمر كما مر فبعث إليه الآن الوزير ابن ماساي في ارتجاعها منه على سبيل الملاطفة فاستشاط لها ابن الأحمر ولج في الرد فنشأت الفتنة لذلك‏.‏وجهز ابن ماساي العساكر لحصار سبتة مع العباس ابن عمر بن عثمان الوسناني ويحمى بن علال بن أمصمود والرئيس محمد بن محمد الأبكم من بني الأحمر ثم من بيت السلطان الشيخ فاتح أمرهم وممهد دولتهم‏.‏وراسل سلطان إشبيلية والجلالقة من بني أدفونش وراء البحر بأن يبعث إليه ابن عم السلطان ابن الأحمر محمد بن إسماعيل مع الرئيس الأبكم ليجلبا من ناحيته على الأندلس‏.‏وجاءت عساكر الوزير إلى سبتة فحاصروها ودخلوها عنوة‏.‏ واعتصم حامية الأندلس الذين كانوا بها بالقصبة‏.‏ واتصلت الجولة بين الفريقين وسط البلد‏.‏ وأوقد أهل القصبة النيران بالجبل علامة على أمرهم ليراها ابن الأحمر‏.‏ وكان مقيماً بمالقة فبادر بتجهيز الأسطول مشحوناً بالمقاتلة ممداً لهم‏.‏ ثم استدعى السلطان أبا العباس من مكانه بالحمراء وأركبه السفين إلى سبتة فأصبح بالقصبة في غرة صفر سنة تسع وثمانين‏.‏ وأشرف عليهم من الغد وناداهم من السور يدعوهم إلى طاعته‏.‏ فلما رأوه اضطربوا وافترقوا‏.‏ وخرج إليهم فنهب سواددهم ودخلوا في طاعته متسايلين‏.‏ ورجع جمهور العرب ومقدموهم إلى طنجة‏.‏ واستولى السلطان على مدينة سبتة‏.‏وبعث إليه ابن الأحمر بالنزول عنها وردها إليه فاستقرت في ملكه وكملت بها بيعته‏.‏وكان يوليه أمور الضيفان الواردين‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:38 PM

مسير السلطان أبي العباس من سبتة لطلب ملكه
بفاس ونهوض ابن ماساي لدفاعه ورجوعه منهزماً لما استولى السلطان أبو العباس على سبتة وتم له ملكها اعتزم على المسير لطلب ملكه بفاس‏.‏وأغراه ابن أحمر بذلك ووعده بالمداد بما كان من مداخلة ابن ماساي لجماعة من بطانته في أن يقتلوه ويملكوا الرئيس الأبكم‏.‏يقال إن الذي داخله في ذلك من بطانة ابن الأحمر يوسف بن مسعود البلنسي ومحمد ابن الوزير أبي القاسم بن الحكيم الرندي‏.‏وشعر بهم السلطان ابن الأحمر وهو يومئذ على جبل الفتح يطالع أمور السلطان أبي العباس فقتلهم جميعاً وأخوالهم‏.‏ويقال إن ذلك كان بسعاية القائم على دولته مولاه خالد كان يغص بهم ويعاودهم فاحتال عليهم بهذه وتمت سعايته بهم فاستشاط ابن الأحمر غضباً على ابن ماساي‏.‏وبعث إلى السلطان أبي العباس يستنفره للرحلة إلى طلب ملكه فاستخلف على سبتة رخو ابن الزعيم المكدودي عاملها من قبل كما مر‏.‏وصار إلى طنجة وعاملها من قبل الواثق صالح بن حمو الياباني ومعه بها الرئيس الأبكم من قبل العساكر فحاصرها أياماً وامتنعت عليه فجمر عليها عسكراً وسار عنها إلى أصيلاً فدخلت في دعوته وملكها‏.‏ونهض الوزير ابن فارس في العساكر بعد أن استخلف أخاه يعيش على دار الملك وسار‏.‏ولحقت مقدمته باصيلاً ففارقها السلطان أبو العباس وصعد إلى جبل الصفيحة فاعتصم به‏.‏وجاء الوزير ابن ماساي فتقدم إلى حصاره بالجبل وجمع عليه رماة الرجل من الأندلس الذين كانوا بطنجة‏.‏وأقام يحاصره بالصفيحة شهرين‏.‏وكان يوسف بن علي بن غانم شيخ أولاد حسين من عرب المعقل مخالفاً على الوزير مسعود وداعية للسلطان أبي العباس وشيعة له وكان يراسل ابن الأحمر في شأنه‏.‏فلما سمع باستيلائه على سبتة وإقباله على فاس جمع أشياعه من العرب ودخل إلى بلاد المغرب ونزل ما بين فاس ومكناسة‏.‏وشن الغارات على البسائط واكتسحها‏.‏وأرجف الرعايا وأجفلوا إلى الحصون‏.‏وكان ونزمار بن عريف ولي الدولة شيعة للسلطان وكان يكاتبه وهو بالأندلس ويكاتب ابن الأحمر في شأنه‏.‏فلما اشتد الحصار على السلطان بالصفيحة بعث ابنه أبا فارس إلى ونزمار بمكانه من نواحي تازى‏.‏وبعث معه سيور بن يحياتن بن عمرة فقام ونزمار بدعوته وسار به إلى مدينة نازى وعاملها سليمان بن بوحياة الفودوي من قرابة الوزير ابن ماساي‏.‏فلما نزل به أبو فارس ابن السلطان بادر إلى طاعته وأمكنه من البلد فاستولى عليها واستوزر سليمان هذا‏.‏وسار إلى صفروي ومعه ونزمار للإجتماع بعرب المعقل واصفاقهم على حصار فاس‏.‏وكان محمد بن الدمعة عاملاً على ورغة فبعث إليه السلطان عسكراً مع العباس بن المقداد ابن أخت الوزير محمد بن عثمان فقتلوه وجاءوا برأسه‏.‏ونجم الخلاف على يعيش نائب البلد الجديد من كل جهة وطير يعيش بن ماساي النائب بدار الملك بالخبر بذلك كله إلى أخيه بمكانه من حصار السلطان بالصفيحة فانفضت عنه العساكر وأجفل راجعاً إلى فاس‏.‏وسار السلطان في اتباعه‏.‏ودخل في طاعته عامل مكناسة الخير مولى الأمير عبد الرحمن‏.‏ولقيه يوسف بن علي بن غانم ومن معه من أحياء العرب وساروا جميعاً إلى فاس‏.‏وكان أبو فارس ابن السلطان قد رحل من تازى إلى صفروي للقاء أبيه فاعترضه الوزير ابن ماساي في العساكر ورجا أن يفله‏.‏ولقيه ببني بهلول فنزع أهل العسكر إلى أبي فارس‏.‏ورجع الوزير منهزماً ودخل البلد الجديد فاعتصم بها‏.‏وبلغ خبره إلى السلطان وهو بمكناسة فارتحل يغذ السير إلى فاس‏.‏وسار ابنه أبو فارس للقائه فلقيه على وادي النجا‏.‏وصبحوا البلد الجديد فنزلوا عليها بجموعهم‏.‏وقد اعتصم بها الوزير في أوليائه وبطانته ومعه يغمراسن بن محمد الثنالقني ورهائن بني مرين الذين استرهنهم عند مسيره معهم للقاء السلطان بأصيلا‏.‏والله أعلم‏.‏


ظهور دعوة السلطان أبي العباس في مراكش واستيلاء أوليائه عليها
كان الوزير مسعود بن ماساي قد ولى على مراكش وأعمال المصامدة أخاه عمر ابن رحو وكانت البلاد منتظمة في طاعته‏.‏فلما بلغ الخبربوصول السلطان إلى سبتة واستيلائه عليها تطاولت رؤوس أوليائه إلى إظهار دعوته بجبل الهساكرة وشيخهم علي بن زكريا‏.‏وبعث الوزير مسعود من مكانه بحصار السلطان بالصفيحة في إمداده بالعساكر من مراكش فخف إليه مخلوف بن سليمان الوارتني صاحب الأعمال ما بين مراكش والسوس وقعد الباقون عن قصده وتفرقوا‏.‏وصعد أبو ثابت حافد علي بن عمر إلي جبل الهساكرة ومعه يوسف بن يعقوب بن علي الصبيحي فاستمد من علي بن زكرياء ورجع إلى مراكش مجلباً على عمر بن رخو فناوشه القتال ساعة‏.‏ثم غلبه على البلد وملكها من يده ونزل بقصبة الملك‏.‏وحبس عمر بن رحو بها وكتب إلى السلطان بذلك وهو بمكناسة متوجهاً إلى فاس فكتب إليه بأن يصله بعساكر مراكش لحصار دار الملك فجمع العساكر واستخلف على قصبة مراكش بعض بني عمه ولحق بالسلطان وأقام معه في حصار البلد الجديد‏.‏والله أعلم‏.‏


ولاية المنتصر ابن السلطان على مراكش واستقلاله بها
كان السلطان أبو العباس حين ملك المغرب بعث ابنه محمد المنتصر في البحر إلى سلا واستوزر له عبد الحق بن الحسن بن يوسف فوصل إلى سلا وأقام بها‏.‏ومر به زروق بن توقريطت راجعاً من دكالة‏.‏وقد بلغة نزول السلطان على البلد الجديد فتلطف في استدعائه ثم قبض عليه وبعث به إلى أبيه مقيداً فأودعه السجن وقتل بعد ذلك في محبسه‏.‏ثم بعث السلطان إلى ابنه المنتصر بولاية مراكش وأن يسير إليها فلما وصل امتنع النائب بالقصبة من أن يمكنه من البلد إلا أن يدخل إليه منفرداً عن أصحابه وبطانته‏.‏وكان علي بن عبد العزيز شيخ هنتاتة مداخلاً لنائب القصبة فدس لعبد الحق وزير المنتصر أن النائب قد هم بقتله‏.‏وحينئذ تمكن المنتصر من القصبة فأجفل بالمنتصر وصعد إلى جبل هنتاتة‏.‏وطير بالخبر إلى السلطان فتغير لأبي ثابت وأمره بأن يكاتب نائبه بتمكين ابنه من القصبة‏.‏واستوزر له سعيد بن عبدون وبعثه بالكتاب وعزل عبد الحق عن وزارة ابنه‏.‏واستدعاه إلى فاس فوصل سعيد بن عبدون إلى مراكش ودفع إلى النائب بالقصبة كتاب مستخلفه فأجاب إلى الامتثال وأمكنه من القصبة واعتزل منها فدخلها‏.‏وبعث عن المنتصر ابن السلطان واستولوا عليها وقبضوا على نائب عامر الذي كان بها وسائر شيعته وبطانته‏.‏وامتحنوهم واستصفوهم إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏حصار البلد الجديد وفتحها ونكبة الوزير ابن ماساي ومقتله لما نزل السلطان على البلد الجديد واجتمع إليه سائر قبيله وأوليائه وبطانته داخل الوزير مسعود الحنق على وجوه بني مرين لانتباذهم عنه‏.‏وهم بقتل أبنائهم الذين استرهنهم على الوفاء له فلاطفه يغمراسن السالفي في المنع من ذلك فأقصر عنه‏.‏وضيق السلطان مخنقه بالحصار ثلاث أشهر حتى دعا إلى النزول والطاعة فبعث السلطان إليه ولي الدولة ونزمار بن عريف وخالصته محمد بن يوسف‏.‏بن علال فعقد معهم الأمان لنفسه ولمن معه على أن يستمر على الوزارة ويبعث بسلطانه الواثق إلى الأندلس‏.‏واستحلفهم على ذلك وخرج معهم إلى السلطان فدخل السلطان البلد الجديد خامس رمضان سنة تسع وثمانين لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه‏.‏ولحين دخوله قبض على الواثق وبعث به معتقلاً إلى طنجة حتى قتل بها بعد ذلك‏.‏ولما استوى على أمره قبض على الوزير مسعود ليومين من دخوله وعلى إخوانه وحاشيته‏.‏وامتحنهم جميعاً فهلكوا في العذاب‏.‏ثم سلط على مسعود من العذاب والانتقام ما لا يعبر عنه‏.‏ونقم عليه ما فعله بدور بني مرين النازعين إلى السلطان بأنه كان متى هرب منه أحد منهم يعمد إلى بيوته فينهبها ويخربها فأمر السلطان بعقابه في أطلالها فكان يوتى به إلى كل بيت منها فيضرب عشرين سوطاً إلى أن أفحش فيه العذاب وتجاوز الحد‏.‏ثم أمر به فقطع فهلك عند قطع الثانية من الأربعة فذهب مثلاً في الآخرين‏.‏وزارة محمد بن هلال كان أبوه يوسف بن هلال من نشأة الدولة وصنيعة السلطان أبي الحسن‏.‏وربي في داره‏.‏ولما ضخم أمره سما به إلى ولاية الأعمال فولاه على درعة فأثرى وأنجب وباهى أولياء الدولة‏.‏ثم ولاه السلطان أبو عنان أمر مطبخه ومائدته وضيوفه واستكفى في ذلك وولاه أخوه أبو سالم بعده كذلك‏.‏ثم بعثه على سجلماسة فعانى بها من أمور العرب مشقة‏.‏وعزله عنها فهلك بفاس‏.‏وكان له جماعة عن ولد نشأوا في ظل هذه النعمة وحدثت النجابة بمحمد منهم‏.‏فلما ولي السلطان أبو العباس استعمله في أمور الضياف والمائدة كما كانت لأبيه‏.‏ثم رقاه إلى المخالصة وخلطه بنفسه‏.‏فلما خلع السلطان واستولى الوزير ابن ماساي على المغرب وكانت بينه وبين أخيه يعيش بن ماساي إحن قديمة فسكن لصولتهم‏.‏حتى إذا اضطرمت نار الفتنة بالمغرب وأجلب عرب المعقل في الخلاف استوحش محمد هذا فلحق بأحيائهم مع زروق بن توقريطت كما مر ذكره‏.‏ونزلا على يوسف بن علي بن غانم شيخ أولاد حسين وأقاما معه في خلافه‏.‏حتى إذا أجاز السلطان الواثق من الأندلس ووصل مع أصحابه إلى جبل زرهون وأظهروا الخلاف على الوزير ابن ماساي بادر محمد هذا وزروق إلى السلطان ودخلا في طاعته متبرئين من النفاق الذي حملهم عليه عداوة الوزير ابن ماساي‏.‏فما كان إلا أن انعقد الصلح بين الواثق وابن ماساي وسار به وبأصحابه إلى فاس‏.‏وحصلوا في قبضة ابن ماساي فعف لهم عما كان منهم واستعملهم في معهود ولايتهم ثم جاء الخبر بإجازة السلطان أبي العباس إلى سبتة فاضطرب محمد بن يوسف وذكر لخالصة السلطان ومنافرة بني ماساي فأجمع أمره ولحق بسبتة فتلقاه السلطان بالكرامة‏.‏وير بمقدمه ودفعه إلى القيام بأمر دولته فلم يزل متصرفاً بين يديه إلى أن نزل على البلد الجديد‏.‏ولأيام من حصارها خلع عليه للوزارة ودفعه إليها فقام بها أحسن قيام‏.‏ثم كان الفتح وانتظمت أمور الدولة ومحمد هذا يصرف الوزارمة على ظهور محمد بن السلطان عبد الحليم بسجلماسة قد تقدم لنا عند ذكر السلطان عبد الحليم ابن السلطان أبي علي وكان يدعى حلى كيف بايع له بنو مرين وأجلبوا به على عمر بن عبد الله سنة ثلاث وستين أيام بيعته للسلطان أبي عمر ابن السلطان أبي الحسن‏.‏وحاصروا معه البلد الجديد حتى خرج لدفاعهم وقاتلهم فانهزموا وافترقوا‏.‏ولحق السلطان عبد الحليم بتازى وأخوه عبد المؤمن بمكناسة ومعه ابن أخيهما عبد الرحمن بن أبي يفلوسن‏.‏ثم بايع الوزير عمر بن عبد الله لمحمد بن أبي عبد الرحمن ابن السلطان أبي الحسن‏.‏واستبدل به من أبي عمر لما كان بنو مرين يرمونه به من الجنون والوسوسة‏.‏فاستدعى محمد بن أبي عبد الرحمن من مطرح اغترابه بإشبيلية وبايع له‏.‏وخرج في العساكر لمدافعه عبد المؤمن وعبد الرحمن عن مكناسة فلقيهما وهزمهما ولحقا بالسلطان عبد الحليم بتازى وساروا جميعاً إلى سجلماسة فاستقروا فيها والسلطان لعبد الحليم‏.‏وقد تقدم خبر ذلك كله في أماكنه‏.‏ثم كان الخلاف بين عرب المعقل أولاد حسين والأحلاف‏.‏وخرج عبد المؤمن للإصلاح بينهم فبايع له أولاد حسين ونصبوه كرهاً للملك‏.‏وخرج السلطان عبد الحليم إليهم في جموع الأحلاف فقاتلوه وهزموه‏.‏وقتلوا كبار قومه كان منهم يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي شيخ بني تيربيغين وكبير دولة بني مرين أجلت المعركة عن قتله‏.‏ ودخل عبد المؤمن البلد منفرداً بالملك‏.‏ وصرف السلطان أخاه عبد الحليم إلى المشرق لقضاء فرضه لرغبته في ذلك فسار على طريق القفر مسلك الحاج من التكرور إلى أن وصل القاهرة والمستبد بها يومئذ يلبغا الخاصكي على الأشرف شعبان بن حسين من أسباط الملك الناصر محمد بن قلاوون فأكرم وفادته ووسع نزله وجرايته وأدر لحاشيته الأرزاق‏.‏ ثم أعانه على طريقه إلى الحج بالأزواد والآنية والظهر من الكراع والخف‏.‏ ولما انصرف من حجه زوده لسفر المغرب‏.‏ وهلك بتروجه سنة سبع وستين‏.‏ورجع حاشيته إلى المغرب بحرمه وولده‏.‏وكان ترك محمداً هذا رضيعاً فشب متقلباً بين الدول من ملك إلى آخر منتبذاً عن قومه لغيرة بني السلطان أبي الحسن من بني عمهم السلطان أبي علي‏.‏وكان أكثر ما يكون مقامه عند أبي حمو سلطان بني عبد الواد بتلمسان لما يروم به من الأجلاب على المغرب ودفع عادية بني مرين عنهم‏.‏فلما وقع بالمغرب من انتقاض عرب المعقل على الوزير مسعود بن ماساي سنة تسع وثمانين ما وقع واستمروا على الخلاف عليه انتهز أبو حمو الفرصة وبعث بمحمد بن علي هذا إلى المعقل ليجلبوا به على المغرب ويمزقوا من ملكه ما قدروا عليه فلحق بأحيائهم ونزل على الأحلاف الذين هم أمس رحماً بسجلماسة وأقرب موطناً إليها‏.‏وكان الوزير مسعود بن ماساي قد ولي عليها من قرابته علي بن إبراهيم بن عبو بن ماساي‏.‏فلما ظهر عليه السلطان أبو العباس وضيق مخنقه بالبلد الجديد دس إلى الأحلاف وإلى قريبه علي بن إبراهيم أن ينصبوا محمد ابن السلطان عبد الحليم يملكوه سجلماسة ويجلبوا به على تخوم المغرب ليأخذوا بحجزة السلطان أبي العباس عنه وينفسوا من خناقه ففعلوا ذلك‏.‏ودخل محمد إلى سجلماسة فملكها وقام علي بن إبراهيم بوزارته حتى إذا استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد وفتك بالوزير مسعود بن ماساي وبإخوته وسائر قرابته اضطرب علي بن إبراهيم وفسد ما بينه وبين سلطانه محمد فخرج عنه من سجلماسة وعاد إلى أبي حمو سلطان تلمسان كما كان‏.‏ثم زادت هواجس علي بن إبراهيم وارتيابه فخرج عن سجلماسة وتركها ولحق بأحياء العرب‏.‏وسارت طائفة منهم معه إلى أن أبلغوه مأمنه‏.‏ونزل على السلطان أبي حمو إلى أن هلك فسار إلى تونس وحضر وفاة السلطان أبي العباس بها سنة ست وتسعين‏.‏ ولحق محمد ابن السلطان عبد الحليم بعد مهلك أبي حمو بتونس‏.‏ ثم ارتحل بعدد وفاة السلطان أبي العباس إلى المشرق في سبيل جولة ومطاوعة واغتراب والله تعالى أعلم‏.‏لما استقل السلطان بملكه واقتعد سريره صرف نظره إلى أولياء تلك الدولة ومن يرتاب منه‏.‏وكان محمد بن أبي عمرو وقدتقدم ذكره وأوليته من جملة خواصه وندمائه‏.‏ وكان السلطان يقسم له من عنايته وجميل نظره ويرفعه على نظرائه‏.‏ فلما ولى السلطان موسى نزعت به إليه نوازع المخالصة لأبيه من السلطان أي عنان‏.‏ فقد كان أبوه من أعز بطانته كما مر فاستخلصه السلطان موسى للشورى ورفعه على منابر أهل الدولة‏.‏ وجعل إليه كتابه علامته على المراسم السلطانية كما كان لأبيه‏.‏ وكان يفاوضه في مهماته ويرجع إليه في أموره حتى غص به أهل الدولة ونمي عنه للوزير مسعود بن ماساي أنه يداخل السلطان في نكبته‏.‏وربما سعى عند سلطانه في جماعة من بطانة السلطان أحمد فأتى عليهم النكال والقتل لفلتات كانت بينهم وبينه في مجالس المنادمة عند السلطان حقدها لهم‏.‏ فلما ظفر بالحظ من سطات سعى بهم فقتلهم‏.‏وكان القاضي أبو إسحاق إبراهيم اليزناسي من بطانة سلطانه وكان يحضر مع ندمائه فحقد له ابن أبي عمرو بعض الكلمات‏.‏ وأغرى به سلطانه فضربه وأطافه وجاء بها شنعاء غريبة في القبح‏.‏وسفر عن سلطانه إلى الأندلس وكان يمر بمنزل السلطان هذا ومكان اعتقاله‏.‏ وربما تلقاه فلم يلم بتحية ولا يوجب له حقاً فاحفظ ذلك السلطان‏.‏ ولما فرغ من أمر ابن ماساي قبض على ابن أبي عمرو هذا وأودعه السجن‏.‏ ثم امتحنه بعد أيام إلى أن هلك ضرباً بالسياط عفا الله عنه‏.‏وحمل إلى داره‏.‏ وبينما أهله يجهزونه إلى قبره إذا بالسلطان قد أمر بأن يسحب في نواحي البلد إبلاغاً في التنكيل فحمل من نعشه وقد ربط حبل من رجله وسحب في سائر أنحاء المدينة‏.‏ثم ألقي على بعض الكثبان من أطرافها وأصبح مثلاً في الآخرين‏.‏ ثم قبض السلطان على حركات بن حسون النياطي وكان مخباً في الفتنة موضعاً‏.‏وكان العرب المخالفون من المعقل ولما أجاز السلطان إلى سبتة وحركات هذا بتادلا أرادوه على طاعة السلطان فامتنع أولاً‏.‏ثم أكرهوه وجاءوا به إلى السلطان فطوى له على ذلك حتى استقام أمره‏.‏ وملك البلد الجديد فقبض عليه وامتحنه إلى أن هلك‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:44 PM

خلاف علي بن زكرياء بجبل الهساكرة ونكبته
لما ملك السلطان البلد الجديد واستوى على ملكه وفد عليه علي بن زكرياء شيخ هسكورة مستصباً بما قدم من سوابقه‏.‏وقد كان حضر معه حصار البلد الجديد واستدعاه فجاء بقومه وعساكر المصامدة‏.‏وأبلى في حصارها فرعى السلطان سوابقه وولاه الولاية الكبرى على المصامدة على عادة الدولة في ذلك‏.‏ ثم وفد بعده محمد بن إبراهيم المبرازي من شيوخ المصامدة وكانت له ذمة صهر مع الوزير محمد بن يوسف بن علال على أخته فولاه السلطان مكان علي بن زكرياء فغضب لها علي واستشاط وبادر إلى الانتقاض والخلاف‏.‏ونصب بعض القرابة من بني عبد الحق فجهز إليه السلطان العساكر مع محمد بن يوسف بن علال وصالح بن حمو الياباني‏.‏وأمر صاحب درعة وهو يومئذ عمر بن عبد المؤمن بن عمر أن ينهد إليه بعساكر درعة من جهة القبلة فساروا إليه وحاصروه في جبلة‏.‏ وجاولوه مرات ينهزم في جميعها حتى غلبوه على جبلة‏.‏ وسار إلى إبراهيم بن عمران الصناكي المجاور له في جبلة فاستذم به‏.‏ وخشي إبراهيم معرة الخلاف والغلب ورغبه الوزير محمد بن يوسف بمال بذله له فأمكنه منه وقبض عليه الوزير وجاء به إلى فاس فأدخله في يوم مشهود وشفره واعتقل‏.‏ فلم يزل في الاعتقال إلى أن هلك السلطان أبو العباس‏.‏ وارتاب به أهل الدولة بعده فقتلوه كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏وفادة أبي تاشفين علي السلطان أبي العباس صريخا علي أبيه ومسيره بالعساكر ومقتل أبيه السلطان أبي حمو كان أبو تاشفين ابن السلطان أبي حمو قد وثب على أبيه آخر ثمان وثمانين بممالأته لغيره من إخوته واعتقله بوهران‏.‏وخرج في العساكر لطلب إخوته المنتصر وأبي زيان وعمير وامتنعوا عند حصين بجبل تيطرى فحاصرهم أياماً‏.‏ثم تذكر غائلة أبيه فبعث ابنه أبا زيان في جماعة من بطانته منهم موسى ابن الوزير عمران بن موسى وعبد الله ابن جابر الخراساني فقتلوا بعض ولده بتلمسان ومضوا إليه وهو بمحبسه في وهران‏.‏فلما شعر بهم أسرف من الحصن وناس في أهل المدينة متذمماً بهم فهرعوا إليه‏.‏ وتدلى إليهم في عمامته وقد احتزم بها فأنزلوه وأحدقوا به وأجلسوه على سريره‏.‏وتولى كبر ذلك خطيب البلد ابن خزورت ولحق أبو زيان بن أبي تاشفين ناجياً إلى تلمسان‏.‏واتبعه السلطان أبو حمو ففر منها إلى أبيه‏.‏ ودخل أبو حمو تلمسان وهي طلل وأسوارها خراب فأقام فيها رسم دولته‏.‏ وبلغ الخبرإلى أبي تاشفين فأجفل من تيطرى‏.‏وأغذ السير فدخلها‏.‏ واعتصم أبوه بمأذنة المسجد فاستنزله منها وتجافى عن قتله‏.‏ ورغب إليه أبو حمو في رحلة المشرق لقضاء فرضه فأسعفه وأركبه السفين مع بعض تجار النصارى إلى الإسكندرية موكلاً به‏.‏فلما حاذى مرسى بجاية لاطف النصارى في تخلية سبيله فأسعف وملك أمره‏.‏ وبعث إلى صاحب الأمر ببجاية يستأذنه في النزول فأذن له‏.‏وسار منها إلى الجزائر واستخدم العرب واستصعب عليه أمر تلمسان فخرج إلى الصحراء‏.‏وجاء إلى تلمسان من جهة المغرب وهزم عساكر ابنه أبي تاشفين وملكها‏.‏ وخرج أبو تاشفين هارباً منها فلحق بأحياء سويد في مشاتيهم‏.‏ ودخل أبو حمو تلمسان قي رجب سنة تسعين‏.‏وقد تقدم شرح هذه الأخبار كلها مستوعبة‏.‏ ثم وفد أبو تاشفين مع محمد بن عريف شيخ سويد على السلطان أبي العباس صريخاً على أبيه ومؤملاً الكرة بإمداده فتقبله السلطان وأجمل له المواعيد‏.‏وأقام أبو تاشفين في انتظارها والوزير محمد بن يوسف بن علال يعده ويمنيه ويحلف له على الوفاء‏.‏ وبعث السلطان أبو حمو إلى السلطان ابن الأحمر لما علم من استطالته على دولة بني مرين كما مر يتوسل إليه في أن يصدهم عن صريخ أبي تاشفين وإمداده عليه فخلا ابن الأحمر في ذلك وجعلها من أهم حاجاته‏.‏وخاطب السلطان أبا العباس في أن يجهز إليه أبا تاشفين فتعلل عليه في ذلك بأنه استجار بابنه أبي فارس وأستذم به‏.‏ ولم يزل الوزير ابن علال يفتل لسلطانه ولابن الأحمر في الذروة والغارب حتى تم أمره وأنجز له السلطان بالنصر موعده‏.‏وبعث ابنه الأمير أبا فارس والوزير ابن علال في العساكر صريخين له وانتهوا إلى تازى‏.‏وبلغ الخبرإلى أبي حمو فخرج من تلمسان في عساكره واستألف أولياءه من عبد الله‏.‏ونزل بالغيران من وراء جبل بني ورنيد المطل على تلمسان وأقام هنالك متحصناً بالجبل وجاءت العيون إلى عساكر بني مرين بتازى من مكانه هو وأعرابه من الغيران فأجمعوا غزوه‏.‏وسار الوزير ابن علال وأبو تاشفين وسلكوا القفر ودليليهم سليمان بن ناجي من الأحلاف‏.‏ثم صبحوا أبا حمو ومن معه من أحياء الخراج بمكانهم من الغيران فجاولوهم ساعة ثم ولوا منهزمين وكبا بالسلطان أبي حمو فرسه فسقط وأدركه بعض أصحاب أبي تاشفين فقتلوه قعصاً بالرماح وجاءوا برأسه إلى ابنه أبي تاشفين والوزير ابن علال فبعثوا به إلى السلطان وجيء بابنه عمير أسيراً فهم أخوه أبو تاشفين بقتله فمنعه بنو مرين أياماً‏.‏ ثم أمكنوه منه فقتله ودخل إلى تلمسان آخر سنة إحدى وتسعين‏.‏وخيم الوزير وعساكر بني مرين بظاهر البلد حتى دفع إليهم ما شارطهم عليه من المال‏.‏ثم قفلوا إلى المغرب وأقام أبو تاشفين بتلمسان يقيم دعوة السلطان أبي العباس صاحب المغرب ويخطب له على منابر تلمسان وأعمالها ويبعث إليه بالضريبة كل سنة كما اشترط على نفسه‏.‏وكان أبو حمو ملك تلمسان ولى ابنه أبا زيان على الجزائر‏.‏ فلما بلغه مقتل أبيه امتعض ولحق بأحياء حصين ناجياً وصريخاً‏.‏ وجاءه وفد بني عامر من زغبة يدعونه للملك فسار إليهم‏.‏وقام بدعوته شيخهم المسعود بن صغير ونهضوا جميعاً إلى تلمسان في رجب سنة اثنتين وتسعين فحاصروها أياماً‏.‏ثم سرب أبو تاشفين المال في العرب فتفرقوا عن أبي زيان‏.‏ وخرج إليه أبو تاشفين ابنه صريخاً إلى المغرب فجاءه بمدد من العسكر‏.‏ ولما انتهى إلى تاوريرت أفرج أبو زيان عن تلمسان وأجفل إلى الصحراء‏.‏ ثم أجمع رأيه على الوفادة إلى صاحب المغرب فوقد عليه صريخاً فتلقاه بالتكرمة وبر مقدمه ووعده النصر من عدوه‏.‏ وأقام عنده إلى حين مهلك أبي تاشفين‏.‏ والله أعلم‏.‏


وفاة أبي تاشفين واستيلاء صاحب المغرب على تلمسان
لم يزل هذا الأمير أبو تاشفين مملكاً على تلمسان ومقيماً فيها لدعوة صاحب المغرب أبي العباس ابن السلطان أبي سالم ومؤدياً الضريبة التي فرضها عليه منذ ملك‏.‏وأخوه الأمير أبو زيان مقيم عند صاحب المغرب ينتظر وعمه في النصر عليه حتى تغير السلطان أبو العباس على أبي تاشفين في بعض النزعات الملوكية فأجاب داعي أبي زيان وجهزه بالعساكر لملك تلمسان‏.‏فسار لذلك منتصف سنة خمس وتسعين وانتهى إلى تازى وكان أبو تاشفين قد طرقه مرض أزمنه ثم هلك منه في رمضان من السنة‏.‏وكان القائم في دولته أحمد بن العز من صنائعهم وكان يمت إليه بخؤولة فولى بعده مكانه صبياً من أبنائه وقام بكفالته‏.‏وكان يوسف بن أبي حمو وهو ابن الزابية والياً على الجزائر من قبل أبي تاشفين فلما بلغه الخبر أغذ السير مع العرب ودخل تلمسان وقتل أحمد بن العز والصبي المكفول ابن أخيه أبى تاشفين‏.‏فلما بلغ الخبرإلى السلطان أبي العباس صاحب المغرب خرج إلى تازى وبعث من هنالك ابنه أبا فارس في العساكر ورد أبا زيان ابن أبي حمو إلى فاس ووكل به‏.‏وسار أبو فارس إلى تلمسان فملكها وأقام فيها دعوة أبيه‏.‏وتقدم وزير أبيه صالح بن حمو إلى مليانة فملكها وما بعدها من الجزائر وتدلس إلى حدود بجاية‏.‏واعتصم يوسف بن الزابية بحصون تاجحمومت‏.‏وأقام الوزير صالح يحاصره‏.‏وانقرضت دولة بني عبد الواد من المغرب الأوسط‏.‏والله غالب على أمره‏.‏


وفاة السلطان أبي العباس صاحب المغرب
واستيلاء أبي زيان ابن أبي حمو على تلمسان والمغرب الأوسط كان السلطان أبو العباس بن أبي سالم لما وصل إلى تازى وبعث ابنه أبا فارس إلى تلمسان فملكها أقام هو بتازى يشارف أحوال ابنه ووزير صالح الذي تقدم لفتح البلاد الشرقية وكان يوسف بن علي بن غانم أمير أولاد حسين من المعقل قد حج سنة ثلاث وتسعين واتصل بملك مصر من الترك الملك الظاهر برقوق‏.‏وتقدمت إلى السلطان فيه وأخبرته بمحله من قومه فأكرم تلقيه وحمله بعد قضاء حجه هدية إلى صاحب المغرب يطرفه فيها بتحف من بضائع بلده على عادة الملوك‏.‏فلما قدم يوسف بها على السلطان أبي العباس أعظم موقعه‏.‏وجلس في مجلس حفل لعرضها والمباهاة بها‏.‏وشرع في المكافأة عليها بتجهيز الجياد والبضائع والثياب حتى استكمل من ذلك ما رضيه‏.‏واعتزم على إنفاذها مع يوسف بن علي حاملها الأول‏.‏وإنه يرسله من تازى لأيام مقامته تلك فطرقه هنالك مرض كان فيه حتفه في شهر محرم سنة ست وتسعين‏.‏واستدعوا ابنه أبا فارس من تلمسان فبايعوه بتازى وولوه مكانه ورجعوا به إلى فاس‏.‏وأطلقوا أبا زيان بن أبي حمو من الاعتقال‏.‏وبعثوا به إلى تلمسان أميراً عليها وقائماً بدعوة السلطان أبي فارس فيها فسار إليها وملكها‏.‏وكان أخوه يوسف بن الزابية قد اتصل بأحياء بني عامر يروم ملك تلمسان والاجلاب عليها فبعث إليهم أبو زيان عندما بلغه ذلك‏.‏وبذل لهم عطاء جزيلاً على أن يبعثوا به إليه فأجابوه إلى ذلك وأسلموه إلى ثقاة أبي زيان‏.‏وساروا به فاعترضهم بعض أحياء العرب ليستنقذوه منهم فبادروا بقتله وحملوا رأسه إلى أخيه أبي زيان فسكنت أحواله وذهبت الفتنة بذهابه واستقامت أمور دولته‏.‏وهم ذلك لهذا العهد‏.‏ والله غالب على أمره‏.‏وقد انتهى بنا القول في دولة بني عبد الواد من زناتة الثانية وبقي علينا خبر الرهط الذين تحيزوا منهم إلى بني مرين من أول الدولة‏.‏وهم بنو كمي من فصائل علي بن القاسم إخوة طاع الله بن علي وخبر بني كندوز أمرائهم بمراكش‏.‏فلنرجع إلى ذكر أخبارهم وبها نسوق الكلام في أخبار بني عبد الواد‏.‏والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:45 PM

الخبر عن القرابة المرشحين من آل عبد الحق
الأمراء على الغزاة المجاهدين بالأندلس الذين قاسموا ابن الأحمر في ملكه وانفردوا برساسة جهاده كانت الجزيرة الأندلسية من وراء البحر منذ انقضاء أمر بني عبد المؤمن وقيام ابن الأحمر بأمرها قليلة الحامية ضعيفة الأحوال إلا من يلهمه الله إلى عمل الجهاد من قبائل زناتة المتلقفين كرة الملك والمقتسمين ممالك الغرب خصوصاً بني مرين أهل المغرب الأقصى لاتصال عدوة الأندلس ببسائطه وتعدد الفراض ببحر للزقاق القريب العدوتين‏.‏وما زال هذا الزقاق على قديم الزمان لأجل ذلك فرضة دون سواحل المغرب‏.‏ولما استولى بنو مرين على ممالكه وضاقت أحوال المسلمين بالأندلس‏.‏وتحيقهم الطاغية حتى ألجأهم إلى سيف البحر واستأثر بالفرنتيرة وما وراءها‏.‏واستأثر بنو القمط أهل برشلونة وقطلونية بشرق الأندلس‏.‏وأنتشر في الأقطار ما كان من أمر قرطبة وأختيها إشبيلية وبلنسية‏.‏وامتعض لذلك المسلمون وتنافسوا في الجهاد وإمداد الأندلس بأموالهم وأنفسهم وسابق الناس إلى ذلك الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بما كان صاحب الوقت والمؤمل للكرة فاستنقذ الكثير من أمواله ومقرباته في مددهم بعد أن كانوا آثروا القيام بدعوته وأوفدوا عليه المشيخة ببيعته‏.‏وكان ليعقوب بن عبد الحق أمل في الجهاد وحرص عليه‏.‏واعتزم في سلطان أخيه أبي يحيى على الإجارة فمنعه ضنانة به على الاغتراب منه‏.‏وأوعز إلى صاحب سبتة يومئذ أبي علي بن خلاص بمنعه منها فوعر له السبيل وشبه عليه المذاهب‏.‏ولم ينشب يعقوب بن عبد الحق أن قام بسلطان المغرب بعد أخيه أبي يحيى وشغل بشأنه‏.‏وأهمه شأن بني أخيه إدريس بن عبد الحق بما كان فيهم من الترشيح والمنافسة لبنيه‏.‏واستأذنه عامر بن إدريس منهم في الجهاد بالعداوة فاغتنمها منه وعقد له من مطوعة زناتة على ثلاثة آلاف أو يزيدون‏.‏ وأجاز معه رحو ابن عمه عبد الله بن عبد الحق‏.‏ وفصلوا إلى الأندلس سنة إحدى وستين فحسنت آثارهم في الجهاد وكرمت مقاماتهم‏.‏ ثم رجع عامر بن إدريس إلى المغرب وككثر انتقاض القرابة‏.‏ونافسهم أقيال زناتة في مثلها فاجتمع أبناء الملوك بالمغرب الأوسط مثل عبد الملك بن يغمراسن ابن زيان وعايد بن منديله بن عبد الرحمن وزيان بن محمد بن عبد القوي فتعاقدوا على الإجازة إلى الجهاد فأجازوا فيمن خف معهم من قومهم سنة ست وسبعين وستماية فامتلأت الأندلس بأقيال زناته وأعياص الملك منهم‏.‏وكان فيمن أجاز من أعياصهم بنو عيسى بن يحيى بن وسناف بن عبو بن أبي بكر بن حمامة‏.‏ومنهم سليمان بن إبراهيم وكانت لهم آثار في الجهاد ومقامات محمودة وكان موسى بن رحو لما نازله السلطان وبني عبد الله بن عبد الحق بحصن علودان ونزلوا على عهده لحق يتلمسان‏.‏وكان بنو عبد الله بن عبد الحق وإدريس بن عبد الحق عصبة من بين سائرهم لأن عبد الله وإدريس كانا شقيقين لسوط النساء بنت عبد الحق فاقتفى أثر يعقوب بن عبد الله بن محمد ابن عمه إدريس وخرج على السلطان بقصر كتامة سنة ثلاث وستين‏.‏ ثم استرضاه عمه واستنزله‏.‏وبقي يعقوب بن عبد الله في انتقاضه ينتقل في الجهات إلى أن قتله طلحة بن محلى من أولياء السلطان سنه ثمان وستين بجهة سلا فكفى السلطان شأنه‏.‏ولما كان من عهد السلطان لابنه أبي مالك ما قدمناه نفس عليه هؤلاء القرابة هذا الشان فانتقضوا ولحق محمد بن إدريس بحصن علودان‏.‏ولحق موسى بن رحو بن عبد الله بجبال غمارة ومعه أولاد عمه أبي عياد بن عبد الحق‏.‏ونازلهم السلطان حتى نزلوا على عهده‏.‏ وأجازهم إلى الأندلس سنة سبعين فأقاموا بها للجهاد سوقاً‏.‏ ونافستهم أقيال زنانة في مثلها بتلمسان‏.‏وأجاز منها إلى الأندلس سنة سبعين فولاه السلطان ابن الأحمر على جميع الغزاة المجاهدين هنالك بما كان كبش كتيبتهم وفحل شولهم‏.‏ ولم يلبث أن عاد إلى المغرب فولى السلطان مكانه أخاه عبد الحق‏.‏ثم رجع عنهم مغاضباً إلى تلمسان فولى مكانه على الغزاة المجاهدين إبراهيم بن عيسى بن يحيى بن وسناف إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن موسى بن رحو فاتح هذه الرياسة بالأندلس
وخبر ابنه عبد الحق من بعده وابنه حمو بن عبد الحق بعدهما لما هلك السلطان الشيخ ابن الأحمر وولي ابنه السلطان الفقيه ووفد على السلطان يعقوب‏.‏ بن عبد الحق صريخان للمسلمين فأجاز إليه أول إجازته سنة ثلاث وسبعين وأوقع بجيوش النصرانية‏.‏وقتل الزعيم دننه واستوى له الغلب على الأندلس فبدا لابن الأحمر في أمره وخشي مغبته‏.‏وتوقع أن يكون شأنه معه شأن يوسف بن تاشفين والمرابطين مع ابن عباد وكان بالأندلس من قرابته بنو أشقيلولة قد قاسموه في ممالكها وانفردوا بوادي آش ومالقة وقمارش حسبما ذكرناه في أخباره مع السلطان‏.‏وانتقض عليه أيضاً من رؤساء الأندلس أبو عبدويل وابن الدليل فكانوا يجلبون على بلاد المسلمين‏.‏ وكانوا قد استنجدوا جيوش النصرانية ونازلوا غرناطة وعاثوا في الجهات‏.‏فلما استوت قدم السلطان يعقوب بن عبد الحق بالأندلس وصل هؤلاء الثوار به أيديهم فخشيهم ابن الأحمر جميعاً على نفسه‏.‏وقلب للسلطان أبي يوسف ظهر المجن واستظهر عليه بالأعاص من قرابته‏.‏ وكان هؤلاء القرابة من أولاد رحو بن عبد الله وإدريس بن عبد الله وإدريس بن عبد الحق وينسبون جميعاً إلى سوط النساء كما ذكرناه من أولاد أبي عياد بن عبد الحق لما أوجسوا الخيفة من السلطان واستشعروا النكير منه لحقوا بالأندلس تورية بالجهاد وانتباذاً عن الشول فراراً عن محله‏.‏وقد كان السلطان أبو يوسف متى أحس بريية منهم في ذلك إذا انتقضوا عليه يشخصهم إلى الأندلس فاجتمعت منهم عند ابن الأحمر عصابة من أولاد عبد الحق كما قلناه وأولاد وسناف وأولاد نزول وتاشفين بن معطي كبير تيربيغين من بني محمد‏.‏وتبعهم أولاد محلي أخوال السلطان أبي يوسف وكان ابن الأحمر كثيراً ما يعقد لهم على الغزاة المجاهدين من زناتة لدار الحرب فعقد أولاً لموسى بن رحو سنة ثلاث وسبعين ولأخيه عبد الحق بعد انصرافه إلى المغرب ثم لإبراهيم بن عيسى بعد انصرافهما معاً كما قلناه‏.‏ثم رجعا فعقد لموسى بن رحو ثانية على شياخه وثبت له قدماً في الرياسة ليحسن به دفاع السلطان أبي يوسف عنهم‏.‏ ثم تداولت الإمارة فيهم ما بينهم وبين عمومتهم‏.‏وربما عقد قبل ذلك أزمان الفترة لعلي بن أبي عياد بن عبد الحق في بعض الغزوات ولتاشفين بن معطي في أخرى سنة تسع وسبعين ومعه طلحة بن محلي فاعترضوا الطاغية دون حصن المسلمين وكان لهم الظهور‏.‏ ثم حدثت الفتنة بينه وبين السلطان أبي يوسف‏.‏ وعقد ابن الأحمر في إحدى حروبه معه لعلي بن أبي عياد على زناتة جميعاً وحاشهم إلى رايته فانفضت جموع السلطان أبى يوسف وظهروا عليه‏.‏وتقبضوا في المعركة على ابنه منديل واستاقوه أسيراً إلى أن أطلقه السلطان ابن الأحمر في سلم عقده بعد مهلكه مع ابنه يوسف بن يعقوب‏.‏واستبد موسى بن رخو من بعدهما بإمارة الغزاة بالأندلس إلى أن هلك فوليها من بعده أخوه عبد الحق إلى أن هلك سنة تسع وتسعين وكان مظفر الراية على عدو المسلمين‏.‏ولما هلك ولي من بعده ابنه حمو بن عبد الحق فكانت هذه الإمارة متصلة في بني رحو إلى أن انتقلت منهم إلى إخوانهم من بني أبي العلاء وغيرهم‏.‏ واندرج حمر في جملة عثمان بن أبي العلاء من بعده حسبما نذكر‏.‏وأما إبراهيم بن عيسى الوسنافي فرجع إلى المغرب ونزل على يوسف بن يعقوب وقتله بمكانه من حصار تلمسان بعد حين من الدهر وبعد أن كبر وعمي‏.‏ والله مالك الأمور لا رب غيره‏.‏وكان مهلك يعلى بن أبي عياد سنة سبع وثمانين ومعطي بن بوتاشفين سنة تسع وثمانين‏.‏وطلحة بن محلي سنة ست وثمانين‏.‏ والله أعلم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:46 PM

الخبر عن عبد الحق بن عثمان شيخ الغزاة بالأندلس
كان عبد الحق هذا من أعياص الملك المويني ويعاسيبهم وهو من ولد محمد بن عبد الحق ثاني الأمراء على بني مرين بعد أبيهم عبد الحق‏.‏ وهلك أبوه عثمان بن محمد بالأندلس إحدى أيام الجهاد سنة تسع وسبعين‏.‏ وربي ابنه عبد الحق هذا في حجر السلطان يوسف بن يعقوب إلى أن كان من أمر خروجه مع الوزير رحو بن يعقوب على السلطان أبي الربيع ما ذكرناه في أخباره‏.‏ولحق بتلمسان وأجاز منها إلى الأندلس وسلطانها يومئذ أبو الجيوش ابن السلطان الفقيه‏.‏وشيخ زناتة بها حمو بن عبد الحق بن رحو بن رحو‏.‏وخاطبهم السلطان أبو العباس ملك المغرب في اعتقاله فأجابوه وفر من محبسه ولحق بدار الحرب‏.‏ ولما انتقض أبو الوليد ابن الرئيس أبي سعيد وبايع لنفسه بمالقة وزحف إلى غرناطة فنازلها ووقعت الحرب بظاهرها بين الفريقين‏.‏وأخذ في بعض أيامها حمو بن عبد الحق أسيراً وسيق إلى السلطان أبي الوليد‏.‏وكان معه عمه العباس بن رحو فأبى من أسار ابن أخيه وخلى عنه فرجع إلى سلطانه فارتاب به لذلك‏.‏وعقد على الغزاة مكانه لعبد الحق بن عثمان استدعاه من مكانه بدار الحرب‏.‏ ثم غلبهم أبو الوليد على غرناطة‏.‏ وتحول أبو الجيوش إلى وادي آش على سلم انعقد بينهم وسار معه عبد الحق بن عثمان على شأنه‏.‏ثم وقعت بينه وبين أبي الجيوش مغاضبة لحق لأجلها بالطاغية وأجاز إلى سبتة فاستظهر به يحيى بن أبي طالب العزفي أيام حصار السلطان أبي سعيد إياه فكان له في حماية ثغره والدفاع دونه آثار مذكورة‏.‏ثم عقد السلطان أبو سعيد السلم ليحمى العزفي وأفرج عنه فارتحل عبد الحق بن عثمان إلى إفريقية‏.‏ونزل ببجاية سنة تسع عشره على أبي عبد الرحمن بن عمر صاحب السلطان أبي يحيى المستبد بالثغر فأكرم نزله وأوسع قراه‏.‏وضرب له الفساطيط بالرشة من ساحة البلد استبلاغاً في تكريمه وحمله وأصحابه على ماية وخمسين من الخيل ثم أقدمهم على السلطان بتونس فبر مقدمهم وخلط عبد الحق بنفسه وآثره بالخلة والصحابة وأخله بمكان الاستظهار به بعصابته‏.‏ولما عقد السلطان لمحمد بن سيد الناس على حجابته سنة سبع وعشرين واستقدمه لذلك من ثغر بجاية كما ذكرناه فعظمت رياسته واستغلظ حجابه‏.‏ وحجب عبد الحق ذات يوم عن بابه فسخطها وانصرف مغاضباً‏.‏وداخل أبا فارس في الخروج على أخيه فأي به وخرج معه من تونس فكان من خبرهم ومقتل أبي فارس وخلوص عبد الحق إلى تلمسان ونزوله على أبي تاشفين وغزوه إلى إفريقية مع عساكر بني عبد الواد سنة تسع وعشرين ما ذكرناه في أخبار الدولة الحفصية‏.‏ثم لما رجع بنو عبد الخالق إلى تلمسان صمد مولانا السلطان أبو يحيى إلى تونس في أخريات سنته‏.‏وفر ابن أبي عمران السلطان المنصوب بتونس من بني أبي حفص إلى أحياء العرب‏.‏وتقبض على أبي زيان ابن أخي عبد الحق بن عثمان في لمة من أصحابه فقتلوا قعصاً بالرماح‏.‏ورجع عبد الحق بن عثمان إلى مكانه من تلمسان فأقام بمثواه عند أبي تاشفين متبوئاً من الكرامة والاعتزاز ما شاء إلى أن هلك بمهلك أبي تاشفين يوم اقتحم السلطان أبو الحسن تلمسان عليهم سنة سبع وثلاثين‏.‏وقتلوا جميعاً عند قصر الملك أبو تاشفين وابناه عثمان ومسعود وحاجبه موسى بن علي ونزيله عبد الحق هذا وأبو ثابت ابن أخيه فقطعت رؤوسهم وتركت أشلاؤهم بساحة القصر عبرة للمعتبرين حسبما ذكرناه في أخبار أبي تاشفين‏.‏ والبقاء لله وحده‏.‏


الخبر عن عثمان بن أبي العلاء من أمراء الغزاة المجاهدين بالأندلس
كان أولاد سوط النساء من ولد عبد الحق أهل عصابة واعتزاز على قومهم وهم أولاد إدريس وعبد الله ابنيها لشقيقين كما ذكرناه‏.‏ وكان مهلك إدريس الأكبر يوم مهلك أبيه بتافرطنيت ومهلك عبد الله قبله‏.‏ وخلف عبد الله ثلاثة من الولد تشعب فيهم نسله وهم يعقوب ورحو وإدريس‏.‏واستعمل أبو يحيى بن عبد الحق يعقوباً منهم على سلا عند افتتاحه إياها سنة تسع وأربعين‏.‏ثم انتزى بها بعد ذلك على عمه يعقوب سنة ثمان وخمسين وكان من شأن ثورة النصارى بها ما ذكرناه واستخلصها يعقوب بن عبد الحق‏.‏ ولحق يعقوب بن عبد الله بعلودان من بلاد غمارة وامتنع بها‏.‏خرج على أثره بنو عمه إدريس وهما عامر ومحمد وانتزوا بالقصر الكبير ولحق بهم كافة أولاد سوط النساء‏.‏وطلبهم السلطان فلحقوا بجبال غمارة ونازلهم ثم استنزلهم بعد ذلك على الأمان‏.‏وعقد لعامر على الغزو إلى الأندلس سنة ستين كما ذكرناه وأجاز معه رحو ابن عمه عبد الله‏.‏ورجع محمد بن عامر وفر إلى تلمسان سنة ثمانين وأجاز منها إلى الأندلس‏.‏ثم خرجوا على السلطان يعقوب بن عبد الحق سنة تسع وستين ومعهم أولاد أبي عياد بن عبد الحق واعتصموا بعلودان‏.‏ واستنزلهم السلطان على اللحاق بتلمسان فلحقوا بها‏.‏ وأجاز أولاد سوط النساء وأولاد أبي عياد كافة إلى الأندلس واستقروا بها يومئذ‏.‏ ورجع عامر منهم ومحمد وكان من خبرهم ما نذكر‏.‏ وهلك يعقوب بن عبد الله سنة ثمان وستين في غوايته وانتزائه بغبولة من رباط الفتح قتله طلحة بن محلى‏.‏ واستقر بنوه من أولاد سوط النساء بالمغرب‏.‏وكان ابنه أبو ثابت أميراً على بلاد السوس أيام السلطان يوسف بن يعقوب وأوقع بزكنة سنة تسع وتسعين ولم يزل وبنوه بالمغرب من يومئذ‏.‏وكان من إخوانه أبو العلاء ورخو ابنا عبد الله بن عبد الحق تشعب نسله فيهما وأجاز رحو ألى الأندلس مع عامر ومحمد ابني عمه إدريس‏.‏ثم أجاز ابنه موسى سنة تسع وستين مع أولاد أبي عياد وأولاد سوط النساء‏.‏ثم رجع إلى محله من الدولة وفر بابنه سنة خمس وسبعين إلى تلمسان فأجاز منها إلى الأندلس واستقر بها‏.‏وأجاز أولاد أبي العلاء سنة خمس وثمانين مع أولاد أبي يحيى بن عبد الحق وأولاد عمان بن نزول واستقروا بالأندلس وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كبيرهم عبد الله بن أبي العلاء وعقد له ابن الأحمر على الغزاة من زناتة فيمن كان يعقد لهم من زناتة قبل استقرار المنصب إلى أن هلك شهيداً في إحدى غزواته سنة ثلاث وتسعين‏.‏وعقد المخلوع ابن الأحمر لأخيه عثمان بن أبي العلاء على حامية مالقة وغربيها من الغزاة‏.‏لنظر ابن عمه الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر‏.‏ولما غدر الرئيس أبو سعيد بسبتة سنة خمس‏.‏ ما وتمت له الحيلة في تملكها واضطرمت نار العداوة بينهم وبين صاحب المغرب فنصبوا عثمان هذا للأمر وأجازوه إلى غمامرة فثار بها ودعا لنفسه وتغلب على أصيلاً والعرائش ثم على القصر‏.‏وكان من ذلك ما ذكرناه إلى أن غلبه أبو الربيع سنة ثمان ورجع إلى مكانه من الأندلس‏.‏ولما اعتزم أبو الوليد ابن الرئيس أبي سعيد على الخروج على أبي الجيوش صاحب غرناطة وداخل في ذلك شيخ الغزاة بمالقة عثمان بن أبي العلاء فساعده عليه واعتقل أباه الرئيس أبا سعيد وزحف إلى غرناطة سنة أربع عشرة‏.‏فلما استولى عليها عقد لعثمان هذا على إمارة الغزاة المجاهدين من زناتة وصرف عنها عثمان بن عبد الحق بن عثمان فلحق بوادي آش مع أبي الجيوش‏.‏وصار حمد بن عبد الحق بن رحو في جملته بعد أن كان شيخاً على الغزاة كما قلناه‏.‏واستمرت أيام ولاية عثمان هذا وبعد فيها صيته وغص صاحب المغرب أبو سعيد بمكانه‏.‏ولما استصرخه المسلمون للجهاد سنة ثمان عشرة اعتذر بمكان عثمان هذا واشترط عليهم القبض عليه حتى يرجع عنهم فلم يمكن ذلك‏.‏ ونازل الطاغية غرناطة وحاصرها وكان لعثمان وبنيه في ذلك آثار مذكورة‏.‏وأتاح الله للمسلمين في النصرانية على يد عثمان هذا وبنيه ما لم تخطر على قلب أحد منهم فتأكد اغتباط الدولة والمسلمين بمكانهم إلى أن هلك أبو الوليد سنة خمس وعشرين باغتيال بعض الرؤساء من قرابته بمداخلة عثمان هذا زعموا في غدره ونصب للأمر ابنه محمد صبياً لم يبلغ الحلم‏.‏وقام بأمره وزيره محمد بن المحروق من صنائع دولتهم فاستبد عليه وألقى زمام الدولة بيد عثمان في النقض والإبرام فاعتز عليهم وقاسمهم في الأمر فاستأثر في اعطيات الغزاة بكثير من أموال الجباية حتى خشيه الوزير على الدولة‏.‏وأدار الرأي في كبحه عن التغلب فجمح وفسد ما بينه وبين الوزير ابن المحروق فانتقض عليه وخرج مغاضباً فضرب فساطيطه بمرج غرناطة‏.‏ واعصوصب جماعة الغزاة من قبائل زناتة عليه‏.‏ واعتصم الوزير وأهل الدولة بالحمراء وسعى النائب بينهما أياماً‏.‏وأدار الوزير الرأي في أن ينصب له كفؤاً من قرابته يجاذبه الحبل ويشغله بشأنه عن الدولة فجأجأ بيحيى بن رخو بن عبد الحق وكان في جملة عثمان وصهرا له فدخل إليه وعقد له على الغزاة فتسايلوا إليه‏.‏وتفرد عثمان بمعسكره في عشيره وولده وعقد معه السلم على أن يجيز إلى المغرب‏.‏ووافدد بطانته لذلك على السلطان أبي سعيد سنة ثمان وعشرين‏.‏ وارتحل من ساحة غرناطة في ألف فارس زعموا من ذويه وأقاربه وحشمه‏.‏ وقصد المرية ليجعلها فرضة لمجازه حته إذا حاذى اندوس‏.‏وكان بينه وبين رؤسائها مداخلة فخرجوا إليه مؤدين حق مبرته فغدر بهم وركب إليها فملكها وأنزل بها حرمه وأثقاله‏.‏ ودعا محمد ابن الرئيس أبي سعيد من شلوبانية وكان نازلاً بها فخف إليه ونصبه للأمر‏.‏وشن الغارات على غرناطة صباحاً ومساء واضطرمت نار الفتنة‏.‏ واستركب يحيى بن رحو من قدر عليه زناته‏.‏وطالت الحرب سنين حتى إذا فتك السلطان محمد بن الأحمر بوزيره ابن المحروق واستدعى عثمان بن أبي العلاء وعقد له السلم على أن يجهز عمه محمد إلى المغرب ويلحق بغرناطة لشأنه من رياسة الغزاة فتم ذلك سنة تسع وعشرين ورجع إلى مكانه الدولة وهلك أثر ذلك‏.‏والبقاء لله وحده‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:46 PM

الخبر عن رياسة ابنه أبي ثابت من بعده ومصير أمرهم
لما هلك شيخ الغزاة ويعسوب زناتة عثمان بن أبي العلاء قام بأمره في قومه ابنه أبو ثابت عامر‏.‏ وعقد له السلطان أبو عبد الله بن أبي الوليد على الغزاة المجاهدين كما كان أبوه فعظم شأنه قوه شكيمة وكثرة عصابة ونفوذ رأي وبسالة‏.‏وكان لقومه اعتزاز على الدولة بما عجموا من عودها وكانوا أولي بأس وقوة فيها واستبداد عليها‏.‏وكان السلطان محمد بن أبي الوليد مستنكفاً من الاستبداد عليه في القلة والكثرة فكان كثيراً ما يحقدهم بتسفيه آرائهم والتضييق عليهم في جاههم‏.‏ولما وفد على السلطان أبي الحسن سنة اثنتين وثلاثين صريخاً على الطاغية واستغذ ابنه الأمير أبا مالك لمنازلته جبل الفتح اتهموه بمداخلة السلطان أبي الحسن في شأنهم فتنكروا وأجمعوا الفتك وداخلوا في ذلك بعض صنائعه ممن كان متربصاً بالدولة فساعدهم‏.‏ولما افتتح الجبل وكان من شأنه ما قدمنا ذكره وزحف الطاغية فأناخ عليه وقصد ابن الأحمر الطاغية في بينه راغباً أن يرجع عن الحصن فرجع وافترقت عساكر المسلمين ارتحل السلطان الأحمر إلى غرناطة سنة ثلاث وثلاثين وقد قعدوا له بمرصد من طريقه‏.‏ونمي إليه الخبر ودعا بأسطوله لركوب البحر إلى مالقة‏.‏واستبق إليهم الخبر بذلك فتبادروا إليه ولقوه بطريقه من ساحل اصطبونة فلاحوه وعاتبوه في شأن صنيعته عاصم من معلوجاته‏.‏وحاجهم عنه فاعتوروا عاصماً بالرماح فنكر ذلك عليهم فألحقوه به وخر صريعاً عن مركوبهوبعثوا إلى أخيه يوسف فأعطوه بيعتهم وصفقة أيمانهم ورجعوا به إلى غرناطة وهو حذر منهم لفعلتهم التي فعلوا واستمرت الحال على ذلك‏.‏ولما استكمل السلطان أبو الحسن فتح تلمسان وصرف عزائمه إلى الجهاد داخل ابن الأحمر في إزاحتهم عن الأندلس مكان جهاده فصادف منه إسعافاً وقبولاً وحرصاً على ذلك‏.‏وتقبض على أبي ثابت وإخوته إدريس ومنصور وسلطان‏.‏وفر أخوه سليمان فلحق بالطاغية وكان له في يوم طريف أثر في الإيقاع بالمسلمين‏.‏ولما تقبض ابن الأحمر على أبي ثابت وإخوته أودعهم جميعاً المطبق أياماً‏.‏ثم غربهم إلى إفريقية فنزلوا بتونس على مولانا السلطان أبي يحيى‏.‏وأوعز إليه السلطان أبو الحسن بالتوثق منهم أن يتصلوا بنواحي المغرب ويخالفوه إليها أيام شغله بالجهاد في الأندلس فاعتقلهم وأوفد بهم أبا محمد عبد الله بن تافر كين إلى سدة السلطان أبي الحسن‏.‏ وكتب إليه شفيعاً فيهم فتقبل شفاعته‏.‏وأحسن نزلهم وكرامتهم حتى إذا احتل بسبتة أيام حصار الجزيرة سنة ثلاث وأربعين سعى بهم عنده فتقبض عليهم واعتقلهم بمكناسة‏.‏ولما انتزى ابنه الأمير أبو عنان على الأمر وهزم منصور ابن أخيه أبي مالك صاحب فاس ونازله بالبلد الجديد بعث فيهم إلى مكناسة فأطلقهم من الاعتقال وأفاض فيهم الإحسان والعطاء واستظهر بهم على شأنه‏.‏وأحل أبا ثابت محل الخلة والشورى من مجلسه وداخل إدريس أخاه في المكر بالبلد الجديدة فنزع إليها ومكر بهم وثار عليهم إلى أن نزلوا على حكم السلطان أبي عنان فعقد لأبي ثابت على سبتة وبلاد الريف ليشارف منها الأندلس محمل إمارته‏.‏وأطلق يده في المال والجند وفصل لذلك فهلك بالطاعون يومئذ سنة تسع وأربعين بمعسكره إزاء معسكر السلطان من حصار البلد الجديد‏.‏واستقر إخوانه في إيالة السلطان أبي عنان بالمغرب الأقصى إلى أن كان من مفر أخيه إدريس وولايته على الغزاة بالأندلس ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن يحيي بن رحو وإمارته علم الغزاة بالأندلس أولى وثانية ومبدأ ذلك
وتصاريفه كان رحو بن عبد الله كبير ولد عبد الله بن عبد الحق وكان له بنون كثيرون تشعب نسله فيهم منهم موسى وعبد الحق والعباس وعمر ومحمد وعلي ويوسف‏.‏وأجازوا كلهم إلى الأندلس مع أولاد سوط النساء من تلمسان كما قدمناه‏.‏وأقام عمر بعدهم بتلمسان مدة واتخذ بها الأهل والولد‏.‏ثم لحقهم وولى موسى إمارة الغزاة بعد إبراهيم ابن عيسى الوسناني وبعده أخوه عبد الحق على الغزاة أقام بها مدة وأجاز منها إلى سبتة مع الرئيس أبي سعيد وعثمان بن أبي العلاء سنة خمس وولي بها على الغزاة المجاهدين‏.‏ثم رجع إلى الأندلس ولم يلبث بعدها أن أجاز إلى المغرب‏.‏ ونزل على السلطان أبي سعيد فأكرم نزله ثم رجع إلى الأندلس‏.‏ولما ولي إمارة الغزاة عثمان بن أبي العلاء وكان بينهم من المنافسة ما يكون بين فحول الشول فأشخص بني رحو جميعاً إلى إفريقية فنزلوا على مولانا السلطان أبي يحيى خير نزل اصطفاهم واستخلصهم واستظهر بهم في حروبه وهلك عمر بن رحو ببلاد الجريد وقبره ببشرى من نفزاوة معروف ونزع ابنه يحيى من بين اخوته عن مولانا السلطان أبي يحيى وصار في جملة ابن أبي عمران ثم لحق بزواوة وأقام في بني يراتن سنين ثم أجاز إلى الأندلس واستقر بمكانه من قومه‏.‏ واصطفاه عثمان بن أبي العلاء وأصهر إليه في ابنته‏.‏ولما فسد ما بينه وبين ابن المحروق وزير السلطان بغرناطة سنة سبع وعشرين واعصوصب عليه الغزاة بمعسكر من مرج غرناطة فدس يومئذ ابن المحروق إلى يحيى بن عمر هذا ودعاه إلى مكان عثمان ليغيظه بذلك فأجاب ونزع عن عثمان وقومه إلى ابن المحروق وسلطانه‏.‏وعقد له على الغزاة فتسايلوا إليه من عثمان شيخهم وانصرف إلى المدية وكان من شأنه ما قصصناه في أخباره‏.‏وأقام يحيى بن عمر في رياسته إلى أن هلك ابن المحروق بفتكة سلطانه‏.‏ واستدعى عثمان بن أبي العلاء لرياسته فرجع إليها‏.‏وصرف يحيى بن عمر إلى وادي آش وعقد له على الغزاة بها فأقام حيناً ثم رجع إلى مكانه بين قومه‏.‏ واصطفاه عثمان بن أبي العلاء وابنه أبو ثابت بما كانت أمه بنت موسى بن رحو فكان بتعصب لخؤولته فيهم‏.‏ثم هلك عثمان وكان ما قدمناه من شأن ولده وفتكهم بالسلطان المخلوع‏.‏ وتقبض أخوه أبو الحجاج عليهم وأشخصهم إلى إفريقية وقوض مباني رياستهم‏.‏ وعقد على الغزاة مكانهم ليحيى بن عمر هذا فاضطلع بها أحسن اضطلاع‏.‏ واستمرت حاله وحضر مشاهد أبي الحجاج مع السلطان أبي الحسن‏.‏ فظهرت كفايته وغناؤه‏.‏ولما هلك أبو الحجاج سنة خمس وخمسين طعيناً بمصلى العيد في آخر سجدة من صلاته بيد عبد من عبيد اصطبله مصاب في عقله أغري زعموا به وقتل لحينه صبراً بالسيوف‏.‏وبوسع لابنه محمد أخذ له البيعة على الناس يومئذ مولاه رضوان من معلوجيهم حاجب أبيه وعمه‏.‏وقام بأمره وأستبد عليه وحجره فقاسم يحيى بن عمر هذا في شأنه وشاركه في أمر وشد أزر سلطانه به حتى إذا ثار بالحمراء الرئيس ابن عمهم محمد بن إسماعيل بن محمد بن الرئيس أبي سعيد قائماً بدعوة إسماعيل بن أبي الحجاج أخي السلطان محمد كان ساكناً بالحمراء‏.‏وتحينوا لذلك مغيب السلطان في متنزهه بروضة خارج الحمراء فخالفوه إليها وكبسوها ليلاً فقتلوا الحاجب المستبد رضوان‏.‏ وجلس السلطان على سرير ملكه ونادوا بالناس إلى بيعته‏.‏ولما أصبح غدا عليهم يحيى ين عمر بعد أن يئسوا منه وخشوا عاديته فأتاهم بيعته وأعطاهم عليها صفقته وانصرف إلى منزله‏.‏وبعد أيام من استيلائهم استخلصوا إدريس بن عثمان بن أبي العلاء كان وصل إليهم من دار الحرب بأرض برشلونة كم نذكر‏.‏ وولوه إمارة الغزاة وائتمروا في التقبض على يحيى بن عمر‏.‏ونذر بذلك فركب في حاشيته يؤم دار الحرب من أرض الجلالقة‏.‏ واتبعه إدريس فيمن إليه من قومه فقاتلهم صدر نهاره وفض جموعهم‏.‏ثم خلص إلى تخوم النصرانية ولحق منها بسدة ملك المغرب على أثر سلطانه محمد المخلوع بن أبي الحجاج وخلف ابنه أبا سعيد عثمان بدار الحرب‏.‏ونزل يومئذ على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين فأكرم مثواه وأحله من مجلسه محل الشورى والمؤامرة‏.‏واستقر في جملته إلى أن بعث ملك قشتالة في السلطان المخلوع بإشارة ابنه أبي سعيد وسعايته في ذلك ليجلب به على أهل الأندلس بما نقضوا من عهده‏.‏ وجهزه السلطان أبو سالم سنة ثلاث وستين فصحبه يحيى بن عمر هذا‏.‏ولقيهم ابنه أبو سعيد عثمان وقاموا بأمر سلطانهم واستولى على الأندلس بمظاهرتهم وكان لهم في ذلك آثار‏.‏ ولما استولى على غرناطة سنة ثلاث وستين عقد ليحيى بن عمر على إمارة الغزاة كما كان وأعلى يداً‏.‏ واستخلص عثمان لشوراه وخلطه ببطانته‏.‏ ونافسه الوزير يومئذ محمد بن الخطيب فسعى فيهم‏.‏ وأغرى السلطان بهم فتقبض عليهم سنة أربع وستين وأودعهم المطبق‏.‏ثم أشخص يحيى سنة ست وستين إلى المشرق وركب السفين من المرية فنزل بالإسكندرية‏.‏ورجع منها إلى المغرب ونزل على عمر بن عبد الله أيام استبداده واستقر به في كرامة وخير مقام‏.‏ولم يزل بالمغرب على أعز أحوال إلى أن هلك سنة اثنتين وثمانين ثم أشخص ابنه أيا سعيد عثمان من الاعتقال سنة سبع وستين إلى إفريقية فنزل ببجاية على مولانا السلطان أبي العباس حافد مولانا السلطان أبي يحيى واستقر في جملته‏.‏ وحضر معهم فتح تونس وأبلى فيه‏.‏وأقطع له السلطان وأسنى له الجراية وخلطه بنفسه واصطفاه لشوراه وأخلته وهو لهذا العهد من عظماء مجلسه وظهرائه في مقامات حروبه وإخوته بالأندلس على مراكز عزهم وفي ظلال عصبيتهم مع قومهم وقد ذهب مواجداً السلطان بالأندلس عليهم وصار إلى جميل رأيه فيهم‏.‏والله مالك الملك ومقلب القلوب لا رب غيره‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:48 PM

الخبر عن إدريس بن عثمان أبي العلاء وإماراته بالأندلس ومصائر أمره
لما هلك أبو ثابت بن عثمان بن أبي العلاء سنة خمسين وسبعماية استقر إخوانه في جملة السلطان أبي عنان ملك المغرب وأقطعهم وأسنى جراياتهم وكان في إدريس منهم بقية من الترشيح يراه الناس بها‏.‏فلما نهض السلطان لفتح قسنطينة سنة ثمان وخمسين وتوغل في ديار إفريقية وحام قومه على مواقعها تحيلوا عليه في الرجوع به عن ضمه منها‏.‏وأذنت المشيخة لمن معهم من قيمهم في الانطلاق إلى المغرب حتى خفي المعسكر من أهله وتوامروا زعموا في اغتيال السلطان والإدالة منه بإدريس هذا‏.‏ونذر بذلك فكر راجعاً كما ذكرناه في أخباره‏.‏ولما أشيع ذلك بلغ إدريس شأنه فركب ظهر الغدر وفر من المعسكر ليلاً‏.‏ولحق بتونس فنزل على القائم بالدولة يومئذ الحاجب أبي محمد بن تافراكين خير نزل وأبره‏.‏وركب السفين من تونس إلى العدوة فنزل على ابن القمط صاحب برشلونة في حشمه وذويه‏.‏وأقام هنالك إلى إن كان من مهلك رضوان الحاجب المستبد بالأندلس سنة ستين ما قدمناه فنزع إلى منبت من غرناطة‏.‏ونزل على إسماعيل بن محمد بن الرئيس أبي سعيد فلقوه مبرة وتكريماً‏.‏ورجوه للادالة به من يحيى بن عمر أمير الغزاة يومئذ لما كانوا يتهمونه من ممالأة المخلوع صاحب الأمر عليهم‏.‏ولما نزع يحيى بن عمر إلى الطاغية ولحق بدار الحرب سنة إحدى وستين عقموا لإدريس بن عثمان هذا على الغزاة مكانه‏.‏وولوه خطة أبيه وأخيه بدولتهم فاضطلع بها‏.‏ثم قتل الرئيس محمد سلطانه إسماعيل ابن عمه أبي الحجاج واستبد بالأمر‏.‏ولسنتين من ولايته غلبهم المخلوع أبو عبد الله محمد على أمرهم‏.‏وزحف إليهم من رندة كان نزل بها بعد خروجه من دار الحرب مغاضباً للطاغية‏.‏وأذن له وزير المغرب عمر بن عبد الله في نزلها فنزلها‏.‏ثم زحف إلى الثائر بغرناطة‏.‏على ملكهم الرئيس وحاشيته وأجفلوا‏.‏ولحق الرئيس بقشتالة ونزلوا في جملتهم وحاشيتهم على الطاغية فتقبض عليهم وقتل الرئيس محمداً وحاشيته جزاء بما أتوه من غدر رضوان‏.‏ثم غدر السلطان إسماعيل من بعده وأودع إدريس ومن معه من الغزاة السجن بإشبيلية فلم يزل في أسره إلى أن تحيل في الفرار بمداخلة مسلم من الدجن أعد له فرساً إزاء معتقله ففك قيده‏.‏ونقب البيت وامتطى فرسه ولحق بأرض المسلمين سنة ست وستين‏.‏واتبعوه فأعجزهم وجاء إلى السلطان أبي عبد الله محمد بن أبي الحجاج فأكرم نزله وأحسن مبرته‏.‏ثم طلب إذنه في اللحاق بالمغرب فأذن له وأجاز إلى سبتة وبلغ شأنه إلى صاحب الأمر بالمغرب يومئذ عمر بن عبد الله فأوعز إلى عامل سبتة بالتقبض عليه لمكان ما يؤنس من ترشيحه‏.‏وأودعه السجن بمكناسة قم نقله السلطان عبد العزيز إلى سجن الغور بفاس ثم قتلوه خنقاً سنة سبعين‏.‏والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏


الخبر عن إمارة علي بن بدر الدين علي الغزاة بالأندلس ومصائر أمره
قد ذكرنا أن موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق كان أجاز إلى الأندلس مع محمد وعامر ابني إدريس بن عبد الحق وقومهم أولاد سوط النساء سنة تسع وستين‏.‏ثم رجع إلى المغرب وفر إلى تلمسان وأجاز منها إلى الأندلس‏.‏وولي إمارة الغزاة بها إلى أن هلك بعد أن أصهر إليه السلطان يوسف بن يعقوب في ابنته فعقد له عليها وزفها إليه سنة تسع وسبعين مع وفد من قومهم‏.‏وكان لموسى بن رحو من الولد جماعة أكبرهم المحمدان جمال الدين وبدر الدين وضع عليهما هذين اللقبين‏.‏على طريقة أهل المشرق الشريف المكي الوافد على المغرب لذلك العهد من شرفاء مكة‏.‏وكان هؤلاء الاعياص ملوكهم وأقيالهم يعظمون أهل البيت النبوي ويلتمسون الدعاء والبركة منهم فيما تيسر من أحوالهم فحمل موسى بن رحو ولدية هذين إلى الشريف عند وضعهما يحنكهما ويدعو لهما فقال له الشريف خذ إليك جمال الدين‏.‏وقال في الآخر خذ إليك بدر الدين فاستحب موسى دعاءهما بهذين اللقبين تبركاً بتسمية الشريف بهما فاشتهرا بهذين الإسمين‏.‏ولما بلغا الأشد وشاركا أباهما في حمل الرياسة وكان من مهلكه ما ذكرناه وانحرفت الغزاة عنهما إلى عنهما عبد الحق وابنه فلحق جمال الدين منهما بالطاغية سنة ثلاث ثم أجاز البحر من قرطاجنة إلى السلطان يوسف بن يعقوب بمعسكره من حصار تلمسان واستقر في جملته حتى إذا هلك السلطان وتصدى ابنه أبو سالم للقيام بالأمر وكان مغفلاً مضعفاً فلم يتم أمره وتناول الملك أبو ثابت حافد السلطان واستولى عليه‏.‏وفر أبو سالم عشي مهلكه ومعه من القرابة جمال الدين هذا وأعمامه العباس وعيسى وعلي بنو رحو بن عبد الله فتقبض عليهم في طريقهم بمديونة وسيقوا إلى السلطان أبي ثابت فقتل عمه أبا سالم وجمال الدين بن موسى بن رحو وامتن على الباقين واستحياهم‏.‏وانصرف العباس بعدها إلى الأندلس فكانت له في الجهاد آثار كما ذكرناه قبل‏.‏وأما بدر الدين فلم يزل بالأندلس مع قومه‏.‏ومحله من الرياسة والتجلة محله من النسب إلى أن هلك فقام بالأمر من بعده ابنه علي بن بدر الدين مزاحماً في الرياسة مباهياً لهم بالترشيح‏.‏وكان كثيراً ما يعقد له ملوك بني الأحمر على الغزاة من زناتة المرابطين بالثغور فيما بعد عن الحضرة من قواعد الأندلس مثل مالقة والمرية ووادي آش سبيل المرشحين من أهل بيته وكانت إمارة الغزاة بالأندلس مستأثرة بأمر السيف والحرب مقاسمة للسلطان أكثر الجباية في الأعطية والأرزاق بما كانت الحاجة إليهم في مدافعة العدو ومقارعة ملك الأندلس فكانوا يغضون لهم عن استطالتهم عليهم لمكان حاجتهم إلى دفاع العدوين حتى إذا سكن ريح الطاغية بما كان من شغله بفتنة أهل دينه منذ منتصف هذه الماية وشغل بني مرين أيضاً بعد مهلك السلطان أبي الحسن وتناسوا عهد الغلب على اقتالهم وجيرانهم‏.‏وتنوسي عهد ذلك أجمع فاعتزم صاحب الأندلس على محو هذه الخطة من دولته‏.‏وأغراه بذلك وزيره ابن الخطيب كما ذكرناه حرصاً على إخلاء الجولة فتقبض على يحيى بن عمر وعلى بنيه سنة أربع وستين كما ذكرناه‏.‏وعقد على الغزاة المجاهدين لابنه ولي عهده الأمير يوسف‏.‏ومحا رسم الخطة ببني مرين بالجملة إلى أن توهم فناء الحامية منهم بفناء بيوت العصبية الكبرى فراجع رأيه في ذلك‏.‏وكان علي بن بدر الدين خالصة له وكان مقدماً على الغزاة بوادي آش‏.‏ولما لحق السلطان به ناجياً ليلة مهلك رضوان مانع دونه وظاهره على أمره حتى إذا ارتحل إلى المغرب إرتحل معه‏.‏ونزلوا جميعاً على السلطان أبي سالم سنه إحدى وستين كما ذكرناه‏.‏ولما رجع إلى الأندلس رجع في جملته فكان له بذلك عهد وذمة رعاهما السلطان له وكان يستخلصه ويناجيه‏.‏فلما تفقد مكان الأمير على الغزاة ونظر فيمن يوليه عثر اختياره على هذا لسابقته ووسائله وما بلاه من نصحه ووقوفه عند حده فعقد له سنة سبع وستين على الغزاة كما كان أولوه فقام بها واضطلع بأمورها‏.‏واستمرت حاله إلى لأن هلك سنة ثمان وستين‏.‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏.‏


خبر عن إمارة عبد الرحمن بن علي أبي يفلوسن
ابن السلطان أبي علي على الغزاة بالأندلس ومصير أمره كان ولد السلطان أبي علي قد استوقروا بالأندلس وأجازوا إلى طلب الأمر بالمغرب‏.‏وكان من أمرهم ما شرحناه إلى أن أجاز عبد الرحمن هذا مع وزيره المطارد به مسعود بن رحو سنة ست وستين غساسة على سلم عقده لهم وزير المغرب المستبد بأمره يومئذ عمر بن عبد الله‏.‏ونزل عبد الرحمن هذا بالمنكب وكان السلطان يومئذ معسكراً بها فتلقاه من الإحتفاء والبر ما يناسبه‏.‏وأكرم مثواه وأسنى الجائزة له ولوزيره ولحاشيته‏.‏واستقروا في جملة الغزاة المجاهدين حتى إذا هلك علي بن بدر الدين سنة ثمان وستين نظر السلطان فيمن يوليه أمرهم فعثر اختياره على عبد الرحمن هذا لما عرف به من البسالة والإقدام ولقرب الوشائج بينه وبين ملك المغرب يومئذ التي هي ملاك الترشيح لهذه الخطة بالأندلس كما قدمناه لما كانت وشائج أولاد عبد الله بن عبد الحق قد بعدت باتصال الملك في عمود نسب صاحب المغرب دون نسبهم فآثره صاحب الأندلس بها وعقد له على الغزاة المجاهدين سنة ثمان وستين وأضفى عليه لبوس الكرامة والتجلة وأقعده مجلس الوزارة كما كان للأمراء قبله‏.‏واتصل الخبر بسلطان المغرب يومئذ عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن فغص بمكانه وتوهم أن هذه الإمارة زيادة في ترشيحه ووسيلة لملكه‏.‏وكانت لوزير الأندلس محمد بن الخطيب مداخلة مع صاحب المغرب بما أمل أن يجعله فيئة لاعتصامه فأوعز إليه بالتحيل على إفساد ما بينه وبين صاحب الأندلس فجهد في ذلك جهده‏.‏ولبست عليه وعلى وزيره مسعود بن ماساي كتب إلى عظماء القبيل وبعض البطانة من أهل الدولة بالتحبيب والدعوة إلى الخروج على صاحب المغرب فأحضرهم السلطان ابن الأحمر وأعطاهم كتابهم فشهد عليهم وأمر بهم فاعتقلوا بالمطبق سنة سبعين‏.‏واسترضى صاحب المغرب بفعلته فيهم‏.‏ونزع الوزير ابن الخطيب بعد ذلك إلى السلطان عبد العزيز وتبين لسلطانه مكره واحتياله عليهم في شأنهم‏.‏ولما هلك عبد العزيز وأظلم الجو بين صاحب الأندلس وبين القائم بالدولة أبي بكر بن غازي كما قدمناه وامتعض ابن الأحمر للمسلمين من الفوضى أطلق عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ووزيره مسعود بن ماساي من الاعتقال وجهز له الأسطول فأجازوا فيها إلى المغرب ونزل بمرسى غساسة على بطوية داعياً لنفسه فقاموا بأمره وكان من شأنهم مع الوزير أبي بكر بن غازي ما قصصناه‏.‏واستقر آخر بمراكش وتقاسم ممالك المغرب وأعماله مع السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم صاحب المغرب لهذا العهد‏.‏وصار التخم بينهما وادي ملوية‏.‏ووقف كل واحد منهم عند حده‏.‏والله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء‏.‏وأغفل صاحب الأندلس هذه الخطة من دولته ومحا رسمها من ملكه‏.‏وصار أمر الغزاة المجاهدين إليه ويباشر أحوالهم بنفسه وعمهم بنظره‏.‏وخص القرابة المرشحين منهم بمزيد تكرمته وعنايته‏.‏والأمر على ذلك لهذا العهد وهو سنة ثلاث وثمانين وسبعماية والحمد لله على كل حال‏.‏وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً‏.‏تم كتاب أخبار الدول الإسلامية بالمغرب لولي الدين أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي الاشبيلي المالكي‏.‏والحمد لله رب العالمين‏.‏بسم الله الرحمن الرحيم التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب ورحلته غرباً وشرقاً وأصل هذا البيت من إشبيلية انتقل سلفنا - عند الجلاء وغلب ملك الجلالقة ابن أدنونش عليها - إلى تونس في أواسط المائة السابعة نسبه عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون‏.‏لا أذكر من نسبي إلى خلدون غير هؤلاء العشرة ويغلب على الظن أنهم أكثر وأنه سقط مثلهم عدداً لأن خلدون هذا هو الداخل إلى الأندلس فإن كان أول الفتح فالمدة لهذا العهد سبعمائة سنة فيكونون زهاء العشرين ثلاثة لكل مائة كما تقدم في أول الكتاب الأول‏.‏ونسبنا حضرموت من عرب اليمن إلى وائل بن حجر من أقيال العرب معروف وله صحبة‏.‏قال أبو محمد بن حزم في كتاب الجمهرة‏:‏ وهو وائل بن حجر بن سعيد بن مسروق بن وائل بن النعمان بن ربيعة بن الحارث بن عوف بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن شرحبيل بن الحارث بن مالك بن مرة بن حميري بن زيد بن الحضرمي بن عمرو بن عبد الله بن هانئ بن جرشم بن عبد شمس بن زيد بن لأي بن شبت بن قدامة بن أعجب بن مالك بن لأي بن قحطان‏.‏ وابنه علقمة بن وائل وعبد الجبار بن وائل‏.‏وذكره أبو عمر بن عبد البر في حرف الواو من الاستيعاب وأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه وأجلسه عليه وقال‏:‏ اللهم بارك في وائل بن حجر وولده وولد ولده إلى يوم القيامة‏.‏وبعث معه جارية بن أبي سفيان إلى قومه يعلمهم القرآن والإسلام فكانت له بذلك صحابة مع معاوية‏.‏ووفد عليه لأول خلافته وأجازه فرد عليه جائزته ولم يقبلها‏.‏ولما كانت واقعة حجر بن عدي الكندي بالكوفة اجتمع رؤوس أهل اليمن وفيهم هذا فكانوا مع زياد بن أبي سفيان عليه حتى أوثقوه وجاؤوا به إلى معاوية فقتله كما هو معروف‏.‏قال ابن حزم‏:‏ ويذكر بنو خلدون الإشبيليون من ولده وجدهم الداخل من الشرق خالد المعروف بخلدون بن عثمان بن هانئ بن الخطاب بن كريب بن معد يكرب بن الحارث بن وائل بن حجر‏.‏قال‏:‏ وكان من عقبه كريب بن عثمان بن خلدون وأخوه خالد وكانا من أعظم ثوار الأندلس‏.‏قال ابن حزم‏:‏ وأخوه محمد كان من عقبه أبو العاصي عمرو بن محمد بن خالد بن محمد بن خلدون‏.‏وبنو أبي العاصي‏:‏ محمد وأحمد وعبد الله‏.‏قال‏:‏ - وأخوهم عثمان وله عقب‏.‏ومنهم الحكيم المشهور بالأندلس من تلاميذ مسلمة المجريطي وهو أبو مسلم عمر بن محمد بن بقي بن عبد الله بن بكر بن خالد بن عثمان بن خالد بن عثمان بن خلدون الداخل‏.‏وابن عمه أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله‏.‏قال‏:‏ ولم يبق من ولد كريب الرئيس المذكور إلا أبو الفضل بن محمد بن خلف بن أحمد بن عبد الله بن كريب - انتهى كلام ابن حزم‏.‏سلفه بالأندلس ولما دخل خلدون بن عثمان جدنا إلى الأندلس نزل بقرمونة في رهط من قومه حضرموت ونشأ بيت بنيه بها ثم انتقلوا إلى إشبيلية‏.‏وكانوا في جند اليمن وكان لكريب من عقبه وأخيه خالد الثورة المعروفة بإشبيلية أيام الأمير عبد الله المرواني نار على ابن أبي عبدة وملكها من يده أعواماً ثم ثار عليه إبراهيم بن حجاج بإملاء الأمير عبد الله وقتله وذلك في أواخر المائة الثالثة‏.‏وتلخيص الخبر عن ثورته على ما نقله ابن سعيد عن الحجاري وابن حيان وغيرهما وينقلونه عن ابن الأشعث مؤرخ إشبيلية‏:‏ أن الأندلس لما اضطربت بالفتن أيام الأمير عبد الله تطاول رؤساء إشبيلية إلى الثورة والاستبداد وكان رؤساؤها المتطاولون إلى تلك في ثلاثة بيوت‏:‏ بيت بني أبي عبدة ورئيسهم يومئذ أمية بن عبد الغافر بن أبي عبدة وكان عبد الرحمن الداخل ولى أبا عبده إشبيلية وأعمالها وكان حافده أمية من أعلام الدولة بقرطبة ويولونه الممالك الضخمة‏.‏وبيت بني خلدون هؤلاء ورئيسهم كريب المذكور ويردفه أخوه خالد‏.‏قال ابن حيان‏:‏ وبيت بني خلدون إلى الآن في إشبيلية نهاية في النباهة ولم تزل أعلامه بين رياسة سلطانية ورياسة علمية‏.‏ثم بيت بني حجاج ورئيسهم يومئذ عبد الله‏.‏قال ابن حيان‏:‏ هم - يعني بني حجاج - من لخم وبيتهم إلى الآن في إشبيلية ثابت الأصل نابت الفرع موسوم بالرياسة السلطانية والعلمية‏.‏فلما عظمت الفتنة بالأندلس أعوام الثمانين والمائتين وكان الأمير عبد الله قد ولى على إشبيلية أمية بن عبد الغافر وبعث معه ابنه محمداً وجعله في كفالته فاجتمع هؤلاء النفر وثاروا بمحمد ابن الأمير عبد الله وبأمية صاحبهم وهو يمالئهم على ذلك ويكيد بابن الأمير عبد الله‏.‏وحاصروهما في القصر حتى طلب منهم اللحاق بأبيه فأخرجوه واستبد أمية بإشبيلية ودس على عبد الله بن حجاج من قتله وأقام أخاه إبراهيم مكانه‏.‏وضبط إشبيلية واسترهن أولاد بني خلدون وبني حجاج ثم ثاروا به وهم بقتل أبنائهم فراجعوا طاعته‏.‏وحلفوا له فأطلق أبناءهم فانتقضوا ثانية‏.‏وحاربوه فاستمات وقتل حرمه وعقر خيوله وأحرق موجوده‏.‏وقاتلهم حتى قتلوه مقبلاً غير مدبر وعاثت العامة في رأسه‏.‏وكتبوا إلى الأمير عبد الله بأنه خلع فقتلوه فقبل منهم مداراة وبعث عليهم هشام بن عبد الرحمن من قرابته فاستبدوا عليه وفتكوا بابنه وتولى كبر ذلك كريب بن خلدون واستقل بإمارتها‏.‏وكان إبراهيم بن حجاج بعد ما قتل أخوه عبد الله - على ما ذكره ابن سعيد عن الحجاري - سمت نفسه إلى التفرد فظاهر ابن حفصون أعظم ثوار الأندلس يومئذ وكان بمالقة وأعمالها إلى رندة فكان له منه ردء‏.‏ثم انصرف إلى مداراة كريب بن خلدون وملابسته فردفه في أمره وشركه في سلطانه وكان في كريب تحامل على الرعية وتعصب فكان يتجهم لهم ويغلظ عليهم وابن حجاج يسلك بهم الرفق والتلطف في الشفاعة لهم عنده فانحرفوا عن كريب إلى إبراهيم‏.‏ثم دس إلى الأمير عبد الله يطلب منه الكتاب بولاية إشبيلية لتسكن إليه العامة فكتب إليه العهد بذلك‏.‏وأطلع عليه عرفاء البلد مع ما أشريوا من حبه والنفرة عن كريب ثم أجمع الثورة وهاجت العامة بكريب فقتلوه وبعث برأسه إلى الأمير عبد الله واستقر بإمارة إشبيلية‏.‏قال ابن حيان‏:‏ وحصن مدينة قرمرنة من أعظم معاقل الأندلس وجعلها مرتبطاً لخيوله وكان ينتقل بينها وبين إشبيلية‏.‏واتخذ الجند ورتبهم طبقات وكان يصانع الأمير عبد الله بالأموال والهدايا وببعث إليه المدد في الصوائف‏.‏وكان مقصوداً ممدحاً قصده أهل البيوتات فوصلهم ومدحه الشعراء فأجازهم وانتجعه أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد وقصده من بين سائر الثوار فعرف حقه وأعظم جائزته‏.‏ولم يزل بيت بني خلدون بإشبيلية - كما ذكره ابن حيان وابن حزم وغيرهما - سائر أيام بني أمية إلى أزمان الطوائف - وانمحت عنهم الإمارة بما ذهب لهم من الشوكة‏.‏ولما علا كعب ابن عباد بإشبيلية واستبد على أهلها استوزر من بني خلدون هؤلاء واستعملهم في رتب دولته وحضروا معه وقعة الزلاقة كانت لابن عباد وليوسف بن تاشفين على ملك الجلالقة فاستشهد فيها طائفة كبيرة من بني خلدون هؤلاء ثبتوا في الجولة مع ابن عباد فاستلحموا في ذلك الموقف‏.‏ثم كان الظهور للمسلمين ونصرهم الله على عدوهم‏.‏ثم تغلب يوسف بن تاشفين والمرابطون على الأندلس واضمحلت دولة العرب وفنيت قبائلهم‏.‏سلفه بأفريقية ولما استولى الموحدون على الأندلس وملكوها من يد المرابطين وكان ملوكهم‏:‏ عبد المؤمن وبنيه‏.‏وكان الشيخ أبو حفص كبير هنتاتة زعيم دولتهم وولوه على إشبيلية وغرب الأندلس مراراً ثم ولوا ابنه عبد الواحد عليها في بعض أيامهم ثم ابنه أبا زكرياء كذلك فكان لسلفنا بإشبيلية اتصال بهم وأهدى بعض أجدادنا من قبل الأمهات ومجرف بابن المحتسب للأمير أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص أيام ولايته عليهم جارية من سبي الجلالقة اتخذها أم ولد وكان له منها ابنه أبو يحيى زكريا ولي عهده الهالك في أيامه وأخواه‏:‏ عمر وأبو بكر وكانت تلقب أم الخلفاء‏.‏انتقل الأمير أبو زكريا إلى ولاية إفريقية سني العشرين والستمائة‏.‏ودعا لنفسه بها وخلع دعوة بني عبد المؤمن سنة خمس وعشرين‏.‏واستبد بإفريقية وانتقضت دولة الموحدين بالأندلس وثار عليهم ابن هود‏.‏ثم هلك واضطربت الأندلس وتكالب الطاغية عليها وردد الغزو إلى الفرنتيرة بسيط قرطبة وإشبيلية إلى جيان وثار ابن الأحمر بغرب الأندلس من حصن أرجونة يرجو التماسك لما بقي من رمق الأندلس‏.‏وفاوض أهل الشورى يومئذ بإشبيلية‏.‏وهم بنو الباجي وبنو الجد وبنو الوزير وبنو سيد الناس وبنو خلدون‏.‏وداخلهم في الثورة على ابن هود وأن يتجافوا للطاغية عن الفرنتيرة ويتمسكوا بالجبال الساحلية وأمصارها المتوعرة من مالقه إلى غرناطة إلى المرية فلم يوافقوه على بلدهم‏.‏وكان مقدمهم أبو مروان الباجي فنابذهم ابن الأحمر وخلع طاعة الباجي وبايع مرة لابن هود ومره لصاحب مراكش من بني عبد المؤمن ومرة للأمير أبي زكرياء صاحب إفريقية‏.‏ونزل غرناطة واتخذها دارا لملكه وبقيت الفرنتيرة وأمصارها ضاحية من ظل الملك فخشي بنو خلدون سوء العاقبة مع الطاغية وارتحلوا من إشبيلية إلى العدوة ونزلوا سبتة وأجلب الطاغية على تلك الثغور فملك قرطبة وإشبيلية وقرمونة وجيان وما إليها في مدة عشرين سنة‏.‏ولما نزل بنو خلدون سبتة أصهر إليهم العزفي بأبنائه وبناته فاختلط بهم وكان له معهم صهر مذكور‏.‏وكان جدنا الحسن بن محمد وهو سبط ابن المحتسب قد أجاز فيمن أجاز معهم فذكر سوابق سلفه عند الأمير أبي زكرياء فقصده وقدم عليه فأكرم قدومه‏.‏وارتحل إلى المشرق فقضى فرضه‏.‏ثم رجع ولحق بالأمير أبي زكرياء على بونة فأكرمه واستقر في ظل دولته ومرعى نعمته وفرض له الأرزاق وأقطع الإقطاع‏.‏وهلك هنالك فدفن ببونة‏.‏وخلف ابنه محمداً أبا بكر فنشأ في جو تلك النعمة ومرعاها‏.‏وهلك الأمير أبو زكرياء ببونة سنة سبع وأربعين وولي ابنة المستنصر محمد فأجرى جدنا أبا بكر على ما كان لأبيه‏.‏ثم ضرب الدهر ضربانه وهلك المستنصر سنة خمس وسبعين وولي ابنه يحيى وجاء أخوه الأمير أبو اسحق من الأندلس بعد أن كان فر أمام أخيه المستنصر‏.‏فخلع يحيى واستقل هو بملك إفريقية ودفع جدونا أبا بكر محمداً إلى عمل الأشغال في الدولة على سنن عظاء الموحدين فيها قبله من الإنفراد بولاية العمال وعزلهم وحسبانهم على الجباية فاضطلع بتلك الرتبة‏.‏ثم عقد السلطان أبو إسحق لابنه محمد وهو جدنا الأقرب على حجابة ولي عهده ابنه أبي فارس أيام أقصاه إلى بجاية‏.‏ثم استعفى جدنا من ذلك فأعفاه ورجع إلى الحضرة‏.‏ولما غلب الدعي ابن أبي عمارة عل ملكهم بتونس اعتقل جدنا أبا بكر محمداً وصادره على الأموال ثم قتله خنقاً في محبسه‏.‏وذهب ابنه محمد جدنا الأقرب مع السلطان أبي إسحق وأبنائه إلى بجاية فقبض عليه ابنه أبو فارس وخرج في العساكر هو وإخوته لمدافعة الدعي ابن أبي عمارة وهو يشبه بالفضل ابن المخلوع حتى إذا استلحموا بمرماجنة خلص جدنا محمد مع أبي حفص ابن الأمير أبي زكرياء من الملحمة ومعهما الفازازي وأبو الحسين بن سيد الناس فلحقوا بمنجاتهم من قلعة سنان‏.‏وكان الفازازي من صنائع المولى أبي حفص وكان يؤثره عليهم‏.‏فأما أبو الحسين بن سيد الناس فاستنكف من إيثار الفازازي عليه بما كان أعلى رتبة منه ببلده إشبيلية ولحق بالمولى أبي زكرياء الأوسط بتلمسان وكان من شأنه ما ذكرناه‏.‏وأما محمد بن خلدون فأقام مع الأمير أبي حفص وسكن لإيثار الفازازي‏.‏ولما استولى أبو حفص على الأمر رعى له سابقته وأقطعه ونظمه في جملة القواد ومراتب أهل الحروب واستكفى به في الكثير من أهل ملكه ورشحه لحجابته من بعد الفازازي‏.‏وهلك فكان من بعده حافد أخيه المستنصر أبو عصيدة واصطفى لحجابته محمد بن إبراهيم الدباغ كاتب الفازازي وجعل محمد بن خلدون رديفاً في حجابته‏.‏فكان كذلك إلى أن هلك السلطان وجاءت دولة الأمير خالد فأبقاه على حاله من التجلة والكرامة ولم يستعمله ولا عقد له إلى أن كانت دولة أبي يحيى بن اللحياني فاصطنعه واستكفى به عندما نبضت عروق التغلب للعرب ودفعه إلى حماية الجزيرة من دلاج أحد بطون سليم الموطنين بنواحيها فكانت له في ذلك آثار مذكورة‏.‏ولما انقرضت دولة ابن اللحياني خرج إلى المشرق وقضى فرضه سنة ثمان عشرة وأظهر التوبة والإقلاع وعاود الحج متنفلاً سنة ثلاث وعشرين ولزم كسر بيته‏.‏وأبقى السلطان أبو يحيى عليه نعمته في كثير مما كان بيده من الاقطاع والجراية ودعاه إلى حجابته مراراً فامتنع‏.‏أخبرني محمد بن منصور بن مزنى قال‏:‏ لما هلك الحاجب محمد ابن عبد العزيز الكردي المعروف بالمزوار سنة سبع وعشرين وسبعمائة استدعىالسلطان جدك محمد بن خلدون وأراده على الحجابة وأن يفوض إليه في أمره فأبى واستعفى فأعفاه ووامره فيمن يوليه حجابته فأشار عليه بصاحب الثغر‏:‏ بجاية محمد بن أبي الحسين بن سيد الناس لاستحقاقة ذلك بكفايته واضطلاعه ولقديم صحابة بين صلفهما بتونس وبإشبيلية من قبل‏.‏وقال له‏:‏ هو أقدر على ذلك بما هو عليه من الحاشية والذوين فعمل السلطان على إشارته واستدعى ابن سيد الناس وولاه حجابته‏.‏وكان السلطان أبو يحيى إذا خرج من تونس يستعمل جدنا محمداً عليها وثوقاً بنظره واستنامة إليه إلى أن هلك سنة سبع وثلاثين ونزع ابنه وهو والدي محمد أبو بكر عن طريقة السيف والخدمة إلى طريقة العلم والرباط لما نشأ عليها في حجر أبي عبد الله الزبيدي الشهير بالفقيه كان كبير تونس لعهده في العلم والفتيا وانتحال طرق الولاية التي ورثها عن أبيه حسين وعمه حسن الوليين الشهيرين‏.‏وكان جدنا رحمه الله قد لزمه من يوم نزوعه عن طريقه وألزمه ابنه وهو والدي رحمه الله فقرأ وتفقه وكان مقدماً في صناعة العربية وله بصر بالشعر وفنونه‏.‏عهدي بأهل الأدب بتحاكمون إليه فيه ويعرضون حوكهم عليه وهلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة‏.‏


الساعة الآن 05:12 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى