![]() |
لا نظيرَ له في الغناء
قال العطويّ الشاعر: كنت في مجلس القاضي يحيى بن أكثم، فوافى إسحاق الموصلي، وأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن، وقاس واحتجّ، وتكلم في الشعر واللغة ففاق مَن حَضَر. ثم أقبل على القاضي يحيى فقال له: أعزّ اللّه القاضي! أفي شيء مما ناظرتُ فيه وحكيته نقص أو مطعن؟ قال: لا. قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيامَ أهلها، وأُنْسبُ إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه؟ (يعني الغناء). فقلت: يا أبا محمد، أنت كالفَرّاء والأخفش في النحو؟ فقال: لا. فقلت: فأنت في اللغة ومعرفة الشعر كالأصمعيّ وأبي عُبيدة؟ قال: لا. قلت: فأنت في علم الكلام كأبي الهذيل العلاّف والنظـّام؟ قال: لا. قلت: فأنت في الفقه كالقاضي يحيى بن أكثم؟ قال: لا. قلت: فأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس؟ قال: لا. قلت: فَمِنْ هُنا نُسبتَ إلى ما نُسبتَ إليه، لأنه لا نظير لك في الغناء، وأنت في غيره دون رؤساء أهله. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. |
لو صبـروا حتـى يرجـع
دخل محمد بن واضح دار المأمون وخلفه أكثر من خمسمائة راكب، كلهم راغب إليه، وراهب منه، وهو إذ ذاك يلي أعمالاً من أعمال السـَّواد. فدعا به المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، أَعفـِني من عمل كذا وكذا، فإنه لا قوة لي عليه. فقال: قد أعفيتك. واستعفى من عمل آخر، وهو يظن أنه لا يـُعفيه، فأعفاه حتى خرج من كل عمل في يده في أقل من ساعة، فخرج وما في يده شيء من عمله. فقال المأمون لسالم الحوائجي: إذا خرج فانظر إلى موكبه، وأَحـْصِ من معه. وكان المأمون قد رآه من مـُستشرَف له حين أقبل. فخرج سالم وقد شاع الخبر بعزله عن عمله، فنظر فإذا هو لا يتبعه أحد إلا غلام له. فرجع إلى المأمون فأخبره. فقال: ويلهم! لو صبروا حتى يرجع إلى بيته كما خرج منه! من كتاب "المحاسن والمساوئ" للبيهقـي |
لوددنا أنّا رأينا ما رأيتَ!
عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: جلسنا يوماً إلى المقداد بن عمرو، فمرّ به رجل فقال للمقداد: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت. فغضب المقداد، وجعلتُ أعجب من غضبه، وقلت له: ما لك غضبت؟ والله ما قال إلا خيراً. فقال المقداد: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضراً غيّبه الله عنه، ما يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟ لقد حضر رسول الله أقوام لم يجيبوه ولم يصدّقوه فكبّهم الله في جهنم أفلا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم، مصدّقين بما جاء به نبيكم، وقد كُفيتم البلاء بغيركم؟ لقد بُعث النبي في جاهلية وقوم لا يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرّق به بين الحق والباطل، وبين الوالد وولده، فكان الرجل لَيرى والده وولده وأخاه كافراً وقد فتح الله قلبه للإيمان، يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقرّ عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار. من كتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي. |
ليـس هـذا كـذاك
قال أبو العتاهية لمحمد بن مناذر: كم بيتـًا من الشـِّعر تنظم في اليوم؟ قال: ثلاثة أبيات أو خمسة. فقال أبو العتاهية: ولكني أقول المائة والمائتين. قال ابن مناذر: أجل، إنك تقول: يا عتب مالي ولك يا ليتني لم أرك وأنا أقول: سـتُظلم بغـداد وتجلو لنا الدُّجَى بمكــة مـا عشـــنا ثلاثــة أقمـر إذا نزلوا بطحـاء مكـة أشـرقت بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر ومـا خُـــلِقتْ إلاَّ لجـودٍ أكــفَّهم وأقــــدامُهم إلا لأعــــواد منــبر ولو أردتَ أنت أن تنظم مثلَ هذا لطال عليك الدّهر! من كتاب "ربيع الأبرار" للزمخشري. |
ليس هـذا مـِنْ عـِلـْمي
قال أبو حاتم السجستاني: ورد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عـُمـّال السلطان بالبصرة أبرع منه. فلما دخلتُ مسلـّما عليه، قال لي: يا سجستاني، من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزّيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال الرأي أفقهنا، والشاذكوني من أعلمنا بالحديث، وأنا - رحمك الله - أُنسب إلى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط. فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم إليّ. فلما جمعنا قال: أيكم المازني؟ قال أبو عثمان: ها أنا ذا يرحمك الله. قال: هل يجزي في كفارة الظهار عتق عبد أعور؟ فقال المازني: لستُ صاحب فقه، أنا صاحب عربية. فقال: يا زيادي، كيف يـُكتب بين رجل وامرأة خالعها على الثلث من صداقها؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي. قال: يا هلال، كم أسند ابن عون عن الحسن؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم الشاذكوني. قال: يا شاذكوني، من قرأ (يثنوني صدورهم)؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم أبي حاتم. قال: يا أبا حاتم، كيف تكتب كتابـاً إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة، وما أصابهم في الثمرة، ونسأله لهم النظر والنظرة؟ قلت: لستُ صاحب بلاغة وكتابة، أنا صاحب قرآن. فقال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنـّا واحداً حتى إذا سـُئـِل عن غيره لم يـُحـْلِ فيه ولم يـُمرّ! من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي |
مـا المخــرج؟
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون فتن" قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخـْلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، وفي رواية "ولا تختلف به الآراء". وهو الذي لم ينته الجن إذا سمعته أن قالوا: "إنا سمعنا قرآناً عجباً" هو الذي من قال به صدق ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هـُدِيَ إلى صراط مستقيم". |
ما براهينـك؟
حدّث ثمامة بن أشرس قال: شهدتُ مجلساً للمأمون وقد أُتِيَ برجل ادعى أنه إبراهيم الخليل. فقال له المأمون: ما سمعت بأجرأ على الله من هذا. قلت: إن رَأَى أمير المؤمنين أن يأذن لي في كلامه. قال: شأنك وإياه. قلت: يا هذا، إن إبراهيم عليه السلام كانت له براهين. قال: وما براهينه؟ قلت: أُضْرِمَتْ له النار وأُلقِيَ فيها فكانت عليه برداً وسلاماً. فنحن نُضْرِمُ لك ناراً ونطرحك فيها فإن كانت عليك برداً وسلاماً آمنّا بك وصدّقنَاك. قال: هات ما هو أَلْينُ من هذا. قلت: فبراهين موسى عليه السلام. قال: وما هي؟ قلت: ألقى العصا فإذا هي حية تسعى تَلْقَفُ ما يأفكون، وضرب بها البحر فانفلق، وبياض يده من غير سوء. قال: هذا أصعب. هات ما هو أَلْين. قلت: فبراهين عيسى عليه السلام. قال: وما براهينه؟ قلت: إحياء الموتى. قال: جئت بالطّامّة الكبرى! دعني من براهين هذا. قلت: فلا بدّ من براهين! قال: ما معي من هذا شيء. قلتُ لجبريل: "إنكم توجّهونني إلى شياطين فأعطوني حجة أذهب بها وإلا لم أذهب"، فغضب جبريل عليّ وقال: "اذهب أولاً فانظر ما يقول لك القوم"! فضحك المأمون وقال: هذا من الأنبياء التي تصلح للمنادمة! من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي. |
ما ضـَرَّنا شـيء
أكنت في خدمة السلطان صلاح الدين بمرج عيون قبل خروج الإفرنج إلى عكا. وكان من عادته أن يركب في وقت الركوب، ثم ينزل، فيمدّ الطعام، ويأكل مع الناس، ثم ينهض إلى خيمة خاصة له ينام فيها، ثم يستيقظ من منامه ويصلي، ويجلس خلوة وأنا معه نقرأ شيئاً من الحديث أو شيئاً من الفقه. فنزل يوماً على عادته، ومُدّ الطعام بين يديه، ثم عزم على النهوض لينام. فقيل له: "إن وقت الصلاة قد قرب"، فعاد إلى الجلوس وقال: "نصلي وننام". ثم جلس يتحدّث حديث متضجّر وقد أُخلي المكان إلا ممن لزم. فتقدم إليه مملوك وعرض عليه قضية لبعض الجند، فقال له صلاح الدين: أنا الآن ضجران. أخّرها ساعة. فلم يفعل، وقدّم الورقة إلى قريب من وجه السلطان بيده، وفتحها بحيث يقرأها. فوقعت عينه على الاسم المكتوب في رأسها فعرفه، فقال: رجلٌ يستحق. فقال المملوك: يُوَقّعُ المولى له؟ فقال: ليست الدواة حاضرة الآن. أخِّرها ساعة. قال المملوك: هذه الدواة في صدر الخيمة. وليس لهذا معنى إلا أنه يأمر السلطان بإحضار الدواة. فالتفت صلاح الدين فرأى الدواة، فقال: "صدقت."، وقام فأحضر الدواة ووقّع على الورقة. قلت له: قال الله تعالى في نبيه صلى الله عليه وسلم: (وإنك لعلى خلق عظيم). وما أرى المولى إلا قد شاركه في هذا الخلق. فقال: ما ضرّنا شيء. قضينا حاجته وحصل الثواب. من كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليُوسُفية" لبهاء الدين بن شَدّاد. |
ما علـى هـذا اتبعتـك
عن شداد بن السهاد رضي الله عنه: أن رجلاً من الأعراب جاء فآمـَن بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فكانت غزوة غنم فيها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقسم وقسم له، فقال الأعرابي: ما هذا؟ فقال قسمته لك. فقال: ما على هذا اتبعتك يا رسول الله، إنما اتبعتك على أن أُرمـَى ههنا - وأشار بيده إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة، قال: إن تصدق الله يصدقك. فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتيَ به إلى النبي محمولاً، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، أهو هو؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: صدق الله فصدقه. ثم كـُفن في جـُبـَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فصلى عليه، فكان مما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فـَقـُتـِلَ شهيداً، وأنا شهيد على ذلك. |
مـا معنـا أحـد
كان الخليفة الوليد بن يزيد يلعب الشطرنج مع عبد الله بن معاوية. فاستأذن عليه رجلٌ من ثقيف. فخشي الخليفة أن يستنقصه الضيفُ إذ يراه يلعب، فستر رقعة الشطرنج برداء، ثم أذن له بالدخول. فلما استقر بالضيف المجلس سأله الخليفة عن حاله، وقال له: أقرأت القرآن؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، قد شغلتني عنه أمور. قال الوليد: أفتعرف الفقه؟ قال: لا والله. قال: أتروي من الشعر شيئاً؟ قال: ولا هذا. فكشف الوليد عن الشطرنج وقال لعبد الله بن معاوية: دَوْرُك! فتردد عبد الله ونظر إلى الخليفة كالمتسائل، فقال الوليد: لا بأس علينا، فما معنا أحد! من كتاب "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" للزمخشري. |
الساعة الآن 11:11 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |