![]() |
ا[align=justify]لجنة و نعيمها, وهذا صريح في التوبة (بأن لهم الجنة ) وفصلها الله في الصف (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) أي: من تحت مساكنها [وقصورها] وغرفها وأشجارها، أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات (1)، (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) و روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها «قَصْرٌ من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زَبَرجْدة خضراء في كل بيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لَونْ على كلّ فراش سبعون امرأةً من الحُور العِين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام في كل بيت سبعون وَصِيفاً ووصِيفة فيعطى الله تبارك وتعالى المؤمن من القُوّة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله» (2) , والمساكن الطيبة : هي القصور التي في الجنة ، قال تعالى : { ويجعل لك قصوراً } وإنما خُصّت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم ، فوعدوا على تلك المفارقة الموقتة بمساكن أبدية (3).
__________ (1) المرجع السابق (2) القرطبي , 5601 من الشاملة (3) تفسير ابن عاشور , ج 15 ص 68[/align] |
[align=justify]النصر من الله و الفتح القريب , قال الكلبي : يعني النصر على قريش وفتح مكة . وقال عطاء : يريد فتح فارس والروم (1), أي: إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه، تكفل الله بنصركم. قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد : 7] وقال تعالى: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج : 40] وقوله { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي: عاجل فهذه الزيادة هي خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة، لمن أطاع الله ورسوله، ونصر الله ودينه؛ ولهذا قال: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (2) , وهو نصر فتح مكة فإنه كان نصراً على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وألَّبوا عليهم العرب والأحزاب . وراموا تشويه سمعتهم ، وقد انضم إليه نصر الدين بإسلام أولئك الذين كانوا من قبل أئمة الكفر ، فأصبحوا مؤمنين إخواناً وصدق الله وعده بقوله : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } [ الممتحنة : 7 ] وقوله : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً (3)} . ووصف الفتح ب { بقريب } تعجيل بالمسرة . وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإِخبار بالغيب (4). هنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله . الله الذي لا تنفد خزائنه ، والذي لا ممسك لرحمته . فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة . وفوقها . . فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب . . فمن الذي يدله الله على هذه التجارة ثم يتقاعس عنها أو يحيد؟! (5) . و لعل هذا النصر و الفتح القريب من زيادة الفضل من الله تعالى على
__________ (1) فتح القدير , ج 7 ص 217 (2) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 112 (3) آل عمران : 103 (4) تفسير ابن عاشور , ج 15 ص 69 (5) في ظلال القرآن , ج 7 ص 199[/align] |
[align=justify]هؤلاء التجار معه , كما دلت قوله (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
الوفاء أو توفية الأجور و الجزاء بأحسن مما عملوا , من قوله (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) و قوله (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) { لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا } والمراد بأحسن ما عملوا: أعمالهم الحسنة الصالحة، لأنها أحسن ما عملوا، لأنهم يعملون المباحات وغيرها، فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن، كقوله تعالى: { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ } { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } زيادة كثيرة عن الجزاء المقابل لأعمالهم، { وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } بل يعطيه من الأجر ما لا يبلغه عمله، بل ولا تبلغه أمنيته، ويعطيه من الأجر بلا عد ولا كيل، وهذا كناية عن كثرته جدا (1). و يؤيده المربح التالي و هو : مضاعفة الثواب و الأجور إلى سبعمئة ضعف , وهذا من قوله في البقرة : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (2) . و معنى الآية أن الله تعالى ضرب المثل لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف (3). حقا إنها مرابح مغرية و شيقة لمن عرف و فهم حقيقة التجارة مع الله سبحانه و تعالى , فليبادر كل منا على الإقبال لهذه التجارة و تفضيلها من أي تجارة أخرى , فبها ينال الفوز العظيم و هو النجاح الحقيقي الذي يبحث عنه و يطلبه كل إنسان . الفصل الثالث : التجارة مع الإنسان , وفيه مباحث : المبحث الأول : الترغيب في التجارة __________ (1) تفسير السعدي , ج 1 ص 569 (2) البقرة , 261 (3) تفسير ابن كثير , ج 1 ص 691[/align] |
[align=justify]و هذا الحث على التجارة واضح في ندائه للمؤمنين بقوله في سورة النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .. ) ففي هذه الآية إبانةٌ من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوِّفة المنكرين طلبَ الأقوات بالتجارات والصناعات ، لأن الله تعالى حرّم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة ، وهذا بيّن (1) .
وتخصيصها بالذكر من بين سائر أسباب الملك لكونها أغلب وقوعاً وأوفق لذوي المروءات ، وقد أخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا » و روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي (2). و روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يا معاشر قريش لا يغلبنكم الموالى على التجارة فإن الرزق عشرون بابا تسعة عشر منها للتاجر وباب واحد للصانع وما أملق تاجر صدوق إلا تاجر حلاف مهين (الديلمى وابن النجار عن ابن عباس) (3) . المبحث الثاني : حرص الناس على هذه التجارة و حبها إليها وهذا الحرص من طبيعة الإنسان , فإنه جبل على حب المال و المادة و كل ما يحتاجه في هذه الحياة من متعة دنيوية , قال تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) أي: وإنه لحب الخير -وهو: المال-لشديد. وفيه مذهبان:أحدهما: وإنه لشديد المحبة للمال.والثاني: وإنه لحريص بخيل؛ من محبة المال وكلاهما صحيح(4) . __________ (1) تفسير القرطبي , ج 1 ص 1334 , من الشاملة . (2) تفسير الألوسي , ج 4 ص 29 (3) الجامع الكبير للسيوطي , 27325 (4) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 467[/align] |
[align=justify]و في سورة الجمعة أخبرنا الله تعالى بهذه الصورة في قوله : وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ..., يعني أسرعوا إلى التجارة (1) .
و قد أشكل لنا كيف يترك الصحابة رضوان الله عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائما في خطبة الجمعة ؟ ألم يصلوا معه ؟ و الجواب : إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدّم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة (2), أي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وقد صلّى الجمعة فدخل رجل فقال : إن دِحْيَة بن خليفة الكَلْبي قدم بتجارة ، وكان دِحيَة إذا قدم تلقّاه أهله بالدِّفاف؛ فخرج الناس فلم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء؛ فأنزل الله عز وجل : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا } . فقدّم النبيّ صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخّر الصلاة , و لم يبق معه إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجَرّاح ، وسعيد بن زيد وبلال ، وعبد الله ابن مسعود (3) . و لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم قدم الصلاة على الخطبة مثل صلاة العيد , أنكره الألوسي وقال ولا أظن صحة هذا الخبر ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل مقدماً خطبتها عليها ، وقد ذكروا أنها شرط صحتها وشرط الشيء سابق عليه ، ولم أر أحداً من الفقهاء ذكر أن الأمر كان كما تضمنه ولم أظفر بشيء من الأحاديث مستوف لشروط القبول متضمن ذلك ، نعم ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن بعضهم شذ عن الإجماع على كون الخطبة قبلها والله تعالى أعلم (4) . __________ (1) تفسير الطبري , ج 24 ص 386 (2) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 124 (3) تفسير القرطبي , ص 5620 من الشاملة (4) روح المعاني , ج 21 ص 16[/align] |
[align=justify]و على كل حال فقد ترك الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم قائما من أجل التجارة التي قدمت و تحمل ما يحتاجون إليه , و هذا الترك و الانفضاض إلى التجارة لدليل على حرصهم عليها , و ما ذلك إلا لشدة حاجتهم إليها . ولم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء (1).
بعد هذا يتبين لنا أن ترك الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قائما في الخطبة بسبب حاجتهم إلى الطعام الذي يحمله دحية ابن خليفة في تجارته , لأن الوقت , وقت الضرورة و الحاجة مع ظنهم أن ذلك ليس بمنهي عنه . ولم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم , إنما قال : لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارًا. و لم يأمر الله تعالى كذلك بنهيهم , بل أمر النبي بأن يخبر هم أن ما عند الله خير و أبقى لهم من تجارة هؤلاء . وطعن الشيعة لهذه الآية الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنهم آثروا دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو والتجارة ورغبوا عن الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل كثير من العبادات لا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي أن ذلك قد وقع مراراً منهم ، وفيه إن كبار الصحابة كأبي بكر . وعمر . وسائر العشرة المبشرة لم ينفضوا ، والقصة كانت في أوائل زمن الهجرة ، ولم يكن أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد ، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فخاف أولئك المنفضون اشتداد الأمر عليهم بشراء غيرهم ما يقتات به لو لم ينفضوا ، ولذا لم يتوعدهم الله تعالى على ذلك بالنار أو نحوها بل قصارى ما فعل سبحانه أنه عاتبهم ووعظهم ونصحهم (2) . المبحث الثالث : أحكام و آداب التجارة إن لهذه التجارة أحكام و آداب نستخلصها من الآيات التي فيها كلمة (تجارة) , و قد ذكرت في المبحث عن أقسام التجارة , منها : المطلب الأول : النهي عن التجارة بالباطل . __________ (1) تفسير القرطبي , 5620 من الشاملة (2) روح المعاني , ج 21 ص 17[/align] |
[align=justify]و هذا من قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ.. ) و معناه أن تكون التجارة عن طريق الرّبا والقمار والبخس والظلم (1) , أو بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا, و مثال تطبيق الآية كما روي عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهما-قال: هو الذي قال الله عز وجل: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }(2) . ومِن أكل المال بالباطل بَيْعُ العُربَان؛ وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتَري منك الدابة ويعطيك درهماً فما فوقه ، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كِراء الدابة؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كِراء الدابة فما أعطاك فهو لك (3) .
__________ (1) تفسير الطبري , ج 8 ص 216 (2) تفسير ابن كثير , (3) تفسير القرطبي , 1329 , و في بعض الكتب سمي ببيع العربون , ذهب الجمهور إلى منعه لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع العربان . و قال أحمد بن حنبل : لا بأس ببيع العربان و دليله أن النبي سئل عن العربان في البيع فأحله , و قد أصبحت طربقة بيع العربون في عصرنا الحاضر أساسا للارتباط في التعامل التجاري الذي يتضمن التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل و الانتظار , و رجح د. وهبة بجوازه عملا بالعرف . ( الفقه الإسلامي و أدلته , 5 ص 450 .[/align] |
[align=justify]فالأكل عن هذا الطريق ( الباطل) من الظلم الذي حاربه الإسلام في جميع المعاملات بين الناس , ويؤكد هذا المعنى أن جميع ما جاء النهي عنه من المعاملات في الكتاب والسنة، يعود في الحقيقة إلى إقامة العدل، ونفي الظلم. فالشارع الحكيم نهى عن الربا لما فيه من الظلم، ونهى عن الميسر؛ لما فيه من الظلم وأكل المال بالباطل، ونهى عن أنواع كثيرة من البيوع؛ لما فيها من الظلم والبغي بغير الحق، وذلك كنهيه عن بيع المصراة، والمعيب، ونهيه عن النجش، والبيع على بيع أخيه المسلم، وعن تلقي السلع، وعن الغبن، وعن الغش، وعن التدليس على الناس بتزيين السلع الرديئة، والبضائع المزجاة، وتوريطهم بشرائها، وغير ذلك كثير؛ فإن عامة ما نهي عنه من المعاملات يرجع المعنى فيها إلى منع الظلم (1), أو الأكل بينهم بالباطل.
المطلب الثاني : أن تكون التجارة عن تراض . قرئ: تجارة بالرفع وبالنصب، وهو استثناء منقطع، كأنه يقول: و في لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال (2) . __________ (1) الحوافز التجارية التسويقية , ص 35 (2) تفسير ابن كثير , ج 2 ص 268[/align] |
[align=justify]فالتجارة عن تراض، هو ما كان على ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم من تخيير كل واحد من المشتري والبائع في إمضاء البيع فيما يتبايعانه بينهما - أو نقضه بعد عقد البيع بينهما وقبل الافتراق - أو ما تفرقا عنه بأبدانهما عن تراض منهما بعد مُواجبة البيع فيه عن مجلسهما , وقال آخرون: بل التراضي في التجارة، تُواجب عقد البيع فيما تبايعه المتبايعان بينهما عن رضى من كل واحد منهما: ما مُلِّك عليه صاحبه وَملِّك صاحبه عليه، افترقا عن مجلسهما ذلك أو لم يفترقا، تخايرا في المجلس أو لم يتخايرا فيه بعد عقده (1) , و ذهب إلى هذا القول الحنفية و المالكية فالتراضي يحصل بمجرد صدور الإيجاب و القبول فيتحقق الالتزام من غير انتظار لآخر المجلس , و لم يأخذوا بالأحاديث الواردة في إثبات خيار المجلس لمنافاتها لعموم الآية (2).
و الحديث على ثبوت خيار المجلس كثير منها : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَرُبَّمَا قَالَ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ , و قوله عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا (3). __________ (1) تفسير الطبري , ج 6 ص 56 (2) الفقه الإسلامي و أدلته , 5 ص 251 (3) صحيح البخاري , 7 ص 253 و 300[/align] |
[align=justify]ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي رحمه الله على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول؛ لأنه يدل على التراضي نَصا، بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا ولا بد، وخالف الجمهورَ في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي، وكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا، فصححوا بيع المعاطاة مطلقا، ومنهم من قال: يصح في المحقَّرات، وفيما يعده الناس بيعا، وهو احتياط نظر من محققي المذهب، والله أعلم (1).
المطلب الثالث : عدم الكتابة في التجارة الحاضرة . و هذا الحكم من قوله تعالى في أطول الآيات في القرآن و الذي جاء فيها الأمر بالكتابة في الدين , و المعاملة الأخرى و هو قوله تعالى : ..... إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ..... , أي إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها (2). ولمّا علم الله تعالى مشقة الكتاب عليهم نصّ على ترك ذلك ورفع الجناح فيه في كل مبايعة بنقد ، وذلك في الأغلب إنما هو في قليل كالمطعوم ونحوه لا في كثير كالأملاك ونحوها . وقال السّدِّيّ والضّحاك : هذا فيما كان يداً بيد . و قوله تعالى : { تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } يقتضي التقابض والبينونة بالمقبوض . ولمّا كانت الرِّباع والأرض وكثير من الحيوان لا يقبل البينونة ولا يغاب عليه ، حَسُن الكَتْبُ فيها ولحقت في ذلك مبايعة الدَّين؛ فكان الكتاب توثُّقاً لِما عسى أن يطرأ من اختلاف الأحوال وتغيُّر القلوب . __________ (1) تفسير ابن كثير , ج 2 ص 629 (2) نفسير ابن كثير , ج 1 ص 725[/align] |
الساعة الآن 10:01 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |