![]() |
الفصل الثامن والعشرون علوم السحر والطلسمات
هي علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر: إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية والأول هو ال! سر والثاني هو الطلسمات. ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقودة بين الناس. إلا ما وجد فى كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام مثل النبط والكلدانيين فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاؤوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ وتوحيداً لله وتذكيراً بالجنة والنار. وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين وفي أهل مصر من القبط وغيرهم. وكان لهم فيها التآليف والآثار. ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل مثل الفلاحة النبطية لابن وحشية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه. ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السبعة وكتاب طمطم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرها. ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة وغاص في زبدتها واستخرجها ووضع فيها عدة من التآليف. وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها ولأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما تكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه. ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده. ولنقدم هنا مقدمة يتبثين لك منها حقيقة السحر وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص. وهي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحده بالنوع لا توجد في الصنف الآخر. وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها. فنفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لها خاصية تستعد بها للانسلاخ من الروحانية البشرية إلى الروحانية الملكية حتى يصير ملكاً في تلك اللمحة التي انسلخت فيها. وهذا هو معنى الوحي كما مر في موضعه وهي في تلك الحالة محلة للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله سبحانه وتعالى كما مر. وما يتبع ذلك من التأثير في الأكوان. ونفوس السحرة لها خاصية التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية. فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربانية. ونفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية. وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر. والنفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها: فأوله المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة السحر والثاني بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد ويسمونه الطلسمات وهو أضعف رتبة من الأولى والثالث تأثير في القوى المتخيلة. يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقي فيها أنواعاً من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الراؤون بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظرها الراؤون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك كما يحكى عن بعضهم أنه يري البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك. ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة. هذا تفصيل مراتبه. ثم هذه الخاصية تكون في الساحر بالقوة شأن القوى البشرية كلها. وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة. ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الافلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود له. والوجهة إلى غير الله كفر. فلهذا كان السحر كفراً والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت. ولهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر هل هو لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكل حاصل منه. ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لها حقيقة في الخارج والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السحر: هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل فالقائلون بأن له حقيقة نظروا إلى المرتبتين الأوليين والقائلون بأن لا حقيقة له نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة. فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب. والله أعلم. واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق به القرآن. قال الله تعالى: " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ". وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعة ودفن في بئر ذروان فأنزل الله عز وجل عليه في المعوذتين: " ومن شر النفاثات في العقد ". قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرا على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت. وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانين فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار. وكان للسحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة. ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتناغون فيه وبقي من آثار ذلك في البرابي بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك. ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحاوله موجودة بالمسحور وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التآليف والتفريق. ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عيناً أو معنى. ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلاً بالعقد واللزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعاراً للعزيمة بالعزم. ولتلك البنية والأسماء السيئة خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر. وشاهدنا أيضاً من المنتحلين للسحر وعمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع متخرق. ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الارض. وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتاً وينقب عن قلبه فلا يوجد في حشاه ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء. وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فتمطر الأرض المخصوصة. وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة وهي: رك رف د أحد العددين مائتان وعشرون والآخر مائتان وأربعة وثمانون ومعنى المتحابة أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان مساوياً للعدد الآخر صاحبه فتسمى لأجل ذلك المتحابة. ونقل أصحاب الطلسمات أن لتلك الأعداد أثراً في الألفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما تمثالان. أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول ويجعل طالع الثاني سابع الأول ويوضع على أحد التمثالين أحد العددين والآخر على الآخر. ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التآليف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر. قاله صاحب الغاية وغيره من أئمة هذا الشأن وشهدت له التجربة. وكذا طابع الأسد ويسمى أيضاً طابع الحصى وهو أن يرسم في قالب هند إصبع صورة أسد شائلاً ذنبه عاضاً على حصاة قد قسمها بنصفين وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها إلى فيه وعلى ظهره صورة عقرب تدب. ويتحين برسمه حول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس. فإذا وجد ذلك وعثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب وغمس بعد في الزعفران محلولاً بماء الورد ورفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبر عنه. وكذلك للسلاطين فيه من القوة والعزعلى من تحت أيديهم ذكر ذلك أيضاً أهل هذا الشأن في الغاية وغيرها وشهدت له التجربة. وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه يوضع عند حلول الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس وسلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول ويصلح فيه ما يكون في مواليد الملوك من الأدلة الشريفة ويرفع في خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب. فزعموا أن له أثراً في صحابة الملوك وخدمتهم ومعاشرتهم. وأمثال ذلك كثير. وكتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدونة هذه الصناعة وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها. وذكر لنا: أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتاباً في ذلك وسماه بالسر المكتوم وأنه بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه والإمام لم يكن من أئمة الشأن فيما نظن ولعل الأمر بخلاف ذلك. وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين وهم الذين ذكرت أولاً أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق ويشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فينبعج. ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم متسترون بذلك في الغاية خوفاً على أنفسهم من الحكام. لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك لروحانية الجن والكواكب سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها وأن بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم وأن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع والحيوان والرقيق ويعبرون عن ذلك بقولهم إنما نفعل فيما يمشي فيه الدرهم أي ما يملك ويباع ويشترى من سائر المتملكات هذا ما زعموه. وسألت بعضهم فأخبرني به. وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك. هذا شأن السحر والطلسمات وآثارهما في العالم فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلمسات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثاراً في بدنها على غير المجرى الطبيعي وأسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور ومن جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم. فإن الماشي على حرف حائط أو على جبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك. ولهذا تجد كثيراً من الناس يعودون أنفسهم ذلك بالدربة عليه حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية وتصورها للسقوط من أجل الوهم. وإذا كان ذلك أثراً للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غيرحالة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام. وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلمسات فهو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون ويقولون: السحر اتحاد روح بروح والطلسم اتحاد روح بجسم ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية. والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة. والساحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير. والفرق عندهم بين المعجزة والسحر أن المعجزة قوة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك. والساحر إنما يفعل ذلك من عند نفسه وبقوته النفسانية وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال فبينهما الفرق في المعقولية والحقيقة والذات في نفس الأمر وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة وهي وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير وللنفوس المتمحصة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة. والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك وللنفوس المتمحصة للشر. هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين. وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأئير أيضاً في أحوال العالم وليس معدوداً من جنس السحر وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها. ولهم في المدد الإلهي حظ عظيم على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله. وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر فلا يأتيها لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي. فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق وربما سلب حاله. ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر. وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا يأفكون وذهب سحرهم واضمحل كأن لم يكن. وكذلك لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في المعوذتين ومن شر النفاثات في العقد. قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرؤها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت. فالسحر لا يثبت مع اسم الله وذكره بالهمة الإيمانية. وقد نقل المؤزخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى كان فيها الوفق المئيني العددي منسوجاً بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق. ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم. وهو فيما يزعم أهل الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب وأن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم اصلاً. إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت وبطل ما كانوا يعملون. وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات والشعبذة وجعلته كله باباً واحداً محظوراً. لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا وما لاديهمنا في شيء منهما. فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع ويلحق به الطلسمات لأن آثرهما واحد كالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله فيكون حينئذ ذلك الفعل محظوراً على نسبته في الضرر. وإن لم يكن مهماً علينا ولا فيه ضرر فلا أقل من تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة باباً واحداً لما فيها من الضرر وخصته بالحظر والتحريم. واما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه. قالوا: والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه. ووقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذباً وهو محال فإذاً لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق. وأما الحكماء فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين. فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر وكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهما. والله يهدي من يشاء وهو القوي العزيز لارب سواه. ومن قبيل هذه التأثيرات النفسانية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركاً من الذوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حسد يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده. وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين. والفرق بينها وبين التأثيرات النفسانية أن صدوره فطري جبلي لا يتخلف ولا يرجع اختياز صاحبه ولا يكتسبه وسائر التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب فصدورها راجع إلى اختيار فاعلها والفطري منها قوة صدورها لا نفس صدورها ولهذا قالوا: القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل. وما ذلك إلا لأنه ليس مما يريده ويقصده أو |
الفصل التاسع والعشرون علم أسرار الحروف
وهو المسمى لهذا العهد بالسيميا. نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص. وحدث هذا العلم في الملة بعد صدرمنها وعند ظهور الغلاة من التصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر وتدوين الكتب والاصطلاحات ومزاعمهم في تنزل الوجود عن الواحد وترتيبه. وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان على هذا النظام. والأكوان من لدن الإبداع الأول تتنقل في أطواره وتعرب عن أسراره فحدث لذلك علم أسرار الحروف وهو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على موضوعه ولا تحاط بالعدد مسائله. تعددت فيه تآليف البوني وابن العربي وغيرهما ممن اتبع آثارهما. وحاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان. ثم اختلفوا في سر التصرف الذي في الحروف بما هو: فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه وقسم الحروف بقسمة الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر. واختصت كل طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتها فعلاً وانفعالاً بذلك الصنف فتنوعت الحروف بقانون صناعي يسمونه التكسير إلى نارية وهوائية ومائية وترابية على حسب تنوع العناصر فالألف للنار والباء للهواء والجيم للماء والدال للتراب. ثم ترجع كذلك على التوالي من الحروف والعناصر إلى أن تنفد. فتعين لعنصر النار حروف سبعة: الألف والهاء والطاء والميم والفاء والسين والذال وتعين لعنصر الهواء سبعة أيضا: الباء والواو والياء والنون والضاد والتاء والظاء وتعين لعنصر الماء أيضاً سبعة: الجيم والزاي والكاف والصاد والقاف والثاء والغين وتعين لعنصر التراب أيضاً سبعة: الدال والحاء واللام والعين والراء والخاء والشين. والحروف النارية لدفع الأمراض الباردة ولمضاعفة قوة الحرارة حيث تطلب مضاعفتها إما حساً أو حكماً كما في تضعيف قوى المريخ في الحروب والقتل والفتك. والمائية أيضاً لدفع الأمراض الحارة من حميات وغيرها ولتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حساً أوحكماً كتضعيف قوى القمر وأمثال ذلك. ومنهم من جعل سر التصرف الذي في الحروف للنسبة العددية: فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعاً وطبعاً فبينها من أجل تناسب الأعداد تناسب في نفسها أيضاً كما بين الباء والكاف والراء لدلالتها كلها على الاثنين كل في مرتبته فالباء على اثنين في مرتبة الآحاد والكاف على اثنين في مرتبة العشرات والراء على اثنين في مرتبة المئين. وكالذي بينها وبين الدال والميم والتاء لدلالتها على الأربعة وبين الأربعة والاثنين نسبة الضعف. وخرج للأسماء أوفاق كما للأعداد يختص كل صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الذي يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الحروف وامتزج التصرف من السر الحرفي والسر العددي لأجل التناسب الذي بينهما. فأفا سر التناسب الذي بين هذه الحروف وأمزجة الطبائع أو بين الحروف والأعداد فأمر عسير على الفهم إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات وإنما مستندهم فيه الذوق والكشف. قال البوني: ولا تظن أن سر الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلي وإنما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهي. وأما التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركبة فيها وتأثر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواتراً. وقد يظن أن تصرف هؤلاء وتصرف أصحاب الطلسمات واحد وليس كذلك فإن حقيقة الطلسم وتأثيره على ما حققه أهله أنه قوى روحانية من جوهر القهر تفعل فيما له ركب فعل غلبة وقهر بأسرار فلكية ونسب عددية وبخورات جالبات لروحانية ذلك الطلسم مشدودة فيه بالهمة فائدتها ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية وهو عندهم كالخميرة المركبة من هواثية وأرضية ومائية ونارية حاصلة في جملتها تخيل وتصرف ما حصلت فيه إلى ذاتها وتقلبه إلى صورتها. وكذلك الإكسير للأجسام المعدنية كالخميرة تقلب المعدن الذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. ولذلك يقولون موضوع الكيمياء جسد في جسد لأن الإكسير أجزاؤه كلها جسدانية. ويقولون: موضوع الطلسم روح في جسد لأنه ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية. والطبائع السفلية جسد والطبائع العلوية روحانية. وتحقيق الفرق بين تصرف أهل الطلسمات وأهل الأسماء بعد أن تعلم أن التصرف في عالم الطبيعة كله إنما هو للنفس الإنسانية والهمم البشرية أن النفس الإنسانية محيطة بالطبيعة وحاكمة عليها بالذات إلا أن تصرف أهل الطلسمات إنما هو في استنزال روحانية الأفلاك وربطها بالصور أو بالنسب العددية حتى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة والقلب بطبيعته فعل الخميرة فيما حصلت فيه. وتصرف أصحاب الأسماء إنما هو بما حصل بهم بالمجاهدة والكشف من النور الإلهي والإمداد الرباني فيسخر الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية ولا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكية ولا غيرها لأن مدده أعلى منها. ويحتاج أهل الطلسمات إلى قليل من الرياضة تفيد النفس قوة على استنزال روحانية الأفلاك. وأهون بها وجهة ورياضة. بخلاف أهل الأسماء فإن رياضتهم هي الرياضة الكبرى وليست لقصد التصرف في الأكوان إذ هو حجاب. وإنما التصرف حاصل لهم بالعرض كرامة من كرامات الله لهم. فإن خلا صاحب الأسماء عن معرفة أسرار الله وحقائق الملكوت الذي هو نتيجة المشاهدة والكشف واقتصر على مناسبات الأسماء وطبائع الحروف والكلمات وتصرف بها من هذه الحيثية وهؤلاء هم أهل السيمياء في المشهور - كان إذاً لا فرق بينه وبين صاحب الطلسمات بل صاحب الطلسمات أوثق منه لأنه يرجع إلى أصول طبيعية علمية وقوانين مرتبة. وأما صاحب أسرار الأسماء إذا فاته الكشف الذي يطلع به على حقائق الكلمات وآثار المناسبات بفوات الخلوص في الوجهة وليس له في العلوم الاصطلاحية قانون برهاني يعول عليه يكون حاله أضعف رتبة. وقد يمزج صاحب الأسماء قوى الكلمات والأسماء بقوى الكواكب فيعين لذكر الأسماء الحسنى أو ما يرسم من أوفاقها بل ولسائر الأسماء أوقاتاً تكون من حظوظ الكوكب الذي يناسب ذلك الاسم كما فعله البوني في كتابه الذي سماه الأنماط. وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائية وهي برزخية الكمال الأسمائي وإنما تنزل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من المناسبة. وإثبات هذه المناسبة عندهم إنما هو بحكم المشاهدة. فإذا خلا صاحب الأسماء عن تلك المشاهدة وتلقى تلك المناسبة تقليداً كان عمله بمثابة عمل صاحب الطلسم بل هو أوثق منه كما قلناه. وكذلك قد يمزج أيضاً صاحب الطلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلفة من الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكب إلأ أن مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب الأسماء من الاطلاع في حال المشاهدة وإنما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السحرية من اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكونات من جواهر وأعراض وذوات ومعان والحروف والأسماء من جملة ما فيه. فلكل واحد من الكواكب قسم منها يخصه ويبنون عى ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سور القرآن وآيه على هذا النحو كما فعله مسلمة المجريطي في الغاية. والظاهر من حال البوني في أنماطه أنه اعتبر طريقتهم. فإن تلك الأنماط إذا تصفحتها وتصفحت الدعوات التي تصفنتها وتقسيمها على ساعات الكواكب السبعة ثم وقفت على الغاية وتصفحت قيامات الكواكب التي فيها وهي الدعوات التي تختص بكل كوكب ويسمونها قيامات الكواكب أي الدعوة التي يقام له بها شهد له ذلك: إما بأنه من مادتها أو بأن التناسب الذي كان في أصل الإبداع وبرزخ. العلم قضى بذلك كله. " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ". وليس كل ما حرمه الشارع من العلوم بمنكر الثبوت فقد ثبت ان السحرحق مع حظره. لكن حسبنا من العلم ما علمنا. ومن الكلمات حرفية يوهمون أنها أصل في معرفة ما يحاولون علمه من الكائنات الاستقبالية وإنما هي شبه المعاياة والمسائل السيالة. ولهم في ذلك كلام كثير من أدعية وأوراد. وأعجبه زايرجه العالم للسبتي وقد تقدم ذكرها. ونبين هنا ما ذكروه في كيفية العمل بتلك الزايرجة بدائرتها وجدولها المكتوب حولها ثم نكشف عن الحق فيها وأنها ليست من الغيب وإنما هي مطابقة بين مسألة وجوابها في الإفادة فقط وقد أشرنا إلى ذلك من قبل. وليس عندنا رواية يعول عليها في صحة هذه القصيدة إلا أننا تحرينا أصح النسخ منها في ظاهر الامر. والله الموفق بمنه. وهي هذه: يقول سبيتي ويحمد ربه مصل على هاد إلى الناس أرسلا محمد المبعوث خاتم الأنبيا ويرضى عن الصحب ومن لهم تلا ألا هذه زايرجة العالم الذي تراه بحيكم وبالعقل قد حلا فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه ويدرك أحكاماً تدبرها العلا ومن أحكم الربط فيدرك قوة ويدرك للتقوى وللكل حصلا ومن أحكم التصريف يحكم سره ويعقل نفسه وصح له الولا وفي عالم الأمر تراه محققاً وهذا مقام من بالآذكار كملا فطاء ٌلها عرش وفيه نقوشنا بنظم ونثر قد تراه مجدولا ونسب دوائر كنسبة فلكها وارسم كواكباً لآدراجها العلا وأخرج لأوتار وارسم حروفها وكوربمثله على حد من خلا أقم شكل زيرهم وسو بيوته وحقق بهامهم ونورهم جلا وحصل علوماٌ للطباع مهندساً وعلماً لموسيقى والأرباع مثلا وسو لموسيقى وعلم حروفهم وعلم بآلات فحقق وحصلا وسو دوائرها ونسب حروفها وعالمها أطلق والإقليم جدولا أميرٌ لنا فهو نهاية دولة زناتية آبت وحكمٌ لها خلا وقطر لأندلس فابن لهودهم وجاء بنو نصر وظفرهم تلا ملوكٌ وفرسانٌ وأهلٌ لحكمة فإن شئت نصبهم وقطرهم حلا ومهدي توحيد بتونس حكمهم ملوكٌ وبالشرق بالأوفاق نزلا واقسم على القطر وكن متفقداً فإن شئت للروم فبالحر شكلا فقيصرهم جاء ويزدجردهم لكاف وقبطيهم بلامه طولا وعباس كلهم شريفٌ معظمٌ ولكن تركي بذا الفعل عطلا فإن شئت تدقيق الملوك وكلهم فختم بيوتاً ثم نسب وجدولا على حكم قانون الحروب وعلمها وعلم طبائعها وكله مثلا فمن علم العلوم تعلم علمنا ويعلم أسرار الوجود وأكملا فيرسخ علمه ويعرف ربه وعلم ملاحيم بحاميم فصلا وحيث أتى اسمٌ والعروض يشقه فحكم الحكيم فيه قطعا ليقتلا وتأتيك أحرف فسو لضربها وأحرف سبيويه تأتيك فيصلا فمكن بتنكير وقابل وعوضن بترنيمك الغالي للأجزاء خلخلا وفي العقد والمجزور يعرف غالباً وزد لمح وصفيه في العقل فعلا واختر لمطلع وسويه رتبةً واعكس بجذريه وبالدور عدلا ويدركها المرء فيبلغ قصده وتعطي حروفها وفي نظمها انجلا وأدخل بأفلاك وعدل بجدول وأرسم أباجاد وباقيه جملا وجوز شذوذ النوتجري ومثله أتى في عروض الشعرعن جملة ملا فأصلٌ لديننا وأصل لفقهنا وعلمٌ لنحونا فاحفظ وحصلا فادخل لفسطاط على الوفق جذره وسبح باسمه وكبرو هللا فتخرج أبياتاً وفي كل مطلب بنظم طبيعي وسرمن العلا وتفنى بحصرها كذا حكم عدهم فعلم الفواتيح ترى فيه منهلا فتخرج أبياتاً وعشرون ضعفت من الألف طبعياً فيا صاح جدولا تريك صنائعاً من الضرب أكملت فصح لك المنى وصح لك العلا وسجع بزيرهم وأثني بنقرة أقمها دوائر الزير وحصلا أقمها بأوفاق وأصل لعدها من أسرار أحرفهم فعذبه سلسلا 3 ك ا ك و ك ح و ا 5 عم له ر لا سع كط ا ل م ن ح ع ف و ل منافرة. الكلام على استخراج نسبة الأوزان وكيفياتها ومقادير المقابل منها وقوة الدرجة المتميزة بالنسبة إلي موضع المعلق من امتزاج طبائع وعلم طب أيا طالباً للطب مع علم جابر وعالم مقدار المقادير بالولا إذا شئت علم الطب لا بد نسبة لأحكام ميزان تصادف منهلا فيشفى عليلكم والإكسير محكم وأمزاج وضعكم بتصحيح انجلا الطب الروحاني وشئت إيلاوش 565 ودهنه بحلا لبهرام برجيس وسبعة أكملا لتحليل أوجاع البوارد صححوا كذلك والتركيب حيث تنقلا كد منع مهم 355 وهح 6 صح لهاي ود ا آ ا وهح وى سكره لا ل ح مههت مههه ع ع مى مرح ح 2242 ل ك عا عر. مطاريح الشعاعات في مواليد الملوك وبنيهم وعلم مطاريح الشعاعات مشكل وضلع قسيها بمنطقة جلا ولكن في حج مقام إمامنا ويبدو إذا عرض الكواكب عدلا بدال مراكز بين طول وعرضها فمن أدرك المعنى علا ثم فوضلا مواقع تربيع وسه مسقط لتسديسهم تثليث بيت التي تلا ومن نسبة الربعين ركب شعاعك بصاد وضعفة وتربيعه انجلا اختص صح ص ع 8 سع وى هذا العمل هنا للملوك والقانون مطرد عمله ولم ير أعجب منه. مقامات الملوك المقام الأول 5 المقام الثاني مح مههم صع عر المقام الثالث ع ع والمقام الرابع للح المقام الخامس لاى المقام السادس ع بير المقام السابع عره خط الاتصال والانفصال ع 1 5 مح ط ق مح محح خط الانفصال الوتر للجميع وتابع الجر والتام الاتصال والانفصال الواجب التام في الاتصالات إقامة الأنوار الجزر المجيب في العمل إقامة السؤال عن الملوك مقام الا ولا أيا طالب السر لتهليل ربه لدى أسمائه الحسنى تصادف منهلا تطيعك أخيار الأنام بقلبهم كذلك ريسهم وفي الشمس أعملا ترى عامة الناس إليك تقيدوا وما قلته حقا وفي الغيرأهملا طريقك هذا السيل والسبل الذي أقوله غيركم ونصركموا اجتلى إذا شئت تحيا في الوجود مع التقى وديناً متيناً أوتكن متوصلا كذي النون والجنيد مع سر صنعة وفي سر بسطام أراك مسربلا وفي العالم العلوي تكون محدثا كذا قالت الهند وصوفية الملا طريق رسول الله بالحق ساطع وما حكم صنع مثل جبريل أنزلا فبطشك تهليل وقوسك مطلع ويوم الخميس البدء والأحد انجلى وفي جمعة أيضاً بالأسماء مثله وفي اثنين للحسنى تكون مكملا وفي طائه سر في هائه إذا أراك بها مع نسبة الكل أعطلا وساعة سعد شرطهم في نقوشها وعود ومصطكى بخور تحصلا وتتلو عليها آخر الحشر دعوة والإخلاص والسبع المثاني مرتلا اتصال أنوار الكواكب بلعاني لا هي ى لا ظ غ لد سع ق صح م ف وى وآية حشر فاجعل القلب وجهها واتلو إذا نام إلا نام ورتلا وآية حشر فاجعل القلب وجهها واتلو إذا نام إلا نام ورتلا هي السر في الأكوان لا شيء غيرها هي الآية العظمى فحقق وحصلا تكون بها قطباً إذ جدت خدمة وتدرك أسراراً من العالم العلا سري بها ناجى ومعروف قبله وباح بها الحلاج جهراً فأعقلا وكان بها الشبلي يدأب دائماً إلى أن رقى فوق المريدين واعتلى فصف من الأدناس قلبك جاهداً ولازم لأذكار وصم وتنقلا فما نال سر القوم إلامحقق عليم بأسرار العلوم محصلا مقامات المحبة وميل النفوس والمجاهدة والطاعة والعبادة وحب وتعشق وفناء الفناء وتوجه ومراقبة وخلة وأئمة الانفعال الطبيعي: لبرجيس في المحبة الوفق صرفوا بقزدير أو نحاس الخلط أكملا وقيل بفضة صحيحاً رأيته فجعلك طالعاً خطوطه ماعلا توخ به زيادة النور للقمر وجعلك للقبول شمسه أصلا ودعوته بغاية فهي أعملت وعن طسيمان دعوة ولها جلا وقيل بدعوة حروف لوضعها بحر هواء أومطالب أهلا فتنقش أحرفاً بدال ولامها وذلك وفق للمربع حصلا إذا لم يكن يهوى هواك دلالها فدال ليبدو واو زينب معطلا فحسن لبائه وبائهم إذا هواك وباقيهم قليلة جملا ونقش مشاكل بشرط لوضعهم وما زدت أنسبه لفعلك عدلا ومفتاح مريم ففعلهما سوا فبوري وبسطامي بسورتها تلا وجعلك بالقصد وكن متفقداً أدلة وحشي لقبضة ميلا فاعكس بيوتها بألف ونيف فباطنها سر وفي سرها انجلا |
فصل في المقامات للنهاية
لك الغيب صورة من العالم العلا وتوجدها دار أو ملبسها الحلا ويوسف في الحسن وهذا شبيهه بنثر وترتيل حقيقة أنزلا ومات أجليه وأشرب حبها جنيد وبصرى والجسم أهملا فتطلب في التهليل غايته ومن بأسمائه الحسنى بلا نسبة خلا ومن صاحب الحسنى له الفوز بالمنى ويسهم بالزلفى لدى جيرة العلا وتخبر بالغيب إذا جدت خدمة تريك عجائباً بمن كان موئلا فهذا هو الفوز وحسن تناله ومنها زيادات لتفسيرها تلا الوصية والتختم والإيمان والإسلام والتحريم والإلهية فهذا قصيدنا وتسعون عده ومازاد خطبة وختماً وجدولا عجبت لأبيات وتسعون عدها تولد أبياتاً وماحصرها انجلا فمن فهم السر فيفهم نفسه ويفهم تفسيراً تشابه أشكلا حرام وشرعي لإظهار سرنا لناس وإن خصوا وكان التأهلا فإن شئت أهليه فغلظ يمينهم وتفهم برحلة ودين تطولا لعلك أن تنجو وسامع سرهم من القطع والافشا فترأس بالعلا وقام رسول الله في الناس خاطبا فمن يرأس عرشاً فذلك أكملا وقد ركب الأرواح أجساد مظهر فآلت لقتلهم بدق تطولا إلى العالم العلوي يفنى فناؤنا ويلبس أثواب الوجود على الولا فقد تم نظماً وصلى إلهنا على خاتم الرسل صلاة بها العلا وصلى إله العرش ذو المجد والعلا على سيد ساد الأنام وكملا محمد الهادي الشفيع إمامنا وأصحابه أهل المكارم والعلا كيفية العمل في استخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم بحول الله منقولاً عمن لقيناه من القائمين عليها: السؤال له ثلاثمائة وستون جواباً عدة الدرج وتختلف الأجوبة عن سؤال واحد في طالع مخصوص باختلاف الأسئلة المضافة إلى حروف الأوتار وتناسب العمل من استخراج الأحرف من بيت القصيد. تنبيه تركيب حروف الاوتار والجدول على ثلاثة أصول: حروف عربية تنقل على هيآتها وحروف برسم الغبار. وهذه تتبدل: فمنها ما ينقل على هيئته متى لم تزد الأدوار عن أربعة فإن زادت عن أربعة نقلت إلى المرتبة الثانية من مرتبة العشرات وكلك لمرتبة المئين على حسب العمل كما سنبينه ومنها حروف برسم الزمام كذلك غير أن رسم الزمام يعطي نسبة ثانية فهي بمنزلة واحد ألف وبمنزلة عشرة ولها نسبة من خمسة بالعربي فاستحق البيت من الجدول أن توضع فيه ثلاثة حروف في هذا الرسم وحرفان في الرسم فاختصروا من الجدول بيوتاً خالية. فمتى كانت أصول الأدوار زائدة على أربعة حسبت في العدد في طول الجدول وإن لم تزد على أربعة لم يحسب إلا العامر منها. والعمل في السؤال يفتقر إلى سبعة أصول: عدة حروف الأوتار وحفظ أدوارها بعد طرحها اثني عشر اثني عشر وهي ثمانية أدوار في الكامل وستة في الناقص أبداً. ومعرفة درج الطالع وسلطان البرج والدور الأكبر الأصلي وهو واحد أبداً. وما يخرج من إضافة الطالع للدور الأصلي وما يخرج من ضرب الطالع والدور في سلطان البرج. وإضافة سلطان البرج للطالع والعمل جميعه ينتج عن ثلائة أدوار مضروبة في أربعة تكون اثني عشر دوراً. ونسبة هذه الثلاثة الأدوار التي هي كل دور من أربعة نشأة وثلاثية كل نشأة لها ابتداء. ثم إنها تضرب أدواراً رباعية أيضاً ثلاثية. ثم إنها من ضرب ستة في اثنين فكان لها نشأة يظهر ذلك في العمل. ويتبع هذه الأدوار الاثني عشر نتائج وهي في الأدوار إما أن تكون نتيجة أو فأول ذلك نفرض سؤالاً عن الزايرجة هل هي علم قديم أو محدث بطالع أول درجة من القوس أثناء حروف الأوتار ثم حروف السؤال. فوضعنا حروف وتر رأس القوس ونظيره من رأس الجوزاء. وثالثه وتر رأس الدلو إلى حد المركز وأضفنا إليه حروف السؤال ونظرنا عدتها وأقل ما تكون ثمانية وثمانين وأكثر ما تكون ستة وتسعين وهي جملة الدور الصحيح فكانت في سؤالنا ثلاثة وتسعين. ويختصر السؤال إن زاد عن ستة وتسعين بأن يسقط جميع أدواره الإثني عشرية ويحفظ ما خرج منها وما بقي فكانت في سؤالنا سبعة أدوار الباقي تسعة أثبتها في الحروف ما لم يبلغ الطالع اثنتي عشرة درجة فإن بلغها لم تثبت لها عدة ولا دور. ثم تثبت أعدادها أيضاً إن زاد الطالع عن أربعة وعشرين في الوجه الثالث ثم تثبت الطالع وهو واحد وسلطان الطالع وهو أربعة والدور الأكبر وهو واحدة واجمع ما بين الطالع والدور وهو اثنان في هذا السؤال واضرب ما خرج منهما في سلطان البرج يبلغ ثمانية وأضف السلطان للطالع فيكون خمسة فهذه سبعة أصول. فما خرج من ضرب الطالع والدور الأكبر في سلطان القوس مما لم يبلغ اثني عشر فيه تدخل في ضلع ثمانية من أسفل الجدول صاعداً وإن زاد على اثني عشر طرح أدواراً وتدخل بالباقي في ضلع ثمانية وتعلم على منتهى العدد والخمسة المستخرجة من السلطان والطالع يكون الطالع في ضلع السطح المبسوط الأعلى من الجدول وتعد متوالياً خمسات أدواراً وتحفظها إلى أن يقف العدد على حرف من أربعة وهي ألف أو باء أو جيم أو زاي. فوقع العدد في عملنا على حرف الألف وخلف ثلاثة أدوار فضربنا ثلاثة في ثلاثة كانت تسعة وهو عدد الدور الأول. فأثبته واجمع ما بين الضلعين: القائم والمبسوط يسكن في بيت ثمانية في مقابلة البيوت العامرة بالعدد من الجدول وإن وقف في مقابلة الخالي من بيوت الجدول على أحدها فلا يعتبر وتستمر على أدوارك. وادخل بعدد ما في الدور الأول وذلك تسعة في صدر الجدول مما يلي البيت الذي اجتمعا فيه وهي ثمانية ماراً إلى جهة اليسار فوقع على حرف لام ألف ولا يخرج منها أبداً حرف مركب. وإنما هو إذن حرف تاء أربعمائة برسم الزمام فعلم عليها بعد نقلها من بيت القصيد واجمع عدد الدور للسلطان يبلغ ثلاثة عشر ادخل بها في حروف الأوتار وأثبت ما وقع عليه العدد وعلم عليه من بيت القصيد. ومن هذا القانون تدري كم تدور الحروف في النظم الطبيعي وذلك أن تجمع حروف الدور الأول وهو تسعة لسلطان البرج وهو أربعة تبلغ ثلاثة عشر أضعفها بمثلها تكون ستة وعشرين أسقط منها درج الطالع وهو واحد في هذا السؤال الباقي خمسة وعشرون. فعلى ذلك يكون نظم الحروف الأول ثم ثلاثة وعشرون مرتين ثم اثنان وعشرون مرتين على حسب هذا الطرح إلى أن ينتهي للواحد من آخر البيت المنظوم. ولا تقف على أربعة وعشرين لطرح ذلك الواحد أولاً. ثم ضع الدور الثاني وأضف حروف الدور الأول إلى ثمانية الخارجة من ضرب الطالع والدور في السلطان تكن سبعة عشر الباقي خمسة. فاصعد في ضلع ثمانية بخمسة من حيث انتهيت في الدور الأول وعلم عليه وادخل في صدر الجدول بسبعة عشر ثم بخمسة. ولا تعد الخالي والدور عشرون فوجدنا حرف ثاء خمسمائة وإنما هو نون لأن دورنا في مرتبة العشرات لكانت الخمسمائة بخمسين لأن دورها سبعة عشر فلو لم تكن سبعة عشر لكانت مئين. فأثبت نوناً ثم أدخل بخمسة أيضاً من أوله. وانظر ما حاذى ذلك من السطح تجد واحداً فقهقر العدد واحداً يقع على خمسة أضف لها واحداً لسطح تكن ستة. أثبت واواً وعلم عليها من بيت القصيد أربعة وأضفها للثمانية الخارجة من ضرب الطالع مع الدور في السلطان تبلغ اثني عشر أضف لها الباقي من الدور الثاني وهو خمسة تبلغ سبعة عشر وهو ما للدور الثاني. فدخلنا بسبعة عشر في حروف الأوتار فوقع العدد على واحد. أثبت الألف وعلم عليها من بيت القصيد وأسقط من حروف الأوتار ثلاثة حروف عدة الخارج من الدور الثاني وضع الدور الثالث وأضف خمسة إلى ثمانية تكن ثلاثة عشر الباقي واحد. انقل الدور في ضلع ثمانية بواحد وادخل في بيت القصيد بثلاثة عشر وخذ ما وقع عليه العدد وهو " ق " وعلم عليه. وأدخل بثلاثة عشر في حروف الأوتار وأثبت ما خرج وهو سين وعلم عليه من بيت القصيد ثم أدخل مما يلي السين الخارجة بالباقي من دور ثلاثة عشر وهو واحد فخذ مما يلي حرف سين من الأوتار فكان " ب( " أثبتها وعلم عليها من بيت القصيد. وهذا يقال له: الدور المعطوف وميزانه صحيح وهو أن تضعف ثلاثة عشر بمثلها وتضيف إليها الواحد الباقي من الدور تبلغ سبعة وعشرين وهو حرف باء المستخرج من الأوتار من بيت القصيد. وأدخل في صدر الجدول بثلاثة عشر وانظر ما قابله من السطح وأضعفه بمثله وزد عليه الواحد الباقي من ثلاثة عشر فكان حرف جيم وكانت للجملة سبعة فذلك حرف زاي فأثبتناه وعلمنا عليه من بيت القصيد. وميزانه أن تضعف السبعة بمثلها وزد عليها الواحد الباقي من ثلاثة عشر يكن خمسة عشر وهو الخامس عشر من بيت القصيد وهذا آخر أدوار الثلاثيات وضع الدور الرابع وله من العدد تسعة بإضافة الباقي من الدور السابق فاضرب الطالع مع الدور في السلطان وهذا الدور آخر العمل في البيت الأول من الرباعيات. فاضرب على حرفين من الأوتار واصعد بتسعة في ضلع ثمانية وادخل بتسعة من دور الحرف الذي أخذته آخراً من بيت القصيد فالتاسع حرف راء فأثبته وعلم عليه. وادخل في صدر الجدول بتسعة وانظر ما قابلها من السطح يكون " ج " قهقر العدد واحداً يكون ألف وهو الثاني من حرف الراء من بيت القصيد فأثبته وعلم عليه. وعد مما يلي الثاني تسعة يكون ألف أيضاً أثبته وعلم عليه واضرب على حرف من الأوتار وأضعف تسعة بمثلها تبلغ ثمانية عشر ادخل بها في حروف الأوتار تقف على حرف راء أثبتها وعلم عليها من بيت القصيد ثمانية وأربعين. وادخل بثمانية عشر في حروف الأوتار تقف على " س " أثبتها وعلم عليها اثنين وأضف اثنين إلى تسعة تكون أحد عشر. أدخل في صدر الجدول بأحد عشر تقابلها من السطح ألف أثبتها وعلم عليها ستة وضع الدور الخامس وعدته سبعة عشر الباقي خمسة. اصعد بخمسة في ضلع ثمانية واضرب على حرفين من الأوتار وأضعف خمسة بمثلها وأضفها إلى سبعة عشر عدد دورها الجملة سبعة وعشرون ادخل بها في حروف الأوتار تقع على " ب " أثبتها وعلم عليها اثنين وثلاثين واطرح من سبعة عشر اثنين التي هي في أس اثنين وثلاثين الباقي خمسة عشر. ادخل في حروف الأوتار تقف على " ق " أثبتها وعلم عليها ستة وعشرين وأدخل في صدر الجدول بست وعشرين تقف على اثنين بالغبار وذلك حرف " ب " أثبته وعلم عليه أربعة وخمسين وأضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور السادس وعدته ثلاثة عشر الباقي منه واحد فتبين إذ ذاك أن دور النظم من خمسة وعشرين فإن الأدوار خمسة وعشرون وسبعة عشر وخمسة وثلاثة عشر وواحد فاضرب خمسة في خمسة تكن خمسة وعشرين وهو الدور في نظم البيت فانقل الدور في ضلع ثمانية بواحد. ولكن لم يدخل في بيت القصيد بثلاثة عشر كما قدمناه لأنه دور ثان من نشأة تركيبية ثانية بل أضفنا الأربعة التي من أربعة وخمسين الخارجة على حروف " ب " من بيت القصيد إلى الواحد تكون خمسة تضيف خمسة إلى ثلاثة عشر التي للدور تبلغ ثمانية عشر أدخل بها في صدر الجدول وخذ ما قابلها من السطح وهو ألف أثبته وعلم عليه من بيت القصيد اثني عشر واضرب على حرفين من الأوتار. ومن هذا الجدول تنظر أحرف السؤال فما خرج منها زده مع بيت القصيد من آخره وعلم عليه من حروف السؤال ليكون داخلاً في العدد في بيت القصيد وكذلك تفعل بكل حرف حرف بعد ذلك مناسباً لحروف السؤال فما خرج منها زده على بيت القصيد من آخره وعلم عليه ثم أضف إلى ثمانية عشر ما علمته على حرف الألف من الآحاد فكان اثنين تبلغ الجملة عشرين. أدخل بها في حروف الأوتار تقف على حرف راء أثبته وعلم عليه من بيت القصيد ستة وتسعين وهو نهاية الدور في الحرف الوتري. فاضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور السابع وهو ابتداء لمخترع ثان ينشأ من الاختراعين. ولهذا الدور من العدد تسعة تضيف لها واحداً تكون عشرة للنشأة الثانية وهذا الواحد تزيده بعد إلى اثني عشر دوراً إذا كان من هذه النسبة أو تنقصه من الأصل تبلغ الجملة خمسة عشر. فاصعد في ضلع ثمانية وتسعين وادخل في صدر الجدول بعشرة تقف على خمسمائة وإنما هي خمسون نون مضاعفة بمثلها وتلك " ق " أثبتها وعلم عليها من بيت القصيد اثنين وخمسين وأسقط من اثنين وخمسين اثنين وأسقط تسعة التي للدور الباقي واحد وأربعون فأدخل بها في حروف الأوتار تقف على واحد أثبته. وكذلك أدخل بها في بيت القصيد تجد واحداً فهذا ميزان هذه النشأة الثانية فعلم عليه من بيت القصيد علامتين. علامة على الأف الأخير الميزاني وأخرى على الألف الأولى فقط والثانية أربعة وعشرون واضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور الثامن وعدته سبعة عشر الباقي خمسة أدخل في ضلع ثمانية وخمسين وأدخل في بيت القصيد بخمسة تقع على عين بسبعين أثبتها وعلم عليها. وأدخل في الجدول بخمسة وخذ ما قابلها من السطح وذلك واحد أثبته وعلم عليه. من البيت ثمانية وأربعين وأسقط واحداً من ثمانية وأربعين للأس الثاني وأضف إليها خمسة الدور. الجملة اثنان وخمسون. أدخل بها في صدر الجدول تقف على حرف " ب " غبارية وهي مرتبة مئينية لتزايد العدد فتكون مائتين وهي حرف راء أثبتها وعلم عليها من القصيد أربعة وعشرين فانتقل الأمر إلى ستة وتسعين إلى الابتداء وهو أربعة وعشرون فأضف إلى أربعة وعشرين خمسة الدور وأسقط واحداً تكون الجملة ثمانية وعشرين. أدخل بالنصف منها في بيت القصيد تقف على ثمانية أثبت " 2 " وعلم عليها وضع الدور التاسع وعدده ثلاثة عشر الباقي واحد اصعد في ضلع ثمانية بواحد. وليست نسبة العمل هنا كنسبتها في الدور السادس لتضاعف العدد ولأنه من النشأة الثانية ولأنه أول الثلث الثالث من مربعات البروج وآخر الستة الرابعة من المثلثات. فاضرب ثلاثة عشر التي للدور في أربعة التي هي مثلثات البروج السابقة الجملة اثنان وخمسون أدخل بها في صدر الجدول تقف على حرف اثنين غبارية وإنما هي مئينية لتجاوزها في العدد عن مرتبتي الآحاد والعشرات فأثبته مائتين راء وعلم عليها من بيت القصيد ثمانية وأربعين وأضف إلى ثلاثة عشر الدور واحد الأس وأدخل بأربعة عشر في بيت القصيد تبلغ ثمانية فعلم عليها ثمانية وعشرين واطرح من أربعة عشر سبعة يبقى سبعة اضرب على حرفين من الأوتار وادخل بسبعة تقف على حرف لام أثبته وعلم عليه من البيت. وضع الدور العاشر وعدده تسعة وهذا ابتداء المثلثة الرابعة واصعد في ضلع ثمانية بتسعة تكون خلاء فاصعد بتسعة ثانية تصير في السابع من الابتداء. اضرب تسعة في أربعة لصعودنا بتسعتين وإنما كانت تضرب في اثنين وأدخل في الجدول بستة وثلاثين تقف على أربعة زمامية وهي عشرية فأخذناها أحادية لقلة الأدوار فأثبت حرف دال وإن أضفت إلى ستة وثلاثين واحد الأس كان حدها من بيت القصيد فعلم عليها ولو دخلت بالتسعة لا غير من ضرب في صدر الجدول لوقف على ثمانية فاطرح من ثمانية أربعة الباقي أربعة وهو المقصود. ولو دخلت في صدر الجدول بثمانية عشر التي هي تسعة في اثنين لوقف على واحد زمامي وهو عشري فاطرح منه اثنين تكرار التسعة الباقي ثمانية نصفها المطلوب. ولو دخلت في صدر الجدول بسبعة وعشرين بضربها في ثلاثة لوقعت على عشرة زمامية والعمل واحد. ثم أدخل بتسعة في بيت القصيد وأثبت ما خرج وهو ألف ثم اضرب تسعة في ثلاثة التي هي مركب تسعة الماضية وأسقط واحدا وأدخل في صدر الجدول بستة وعشرين وأثبت ما خرج وهو مائتان بحرف راء وعلم عليه من بيت القصيد ستة وتسعين. واضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور الحادي عشر وله سبعة عشر الباقي خمسة اصعد في ضلع ثمانية بخمسة وتحسب ما تكرر عليه المشي في الدور الأول وأدخل في صدر الجدول بخمسة تقف على خال فخذ ما قابله من السطح وهو واحد فأدخل بواحد في بيت القصيد تكن سين أثبتة وعلم عليه أربعة. ولو يكون الوقف في الجدول على بيت عامر لأثبتنا الواحد ثلاثة. وأضعف سبعة عشر بمثلها وأسقط واحداً وأضعفها بمثلها وزدها أربعة تبلغ سبعة وثلاثين أدخل بها في الأوتار تقف على ستة أثبتها وعلم عليها وأضعف خمسة بمثلها. وأدخل في البيت تقف على لام أثبتها وعلم عليها عشرين واضرب على حرفين من الأوتار. وضع الدور الثاني عشر وله ثلاثة عشر الباقي واحد اصعد في ضلع ثمانية بواحد وهذا الدور آخر الأدوار وآخر الاختراعين وآخر المربعات الثلاثية وآخر المثلثات الرباعية. والواحد في صدر الجدول يقع على ثمانين زمامية وإنما هي آحاد ثمانية وليس معنا من الأدوار إلا واحد فلو زاد عن أربعة من مربعات اثني عشر أو ثلاثة من مثلثات اثني عشر لكانت " ح " وإنما هي " د " فأثبتها وعلم عليها من بيت القصيد أربعة وسبعين ثم انظر ما ناسبها من السطح تكن خمسة أضعفها بمثلها للأس تبلغ عشرة أثبت " ى " وعلم عليها وانظر في أي المراتب وقعت: وجدناها في الرابعة دخلنا بسبعة في حروف الأوتار وهذا المدخل يسمى التوليد الحرفي فكانت " ف " أثبتها وأضف إلى سبعة واحد الدور الجملة ثمانية. أدخل بها في الاوتار تبلغ " س " أثبتها وعلم عليها ثمانية واضرب ثمانية في ثلاثة الزائدة على عشرة الدور فإنها آخر مربعات الأدوار بالمثلثات تبلغ أربعة وعشرين أدخل بها في بيت القصيد وعلم على ما يخرج منها وهو مائتان وعلامتها ستة وتسعون وهو نهاية الدور الثاني في الأدوار الحرفية واضرب على حرفين من الأوتار وضع النتيجة الأولى ولها تسعة. وهذا العدد يناسب أبداً الباقي من حروف الأوتار بعد طرحها أدواراً وذلك تسعة فاضرب تسعة في ثلاثة التي هي زائدة على تسعين من حروف الأوتار وأضف لها واحداً الباقي من الدور الثاني عشر تبلغ ثمانية وعشرين فادخل بها في حروف الأوتار تبلغ ألفاً أثبته وعلم عليه ستة وتسعين. وإن ضربت سبعة التي هي أدوار الحروف التسعينية في أربعة وهي الثلاثة الزائدة على تسعين والواحد الباقي من الدور الثاني عشر كان كذلك واصعد في ضلع ثمانية بتسعة وادخل في الجدول بتسعة تبلغ اثنين زمامية. واضرب تسعة فيما ناسب من السطح وذلك ثلاثة وأضف لذلك سبعة عدد الأوتار الحرفية واطرح واحداً الباقي من دور اثني عشر تبلغ ثلاثة وثلاثين ادخل بها في البيت تبلغ خمسة فأثبتها وأضف تسعة بمثلها وادخل في صدر الجدول بثمانية عشر وخذ ما في السطح وهو واحد ادخل به في حروف الأوتار تبلغ " م " أثبته وعلم عليه واضرب على حرفين من الأوتار. وضع النتيجة الثانية ولها سبعة عشر الباقي خمسة فاصعد في ضلع ثمانية بخمسة واضرب خمسة في ثلاثة الزائدة على تسعين تبلغ خمسة عشر أضف لها واحداً الباقي من الدور الثاني عشر تكن تسعة وادخل بستة عشر في بيت القصيد تبلغ " ت " أثبته وعلم عليه أربعة وستين وأضف إلى خمسة الثلاثة الزائدة على تسعين وزد واحداً الباقي من الدور الثاني عشر يكن تسعة ادخل بها في صدر الجدول تبلغ ثلاثين زمامية وانظر ما في السطح تجد واحداً أثبته وعلم عليه من بيت القصيد وهو التاسع أيضاً من البيت وادخل بتسعة في صدر الجدول تقف على ثلاثة وهي عشرات فأثبت لام وعلم عليه وضع النتيجة الثالثة وعددها ثلاثة عشر الباقي واحد. فانقل في ضلع ثمانية بواحد وأضف إلى ثلاثة عشر الثلاثة الزائدة على التسعين وواحد الباقي من الدور الثاني عشر تبلغ سبعة عشر وواحد والمثال في هذا السؤال السابق: أردنا أن نعلم أن هذه الزايرجة علم محدث أو قديم بطالع أول درجة من القوس أثبتنا حروف الأوتار ثم حروف السؤال ثم الأصول وهي عدة الحروف ثلاثة وتسعون أدوارها سبعة الباقي منها تسعة الطالع واحد سلطان القوس أربعة الدور الأكبر واحد درج الطالع مع الدور اثنان ضرب الطالع مع الدور في السلطان ثمانية إضافة السلطان للطالع خمسة بيت القصيد. سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطه الجد مثلاً حروف الأوتار: ص ط 5 رث ك ه م ص ص ون ب ه س ا ن ل م ن ص ع ف ص ورس ك ل م ن ص ع ف ض ق رس ت خ ذ ظ غ ش ط ى ع ح ص روح رو ح ل ص ك ل م ن ص اب ج ده وزح ط ى. حروف السؤال 1 ل ز ا ى ر ج ة ع ل م م ح دث ام ق د ى م الدور الأول 9 الدور الثاني 7 الباقي 5 الدور الثالث 13 الباقي ا الدور الرابع 9 الدور الخامس 17 الباقي ه الدور السادس 13 الباقي ا الدور السابع 9 الدور الثامن 17 الباقي 5 الدور التاسع 13 الباقي ا الدور العاشر 13 الدور الحادي عشر 17 الباقي 5 الدور الثاني عشر 13 الباقي ا النتيجة الأولى 9 النتيجة الثانية 17 الباقي 5 النتيجة الثالثة 13 الباقي ا س. . . . 1 ن. . . . 22 و. . . . 2 غ. . . . 23 ا. . . . 3 ر. . . . 24 ل. . . . 4 ا. . . . 25 ع. . . . 5 ى. . . . 26 ظ. . . . 6 ب. . . . 27 ى. . . . 7 ش. . . . 28 م. . . . 8 ك. . . . 29 ا. . . . 9 ض. . . . 30 ل. . . . 10 ب. . . . 31 خ. . . . 11 ط. . . . 32 ل. . . . 12 ه. . . . 33 ق. . . . 13 ا. . . . 34 ح. . . . 14 ل. . . . 35 ت. . . . 16 د. . . . 37 ف. . . . 17 م. . . . 38 ص. . . . 18 ث. . . . 39 ن. . . . 19 ل. . . . 40 ا. . . . 20 ا. . . . 41 ف و ز ا و س ر ر ا ا س ا ب ا ر ق ا ع ا ر ص ح ر ح ل د ا ر س ا ل د ى و س ر ا د م ن ا ل ل. دورها على خمسة وعشرين ثم على ثلاثة وعشرين مرتين ثم على واحد وعشرين مرتتين إلى أن تنتهي إلى الواحد من آخر البيت وتنتقل الحروف جميعاً والله أعلم ن ف ر و ح روح ا ل ودس اد ر رس ره ا ل درى س وا ن س د روا ب لا ام رب و ا ا ل ع ل ل. هذا آخر الكلام في استخراج الأجوبة من زايرجة العالم منظومة. وللقوم طرائق أخرى من غير الزايرجة يستخرجون بها أجوبة المسائل غير منظومة. وعندهم أن السر في استخراج الجواب منظوماً من الزايرجة إنما هو مزجهم بيت مالك بن وهيب وهو: سؤال عظيم الخلق البيت ولذلك يخرج الجواب على رويه. وأما الطرق الأخرى فيخرج الجواب غير منظوم. فمن طرائقهم |
فصل في الاطلاع على الأسرار الخفية من جهة الارتباطات الحرفية
اعلم أرشدنا الله وإياك أن هذه الحروف أصل الأسئلة في كل قضية وإنما تستنتج الأجوبة على تجزئته بالكلية وهي ثلاثة وأربعون حرفاً كما ترى والله علام الغيوب ا و ل ا ع ظ س ا ل م خ ى د ل ز ق ت ا ر ذ ص ف ن غ ش ا ك ك ى ب م ض ب ح ط ل ج ه د ن ل ا. وقد نظمها بعض الفضلاء في بيت جعل فيه كل حرف مشدد من حرفين وسماه القطب فقال: سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطة الجد مثلا فإذا اردت استنتاج المسألة فاحذف ما تكرر من حروفها وأثبت ما فضل منه. ثم احذف من الأصل وهو القطب لكل حرف فضل من المسألة حرفاً يماثله وأثبت ما فضل منه. ثم امزح الفضلين في سطر واحد تبدأ بالأول من فضله والثاني من فضل المسألة. وهكذا إلى أن يتم الفضلان أو ينفد أحدهما قبل الآخر فتضع البقية على ترتيبها. فإذا كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج موافقاً لعدد حروف الأصل قبل الحذف فالعمل صحيح فحينئذ تضيف إليها خمس نونات لتعدل بها الموازين الموسيقية وتكمل الحروف ثمانية وأربعين حرفاً فتعمر بها جدولاً مربعاً يكون آخر ما في السطر الأول أول ما في السطر الثاني وتنقل البقية على حالها وهكذا إلى أن تتم عمارة الجدول. ويعود السطر الأول بعينه وتتوالى الحروف في القطر على نسبة الحركة ثم تخرج وتر كل حرف بقسمة مربعة على أعظم جزء يوجد له وتضع الوتر مقابلاً لحرفه ثم تستخرج النسب العنصرية للحروف الجدولية وتعرف قوتها الطبيعية وموازينها الروحانية وغرائزها النفسانية وأسوسها الأصلية من الجدول الموضوع لذلك وهذه صورته. ثم تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه في أسوس أوتاد الفلك الأربعة واحذر ما يلي الأوتاد وكذلك السواقط لأن نسبتها مضطربة. وهذا الخارج هو أول رتب السريان. ثم تأخذ مجموع العناصر وتحط منها أسوس المولدات يبقى أس عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونية فتحمل عليه بعض المجردات عن المواد وهي عناصر الإمداد يخرج أفق النفس الأوسط وتطرح أول رتب السريان من مجموع العناصر يبقى عالم التوسط. وهذا مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركبة. ثم تضرب عالم التوسط في أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى فتحمل عليه أول رتب السريان ثم تطرح من الرابع أول عناصر الإمداد الأصلي يبقى ثالث رتبة السريان فتضرب مجموع أجزاء العناصر الأربعة أبداً في رابع مرتبة السريان يخرج أول عالم التفصيل والثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل والثالث في الثالث يخرج ثالث عالم التفصيل والرابع في الرابع يخرج رابع عالم التفصيل. فتجمع عوالم التفصيل وتحط من عالم الكل تبقى العوالم المجردة فتقسم على الأفق الأعلى يخرج الجزء الأول ويقسم المنكسر على الأفق الأوسط يخرج الجزء الثاني وما انكسر فهو الثالث ويتعين الرابع هذا في الرباعي. وإن شئت أكثر من الرباعي فتستكثر من عوالم التفصيل ومن رتب السريان ومن الأوفاق بعد الحروف. والله يرشدنا وإياك. وكذلك إذا قسم عالم التجريد على أول رتب السريان خرج الجزء الأول من عالم التركيب وكذلك إلى نهاية الرتبة الأخيرة من عالم الكون. فافهم وتدبر والله المرشد المعين. ومن طريقهم أيضاً في استخراج الجواب قال بعض المحققين منهم: اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن علم الحروف جليل يتوصل العالم به لما لا يتوصل بغيره من العلوم المتداولة بين العالم وللعمل به شرائط تلتزم. وقد يستخرج العالم أسرار الخليقة وسرائر الطبيعة فيطلع بذلك على نتيجتي الفلسفة أعني السيميا وأختها ويرفع له حجاب المجهولات ويطلع بذلك على مكنون خبايا القلوب. وقد شهدت جماعة بأرض المغرب ممن اتصل بذلك فأظهر الغرائب وخرق العوائد وتصرف في الوجود بتأييد الله. واعلم أن ملاك كل فضيلة الاجتهاد وحسن الملكة مع الصبر مفتاح كل خير كما أن الخرق والعجلة رأس الحرمان فأقول: إذا أردت ان تعلم قوة كل حرف من حروف الفابيطوس أعني أبجد إلى آخر العدد وهذا أول مدخل من علم الحروف فانظر ما لذلك الحرف من الأعداد فتلك الدرجة التي هي مناسبة للحرف هي قوته في الجسمانيات. ثم اضرب العدد في مثله تخرج لك قوته في الروحانيات وهي وتره. وهذا في الحروف المنقوطة لا يتم بل يتم لغير المنقوطة لأن المنقوطة منها مراتب لمعان يأتي عليها البيان فيما بعد. واعلم أن لكل شكل من أشكال الحروف شكلاً في العالم العلوي أعني الكرسي ومنها المتحرك والساكن والعلوي والسفلي كما هو مرقوم في أماكنه من الجداول الموضوعة في الزيارج. واعلم أن قوى الحروف ثلاثة أقسام: الأول وهو أقلها قوة تظهر بعد كتابتها فتكون كتابته لعالم روحاني مخصوص بذلك الحرف المرسوم فمتى خرج ذلك الحرف بقوة نفسانية وجمع همة كانت قوى الحروف مؤثرة في عالم الأجسام. الثاني قوتها في الهيئة الفكرية وذلك ما يصدر عن تصريف الروحانيات لها فهي قوة في الروحانيات العلويات وقوة شكلية في عالم الجسمانيات. الثالث وهو يجمع الباطن أعني القوة النفسانية على تكوينه فتكون قبل النطق به صورة في النفس بعد النطق به صورة في الحروف وقوة في النطق. وأما طبائعها فهي الطبيعيات المنسوبة للمتولدات في الحروف وهي الحرارة واليبوسة والحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة والبرودة والرطوبة فهذا سر العدد اليماني والحرارة جامعة للهواء والنار وهما: " 1 ه ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ظ " والبرودة جامعة للهواء والماء " ب و ى ن ص ت ض دح ل ع رخ غ " واليبوسة جامعة للنار والأرض " 1 ه ط م ف ش ذ ب وى ن ص ت ض " فهذه نسبة حروف الطبائع وتداخل أجزاء بعضها في بعض. وتداخل أجزاء العالم فيها علويات وسفليات بأسباب الأمهات الأول أعني الطبائع الأربع المنفردة فمتى أردت استخراح مجهول من مسئلة ما فحقق طالع السائل أو طالع مسئلته واستنطق حروف أوتارها الأربعة: الأول والرابع والسابع والعاشر مستوية مرتبة واستخرج أعداد القوى والأوتار كما سنبين واحمل وانسب واستنتج الجواب يخرج لك المطلوب إما بصريح اللفظ أو بالمعنى. وكذلك في كل مسئلة تقع لك. بيانه: إذا أرددت أن تستخرج قوى حروف الطالع مع اسم السائل والحاجة فاجمع أعدادها بالجمل الكبير فكان الطالع الحمل رابعه السرطان سابعه الميزان عاشره الجدي وهو أقوى هذه الأوتاد فأسقط من كل برج حرفي التعريف وانظر ما يخص كل برج من الأعداد المنطقة الموضوعة في دائرتها واحذف أجزاء الكسر في النسب الاستنطاقية كلها وأثبت تحت كل حرف ما يخصه من ذلك ثم أعداد حروف العناصر الأربعة وما يخصها كالأول. وارسم ذلك كله أحرفاً ورتب الأوتاد والقوى والقرائن سطراً ممتزجاً. وكسر واضرب ما يضرب لاستخراج الموازين واجمع واستنتج الجواب يخرج لك الضمير وجوابه. مثاله افرض أن الطالع الحمل كما تقدم ترسم " ح م ل ": فللحاء من العدد ثمانية لها النصف والربع والثمن " دب ا " الميم لها من العدد أربعون لها النصف والربع والثمن والعشر ونصف العشر إذا آردت التدقيق " م ك ى 5 د ب " اللام لها من العدد ثلاثون لها النصف والثلثان والثلث والخمس والسدس والعشر " ك ى وه ج ". وهكذا تفعل بسائر حروف المسألة والاسم من كل لفظ يقع لك. وأما استخراح الأوتار فهو أن تقسم مربع كل حرف على أعظم جزء يوجد له. مثاله: حرف " د " له من الأعداد أربعة مربعها ستة عشر اقسمها على أعظم جزء يوجد لها وهو اثنان يخرج وتراً لدال ثمانية. ثم تضع كل وترمقابلاً لحرفه. ثم تستخرج النسب العنصرية كما تقدم في شرح الاستنطاق ولها قاعدة تطرد في استخراجها من طبع الحروف وطبع البيت الذي يحل فيه من الجدول كما ذكر الشيخ لمن عرف الاصطلاح. والله أعلم. |
فصل في الاستدلال على ما في الضمائر الخفية
وذلك لو سأل سائل عن عليل لم يعرف مرضه ما علته وما الموافق لبرئه منه فمر السائل أن يسمى ما شاء من الأشياء على اسم العلة المجهولة لتجعل ذلك الاسم قاعدة لك. ثم استنطق الاسم مع اسم الطالع والعناصر والسائل واليوم والساعة إن أردت التدقيق في المسئلة وإلا اقتصرت على الاسم الذي سماه السائل وفعلت به كما نبين. فأقول مثلاً: سمى السائل فرساً فأثبت الحروف الثلاثة مع أعدادها المنطقة. بيانه: أن للفاء من العدد ثمانين ولها " م ك ي ح ب " ثم الراء لها من العدد مائتان " ق ن ك ى " ثم السين لها من العدد ستون ولها " م ل ك " فالواو عدد تام له " د ج ب " والسين مثله ولها " م ل ك ". فإذا بسطت حروف الأسماء وجدت عنصرين متساويين فاحكم لأكثركما حروفاً بالغلبة على الآخر ثم احمل عدد حروف عناصر اسم المطلوب وحروفه دون بسط وكذلك اسم الطالب واحكم للأكثر والأقوى بالغلبة. وصفة قوى استخراج العناصر. فتكون الغلبة هنا للتراب وطبعه البرودة واليبوسة طبع السوداء فتحكم على المريض بالسوداء. فإذا ألفت من حروف الاستنطاق كلاماً على نسبة تقريبية خرج موضع الوجع في الحلق ويوافقه من الأدوية حقنة ومن الأشربة شراب الليمون. هذا ما خرج من قوى أعداد حروف اسم فرس وهو مثال تقريبي مختصر. وأما استخراج قوى العناصر من الأسما العلمية فهو أن تسمي مثلاً محمداً فترسم أحرفه مقطعة ثم تضع أسماء العناصر الأربعة على ترتيب الفلك يخرج لك ما في كل عنصر من الحروف والعدد. ومثاله. فتجد أقوى هذه العناصر من هذا الاسم المذكور عنصر الماء لأن عدد حروفه عشرون حرفاً فجعلت له الغلبة على بقية عناصر الاسم المذكور وهكذا يفعل بجيم الأسماء. حينئذ تضاف إلى أوتارها أو للوتر المنسوب للطالع في الزايرجة أو لوتر البيت المنسوب لمالك بن وهيب الذي جعله قاعدة لمزج الأسئلة وهو هذا: سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطه الجد مثلا وهو وتر مشهور لاستخراج المجهولات وعليه كان يعتمد ابن الرقام وأصحابه. وهو عمل تام قائم بنفسه في المثالات الوضعية. وصفة العمل بهذا الوتر المذكور أن ترسمه مقطعاً ممتزجاً بألفاظ السؤال على قانون صنعة التكسير. وعدة حروف هذا الوتر أعني البيت ثلاثة وأربعون حرفاً لأن كل حرف مشدد من حرفين. ثم تحفف ما تكرر عند المزج من الحروف ومن الأصل لكل حرف فضل من المسئلة حرف يماثله وتثبت الفضلين سطراً ممتزجاً بعضه ببعض الحروف. الأول من فضلة القطب والثاني من فضلة السؤال حتى يتم الفضلتان جميعاً فتكون ثلاثة وأربعين فتضيف إليها خمس نونات ليكون ثمانية وأربعين لتعدل بها الموازين الموسيقية ثع تضع الفضلة على ترتيبها فإن كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج يوافق العدد الأصلي قبل الحذف فالعمل صحيح ثم عمر بما مزجت جدولاً مربعاً يكون آخر ما في السطر الأول أول ما في السطر الثاني. وعلى هذا النسق حتى يعود السطر الأول بعينه وتتوالى الحروف في القطر على نسبه الحركة. ثم تخرج وتر كل حرف كما تقدم تضعه مقابلاً لحرفه ثم تستخرج النسب العنصرية للحروف الجدولية لتعرف قوتها الطبيعية وموازينها الروحانية وغرائزها النفسانية وأسوسها الأصلية من الجدول الموضوع لذلك. وصفة استخراج النسب العنصرية هو أن تنظر الحرف الأول من الجدول ما طبيعته وطبيعة البيت الذي حل فيه فإن اتفقت فحسن وإلا فاستخرج بين الحرفين نسبة. ويتسع هذا القانون في جميع الحروف الجدولية. وتحقيق ذلك سهل على من عرف قوانينه كما هو مقرر في دوائرها الموسيقية. ثم تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه في أسوس أوتاد الفلك الأربعة كما تقدم. واحذر ما يلي الأوتاد. وكذلك السواقط لأن نسبتها مضطربة. وهذا الذي يخرج لك هو أول مراتب السريان. ثم تأخذ مجموع العناصر وتحط منها أسوس المولدات يبقى أس عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونية فتحمل عليه بعض المجردات عن المواد وهي عناصر الإمداد يخرج أفق النفس الأوسط. وتطرح أول رتب السريان من مجموع العناصر يبقى عالم التوسط. وهذا مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركبة. ثم تضرب عالم التوسط في أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى فتحمل عليه أول رتب السريان ثم تطرح من الرابع أول عناصر الإمداد الأصلي يبقى ثالث رتبة السريان. ثم تضرب مجمرع أجزاء العناصر الأربعه أبداً في رابع رتب السريان يخرج أول عالم التفصيل والثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل وكذلك الثالث والرابع فتجمع عوالم التفصيل وتحط من عالم الكل تبقى العوالم المجردة فتقسم على الأفق الأعلى يخرح الجزء الأول. ومن هنا يطرد العمل في التامة. وله مقامات في كتب ابن وحشية والبوني وغيرهما. وهذا التدبير يجري على القانون الطبيعي الحكمي في هذا الفن وغيره من فنون الحكمة الإلهية وعليه مدار وجمع الزيارج الحرفيه والصنعة الإلهية والنيرجات الفلسفية. واللة الملهم وبه المستعان وعليه التكلان وحسبنا الله ونعم الوكيل. |
الفصل الثلاثون علم الكيمياء
وهوعلم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك فيتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها وقواها لعلهم يعثرون على المادة المستعدة لذلك حتى من الفضلات الحيوانية كالعظام والريش والبيض والعذرات فضلاً عن المعادن. ثم يشرح الأعمال التي تخرج بها تلك المادة من القوة إلى الفعل مثل حل الأجسام إلى أجزائها الطبيعية بالتصعيد والتقطير وجمد الذائب منها بالتكليس وإمهاء الصلب بالقهر والصلابة وأمثال ذلك. وفي زعمهم أنه يخرج بهذه الصناعات كلها جسم طبيعي يسمونة الإكسير وأنه يلقى منه على الجسم المعدني المستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة بالاستعداد القريب من الفعل مثل الرصاص والقصدير والنحاس بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهباً إبريزاً. ويكنون عن ذلك الإكسير إذا ألغزوا اصطلاحاتهم بالروح وعن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد. فشرح هذه الاصطلاحات وصورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الأجساد المستعدة إلى صورة الذهب والفضة هو علم الكيمياء. وما زال الناس يؤلقون فيها قديماً وحديثاً. وربما يعزى الكلام فيها إلى من ليس من أهلها. وإمام المدونين فيها جابر بن حيان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها: علم جابر وله فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز. وزعموا أنه لا يفتح مقفلها إلا من أحاط علماً جميع ما فيها. والطغرائي من حكماء المشرق المتأخرين له فيها دواوين ومناظرات مع أهلها وغيرهم من الحكماء. وكتب فيها مسلمة المجريطي من حكماء الأندلس كتابه الذي سماه رتبة الحكيم وجعله قريناً لكتابه الآخر في السحر والطلسمات الذي سماه غاية الحكيم. وزعم أن هاتين الصناعتين هما نتيجتان للحكمة وثمرتان للعلوم ومن لم يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم والحكمة أجمع. وكلامه في ذلك الكتاب وكلامهم أجمع في تآليفهم هي ألغاز يتعذر فهمها على من لم يعان اصطلاحاتهم في ذلك. ونحن نذكر سبب عدولهم إلى هذه الرموز والألغاز. ولابن المغيربي من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم من أبدع ما يجيء في الشعر ملغوزة كلها لغز الأحاجي والمعاياة فلا تكاد تفهم. وقد ينسبون للغزالي رحمه الله بعض التآليف فيها وليس بصحيح لأن الرجل لم تكن مداركه العالية لتقف عن خطإ ما يذهبون إليه حتى ينتحله. وربما نسبوا بعض المذاهب والأقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم. ومن المعلوم البين أن خالداً من الجيل العربي والبداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات وأمزجتها وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تترجم اللهم إلا أن يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه باسمه فممكن. وأنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن بشرون لأبي السمح في هذه الصناعة وكلاهما من تلاميذ مسلمة فيستدل من كلامه فيها على ما ذهب إليه في شأنها إذا أعطيته حقة من التأمل. قال ابن بشرون بعد صدر من الرسالة خارج عن الغرض: والمقدمات التي لهذه الصناعة الكريمة قد ذكرها الأولون واقتص جميعها أهل الفلسفة من معرفة تكوين المعادن وتخلق الأحجار والجواهر وطباع البقاع والأماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها. ولكن أبين لك من هذه الصنعة ما يحتاج إليه فنبدأ بمعرفته. فقد قالوا: ينبغي لطلاب هذا العلم أن يعلموا أولاً ثلاث خصال: أولها هل تكون والثانية من أي تكون والثالثة من أي كيف تكون فإذا عرف هذه الثلاثة وأحكمها فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته من هذا العلم. فأما البحث عن وجودها والاستدلال عن تكونها فقد كفيناكه بما بعثنا به إليك من الإكسير. وأما من أي شيء تكون فإنما يريدون بذلك البحث عن الحجر الذي يمكنه العمل وإن كان العمل موجوداً من كل شي بالقوة لأنها من الطبائع الأربع منها تركبت ابتداءً وإليها ترجع انتهاءً. ولكن من الأشياء ما يكون فيه بالقوة ولا يكون بالفعل وذلك أن منها ما يمكن تفصيلها ومنها ما لا يمكن تفصيلها. فالتي يمكن تفصيلها تعالج وتدبروهي التي تخرج من القوة إلى الفعل والتي لا يمكن تفصيلها لا تعالج ولا تدبر لأنها فيها بالقوة فقط وإنما لم يمكن تفصيلها لاستغراق بعض طبائعها في بعض وفضل قوة الكبير منها على الصغير. فينبغي لك - وفقك الله - أن تعرف أوفق الاحجار المنفصلة التي يمكن فيها العمل وجنسه وقوته وعمله وما يدبرمن الحل والعقد والتنقية والتكليس والتنشيف والتقليب فإن من لم يعرف هذه الاصول التي هي عماد هذه الصنعة لم ينجح ولم يظفر بخيرأبداً. وينبغي لك أن تعلم هل يمكن أن يستعان عليه بغيره أويكتفي به وحده وهل هو واحدٌ في الابتداء أو شاركه غيره فصار في التدبير واحداً فسمي حجرأ. وينبغي لك أن تعلم كيفية عمله وكمية أوزانه وأزمانه وكيف تركيب الروح فيه وإدخال النفس عليه وهل تقدر النارعلى تفصيلها منه بعد تركيبها. فإن لم تقدرفلآي علة وما السبب الموجب لذلك فإن هذا هو المطلوب فافهم. واعلم أن الفلاسفة كلها مدحت النفس وزعمت انها المدبرة للجسد والحاملة له والدافعة عنه والفاعلة فيه. وذلك أن الجسد إذا خرجت النفس منه مات وبرد فلم يقدرعلى الحركة والامتناع من غيره لأنه لا حياة فيه ولا نور. وإنما ذكرت الجسد والنفس لأن هذه الصفات شبيهة بجسد الإنسان الذي تركيبه على الغداء والعشاء وقوامه وتمامه بالنفس الحية النورانية التي بها يفعل العظائم والأشياء المتقابلة التي لا يقدر عليها غيرها بالقوة الحية التي فيها. وإنما انفعل الإنسان لاختلاف تركيب طبائعه ولو اتفقت طبائعه لسلمت من الأعراض والتضاد ولم تقدر النفس على الخروج من بدنه ولكان خالدا باقيا. فسبحان مدبر الأشياء تعالى. واعلم أن الطبائع التي يحدث عنها هذا العمل كيفية دافعة في الابتداء فيضية محتاجة إلى الانتهاء. وليس لها إذا صارت في هذا الحد أن تستحيل إلى ما منه تركبت كما قلناه آنفا في الإنسان لأن طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضاً وصارت شيئاً واحداً شبيها بالنفس في قوتها وفعلها وبالجسد في تركيبه ومجسته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها. فيا عجباً من أفاعيل الطبائع أن القوة للضعيف الذي يقوى على تفصيل الأشياء وتركيبها وتمامها فلذلك قلت: قويٌ وضعيف. وإنما وقع التغييروالفناء في التركيب الأول للاختلاف وعدم ذلك في الثاني للاتفاق. وقد قال بعض الأولين: التفصيل والتقطيع في هذا العمل حياة وبقاء والتركيب موتٌ وفناءٌ. وهذا الكلام دقيق المعنى لأن الحكيم أراد بقوله: حياة وبقاء خروجه من العدم إلى الوجود لآنه ما دام على تركيبه الأول فهو فان لا محالة فإذا ركب التركيب الثاني عدم الفناء. والتركيب الثاني لا يكون إلا بعد التفصيل والتقطيع. فإذا التفصيل والتقطيع في هذ العمل خاصة. فإذا بقي الجسد المحلول انبسط فيه لعدم الصورة لأنه قد صار في الجسد بمنزلة النفس التي لا صورة وقد ينبغي لك أن تعلم أن اختلاط اللطيف باللطيف أهون من اختلاط الغليظ بالغليظ وإنما أريد بذلك التشاكل في الأرواح والأجساد لأن الأشياء تتصل بأشكالها. وذكرت لك ذلك لتعلم أن العمل أوفق وأيسر من الطبائع اللطائف الروحانية منها من الغليظة الجسمانية. وقد يتصور في العقل أن الآحجار أقوى وأصبر على النار من الآرواح كما ترى أن الذهب والحديد والنحاس أصبر على النار من الكبريت والزئبق وغيرهما من الارواح. فأقول إن الأجساد قد كانت أرواحا في بدنها فلما أصابها حر الكيان قلبها أجساداً لزجة غليظة فلم تقدر النار على أكلها لإفراط غلظها وتلزجها. فإذا أفرطت النار عليها صيرتها أرواحأ كما كانت أول خلقها. وإن تلك الأرواح اللطيفة إذا اصابتها النار أبقت ولم تقدر على البقاء عليها فينبغي لك أن تعلم ما صير الأجساد في هذه الحالة وصير الآرواح في هذا الحال فهو أجل ما تعرفه. أقول إنما أبقت تلك الأرواح لاشتعالها ولطافتها. وإنما اشتعلت لكثرة رطوبتها ولآن النار إذا أحست بالرطوبة تعلقت بها لأنها هوائية تشاكل النار ولا تزال تغتذي بها إلى أن تفنى. وكذلك الآجساد إذا أحست بوصول النار إليها لقلة تلزجها وغلظها. وإنما صارت تلك الأجساد لا تشتعل لأنها مركبة من أرض وماء صابر على النار فلطيفه متحد بكثيفه لطول الطبخ اللين المازج للأشياء. وذلك أن كل متلاش إنما يتلاشى بالنار لمفارقة لطيفه من كثيفه ودخول بعضه في بعض على غير التحليل والموافقة فصار ذلك الانضمام والتداخل مجاورةً لا ممازجةً فسهل بذلك افتراقهما كالماء والدهن وما أشبههما. وإنما وصفت ذلك لتستدل به على تركيب الطبائع وتقابلها. فإذا علمت ذلك علما شافيا فقد أخذت حظك منها. وينبغي لك أن تعلم أن الأخلاط التي هي طبائع هذه الصناعة موافقة بعضها لبعض مفصلة من جوهر واحد يجمعها نظام واحد بتدبير واحد لا يدخل عليه غريب في الجزء منه ولا في الكل كما قال الفيلسوف: إنك إذا أحكمت تدبير الطبائع وتأليفها ولم تدخل عليها غريبا فقد أحكمت ما أردت إحكامه وقوامه إذ الطبيعة واحدة لا غريب فيها فمن أدخل عليها غريبأ فقد زاغ عنها ووقع في الخطإ. واعلم أن هذه الطبيعة إذا حل بها جسد من قرائنها على ما ينبغي في الحل حتى يشاكلها في الرقة واللطافة انبسطت فيه وجرت معه حيثما جرى لأن الأجساد ما دامت غليظة جافية لا تنبسط ولا تتزاوج وحل الأجساد لا يكون بغير الآرواح. فافهم هداك الله هذا القول. واعلم هداك الله ان هذا الحل في جسد الحيوان هو الحق الذي لا يضمحل ولا ينتقض وهو الذي يقلب الطبائع ويمسكها ويظهر لها ألوانأ وأزهارا عجيبة. وليس كل جسد يحل خلاف هذا هو الحل التام لأنه مخالف للحياة وإنما حله بما يوافقه ويدفع عنه حرق النار حتى يزول عن الغلظ وتنقلب الطبائع عن حالاتها إلى ما لها أن تنقلب من اللطافة والغلظ. فإذا بلغت الأجساد نهايتها من التحليل والتلطيف ظهرت لها هنالك قوة تمسك وتغوص وتقلب وتنفذ. وكل عمل لا يرى له مصداق فى أوله فلا خيرفيه. واعلم أن البارد من الطبائع هو ييبس الأشياء ويعقد رطوبتها والحار منها يظهر رطوبتها ويعقد يبسها وإنما أفردت الحر والبرد لآنهما فاعلان والرطوبة واليبس منفعلان وعلى انفعال كل واحد منهما لصاحبه تحدث الآجسام وتتكون وإن كان الحر أكثر فعلاً في ذلك من البرد لأن البرد ليس له نقل الآشياء ولا تحركها والحر هو علة الحركة. ومتى ضعفت علة الكون وهو الحرارة لم يتم منها شيء أبداً كما أنه إذا أفرطت الحرارة على شيء ولم يكن ثم بردٌ أحرقته وأهلكته. فمن أجل هذه العلة احتيج إلى البارد في هذه الأعمال ليقوى به كل ضد على ضده ويدفع عنه حر النار. ولم يحذر الفلاسفة أكثر شيء إلا من النيران المحرقة. وأمرت بتطهير الطبائع والأنفاس وإخراج دنسها ورطوبتها ونفى آفاتها وأوساخها عنها وعلى ذلك استقام رأيهم وتدبيرهم فإنما عملهم إنما هو مع النار أولاً وإليها يصير آخراً فلذلك قالوا: إياكم! والنيران المحرقات وإنما أرادوا بذلك نفي الآفات التي معها فتجمع على الجسد آفتين فتكون أسرع لهلاكه. وكذلك كل شىء إنما يتلاشى ويفسد من ذاته لتضاد طبائعه واخلافه فيتوسط بين شيئين فلم يجد ما يقويه ويعينه إلا قهرته الآفة وأهلكته. واعلم أن الحكماء كلها ذكرت ترداد الأرواح على الأجساد مرارا ليكون ألزم إليها وأقوى على قتال النار إذا هي باشرتها عند الألفة أعني بذلك النار العنصرية فاعلمه. ولنقل الآن على الحجر الذي يمكن منه العمل على ما ذكرته الفلاسفة فقد اختلفوا فيه. فمنهم من زعم أنه في الحيوان ومنهم من زعم أنه في النبات ومنهم من زعم أنه في المعادن ومنهم من زعم أنه في الجميع. وهذه الدعاوى ليست بنا حاجة إلى استقصائها ومناظرة أهلها عليها لأن الكلام يطول جدا. وقد قلت فيما تقدم: إن العمل يكون في كل شيء بالقوة لأن الطبائع موجودة في كل شيء فهوكذلك فنريد أن تعلم من أي شي يكون العمل بالقوة والفعل فنقصد إلى ما قاله الحراني إن الصبغ كله احد صبغين: إما صبغ جسد كالزعفران في الثوب الأبيض حتى يحول فيه وهو مضمحل منتقض التركيب والصبغ الثاني تقليب الجوهرمن جوهر نفسه إلى جوهر غيره ولونه كتقليب الشجر بل التراب إلى نفسه وقلب الحيوان والنبات إلى نفسه حتى يصير التراب نباتأ والنبات حيوانا ولا يكون إلا بالروح الحي والكيان الفاعل الذي له توليد الأجرام وقلب الأعيان. فإذا كان هذا هكذا فنقول: إن العمل لا بد أن يكون إما في الحيوان وإما في النبات وبرهان ذلك أنهما مطبوعان على الغذاء وبه قوامهما وتمامهما. فأما النبات فليس فيه ما في الحيوان من اللطافة والقوة ولذلك قل خوض الحكماء فيه. وأما الحيوان فهو آخر الاستحالات الثلاث ونهايتها وذلك أن المعدن يستحيل نباتاً والنبات يستحيل حيواناً والحيوان لا يستحيل إلى شيء هو ألطف منه إلا أن ينعكس راجعاً إلى الغلظ وأنه أيضاً لا يوجد في العالم شيء تتعلق به الروح الحية غيره والروح ألطف ما في العالم ولم تتعلق الروح بالحيوان إلا بمشاكلته إياها. فأما الروح التي في النبات فإنها يسيرة فيها غلظ وكثافة وهي مع ذلك مستغرقة كامنة فيه لغلظها وغلظ جسد النبات فلم يقدر على الحركة لغلظه وغلظ روحه. والروح المتحركة ألطف من الروح الكامنة كثيراً وذلك أن المتحركة لها قبول الغذاء والتنقل والتنفس وليس للكامنة غيرقبول الغذاء وحده. ولا تجري إذا قيست بالروح الحية إلا كالأرض عند الماء. كذلك النبات عند الحيوان فالعمل في الحيوان أعلى وأرفع وأهون وأيسر. فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يجرب ما كان سهلا ويترك ما يخشى فيه عسراً. واعلم أن الحيوان عند الحكماء ينقسم أقساماً من الآمهات التي هي الطبائع والحديثة التي هي المواليد وهذا معروث متيسر الفهم. فلذلك قسمت الحكماء العناصر والمواليد أقساماً حيةً وأقساماً ميتةً فجعلوا كل متحرك فاعلًا حياً وكل ساكن مفعولاً ميتاً. وقسموا ذلك في جميع الأشياء وفي الأجساد الذائبة وفي العقاقير المعدنية فسموا كل شيء يذوب في النارويطير ويشتعل حياً وما كان على خلاف ذلك سموه ميتا. فأما الحيوان والنبات فسموا كل ما انفصل منها طبائع أربعاً حياً وما لم ينفصل سموه ميتاً ثم إنهم طلبوا جميع الأقسام الحية. فلم يجدوا لوفق هذه الصناعة مما ينفصل فصولًا أربعةً ظاهرةً للعيان ولم يجدوا غير الحجر الذي في الحيوان فبحثوا عن جنسه حتى عرفوه وأخذوه ودبروه فتكيف لهم منه الذي أرادوا. وقد يتكيف مثل هذا في المعادن والنبات بعد جمع العقاقير وخلطها ثم تفصل بعد ذلك. فأما النبات فمنه ما ينفصل ببعض هذه الفصول مثل الآشنان وأما المعادن ففيها أجساد وأرواح وأنفاس إذا مزجت ودبرت كان منها ما له تأثير. وقد دبرنا كل ذلك فكان الحيوان منها أعلى وأرفع وتدبيره أسهل وأيسر. فينبغي لك أن تعلم ما هو الحجر الموجود في الحيوان وطريق وجوده. إنا بينا أن الحيوان أرفع المواليد وكذا ما تركب منه فهو ألطف منه كالنبات من الأرض. وإنما كان النبات ألطف من الآرض لأنه إنما يكون من جوهره الصافي وجسمه اللطيف فوجب له بذلك اللطافة والرقة. وكذا هذا الحجر الحيواني بمنزلة النبات في التراب. وبالجملة فإنه ليس في الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعاً غيره. فافهم هذا القول فإنه لا يكاد يخفى إلا على جاهل بين الجهالة ومن لا عقل له. فقد أخبرتك ماهية هذا الحجر وأعلمتك وأنا أبين لك وجوه تدابيره حتى يكمل الذي شرطناه على أنفسنا من الإنصاف إن شاء الله سبحانه. التدبير على بركة الله: خذ الحجر الكريم فأودعه القرعة والإنبيق وفصل طبائعه الأربع التي هي النار والهواء والأرض والماء وهي الجسد والروح والنفس والصبغ. فإذا عزلت الماء عن التراب والهواء عن النار فارفع كل واحد في إنائه على حدة وخذ الهابط أسفل الإناء وهو الثفل فاغسله بالنار الحارة حتى تذهب النار عنه سواده ويزول غلظه وجفاؤه وبيضه تبييضاً محكماً وطير عنه فضول الرطوبات المستجنة فيه فإنه يصير عند ذلك ماء أبيض لا ظلمة فيه ولا وسخ ولا تضاد. ثم اعمد إلى تلك الطبائع الاول الصاعدة منه فطهرها أيضاً من السواد والتضاد وكرر عليها الغسل والتصعيد حتى تلطف وترق وتصفو. فإذا فعلت ذلك فقد فتح الله عليك فابدأ بالتركيب الذي عليه مدار العمل. وذلك أن التركيب لا يكون إلا بالتزويج والتعفين: فأما التزويج فهو اختلاط اللطيف بالغليظ وأما التعفين فهو التمشية والسحق حتى يختلط بعضه ويصير شيئاً واحداً لا اختلاف فيه ولا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء. فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللطيف وتقوى الروح على مقابلة النار وتصبر عليها وتقوى النفس على الغوص في الأجساد والدبيب فيها. وإنما وجد ذلك بعد التركيب لأن الجسد المحلول لما ازدوج بالروح مازجه بجميع أجزائه ودخل بعضها في بعض لتشاكلها فصار شيئاً واحداً ووجب من ذلك أن يعرض للروح من الصلاح والفساد والبقاء والثبوت ما يعرض وكذلك النفس إذا امتزجت بهما ودخلت فيهما بخدمة التدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الآخرين أعني الروح والجسد وصارت هي وهما شيئاً واحداً لا اختلاف فيه بمنزلة الجزء الكلي الذي سلمت طبائعه واتفقت أجزاؤه. فإذا لقي هذا المركب الجسد المحلول وألح عليه النار وأظهر ما فيه من الرطوبة على وجهه ذاب في الجسد المحلول. ومن شأن الرطوبة الاشتعال وتعلق النار بها فإذا أرادت النار التعلق بها منعها من الأتحاد بالنفس ممازجة الماء لها. فإن النار لا تتحد بالذهن حتى يكون خالصاً. وكذلك الماء من شأنه النفور من النار. فإذا ألحت عليه النار وأرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه فمنعه من الطيران فكان الجسد علة لإمساك الماء والماء علة لبقاء الذهن والدهن علة لثبات الصبغ والصبغ علة لظهور الدهن وإظهار الدهنية في الأشياء المظلمة التي لا نور لها ولا حياة فيها. فهذا هو الجسد المستقيم وهكذا يكون العمل. وهذه التصفية التي سألت عنها وهي التي سمتها الحكماء بيضة وإياها يعنون لا بيضة الدجاج. واعلم أن الحكماء لم تسمها بهذا الاسم لغير معنى بل اشبهتها. ولقد سألت مسلمة عن ذلك يوماً وليس عنده غيري فقلت له: أيها الحكيم الفاضل أخبرني لأي شيء سمت الحكماء مركب الحيوان بيضة أختياراً منهم لذلك أم لمعنى دعاهم إليه فقال: بل لمعنى غامض! فقلت: ايها الحكيم وما ظهر لهم من ذلك من المنفعة والاستدلال على الصناعة حتى شبهوها وسموها بيضة فقال لشبهها وقرابتها من المركب ففكر فيه فإنه سيظهر لك معناه. فبقيت بين يديه مفكراً لا أقدر على الوصول إلى معناه. فلما رأى ما بي من المكر وأن نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي وهزني هزة خفيفة وقال لي: يا أبا بكر ذلك للنسبة التي بينهما في كمية الألوان عند امتزاج الطبائع وتأليفها. فلما قال ذلك انجلت عني الظلمة وأضاء لي نور قلبي وقوي عقلي على فهمه. فنهضت شاكراً لله عليه إلى منزلي وأقمت على ذلك شكلاً هندسياً يبرهن به على صحة ما قاله مسلمة. وأنا واضعه لك في هذا الكتاب. مثال ذلك أن المركب إذا تم وكمل كان نسبة ما فيه من طبيعة الهواء إلى ما في البيضة من طبيعة الهواء كنسبة ما في المركب من طبيعة النار إلى ما في البيضة من طبيعة النار وكذلك الطبيعتان الآخريان: الأرض والماء فأقول: إن كل شيئين متناسبين على هذه الصفة فهما متشابهان. ومثال ذلك أن تجعل لسطح البيضة هزوح فإذا أردنا ذلك فإنا نأخد أقل طبائع المركب وهي طبيعة اليبوسة ونضيف إليها مثلها من طبيعة الرطوبة وندبرهما حتى تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة وتقبل قوتها. وكأن في هذا الكلام رمزاً ولكنه لا يخفى عليك. ثم تحمل عليهما جميعاً مثليهما من الروح وهو الماء فيكون الجميع ستة أمثال ثم تحمل على الجميع بعد التدبير مثلاً من طبيعة الهواء التي هي النفس وذلك ثلاثة أجزاء فيكون الجميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوة. وتجعل تحت كل ضلعين من المركب الذي طبيعته محيطة بسطح المركب طبيعتين فتجعل أولاً الضلعين المحيطين بسطحه طبيعة الماء وطبعة الهواء وهما ضلعا " ا ح د " وسطح أبجد وكذلك الضلعان المحيطان بسطح البيضة اللذان هما الماء والهواء ضلعا هزوح فأقول: إن سطح أبجد يشبه سطح هزوح طبيعة الهواء التي تسمى نفساً وكذلك " بج " من سطح المركب. والحكماء لم تسم شيئاً باسم شيء إلا لشبهه به. والكلمات التي سألت عن شرحها الأرض المقدسة وهي المنعقدة من الطبائع العلوية والسفلية. والنحاس هو الذي أخرج سواده وقطع حتى صار هباء ثم حمر بالزاج حتى صار نحاسياً والمغنيسيا حجرهم الذي تجمد فيه الأرواح. وتخرجه الطبيعة العلوية التي تستجن فيها الأرواح لتقابل عليها النار والفرفرة لون أحمر فإن يحدثه الكيان. والرصاص حجر ثلاث قوى مختلفة الشخوض ولكنها متشاكلة ومتجانسة. فالواحدة روحانية نيرة صافية وهي الفاعلة والثانية نفسانية وهي متحركة حساسة غير أنها أغلظ من الأولى ومركزها دون مركز الأولى والثالثة قوة أرضية حاسة قابضة منعكسة إلى مركز الأرض لثقلها وهي الماسكة الروحانية والنفسانية جميعاً والمحيطة بهما. وأما سائر الباقية فمبتدعة ومخترعة إلباساً على الجاهل ومن عرف المقدمات استغنى عن غيرها. فهذا جميع انتهى كلام ابن بشرون وهو من كبار تلاميذ مسلمة المجريطي شيخ الأندلس في علوم الكيميا والسيمياء والسحر في القرن الثالث وما بعده. وانت ترى كيف صرف ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الرمز والألغاز التي لا تكاد تبين ولا تعرف وذلك دليل على أنها ليست بصناعة طبيعية. والذي يجب أن يعتقد في أمر الكيمياء وهو الحق الذي يعضده الواقع أنها من جنس آثار النفوس الروحانية وتصرفها في عالم الطبيعة: إما من نوع الكرامة إن كانت النفوس خيرة أو من نوع السحر إن كانت النفوس شريرة فاجرة. فأما الكرامة فظاهرة وأما السحر فلأن الساحر كما ثبت في مكان تحقيقه يقلب الأعيان المادية بقوته السحرية. ولا بد له مع ذلك عندهم من مادة يقع فعله السحري فيها كتخليق بعض الحيوانات من مادة التراب أو الشجر والنبات وبالجملة من غير مادتها المخصوصة بها كما وقع لسحرة فرعون في الحبال والعصي وكما ينقل عن سحرة السودان والهنود في قاصية الجنوب والترك في قاصية الشمال أنهم يسحرون الجو للأمطار وغير ذلك. ولما كانت هذه تخليقاً للذهب في غير مادته الخاصة به كان من قبيل السحر والمتكلمون فيه من أعلام الحكماء مثل جابر ومسلمة. ومن كان قبلهم من حكماء الأمم إنما نحوا هذا المنحى ولهذا كان كلامهم فيه ألغازاً حذراً عليها من إنكار الشرائع على السحر وأنواعه لا أن ذلك يرجع إلى الصنانة بها كما هو رأي من لم يذهب إلى التحقيق في ذلك. وانظر كيف سمى مسلمة كتابه فيها رتبة الحكيم وسمى كتابه في السحر والطلسمات غاية الحكيم إشارة إلى عموم موضوع الغاية وخصوص موضوع هذه لأن الغاية أعلى من الرتبة فكان مسائل الرتبة بعض من مسائل الغاية وتشاركها في الموضوعات. ومن كلامه في الفنين يتبين ما قلناه ونحن نبين فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا الأمر بالصناعة الطبيعية. والله العليم الخبير. |
الفصل الحادي والثلاثون في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
هذا الفصل ومابعده مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن. وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها. وذلك أن قوماً من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وماوراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل. وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانوناً يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق. ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولاً صوراً منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع. وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل. ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معان أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معان أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانياً إن شاركها غيرها وثالثاً إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية. وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني. فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصوراً صحيحاً مطابقاً إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر. وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية الطلب الإدراكي وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو. ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها ما في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين. وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولاً: على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس ثم ترقى إدراكهم قليلاً فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس بالحيوانات ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل. ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية. ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل وواحد أول مفرد وهو العاشر. ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالفضائل وأن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وأن ذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة وأن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم. وإمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر ويسمونه: المعلم الأول على الإطلاق يعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة. وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها. ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات. ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رايه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة وأبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما. واعلم أن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه. فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفاؤهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقاً من ذلك " ويخلق ما لا تعلمون " وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء. وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضونها على معيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض. أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقيني لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة والموجودات الخارجية متشخصة بموادها. ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي الفهم إلا ما يشهد له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضاً في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينياً بمثابة المحسوسات. إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك. إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في دينا ولا معاشنا فوجب علينا تركها. وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأساً ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لنا. ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصاً في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه. وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية. وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق والأولى يعني الظن. وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط فيكفينا الظن الذي كان أولاً فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحس من الموجودات وهذه هي غاية الأفكار الإنسانية عندهم. وأما قولهم إن السعادة في إدراك الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزأين: أحدهما جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزأين مدارك مختضة به والمرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلأ أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس. وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه. واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الابتهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ. فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة. والمتصوفة كثيراً ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس بحصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة إماتة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبرعنها. وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم. فأما قولهم: إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر. ونحن نقول إن أول شيء نعنى به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له قادحة فيه. وتجد الماهر منهم عاكفاً على كتاب الشفاء والإشادات والنجاة وتلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك من الموانع عنها. ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة. والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده. وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس. وأما قولهم: إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضاً لأنا إنما تبين لنا بما قرروه أن وراء الحس مدركاً آخر للنفس من غير واسطة وأنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجاً شديداً وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة. وأما قولهم: إن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفى إدراكه بجملته روحانياً أو جسمانياً. والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكاً ذاتياً له مختصاً بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجاً شديداً كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشوئه. ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا بها الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون. وأما قولهم: إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية وألوانها. وقد بينا أن أثر السعادة والشقاوة من وراء الإدراكات الجسمانية والروحانية. فهذا التهذيب الذي توصلوا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين. وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا بها الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأمر لا يحيط به مدارك المدركين. وقد تنبه لذلك زعيمهم أبو علي ابن سينا فقال في كتاب المبدإ والمعاد ما معناه: إن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة فلنا في البراهين عليه سعة. وأما المعاد الجسماني وأحواله فلا يمكن إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها. فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها. وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين. وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيراً ما يستعملونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكة الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار. هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت. فليكن الناظر فيها متحرزاً جهده من معاطبها وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها. والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه. وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. |
الفصل الثاني والثلاثون في إبطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها
هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات قي عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة. فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية. فالمتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها بالتجربة وهو أمر تقصر الأعمار كلها لو اجتمعت عن تحصيله إذ التجربة إنما تحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم والظن. وأدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن فيحتاج تكرره إلى آماد وأحقاب متطاولة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم. وربما ذهب ضعفاء منهم إلى أن معرفة قوى ومن أوضح الأدلة فيه أن تعلم أن الأنبياء عليهم الضلاة والسلام أبعد الناس عن الصنائع وأنهم لا يتعرضون للأخبار عن الغيب إلأ أن يكون عن الله فكيف يدعون استنباطه بالصناعة ويشيرون بذلك لتابعيهم من الطق. وأما بطليموس ومن تبعه من المتأخرين فيرون أن دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية قال لأن فعل النيرين وأثرهما في العنصريات ظاهر لا يسع أحداً جحده مثل فعل الشمس في تبدل الفصول وأمزجتها ونضج الثمار والزرع وغير ذلك وفعل القمر في الرطوبات والماء وإنضاج المواد المتعفنة وفواكه القناء وسائر أفعاله. ثم قال: ولنا فيما بعدهما من الكواكب طريقتان: الأولى التقليد لمن نقل ذلك عنه من أئمة الصناعة إلا أنه غير مقنع للنفس. والثانية الحدس والتجربة بقياس كل واحد منها إلى النير الأعظم الذي عرفنا طبيعته وأثره معرفة ظاهرة فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القرآن في قوته ومزاجه فتعرف موافقته له في الطبيعة أو ينقص عنها فتعرف مضادته. ثم إذا عرفنا قواها مفرعة عرفناها مركبة وذلك عند تناظرها بأشكال التثليث والتربيع وغيرهما ومعرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقياس أيضاً إلى النير الأعظم. وإذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة في الهواء وذلك ظاهر. والمزاج الذي يحصل منها للهواء يحصل لما تحتها من المولدات وتتخلق به النطف والبزر فتصير حالاً للبدن المتكون عنها وللنفس المتعلقة به الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه ولما يتبع النفس والبدن من الأحوال لأن كيفيات البزرة والنطفة كيفيات لما يتولد عنهما وينشأ منهما. قال وهو مع ذلك ظني وليس من اليقين في شيء وليس هو أيضاً من القضاء الإلهي يعني القدر إنما هو من جملة الأسباب الطبيعية للكائن والقضاء الإلهي سابق على كل شيء. هذا محصل كلام بطليموس وأصحابه وهو منصوص في كتابه الأربع وغيره. ومنه يتبين ضعف مدرك هذه الصناعة. وذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل والقابل والصورة والغاية على ما تبين في موضعه. والقوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعلة فقط والجزء العنصري هو القابل. ثم إن القوى النجومية ليست هى الفاعل بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل قوة التوليد للأب والنوع التي في النطفة وقوى الخاصة التي تميز بها صنف صنف من النوع وغير ذلك. فالقوى النجومية إذا حصل كمالها وحصل العلم فيها إنما هي فاعل واحد من جملة الأسباب الفاعلة للكائن. ثم إنه يشترط مع العلم بقوى النجوم وتأثيراتها مزيد حدس وتخمين وحينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن. والحدس والتخمين قوى للناظر في فكره وليس من علل الكائن ولا من أصول الصناعة فإذا فقد هذا الحدس والتخمين رجعت أدراجها عن الظن إلى الشك. هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على سداده ولم تعترضه آفة وهذا معوز لما فيه من معرفة حسبانات الكواكب في سيرها لتتعرف به أوضاعها ولما أن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه. ومدرك بطليموس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى من الكواكب ومستولية عليها فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال وهذه كلها قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة. ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله بطريق استدلالي كما رأيته. واحتج له أهل علم الكلام بما هو غني عن البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية والعقل متهم على ما يقضي به فيما يظهر بادئ الرأي من التأثير فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف. والقدرة الإلهية رابطة بينهما كما ربطت جميع الكائنات علواً وسفلاً سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى ويبرأ مما سوى ذلك. والنبوات أيضاً منكرة لشأن النجوم وتأثيراتها. واستقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله: " إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته " وفي قوله: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي. فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب " الحديث الصحيح. فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع ما لها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقاً لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيتي فيلهبج بذلك من لا معرفة له ويظن اطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك. فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها. ثم ما ينشأ عنها كثيراً في الدول من توقع القواطع وما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول الأعداء المتربصين بالدولة إلى الفتك والثورة. وقد شاهدنا من ذلك كثيراً فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضار في الدين والدول ولا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعياً للبشر بمقتضى مداركهم وعلومهم. فالخير والشر طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما وإنما يتعلق التكليف بأسباب حصولهما فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه ودفع أسباب الشر والمضار. هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هذا العلم ومضاره. وليعلم من ذلك أنها وإن كانت صحيحة في نفسها فلا يمكن أحداً من أهل الملة تحصيل علمها ولا ملكتها بل إن نظر فيها ناظر وظن الإحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الأمر. فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها والتحليق لتعليمها وصار المولع بها من الناس وهم الأقل وأقل من الأقل إنما يطالع كتبها ومقالاتها في كسر بيته متستراً عن الناس وتحت ربقة الجمهور مع تشعب الصناعة وكثرة فروعها واعتياصها على الفهم فكيف يحصل منها على طائل. ونحن نجد الفقه الذي عم نفعه ديناً ودنيا وسهلت مآخذه من الكتاب والسنة وعكف الجمهورعلى قراءته وتعليمه ثم بعد التحقيق والتجميع وطول المدارسة وكثرة المجالس وتعددها إنما يحذق فيه الواحد بعد الواحد في الأعصار والأجيال. فكيف يعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الحظر والتحريم مكتوم عن الجمهور صعب المآخذ محتاج بعد الممارسة والتحصيل لأصوله وفروعه إلى مزيد حدس وتخمين يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل والحذق فيه مع هذه كلها. ومدعي ذلك من الناس مردود على عقبه ولا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة وقلة حملته فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه. والله أعلم بالغيب فلا يظهر على غيبه أحداً. ومما وقع في هذا المعنى لبعض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن وحاصروه بالقيروان وكثر إرجاف الفريقين الأولياء والأعداء وقال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس: أستغفر الله كل حين قد ذهب العيش والهناء أصبح في تونس وأمسي والصبح لله والمساء الخوف والجوع والمنايا يحدثها الهرج والوباء والناس في مرية وحرب وماعسى ينفغ المراء فأحمدي يرى علياً حل به الهلك والتواء وآخر قال سوف يأتي به إليكم صباً رخاء والله من فوق ذا وهذا يقضي لعبديه مايشاء ياراصد الخنس الجواري ما فعلت هذه السماء مطلتمونا وقد زعمتم أنكم اليوم أملياء مر خميس على خميس وجاء سبت وأربعاء ونصف شهر وعشر ثان وثالث ضمه القضاء رضيت بالله لي إلهاً حسبكم البدر أو ذكاء ما هذه الأنجم السواري إلا عباديد أو إماء يقضى عليها وليس تقضي ومالها في الورى اقتضاء ضلت عقول ترى قديماً ما شأنه الجرم والفناء وحكمت فى الوجود طبعاً يحدثه الماء والهواء لم تر حلواً إزاء مر تغذ وهمو تربة وماء الله ربي ولست أدري ما الجوهر الفرد والخلاء ولا الهيولى التي تنادي ما لي عن صورة عراء ولا وجود ولا انعدام ولا ثبوت ولا انتفاء ولست أدري ما الكسب إلا ما جلب البيع والشراء وإنما مذهبي وديني ما كان والناس أولياء إذ لا فصول ولا أصول ولا جدال ولا ارتياء أنا أجزي بالشر شراً والخير عن مثله جزاء وإنني إن أكن مطيعاً فلست أعصي ولي رجاء وإنني تحت حكم بار أطاعه العرش والثراء ليس انتصار لكم ولكن أتاحه الحكم والقضاء لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء |
الفصل الثالث والثلاثون في إنكار ثمرة الكيمياء واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها
اعلم أن كثيراً من العاجزين عن معاشهم تحملهم المطامع على انتحال هذه الصنائع ويرون أنها أحد مذاهب المعاش ووجوهه وأن اقتناء المال منها أيسر وأسهل على مبتغيه فيرتكبون فيها من المتاعب والمشاق ومعاناة الصعاب وعسف الحكام وخسارة الأموال في النفقات زيادة على النيل من غرضه والعطب آخراً إذا ظهر على خيبة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وإنما أطعمهم في ذلك رؤية أن المعادن تستحيل وينقلب بعضها إلى بعض للمادة المشتركة فيحاولون بالعلاج صيرورة الفضة ذهباً والنحاس والقصدير فضة ويحسبون أنها من ممكنات عالم الطبيعة ولهم في علاج ذلك طرق مختلفة لاختلاف مذاهبهم في التدبير وصورته وفي المادة الموضوعة عندهم للعلاج المسماة عندهم بالجحر المكرم هل هي العذرة أو الدم أو الشعر أو البيض أو كذا أو كذا مما سوى ذلك. وجملة التدبير عندهم بعد تعين المادة أن تمهى بالفهر على حجر صلد أملس وتسقى أثناء إمهائها بالماء بعد أن يضاف إليها من العقاقير والأدوية ما يناسب القصد منها ويؤثر في انقلابها إلى المعدن المطلوب. ثم تجفف بالشمس من بعد السقي أو تطبخ بالنار أو تصعد أو تكلس لاستخراح مائها أو ترابها. فإذا رضي بذلك كله من علاجها وتم تدبيره على ما اقتضته أصول صنعته حصل من ذلك كله تراب أو مائع يسمونه الإكسير ويزعمون أنه إذا القي على الفضة المحماة بالنار عادت ذهباً أو النحاس المحمى بالنار عاد فضة على حسب ما قصد به في عمله. ويزعم المحققون منهم أن ذلك الإكسير مادة مركبة من العناصر الأربعة حصل فيها بذلك العلاج الخاص والتدبير مزاج ذو قوى طبيعية تصرف ما حصلت فيه إليها وتقلبه إلى صورتها ومزاجها وثبت فيه ما حصل فيها من الكيفيات والقوى كالخميرة للخبز تقلب العجين إلى ذاتها وتعمل فيه ما حصل لها من الانفشاش والهشاشة ليحسن هضمه في المعدة ويستحيل سريعاً إلى الغذاء. وكذا إكسير الذهب والفضة فيما يحصل فيه من المعان يصرفه إليهما ويقلبة إلى صورتهما. هذا محصل زعمهم على الجملة فتجدهم عاكفين على هذا العلاج يبتغون الرزق والمعاش فيه ويتناقلون أحكامه وقواعده من كتب لأئمة الصناعة من قبلهم يتداولونها بينهم ويتناظرون في فهم لغوزها وكشف أسرارها إذ هي في الأكثر تشبه المعمى. كتأليف جابر بن حيان في رسائله السبعين ومسلمة المجريطي في كتابه رتبة الحكيم والطغرائي والمغيربي في قصائده العريقة في إجادة النظم وأمثالها ولا يحلون من بعد هذا كله بطائل منها. فاوضت يوماً شيخنا أبا البركات التلفيفي كبير مشيخة الأندلس في مثل ذلك ووقفته على بعض التآليف فيها فتصفحه طويلاً ثم رده إلي وقال لي وأنا الضامن له أن لا يعود إلى بيته إلا بالخيبة. ثم منهم من يقتصر في ذلك على الدلسة فقط. إما الظاهرة كتمويه الفضة بالذهب أو النحاس بالفضة أو خلطهما على نسبة جزء أو جزأين أو ثلاثة أو الخفية كإلقاء الشبه بين المعادن لصناعة مثل تبييض النحاس وتليينه بالزوق المصعد فيجيء جسماً معدنياً شبيهاً بالفضة ويخفى إلا على النقاد المهرة فيقدر أصحاب هذه الدلس مع دلستهم هذه سكة يسربونها في الناس ويطبعونها بطابع السلطان تمويهاً على الجمهور بالخلاص وهؤلاء أخس الناس حرفة وأسؤاهم عاقبة لتلبسهم بسرقة أموال الناس فإن صاحب هذه الدلسة إنما هو يدفع نحاساً في الفضة وفضة في الذهب ليستخلصها لنفسه فهو سارق وأشر من السارق. ومعظم هذا الصنف لدينا بالمغرب من طلبة البربر المنتبذين بأطراف البقاع ومساكن الأغمار يأوون إلى مساجد البادية ويموهون على الأغنياء منهم بأن بأيديهم صناعة الذهب والفضة والنفوس مولعة بحبهما والاستهلاك في طلبهما فيحصلون من ذلك على معاش. ثم يبقى ذلك عندهم تحت الخوف والرقبة إلى أن يظهر العجز وتقع الفضيحة فيفرون إلى موضع آخر ويستجدون حالاً آخرى في استهواء بعض أهل الدنيا بأطماعهم فيما لديهم. ولا يزالون كذلك في ابتغاء معاشهم. وهذا الصنف لا كلام معهم لأنهم بلغوا الغاية في الجهل والرداءة والاحتراف بالسرقة ولا حاسم لعلتهم إلا اشتداد الحكام عليهم وتناولهم من حيث كانوا وقطع أيديهم متى ظهروا على شأنهم لأن فيه إفساداً للسكة التي تعم بها البلوى وهي متمول الناس كافة. والسلطان مكلف بإصلاحها والاحتياط عليها والاشتداد على مفسديها. وأما من انتحل هذه الصناعة ولم يرض بحال الدلسة بل استنكف عنها ونزه نفسه عن إفساد سكة المسلمين ونقودهم وإنما يطلب إحالة الفضة للذهب والرصاص والنحاس والقصدير إلى الفضة بذلك النحو مع العلاج وبالإكسير الحاصل عنده فلنا مع هؤلاء متكلم وبحث في مداركهم لذلك. مع أنا لا نعلم أن أحداً من أهل العلم تم له هذا الغرض أو حصل منه على بغية. إنما تذهب أعمارهم في التدبير والفهر والصلابة والتصعيد والتكليس واعتيام الأخطار بجمع العقاقير والبحث عنها. ويتناقلون في ذلك حكايات وقعت لغيرهم ممن تم له الغرض منها أو وقف إلى الوصول يقنعون باستماعها والمفاوضة فيها ولا يستريبون في تصديقها شأن الكلفين المغرمين بوساوس الأخبار فيما يكلفون به فإذا سئلوا عن تحقيق ذلك بالمعاينة أنكروه وقالوا إنما سمعنا ولم نر. هكذا شأنهم في كل عصر وجيل. واعلم أن انتحال هذه الصنعة قديم في العالم وقد تكلم الناس فيها من المتقدمين والمتأخرين. فلننقل مذاهبهم في ذلك ثم نتلوه بما يظهر فيها من التحقيق الذي عليه الأمر في نفسه فنقول: إن مبنى الكلام في هذه الصناعة عند الحكماء على حال المعادن السبعة المنطرقة وهي الذهب والفضة والرصاص والقصدير والنحاس والحديد والخارصين: هل هي مختلفات بالفصول وكلها أنواع قائمة بأنفسها أو أنها مختلفة بخواص من الكيفيات وهي كلها أصناف لنوع واحد فالذي ذهب إليه أبو نصر الفارابي وتابعه عليه حكماء الأندلس أنها نوع واحد وأن اختلافها إنما هو بالكيفيات من الرطوبة واليبوسة واللين والصلابة والألوان من الصفرة والبياض والسواد وهي كلها أصناف لذلك النوع الواحد. والذي ذهب إليه ابن سينا وتابعه عليه حكماء المشرق أنها مختلفة بالفصول وانها أنواع متباينة كل واحد منها قائم بنفسه متحقق بحقيقته له فصل وجنس شأن سائر الأنواع. وبنى أبو نصر الفارابي على مذهبه في اتفاقها بالنوع إمكان انقلاب بعضها إلى بعض لإمكان تبدل الأغراض حينئذ وعلاجها بالصنعة. فمن هذا الوجه كانت صناعة الكيمياء عنده ممكنة سهلة المأخد. وبنى أبو علي ابن سينا على مذهبه في اختلافها بالنوع إنكار هذه الصنعة واستحالة وجودها بناء على أن الفصل لا سبيل بالصناعة إليه وإنما يخلقه خالق الأشياء ومقدرها وهو الله عز وجل. والفصول مجهولة الحقائق رأساً بالتصور فكيف يحاول انقلابها بالصنعة. وغلطه الطغرائي من أكابر أهل هذه الصناعة في هذا القول. ورد عليه بأن التدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه إنما هو إعداد المادة لقبوله خاصة و الفصل يأتي من بعد الإعداد من لدن خالقه وبارئه كما يفيض النور على الأجسام بالصقل والإمهاء. ولا حاجة بنا في ذلك إلى تصوره ومعرفته قال: وإذا كنا قد عثرنا على تخليق بعض الحيوانات مع الجهل بفصولها مثل العقرب من التراب والنتن ومثل الحيات المتكونة من الشعر ومثل ما ذكره أصحاب الفلاحة من تكوين النحل إذا فقدت من عجاجيل البقر. وتكوين القصب من قرون ذوات الظلف وتصييره سكراً بحشو القرون بالعسل بين يدي ذلك الفلح للقرون فما المانع إذاً من العثور على مثل ذلك في الذهب والفضة فتتخذ مادة تضيفها للتدبير بعد أن يكون فيها استعداد أول لقبول صورة الذهب والفضة. ثم تحاولها بالعلاج إلى أن يتم فيها الاستعداد لقبول فصلها. انتهى كلام الطغرائي بمعناه. وهذا الذي ذكره في الرد على ابن سينا صحيح. لكن لنا في الرد على أهل هذه الصناعة مأخذاً آخر يتبين منه استحالة وجودها وبطلان مزعمهم أجمعين لا الطغرائي ولا ابن سينا. وذلك أن حاصل علاجهم أنهم بعد الوقوف على المادة المستعدة بالاستعداد الأول يجعلونها موضوعاً ويحاذون في تدبيرها وعلاجها تدبير الطبيعة في الجسم المعدني حتى إحالته ذهباً أو فضة ويضاعفون القوى الفاعلة والمنفعلة ليتم في زمان أقصر. لأنه تبين في موضعه أن مضاعفة قوة الفاعل تنقص من زمن فعله وتبين أن الذهب إنما يتم كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السنين دورة الشمس الكبرى. فإذا تضاعفت القوى والكيفيات في العلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك ضرورة على ما قلناه أو يتحرون بعلاجهم ذلك حصول صورة مزاجية لتلك المادة تصيرها كالخميرة فتفعل في الجسم المعالج الأفاعيل المطلوبة في إحالته وذلك هو الإكسير على ما تقدم. واعلم أن كل متكون من المولدات العنصرية فلا بد فيه من اجتماع العناصر الأربعة على نسبة متفاوتة إذ لو كانت متكافئة في النسبة لمأ تم امتزاجها فلا بد من الجزء الغالب على الكل. ولا بد في كل ممتزج من المولدات من حرارة غريزية هي الفاعلة لكونه الحافظة لصورته. ثم كل متكون في زمان فلا بد من اختلاف أطواره وانتقاله في زمن التكوين من طور إلى طور حتى ينتهي إلى غايته. وانظر شأن الإنسان في طور النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم التصوير ثم الجنين ثم المولود ثم الرضيع ثم ثم إلى نهايته. ونسب الأجزاء في كل طور تختلف في مقاديرها وكيفياتها وإلا لكان الطور بعينه الأول هو الآخر وكذا الحرارة الغريزية في كل طور مخالفة لها في الطور الآخر. فانظر إلى الذهب ما يكون له في معدنه من الأطوار منذ ألف سنة وثمانين وما ينتقل فيه من الأحوال فيحتاج صاحب الكيمياء إلى أن يساوق فعل الطبيعة في المعدن ويحاذيه بتدبيره وعلاجه إلى أن يتم. ومن شرط الصناعة أبداً تصور ما يقصد إليه بالصنعة. فمن الأمثال السائرة للحكماء: أول العمل آخر الفكرة وآخر الفكرة أول العمل. فلا بد من تصور هذه الحالات للذهب في أحواله المتعددة ونسبها المتفاوتة في كل طور واختلاف الحار الغريزي عند اختلافها ومقدار الزمان في كل طور وما ينوب عنه من مقدار القوى المضاعفة ويقوم مقامه حتى يحاذي بذلك كله فعل الطبيعة في المعدن أو تعد لبعض المواد صورة مزاجية تكون كصورة الخميرة للخبز وتفعل في هذه المادة بالمناسبة لقواها ومقاديرها. وهذه كلها إنما يحصرها العلم المحيط والعلوم البشرية قاصرة عن ذلك. وإنما حال من يدعي حصوله على الذهب بهذه الصنعة بمثابة من يدعي بالصنعة تخليق إنسان من المني. ونحن إذا سلمنا له الإحاطة بأجزائه ونسبته وأطواره وكيفة تخليقه في رحمه وعلم ذلك علماً محصلاً بتفاصيله حتى لا يشذ منه شيء عن علمه سألنا له تخليق هذا الإنسان وأنى له ذلك!!. ولنقرب هذا البرهان بالاختصار ليسهل فهمه فنقول: حاصل صناعة الكيمياء وما يدعونة بهذا التدبير أنه مساوقة الطبيعة المعدنية بالفعل إلى الصناعي ومحاذاتها به إلى أن يتم كون الجسم المعدني أو تخليق مادة بقوى وأفعال وصورة مزاجية تفعل في الجسم فعلاً طبيعياً فتصيره وتقلبه إلى صورتها. والفعل الصناعي مسبوق بتصورات أحوال الطبيعة المعدنية التي يقصد مساوقتها أو محاذاتها أو فعل المادة ذات القوى فيها تصوراً مفصلاً واحدة بعد أخرى. وتلك الأحوال لا نهاية لها والعلم البشري عاجز عن الإحاطة بما دونها وهو بمثابة من يقصد تخليق إنسان أو حيوان أو نبات. هذا محصل هذا البرهان وهو أوثق ما علمته وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول كما رأيته ولا من الطبيعة إنما هو من تعذر الإحاطة وقصور البشر عنها. وما ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك وله وجه آخر في الاستحالة من جهة غايته. وذلك أن حكمة الله في الحجرين وندورهما أنهما قيم لمكاسب الناس ومتمولاتهم. فلو حصل عليهما بالصنعة لبطلت حكمة الله في ذلك وكثر وجودهما حتى لا يحصل أحد من اقتنائهما على شيء. وله وجه آخر من الاستحالة أيضاً وهو أن الطبيعة لا تترك أقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأعوص والأبعد. فلو كان هذا الطريق الصناعي الذي يزعمون أنه صحيح وأنه أقرب من طريق الطبيعة في معدنها وأقل زماناً لما تركته الطبيعة إلى طريقها الذي سلكته في كون الفضة والذهب وتخلقهما. وأما تشبيه الطغرائي هذا التدبير بما عثر عليه من مفردات مثاله في الطبيعة كالعقرب والنحل والحية وتخليقها فأمر صحيح في هذه أدى إليه العثور كما زعم. وأما الكيمياء فلم ينقل عن أحد من أهل العلم أنه عثر عليها ولا على طريقها وما زال منتحلوها يخبطون فيها خبط عشواء إلى هلم جرا ولا يظفرون إلا بالحكايات الكاذبة. ولو صح ذلك لأحد منهم لحفظه عنه أولاده أو تلميذه وأصحابه وتنوقل في الأصدقاء وضمن تصديقه صحة العمل بعده إلى أن ينتشر ويبلغ إلينا أو إلى غيرنا وأما قولهم إن الإكسير بمثابة الخميرة وأنه مركب يحيل ما يحصل فيه ويقلبه إلى ذلك فاعلم أن الخميرة إنما تقلب العجين وتعده للهضم وهو فساد والفساد في المواد سهل يقع بأيسر شيء من الأفعال والطبائع. والمطلوب بالإكسير قلب المعدن إلى ما هو أشرف منه وأعلى فهو تكوين وصلاح والتكوين أصعب من الفساد فلا يقاس الإكسير بالخميرة. وتحقيق الأمر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون فيها مثل جابر بن حيان ومسلمة بن أحمد المجريطي وأمثالهم فليست من باب الصنائع الطبيعية ولا تتم بأمر صناعي. وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية وسائر الخوارق وما كان من ذلك للحلاج وغيره وقد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبه ذلك. وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى. وهذا كلام جابر في رسائله. ونحو كلامهم فيه معروف ولا حاجة بنا إلى شرحه. وبالجملة فأمرها عندهم من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع. فكما لا يتدبر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشباً أو حيواناً فيما عدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبر ذهب من مادة الذهب في يوم ولا شهر ولا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد مما وراء عالم الطبائع وعمل الصنائع فكذلك من طلب الكيمياء طلباً صناعياً ضيع ماله وعمله. ويقال لهذا التدبير الصناعي التدبير العقيم لأن نيله إن كان صحيحاً فهو واقع مما وراء الطبائع والصنائع فهو كالمشي على الماء وامتطاء الهواء والنفوذ في كثائف الأجساد ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء. قال تعالى: " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني "!. وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها. فربما أوتيها الصالح ويؤتيها غيره فتكون عنده معارة. وربما أوتيها الصالح ولا يملك إيتاءها فلا تتم في يد غيره. ومن هذا الباب يكون عملها سحرياً فقد تبين أنها إنما تقغ بتأثير النفوس وخوارق العادة إما معجزة أو كرامة أو سحراً. ولهذا كان كلام الحكماء كلهم فيها ألغازاً لا يظفر بحقيقته إلا من خاض لجة من علم السحر واطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة. وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها. والله بما يعملون محيط. وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة وانتحالها هو كما قلناه العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة والتجارة والصناعة فيستصحب العاجز ابتغاءه من هذه ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء وغيرها. وأكثر من يعنى بذلك الفقراء من أهل العمران. وللناس أقوال كثيرة - حتى في الحكماء المتكلمين في إنكارها واستحالتها. فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان علية الوزراء فكان من أهل الغنى والثروة والفارابي القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش وأسبابه. وهذه تهمة ظاهرة في أنظار النفرس المولعة بطرقها وانتحالها. والله الرزاق |
الفصل الرابع والثلاثون في أن كثرة التآليف في العلوم
عائقة عن التحصيل اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم وتعدد طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذ يسلم له منصب التحصيل فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها. ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها فيقع القصور ولا بد دون رتبة التحصيل. ويمثل ذلك من شأن الفقه في المذهب المالكي بالكتب المدونة مثلاً وما كتب عليها من الشروحات الفقهية مثل كتاب ابن يونس واللخمي وابن بشير والتنبيهات والمقدمات والبيان والتحصيل على العتبية وكذلك كتاب ابن الحاجب وما كتب عليه. ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله وحينئذ يسلم له منصب الفتيا وهي كلها متكررة والمعنى واحد. والمتعلم مطالب باستحضار جميعها وتمييز ما بينها والعمر ينقضي في واحد منها. ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك بكثير وكان التعليم سهلاً ومأخذه قريباً ولكنه داء لا يرتفع لاستقرار العوائد عليه فصارت كالطبيعة التي لا يمكن نقلها ولا تحويلها. ويمثل أيضاً علم العربية من كتاب سيبويه وجميع ما كتب عليه وطرق البصريين والكوفيين والبغداديين والأندلسيين من بعدهم وطرق المتقدمين والمتأخرين مثل ابن الحاجب وابن مالك وجميع ما كتب في ذلك. وكيف يطالب به المتعلم وينقضي عمره دونه ولا يطمع أحد في الغاية منه إلا في القليل النادر مثل ما وصل إلينا بالمغرب لهذا العهد من تآليف رجل من أهل صناعة العربية من أهل مصر يعرف بابن هشام ظهر من كلامه فيها أنه استولى على غاية من ملكة تلك الصناعة لم تحصل إلا لسيبويه وابن جني وأهل طبقتهما لعظم ملكته وما أحاط به من أصول ذلك الفن وتفاريعه وحسن تصرفه فيه. ودل ذلك على أن الفضل ليس منحصراً في المتقدمين سيما مع ما قدمناه من كثرة الشواغب بتعدد المذاهب والطرق والتآليف ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء. وهذا نادر من نوادر الوجود وإلا فالظاهر أن المتعلم ولو قطع عمره في هذا كله فلا يفي له بتحصيل علم العربية مثلاً الذي هو آلة من الآلات ووسيلة فكيف يكون في المقصود الذي هو الثمرة ولكن الله يهدي من يشاء. في المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف وإلغاء ما سواها اعلم أن العلوم البشرية خزانتها النفس الإنسانية بما جعل الله فيها من الإدراك الذي يفيدها ذلك الفكر المحصل لها ذلك بالتصور للحقائق أولاً ثم بإثبات العوارض الذاتية لها أو نفيها عنها ثانياً إما بغير وسط أو بوسط حتى يستنتج الفكر بذلك مطالبه التي يعني بإثباتها أو نفيها. فإذا استقرت من ذلك صورة علمية في الضمير فلا بد من بيانها لآخر: إما على وجه التعليم أو على وجه المفاوضة تصقل الأفكار في تصحيحها. وذلك البيان إنما يكون بالعبارة وهي الكلام المركب من الألفاظ النطقية التي خلقها الله في عضو اللسان مركبة من الحروف وهي كيفيات الأصوات المقطعة بعضلة اللهاة واللسان ليتبين بها ضمائر المتكلمين بعضهم لبعض في مخاطباتهم وهذه رتبة أولى في البيان عما في الضمائر وإن كان معظمها وأشرفها العلوم فهي شاملة لكل ما يندرج في الضمير من خبر أو إنشاء على العموم. وبعد هذه الرتبة الأولى من البيان رتبة ثانية يؤدي بها ما في الضمير لمن توارى أو غاب شخصه وبعد أو لمن يأتي بعد ولم يعاصره ولا لقيه. وهذا البيان منحصر في الكتابة وهي رقوم باليد تدل أشكالها وصورها بالتواضع على الألفاظ النطقية حروفاً بحروف وكلمات بكلمات فصار البيان فيها على ما في الضمير بواسطة الكلام المنطقي فلهذا كانت في الرتبة الثانية واحداة فسمي هذا البيان. يدل على ما في الضمائر من العلوم والمعارف فهو أشرفها. وأهل الفنون معتنون بإيداع ما يحصل في ضمائرهم من ذلك في بطون الأوراق بهذه الكتابة لتعلم الفائدة في حصوله للغائب والمتأخر وهؤلاء هم المؤلفون. والتآليف بين العوالم البشرية والأمم الإنسانية كثير ومنتقلة في الأجيال والأعصار وتختلف باختلاف الشرائع والملل والأجيال عن الأمم والدول. وأما العلوم الفلسفية فلا اختلاف فيها لأنها إنما تأتي على نهج واحد فيما تقتضيه الطبيعة الفكرية في تصور الموجودات على ما هي عليه جسمانيها وروحانيها وفلكيها وعنصريها ومجردها ومادتها. فإن هذه العلوم لا تختلف وإنما يقع الاختلاف في العلوم الشرعية لاختلاف الملل أو التاريخية لاختلاف خارج الخبر. ثم الكتابة مختلفة باصطلاحات البشر في رسومها وأشكالها ويسمى ذلك قلماً وخطاً. فمنها الخط الحميري ويسمى المسند وهو كتابة حمير وأهل اليمن الأقدمين وهو يخالف كتابة العرب المتأخرين من مضر كما يخالف لغتهم. وإن الكل عربياً. إلا أن ملكة هؤلاء في اللسان والعبارة غير ملكة أولئك. ولكل منهما قوانين كلية مستقراة من عبارتهم غير قوانين الآخرين. وربما يغلط في ذلك من لا يعرف ملكات العبارة. ومنها الخط السرياني وهو كتابة النبط والكلدانيين. وربما يزعم بعض أهل الجهل أنه الخط الطبيعي لقدمه فإنهم كانوا أقدم الأمم وهذا وهم ومذهب عامي. لأن الأفعال الاختيارية كلها ليس شيء منها بالطبع وإنما هو يستمر بالقدم والمران حتى يصير ملكة راسخة فيظنها المشاهد طبيعية كما هو رأي كثيرمن البلداء في اللغة العربية فيقولون: العرب كانت تعرب بالطبع وتنطق بالطبع وهذا وهم. ومنها الخط العبراني الذي هو كتابة بني عابر بن شالح من بني إسرائيل وغيرهم. ومنها الخط اللطيني خط اللطينيين من الروم ولهم أيضاً لسان مختص بهم. ولكل أمة من الأمم اصطلاح في الكتاب يعزى إليها ويختص بها. مثل الترك والفرنج والهنود وغيرهم. وإنما وقعت العناية بالأقلام الثلاثة الأولى. أما السرياني فلقدمه كما ذكرنا وأما العربي والعبري فلتنزل القرآن والتوراة بهما بلسانهما. وكان هذان الخطان بياناً لمتلوهما فوقعت العناية بمنظومهما أولاً وانبسطت قوانين لاطراد العبارة في تلك اللغة على أسلوبها لتفهم الشرائع التكليفية من ذلك الكلام الرباني. وأما اللطيني فكان الروم وهم أهل ذلك اللسان لما أخذوا بدين النصرانية وهو كله من التوراة كما سبق في أول الكتاب ترجموا التوراة وكتب الأنبياء الإسرائيليين إلى لغتهم ليقتنصوا منها الأحكام على أسهل الطرق. وصارت عنايتهم بلغتهم وكتابتهم آكد من سواها. وأما الخطوط الأخرى فلم تقع بها عناية وإنما هي لكل أمة بحسب اصطلاحها. ثم إن الناس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي أولها استنباط العلم بموضرعه وتقسيم أبوابه وفصوله وتتبع مسائله أو استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقق ويحرص على إيصاله بغيره لتعم المنفعة به فيودع ذلك بالكتاب في المصحف لعل المتأخر يظهر على تلك الفائدة كما وقع في الأصول في الفقه. تكلم الشافعي أولاً في الأدلة الشرعية اللفظية ولخصها ثم جاء الحنفية فاستنبطوا مسائل القياس واستوعبوها وانتفع بذلك من بعدهم إلى الآن. وثانيها: أن يقف على كلام الأولين وتآليفهم فيجدها مستغلقة على الأفهام ويفتح الله له في فهمها فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه لتصل الفائدة لمستحقها. وهذه طريقة البيان لكتب المعقول والمنقول وهو فصل شريف. وثالثها: أن يعثر المتأخر على غلط اوخطإ في كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله وبعد في الإفادة صيته ويستوثق في ذلك بالبرهان الواضح الذي لا مدخل للشك فيه فيحرص على إيصال ذلك لمن بعده إذ قد تعذر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار وشهرة المؤلف ووثوق الناس بمعارفه فيودع ذلك الكتاب ليقف على بيان ذلك. ورابعها: أن يكون الفن الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب انقسام موضوعه فيقصد المطلع على ذلك أن يتمم ما نقص من تلك المسائل ليكمل الفن بكمال مسائله وفصوله وخامسها: أن يكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبة في أبوابها ولا منتظمة فيقصد المطلع على ذلك أن يرتبها ويهذبها ويجعل كل مسألة في بابها كما وقع في المدونة من رواية سحنون عن ابن القاسم وفي العتبية من رواية العتبي عن أصحاب مالك فإن مسائل كثيرة من أبواب الفقه منها قد وقعت في غير بابها فهذب ابن أبي زيد المدونة وبقيت العتبية غير مهذبة. فنجد في كل باب مسائل من غيره. واستغنوا بالمدونة وما فعله ابن أبي زيد فيها والبرادعي من بعده. وسادسها: أن تكون مسائل العلم مفرقة في أبوابها من علوم أخرى فيتنبه بعض ا لفضلاء إلى موضوع ذلك الفن وجميع مسائله فيفعل ذلك ويظهر به فن ينظمه في جملة العلوم التي ينتحلها البشر بأفكارهم كما وقع في علم البيان. فإن عبد القاهر الجرجاني وأبا يوسف السكاكي وجدا مسائله مستقرية في كتب النحو وقد جمع منها الجاحظ في كتاب البيان والتبيين مسائل كثيرة تننه الناس فيها لموضوع ذلك العلم وانفراده عن سائر العلوم فكتبت في ذلك تآليفهم المشهورة وصارت أصولاً لفن البيان ولقنها المتأخرون فأربوا فيها على كل متقدم. وسابعها: أن يكون الشيء من التآليف التي هي أمهات للفنون مطولاً مسهباً فيقصد بالتأليف تلخيص ذلك بالاختصار والإيجاز وحذف المتكرر إن وقع مع الحذر من حذف الضروري لئلا يخل بمقصد المؤلف الأول. فهذه جماع المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف ومراعاتها. وما سوى ذلك ففعل غير محتاج إليه وخطأ عن الجادة التي يتعيين سلوكها في نظر العقلاء مثل انتحال ما تقدم لغيره من التآليف أن ينسبه إلى نفسه ببعض تلبيس من تبديل الألفاظ وتقديم المتأخر وعكسه أو يحذف ما يحتاج إليه في الفن أو يأتي بما لا يحتاج إليه أو يبدل الصواب بالخطأ أو يأتي بما لا فائدة فيه. فهذا شأن الجهل والقحة. ولذا قال أرسطو لما عدد هذه المقاصد وانتهى إلى آخرها فقال: وما سوى ذلك ففصل أو شره يعني بذلك الجهل والقحة. نعوذ بالله من العمل في ما لا ينبغي للعاقل سلوكه. والله يهدي للتي هي أقوم. |
الساعة الآن 07:37 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |