منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   حـكايـات عـربـيـة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=17740)

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:59 AM

بـُلينا بـكم يـا متعطـّلين!
‏ كان أبو الحسين بن أبي البغل واليـاً على إصبهان. فقدم عليه شيخ من الكتـّاب يطلب عملاً، وأتى معه برسائل كثيرة من الحضرة، يذكرون فيها طول عطلته، ويثنون على كفاءته، ويسألونه أن يوليه عملاً. فاستكثرها أبو الحسين، وفضّ منها واحداً فقرأه، ثم أقبل على شغله من غير أن يقرأ باقي الكتب.‏ ‏ فقال له الرجل:‏ ‏ إن رأيتَ أن تقف على باقي الكتب.‏ ‏ فضجر أبو الحسن وتغيـّظ وقال:‏ ‏ أليس كلها في معنى واحد؟ قد والله بـُلينا بكم يا متعطـّلين! كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد عملاً. لو كانت خزائن الأرض لي، لكانت قد نفدت. يا هذا! ما لك عندي تصرّف ولا عمل شاغر، ولا في مالي فضل فأبرّك. فدبـّر أمرك بنفسك.‏ ‏ هذا والرجل ساكت.‏ ‏ فلما سكت أبو الحسين، قام الرجل وقال: أحسن الله جزاءك.‏ ‏ وأسرف في الشكر والدعاء له، وولى منصرفـاً.‏ ‏ فصاح أبو الحسين: ردّوه! فرجع.‏ ‏ فقال له:‏ ‏ يا هذا، أتسخر مني؟ على أيّ شيء تشكرني؟ على إياسي لك من التصرّف، أو على قطع رجائك من الصلة، أو قبيح ردّي لك، أو ضجري عليك؟ أم أنك تريد خدعتي بهذا الفعل؟‏ ‏ قال الرجل:‏ ‏ والله ما أريد خداعك. وما كان منك من قبيح الرد فـَغير مـُنكـَر، لأنك سلطان، ولحقك الضجر، ولعل الأمر كما ذكرته من كثرة الواردين عليك، وقد ضقتَ بهم. واتـّفق لقوّة نحسي أَنْ كان هذا الرد القبيح في شأني. ولم أشكرك إلا في موضع الشكر، لأنك صـَدَقـْتني عما في نفسك من أول وهلة، وأعتقت عنقي من رق الطمع، وأرحتني من التعب بالغدو والرواح إليك، وخدمة قوم أستشفع بهم إليك، ولم تعدني بما لا تنوي الوفاء به. ومعي بقية نفقة، لعلي أسافر بها إلى بلد آخر، وأطلب العمل من أحد سواك.‏ ‏ فأطرق أبو الحسين. فلما مضى الرجل، رفع رأسه واستدعاه، واعتذر إليه، وأمر له بصلة، وقال له:‏ ‏ خذ هذه إلى أن أقلـّدك ما يصلح لك، فإني أرى فيك مـُصـْطـَنـَعـاً.‏ ‏ فلما كان بعد أيام قلـّده عملاً جليلاً. ‏
من كتاب "الفرج بعد الشدّة" للتنوخي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:59 AM

بنات أمير المؤمنيـن
كان لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، رحمه الله غلام، وكان خازناً لبيت المال وكان لعمر بنات، فجئن إليه وقلن له:‏ ‏ غداً العيد، ونساء الرعية وبناتهم يلمننا ويقلن، أنتن بنات أمير المؤمنين، ونراكن عريانات، لا أقل من ثياب بيضاء تلبسنها، وبكيـْن عنده، فضاق صدر عمر، ودعا غلامه الخازن وقال له:‏ ‏ أعطني مشاهرتي لشهر واحد، فقال الخازن:‏ ‏ يا أمير المؤمنين، تأخذ المشاهرة من بيت المال سلفاً، أتظن أن لك عمر شهر؟‏ ‏ فأطرق عمر، ثم رفع رأسه وقال:‏ ‏ نعم ما قلت أيها الغلام، بارك الله فيك، ثم التفت إلى بناته وقال:‏ ‏ اكظمن شهواتكن، فإن الجنة لا يدخلها أحد إلا بمشقة. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 04:59 AM

بيـت لا فـرش فيه
‎ قال ابن درّاج الطُّفَيلي: ‏ ‏ مرّت بي جنازة ومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكي الميت وتقول:‏ ‏ بك يذهبون إلى بيت لا فرش فيه ولا وِطاء، ولا ضيافة ولا غطاء، ولا خبز فيه ولا ماء.‏ ‏ فقال لي ابني:‏ ‏ يا أبة، إلى بيتنا والله يذهبون بهذه الجنازة! ‏ ‏ ‏ ‏ ‏
من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:00 AM

بيـن أبي حيان التوحيدي ومـسكويه
قال لي مسـْكَوَيْه مرّة: ‏ ‏ أما ترى إلى خطأ صاحبنا الوزير ابن العميد؟ يـُعطي فلان ألف دينار ضـَربةً واحدة؟! لقد أضاع هذا المال الخطير فيمن لا يستحق.‏ ‏ فقلت له:‏ ‏ أسألك عن شيء واحد، فاصدُق فإنه لا مـَدَبَّ للكذب بيني وبينك. لو غـَلـِط الوزير فيك بهذا العطاء، وبأضعافه وأضعاف أضعافه، أكنتَ تراه في نفسك مخطئـاً ومبذّراً ومفسداً أو جاهلاً بحق المال؟ أو كنتَ تقول ما أحسن ما فعل، وليتـَه أَرْبـَى عليه؟ إنما هو الحسد، أو شيء آخر من جنس الحسد، ما دفعك إلى قول ما قلت. وأنت تدّعي الحكمة وتكتب عن الأخلاق. فافطـِن لأمرك واطـّلـِعْ على سـِرِّك. ‏ ‏
من كتاب "أخلاق الوزيرين" لأبي حيان التوحيدي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:00 AM

تأديب أحمد بن طولون لولده
قال عبد اللّه بن القاسم كاتب العباس بن أحمد بن طولون: ‏ ‏ بعث إليّ أحمد بن طولون بعد أن مضى من الليل نصفـُه، فوافيتـُه وأنا منه خائف مذعور. ‏ ‏ ودخل الحاجب بين يديّ وأنا في أثره، حتى أدخلني إلى بيت مظلم، فقال لي: ‏ ‏ سلـِّم على الأمير! ‏ ‏ فسلـَّمت. فقال لي ابن طولون من داخل البيت وهو في الظلام: لأي شيء يصلح هذا البيت؟ ‏ ‏ قلت: للفكر. ‏ ‏ قال: ولم؟ ‏ ‏ قلت: لأنه ليس فيه شيء يشغل الطرف بالنظر فيه. ‏ ‏ قال: أحسنت! امض إلى ابني العباس، فقل له: يقول لك الأمير اغدُ عليّ. وامنعه من أن يأكل شيئًا من الطعام إلى أن يجيئني فيأكل معي. ‏ ‏ فقلت: السمع والطاعة. ‏ ‏ وانصرفت، وفعلتُ ما أمرني به، ومنعته من أن يأكل شيئًا. ‏ ‏ وكان العباس قليل الصبر على الجوع، فرام أن يأكل شيئًا يسيرًا قبل ذهابه إلى أبيه، فمنعته. فركب إليه، وجلس بين يديه. وأطال أحمد بن طولون عمدًا، حتى علم أن العباس قد اشتدَّ جوعه. وأُحضرت مائدة ليس عليها إلا البوارد من البقول المطبوخة، فانهمك العباس في أكلها لشدَّة جوعه، حتى شبع من ذلك الطعام، وأبوه متوقف عن الانبساط في الأكل. ‏ ‏ فلما علم بأنه قد امتلأ من ذلك الطعام، أمرهم بنقل المائدة، وأُحضر كل لون طيـّب من الدجاج والبط والجدي والخروف، فانبسط أبوه في جميع ذلك فأكل، وأقبل يضع بين يدي ابنه منه، فلا يمكنه الأكل لشبعه. ‏ ‏ قال له أبوه: إنني أردت تأديبك في يومك هذا بما امتحنتك به. لا تـُلق بهمـَّتك على صغار الأمور بأن تسهـِّل على نفسك تناول يسيرها فيمنعك ذلك من كبارها، ولا تشتغل بما يقلّ قدرُه فلا يكون فيك فضلٌ لما يعظم قدرُه. ‏
من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" للبلوي


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:01 AM

تـارك الصــلاة
ما يصيب تارك الصلاة، كما ورد في الأثر.‏ ‏ ستة في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر. فأما الستة التي تصيبه في الدنيا، فالأولى، ينزع الله البركة من عمره، والثانية، يمسح الله سيما الصالحين من وجهه، والثالثة، كل عمل لا يؤجره الله عليه، والرابعة، لا يرفع الله عز وجل له دعاء إلى السماء، والخامسة تمقته الخلائق في دار الدنيا، والسادسة، ليس له حظ في دعاء الصالحين.‏ ‏ وأما الثلاثة التي تصيبه عند الموت:‏ ‏ فالأولى، يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، ولو سـُقي مياه بحار الدنيا ما روي من عطشه.‏ ‏ وأما الثلاثة التي تصيبه في قبره، فالأولى، يـُضـَيـّق الله عليه ويـُعصر حتى تختلف أضلاعه، والثانية يوقد عليه في قبره ناراً يتقلب على جمرها ليلاً ونهاراً، والثالثة، يـُسـَلـِّطُ الله عليه ثعباناً يسمى الشجاع الأقرع، صوته كالرعد القاصف، ويقول: أمرني ربي أن أضربك على ضياع الصلوات الخمس، فكلما ضربه يغوص في الأرض، سبعين ذراعاً، فيدخل أظفاره تحت الأرض ويـُخرجه، فلا يبرح تحت الأرض إلى يوم القيامة. ‏ ‏ وأما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة، فالأولى يـُسلط الله عليه من يسحبه إلى نار جهنم على حـُرّ وجهه، والثانية ينظر الله تعالى إليه بعين الغضب وقت الحساب، فيقع لحم وجهه، والثالثة يحاسبه الله حساباً ما عليه من مزيد سرمداً طويلاً، ويأمر الله عز وجل به إلى النار، وبئس القرار. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:01 AM

تجارة عثمان مع الله
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:‏ ‏ حدث في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أن أصاب الناس قحط، فلما اشتد بهم الأمر. ذهبوا إلى الخليفة، وقالوا له:‏ ‏ (يا خليفة رسول الله، إن السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت وقد توقع الناس الهلاك. فماذا نصنع؟).‏ ‏ فقال لهم:‏ ‏ انصرفوا واصبروا، فإني أرجو ألا تمسوا حتى يفرّج الله عنكم فلما كان آخر النهار، وردت الأنباء بأن عيراً لعثمان بن عفان، قد قدمت من الشام، وتصبح بالمدينة. فلما جاءت، خرج الناس يتلقونها، فإذا هي ألف بعير موسوقة بـُرّا وزيتاً وزبيباً، فأناخت بباب عثمان، فلما جعل أحمالها في داره، جاءه التجار، فقال لهم: ماذا تريدون؟‏ ‏ فقالوا: إنك لتعلم ما نريد. بعنا من هذا الذي وصل إليك، فإنك تعلم حاجة الناس إليه.‏ ‏ فقال عثمان: "حبّا وكرامة" كم تربحونني على شرائي؟‏ ‏ قالوا: الدرهم درهمين.‏ ‏ قال: أُعطيت زيادة على هذا.‏ ‏ قالوا: أربعة.‏ ‏ قال: أعطيت أكثر.‏ ‏ قالوا: نربحك خمسة.‏ ‏ قال: أعطيت أكثر.‏ ‏ فقالوا: ما في المدينة تجار غيرنا، وما سبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟‏ ‏ قال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة. فهل عندكم زيادة؟‏ ‏ قالوا: لا.‏ ‏ قال: فإني أشهد الله، أني جعلت ما حملت هذه العير صدقة لله على المساكين وفقراء المسلمين، ثم أخذ يُفرق بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا أخذ ما يكفيه وأهله.

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:01 AM

تجربـة حكيــم
‏ عاديت الرجال، فلم أر عدواً أعدى لي من نفسي، وعالجت الشجعان والسباع، فلم يغلبني إلا الصاحب السوء.‏ ‏ وأكلت الطيب وتمتعت باللذات، فلم أر ألذ من العافية، وأكلت الصبر وشربت المر، فما رأيت أشد من الفقر.‏ ‏ وصارعت الأقران، وبارزت الشجعان، فلم أر أغلب من المرأة السليطة، ورُميت بالسهام، ورُجمت بالحجارة، فلم أر أصعب من الكلام السوء، يخرج من فم مطالب بحق.‏ ‏ وتصدقت بالأموال والذخائر، فلم أر صدقة أنفع من رد ذي ضالة إلى الهدى، وسررت بقرب الملوك وصلاتهم، فلم أر أحسن من البعد عنهم. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:02 AM

تعريـف الغوغـاء
‏ يُطلق "الغوغاء" على هؤلاء الذين لا عبرة بهم. قال الأصمعي:‏ ‏ والغوغاء الجراد إذا ماج بعضهم في بعض. وبه سُمي الغوغاء من الناس.‏ ‏ وقال آخر: هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يُعرفوا.‏ ‏ ومن علاماتهم ما تضمنته حكاية الخطابي عن أبي عاصم النبيل. وذلك أن رجلاً أتاه فقال:‏ ‏ إن امرأتي قالت لي: يا غوغاء! فقلت لها: إن كنتُ غوغاء فأنتِ طالق ثلاثاً. فما عساي أصنع؟‏ ‏ فقال له أبو عاصم:‏ ‏ هل أنت رجلٌ إذا خرج الأمير يوم الجمعة جلست على ظهر الطريق حتى يمرّ فتراه؟‏ ‏ فقال: لا.‏ ‏ قال أبو عاصم: لستَ بغوغاء، إنما الغوغاء من يفعل هذا. ‏
من كتاب "طبائع المُلك" لابن الأزرق. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:02 AM

تعزيـــة
كتب شبيب بن شيبة الأهمتي، يـُعزي أمير المؤمنين المهدي في ابنته فقال:‏ ‏ أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجراً،‏ ‏ وأعقبك صبراً،‏ ‏ ولا أجهد الله بلاءك بنقمة،‏ ‏ ولا نزع منك نعمة،‏ ‏ ثواب الله خير لك منها،‏ ‏ ورحمة الله خير لها منك،‏ ‏ وأحق ما صـُبر عليه،‏ ‏ ما لا سبيل إلى رده. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:02 AM

تقرأ شيئًا من القرآن؟
قدّم رجل ابنًا له إلى القاضي فقال:‏ ‏ أصلح الله القاضي، إن هذا ابني يشرب الخمر ولا يصلي. فقال له القاضي: ‏ ‏ ما تقول يا غلام فيما حكاه أبوك عنك؟ ‏ ‏ قال: يقول غير الصحيح. إني أصلي ولا أشرب الخمر. ‏ ‏ فقال أبوه: ‏ ‏ أصلح الله القاضي، أتكون صلاة بلا تلاوة؟ ‏ ‏ فقال القاضي: ‏ ‏ يا غلام، تقرأ شيئًا من القرآن؟ ‏ ‏ قال: نعم، وأجيد القراءة. ‏ ‏ قال: اقرأ! ‏ ‏ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ‏ ‏ علق القلبُ ربابًا بعدما شابت وشابا ‏ ‏ إنّ دين الله حق لا أرى فيه ارتيابا!‏ ‏ قال أبوه:‏ ‏ والله أيها القاضي ما تعلم هاتين الآيتين إلا البارحة، لأنه سرق مصحفًا من بعض جيراننا!‏ ‏ فقال القاضي: قبّحكما الله! تقرآن كتاب الله ولا تعملان به! ‏ ‏
من كتاب"المستطرف" للإبشيهي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:02 AM

تقشـــف
عندما زار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة حمص بالشام، جاءه أهلها يشكون واليهم، سعيد بن عامر وعابوا عليه أربع خصال، لا يخرج إليهم حتى يتعالى النهار، ولا يجيب أحداً بليل، ويعتزل الناس يوماً في الشهر، ويأتيه إغماء بين حين وحين:‏ ‏ ويسأله عن ذلك، فيعلم أنه يعجن كل صباح خبزه، ويخبزه بنفسه، ثم يخرج، وأنه جعل نهاره للناس، وليله لله، يعبده فيه، وأنه يغسل ثيابه مرة في الشهر، وينتظر حتى تجف، وأما عن الإغماء فقد قال سعيد:‏ ‏ كنت مشركاً، وشهدت مصرع حبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت (قطعت) قريش لحمه، ثم حملوه على جذع، وقالوا له أتحبُّ أن يكون محمد مكانك، فقال:‏ ‏ والله ما أحب أن أكون معافى في نفسي وأهلي وولدي، وأن محمداً شـِيك بشوكة، ثم نادى يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم، وتركي نصرة حبيب، وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم، إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي ابداً، فيصيبني ما يصيبني يا أمير المؤمنين.‏ ‏ وأمر عمر رضي الله عنه، أهل حمص يوماً أن يسجلوا له فقراءهم، فلما اطلع على القائمة، قرأ في رأسها (سعيد بن عامر)، فقال:‏ ‏ من سعيد بن عامر؟ قالوا هو أميرنا يا أمير المؤمنين، قال عمر، وأميركم فقير، وأين إذن عطاؤه؟ قالوا:‏ ‏ إنه لا يستبقي منه شيئاً، فأرسل إليه عمر ألف دينار، فلما نظر سعيد إلى تلك الدنانير جعل يقول:‏ ‏ (إنا لله وإنا إليه راجعون) فقيل له:‏ ‏ ما شأنك؟ أأصيب أمير المؤمنين، قال:‏ ‏ أعظم، قيل:‏ ‏ أفظهرت آية، قال:‏ ‏ أعظم من ذلك، الدنيا أتتني، الفتنة أتتني، فقيل له لا عليك، وزع الدنانير على فقراء المسلمين، ففرقها سعيد على جيوش المسلمين. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:03 AM

تقلـّب الدنـيا
من أعجب ما يُؤرّخ من تقلـّبات الدنيا بأهلها ما حكاه محمد بن غسـّان الهاشمي، قال:‏ ‏ دخلتُ على والدتي في يوم عيد، فوجدتُ عندها امرأة في ثياب رثـّة. فقالت لي والدتي:‏ ‏ أتعرف هذه؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قالت:‏ ‏ هذه أمّ جفعر البرمكي رحمه الله.‏ ‏ فأقبلتُ عليها بوجهي وأكرمتها، وتحادثنا زمانا، ثم قلت:‏ ‏ يا أُمـّه، ما أعجب ما رأيتِ؟‏ ‏ فقالت:‏ ‏ أتي عليّ يا بنيّ عيدٌ مثل هذا وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وإني لأعدُّ ابني عاقـّا لي. ولقد أتى عليّ يا بنيّ هذا العيد وما مُناي إلا جـِلـْدا شاتين، أفترش أحدَهما وألتحفُ الآخر.‏ ‏ فدفعـَتُ إليها خمسمائة درهم، فكادت تموت فرحـًا بها. ‏
من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلـّكان. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:03 AM

تقـويم الكـلام
‏ كان بسجستان شيخ يتعاطى النّحو. فقال يومًا لابنه: ‏ ‏ إذا أردت أن تتكلم بشيء فاعرضه على عقلك، وفكّر فيه بجهدك حتى تقوّمه، ثم أخرج الكلمة مقوّمة. ‏ ‏ فبينما هما جالسان في بعض الأيام في الشتاء، والنار تتـّقد، وقعت شرارة في جُبـَّة خزّ كانت على الأب، وهو غافل والابن يراه. ‏ ‏ فسكت الابن ساعة يفكـِّر ثم قال: ‏ ‏ يا أبت، أريد أن أقول شيئًا، فتأذن لي فيه؟ ‏ ‏ قال أبوه: ‏ ‏ إنْ حقـّا فتكلم. ‏ ‏ قال: أراه حقـّا. ‏ ‏ فقال: قل. ‏ ‏ قال: إني أرى شيئًا أحمر. ‏ ‏ قال: وما هو؟ ‏ ‏ قال: شرارة وقعت في جُبـَّتك. ‏ ‏ فنظر الأب إلى جُبـَّته وقد احترق منها قطعة. فقال للابن: ‏ ‏ لِمَ لَمْ تُعْلِمْني سريعًا؟ ‏ ‏ قال: ‏ ‏ فكرت فيه كما أمرتني، ثم قـوَّمت الكلام وتكلمت فيه. ‏ ‏ فحلف أبوه بالطلاق أن لا يتكلم بالنحو أبدًا. ‏
من كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:03 AM

تكذيب الناس لابن بطّوطة
‏ لا تنكرنّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله. فكثير من الخواص إذا سمعوا الأخبار الغريبة عن الدول السالفة بادر بالإنكار، وليس ذلك من الصواب؛ فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصـُر المداركَ كلـَّها فيها. ‏ ‏ واعتبر ذلك بما نقصـّه عليك من هذه الحكاية المستظرفة: ‏ ‏ ورد بالمغرب في عهد السلطان أبي عنان رجل يـُعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق، وتقلـّب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند، واتصل بملكها، وكان له منه مكان، واستعمله في أمر القضاء بمذهب المالكية. ثم انقلب إلى المغرب، واتصل بالسلطان أبي عنان. وكان يحدّث عن شأن رحلته، وما رأى من العجائب بممالك الأرض. وأكثر ما كان يحدّث عن دولة صاحب الهند، ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون. فتناجى الناس بتكذيبه. ‏ ‏ ولقيتُ أيامئذٍ وزيرَ السلطان. ففاوضته في هذا الشأن، وأريتـُه إنكارَ أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه، فقال لي الوزير: ‏ ‏ إيـّاك أن تستنكر مثلَ هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن: وذلك أن وزيرًا اعتقله سلطانـُه، ومكث في السجن سنين رَبـِيَ فيها ابنه في ذلك المحبس. فلما أدرك وعقل، سأل عن اللحم الذي كان يتغذى به، فقال أبوه: هذا لحم الغنم. فقال: وما الغنم يا أبتِ؟ تراها مثل الفأر؟! إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفأر، فحسبها كلها أبناء جنس الفأر! ‏ ‏ وهذا كثيرًا ما يعتري الناس في الأخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عن قصد الإغراب. فليكن الإنسان مهيمنـًا على نفسه، ومميزًا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله، ومستقيم فطرته. فما دخل في نطاق الإمكان قـَبـِلـَه، وما خرج عنه رفضه. ‏
من كتاب "مقدمة ابن خلدون".


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:04 AM

تلطـف فـي الإرشـاد
‏ دخل الحسن والحسين رضي الله عنهما المسجد على رجل مـُسـِنّ، فوجداه يصلي، ولكنه لا يجيد الصلاة:‏ ‏ فأرادا نصحه، وكيف وهو شيخ كبير؟‏ ‏ فما كان منهما إلا أن تنازعا على من يتقن الوضوء، الحسن أم الحسين؟ ثم على من يؤدي الصلاة أقوَم، هذا يقول أنا، وذاك يقول أنا، واحتكما إلى الشيخ، فرأى وضوءهما وصلاتهما، فرجع إلى نفسه وقال لهما:‏ ‏ أي وربي، لقد أحسنتما ولم يسيء إلا أنا.‏ ‏ وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي: ‏ تعهـدنـي بنصحـك فـي انفـرادي وجـنبِّني النصيحـة فـي الجماعة فــإن النصـح بيـن النـاس نـوع مـن التوبيخ لا أرضى استماعه

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:04 AM

تواضــع
قال الحسن بن الربيع:‏ ‏ خرج فارس من المسلمين ملثم فقتل فارساً من العدو كان قد نال من المسلمين، فكبر له المسلمون وعاد فدخل في غمار الناس ولم يعرفه أحد، فتتبعته حتى سألته بالله أن يرفع لثامه فعرفته وقلت:‏ ‏ أخفيت نفسك مع هذا الفتح العظيم، الذي يسره الله على يدك فقال:‏ ‏ الذي فعلت له لا يخفى عليه شخصي. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:08 AM

توجيـه للمعلــم
قال عمر بن عتبة لمعلم ولده:‏ ‏ ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت، علـّمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيتركوه ولا تتركهم منه فيهجروه.‏ ‏ روِّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يـُحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم، وعلمهم سنن الحكماء، وجنبهم محادثة النساء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك، قال الشاعر: وإن مــن أدبتـــه فــي الصبــا كالعودِ يُسقى الماء في غرسه حـتـى تــــراه مورقـاً نـاضــراً بعـد الـذي أبصـرت مـن يبسـه مـا تبلــغ الأعـداء مـن جاهـل مـا يبلــغ الجـاهـل مـن نفسـه

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:08 AM

ثقـل الولايــة
‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏ يؤتى بالولاة يوم القيامة، فيقول الله عز وجل: أنتم كنتم دعاة خليقتي، وخزنة ملكي في أرضي. ثم يقول لأحدهم: لِمَ ضربت عبادي فوق الحد الذي أمرت به؟‏ ‏ فيقول: يا رب لأنهم عصوك وخالفوك. ثم يقول لأحدهم: لم عاقبت عبادي أقل من الحد الذي أمرت به؟‏ ‏ فيقول: يا رب إني رحمتهم، فيقول تعالى: كيف تكون أرحم مني؟‏ ‏ خذوا الذي زاد والذي نقص، واحشوا بهما زوايا جهنم. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:09 AM

ثـلاث خصـال
يُحكى عن بعض قدماء الملوك أنه كان إذا أراد محاربة ملك، وجّه إلى مملكته عيوناً يبحثون عن أخباره وأخبار رعيته قبل أن يُقدِمَ على محاربته، ويأمر هؤلاء الجواسيس بالبحث عن ثلاث خصال من أمره، وهي: ‏ ‏ أن ينظروا فيما يُرفع إلى هذا الملك من أخبار رعيته، هل هي على حقيقتها، أو أن أصحابه ووزراءه يخدعونه ويكذبون عليه فيها؛ أن يبحثوا عن الغِنى والجاه في أي صنف من الناس هما: في أهل الشرف والعقل، أم في الأنذال؛ أن يبحثوا في أمر المشاورة: هل يستعملها في أموره، أم يمضي الأمور على هواه.‏ ‏ فإن قالوا له عند رجوعهم إن الأمور والأخبار تُرفع إليه على حقيقتها، وأن الغِنى والجاه لدى أهل الشرف والعقل، وأنه يستعمل المشاورة، كفّ الملك عن محاربته والطمع في مملكته. ‏
من كتاب "الحكمة الخالدة" لمسكويه. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:09 AM

ثـوب المنصـور
‏ قال أبان بن صدقة:‏ ‏ دخلتُ يومـاً على الخليفة المنصور وعليّ ثوب جديد من خـَزّ أسود، والمنصور في قـُباءٍ قديم رثّ. فجعل ينظر إليّ، فضاقت عليّ الدنيا، وقلت في نفسي إني أخطأت خطأ عظيمـاً.‏ ‏ فلما كان من غد، دخلتُ في قباء رثّ. فقال لي المنصور:‏ ‏ أما عندك أحسن من هذا تلبسه أمام المنصور؟‏ ‏ قلت:‏ ‏ بلى، ولكني رأيت أمير المؤمنين البارحة يلبس قباء رثـّا وكان عليّ قباء جديد، فضاقت عليّ الأرض إذ كان لباسي أفضل من لباسه.‏ ‏ فقال المنصور:‏ ‏ لا تفعل. إلبس خير ما عندك في خدمتي ليتبيـّن الناس إحساني إليك. أما عني فإن الناس يعلمون أني أقدر على أشرف اللباس وإن لم ألبس. ‏
من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلـّكان


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:09 AM

جـارية ابن السمـاك
‏ تكلم ابن السماك يوماً وجارية له تسمع.‏ ‏ فلما دخل قال لها:‏ ‏ كيف سمعت كلامي؟‏ ‏ قالت:‏ ‏ ما أحسنه لولا أنك تكثِر ترْدادَه!‏ ‏ قال:‏ ‏ أُردِّده حتى يفهمَه من لم يفهمْه.‏ ‏ قالت:‏ ‏ إلى أن يَفهمَه من لم يَفهمْه يكون قد مَلـَّه مَن فهمَه. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:09 AM

جارية الفقـيـه الفــقـيـر
كان في مجلس المروروذي الفقيه شابٌ أريب من المتفقّهة. وحدث أن غاب عن المجلس أياما فلما سأل عنه المروروذي أخبروه أنه مشغول بأمرٍ قطعه عن حضور مجلسه. فأحضره وسأله عن حاله، فذكر الشاب أنه كان قد اشترى جارية لنفسه، وأن النفقة قد انقطعت به وضاقت يده في تلك السنة لانقطاع الرزق عنه من بلده، و كان عليه دين لجماعة من التجار، فلم يجد سبيلا إلى قضائه غير أن يبيع الجارية. فلما باعها وتركت داره، تشوّق إليها واستوحش من بُعدها عنه، حتى لم يعد بمقدوره أن يشتغل بفقه أو بغيره من شدة تعلق قلبه بها. ثم ذكر أن ابن أبي حامد صاحب بيت المال هو الذي اشترى الجارية. ‏ ‏ فمضى المروروذي إلى ابن أبي حامد ومعه الشاب. فحين استأذن عليه أذن له في الحال وقام إلى المروروذي واستقبله وأكرمه غاية الإكرام. فلما سأله عن حاله وعما جاء له، أخبره المروروذي بخبر الشاب الفقيه وبيعه للجارية، وسأله أن يقبل الذي دفعه فيها ويرد الجارية على صاحبها. ‏ ‏ بيد أن ابن أبي حامد لم يكن عنده علم بأمر الجارية. فقد كانت امرأته اشترتها ولم تخبره بذلك. فاستأذن ضيفيه وقام فدخل على امرأته يسألها عن جارية اشتُريت في سوق النخاسين، وصادف أن امرأته كانت جالسة والجارية حاضرة وهم يصلحون وجهها وقد ألبسوها الثياب الحسان والحلي. فقالت: ‏ ‏ ياسيدي هذه هي الجارية التي تسأل عنها. ‏ ‏ فسرّ بذلك أعظم السرور لرغبته في قضاء حاجة المروروذي، وعاد إليه فقال: ‏ ‏ خفت ألا تكون الجارية في داري. وهي بحمد الله عندنا والأمر للشيخ أعزه الله فيها. ‏ ‏ ثم أمر بإحضار الجارية. فلما جاءت تغير وجه الفتى تغيرا شديدا من فرط حبه لها. فقال له ابن أبي حامد: ‏ ‏ هذه جاريتك؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فخذها بارك الله لك فيها. ‏ ‏ فدعا له المروروذي وشكره، وأخرج ثلاثة آلاف درهم، وهو الثمن الذي بيعت به الجارية، وسأله قبض المال فأبى ابن أبي حامد أن يأخذه. ‏ ‏ قال المروروذي: إنما جئناك نسألك ردّها ولم نقصد أخذها على هذا الوجه. ‏ ‏ فقال ابن أبي حامد : ‏ ‏ هذا رجل فقيه وقد باعها لأجل فقره وحاجته. ومتى استردّها وهو على فقره خيف عليه أن يبيعها ثانية إلى من لا يرضى أن يردّها عليه وقد وهبتُ للجارية ما عليها من الحلي والثياب، فإن احتاج إلى نفقة باع منها. ‏ ‏ فلما نهض المروروذي والفتى ليودعاه، قال ابن أبي حامد:‏ ‏ أريد أن أسألها قبل انصرافها معكما عن شيء … يا جارية، أيّما أحبّ إليك: نحن أو مولاك هذا؟‏ ‏ فقالت الجارية: ‏ ‏ يا سيدي، أما أنتم فإني أدعو الله أن يحسن جزاءكم على ما فعلتموه بي ووهبتموني إياه. وأما مولاي هذا فوالله لو أعطيتموني به الدنيا ما سلوت عنه ولو كان في ملكي وأنا فقيرة لا أجد عندي ما أقتات به، ما بعته بالرغائب العظيمة مثلما باعني. ‏ ‏
من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:10 AM

حـب الدّنيـا
قال جعفر الخلدي:‏ ‏ من أراد أن يستكتم سرّا له، فليستكتم رويم بن أحمد، فإنه كتم حب الدنيا أربعين سنة. ‏ ‏ فقيل له: كيف؟‏ ‏ قال:‏ ‏ كان يتصوف أربعين سنة. ثم وُلـِّيَ بعد ذلك إسماعيل بن إسحاق قضاء بغداد، وكانت بينهما مودة وكيدة. فجذبه إليه، وجعله وكيلاً على بابه. فترك الصوفية والتصوف والتوكل، ولبس الخز والقصيب، وركب الحمير والبغال، وأكل الطيبات وبنى الدور. وإذا هو كان يكتم حب الدنيا حين كان عاجزاً عن أن يحوزها، فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها. ‏
من كتاب "نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة" للتنوخي.


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:10 AM

حـج عنـه ملــك
كان عبد الله بن المبارك، صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما، يحج سنة، ويغزو أخرى، حدّث عن نفسه قال:‏ ‏ لما كانت السنة التي أحج فيها، خرجت بخمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة لأشتري جملاً، فرأيت امرأة على بعض الطريق تنتف ريش بطة، أحسبها ميتة، فتقدمت إليها وقلت:‏ ‏ لـِمَ تفعلين هذا؟ فقالت:‏ ‏ يا عبد الله، لا تسألني عما لا يعنيك، فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها فقالت:‏ ‏ يا عبد الله، قد ألجأتني إلى كشف سري إليك. ثم قالت:‏ ‏ يرحمك الله، أنا امرأة علوية، ولي أربع بنات، مات أبوهن من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلن شيئاً، وقد حلت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي، فقلت في نفسي ويحك يا ابن المبارك، أين أنت من هذه؟ أبسطي حجرك، فصببت الدنانير في طرف إزارها، وهي مطرقة لا تلتفت، وقلت لها:‏ ‏ عودي إلى بيتك، فاستعيني بهذه الدنانير على إصلاح شأنك، ونزع الله من قلبي شهوة الحج في هذا العام، ثم تجهزت إلى بلادي، وأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فصار كل من أقول له:‏ ‏ قبل الله حجتك، وشكر سعيك، يقول لي:‏ ‏ وأنت قبل الله حجتك وسعيك، إنـّا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثرَ الناس عليّ في القول، فبتُّ مفكراً في ذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول يا عبد الله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكاً يحج عنك.

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:11 AM

حَجَـر الذّبـاب
‏ حدّث رجل خراساني من بعض أصحاب الصّنعة، ممن كان يعرف بالأحجار الخواصيّة، قال: ‏ ‏ اجتزت ببائع في الطريق بمصر، فرأيت عنده حجرًا أعرفه، يكون وزنه خمسة دراهم، مليح المنظر. وكنت أعرف أن خاصيته في طرد الذباب، وكنت في طلبه منذ سنين كثيرة. فحين رأيته ساومته فيه، فاستام عليَّ به خمسة دراهم، فلم أماكسه ودفعتها إليه. فلما حصلت في يده، وحصل الحجر في يدي، أقبل يسخر مني ويقول: ‏ ‏ يجيء هؤلاء الحمير لا يدرون إيش يعطون، ولا إيش يأخذون! هذه الحصاة رأيتها منذ أيام مع صبي، فوهبت له دانق فضـّة وأخذتها، وقد اشتراها هذا الأحمق مني بخمسة دراهم! ‏ ‏ فرجعت إليه وقلت له: ‏ ‏ يجب أن أعرّفك أنك أنت الأحمق، لا أنا. ‏ ‏ قال: كيف؟ ‏ ‏ قلت: قم معي حتى أعرّفك ذلك. ‏ ‏ فأقمته ومضينا حتى اجتزنا ببائع يبيع التمر في قصعة، والذّباب محيط بها. فنحّيت الرجل بعيدًا من القصعة، وجعلت الحجر عليها، فحين استقرَّ عليها طار جميع الذباب وتركته ساعة وهي خالية من الذباب، ثم أخذت الحجر، فرجع الذباب. ثم رددته فصار وفعلت ذلك ثلاث مرات. ثم خبّأت الحجر، وقلت: ‏ ‏ يا أحمق، هذا حجر الذباب، وقد قدمت في طلبه من خراسان، يجعله الملوك عندنا على موائدهم فلا يقربها الذباب، ولا يحتاجون إلى مذبّة ولا إلى مروحة. واللّه لو لم تبعني إيـّاه إلا بخمسمائة دينار لاشتريته منك! ‏ ‏ فشهق شهقة قدّرت أنه تَلف، ثم أفاق منها بعد ساعة وافترقنا. ‏
من كتاب "نشوار المحاضرة" للتنوخي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:11 AM

حـذاء أبي القاسـم
كان لأبي القاسم الطُّنْبوري حذاء لبسه سبع سنين، كلما تَقَطّع منه موضع جعل مكانه رقعةً إلى أن صار في غاية الثِّقل، وصار الناسُ يضربون به المثل.‏ ‏ واتفق أنه دخل يوما سوق الزُّجاج، فقال له سمسار: يا أبا القاسم، قد قدِم إلى بغداد اليوم تاجرٌ من حَلَب، ومعه حِمْلُ زجاج مُذَهّب قد كَسَدَ. فاشتَرِه منه وأنا أبيعه لك بعد مدة فتكسِبُ به المثل مِثلَين. ‏ ‏ فمضى أبو القاسم واشتراه بستين دينارا.‏ ‏ ثم إنه دخل إلى سوق العطارين، فصادفه سمسار آخر وقال له: يا أبا القاسم، قد قَدِم إلينا اليوم من نَصيبين تاجر يبيع ماء ورد. ولِعَجَلَةِ سفره يمكن أن تشتريه منه رخيصًا، وأنا أبيعه لك فيما بعد فتكسِبُ به المثل مِثلين. ‏ ‏ فاشتراه أبو القاسم بستين دينارا أخرى، وملأ به الأواني الزجاجية المذهبة، ووضعها على رف من رفوف بيته. ‏ ‏ ثم إنه دخل الحمام يغتسل، فقال له بعض أصدقائه: ‏ ‏ يا أبا القاسم، غَيِّر حذاءك هذا فإنه في غاية الشناعة. وأنت ذو مال بحمد الله. ‏ ‏ فقال له أبو القاسم: الحق معك. ‏ ‏ ثم إنه خرج من الحمام ولبس ثيابه، فرأى بجانب حذائه حذاء آخر جديدا. فظن أن صديقه من كرمه قد اشتراه هدية له، فلبسه ومضى إلى بيته. ‏ ‏ وكان ذلك الحذاء الجديد للقاضي، وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام. فلما خرج فتّش عن حذائه فلم يجده. فسأل الناس: ألم يترك من لبس حذائي عوضه شيئا؟ ‏ ‏ ففتشوا فلم يجدوا سوى حذاء أبي القاسم، فعرفوه إذ كان يُضرب به المثل. ‏ ‏ فأرسل القاضي خدمه فكبسوا بيت أبي القاسم، فوجدوا حذاء القاضي عنده. فأخذوه فضربه القاضي تأديبا له، وحبسه مدة، وغرّمه بعض المال، ثم أطلقه. ‏ ‏ وخرج أبو القاسم من الحبس وأخذ حذاءه وهو غضبان عليه، ومضى إلى نهر دجلة فألقاه فيه، فغاص في الماء. ‏ ‏ وأتى بعض الصيادين ورمى شبكته، فطلع الحذاء فيها! فلما رآه الصياد عرفه، وظن أنه وقع من أبي القاسم في دجلة. فحمله وأتى به بيته فلم يجده. ونظر فرأى نافذة في البيت مفتوحة فرمى الحذاء منها، فسقط على الرف الذي عليه الأواني الزجاجية فوقع، وتكسّرت الأواني وتبدّد ماء الورد! ‏ ‏ وجاء أبو القاسم ونظر إلى ما حدث، فلطم وجهه وجعل يبكي ويلعن الحذاء. ‏ ‏ ثم إنه قام في الليل ليحفر له حفرة يدفنه فيها ويرتاح منه، فسمع الجيران حسّ الحفر فظنوا أن لصا ينقب عليهم، فقبضوا عليه وأحضروه إلى الحاكم فحبسه، ولم يُطلقه حتى غَرِم بعض المال.‏ ‏ ثم خرج من السجن فحمل حذاءه إلى الخان فرماه في الكنيف، فَسَدَّ قصبتَه ففاض! وضجر الناس من الرائحة الكريهة وبحثوا عن السبب فوجدوا حذاء فتأمّلوه، فإذا هو حذاء أبي القاسم! فحملوه إلى الوالي وأخبروه بما وقع، فوبّخ الوالي أبا القاسم وغرّمه مالا لتصليح الكنيف، ثم أُطلق. ‏ ‏ وخرج أبو القاسم والحذاء معه. وقال في نفسه: ‏ ‏ والله ما عدتُ أفارق هذا الحذاء! ‏ ‏ ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجفّ. فرآه كلب فظنّه رِمَّةً فحمله وعبر به إلى سطح آخر، فسقط الحذاء على رأس رجل في الطريق فآلمه وجرحه جرحا بليغا. وفتشوا لمن الحذاء فعرفوا أنه لأبي القاسم! ‏ ‏ ورفعوا الأمر إلى الحاكم فألزمه بالعِوَض والقيام بلوازم المجروح مُدَّةَ مرضه. ‏ ‏ ثم إن أبا القاسم أخذ الحذاء، ومضى به إلى القاضي وقال له: ‏ ‏ أريد من مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا الحذاء مبارأة شرعية على أنه ليس مني ولستُ منه، وأن كلا منا بريء من صاحبه، وأنه مهما يفعله هذا الحذاء لا أؤاخذ أنا به! ‏
من كتاب "مجاني الأدب". ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:12 AM

حُرقـَة بنت النعمـان
مرَّ زياد بن أبيه بالحيرة، فرأى ديراً هناك، فسأل: لمن هذا الدير، فقيل له: أنه دير حـُرقـَة بنت النعمان بن المنذر، فقال: مـِيلوا بنا إليه لنسمع كلامها، فلما وصلوا، قال لها الخادم: كـَلمي الأمير، فقالت: أؤجز أم أطيل، قال: بل أوجزي، قالت: كنا كأهل بيت طلعت الشمس علينا، وما على الأرض أحد أعز منا، فما غابت تلك الشمس، حتى رحمنا عدونا. ثم قالت: أيها الأمير، ما من دار امتلأت سروراً، إلا امتلأت بعد ذلك ثبوراً، فأمر لها بأوساق من شعير، فقالت: أطعمتك يد شبعاء جاعت، ولا أطعمتك يد جوعاء شبعت، فقال زياد لشاعر معه: قيـِّد هذا الكلام ليدرس فقال:‏ فتـىً ذاق طعم الخيـر منذ قريب سل الخيرَ أهل الخيرِ قِدْماً ولا تسل

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:12 AM

حسـن السياســة
كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف، يأمره أن يكتب إليه بسيرته، فكتب إليه:‏ ‏ إني أيقظت رأيي، وأنمت هواي، فأدنـَيـْت السيد المطاع في قومه، ووليت الحـَرِبَ الحازم في أمره، وقلـَّدت الخراج الموفـّر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً، وأعطيه حظاً من لطيف عنايتي ونظري، وصرفت السيف إلى النـَّطـِف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الصواب. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:12 AM

حضانـة الولــد
‏ تخاصم أبو الأسود الدؤلي "واضع النحو" مع امرأته إلى القاضي على غلامهما منه، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت المرأة: أنا أحق بها، لأنني حملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني كما تراه مراهقـاً.‏ ‏ فقال أبو الأسود: أيها القاضي، حملتـُه قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه، فـَلـِيَ الحق كله أو جله.‏ ‏ فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة على دفاع زوجك. فقالت: لئن حمله خـِفـّا، فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة، فقد وضعته كرهـاً.‏ ‏ فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعني من سجعك

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:13 AM

حفـظ الســر
‏ قال الوليد لأبيه:‏ ‏ إن أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثاً ولا أراه يطوي عنك أفلا أحدثك به؟‏ ‏ قال:‏ ‏ لا يا بني إن من كتم السر كان الخيار له،‏ ‏ ومن أفشاه كان الخيار عليه،‏ ‏ فلا تكن مملوكاً بعد أن كنت مالكاً. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:13 AM

حق المودّة وحق السلطان
حدّث سليمان بن وهب قال:‏ ‏ لما نكبني الخليفة الواثق قال للوزير ابن عبد الملك الزيات: ‏ ‏ عَذِّب سليمان وضَيِّقْ عليه وصادِرْه وطالبْه بالأموال.‏ ‏ فألبسني ابن عبد الملك الزيات جبّة صوف، وقيّدني وضيّق عليّ، وكان يُحضرني في دار الواثق ويخاطبني أغلظ مخاطبة، ويهددني ويعاملني أقبح معاملة وأشنعها، فيكتب المخبرون بذلك إلى الواثق فيُعجبه. فإذا كان الليل أمر ابنُ عبد الملك الزيات بنزع قيودي وتغيير ثيابي، ويأنس بي ويأكل ويشرب معي، ويشاورني في أموره، ويُفضي إليّ بأسراره. فإذا كان وقت انصرافي عنه، ضرب بيده على كتفي وقال:‏ ‏ يا سليمان، هذا حق المودّة وذاك حق السلطان، لا تنكر هذا ولا تنكر ذاك.‏ ‏ فإذا كان في غد عاد إلى تهديدي والتضييق عليّ وكأنه لا يعرفني. ‏
من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:13 AM

حكاية الإخشيد مع المُطَمِّع
‏ أمر الإخشيد بهدم المواخير ودور المقامرين والقبض عليهم. وأُدخِل عليه جماعة من المقامرين وعُرضوا عليه، وفيهم شيخ حسن الهيئة. فقال الإخشيد:‏ ‏ وهذا الشيخ مقامر؟!!‏ ‏ فقالوا له:‏ ‏ هذا يُقال له "المُطَمِّع".‏ ‏ فقال الإخشيد: وما المُطَمِّع؟‏ ‏ قالوا: هو سبب رواج حال دار القمار، وذلك أن المقامر إذا خسر ما معه من مال، قال له المُطَمِّع:‏ ‏ "العب على ردائك فلعلك تغلب"، فإذا ذهب رداؤه قال له: "العب على قميصك حتى تغلب به"، وهكذا حتى يبلغ نعليه، بل وربما اقترض له مالاً حتى يخسره. ولهذا الشيخ من صاحب دار القمار جراية يأخذها كل يوم لقاء صنعه هذا.‏ ‏ فضحك الإخشيد وقال:‏ ‏ يا شيخ، تُب إلى الله من هذا.‏ ‏ فتاب الرجل، فأمر له الإخشيد بثوب ورداء وألف درهم وقال:‏ ‏ يُجْرَى عليه في كل شهر عشرة دنانير.‏ ‏ فدعا له الشيخ وشكره وخرج. فقال الإخشيد:‏ ‏ رُدُّوه!‏ ‏ فلما لحقوا به وردُّوه قال الإخشيد:‏ ‏ خذوا منه ما أعطيناه، وأبطحوه، واضربوه ستمائة جلدة.‏ ‏ ثم قال للشيخ:‏ ‏ تطميعنا خير أم تطميعك؟ ‏
من كتاب "المُغْرِب في حُلَى المَغْرب" لابن سعيد الأندلسي. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:14 AM

حكاية المهدي مع الأعرابي
‏ خرج الخليفة المهدي للصيد، فَبَعُدَ به فرسه عن أصحابه حتى وصل إلى خباء أعرابي وقد ناله جوع وعطش. فقال للأعرابي:‏ ‏ هل من قِرًى؟‏ ‏ فأخرج له قرص شعير فأكله، ثم أخرج له فَضلةً من لبن فسقاه منها، ثم أتاه بنبيذ فسقاه.‏ ‏ فلما شرب المهدي قال: ‏ ‏ أتدري من أنا؟‏ ‏ قال: لا.‏ ‏ قال: أنا من خدم أمير المؤمنين الخاصة.‏ ‏ قال الأعرابي: ‏ ‏ بارك الله لك في موضعك.‏ ‏ ثم سقاه من النبيذ مرة أخرى. فلما شرب قال:‏ ‏ يا أعرابي! أتدري من أنا؟‏ ‏ قال: زعمت أنك من خدم أمير المؤمنين الخاصة.‏ ‏ قال: لا. أنا من قواد أمير المؤمنين.‏ ‏ قال الأعرابي:‏ ‏ رَحُبَتْ بلادُك وطاب مرادُك.‏ ‏ ثم سقاه الثالثة، فلما فرغ قال:‏ ‏ يا أعرابي! أتدري من أنا؟‏ ‏ قال: زعمت أنك من قواد أمير المؤمنين.‏ ‏ قال: لا. ولكنني أمير المؤمنين.‏ ‏ فأخذ الأعرابي منه النبيذ وأراقه على الأرض وقال:‏ ‏ إليك عني! فوالله لو شربت الرابعة لادّعيت أنك رسول الله.‏
من كتاب "المستطرف من كل فن مستظرف" للأبشيهي.‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:14 AM

حكم القاضي لا يحل حراماً
تنازع رجلان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مال، وادعى كل منهما أنه صاحبه، فرفعا أمرهما إلى النبي، ولم تكن لأحدهما بينة تثبت حقه، فوعظهما الرسول، قبل أن يقضي بينهما، عسى أن يرجع المبطل منهما، فقال ما معناه:‏ ‏ إنما أنا بشر مثلكم، لا أعلم الغيب، ولا ما خفي في الضمائر، إلا ما يوحي به الله إليّ من القرآن وأمور الشرع، فإذا حكمت، فسيكون حكمي مبنياً على ما يظهر لي من قولكما، والله يتولى محاسبتكما على السرائر، وربما كان أحدكما أفصح تعبيراً، وأقوى تأثيراً، يصوغ الحجج، ويجلو الغامض، لحذقه وطول مرانه وسرعة بديهته، فأحكم له، وهو في الواقع ليس بصاحب الحق، ويكون الآخر دونه في القدرة على الدفاع والحوار، فيقع في نفسي أنه مبطل، فأرفض دعواه وهو محق، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقضي له بقطعة من النار، إن نفعته في الدنيا، فسيصلى نار جهنم في الآخرة، وتكون عاقبة أمره خسراً، وخير له أن يترك الحق لصاحبه ولا يستحله، فبكى الرجلان من شدة التأثر، وتنازل كل منهما عن حقه للآخر، دفعاً للشبهة عن نفسه، ودرءاً لعذاب النار يوم القيامة.

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:14 AM

حـِلـْم المعتضــد
‏ قال عبيد الله بن سليمان:‏ ‏ كنت يومـاً بحضرة الخليفة المعتضد وخادم من خدمه بيده المذبـّة. فبينما هو يذبّ إذ ضرب بالمذبـّة قلنسوة المعتضد فسقطت على الأرض.‏ ‏ فكدتُ أصعق إعظامـاً لما حدث، والمعتضد على حاله لم يتغيـّر ولم ينكر شيئـاً. ثم دعا غلامـاً فقال له:‏ ‏ هذا الغلام قد نعس. فزِد في عدد خدم المذبة، ولا تنكر عليه فعله.‏ ‏ قلت:‏ ‏ والله يا أمير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا، ولا ظننتُ أن حلمـاً يسع مثله.‏ ‏ فقال:‏ ‏ هل يجوز غير هذا؟ أنا أعلم أن هذا الناعس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف. وإنما ينبغي أن يلحق الإنكار بالمتعمد لا بالساهي أو الغالط. ‏
من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:15 AM

حمّاد الرّاوية والشِّعر (1)
‏ كان المفضَّل الضَّبِّي يقول: ‏ ‏ قد سُلِّط على الشِّعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً.‏ ‏ فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أم يلحق؟‏ ‏ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصواب. لا، ولكنه رجل عالم للغات العرب وأشعارها، ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يُشبه به مذاهبَ رجلٍ ويُدخله في شعره، ويُحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء، ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك! ‏ ‏ وقد حُكي أن الخليفة المهديّ قال يومًا للمفضَّل:‏ ‏ إني رأيتُ زهير بن أبي سلْمى افتتح قصيدته بأن قال:‏ ‏ دَعْ ذا وعَدِّ القول في هَرِم ‏ ولم يتقدم له قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟‏ ‏ فقال له المفضّل: ‏ ‏ ما سمعتُ يا أمير المؤمنين في هذا شيئًا، إلا أني توهمته كان يفكر في قول يقوله، فعدل عنه إلى مدح هَرِم وقيل دع ذا، أو كان مفكراً في شيء من شأنه فتركه وقال دع ذا، أي دع ما أنت فيه من فكر وعَدِّ القول في هرم.‏ ‏ فدعا المهدي بحماد الراوية فسأله عن مثل ما سأل عنه المفضَّل، فقال حماد:‏ ‏ ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين.‏ ‏ قال: فكيف قال؟‏ ‏ فأنشده: ‏ لمن الدّيـار بقُنّة الحَــجْرِ أَقْوَيْن مُذْ حجـج ومُذْ دَهــْر قَـفْر بمُنْدَفَع النـحائت من ضَفْوَى أُوُلات الضّال والسرْ دع ذا وعدِّ القول في هرم خيرِ الكهـول وسيـد الحَضر فأقبل المهديّ عليه فقال له: ‏ ‏ قد بلغني عنك خبر لا بدّ من استحلافك عليه.‏ ‏ فحلف له حمّاد بما توثّق منه.‏ ‏ فقال المهدي: اصدُقَني عن حال هذه الأبيات ومَن أضافها إلى زهير فأقرّ له حماد حينئذ أنه قائلها!‏
من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني.‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:15 AM

حمّاد الرّاوية والشِّعر (2)
حدّث الطِّرِمَاح الشاعر قال: ‏ ‏ أنشدتُ حمادا الراوية في مسجد الكوفة قوْلي: ‏ ‏ بان الخليط بسُحْرَةٍ فَتَبَدَّدُوا ‏ ‏ وهي ستون بيتًا. فسكتَ ساعة ولا أدري ما يريد، ثم أقبل عليّ فقال: ‏ ‏ أهذه لك؟ ‏ ‏ قلت: نعم!‏ ‏ قال: ليس الأمر كما تقول.‏ ‏ ثم ردّها عليّ كلَّها وزيادة عشرين بيتًا زادها فيها في وقته!‏ ‏ فقلت له: ويحك! إن هذا الشعر قلتُه منذ أيام ما اطّلع عليه أحد!‏ ‏ قال: قد والله قلتُ أنا هذا الشعر منذ عشرين سنة. ‏ ‏ فقلت: لله عليّ حِجّة حافيًا راجلاً إن جالستُكَ بعد هذا أبداً! ‏ ‏ فأخذ قبضة من حَصَى المسجد وقال: ‏ ‏ لله عليّ بكل حصاة من هذا الحصى مائةُ حِجّة إن كنتُ أبالي! ‏
من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني. ‏


صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:15 AM

حـوار طـريــف
حـُكي أن أعرابياً مرَّ بآخر فقال له: من أين أقبلت يا ابن عم؟‏ ‏ فقال: من الثـَّنية، قال: هل أتيتنا بخير؟‏ ‏ فقال: سل عما بدا لك.‏ ‏ قال: كيف علمك بحيي؟‏ ‏ قال: أحسن العلم.‏ ‏ قال: هل لك علم بكلبي نـَفاع.‏ ‏ قال: حارس الحي؟‏ ‏ قال: فبأم عثمان.‏ ‏ قال: ومن مثل أم عثمان؟‏ ‏ قال: فبعثمان؟‏ ‏ قال: وأبيك إنه جرو الأسد.‏ ‏ قال: فبجملنا السقاء؟‏ ‏ قال: والله إن سنامه ليخرج من الغبيط.‏ ‏ قال: فبالدار؟‏ ‏ قال: وأبيك إنها لخصيبة الجناب عامرة الفناء، ثم قام عنه ناحية وقعد يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح به، وقال: يا ابن العم أين هذا الكلب من نفاع.‏ ‏ قال: يا أسفا على نفاع. مات.‏ ‏ قال: وما أماته؟‏ ‏ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات.‏ ‏ قال: إنا لله، أو قد مات الجمل، فما أماته؟‏ ‏ قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله.‏ ‏ فقال: ويلك أماتت أم عثمان؟‏ ‏ قال: أي والله علمت أنه أماتها لأسف على عثمان.‏ ‏ قال: ويلك أمات عثمان؟‏ ‏ قال: أي وعهد الله قد سقطت عليه الدار.‏ ‏ فرمى الأعرابي بطعامه، وأخذ ينتف لحيته، ويقول إلى أين أذهب؟‏ ‏ فيقول الآخر: إلى النار، وجعل يلتقط الطعام ويأكله ويهزأ به ويضحك ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام. ‏

صائد الأفكار 5 - 8 - 2011 05:16 AM

حيـــاء
‏ قال عمرو بن بحر الجاحظ:‏ ‏ الحياء لباس سابغ، وحجاب واق، وستر من العيب، وأخو العفاف، وحليف الدين، ورقيب من العصمة، وعين كالئة، تذود عن الفحشاء، وتنهى عن ارتكاب الأرجاس، وسبب إلى كل جميل.‏ ‏ وقال حكيم:‏ ‏ لا ترض قول امرئ حتى ترضى فعله، ولا ترض فعله حتى ترضى عقله، ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه، فإن ابن آدم مجبول على أشياء من كرم ولؤم، فإذا قوي الحياء قوي الكرم، وإذا ضعف الحياء، قوي اللؤم.‏ ‏ وقال آخر:‏ ‏ لا يزال الوجه كريماً ما دام حياؤه، ولم يـُرق باللجاجة ماؤه، وقال شاعر:‏ ورب قبيحة ما حال بينـي وبيـن ركوبهــا إلا الحيــاء فكان هو الدواء لها ولكن إذا ذهــب الحيـاء فـلا دواء


الساعة الآن 09:36 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى