![]() |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 71 تقديم علاء بسيوني نكمل أهمية هذا الأمر في المجتمع ونتكلم عن التدبر في آيات سورة الفرقان وصفات عباد الرحمن. ونحن نتدبر آيات الله كنا قد توقفنا في الحلقة السابقة عند مسألة تقديم السمع على البصر في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) فهل من ضمن أسباب هذا التقديم أن الإنسان عندما ينام تنام العين ولا تنام الأذن بدليل أننا نعد المنبه فنسمعه ونصحو لكن العين لا ترى شيئاً وهي نائمة؟ وهل هناك أسباب أخرى لتقديم السمع على البصر في هذه الآية؟ هذا أحد أسباب تقديم السمع على البصر في كل آيات القرآن ويأتي السمع مفرداً ويأتي البصر جمعاً (الأبصار) لأن هذه المسألة تتعلق بالمراد أو لازم معنى الآية. هذه الآية أخذناها من أكثر من زاوية لنصل مع المشاهدين إلى حقيقة الفهم الذي يجب أن يكون في كتاب الله سبحانه وتعالى. القرآن هو المعجزة التي أرسلها الله تبارك وتعالى على رسول الله، لكل نبي رسالة والرسالة تتضمن الكتاب ثم معجزة لهذا الرسول أمام من بُعث فيهم والرسول r معجزته هو الكتاب والمعجزة أكبر من تصور كل من يتعرض لهذا الكتاب باستثناء الرسول r. المعجزة أكبر من أن نحيط بها وهذه الآية التي بين أيدينا من فضل الله تعالى تحمل هذا المعنى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا). عندنا أكثر من نقطة في هذه الآية ويمكن أن نعرضها اليوم سبق وأجبنا عن دلالة استخدام (إذا) في الآية من حيث كنه الشرط، إذا ذكروا إحتمال أن يذكروا وإحتمال لا وهذا المعنى مهم جداً على الاتجاهين الذين تحملهما الآية في توصيف عباد الرحمن وفي غير عباد الرحمن ونضع الآية مرة في حق عباد الرحمن ومرة في حق غيرهم، لما نسمع الآية نفهم أن عباد الرحمن إذا ذكروا بآيات ربهم استوعبوها وإذا لم يُذكّروا هم سائرون على نفس الطريق أما غير عباد الرحمن (الصفة هنا منفية عن عباد الرحمن إذن تتعلق بأناس غير عباد الرحمن) هؤلاء غير عباد الرحمن إذا ذُكروا ادّعوا وتظاهروا أنهم يوافقون وإذا لم يُذكروا يسرون على الطريق الذين اتخذوه. إذن (إذا) لها توصيف غير الشرط وهذه النقطة التي نريد أن ننبه إليها طلاب اللغة أنهم عندما يتناولون الآيات يحب أن لا يتوقفوا عند توصيف أحد العلماء للكلمة فمثلاً المعروف عندما نسأل أي طالب عن (إذا) بعضهم يقولون هي أداة شرط والبعض يقولون هي ظرف وتستخدم للزمن المستقبل والجوهري كان له رأي غريب جداً أنها إسم فقال أن المسألة ليس بتوصيف اللفظ وإنما باستخدامه وقال أن (إذا) إسم وينطبق عليها بعض توصيفات الإسم وتعريفاته إنما في الحقيقة عندما نتدبر الآية عدة مرات (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) نجد أن (إذا) لها معنى مبدع أنها في عباد الرحمن تحمل معنى (كلما) يعني أنه لم يحدث أبداً أنهم ذُكِروا بآيات ربهم فخروا عليها صماً وعمياناً هذا المعنى بعيداً عن الظرفية وتفيد بحقهم معنى الاستمرارية بمعنى عندما أو كلما، إذن (إذا) ظرف للزمن المستقبل والأهم أنها تحمل معنى (كلما) لتعطي وصف عباد الرحمن وتميزهم عن غير عباد الرحمن. آيات ربهم: قلنا أن الكتاب معجزة الرسول r وموسى u كان لديه تسع معجزات وكذلك عيسى u كان له أكثر من معجزة وسبق أن ذكرنا أن معجزة كل تناسب العصر الذي هو فيه وطبيعة الناس وكذلك الكتاب لكن نسأل طبيعة الناس في عصر البعثة كطبيعة الناس في عصرنا الحالي من حيث المستوى اللغوي؟ بالطبع لا لأن مستوى فهمنا للغتنا العربية الآن ضعيف جداً إذا ما قورن بالناس في عصر البعثة حتى أننا ما عدنا نتكلم اللغة العربية الصحيحة وإنما نتكلم اللغة العامية، حتى التلقي اللغوي عندنا ضعيف بحيث صارت عبئاً وحتى طلابنا يقولون أن النحو والصرف صعب والمشاهدين يتذكرون أحياناً من عبء اللغة عندا ندخل في موضوع اللغة في القرآن. ما معنى كلمة (آيات) في الآية؟ الآية إما أن تكون آيات كونية (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة) وإما آية قرآنية المفصولة بفواصل السور والآية المعجزة إذن سيبقى الإعجاز في القرآن سهلاً جداً بالنسبة لعباد الرحمن الذين يُحسنون التلقي والذين إذا ذكروا بآيات ربهم سواء كانت كونية أو لغوية أو إعجازية قرآنية لا يعترضون لأنهم فهموا كعباد الرحمن أنها تُفهم هكذا وهذه هي رصيده وفخره فلا يقول لآيات ربه دع هذه الآية أو تلك. نحن عندنا منهجين في الدعوة أحدهما ينزل إلى مستوى الناس المطلوب والثاني ينزل إلى مستوى الناس ويصعد بهم. هناك آيات في القرآن إذا لم نتحدث في لغتها ومعناها وتوصيفها ولازم معناها وتوقيعها لا نفهمها والفهم المتعرف عيله له لا يؤدي المعنى أبداً. نحن تكلمنا عن مسألة الخرور في حلقات وقلنا أن الخرور مرتبط السجود عند كل الناس كما في وردت في كل القرآن لكن لما ذكر كلمة الخرور مع صماً وعمياناً خرج من معنى السجود ولو أزلنا النفي من الآية يكون خروا صماً وعمياناً يعني ليس له علاقة بالسجود والمولى سبحانه تعالى وصّف لنا حالة غير حالة السجود. وصف الله تعالى لنا حالة مقابلة لحالة عباد الرحمن الذي كلما ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليهم صماً وعمياناً وهي حالة من إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. مسألة الخرور هي السجود عندما نسمع آيات الله تعالى أو نرى آية معجزة تأتينا حالة وجدانية ونهب ساجدين باندفاع وشوق. القضية في الخرور أنه في القرآن كله كان له معنى السجود مثل قوله (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26) النحل) بلا انتظام وبلا ترتيب إلا في هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) لما قال صماً وعمياناً أخرجنا من حالة السجود في حق غير عباد الرحمن أما عباد الرحمن فيخروا واعين مبصرين ساجدين إذا ذكروا بآيات ربهم لكن الذين خروا صماً وعمياناً لن يسجدوا لا بالمعنى ولا بلازم المعنى أي لن يخشعوا لأن السجود بالمعنى اللغوي هو إما طريقة السجود كما في الصلاة أو الخضوع لمنهج الله، إذن هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) نفهمها بلازم المعنى أو بالمراد يعني عباد الرحمن إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها بآذان واعية وأعين واعية ساجدين خاشعين وبالمقابل غير عباد الرحمن لا ينفع أن نقول ساجدين صماً وعمياناً إذن الخرور في حقهم بمعنى الإقبال أي أقبلوا عليها بآذن صماء وأعين عمياء يعني لم يستفيدوا. إقبال عباد الرحمن وإقبال غير عباد الرحمن فعباد الرحمن منذ بداية التوصيف (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)) حالتهم ثابتة إلى نهاية توصيفهم (أولئك) و(إذا) في حقهم تأتي بمعنى كلما أو عندما وهم على صراط مستقيم لا يقوى عليه غير عباد الرحمن. إذا أخذنا الخرور بالمعنى اللغوي الثابت أي السجود عباد الرحمن يسجدون لله تعالى وغير عباد الرحمن يسجدون للشيطان ومنهجه ولذها في القرآن يذكر لنا فريقين دائماً فريق في الجنة وفريق في السعير، يوم تبيض وجوه ويوم تسود وجوه إما أن تكون من عباد الرحمن أو من عباد الشيطان. الناس دائماً تقول لو أراد الله تعالى لهداني والمسألة أن أمنية كل واحد منا الملتزم وغير الملتزم أن الخاتمة فيها خير. نضرب مثالاً أحدهم أراد أن يموت ميتة عمر ابن الخطاب الذي مات ساجداً والشيخ عبد الحميد كشك كان يعلمنا هذا (وليس بالتحديد أن يكون السجود هو سجود الصلاة لكن بلازم المعنى والمراد وهو أن يكون خاشعاً خاضعاً مجاهداً في سبيل الله) تموت في سبيل الله والذي يموت في سبيل الله يكون حياً يُرزق عند الله سبحانه وتعالى بلازم معنى الحياة، ألا يجب على الذي يتمنى هذه الميتة أن يعمل ما يؤدي لها؟ فالذي يتمنى أن يموت في المسجد كميتة عمر ابن الخطاب وهو لا يذهب إلى المسجد أصلاً فكيف يحصل على هذه الميتة؟! إياك أن تظن أنه يمكن أن تطلب شيئاً وتسلك طريقاً آخر لأن الجهة ستكون منفكة. من الأخطاء الشائعة أن الناس تخلط بين التسيير والتخيير والبعض يعتقد أنه يمكن أن يجلس في بيته لا يعمل شيئاً ويدعو الله بحسن الخاتمة هذا مستحيل والرسول rفي الحديث - إن صحّ لأن فيه مشكلة في السند - عندما سُئل عن قوم لا يعملوا ويحسنون الظن قال كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. إذن حتى تقول يا رب يجب أن تعمل. مثال آخر طالب ملتزم ويؤدي الفروض في المسجد والنوافل ويصوم ودخل الكلية فأخذ الكتب ووضعها في الخزانة وقال يا رب نجحني في كل صلاة فكيف ينجح هذا الطالب؟ هذه نقيسها على مقلوب المعنى الذي قلناه أنت لم تعمل إذن يكون متن الحديث سليماً لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل وعلي ابن أبي طالب قال: من عرف الله خافه، أنت تقول يا رب وأنت لا تخافه إذن كلمة يا رب عندك منفكة الجهة. الرب يستجيب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) إذا دعاني على الوجه الذي يتسق بين الدعاء والعمل لأن الآية تقول دعوة الداعي يعني هو يدعو و(إذا) هنا ظرفية تحتمل معنى الشرط ولازم معنى آخر وهو أن يتسق الدعاء بين القول والمسلك يعني أدعو الله وأن آخذ بالأسباب وليس هذا فقط عمل وإنما أعمل بإيمان وعقيدة سليمة وحت لو لم أدعو في هذه الحالة يستجيب الله تعالى. نحن نريد أن نُخرج الناس الذين إذا ذكروا بآيات ربهم يخرون صماً وعمياناً إلى دائرة عباد الرحمن، من ضمن مسالك الشيطان مسألة الوقوع تحت فكرة أن الله غفور رحيم فقط، هناك حالة إنفصام في شخصية بعض الناس الذين تجدهم يعملون للكمال في كل أمور حياتهم الدنيوية من عمله وأو شراء سيارة أو بيت ويحسن العمل ويتقنه في كل شيء إلا في مسألة الدين لا يُحسن العمل والتقوى لأنه في نظره الله تعالى غفور رحيم فما سبب حالة الإنفصام هذه؟ الفصام للأسف موجود حتى في الأمور الدنيوية والأمر يختلف من حيث الحقوق والواجبات فالشخص مثلاً يريد الإتقان من غيره في أمر يريده هو وهو يتخلى عن هذا الإتقان إذا كان الموضوع يتعلق بغيره. الفصام إذن موجود بين الدنيا والآخرة من ناحية وبين الحقوق والواجبات من ناحية أخرى ولولا هذا الفصام لما جاءت الواو في قوله الله تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) وهذا يبين أنهم حالة متفردة جداً وحتى تكون معهم أو مثلهم يجب أن تكون (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) (إذا) هذه تحمل الظرفية للزمن المستقبل لكنها تحمل معنى أنهم هم أساساً هكذا حتى يكونوا عباد الرحمن هم ليسوا الآن هكذا وصفات عباد الرحمن كلها جاءت متدرجة لكن مجتمعة. ينبه المولى تعالى الناس الذين يريدون أن يكونوا من عباد الرحمن أن لا يخروا عند التذكير بآيات الله صماً وعمياناً. هناك آيات في القرآن الكريم والسنة الصحيحة تتحدث عن أهمية التدبر وأهمية القلب والفؤاد في جوهر الإنسان وجوهر العقيدة وفي هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) التركيز فقط على السمع والأبصار فهل لهذا التركيز دلالة معينة؟ وهل هذا يلقي مسؤولية ثقيلة على الإنسان يوم الحساب أنه سيحاسب على هذه الجوارح؟ مسألة اختيار السمع والبصر والتحذير الإلهي في الآية إياك أن تحول نعمة الله عليك في مسألة السمع والبصر أن تجعل نفسك بيدك أنت أصم وأعمى لا تريد سماع آيات الله ومنهجه ولا تريد أن تراها، هذه مشكلة. في سورة الإسراء قوله تعالى (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)) يبين الله تعالى لنا أننا مسؤولون عن هذه النِعَم. (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) هذه متعلقة بالمسؤولية ما علمك بهذا الموضوع؟ والمسؤولية يوم القيامة ليست مسؤولية المتخصص وإنما مسؤولية المتخصص أصعب ونحن نتكلم عن البشر، في العامة لأن كلمة المتخصص أجدهما محتذلقة بعض الشيء فالناس تقول يجب على المتكلم أن يكون متخصصاً، ما كنه التخصص؟ّ مثلاً أصول الدين نفسها فيها مليون تخصص فالتخصص قضية والمسؤولية العامة أمام الله تعالى قضية أخرى لا تحتاج إلى تخصص، يوم القيامة لن يحشر المتخصصون وحدهم لكن مسؤولية المسؤول أصعب من مسؤولية السائل وسؤاله أصعب (يا أيها المفتى تثبت قبل أن تفتي لأنك توقع بالإنابة عن الله ورسوله) ولا يجوز أن يفتي لأنه رأى كذا أو اجتهدت كذا لأن الرسول r إن الحلال بين وإن الحرام بيّن. القضية في (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) هذه ليست للمتخصصين وإنما للعامة أنك عندك حدود وأنت تعملها في الدنيا، أحدهم يقول عيني متعبة وآخر يقول له ضع قطرة كذا فيقول دعنا نأتي بطبيب متخصص وفيقول له الطبيب لو وضعت القطرة لساءت حالتك هذه مسألة أنت تعملها في الحياة الفانية أما في الدين والمنهج نجد كل الناس تفتي على هواها. (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) نفهم أن السمع نعمة والبصر نعمة والفؤاد نعمة (الفؤاد لولاه ما كان القلب وهو الذي يحتوي القلب) كل هذه سنُسأل عنه. أسأل سؤالاً الذي وُلِد وهو لا يسمع أو لا يرى يدخل تحت هذه الآية أو لا يدخل؟ النسا الذين لا يسمعون ملتزم بالمنهج أو لا؟ الله تعالى لم يستثنه في الآية لأن الوعي شرط التكليف. في المحلّة الكبرى هناك رجل يحضر المحاضرات ويجلس في الصف الأول وهو لا يسمع لكنه يقرأ شفاه المتكلم ومن خلال حركة الشفاه صار يفهم فالوعي ليس له علاقة بمطلق السمع. فإذا هذا الرجل عمل هكذا هذا سيكون حجة على الذين يسمعون وليس عندهم وعي. والكفيف الذي يذهب فجراً إلى المسجد يومياً حتى لو لم يجد من يساعده حجة على المبصرين الذين لا يذهبون لصلاة الفجر في المسجد. لو أردت أن تفعل شيئاً يمكنك أن تعملها وإن لم يكن لديك وسائل فإن كان لك وسائل إياك أن تهدر نِعَم الله تعالى عليك في التلقي لذلك قال تعالى سورة الإسراء (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) وفي سورة الفرقان (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) لازم معنى السمع والبصر وهم ليسوا صماً ولا عمياناً لكنهم عطلوا النعم التي أعطاهم الله تعالى بأيديهم لم يعطلوها كأداة وإنما عطلوا فائدتها أنه استخدمها في غير مرضاة الله سمع بها حراماً وأبصر بها حراماً فكأنها غير منتجة بالنسبة للحلال مثل الرجل الذي يشرب الخمر ويتباهى ويقول ما عدت أسكر هذا تبلد أو مات هذه ليست ميزة كما يراها وإنما خيبة. البعض يشرب كأساً من الخمر وعندما تنصحه يقول لك هلى سيترك الله الخلق جميعاً ويحاسبني على هذا الكأس؟ الله تعالى سيحاسبنا على كل شيء، أحدهم قال لعلي ابن أبي طالب كيف يحاسب الله تعالى الخلائق في آن واحد؟ فأجاب علي ابن أبي طالب كما يرزقهم في آن واحد فهو تعالى يرزقهم في آن واحد بقدرته ويحاسبهم في آن واحد بقدرته. قدرة الله تبارك وتعالى بلا حدود الذي يسأل مثل هذا السؤال العقيدة عنده فاسدة فيقول هذا الكلام والذي عقيدته سليمة لا يمكن أن يسأل هذا السؤال. ويمكن أن نأخذ هذا الإنسان مثالاً على من عطّل نعمة السمع والبصر ممن إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. لو قرأ هذا الإنسان القرآن وذُكر بها لم يخر عليها صماً وعمياناً ولوجد إجابة عن كل أسئلته من القرآن الكريم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الذاريات) اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل. دلالة تقديم السمع على البصر: انت تراني فعندما أتكلم تسمعني لكن إذا كان هناك من لا يراني لن يلتفت لي إلا إذا أصدرت صوتاً فالسمع يلفتك لكي تنظر. السمع دائماً يوجه البصر، الحاضر للواقعة يراها لكن البعيد الصوت ينبهه لها وإذا لم يكن حاضراً يخبره أحدهم فيسمعها، النظر لا يأتي إلا بعد لفتة بالسمع. الأصم أصعب في التلقي من الكفيف لأن الكفيف يسمعك أما الأصم فيجب أن يحصل على المعلومات عن طريق لغة الإشارة أو مكتوب بلغة بريل يعني صماً أصعب من عمياناً وحتى لغة الإشارة لن تكون دقيقة جداً مثل الترجمة هذه نعمة كبيرة أننا نفهم اللغة العربية التي نزل بها القرآن لكن من يضمن الترجمة لأنه لا يوجد في اللغات الأجنبية ما يناسب معنى ولازم معنى القرآن والمراد واستيعاب الغربي لمعاني القرآن مختلف عن استيعاب العربي للغة العربية. فيجب على من لديه نعمة أن يستخدمها قبل أن تزول وهو على قيد الحياة لأن بعض النعم تزول عند الكِبر. من أهم أدعية الرسول r : اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا" وهذا الدعاء سنشرحه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. بُثّت الحلقة بتاريخ 11/3/2008م |
التوبة والإستغفار 72 النعم التي أنعمها الله تعالى علينا كثيرة جداً والناس تتصور أن كل علاقته بالنعمة أن يشكر وينسى الكثيرون أن هناك مسؤولية واقعة عليهم كبني آدم في تلقي هذه النعم ونعطي مثالاً أنه لما نبهنا الرسول r أن نعمة المال سنحاسب عليها مرتين: من أين جئت بالمال؟ وكيف أنفقته؟ هل حصلت عليه من حلال أو من حرام؟ وهل أنفقته في حلال أو في حرام؟ وهذا يؤصل لكل النعم التي أنعمها الله تعالى علينا فالموضوع ليس فقط مسألة شكر على النعمة وإنما مسؤولية النعمة وهذا ما سنقف عنده في هذه الحلقة لنتدبر مفهومه حتى نخرج بآلية جديدة تساعدنا على أن نكون جميعاً من عباد الرحمن بإذن الله تعالى.تقديم علاء بسيوني المسوؤلية ثقيلة وهي لست مجرد كلمات تقال فقط ونتذكر الآيات التي تتحدث عن بعض البشر الذين سيتساءلون كأنهم لم يسمعوا هذا الكلام من قبل (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) وهذه نفس الآية التي تعلموها في الدنيا أنهم سيقولونه وقرأوا هذه الآية مراراً لكنهم لم يعوا مسؤولية هذه الآية وأنهم سيُسألون عن كل كبيرة وصغيرة. نتكلم عن مفهوم المسؤولية المرتبطة بمفهوم النعمة ونتابع حديث رسول الله rودعائه المأثور:" اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا". في حديث رسول الله r وقفات ونحن نتكلم عن المسوؤلية التي تشكل عبئاً على النفس وثقلاً والرسول r يقول" اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا" يعني كأني برسول الله r يعلمنا أن نفهم أن النعمة متعة وهذه لا نشعر بها إلا إذا فقدنا هذه النعمة مثل ضعف السمع أو البصر أو القلب وهناك نقطة مهمة أن القلب كعضو عامل في الجسم كمحرك يضخ الدم غير معنى القلب الذي يتكلم عنه القرآن وغير الفؤاد والمعنى اللغوي لكلمة قلب التي سميت باللب أو الحجر الذي هو العقل الذي محله القلب. حديث الرسول r: "اللهم متعنا بأسماعنا" فالسمع متعة أنني أسمع ثم أستوعب ثم أقارن ثم أناقش ثم يستقر في قلبي عقيدة أن الله واحد لا شريك له لا ولد له ولا صاحبة. الحديث " اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا" هذه الثلاثة هي الموجودة في الآية (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) الإسراء) السمع والبصر والفؤاد، القوة جاءت من قوة البدن من هذا العضو العامل القلب الذي يضخ الدم (وسنشرح في حلقات قادمة الفرق بين القلب كعضو عامل والقلب في معناه اللغوي في القرآن). "متعنا بأسماعنا" لما نذكر آية سورة الإسراء وآية سورة الفرقان التي نتدبرها (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) صماً وهم عندهم آذان، عمياً وعندهم أعين، عندهم سمع لكن لم يتمتعوا به وعندهم بصر ولم تمتعوا به وعندهم قلب لم يتمتعوا به. هناك نموذج من الكفار والمشركين في زمن الرسول r الذين كانوا لا يريدون سماع آيات القرآن أبداً كأنهم ليس لديهم آذان بحيث وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا القرآن (يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم (19) البقرة) هذا تشبيه مجازي خطير في سورة البقرة ولذلك قلنا أن القرآن مبني على المجاز والبيان، عادة عندما تضع إصبعك في أذنك تضع أنملة واحدة لكن القرآن استخدم الإصبع كله (يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) لا يضعون الأنملة وإنما يضعون أصابعهم وهذا كناية على أنهم يريدون أن يسدوا آذانهم بحيث لا يسمعون شيئاً ثم يقولوا (قلوبنا غلف) من الذي قفلها؟ قبلها في سورة البقرة البعض يقول ما ذنب الكافر والمنافق واليهودي والنصراني؟ والله تعالى يضرب لنا مثلاً في ألعن فئة وهم المنافقون (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) هم أمرضوا أنفسهم بأنفسهم ببعدهم عن المنهج ووضع أصابعهم في آذانهم وهذا يدل على أنه هم الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً وهذا ما عبر عنه القرآن في قوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) الذي تريده تأخذ منه. في سورة نوح، نوح r يشتكي إلى الله تعالى قائلاً (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) نوح) لا يريدون أن يسمعوا ولا أن يروا وهذه من المفارقات والقرآن الكريم يحكي عن الأنبياء كل واحد منهم يقول (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) الشعراء) ومع ذلك بعض الناس تريد أن تعطل آذانها وتغلق أعينها. في سورة البقرة ذكر تعالى (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (16)) دفعوا الهدى مقابل شراء الضلالة، أخرج كل رصيد الهدى الذي عنده ولم يبق عنده شيء مع أنه في أول سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) كأن المولى تعالى يخبرنا عن الذي لا يريد القرآن ولا يريد الهدى ويخرج كل الهدى الذي عنده ودفع الهدى ثمن الضلالة فجعلوا أصابعهم في آذانهم. المناطقة قالوا أنه المفروض أن لا يكون هناك كفر أو شرك أو نفاق في عصر النبوة لأنه كان موجوداً والقرآن ينزل عليه والمعجزة قائمة ومع ذلك حدث وناقشوه r وجادلوه فالحديث في منتهى الإبداع "اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا" وباقي الحديث أهم " واجعله الوارث منا" كثير من الناس لم يفهم هذا الجزء من الحديث. لماذا قال واجعله ولن يقل واجعلها؟ نحن نُسأل عادة عن كل أمر على حدة، السمع، البصر، لهذا هم قالوا (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) إعجاز القرآن أن هذه الآية قرأها هؤلاء المكذبين في الدنيا أو سمعوها، مثل قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا (142) البقرة) لما يتسلل الخبر في قريش أن الرسول r نزلت عليه آية تقول سيقول السفهاء وأنه ستتغير القبلة فلماذا تفعلوها؟ لو حصلت ولم يقولوها وأحصيت كل ما ادعاه كفار قريش على الرسول r فوجدت أن القرآن كذّبه قبل أن يقولوه. الشاهد في كلامنا أن الكفار كان يجتمعون ليكذبوا الرسول rفهذه فرصة سانحة، الرسول يقول كلاماً فلم يحصل أنهم لم يقولوا عكس ما نزلت به الآيات وهذا كله تحقيقاً لقوله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) يوسف). إذن يا ويلتنا ستحصل ثم هم يقولون (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) و(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) الانفطار) التعبير في قوله (كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)) يبين أنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. كراماً كاتبين مثل أن يكون ليك كاتب عدل وكاتب غير عدل، كاتب غير عدل قد يزيد شيئاً أو ينقص جزءاً وهذا يحدث كثيراً في التحقيقات عن قصد أو عن غير قصد لكن تعبير القرآن عن شيء سيحصل (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) نتيجة الذين كتبوه (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) لا خروج منها ثم يقول (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)) كأني بالله يقول لنا أن الناس لا تفكر في هذه المسألة وحتى لو فكرت لن تصل إلى تصور ما يحصل. عندما يقول ما أدراك إذن سيقول ولو قال وما يدريك فلن يقول (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)) الكلام الذي يفعله الناس من أن يعتمر أحدهم عن أحد أو يحج عنه أو غيره وكأن لديهم رصيد حسنات يوزعونه على هذا وذاك ويدخل هذا الجنة وهذا النار! (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) هل الأمر لله فقط يومئذ؟ الأمر في كل حين لله تبارك وتعالى إذن لماذا قال والأمر يومئذ لله؟ لأنه ساعتها فقط سيتبين لبعض البشر أن الأمر دائماً وأبداً لله وعندها فقط سيفيق من غفلته حيث لا ينفع الندم. الرسول r يقول في الدعاء " أبداً ما أحييتنا" هل هذا الكلام له علاقة بالقاعدة التي وضعها الله تعالى في القرآن كما في آية سورة يس (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) وفي سورة الحج (وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا (5))؟ ربنا خلق الإنسان لا يعلم شيئاً ثم جعل له السمع والأبصار والأفئدة ليتعلم. هذه إرادة الله تعالى ولا يُسأل عما يفعل فما الحكمة من أن الإنسان عندما يكبر في السن ويرد إلى أرذل العمر يعود ضعيفاً كما كان وهو صغير ونتعامل معه في الكبر كما كنا نتعامل معه عند الصغر من حيث الأكل والشرب والمساعدة في الوقوف والمشي وغيره؟ فما الحكمة من القاعدة أن تكون النهاية مثل البداية؟ الحكمة بالغة المفترض أننا لما نعمل شيئاً كآلة مثلاً عند تصميمها تعتبر أن لهذه الآلة عمر افتراضي، كلما تشتغل الآلة تُستهلك ففجأة تبدأ فيها المشاكل مثل السيارة هذا في صنعة البشر، المولى عز وجل يريد أن يلفت نظرنا إلى أن المسألة تمشي على مراده هو تعالى لا على مراد البشر فلو عُمِّرت كما تشاء لن تكون هناك فائدة في هذه الفترة الزائدة لأنك ما استفدت من فترة الوعي من سن 15 إلى 55 أو 60 وهناك حالات نادرة جداً لسن 85 وما زال لديهم الكفاءة الذهنية وخاصة أهل القرآن ونحن لا نتكلم عن الناحية الجسدية. عندنا في القرآن آيتين مبدعين فيما نقوله، هناك من اليهود من قال (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ (96) البقرة) رد القرآن كان مبدعاً صرف النظر عن الصحة والقوة ما هو بمزحرحه من العذاب، طالما لم يستغل المرحلة الأولى من حياته وهي فترة الوعي فحتى لو عاش ألف سنة بصحته لن تزيده إلا عذاباً لأنه سيستغل هذا العمر في الشر. القضية في أن الذي يرد إلى أرذل العمر يُنكّس في الخلق هذه حكمة بالغة وضربنا مثال الآلة التي نستعملها مهما تصلح فيها إذا تعطلت لن تنفع. ربنا تعالى جعل في الخلايا التي تشكل جسم الإنسان القدرة الذاتية على التجديد فتموت خلايا وتتجدد خلايا ونحن نتكلم هذه عملية مستمرة بإذن الله تعالى في قوة ذاتية وضعها في الجسم البشري وهذه الخلايا نفسها عندما يريد الله تعالى تصاب بالشيخوخة ولا تعود تؤدي عملها وهذه الخلايات نفسها قد تتكاثر بصورة غير طبيعية فتصبح سرطاناً أو أمراضاً أخرى تصيب الجسم البشري فسبحان الله! نضرب مثالاً في شخصين وصلوا إلى سن السبعين، كلاهما أصيب بضعف البصر من سن الخمسين أحدهما من سن الخامسة عشر بدأ يعي القرآن ويسمع ويستوعب ويطبق وصل إلى الخمسين فبدأ يضعف بصره فعاش من الخمسين إلى السبعين على رصيده الذي جمعه في فترة الوعي وهو في صحته والآخر قرر أن يبدأ عن سن السبعين بأن يعي القرآن وفجأة مات فعلى ماذا يعيش هذا؟ ليس لديه رصيد مسبق. هذا الذي جعل الرسول r يقول " واجعله الوارث منا" أي الأعضاء التي تتلقى (الأسماع والأبصار والقوة المبنية على قوة قلب سليم ومخ سليم فتسير الأعضاء بشكل صحيح) من الوارث؟ الذي يعيش بعده، لا يرثني إلا الذي يعيش بعدي شخص موجود فقول الرسول r " واجعله الوارث منا" أي اجعل هذ الأعضاء على قوتها إلى أن أموت وكأنها هي التي ترث فكأنها مدركة إلى آخر لحظة وعندما أموت لن أحتاج لها وهذا تعبير مجازي آخر. ما دلالة قوله (واجعله) صيانة احتمال في الطلب أن يستجيب الله تعالى لأحد هذه الأعضاء دون غيرها، هذا صحيح ومعه رأى آخر (واجلعه) نضعها مع التمتع بمعنى واجعل التمتع بهذه الأشياء هو الوارث. إنسان يعيش حلاوة النعمة فيتمتع بالسمع وحده لما يسمع يستفيد من سمعه جداً ويستفيد من بصره جداً ويستفيد من قوته جداً ثم يجمعهم ثم لما يسأل يسأل بالتمتع اجعل التمتع بكل منها بقوته وطالما سيكون الوارث يعني سيعيش إلى أن أموت " واجعله الوارث منا" يعني اجعل التمتع بهذه النعم الوارث منا. سؤال: الوارث في الحديث ليس بمعنى الميراث وإنما الإرث لأنه لا نورث ما تعلمناه. الوارث إسم فاعل وليس الموروث. هل الوارث في الحديث مرتبط بإرث الآخرة بمعنى قوله تعالى (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون) فهل من ضمن معاني الوارث في الحديث أن يجعل التمتع الحقيقي في الآخرة حيث الفردوس والحياة وحيث يكون الإنسان متمتعاً بكل نعم الله تعالى لكن ليس على الأرض وإنما في الجنة؟ واجعله الوارث منا في الحقيقة اللغوية المجازية يعني اجعله الباقي معي مما أنعمت علي في الدنيا لأتمتع بنعمك في الآخرة بنفس معطيات التي أخذتها في الدنيا. من الذي سيدخل الجنة؟ الإنسان الذي طبق المنهج والمجتهد هو الذي يُكافأ. المجتهد أخذ الوسائل التي أعطيت له واستخدمها فنجح في الامتحان فتعطيه مكافأة هذه الجائزة يستمتع بها بنفس الوسائل. أعطيتني وسائل فلم أستخدمها وجعلت وعاء السمع أصماً فلو أردت أن تكافئني وليس عندي وسائل فميف أتمتع؟ أهدرت النعم وعطّلتها فكيف أسمع نعيم الآخرة وكيف أراه؟ وأول توصيف من الرسول r للجنة أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ما لا عين رأت في لازم المعنى تعني إذا كان عندك إدراك بصر في الدنيا مائة بالمائة فأنت تحتاج 200 في المائة لتستوعب الجنة أنت إذا أهدرت المائة فكيف أعطيك فوقهم مائة أخرى؟ حتى لو أردت أن أكافئ الإنسان الفاشل لن يستمتع بها لأنه ضيّع هذه الوسائل منذ البداية ولم يستعملها. كأن الخطاب لبني آدم من المولى عز وجل أنه أعطانا النعم ونحن أضعناها ولم نستفد منها لأننا نحن أهدرناها لذلك علينا أن نطبق " واجعله الوارث منا" سيأخذوني من الدنيا من سمع وبصر ينتظرني في الآخرة فأتمتع بما هو أكبر وأجمل وبما هو باقي لذلك قال تعالى (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون). الناس سترث هذا النعيم لتتمتع بالفردوس ونعيمها ونقيض هذا الكلام من كان في الدنيا يرى لكن الله تعالى حشره أعمى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه). سؤال: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) وقفنا عند هذه الآية في أكثر من حلقة وانتقلنا منها لآيات كثيرة تشرحها. من الذي يمنُّ الله تعالى عليه ويجعله صاحب رسالة؟ هذه نعمة بحد ذاتها. مع أي فريق تحب أن تكون مع الفريق الموجود في الظلمات أو مع الفريق الذي يُذكِّر وينصح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن عباد الرحمن وممن يمد يده ليأخذ الناس إلى النور ولا يكتفي بأن يكون هو وحده على الصراط المستقيم؟ البعض يقول علينا أن نبقى في حالنا ولا علاقة لنا بمن يمشي في الخطأ استناداً للآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) المائدة) فهل نفعل هذا أم أنني كمسلم يجب أن أعرف أنه عليّ أن أتبع وصية الرسول r " بلِّغوا عني ولو آية"؟ نقف عند نقطة على سبيل (فذكِّر) "العلماء ورثة الأنبياء" حديث موضوع وهذا كلام فارغ العلماء ليسوا ورثة الأنبياء وإنما يعملوا بوصية الرسول r "بلغوا عني ولو آية" هذا أمر والأمر الآخر أنك بسؤالك انتقلت من آية للآية التي وراءها. ما قيمة أن نقول وعباد الرحمن ونعطي أوصافهم كما قلنا في بداية سورة البقرة قلنا ليس من الصدفة أن تبدأ سورة البقرة بقوله تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) ثم يعطينا أوصافهم. ما دلالة المتقين؟ لماذا لو يقل المؤمنين؟ أو المحسنين وهم أعلى درجة من المتقين؟ المتقين الذي يتقي ويسمع الأوصاف من بداية سورة البقرة ويسير عليهم سيرقيه الله تعالى حتى يكون من المحسنين وحتى يصل إلى درجة عباد الرحمن. أنت سألت هل تريد أن تكون من الذين يُذكِروا أو الذين يُذكَّروا؟ ما الفرق بينهما؟ نلفت النظر لنقطة مهمة أن الآية أطلقت التذكير ولم تحدد من الذي يُذكِّر (والذين آذا ذُكِّروا) مبني لما لم يسمى فاعله فمن الفاعل هنا؟ قد يكون واحد وقد يكون خاطر تتذكر آية ما، هذا تذكير هذا فضل الله تعالى. إما أن يذكرك أحدهم أو أنت تتذكر. آخر توصيف في عباد الرحمن أنهم يقولون (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) وهذا آخر توصيف (إمام للمتقين) عباد الرحمن لم يسألوا المولى عز وجل أن يكونوا أئمة للناس وإنما أئمة للمتقين الطائفة التي تتمتع بالتقوى، هذا ربط في القرآن بين هذه الآية وبين بداية سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) المتقي لن يجادل ولن يناقش ولن يرد كلامك ولن يسفسط وإنما يذكرك أيضاً بأمور أخرى. واجعلنا للمتقين هؤلاء فريق يخاف الخوف المحمود وهذا الخائف حذر في كل شيء لا يفعل شيئاً قبل أن يتأكد من سلامته. سؤال: كثر في الصحافة الاستهزاء بمهنة الافتاء ونحن لا ننكر أن كثيرين ممن يفتون لا تنطبق عليهم شروط الفتوى والاجتهاد لكن لما حصلت هذه البلبلة تناولت الصحافة هذا الموضوع بشكل ساخر وهذا لا نجده في مهن أخرى فإذا أخطأ طبيب مثلاً لا تجد الصحافة تستهزئ بكل الأطباء لكن في موضوع الافتاء سخرت الصحافة من الفتاوى عموماً ومن الآراء الفقهية وحتى من الدين وقالوا دعوا الدين في المسجد وهذا موضوع خطير جداً. ننظر من الذي تكلم؟ الصحافة، وما قصدهم وما غرضهم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْم (29) الروم) بدليل أن منهم أناس تكلموا بموضوعية جداً ولم تعيب على المهنة وإنما عابت على الذي أخطأ. ولنفترض أن عالماً أخطأ فما المشكلة في ذلك؟ نأتي به ونخبره بأدب لكن لا نحقره ولا نسيء الأدب معه فالنقد شيء وقلة الأدب شيء آخر. الفتاوى هذه جاءت من متخصصين وليس من دعاة جدد فما المانع؟ لكل عالم هفوة لكن هل معنى إذا أخطأ أحدهم أنه يحق له أن أسيء الأدب معه؟ هذه ليست من أخلاقيات المسلم أبداً. القضية فيمن يقول ومن يقول وما غرضه؟ علينا كلنا أن نأخذ قول عباد الرحمن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) إماماً ليس داعية يعني بفعلي أنا أولاً أكون إماماً بفعلي، يمكن أن لا أقول شيئاً لكن بفعلي يأتمّ بي غيري فالمسألة فعل وليست قولاً، يقولون للدعاء ولماذا قال يقولون ولم يقل يدعون؟ ولماذا إماماً وليس أئمة؟ سنقولها في الحلقة القادمة إن شاء الله. القضية في أن (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) نضرب مثلاً الرجل الذي كان مبصراً لكنه نسي الآيات فلما ذهب إلى الآخرة ربنا تعالى حشره أعمى فالذي حصل له أنه كان يرى واليوم لا يرى وهذا يوقفنا مرتين مرة مع الواقعة ومرة مع المثال الذي ضربناه منذ قليل أنه كان لديه وسائل لم يستخدمها فحُشر أعمى فقال حتى نتعلم منها ولا نعملها (قَالَ رَبِّ) الآن تذكر أن له رب! لو قالها في الدنيا كما قال عباد الرحمن قول محقق بالفعل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا)، هذا قال (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) طه) هذه قلة أدب ثانية فهل هو الذي كان بصيراً أم أن هذا البصر نعمة من الله تعالى عليه لكنه ردها ولم يستخدمها فردّ عليه المولى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه) ما حصل معك اليوم أن تأتي أعمى هو نتيجة ما فعلته في حياتك، (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) ماذا فعلت بها؟ جاءتك آياتنا فأنت نسيتها (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) فلما خر عليها صم وعميان حشره الله تعالى أعمى، السؤال هل نُسي هذا؟ النسيان هنا نسيان من رحمة الله تعالى ومن المغفرة وهذا قمة التذكر أن تسأله وتضرب له مثالاً ما حصل له في الدنيا (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى من رحمة الله. بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 18/3/2008م |
التوبة والاستغفار 73 تقديم علاء بسيوني هناك نقلة في الكلام وهي تتكلم عن موضوع قد يبدو للناس لأول وهلة يتعلق بالدنيا وعن الأزواج والذرية فما دلالة هذه النقلة؟ وما أهمية هذا الدعاء؟ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان) د.هداية: هذه النقلة مهمة في حياة كل مسلم لله تبارك وتعالى وهذه النقلة أي الكلام عن الذرية والأزواج والكلام عنهم في حق عباد الرحمن جاء في سورة الأمر الذي يتضمن معنى الدعاء (هب) فعل أمر يتضمن معنى الدعاء و(اجعل) فعل أمر يتضمن معنى الدعاء لماذا؟ لأن العبد من عباد الرحمن لا يستطيع أن يكون من (أولئك) في الآية (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) لا يمكن أن تكون منهم إلا إذا استقر مسألة البيت عندك. النقلة هذه تؤكد أن عبد الرحمن بزوجة غير صالحة لا يستطيع أن يكون، بذرية غير صالحة لا يستطيع أن يكون، وإن كان سيكون على حساب نفسه يعني هذه النقلة لا بد من الوقفة عندها لأن هذه المسألة إذا استقرت بالوضع الذي عليه القرآن فبها ونعمة وإلا ستكون على حساب شيء ما إما على حساب أن تكون من عباد الرحمن وإما أن يكون نوعاً آخر من الجهاد أن تظل من عباد الرحمن لكن على حساب نفسك. المقدم: المفترض عند الزواج أن أختار زوجتي وكذلك الفتاة تختار زوجها د. هداية: وعلى الذي يختار يختار على مراد الله ورسوله في إقامة البيت المسلم لأن البيت المسلم إذا استعرضنا القرآن والحديث سنجد أن يقام على شرع الله من أول لحظة وظلمنا كثيراً الآية (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ (26) النور) على أنها تقرير وهي ليست كذلك وإنما مسألة أنك لما تختار يجب أن تبحث عن الزوجة التي فيها هذه المميزات، الطيبات كلمة واسعة جداً، من الطيبات؟ من الطيبين؟ وقدم الأزواج على الذرية لأنه قد يكون زواج من غير ذرية فقد الأزواج على الذرية ولا يمكن أن تكون ذرية من غير أزواج. وألفت النظر إلى مسألة وهي أن هذه الآية للرجال والنساء على حد سواء في الدعاء (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) هذا الدعاء تستطيع المرأة أن تقولها كما يقولها الرجال، الذين آمنوا مثلاً كلمة تشمل النساء والرجال وكذلك كلمة المؤمنون (قد أفلح المؤمنون) تشمل الرجال والنساء (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) المتكلم هنا الرجال والنساء يعني تستطيع المرأة أن تدعو هذا الدعاء كما يدعوه الرجل والعكس بالعكس. المقدم: المفترض لو اخترت بشكل صحيح ستكون زوجتي صالحة ويأتي منها ذرية صالحة فالمفترض أنني هكذا أعرف الصحيح فأكون بهذا العنصر من عباد الرحمن لكن لو اخترت خطأ وقلت ستنصلح لاحقاً أكون لست من عباد الرحمن؟ د. هداية: المسألة نسبية والنسبية فيها إن صح التعبير مطلقة بمعنى أنه قد تبدأ بأن لا تكون من عباد الرحمن ولم تختار على صفات عباد الرحمن لكن تريد فيما بعد أن تكون من عباد الرحمن فتدعو بهذا الدعاء (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) فهذا الدعاء حتى نحققه إما تدعو به قبل الزواج أو أثناء الزواج أو بعد الزواج. الذي لم يقع في هذه الخطأ يدعو بهذا الدعاء والذي وقع في هذا الخطأ يدعو بهذا الدعاء والذي يريد أن يصحح يدعو فالقرآن يصون كل الاحتمالات، القرآن يصون احتمال الأحداث وقد يسمعنا أحد من الذين أحسنوا الإختيار وحتى لو أحنوا الاختيار قد يكون لديه ذرية غير صالحة والشاهد ما فعله العبد الصالح مع موسى في الغلام الذي قتله كان أبواه صالحان. ليس شرطاً أن تختار بشكل صحيح وتكون الذرية صالحة لذا نحن بحاجة دائماً إلى الدعاء القرآن يقول لنا أن لا ننفصل عن أدعية القرآن التي أنزلها الله تبارك وتعالى كأنه منهج لا يمكن أن تنفصل عنه. أنت اخترت بشكل صحيح وأنت رجل صالح ولديك ذرية غير صالحة. الغلام الذي قتله العبد الصالح كان أبواه صالحان ولم يقصرا في تربيته، وابن نوح أيضاً نوح نبي والمعروف أن النبي لا يقصر لأن الأنبياء معصومون ولا يقصرون ونوح في توصيف العلماء آدم الثاني لكن ابنه (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46) هود). قال نوح (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي (45) هود) فجاء الرد (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) هو ابنه لكن ليس من أهله. نحن نقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، من أهل محمد؟ هم كل من انتسب إلى محمد r ولو بالدين والرسالة لكن الاتكال على النسب للرسول r لن يغني عنهم من الله شيئاً. فاطمة رضي الله عنها ساعة أجلسها رسول الله r وقال لها: اعملوا فما أغني عنكم من الله شيئاً، لن تأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" فمن باب أولى أن النسب وحده من غير العمل لن ينفع شيئاً والرسول r يقول: ما أغني عنكم من الله شيئاً. يعني محمد r لا يمكن أن يقول هذا ابني فما بالك أن يكون من أمته؟ الرسول r لما قال أمتي أمتي لجماعة انتسبوا إسماً للإسلام المولى تعالى قال له "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" هذا يشمل البدع. آل محمد كلمة واسعة من حيث التعريف اللغوي. أن تكون الذرية غير صالحة هذا ابتلاء. قد لا تختار الزوجة الصالحة أو قد لا تكون أنت صالحاً لكن تكون الذرية صالحة كل الاحتمالات موجودة ولكن الآيات تتكلم عن النموذج (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) هم منصرفون بالدعاء إلى أكثر من قضية وكلها لها هدف واحد وهو التقوى. المقدم: الموضوع مهم لأنه في النهاية هذه حياتي التي أجمع فيها حسنات وسيئات ولا يمكن أن أنجح وبيتي غير صالح أو زوجتي غير صالحة والآية الكريمة تتحدث عن قرة أعين وهذا تعبير جميل وربنا سبحانه وتعالى يستخدم فعل (هبّ) من الهبة فهل لهذا علاقة أنه لما قرر في موضوع الذرية تكلم عن موضوع الذكور والإناث في سورة الشورى استخدم كلمة الهبة (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)) كأن الله تعالى ينبهنا إلى أنه قد يهبك إناثاً أو ذكوراً أو توأم أو تكون عقيماً أو عاقراً فهل لهذا علاقة باستخدام فعل (هب)؟ د؟ هداية: هذه الكلمة (هب) فيها مشكلة في التلقي حتى في المفاهيم الأخروية. تعال أولاً نعرّف الهبة، ما هي الهبة؟ هي العطية الخالصة دون عِوَض أو غرض. لما ندرس هذه الكلمة بشكل صحيح بدراستها اللغوية ولازم معناها والمراد منها نجد أنها لا تكون إلا لله في المعنى المطلق ويمكن للإنسان أن يهب أحداً شيء ما في حياته. الهبة في القاموس اللغوي هي العطية الخالصة دون غرض أو عوض وهذه المسألة لا يمكن أن تكون للإنسان لأن الإنسان حتى لو وهب لجميعة خيرية فهو يريد ثواب في الآخرة ولو وهب لإبنه فهو يريد شيئاً منه. الموضوع أن الهبة حتى يهب أحدنا يجب أن تكون عن ملك بيقين، يجب أن تملك ما تهبه، في البدع المحدثة هناك من يعمل شيئاً غريباً فالبعض يقرأ القرآن ثم يقول اللهم إني أهب ثوابه لفلان، لكن هل يملك هذا الشخص ما قرأه؟ أو من قال له أنه أخذ الثواب على قراءته ليهبه لغيره؟ هل ونحن نقرأ القرآن يكون ملكنا بيقين؟ حتى ونحن نصلي لا نملك صلاتنا بيقين ولكن تتمنى أن تجد ثواب هذه الصلاة يوم القيامة. أولاً وهب ثواب القرآن للميت بدعة لم يفعلها الرسول r ولم يفعلها الصحابة ولا يوجد حديث للرسول r أو لأحد من الصحابة أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات، هذا أمر وثانياً هذا فيه إتهام للرسول r بالتقصير وثالثاً أين يكتب هذا الثواب للميت؟ وأين قوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم)؟ البعض فهم أنه لما يقرأ القرآن يأخذ ثوابه لكن ننسى السؤال الرابع في القبر ما عملك؟ تقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، لازم معنى هذا الكلام يعني عملت، القرآن قال لا تسرق وأنت سرقت لن تأخذ ثواباً يتبخر ثواب القرآءة أمام سوء العمل. المنهج إفعل ولا تفعل هذا الذي ستأخذ عليه الأجر، ما أنزل الله القرآن ليُقرأ وإنما أنزله ليتدبر ويُعمل بما فيه فإذا لم تفعل لن تأخذ ثوابه وهذا الذي جعل الرسول r يقول لأهله: اعملوا فما أغني من الله شيئاً ولم يقل اقرأوا. لذلك الهبة في الآية جاءت بصيغة (ربنا هب لنا) أنت يا رب هب لنا وجاءت سبحان الله في الأزواج والذرية كأنني أنا مهما اخترت فلن أصل لما تريده يا رب. المقدم: لماذا استخدم (من) في الآية (من أزواجنا)؟ هل هي للتبعيض؟ وهل (من) لأن الإسلام يبيح تعدد الزوجات أو أن المعنى يقصد أنه حتى لو تزوجت واحدة فلا يوجد إنسان كامل؟ د. هداية: البعض يقول (من) للتبعيض، المفترض أن آخذ زوجة واحدة أو اثنتان أو ثلاثة أو أربعة فإذا قلت من أزواجنا يعني أقررت بنفسي أنني أريد واحدة صالحة والثلاث الأخريات غير صالحات فلا يمكن أن تكون (من) للتبعيض وإنما هي بيانية وإعرابها حال فكأنك تفترض أن الدعاء قبل أن تخطب فيكون الدعاء صحيحاً، فإذا خطب وليس متأكداً أن الأمر سيتم فيقول الدعاء ويكون صحيحاً وإذا تزوج يقول الدعاء ويكون صحيحاً ولهذا تبين الحال (من) بيانية، الآية تقول هب لنا من أزواجنا قرة أعين وهب لنا من ذرياتنا قرة أعين يعني كل ما يأتي من الأزواج والذرية تكون قرة أعين وهذه من الآيات التي تثبت أن الرسول r لا يمكن أن يكون ألّف القرآن. كلمة قرة مع أزواجنا وذرياتنا، قرة كلمة، هناك في اللغة العربية أمر غير موجود في أي لغة ثانية وهو ما يسمى عامل الاشتقاق أن الكلمة تأتي في أكثر من معنى لكن تلتقي في النهاية على لازم واحد. فكلمة قرة تأتي بمعنى اللزوم والثبات وتأتي بمعنى السرور والفرحة وتأتي بمعنى البرودة ولما نأخذ هذه المعاني لازم معناهم الإنبساط، لكن ما الذي أعلم الرسول r أن القرة تأتي في العين؟ يقال لك: أقرّ الله عينك وأسخن عين عدوك، لأن أقرّ عينك يعني برّدها والعرب تقول دموع الفرح باردة ودموع الحزن ساخنة، جسم الإنسان يستقر عند 37 درجة فإذا زادت أو نقصت تكون مريضاً العين لو أخذت هذه الدرجة تنفجر، العين درجة حرارتها 9 درجات مئوية والكبد في الجسم حرارته 40 درجة مئوية لو زادت الحرارة أو نقصت يتعطل. هذا صنع الخالق الأعظم سبحانه وتعالى، حرارة الجسد 37 وحرارة العين 9 درجات فمن الذي أعلم محمداً r بهذا الكلام؟ قرّة يعني برودة وسمون وثبات ونهاية هذه المعاني كلها السرور والفرحة التي تسعدك إما في الدنيا وإما في الآخرة. وقال أعين وليس عيون جمع قلّة كأن عباد الرحمن سيكونون قلة في الآخرة (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ). هذا كلام لغوي عظيم لا يمكن أن يقوله أميّ. في البداية قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) وفي النهاية قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) وتحقق في الموضعين في الأولى قال (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) وهنا (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) هنا قالوا (إماماً) هذه التركيبات اللغوية لا يمكن لأميّ أن يجمعها ويقولها ثم اكتشف بعد ذلك أن درجة حرارة العين 9 والجسد 37 والكبد 40 لكن ساعة قيلت هذه الآية قيلت من لدن حكيم خبير. المقدم: نتمنى أن يركز العلماء المتخصصين في العلوم الدنيوية المختلفة على ربط الأحداث الحديثة بما في القرآن وهنالك هيئة الإعجاز العلمي لكن الجهد ما زال قليلاً والإعلام بما في هذا البحر من كنوز لا يسلط عليه الضوء كثيراً حتى تتحق الآية الكريمة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ (53) فصلت). د. هداية: مرت مرحلة سابقة أخذ الإعجاز العلمي مكانه فترة ثم تراجع. القصة في أن القرآن مليء بالإعجاز العلمي واللغوي والغيبي والبياني وعلينا أن نربط كلام المولى بالأحداث الدنيوية والأخروية لأن الحياة دنيا وآخرة وليست دنيا فقط والإنسان الواعي هو الذي يبكي على الآخرة حتى لا يتعرض لما جاء في الآية (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر)، فلما نقول حياة نقصد المعنيين الحياة الدنيا والآخرة. هذه الآية من الآيات المهمة جداً في إثبات أن الرسول r لم يأت بالقرآن من عنده ولا يمكن أن يتصدى الإله سبحانه وتعالى لمثل هذا الكتاب ويترك من يأتي بالقرآن من عنده إن جاز التعبير. فهذه الآية من الآيات الفارقة والحاكمة في القرآن وكلها إعجاز (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) ومن التفاسير العظيمة أنه قال من أزواجنا وذرياتنا ولم يقل ومن ذرياتنا فالبيان لم يأت في الذرية فكأن الإنسان لو لم ينجب لكنه يتمنى أن يكون لإخوانه ذرية صالحة لهم وله أيضاً الذرية تعني الأمة من وجهة نظر السائل من عباد الرحمن فجاءت (من) البيانية مع الأزواج لأنه لا يمكن أن تكون زوجة فلان صالحة بالنسبة لي لكن الذرية ممكن أن تتبادل بدليل أنه لما يموت أحد من المسلمين أهل عباد الرحمن يحتضون أولاد المتوفى ويهتمون بنجاح ذرية المتوفى وكأنه نجاح لهم هم فلا يمكن أن تأتي (من) البيانية مع الذرية فيجب على المسلم الواعي أن يعتبر كل الذرية أولاده ويهتم بهم على أنهم أمل الأمة هذه الذرية اليوم سيكونون رجال الأمة في المستقبل والذي يهتم بهذه الذرية يكون من عباد الرحمن. المقدم: كثر في هذه الأيام الشر وكثرت الغيبوبة والدنيا تأخذ الناس والشباب غير مسلح بعقيدة صحيحة ويعتقد أنه حتى يكون سعيداً لا بد أن يذهب إلى الملاهي والمراقص والبنات والمخدرات للأسف الشديد والحياة تسير معهم من وجهة نظرهم. د. هداية: هذا يحقق الدعاء لو الدعاء جاء مع العمل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). أريد أن أتوقف عند كلمة (يقولون) لما قالوا في البداية (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) هذا لا يمكن أن يكون قولاً إن لم يلازم هذا القول العمل فلن تتحقق النتيجة. لا يمكن أن اقول ربنا اصرف عذاب جهنم وأذهب لأجلس في الخمارة المسألة ليست مسألة قول وإنما في الحقية كل كلمة قول في القرآن يجب أن يتبعه عمل صالح. المقدم: الآية تختتم أن هناك هدف الكلام عن الذرية وعن الأزواج وفي النهاية مطلوب حالة من التقوى وليس فقط أن أكون من ضمن المتقين وإنما إمام المتقين وقلنا أن الأمر مرتبط ببعضه لأنه لو كنت غير منضبط سيكون بيتي غير منضبط ولو لم أحسن الإختيار سيتكون الزوجة غير كفؤ لتربية الأولاد والذرية غير صالحة وتأتي أجيال تفرط في المسؤولية. نعطي بعض الملامح التي نبه إليها الرسول r في اختيار الأزواج، كيف يقام البيت المسلم؟ د. هداية: الرسول r وجّه الرجل والمرأة قبل العقد وبعد العقد. البداية مع أهل المرأة قال "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لم يفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وهذا الحاصل الآن فالنسا بدأت تسأل عن راتب المتقدم وليس عن دينه ويسألون عن مال والده وليس عن أخلاقه لذا نقول إذا انفك العمل عن القول لا يمكن أن يتحقق القرآن والحديث. المقدم: هل يمكن أن نعتبر هذا من حالات النفاق؟ د. هداية: طبعاً لأنني أنا يقيني بأن فلان لو كان صالحاً سيقيم بيتاً يسعد ابنتي أو يقيني أن المال والجاه والسلطان هو الذي يسعد ابنتي؟ أنا بهذا أكون منافقاً لأنني أقول أمراً وأفعل عكسه والبعض يقول ربنا يسهل وربنا يهديه بعد الزواج لكن المال يجعله ينحرف ولا يهتدي وتجد أن المال قلب المسألة عكس ما كنت أريد، عكس ما أمر به الرسول وعكس ما أمر به القرآن هنا تتناوع الأقوال: قولي أو قول الرسول r وقول القرآن؟ ما أسعد من يمضي على كلام رسول الله r لم يقل الرسول r إذا جاءكم من ترضون ماله وسلطانه. المقدم: اجتمعت بأناس ممن يعملون في الأحوال الشخصية يشتكون من الحالات الكثيرة التي تتطلب الفصل في النزاعات الشخصية مثل الطلاق والخلع وأصبح الموضوع كما قال r فتنة وفساد كبير. د. هداية: قلنا أنه إذا انفك القول عن العمل انتهى الأمر، لا يمكن أن تقام الدنيا بما يرضيك أنت. التوجيه الذي قاله الرسول r لو دققنا فيه لم يتكلم مع المرأة لأن البنت قد تكون في سن لا يمكنها أن تختار فالقيّم في الاختيار هو الولي الذي عليه أن يختار بشكل صحيح ولا يختار بهوى أو لجاه أو سلطان. الرسول r تكلم مع الرجل أيضاً فقال :" تنكح المرأة لأربع المال والجمال والنسب والدين" آخر أمر الدين، توجيه الرسول r "فاظفر بذات الدين تربت يداك" يعني إختيارك للزوجة إما يدخلك الجنة وإما يدخلك النار. المقدم: هذا يجيب على السؤال الذي سألناه ما علاقة هذا الدعاء بعباد الرحمن؟ د. هداية: لو ربطت القولين النار والأزواج والذرية، هنا قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) يسألون البعد عن النار والذي يحقق هذا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) يعني كأن الحالة وهذا البيت تخرجني خارج النار وتجعلني للمتقين إماماً. توجيهات الرسول r التي ذكرناها هي قبل العقد وبعد العقد تكلم كلاماً يقيم البيت. الأولى قالها للرجال: " استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" هذا الحديث ظلم من الخاصة قبل العامة وذهبوا لما جاء في الإسرائيليات وأن حواء خلقت من ضلع آدم والكلام الفارغ الذي نسمعه. الرسول r يقول استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع هذا تعبير مجازي وليس تعبيراً حقيقياً. القصة الإسرائيلية تقول أن آدم وهو نائم أخذ من ضلعه وخلق منه حواء لكن تركيب الضلع غير تركيب الجسم لا يأتي من الضلع لحم ودم لأن تركيب الضلع تركيب ناقص ولو عددنا أضلاع حواء يفترض على روياتهم أن يكون لها ضلع زائد لكن هذا غير صحيح. القرآن خاطب آدم قائلاً (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) يعني دخلا معاً فهذا يرد القصة الإسرائيلية. القرآن وقع توقيعاً في الخلق عموماً (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (49) الذاريات) الذكر والأنثى ليعمل ذرية. الرجل الذي يقول من جاء أولاً الفرخة أو البيضة قال له أحدهم يجب أن يكون هنالك ديك لأنه لو لم يكن هنالك ديك لن يكون هناك كتكوت لا يوجد بيضة من فرخة بدون ديك. العاقل يقول (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) آدم شيء وطالما انصرفت إرادة الله تعالى إل خلق آدم يعني يجب أن يكون معه حواء من نفس الخلقة ويختلف ذكر وأنثى. المقدم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1) النساء) هل (من) للتبعيض؟ د. هداية: منها أي من نفس ما خلقت منه. النفس الواحدة ليس آدم وإنما الطبيعة التي خلق منها آدم وحواء. هناك من فسرها على أنها آدم ومنها يعني حواء لكن نحن لن نفهم الآية. بدليل لما أراد تعالى أن تبدأ الحياة الثانية مع نوح قال (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) الروم) لتستقيم الحياة في كل شيء البشر والحيوان والنبات. الرسول r يقول في الحديث "فإنهن خلقن من ضلع" وكلمة ضلع عند العرب يعني انحناء ثم قال " وإن أعوج ما في الضلع أعلاه" هذه على وزن أفعل التفضيل الضلع يجب أن يكون منحنياً معوجاً وإلا يسقط القلب، هو أعوج ليؤدي وظيفته ويكون صالحاً. إذن كلمة أعوج في الحديث يعني أفضل ما في الضلع. إنحناء الضلع في الناحيتين يحتوي القلب والرئتين وتشبيه الرسول r أن المرأة الصالحة تحتوي الزوج والأولاد كما يحتوي الضلع القلب إذن سيقام بها البيت المسلم على مراد الله. حديث الرسول r "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع" يعني من طبيعة تختلف عن طبيعة الرجل وفي فرنسا فشلوا في تجربة أن الأولاد تتربى مع رجلين أو مع امرأتين إنما نجحت تربية الأولاد مع رجل وامرأة الرجل عند الشدة والمرأة عندها اللين والعطف ولذلك (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم). بُثّت الحلقة بتاريخ 22/4/2008م |
التوبة والاستغفار 74 تقديم علاء بسيوني د. هداية: الإشكالية عند الذي لا يريد أن يفهم كلام الرسول rعلى مراد الله ورسوله فيها. الرسول r يقول " استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" إذا أنت رجل مجنون وحاولت أن تغير طبيعة هذا الضلع وتقيمه تكسره قلنا أن الضلع أعوج لكن هذا الاعوجاج هو غاية استقامة لأداء وظيفته إذن الضلع الأعوج هو الجمال والاستقامة " فإن ذهبت تقيمه كسرته " كسرته يعني أفسدته ولا يؤدي وظيفته " وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء " كل الشُرّاح قالوا فاقبله على عوجه. عندما يكون عندك قطعة مستقيمة في سيارتك وقطعة معوجة هل تقيم القطعة المعوجة؟ هي يجب أن تكون هكذا. فالرسول r يقول "فإن ذهبت لتقيمه كسرته" وإذا كسرته لا ينفع ولن يؤدي وظيفته. جمال خلقة هذا الضلع أن يكون أعوجاً وقلنا أن البيت الذي نشأ فيه الأولاد بين رجلين فسدوا وكذلك الذين نشأوا بين امرأتين فسدوا. لو الكلام الذي فهمه الناس كان صحيحاً لعبّر القرآن عنه صراحة ولا يحتاج إلى مجاز لأن القرآن يعبر التعبيرات العربية التي تناسب الإعجاز اللغوي لأهل هذا الزمان لكن الإسرائيليات حاولت والقرآن ردها، هم يقولون أن آدم نام واستيقظ فوجد حواء بحانبه لكن القرآن يذكر لنا (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) خلقت حواء جنباً إلى جنب مع آدم بتوقيع الحق تعالى (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (49) الذاريات). قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) يقصد آدم وحواء لأن آدم لوحده لن يكون خليفة لأن خليفة يعني يخلف بعضهم بعضاً وخليفة لا تتحقق إلا بالرجل والمرأة. إذن حديث الرسول r" استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" في المقابل كلم الرسول r النساء ليوصي بالرجال فقال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقه عليها" والسجود هنا سجود طاعة وليس سجود عبادة لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله تبارك وتعالى. القرآن تضمن سجود تحية (سجود أهل يوسف ليوسف) وسجود العبادة لله تبارك وتعالى والرسول r يؤدي بكلمة السجود المعنى اللغوي لها وهو الطاعة "لو كنت آمراً" (لو) حرف امتناع لامتناع يعني لن يحصل أن آمر أحداً بالسجود لغير الله لكن لو كان سيحصل لكنت أمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعِظَم حقه عليها إذن المرأة تطيع الرجل والبيت المسلم يقام على شرع الله وسنة رسوله rبإمامة الرجل والمرأة جنباً إلى جنب معه تناقشه وتشاوره وقديماً ذكرنا أنه لو تشاور آدم وحواء ما سمعوا كلام إبليس. في الإسرائيليات نسبوا الخطيئة لحواء وهذا كلام فارغ والقرآن لما نقرأه بالترتيب والتفصيل لا نجد أنه ذكر أن إبليس وسوس إليها وإنما يرد وسوس إليه أو وسوس لهما وقلت سابقاً أنهما لو تشاورا لما وقعا في الخطأ إذن البيت المسلم يقوم على شراكة بين الرجل والمرأة وسبق أن قلنا أن الزواج في الإسلام شركة مساهمة رأسمال هذه الشركة المودة والرحمة وتقام على قاعدتين اثنتين (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة). المقدم: مسألة الإحترام والقدسية التي في منزلة الزوج بالنسبة للمرأة ستفتح لنا أسئلة ستحل مشاكل كثيرة فالرسول r قال "لو كنت آمراً" وهاذ يعني أنه لن يفعل هذا ولن يأمر أحداً أن يسجد لغير الله لكن من الواقع نسمع تعبيرات لا أدري إذا كانت فيها مشكلة أو فيها مبالغة من البشر فالبعض يقول هذه المرأة تحب زوجها حب عبادة؟ وأحياناً يحصل العكس أن الرجل يجب أن يكون له هيبة وقيادة حكيمة في البيت وتهتز صورته ولا تنفع أن تمشي السفينة ويقولون هذا الرجل يعبد الأرض التي تسير عليها امرأته فهل التعبيرات هذه تهدم البيت إذا كانت تعبر عن شكل العلاقة بين الزوجين؟ الرسول r لما كان يرسل اثنين بمهمة كان يؤمّر أحدهم على الثاني وفكرت في سبب هذا الأمر فوجدت أنه إذا تعرض هاذان الاثنان أو الجماعة لمشكلة فكل واحد منهم سيعرض رأيه ويحاول أن يفرضه فلا تنجز المهمة لأنهم اختلفوا إذن طالما هناك مهمة في الحياة فلا بد أن يتسلم أحد دفة القيادة وإلا لكان كل واحد يتصرف على هواه. د. هداية: كلمة عبادة يجب أن تصحح. في المثل الشعبي عندنا يقولون "أن المركب التي فيها قائدين تغرق" وهذا مثل صحيح والحقيقة هكذا لكن يجب أن يسير البيت بإمارة الرجل لكن هذا الإمام لا يجب أن يكون دكتاتوراً وإنما يجب أن يتشير امرأته لأنه يمكن أن تصحح له ومهما اختلفا في الآراء يبقى الرأي الأخير للرجل ولو كان القرار خاطئاً يتحمله الرجل. المقدم: قول الرسول في الأمر للرجال "استوصوا بالنساء خيراً" حتى يعادل أنت مسؤول عن قرارك فلا تسيء إتخاذ القرار. د. هداية: استوصوا بالنساء خيراً يقابلها "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله" إذن يوصي الرجل وهو أمير ألا يكون دكتاتوراً في القضية وإنما تشاور والمرأة تسمع الكلام وهناك بعض الرجال ليس له رأي أو رأيه خطأ باستمرار ولو حصل هذا عليه أن يسلم المشورة لها لأنها تكون أولى بالمشورة إذا أثبت أن قرارته غير صحيحة والعكس بالعكس والحياة الزوجية أثبتت هكذا. نحن ذكرنا أحاديث الرسول rقبل العقد وبعده لأن لو انتبهنا لألفاظها فبها يقام البيت فقال "استوصوا بالنساء خيراً" هذا الخطاب لكل الرجال فالرجل المتشدد في رأيه حتى لو أراد أن يطبقه يطبق على أمر الرسول "استوصوا بالنساء خيراً" ويقول أن طبيعة المرأة عندها جانب الرحمة والحنان والعطف فلا تكن قاسياً عليها أو تحاول أن تغير هذه الخلقة فيها لأن الله تعالى خلقها هكذا "فإن ذهبت لتقيمه كسرته" وقال r للنساء " لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها" الحق في الإسلام لا يأتي إلا بعد أن تكون قد فعلت واجباتك. المقدم: بعض الرجال يفهم أن الحق هذا حق مطلق وأنه هو الرجل وكلامه يمشي. د. هداية: نحن ضد الرجال أو النساء إذا كل واحد تشبث بأحقيته في الإدارة نحن نريد البيت المسلم مثل الشركة المساهمة فرئيس مجلس الإدارة عندما يريد أن يأخذ قراراً يعقد اجتماعاً ويتشاور مع الأعضاء ثم يغلب الآراء على بعضها وهكذا البيت لكن ليس فيه أعضاء إلا الرجل والمرأة فيجب أن يتشاورا وتكون الفائدة للبيت والأسرة لا لأهله وأهلها. آخر دعاء الأزواج والذرية (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) ليس فقط من المتقين وإنما إمام المتقين. المقدم: دعونا نناقش مسألة السعادة الزوجية التي تجعل الأزواج يدعون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) قلنا أن الحياة تستقيم بالحقوق والجابات أحياناً لا يكون هناك توازن وأحياناً البعض تقصر الواجبات على المسائل المادية والحسية. لو أن الرجل لا يصلي ولكن معه مال فهذا كافي والبعض يقصر الواجبات الزوجية على علاقة الفراش مع زوجته أو على واجبات الزوج المادية في البيت. هل هذه هي فقط الحقوق وهل توصيف العلاقة الحميمة بين المرأة والرجل أصبحت حقاً وواجباً أم أنها علاقة مودة وتفاهم ورحمة بين الطرفين؟ د. هداية: هي في النهاية هكذا والذي يفهم الحقوق والواجبات هكذا يكون قد فهمها خطأ. اتفقنا أن الحياة الزوجية شركة مساهمة تقوم عليها الحياة ولما قال عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) كأن هذه القضية هي التي تجعلهم من عباد الرحمن. وربطنا بين أول السورة وآخرها في البداية قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) وفي النهاية يقولون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) كأن هذه تأتي بتلك هذا الذي جعل الرسول r يقول "فاظفر بذات الدين تربت يداك" وقال r" للنساء "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" يعني الرسول r قال للرجال اختاروا المرأة التي عندها دين وقال للنساء اخترن الرجل الذي عنده دين وكأن الدين هنا وهنا يقيم علاقة صحيحة ويجعلك تتنازل عن أمور وتنكر ذاتك في أمور بحيث يسير البيت بشكل صحيح. نحن نحتاج حلقات في قضية الأزواج ألفت النظر لأمر أن القرآن لما عالج المشكلات لم يقل انتظر لما المرأة تنشز وإنما قال (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ (34) النساء) يعني المرأة لم تنشز فقال للرجل أن يتحرك مع بوادر النشوز لا لما يحصل النشوز وقال للأسرة (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا (35) النساء) هذا يدل على حرص الإسلام على البيت. مسألة الخوف هنا وهنا قال للرجال (تخافون) وقال للأسرة (خفتم) وأنا أتعجب من بعض الأزواج حين تسأل المرأة هل طلبت حكماً من أهله فتقول ليس له كبير وهي ليس لها كبير هذا لا ينفع، لا ينفع أن يكون اثنان حصل بينهما شقاق وتنحل المشكلة لا بد أن يكون هناك حكم وعبر القرآن عن هذا (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا (35) النساء) حكم من الحكمة لا من الحُكم. طالما المشكلة داخل البيت يمكن أن تنحل المشكلة لكن إذا خرجت القضية للأسرتين لا بد أن يكون هناك حكم من أهله وحكم من أهلها وهذا قرآن ونحن لا يمكن أن نفهم أكثر من الله تعالى الذي خلقنا. ألفت النظر إلى مدى حرص القرآن على إقامة البيت المسلم بحيث يأمر الرجل والأسرة بالتحرك أول ما تظهر بوادر المشكلة لكن للأسف ما يحصل في مجتمعاتنا أنهم يتركون الأمور تتطور إلى أن تصل إلى المحاكم وهذا لا ينفع نحن لو طبقنا الشريعة - أنا أتعب ممن يقول تطبيق الشريعة الإسلامية وهم يريدون من تطبيق الشريعة الحدود والحدود ليس لها علاقة بالحدود هم يريدون قطع يد السارق ورجم الزاني وهذه حدود وليس لها علاقة بالشريعة لأنك لو طبقت الحدود وقطعت يد السارق تكون أنت لم تنجح في تطبيق الشريعة لأن الشريعة يعنيها أن لا يسرق الرجل لا أن أقطع يده، يعنيها أن الرجل لا يزني لا أن أرجمه لما يزني هذه هي المسألة. وكذلك البيت المسلم لو تجرك المرأة والرجل ولو تحركت الأرستين لا تجد هذا العدد الهائل من القضايا في المحاكم. هذا شرع الله أنه أول ما يجد الرجل نشوزاً يتحرك وأول ما تجد الأسرتين شقاقاً يتحركوا. المقدم: موضوع التقوى الذي ننادي به بعضهم يرى أن المطلوب تطبيق هذا السلاح أي التقوى من قبل الرجل والمرأة وينسون أن أهل الزوجين عليهما دور كبير ففي بعض الأحيان يكون الخلاف صغيراً بين الزوجين لكن الأهل هم الذين يكبرون المشكلة. د. هداية: ولهذا قال القرآن (حكم) أي رجل وليس امرأة. نضرب مثالاً: لو أبو الزوجة ليس حكيماً لا يذهب هو وإنما يذهب الرجل الذي تراه الأسرة حكيماً وعنده استعداد أن يقيم البيت لا أن يخربه فلو شتم الزوجة الزوجة يأخذه ويكلمه بهدوء ولذلك القرآن قال (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) يعني يجب أن يكون الحكم لديه أفق وفي نيته الإصلاح ويأخذ الجل على جنب ويتكلم معه ويأخذ المرأة على جنب ويتكلم معها وهنا تقام المسألة على شرع الله وعلى سنة رسول الله r وعمر ابن الخطاب في رواية إن صحت ضرب الحكمين عندما لم يصلحا بين الزوجين وقال ألم تسمعوا قوله تعالى (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) الضمير للحكمين مع أن بعض المفسرين وأنا منهم يرون أن الضمير يعود على الفريقين يعني الحكم ومن معه والحكم الآخر ومن معه ويجب أن يكون في نية الحكم الإصلاح لا التخريب. في إحدى المرات كنت ذاهباً لأحكم بين اثنين وكان الحكم الآخر يريد أن يطلق المرأة فلما سألنا عنه قيل لنا أن هذا هو ابن خالتها ويريد أن يتزوحها، هذا لا ينفع أن يكون حكماً! لا بد أن نطبق شرع الله تعالى فاستبعدناه من الجلسة وتكلمنا مع المرأة وأصلحنا بينهما لذا الحكم الذي يريد أن يفسد لا يجب أن يذهب. والقرآن الكريم يقول (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) لم يقل أن الشقاق حصل وإنما خفت أن يحصل هذا مثل البيت الذي ترممه أولاً بأول وأنا أرى أن الحياة الزوجية تحتاج لترميم أولاً بأول. أول ما تجد في زوجتك بوادر نشوز خذها رحلة وأصلح الأمر ويجب أن تكون المرأة حريصة على إقامة بيتها. ملخص أحاديث الرسول r التي ذكرناها "فاظفر بذات الدين" واظفري بذي الدين وحتى لو كان هناك أخطاء بعد الزواج عالجوها والإسلام جعل الطلاق آخر مراحل الخلاف ففي بداية النشوز قال للرجل أن يتحرك وقال للأسرة أن تتحرك أول بوادر الشقاق فأعطى للجميع تعليمات فقال للرجل (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) النساء) لو افترى الرجل سيتصدى الله تعالى له وقال للأسرة (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) وآخر الحلول (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) النساء) ليس كما يحصل الآن والطلاق لا يقدم عليه الرجل إلا إذا كان آخر حل لأنه سيسأل عن هذا يوم القيامة. المقدم: هل من ضمن تطبيقات كلمة التقوى أن نحدد من كلمة الطلاق التي صارت سهلة على لسان الناس؟ هناك رجل لا يفعل أي شيء إذا لم يحلف بالطلاق فهل ينفع هذا؟ وهناك نساء كل لحظة تقول للزوج طلقني، والبعض يقول أنه من ضمن الرجولة أنني أنا رجل محترم وسأتزوج من امرأة محترمة وأول ما تطلب الطلاق مني أطلقها فطالما هي لا تريد أن تعيش معي فلا حاجة لي بها؟ د. هداية: لا تؤخذ الأمور بهذه الطريقة لأن النساء خلال مناقشاتنا يقلن أن المرأة أحياناً تطلب الطلاق من باب أنها تريد أن ترى مكانتها عند زوجها لكن هل لا يمكن أن نقيس مكانتها عند زوجها إلا بهذه الطريقة؟! هناك مفاهيم يجب أن تصلح فإذا كانت كلمة الطلاق عيب من الرجل فهي من المرأة أعيب والمرأة الواعية تقيس مكانتها عند زوجتها بأساليب ثانية لا بطلب الطلاق لأن هذه كلمة عظيمة لا تقال إلا عند الضرورة فأنا لا أحترم المرأة التي تكثر هذا القول ولا الرجل الذي يكثر من هذا القول بل إن بعض العلماء اعترضوا على صاحب الطلاق المعلق الذي يقول إن فعلت كذا تكوني طالق وإن ذهبت إلى هذا المكان تكوني طالق هذا رجل غبي لا يعرف أن يدير حياته وبيته فالرجل المحترم والمرأة المحترمة لا يقولون هذه الكلمة إلا عند التنفيذ ولا تقال عندهم إلا كما ذُكرت في القرآن بعد فشل كل الحلول والمحاولات وسلك كل الدروب إقامة البيت المسلم فإن كان ولا بد يكون الطلاق. حتى في الخلع القاضي يمهل ستة أشهر ويحضر خبير نفسي ويحضر حكمين. قانونية الخلع في الشرع الخلع يحصل إن أصرت المرأة على ذلك وهذا شرع الله سبحانه وتعالى وسنة الرسول r لكن القاضي يقول أمهلها بعض الشيء ربما عادوا عن أمر الخلع وهناك حالات لما القضاء أمهلهم عادوا. المقدم: البعض قالوا أن الواقعة التي استدل بها القضاء لتشريع الخلع أنه لما وجه الرسول r لم يسحب القيادة من الرجل لكن قال له خذ الحديقة وطلقها فأخذ الحديقة وطلقها تطليقة وانتهى الأمر إذن الرجل هو الذي طلق في نهاية الأمر، الرسول لم يطلقها وإنما زوجها هو الذي طلقها. د. هداية: هناك فرق بين الطلاق والتطليق، الطلاق أن الرجل يطلق والتطليق أن الرجل متعنت لا يريد الطلاق فيجوز لولي الأمر أن يطلب من الزوج الطلاق. القاضي يفعل مثل الرسول rكنائب عن ولي الأمر يوقع الطلاق على سبيل التطليق أن الرجل لا يريد الطلاق. المقدم: كل الكلام الذي قلناه في النهاية يصب في خانة واحدة خانة التقوى إن كان في أمر العلاقات والسلوكيات أو العبادات أو المسألة الزوجية والأزواج والذرية نتكلم عن التقوى في كل شيء، كلها تصب في بوتقة التقوى وآخر ما وصف به عباد الرحمن أن يجعلهم للمتقين إماماً. فكل الناس الذين سيعملون هذه الأوصاف سيجزون الغرفة بما صبروا, ما دلالة إسم الإشارة (أولئك)؟ د. هداية: عباد الرحمن في منزلة بعيدة ليس بعداً مكانياً وإنما بعد منال. في نهاية توصيف عباد الرحمن أتمنى أن نكون خرجنا بأكبر نسبة من المشاهدين على توصيف عباد الرحمن وفي الحلقة الأخيرة الأسبوع المقبل سنعيد إن شاء الله الصفات بسرعة ونوقعها على كل واحد منا ونرى كل واحد كم يفعل من هذه التوصيفات ولذلك نقف الآن عند قول الحق تبارك وتعالى (بِمَا صَبَرُوا) الشاهد في الآية أن اي توصيف من توصيف عباد الرحمن لن يتم إلا بالصبر وأذكر نفسي والمشاهدين أنه حتى المصلي إذا لم يصبر على حركات الصلاة لن تكون تامة وقد يتسبب بالسهو. القرآن وصف هذه القضية في أوائل البقرة فقال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ (45) البقرة) يعني لما يكون عندك مشكلة أياً كان نوعها لو استعنت بالصبر والصلاة تنجح وتنتهي المشكلة والصبر ليس له حدود ويبدأ حيث ينتهي. القرآن الكريم وقع توقيعاً جميلاً عندما قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) يوسف) وكأن يعقوب u يعلمنا أن كلام هؤلاء الأبناء لا يقبل وكلام غير منطقي لكن بالصبر الجميل وبالاستعانة بالله تبارك وتعالى تسير الأمور ويصبر يعقوب ويعود يوسف u على وضع لو خير يعقوب من البداية أن يختفي يوسف ثم يخرج عزيز مصر في المنصب الذي رآه فيه ويسجد له يعقوب u لقال يا ليت. الأمور تمشي باختبارات وابتلاءات لمعرفة درجتك لذا لما وصف عباد الرحمن قال بعد ذكر كل الأوصاف قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) لو عدّلنا الصياغة وجعلنا الغرفة في البداية تهون عليك كل الأوصاف لكن الحقيقة أن عباد الرحمن عملوا كل هذه الأوصاف والنتيجة أنهم يأخذون الغرفة هم لا يفعلون هذا لأجل الغرفة وإنما طاعة لله تبارك وتعالى لأن الغرفة توصيفها أنها أعلى الجنان فيها الفردوس فيها عليين فالغرفة كلمة تعني المكان العالي وليس المقصود بها أنها حجرة (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ) الغرفات هنا جمع غرفة، أولئك يجزون الغرفة لا يعني أن كل عباد الرحمن في غرفة ولكن كل واحد في غرفة والغرفة هنا بمثابة المنزلة العالية والذي يبين قيمتها لما يقول (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) يلقون نأخذها مقابل (يَلْقَ أَثَامًا) قارن بين يلق هنا ويلقى هنا، الذي فعل الشرك والقتل والزنا قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) وعباد الرحمن (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) انظر للمقابل هنا وهنا. وهنا نحتاج إلى وقفة ثانية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ (68)) الشرك والقتل والزنا قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) وقلنا الأثام جزاء الإثم وضاعفها وعددها وجمعها (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) وهنا قال (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) وقبلها قال (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)). هناك مقابلات كثيرة في السورة. (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وفي سورة سبأ (فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا (37) سبأ) الجزاء هنا الضعف. ذكرنا سابقاً أن يجب أن نضع الآيات مقابل بعضها في سورة الرحمن قال تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)) ومن لم يخف مقام ربه يضاعف له العذاب. وقلنا بالمنطق أن ربنا تعالى من حكمته أنه جعل لنا مكانين واحد في الجنة وواحد في النار فالذي يدخل الجنة يخلو مكانة في النار والعكس. ولذلك النار مزحمة والجنة فارغة لأن عدد المتقين وعدد أهل الجنة قليل فالذي يخلو في النار قليل والذي يخلو في الجنة كثير فتكون الجنة واسعة جداً والنار حشر وزحمة لذلك آية سورة ق لما تفسر على التفسير العامي (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) ق) يفسرها البعض على أنها تطلب المزيد لكن السؤال إنكاري هل من مزيد يعني لا مزيد لم يعد هناك مكان امتلأت. ولا ينفع أن تكون هل من مزيد رد على المولى تعالى الذي وعد أن جهنم ستمتليء لكن المنطق مع أنه وعد أنها تملأ لما يسأل تقول هل من مزيد يعني لا مزيد يعني تحققت كلماتك ووعدك يا رب أنها امتلأت ومع ذلك يدخلوا والذي سيدخل يدخل في ضيق والجنة عكس هذا لأن عدد المشركين والكفار والمنافقين كثير فلما تخلو أماكن قليلة وتدخل أناس كثر يدخلون في ضيق لكن لما تخلو أماكن كثيرة وتدخل أناس قلائل يكون هناك سعة لهذا الجنة حسنت مستقراً ومقاماً والنار ساءت مستقراً ومقاماً. لذلك قال الرجل (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) كأنه شعر أن الحياة التي مضت لم كنت تستأهل وإنما الذي يستأهل التعب الحياة الآخرة ولذلك (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) صبروا على مشاق العبادة والطاعة والحديث الصحيح يقول: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات فالذي أدخل الناس النار هي الشهوات. لم ينتبه أحد لقوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)) لأنه رغم أنه ذاق لذة المعصية امتنع عنها طاعة لله. وقلنا سابقاً أن المعصية لها لذة يزينها الشيطان والبعض الشهوة عنده أعظم من طاعة الله لكن لما يصبر على الشهوة ويمتنع عنها طاعة لله يقول تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)) الله تعالى يكافئهم مكافأة غير عادية أن تبدل سيئاتهم حسنات وسبق أن شرحها من كل النواحي إما أن تتبدل السيئة التي عملها حسنة وإما تتبدل السيئة التي كان سيفعلها حسنة أو لأنهم أصبحوا من أهل التقوى فلن يكون لديهم سيئات وإنما حسنات كل هذه المعاني صحيحة ولذلك الباب الوحيد الذي لا يمكن أن يقفل هو باب التوبة "إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار" لما عرضنا الحديث سألنا سؤالاً هل الذي أساء في النهار ينتظر إلى الليل ليتوب؟ كلا وإنما يبادر إلى التوبة مباشرة حتى تلحق نفسك ولذلك قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) من قريب وبسرعة حتى لو كان في مجلس المعصية ولا يكررها ثانية وهذه القضية التي يبكي عليها العارفون إذن ساعة تعصي تُب إلى الله وإذا تبت آمن ثم إلجأ إلى العمل الصالح. الآية التي بعدها (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) إذا ذهبت إلى هذا المكان لا ترجع منه مكان آمن بعيد عن المعاصي والذي يصاحب صحبة خير يبقى في خير والذي يصاحب صحبة سوء يبقى في سوء وسنضيف إلى شروط التوبة عدم الذهاب إلى صحبة السوء ثانية بعد أن تتوب وهذا الشرط لم يضعه العلماء مع أن الصحبة هي التي تورط الإنسان من السيئات بدليل أن المتعاطي للمخدرات أول مراحل العلاج أن يعزلوه عن صحبة السوء فالصحبة شرط لم يوضع في شروط التوبة. (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) المكان العالي و(أولئك) تدل على مقام رفيع وعلى بعدهم في المنال لا في المكان. المقدم: هذه الآية تهوّن المشوار الغرفة في أعلى مكان في الجنة جزاء الصبر وفيها تحية وسلام وفي سورة الرعد (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23)) د. هداية: الآية التي قبلها (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ (74)) واختلفنا قرة عين هل هي في الدنيا أو الآخرة؟ قلنا اجعلها في الدنيا والآخرة لو قرة أعين في الدنيا ستكون في الآخرة فتلحق بك الذرية الصالحة وهذا لا يعني ذريتك أنت فقط وإنما خذها على السمتوى العام اتبعوك وصاروا من أهلك. بُثّت الحلقة بتاريخ 29/4/2008م |
التوبة والاستغفار 75 تقديم علاء بسيوني د. هداية: في البداية يجب أن نقف عند قول الحق تبارك وتعالى (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) أولاً ما هي التقوى؟ وكيف أتقي؟ لما نستعرض القرآن نجد أحياناً تأتي اتقوا الله وأحياناً اتقوا النار. فالتقوى هي صناعة الوقاية بينك وبين محارم الله تبارك وتعالى أو بينك وبين النار والنتيجة واحدة فالذي يتقي محارم الله أو يتقي النار إن شاء الله يكون من أهل الجنة إياً كانت الدرجة سواء كان من السابقين أو من أصحاب اليمين أو من عباد الرحمن لكن كل مسلم يجب أن يعلم أن كل درجة فيها تفاوت كبير عن الدرجة التي تليها أو التي تسبقها ومن ثم أؤكد على القول أن أقل الجنة جنة وأقل النار نار. التقوى أن أصنع وقاية بيني وبين محارم الله تعالى أو بيني وبين النار أن اي عمل يقربني من النار يجب أن أبتعد عنه وأي عمل يقربني إلى الجنة يجب أن أسعى إليه (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران). وليس صدفة أن يكون في مطلع الكتاب (سورة البقرة) كأن الله تعالى يريد أن يضع لنا منهجاً وخطة لذلك السورة تبدأ بالمتقين ولم يقل بالمؤمنين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) كأن مسألة التقوى هي التي ستعمل درجات الإسلام والإيمان والإحسان، فخي أصبحت وسيلة وغاية هي التي توصلك إلى الجنة إن شاء الله. لما يقول (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) كأنه في مطلع الكتاب أن المسألة تتلخص في أن تتبع المنهج أو هذا الكتاب بوسيلة هي التقوى. فلما تقرأ آيات عذاب تتقي ولما تقرأ آيات نعيم تسعى ولما تقرأ آيات عن اليهود لا تكون مثلهم وهكذا وتأخذ كل شيء على محمل التقوى بدليل أن وصّف المتقين وهذا التوصيف مهم جداً لما وصف عباد الرحمن قال الذين والذين ثم في آخر الوصف قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) وفي مطلع الكتاب في سورة البقرة قال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) لم يقل للمؤمنين لأن الإيمان في حد ذاته هو درجة تطبيق فإذا كنت تريد أن تفلح فيها يجب وأنت ذاهب لها تتقي وأنت فيها تتقي فأصبحت التقوى وسيلة في كل الدرجات. عندنا خمس درجات للعبودية إسلام الرسالة وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأتبرأ من كل ديانة أو شرع يخالف دين الإسلام من عهد الإسلام لا ديانة محمد r فقط وإنما الإسلام بعدها الإيمان ثم التقوى ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله تعالى. هذه ليست توصيفات من عندنا وإنما ينادي تعالى على الذين آمنوا ويطالبهم بالاسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) الناس تتصور أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام، وقلنا إذا سألك أحدهم أيها أعلى؟ إذا كنت واعياً عليك أن تسأل أي إسلام تريد؟ اليهودي والنصراني الذي يريد أن يسلم هذا يسلم إسلام الرسالة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم يسألك كيف تفعل هذا وهذا؟ وليس من سبيل الصدفة أن الله تعالى ساعة قعّد الصحابة عن سؤال الرسول r في قضية مهمة وهي درجات العبودية أرسل الله تبارك وتعالى جبريل الأمين في هيئة شخص يسأل الرسول r ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ هذه ليست صدفة. الإسلام وصلنا عبر الكتاب والسنة الصحيحة حيث يسأل أحدهم الرسول r سؤالاً أو الرسول r يوجه أحدهم إلى أمر ما فالإسلام وصلنا هكذا واستقر هكذا. فلما الصحابة قعدت عن الأسئلة أو لم ينتبهوا لها أرسل الله تعالى جبريل وجلس إلى رسول الله rوعمر بن الخطاب استغرب كيف أن السائل يعرف الإجابة "عجبنا له يسأله ويصدقه"، جبريل يسأل حتى يعلم الأمة فسأله عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان. وقد عرضنا الروايتين للحديث لما سأله عن الإحسان "قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لا تكن تراه فإنه يراك"، وهذه هي الرقيب التي تعمل التقوى. الذي يستتر من الناس ويعمل الجريمة هذا يستهون بالله تبارك وتعالى وقلنا أننا لا نريد أن يقال لنا يوم القيامة لم جعلتني أهون الناظرين إليك؟ استحييت من الناس كلهم ولم تستحي مني. فالذي أعمل صفة الرقيب الغائبة عن كثير من المسلمين وحتى المؤمنين لا المتقين لأن المتقي يعرف ما معنى الرقيب، نحن جبلنا على خلقة أننا لا ندرك الله تبارك وتعالى أو نراه في الدنيا. كيف تريد أن نرى الله تعالى بهذا النظر القاصر؟ نظرنا نحن سيشوه هذا الإله الحق إذا رأيته، فهذه حكمة، كل واحد درجة إبصاره مختلفة والشخص الواحد لديه درجة إبصار مختلفة في مارحل مختلفة من عمره وهذا يرى من قريب ولديه ضعف في المسافات، مستحيل حتى عند النظر الواحد فجعل الله تعالى رؤيته وإدراكه بالقلب هذا لا يتغير من واحد لواحد، هذه الرؤية القلبية والرسول r قال (كأنك تراه) تراه ليس بعينك وموسى u أكبر دليل قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ (143) الأعراف) ليست المسألة مسألة تعديل نظر فلو رأيته بقلبك يكون أفضل فأوقع له التجربة (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) أنت أغمي عليك لما رأيت الذي رآني فدعها في قلبك فالرؤيا الإيمانية أفضل رؤيا والرسول r يوقع الرؤيا القلبية (فإن لا تكن تراه فإنه يراك) هذه صفة الرقيب، إعمل وتأكد أنه تعالى يراك فلما تتحرك تحرك بأدب مع الله وبخوف والرسول r يلخص المسألة فيقول (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) الذي يريد أن يدخل الجنة يتقي المكاره والذي يريد أن يدخل النار يتبع الشهوات وأعلى درجات التوصيف في عباد الرحمن أنه وصفهم (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) الفرقان) صبروا على المكاره والشهوات وهو يسعى إلى الجنة ستقابله مشاكل وساعة يتقي النار ستقابله شهوات يجب أن يكبحها ويمنعها وهو يمنعها يضعها في الحافظة ويرى النتيجة يوم القيامة آه لو تذكر أنه امتنع عن كذا وهي حرام، أرجو أن تجربوها مرة واحدة توقف عند شهوة وانظر النتيجة يوم القيامة لأن موضوع تفعيل النية وكبح الشهوة مهم جداً. المقدم: الذي يريد أن يتوقف عن التدخين لا يقول أن التدخين مضر بالصحة ولكن توقف عنها طاعة لله تعالى لذا عليك أن تحسن النية. المقدم: التقوى وسيلة وغاية. نعطي مثالاً أنا عامل ماهر وعندي حرفة وصنعة وأنا داخل المصنع الذي فيه مواد كيمائية أحتاج لبذلة خاصة معالجة كيمائياً حتى أحمي نفسي خلال عملي، كيف نطبق هذا المثل في الحياة؟ د. هداية: هذا المثل طيب لأن واقع حياتنا الرجل الذي يعمل مصنع ويأخذ ترخيص هذا أمر وأن يمارس العمل أمر آخر فهو قد يكون ضحك على موظفي الأمن الصناعي وأراهم طفاية حريق غير ممتلئة أو أراهم زياً للعمال لكنه مغشوش فأخذ الترخيص لكن لما قال للعمال اشتغلوا فقالوا له انتظر أنت ضحكت على موظفي الأمن الصناعي لكن لن تضحك علينا. التوصيف والتوقيع هذا بين ورقة أريد أن آخذها من الحكومة فأضحك عليهم أو أدفع رشوة هذه قصة والقصة الثانية لما طلب من العمال أن يعملوا فرفضوا لأنه ليس هناك وقاية من النار وهذه نار الدنيا! القصة هذه لخصها تعالى قرآنه بحكمة منقطعة النظير، هذه البذلة التي يلبسها العامل هي بذلة واقية من نار دنيا فما البذلة الواقية من نار جهنم؟ إسمع قول الحق تبارك وتعالى (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ (26) الأعراف) هنا لباس التقوى ليس بذلة ولا قميص وإنما لباس واقي في كل حركة حياتك وأنت إما تسعى للجنة وإما تتقي النار فهذا اللباس يعمل في الحالتين وتوقيع القرآن (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) ذلك خير معناه أنت تعمل عمل تتقي فيه النار فهو لباس التقوى وأنت تعمل عمل للجنة فهو لباس التقوى أيضاً، التقوى هنا كلباس تعبير مجاز أنك تحتاج وقاية في كل حياتك. التوقيع القرآني في قصة النار والجنة قال (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) لم يبدأ بالجنة لم يقل من دخل الجنة وأنقذ من النار كأن طبيعة الأمر لو ترك الناس لأهوائهم يدخلون النار والعياذ بالله، (زحزح وأدخل) الفعلين مبنيان لما لم يسمى فاعله لا للمعلوم، من الذي زحزح وأدخل؟ إياك أن تعتقد أنه عملك وإنما هو الله تعالى واسمع دعاء أهل الجنة وهم في الجنة (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) البعض اختلف في المشيئة هل هي للعبد أو لله (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير) لا تعتقد أن مشيئة العبد منفصلة عن مشيئة الله إياك أن تفكر أنك ستفعل أمراً لم يكتبه الله عز وجل، الملخص أنه الذي يعمل عملاً فيه خير فليحمد الله ولا يقول أنا ولا يغتر بإيمانه. البعض من الذين يصلون الفجر في المسجد لا يكلمون أحداً لأنهم يظنون أنهم أفضل منهم، هذا غير صحيح، هذا العمل فرض عليك وإذا ذهبت للصلاة في المسجد الفجر فقل الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله، وهذا دعاء أهل الجنة داخل الجنة والرسول r يقول (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: إلا أن يتغمدني الله برحمته) فرحمة الله تبارك وتعالى هدتني للعمل الصالح الذي قمت به فدخلت الجنة إذن دخلت الجنة برحمة الله وهدايته ودرجتي داخل الجنة بعملي، أنت عملت بفضل الله تبارك وتعالى فعندما عملت أنت قمت بشيء في وقت كان غيرك في خمارة أو بار أو غيره. المقدم: من قلة الأدب أن يقال عن المشروبات التي تفسد العقل والروح مشروبات روحية، سموا الخمرة المحرمة التي تفسد العقل مشروبات روحية. د. هداية: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِي (29) الحجر) الروح التي هي نسبت للمولى عز وجل، وهذا يجعلنا نقول للذين يقولون بغير علم أن الحيوان فيه روح والقطة فيها روح نقول لهؤلاء أن الحيوان ليس فيه روح وإنما فيه قوام حياة، الروح تميز بها الإنسان وهي من روح الله تبارك وتعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِي)، وهذه قصة السجود سجدت الملائكة لآدم أن فيه من روح الله تبارك وتعالى. هذه هي الوديعة الإلهية عندما ينتهي أجل الإنسان لا تظل في الأرض وإنما ترفع إلى السماء. قلنا سابقاً أن سهم الحياة عكس سهم الموت وآخر شيء يدخل جسم الإنسان وهي الروح هو أول ما يخرج منه عندما يموت والروح سر من أسرار الله تبارك وتعالى وليس من أمره، الروح التي من أمر الله هي القرآن (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (15) غافر) كل الوحي والقرآن من أمر الله أما قوام حياتي فهو سر من أسرار الله ليس من أمر الله. إذن تسمية الخمرة بالمشروبات الروحية مسألة يجب التوفق عندها لأنه في بعض الحالات نحن نسكت عن بعض الكلمات أو لا نرد عليها وهذه مسألة خطيرة ولذلك في بعض الأحيان نشعر أننا نعيش هكاذ وانتهى الأمر لكن الأمر ليس هكذا والجنة ليست رخيصة. قراءة القرآن لم تعد بالعناية اللازمة لذلك لم نعد ننهى عن المنكر ونأمر بالمعروف. لو أن أحدهم يقرأ القرآن بتدير ويقرأ (من روحي) عليه أن يعترض عندما تسمى هذه المحرمات مشروبات روحية والذي يقرأ القرآن يجب أن يعترض على بعض التسميات والكلمات مثل المشروبات الروحية. المقدم: الآن أصبحت مسألة المشروبات الروحية على مرأى ومسمع من الناس ولم تعد كما كانت في السابق بأنها تخفي شراءها لهذه المشروبات أما الآن فيمكن شراءها من أي مكان وأصبحت مغرية بشكلها وألوانها دون رقابة ودون اعتراض أحد من الناس وهذا الأخطر لأنه إن لم تستحي فاصنع ما شئت. المعصية مشكلة والمجاهرة فيها مشكلة والذي لا يعترض عليها مشكلة. المقدم: قلنا في تفسير الآية (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال) قلنا الذي ظلم ربنا سيعاقبه وهذا أمر منطقي لكن ما ذنب الذي لم يظلم؟ ربنا يأخذ المجتمع كله بجريرة الذين عصوا لأنهم سكتوا والساكت عن الحق شيطان أخرس والقصة في هذا الرجل الذي جلس مع قوم يعصون الله تعالى ونزل جبريل ليقلب عاليها سافلها قال فيهم عبدك الصالح قال فبه فإبدأ لأنه لم يتغير وجهه من أجل الله تبارك وتعالى ولم يعترض. الساكت عن الحق شيطان أخرس، إعترض لله تبارك وتعالى على الأقل بقلبك إو بوجهك وهذا الموضوع استفحل كثيراً ولقد تابعنا منذ فرتة تعليق الصحافة على مدرسة ثانوية أقامت حفلة تخرج لطلابهم لكن الحفلة تأخذ شكل تأجير صالة في فندق ونحضر الراقصات والطالبات تذهبن بلباس سواريه وأجسامهن عاريات فأين الأهل وأين المربي الفاضل الذي أشرف على الحفلة وأين المجلات؟ د. هداية: هذه الآيات التي معنا قد تلفت النظر لما تذكره بطريقة مبدعة أن عباد الرحمن وهم صفوة الصفوة لم يقولوا واجعلنا من المتقين لأنهم هم أعلى من كل هذا التوصيف، هم يقولون (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الإمام توصيفه بالنسبة للمأموم أنه رمز وقدوة فيجب أن يعمل أعلى فإذا كان المأموم من المتقين فكيف يكون الإمام؟! متقي أعلى، لأن الإحسان مرحلة لما جبريل سأل الرسول rالذي هو إمام المحسنين عنها قال ما الإحسان؟ قال r أن تعبد الله كأنك تراه يعني الإحسان ليس عبارة عن عمل عادي وإنما عمل فيه تزيّد في التفعيل نفسه وهذا ما لم نفعله نحن في المجتمع. أن تعبد يعني دخلت مسجداً الذي فيه فئات مختلفة فأحسن واحد منهم عباد الرحمن يريدون أن يكونوا إمامهم. إذا كنت أنا أطالب أن أكون إماماً للمتقين فيجب أن أعمل أعلى منهم لأنه إذا كان المأموم من المتقين فماذا يكون الإمام؟ درجات لا تخطر على بال مجتمعاتنا الحالية. المقدم: نذكِّر أنفسنا أنه علينا أن نقول على الشيء الخطأ خطأ. المجتمع سمى الرقص فناً وقد اعترض بعض أعضاء مجلس لشعب على إحياء الراقصة لحفل تخرج طلاب الثانوية وقسم قال لِمَ لم تعترضوا على التعليم ومشاكله ومستواه وغيره. المجتمع سكت عن أمور صغيرة فاتسعت نسبة العيب. الدور الذي يجب أن يلعبه كل إنسان ولا يقول البعض هل أنا سأصلح الكون؟ يجب أن نعترض بأسلوب حضاري فكيف أكون إيجابياً حتى لا يحق علينا العقاب؟ د. هداية: لعل هذه الآية تبصر الناس بأن الجنة إذا كانت لفئات معينة جداً قليلة جداً في استعراض اللإيمان والتقوى والإحسان والآيتين اللتان نذكرهما في سورة يوسف يبين أن عدد أهل الجنة يكاد يكون قليلاً لما قال تعالى للرسول r(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) ما هو الشرك؟ ما هو الكفر؟ عندما نوقع الآيات في القرآن الكريم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) ولم يقل ظلموا من؟ ولما سأل القرآن الرسول r(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (23) الجاثية) المال أصبح إلهاً والخمر إلهاً. عباد الرحمن وهم فئة خاصة وصفوة الصفوة من المؤمنين لم يحمدوا ربهم أنهم من عباد الرحمن وانتهى الأمر وإنما عليهم دور كما توضح الآية سألوا الله تعالى أن يوفقهم إليه (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الإمام هو القدة والأسوة فمن إمام عباد الرحمن؟ من إمام الأئمة؟ الرسول rوالقرآن لخصها (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (21) الأحزاب) الله هنا غاية، لم يقل جنة أو مغفرة، لهذا مرة وردت تتقي الله ومرة تتقي النار هو يهتم لأمرين نقولهما 17 مرة في الفرائض، مالك يوم الدين الله واليوم الآخر، اليوم الآخر هو يوم الحساب والجزاء والله مالك هذا اليوم. لكن هل كل من يقرأها كل يوم ساجد لله؟ هل كلنا نقولها مثل بعض؟ هناك عامة وخاصة وصفوة وصفوة الصفوة. فعندما يقول عباد الرحمن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) اجعلنا يعني نحن جماعة وللمتقين جماعة أفرد إماماً ولم يقل أئمة لأن الأئمة على منهج واحد لإله واحد والمفروض أن لا يختلفوا. كلمة إماماً هنا لا تعني بالفهم البسيط أنه الذي يؤم الناس وإنما يعني دليلاً، إماماً يعني دليلاً في السراء والضراء في الرخاء وفي الشدة، في الأزمة ابتلاء وفي الرخاء ابتلاء، أنت في الرخاء عادة لا تذكر الله ولكن تذكره في الشدة ومع أن هذا أكبر اعتراف بقدرة الله في الشدة لكن عليك أن تعرف الله في الرخاء حتى يعرفك في الشدة. علينا أن ننتبه لمقلوب هذا الواقع الرجل الذي ذهب يوم القيامة كان قد أعرض عن ذكر الله قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه) كذلك يعني نحن فعلنا معك كما فعلت أنت أتتك آياتنا فنسيتها ولم يقل فأعرضت عنها مع أنه سبق استعمال أ‘رض في الآية، نسيتها يعني لم تطبقها رغم معرفتك لها بالفطرة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) يعني يريد أن يقول لك أن أبسط أمور المعرفة أن تعرف الله تبارك وتعالى وأول جنود الإيمان الكفر. الذي كفر بالله ستره وهو أول من أثبت وجود الله، لو أن الإله ليس واجب الوجود لم يكفر. قال (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى لا تعني أن الله تعالى نسيه بدليل أنه يحاسبه، هذا نسيان من رحمة الله تبارك وتعالى، وكأن كما أن الأصل الرحمة لكنك أنت لا تستأهلها (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) من رحمة الله تبارك وتعالى السبب أنه أعرض عن ذكر الله فكأن الذكر أصل، الذي يسمع الأذان ولا يصلي، الذي يأتي رمضان ولا يصم، والذي يصلي يسرح. المقدم: الآية تتكلم عن الشرك بالله (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) كثير من الناس لا يفهمونها؟ هو قال يؤمن يعني شرك مع إيمان، لو طبقنا هذا في المجتمع البعض يظن أن رزقه بيد المدير فيضطر إلى النفاق والمدين يتخيل أن فلان سيفك دينه والمريض يظن أن هذا الطبيب سيشفي ابنه والذي يذهب إلى الأضرحة ويطلب شفاء فلان أو نجاح فلان ولم يسألوا المولى تعالى وإذا قلت له أن هذا شرك يعترض؟ د. هداية: من هو المؤمن؟ هو الذي يطبق الأحكام، الرجل الذي يقرأ القرآن كل يوم لما مر بضيق لم يقل اللهم أغنني وإنما قرأ سورة الواقعة وهو مقتنع أنه يتصرف بشكل صحيح. هذا يعملها يطبق الآية 106 في سورة يوسف هو مؤمن لكنه يشرك ساعة يقرأ سورة الواقعة وهو يظن أنها ستغنيه يعني الفاعل هو سورة لواقعة وليس الله تعالى وصدق الله تبارك وتعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف). لو أردنا أن نفهم أكثر (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) متى قالوها؟ بعد أن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) كأنني أنا لا أسأل المولى عز وجل أن يجعلني إمام لللمتقين قبل أن أؤمن بيتي بزوجة صالحة وأولاد صالحين. لو أردت أن أسأل الله تعالى أن أكون للمتقين إماماً وأنا عندي زوجة غير صالحة أو ولد غير صالح لن تنفع لأن البيت والأسرة هي نواة المجتمع والمجتمع نواة الأمة فلما يحصل خلل في الأمة نعود للأسرة وأفرادها والأسرة جاءت من توجيه الرسول rالذي قال للرجل (فاظفر بذات الدين) وقال للأهل (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) هذا واقع نعيشه الآن للأسف الشديد. بُثّت الحلقة بتاريخ 27/5/2008م |
عنوان الحلقة: التوبة والاستغفار 76 تقديم علاء بسيوني د. هداية: لعل الآية التي سنقف عندها توضح أن المشوار الطويل لم يكن هباء ولكن مشوار يستأهل بدليل النهاية والتوقيع القرآني في الآية مبدع (أولئك) يعني أولئك الذين والذين والذين والذين وحتى نفهم أكثر ذكرنا أن جملة (وعباد الرحمن) مبتدأ خبرها مؤجل والخبر هو الذي يوضح قيمة المبتدأ، عرفنا أوصاف عباد الرحمن لكن ما هي نتيجتهم وجائزتهم؟ (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) نبدأ من النهاية، حتى نبين قيمة الخبر للمبتدأ الذي طال توصيفه على مدى 75 حلقة القيمة ظاهرة في إضافة السلام للتحية وليست توصيفاً لها وألفت النظر أن كل أهل الجنة تحيتهم سلام، أما عباد الرحمن يلقون فيها تحية وسلاماً وهذه فيها فرق. أنا أحيي فلاناً بالسلام يعني هو متقي لكن ليس من عباد الرحمن فإذا كان من عباد الرحمن يلقى فيها تحية وسلام وهناك فرق كبير أن تكونالتحية سلام أي أن الملائكة تدخل عليك وتسلم عليك (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ (10) يونس) لكن (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) مختلفة. نأخذ كلمة (يلقون) ونضعها مقابل (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) بعد استعراض ثلاث كبائر على سبيل المثال لا الحصر بتوصيف عباد الرحمن وهم يمتنعون عن الشرك الذي قلنا أن خطورته أن الذي يأتيه قد يكون مؤمناً وإذا أشرك المؤمن فهو في النار وهو غافل ويظن أنه يحسن (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) عباد الرحمن لا يمكن أن يأتوا الشرك لأنهم في درجة الإيمان والتقوى والإحسان وإسلام الوجه لله وهم طلبوا بعد استقرار بيتهم بالزوجة والذرية قرة أعين دليل على البرود (الدمع نوعان دمع حار وهو دمع الحزن ودمع بارد وهو دمع السرور) والمثل العربي يقول: "أقرّ الله عينك وأسخن عين عدوك"، هذه حقيقة بيولوجية ثابتة أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن حار. فالآية بعد استقرار البيت والاطمئنان هم يريدون أن يكونوا إماماً للمتقين وذكرنا في الحلقة السابقة أن الإمام يجب أن يعمل عملاً أكبر من عمل المأموم فإذا كان المأموم من المتقين فالإمام يكون من المحسنين من عباد الرحمن فهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) إذن من يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من عباد الرحمن ولا من المتقين. (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) وقلنا الأثام جزاء الإثم قارن هذا بعباد الرحمن (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) والسلام غير التحية، السلام استقرار وهدوء وعندما وقعها القرآن قال (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) الحاقة) إذا كانت العيشة راضية فما بالك بالذي يعيشها؟ هذا توقيع قرآني هذا وصف المعيشة فكيف بالذي يعيش؟ (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة). (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) ما هي التحية؟ المستقر عند الناس أنها إلقاء التحية على الناس ولكنها في الحقيقة ليست كذلك. التحية جاءت من الحياة لكنها جاءت في تفعل الحياة فتحيا غير تحية، تحيا يعني عايش لكت تحية فهذه الحياة الأبدية التي لا يخرج منها صاحبها لذلك توقيع القرآن من (تحية) قال القرآن (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ (64) العنكبوت) ولو وقعنا هذه وهذه في آخر سورة الفجر (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)) لم يتذكر إلا الآن وكيف تنفعه الذكرى ويقول يا ليتني قدمت لحياتي هنا فهم أن الحياة التي كان يعيشها لم تكن تستأهل عليه أن يكون واعياً والمفروض أن يرضى في الحياة الدنيا بالقليل للكثير الدائم (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) فالذي يقولها قال تعالى في توقيعها (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)) مقابل هذا هناك من كان يعمل للآخرة فقال له تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)) أرضت الله تعالى فسترضى (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة) (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) عبادي نضع مكان الياء عباد الرحمن الجنة هنا لو حذفنا الياء ووضعنا الرحمن لن تكون جنة وإنما ستكون غرفة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) والغرفة لا تعني أن جميع عباد الرحمن في غرفة واحدة بدليل قوله تعالى (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ) هذه الغرفة توضيف لتوقيع غرفات كأن الغرفة هذا المكان العالي هو غرفة من حيث التوقيع ولكل واحد غرفة وهذه الغرفة عرضها كعرض السماء والأرض. المقدم: التحية مختلفة عن السلام، النبي r قال للمرأة العجوز " لا يدخل الجنة عجوز" وحزنت المرأة لأنها اعتقدت أنها لن تدخل الجنة لكن الذي قصده الرسول r أن الإنسان سيكون في ريعان الشباب لا يكبر ولا يشيخ ولا يمرض. هل هذا تفسير التحية التي وردت في الآية؟ أن الإنسان في الجنة يأخذ نوع الحياة النضرة التي تتمتع بكل شيء هل هذا أحد التفسيرات؟ د. هداية: هذا تفسير صحيح لأن كل شيء يبدأ وينتهي وإذا أردنا أن نرسم منحنى حياة الإنسان يصعد ثم ينزل الإنسان وهو صغير لا يتمتع وكذلك وهو كبير لا يتمتع، هذه الفكر رد بها القرآن على مفهوم اليهود للحياة (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (96) البقرة) الإجابة من القرآن على الأمور إجابات منطقية وعملية المفروض أن القرآن يقول (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) المفروض أن يكون الرد من هذا الباب ولكن تكلم في النتيجة (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ (96) البقرة) حتى لو عشت الألف سنة على الطريقة التي يعيشها اليهود سيخلدون في العذاب ولو كانوا واعين يجب أن يبتعدوا عن رغبتهم هم ويرضوا بما قسمه الله تعالى لهم ويسلموا لله ويأخذوا السنين الذي أعطاهم الله تعالى إياها ويعيشوها في طاعة وعمل وسعي. لو عشت أربعين خمسين ستين في طاعة ستكون في نعيم دائم. الرد في الآية يناقش أنه سلم بالألف سنة تسليماً جدلياً فيناقش القرآن ما تراه أنت بعينك، أنت في سن الذروة ينظر بعيني رأسه على طفل ومعمر، الطفل يحبو والمعمر الذي عنده مائة سنة يحبو أيضاً (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) يس) هذه نراها بأعيننا، لو أخذنا عمر الإنسان عشر سنوات عشر سنوات تجد أن هناك نقطة في الوسط أو قبل الوسط كما تكلم علماء السيكولوجيا هذا سن دخول الجنة حتى تتمتع بشكل صحيح فلما قال الرسول r لن يدخل الجنة عجوز هذا ليس مطلقاً ولكن العجوز ستعود لمرحلة الصبا لأنه إذا أدخلنا النعيم ونحن ليس عندنا حواس لن نستمتع به لكن لو دخلنا النعيم ودرجات حواسنا في القمة يكون الاستمتاع بها صحيحاً ولهذا قال تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ (70) النحل) كما كان الطفل الصغير غير واعي، الطفل الصغير لا يمكن أن تكلمه في مسألة منطقية وكذلك الذي عنده مائة سنة إذن توقيع القرآن أنه لا هذا يستمتع ولا هذا يستمتع. العيشة هي الراضية وفي الآية قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) الصبر هنا مجاز عن العمل لأن المنطق يقول بما عملوا وهم صابرون لكن لما عبر المولى عن العمل الذي كان يتعبهم بالصبر إذا الصبر هو لازم كل عمل. في عُرف الصناعات يقولون الإتقان يحتاج إلى وقت. الإتقات والتجويد والتحسين يحتاج لوقت وصبر ولذلك لما أطلق القرآن وهو ينصح في قضية فارقة قال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) الصلاة تعبير عن العبادات والصبر أن كل العبادات وبالتالي كل المعاملات تحتاج لصبر، الصلاة يحتاج صبر والصيام يحتاج صبر والزكاة والحج إذن لما قال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) الضمير يعود على الصبر والصلاة معاً هذا ضمير الشأن مثل (قل هو الله أحد) يعني شلأنه دائماً أنه أحد. إذن لما أراد أن يجعل وحدانية الله شأن أي دائم شأنه أنه أحد قال (قل هو الله أحد) هذا ضمير الشأن ويقابله ضمير القصة وهو تأنيث ضمير الشأن كما في (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) البعض قال أن (إنها) تعود على الصلاة لكن أين الصبر؟ ولكن نقول أن (إنها) تعود على أن الصبر والصلاة يعني استعينوا بالصبر والصلاة وإن الاستعانة بهما لكبيرة إلا على الخاشعين فإذا أردت أن تستعين بأي أمر عندك فاستعن بالصبر والصلاة، الصلاة هنا تعبير عن كل العبادات وقد تكون عن الصلة أي صلتك بالله تبارك وتعالى التي عنوانها الصلاة والإمام مالك قال: إذا أردت أن أناجي ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن. إذن لما أدخل في الصلاة أكلم المولى تعالى إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم، إذن لما تحب أن تطلب من المولى تعالى تتصل به بأن تقول الله أكبر تكبيرة الإحرام تفصل نفسك عن الدنيا خرجت من الدنيا ودخلت منطقة محرمة ترمي الدنيا وراء ظهرك وتقرأ الفاتحة تتكلم عن الله إلى أن تصل إلى مالك يوم الدين حيث يتحول ضمير المتكلم عنه إلى كاف الخطاب لله تبارك وتعالى وهذه منطقة خطيرة وإذا كنا نصلي بوعي علينا أن ننتبه إلى قوله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وأنت تقرأ يجب أن تقف وتسمع هذا الكلام وتعطي الحوار بينك وبين الله تعالى فرصة إلى أن تصل إلى مالك يوم الدين قبلها كنت تثني على الله تعالى وتتكلم عنه وتحمده، ثم تقول (إياك نعبد) سيتحول ضمير المتكلم عنه إلى ضمير المخاطب فهل تتخيل أنك تتكلم مع الله تعالى؟! لهذا أعطانا ما نتكلم به وقال r سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك جلّ وجهك وعز جاهك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، أنت كإله يا رب لا يمكن أن أصفك لذا أعطانا تعالى ما نصفه به ولذلك لما وقعها قال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) ولم يحدد نستعين من ماذا إذا في أي مشكلة تواجهنا يجب أن نستعين بالصبر عليها والصلة بالله إن لم تكن في الصلاة بالعبادة فهي في الصلاة بالمعاملات وأن تسأل الله أن يقيك شر تعاملات الغير فهكذا تكون اتسعنت وأنت في معية الله تبارك وتعالى وهذا يجعلك تعيش باطمئنان في الدنيا والآخرة بدليل لما وصف عباد الرحمن كل وصفهم كان إما عبادات أو معاملات (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) يعملون لأنهم يخافون من النتائج (حسنت مستقراً مقابل ساءت مستقراً) وهذا يبين لنا أن الذي يستحضر العقوبة لا يقع في المعصية إذا مشكلة الذي يقع في المعصية أنه لا يستحضر العقوبة ولا يعرف أن الله تعالى يراه ولما سأل جبريل الرسول r عن الإحسان قال r: أن تعبد الله كأنك تراه فإلا تكن تراه فإنه يراك. وبعض المعاصي يقع فيها الإنسان لأنه اغتر برحمة الله تعالى والشيطان يزين له ويقول ربك غفور رحيم، هذه نصف الحقيقة لكن الآية تقول (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) الحجر) هو غفور رحيم ليس لأنه ضعيف حاشاه، هو غفور مع أنه قوي وعزيز ومتين وذو انتقام. الناس في الدنيا تخشى القوي لا الضعيف ولله المثل الأعلى فهو تعالى رحيم عن قوة وغفور عن قوة وليس عن ضعف فلما يرحمك القوي يكون للرحمة معنى لأنه قادر عليها سبحانه. لما تتقي هذا القوي المتين العزيز الحكيم ذو انتقام ينتقم من المجرم ويعفي المظلوم. المقدم: الذين في الغرفة سيلقون تحية وسلام ليس فقط من الملائكة ولكن التحية كأنها حياة جديدة ونضارة جديدة كل لحظة والذي يكون في نضارة دائمة يصل لدرجة الخلود، وصف المولى يؤكد أن هذه المتعة لن تزول وإنما (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) ومسألة الخلود وقف عندها الكثيرون مرة خالدين فيها ومرة أبداً ومرة فيها استثناء. د. هداية: فسّر الله تعالى الخلود. لما قال تعالى (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) التحية هي السلام كأنه يشرح لنا تحية قال (خالدين فيها) يعني التحية عبارة عن الحياة الدائمة، كلمة الدنيا لما أضيفت للحاية جعلتها مختلفة عن الآخرة التي هي الحيوان التي فيها خلود. لما قال (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) عدم ورود كلمة (ابداً) لا تعني أنهم سيخرجون منها. في سورة الإنفطار قسم القرآن الناس فريقين (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)) وسأل الناس سؤالاً (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)) هذا السؤال للذي اغتر برحمة الله تعالى ووقع في المعاصي، خلقك عن قدرة وليس عن ضعف فإذا كان الخلق بقدرة إذن الخالق قدير يقدر عليك لكن لما تركك قال (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) الطارق) لم يمهلك عن ضعف. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)) هنا يخاطب الإنسان الذي اغتر وهذا الغرور جاء من الشيطان الذي سُمي الغَرور، وصّف تعالى كل مناط قدرته (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)) أي إجابة سيجيبها المغرور الإجابة عليها (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة) الحقيقة (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) قسم الناس (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)) القرآن في هذه الآية قسم الناس فريقين بار وفاجر. الرجل الذي سرق كيف نصفه؟ فاجر. لنعرف قيمة التوب نسأل: سارق مات على جريمة السرقة وآخر سرق ثم تاب لا يجتمعان إذن الذي لم يتب هو من الفجار، قال تعالى عن الأبرار أنهم في نعيم ولم يصف لكنه قال عن الفجار (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) يعني الذي يدخل النار لا يخرج منها. الذين يتكلمون في التيسير لا يهونون على الناس وإنما يورطونهم هذا لا ينفع وفي الأمثال الشعبية " يا بخت من بكاني وبكّى الناس عليّ ولا ضحكني وضحّك الناس عليّ". إن الأبرار لفي نعيم الأبرار عنوان الإيمان والتقوى والإحسان والإسلام، وإن الفجار لفي جحيم والفجار أبسط تعريف لها أن الفاجر هو الذي عمل جريمة ولم يتب عنها. الجريمة ليس لها وقت وكذلك التوبة بابها لا يقفل 24 ساعة: إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار" وسألنا سابقاً هل الذي ارتكب معصية في الليل ينتظر حتى الصباح ليتوب؟ يتوب بالليل لأنه تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) لدرجة أن الحكماء قالوا يا ليت العاصي يتوب في موطن المعصية لأنه لا يضمن عمره ولذلك هلك المسوفون الذين يقولون سوف أتوب، سوف أطيع، سوف أصلي، سوف هذه طويلة. (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) على هنا تفيد الإلزام وإن كان تعالى لا يلزمه شيء ولكنه ألزم نفسه سبحانه بقبول التوبة. (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) وحتى نرى عظمة الأداء قال تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)) سؤال هل الأمر يومئذ لله فقط؟ كلا هذا باعتبار فهم الكفار لأنه لو لم يكونوا فد فهموا هذه سابقاً يفهموها الآن أن الأمر دائماً لله. لما نسمع هذه الآية ثم يفتح باب الأمل (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) الواعي الذي يسمع هذه الآية يذكر مقلوب هذه الآية عندما سأل عباد الرحمن المولى عز وجل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) غراماً أكثر من العشق، هناك الحب والعشق أعلى من الحب والغرام يفيد أمرين في الحب يعني ملازمة والغريم لا يترك غريمه أبداً يبقى يطالبه فالغريم لا يترك غريمه والحبيبان لا يتركان بعضهما ففي حق الأبرار سيكون غراماً وفي حق الغريم غرام فقال تعالى (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) أي ملازماً لا يفارقه أبداً إذا دخلها (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) في مقابلها الذي يدخل الجنة (خالدين فيها) لكن النار ساءت مستقراً ومقاماً والجنة حسنت مستقراً ومقاماً. ما زال عندنا توقيع بديع في النتائج لا بالأعمال كأن الناس الذين هم عكس عباد الرحمن لا يستأهلون أن يوصفهم، وصف الله تعالى عباد الرحمن بأوصاف عديدة في آيات عديدة لكن لما تكلم عن مقابلهم قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) هذا الكلام لنقيض عباد الرحمن. بُثّت الحلقة بتاريخ 3/6/2008م |
التوبة والاستغفار 77 تقديم علاء بسيوني سؤال: ما دلالة صياغة وترتيب الآية في ختام السورة؟ تتكلم الآية عن الدعاء وعن التكذيب فما هو اللزام؟ د. هداية: يجب أن نعلم أين نحن؟ نحن في موضوع من أهم موضوعات القرآن وهو توصيف الفئة الخاصة جداً من درجات العبودية لله تعالى وهي الإسلام، الإيمان، التقوى، الإحسان ثم إسلام الوجه لله تبارك وتعالى يتكلم الله تعالى في هذه الآيات عن صفوة الصفوة والفئة الخاصة (عباد الرحمن) فعندما نسمع أوصاف عباد الرحمن يجب أن نعلم أن هؤلاء لا يعيشون وحدهم وأنهم في هذا المدار من مدار العبودية لله تعالى نحن تكلمنا عن الإسلام ثم الإيمان ثم التقوى ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله تبارك وتعالى كل واحدة من هذه يمكن أن تكون مشكلة فالذي يأتي من أبوين غير مسلمين يمكن أن تكون مرحلة الإسلام مشكلة بالنسبة له والذي يولد من أبوين مسلمين ويريد أن يرتقي في هذه الدرجات في هذا العصر بالذات مشكلة وعندما نصل إلى درجة إسلام الوجه لله يقول تعالى (وعباد الرحمن) وذكر أوصافهم التي لا تخطر على بال أي من فئات العبودية الخمسة التي ذكرناها (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)) أول آية قال جملة يجب أن ننتبه لها لأنه لو كنا نعيش في مكان كله عباد رحمن لا يكون هناك مشكلة ولكن الآية (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) ذكرت أنهم يعيشون وسط فئات هناك من يستهزئ بهم وهناك من لا يستطيع أن يجاريهم في عبوديتهم فقد يكون هناك أحد مرتبط بأحد من عباد الرحمن ثم لا يمكنه أن يستمر معه في هذه الصفات. المقدم: هل هذه المنزلة منزلة العبادة باتقان وإحسان منزلة سهلة؟ د. هداية: بالطبع لا، هذه هي الواو التي سنتركها للحلقة الأخيرة في (وعباد الرحمن) لكن ألفت النظر أننا نحن نستغرب أنه بعدما ذكر جزاء عباد الرحمن قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) فلمن هذا الكلام؟ ألفت النظر أنه في بداية المشوار قال (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) وقلنا عندما فسرناها أن عباد الرحمن لا يُتركون لحالهم لأن شياطين الإنسان عندما يجدون عباد الرحمن لا يريدونهم أن يستمروا في هذه الدرجة وضربنا مثالاً في علم النفس أن السارق يريد أن يكون الكل مثله سارقين وغير الملتزم يريد أن يكون الجميع غير ملتزم مثله. ليس من قبيل الصدفة أن يقول تعالى (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) ثم يذكر الصفة الثانية (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) ثم يقول في نهاية النتيجة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) يعني أن هناك مشقة، فلما يقول (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) تدل على أن هؤلاء تعبوا فحتى تكون من عباد الرحمن تحتاج إلى مجهود ضخم فبعد أن ذكر صفاتهم (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) ثم ذكر ثلاث كبائر على سبيل المثال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) هذه لا يعملها عباد الرحمن ثم عمل صيانة احتمال فقال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) فكأنه يقول أن الذي يفعل هذه الكبائر عليه أن لا يستصعب المسألة فبإمكانه أن يكون من عباد الرحمن بالاستغفار والتوبة والعودة إلى الله تعالى، فالمسألة تحتاج إلى ذكاء لأنه بعد أن عرض الكبائر قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ثم استكمل صفات عباد الرحمن ثم لما وصل إلى الجزاء قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) ولم يقل هؤلاء لتدل على أن عباد الرحمن بعيدو المنال، وأول مرة تظهر كلمة (الغرفة) ولم يقل الجنة كأن هؤلاء صفوة الصفوة ستكون لهم صفوة الأماكن (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ) المفروض أن التوصيف القرآني يكون أن هذه صفات عباد الرحمن ثم ينتقل إلى صفات من هم عكسهم لكن القرآن لم يذكر هذا وإنما قال في آية واحد بتوجيه الكلام للذي لم يحاول أن يكون من عباد الرحمن ولا من المسلمين ولا من المتقين ولا من المحسنين كأني بالله يقول أني ذكرت لكم نتيجة الذين عملوا وتعبوا فخذ نتيجة الذين لم يتعبوا مباشرة ولن أتكلم في الذين لم يتعبوا لأنهم لا يستأهلون أن أتكلم عنهم وهي (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) ذكر لنا النتيجة مباشرة وهي نتيجة مبدعة. قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) ولم يقل مقابلها والذين لم يؤمنوا يجزون النار مثلاً وإنما جاء بنقطة تتكلم في أصل أصيل في العبودية أن المولى تعالى ساعة يخلق فلاناً لا يتركه هملاً بلا رسالة والقاعدة القرآنية في الاعتقاد (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) لن يكون على باب الجنة من يسألك هل جاءك نذير وإنما على باب النار هناك من يسأل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) فيقولوا بلى فتقول الملائكة ادخلوا النار لأنه عندنا توصيف ما توقيعه؟ هنا يقول (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وهنا يقول (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) يعني هناك ملائكة على باب النار تؤكد للداخل أن الله تعالى لم يظلمه وأنه هو يشهد على نفسه ولذلك قال (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا (9) الملك) وتأتي في ختام سورة الفرقان (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ). يجب أن ننتبه إلى ختام سورة الفرقان. أولاً إسم السورة الفرقان ومعنى الفرقان أنه الفارق بين الحق والباطل في كل الرسالات وأخصها إسلام محمد r ديناً وديانة فعند هذا الإسلام هذا أخص الفرقان وهو القرآن، كتاب موسى فرقان لكن القرآن أخص فرقان أنه ليس بعده تفريق ولذا سمي فرقان على وزن فعلان، ورحمن على وزن فعلان وهذا أخص صفة في الرحمة ولا تكون إلا لله تعالى والرسول r وُصِف بأنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة) أما الله تعالى فهو الرحمن. (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) وقلنا أن عباد الرحمن فئة بعيدة المنال ثم قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) ما معنى كذبتم؟ وما معنى لولا دعاؤكم؟ هذه يجب أن نشرحها فالدعاء هنا ليس بمعنى الدعاء الذي نعرفه. وهذه الاية يجب أن نشرحها على غرار ما شرحنا في قصة يوسف u(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (24) يوسف) وهنا في الآية (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) (لولا) حرف امتناع لوجود. هل الله تعالى لا يعبأ؟ لو أجبنا أنه لا يعبأ فكيف نفسر إرسال الرسل والكتب؟ (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) دعاؤكم هنا تعني دعوتكم وليس دعاؤكم لله بدليل الذي بعدها يعني لولا دعوتكم فقد كذبت،م لولا أنني بعثت لكم رسلاً يدعونكم إلى الإسلام فكذبتم فسوف يكون لزاماً، ما هو اللزام؟ المقدم: ما معنى اللزام؟ في اللغة لزام يعني لازم فهل يلزم الله تعالى شيء؟ هل الإلزام هذا على الله أو على العباد بما استحقوا من الفعل؟ د. هداية: قال تعالى (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) الأنعام) فلله تعالى أن يلزم نفسه بما شاء سبحانه وهذا فضل من الله وأخصه قوله تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا (6) هود) الرزق لا يعني نقود فقط ولكن الرزق مال وصحة وطعام ورسول وكتاب ومنهج والزوجة والزوج رزق. (على) حرف يفيد الإلزام وإن كان الله تعالى لا يلزمه شيء فالرجل المسلم الحق يطمئن أن رزقه لن يأخذه أحد منه فلا يسرق شيئاً لأنه يعلم في عقيدته السليمة أنه لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم ابن آدم فأنت لا يمكن لك أن تهرب من رزقك فالقضية تحتاج إلى وعي. الإلزام هذا منه (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) والرزق وبعث الرسل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الفيصل بين المولى تعالى وخلقه في التعذيب أن الذي لم يأته رسول في الجنة وهؤلاء يسمون أهل الفترة والذي جاءه رسول إما آمن وإما كذّب ولذلك الآية تعمل في الحالتين (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا) لم يقولوا فكفرنا. القاعدة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) أرسل الله تعالى رسولا فمجئ الرسول للعبد دليل على أن الله تعالى مهتم بهذا العبد وإلا لما أرسل له رسولاً، (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) هذا أصعب تركيب لغوي في القرآن لأن الشراح كل واحد شرحها من وجهة نظره. القاعدة كما ذكرنا (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) تدل على أن الله تعالى يبالي بخلقه وإلا ما أرسل لهم رسولا ومنهجاً. (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي) لو انتهت الآية هنا لدلت على أن الله تعالى لا يعبأ لكن الآية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ). أولاً العبء هو الحِمل، الشخص الواعي لا ينتبه للأمور التافهة ويقال عنه في التعبير الشعبي "دماغه متكلفة" والرسول r وقعها بطريقة مبدعة فقال" إن من إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" المسلم الحق لا يهتم إلا في الأمور الهامة كأن دماغ الإنسان الواعي فيه فلتر يُبعد ما ليس له فائدة وتهتم بالذي فيه فائدة وهذا يسمى حِمل على القلب فالواعي لا يحمّل نفسه أكثر من طاقته هذا لا يعبأ بما لا يهم وإنما يعبأ بما يهمه فقط فيخفف الحِمل عن نفسه، لا يعبأ يعني لا يبالي. لا يهتم الله بكم لولا دعاؤكم هذا دليل أنه اهتم لأنه أخذ على نفسه عهد أن يرسل لكم رسولا وأنتم مقابل هذا الاهتمام كذبتم؟ إذن لماذا صيغت الآية بهذا الشكل؟ لأنه هو لا يعبأ لذاته وإنما يعبأ لأجلنا نحن ولصالحنا نحن لأنه مهما أحسنا العبادة لن تزيد في ملكه سبحانه شيئاً، هذه نوقعها في صحيح مسلم "يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً" إذن لو صار الناس كلهم أتقياء هذا لمصلحة الذين اتقوا وليس لمصلحة الله تعالى ثم جاء بالمقابل "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً،" هذه الصياغة الإلهية أرسل الله تعالى الرسل، في التقوى قال (منكم) لوم يقل منكم في الفجور فإذا اتقيتم لمصلحتكم وإذا فجرتم فعليكم ثم قال " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر،" نتيجة هذه المسائل الثلاث قال تعالى " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها " لذا لا يقولن أحد الله تعالى لم يهديني أو لم يحجّبني بعد " إنما هي أعمالكم" الله تعالى يحصي هذه الأعمال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) الإنفطار). المقدم: (أحصيها لكم) الفهم الأولي أن الله تعالى يسجلها علينا لكن الهدف أن الله يسجلها لنا لكي نعلم أننا نحن الذي قصّرنا لأن الله تعالى يعرف نتيجة عملنا. د. هداية: الصح اللغوي الذي وصفته بعض الناس قالوا لماذا لكم وليس عليكم؟ لو قال عليكم لدلت على أن المولى يتحدانا ثم (لكم) لا تعني أنها حسنات لمصلحتك، لماذا تكتب الأعمال؟ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) هذه تحتاج إلى شهادة وأحسن من يشهد علينا هي أنفسنا توصيفها (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) (عليك) تأتي من الأعمال التي أحصيت لك، أنت ستقرأ أعمالك (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الإنفطار) كراماً يعني لا يزيدون ولا ينقصون شيئاً " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم" أحصيها لكي تكون هي الحجة علينا وسنقرأها، " ثم أوفيكم إياها " يعني (لكم) تعمل في السيء وفي الجيد " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها " يحمد الله لأن دعاء أهل الجنة داخل الجنة (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) ويقابلها " ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" حتى لا يقول أحد لم يهدني الله بعد (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) أنت الذي تتحرك أولاً. الحديث يقول أن الله تعالى لا يبالي بنا لذاته وإنما لمصلحتنا. عندنا قوله تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد) هدانا للخير والشر هدانا للخير حتى نفعله وهدانا للشر حتى نجتنبه ولا نفعله لا كما يقول البعض أن الله هدانا للخطأ. المقدم: بعض من يتصدى للخطاب الديني في بعض الأحيان لا ينزل لمستوى الناس أو يتكلم عن القواعد الدينية كأنها شيء من الجوامد لكن لا يشرح للإنسان البسيط أن الله تعالى لما يبين لنا طريق الخير والشر يعني أنه يبين لنا طريق الخير لنتبعه وطريق الشر حتى نجتنبه ويبين أن طريق الشيطان طريق مظلم وربنا أرسل الرسول لينيروا طريق الشيطان الذي كله شر لكن الإنسان هو الذي يطفئ هذا النور. د. هداية: قال تعالى (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) لا عبث أن سمى الله تعالى الشيطان بالغرور لأنه يغر الناس يضحك عليهم. الله تعالى قال (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الإنفطار) لن يفاجئنا الله تعالى بها يوم القيامة فلا تغرك الدنيا ولا النفس ولا الغرور. المقدم: مسألة إحصاء المولى تعالى الذنوب والمعاصي ليست على الناس وإنما لهم، المفروض أن الملائكة تحسب لك لو حسنة وعليك لو سيئة لكن في الحديث القدسي قال تعالى (أحصيها لكم) لأن الإنسان سيكون حسيباً على نفسه يوم القيامة وقال تعالى في القرآن أكثر من مرة أن الناس ستجادل وتدافع لكن رغم هذا الجدل وهذه الطبيعة البشرية لن يجرؤ مخلوق وهو يحاسب أن يقول لم أعملها وإنما سيقرأها بنفسه ولن يزيد الله تعالى له ولن ينقص. د. هداية: حتى أهل الكفر يوم القيامة قالوا (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) هم استغربوا. الغريب أن الإنسان في الدنيا ينسى ولهذا عندنا آيات التواصي (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر) لكن للأسف المسلمين تركوا التواصي. وفي صفات عباد الرحمن قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) عباد الرحمن يسعدون أن يذكرهم إخوانهم بآيات ربهم ، هم في أصلهم يعرفونها لكن قد يكونوا غفلوا عنها وهذه سمة في البشر لذا أرسل الله تعالى الرسل والمنهج. القضية في الآية أن التركيب اللغوي فيها صعب (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) الخطاب للرسول r (قل) ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يعني هو سبحانه يعبأ وعندنا آية في سورة النساء (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)) إذن هو يعبأ فهو يريد أن يهيد الناس ويبين لهم سنن البشر ويتوب عليهم. عندما يقول (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) تعني توبتان توبة الهداية أو الدلالة وتوبة المعونة ويقبلها وأنت مطئمن أنه تعالى هو الذي شرع التوبة لآدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة). هذا دأب القرآن في شرح الآيات قال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) البعض يقول كيف يأمر الله بالفسق والمعصية وهم للأسف لم يفهوا التفريع في الاية، القضية (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) ففسق لو نعرف اللغة لفهمنا مباشرة أن الله تعالى لم يأمرهم بالفسق ولو قرأنا القرآن لقرأنا قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ (90) النحل) قاعدة قرآنية تبين ماذا يأمر به الله تعالى وعن ماذا ينهى؟ إذن لم فهمنا هذا لفهمنا معنى الآية (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) يعني أمرناهم بالهداية وإلإيمان والإحسان والعدل والتقوى ففسقوا كما قال (فقد كذبتم) هل الله تعالى أمرهم بأن يكذبوا؟!. (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) فلولا دعوتكم من قِبَل الرسل ما كان الله ليعبأ بكم لأنه لو كان الناس جميهم أتقياء لن يزيدوا من ملك الله تعالى شيئاً ولو كانوا كلهم فجار ما نقص ذلك من ملك الله تعالى شيئاً. إسمع قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) العاديات) كنود بطبيعته ينكر النعمة ويجحد، كنود يعني فاجر جاحد غير محق ولو تكلمت مع إنسان فاجر فاسق يُظهر نفسه أنه هو الضحية وليس المخطئ أبداً ويعيد فجوره إلى ظروفه، وشهيد من الذي كُتب (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)) ثم التوقيع (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)) الواعي عندما يقف عند هذه الآية يسأل هل هي في الصدور أو في الكتاب؟ الملائكة تكتب أن فلاناً صلّى مثلاً لكن لا يعلم كيف كان الأداء فهذا في الصدور، الذي في الصدور تقابل ما هو مكتوب قسمت على مرحلتين (يعلمون ما تفعلون) هذه التي في الكتاب والتي في الصدور (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر). (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) العاديات) هو ليس فقط يومئذ وإنما هم يعرفون ذلك فقط يومئذ بعد فوات الأوان. إن اعترافهم بذلك سيكون في ذلك اليوم لكنه تعالى خبير دائماً لأنه يعلم خائنة الصدور، الذي في الكتاب سيخبر عن العمل وما في الصدور يخبر إن كان قد قبل أو لم يقبل لأنه مهما حاول الناس أن يناقشوا يوم القيامة لن يفلحوا لأنه كله مكتوب (أحصيها لكم) الذي في النار سيكون مقتنعاً أن النار أحق به من الجنة والذي في الجنة سيكون مقتنعاً أن الجنة أحق به من النار. قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعوتكم من الرسل ما كان الله ليعبأ بكم لأنكم أنتم مخلوقين والله تعالى هو الخالق القتدر القدير المقتدر وأنتم لا تساوون شيئاً ومع ذلك (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) لولا عملت عملاً خطيراً في الآية فهي حرف امتناع لوجود. يوم القيامة يأتي الرجل أعمى توصيفه في القرآن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) باع الذكر يعني هو يعبأ وإنما يعبأ لمصلحته وليس لذات الله تعالى فالنفي في الآية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) له وقع يعني الله تعالى يعبأ لمصلحتنا وليس لذاته سبحانه، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ليس مرتاحاً وإن كان عنده كل شيء، (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)) (كذلك) يعني الذي عملته سنعمل لك مثله (أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) إذن (مَا يَعْبَأُ بِكُمْ) تعمل في الحالتين مع أنه تعالى أرسل الرسل واهتم لمصلحتك أنت هنا قال (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) وهناك قال (فَنَسِيتَهَا) الفاء هنا لها دلالة في اللغة، أنت الذي عملت فتأتي التفريع بعدها مباشرة (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) (فَنَسِيتَهَا). (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) ما الذي سيكون لزاماً؟ 90% متوقع أنها النار ولكن قبلها ما أنتم عليه من كفر وما أنت عليه من جحود، أنتم الذين اخترتم فسابقيكم عليها توقيعها (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)) مرة للماضي ومرة للمستقبل قضى الله تعالى عليهم بالكفر ليس لأنه أجبرهم وإنما لأنهم اختاروا بأنفسهم (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ (18) الإسراء) أنت الذي تريد فعجلها الله تعالى له وفي المقابل (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء). الله تعالى يأمر بالخير ولا يأمر بالشر (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) الأعراف). الموضوع صعب لكنه ليس مستحيلاً وجزاؤه الجنة (بما صبروا) لهذا الرسول r وهو يتكلم مع الصحابة قال أجر أحدهم كأجر خمسين منكم قال الصحابة منهم يا رسول الله؟ قال لا بل منكم فأنتم تجدون على الحق أعواناً. بُثّت الحلقة بتاريخ 10/6/2008م |
التوبة والاستغفار 78 تقديم علاء بسيوني د. هداية: لا عندما تشتهي الحلال والتزهد كما يقول بعض الصوفية يكون في الحلال، الإنسان يتزهد في الحلال ابتغاء مرضاة الله. المقدم: إذا أخذنا الموضوع من وجهة نظر الصوفية أنني أتزهد في الحلال قربى إلى الله ألا يجعلني هذا أسلك مسلك الرهبانية التي لم يكتبها ربنا تعالى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ (27) الحديد)؟ د. هداية: هذه قضية نسبية قد نشرحها في عدة حلقات لكن نأخذ منها ملمحاً التزهد الذي دخل في الرهبنة ليس جديداً وحصل في عهد الرسول r عمدما قال له أحدهم أنا أصوم ولا أفطر وآخر قال أنا أقوم الليل ولا أفتر وآخر قال أنا لا أتزوج النساء فقال r لهم أنا أتزوج الناس وأقوم وأنام وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتي فليس مني. المشكلة في موضوع التزهد أن بعض الناس يبدأه ولا يستكمله وهذه طريقة غبية في التزهد أن أحمل نفسي البشرية فوق طاقتها. البعض يتطرف داخل التدين لأنه لم يسمع نصيحة الرسول r عن الدين "إن هذا الدين لشديد فأوغلوا فيه برفق" ولا ترغب عن سنة الرسول صُم وأفطر وقم ونم وتزوج الناس وتعامل مع الناس وتخرج وتعمل وهذه قضية يجب أن تفهم بشكل صحيح وبما يرضي الله تعالى بأن أتحرى الحلال وأجتنب الحرام ويمكن أن لا أبالغ في الحلال فأزيد من زكاتي مثلاً وهذه قضية نسبية. المقدم: هناك من الناس من أفاض الله تعالى عليه بالمال الوفير عليه أن يكون لديه ضوابط حتى وهو مقتدر ويتبع قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان). د. هداية: هو لم يسرف ولم يقتر وقال القرآن (قواما) هذا على مدار التقويم أنه يبحث المسائل والحالات على أساس أنه من عباد الرحمن. القرآن كان واضحاً في مسألة " الذي تريده أعمله لك" وهذه مسألة تحتاج إلى وعي أن هذا اإله الحق الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد التوصيف القرآني المبدع لا يُعبد إلا بإذنه (الحمد لله الذي هدانا لهذا) ولا يُعصى إلا بعلمه فلا يمكن لأحد يهودي أو نصراني أو غيره أن يقوم بعمل لم يكتبه الله تعالى. من كفر بالله أو أشرك أو ألحد لا تعتقد أنت كمسلم أن هذا خارج عن علم الله تبارك وتعالى أو متمرد بكفره لا يمكن له أن يفعل شيئاً لا يريده الله تعالى وهذا مسلم كرهاً بينما الذين أسلمول لرسالة محمد r هؤلاء أسلموا كواعية وهذه قالها القرآن الكريم (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا (83) آل عمران). هذا الإله الحق لا يُعبد إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه فالكافر كافر والله يعلم قبل خلقه أن سيكفر ولهذا يحسب الكتاب له حتى يكون حجة عليه يوم القيامة. الآية التي معنا (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) فيها ألفاظ مبدعة فلم يقل تعالى فيها آتيناه أو أعطيناه وإنما قال (عجلنا له) وكذلك عند أهل التقوى (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) إذن المسألة تحتاج لوعي فالذي يريد العاجلة عجلنا له فيها يعني أخذ ما يريد، الدنيا إسمها العاجلة لأنها مؤقتة وزائفة وهي التي معك لكنه قال تعالى (عجلنا له فيها ما نشاء) لمن نريد فقد يطلب الكافر ولا يأخذ إلا ما يريد الله تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) إذن الآخرة لها سعي مخصوص من عهد آدم رسول تلو رسول إلى أن نصل إلى رسول الله r(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب) فبه r اكتملت اللبنات كما قال r في الحديث وهو آخر نبي وليس آخر رسول لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول فلن يأتي بعده r لا نبي ولا رسول. (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ختمت الآية بقوله تعالى (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) يجب أن نوقعها من القرآن حيث لخص المسألة وذكرنا منذ حلقات (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) وقال النتائج (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) وهناك قال (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان) والذي يشرح مستقراً على أنها إقامة مؤقتة فهو مخطئ لأنها قيلت في الجنة أيضاً (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) الفرقان) فهل الذين في الجنة مؤقتون أيضاً وسيخرجون؟ المستقر قيلت في الجنة وقيلت في النار فكما أنه لا يخرج أهل الجنة من الجنة كذلك لن يخرج أهل النار من النار والقرآن شرحها (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الإنفطار). في سورة النازعات (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)) في ذلك أي الذي حصل لفرعون والله تعالى قال (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)) نحن لسنا أقوى من السماء والجبال والأرض ثم قال تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)) الصاخة هي النفخة الثانية والنفخة الأولى سماها تعالى الطامة. (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)) هذا شرح آية (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا (71) مريم) الورود لا يعني الدخول وإنما هي من المشترك اللفظي في القرآن كما قال تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) لا يعني أنه دخل في الماء وإنما وصل عندها. وضع النار في الآخرة يجب حتى تدخل الجنة أن ترى النار لأن الصراط المؤدي إلى الجنة مضروب على متن جهنم (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)) الكل يراها لكن ليس الكل يدخلها (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)) لن يخرجوا منها (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) لن يخرجوا منها. أنبه الذين يقولون أن كتاب البحاري أصح كتاب بعد كتاب الله وأقول لهم اتقوا الله فأين كتاب الله تعالى وأين كتاب البخاري، يمكن أن نقول أن كتاب البخاري أصح كتب الحديث (أصح على وزن أفعل التفضيل) وفي البخاري أحاديث ضعيفة لأن البخاري بشر وإذا قلت أن البخاري لا يُخطئ فقد ألّهت البخاري ونحن وسط بين فريقين فريق يرفض الحديث تماماً وهم القرآنيون وفريق يؤلّه البخاري ويقولون أنه لا يخطئ وأذكر الناس بكتاب الدكتور عبد الجليل عيسى رحمه الله وكان معي فضيلة الشيخ سامي الشعراوي إبن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وكنا نتكلم على صفوة صحيح البخاري فقال لي نحن تعلمنا عليه في الأزهر وكان هذا الكتاب قد رُفض سابقاً ثم قُرر على طلبة الأزهر وإسمه صفوة صحيح البخاري والبخاري بشر يصيب ويخطئ ولو قلت أنه لا يخطئ فقد ألّهته من حيث لا تشعر. الذي لا يُخطئ واحد هو الله سبحانه وتعالى ومحمد r بعصمة الله تعالى له والعصمة عند الأنبياء نسبية. لكن لا نقول كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله!! هل نضع كتاب البخاري مع كتاب ربنا؟ القرآن كتاب إلهي وهذا لا يعني أننا نؤيد القرآنيين الذين لا يعترفون بالأحاديث ونسألهم من أين جئتم بالظهر أربع ركعات؟ علينا أن نأخذ الصحيح من سنة الرسول r ولا بد أن يكون هناك خطأ في جمع الأحاديث. المقدم: نتكلم عن موضوع الجنة والنار، في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم رواه: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قلت: الله ورسوله أعلم قال: يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: يدخلهم الجنة." ففرح معاذ فقال أأبشر الناس يا رسول الله؟ قال لا إذن يتكلوا. د. هداية: المفروض أن معاذ لا يخبر الحديث لكنه قال وهو يحتضر لأنه خاف أن يأثم بكتم علم عن رسول الله r. وعندنا آية تؤيد هذا الحديث (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) الناس لم تفهم الأولى، هو لا يغفر أن يشرك به أبداً يعني هذا مات على الشرك هذا في النار لكن الذي كان مشركاً وأسلم هذا لا تنطبق عليه الآية ولا الحديث، هو كان في زمرة المشركين إلى أن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الله واحد هذا لم يعد مشركاً. المقدم: الرسول r يبين أن اليهود افترقت على واحد وسبعين فرقة والنصارى افترقت على اثنين وسبعين فرقة وستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، قيل أيها يا رسول الله؟ قال على ما أنا عليها أنا وصحابتي. د. هداية: هذا كلام منطقي. الحق لا يتعدى وإنما هو واحد ولذلك من أسماء الواحد سبحانه وتعالى الحق لأن الحق واحد لا يتعدى (قل هو الله أحد) فمن أسمائه الحق إذن الفرقة الناجية هي التي على أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. المقدم: الفرقة الناجية يعني في الجنة والفرق غير الناجية في النار أليس من المفروض أن هذه الفرق غير الناجية قالوا أشهد أن لا إله إلا الله؟ د. هداية: لا ليس كذلك، المفروض أنهم لم يقولوها لأنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة هذا حديث صحيح، عندما ترى أحدهم يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر وعندنا آية تقول (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (45) العنكبوت) إذن يكون لم يصلي، هذا صلى لكنه لم يصلي الصلاة التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر بدليل حديث الرسول r: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" هذا صلى ولم يصلي وصام ولم يصم لذا يجب إخلاص العمل لله تبارك وتعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) النجم) كل واحد سيأهذ حقه إن عمل لله يؤجر وإن عمل لغير الله فهو منافق وصفته في القرآن (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وشياطينهم في الآية يعني شياطين الإنس وهم أخطر من شياطين الجن. مستهزئون يعني المنافق يظهر شيئاً ويُبطن شيئاً هي عقيدته لذلك هم في الدرك الأسفل من النار فإذا كان هؤلاء في الدرك الأسفل من النار فأين سيكون شياطين الإنس؟ ولذلك شيطان الإنس أخطر من شيطان الجن فهو بشر مثلنا لعنة الله عليهم هؤلاء صحبة السوء الذين يخرجون الناس عن دينهم أسأل الله تعالى التقوى لنا جميعاً. الصحبة تؤثر إما سلباً أو إيجاباً وشيطان الإنس دائماً الذي لا يحترس منه يكون الله تعالى قد طمس على عقله لأن شياطين الإنس ظاهرين. في توضيف المنافقين ليس من باب الصدفة أن تكون في بدايات سورة البقرة فقد وصف الله تعالى في أوائل سورة البقرة المتقين ثم الكافرين ثم المنافقين فإذا أردتم أن تتنبهوا لشياطين الإنس انظر كم عدد الآيات التي وصف بها القرآن كل هذه الفئات، المتقون وصفهم في خمس آيات (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) والكافرون في آيتين (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) البقرة) والمنافقون في ثلاث عشرة آية تشرح النفاق (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) من شياطين الإنس من هم مسلم (وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هم يقولون أنهم يؤمنون (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) يخادعون وليس يخدعون إذن الواعي سيعرفهم وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون لأن الله تعالى يدافع عن الذين آمنوا فيبصرهم بشياطين الإنس والمنافقين، هؤلاء (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) توصيف المنافقين في هذه الآيات في مطلع البقرة حتى ننتبه لهم (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) فالذي لن يأخذ الكتاب ويهتدي به ويرتقي بالعبودية لن يكون من المتقين فالتقوى هي التي تصنع السياج حول المؤمن من أهل الفساد ولذلك عند الحكماء التقوى هي السلاح الأقوى. المقدم: الوقاية تطبق في الحالتين بمعنى أن الإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل للتقوى ويسعى بشكل صحيح يخلق حالة التقوى التي تكون وقاية له في الدنيا من الشرور والمفسدين.زمن شياطين الإنس والجن ويعمل حماية لنفسه والذي في ضلال يعمل لنفسه حماية ضد النور. د. هداية: هي كذلك ولذلك قال تعالى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا (126) طه) هذه تمشي على كل الحالات التي ذكرتها، تمشي على فنسيتها أي لم تأخذ بها أو نسيتها يعني لم تمشي على الذي كانت عليه الفطرة وتمشي أنك طبقت ونسيت ونرى كثيرين ممن كانوا في حالة تقوى ثم خرجوا إلى الضلال. لكن ننتبه (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) لأن الدنيا لذة مؤقتة أنت بعدت عن ربك لذلك ستشقى (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى من الرحمة وقمة التذكر أنه تعالى يحاسبه. (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان) في النازعات قال (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)) هذا أخطأ وطغى في خطئه وهو من المسلمين اختار الدنيا على الآخرة غرته الدنيا مع أنه محضر (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) طغى يدخل فيها الكبر والنفاق وعدم الرجوع إلى الفضيلة والخطأ هذا طغيان فيه إصرار عليه. إذا مات الرجل على شرك لا يمكن أن يخرج من النار لكن الذي أشرك ثم عاد وتاب يغفر الله تعالى له. المقدم: يوم القيامة والناس تحاسب إذا كان رصيد الحسنات أكثر من رصيد السيئات فهؤلاء بفضل الله تعالى في الجنة وإذا كان رصيد السيئات أكثر من رصيد الحسنات فهل يعفي الله تعالى عن بعضهم ويدخلهم الجنة؟ هل قرار العفو يؤخذ قبل دخول الجنة أو النار؟ لكن هل الذي دخل النار يخرج أو لا يخرج؟ د. هداية: قد يكون ذلك. لكن (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) و(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات) (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار). من القرآن (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (68) الفرقان) هؤلاء عباد الرحمن والذين يدعون مع الله إلهاً آخر (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) حتى لو كان إبليس وتاب فهو في الجنة لأن الله تعالى حاشاه لن يكذب على عباده. المقدم: في بعض الروايات يقولون أن الوحي وقف عند (يَلْقَ أَثَامًا) ثم نزل الاستثناء بقوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ففرح الرسول r بفتح باب التوبة. د. هداية: لو كان من أهل الشرك كان سيكون عنده تلال سيئات لكنه لما تاب وآمن تاب في اللغة يعني رجع فلماذا تدخله النار؟ القرآن ذكر (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) هكذا يكونوا مع عباد الرحمن الذين قال عنهم القرآن في ختام السورة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75) الفرقان) الغرفة وليس أي جنة. المقدم: حديث الرسول r لمعاذ أن حق الله على العباد أنه من لا يشرك بالله فلن يعذبه الله تعالى أبداً وتصديقه في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) وهنالك حديث آخر في موقف الشفاعة يوم القيامة أن الرسول r" فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده أحد ممن كان قبله ولن يحمده أحد بها ممن كان بعده فيقال له محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع وسل تعطه فيقول يا رب أمتي أمتي فيقال أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ثم يرجع الثانية فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده أحد كان قبله ولن يحمده بها أحد ممن كان بعده فيقال له محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع وسل تعطه فيقال له اخرج من كان في قلبه مثقال برة ثم يرجع الثالثة فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبله ولن يحمده أحد ممن كان بعده فيقال له أخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة" وهنالك روايتان للحديث وفي رواية تختم أخرج من النار كل من قال لا إله إلا الله، فيُخرج كل أمة محمد من النار. د. هداية: أنا لن أناقش الحديث متناً ولا سنداً ول أنه عكس آيات القرآن تماماً لكن نسأل سؤالاً أيهما أفضل أن تكون على التقوى فتكون في الجنة منذ البداية أو على المعاصي فتدخل النار قليلاً؟ بالتأكيد لا يوجد شرع هكذا!! القرآن تكلم عن فريقين (فأما من ثقلت موازينه) و (أما من خفت موازينه) أين يكون هذا الذي خفت موازينه؟ سيكون في النار فهل عجز القرآن أن يقول أنه سيخرج بعد فترة من النار؟! كان بالإمكان أن يقول أنه سيخرج من النار بعد فترة ولكنه ذكر فريقين فريق ابيضت وجوههم وفريق اسودت وجوههم، فريق يمين وفريق شمال، جنة وجحيم، مستقر ومستقر، مأولى ومأوى، الآية واضحة حتى بالنسبة للذي لا يفهم (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) النازعات) أطلق الطغيان ولم يوضح نوع الطغيان لكنه قُبض على معصية أما الذي قبض على توبة ففي الجنة لذا علينا أن نجتنب الكبائر ونتوب من الصغائر والقرآن ساعدنا في هذا فقال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) فطالما اجتنبت الكبائر والفواحش من شرك وسرقة وزنا وحدود وتبت فتكون في الجنة. سئلت عن قوله تعالى (عمل عملاً صالحاً) يقولون هل تعني عمل صالح واحد؟ الآية فيها هذا المعنى لو تاب وعمل عملاً صالحاً فقد مات على توبة، لو تاب ومات قبل أن يعمل عملاً صالحاً يكون تائباً. البعض يقول لا توبة للعاجز فهو قادر على السرقة ولم يسرق أو هو قادر على الزنا ولم يزني لكن لسنا نحن الذي نحاكمه وإنما الذي يحاكمه من كان في علمه إطلاق لقدرة العلم فالله تعالى يعامله على أساس لز كان سليماً هل يزني أو لا يزني؟ تخيل القدرة الإلهية! لما وصفنا القدرة الإلهية قلنا أنه علم ما كان (ماضي) وما يكون (الحاضر) وما سوف يكون (المستقبل) وعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون (هذه للعاجز) تقبل أو لا تقبل فهي على مدار العلاّم بالعاجز سبحانه، المولى تعالى يعلم هذا العاجز لو لم يطن عجز يسرق أو لا يسرق يزني أو لا يزني ويحاسبه عليه لأنه العلاّم سبحانه وتعالى. وفي المقابل (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48) النساء) لو أحد من المسلمين أشرك فهل سيكون في الجنة ثم يخرج؟ لا توجد آية تثبت ذلك والله تعالى يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) لكن الذين أخطأوا يغفر الله تعالى لهم (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) هؤلاء لم يشركوا ولكن عندهم غلطات هؤلاء يعفو الله تعالى عنهم. بعض المفسرين يقول يغفر لهم إذا استغفروا لكن حتى لو ماتوا فجأة ولم يستغفروا ماتوا ليس على شرك وقد يكون من الأسباب أعمال اصلحة هو عملها كصدقة جارية ترفع له رصيد حسناته بشرط أن لا يكون قد مات على شرك. ختام عباد الرحمن (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي (77) الفرقان) هو سبحانه غني (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) والله تعالى أرسل لنا رسلاً (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) هو سبحانه الذي قضى بذلك (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) الضمير يعود على الكذب الذي كذبوه. ما هو مناط الكذب وما هي نتيجته؟ هذا الذي سيكون لزاماً ولأن كفركم قضي به عليكم لزاماً فيكون النار أو العذاب الذي قضي عليكم به لزاماً. وليس من قبيل الصدفة أن يختم الآية هكذا وهو قال سابقاً (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) ولما تكلم عباد الرحمن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) هذا الكلام على لسان عباد الرحمن فهؤلاء فهموا أن جهنم لن تتركه وهذا ما ذكرناه في العضق والغرام والغريم لا يترك غريمه، فعباد الرحمن من وعيهم فهموا الحقيقة (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) غرام في اللغة لا يمكن أن يفارقه إن كان حبيباً أو غريماً والغريم لا يترك غريمه حتى يأخذ حقه منه ويقضي عليه. المقدم: هناك أكثر من موقف في القرآن حوار بين الملائكة وبين أهل النار أنهم يريدون أن يدعوا ربهم فتقول الملائكة ادعوا (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) غافر)، (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77) الزخرف). د. هداية: عباد الرحمن لأنهم عباد رحمن واعيين فهموا صح قالوا (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) أنت يا رب اصرف عنا عذاب جهنم (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) إذن الذي لم يزحزح فقد خسر ولم يفز هذا هو الخسران. لكن نكرر أن عباد الرحمن فهموا فقالوا (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) وفي المقابل (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) وقال (أولئك) أي الذين فهموا هذه (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا). بُثّت الحلقة بتاريخ 17/6/2008م |
التوبة والاستغفار 79 تقديم علاء بسيوني د. هداية: بعض المؤمنين يطمئن بإيمانه وعندما تتكلم معه في موضوع أن بعض الناس رفض مسألة البعث واستعراض الخلق فينكر ولم يعط نفسه فرصة أن يعرض عليها وقائع القرآن والنفس ليست كبيرة على أن لا تخطيء في لحظة خطأ كفر أو خطأ شرك والبعض يتصور أن الشرك أمر تافه ويقولون أن المشرك سيخرج من النار ويدخل الجنة وأصبحت القاعدة عند الناس أن المشرك أمر بسيط. البعض يظن أن اللمم التي وردت في القرآن (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) أنها هذه مباحات ومسموح بعمل هذه السيئات وليس عليها عقوبة لكن هذه عليها عقوبة ولكن الأمر لله تعالى يعفو أو لا يعفو. علينا أن نكمل الآية (إِِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لو كانت اللمم ليس عليها عقوبة لم تكن لتحالج إلى واسع المغفرة. مجموعة من اللمم تصبح كارثة على الإنسان. هذا الفهم الخاطئ عانينا منه بدليل الذي يخرج علينا ويقول القبلة لمم والسيجارة لمم والسيجارة في رمضان لمم! ننصح هؤلاء أن يراجعوا القرآن. سنثبت اليوم أن المشرك حرّم الله تعالى عليه الجنة. نحن اشتغلنا في آيات في صفات عباد الرحمن توصلنا السمءا السابعة لكن عندما أنهى ذكر صفاتهم ختم الآية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي) الذي يهمنا في الآخر النتيجة. (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) توقيع (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء). على الجميع أن لا يستكبر نفسه على أنه كذّب لكن أنت غير ضامن كيف ستكون سكرة الموت. الرسول r قال: إن للموت سكرات. ما من نبي يموت إلا ويرى مقعده من الجنة ويخيّر أن يُقبض أو لا، وهذا حديث صحيح هذا لأي نبي فكيف بالرسول r والرسول r عانى سكرات الموت وقوله r إن للموت سكرات على حسب رأيي أن إشفاقه r لم يكن على نفسه وإنما علينا نحن، وهذه طريقة ذكية في الاستعراض. علينا أن نفكر أنه إذا كان الرسول r عانى سكرات الموت فكيف بنا نحن؟ الرسول r قال: إني لأوعك كما يوعد الرجلان منكم، فكيف بنا نحن؟! الرسول r لما رأى بعض أمته ذاهب إلى النار وقال يا رب أمتي قيل له إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. هل هناك دين من إله حقّ يرسل رسول ثم يقول لك إعمل ما تشاء فأنت في النار؟! هذا منطق المسلمين اليوم للأسف، هل هذا منطقي؟! القرآن يقول تب إلى الله تدخل الجنة. ليس من قبيل الصدفة أنه لما يستعرض المولى عباد الرحمن يستعرض كبائر لأنه يتكلم في صفوة الصفوة لكنه قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ (68) الفرقان) وهذه الثلاثة أمثلة وقال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ (70)) المفروض أن تسعى للتوبة سعياً. المقدم: ما ذكرناه سابقاً مسألة من ينقل الرسالة بعد الرسول وهو r قال: بلغوا عني ولو آية والقرآن يذكر التفقه في الدين فقال (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة) هؤلاء عليهم مهمة كبيرة بعد الرسل والأنبياء لإفهام الناس لكن البعض من أساتذة الأزهر ومن على الفضائيات للأسف ينقلون كلاماً غير صحيح في قضايا مهمة وليس في صغائر الخلافات لأنه لم يفهم بشكل صح. د. هداية: لما فسر المفسرون (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا (71) مريم) فسروها أننا كلنا داخلون في النار لكن الورود هنا من المشترك اللفظي مثل (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) ورد هنا بمعنى وصل. الورود هو المرور والصراط المؤدي إلى الجنة هو شريط مضروب على جهنم يمر عليه الصالح والطالح ولكن حتى الصراط يختلف فهو يتسع جداً بالنسبة للصالحين ويضيق بالنسبة للكافرين، فالذي يتسع له الصراط يدخل الجنة بعدما مر على النار وحمد الله تعالى على أن رسالة محمد r أو موسى u أو عيسى u أو أي نبي لغاية آدم ونحن نعلم أن هناك من آمن بالرسل على الوجه الحقيقي في كل عصر. حلاوة الإيمان تنقذك من النار إلى أن يأتي القرآن تطمئنك فأنت سمعت قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (8) الملك) يمكن أن تلفحني النار لفحة واحدة لكن المولى تعالى يقول (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا (102) الأنبياء) كأن يصف حال المتقي المؤمن وهو يمر على الصراط. فرق القرآن بين فريقين (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) النازعات) (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) هل الذي طغى كمن خاف مقام ربه؟ طغة يعني تطاول، توقيع هذه الآية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (20) الحشر) ما معنى لا يستوي؟ يقول أهل المنطق يقولون النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان لا ينفع أصحاب النار أن يكونوا أصحاب الجنة. لما نسمع قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) نسمع قوله في سورة النازعات (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)) الأبصار تعود على القلوب (يقولون إئنا لمرددون في الحافرة) هذا لما عُرض عليه القول لم يفهمه، هذا مات على جهل فلما بُعث المفروض أن يقول البعث حق لكنه سأل (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)) لما تمشي في الطريق مرتين تحفره فالدنيا سميت حافرة كأنه يقول سترجعني إلى الدنيا ثانية؟. قالوا (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)) لو دُعي ثانية يعمل نفس الذي عمله. قال (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)) لم يبعثنا الله تعالى حتى ندخل الحافرة. علينا أن ندرب أنفسنا على الموت وعلى وقفاته، القرآن يستعرض هذه الأحداث لا للتسلية وإنما بمثابة تمرين لهم. المقدم: عندما نسمع من يتكلم عن الموت والقبر يستبعدها الإنسان لكن علينا أن ندرب أنفسنا على الموت حتى ننجو. عندما نتكلم عن الموت أو القبر وظلمة القبر نستبعد هذه المسألة فلو دخل أحدنا لينام في غرفته ثم أغلق الأنوار وضع اللحاف على وجهه وسأل نفسه ماذا فعلت اليوم؟ د. هداية: أسئلة القبر خطورتها أنها كلها أسئلة عقيدة. السؤال في القبر ليس من الله؟ لكن من ربك أنت؟ والإجابة تختلف بحسب الإنسان. يعني ماذا كانت عقيدتك؟ السؤال الثاني: ما دينك؟ السؤال الثالث: ما قولك في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ لو أجبنا على هذه الأسئلة يسأل ما عملك؟ الإجابة على هذا السؤال التي لا تحصل هذه الآيام: قرأت كتاب الله (إن كان توراة أو انجيل أو قرآن) فآمنت به وصدّقته يعني عملت به وطبّقته. لما الصديق يصادق على القراءة وعلى الإيمان بعد القرآءة فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل فلا نقرأ لنتسابق في القراءة لكن نقرأ لنطبّق، إذا لم نطبق على أنفسنا قبل الناس سنكون في النار والنار ليس فيها خروج بدليل حديث العالِم الذي لا ينفعه علمه. إذا لم يكن العمل خالصاً لوجه الله تعالى يكون رياء ونفاقاً وشرك. المقدم: من أهل العلم من لا يعطي محاضرة إلا إذا أخذ مالاً أو يستغل علمه ليكسب منه المال، هذا ليس من باب التهجم وإنما من باب التوعية. د. هداية: نحن لا نزكي أنفسنا فالكل معرّض للخطأ وإنما من باب التوعية فالخطأ يجر الخطأ فعلينا التوبة إلى الله تعالى والعودة إليه، الآيات كلها تنبئ بخطورة نقطة وهي التلقي أو التصور بعد التلقي. نستعرض الآيات يقولون شيئاً عكس الحقيقة، يقولون شيء عجيب أن يرسل الإله الحق الذي خلقك رسولاً (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2))، العجيب أن لا تكون المسألة كذلك. وبعدها ينبه أن قبلهم من كذب بالرسل (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)). المقدم: الآيات في سورة ق بدأت بقسم والقسم حرف فأين المقسَم عليه؟ هل هو مستتر أو سيأتي ذكره لاحقاً؟ د. هداية: لأن القسم سيكون على عكس ما قالوه هم. هو سبحانه كإله حق يقسم بأنه رسوله بالهدى ودين الحق والمفروض أن يحمدوا الله أن جاءهم نبي، هم عجبوا وهذا مقلوب ما كان يجب أن يحصل. القاعدة القرآنية من الإله الحق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) هذا منتهى العدالة، يوم القيامة عند الحساب لا يمكن أن يتكلموا لأن الله تعالى أرسل لهم رسلاً، قال (بل عجبوا) المفروض أن يؤمنوا عندما يأتيهم الرسول تلو الرسول، الآيات تستعرض حالة تحصل مع كل نبي أن هناك من يكذبه. هم الذين يقولون أن هذا شيء عجيب! العجيب أن يبعث الله لهم رسولاً؟! (بَلْ عَجِبُوا) المؤمن لما يقرأها يجب أن يقول كيف عجبوا؟ يجب أن نتدبر القرآن ونقف عند أسئلة القرآن، عندما نقرأ قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) علينا أن نقول اللهم لك الحمد أننا صدّقنا. (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) قال (منهم) ولم يأتهم رسول لا يعرفونه غريب عنهم فالمفروض أن لا يعجبوا ولو أرسل الله تعالى رسولاً غريباً عنهم لقالوا لم يرسل الله لنا رسولاً منا! للأسف هذا الذي حصل في زماننا لا أحد يعجبه حاله. لكن علينا أن نقول في كل حال: الحمد لله، نحن للأسف لا نحمد الله سبحانه وتعالى. والذي يفعل هذا في المعاملات يمكن أن يقع فيها في الشريعة لأنها عملية تدريب وتهيئة نفس لحالة معينة لذا قلنا يجب علينا أن لا نستكبر على أنفسنا الوقوع في المعاصي ونقول نحن مؤمنين لكن علينا أن لا نغتر بإيماننا والحديث الشريف يقول فيه r: " ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". وفي سورة ق يقول تعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19)) يعني ساعة ما يدخل ملك الموت ستعرف أين أنت؟ في الجنة أو في النار، إما ملائكة بيض الوجوه أو ملائكة سود الوجوه. سكرة لأن السكرة كأنها غيبوبة وأنت في سكرات الموت لن تكون مسيطراً على نفسك فدرِّب نفسك على هذه الحالة وأكثر من شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله في حياتك وفي كل تغيير في حياتك حتى لو فاجأتك حالة السكرة فأنت متعود أن تقول هذه الشهادة في كل حالة وفي كل تغيير حالة، لما تصحو من النوم تقول أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله، تقولها وأنت تجلس وأنت تقوم حتى تتعود أن تقولها عندما تتغير حالتك من حالة إلى حالة ولا تتفاجئ بسكرة الموت وتقولها في القبر، هذا يسمى التدريب الإنفعالي. عندما يقول تعالى (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) الله تعالى أرسل لهم من ينذرهم من عذاب الله، اختيار المولى عز وجل لا يُناقش (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (9) الزمر) ليس المطلوب أن نكون علماء جميعاً لكن المطلوب أن نفهم ونعرف. قال الحكيم : إذا زلّ عالِم زلّ بزلته عالَم. المقدم: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) ق) د. هداية: المعنى لو متنا وكنا تراباً سنرجع ثانية، ذلك رجع بعيد! لو قالوا أن هذه المسألة عجيبة أو غريبة كان يمكن أن تكون مقبولة أن الإنسان الذي كان حياً ثم يموت ويصبح تراباً يعود للحياة ثانية؟ هم قالوا (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) يعني سيحصل لكن بعيداً يعني هم أقروا به. الرد من المولى عز وجل (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)) هذا إبداع لا يمكن أن نتخيله، هم يقولون نحن نموت ونكون تراباً ثم نعود بشراً؟ ذلك رجع بعيد يعني كلامهم احتمل أنهم يقصدون أن البشر لا يعود كاملاً ربما ينقص منه شيء لكن الرد من المولى تعالى (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) يعني قرر المولى بعلمه الذي يقابل القدرة التي لا تُنقَص منهم أحد. قدرة الله تبارك وتعالى وقوته وعلمه لا تفترق، (قَدْ عَلِمْنَا) تحتاج لشرح طويل. هم احتملوا عند قولهم (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أن جارحة من الجوارح لن تعود عند البعث لكن الله تعالى قال (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ (104) الأنبياء) يعني يبعث الإنسان بكامل أعضائه وجوارحه. (قَدْ عَلِمْنَا) يعني علمنا وقدّرنا وقررنا عن قدرة وعن علم وعن قوة لن تنقص الأرض منهم شيئاً. هناك حديث صحيح عن الرسول عن الذي طلب من أبنائه أن يحرقوا جثته وينثروها في كل مكان فبعثه الله تعالى وسأله لم فعلت كذا فأجاب أنه كان خائفاً من لقاء الله تعالى فغفر الله تعالى له وأدخله الجنة وهذه تبين قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) التوبة رجوع وعودة إلى الله وعندا تتوب عليك أن تبقى في المكان الآمن بعد التوبة (متابا) هذا لا يعني أننا لن نخطئ سنخطئ لكن موضوع التوبة جاء بعد الكبائر ولم تأت مثلاً بعد إنفاق فقد يكون أحدهم بخيلاً. البعض يذكرون الحديث: أيزني المؤمن؟ قال نعم، لكن الحديث ليس هكذا وإنما سئل رسول الله r: أيكون المؤمن جباناً؟ قال نعم، بخيلاً؟ قال نعم، كذّاباً؟ قال لا. لكنهم يقولون الحديث: أيسرق المؤمن؟ أيزني المؤمن؟ هل يعقل أن يجيب الرسول نعم على هذا السؤال ثم يقيم الحد على الزاني؟! أي فكر هذا؟! عندما شرع الله التوبة عملها بصيانة احتمال (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان). نحن نحذر أنفسنا والمشاهدين من مسألة التكذيب، هذه ليست مسألة كذب وإنما أن يعرض عليك الهدى فتقول هذا شيء غريب. نسأل سؤالاً ونبدأ به الحلقة المقبلة: ما الفرق بين من كذّب صراحة ومن يقول أنا أصدق لكن لا يعمل بالذي يقوله. بُثّت الحلقة بتاريخ 24/6/2008م |
التوبة والاستغفار 80 تقديم علاء بسيوني د. هداية: الدين يحكم كل شيء في المجتمع ووقوع بعض الناس في الخطأ دون أن يشعروا هؤلاء منافقين رغماً عنهم، الذي يطهر شيئاً ويبطن شيئاً هذا منافق. القرآن لما وصف الفئات وصف المتقين في أربع آيات والكفار في آيتين والمنافقين في 13 آية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة). حكاية الإبداع وأن الدين لا يدخل في كل شيء رددنا عليها في سورة الروم لما شرحنا آيات العقيدة مسألة توصيف التلقي لما تسمع القرآن (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) الروم) لم يقل ظلموا من؟ هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم. لو هناك علم يرد الأهواء من أين سيأتي هذا العلم؟ سيأتي من الدين وقال (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)، (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29))؟ الله سبحانه وتعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) إذا أراد الله تعالى أن يهدي أحداً انتهى الأمر. (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا) الدين هو البوصلة التي ستنقذك، حنيفاً يعني مائلاً لكن مائل عن الهوى إذن ستكون مستقيماً، لأن نفي النفي إثبات والميل عن الميل قمة الإستقامة. حنيفاً بدأت في اللغة مائلاً لمن لما قالها إبراهيم عليه السلام صارت قمة الاستقامة لأنه بعد أن استعرض الأصنام والنجوم قال له قومه من ستعبد؟ قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام) يعني سأبتعد عنكم وسأكون مائلاً عنكم يعني صارت قمة الإستقامة. (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم) كل إنسان يمكن أن يُبدع لكن عندما يضع الله تعالى منهجاً لا يمكن أن نتكلم (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) هناك رقيب، ما قال ما يلفظ من لفظ وإنما قال (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ) ولما سأل معاذ الرسول r فقال له" ثكلتك أمك" كأن المعنى يا ليتك ما ولدت، وسأله وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟" إذن ما يكب الناس في النار هو حصائد ألسنتهم التي هي (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) والذي عندما يرى الكتاب سيقول (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) إذن كل كلمة في النثر أو الشعر أو الابداع يجب أن تكون محكومة بالضوابط. المقدم: البعض يسألون هل إذا أردنا أن نكتب ونبدع نكتب قصة كل أبطالها صالحين؟ د. هداية: نحن لم نقل هذا يمكن أن تكتب لكن لا ترينا هذا الإبداع! لذلك ما على الرسول إلا البلاغ (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) الغاشية) نحن نقول اللهم اشهد أننا قد بلّغنا. أنا أخاف على الذين هم مؤمنون ويستهين بالشرك ألم نسمع قول المسيح في سورة المائدة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72))؟ هذه قاعدة (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) مأواه النار هذا يعني أنه ليس خارجاً من النار. المقدم: القرآن يشرح بعضه بعضاً وهو كلٌ لا يتجزأ ولهذا انتقلنا من سورة الفرقان إلى سورة ق إلى سورة المائدة ونحن نتكلم الآن عما قاله المسيح u الذي يثبت أن كلام الله تعالى واحد من إله واحد. المسيح عليه السلام يقول قاعدة ليست من عنده وإنما من عند المولى تعالى بوحي تلقاه من الله تعالى. د. هداية: كل كلام القرآن أياً كان وعلى أي لسان هو كلام الله تبارك وتعالى، قد نسمع قال المسيح أو قالت امرأة فرعون لكن الكلام بصياغة إلهية بقول الله تبارك وتعالى. فكرة الدين واحد لأن الله واحد فلما تكلم مع أمة محمد r التي لا يجب أن يكون عندها لبس ولا شرك ولا اختلاف فكلم الله تعالى أمة محمد r قائلاً (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى) المشركين في كل زمان. هؤلاء الخمسة كتمثيل لكل الأنبياء والمرسلين دعوا إلى دين واحد وإله واحد، أهل التوحيد من العيب أن يشركوا لكن المشرك دماغه ملخبط فيقول لنا أن نصبر على المشركين (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)، المنافق كاذب وهو ملخبط لأنه إذا لقي الذين آمنوا يقول لهم شيئاً وإذا لقي الذين أشركوا يقول شيئاً آخر (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وأحياناً يقول للمؤمنين ما يقوله للمشركين أو العكس من كثرة كذبه واضطرابه لذلك المشرك والمنافق وشياطين الإنس تجدهم كاذبين ومن كذبهم يفتضح أمرهم فيكشفهم الإنسان المؤمن الواعي. شرع الله تعالى لكل الأنبياء والمرسلين واحد والمنهج واحد لكن الرسالة هي التي تختلف. المقدم: في سورة النساء قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143)) د. هداية: الله تعالى يقول (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) هذه الآية فيها شرح طويل جداً، تكرار لفظ الجلالة مرة بالباء (مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ) ومرة الله سبحانه تعالى هو الفاعل (حَرَّمَ اللّهُ)، الله تعالى هو الذي حرّم عليه الجنة فليدع المشرك من أشرك مع الله لينقذه أو ينفعه! (وَمَأْوَاهُ النَّارُ) النار وصفت أنها مأوى فلما يقول تعالى (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) لا يقولن أحدهم أنه من يدخل النار سيخرج منها، المأوى يعني مستديم والمأوى شرح بقول الله تبارك وتعالى (فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ) يعني لا يشم رائحتها، لا أنه يدخل ثم يخرج منها! الله تعالى قال (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات) كلمة مأوى وصفت الجحيم والجنة فلما يقول أحدهم أن أهل النار سيخرجون منها فهل هذا ينطبق على أهل الجنة أنهم يخرجون منها؟ اللفظ يمكن لكلمة واحدة أن يكون لها أكثر من معنى لكن لما اللفظ يصف مرة كذا ومرة كذا يعني الصفة واحدة. في سورة الفرقان قال تعالى عن النار (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) وفي آخر السورة وصف الجنة فقال (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)). المقدم: في سورة الأعراف آية تعاضد ما ذكرته (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)). د. هداية: أنت تريد شيئاً تريد أن تخرج لكن ماذا سيحصل؟ كل آية في القرآن إما تشرح آية أو توصّفها أو توقّعها ولذلك الشنقيطي عمل أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن والشيخ عبد الجليل عيسى لما قدّم له الشيخ الشعراوي كتاب تيسير التفسير فقال أن الشيخ عبد الجليل عيسى جمع في كتابه شتات الآيات للمتلقي يعني يجمع الآيات التي تتعلق بموضوع واحد في القرآن ووضع الدكتور عبد الجليل عيسى كل مرادفات الكلمات في الآيات التي يتحدث عنها وهو في الفرقان مثلاً يقول انظر في آية كذا في سورة المائدة. كتاب الدكتور عبد الجليل كتبه عام 1957 واستمر في تعديله إلى عام 1975 قبل أن يقع في الغيبوبة. هو عمل كتابين المصحف المفسر وتيسير التفسير. المقدم: العقل الباطني للدكتور عبد الجليل كان مشغولاً بالقرآن بدليل أنه كان يستفيق من غيبوبته ويوصي بتيسر القرآن د. هداية: رحم الله الشيخ وقد رأيته ساعة الموت آية من آيات الله في الرجل الصادق وجهه مستنير وعمره 105 سنة وكتب وصية أن دخول الجديد في القديم في تيسير التفسير يجب أن يكون دارساً جيداً للغة بإشراف أحد المشرفين محمد عبد الجليل عيسى وهو ابن الشيخ عبد الجليل والدكتور عبد المنعم النمر باعتماد الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى. المقدم: عمل الربط والاحصاء خلال هذه السنوات بيده ونحن الآن نعملها في دقيقة واحدة عن طريق الكمبيوتر. د. هداية: جزاهم الله تعالى خير الجزاء وبارك لنا في الشيخ سامي الشعراوي. المقدم: نعود إلى سورة ق ربنا تعالى يتكلم عن الكافرين الذين كذبوا (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)) د. هداية: هؤلاء يتبادر إلى الذهن أنهم مكذبين، (هم) ضمير لم يقل تعالى بل المكذبون في لبس لأن بعض غير المكذبين قد يقع في اللبس. اللبس إلتباس الأمر يأتي بتكذيب أو بعد اقتناع أو بعد إدخال نفسك في دائرة العقيدة، يجب أن أدرب نفسي على مسألة الموت. المقدم: هل نحن في مسألة العقيدة والإيمان محتاجين لتكوين نوع من اللياقة الإيمانية مثل العضلات البشرية كنوع من العضلات الفكرية التي ندربها تدريباً فكرياً وإيمانياً. د. هداية: العضلة لما تتوقف عن التدريب تضعف لأنها كانت معتادة على التدريب ثم توقفت. الإنسان عندما يدرب نفسه على شيء غير ما يكون من غير إعداد وتدريب. المقدم: مندوبي المبيعات خاصة عبر الهاتف يدخلون في دورات تدريبية لمعرفة كيفية التعامل مع الناس وماذا سيجيبون على استفسارات الناس وأسئلتهم فالتسويق علم بحد ذاته. د.هداية: الآية تقول (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق) أفعيينا يعني هل تعبنا؟ ها المولى حاشاه تعب وهو يخلق الخلق الأول من تراب؟ معظم الناس لم ينتبهوا إلى أن هذه الآية فيها سؤال، (أفعيينا) الهمزة فيها همزة استفهام، القارئ الواعي للقرآن وهو يقرأ هذه الآية يقول لا يا رب حاشاك لأن هذا سؤال في العقيدة. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) هذه نقلة من إجابتك على السؤال وليس من السؤال. كأن الإجابة المنطقية على السؤال "لا يا رب حاشاك" يقول أنت كذا بل هم يعني أنت لست من (هم)، (هم) تشمل كل المكذبين. ما الفرق بين من يكذبك في أمر وبين من يصدقك ولا يعمل شيئاً؟ لا فرق بينهما بل أن علماء النفس يقولون أن الأول واضح أكثر من الثاني لأن الثاني التحق بالمنافقين من غير أن يشعر وهذا فيه شرك وفيه هوى (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف) أنت تقول ولم تعمل فلِمَ قلتها؟ الله تعالى جمع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعاً وإذا دخلوا لن يخرجوا (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ) عندما تسمع هذه الآية وتضعها مقابل (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) الذي زحزح عن النار وأدخل الجنة عمل عملاً غير الذي حرّم عليه الجنة ولن يدخلها لأن الله تعالى قال (وَمَأْوَاهُ النَّارُ) إذن هناك فرق بين من كذّب وبين من سمع ولم يعمل. فرق بين يقرأ قوله تعالى (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق) ولا يتأثر وبين من يقرأها ويقول في نفسه " لا يا رب حاشاك" فيعظَّم الذات الإلهية في داخله. المقدم: علينا أن نعمل حلقة في اختلاف الإفراد (إني أنا الله) وضمير الجمع في القرآن الكريم عندما يتكلم الله تعالى عن نفسه (أفعيينا)؟ لم يقل أفعييت؟ د. هداية : هذه تدل على القدرة والتعظيم فالخلق الأول كان من تراب فهو سبحانه جاء بضمير الجمع ليعظّم الذات. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيد) الخلق الجديد هو الإعادة (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (27) الروم) إياكم أن تظنوا أن هذه الضمائر في حق الله وإنما هي أمثلة لكم فكلمة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هذا في نظركم الصانع من البشر إذا صنع شيئاً لأول مرة يكون صعباً عليه ثم بعد ذلك يكون الأمر سهلاً أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فالأمر هين عليه في كل حال، الله تعالى يضرب لنا الأمثلة ليستوعبها عقلنا البشري لكن الذات الإلهية فعلاً المفروض أن تكون في عقيدة المسلم عن طريق رسول الله محمد r أو عيسى أو موسى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) الشورى) ولما قال اليهود أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح اليوم السابع رد عليهم المولى سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) ق) لغوب هو مطلق التعب، فإذا كان هؤلاء يطلقون هذا الكلام على الله تعالى فما بالك بالبشر؟! لو فهمنا (بل) هذه جاءت رداً على القارئ المؤمن الحق الذي يقول لا يا رب حاشاك. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيد) يعني إذا أجبتم على هذا السؤال لن تكونوا من (هم) الذين في لبس من خلق جديد، هنا قال (لبس) وفي الفرقان قال تكذيب (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) هذا التكذيب عبارة عن لبس والتباس مذبذبين، كأن المولى تعالى يقول هؤلاء ليسوا منطقيين ولو كانوا اعترضوا على السؤال في الآية لكانوا منطقيين ولذلك في خلق عيسى من مريم من أنثى بدون ردل ضرب مثالاً وهو يضرب المثال تكلم عن الأصعب من عيسى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) آل عمران) يتكلم عن عيسى ويضرب المثال في آدم قال تعالى خلقه من تراب (هذا الكلام عن آدم)، (خلقه) الضمير عائد على آدم، هذه النقلة اللغوية أنه تعالى خلق آدم من تراب ثم قال له كن فيكون كأن المولى تعالى يقول أنتم عملتم مشكلة في أمر لا يستحق المشكلة لأننا نتكلم عن خالق ولو أرادوا السؤال كان يجب أن يسألوا عن خلق آدم من تراب، فعيسى عليه السلام كانت له أم تحمله أما آدم فلم يكن له لا أم ولا أب ولهذا قال تعالى (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) فالذي قدر على خلق آدم من تراب قادر على خلق عيسى من أم فقط وهذا ليبين لنا قدرته سبحانه وتعالى في الخلق وليس من باب الصدفة وعلينا أن نسلّم بهذه الأمور. وليس خلق عيسى من أم هو المعجزة الوحيدة لعيسى u فالله تعالى أنطقه في المهد طفلاً وجعله يبرئ الأبرص والأكمه ويحيي الموتى وهذه معجزات لم تحصل لنبي قبله ومع هذا لم يعترضوا عليها ولم يناقشوها. هذا ابتلاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) لا ندخل الجنة فقط إذا آمنا بالقول الإيمان بالقول يحتاج إلى تقديم البرهان على قولك، فقوله تعالى (بل هم في لبس جديد) هذه النقلة رد من المولى عز وجل على رد المؤمن الواعي على سؤال (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) بقوله لا يا رب حاشاك، وهل يتعب الله؟! المقدم: ربنا في كل الصياغات القرآنية يخاطب الناس الذين عندهم منطق سليم يحكم على الأمور ولو انتقلنا إلى خواتيم سورة يس (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)) د. هداية: في ختام سورة يس يدربنا على قول (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس) يدربنا على الإجابة كاملة. بعض المفسرين قالوا أن الخلق الأول هو خلق السموات والأرض التي أعدت لحمل الإنسان وليس خلق الناس كأنهم فسروا الآية أن الله تعالى يسأل الناس أتعبت في خلق السموات والأرض بل أنتم في لبس من خلق جديد يعني خلقهم لكنهم لم يلتبسوا في خلقهم من تراب وإنما التبسوا في الإعادة (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) ق) وبعض المفسرين قالوا رجع بعيد يعني مستحيل. بُثّت الحلقة بتاريخ 1/7/2008م |
الساعة الآن 07:40 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |