منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   شعراء من فلسطين (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=26512)

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:33 AM

الشاعر سالم جبران

نبذة
(1941)
"البقيعة - الجليل"
أعماله الشعرية :
  • قصائد ليست محدّدة الإقامة (دار الآداب، بيروت، 1970م).
  • كلمات من القلب (دار القبس العربي، عكّا، 1971م).
  • رفاق الشمس (دار الحرية للطباعة والنشر، الناصرة، 1975م).
البداية

سالم جبران يطلق الكلمة
سالم جبران في ديوانه الثالث رفاق الشمس * يستمر في عرض وطنيته الصادقة وإنسانيته الثائرة بكلمات جماعها الثورة والرفض ، وهو لا يجد متسعًا من وقته أو من ذاته لانتقاء العبارة ذات الإيحاءات أو الجمالية ، فشأنه أن يصل إلى الجمهور ، والجمهور بحاجة إلى شعراء يسجلون ألمه وأمله بطرق تعبير مختلفة كاختلاف مشارب الناس .
وأنا أرى أن الشعر على أصناف ، ولكل صنف رواده ومحبوه ، فكم من مستوى معروض في واجهات واقعنا ، وشاعر الزجل شاعر يألفه البعض بينما يمر عنه البعض ضاربًا كشحًا ، وشاعر يرقع العبارات أو يسرقها خلسة لا تكسد سوقه.
إذن فالمسألة أصعب من جعل الدائرة مربعًا ، وأنت المشتري ، فما هي خبرتك في الشراء أولا ؟
وسالم جبران لا إنكار أنه علم بين شعرائنا ، ويعود ذلك في حسباني لموقفه السياسي ، فهو يصف الواقع بجرأة.. بتحد ..وبعنفوان ، وهذه أضفت على شعره مسحة البطولة ، فهو إذ يقول :
" ابن العشرين يقاتل
وابن السبعين يقاتل
والتي مات أخوها
تنسج الصوت لمن قام مكانه
والتي مات فتى أحلامها
خرجت تحمل بارودته " (رفاق الشمس ص37)
لا يملك الفلسطيني إلا أن يحس فعل الشعر ، فليست القضية في نظره مفتقرة إلى خيال وإيحاء وجمالية ، بل إنها حكاية موت.
ومرة أخرى ، فإن حقل الأدب يتسع لجميع الأزهار ، وزهرة سالم سقاها من دم قلبه الغض أعوامًا وأعواما (رفاق الشمس ص 47).
وهي مطلة علينا رغم أنها تقول لنا كل شيء وتحكي لنا نثرًا ، وهي لا تعرف نصف الإضاءة أو الشفافية، إنما الجهارة المكشوفة .
وشعر سالم ليس على نسق فني واحد ، فهو إذ يصعد بنا يجعلنا نهبط بلا سابق تنبيه . يقول الشاعر :
" أبحث عن أغنية جديدة
عذراء خضراء
تمد راحتيها
عبر ليل الموت " (رفاق... ص30)
فهذا صعود وتحليق فيه نشوة الامتزاج وفيه لذة الاستكشاف والافتضاض *
ولكنه يقطع علينا رحلتنا الماتعة إذ يقول متابعًا :
" للعوالم السعيدة "
فهنا نحس ( أو أحس ) كأن حجرًا ثقيلاً يلقى ، فينغص علينا هذه العوالم من قبل أن نلقاها ...
ولننظر إلى قوله :
" أجمع أشلاء اللوز المذبوح على أطلال قرانا " (رفاق... 11)
فهنا نرى صورًا غنية بالفاجعة موقظة للضمير الإنساني ، وإذا بالشاعر يقول بعدها : " وأجادل "
وهاك مثلا آخر على أن الشاعر لا يعدم التركيز والكثافة ، لكنه سرعان ما يغير عليها مبسطًا ، وكأنه يفطن إلى مستوى معين بين جمهور القراء يريد الوصول إليه .
يقول الشاعر :
" عيون أطفالي عصافير تجيء دائما
ترف فوق السجن ثم ترتمي " (رفاق.... 21)
ولا يقف الشاعر عند هذه الروعة ، بل يضيف :
" راجعة فهكذا أوامر السجان "
ولا أدري ما ضرورة إظهار السجان هنا ، ألا يدعنا نتخيل لماذا تجيء العصافير وترتمي ؟
_ ربما لأساها عليه وعلى نكده .
_ ربما لأن الأب لا يستطيع أن يفعل شيئا ، والعصافير قاصرة ، وهذه صورة لتجسيم المأساة .
_ ربما لأن السجان أو السلطة تمنع اللقاء ، واحتمالات كثيرة أخرى تتلاقى في جو مأساوي أراد سالم إظهاره في كل كتاباته الشعرية بلا هوادة .
وسالم محارب كلمة ، يقف ضد الجراد (رفاق... 7) ، وضد التتار (رفاق... 52) ، وكما أن المحارب يطلق الرصاصة واضحة الهدف ، فهكذا يطلق سالم الكلمة :
" الموت لكل خائن حقود
براغ اطمئني أن حلف وارسو
يقسم لن يعود
لأرضك النازي " (رفاق.... ص 28)
وهو حقا يشعر أن الكلمة مقاتلة ، وهذا الشعور نلمسه في قوله :
" فالأغاني
سوف تحتل بين الرفاق مكاني
وتحارب عني " ( رفاق... 26)
فسالم مقاتل ومتفائل معًا ، والموت يرصد له ، وهو بقايا رجل ممزق الفؤاد والأعصاب (ص 78) ، لكنه يقول :
" دمي النازف مطر
لحمي المطحون سماد
وأنيني أهزوجة
الغد مرج سنابل
الغد عرس سنابل " (رفاق... ص 15)
وسالم أسوة بشعرائنا المحليين يمازج بين التفاؤل وبين رنة الأسى ، يرسمون المستقبل برغم الوصمة .
ويتميز في هذا الديوان بشيوعيته الحادة ، فهو يرفض الثورة الحمراء في أذهان المدعين من الأنبياء الكذبة الذين يتخذون مواضيع الثورة موضوعات للتلهي (ص 79) ، وهو يتعاطف في قصيدة طويلة مع الشفيع الشيخ أحمد السوداني (ص 67) ، كما يطلب أن نتخذ من فيتنام مثلاً لنا (ص 90) ، ونجد للأصداء السياسية وللأنباء آثارًا واضحة (ص 20 ، 27 ، 43 وغيرها ) .
ومن جهة أخرى فهناك بعض معالم الصوفية _ ولعل في هذه الظاهرة غرابة على الواقعية _ فمن الصوفية الجبرانية * يقول سالم :
" يخيل لي أنني ما ولدت
ولكنني كنت منذ الأزل
هنا بين الحواكير " (رفاق.... ص4)
ففي هذه القصيدة عصارة حبه لأرضه يقدمها باسترجاع طفولي وحلم ووعي تتداخل فيما بينها ، وهو إذ يفطن أن الجراد يمتص آخر نقطة ماء في حنجرته الظامئة فإنه يقول بنظرية الحلول في المقولة المشهورة " أنا من أهوى ومن أهوى أنا "
" لست أعرف اسما لهذا المكان
فهذا المكان أنا وأنا هذا المكان " (رفاق... ص8)
وثمة مثال آخر على الروح الصوفية رغم أن المعنى يدل على المرأة أكثر منه على الوطن :
" وأنا وأنت نذوب
شيئًا واحدًا بين الشجر " (رفاق... ص65)
وقصيدة " هذا المكان " أولى قصائد الديوان هي تطوير لقصيدة " حواكير الطفولة " التي نشرت في ديوانه ( كلمات من القلب ص75 ) ، فحتى النباتات التي يستعملها للدلالة على ارتباطه بالأرض ، وجو التفاؤل والعودة إلى الحلم ، كل هذه مشتركة بين القصيدتين .
وملاحظة أخرى أن الشاعر لا يتابع نفسه أحيانًا : ففي قصيدة " عطشان " (رفاق... ص57) يحمل الشاعر زجاجتيه ويبحث عن كأس وندمان ، فإذا ما وجد الكأس كانت الزجاجة قد كسرت ، وهذه ترمز إلى الخيبة ، ولو قرأنا هذه القصيدة وقارناها وقوله :
" جيراني غنوا شربوا
أكواب الخمر
حتى الفجر
وأنا وحدي يا عيد الميلاد " (رفاق....61)
فإننا لا نجد مبررًا ، وإن وجدناه فإن رموز الشاعر غير مستقرة لا تقدم صورة متكاملة ومتوائمة .
وظاهرة شكلية أخرى في إثبات عدم متابعة الشاعر نشره القصيدة في أكثر من ديوان :
_ قصيدة " حنين " كلمات من القلب ص 19
رفاق الشمس ص 58
(وقع تغيير واحد لاشتراء _ لشراء)
_ " في غرفة لينين " كلمات من القلب ص 99
قصائد ليست محددة ص 51
_ " أحب " كلمات من القلب ص 102
قصائد ليست... ص 53
وبعد :
فهذا سالم وجه صارخ متحد، هو من رواد التغيير والأدب أداة، لا يضيره إن وصفت كلماته بالنثرية أو التقريرية بالمباشرة أو الشعارات الخطابية، فإنه بصدقه وإيمانه بدور الكلمة يقول ما يقول... وحسبه أنه يصول ويجول.
------------------------------------------
* مجموعات سالم جبران هي :
1- كلمات من القلب _ مطبعة دار القبس ، عكا _ 1967
2- قصائد ليست محددة الإقامة _ مطبعة النهضة ، الناصرة 1972
3- رفاق الشمس _ دار الحرية للطباعة والنشر ، الناصرة 1975
* نماذج أخرى : أنا صمتي يكون مطلع القصيدة ص 32 ، عيناك مينائي ص 41
ومضات شعرية تشع بين أكوام من النثر المتمرد .
* أنظر مثلا : " رماد الأجيال والنار الخالدة " ( المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران العربية ص 45 )

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:33 AM

ما يشاء
كان الجليل ناسا
وتربة وخضرة وماء
وبعد أن حرمت أن أزوره
صار الجليل جنة
وناسه آلهة
وصار حتى ليلة ضياء
أقول للقياصر الصغار: ما أضعفكم
قد تحبسون خطوتي
لكن قلبي هائم في وطني
يزور أي بقعة يشاء
يفعل ما يشاء...

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:34 AM

الشبح
أشعر بالحزن وبالفرح
جميع أيامي التي مرت وأحلامي عن
المستقبل
ملفوفة ببعضها تطل لي
أشعر أن العمر ليل دامس
وأنه أجمل من قوس قزح
خرائب خلفي،
وأحلام أمامي تبتني القصور
وبين وعد ظل في عوالم الأمس ووعد لغد
من حيرة أدور
أشعر أن قلبي
في وحشة القبر... وفي نضارة الزهور
أشعر بالحزن وبالفرح
العالم الملموس في يدي ما أطيبه
وفي صميمي رهبة
من طلة الشبح

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:34 AM

الشاعر سميح القاسم

نبذة
يعد سميح القاسم واحداً من أبرز شعراء فلسطين، وقد ولد لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1929، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي.
سجن القاسم أكثر من مرة كما وضع رهن الإقامة الجبرية بسبب أشعاره ومواقفه السياسية.
شاعر مكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.
كتب سميح القاسم أيضاً عدداً من الروايات، ومن بين اهتماماته الحالية إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما يحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
مؤلفاته :
1- أعماله الشعرية:
مواكب الشمس - أغاني الدروب - دمي على كتفي -دخان البراكين - سقوط الأقنعة - ويكون أن يأتي طائر الرعد - رحلة السراديب الموحشة - قرآن الموت والياسمين - الموت الكبير - وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم - ديوان الحماسة - أحبك كما يشتهي الموت - الجانب المعتم من التفاحة، الجانب المضيء من القلب - جهات الروح - قرابين - برسونا نون غراتا : شخص غير مرغوب فيه - لا أستأذن أحداً - سبحة للسجلات - أخذة الأميرة يبوس - الكتب السبعة - أرض مراوغة - حرير كاسد - لا بأس سأخرج من صورتي ذات يوم .
السربيات:
إرَم - إسكندرون في رحلة الخارج ورحلة الداخل - مراثي سميح القاسم - إلهي إلهي لماذا قتلتني؟ - ثالث أكسيد الكربون - الصحراء - خذلتني الصحارى - كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه .
أعماله المسرحية:
قرقاش - المغتصبة ومسرحيّات أخرى
الحكايات:
إلى الجحيم أيها الليلك - الصورة الأخيرة في الألبوم
أعماله الأخرى:
عن الموقف والفن / نثر - من فمك أدينك / نثر - كولاج / تعبيرات - رماد الوردة، دخان الأغنية / نثر - حسرة الزلزال / نثر .
الأبحاث:
مطالع من أنطولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام / بحث وتوثيق .
الرسائل:
الرسائل/ بالاشتراك مع محمود درويش .

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:35 AM

في حوار مع الشاعر الكبير سميح القاسم
حوار: الشاعر طلعت
الإنسان الضعيف تسكره النجومية وتفقده القدرة على الاتزان تتفاوت أدوات التعبير بتفاوت الزمن والتجربة هناك نقاد ساعدوني على معرفة ذاتي، أعني النقاد الذين لم يقتصر نقدهم على المعنى آمنت دائماً أن الدراما هي عنصر جوهري وأساسي في العمل الشعري في طفولتي عايشت مناخات وأجواء متعددة ومدهشة لا يتحول الشاعر إلى رمز إلا من خلال قصيدته الحضور الأساسي للقصيدة وليس للشاعر أحبُّ المغامرة الفنية وأمارسها بكامل حريتي وكان الشعر عنقود فرح.. كان صرخة غضب.. وكان كما قال روزنتال: «إن الحياة التي تخلو من الشعر لهي حياة غير جديرة أن تعاش»، أو كما قال جان كوكتو: «الشعر ضرورة ويا ليتني أستطيع أن أعرف لماذا» أو على رأي سومرست موم: «الشعر هو تاج الأدب، هو غايته ومنتهاه. إنه أرقى فعل يقوم به العقل البشري».. وكان لابد من لقاء الشاعر الكبير سميح القاسم ـ حاورته يوم الأحد 19/11/2000 ـ الشاعر الذي أعطى الشعر صفوة الروح والعمر، فانتصبت القصيدة شجرة عطاء لا ينضب..
ربما يبقى القول الأوجز في تعريف الشاعر الإنسان، والشاعر الصديق سميح القاسم، متمثلاً في أنه لا يبرح الشباب وعنفوان الإنسان الممتلئ بالحيوية والمرح والأمل، ليكون شاعر المقاومة ورئة الكلمة الصامدة.. ويطول الحديث مع الشاعر الكبير سميح القاسم.. أقرأ من دفتر شعره:
طعام الشهيد يكفي شهيدين
يا أمنا الريح .. يا هاجر المتعبه
أعدي الطعام القليل لأبنائك العائدين على عربات المنافي
خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة
قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي..
إنهم متعبون جياع
أعدي لهم وجبة من بقول الخراب
أعدي كؤوس العذاب
وإبريق أحزانك المرعبه
سيجمعنا الخبز والملح عما قريب
وتجمع أشلاءنا لقمة العودة الطيبه
وأفتح دفتر أمسية شاعرنا سميح القاسم التي امتد فيها الحضور دالية شغف.. ويحدثني عن علاقته الجميلة بالجمهور، عن القصيدة التي تشعل فتيل التواصل، فيكون الشعر أغنية ممتدة من الأعماق للأعماق..
وإذا أردنا أن نوجز في التعريف عن شاعر مثل سميح القاسم نقول إنه عرف بمقاومته الدائمة للاحتلال الإسرائيلي، وسجن مرات عديدة، وفرضت عليه الإقامة الإجبارية والاعتقال المنزلي وطرد من عمله عدة مرات بسبب نشاطه الشعري والسياسي.. اشتغل معلماً وعاملاً وصحفياً.. أسهم في تحرير «الغد» و «الاتحاد» ثم رئس تحرير مجلة «هذا العالم» عام 1966، ثم عاد للعمل محرراً أدبياً في «الاتحاد» وسكرتيراً لتحرير «الجديد» ثم رئيساً للتحرير.. وأسس منشورات «عربسك» في حيفا مع الكاتب عصام خوري عام 1973، وفيما بعد أدار «المؤسسة الشعبية للفنون» في حيفا.. وهو اليوم رئيس مجلس إدارة تحرير «كل العرب» الصادرة في الناصرة، ورئيس تحرير الفصلية الثقافية «إضاءات»..
صدر له أكثر من أربعين كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة.. وصدرت أعماله في سبعة مجلدات عن ثلاث دور نشر في القدس وبيروت والقاهرة.. ترجم عدد كبير من قصائده إلى الانجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية ولغات أخرى.. حصل على الكثير من الجوائز عن شعره منها «غار الشعر» من اسبانيا، وجائزة البابطين للإبداع الشعري.. وأسأل..
l بعيداً عن المقدمات المعروفة في الأسئلة، أدخل مباشرة إلى صلب الموضوع لأطرح موضوعة تقول كيف ينظر سميح القاسم إلى مسيرة شعره.. ليتك تستحضر الناقد عندك؟؟..
ll يجوز القول إن الشاعر هو أفضل ناقد لنتاجه، وهو أسوأ ناقد لنتاجه في الوقت نفسه.. أميل إلى إعفائي من الحالتين.. لكن استجابة لإلحاح سؤال كهذا أستطيع القول أو التحدث عن الأمور العائمة على السطح، كتحول القصيدة من الإيقاعات الحادة والألوان الزاهية والقوية في مرحلة الصبا والشباب، إلى حالة التداخل الإيقاعي والتداخل اللوني.. خفوت الصوت بعض الشيء واقتحام ألوان الشك لمواقع اليقينية المطلقة التي تميز روح الشباب.. لكن يبقى هناك الخط السري الذي يصل بين القصائد الأولى والقصائد الجديدة بدون شك.. بكلمات أخرى تتفاوت أدوات التعبير بتفاوت الزمن والتجربة وتراكم معرفي ووجداني هو من طبيعة الحياة.. ويبقى الهاجس الأساسي، هاجس الحرية والعدل الإنساني، بحيث يشتبك السياسي بالوجداني بالمجرد بالمطلق، والشك باليقين.. هذه سمة تجربتي بخطوط عريضة بين الأمس واليوم..
l تأخذني هنا للسؤال عن النقد والنقاد.. كثيرون تناولوا شعرك.. تجربتك الشعرية درست بغزارة.. هل وصل النقاد إلى العمق.. ماذا أخذت من هذا النقد، ما رأيك فيه؟؟
ll هناك نقاد ساعدوني على معرفة ذاتي بدون شك وأعني النقاد الذين لم يقتصر نقدهم على المعنى، ولا على الخطوط العريضة في الشكل، بل تعمقوا في هذه التجربة واستشفوا أموراً تتصل بالذات بالسايكولوجي، باللغة.. وعلى سبيل المثال فوجئت بدراسة كبيرة من ناقدة وباحثة أمريكية هي الأستاذة تيري دي يونك التي كتبت دراسة عميقة وهامة بعنوان «سميح القاسم وتحديث الجناس» حيث نظرت في تحديث الجناس العربي في قصيدتي، وبهذا لفتت نظري إلى مسألة كنت أعيشها دون أن أنتبه لها، وهي مسألة المحاولة المستمرة لتكوين حداثة على أسس تراثية أصيلة، حداثة لا تتنكر للماضي، ولا تتقزم أمام حداثة الآخر الغربي أو الأجنبي، لكن تكون ذاتها من خلال التجربة في سياق عملية الكتابة وبالرجوع بقدر كبير من الحب والحنين إلى مقومات فنية متوفرة في تراثنا بشكل ملحوظ..
l في شعرك دراما.. لنقل هناك إصرار على محاورة الذات الخارجة عن الذات الشاعرة، أي ذات المتلقي.. هذا يشدّ السامع أو القارئ؟؟
ll آمنتُ دائماً بأن الدراما هي عنصر جوهري وأساسي في العمل الشعري، وقد يعود ذلك إلى بدايات ثقافتي الشعرية، قد يعود ذلك مثلاً إلى مغني الربابة الذي سمعته في بيت جدي، وتتبعت أداءه عبر وجو الحضور.. أيضاً أنا أحب المسرح، وقد كتبت المسرح من وقت لآخر. فمن الطبيعي أن يكون العنصر الدرامي قائماً، وهي مسألة أشار لها معظم النقاد الذين كتبوا عن تجربتي.. نعم إنه شديد الحضور في قصيدتي.. والعنصر الدرامي حتى في صيغة المونولوج يفترض ويستدعي الآخر..
l ألاحظ أن قارئك ومستمع شعرك يعيش فسحة الشعور بأنه كاتب القصيدة، مشارك في صياغتها، كأن القصيدة تنبع منه هو.. ألا تطرح هذه النقطة تساؤلاً؟؟..
ll أنا معك في ذلك.. هنا تدخل نظرية التقمص.. وهي نظرية بدون شك تنبع من خلال تراث الموحدين وقد كان لي أن نشأت في بيئة مدهشة في تنوعها وتعدديتها.. نشأت بين جد فقيه علامة في شؤون الدين وجد علماني حداثي بشكل متطرف.. في الحقيقة في طفولتي عايشت مناخات وأجواء متعددة ومدهشة في رحابتها وفي ثرائها، وهذا بطبيعة الحال انعكس أيضاً في تجربتي، وهذا ما ساعدني بعض النقاد على رؤيته من أنني أستفيد كثيراً من الرموز الدينية القرآنية والتوحيدية والمسيحية وحتى من البوذية ومن ديانات قبائل الإنكا.. قصيدتي بالطبع لا تستطيع أن تكون إلا علمانية كصاحبها، لكن لم تجد هذه القصيدة غضاضة في وجود هذا التداخل، هذا التنوع الجميل في رأيي بين القرآن الكريم وأبي ذر الغفاري وكارل ماركس وابن خلدون.. جمعت ما يبدو مجموعة من التناقضات، لكن هذه التناقضات وجدت صيغة من التناغم، من التعايش، من خلال تجربتي..
l هناك شعراء يتحولون إلى رمز، أنت واحد منهم..
ll لايتحول الشاعر إلى رمز إلا من خلال قصيدته.. في الحقيقة الشاعر يستفيد من «قصيدته» في هذا.. الحضور الأساسي للقصيدة وليس للشاعر.
l ربما أشير هنا إلى هذا التواصل والتماهي الحميم بينك وبين الجمهور.. ومن ثم فالشاعر هو صاحب القصيدة؟؟..
ll أولاً أنا سعيد بهذا التواصل الحميم بين قصيدتي والجمهور.. وهذه المشاركة تنجم أيضاً عما يجوز تسميته بالتماهي بين ذاتي وذات الآخر.. هناك شيء من التماهي لم أخطط له.. لكن كما يبدو من ردود الفعل على هذه القصيدة يبدو أن هناك تماهياً إنسانياً ووجدانياً وفكرياً أيضاً بيني وبين عدد كبير من الناس..
l في سنوات مضت اعتبرت غزيراً في نتاجك، ثم بدأت في الإقلال والتأني.. برأيك ما هو سبب التحول إلى الإقلال؟؟
ll أعتقد أن هناك خطأ بصرياً في الشطر الأول من عمري، ربما كنت أكتب القصائد بالمقاييس العادية وبتوهج الشباب.. كل قضية تصادفني تتفجر من خلال قصيدة.. بمرور الزمن تصورت لدي صيغة السربية أو المطولة حيث ظهرت سربيتي الأولى «إرم» لكن لم أعتمدها شكلاً أساسياً إلا في العقدين الأخيرين.. وهذا الشكل من المطولات الشعرية السربيات التي تقوم على التداعي ولا تقوم على وحدة الشكل، تقوم على تعددية الحالات واللمحات والإيقاعات والأشكال، لكن ينتظمها هاجس واحد أساسي من بدايتها حتى نهايتها مع تشعبات واستطرادات كثيرة في الشكل وفي المضمون وفي الصور. هذا هو الشكل الذي أسميته بالسربية والذي كما يبدو استراح له عدد من الشعراء، من أصدقائي الشعراء، ومنهم شعراء كبار تبنوا هذا الشكل وكتبوا به.. لذلك أصبحت عناويني أقل غزارة.. لكن العمل الشعري حافظ أو ربما صعد من وتيرته..
أقرأ هنا في كتابك الشعري الجميل:

تقدموا.. تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا..
يموت منا الشيخ والطفل
ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلم..
تقدموا..
بناقلات جندكم..
وراجمات حقدكم
وهددوا..
وشردوا..
ويتموا..
وهدموا..
لن تكسروا أعماقنا
لن تهزموا أشواقنا
نحن قضاء مبرم..
l من قصيدتك «رسالة إلى غزاة لا يقرؤون».. أسأل: الانتفاضة كتبها سميح القاسم بتميز.. ماأثرها على أدبك بشكل عام، وعلى أدبنا الفلسطيني بامتداده؟؟..
ll هناك نقاد كثيرون بحثوا عن إرهاصات الانتفاضة في قصائدنا، في الشعر العربي الفلسطيني، وألمحوا إلى مقاطع وإلى أبيات وإلى قصائد كأنما بشرت بالانتفاضة وحرضت عليها، وهذا اقتراح مشروع ومبرر عند الناقد.. لكن الانتفاضة الأولى لم أكن مراقباً فيها بل أتيح لي أن أشارك في بعض فعالياتها. لذلك قصيدة «رسالة إلى غزاة لا يقرؤون» كانت من قلب الحدث وعرفت بشكل واسع..
l أعتقد أنها قصيدة الانتفاضة، وأنها أول قصيدة عن الانتفاضة؟؟
ll كانت أول عمل شعري متكامل كتب في قلب الانتفاضة، وبدأت إيقاعاته على إيقاع قنابل الغاز والرصاص المطاطي والشظايا التي كانت تتطاير من حولي في القدس.. إيقاعاتها بدأت هناك.. أخذت إيقاع الشارع وإيقاع المظاهرة ورائحة الغاز المسيل للدموع التي دخلت رئتي.. كأنما كل هذه الأمور كتبت نفسها في هذه القصيدة.. رغم البساطة الظاهرية والمباشرة الفنية الموجودة فيها دون شك..
l إنها من نوع الشعر الذي نطلق عليه تسمية السهل الممتنع؟؟
ll قد تكون تسمية السهل الممتنع هي التسمية الأدق نعم.. بحيث يعتقد كل قارئ أنه يستطيع أن يكتبها، ولكن اكتشفت أنا شخصياً أنني لا أستطيع أن أكتبها مرة أخرى.. لا أستطيع أن أكتب مثلها مرة أخرى.. هذه القصيدة لم تكن من خارج الانتفاضة، بل كانت من داخلها وكانت إيقاعها وكانت لحمها وكانت دمها، لذلك بقيت وترددت كثيراً.. هي قصيدة الانتفاضة بالفعل.. في كل أمسية شعرية أطالب بقراءتها، أحياناً أشعر بضيق، أريد أن أقرأ شيئاً جديداً مختلفاً، ويصر الجمهور على قراءتها.. أحياناً أدعي أنها ليست معي لأتهرب..
l لكن لا تنسى أن الجمهور صار يحفظها.. فهو يردد معك ما تقرأ حين تقرأها..
ll نعم حين أقرأ هذه القصيدة يرددون معي.. نعود لشعر الانتفاضة بشكل عام.. ليس بالضرورة أن كل ما يكتب عن الانتفاضة هو شعر جيد، وليس بالضرورة أن يكون الموضوع العادل والجميل والجيد كافياً لتبرير قصيدة. هناك قصائد جيدة كتبت عن الانتفاضة، وهناك قصائد رديئة كتبت عن الانتفاضة. الانتفاضة تحولت إلى هاجس ليس في الشعر الفلسطيني فحسب بل في الشعر العربي ككل، لأنها تحولت من حدث سياسي إلى هم قومي ووطني وإنساني.. فوجئت في بلجيكا بشاعر يقرأ لي قصيدة عن الانتفاضة باللغة الفرنسية، فوجئت بألمانيا بشاعر ألماني يقرأ لي قصيدة عن الانتفاضة بالألمانية.. فوجئت في أكثر من بلد أجنبي بشعراء وشاعرات كتبوا قصائد بعنوان «انتفاضة» لفظ الكلمة بالعربية وبحروف أجنبية..
l قد أقف هنا عند نوع من الأدب الإسرائيلي الذي كتب عن الانتفاضة.. ماذا نقول عن هذا الأدب أو هذا النوع؟؟
ll ليس لدي قدر كاف من العنصرية بحيث أنفي الصدق عن كل ما كتب، قد يكون هناك شاعر عبري شعر بالفعل بالإهانة من تصرفات دولته وجيشه وشرطته واستفذ وكتب قصيدة صادقة، قد يكون ذلك.. لكن على العموم تظل الكتابة العبرية بمعظمها نوعاً من تبرئة الذمة، تسجيل موقف، ولم يزل هناك وقت حتى يتحول الإنسان الفلسطيني والإنسان العربي إلى هم حقيقي أو إلى نقطة قلق عند الكاتب الإسرائيلي.. ما زال يكتب بفكره وبآرائه وأشك في أن يكون الإنسان العربي قد تحول إلى هم وجودي عند الكاتب العبري..
l قيل الكثير عن الأدب المقاوم، لن أدخل في التوصيفات الجاهزة.. لكن هناك من رأى بشيء من الغباء ربما أن الأدب المقاوم كله سيطير بنفخة حين يحل السلام.. أصر على أنه رأي عجائبي.. لكن هنا أريد أن أسألك ماذا تقول عن هذا الأدب حاضراً ومستقبلاً؟؟.
ll لنقل لهذا الرأي العجائبي أولاً ليسترد شعبنا حقوقه وليطر أدب المقاومة في الهواء!!.. نحن لم نطلب النكبة ولم نطلب النكسة ولم نطلب الكوارث لنقاومها ولنكون شعراء مقاومة.. وثانياً نحن لم نطلق على أنفسنا شعراء المقاومة أو أدباء المقاومة التسمية أطلقت علينا من الخارج ونعتز بهذا اللقب، وأولئك الذين يقفون هذا الموقف من أدبنا هم محرجون، نظروا لنوع آخر من الأدب ولم تقدم نظرياتهم إبداعاً استحق الحياة أو استحق الوجود، بالمقابل ظهرت ظاهرة شعرية وأدبية أقبل عليها الشعب العربي والقارئ العربي وعانقها وأحبها واحتضنها وحفظها عن ظهر قلب، لذلك اعتبروا هذا الأدب كأنما هو صخرة تحطمت عليها أمواجهم وتطايرت عليها رذاذاً.. أنا مع تعايش التجارب الأدبية، ليبدع كل من شاء كيف شاء، لا أضع مواصفات للشعر ولا للنثر ولا للنقد، أقول قصيدتي كما يقولها زملائي، بتجربتنا، بطاقتنا الفنية، بوعينا وبوجداننا، ونتابع الحياة كما ينبغي أن نتابعها، ولكن كما يبدو فإن السلام والحرب معاً لا يستطيعان محو وجدان شعب وذاكرة شعب، نرجو أن تنتهي الانتفاضة إلى نصر وألا يضطر شعبنا إلى الانتفاض على الاحتلال طبعاً من خلال زوال الاحتلال.. لكن أعتقد أن جمهور الشعر العربي سيحن دائماً إلى نماذج كثيرة من شعر الانتفاضة وسيحفظها عن ظهر قلب بمثل ما يحفظ صورة جده وجد جده، مضى الأجداد من العالم ومازالت صورهم في قلوبنا وفي منازلنا وفي دفاترنا وفي مكتباتنا، لذلك أعتقد أن التعامل النقدي مع هذه التجربة يجب أن يكون أرقى وأكثر صدقاً وبعيداً عن العقد الذاتية والإحباطات والشعور بالقزامة أمام هذه التجربة أو تلك..
l حبك للتجديد واضح جلي في شعرك ونثرك.. ما مفهومك للتجديد من جهة وللحداثة من جهة أخرى؟؟..
ll أنا بطبعي ملول، هذا ينعكس على تجربتي.. لا أحب التكرار، أحب المغامرة الفنية وأمارسها على مزاجي وبكامل حريتي وأحترم حس الآخرين بالمغامرة الفنية.. لذلك من الطبيعي أن يلتقي في تجربتي المناخ الكلاسيكي بالمناخ الحديث، السريالية بالواقعية الاشتراكية.. هذه شخصيتي في الحياة..
l أخيراً أنت من الأسماء القليلة جداً التي عرفت بشكل واسع لتكون نجماً.. أسأل ما تأثير النجومية على شعرك وأدبك.. ألا تشعر بأن حب الناس يحاصرك ويطالبك بالمزيد دائماً؟؟..
ll تسمية النجومية تسمية من خارجنا.. أما تأثير هذه «النجومية» ـ أصر الشاعر سميح القاسم على وضعها بين قوسين ـ فربما لاشيء، فهي لا تؤثر على القصيدة وعلى السلوك الشخصي.. برأيي فقط الإنسان الضعيف، ضعيف الشخصية، تسكره النجومية وتفقده القدرة على الاتزان.. الأمر الأساسي عندي هو هذا الاكتشاف الجميل لأصدقاء لقصيدتي، في كل مكان أذهب إليه هناك أصدقاء محبون أوفياء لهذه القصيدة وهذا عزائي الوحيد..

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:36 AM

وتبقى القصيدة طائر العمر ونسمع من الشاعر القاسم:
هلا .. يا هلا
إلى عرسنا .. أولاً ..
إلى شمسنا .. أولاً ..
إلى قدسنا .. أولاً ..
هلا .. يا هلا ..
بأبيض
أسود
أخضر
أحمر
طعام الشهيدة يكفي شهيدين
والله أكبر
الله أكبر
الله أكبر..

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:36 AM

الشاعر سميح القاسم أحمد علي الزين: لا أعرف من أين أبدأ كي أصل, الآن هنا وليس لديّ خريطة كما يفعل السائح، أو كما يفعل عالم الآثار، ولست مستشرقاً أبحث عن مصادر اللغات القديمة، ولست مستوطناً حملته الوكالة بين البضائع المشحونة من الغرب تكفيراً عن ذنب. أذكر كأني عبرت هذه الحدود مرة إلى الجليل, أو أنّ أبي فعل ذلك ليفي بنذر أو أمانة أو في مقايضة الزيت بالحرير، الآن هنا الشجر الدهري دليل قاطع على أنّي لم أضل الطريق, وإن عملت أيادٍ سود على إبادته ومحت معالم الدرب والقرى, الآن هنا ولكن أمام الشريط كأني أبحث عن ظلّي في يومٍ غائم, كان ينبغي أن نلتقيه هنا في بيته, ولكن هذا يستدعي أن نبدأ كل شيء من جديد, أن نمنع مثلاً حدوث "سايكس بيكو" أو أن نستهلّ أعمارنا من البداية ونمنع رسم الحدود، ونعترض سفن الوكالة، وجيوش الغزو، أو أن ننتصر ولو في حرب واحدة أو أن تكون الخسارات أقل فداحة, ولكن كلّ هذا لم يحدث فكان أسهل عليه قليلاً أن يقوم بزيارة لأهله على الضفة الأخرى خارج البلاد. أستاذ سميح القاسم بدايةً لمنع الالتباس فقط إنّو هذه العكازة التي تتكئ عليها هي مش نتيجة للزمن ووطأة العمر, أتت نتيجة حادث مرور على ما أعتقد.
القصيدة عكّاز الروح
الشاعر سميح القاسم: نعم نحن نقول العصا لمن عصى, لكن هذه العصا بالذات هي نتيجة لحادث طرق صعب، لكنه أقل صعوبة من حوادث التاريخ التي يتعرض لها الشعب والوطن والأمة في هذه المرحلة. والتي تستدعي عكازاً من نوع آخر, عكازاً سرياً ربما هو عكاز الروح.
أحمد علي الزين: عكاز الروح كلام جميل, وهذه العكاز.. يعني عكاز الروح هي الحافز اللّي بتخليك تصرخ على طريقتك عبر القصيدة؟
الشاعر سميح القاسم: لعلّ القصيدة هي عكاز الروح.
أحمد علي الزين: لعل القصيدة هي عكاز الروح, يعني لازم نسألك مثل ما بيسألوا الغيّاب بعضن, إنه كيف تركت فلسطين؟
الشاعر سميح القاسم: المألوف هو الإجابة بالقول: بألف خير, لكن لا أحب مجاملة المألوف, لأنّ المألوف في غاية التعقيد والصعوبة, لسنا بخير في هذه الأيام, وتعلمون أنّ شعباً عربياً بأسره يتعرض للاجتياح والقتل والدمار والقمع لا لسبب سوى أنّه يشتهي ما يشتهيه كل إنسان من معاني الحرية, والكرامة الوطنية, والقومية, وحقوق الإنسان, والديمقراطية, والعدالة التي يتغنّى بها أعداء شعبنا, وأعداء جميع الشعوب.
أحمد علي الزين: يعني بدايةً سميح القاسم عبر الحدود إلى البيوت العربية, عبر القصيدة اللّي ما بتستدعي جواز سفر، الناس بيعرفوك شاعر المقاومة شاعر فلسطين شاعر القضية، يعني حبذا لو نعرف الوجه الآخر لسميح القاسم يعني البدايات الأولى اللّي هي بلشت قبل النكبة الأولى قبل 48 يعني كيف أتيت إلى هذه الرحلة الطويلة؟
الشاعر سميح القاسم: أريد أن أوضح قلقي وعدم ارتياحي لوضعي في خانة إقليمية ضيّقة، أعتز بأن أكونَ كما ذكرت.. تفضلت شاعر فلسطين, وشاعر القضية, والمقاومة, لكن حين تعود إلى أعمالي الشعرية ستكتشف أنّ وجعي ليس إقليمياً, ليس فلسطينياً فحسب لدي وجعي اللبناني ووجعي العراقي ووجعي
أحمد علي الزين: الإنساني.
الشاعر سميح القاسم: القومي ووجعي الإنساني أيضاً. إذاً اسمحوا لي أن أحتج أيضاً على مفاهيم سايكس بيكو في الثقافة.
أحمد علي الزين: الصورة يا ابن عمي عاجزة أن تجعلني أهتدي إلى البيوت ثم الصورة اليوم غيرها القديمة في حقيبة الشتات الآن هنا أعيد الشريط من أوله وذاكرتي من أولها أعيد التأمل في الطريق نحو أهلي القدماء نحو موطئ الأنبياء والرعاة ولا أصل إلا في الكتاب ولو وقفت على قمة جبل متاخم لمرمى الحدود مشرفٍ على غابة الزيتون على ظل فتى لاستطعت المقارنة بين الصورة والأصل وتعلم ليست بعيدة البلاد التي حفظناها في قرانا النائية ولكن رغم ذلك لم أصل.
أحمد علي الزين: بكونك عشت التجربة بكل آلامها..
الشاعر سميح القاسم: نعم.
إسرائيلي والحق على العرب
أحمد علي الزين: وبكل أوجاعها يعني هذا يستدعيني أو بحفزني أسأل سؤالاً آخر هو الازدواجية بكونك مستلب الهوية الحقيقة، هويتك الحقيقية، وتحمل جنسية أخرى تعبر بها الأمكنة يعني على ما أظن أنك تعيش آلام هذه الازدواجية كيف تغالب هذه الآلام؟
"هويتي لا يقررها مجلس وزراء أو شرطة أو وزارة داخلية وكما قلت مراراً جواز سفري هو قصيدتي وهويتي غير قابلة للحوار وللنقاش وللمساءلة "
الشاعر سميح القاسم: ستكون إجابتي مستفزة بعض الشيء فاعذروني كنت أتمنى على 300 مليون عربي أن يكون لديهم وضوح الهوية الذي أتمتع به، هويتي لا يقررها مجلس وزراء أو شرطة أو وزارة داخلية وكما قلت مراراً جواز سفري هو قصيدتي وهويتي غير قابلة للحوار وللنقاش وللمساءلة أنا ابن هذه الأمة وابن هذا الوطن، أرفض التجزئات المفتعلة، أرفض مشروع سايكس بيكو في السياسة، وفي الجغرافية، وفي الثقافة، وفي الفكر، وفي كل شيء، وأرفض محاولات تغريبي الفكري والروحي، ومحاولات محو ذاكرتي العربية الفلسطينية والمقدسية إذا شئنا، لكن هذا الصراع يظل في السياسة يظل خارج الروح والوجدان، لن تقوى أية قوة غاشمة وظالمة خارجية وداخلية على محو هذا الالتحام العميق والأصيل، والعفوي بين جسدي وروحي ووطني وأمتي، وإنسانيتي، والهوية التي تحركني وأحتمي بها وتحتمي بي أحياناً.
أحمد علي الزين: ولكن هو أنا مش اتهام أنك تحمل يعني جنسية إسرائيلية؟
الشاعر سميح القاسم: نعم أنت تتعاطف معي أنا أعرف..
أحمد علي الزين: مش اتهام ولكن مجبر أخاك لا بطل، ربما الخيار الآخر أنك تترك وتغادر ربما يكون أكثر مرارة وشفنا يعني..
الشاعر سميح القاسم: نعم أنا رفضت وتعلمون أني رفضت بأي شكل من الأشكال أن أغادر وطني وبصراحة مُتناهية لو خيرت بين أن أدمغ على جبيني وعلى أي مكان من ظهري بنجمة داود، وبين البقاء في الوطن فسأبقى في الوطن مدموغاً ولن أغادر الوطن لأن الفيزياء السياسية والتاريخية لا تقبل الفراغ أيضاً ورحيلي يعني استقدام قادم جديد من روسيا أو من أثيوبيا أو من أي مكان آخر ولدي وطن جميل وقرية فاتنة وبيت أيضاً يطل على البحر المتوسط وعلى بحيرة طبريا فلا أستبدل هذا البيت بالبيت الأبيض، وبيتي هو أبيض لكنه أصغر من البيت الأبيض في واشنطن لكني لا أستبدل هذا البيت بأي مكان في العالم.
أحمد علي الزين: طيب يعني هذا الوعي المبكر عندك يعني هذا الوعي هو أتى نتيجة ضرورة كفاحية أنه بقاءك داخل الأرض المحتلة مُجدي أكثر من غيابك؟
الشاعر سميح القاسم: حين حدثت النكبة كنت في الثامنة أو في التاسعة من العمر، لكن الذي فتح وعيي على هذه المسألة كان أحد أجدادي الذي قال لابنه المحامي القادم من دمشق للترحيب بالعائلة حين تذهب إلى دمشق قال له والده الشيخ المرحوم حسين علي أسعد الحسين أنا أعتز بهذا الشخص قال له موت في الوطن ولا حياة في الغربة.
الشاعر سميح القاسم:
حمامٌ مقيمٌ على سطح داري
غمامٌ جديدٌ على شُرفات النهارِ
سلامٌ على غضب العمرِ
يوماً فيوماً وشهراً فشهرا وعاماً فعاماً
سلامٌ على قرحتي وليالي انتظاري
سلامٌ على نكبتي وعلى نكستي وانكساري
سلامٌ على فرحتي بانتصاري
بخفق الخطى العائدات إلى البيت
في تعتعات الطريق وعزف المسار
وبعد المزار
أحمد علي الزين: الآن هنا لا بأس سأتخيل أنني عبرت الحدود في نهار ربيعي تسللت بين الشجر، تماهيت بظله استعنت ببعض القصائد والحكايات التي حفظناها صغاراً في الصباحات النائية، وببعض خرائط الثوار القدماء سأتخيل أنني في الطريق تلتبس عليّ اللغة ويلتبس عليّ صوتي حين أسأل العابرين أو أتخيل ذلك، أسألهم عن سور قديم وبيت وشرفة وشجرة ياسمين. أعلم أن الصور القديمة التي حُملت في حقائب الشتات هُدمت قاماتها الأصل ولكن تقول لي قامات أهلها وإن حنا بعضها أمام الزمان تميل نحو ترابها الأحمر وجذورها المتفرعة تحت الصخور. أما الصورة الأكثر غوراً في القلب والوجدان هي تلك الجموع التي تودع الجموع على الأكف إلى ترابها وتعود لتعيد بناء البيت وغرس شجرة الود للوليد القادم أما الحكمة تقول مجنونة هي الجزيرة التي تعادي المحيط.
ثمن البقاء في الأرض
أحمد علي الزين: أستاذ سميح يعني نتيجة هويتك أو الجنسية اللي بتحملها يعني مفروض تقوم ببعض المساومات أو بعض التنازلات يعني حتى تكون حياتك يعني أقل مرارة؟
"أختار البقاء في الوطن أنا على استعداد لدفع الثمن الكامل مُقابل هذا البقاء، وأنا أنتظر اللاجئين أنتظر المُشردين ولا أريدهم أن ينتظروا "
الشاعر سميح القاسم: اصطدمت ببعض الحالات في بعض الأقطار العربية مثلاً بذريعة أن استضافتي في هذا البلد أو ذاك يجب أن تسبقها إجراءات للالتفاف على جواز السفر الرسمي أو الأوراق الثبوتية الرسمية، لكنني دائماً أصر على رفض هذا التوجه، هذه الحالة الاستثنائية لم أخترعها أنا، فُرضت عليّ وأنا أحمل أشقائي العرب مسؤولية كبيرة فيما أصاب طفولتي وأرفض أن يزاود عليّ أحد أرفض رفضاً قاطعاً أن يزاود عليّ أحد من المحيط إلى الخليج، أنا أختار البقاء في الوطن أنا على استعداد لدفع الثمن الكامل مُقابل هذا البقاء، وأنا أنتظر اللاجئين أنتظر المُشردين ولا أريدهم أن ينتظروا.
أحمد علي الزين: جميل، طيب السلطات الإسرائيلية وقت يعني إذا أردت أن تغادر إلى مكان ما، أحياناً تتدخل أو تمنعك يمكن حدث ذلك أكثر من مرة منعتك؟
الشاعر سميح القاسم: نعم، نعم منعت مثلاً من زيارة لبنان وخيرت بين أن أزور لبنان وأبقى في لبنان في أحد المخيمات في لبنان، وبين عدم السفر فاخترت عدم السفر أُجبرت على عدم السفر إلى لبنان لأن المسألة وضعت أمامي بهذا الشكل إذا سافرت فلا يوجد لك مجال لك بالعودة.
أحمد علي الزين: وشو خشيتهم كانت؟
الشاعر سميح القاسم: يخشون التواصل شكلاً خاص ليس مع جميع الآخرين ربما بشكل خاص.
أحمد علي الزين: مع اللبنانيين؟
الشاعر سميح القاسم: مع لبنان مع سوريا مع الأردن مع بلاد الشام التي هي بيئتنا الطبيعية وهي امتدادنا الإنساني هذه التجزئة المروعة التي فرضتها جريمة سايكس بيكو والتي نتواطأ نحن معها إلى يومنا هذا نحن نتواطأ مع السفاح والمجرم ومع العدو نتواطأ ببشاعة وبفظاعة لا توصف لكن التواصل يتم، يتم التواصل لأن الانتماء القومي والإنساني كالريح وكالماء وكالنار يجد له منفذاً بشكل أو بآخر لابد من ذلك.
مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي
أحمد علي الزين: أستاذ سميح بتجربتك الموازية لتجربة القصيدة كان عندك تجربة حزبية عملت بالشأن السياسي.
الشاعر سميح القاسم: نعم.
أحمد علي الزين: كنت بالحزب الشيوعي.
الشاعر سميح القاسم: نعم.
أحمد علي الزين: الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
الشاعر سميح القاسم: نعم.
أحمد علي الزين: يعني هذه التجربة كنت في موقع قيادي على ما أعتقد؟
الشاعر سميح القاسم: نعم.
أحمد علي الزين: يعني تلك التجربة ماذا حققت على أرض الواقع اليوم؟
الشاعر سميح القاسم: نعم، فكري من تربيتي ربما المنزلية ومن ثقافتي هو فكر قومي أممي. وهي خلطة تبدو غريبة بعض الشيء أن تكون عروبياً معتزاً بعروبتك، وأن تكون في الوقت نفسه إنساناً كونياً. هذه هي ثقافتنا. وحتى أتحرك سياسياً حتى أشارك في مسيرة أو في مظاهرة أو في اعتصام أو في مواجهة لا.. كان لابد من إطار قياسي منظم والإطار الوحيد المعادي للصهيونية الذي أُتيح لي آنذاك كان الحزب الشيوعي وبالمناسبة أنا أعتز بهذه المرحلة أعتز بها كثيراً، رغم أنني لعقدين من الزمن أو أكثر لست حزبياً أنا مُستقل، لكنني أعتز بمرحلة الانتماء لهذا الحزب الذي قاد كفاح الجماهير العربية حمى اللغة العربية من الضياع، حمى ثقافتنا، حمى ذاكرتنا، وكان الإطار الأول الذي شكل لجان الدفاع عن المقدسات الإسلامية والسنية والدرزية والشيعية والمسيحية في بلادنا وادعاءات التكفير والتخوين المنحطة التي توجه إلى هؤلاء الأبطال مرفوضة عندي رفضاً قاطعاً.
أحمد علي الزين: يعني داخل الحزب الشيوعي آنذاك كان فيه أعضاء يهود إسرائيليين..
الشاعر سميح القاسم: نعم، نعم.
أحمد علي الزين: ولابد من سجالات كانت تدور بينك وبينهم..
الشاعر سميح القاسم: نعم، نعم.
أحمد علي الزين: يعني بأي حدود كانت تلك السجالات؟ يعني هل هم أولئك هل هم مضللون بالادعاءات ادعاءات النصوص ادعاءات الصهيونية.
الشاعر سميح القاسم [مقاطعاً]: الله يطعم الأمة العربية مضللين كهؤلاء.
أحمد علي الزين: نعم.
الشاعر سميح القاسم: أي مضللين؟
أحمد علي الزين: أسأل..
الشاعر سميح القاسم [متابعاً]: كانوا ضد الصهيونية بشكل جليّ، وأول محاولة اغتيال سياسي في الكيان العبري تعرض لها ماير فيلر زعيم الحزب الشيوعي الإسرائيلي قبل رابين وقبل سواه. أول محاولة اغتيال سياسي. هؤلاء مناضلون شُركاء ونعتز بتاريخهم وبنضالهم ولنذكر دائماً أننا لسنا عنصريين.
أحمد علي الزين: يعني بتقديرك عايش أنت بقلب الصورة وعايش بقلب القضية منذ 65 سنة.
الشاعر سميح القاسم: لا، منذ عشرين، وعشرين، وخمس وعشرين.
أحمد علي الزين: كيف، كيف فينا نقرأ أو كيف تقرأ صورة المستقبل داخل الأرض المحتلة؟
"الحقبة الذهبية في تاريخ اليهود هي حقبة اليهود في كنف العرب والمسلمين، العصر الذهبي اليهودي في الفلسفة وفي الفكر وفي الثقافة وفي الدين هو العصر الأندلسي، تحت كنف العرب والمسلمين "
الشاعر سميح القاسم: أولاً بالنسبة للسياسة جورج أرويل كاتب لا أحبه لكنني أتفق معه في قوله عن القرن العشرين نحن نعيش في قرن سياسي. أما بالنسبة لمصير إسرائيل هناك ضرورة لتجزئة مسألة المصير: مصير ناس هم الإسرائيليون، ومصير إطار هو الدولة العبرية. أعتقد أنه على مستوى مصير الناس اليهود لدينا إجابة واضحة عبر مئات السنين عبر التاريخ كله، ونستعمل هذا الكلام في حوارنا مع المثقفين الإسرائيليين أيضاً نقول لهم دائماً أن الحقبة الذهبية في تاريخ اليهود هي حقبة اليهود في كنف العرب والمسلمين، العصر الذهبي اليهودي في الفلسفة وفي الفكر وفي الثقافة وفي الدين هو العصر الأندلسي، تحت كنف العرب والمسلمين. ونحن نقول لهم دائماً أفران الغاز ليست عربية وليست مسلمة. المذابح، المحارق، اللاسامية، الفاشية، النازية، هذه الكوارث التي تعرضتم لها لم تكن من صنعنا نحن. عليهم أن يختاروا بين الاحتلال والعنصرية والتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية وبين الزوال. الاستمرار في مواجهة هذه الأمة سيعني زوالهم لن يعني بأي شكل من الأشكال زوالنا نحن، ونذكرهم دائماً بالمثل الصيني الذي يقول مجنونة هي الجزيرة التي تعادي المحيط.
أحمد علي الزين: الكثير من الأسئلة تخطر بالبال عندما يلتقي أحدنا بقادم من الأرض المحتلة. فكيف إذا كان هذا القادم سميح القاسم؟ الشاعر الذي اختار مرارات البقاء في البلاد على مرارات الشتات، والذي وصل صوته قبله بعشرات السنين إلى البيوت العربية. وشكل حالة ثقافية بموازاة التجربة بشقها النضالي والسياسي. الكثير من الأسئلة تخطر في البال ربما هو الشوق للتعرف أكثر على أرض سكنت الوجدان بأهلها وعلى شاعر فتح نافذته للصباحات والأمل هي الرغبة في تلمس بعض ملامح الدرب نحو المصير والمستقبل بعض هذه الأسئلة سنتابعها مع سميح القاسم إنما في زيارة معاكسة.

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:38 AM

القاسم بين الشعر والسياسة
مقدم الحلقة: بسام القادري
تاريخ الحلقة: 30/10/2004
بسام القادري: نلتقي وإياكم مع شاعر كبير حمل روحه على كفه من أجل بلاده وفي انتظار طائل الرعد ظل الشاعر يغني منتظرا فجر الحرية والتحرر الذي طال كثيرا، أنه الشاعر العربي الفلسطيني سميح القاسم كتب القاسم ما يزيد على الخمسين كتابا ما بين ديوان شعري ورواية ومسرحية وغيرها من دروب الإبداع التي أصابها القاسم بصاعقة إبداعه وفي إبداعاته كلها ظل القاسم مشدودا إلى فلسطين دون سواها مُغنيًا تاريخها وحقولها أرضها وسماءها أطفالها وشهداءها دون أن يتخلى عن فنية قصيدته التي حملت القضية الفلسطينية إلى العالم بأسره لتصبح جزءا من ضمير هذا العالم كقضية شعب مكافح يحمل السلاح بيد والكتابة أو القصيدة بيد أخرى.
الراهن الفلسطيني واليقين الشعري
سميح القاسم: الآن يغطس عرشك المائي أمواج من الظلمات تغمر بهجة الأعياد.. تقترب الملوحة من قباب الملك.. تغرق غابة أخرى.. تغيب القمة الخضراء في أوكيانوس الظلمات.. تفغر جوفها الأعماق.. تقبل شهوة الحيتان.. يهرع من مكامنه السحيقة.. يهرع من مكامنه السحيقة.. موكب السرطان.. ينشر إخطبوط اليأس أذرعة مدربة.. ويا مولاي في شرك مميت أنت.. في شرك مميت أنت.. في شرك مميت تختفي المدن الكثيفة والقرى المعزولة الثكنات.. أبراج المعابد والمصانع والحدائق.. تختفي الأشجار والطرق المعبدة الموانئ والمقاهي.. وتظل ربانا على برج السفينة.. رافعا كفيه صوب يد الإله.. تتلاطم الأمواج حولك.. يستعد القاع للحفل للكبير.. والماء يصعد أنت تهبط.. تختفي قدماك.. ربانا بلا قدمين.. يعلو الماء.. ربان بلا ساقين.. يعلو الماء تهبط أنت.. سرتك احتفاء الأهل.. بالطفل الجديد على السرير.. وسريرك المائي يغطس.. تختفي كتفاك تحت الماء.. يهبط رأسك المائي.. يسبح شعرك المائي.. في ماء بلا حد.. على ماء بلا حد وروحك عائد للماء .. فوق الغمر يطفو.. يستعيد الله آياته القديمة.. وتغوص في القيعان اطلانتس.. وتغوص في القيعان اطلانتس.. يغوص الملك في الظلمات.. أنت تغوص في القيعان.. في أحلام يقظتك الوخيمة.. وتغوص أسرار الجريمة.. وتغوص أسرار الجريمة.. وتغوص أسرار الجريمة.
بسام القادري: سميح القاسم سأبدأ هذا اللقاء من حيث انتهيت في قصيدتك، لنبدأ من الراهن الفلسطيني رئيس محاصر قيادات مستهدفة بشكل دائم اغتيالا وسجنا وشعبا يكاد يفقد آخر ما تبقى له من فسحة الأمل سميح القاسم كيف تنظر إلى الصورة في فلسطين حاليا؟
" اغتيال القياديين ومحاصرة الشعب والتخريب الروحي والمعنوي والاقتصادي والسياسي، أمور مستمرة فالنتيجة الحتمية هي المقاومة ورفض كل معادلة أخرى تطرح "
سميح القاسم: نحن دائما نبحث عن العزاء في ظواهر الطبيعة من ظواهر الطبيعة مثلا أن حلكة الظلام تشتد في نهاية الليل ونتوقع بزوغ الفجر فلذلك أستعير الطبيعة مرة أخرى لكن لا أكتفي بالعودة إلى الغيبيات وإلى أسرار الطبيعة هناك حقائق تاريخية وتطور تاريخي لا يمكن أن يستمر، الوجع الفلسطيني والنزيف الفلسطيني بلا حدود لابد من نهاية قريبة والنهاية مرهونة بنهاية الاحتلال هذا ما نقوله دائما ما دام الاحتلال مستمرا ما دام القمع والتجريف وهدم المنازل وقتل طالبات المدارس واغتيال القياديين ومحاصرة الرئيس ومحاصرة الشعب بأسره والتخريب الروحي والمعنوي والاقتصادي والسياسي مادامت هذه الأمور مستمرة فالنتيجة الحتمية هي المقاومة، نرفض كل معادلة أخرى تطرح نرفض محاولة تلويث معنى المقاومة بمفاهيم الإرهاب الدولي والإرهاب الإسلامي والإرهاب الفلسطيني نرفض هذا التهريج الإرهابي ونرفض الممارسات الإرهابية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ويبقى اليقين وهو ليس يقينا شعريا فحسب بل هو يقين تاريخي علمي ثوري مبرر ستنتصر إرادة الشعب العربي الفلسطيني.
بسام القادري: سميح القاسم لنعد قليلا إلى الوراء كنتم ثلاثة شعراء حملتم قضية شعبكم على أكتافكم وتعهدتم بأن تبقوا كالصبَّار في حلق العدو أحدكم غادر فلسطين في مطلع السبعينيات والآخر مات وبقيت أنت العمر الطويل إن شاء الله كيف ترى إلى تلك الصحبة وإلى ذلك المشروع الذي تبنَّى الشعر في مواجهة السيف؟
سميح القاسم: أنا مبدئيا أرفض الحديث عن مشروع شعري لم يكن هناك مشروع، المشروع الشعري يتحقق نتحدث عنه بعد تحققه لكن لا يمكن لشاعر أو لشعراء أن يضعوا مشروعا مسبقا هذا منافي للعملية الإبداعية منافة تامة يعني لا يجوز تصور أن شاعر يقول سأفعل كذا وسأكتب كذا هذا غير وارد بالحسبان والحقيقة أيضا الإحصاء حصر هذه الظاهرة في ثلاثة أسماء أيضا فيه ظلم لعشرات آخرين سبقوا جيلنا وعايشونا.
بسام القادري: من الأقل الأسماء لمعت يعني شعبيا وإعلاميا.
سميح القاسم: نعم أعتقد أن هذا لا يكفي أيضا الوميض الشعبي لا يكفي هناك حركة شعرية عربية داخل الشعب الفلسطيني فيما تسمونه عرب الثامن وأربعين لكنه غير منسلخ عن الحركة الشعرية بين أشقائنا في المنافي وغير منسلخ عن الحركة الشعرية في لبنان وفي سوريا وفي مختلف أرجاء الوطن العربي لذلك أنا لا أحب التعامل مع الثقافة بمنظور إقليمي أو جهوي أو حزبي.
بسام القادري: هنا سميح القاسم لابد أن نسأل عن حال الثقافة العربية بشكل عام وكيف تنظر إليه؟
سميح القاسم: سأكون صريح كالعادة رغم أن ذلك يكلفني باهظا أحيانا فيما يسمى العالم الثالث أنا شخصيا أرفض هذه التسمية لكن يبدوا لي أن الكثيرين من المثقفين بين أقواس تبنوا مقولة العالم الثالث ويتصرفون بعقلية العالم الثالث، العالم الثالث هو سوق للأغذية الفاسدة وللأدوية التي انتهت صلاحيتها هذه مسألة معروفة للأسف الشديد أيضا في الثقافة تتحول ديار العرب إلى سوق لثقافة فاسدة وثقافة انتهت صلاحيتها بمعظمها هي ثقافة تقليد استنساخ لتجارب أجنبية استنساخ متخلف غير مثقف لذلك أنا أرى مقبرة نفايات ثقافية أكثر مما أرى حركة ثقافية.

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:39 AM

سميح القاسم وزيرا
بسام القادري: سميح القاسم بحال كلفت أو عُينت وزيرا لوزراء الثقافة العرب ما أول خطوة تقوم بها؟
سميح القاسم: أنت تريد أن تقطع رزقهم سأصرفهم من العمل جميعا بدون استثناء لأن المثقف لا يمكن أن يكون ضابطا في المخابرات أو جزء برغيا من آلة السلطة وتفوز وطاغوت وزراء الثقافة إذا كان لابد من وزراء ثقافة فليكونوا من المبدعين الحقيقيين ليس من الشعراء أنصحكم بالابتعاد عن الشعراء عن توزير الشعراء.
بسام القادري: لماذا؟
سميح القاسم: ربما من الفنانين التشكيليين من الموسيقيين.
بسام القادري: قبل اللقاء المصوَّر أو بدأ التصوير سميح القاسم تناولت معرض فرانكفورت الأخير والذي كان العالم العربي ضيف شرف فيه ويبدوا أن لك مآخذ على المشاركة العربية.
" معرض فرانكفورت الأخير هو سيرك عربي في بلد أوروبي فهذا الأسلوب في التعامل كأنك تفتح سوق خضار ببعض الكتب معظمها تافه تشويه لصورة العربي المسلم "
سميح القاسم: أنا أراه سيرك.. سيرك.. سيرك عربي في بلد أوروبي يعرضنا إلى المزيد من السخرية والاحتقار بدون شك أنا أعرف ألمانيا أعرف الشعب الألماني قرأت كثيرا في ألمانيا ومترجم إلى الألمانية وشاركت في ندوات وحاورت كثيرين من الألمان على امتداد عقود من الزمن هذا الأسلوب في التعامل كأنك تفتح حسبة سوق خضار ببعض الكتب معظمها تافه وقطيع من الشعراء والمغنيين والراقصات والفنانين بهذا الأسلوب أنت تزيد من تشويه صورة العربي وصورة المسلم أيضا في ألمانيا، ماذا فعلت جامعة أنتوني إدن إعدادا لهذا العرض الكبير هذا الشو الثقافي كم من الكتب العربية ترجمت إلى اللغة الألمانية في غضون العام الأخير أو العامين الأخيرين ماذا هيئت الإدارة إدارة الموظفين التي أعدت لهذا المعرض ماذا هيئت لدى الشعب الألماني كم ألبوم لرسامين تشكيليين فنانين تشكيليين عرب قدم للشعب الألماني.
بسام القادري: أنت لم تكن حاضرا هذا المعرض من أين لك بهذا التقييم وهذه الملاحظات؟
سميح القاسم: أنا تابعت أتباع أخبار الفاعليات الثقافية في العالم بما فيها هذه الحسبة.
بسام القادري: لماذا لم تحضر ألم تُدعَى أم أنت رفضت؟
سميح القاسم: لا علاقة لي قلت لك قبل قليل أنا لست موظفا في أي مؤسسة عربية.
بسام القادري: ليس كل من شارك في المعرض هم موظفون يعني؟
سميح القاسم: لا أعرف من شارك ولا يعنيني من شارك تعنيني الظاهرة موظفون يختارون موظفين للمشاركة في فعاليات كما يحدث دائما لا علاقة لي أنا لا أنتمي لدولة لا أنتمي لحزب لا أنتمي لمؤسسة أنا أنتمي لقصيدتي فقط وأتكلم بصفتي الفردية لا علاقة لي لا أعلم مَن شارك ومَن لم يشارك هذا لا يهمني كل موظف يختار موظفيه كما يشاء سمعت لاحقا الصراع كم عدد المصريين كم عدد اللبنانيين كم عدد الفلسطينيين وهو نقاش تافه أيضا ووضيع وإقليمي ومريض ومعادي للثقافة ومعادي للحضارة أن يدور النقاش كم عدد المصريين وكم عدد السوريين وكم عدد هذا النقاش؟
بسام القادري: ذكرت أستاذ سميح.
سميح القاسم: الضحل.
بسام القادري: ذكرت أكثر من مرة بأن هذا الموضوع لا يعنيك وإلى ملاحظات وإلى أخره ولكن الكل متفقون على أن العمل الثقافي هو عمل جماعي يعني الشعر هو جزء من هذا الكل.
سميح القاسم: لا بالنسبة لي أعذروني أنا خارج هذا الإطار بالكامل.
لقاسم يقدم وردة الدم
بسام القادري: البعض يرى أن شعر سميح القاسم ظل تحريضيا كونك بقيت داخل البلاد فيما انفتح أفاق أرحب ولنقل تجريبية أمام العديد من الشعراء غيرك من الذين استطاعوا أن يخرجوا من سجن الاحتلال ورقبته إلى رحابة العالم هل هذا صحيح؟
سميح القاسم: هذه من النظريات المضحكة أيضا وغير المثقفة السائدة للأسف الشديد فيما يسمى الساحة الثقافية العربية، نظرية تافهة وسخيفة وخطيرة أيضا كأنما يقال لي إذا أردت أن تتطور فنيا غادر وطنك وكأن ما يقال لك ولأي شاعر ولأي مبدع عربي إذا أردت أن تتطور هاجر هذه نظرية خطيرة وأنا أرفضها وأعتقد أنني في إطار تجربتي حققت من التطور ما لم يُتح لأي شاعر آخر والدليل عندكم أرجعوا إلى الدراسات النقدية كبار النقاد العرب لتكتشفوا هذه الحقيقة وأنا يعني أشعر بكثير من الاشمئزاز حين أسمع مثل هذا الكلام الذي يعني لي شيء واحدا كأنني أعاقب لأنني بقيت في وطني أنا باقي في وطني ولا تشديد لا يمكن التشديد دون التحام حقيقي بمفهوم الشعب والوطن والإنسان والحرية والإبداع بدون هذه النار لا يوجد إبداع يوجد بلاستيك زهور بلاستيك تبدو أجمل من الزهور الطبيعية لكنها بلاستيك بلا حياة بلا دم بلا ماء بلا رائحة إذا كنتم تحبون زهور البلاستيك لديكم أطنان منها يعني أنا خارج لعبة زهور البلاستيك أنا أقدم وردة الدم.
بسام القادري: ولكن ألم تمنعك المقاومة والانتفاضة من التطور؟
سميح القاسم: أنا أشكر المأساة ماذا تريد أكثر من ذلك أنا أشكر مأساتي لأنها أتاحت لي أن أطور وأن أعبر عن ذاتي وأن أجترح في المجال الإبداعي ما يجترحه المناضل والجريح والشهيد والأسير نحن شركاء في هذا.
بسام القادري: الذين خرجوا من الداخل الفلسطيني خرجوا إلى دول عربية وأنت قبل قليل.
سميح القاسم: أيش عندكم بالدول العربية يعني أنتم قمة الحضارة والتطور الموجودة بالدول العربية.
بسام القادري: ليس بالضرورة هذا ما أعنيه.
سميح القاسم: ولا لفرنسا.
بسام القادري: ولكن خرجوا إلى دول عربية وأنت كنت تنادي بأن يكون المثقف أو الشاعر أو الأديب مثقف عربي وليس إقليمي فأنت ضد هذا كيف تفسر هذا التناقض؟
سميح القاسم: لا أبدا أنا ضد الإقليمية بالكامل ومن حقي أن أزور الدول العربية وأنا أتجول في الدول العربية بسعادة كبيرة والتقى جمهور الشعر في كل مكان لكن أنا أرفض الادعاء بأن تطوير القصيدة ينبغي أن يكون ملازما لترك الوطن هذا كلام سخيف، ببساطة كلام سخيف ومنحط وساقط يستطيع المبدع القطري أن يبدع وأن يحافظ على قطريته على إقليمه على بيته فليهاجر ليسافر فليغامر في جميع أرجاء الأرض أنا أسافر دُرت حول الكرة الأرضية عدة مرات لكن عنواني يبقى هو سجني وطني سجني هو عنواني.
بسام القادري: كتبت بغزارة شعرا ورواية ومقالة ولكن هذا الاندفاع أخذ يتراجع أو يأخذ اتجاهات متغيرة في الآونة الأخيرة هل كانت غزارتك الإبداعية شكلا من أشكال المقاومة؟
" كل أشكال الفن والتعبير الفني هي شكل من أشكال الدفاع عن النفس والدفاع عن النفس هو المقاومة "
سميح القاسم: بدون شك قلتها كثيرا إن الفن كل أشكال الفن كل أشكال التعبير الفني هي في نظري شكل من أشكال الدفاع عن النفس والدفاع عن النفس أطلق عليه تسمية المقاومة أنا أدافع عن نفسي، أدافع عن نفسي من الأخطار الجغرافية في الجغرافيا الأخطار على جبل هنا وواد هناك وتل هنا وكرم زيتون هناك وشجرة تين هنا وشجرة صبار هناك، هناك معركة دفاع عن هذه الجغرافيا الضيقة والصغيرة والأخيرة وهناك الدفاع عن الذات أيضا لأننا تعرضنا منذ عام النكبة تعرضنا إلى محاولة لمحو الذاكرة ولغسل الدماغ ومحو الشخصية الثقافية وإلغاء اللغة حتى كانت هناك مؤامرة لإلغاء اللغة العربية الفصحى لذلك فالدفاع عن الجغرافيا والدفاع عن التاريخ والدفاع عن الروح وعن المنزل وعن الأغاني الشعبية وعن القصيدة كل هذا خلق حالة من الازدواجية القسرية من الإدغام بين ما يُسمى ذاتيا وما يسمى عاما الذاتي والخاص وأعتقد أن هذه الصيغة أوجدت هذا التراكم أو هذه الغزارة نتيجة لرغبة أو لشهوة قوية دائما في ظروف الحصار والضغط تتوالى الانفجارات على شكل قصيدة أو مقالة أو مسرحية أو.
بسام القادري: سميح القاسم ماذا عما تردد عن قبولك لجائزة إسرائيلية رغم أنك في الماضي رفضت جائزة أخرى وقد قبلها الراحل إيميل حبيبي وهنا أيضا يدفعني هذا السؤال إلى سؤال آخر وهو هل صحيح ما نسب إليك بأنك رفضت جائزة نوبل؟
سميح القاسم: يعني لا تتحدث عن جائزة نوبل بهذه الفخامة هي كانت جائزة محترمة بدون شك لكنها في الأعوام الأخيرة تحولت إلى جائزة سياسية تبت فيها أجهزة المخابرات والحكومات والوزارات أكثر مما يبث فيها الإبداع هذه حقيقة معروفة، تمنح لكويتب من الصين لا لسبب إلا لأنه مثلا هاجم النظام أو تمنح لكويتب روسي لا سبب إلا لأنه هاجم النظام، إذاً أصبحت نوبل جزءا من اللعبة السياسية من لعبة العولمة ولا تعنيني حقيقة لا من قريب ولا من بعيد لكن ما حدث متصل بالجائزة الإسرائيلية حقيقة عُرضت علي جائزة إسرائيل وقيل لي في حينه نحن باتجاه السلام قلت أنا أتمنى أن نكون باتجاه السلام الصحيح لكن أريد قبل كل شيء وقلت هذا الكلام على (cnn) بالمناسبة ليس سرا في الوقت الذي يمنح فيه رئيس دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس جائزة فلسطين لكاتب يهودي أو لشاعر يهودي أو لفنان يهودي إذا عُرض علي جائزة إسرائيل سأفكر في الموضوع آنذاك، لم أعد قلت سأفكر في الموضوع وما لم يتحقق هذا فمن غير الوارد بالحسبان أن أقبل جائزة إسرائيل فكانت الإجابة السريعة هي خشبة القفز إلى نوبل وكانت إجابتي أيضا البسيطة والعادية لست من الذين يحلمون لا بنوبل ولا بألفريد ولا بأي جائزة، لا تعنيني هذه المسألة إذا جاءتني جائزة من جهة محترمة وغير مشروطة وغير مسيسة فلا بأس في ذلك هذا شيء أعتز به بكل بدون شك لكن أرفض أن تشترط نوبل بشروط سياسية مسبقة، التساهل مع الاحتلال مهاودة السلطة الإسرائيلية أو أي سلطة في المنطقة أو في العالم يعني لست على استعداد لمهادنة الأمم المتحدة من أجل نوبل.

أرب جمـال 12 - 8 - 2012 04:40 AM

ليلاً ، على باب فدريكو
فدريكو..
الحارس أطفأ مصباحَُه
انزل
أنا منتظر في الساحة
فد.. ري.. كو
قنديل الحزن قمر
الخوف شجر
فانزل
أنا أعلم أنك مختبئ في البيت
مسكونًا بالحمى
مشتعلاً بالموت
فانزل
أنذا منتظر في الساحة
مشتعلاً بلهيب الوردة
قلبي تفاحة..
الديك يصيح على قرميد السطح
فدريكو
النجمة جرح
والدم يصيح على الأوتار
يشتعل الجيتار
فد .. ريكو
الحرس الأسود ألقى في البئر سلاحه
فانزل للساحة
أعلم أنك مختبئ في ظل ملاك
ألمحك هناك
زنبقة خلف ستارة شباك
ترتجف على فمك فراشة
وتمسّد شعر الليل يداك
انزل فدريكو
وافتح لي الباب
أسرع
أنذا أنتظر على العتبة
أسرع
في منعطف الشارع
جلبة ميليشيا مقتربة
قرقعة بنادق
وصليل حراب
افتح لي الباب
أسرع خبئني
فدريكو
فد.. ري.. كو
قراءة في القصيدة
وفيدريكو أولاً هو الشاعر الأسباني لوركا (1898 – 1936)، الذي صرعته كتائب الفاشيين الأسبان في حربها ضد الجمهوريين، وهو يمثل الإنسان المناضل في سبيل الحرية والكفاح ومواجهة الظلم والظلام.
وقصيدة سميح القاسم التي أرخها في مدريد 27.5.1985 فيها استلهام من بطولة هذا الشاعر ومشاركة له في الموقف، وحتى في الموت وفي الحياة.
وكثيرًا ما تناول الشعر الفلسطيني موضوعات إنسانية عالمية، بما فيها من مواقف بطولية ودعوات يسارية في نشدان الحرية والعدالة والمساواة... وقد أكثر القاسم من الكتابة في هذه المقولات، وحسبنا نظرة إلى المجلد الأول من مجموعة أشعاره الكاملة حتى نرى أنه تناول في قصائده أسماء وشعوبًا من هذا العالم الباحث عن حقه في الحياة، نحو قصائده في بتريس لومومبا، إيفان الكسبيفتش وجوني وديمتروفا وكذلك عن الكونغو وأرتيريا....
غير أن قصيدته هنا عن لوركا فيها مرآة للشاعر نفسه، فيها شعور عارم مذعور يحس بالنهاية والفجيعة.
وقد تمثلت هذه النهاية فيما توجه به الراوي الشاعر للوركا وهو يستنجده ويستصرخه "خبئني"، يقول ذلك مرتجفًا هلعًا (انتبه إلى تقطيع فد... ري..كو، وكذلك إلى إلحاحه " أسرع" التي كررها ثلاث مرات).
الراوي الشاعر منذ مطلع القصيدة يعلن للوركا أنه ينتظره في الساحة، فالحارس قد نام... يطلب منه أن ينزل (كررها أربع مرات) رغم أنه يعلم أن لوركا قد شبع موتًا.
وسؤالنا: لماذا يطلب منه النزول؟ وإلى أين سيتوجهان؟ وقد وجدت صعوبة ما في تحديد الغرض من النزول، وسأحاول أن أجتهد:
- الهروب... ولكن كيف يصح ذلك إذا كان الراوي يطلب منه في نهاية القصيدة أن يفتح له الباب... ثم أن يخبئه (بعد سماع صوت المليشيا المقترب)؟ ربما عزم على الهرب بعيدًا مع لوركا لينقذه- وكأن لم يمت- ثم قرر الاختباء بعد سماع جلبة العسكر.
- لعله يطلب منه المكوث معه في الساحة، وذلك بعد أن اطمأن أن الحارس نام (أطفأ مصباحه) وأن الحرس الأسود ألقى سلاحه نهائيًا... وبهذا المعنى تكون الساحة رمزًا، للنضال وأن عليهما واجبًا مشتركًا في التصدي لمظاهر الموت الرهيبة التي تتجلى فيما يلي:
1. الديك انزعج، وأحذ يصبح ليلاً.
2. النجمة غدت جرحًا بدل أن تكون نورًا.
3. الأوتار تعزف الدماء بدل الأنغام.
4. الجيتار مشتعل ...والنار تلتهم معاني الجمال.
5. وإذا أضفنا إلى هذه ما كان قد وصفه في المقطوعة الثانية بتشبيهات بليغة نستطيع هنا قلبها:
القمر كأنه قنديل حزن...
الشجر كأنها خوفٌ رهيب...
إذن، لم يبق أمام هذا المد الجارف من الرهبة إلا التصدي... ولكن، لماذا يطلب شاعر فلسطيني معتبر من "شعراء المقاومة" أن يشارك شاعرًا صريعًا؟
إن الراوي الشاعر - قناع سميح القاسم - يرى لوركا مختبئًا (كررها مرتين) وليس ميتًا...
إذن لوركا مختبئ لا يتصدى ولا يتحدى، فهل الراوي يعطيه جرعة جرأة؟
ولماذا يطلب منه أن ينزل ولوركا في عليين وهو:
1. في ظل ملاك
2. كزنبقة خلف ستارة شباك.
3. ترتجف على فمه فراشة.
4. يداه تمسدان شعر الليل (تستلطف برومانسية)
وتبقى الأسئلة من غير إجابة قاطعة.
وازدادت تساؤلاتي في فهم القصيدة بعد أن اطلعت على قصة مقتل لوركا في كتاب عرس الدم ( عرض وتحليل د. علي سعد، دار الفارابي، بيروت- 1985) فقد نقل د. علي سعد عن كتاب "بارو" الصادر سنة 1947 وعن المجموعة الكاملة لآثار لوركا التي أصدرها توري سنة 1938 مادة لعل فيها بعض الغناء.
يقول د. سعد:
وجد لوركا في منزل روزاليس بعض الراحة، ومن نافذة غرفته التي تطل على ساحة بيبارميلا الكثيرة الحركة... كان يتطلع إلى المدينة الثائرة في عيشها ونبضها... وساد المدينة شيء من الهدوء الظاهر" (ص50)
ورأيت في هذا الوصف مفتاحًا مهمًا في خدمة القصيدة، فالشاعر مختبئ في الأعلى (في دارة في غرناطة)، والحارس فذ أطفأ مصباحه، والحرس الأسود ألقى سلاحه، وهذان دليلان على الهدوء الظاهر- هذا الهدوء سرعان ما يزول بعد سماع جلبة المليشيا وصليل الحراب... إذن إنها- كما قالت العرب قديمًا – هدنة على دخن. لقد توهم الراوي بالهدوء... ويمكن- تبعًا لذلك- أن الراوي يطمئن لوركا، ويلح عليه بالنزول، وهنا نفهم التشبيهات البليغة فهما آخر- فقنديل الحزن كأنه قمر (وضوح واطمئنان) والخوف الذي كان أضحى كأنه شجر (فلا بأس ولا خوف) وأنت يا لوركا مسكون بالحمى ومشتعل بالموت، بيد أني أنا كلي حياة وتفاؤل وقلبي تفاحة ( وبهذا أتفوق عليك، أنا مرشدك، وحيويتي كأنها مشتعلة- ولكنها بلهيب أو بحدة احمرار الوردة وتفتحها، أي أنك تشتعل موتًا وأنا أشتعل حياة).
واعترف أن هذه القصيدة مشحونة بإمكانيات تفسير وتأويل متباينة، ومن ضرورة الاحتمال أو إمكانية التفسير أن تتوافى مع استمرارية النص، ولعل هذه الإمكانات المفتوحة المتاحة سر نجاح كل نص أدبي كنصنا هذا. (1)
ــــــــــــــ
(1) ومع ذلك لا أوافق، الناقد رجاء النقاش (أبو سميح... تيمنًا بالشاعر) الذي رأى أن الحارس الذي معه سلاحه في قصيدة سميح إنما هو "يحرس قصائد الشاعر واسمه وذكراه ويمنع الاقتراب منه ....والحارس معنوي وهو رمز الخوف من أشعار لوركا... والنداء في القصيدة فيه إغراء للشاعر لوركا والتأكيد له بأن الجو مناسب للظهور بلا خوف" (أُنظر: المجموعة الكاملة لأشعار سميح القاسم، المجلد السابع، مقال رج اء النقاش ص412) وفي رأيي أن النقاش لم يحل اللغز: لماذا طلب منه أولاً أن ينزل، ثم سرعان ما طلب منه أن يخبئه... ثم لماذا يطفئ الحارس مصباحه في هذا المعنى؟
ولم يعطنا النقاش شرحاً أو تأويلاً لحركة الراوي ودراميته سوى قوله التعميمي " صورة غريبة ورائعة" (ص414). وكذلك لا أوافق ما أرتآه رؤوبين سنير من أن الراوي الشاعر منذ البدء كان يائسًا، وتنامى هذا اليأس مع صياح الديك- طلوع الفجر-، والراوي يصل تدريجيًا إلى منطقة يطل فيه على غرفته، فهذه الفراشة التي ترتجف على شفتي لوركا تعني أن الموت قد أصابهم وروحه ترتعش، وأن الحرس ألقى سلاحه بعد أن قتلوا لوركا...
وكأن سنير بهذا المعنى يرى أنهم قتلوه وأخذوا سلاحه وألقوا به في البئر، ولم يكلف الباحث نفسه لشرح: لماذا ينتظره الراوي في الساحة؟ ولماذا يلح عليه أن ينزل؟
(أُنظر: عيتون 77 العدد 100-مايو 1988، ص 87)
وأعترف أنني – في أثناء تحليلي النص – استذكرت إلقاء الشاعر لقصيدته في " مهرجان الثقافة في لندن سنة 1988 ، وكان سميح ممثلاً مبدعًا يحس القصيدة بكل خلجة من خلجاتها ...وأتساءل الآن : هل يختبئ الراوي الشاعر من الطغمة المعتدية كما كانت تقول لك حركات الشاعر التمثيلية؟
المنطق أن يقول إن لوركا في داخل المنزل ميت، ولن يستضيف الراوي، وتبعًا لذلك سيقبض عليه... سيقتل. لماذا القتل؟
لأن نتيجة لوركا المحكيّ عنه كانت القتل... وإلا فلماذا قتل لوركا المسالم الإنسان؟
لكن لغة الشعر لا تغلق بابًا، بل تفسح المجال لنهوض القتيل واحتضان الراوي.. وفي هذا الاحتمال الذي يغدق علينا في الشعر نرى موتًا آخر والتحامًا جديدًا... ومع ذلك فهل لوركا ميت حقًا؟ ألا تزال أشعاره حية ووجوده قائمًا في وجدان عشاق الحرية والكلمة؟
الراوي الشاعر يبحث عن الموت لا من خلال اليأس، كما ذهب سنير في الملاحظة أعلاه، وإنما من خلال البحث عن الذات وعن مرايا هذه الذات السكونية، حتى ولو برومانسية.
وأتساءل:وما الذي ذكّر سميح القاسم بلوركا في أثناء زيارته لمدريد؟
- يبدو لي أن زيارته في أيار 1985 كانت كذلك إلى نزل الطلبة الذي كان يقيم فيه لوركا في مدريد، وفي هذا النُزل المعدّ للطلاب التقى لوركا بسلفادور دالي وخيمينيث وماخادو وألبرتي وماكس جاكوب... وقد أقام فيه لوركا في العشرينيات من هذا القرن... واليوم يرتاد سميح القاسم هذا النُزل، فأوحى ذلك إلى شاعرنا ما أوحى، فاختار هذا الموقع حكاية النهاية (مع أن مقتله كان في غرناطة، ونحن لا نسأل عن ذلك.... لأنه ليس على الشعر فرض وتأريخ وتقنين).
واطلاع سميح على سيرة لوركا أوحى له نوعًا من التوجس الشرّي، تمامًا كما توجّس لوركا في رواية (ماريانا بنيدا-1924)، حيث صور الشاعر الهلع الذي كان يخيم على الحياة الإسبانية في أيام الملك فرناندو السابع، وقد قتلت جنود فرناندو مريانا الشجاعة_ لأنها طرزت العلم الذي كان معدًّا لأن يقود الثوار الجمهوريين- ومن العجيب أن نهاية لوركا كانت تطبيقًا لما وصفه هو في نهاية مريانة بطلته: فاقرأ معي نصًا قصيرًا من هذه الرواية، وأرجو أن تتبين هذا الجو المذعور الذي تشي به قصيدة القاسم كذلك:
يقول لوركا:
يا ألم النجمة العتيقة
الذي يغص بها حلقي
كان على الكواكب أن تطل على نافذتي
وأن تنفتح ببطء على الشارع الموحش
أي جهد يبذله الضوء
في مغادرة غرناطة
أن يتلولب على أشجار السرو
وذلك الليل الذي لا يأتي
ليل الرعب والأحلام
الذي يجرحني من بعد
بسيوف طويلة... جد طويلة
(مقدمة د. علي سعد لكتاب عرس الدم، ص23)


الساعة الآن 08:27 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى