منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 7 - 8 - 2010 02:52 PM

استيلاء أبي علي على الري ودخول جرجان في طاعة نوح
ثم إن الأمير نوحاً سار إلى مرو وأمر أبا علي بن محتاج أن يسير بعساكر خراسان إلى الري وينتزعها من يد ركن الدولة بن بويه فسار لذلك ولقي في طريقه وشمكير وافداً على الأمير نوح فبعثه إليه‏.‏وسار أبو علي إلى بسطام فاضطرب جنوده وعاد عنه منصور بن قراتكين من أكابر أصحاب نوح فقصدوا جرجان وصدهم الحسن بن الفيرزان فانصرفوا إلى نيسابور‏.‏وسار إلى الأمير نوح بمرو فأعاده وأمده بالعساكر‏.‏وسار من نيسابور في منتصف ثلاث وثلاثين‏.‏وعلم ركن الدولة بكثرة جموعه فخرج من الري واستولى أبو علي عليها وعلى سائر أعمال الجبال‏.‏وأنفذ نوابه إلى الأعمال وذلك في رمضان من سنته‏.‏ثم سار الأمير نوح من مرو إلى نيسابور وأقام بها ووضع جماعة من الغوغاء والعامة من أبي علي ويشكون سوء السيرة منه ومن نوابه فولي على نيسابور إبراهيم بن سيجور وعاد عنها وقصد أن يقيم أبو علي بالري لحسن دفاعه عنها وينقطع طمعه عن خراسان فاستوحش أبو علي للعزل وشق عليه‏.‏وبعث أخاه أبا العباس الفضل بن محمد إلى كور الجبال وولاه همذان وخلافة العساكر فقصد الفضل نهاوند والدينور واستولى عليها‏.‏واستأمن إليه رؤساء الأكراد بتلك النواحي وأعطوا رهنهم لطاعة‏.‏وكان وشمكير لما وفد على الأمير نوح بمرو كما قدمناه استمده على جرجان فأمده بعسكر وبعث إلى أبي علي بمساعدته فلقي أبا علي منصرفه في المرة من الري إلى نيسابور فبعث معه جميع من بقي من العسكر‏.‏وسار وشمكير إلى جرجان وقاتل الحسن بن الفيرزان فهزمه واستولي على جرجان بدعوة نوح بن السعيد وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين‏.‏انتفاض أبي علي وولاية منصور بن قراتكين على خراسان قد تقدم لنا أن الأمير نوحاً عزل أبا علي بن محتاج عن خراسان وكان من قبلها ديوان الجند وهو لنظره وبعث من يستعرض الجند فمحا وأثبت وزاد في العطاء ونقص واستوحش لذلك كله واستوحش الجند من التعرض إليهم بالإسقاط ولأرزاقهم بالنقصان‏.‏وخلص بعضهم إلى بعض بالشكوى واتفقوا في سيرهم إلى الري وهم بهمذان على استقدام إبراهيم بن أحمد أخي السعيد الذي كان قد هرب أمامه إلى الموصل كما تقدم‏.‏وظهر أبو علي على شأنهم فنكر عليهم فتهددوه وكاتبوا إبراهيم واستدعوه جاء إليهم بهمذان في رمضان سنة أربع وثلاثين‏.‏وكاتبه أبو علي وكتب أخوه الفضل سرأ إلى الأمير نوح بذلك‏.‏ونمي خبر كتابه إلى أخيه أبي علي فقبض عليه وعلى متولي الديوان‏.‏وسار إلى نيسابور واستخلف على الري والجبل وبلغ إلى الأمير نوح فنهض إلى مرو واضطرب الناس عليه وشكوا من محمد بن أحمد الحاكم مدبر ملكه ورأوا أنه الذي أوحش أبا علي وأفسد الدولة فنقموا ذلك عليه واعتلوا عليه مع فدفع إليهم الحاكم فقتلوه منتصف سنة خمس وثلاثين‏.‏ووصل أبو علي إلى نيسابور وبها إبراهيم بن سيجور ومنصور بن قراتكين وغيرهما من القواد فاستمالهم وساروا معه ودخلها في محرم سنة ست وثلاثين‏.‏ثم ارتاب بمنصور بن قراتكين فحبسه وسار من نيسابور ومعه العم إبراهيم إلى مرو وهرب أخوه الفضل في طريقه من محبسه ولحق بقهستان‏.‏ولما قاربوا مرو اضطرب عسكر الأمير نوح وجاء إليهم أكثرهم‏.‏واستولي عليها وعلى طخارستان‏.‏وبعث نوح العساكر من بخارى مع الفضل أبي علي إلى الصغانيان فأقاموا بها ودس إليهم أبو علي فقبضوا على الفضل وبعثوا به إلى بخارى‏.‏وعاد أبو علي من طخارستان إلى الصغانيان فأقاموا بها في ربيع سنة سبع وثلاثين وقاتل العساكر فغلبوه ورجع إلى الصغانيان‏.‏ثم تجاوزها وأقام قريباً منها ودخلتها العساكر فخربوا قصوره ومساكنه وخرجوا في أتباعه فرجع وأخذ عليهم المسالك فضاقت أحوالهم وجنحوا إلى الصلح معه على أن يبعث بابنه أبي المظفر عبد الله إلى الأمير نوح رهينة فانعقد ذلك منتصف سنة سبع وثلاثين‏.‏وبعث بابنه إلى بخارى فأمر نوح بلقائه وخلع عليه وخلطه بندمائه وسكنت الفتنة‏.‏قال ابن الأثير‏:‏ هذا الذي ذكره مؤرخو خراسان في هذه القصة وأما أهل العراق فقالوا إن أبا علي لما سار نحو الري استمد ركن الدولة بن بويه أخاه عماد الدولة فكتب يشير عليه بالخروج عن الري وملكها أبو علي‏.‏وكتب عماد الدولة إلى نوح سراً يبذل له في الري في كل سنة مائة ألف دينار وزيادة على ضمان أبي علي ويعجل له ضمان سنة وسجله عليه‏.‏ثم دس عماد الدولة إلى نوح في القبض على أبي علي وخوفه منه فأجاب الأمير نوح إلى ذلك وبعث تقرير الضمان وأخذ المال‏.‏ودس ركن الدولة إلى أبي علي بهمذان ورجع به على خراسان‏.‏وعاد ركن الدولة إلى الري واضطربت خراسان ومنع عماد الدولة مال الضمان خوفاً عليه في طريقه من أبي علي‏.‏وبعث إلى أبي علي‏.‏يحرضه على اللقاء ويعده بالمدد‏.‏وفسد ما بينه وبين إبراهيم وانقبض عنه وأن الأمير نوحاً سار إلى بخارى عند مفارقتها أبي علي‏.‏وحارب إبراهيم العم ففارقه القواد إلى الأمير نوح فأخذ أسيراً وسمله الأمير نوح وجماعة من أهل بيته والله أعلم‏.‏انتقاض ابن عبد الرزاق بخراسان كان محمد بن عبد الرزاق عاملاً بطوس وأعمالها وكان أبو علي استخلفه بنيسابور عندما زحف منها إلى الأمير نوح فلما راجع الأمير نوح ملكه انتقض ابن عبد الرزاق بخراسان‏.‏وولي الأمير نوح على خراسان محمد بن عبد الرزاق واتفق وصول وشمكير منهزماً من جرجان أمام الحسن بن فيرزان‏.‏واستمد الأمير نوحاً فأخرج معه منصوراً في العساكر وأمرهما بمعاجلة ابن عبد الرزاق فخرج سنة ست وثلاثين إلى أستراباذ ومنصور في أتباعه فلحق بجرجان واستأمن إلى ركن الدولة بن بويه ومضى إلى الري‏.‏وسار منصور بن قراتكين إلى طوس وحاصر رافع إلى قلعة أخرى فحاصره منصور بها حتى استأمن إليه وجمع ما معه فأنبه أصحابه‏.‏وخرج معهم فافترقوا في الجبال واحتوى منصور على ما وجد بالحصن وحمل عيال محمد بن عبد الرزاق وأمه إلى بخارى فاعتقلوا بها‏.‏ولما وصل محمد بن عبد الرزاق إلى ركن الدولة بن بويه استيلاء ركن الدولة بن بويه علم طبرستان وجرجان ومسير العساكر إلى جرجان والصلح مع الحسن بن الفيرزان ولما وقع من الإضطراب ما وقع بخراسان اجتمع ركن الدولة بن بويه والحسن بن الفيرزان وقصدوا بلاد وشمكير فهزموه وملك ركن الدولة طبرستان‏.‏وسار إلى جرجان فملكها وأقام بها الحسن بن الفيرزان‏.‏واستأمن قواد وشمكير إليهم فأمنوهم‏.‏وسار وشمكير إلى خراسان مستنجداً بصاحب خراسان فسار معه منصور بن قراتكين في عساكر خراسان إلى جرجان وبها الحسن بن الفيرزان‏.‏واسترهن ابنه ثم أبلغه عن الأمير نوح ما أقلعه فأعاد على الحسن ابنه وعاد إلى نيسابور وأقام وشمكير بأرزن‏.‏

مسير ابن قراتكين إلى الري وعوده إليه
ثم سار منصور بن قراتكين سنة تسع وثمانين إلى الري بأمر الأمير نوح لغيبة ركن الدولة بن بويه في نواحي فارس فوصل إلى الري واستولى عليها وعلى الجبل إلى قرميسين فكبس الذين بها من العسكر وهم غازون وأسروا مقدمهم محكماً وحبس ببغداد ورجع الباقون إلى همذان فسار سبكتكين نحوهم وجاء ركن الدولة أثر الإنهزام وشاور وزيره أبا الفضل بن العميد فأشار عليه بالثبات‏.‏ثم أجفل عسكر خراسان إلى الري لإنقطاع الميرة عنهم وكان ذلك سواء بين الفريقين إلا أن الديلم كانوا أقرب إلى البداوة فكانوا أصبر على الجوع والشظف فركب ركن الدولة واحتوى على ما خلفه عسكر خراسان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:53 PM

وفاة ابن قراتكين ورجوع أبي علي بن محتاج إلي ولاية خراسان
ثم توفي منصور بن قراتكين صاحب خراسان بالري بعد عوده من أصفهان في ربيع سنة أربعين وحملت جنازته إلى أسفيجاب فدفن بها عند والده فولي الأمير نوح على خراسان أبا علي بن محتاج وأعاده إلى نيسابور‏.‏وقد كان منصور يستقيل من ولاية خراسان لما يلقي بها من جندها ويستعفي نوحاً المرة بعد المرة‏.‏وكان نوح يعد أبا علي بعوده إلى ولايته‏.‏فلما توفي منصور بعث إليه بالخلع واللواء وأمره بالمسير وأقطعه الري وأمره بالمسير إليها فسار عن الصغانيان في رمضان سنة أربعين واستخلف مكانه ابنه أبا منصور وانتهى إلى مرو فأقام إلى أن أصلح أمر خوارزم وكانت شاغرة‏.‏ثم سار إلى نيسابور فأقام بها‏.‏ولما كانت سنة إثنتين وأربعين كتب وشمكير إلى الأمير نوح أن يأمر أبا علي بن محتاج بالمسير معه في عساكر خراسان فساروا في ربيع من السنة وخام ركن الدولة عن إلقائهم فامتنع بطزل وأقام عليه أبو علي عدة شهور يقاتله حتى سئم العسكر وعجفت دوابهم فمال إلى الصلح وسعي بينهما فيه محمد بن عبد الرزاق المقدم ذكره فتصالحا على مائتي ألف دينار ضريبة يعطيها ركن الدولة في كل سنة ورجع أبو علي إلى خراسان في وكتب وشمكير إلى الأمير نوح بأن أبا علي لم ينصح في الحرب وأن بينه وبين ركن الدولة مداخلة‏.‏وسار ركن الدولة بعد انصراف أبي علي نحو وشمكير فانهزم إلى أسفرايين واستولى ركن الدولة على طبرستان‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif عزل الأمير أبي علي عن خراسان ومسيره إلى ركن الدولة
وولاية بكر بن مالك مكانه ولما تمكنت سعاية وشمكير من أبي علي عند الأمير نوح كتب إليه بالعزل عن خراسان سنة إثنتين وأربعين وكتب إلى القواد بمثل ذلك‏.‏واستعمل على الجيوش مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني وبعث أبو علي يعتذر فلم يقبل‏.‏وأرسل جماعة من أعيان نيسابور يسألون إبقاءه فلم يجيبوا فانتقض أبو علي وخطب لنفسه بنيسابور‏.‏وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بأن يتفقا ويتعاضدا على أولياء ركن الدولة حيث كانوا ففعلا ذلك فارتاب أبو علي بأمره ولم يمكنه العود إلى الصغانيان ولا المقام بخراسان فصرف وجهه إلى ركن الدولة واستأذنه في المسير إليه فأذن‏.‏وسار أبو علي إلى الري سنة ثلاث وأربعين فأكرمه ركن الدولة وأنزله معه واستولى بكر على خرا سان‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة الأمير نوح وولاية ابنه عبد الملك
ثم توفي الأمير نوح بن نصر ولقبه الحميد في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة لإثنتي عشرة سنة من ولايته وولي بعده ابنه عبد الملك‏.‏وقام بأمره بكر بن مالك الفرغاني فلما قرر أمر دولته وثبت ملكه أمر بكراً بالمسير إلى خراسان فكان من شأنه مع أبي علي ما قدمناه‏.‏مسير العساكر من خراسان إلى الري وأصفهان ثم زحفت عساكر خراسان إلى الري سنة أربع وأربعين وبها ركن الدولة بن بويه قدم إليها من جرجان واستمد أخاه‏.‏معز الدولة ببغداد فأمده بالحاجب سبكتكين‏.‏وبعث بكر عسكراً آخر من خراسان مع محمد بن ماكان على طريق المفازة إلى أصفهان‏.‏وكان بأصفهان أبو منصور علي بن بويه بن ركن الدولة فخرج عنها بحرم أبيه وخزائنه وانتهى إلى خالنجان‏.‏ودخل محمد بن ماكان أصفهان وخرج في أتباع بن بويه وأدرك الخزائن فأخذها وسار فأدركه‏.‏ووافق وصول أبي الفضل بن العميد وزير ركن الدولة في تلك الساعة فقاتله ابن‏.‏ماكان وهزم أصحابه وثبت ابن العميد وشغل عسكر ابن ماكان بالنهب فاجتمع على ابن العميد لمة من العسكر فاستمات وحمل على عسكر ابن ماكان فهزمهم وأسر ابن ماكان‏.‏وسار ابن العميد إلى أصفهان فملكها وأعاد حرم ركن الدولة به إلى حيث كانوا من أصفهان‏.‏ثم بعث ركن الدولة إلى بكر بن مالك صاحب الجيوش بخراسان وقرر معه الصلح على مال يحمله ركن الدولة إليه على الري ويلد الجبل قتقرر ذلك بينهما وبعث إليه من عند أخيه ببغداد بالخلع وفاة عبد الملك بن نوح صاحب ما وراء النهر وولاية أخيه منصور ثم توفي الأمير عبد الملك لإحدى عشرة خلت من شوال سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة لسبع سنين من ولايته‏.‏وولي بعده أخوه أبو الحارث منصور بن نوح واستولي ركن الدولة لأول أيامه على طبرستان وجرجان فملكهما وسار وشمكير عنها فدخل بلاد الجبل‏.‏مسير العساكر من خراسان إلى الري ووفاة وشمكير قد ذكرنا من قبل أن وشمكير كان يقدح في عمال بني سامان بأنهم لا ينصحون لهم ويداخلون عدوهم من الديلم‏.‏ووفد أبو علي بن إلياس صاحب كرمان على الأمير الحارث منصور مستجيشاً به على بني بويه فحرضه على قصد الري وحذره من الإستمالة في ذلك إلى عماله كما أخبره وشمكير وبعث إلى الحسن بن الفيرزان بالنفير عساكره‏.‏ثم أمر صاحب جيوش خراسان أبا الحسن بن محمد بن سيجور الدواني بالمسير إلى الري وأوصاه بالرجوع إلى رأي وشمكير وبلغ الخبر إلى ركن الدولة فاضرب وبعث بأهله وولده إلى أصفهان‏.‏واستمد ابنه عضد الدولة بفارس وبختيار ابن عز الدولة ببغداد فبادر عضد الدولة إلى إمداده وبعث العساكر على طريق خراسان يريد قضدها لخلوها من العسكر فأجحفت عساكر خراسان وانتهوا إلى الدامغان فأقاموا وبرز ركن الدولة نحوهم في عساكره من الري‏.‏وبينما هم في ذلك ركب وشمكير يوماً ليتصيد فاعترضه خنزير فأجفل فرسه وسقط إلى الأرض وانهشم ومات في المحرم سنة سبع وخمسين وانتقض ما كانوا فيه‏.‏وقام يسنون بن وشمكير مقام أبيه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده ركن الدولة بالمال والرجال‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif خبر أبي إلياس بكرمان
كان أبو علي بن إلياس قد ملك كرمان بدعوة بني سامان واستبد بها وأصابه فالج وأزمن به‏.‏وكان له ثلاثة من الولد اليسع وإلياس وسليمان‏:‏ فعهد إلى اليسع وبعده إلياس وأمر سليمان بالعود إلى أرضهم ببلاد الصغد يقيم بها فيما لهم هنالك من الأموال لعداوة كانت بين سليمان واليسع فخرج سليمان لذلك واستولى على السيرجان فأنفذ إليه أبوه أبو علي ابنه الآخر في عسكر وأمره بإجلائه عن البلاد ولا يمكنه من قصد الصغد إن طلبها فسار وحاصره‏.‏ولما ضاق الحصار على سليمان جمع أمواله ولحق بخراسان‏.‏وملك اليسع السيرجان وسار إلى خراسان‏.‏ثم لحق أبو علي ببخارى ومعه ابنه سليمان فأكرمه الأمير أبو الحارث وقربه‏.‏وأغزاه أبو علي بالري وتجهيز العساكر إليه كما ذكرناه‏.‏وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين كما نذكر في أخباره‏.‏ولحق اليسع ببخارى فأقام بها‏.‏ثم سعى سليمان عند الأمير أبي الحارث منصور في المسير إلى كرمان وأطمعه في ملكها وأن أهلها في طاعته فبعث معه عسكراً‏.‏ولما وصل أطاعه أهل نواحيها من القمص والبولص وجميع المنتقضين على عضد الدولة واستفحل أمره فسار إليه كورتكين عامل عضد الدولة بكرمان وحاربه ونزعت عساكره عنه فانهزم وقتل معه ابنا أخيه اليسع وهما بكر والحسين وكثير من القواد وصارت كرمان للديلم‏.‏انعقاد الصلح بين منصور بن نوح وبين بني بويه ثم انعقد الصلح بين الأمير أبي الحارث منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر وبين ركن الدولة وزوجه ابنته وحمل إليه من الهدايا والتحف ما لم يحمل مثله‏.‏وكتب بينهم كتاب الصلح شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق‏.‏وتم ذلك على يد أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور صاحب الجيوش بخراسان من جهة الأمير أبي الحارث في سنة إحدى وستين‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة منصور بن نوح وولاية ابنه نوح
ثم توفي الأمير أبو الحارث منصور ببخارى منتصف سنة ست وستين وثلاثمائة وولي بعده ابنه أبو القاسم نوح صبيا لم يبلغ الحلم فاستوزر أبا الحسن العتبي وجعل على حجابة بابه مولاه أبا العباس قاسما وكان من موالي أبي الحسن العتبي فأهداه إلى الأمير أبي صالح وشركهما في أمر الدولة أبو الحسن فائق وأقر على خراسان أبا الحسن حمد بن إبراهيم بن عزل ابن سيجهر عن خراسان وولاية أبي العباس تاش قد تقدم لنا شأن خلف بن أحمد الليثي صاحب سجستان وانتصاره بالأمير منصور بن فرج على قريبه طاهر بن خلف بن أحمد بن الحسين المنتقض عليه لسنة أربع وخمسين وأنه مده بالعسكر ورده إلى ملكه‏.‏ثم انتقض طاهر ثانيًا بعد انصراف العسكر عن خلف وبعث مستجيشًا فأمده ثانيًا‏.‏وقد هلك طاهر وولى ابنه الحسين فحاصره خلف وأرهقه الحصار فنزل لخلف عن سجستان ولحق بالسعيد نوح بن منصور‏.‏وأقام خلف دعوة نوح في سجستان وحمل المال متقرراً عليه كل سنة‏.‏ثم قصر في الطاعة والخدمة وصار يتلقى الأوامر بالإعراض والإهمال فرمى بالحسين بن طاهر في جيوش خراسان وحاصره بقلعة أرك وطال انحصاره‏.‏وأمده العتبي الوزير بجماعة القواد كالحسن بن مالك وبكتاش فأقاموا عليه سبع سنين حتى فنيت الرجال والأموال‏.‏وكان ابن سيجور بخراسان وكانت أيامه قد طالت بها فلا يطيع السلطان إلا فيما يراه‏.‏وكان خلف بن أحمد صاحبه فلم يغن عليه وعوتب في ذلك وعزل عن خراسان بأبي العباس تاش فكتب يعتذر ورحل إلى قهستان ينتظر جواب كتابه فجاءه كتاب الأمير نوح بالمسير إلى سجستان فسار واستنزل خلفا من معقله للحسين بن طاهر‏.‏وسار خلف إلى حصن الطاق وداخله ابن سيجور وأقام خطبة لرضا نوح به وانصرف‏.‏ولما ولي الأمير نوح الحاجب أبا العباس تاش قيادة خراسان سار إليها سنة إحدى وسبعين فلقي هنالك فخر الدولة ابن ركن الدولة وشمس المعالي قابوس بن وشمكير ناجين من جرجان‏.‏وكان من خبرهما أن عضد الدولة لما استولى على بلاد أخيه فخر الدولة وهزمه ولحق فخر الدولة بقابوس وبعث عضد الدولة في طلبه ترغيبا وترهيبا فأجاره قابوس وبعث عضد الدولة في طلبه أخاه مؤيد الدولة في العساكر إليهم ولقيهم قابوس فهزموه فسار إلى بعض قلاعه واحتمل منها ذخائره ولحق بنيسابور‏.‏ولحق به فخر الدولة ناجيًا من المعركة فأكرمهم أبو العباس تاش وأنزلهم خير منزل وأقاموا عنده واستولى مؤيد الدولة على جرجان وطبرستان‏.‏مسير أبي العباس في عساكر خراسان إلى جرجان ثم مسيره إلي بخارى ولما وصل قابوس بن وشمكير وفخر الدولة بن ركن الدولة إلى أبي العباس تاش مستجيرين بالأمير نوح على استرجاع جرجان وطبرستان من يد مؤيد الدولة كتب بذلك إلى الأمير نوح ببخارى فأمره بالمسير معهما وإعادتهما إلى ملكهما فسار معهما لذلك في العساكر ونازلوا جرجان شهرين حتى ضاق عليهم الحصار‏.‏وداخل مؤيد الدولة فائقاً من قواد خراسان ورغبه فوعده بالانهزام‏.‏ثم خرج مؤيد الدولة من جرجان في عساكره مستميتاً فهزمهم ورجعوا إلى نيسابور وكتبوا إلى بخارى بالخبر فأجابهم الأمير نوح بالوعد واستنفر العساكر من جميع الجهات إلى نيسابور للمسير مع قابوس وفخر الدولة فاجتمعوا هنالك‏.‏ثم جاء الخبر بقتل الوزير أبي الحسن العتبي وكان زمام الدولة بيده فيقال‏:‏ إن أبا الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور وضع عليه من قتله وذلك سنة اثنتين وسبعين‏.‏ولما قتل كتب الأمير نوح بن منصور إلى الحاجب أبي العباس تاش يستدعيه لتدبير دولته ببخارى فسار عن نيسابور إليها وقتل من ظفر به من قتلة أبي الحسن‏.‏رد أبي العباس إلى خراسان ثم عزله وولاية ابن سيجور ولما سار أبو العباس إلى بخارى وكان أبو الحسن بن سيجور من حين سار إلى سجستان كما مر مقيما بها‏.‏ثم رجع آخرًا إلى قهستان‏.‏فلما سار أبو العباس تاش إلى بخارى وكتب ابن سيجور إلى فائق يطلب مظاهرته على ملك خراسان أجابه إلى ذلك واجتمعا بنيسابور واستوليا على خراسان وسار إليهما أبو العباس تاش في العساكر‏.‏ثم تراسلوا كلهم واتفقوا على أن يكون بنيسابور وقيادة العساكر لأبي العباس تاش وبلخ لفائق وهراة لأبي الحسن بن سيجور وانصرف كل واحد إلى ولايته‏.‏وكان فخر الدولة بن بويه خلال ذلك معهما بنيسابور ينتظر النجمة إلى أن هلك أخوه مؤيد الدولة بجرجان في شعبان سنة ثلاث وسبعين‏.‏واستدعاه أهل دولته للملك فكاتبه الصاحب ابن عباد غيره فسار إليهم واستولى على ملك أخيه بجرجان وطبرستان‏.‏وكان الأمير نوح لما سار أبو العباس من بخارى إلى نيسابور استوزر مكانه عبد الله بن عزيز وكانت بينه وبين أبي الحسن العتبي منافسة وعداوة‏.‏ثم لما ولي الوزارة تقدم على عزل أبي العباس عن خراسان وكتب إلى أبي الحسن محمد بن إبراهيم بخراسان بولاية نيسابور‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif انتفاض أبي العباس وخروجه مع ابن سيجور ومهلكه
ولما عزل أبو العباس تاش عن خراسان كتب إلى الأمير نوح يستعطفه فلم يجبه فانتقض وكتب إلى فخر الدولة يستمده على ابن سيجور فأملى بالأموال والعسكر مع أبي بحمد عبد الله بن عبد الرزاق وسار إلى نيسابور في عساكره وعساكر الديلم وتحصن ابن سيجور بنيسابور‏.‏وجاءه ممد آخر من فخر الدولة وبرز ابن سيجور للقائهم فهزموه وغنموا منه‏.‏واستولى أبو العباس على نيسابور وكتب إلى الأمير نوح يستعطفه ولج ابن عزيز في عزله‏.‏ثم ثاب لابن سيجور رأيه وعادت إليه قوته وجاءه الأمراء من بخارى مددًا‏.‏وكاتب شرف الدولة أبا الفوارس ابن عضد الدولة بفارس يستمد فأملى بألفي رس مراغمة لعمه فخر الدولة‏.‏فلما كثف جمعه زحف إلى أبي العباس وقاتله فهزمه ولحق رأس بفخر الدولة بن بويه بجرجان فأكرمه وعظمه وترك له جرجان ودهستان وأستراباذ إقطاعاً‏.‏وسار عنها إلى الري وبعث إليه من الأموال والآلات ما يخرج عن الحد‏.‏وأقام أبو العباس بجرجان‏.‏ثم جمع العساكر وسار إلى خراسان فلم يقدر على الوصول إليها وعاد إلى جرجان وأقام بها ثلاث سنين ومات سنة سبع وسبعين‏.‏وقام أهل جرجان بأصحابه لما كانوا يحقدون عليهم من سوء السيرة فقاتلهم أصحابه واستباحوهم حتى استأمنوا وكفوا عنهم‏.‏ثم افترق أصحابه وسار أكثرهم وهم كبار الخواص والغلمان إلى خراسان وقد كان صاحبها أبو الحسن سيجور مات فجأة وقام بأمرها مكانه ابنه أبو علي وأطاعه إخوته وكبيرهم أبو القاسم ونازعه فائق الولاية فلحق به أصحاب أبي العباس واستكثربهم لشأنه‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ولاية أبي علي بن سيجور علي خراسان
قد تقدم اتفاق أبي الحسن بن سيجور وأبي العباس تاش وفائق على أن تكون نيسابور وقيادة خراسان لتاش وبلخ لفائق وهراة لأبي علي بن أبي الحسن سيجور‏.‏ثم عزل تاش بسعاية الوزير ابن عزيز وولى أبو الحسن وكانت بينهما الحرب التي مر ذكرها‏.‏وانهزم تاش إلى جرجان فاستقر أبو علي بهراة وفائق ببلخ وكان ابن عزيز يستحث الحسن لقصد جرجان‏.‏ثم عزل ابن عزيز ونفي إلى خوارزم وقام مكانه أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني‏.‏ثم عجز لما نزل بالدولة من قلة الخراج وكثرة المصاريف فصرف عن الوزارة بأبي نصر بن أحمد بن محمد بن أبي يزيد ثم عزل وأعيد أبو علي الدامغاني‏.‏وهلك أبو الحسن بن سيجور خلال ذلك وقام ابنه أبو علي مقامه‏.‏وكاتب الأمير نوح بن منصور يطلب أن يعقد له الولاية كما كانت لأبيه فأجيب إلى ذلك ظاهرا وكتب لفائق بولاية خراسان وبعث إليه بالخلع والألوية‏.‏وكان أبو علي يظن أنها له فلما بدا له من ذلك ما لم يحتسب جمع عسكره وأغذ السير وأوقع بفائق ما بين هراة وبوشنج فانهزم فائق إلى مرو الروذ وملك أبو علي مرو ووصله عهد الأمير نوح بقيادة الجيوش وولاية نيسابور وهراة وقهستان ولقبه عماد الدولة ثم رقاه الأمير نوح واستولى على سائر خراسان‏.‏واستبد بها على السلطان حتى طلبه نوح في بعض أعمالها لنفقته فمنعه وأقام مظهرا لطاعته وخشي غائلة السلطان من طلبة نوح فكاتب بقراخان ملك الترك ببلاد كاشغر وشاغور يغريه ويستحثه لملك بخارى وما وراء النهر على أن يستقر هو بخراسان‏.‏خبر فائق وأقام بعد انهزامه أمام أبي علي بمرو الروذ حتى اندملت جراحه واجتمع إليه أصحابه وسار إلى بخارى قبل أن يستأذن فارتاب به الأمير نوح فسرح إليه العساكر مع أخي الحاجب وبكثرزون فانهزم وعبر النهر إلى بلخ فأقام بها أياما‏.‏وسار إلى ترمذ وكاتب بقراخان يستحثه‏.‏وكتب الأمير نوح إلى والي الجوزجان أبي الحارث أحمد بن محمد الفيرقوني بقصد فائق فقصده في جموعه وسرح فائق إليه بعض عسكره فهزمه وعاد إلى بلخ‏.‏وكان طاهر بن الفضل قد ملك الصغانيان على أبي المظفر محمد بن أحمد وهو واحد خراسان فانقطع أبو المظفر إلى فائق صريخًا فأملى وسار إلى طاهر بعسكر فائق واقتتلوا فانهزم طاهر وقتل وصارت الصغانيان لفائق.

ميارى 7 - 8 - 2010 02:55 PM

استيلاء الترك على بخارى
و لما خرج الأمير نوح عن بخارى عبر النهر واستقر بآمل الشط وكاتب أبا علي بن سيجور للنصرة وكاتب فائقا أيضا يستصرخه فلم يصرخه أحد منهما‏.‏وبلغه مسير بقراحان عن بخارى فأغذ السير إليها وعاود الجلوس على كرسي ملكه وتباشر الناس بقدومه ثم بلغه مهلك بقراخان فتزايد سرورهم‏.‏ولما عاد الأمير نوح إلى بخارى ندم أبو علي على ما فرط فيه من نصرته وأجمع الاستظهار بفائق فأزاحوه عن ملكه وملكوها ولحق فائق بأبي علي بن سيجور وتظاهرا على الأمير نوح وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏عزل علي بن سيجور عن خراسان وولاية سبكتكين لما اجتمع أبو علي بن سيجور وفائق على منافرة الأمير نوح وعصيانه كتب الأمير عليهما وولاه خراسان‏.‏وكان سبكتكين في شغل عن أمرهم بما هو فيه من الجهاد مع كفار الهند‏.‏فلما جاءه كتاب نوح ورسوله بادر إليه وتلقى أمره في ذلك وعاد إلى غزنة فجمع العساكر‏.‏وبلغ الخبرأبا علي وفائقا فبعثا إلى فخر الدولة بن بويه يستنجدانه واستعانا في ذلك بوزيره الصاحب ابن عباد فبعث إليهما مدداً من العساكر‏.‏ثم سار سبكتكين وابنه محمود نحو خراسان سنة أربع وثمانين‏.‏وسار الأمير نوح واجتمعوا ولقوا أبا علي‏.‏وفائقا بنواحي هراة وكان معهما دارا بن قابوس بن وشمكير فنزع إلى الأمير نوح وانهزم أصحاب أبي علي وفائق وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور فلحقا بجرجان وتلقاهما فخر الدولة بالهدايا والتحف والأموال وأنزلهما بجرجان‏.‏واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين ولقبه‏.‏سيف الدولة ولقب أباه سبكتكين ناصر الدولة‏.‏وعاد نوح إلى بخارى وترك سبكتكين بهراة ومحمود بنيسابور‏.‏عود ابن سيجور إلى خراسان لما افترق نوح وسبكتكين طمع أبو علي وفائق في خراسان فسار عن جرجان إلى نيسابور في ربيع سنة خمس وثمانين وبرز محمود للقائهما بظاهر نيسابور وأعجلوه عن وصول المدد من أبيه سبكتكين‏.‏وكان في قلة وانهزم إلى أبيه وغنموا سواده‏.‏وأقام أبو علي بنيسابور‏.‏وكان الأمير نوح يستميله ويتلطف في العذر مما كان من سبكتكين فلم يجيباه إلى ما طلب‏.‏ظهورسبكتكين وابنه محمود على أبي علي وفائق ومقتل أبي علي ولما دخل أبو علي نيسابور وانهزم عنها محمود جمع سبكتكين العساكر وسار إليه فالتقوا بطوس‏.‏وجاء محمود على اثره مددًا فانهزم هو وفائق إلى أبيورد فاتبعهما سبكتكين بعد أن استخلف ابنه محمودأ بنيسابور ثم آمل الشط وكتبا إلى الأمير نوح يستعطفانه فشرط على أبي علي أن ينزل بالجرجانية ويفارق فائقا ففعل‏.‏ونزل قريبا من خوارزم بالجرجانية فأكرمه أبو عبد الله خوارزم شاه وسكن إليه وبعث من ليلته من جاء به واعتقله وأعيان أصحابه‏.‏وبلغ الخبر إلى مأمون بن محمد صاحب الجرجانية فاستعظم ذلك وسار بعساكره إلى خوارزم شاه وافتتح مدينته وتسمى كاش عنوة وخلص أبا علي من محبسه وعاد إلى الجرجانية‏.‏واستخلف بعض أصحابه على بلاد خوارزم‏.‏ولما عاد إلى الجرجانية أخرج خوارزم شاه وقتله بين يدي أبي علي بن سيجور وكتب إلى الأمير نوح يشفع في أبي علي فشفعه‏.‏واستدعى أبا علي إلى بخارى فسار إليها وأمر الأمراء والعساكر بتلقيه فلما دخل عليه أمر بحبسه‏.‏وشفع سبكتكين فيه فهرب ولحق بفخر الدولة وأقام عنده وأما فائق فلما فارقه أبو علي كما شرط عليه الأمير نوح سار إلى ايلك خان ملك الترك بكاشغر فأكرمه وكتب إلى نوح يشفع فيه فقبل شفاعته وولاه عليها وأقام بها‏.‏

وفاة الأمير نوح وولاية ابنه منصور وولاية بكثرزون علي خراسان
ثم توفي الأمير نوح بن منصور منتصف سبع وثمانين لإحدى وعشرين سنة من ملكه وانتقض بموته ملك بني سامان وصار إلى الانحلال‏.‏ولما توفي قام بالملك بعمه ابنه أبو الحارث منصور وتابعه أهل الدولة واتفقوا على طاعته وقام بتدبير دولته بكثرزون‏.‏واستوزر أبا طاهر محمد بن إبراهيم‏.‏وبلغ خبر وفاة نوح إلى ايلك خان فطمع في ملكهما وسار إلى سمرقند وبعث من هنالك فائقا والخاصة إلى بخارى فاضطرب منصور وهرب عن بخارى وقطع النهر‏.‏ودخل فائق بخارى وأعلم الناس أنه إنما جاء لخدمة الأمير منصور فبعث مشايخ بخارى بذلك إلى منصور ودخل‏.‏واستقدموه بعد أن أخفوا له مواثيق العهود من فائق فاطمأن وعاد إلى بخارى وأقام فائق بتدبير أمره وحكم في دولته وأبعد بكثرزون إلى خراسان أميرا‏.‏وقد كان سبكتكين توفي في شعبان من هذه السنة ووقعت الفتنة بين ابنيه إسماعيل ومحمود فقدم بكثرزون أيام فتنتهما واستولى على خراسان‏.‏ عود أبي القاسم بن سيجور إلى خراسان وخيبته قد ذكرنا مسير بكثرزون إلى خراسان عند مفره أيام محمود بن سبكتكين من خراسان وأقام عند فخر الدولة وعند أبيه مجد الدولة واجتمع عنده أصحاب أبيه‏.‏وكتب إليه فائق من بخارى يغريه ببكثرزون ويأمره بقصد خراسان ويخرج بكثرزون منها فسار عن جرجان إلى نيسابور وبعث جيشاً إلى أسفرايين فملكوها من يد أصحاب بكثرزون‏.‏ثم تردد السفراء بينهما ووقع الصلح والصهر وعاد بكثرزون إلى نيسابور‏.‏

انتقاض محمود بن سبكتكين وملكه نيسابور ثم خروجه عنها
لما فرغ محمود بن سبكتكين من أمر الفتنة بينه وبين أخيه إسماعيل واستولى على ملك غزنة وعاد إلى بلخ وجد بكثرزون واليا على خراسان كما ذكرنا فبعث إلى الأمير منصور بن نوح يذكر وسائله في الطاعة والمحاباة ويطلب ولاية خراسان فاعتذر له عنها وولاه ترمذ وبلخ وما وراءهما من أعمال بست فلم يرض ذلك وأعاد الطلب فلم يجب فسار إلى نيسابور وهرب منها بكثرزون وملكها محمود سنة ثمان وثمانين فسار الأمير منصور من بخارى إليه فخرج عنها إلى مرو الروذ وأقام بها‏.‏

خلع الأمير منصور وولاية أخيه عبد الملك
ولما سار الأمير منصور عن بخارى إلى خراسان لمدافعة محمود بن سبكتكين عن نيسابور سار بكثرزون للقائه فلقيه بسرخس ثم لم يلق من قبوله ما كان يؤمله فشكا ذلك إلى فاثق فألفاه واجدا مثل ذلك فخلصا في نجواهما واتفقا على خلعه وإقامة أخيه عبد الملك مقامه‏.‏ووافقهما على ذلك جماعة من أعيان العسكر‏.‏ثم قبضوا عليه وسملوه أول سنة تسعين لعشرين شهرا من ولايته‏.‏وولى مكانه أخوه عبد الملك وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون يقبح عليهما فعلهما وسار نحوهما طامعا في الاستيلاء على الملك‏.‏استيلاء محمود بن سبكتكين علي خراسان ثم سار محمود بن سبكتكين إلى فائق وبكثرزون ومعهما عبد الملك الصبي الذي نصبوه فساروا إليه والتقوا بمرو سنة تسعين وقاتلهم فهزمهم وافترقوا‏.‏ولجئ عبد الملك ببخارى ومعه فائق ولحق بكثرزون بنيسابور ولحق أبو القاسم بن سيجور بقهستان‏.‏وقصد محمود نيسابور وانتهى إلى طرسوس فهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث في أثره ارسلان الحاجب إلى أن وصل جرجان ورجع فاستخلفه محمود على طرسوس وسار إلى هراة فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها‏.‏ورجع إليها محمود فأجفل عنها ومر بمرو فنهبها ولحق ببخارى‏.‏واستقر محمود بخراسان وأزال عها ملك بني سامان وخطب فيها للقادر العباسي واستدعى الولاية من قبله فبعث إليه بالعهد عليها والخلع لبني سيجور وأنزله نيسابور‏.‏وسار هو إلى بلخ كرسي أبيه فافتقده واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته مثل آل افريقون بالجوزجان والشا ه صاحب غرسيان وبني مأمون بخوارزم‏.‏

استيلاء ايلك خان علىبخارى وانقراض دولة بني سامان
ولما ملك محمود خراسان ولحق عبد الملك ببخارى اجتمع إليه فائق وبكثرزون وغيرهما من الأمراء وأخذوا في جمع العساكر لمناهضة محمود بخراسان‏.‏ثم مات فائق في شعبان من هذه السنة فاضطربوا ووهنوا لأنه كان المقدم فيهم وكان خصيًا من موالي نوح بن نصرفطمع ايلك خان في الاستيلاء على ملكهم كما ملكه بقراخان قبله فسا ر في جموع الترك يظهر المدافعة لعبد الملك عنه فاطمأنوا لذلك وخرج بكثرزون وغيره من الأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم جميعا ودخل بخارى عاشر ذي القعدة ونزل دار الإمارة‏.‏واختفى عبد الملك فبعث العيون عليه حتى ظفر به وأودعه السجن في أرزكند فمات‏.‏وحبس معه أخاه أبا الحارث منصورًا المخلوع وإخوته الآخرين أبا إبراهيم إسماعيل وأبا يعقوب وأعمامه أبا زكريا وأبا سليمان وأبا صالح القاري وغيرهم من بني سامان‏.‏وانقرضت دولتهم بعد أن كانت انتشرت في الآفاق ما بين حلوان وبلاد الترك ووراء النهر وكانت من أعظم الدول وأحسنها سياسة‏.‏خروج إسماعيل بن نوح بخراسان‏:‏ ثم هرب أبو إبراهيم إسماعيل بن نوح من حبسه في زي امرأة كانت تتعاهد خدمته ببخارى‏.‏ثم لحق بخوارزم وتلقب المنتصر واجتمع إليه بقايا القواد والأجناد وبعث قابوس عسكرًا مع ابنيه منوجهر ودارا‏.‏ووصل إسماعيل إلى نيسابور في شوال سنة إحدى وتسعين وجبى أموالها‏.‏وبعث إليه محمود مع التوتناش الحاجب الكبير صاحب هراة فلقيهم فانهزم المنتصر إلى أبيورد وقصد جرجان فمنعه قابوس منها سرخس وجبى أموالها وسكنها في ربيع سنة اثنتين وتسعين فأرسل إليها محمود العساكر مع منصور والتقوا فانهزم إسماعيل وأسر أبو القاسم بن سيجور في جماعة من العسكر فبعث بهم منصور إلى غزنة‏.‏وسار إسماعيل حائرًا فوافى أحياء الغز بخارى فتعصبوا عليه وسار بهم إلى ايلك خان في شوال سنة ثلاث وتسعين بنواحي سمرقند‏.‏وانهزم ايلك واستولى الغز على سواده وأمواله وأسرى من قواده‏.‏ورجعوا إلى أحيائهم وتفاوضوا في إطلاق الأسرى من أصحاب ايلك خان وشعر بهم إسماعيل فسار عنهم خائفًا وعبر النهر إلى آمل الشط‏.‏وبعث إلى مرو ونسا وخوارزم فلم يقبلوه وعاودوا العبور إلى بخارى‏.‏وقاتله واليها فانهزم إلى دبوسية وجمع بها‏.‏ثم عاد فانهزم عساكر بخارى وقاتله واليها‏.‏وجاءه جماعة من فتيان سمرقند فصاروا في جملته وبعث إليه أهله بأموال وسلاح ودواب‏.‏وسار إليه ايلك خان بعد أن استوعب في الحشد بنواحي سمرقند في شعبان سنة أربع وتسعين‏.‏وظاهر الغز إسماعيل فكانت الدبرة على ايلك خان‏.‏وعاد إلى بلاد الترك فاحتشد ورجع إلى إسماعيل وقد افترقت عنه أحياء الغز إلى أوطانهم‏.‏وخف جمعه بنواحي مروسية فهزموه وفتك الترك في أصحابه‏.‏وعبر إسماعيل النهر إلى جوزجان فنهبها وسار إلى مرو وركب المفازة إلى قنطرة راغول ثم إلى بسطام وعسا كر محمود في اتباعه مع ارسلان الحاجب صاحب طوس‏.‏وأرسل إليه قابوس عسكرا مع الأكراد الشاهجانية فأزعجوه عن بسطام فرجع إلى ما وراء النهر وأعرك أصحابه الكلل والملال ففارقه الكثير منهم وأخبروا أصحاب ايلك خان وأعلموهم بمكانه فكبسه الجند فطاردهم ساعة‏.‏ثم دخل في حي من أحياء العرب بالفلاة من طاعة محمود بن سبكتكين يعرف أميرهم بابن بهيج وقد تقدم إليهم محمود في طلبه فأنزله عندهم حتى إذا جن الليل وثبوا عليه وقتلوه وذلك سنة خمس وتسعين‏.‏وانقرض أمر بني سامان وانمحت آثاردولتهم والبقاء لله وحده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:59 PM

دولة بني سبكتكين
الخبر عن دولة بني سبكتكين ملوك غزنة وماورثوه من الملك بخراسان وماوراء النهر عن مواليهم وما فتحوه من بلاد الهند وأول أمرهم ومصائر أحوالهم هذه الدولة من فروع دولة بني سامان وناشئة عنها‏.‏وبلغت من الاستطالة والعز المبالغ العظيمة واستولت على ما كانت دولة بني سامان عليه في عدوتي جيحون وما وراء النهر وخراسان وعراق العجم وبلاد الترك وزيادة بلاد الهند‏.‏وكان مبدأ أمرهم عن غزنة‏.‏وذلك أن سبكتكين من موالي بني التيكين‏.‏وكان التيكين من موالي بني سامان وكان في جملته وولاه حجابته وورد بخارى أيام السعيد منصور بن نوح وهو إذ ذاك حاجبه‏.‏ثم توفي التيكين هذا وعقد له السعيد صور بن نوح سنة خمس وستين وثلاثمائه وولى ابنه نوح ويكنى أبا القاسم واستوزر أبا الحسن العتبي وولى على نيسابور أبا الحسن محمد بن سيجور‏.‏وكان سبكتكين شديد الطاعة له والقيام بحاجاته‏.‏وطرقت دولة بني سامان النكبة من الترك واستولى بقراخان كلى بخارى من يد الأمير نوح‏.‏ئم رجع إليها ومات أبو الحسن بن سيجور وولي مكانه بخراسان ابنه أبو علي‏.‏واستبد على الأمير نوح في الاستيلاء على خراسان عند نكبة الترك‏.‏فلما عاد الأمير نوح إلى كرسيه وثبت في الملك قدمه كاشفه أبو علي في خراسان بالانتقاض واستدعى أبا منصور سبكتكين يستمده على أبي علي ويستعين به في أحوال الدولة فبادر لذلك وكان له المقام المحمود فيه‏.‏وولاه الأمير نوح خراسان فدفع عنها أبا علي‏.‏ثم أستبد بعد ذلك على بني سامان بها‏.‏ثم غلبهم على بخارى وما وراء النهر ومحا اثردولتهم وخلفهم أحسن خلف وأورث ذلك بنيه‏.‏واتصلت دولتهم في تلك الأعمال إلى أن ظهر الغز وملك الشرق والغرب بنو سلجوق منهم فغلبوهم على أمرهم وملكوا تلك الأعمال جميعا من أيديهم حسبما يذكر ذلك كله‏.‏ولنبدأ الآن بسبكتكين من الجهاد في بلاد الهند قبل ولايته خراسان‏.‏فتح بست كانت بست هذه من أعمال سجستان وفي ولايتها‏.‏ولما فسد نظام تلك الولاية بانقراض دولة بني الصفار واخترقت تلك العمالات طوائف فانفرد ببست أمير اسمه طغان‏.‏ثم غلبه عليها آخر اسمه كان يكنى بأبي ثور فاستصرخ طغان سبكتكين على مال ضمنه على الطاعة والخدمة فسار سبكتكين إلى بست وفتحها وأخذ الوزيرأبا الفتح علي بن محمد البستي الشاعر المشهور فأحضره واستكتبه وكتب لابنه محمود من بعده‏.‏ثم استخلف سبكتكين وسار إلى قصدارمن ورائها فملكها وتقبض على صاحبها‏.‏ثم أعاده إلى ملكه على مال يؤديه وطاعة غزو الهند ثم صار سبكتكين بعدما فتح بست وقصد غازيأ بلاد الهند وتوغل فيها حتى افتتح بلادًا لم يدخلها أحد من بلاد الإسلام‏.‏ولما سمع به ملك الهند سار إليه في جيوشه وقد عبى العساكر والفيلة على عادتهم في ذلك بالتعبية المعروفه بينهم‏.‏وانتهى إلى لمغان من ثغوره وتجاوزه وزحف إليه سبكتكين من غزنة في جموع المسلمين‏.‏والتقى الجمعان ونصر الله المسلمين وأسر ملك الهند وفدى نفسه على ألف ألف درهم وخمسين فيلا ورهن في ذلك من قومه‏.‏وبعث معه رجالا لقبض ذلك فغدر بهم في طريقه‏.‏وتقبض عليهم فسارسبكتكين في تعبيته إلى الهند فقبض كل من لقيه من جموعهم وأثخن فيهم‏.‏وفتح لمغان وهدمها وهي ثغر الهند مما يلي غزنه فاهتزلذلك جيبال واحتشد وسار إلى سبكتكين فكانت بينهم حرب شديدة‏.‏وانهزم جيبال وجموع الكفر وخمدت شوكتهم ولم يقم لملوك الهند بعدها معه قائمة‏.‏ثم صرف وجهه إلى إعانة سلطانه الأمير نوح كما نذكر‏.‏

ولاية سبكتكين على خراسان
قد قدمنا أن الأمير نوح بن منصور لما طرقته النكبة ببخارى من الترك وملكها عليه بقراخان عبر النهر إلى آمل الشط واستصرخ ابن سيجور صاحب خراسان وفائقا صاحب بلخ فلم يصرخاه وبلغه مسير بقراخان عن بخارى فأغذ السير إليها وارتجع ملكه كما كان‏.‏وهلك بقراخان فثبت قدمه في سلطانه وارتاب أبو علي وفائق بأمرهم عنده وغلط فائق بالمبادرة إلى بخارى للتهنئة والتقدم في الدولة من غير إذن في ذلك فسرح الأمير نوح غلمانه ومواليه فحاربوه وملكوا بلخا من يده‏.‏ولحق بأبي علي بن سيجور فاستظهر به على فتنة الأمير نوح وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏فكتب الأمير نوح عند ذلك إلى سبكتكين يستدعيه للنصرة عليهما وعقد له على خراسان وأعمالها وكان في شغل شاغل من الجهاد بالهند كما ذكرناه فبادر لذلك‏.‏وسار إلى نوح فلقيه واتفق معه‏.‏ثم رجع إلى غزنة واحتشد وسار هو وابنه محمود ولقيا الأمير نوحا بخراسان في الموضع الذي تواعد معه ولقيهم أبو علي بن سيجور وفائق فهزمهما‏.‏وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور ثم صدوهم عنها إلى جرجان‏.‏واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين وأنزله بها ولقبه سيف الدولة‏.‏وأنزل أباه سبكتكين بهراة ولقبه ناصر الدولة ورجع إلى بخارى‏.‏الفتنة بين سيجوروفائق بخراسان وظهورسبكتكين وابنه محمود عليهم ولما رجع نوح إلى بخارى وطمع أبو علي بن سيجور وفائق في انتزاع خراسان من يد سبكتكين وابنه‏.‏وبادروا إلى محمود بن سبكتكين بنيسابور سنة خمس وثمانين وأعجلوه عن وصول المدد إليه من ابنه سبكتكين‏.‏وكان في قلة فانهزم إلى أبيه بهراة وملك أبو علي نيسابور وسار إليه سبكتكين في العساكر والتقوا بطوس فانهزم أبو علي وفائق حتى انتهيا إلى آمل الشط‏.‏واستعطف أبو علي الأمير نوحا فاستدعاه وحبسه ثم بعث به إلى سبكتكين وحبسه عنده ولحق فائق بملك الترك ايلك خان في كاشغر وشفع فيه إلى الأمير نوح فولاه سمرقند كما مر ذلك كله في أخبارهم‏.‏وكان أبو القاسم أخوأبي علي قد نزع إلى سبكتكين يوم اللقاء فأقام عنده مدة مديدة‏.‏ثم انتقض وزحف إلى نيسابور فجاء محمود بن سبكتكين فهرب ولحق بفخر الدولة بن بويه فأقام عنده واستولى سبكتكين على خراسان‏.‏مزاحفة سبكتكين وايلك خان كان ايلك خان ولي بعد بقراخان على كاشغر وشاغور وعلى أمم الترك وطمع في أعمال الأمير نوح كما طمع أبوه ومد يده إليها شيئًا فشيئًا‏.‏ثم اعتزم على الزحف إليه كتب الأمير نوح إلى سبكتكين بخراسان يستجيشه على ايلك خان فاحتشد وعبر النهر وأقام بين نسف وكشف حتى لحقه ابنه محمود بالحشود من كل جهة وهنالك وصله أبو علي بن سيجورمقيداً بعث به إليه الأميرنوح فأبى من ذلك وجمع ايلك خان أمم الترك من سائر النواحي‏.‏وبعث سبكتكين إلى الأمير نوح يستحثه فخام عن اللقاء وبعث قواده وجميع عساكره وجعلهم لنظره وفي تصريفه فألح عليه سبكتكين وبعث أخاه بغراجق وابنه محمود لاستحثاثه فهرب الوزير ابن عزيز خوفًا منهم وتفادى نوح من اللقاء فتركوه وفت ذلك في عزم سبكتكين‏.‏وبعث ايلك خان في الصلح فبادرسبكتكين وبعث أبا القاسم‏.‏ثم ارتاب به عند عبوره إلى ايلك خان فحبسه مع أبي علي وأصحابه حتى رجع سبكتكين من طوس إلى بلخ فبلغ ا‏!‏ خبربمقتلهم ووصل نعي مأمون بن محمد صاحب الجرجانية بخوارزم غدر به صاحب جيشه في صنيع أعده له وقتله ووصل خبر الأمير نوح اثرهما وأنه هلك منتصف رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة‏.‏

أخبارسبكتكين مع فخر الدولة بن بويه
كان أبوعلي بن سيجوروفائق لما هزمهما سبكتكين لحقا بجرجان عند فخر الدولة بن بويه‏.‏ثم لما أجلب أبو القاسم على خراسان وسار إليه محمود بن سبكتكين وعمه بغراجق وكان معه أبونصر بن محمي الحاجب فهربا إلى فخر الدولة وأقاما في نزله وتحت حرابه بقومس والدامغان وجرجان وأناخ سبكتكين على طوس‏.‏ثم وقعت المهاداة بينه وبين فخر الدولة بن بويه صاحب الري وكان آخر هدية من سبكتكين جاء بها عبد الله الكاتب من ثغابة‏.‏ونمي إلى فخر الدولة أنه يتجسس عدد الجند وغوامض الطرق فبعث إلى سبكتكين بالعتاب في ذلك‏.‏ثم ضعف وفاة سبكتكين وولاية ابنه إسماعيل ولما فرغ سبكتكين من أمر ايلك خان ورجع إلى بلخ وأقام بها قليلا طرقه المرض فبادر به إلى غزنة وهلك فى طريقه في شعبان سنة سبع وثمانين لعشرين سنة من ملكه في غزنة وخراسان ودفن بغزنة وكان عادلا خيرًا حسن العهد محافظا على الوفاء كثير الجهاد‏.‏ولما هلك بايع الجند لابنه إسماعيل بعهده إليه وكان أصغر من محمود فأفاض فيهم العطاء وانعقد أمره بغزنة‏.‏

استيلاء محمود بن سبكتكين على ملك أبيه وظفره بأ خيه إسماعيل
ولما ولي إسماعيل بغزنة استضعفه الجند واستولوا عليه واشتطوا عليه في الطلب حتى أنفذ خزائن أبيه وكان أخوه محمود بنيسابور فبعث إليه أن يكتب له بالأعمال التي لنظره مثل بلخ فأبى وسعى أبو الحرب والي الجوزجان في الإصلاخ بينهما فامتنع إسماعيل فسار محمود إلى هراة معتزما عليه وتحيز معه عمه بغراجق‏.‏ئم سار إلى بست وبها أخوه نصر فاستماله وساروا جميعًا إلى غزنة‏.‏وقد كتب إليه الأمراء الذين مع إسماعيل واستدعوه ووعدوه بالطاعة‏.‏وأغذ السير ولقيه إسماعيل بظاهر غزنة فاقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏وانهزم إسماعيل واعتصم بقلعة غزنة‏.‏واستولى محمود على الملك وحاصر أخاه إسماعيل حتى استنزله على الأمان فأكرمه وأشركه في سلطانه وذلك لسبعة أشهر من ولاية إسماعيل واستقامت استيلاء محمود على خراسان لما ولي أبو الحارث منصور بعد نوح استوزر محمد بن إبراهيم وفوض أمره إلى فائق كفالة وتدبيرًا لصغره‏.‏وكان عبد الله بن عزيز قد هرب من بخارى عند قدوم محمد إليها في استحثاث الأمير نوح للقاء أيلك خان كما مر فلما مات الأمير نوح وولي ابنه منصور أطمع عزيز أبا منصور محمد بن الحسين الأسفيجابي في قيادة الجيش بخراسان وجمله على الانحدار به إلى بخارى مستغيثا بأيلك خان على غرضه فنهض ايلك خان لمصاحبتهما وسار بهما كأنه يريد سمرقند‏.‏ثم قبض على أبي منصور وابن عزيز وأحضر فائقا وأمره بالمسير على مقدمته إلى بخارى فهرب أبو الحارث وملك فائق بخارى ورجع ايلك خان‏.‏واستدعى فائق أبا الحارث فاطمأن وبعث من محانه بكثرزون الحاجب الأكبر على خراسان ولقبه بستان الدولة ورجع إلى بخارى فتلقاه فائق وقام بتدبير دولته‏.‏وكانت بينه وبين بكثرزون ضغن فأصلح أبوالحارث بينهما وأقام بكثرزون وجبى الأموال وزحف إليه أبو القاسم بن سيجور وكانت بينهما الفتنة التي مر ذكرها‏.‏وجاء محمود إلى بلخ بعد فراغه من فتنة أخيه إسماعيل فبعث إلى أبي الحارث منصور رسله وهداياه فعقد له على بلخ وترمذ وهراة وبست‏.‏واعتذر عن نيسابور فراجعه مع ثقته أبي الحسن الحمولي فاستخلصه أبو الحارث لوزارته وقعد عن رسالة صاحبه فأقبل محمود إلى نيسابور وهرب عنها بكثرزون فنهض أبوالحارث إلى نيسابور فخرج محمود عنها إلى مرو الروذ وجمع أبو الحارث وكحلة وبكثرزون وبايعوا لأخيه عبد الملك بن نوح‏.‏وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون بالعتاب على صنيعهما بالسلطان وزحف إليهما فبرزا من مرو للقائه‏.‏ثم سألوه الإبقاء فأجاب وارتحل عنهم وبعض أوباشهم في أعقابه فرجع إليهم‏.‏وحشدوا الناس للقائه فهزمهم وافترقوا فسار عبد الملك إلى بخارى وبكثرزون إلى نيسابور وكان معهم أبو القاسم بن سيجور‏.‏ولحق بقهستان واستولى محمود على خراسان وذلك سنة تسع وثمانين‏.‏ثم سار إلى طوس وهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث محمود ارسلان الحاجب في أثره فأخرجه من نواحي خراسان فولى ارسلان على طوس وسار إلى هراة لمطالعة أحوالها فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها‏.‏ورجع فطرده عنها أبو القاسم بن سيجور وملكها وولى محمود أخاه نصر بن سبكتكين قيادة الجيوش بخراسان وأنزله بنيسابور‏.‏ثم سار إلى بلخ فأنزل بها سريره‏.‏ثم استراب بأخيه إسماعيل فاعتقله ببعض القلاع موسعًا عليه وكتب بالبيعة للقادر الخليفة من بنى العباس فبعث إليه بالخلع والألوية على العادة‏.‏وأقام بين يديه السماطين واستوثق له ملك خراسان وبقي يردد الغزو إلى الهند كل سنة‏.‏كان خلف بن أحمد صاحب سجستان في طاعة بني سامان ولما شغل عنه بالفتن استفحل أمره وشغل للاستبداد فلما سارسبكتكين للقاء ملك الهند كما مر اغتنم الفرصة من بست وبعث إليها عسكرا فملكوها وجبوها‏.‏ولما رجع سبكتكين من الهند ظافرا تلقاه بالمعاذير والتعزية والهدايا والطاعة فقبل وأعرض عنه وارتهن عنده على طاعته‏.‏وسار معه الحارث أبو علي بن سيجور بخراسان فملأ يده ويد عسمكره بالعطاء وبتقحمه لقتال ايلك خان بما وراء النهركما مر فدس إلى ايلك خان يغريه بسبكتكين‏.‏واعتزم سبكتكين على غزو سجستان ثم أدركه الموت فاغتنم خلف الفرصة وبعث طاهرا إلى قهستان وبوشنج فملكها وكاتب البغراجق أخا سبكتكين‏.‏فلما فرغ محمود من شأن خراسان بعث لبغراجق عمه بانتزاع قهستان وبوشنج فسار إلى طاهر فهزمه واتبعه وكر عليه طاهر فقتله وانهزم الفريقان‏.‏وزحف محمود إلى خلف سنة تسعين وثلاثمائة فامتنع في حصن بلد وهي قلعة عالية منيعة وحاصره بها حتى لاذ بالطاعة‏.‏وبذل مائة ألف دينار فأفرج عنه وسار إلى الهند فتوغل فيها وانتهى في اثني عشر ألف فارس وثلاثين ألف راجل فاختار محمود من عساكره خمسة عشر ألفا وسار لقتال جميال فهزمه وأسره في بنيه وحفدته وكثيرمن قرابته ووجد في سلبه مقلد من فصوص يساوي مائة ألف دينار وأمثال ذلك فوزعها على أصحابه وكان الأسرى والسبي خمسمائة ألف رأس وذلك سنة اثنتين وتسعين‏.‏وفتح من بلاد الهند بلادًا أوسع من بلاد خراسان‏.‏ثم فادى جيبال ملك الهند نفسه بخمسين رأسا من الفيلة ارتهن فيها ابنه وحافده وخرج إلى بلده فبعث إلى ابنه اندبال وشاهينة وراء سيجور فأعطوه تلك الفيلة وسار لا يعود له ملك‏.‏وسار السلطان محمود إلى ويهند فحاصرها وافتتحها وبعث العساكر لتدويخ نواحيها فأثخنوا في القتل في أوباش كانوا مجتمعين للفساد مستترين بخمر الغياض فاستلحموهم‏.‏ورجع السلطان محمود إلى غزنة‏.‏وكان خلف بن أحمد عند منصرف السلطان عنه أظهر النسك وولى ابنه طاهرًا على سجستان فلما طالت غيبة السلطان أراد الرجوع إلى ملكه فلم يمكنه ابنه فتمارض وبعث إليه بالحضور للوصية والاطلاع على خبايا الذخيرة‏.‏فلما حضر اعتقله ثم قتله كما مر‏.‏وجزعت نفوس قواده لذلك وخافوه وبعثوا للسلطان محمود بطاعتهم ما بقيت له الدعوة في سجستان سنة ثلاث وتسعين‏.‏وسار السلطان محمود إلى خلف فامتنع منه في معقله بحصن الطاق وهو في رأس شاهق تحيط به سبعة أسوار عالية ويحيط به خندق بعيد المهوى وطريقه واحدة على جسر فجثم عليه أشهرا‏.‏ثم فرض على أهل العسكر قطع الشجر التي تليه وطم بها الخندق‏.‏وزحف إليه وقدم الفيول بين يديه على تعبيتها فحطم الفيل الأعظم على باب الحصن فقلته ورمى به‏.‏وفشا القتل في أصحاب خلف وتماسكوا داخل الباب يتناضلون بأحجار المجانيق والسهام والحراب فرأى خلف هول المطلع فأثاب واستأمن وخرج إلى السلطان وأعطاه كثيرًا من الذخيرة فرفع من قدره وخيره في مقاماته فاختار الجوزجان فأذن له في المسير إليها على ما بينه وبين ايلك خان من المداخلة‏.‏ثم هلك خلف سنة تسع وتسعين وأبقى السلطان على ولده عمر وكان خلف كثير الغاشية من الوافدين والعلماء وكان محسنًا لهم‏.‏ألف تفسيرا جمع له العلماء من أهل ايالته وأنفق عليهم عشرين ألف دينار ووضعه في مدرسة الصابوني بنيسابور‏.‏ونسخه يستغرق عمر الكاتب إلا أن يستغرق في النسخ‏.‏واستخلف السلطان على سجستان أحمد الفتحي من قواد أبيه ورجع إلى غزنة‏.‏ثم بلغه انتقاض أحمد بسجستان فسار إليهم في عشرة آلاف ومعه أخوه صاحب الجيش أبي المظفر نصر والتوتناش الحاجب وزعيم العرب أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي فحاصرهم وفتحها ثانية وولى عليها أخاه صاحب الجيش نصر بن سبكتكين مضافة إلى نيسابور فاستخلف عليها وزيره أبا منصور نصر بن إسحق‏.‏وعاد السلطان محمود إلى بلخ مضمرا غزو الهند‏.‏هكذا مساق خبر السلطان محمود مع خلف بن غزوة بهاطية والملتان وكوكبر ولما فرغ السلطان محمود من سجستان اعتزم على غزو بهاطية من أعمال الهند وهي وراء الملتان مدينة حصينة عليها نطاق من الأصبوان وآخر من الخنادق بعيدة المهوى‏.‏وكانت مشحونة بالمقاتلة والعدة واسم صاحبها بجير فعبر السلطان إليها جيحون وبرز إليه بجير فاعتتلوا بظاهر بهاطية ثلاثة أيام‏.‏ثم انهزم بجير وأصحابه في الرابع‏.‏وتبعهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم وأخذتهم السيوف من أمامهم ومن ورائهم فبلغ القتل والسبي والسلب والنهب فيهم مبالغه‏.‏وسار بجير في رؤوس الجبال فستر في شعابها وبعث السلطان سرية في طلبه فأحاطوا به وقتلوا من أصحابه‏.‏ولما أيقن بالهلكة قتل نفسه بخنجرمعه وأقام السلطان محمود في بهاطية حتى أصلح أمورها واستخلف عليها من يعلم أهلها قواعد الإسلام ورجع إلى غزنة فلقي في طريقه شدة من الأمطار في الوحل وزياعة المدد في الأنهار وغرق كثير من عسكره‏.‏ثم بلغه عن أبي الفتوح والي الملتان أنه ملحد وأنه يدعوأهل ولايته إلى مذهبه فاعتزم على جهاده وسار كذلك‏.‏ومنعه سيجور من العبور لكثرة المدد فبعث السلطان إلى اندبال ملك الهند في أن يبيح له العبور إلى بلاده لغزو الملتان فأبى فبدأ بجهاد وسار في بلاده ودوخها‏.‏وفر اندبال بين يديه وهو في طلبه إلى أن بلغ كشمير‏.‏ونقل أبو الفتوح أمواله على الفيول إلى سرنديب وترك الملتان فقصدها السلطان وامتنع أهلها فحاصرهم حتى افتتحها عنوة وأغرمهم عشرين ألف ألف درهم عقوبة لهم على عصيانهم‏.‏ثم سار إلى كوكبر واسم صاحبها بيدا وكان بها ستمائة صنم فافتتحها وأحرق أصنامها‏.‏وهرب صاحبها إلى قلعته وهي كاليجار وهوحصن كبيريسع خمسمائة ألف إنسان وفيه خمسمائة وعشرون ألف راية وهو مشحون بالأقوات والمسالك إليه متعفرة بخمر الشجر وملتف الغياض فأمر بقطع الأشجار حتى اتضحت المسالك‏.‏واعترضه عون الحصن واد بعيد المهوى فطم منه عشرين فراعا بالأجربة المحشوة بالتراب وصيره جسرا ومضى منه إلى القلعة وحاصرها ثلاثة وأربعين يوما حتى جنح صاحبها إلى السلم‏.‏وبلغ السلطان أن ايلك خان مجمع على غزوخراسان فصالح ملك الهند على خمسين فيلاً وثلاثة آلاف من الفضة‏.‏وخلع عليه السلطان فلبس خلعته وشد منطقته‏.‏ثم قطع خلعته وأنفذها إلى السلطان وتبعه بما عقد معه وعاد السلطان إلى خراسان بعد أن كان عازما على التوغل في بلاد الهند‏.‏مسير ايلك خان إلى خراسان وهزيمته كان السلطان محمود لما ملك ايلك خان بخارى كما مر وكتب إليه مهنئًا وتردد السفراء بينهما في الوصلة وأوفد عليه سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي إمام الحديث ومعه طغان جق والي سرخس في خطبة كريمته بهدية فاخرة من سبائك المحقيان واليواقيت والدر والمرجان والوشي والحمر وصواني الذهب مملوءة بالعنبر والكافور والعود والنصول وأمامه الفيول تحت الخروج المغشاة فقوبلت الهدية بالقبول والوافد بالتعظيم له ولمن أرسله‏.‏وزفت المخطوبة بالهدايا والألطاف واتحدت الحال بين السلطانين‏.‏ولم يزل السعاة يغرون ما بينهما حتى فسد ما بينهما فلما سار السلطان محمود إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة وبعث سباسي تكين قريبه وقائد جيشه إلى خراسان وبعث معه أخاه جعفرتكين وذلك سنة تسعين فملك بلخا وأنزل بها جعفر كين‏.‏وكان ارسلان الحاجب بهراة أنزله السلطان بها وأمره إذا دهمه أن ينحاز إلى غزنة‏.‏وقصد سباسي هراة وسكنها وندب الحسين بن نصر إلى نيسابور فملكها ورتب العمال واستخرج الأموال‏.‏وطار الخبر إلى السلطان بالهند وقصد بلخ فهرب جعفرتكين إلى ترمذ واستقر السلطان ببلخ وسرح ارسلان الحاجب في عشرة آلاف من العساكر إلى سباسي تكين بهراة فسار سباسي إلى مرو واعترضه التركمان وقاتلهم فهزمهم وأثخن فيهم‏.‏ثم سار إلى أبيورد ثم إلى نسا وارسلان في اتباعه حتى انتهى إلى جرجان فصد عنها وركب قلل الجبال والغياض وتسلط الكراكلة على أثقاله ورجاله واستأمن طوائف من أصحابه إلى قابوس لعدم الظهور ثم عاد إلى نسا وأصدر ما معه إلى خوارزم شاه أبي الحسن علي بن مأمون وديعة لأيلك خان واقتحم المفازة إلى مرو فسار السلطان لاعتراضه ورماه محمد بن سبع بمائة من القواد حملوا إلى غزنة‏.‏ونجا سباسي تكين في فل من أصحابه فعبر النهر إلى ايلك خان‏.‏وقد كان ايلك خان بعث أخاه جعفرتكين في ستة آلاف راجل إلى بلخ ليفترمن عزيمة السلطان عن قصد سباسي تكين فلم يفترذلك من عزمه حتى أخرج سباسي من خراسان‏.‏ثم قصدهم فانهزموا أمامه وتبعهم أخوه نصر بن سبكتكين صاحب جيش خراسان إلى ساحل جيحون فقطع دابرهم‏.‏ولما بلغ الخبر إلى ايلك خان قام في ركائبه وبعث بالصريخ إلى ملك الختل وهوقدرخان بن بقراخان لقرابة بينهما وصهر فجاءه بنفسه ونفرمعه‏.‏واستجاش أحياء النزل ودهاقين ما وراء النهر وعبر النهر في خمسين ألفأ وانتهى إلى السلطان خبره وهو بطخارستان فقدم إلى بلخ واستعد للحرب واستنفر جموع الترك والجند والخلنجية والأفقانية والفربوية‏.‏وعسكر على أربعة فراسخ من بلخ‏.‏وتزاحفوا على التعبئة فجعل السلطان في القلب أخاه نصرًا صاحب الجيش بخراسان وأبا نصر بن أحمد الفريغوني صاحب الجوزجان وأبا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الطائي في كماة الأكراد والعرب والهنود‏.‏وفي الميمنة حاجبه الكبير أبا سعيد التمرتاشي وفي الميسرة ارسلان الحاجب‏.‏وحصن الصفوف بخمسمائة من الفيلة‏.‏وجعل ايلك خان على ميمنته قدرخان ملك الختل وعلى ميسرته أخاه جعفر تكين وهو في القلب‏.‏وطالت الحرب واستمات الفريقان‏.‏ونزل السلطان وعفر خده بالأرض متضرعا‏.‏ثم ركب وحمل في فيلته على القلب فأزاله عن مكانه وانهزم الترك واتبعوهم يقتلون ويأسرون إلى أن عبروا بهم النهر‏.‏وأكثر الشعراء تهنئة السلطان بهذا الفتح وذلك سنة سبع وتسعين‏.‏ولما فرغ السلطان من هذه الحرب سار للهند للإيقاع بنواسه شاه أحد أولاد الملوك كان أسلم على يده واستخلفه على بعض المعاقل التي افتتحها فارتد ونبذ الإسلام فأغذ السير إليه ففر أمامه واحتوى على المعاقل التي كانت في يده من أصحابه وانقلب إلى غزنة ظافرا وذلك سنة سبع وتسعين‏.‏

فتح بهيم نقرا
ثم سار السلطان سنة ثمان وتسعين في ربيع منها غازيا إلى الهند فانتهى إلى سبط وبهند فلقيه هنالك ابن هزباك ملك الهند في جيوش لا تحصى فصدقهم السلطان القتال فهزمهم واتبعهم إلى قلعة بهيم نقرا وهي حصن على حصن عالية اتخذها أهل الهند خزانة للصنم ويودعون به أنواع الذخائر والجواهر التي يتقرب بها للصنم فدافع عنه خزنته أيامًا‏.‏ثم استأمنوا وأمكنوا السلطان من القلعة فبعث عليه أبا نصر الفريغوني وحاجبه الكبير ابن التمرتاش وواسعع تكين وكلفهما بنقل ما في الخزائن فكان مبلغ المنقول من الوزن سبعين ألف ألف شامية ومن الذهبيات والفضيات موزونة والديباج السوسي ما لا عهد بمثله‏.‏ووجد في جملتها بيت من الفضة الخالصة طوله ثلاثون ذراعًا في‏.‏خمسة عشر صفائح مضروبة ومعالق للطي والنشر وشراع من ديباج طوله أربعون ذراعًا في عرض عشمرين بقائمتين من ذهب وقائمتين من فضة فوكلهما بحفظ ذلك‏.‏ومضوا إلى غزنة فأمر بساحة داره ففرشت بتلك الجواهر واجتمعت وفود الأطراف لمشاهدتها وفيهم رسول طغان أخي ايلك خان‏.‏خبر الفريغون واستيلاء السلطان على الجوزجان وكان بنو فريغون هؤلاء ولاة على الجوزجان أيام بني سامان يتوارثونها‏.‏وكان لهم شهرة مكارم‏.‏وكان أبوالحارث أحمد بن محمد غرتهم‏.‏وكان سبكتكين خطب كريمته لابنه محمود وأنكح كريمته أخت محمود لابنه أبي نصر فالتحم بينهما‏.‏وهلك أبو الحارث فأقر السلطان محمود ابنه أبا نصر على ولايته إلى أن مات سنة إحدى وأربعمائة وكان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المعروف بالبديع يؤلف له التآليف ويجعلها باسمه‏.‏ونال عنده بذلك غزوة بارين ثم سار السلطان محمود على رأس المائة الرابعة لغزو بلاد الهند فدوخها واستباحها وأوقع بملكها ورجع إلى غزنة فبعث إليه ملك الهند في الصلح على جزية مفروضة وعسكر مقرر عليه وعلى تعجيل مال عظيم وهدية فيها خمسون فيلاً وتقرر الصلح بينهما على ذلك‏.‏

غزوة الغور وقصران بلاد الغور
هذه تجاور بلاد غزنة وكانوا يفسدون السابلة ويمتنعون بجبالهم وهي وعرة ضيقة‏.‏وأقاموا على ذلك متمردين على كفرهم وفسادهم فامتعض السلطان محمود وسار لحسم عللهم سنة إحدى وأربعمائة‏.‏وفي مقدمته التوتناش الحاجب والي هراة وارسلان الحاجب والي طوس وانتهوا إلى مضيق الجبل وقد شحنوه بالمقاتلة فنازلتهم الحرب ودهمهم السلطان فارتدوا على أعقابهم ودخل عليهم لبلادهم وملكها‏.‏ودخل حصنًا في عشرة آلاف واستطرد لهم السلطان إلى فسيح من الأرض‏.‏ثم كر عليهم فهزمهم وأثخن فيهم وأسر ابن سورى وقرابته وخواصه وملك قلعتهم وغنم جميع أموالهم وكانت لا يعبر عنها‏.‏وأسف ابن سورى على نفسه فتناول سمًا كان معه ومات‏.‏ثم سار السلطان سنة اثنتين وأربعمائة لغزو قصران وكان صاحبها يحمل ضمانه كل سنة فقطع الحمل وامتنع بموالاة ايلك خان وسار اليه فبادر باللقاء وتنصل واعتذر وأهدى عشرين فيًلا وألزمه السلطان خمسة عشر ألف درهم ووكل بقبضها ورجع إلى غزنة‏.‏

خبر اليشار واستيلاء السلطان على غرشتان
كان اسم اليشار عند الأعاجم لقبًا على ملك غرشتان كما أن كسرى على ملك الفرس وقيصر طى ملك الروم ومعناه الملك الجليل‏.‏وكان اليشار أبر نصر محمد بن إسماعيل بن أسد ملكها إلى أن بلغ ولده محمد سن النجابة فغلب على أبيه وانقطع أبو نصر للنظر في العلوم لشغفه بها وصاحب خراسان يومئذ أبوعلي بن سيجور‏.‏ولما انتقض على الرضى نوح خطبهم لطاعته وولايته فأبوا من ذلك لانتقاضه على سلطانه فبعث العساكر إليهم وحاصرهم زمانا‏.‏ثم نهض سبكتكين إلى أبي علي بن سيجور وانضاف اليشار إلى سبكتكين في تلك الفتنة كلها فلما ملك السلطان محمود خراسان وأذعن له ولاة الأطراف والأعمال بعث إليهم في الخطبة فأجابوه‏.‏ثم استنفر محمد بن أبي نصر في بعض غزواته فقعد عن النفير فلما رجع السلطان من غزوته بعث حاجبه الكبير أبا سعيد التوتناش في العساكر وأردفه بإرسلان الحاجب والي طوس لمناهضة اليشار ملك غرشتان‏.‏واستصحبا معهما أبا الحسن المنيعي الزعيم بمرو الروذ لعلمه بمخادع تلك البلاد‏.‏فأما أبو نصر فاستأمن إلى الحاجب وجاء به إلى هراة مرفهًا محتاطًا عليه‏.‏وأما ابنه محمد فتحضن بالقلعة التي بناها أيام ابن سيجور فحاصروها طويلأ واقتحموها عنوة وأخذ أسيرا فبعث به إلى غزنة واستصفيت أمواله وصودرت حاشيته‏.‏واستخلف الحاجب على الحصن ورجع إلى غزنة فامتحن الولد بالسياط واعتقله مرفهًا واستقدم أباه ابا نصر من هراة فأقام عنده فى كرامة إلى أن هلك ست وأربعمائة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:00 PM

وفاة ايلك خان وصلح أخيه طغان خان مع السلطان
كان ايلك خان بعد هزيمته بخراسان يواصل الأسف وكان أخوه طغان يكبر عليه فعلته ونقضه العهد مع السلطان‏.‏وبعث إلى السلطان يتبرأ وبعتفر فنافره ايلك خان بسبب ذلك وزحف إليه‏.‏ئم تصالحا‏.‏ثم هلك ايلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وولي مكانه أخوه طغان خان فراسل السلطان محمود وصالحه وقال له‏:‏ اشتغل أنت بغزو الهند وأنا بغزو الترك فأجابه إلى ذلك‏.‏وانقطعت الفتنه بينهما وصلحت الأحوال ثم خرجت طوائف الترك من جانب الصين في مائة ألف خركاه وقصدوا بلاد طغان فهال المسلمين أمرهم فاستنفر طغان من الترك أزيد من مائة ألف واستقبل جموع الكفرة فهزمهم وقتل نحوًا من مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين‏.‏وهلك طغان اثر ذلك وملك بعده أخوه ارسلان خان سنة ثمان وأربعمائة وخلص ما بينه وبين السلطان محمود وخطب بعض كرائمه للسلطان مسعود ولده فأجابه‏.‏وعقد السلطان فتح بارين ثم سار السلطان سنة ثمان وأربعمائة عندما فصل الشتاء غازيا إلى الهند وتوغل فيها مسيرة شهرين‏.‏وامتنع عظيم الهند في جبل صعب المرتقى ومنع القتال‏.‏واستدعى الهنود وملك عليهم الفيلة‏.‏وفتح الله بارين وكثرت الأسرى والغنائم‏.‏ووجد به في بيت البدجي حجر منقوش قال التراجمة كتابته‏:‏ إنه مبني منذ أربعين ألف سنة ثم عاد إلى غزنة وبعث إلى القادر يطلب عهد خراسان وما بيده من الممالك‏.‏

غزوة تنيشرة
كان صاحب تنيشرة عاليًا في الكفر والطغيان وانتهى الخبر إلى السلطان في ناحيته من الفيلة فيلة من الفيتلمان الموصوفة في الحروب فاعتزم السلطان على غزوه وسار إليه في مسالك صعبة وعرة بين أودية وقفارات حتى انتهى إلى نهرطام قليل المخاضة‏.‏وقد استندوا من ورائه إلى سفح جبل فسرب إليهم جماعة من الكماة خاضوا النهر وشغلوهم بالقتال حتى تعدت بقية العسكر‏.‏ثم قاتلوهم وانهزموا واستباحهم المسلمون وعادوا إلى غزنة ظافرين ظاهرين‏.‏ثم غزا السلطان على عادته فضل الأدلاء طريقهم فوقع السلطان في مخاضات من المياه غرق فيها كثير من العسكر وخاض الماء بنفسه أيامًا حتى تخلص ورجع إلى خراسان‏.‏كان مأمون بن محمد صاحب الجرجانية من خوارزم وبهان مخلصأ في طاعة الرضى نوح أيام مقامه في آمد كما مر فأضاف نسا إلى عمله فلم يقبلها لمودة بينه وبين أبي علي بن سيجور‏.‏وكان من خبره مع ابن سيجور واستنقاذه إياه من أسر خوارزم شاه سنة ست وثمانين ما مرذكره وصارت خوارزم كلها له‏.‏ثم هلك وملك مكانه أبو الحسن علي‏.‏ثم هلك وملك مكانه ابنه مأمون وخطب إلى السلطان محمود بعض كرائمه فزوجه أخته‏.‏واتحد الحال بينهما إلى أن هلك وولي مكانه أبو العباس مأمون ونكح أخته كما نكحها أخوه من قبله‏.‏ثم دعاه إلى الدخول في طاعته والخطبة له كما دعا الناس فمنعه أصحابه وأتباعه وتوجس الخيفة من السلطان في ذلك فرجعوا إلى الفتك به فقتلوه وبايعوا ابنه داود‏.‏وازداد خوفهم من السلطان في ذلك فتعاهدوا على الامتناع ومقدمهم التكين البخاري‏.‏وسار إليهم السلطان في العساكر حتى أناخ عليهم وبيتوا محمد بن إبراهيم الطائي وكان في مقدمة السلطان فقاتلهم إلى أن وصل السلطان فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والأسر‏.‏وركب التكين السفن ناجيا فغدره الملاحون وجاؤوا به إلى السلطان فقتله في جماعة من القواد الذين قتلوا مأمونًا على قبره‏.‏وبعث بالباقين إلى غزنة فأخرجوا في البعوث إلى الهند وأنزلوا هنالك في حامية الثغور وأجريت لهم الأرزاق واستخلف على خوارزم الحاجب التونتاش ورجع إلى بلاده‏.‏ولما فرغ السلطان من أمر خوارزم وإنضافت إلى مملكته عدل إلى بست وأصلح أحوالها ورجع إلى غزنة‏.‏ثم اعتزم على غزو الهند سنة تسع وأربعمائة وكان قد دوخ بلادها كلها ولم يبق عليه إلا كشمير ومن دونها الفيافي والمصاعب فاستنفر الناس من جميع الجهات من المرتزقة والمتطوعة‏.‏وسار تسعين مرحلة وعبر نهر جيحون وحيلم وخيالا هو وأمراؤه‏.‏وبث عساكره في أودية لا يعبر عن شحة جريها وبعد أعماقها وانتهى إلى كشمير‏.‏وكانت ملوك الهند في تلك الممالك تبعث إليه بالخدمة والطاعة وجاءه صاحب عرب كشمير وهوجنكي بن شاهي وشهي فأقر بالطاعة وضمن دلالة الطريق وسار أمام العسكر إلى حصن مأمون لعشرين من رجب‏.‏وهو خلال ذلك يفتتح القلاع إلى أن دخل في ولاية هردت أحد ملوك الهند فجاء طائعًا مسلمًا‏.‏ثم سار السلطان إلى قلعة كلنجد من أعيان ملوكهم فبرز للقائه وانهزم‏.‏واعترضهم أنهار عميقة سقطوا فيها وهلكوا قتًلا وغرقًا يقال هلك منهم خمسون الفًا‏.‏وغنم السلطان منهم مائة فيل وخمسة إلى غيرذلك مما جل عن الوصف‏.‏ثم عطف إلى سقطالتقيذ وهو بيت مبني بالصخور الصم يشرع منها بابان إلى الماء المحيط موضوعة أبنيته فوق التلال وعن جنبتيه ألف قصرمشتملة على بيوت الأصنام‏.‏أذرع في الهواء قد جعلت عينًا كل واحدة منهما ياقوتتين تساويان خمسين ألف دينار وعين الاخر قطعة ياقوت أزرق تزن أربعمائة وخمسين مثقالاً وفي وزن قدمي الصنم الواحد أربعة الاف وأربعمائة مثقال وجملة ما في الأشخاص من الذهب ثمانية وتسعون ألف مثقال‏.‏وزادت شخوص الفضة على شخوص الذهب في الوزن فهدمت تلك الأصنام كلها وخربت وسار السلطان طالبًا قنوج وخرب سائر القلاع في طريقه ووصل إليها في شعبان سنة تسع وقد فارقها نزوجبال حين سمع بقدومه وعبر نهركنك الذي تغرق الهنود فيه أنفسهم ويذرون فيه رماد المحرقين منهم‏.‏وكان أهل الهند واثقين بقنوج‏:‏ وهي سبع قلاع موضوعة على ذلك الماء فيها عشرة آلاف بيت للأصنام تزعم الهنود أن تاريخهما منذ مائتي ألف سنة أوثلاثمائة ألف سنة وأنها لم تزل متعبدًا لهم‏.‏فلما وصلها السلطان ألفاها خالية قد هرب أهلها ففتحها كلها في يوم واحد واستباحها أهل عسكره‏.‏ثم أخذ في السير منها إلى قلعة لنج وتعرف بقلعة البراهمة فقاتلوا ساعة ثم تساقطوا من أعاليها على سنا الرماح وضياء الصفاح ثم سار إلى قلعة أسا وملكها جندبال فهرب وتركها وأمر السلطان بتخريبها‏.‏ثم عطف على جندراي من أكابر الهنود في قلعة منيعة وكان جيبال ملك الهند من قبل ذلك يطلبه للطاعة والإلفة فيمتنع عليه‏.‏ورام جندراي المدافعة وثوقًا بامتناع قلعته ثم تنصح له بجيبال ومنعه من ذلك فهرب إليه أمواله وأنصاره إلى جبال وراء القلعة وافتتحها السلطان وحصل منها على غنائم‏.‏وسار في اتباع جندراي وأثخن فيهم قتلاً ونهبًا وغنم منهم أموالاً وفيولاً وبلغت الغنائم ثلاثة آلاف ألف درهم ذهبًا وفضة ويواقيت والسبي كثير وبيع بدرهمين إلى عشرة‏.‏وكانت الفيول تسمى عندهم جنداي داد‏.‏ثم قضى السلطان جهاده ورجع إلى غزنة فابتنى مسجدها الجامع وجلب إليه جذوع الرخام من الهند وفرشه بالمرمر وأعالي جمرانه بالأصباغ وصباب الذهب المفرغة من تلك الأصنام‏.‏واحتضر بناء المسجد بنفسه‏.‏نقل إليه الرخام من نيسابور وجعل أمام البيت مقصورة تسع ثلاثة آلاف غلام‏.‏وبنى بإزاء المسجد مدرسة احتوت فيها الكتب من علوم الأولين والآخرين وأجريت بها الأرزاق واختصت لنفسه يفضي منه إليه في أمن من العيون وأمر القواد والحجاب وسائر الخدام فبنوا بجانب المسجد من الدار ما لا يحصى‏.‏وكانت غزنة تحتوي على مربط ألف فيل يحتاج كل واحد منها لسياسته ومائدته خطة واسعة‏.‏

غزوة الأفقانية
لما رجع السلطان إلى غزنة راسل بيدو ووالي قنوج واسمه راجبان بدلحة وطال بينهما العتاب وآل إلى القتال فقتل والي قنوج واستلحمت جنوده وطغى بيدو وغلب على الملوك الذين معه وصاروا في جملته ووعدهم برد ما غلبهم عليه السلطان محمود‏.‏ونمي الخبر بذلك إليه فامتعض وسار إلى بيدو فغلبه على ملكه‏.‏وكان ابتداؤه في طريقه بالأفقانية طوائف من كفار الهند معتصمون بقلل الجبال ويفسدون السابلة فسار في بلادهم ودوخها وعبر نهر كنك وهو واد عميق وإذا جيبال من ورائه فعبر إليه على عسر المجور فانهزم جيبال وأسر كثير من أصحابه‏.‏وخلص جريحا واستأمن الى السلطان فلم يؤمنه إلا أن يسلم فسار ليلحق ببيدو فغدر به بعض الهنود وقتله‏.‏فلما رأى ملوك الهند ذلك تابعوا رسلهم إلى السلطان في الطاعة على الاتاوة‏.‏وسار إلى مدينة باري من أحصن بلاد الهند فألفاها خالية فأمر بتخريبها وعشر قلاع مجاورة لها من أهلها خلقًا‏.‏وسار في طلب بيدو وقد تحصن بنهرأدارماءه عليه من جميع جوانبه ومعه ستة وخمسون ألف فارس وثمانون ألف راجل وسبعمائة وخمسون فيلاً فقاتلهم هنالك يومًا وحجز بينهم الليل فأجفل بيدو وأصبحت دياره بلاقع‏.‏وترك خزائن الأموال والسلاخ فغنمها المسلمون وتتبعوا آثارهم فوجدوهم في الغياض والآكام فأكثروا فيهم القتل والأسر ونجا بيدو بذماء نفسه ورجع السلطان إلى غزنة ظافرًا‏.‏فتح سومنات كان للهند صنم يسمونه سومنات وهو أعظم أصنامهم في حصن حصين على البحر بحيث تلتقفه أمواجه‏.‏والصنم مبني في بيته على ستة وخمسين سارية من المصفح بالرصاص وهو من حجر طوله خمسة أذرع منها ذراعان غائصان في البناء و ليس له صورة مشخصة والبيت مظلم يضيءبقناديل الجوهرالفائق وعنده سلسلة ذهب بجرس وزنها مائة من تحرك بأدوار معلومة من الليل فيقوم عباد البرهميين لعبادتهم بصوت الجرس‏.‏وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهبأ وفضة عليها معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار‏.‏وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمرفتجتمع إليه عوالم لا تحصى‏.‏وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ والمد والجزر عندهم هو عبادة البحر‏.‏وكانوا يقزبون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده‏.‏ويعطون سدنته الأموال الجليلة‏.‏وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة‏.‏وكان نهرهم المسمى كنك الفي يزعمون أن مصبه في الجنة ويلقون فيه عظام الموتى من كبرائهم وبينه وبين سومنات مائتا فرسخ‏.‏وكان يحمل من مائه كل يوم لغسل هذا الصنم‏.‏وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلاثماثة لحلق رؤوس الزوار ولحاهم وثلاثمائة رجل وخمسماثة امرأة يغنون ويرقصون ولهم على ذلك الجرايات الوافرة‏.‏وكان كلما فتح محمود بن سبكتكين من الهند فتحا أو كسر صنمًا يقول أهل الهند‏:‏ إن سومنات ساخط عليهم ولوكان راضيًا عنهم لأهلك محموداً دونه‏.‏فاعتزم محمود بن سبكتكين إلى غزوه وتكذيب دعاويهم في شأنه‏.‏فسار من غزنة في شبعان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس سوى المتطوعة وقطع القفر إلى‏.‏الملتان وتزود له من القوت والماء قدر الكفاية وزيادة عشرين ألف حمل‏.‏وخرج من المفازة إلى حصون مشحونة بالرجال قد غوروا آبارهم مخافة الحصار فقذف الله الرعب في قلوبهم وفتحها وقتل سكانها وكسرأصنامها واستقى منها الماء‏.‏وسار إلى انهلوارن وأجفل عنها صاحبها بهيم وسار إلى بعض حصونه‏.‏وملك السلطان المدينة ومر إلى سومنات ووجد في طريقه حصونأ كثيرة فيها أصنام وضعوها كالنقباء والخدمة لسومنات ففتحها وخربها وكسر الأصنم‏.‏ثم سار في قفر معطش ثم اجتمع من سكانه عشرون ألفأ لدفاعه فقاتلهم سراياه وغنموا أموالهم وانتهوا إلى دبلواه على مرحلتين من سومنات فاستولى عليها وقتل رجالها ووصل إلى سومنات منتصف ذي القعدة فوجد أهلها مختفين في أسوارهم وأعلنوا بكلمة الإسلام فوقها فاشتد القتال حتى حجز بينهم الليل‏.‏ثم أصبحوا إلى القتال وأثخنوا في الهنود‏.‏وكانوا يدخلون إلى الصنم فيعنفونه يبكون ويتضرعون إليه ويرجعون إلى القتال‏.‏ثم انهزموا بعد أن أفناهم القتل‏.‏وركب فلهم السفن فأدركوا وانقسموا بين النهب والقتل والغرق وقتل منهم نحو من خمسين ألفًا‏.‏واستولى السلطان على جميع ما في البيت‏.‏ثم بلغه أن بهيم صاحب انهلوارن اعتصم بقلعة له تسمى كنذهة في جزيرة على أربعين فرسخا من البر فرام خوض البحر إليها ثم رجع عنها وقصد المنصورة وكان صاحبها ارتد عن الإسلام ففارقها وتسرب غياض هناك فأحاطت عساكر السلطان بها وتتبعوهم بالقتل فأفنوهم‏.‏ثم سار إلى بهاطية فدان أهلها بالطاعة ورجع إلى غزنة في صفر سنة سبع عشرة‏.‏دخول قابوس صاحب جرجان وطبرستان في ولاية السلطان محمود قد قدمنا وفادة قابوس على الأمير نوح بن منصور بن سامان وعامله بخراسان أبي العباس تاش مستصرخا على بني بويه عندما ملكوا طبرستان وجرجان من يده سنة إحدى وسبعين وأقام بخراسان ثماني عشرة سنة وهم يعدونه بالنصرة والمدد حتى يئس منهم‏.‏ولما جاء سبكتكين وعده بمثل ذلك‏.‏ثم شغله شغل بني سيجور ثم وعده السلطان محمود وشغلته فتنة أخيه‏.‏واستولى أبو القاسم بن سيجور على جرجان بعد مهلك فخر الدولة بن بويه‏.‏ثم أمر من ببخارى بالمسير إلى خراسان فسار إلى أسفرايين واستمد قابوس رجال الديلم والجبل فأمحوه وظاهروه على أمره حتى غلب على طبرستان وجرجان وملكها كما يذكر في أخبار الديلم والجبل‏.‏وكان نصر بن الحسن بن ليرزان وهو ابن عم ماكان بن كالي ينازعه فيهما فآل الحال بنصر إلى أن اعتقله بنو بويه بالري واستقل قابوس بولاية جرجان وطبرستان وديار الديلم كلها من ممالك محمود‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:01 PM

استيلاء السلطان محمود على الري والجبل
كان مجد الدولة بن فخر الدولة صاحب الري وكان قد ضعف أمره وأدبرت دولته‏.‏وكان يتشاغل بالنساء والكتاب نسخًا ومطالعة‏.‏وكانت أمه تدبر ملكه فلما توفيت انتقضت أحواله وطمع فيه جنده‏.‏وكتب إلى محمود يشكوبذلك ويستدعي نصرته فبعث إليه جيشًا عليهم حاجبه وأمره أن يقبض على مجد الدولة فقبض عليه وعلى ابنه أبي دلف عند وصوله‏.‏وطير بالخبر إلى السلطان فسار في ربيع من سنة عشرين ودخل الري وأخذ أموال مجد الدولة وكانت ألف ألف دينار ومن الجواري قيمة خمسمائة ألف دينار ومن الثياب ستة آلاف ثوب ومن الآلات ما لا يحصى‏.‏ووجد له خمسين زوجة ولدن نيفا وثلاثين ولدا فسئل عن ذلك فقال‏:‏ هذه عادة‏.‏وأحضر مجد الدولة وعنفه وعرض له بتسفيه رأيه في الانتصار عن جندراي منه وبعثه إلى خراسان فحبس بها‏.‏ثم ملك السلطان قزوين وقلاعها ومدينة ساوة وآوة وصلب أصحاب مجد الدولة من الباطنية‏.‏ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجوم وأخذ مما سوى ذلك من الكتب مائة حمل‏.‏وتحصن منه منوجهربن قابوس ملك الجيل بالجبال الوعرة فقصده فيها ولم تصعب عليه فهرب منوجهر وتحصن بالغياض وبعث له بخمسمائة ألف دينار استصلاحا فقبلها ورجع عنه إلى نيسابور‏.‏وتوفي منوجهر عقب ذلك وولي بعده ابنه أنوشروان فأقره السلطان على ولايته وقرر عليه خمسمائة ألف دينار ضريبة‏.‏وخطب للسلطان محمود في بلاد الجيل إلى أرمينية وافتتح ابنه مسعود زنجان وأبهر من يد إبراهيم السيلار بن المرزبان من عقب شوذان بن محمد بن مسافر الديلمي وجميع قلاعه ولم يبق بيده إلا شهرزان قرر عليه فيها ضريبة كما يأتي في أخبار الديلم‏.‏ثم أطاعه علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان وخطب له وعاد السلطان إلى خراسان‏.‏واستخلف بالري ابنه مسعودًا فقصد أصفهان وملكها من علاء الدولة واستخلف مسعود عليها بعض أصحابه وعاد عنها فثار أهلها بعامله وقتلوه فرجع إليهم واستباحهم ثم عاد إلى الري فأقام بها‏.‏

استيلاء السلطان محمود على بخاري ثم عوده عنها
كان ايلك خان ملك الترك وصاحب تركستان لما ملك بخارى من يد بني سامان سنة تسعين وثلاثمائة ولى عليها ورجع إلى بلاده كما مر وكان الغزأحياء بادية بضواحي بخارى وزعيمهم ارسلان بن سلجوق عم السلطان طغرلبك‏.‏وكان بينه وبين ايلك خان وأخيه بقراخان حروب وفتن بسبب استظهار بني سامان بهم‏.‏فلما ملك ايلك خان بخارى عرف لارسلان بن سيجور حقه ورفع محله وهو مع ذلك مستوحش‏.‏وكان على تكين أخو ايلك خان وحبس ارسلان ولحق ببخارى فاستولى عليها وطلب موالاة ارسلان بن سيجور فوالاه واستفحل أمرهما‏.‏ونهض إليهما ايلك خان وقاتلهما فهزماه‏.‏واستوثق أمر تكين في بخارى‏.‏وكان يسيء جوار السلطان محمود بن سبكتكين في أعماله ويعترض رسله المترددين إلى ملوك الترك فأحفظ ذلك السلطان وأجمع المسير إليه فنهض من بلخ سنة عشرين وأربعمائة وعبر النهر وقصد بخارى فهرب منها تكين ولحق بأيلك خان‏.‏ودخل السلطان بخارى وملك سائر أعمالها وأخذ الجزية من سمرقند‏.‏وأجفلت أحياء الغز وارسلان بن سلجوق وتلطف في استدعائه‏.‏فلما حضر عنده تقبض عليه وبعثه إلى بعض قلاع الهند وحبسه بها‏.‏وسار إلى أحياء الغز فنهبهم وأثخن فيهم قتلاً وأسرًا ورجع إلى خراسان‏.‏

خبر السلطان محمود مع الغز بخراسان
لما حبس السلطان ارسلان بن سلجوق ونهب أحياءهم أجلاهم عن ضواحى بخارى فعبروا نهر جيحون إلى خراسان وامتدت فيهم أيدي العمال بالظلم والتعدي في أموالهم وأولادهم فتفرقوا‏.‏وجاءت منهم طائفة في أكثر من ألفي خركاه إلى كرمان ثم الى أصفهان وكانوا يسمون العراقية‏.‏وطائفة إلى جبل بكجان عند خوارزم القديمة وعاث كل منهم فيما سار فيه من البلاد‏.‏وبعث السلطان إلى علاء الدولة بأصفهان لرد الذين ساروا إليه إلى الري وقبلهم وحاول ذلك بالغدر فلم يستطع وحاربهم فهزموه وساروا عنه إلى أذربيجان وأفسدوا ما ساروا عليه وصانعهم وهشوذان صاحب أذربيجان و آنسهم‏.‏وكان مقدموهم‏:‏ بوقا وكوكاش ومنصور ودانا‏.‏وأما الذين ساروا إلى خوارزم القديمة فكثر عيثهم في تلك النواحي‏.‏وأمر السلطان محمود صاحب طوس ارسلان الحاجب أن يسير في طلبهم فاتبعهم سنتين‏.‏ثم جاء السلطان على اثره فشردهم على نواحي خراسان واستخدم بعضهم‏.‏وكان أمراؤهم‏:‏ كوكاش وبوقا وقزل ويغمر وتاصفلي‏.‏ولما مات السلطان محمود استخدمهم ابنه مسعود أيضًا وساروا معه من غزنة إلى خراسان فسألوه فيمن بقي منهم بجبل بكجان عند خوارزم فأذن لهم أن يسهلوا إلى البسائط على شرط الطاعة‏.‏ثم انتقض أحمد نيال عامل الهند فسار مسعود إليه وولى على خراسان تاش وكثرعيث هؤلاء الغزفي البلاد فأوقع بهم تاش وقتل أميرهم يغمر‏.‏وبعث السلطان مسعود من أجلاهم عن البلاد ومثل بهم بالقتل والقطع والصلب‏.‏فساروا إلى الري طالبين أذربيجان للحاق بالعراقية منهم كما مر ذكرهم فملكوا الدامغان ونهبوها ثم سمنان‏.‏ونهبوا جوار الري وايحاباذ ومشكوبة من أعمال الري وخزبوا كل ما مروا عليه من القرى والضياع فاجتمع لحربهم تاش أبو سهل الحمدوني صاحب الري‏.‏وسار إليهم تاش في العساكر والفيلة على التعبئة ولقوه مستميتين وسبق إليه أحياؤهم فهزموه وقتلوه‏.‏ثم ساروا إلى الري فهزموا أبا سهل الحمدوني وعسكره ولحق بقلعة طبول ونهبوا الري واستباحوا أموالها‏.‏وجاء عسكر من جرجان فاعترضوه وكبسوه وأثخنوا فيهم قتلاً وأسرًا ومضوا إلى أذربيجان ليجتمعوا بالعراقية‏.‏ثم رجع علاء الدولة بن كاكويه إلى أصفهان بعد مسيرهم من الري وطلبوا مولاه أبا سهل على طاعة مسعود فلم يتم وعاث الغز في أذربيجان وأوقع بهم وهشوذان وقتل منهم وجمع عليهم أهل أذربيجان وأوقع بهم ففارقوها إشفاقأ من نيال وأخيه طغرلبك وافترقوا بين الموصل وديار بكر فملكوها ونهبرها وعاثوا في نواحيها كما مر ذكره في أخبار قرواش صاحب الموصل وابن مروان صاحب ديار بكر‏.‏هذه أخبار ارسلان بن سلجوق مفصلة إلا ما اختصر منها بالري وأذربيجان فإنه يأتي في مواضعه من دولة الديلم‏.‏وأما طغرلبك واخوته داود وبيقو وأخوه لأمه نيال المسمى بعد الإسلام إبراهيم فانهزموا وأقاموا بعد سلجوق ببلاد ما وراء النهر‏.‏وكان بينهم وبين علي تكين صاحب بخارى حروب ظهر عليهم فيها فعبروا جيحون إلى خوارزم وخراسان وكان من افتتاح نرسي من الهند كان السلطان محمود قد استخلف على الهند من مواليه أحمد نيال تكين فغزا سنة إحدى وعشرين مدينة نرسي من أعظم مدن الهند في مائة ألف مقاتل فنهب وخرب الأعمال واستباحها‏.‏وجاء إلى المدينة فدخلها من أحد جوانبها واستباحها يومأ ولم يستوعبها حتى خرجوا فباتوا بظاهرها خوفًا على أنفسهم من أهل البلد‏.‏وقسموا الأموال كيلاً وأرادوا العود من الغد فدافعهم أهلها ورجع أحمد نيال بعساكره إلى بلده‏.‏

وفاة السلطان محمود وولاية ابنه محمد
ثم توفي السلطان محمود في ربيع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وكان ملكآ عظيما استولى على كثير من الممالك الإسلامية وكان يعظم العلماء ويكرمهم وقصدوه من أقطار البلاد وكان عادلاً في رعيته رفيقًا بهم محسنًا إليهم وكان كثير الغزو والجهاد وفتوحاته مشهورة‏.‏ولما حضرته الوفاة أوصى بالملك لابنه محمد وهو ببلخ وكان أصغر من مسعود إلا أنه كان مقبلاً عليه ومعرضأ عن مسعود‏.‏فلما توفي بعث أعيان الدولة إلى محمد بخبر الوصية واستحثوه وخطب له في أقاصي الهند إلى نيسابور وسار إلى غزنة فوصلها لأربعين يومًا واجتمعت العساكر على طاعته وقسم فيهم الاعطيات‏.‏لما توفي السلطان محمود كان ابنه مسعود بأصفهان فسار إلى خراسان واستخلف على أصفهان فثار أهلهابخليفته وعسكره فقتلوهم فعاد إليهم مسعود وحصرها وافتتحها عنوة واستباحها‏.‏ثم استخلف عليها وسار إلى الري ومنها إلى نيسابور‏.‏وكتب إلى أخيه محمد بالخبر وأنه لا ينازعه ويقتصر على فتحه من طبرستان وبلد الجبل وأصفهان ويطلب تقديمه على محمد في الخطبة فأحفظه ذلك واستحلف العساكر‏.‏وسار إلى مسعود وكان أكثر العساكر يميلون إلى مسعود لقوته وشجاعته وعلوسنه‏.‏وأرسل التونتاش صاحب خوارزم وكان من أصحاب السلطان محمود يشير على محمد بترك الخلاف فلم يسمع وسار فانتهى إلي بكياباد أؤل رمضان من سنته‏.‏وأقام وكان مشتغلا باللعب عن تدبير الملك فتفاوض جنده في خلعه والإدالة منه بأخيه مسعود‏.‏وتولى كبر ذلك عمه يوسف بن سبكتكين وعلي خشاوند صاحب أبيه‏.‏وحبسوا محمدًا بقلعة بكياباد وكتبوا بالخبر إلى مسعود وارتحلوا إليه بالعساكر فلقوه بهراة فقبض على عمه وعلى صاحب أبيه وعلى جماعة من القواد‏.‏واستقر في ملك أبيه شهر ذي القعده من سنته وأخرج الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن السيمندي من محبسه وفوض إليه الوزارة وأمور المملكة‏.‏وكان أبوه قبض عليه سنة ست عشرة وصادره على خمسة آلاف دينار‏.‏ثم سار إلى غزنة فوصلها منتصف اثنتين وعشرين ووفدت عليه رسل جميع الملوك من جميع الآفاق واجتمع له ملك خراسان وغزنة والهند والسند وسجستان وكرمان ومكران والري وأصفهان والجبل وعظم سلطانه‏.‏عود أصفهان إلى علاء الدولة بن كاكويه ثم رجوعها للسلطان مسعود كان قناخر مجد الدولة بن بويه صاحب أصفهان وملكها السلطان محمود من يده فهرب عنها وامتنع بحصن قصران‏.‏وأنزل السلطان محمود ابنه مسعودا بأصفهان وأنزل معه علاء الدولة بن كاكويه فاستقل بها وسارعنه مسعود‏.‏ثم زحف إليه وملكها من يده ولحق علاء الدولة بخوزستان يستنجد أبا كاليجار بن سلطان الدولة‏.‏وسارعنه إلى تستر ليستمد له من أخيه جلال الدولة العساكر لمعاودة أصفهان‏.‏وكان ذلك عقب فتنة وحرب بين أبي كاليجار وأخيه جلال الدولة فوعده أبوه بذلك إذا اصطلحا وأقام عنده إلى أن توفي السلطان محمود‏.‏ولما توفي السلطان محمود جمع قناخر جمعأ من الديلم والأكراد وقصد الري وقاتله نائبه مسعود فهزمه ودفعه عن الري وفتك في عسكره قتلاً و أسرًا‏.‏وعاد قناخر الى بلده وبلغ الخبر إلى علاء الدولة بموت السلطان محمود وهو عند أبي كاليجار بخوزستان وقد أيس من النصر فبادر إلى أصفهان فملكها ثم همذان‏.‏وقصد الري فقاتله نائب مسعود ورجع إلى أصفهان‏.‏ثم اقتحموا عليه البلد عنوة ونجا علاء الدولة إلى قلعة قردخان على خمسة عشرفرسخًا من همذان فتح التيز ومكران وكرمان ثم عود كرمان لأبي كاليجار كان صاحب التيز ومكران لما توفي خلف ولدين أباالعساكر وعيسى واستبد عيسى منهما بالملك فسار أبو العساكر إلى خراسان مستنجدًا بمسعود فبعث معه عسكرأ ودعوا عيسى إلى الطاعة فامتنع وقاتلوه فاستأمن كثير من أصحابه إلى أبي العساكر فانهزم عيسى وقتل في المعركة‏.‏واستولى أبو العساكر على البلاد وملكها‏.‏وخطب فيها للسلطان مسعود وذلك سنة اثنتين وعشرين‏.‏وفي هذه السنة ملك السلطان مسعود كرمان وكانت للملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة فبعث إليها السلطان مسعود عساكر خراسان فحاصروا مدينة بردسير وشدوا في حصارها واستبد إلى أطراف البلاد‏.‏ثم وصل عسكر أبي كاليجار إلى جيرفت واتبعوا الخراسانية بأطراف البلاد فعاود هزيمتهم ودخلوا المفازة إلى خراسان وعاد العساكر إلى فارس‏.‏فتنة عساكر السلطان مسعود مع علاء الدولة بن كاكويه وهزيمته قد تقدم لنا هزيمة علاء الدولة أبي جعفربن كاكويه من الري ونجاته إلى قلعة قردخان‏.‏ثم سار منها إلى يزدجرد ومعه فرهاد بن مرداويج مددًا له‏.‏وبعث صاحب الجيوش بخراسان عسكرًا مع ابن عمران الديلمي لاعتراضهما فلما قاربهما العسكر فر فرهاد إلى قلعة شكمين ومضى علاء الدولة إلى سابورخرات وملك علي بن عمران يزدجرد‏.‏ثم أرسل فرهاد إلى الأكراد الذين مع علي بن عمران وداخلهم في الفتك به وشعر بذلك فسار إلى همذان ولحقه فرهاد فاعتصم بقلعة في طريقه منيعة وكادوا يأخذونه لولا عوائق الثلج والمطر في ذلك اليوم وكانوا ضاحين من الخيام فتركوه ورجعوا عنه‏.‏وبعث ابن عمران إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان يستمده في العسكر إلى همذان‏.‏وبعث علاء الدولة يستدعي أبا منصور ابن أخيه من أصفهان بالسلاح والأموال ففعل‏.‏وسار علي بن عمران من همذان لاعتراضه فكبسه بجرباذقان وغنم ما معه وقتل كثيرًا من عسكره وأسره وبعث به إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان وسار إلى همذان‏.‏وزحف إليه علاء الدولة وفرهاد فانقسموا عليه وجاؤوه من ناحيتين فانهزم علاء الدولة ونجا إلى أصفهان وفر هاربًا إلى قلعة شمكين فتحصن بها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:02 PM

مسير السلطان مسعود إلى غزنة والفتن بالري والجبل
لما استولى السلطان على أمره سار من غزنة إلى خراسان لتمهيد أمورها وكان عامله وعامل أبيه على الهند أحمد نيال تكين قد استفحل فيها أمره وحدثته نفسه بالاستبداد فمنع الحمل وأظهر الانتقاض فسار السلطان إلى الهند ورجع أحمد نيال إلى الطاعة‏.‏وقام محلاء الدولة بأصفهان وأظهر الانتقاض ومعه فرهاد بن مرداويج فزحف إليهم أبو سهل وهزمهم وقتل فرهاد ونجا علاء الدولة إلى جبال أصفهان وجرباذقان فامتنع بها‏.‏وسار أبو سهل إلى أصفهان فملكها سنة خمس وعشرين ونهب خزائن علاء الدولة وحمل كتبه إلى غزنة‏.‏وأحرقها الحسين الغوري بعد ذلك‏.‏عود أحمد نيال تكين إلي العصيان ولما عاد السلطان إلى خراسان لقتال الغز عاد أحمد نيال تكين إلى العصيان بالهند وجمع الجموع فبعث السلطان سنة ست وعشرين إليه جيشًا كثيفًا‏.‏وكتب إلى ملوك الهند بأخذ المذاهب عليه‏.‏فلما قاتله الجيوش انهزم ومضى هاربأ إلى ملتان وقصد منها بهاطية وهو في جمع فلم يقدر ملك بهاطية على منعه‏.‏وأراد عبور نهر السند في السفن فهيأ له الملك ليعبر إلى جزيرة وسط النهرظنها متصلة بالبر وأوصى الملك الملاحين أن ينزلوه بها ويرجعوا عنه‏.‏وعلموا أنها منقطعة فضعفت نفوسهم وأقاموا بها سبعة أيام ففنيت أزوادهم وأكلوا دوابهم وأوهنهم الجوع‏.‏وأجاز إليهم ملك بهاطية فاستوعبهم بالقتل والغرق والأسر وقتل أحمد نفسه‏.‏

فتح جرجان وطبرستان
كانت جرجان وطبرستان وأعمالهما لدارا بن منوجهر بن قابوس وكان السلطان مسعود قد أقره عليها فلما سار السلطان إلى الهند وأنتشر الغز في خراسان منع الحمل ودخل علاء الدولة بن كاكويه وفرهاد بن ماكان في العصيان‏.‏فلما عاد مسعود من الهند وأجلى الغز عن خراسان سار إلى جرجان سنة ست وعشرين فملكها‏.‏ثم سار إلى آمد فملكها وفارقها أصحابها وافترقوا في الغياض فتبعهم وقتل منهم وأسر‏.‏ثم راسله دارا في الصلح وتقرير البلاد عليه وحمل ما بقي عليه فأجابه السلطان إلى ذلك ورجع إلى خراسان‏.‏مسير علاء الدولة إلى أصفهان وهزيمته كان أبو سهل الحمدوني قد أنزله السلطان بأصفهان ودلهم على النواحي القريبة من علاء الدولة فأوقع بهم وغنم ما معهم وكوي طمعه بذلك في أصفهان فجمع الجموع وسار إليها فخرج إليهم أبو سهل وقاتلهم وتحيز من كان مع علاء الدولة من الأتراك إلى أبي سهل فانهزم علاء الدولة ونهب سواده وسار إلى بروجرد ثم إلى الطرم فلم يقبله ابن السلار صاحبها‏.‏

استيلاء طغرلبك علي خراسان
كان طغرلبك وأخواه بيقو وحقربيك واسم طغرلبك محمد ولما أسر السلطان محمود ارسلان بن سلجوق وحبسه كما مر وأجاز أحياء من الغز إلى خراسان فكان من أخبارهم ما قدمناه وأقام طغرلبك وإخوته في أحيائهم بنواحي بخارى‏.‏ثم حدثت الفتنة بينهم وبين علي تكين صاحب بخارى وكانت بينهم حروب ووقائع وأوقعوا بعساكره مرارًا فجمع أهل البلاد عليهم وأوقع بهم واستلحمهم واستباحهم فانحازوا إلى خراسان سنة‏.‏ست وعشرين واستخدموا لصاحب خوارزم وهو هارون بن التونتاش‏.‏وغدر بهم فساروا عنه إلى مفازة نسا ثم قصدوا مرو وطلبوا الأمان من السلطان مسعود على أن يضمنهم أمان السابلة فقبضوا على الرسل ولم يجبهم على ما سألوا‏.‏وبعث العساكر فأوقعوا بهم على نسا ثم طار شررهم في البلاد وعم ضررهم‏.‏وسار السلطان ألب ارسلان إلى نيسابور ففارقها أبو سهل الحمموني فيمن معه واستولى عليها داود‏.‏وجاء أخوه طغرلبك على اثره ولقيهم رسل الخليفة إليهم وإلى العراقية الذين قتلهم بالري وهمذان يعنفهم وينهاهم عن الفساد ويطمعهم فتلقوا الرسل بالاعظام والتكرمة‏.‏ثم إمتدت عين داود إلى نهب نيسابور فمنعه طغرلبك وعرض له بشهر رمضان ووصية الخليفة فلج فقوي طغرلبك في المنع وقال‏:‏ والله لئن نهبت لأقتلن نفسي فكف داود عن ذلك وقسطوا على أهل نيسابور ثلاثين ألف دينار فرقوها في أصحابهم‏.‏وجلس طغرلبك على سرير ملك مسعود بدار الملك وصار يقعد للمظالم يومين في الأسبوع على عادة ولاة خراسان وكانوا يخطبون للملك مسعود مغالطة وايهاماً‏.‏ولما بلغ الخبر إلى السلطان مسعود باستيلاء طغرلبك والسلجوقية على نيسابور جمع عساكره من غزنة وسار إلى خراسان فنزل بلخ في صفر سنة ثلاثين وأصهر إلى بعض ملوك الخانية دفعاً لشره‏.‏وأقطع خوارزم ولحق إسماعيل بطغرلبك‏.‏ثم أراح السلطان مسعود وفرغ من خوارزم والخانية فبعث السلطان سباسي فسار إليهم في العساكر فلم يشف نفسه ونزل سرخس وعدلوا عن لقائه ودخلوا المفازة التي بين مرو وخوارزم‏.‏وأتبعهم السلطان مسعود وواقعهم في شعبان من هذه السنة فهزمهم فما بعدوا حتى عادوا في نواحيه فأوقع بهم أخرى‏.‏وكان القتلى فيها منهم ألفاً وخمسمائة وهربهم إلى المفازة‏.‏وثار أهل نيسابور بمن عندهم وقتلوهم ولحق فلهم بأصحابهم في المفازة‏.‏وعدل السلطان إلى هراة ليجهز العساكر ليطلبهم فبلغه الخبر بأن طغرلبك سار إلى أستراباد وأقام بها في فصل الشتاء يظن أن الثلج يمنعهم عنه فسار السلطان إليه هنالك ففارقها طغرلبك وعدل عن طوس إلى جبال الري التي كان فيها طغرلبك وأصحابه وقد امتنعوا بجبالهم خوفاً من السلطان لما كان منهم من موالاة السلجوقية فأغذ إليهم السير وصبحهم فتركوا أهلهم وأموالهم واعتصموا بوعر الجبل وغنمت عساكره جميع ما استولوا عليه‏.‏ثم صعد إليهم بنفسه وعساكره وهلك كثير من العسكر بالثلج في شعاب الجبل‏.‏ثم ظفروا بهم في قنة الجبل واستلحموهم‏.‏وسار مسعود إلى ثم عاد طغرلبك وأصحابه من المفازة وبعث إليهم السلطان بالوعيد فيقال إن طغرلبك قال لكاتبه اكتب إليه‏:‏ ‏"‏ قل اللهم مالك الملك ‏"‏ الآية ولا تزده عليها‏.‏وله ورد الكتاب على السلطان مسعود كتب إليه وآنسه بالمواعيد وبعث إليه بالخلع وأمره بالرحيل إلى آمل الشط على جيحون‏.‏وأقطع نسا لطغرلبك ودهستان لداود وبداره لبيقو وسمي كل واحد منهم بالدهقان فلم يقبلوا أشياء من ذلك ولا وثقوا به وأكثروا كل العيث والفساد‏.‏ثم كفوا عن ذلك وبعثوا إلى السلطان مسعود يخادعونه بالطاعة ببلخ ورغبوه في أن يسرح إليهم أخاهم أرسلان المحبوس بالهند فبعث إليه السلطان مسعود وجاؤوا بارسلان من الهند‏.‏ولما لم يتم بينهم أمر بإعادته إلى محبسه‏.‏هزيمة السلطان مسعود واستيلاء طغرلبك على مدائن خراسان وأعمالها ولما تغلبت السلجوقية على نواحي خراسان وفضوا عساكر السلطان وهزموا الحاجب سباسي اهتز السلطان لذلك وأجمع لخراسان الحشد وبث العطاء وأزاح العلل‏.‏وسار من غزنة في الجيوش الكثيفة والفيلة العديدة على التعبية المألوفة ووصل إلى بلخ ونزل بظاهرها‏.‏وجاء داود بأحيائه فنزل قريبًا منه وأغار يوماً على معسكره فساق من باب الملك مسعود عدة من الجنائب المقربات معها الفيل الأعظم ورتاع الملك لذلك‏.‏وارتحل مسعود من بلخ في رمضان سنة تسع وعشرين ومعه مائة ألف مقاتل‏.‏ومر بالجوزجان فصلب الوالي الذي كان بها للسلجوقية وانتهى إلى مرو الشاهجان ومضى داود إلى سرخس واجتمع معه أخوه طغرلبك وبيقو وبعث إليهم السلطان في الصلح فوفد عليه بيقو فأكرمه السلطان وخلع عليه وأجابه هو عن أصحابه بالإمتناع من الصلح للخوف من السلطان‏.‏وسار من عند السلطان فسقط في يده وسار في إتباعهم من هراة إلى نيسابور ثم سرخس‏.‏كلما تبعهم إلى مكان هربوا منه إلى آخر حتى أظلهم فصل الشتاء فأقاموا بنيسابور ينتظرون إنسلاخه فانسلخ والسلطان عاكف على لهوه غافل عن شأنه حتى انقضى زمن الربيع‏.‏واجتمع وزراؤه وأهل دولته وعذلوه في إهمال أمر عدوه فسار من نيسابور إلى مرو في طلبهم فدخلوا المفازة فدخل وراءهم مرحلتين وقد ضجر العسكر من طول السفر وعنائه‏.‏وكانوا منذ ثلاث سنين منقلبين فيه منذ سفرهم مع سباسي فنزل بعض الأيام في منزلة على قليل من الماء وازدحم الناس على الورود واستأثر به أهل الدولة والحاشية فقاتلهم عليه الجمهور ووقعت في العساكر لذلك هيعة‏.‏وخالفهم الدعرة إلى الخيام ينهبون ويتخطفون‏.‏وكان داود وأحياؤه متابعاً للعسكر على قرب يتخطف الناس من حولهم فشعر بتلك الهيعة فركب في قومه وصدم العساكر وهم في تلك الحال فولوا منهزمين والسلطان والوزير ثابتان في موقفهما يحرضان الناس على الثبات فلم يثبت أحد فانصرفا مع المنهزمين في فل واتبعهم داود وأثخن فيهم بالقتل‏.‏ثم رجع إلى العسكر وقد غنمه أصحابه فآثرهم بالغنائم وقسم فيهم ما حصل له‏.‏وقعد على كرسي السلطان وأقام عسكره ثلاثة أيام ولياليها خشية من كر العساكر السلطانية عليهم‏.‏ونجا السلطان إلى غزنة فدخلها في شوال سنة إحدى وثلاثين وقبض على سباسي وغيره من الأمراء وسار طغرلبك إلى نيسابور فملكها آخر إحدى وثلاثين ونهب عسكره أهلها وكان بها هرج عظيم من الدعرة‏.‏وكانوا ينالون من الناس بالنهب والزنا والقتل فارتدعوا لذلك لهيبة طغرلبك وسكن الناس‏.‏وملك السلجوقية البلاد فسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها الحاجب التونتاش فاستخلفه السلطان عليها فأرسل إليه داود في الطاعة فسجن الرسل وحاصر داود‏.‏وبعث السلطان مسعود جيشًا كثيفاً لإمداده‏.‏ودفع السلجوقية عن البلاد فسار فريق منهم إلى الرخج فدفعوا من كان بها من السلجوقية وهزموهم وأفحشوا في قتلهم وأسرهم‏.‏وسار فريق منهم إلى بيقو في هراة فقاتلوه ودفعوه عنها‏.‏ثم بعث السلطان ابنه مودود بعساكر أخرى وجعل معه وزيره أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبره فسار عن غزنة سنة اثنتين وثلاثين‏.‏فلما قارب بلخ وداود يحاصرها بعت داود جماعة من عسكره فلقوا طلائع موعود فهزمهم‏.‏فلما وصلت منهزمة تأخر موعود عن نهايته وأقام وسمع التونتاش بإحجام موعود عنه فأطاع داود وخرج إليه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:03 PM

خلع السلطان مسعود ومقتله وولاية أخيه محمد مكانه
ولما بعث السلطان ولده مودود إلى خراسان لمدافعة السلجوقية عنها وأقام بعده سبعة أيام وخرج من غزنة في ربيع سنة إثنتين وثلاثين يريد الهند للمشتى به على عادة أبيه ويستنفر الهنود لقتال السلجوقية‏.‏واستصحب أخاه محمداً المسمول معه‏.‏وكان أهل الدولة قد ضجروا منه فتفاوضوا في خلعه وولاية أخيه محمد وأجمعوا ذلك فلما عبروا نهر سيحون وتقدم بعض الخزائن فتخلف أنوش تكين البلخي في جماعة من الغلمان الفداوية ونهبوا بقية الخزائن وبايعوا لمحمد المسمول وذلك في منتصف ربيع الآخر من السنة‏.‏وافترق العسكر واقتتلوا وعظم الخطب وانهزم السلطان محمود وحاصروه في رباط هناك‏.‏ثم استنزلوه على الأمان‏.‏وخيره أخوه محمد في السكنى فاختار مسعود قلعة كيدي فبعث إليها وأمر بإكرامه‏.‏ورجع محمد بالعساكر إلى غزنة وفوض إلى ابنه أحمد أمر دولته‏.‏وكان أهوج فاعتزم على قتل عمه مسعود وداخل في ذلك عمه يوسف وعلى خشاوند فوافقوه عليه وحرضوه فطلب من أبيه خاتمه ليختم به بعض خزائنهم وبعث بهم إلى القلعة مع بعض خدمه ليؤدي رسالة مسعود وهو بخراسان يعتذر بأن أولاد أحمد نيال تكين قتلوا السلطان مسعود قصاصاً بأبيهم فكتب إليه يتوعده‏.‏ثم طمع الجند في السلطان محمد ومحوا أيديهم إلى الرعايا ونهبوها‏.‏وخربت البلاد وارتحل عنها محمد‏.‏وكان السلطان مسعود شجاعًا كريماً عزيز الفضل حسن الخط سخياً محباً للعلماء مقرباً لهم محسنًا إليهم وإلى غيرهم من ذوي الحاجات كثير الصلوات والعطاء والجوائز للشعراء حليت تصانيف العلوم باسمه وكثرت المساجد في البلاد بعمارته‏.‏وكان ملكه فسيحًا‏.‏ملك أصفهان وهمذان والري وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الدارون وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور وأطاعه أهل البر والبحر وقد صنف في أخباره ومناقبه‏.‏

مقتل السلطان محمد وولاية مودود ابن أخيه مسعود
لما بلغ الخبر بمقتل السلطان مسعود إلى ابنه مودود بخراسان سار مجداً في عساكره إلى غزنة فلقيه عمه محمد في شعبان سنة إثنتين وثلاثين وانهزم محمد وقبض عليه وعلى ابنيه أحمد وعبد الرحمن وعلى أنوش تكين البلخي الخصي وعلى علي خشاوند وقتلهم أجمعين إلا عبد الرحمن لرفقه بأبيه مسعود عند القبض عليه‏.‏وقتل كل من داخل في قبض أبيه وخلعه وسار سيرة جده محمود‏.‏وبلغ الخبر إلى أهل خراسان فثار أهل هراة بمن عندهم من السلجوقية فأخرجوهم وتشوف أهل خراسان للنصر على الغز من قبل موعود وكان أبوه السلطان مسعود قد بعث ابنه الآخر إلى الهند أميراً عليها سنة ست وعشرين‏.‏فلما بلغه موت أبيه بايع لنفسه وقفل إلى لهاور والملتان فملكهما وأخذ الأموال وجمع العساكر وأظهر الخلاف على أخيه مودود‏.‏وحضر عيد الأضحى فأصبح ثالثه ميتاً بلهاور بعد أن كان مودود يجهز العساكر من غزة لقتاله وهو في شغل شاغل من أمره ففرغ عن الشواغل ورسخت قدمه في ملكه‏.‏وخالفه السلجوقية بخراسان وخاطبه خان الترك من وراء النهر بالإنقياد والمتابعة‏.‏

استيلاء طغرلبك على خوارزم
كانت خوارزم من ممالك محمود بن سبكتكين وابنه مسعود من بعده وكان عليها التوتناش حاجب محمود من أكابر أمرائه ووليها لهما معاً‏.‏ولما شغل مسعود بفتنة أخيه محمد عند مهلك أبيهما أغار على تكين صاحب بخارى من أطراف البلاد وغيرهما فلما فرغ مسعود من مراجعة محمد واستقل بالملك بعث إلى التونتاش بالمسير إلى أعمال علي وانتزاع بخارى وسمرقند منه وأمده بالعساكر فعبر جيحون سنة أربع وعشرين وأخذ من بلاد تكين كثيرًا فأقام بها وهرب تكين بين يديه‏.‏ثم دعته الحاجة إلى الأموال للعساكر ولم يكن في جبايته تلك البلاد‏.‏وجاء بها فاستأذن في العود إلى خوارزم وعاد واتبعه علي تكين وكبسه على غرة فثبت وانهزم علي تكين ونجا إلى قلعة دبوسية‏.‏وحاصره التوتناش وضيق عليه فبعث إليه واستعطفه فأفرج عنه وعاد إلى خوارزم وكانت به جراحة من هذه الوقعة فانتقض عليه ومات‏.‏وترك من الولد ثلاثة وهم‏:‏ هارون ورشيد وإسماعيل‏.‏وضبط وزيره أحمد بن عبد الصمد البلد والخزائن حتى جاء هارون الأكبر من الولد من عند السلطان بعهده على خوارزم ثم توفي التميمي وزير السلطان مسعود وبعث على أبي نصر لوزارته واستناب أبو نصر عند هارون بخوارزم ابنه عبد الجبار‏.‏ثم استوحش من هارون وسخطه وأظهر العصيان في رمضان سنة خمس وعشرين فاختفى عبد الجبار خوفاً من غائلته وسعى عند السلطان مسعود‏.‏وكتب مسعود إلى شاه ملك بن علي أحد ملوك الأطراف بنواحي خوارزم بالمسير لقتال إسماعيل فسار وملك البلد فهزمهما وهرب إسماعيل وشكر إلى طغرلبك وداود صريخين فسار داود إلى خوارزم فلقيهما شاه ملك وهزمهما‏.‏ثم قتل مسعود وملك ابنه مودود فدخل شاه ملك بأمواله وذخائره في المفاوز إلى دهستان ثم إلى طبس ثم إلى نواحي كرمان ثم إلى أعمال البتر ومكران‏.‏وقصد أرتاش أخا إبراهيم نيال وهو ابن عم طغرلبك في أربعة آلاف فارس فأسره وسلمه إلى داود واستأثر هو بما غنم من أمواله‏.‏ثم أعاد أرتاش إلى باذغيس وأقام على محاصرة هراة على طاعة مودود بن مسعود فامتنعو منه خوفاً من معرة هجومه عليهم‏.‏

مسير العساكر من غزنة إلى خراسان
ولما ملك الغز خراسان واستولوا على سائر أملاكها وأعمالها واستولي طغرلبك جرجان وطبرستان وخوارزم وإبراهيم نيال على همذان وعلى الري والجبل وولي على خراسان وأعمالها داود بن ميكايل وبعث السلطان أبو الفتح مودود عساكره مع بعض حجابه إلى خراسان سنة خمس وثلاثين فسرح إليهم داود ابنه ألب ارسلان في العساكر فاقتتلوا وكان الغلب لألب ارسلان‏.‏وعاد عسكر غزنة مهزوماً وسار‏.‏عسكر من الغز إلى نواحي بست وعادوا وأفسدوا فبعث أبو الفتح مودود إليهم عسكرًا فقاتلهم لمزموا وظفر عسكر مودود بهم وأثخنوا فيهم‏.‏مسير الهنود لحصار لهاور وامتناعها وفتح حصون أخري من بلادهم وفي سنة خمس وثلاثين اجتمع ثلاثة من ملوك الهند على لهاور فجمع مقدم العساكر الإسلامية هناك عسكره وبعثهم للدفاع عنها‏.‏وبعث إلى السلطان مودود وحاصرها الثلاثة ملوك‏.‏ثم أفرج الآخران وعادا إلى بلادهما‏.‏وسارت عساكر الإسلام في إتباع أحدهما وهو دوبالي هربابة فانهزم منهم وامتنع بقلعة له هو وعساكره وكانوا خمسة آلاف فارس وسبعين ألف راجل‏.‏وحاصرهم المسلمون حتى استأمنوا وسلموا ذلك الحصن وجميع الحصون التي من أعمال الملك وغنموا أموالهم وأطلقوا من كان الحصون من أسرى المسلمين بعد أن أعطوهم خمسة آلاف ثم ساروا إلى ولاية الملك الآخر واسمه باس الري فقاتلوه وهزموه وقتل في المعركة هو وخمسة آلاف من قومه وأسر الباقون وغنم المسلمون ما معهم‏.‏وأذعن ملوك الهند بعدها بالطاعة وحملوا الأموال وطلبوا الأمان والإقرار على بلادهم فأجيبوا‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:04 PM

وفاة مودود وولاية عمه عبد الرشيد
ثم توفي أبو الفتح مودود بن مسعود بن محمود بغزنة لعشر سنين من ولايته في رجب سنة إحدى وأربعين وقد كان كاتب فأجابوه وجمع أبو كاليجار صاحب أصفهان العساكر وسار في المفازة لنصره فمرض في طريقه ورجع‏.‏وسار خاقان إلى ترمذه وطائفة أخرى مما وراء النهر إلى خوارزم‏.‏وسار مودود من غزنة فعرض له بعد رحيله من غزنة مرض القولنج عاد إلى غزنة وبعث إلى وزيره أبي الفتح عبد الرزاق بن أحمد التميدي في العساكر إلى سجستان لإنتزاعها من اغز‏.‏ثم اشتد وجعه فمات ونصب ابنه للأمر خمسة أيام‏.‏ثم عدل الناس عنه إلى عمه إلى عمه علي بن مسعود وكان مسعود لأول ولايته قبض على عمه عبد الرشيد أخي محمود وحبسه بقلعة بطريق بست‏.‏فلما قاربها الوزير أبو الفتح وبلغه وفاة مودود نزل عبد الرشيد إلى العسكر فبايعوا له ورجعوا به إلى غزنة فهرب علي بن مسعود واستقر الأمر لعبد‏.‏الرشيد ولقب سيف الدولة وقيل جمال الدولة‏.‏واستقام أمر السلجوقية بخراسان وانندفعت العوائق عنهم‏.‏

مقتل عبد الرشيد وولاية فرخزاد
كان لمودود صاحب اسمه طغرل وجعله حاجباً ببابه‏.‏وكان السلجوقية قد ملكوا سجستان وصارت في قسم بيقو أخي طغرلبك وولي عليها أبا الفضل من قبله فأشار طغرلبك على عبد الرشيد بانتزاعها منهم وألح عليهم في ذلك فبعث إليها طغرل في ألف فارس فحاصر حصن الطاق أربعين يوماً‏.‏وكتب أبو الفضل من سجستان يستنجده‏.‏وسار طغرل ولما سمع أصوات البوقات والدبادب وأخبر أنه بيقو فتحاجزوا وعلم أنه تورط ولقيهم مستميتاً فهزمهم وسار إلى هراة‏.‏واتبعهم طغرل فرسخين وعاد إلى سجستان فملكها وكتب إلى عبد الرشيد بالخبر واستمده لغزو خراسان فأمده بالعساكر‏.‏ثم حدثته نفسه بالملك فأغذ السير إلى غزنة حتى كان على خمسة فراسخ منها كتب إلى عبد الرشيد باستيجاش العسكر وطلبهم الزيادة في العطاء فشاور أصحابه فكشفوا له وجه المكيدة في ذلك‏.‏وحذروه من طغرل فصعد إلى قلعة غزنة وتحصن بها‏.‏وجاء طغرل من الغد فنزل في دار الإمارة وأرسل أهل القلعة في عبد الرشيد فأسلموه إليه فقتله واستولي على ملكهم‏.‏وتزوج ابنة السلطان عبد الرشيد ويحضهم على الأخذ بثأره فأجابوا ودخلوا عليه في مجلسه وقتلوه وجاء خرخيز الحاجب لخمسة أيام من قتله وجمع وجوه القواد وأعيان البلد وبايع فرخاد ابن السلطان مسعود وقام بتدبير دولته وقتل الساعين في إلى غزنة ولقي الغز وهزمهم‏.‏ودخل غزنة فملكها من أيديهم‏.‏ثم سار من غزنة إلى كرمان وسوران فملكها‏.‏وكرمان هذه‏.‏بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة‏.‏ثم سار غياث الدين إلى نهر السند ليعبر إلى ليهاور كرسي خسرو شاه بن بهرام شاه فبادر خسرو شاه ومنعه العبور فرجع وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأنبار‏.‏وولي على غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروز كوه‏.‏

استيلاء الغورية على لهاور ومقتل خسرو شاه وانقراض دولة بني سبكتكين
ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسرو شاه فسار سنة تسع وسبعين في عسكر غزنة والغور وعبر إليها وحاصرها وبذل الأمان لخسرو شاه وأنكحه ابنته وسوغه ما يريد من الإقطاع على أن يخرج إليه ويخطب لأخيه فأبى من ذلك‏.‏وأقام شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه‏.‏وخذله أهل البلد فبعث القاضي والخطيب يستأمنان له فأمنه ودخل شهاب الدين وبقي خسرو شاه عنده مكرماً‏.‏وبقي شهرين ينتظر المعونة من يد غياث الدين فأنفذ خسرو شاه إليه فارتاب من ذلك وأمنه شهاب الدين وحلف له وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم‏.‏فلما وصلوا بلد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وانقرضت دولة بني سبكتكين بموته وكان مبدؤها سنة ست وستين وثلاثمائة فتكون مدة الدولة مائتين وثلاث عشرة سنة‏.‏

دولة الترك الخبر
عن دولة الترك في كاشغر وأعمال تركستان وما كان لهم من الملك في الملة الإسلامية بتلك البلاد وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم‏:‏ كان هؤلاء الترك ملوك تركستان ولا أدري أولية أمرهم بها إلا أن أول من أسلم منهم سبق قراخان وتسمى عبد الملك وكانت له تركستان وقاعدتها كاشغر وساغون وخيمو وما يتصل بها إلى أوان المفازة المتصلة بالصين في ناحية الشمال عنهم أعمال طراز والشاش وهي للترك أيضاً‏.‏إلا أن ملوك تركستان أعظم ملكاً منهم بكثير‏.‏وفي الخرب عنهم بلاد ما وراء النهر التي كان ملكها لبني سامان وكرسيهم بخارى‏.‏ولما أسلم ملكهم عبد الكريم سبق أقام على ملكه بتلك الناحية وكان يطيع بني سامان هو وعقبه يستنفرونهم في حروبهم إلى أن ملك عهد الأمير نوح بن منصور في عشر التسعين والثلاثمائة على حين اضطراب دولة بني سامان وانتقاض عمالهم بخراسان‏.‏وانتقض أبو علي بن سيجور فراسل بقراخان وأطمعه في ملك بخارى فطمع بقراخان في البلاد‏.‏ثم قصد أعمال بني سامان وملكها شيئًا فشيئاً‏.‏وبعث الأمير نوح إليه العساكر مع قائده أنج فلقيهم بقراخان وهزمهم وأسر أنج وجماعة من القواد‏.‏وسار فائق إلى بقراخان واختص به وفاة بقراخان وملك أخيه آيلك خان سليمان ولما ارتحل بقراخان من بخارى وهو على ما به من المرض أدركه الموت في طريقه فمات سنة ثلاث وثمانين وكان ديناً عادلاً حسن السيرة محبًا للعلماء وأهل الدين مكرماً لهم متشيعاً سنياً‏.‏وكان مواليًا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ولما مات ولي بعده أخوه آيلك خان سليمان ولقبه شهير الدولة‏.‏واستوثق ملكه بتركستان وأعمالها ووفد عليه فائق بعد حروبه بخراسان مع جيوش الأمير نوح وسبكتكين وابنه محمود ولحق به مستصرخاً فأكرمه ووعده وكتب إلى الأمير نوح يشفع في فائق وأن يوليه سمرقند فولاه عليها وأقام بها‏.‏

استيلاء آيلك خان على ما وراء النهر
لما عاد بقراخان على بخارى وعاد إليها الأمير نوح وقد كان من أبي علي بن سيجور وإجلائه عن خراسان ما كان استدعي الأمير نوح مولاه سبكتكين بعد ذلك واختلف ابناه بكثرزون ومنصور كما تقدم ذلك سنة خمس وثمانين‏.‏ثم هلك سبكتكين كما تقدم ذلك كله قبل ثم استوحش بكثرزون من منصور واتفق مع فائق على خلعه فخلعه وسلمه بخراسان سنة تسع وثمانين وكان فائق خصيًا من موالي نوح بن منصور‏.‏وهذه الأخبار كلها مستوفاة في دولة بني سامان‏.‏ثم بلغ الخبر إلى آيلك خان فطمع في ملك بخارى وأعمالها وسار في جموع الترك إلى بخارى مورياً بالمحاماة عن عبد الملك والنصرة له وخرج بكثرزون والأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم وسار فدخل بخارى عاشر ذي القعده من سنة تسع وثمانين ونزل دار الإمارة وظفر بعبد الملك فحبسه فانكدر حتى مات‏.‏وحبس معه أخاه المخلوع أبا الحارث منصور وأخويه الآخرين إسماعيل ويوسف ابني نوح وأعمامه محموداً وداود وغيرهم وانقرضت دولة بني سامان والبقاء لله‏.‏ثورة إسماعيل إلى بخارى ورجوعه عنها قد تقدم لنا أن إسماعيل فر من محبسه بخوارزم واجتمع إليه قوادهم وبايعوه ولقبوه المستنصر‏.‏وبعث قائداً من أصحابه إلى بخارى ففر من كان بها من عساكر آيلك خان فهزموم وقتل منهم وحبس‏.‏وكان النائب بها جعفر تكين أخي آيلك خان فحبسه واتبع المنهزمين إلى سمرقند‏.‏ولحق إسماعيل بأحياء الغز وجمعوا عليه‏.‏وجاء آيلك خان في جيوشه والتقوا فانهزم آيلك خان وأسروا قواده وغنموا سواده ورجعوا إلى بلادهم وتشاوروا في الأسرى فارتاب بهم إسماعيل وعبر النهر وانضمت إليه فتيان سمرقند‏.‏واتصل الخبر بآيلك خان فجمع والتقى هو وإسماعيل وهزمه بنواحي أسروشنة وعبر النهر إلى نواحي الجوزجان ثم إلى مرو‏.‏وبعث محمود العساكر في آثره من خرسان وكذلك قابوس من جرجان فعاد إلى ما وراء النهر وقد ضجر أصحابه ونزل بحي من العرب فأمهلوه الليل وقتلوه‏.‏واستقرت بخارى في ملك آيلك خان وولي عليها أخوه علي تكين‏.‏

عبور آيلك إلي خرسان
قد تقدم لنا ما كان انعقد بين آيلك خان ومحمود من المواصلة‏.‏ثم دبت عقارب السعاية بينهما وأكثر محمود من غزو بلاد الهند‏.‏ولما سار إلى الملتان اغتنم آيلك خان الفرصة في خراسان وبعث سباسي تكين صاحب جيشه وأخاه جعفر تكين إلى بلخ في علة من الأمراء وأرسلان الحاجب‏.‏فسار أرسلان إلى غزنة وملك سباسي هراة وأقام بها وبعث إلى نيسابور عسكراً فاستولي عليها‏.‏وبادر محمود بالرجوع من الهند وفرق الطايا وأزاح العلل واستنفر الأتراك الخلنجية‏.‏وسار إلى جعفر تكين ببلخ ففارقها إلى ترمذ وبعث العساكر إلى سباسي بهراة ففارقها إلى مرو ليعبر النهر فاعترضه التركمان فأوقع بهم وسار إلى أبيورد العساكر في أتباعه‏.‏ثم سار إلى خراسان فاعترضه محمود وهزمه وأسر أخاه وجماعة من قواده وعبر النهر إلى آيلك وأجلى عساكره وأصحابه من خراسان فبعث آيلك خان إلى قراخان ملك الختل فاستنفر الترك الغزية والخلنجية والهنود وعسكر على فرسخين من بلخ وتقدم آيلك وقراخان في عساكرهما ونزلوا قبالته واقتتلوا يوماً إلى الليل ومن الغد إشتدت الحرب ونزل الصبر‏.‏ثم حمل محمود في الفيله على آيلك خان في قلب فاختل المصاف وانهزم الترك واتبعهم عساكر محمود وأثخنوا فيهم بالقتل والأسر إلى أن عبر النهر وانقلب ظافراً غانماً وذلك سنه سبع وتسعين وثلاثمائة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:05 PM

وفاة آيلك خان وولاية أخيه طغان خان
ثم هلك آيلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وكان موالياً للسلطان محمود ومظاهراً له على أخيه طغان خان‏.‏فلما ولي تجدد ما بينه وبين السلطان من الولاية وصلحت الأحوال وأنمحت آثار الفتنة في خراسان وما وراء النهر‏.‏

وفاة طغان خان وولاية أخيه أرسلان خان
ثم توفي طغان خان ملك الترك سنة ثمان وأربعمائة بعد أن كان له جهاد مع أمم من الترك خرجوا من الصين في زهاء ثلاثمائة ألف وقصدوا بلاده في ساغون وهال المسلمون أمرهم فاستنفر طغان طوائف المسلمين وغيرهم واستقبلهم فهزمهم وقتل منهم نحو مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين‏.‏ومات طغان أثر ذلك وولي بعده أخوه ارسلان‏.‏وكان من الغريب الدال على قصد أيمان طغان أنه كان عند خروج الترك إلى بلاد ساغون عليلاً فلما بلغه الخبر تضرع لله أن يعافيه حتى ينتقم من هؤلاء الكفرة ويدفعهم عن البلاد فاستجاب الله دعاءه‏.‏وكان محباً لأهل العلم والدين‏.‏ولما توفي واصل ارسلان خنان الولاية مع السلطان محمود وأصهر إلى ابنه مسعود في بعض كرائمه فاستحكم الاتصال بينهما‏.‏

انتقاض قراخان على ارسلان وصلحه
كان ارسلان خان قد ولي على سمرقند قراخان يوسف بن بقراخان هارون الذي ملك بخارى فانتقض عليه سنة تسع وأربعمائة وكاتب السلطان محمود صاحب خراسان يستظهر به على ارسلان خان فعقد السلطان على جيحون جسراً من السفن محكمة الربط بسلاسل الحديد وعبر إليه‏.‏ثم خام عن لقائه فعاد إلى خراسان وانقطعت الموالاة بينه وبين ارسلان خان وتصالح مع قراخان واتفقا على محاربة السلطان محمود والمسير إلى بلاده فسار إلى بلخ وقاتلهما السلطان قتالاً شديداً حتى انهزم الترك وعبروا النهر إلى بلادهم‏.‏وكان من غرق أكثر ممن نجا وعبر السلطان في أثرهم ثم رجع عنهم‏.‏أخبار قراخان الذي يظهر من كلام ابن الأثير‏:‏ أن قراخان ولي بلاد الترك بتركستان وساغون فإنه ذكره عقب هذا الخبر بالعدل وحسن السيرة وكثرة الجهاد‏.‏ثم قال عقب كلامه‏:‏ فمن فتوحاته ختن بين الصين وتركستان وهي كثيرة العلماء والفضلاء‏.‏ثم قال‏:‏ وبقي كذلك إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فتوفي فيها‏.‏ولما توفي خلف ثلاثة بنين‏:‏ أرسلان خان وكنيته أبو شجاع ولقبه شرف الدولة وبقراخان ولم يذكر الثالث‏.‏والظاهر أنه شرف الدولة‏.‏قال‏:‏ وكان لأرسلان كاشغر وختن وساغون وخطب له على منابرها وكان عادلاً مكرماً للعلماء وأهل الدين محسناً لهم وقصد كثير منهم فأكرمهم‏.‏قال‏:‏ وكان لبقراخان طراز وأسفيجاب‏.‏ووقعت الفتنة بين بقراخان وارسلان فغلبه بقراخان وحبسه وملك بلاه‏.‏وقال في موضع آخر‏:‏ كان يقنع من أخوته وأقاربه بالطاعة فقسم البلاد بينهم أعطى أخاه أرسلان تكين كثيراً من بلاد الترك وأعطى أخاه طراز وأسفيجاب وأعطى مه طغان خان فرغانة بأسرها وأعطى ابنه علي تكين بخارى وسمرقند وغيرهما‏.‏وقنع هو ببلاد ساغون وكاشغر‏.‏قال‏:‏ وفي سنة خمس وثلاثين أسلم كثير من كفار الترك الذي كانوا يطرقون بلاد الإسلام بنواحي ساغون وكاشغر ويعيشون فيها ويصيفون ببلاد بلغار فأسلموا وافترقوا في البلاد وبقي من لم يسلم التتر والخطا في نواحي الصين انتهى‏.‏ورجع إلى بقراخان أول وقال فيه‏:‏ حبس أخاه ارسلان خان وملك بلاده ثم عهد بالملك لولده الأكبر واسمه حسين جعفر تكين‏.‏وكان له ولد آخر أصغر من حسين اسمه إبراهيم فغارت أمه لذلك وقتلت بقراخان بالسم وخنقت أخاه ارسلان في محبسه‏.‏ثم استلحمت وجوه أصحابه وأمرائه وملكت ابنها إبراهيم سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وبعثته في العساكر إلى برسخان مدينة بنواحي تركستان وكان صاحبها يسمى نيال تكين‏.‏فانهزم إبراهيم وظفر به نيال تكين وقتله‏.‏واختلف أولاد بقراخان وفسد أمرهم وقصدهم طقفاج خان صاحب سمرقند وفرغانة فأخذ من أولاد بقراخان الملك من أيديهم‏.‏

الخبر عن طقفاج خان وولده
كان بسمرقند وفرغانة أيام بني بقراخان وأخوته ملك من الترك الخانية اسمه نصر آيلك ويلقب عماد الدولة ويكنى أبا المظفر‏.‏ثم فلج سنة إثنتين وأربعمائة ومات وقد عهد بملكه لإبنه شمس الدولة نصر فقصد أخوه طغان خان بن طقفاج وحاصره بسمرقند وبيته شمس الدولة فهزمه وظفر به‏.‏وكان ذلك في حياة أبيهما‏.‏ثم جاء بعد مماته إلى محاربة شمس الدولة بقراخان هارون بن قدرخان يوسف وطغرك خان وكان طقفاج قد استولي على ممالكه وحاصره بسمرقند ولم يظفروا به ورجعوا عنه‏.‏وصارت أعمال الخانية كلها في أيديهما والأعمال المتاخمة لسبحون لشمس الدولة والتخم بينهما خجنده‏.‏وكان السلطان ألب أرسلان قد تزوج بابنه قمرخان وكانت قبله زوجاً لمسعود بن محمود بن سبكتكين‏.‏وتزوج شمس الدولة بابنه ألب أرسلان شمس الملك وذلك سنة خمس وستين‏.‏وملكها ونقل ذخائرها إلى سمرقند‏.‏وخاف أهل بلخ منه فاستأمنوا إليه وخطبوا له فيها لأن أرباس ألب أرسلان سار إلى الجوزجان وجاء إليها التكين وولي عليها وعاد إلى ترمذ فثار أهل بلخ بأصحابه وقتلوهم فرجع إليهم وأمر بإحراق المدينة ثم عفا عنهم وصادر التجار‏.‏وبلغ الخبر إلى ألب أرسلان فعاد من الجوزجان وسار في العساكر إلى ترمذ في منتصف سنة خمس فلقيه التكين وهزمه وغرق كثير من أصحابه في النهر‏.‏ثم استقامت الأمور للسلطان ملك شاه فسار إلى ترمذ سنة ست وستين وحاصرها ورماها بالمنجنيق رطم خندقها حتى استأمن أهلها واعتصم بقلعتها أخو التكين‏.‏ثم استأمن وأطلقه السلطان إلى أخيه‏.‏ثم سار ملك شاه إلى سمرقند ففارقها وبعث أخوه السلطان في الصلح فأجابه ورده إلى سمرقند‏.‏ورجع السلطان إلى خراسان انتهى‏.‏قال ابن الأثير‏:‏ ثم مات شمس الدولة وولي بعده أخوه خضر خان‏.‏ثم مات خضر خان فولي بعده ابنه أحمد خان‏.‏وكان أحمد هذا أسره ملك شاه في سمرقند لما فتحها ووكل به جماعة من الديلم فلقن عنهم معتقدات الإباحة والزندقة‏.‏فلما ولي أظهر الإنحلال فاعتزم جنده على قتله وتفاوضوا في ذلك مع نائبه بقلعة قاشان فأظهر العصيان عليه فسار في العساكر وحاصر القلعة‏.‏وتمكن جنده منه فقبضوا عليه ورجعوا به إلى سمرقند فدفعوه إلى القضاة قال ابن الأثير‏:‏ وكان جده من ملوكهم وكان أصم‏.‏وقصده طغان خان بن قراخان صاحب طراز فقتله واستولي على الملك وولي على سمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي فوليها ثلاث سنين‏.‏ثم عصي عليه فحاصره وأخذه فقتله‏.‏ثم خرج طغان خان إلى ترمذ فلقيه السلطان سنجر وظفر به وقتله وأخذها منه عمر خان‏.‏وملك سمرقند ثم هرب من جنده إلى خوارزم فظفر به السلطان أحمد‏.‏وولي سمرقند محمد خان وولي بخارى محمد تكين‏.‏وقال ابن الأثير في ذكر كاشغر وتركستان‏:‏ إنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدرخان كما ذكرنا‏.‏ثم صارت لمحمود نوراخان صاحبا طراز والشاش فملكها سنة وثلاثة أشهر ثم مات فولي بعده طغراخان ابن يوسف قدرخان وملك بلاد ساغون وأقام ست عشرة سنة‏.‏ثم توفي فملك ابنه ظغرل تكين شهرين ثم جاء هارون بقراخان بن طقفاج نورخان وهو أخو يوسف طغرك خان فملك كاشغر وقبض على هارون واستولي على ختن وما يتصل به إلى ساغور وأقام عشرين سنة وتوفي سنة ست وتسعين وأربعمائة فولي بعده محمد بن أرسلان خان وبعث إليه المستظهر بالخلع ولقبه نور الدولة‏.‏

مقتل قدرخان صاحب سمرقند
قال ابن الأثير سنة خمس وتسعين وأربعمائة‏:‏ ولما سار سنجر إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد طمع قدرخان جبريل بن عمر صاحب سمرقند في خراسان فخالف إليها سنجر بعد رجوعه إليها وقد عظم الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد‏.‏وكان بعض أمراء سنجر اسمه كنذعري يكاتب قدرخان ويغريه ويستحثه إلى البلاد فسار قدرخان إلى بلخ سنة سبع وتسعين في مائة ألف‏.‏وبادر سنجر إليها في ستة آلاف فلما تقاربا لحق كنذعري بقدرخان فبعثه إلى ترمذ وملكها‏.‏وجاء الخبر إلى سنجر بأن قدرخان نزل قريباً من بلخ وأنه خرج متصيداً في ثلاثمائة فارس فجرد إليه عسكراً مع أميره برغش فهزمهم وجاء بكنذعري وقدرخان أسيرين‏.‏وقيل إنه وقع بينهما مصاف وانهزم قدرخان وأسر فقتله سنجر وسار إلى ترمذ فحاصرها حتى استأمن إليه كنذعري فأمنه ولحق بغزنة‏.‏وكان محمد أرسلان خان بن سليمان بن داود بقراخان نازلاً بمرو فبعث عنه السلطان سنجر وولاه على سمرقند وهو من نسل الخانية مما وراء النهر وأمه بنت السلطان سنجر وولي ملك شاه دفع عن ملك آبائه فقصد مرو وأقام بها فلما قتل قدرخان ولاه سنجر أعماله وبعث معه العساكر الكثيرة فاستولي عليها واستفحل ملكه‏.‏ثم انتقض عليه من أمراء الترك تيمورلنك وجمع وسار إلى محمد خان بسمرقند وغيرها فاستنجد محمد خان بالسلطان سنجر فأنجده بالعساكر وسار إلى تيمورلنك فهزمه وفض جموعه ورجت العساكر إليه‏.‏ثم بلغ السلطان سنجر سوء سيرة محمد في رعيته وإهماله لأوامر السلطان فسار إليه سنة سبع وخمسمائة فخاف محمد خان غائلته وبعث إلى الأمير قماج أعظم أمراء سنجر يعتذر ويسأله الصلح فشرط عليه الحضور عند السلطان فاعتذر بالخوف وأنه يقف من وراء جيحون ويقبل الأرض من هنالك فأجيب إلى ذلك ووقفوا بعدوة النهر حتى وافى محمد خان بشرطه وسكنت الفتنة‏.‏

استيلاء السلطان سنجر على سمرقند
كان السلطان سنجر لما ملك سمرقند ولي عليها أرسلان خان بن سليمان بقراخان داود فأصابه الفالج واستناب ابنه نصر خان فوثب به أهل سمرقند وقتلوه‏.‏وتولي كبر ذلك إثنان منهم أحدهما علوي وكان أبوه محمد المفلوج غائباً فعظم عليه وبعث عن ابنه الآخر من تركستان فجاء وقتل العلوي وصاحبه‏.‏وكان والد أرسلان خان قد بعث إلى السلطان سنجر يستحثه قبل قدوم ابنه الآخر فسار سنجر لذلك‏.‏فلما قدم إلى أبيه أرسلان وقتل قاتل أخيه بعث أرسلان إلى السلطان سنجر يعرفه ويسأله العود إلى بلده فغضب لذلك وأقام أياماً‏.‏ثم جيء إليه بأشخاص واعترفوا بأن محمداً خان بعثهم لقتله فغضب وسار إلى سمرقند فملكها عنوة وتحصن محمد خان ببعض الحصون حتى استنزله سنجر بالأمان بعد مدة وأكرمه‏.‏وكانت بنته تحبه فبعثه إليها وأقام عندها وولي على سمرقند حسين تكين ورجع إلى خراسان‏.‏ومات حسين تكين فولي بعده عليها محمود بن محمد خان أخا زوجته‏.‏

استيلاء الخطا على تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية
نقل ابن الأثير هذا الخبر عن اضطراب عنده فيه على أن أخبار هذه الدولة الخانية في كتابه ليست جلية ولا متضحة وأرجو إن مد الله في العمر أن أحقق أخبارها بالوقوف عليها في مظان الصحة وألخصها مرتبة فإني لم أوفها حقها من الترتيب لعدم وضوحها في نقله‏.‏وحاصل ما قرر في هذا الخبر من أحد طرقه أنه قال‏:‏ إن بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاد ساغون وختن وطراز وغيرها مما بجوارها من بلاد ما وراء النهر كانت بيد الملوك الخانية من الترك وهم من نسل فراسياب ملكهم الأول المنازع لملوك اليكنية من الفرس‏.‏وأسلم جدهم الأول سبق قراخان‏.‏ويقال سبب إسلامه أنه رأى في منامه رجلاً نزل من السماء فقال له باللسان التركي ما معناه‏:‏ أسلم تسلم في الدنيا والآخرة فأسلم في منامه وأصبح مظهراً لإسلامه‏.‏ولما مات قام مقامه ابنه موسى واتصل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن محمد بن سليمان سبق فخرج عليه قدرخان في ملكه سنة أربع وتسعين وأربعمائة‏.‏واجتمع الترك عليه وكانوا طوائف فكان منهم القارغلية وبقية الغز الذين عبروا إلى خراسان ونهبوها على ما مر‏.‏وكان لأرسلان ابن اسمه نصرخان وفي صحابته شريف علوي اسمه الأشرف محمد بن أبي شجاع السمرقندي فحسن له طلب الملك من أبيه وأطمعه فيه فقتلهما أرسلان‏.‏ثم وقعت بينه وبين القارغلية من الترك وحشة دعتهم إلى الإنتقاض والعصيان واستنجد بالسلطان سنجر فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة ووصل إلى سمرقند وهرب القارغلية بين يديد‏.‏ثم عثر على رجالة استراب بهم فقبض عليهم وتهددهم فذكروا أن أرسلان خان وضعهم على قتله فرجع إلى سمرقند وملك القلعة وبعث أرسلان أميراً إلى بلخ فمات بها‏.‏وقيل إنه اختراع منه ووضع هذه الحكاية وسيلة لذلك‏.‏ثم ولي السلطان سنجر على سمرقند فلج طمغاج وهو أبو المعالي الحسن بن علي المعروف بحسين تكين كان من أعيان بيت الخانية فلم تطل أيامه‏.‏ومات فولي سنجر مكانه محمود ابن أخته وهو ابن السلطان أرسلان فأقام ملكاً عليها‏.‏وكان ملك الصين كوخان قد وصل إلى كاشغر سنة إثنتين وعشرين وخمسمائة في جيوش كثيفة‏.‏ومعنى كو بلسان أهل الصين أعظم وخان سمة ملوك الترك‏.‏وكان أعور وكان يلبس لبسة ملوك الترك هو مانوي المذهب‏.‏ولما خرج من الصين إلى تركستان إنضاف إليه طوائف الخطا من الترك وكانوا قد خرجوا قبله من الصين وأقاموا في خدمة الخانية أصحاب تركستان فانضافوا إلى كو ملك الصين وكثف جمعه وزحف إليه صاحب كاشغر وهو الخان أحمد بن الحسين بجموعه فهزمه وأقامت طوائف الخطا معه في تلك البلاد وكان سبب خروجهم من الصين ونزولهم ساغون أن أرسلان محمد كان يستنجد بهم ويجري عليهم الأرزاق والإقطاعات وينزلهم مسالح في ثغوره‏.‏ثم استوحشوا منه ونفروا وطلبوا الرحلة إلى غير بلده وارتادوا البلاد واختاروا منها بلد الساغون فساروا إليها وردد عليهم أرسلان الغزو‏.‏ولما جاء كوخان ملك صاروا في جملته حتى إذا رجع زحفوا إلى بلاد تركستان فملكوها بلداً بلداً‏.‏وكانوا ملكوا المدينة يأخذون ديناراً من كل بيت ولا يزيدون عليه ويكلفون من يطيعهم الملوك أن يعلق في منطقته لوحاً من فضة علامة على الطاعة‏.‏ثم ساروا إلى بلاده النهر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة‏.‏ولقيهم محمود خان بن أرسلان خان فهزموه إلى سمرقند وبخارى واستنجد بالسلطان سنجر ودعاه لنصر المسلمين فجمع العساكر واستنجد صاحب سجستان ابن خلف والغوري صاحب غزنة وملوك ما وراء وغيرهم‏.‏وسار للقائهم وعبر النهر في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين‏.‏وشكا إليه محمود من القارغلية فأراد أخذهم فهربوا إلى كوخان وسألوه أن لهم عند السلطان سنجر وكتب إليه يشفع لهم فلم يشفعه‏.‏وكتب إليه يدعوه الإسلام ويتهدده‏.‏ولما بلغ الكتاب إلى كوخان عاقب الرسول وسار للقاء سنجر والترك والخطا والقارغلية فلقيه السلطان سنجر أول صفر سنة ست وعلى ميمنته قماج وعلى ميسرته صاحب سجستان وأبلى ذلك اليوم وساء أثر القارغلية في تلك الحروب وانهزم السلطان سنجر والمسلمون واستمر القتل فيهم‏.‏وأسر صاحب سجستان وقماج وزوجة السلطان ابنة أرسلان خان محمد وأطلقهم الكفار‏.‏ولم يكن في الإسلام وقعة أعظم من هذه ولا أفحش قتلاً‏.‏واستقرت الدولة فيما وراء النهر للخطا والترك وهم يومئذ على دين الكفر‏.‏وانقرضت دولة الخانية المسلمين الذين كانوا فيها‏.‏ثم هلك كوخان منتصف سبع وثلاثين وكان جميلاً حسن الصوت ويلبس الحرير الصيني له هيبة على أصحابه ولا يقطع أحداً منهم خوفاً على الرعية من العسف‏.‏ولا يقدم أميراً على فوق مائة فارس خشية أن تحدثه نفسه بالعصيان‏.‏وينهى عن الظلم وعن السكر ويعاقب عليه‏.‏ولا ينهى عن الزنى ولا يقبحه‏.‏ولما مات ملكت بعده ابنته وماتت قريباً فملكت بعدها أمها زوجة كوخان وبقي ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم علاء الدين محمد بن خوارزم شاه صاحب دولة خوارزم سنة إثنتي عشرة وستمائة على ما يأتي في أخبار دولتهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:07 PM

إجلاء القارغلية من وراء النهر
لما ملك ما وراء النهر سمرقند وبخارى جقري خان بن حسين تكين من بيت الخانية وأمره ستة تسع وخمسين طفيلاء الترك القارغلية من أعمال بخارى وسمرقند إلى كاشغر وإلزامهم الفلاحة ومجانبة حمل السلاح فامتنعوا من ذلك‏.‏وألح عليهم جقري خان فامتنعوا واجتمعوا لحربه‏.‏وسار إلى بخارى فبعث إليهم بالوعظ في ذلك والوعد الجميل بخلال ما جمع بقراخان وكبسهم على بخارى فانهزموا وأثخن فيهم وقطع دابرهم وأجلاهم عن نواحي سمرقند وصلحت تلك النواحي والله أعلم‏.‏

دولة الغورية الخبر
عن دولة الغورية القائمين بالدولة العباسية بعد بني سبكتكين وما كان لهم من السلطان والدولة وابتداء أمرهم ومصائر أحوالهم كان بنو الحسين أيام سبكتكين ملوكاً على بلاد الغور لبني سبكتكين وكانت لهم شدة وشوكة‏.‏وكان منهم لآخر دولة بني سبكتكين أربعة أمراء قد اشتهروا واستفحل ملكهم‏:‏ وهم محمد وشورى والحسين شاه وسام بنو الحسين ولا أدري إلى من ينسب الحسين وأظنهم إلى بهرام شاه آخر ملوك بني سبكتكين والتحم به فعظم شأنه‏.‏ثم كانت الفتنة بين بهرام وأخيه أرسلان فمال محمد إلى أرسلان وارتاب به بهرام لذلك‏.‏ثم انقضى أمر أرسلان وسار محمد بن الحسين في جموعه إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين موريًا بالزبارة وهو يريد الغدر به وشعر بذلك بهرام فحبسه ثم قتله واستوحش الغورية لذلك‏.‏مقتل محمد بن الحسين الغوري وولاية أخيه الحسين شاه ثم أخيه شوري ولما قتل محمد ولي من بعده أخوه شاه بن الحسين ثم كانت الوقعة‏.‏وملك بعده أخوه شورى بن الحسين وأجمع الأخذ بثأر أخيه من بهرام شاه فجمع له وسار إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين فملكها‏.‏وفارقها بهرام شاه إلى بلاد الهند فجمع عسكره التي هناك ورجع إلى غزنة وعلى مقدمته السلار بن الحسين وأمير هندوخان إبراهيم العلوي‏.‏وسار شورى للقائه فانفض عنه عسكر غزنة إلى بهرام شاه فانهزم وأسره بهرام ودخل غزنة في محرم سنة أربع وأربعين وصلب شورى على باب غزنة واستقر في ملكه‏.‏

مقتل شوري بن الحسين وولايه أخيه علاء الدين بن الحسين
واستيلاؤه علي غزنة وانتزاعها منه لما هلك شورى بن الحسين ملك الغور من بعده أخوه الحسين ويلقب علاء الدولة‏.‏واستولي على جبال الغور ومدينه بيروزكوه المجاورة لأعمال غزنة من بلاد الهند وهي تقارب في اتساعها بلاد خراسان فاستفحل ملكه وطمع في ملك خراسان‏.‏وسار إلى هراة باستدعاء أهلها فحاصرها ثلاثاً ثم ملكها بالأمان وخطب فيها للسلطان سنجر وسار إلى بلخ وبها الأمير قماج من قبل السلطان سنجر فغدر به أصحابه فملك علاء الدولة بلخ وسار إلى السلطان سنجر وقاتله وظفر به فأسره‏.‏ثم خلع عليه ورده إلى بيروزكوه‏.‏ثم سار علاء الدين يريد غزنة سنة سبع وأربعين ففارقها صاحبها بهرام شاه وملكها علاء الدولة وأحسن السيرة واستخلف عليهم أخاه سيف الدولة وعاد إلى بلاد الغور فلما جاء فصل الشتاء وسد الثلج المسالك كتب أهل غزنة إلى بهرام شاه واستدعوه فلما وصل وثبوا بسيف الدولة وصلبوه وبايعوا لبهرام شاه وملكوه عليهم كما كان‏.‏لما استفحل أمر علاء الدولة واستفحل ملكه استعمل على البلاد العمال وكان فيمن ولاه بلاد الغور ابنا أخيه سالم بن الحسين وهما غياث الدين وشهاب الدين فأحسنا السيرة في عملهما ومال إليهما الناس وكثرت السعاية فيهما عند عمهما بأنهما يريدان الوثوب فبعث عنهما فامتنعا فجهز إليهما العساكر فهزماها وأظهرا عصيانه وقطعا خطبته فسار إليهما فقاتلاه قتالاً شديداً حتى انهزم فاستأمن إليهما فأجلساه على التخت وقاما بخدمته‏.‏وزوج غياث الدين أحدهما بنتاً له وبقي مستبداً على عمه علاء الدولة ثم عهد إليه بالأمر من بعده ومات‏.‏

وفاة علاء الدولة وولاية غياث الدين ابن أخيه من بعده
وتغلب الغز على غزنة ثم توفي علاء الدولة ملك الغورية سنة ست وخمسين وقام بالأمر من بعده يروزكوه غياث الدين أبو الفتح ابن أخيه سالم وطمع الغز بموته في ملك غزنة فملكوها من يده وبقي غياث الدين في كرسيه ببيروزكوه وأعمالها وابنه سيف الدين محمد في بلاد الغور‏.‏ثم أساء السيرة الغز في غزنة بعد مقامهم فيها خمس عشرة سنة واستفحل أمر غياث الدين فسار إلى غزنة سنة إحدى وسبعين في عساكر الغورية‏.‏والخلج والخراسانية ولقي الغز فهزمهم وملك غزنة من أيديهم‏.‏وسار إلى كرمان وشنوران فملكهما وكرمان هذه بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة ثم سار غياث الدين إلى لهاور ليملكها من يد خسروشاه بن بهرام فبادر خسروشاه إلى نهر المد ومنعه العبور منه فرجع وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأثغار وولي غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروزكوه‏.‏

استيلاء شهاب الدين الغوري على لهاور ومقتل خسروشاه صاحبها
ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسروشاه فسار سنة تسع وسبعين في عساكر خراسان والغور وعبر إليها وحاصرها وبذل الأمان لخسروشاه وأنكحه ابنته وسوغه ما يريد من الإقطاع على أن يخرج إليه ويخطب لأخيه فأبى من ذلك وبقي شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه بالحصار‏.‏وخذله أهل البلد فبعث بالقاضي والخطيب يستأمنان له فأمنه ودخل شهاب الدين البلد وبقي خسروشاه عنده مكرماً‏.‏وبعد شهرين وصل الأمر من غياث بإنقاذ خسروشاه إليه فارتاب من ذلك فأمنه شهاب الدين وحلف له وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم فلما وصلوا بلاد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وبابنه‏.‏

استيلاء غياث الدين على هراة وغيرها من خراسان
ولما إستقر ملك غياث الدين بلهاور كتب إلى أخيه شهاب الدين الذي تولي فتحها أن يقيم الخطبة له ويلقبه بألقاب السلطان فلقبه غياث الدنيا والدين معين الإسلام والمسلمين قسيم أمير المؤمنين‏.‏ولقب أخاه شهاب الدين بعز الدين‏.‏ثم لما فرغ شهاب الدين من أمور لهاور وصار إلى أخيه غياث الدين ببيروزكوه واتفق رأيهما على المسير إلى هراة من خراسان سار في العساكر فحاصرها وبها عسكر السلطان سنجر وأمراؤه فاستأمنوا إليها وملكا هراة‏.‏وسار إلى بوشنج فملكها ثم إلى باذغيس كذلك‏.‏وولي غياث الدين على ذلك وعاد إلى بيروزكوه وشهاب الدين إلى غزنة ظافرين غانمين‏.‏

فتح أجرة على يد شهاب الدين
لما عاد شهاب الدين إلى غزنة راح بها أياماً حتى استراحت عساكره‏.‏ثم سار غازياً إلى بلاد الهند سنة سبع وأربعين وحاصر مدينة أجرة وبها ملك من ملوكهم فلم يظفر منه بطائل فراسل امرأة الملك في أنه يتزوجها إذا ملك البلد فأجابت بالعذر ورغبت في ابنتها فأجاب فقتلت زوجها بالسم وملكته البلد فأخذ الصبية وأسلمت وحملها إلى غزنة ووسع عليها الجراية ووكل بها من يعلمها القرآن حتى توفت والدتها وتوفت هي من بعدها لعشر سنين‏.‏ولما ملك البلد سار في نواحي الهند فدوخها وفتح الكثير منها وبلغ منها ما لم يبلغه حروب شهاب الدين مع الهنود وفتح دلهي وولاية قطب الدين آيبك عليها ولما اشتدت نكاية شهاب الدين في بلاد الهند تراسل ملوكهم وتلاوموا بينهم وتظاهروا على المسلمين وحشدوا عساكرهم من كل جهة وجاؤوا بقضهم وقضيضهم في حكم امرأة ملكت عليهم وسار هو في عساكره من الغورية والخلج والخلنجية والخراسانية وغيرهم والتقوا فمحض الله المسلمين وأئخن فيهم الكفرة بالقتل‏.‏وضرب شهاب الدين في يده اليسرى فشلت وعلى رأسه فسقط عن فرسه وحجز بينهم الليل وحمله جماعة من غلمانه إلى منجاته ببلده‏.‏وسمع الناس بنجاته فتباشروا ووفدوا عليه من كل جهة وبعث إليه أخوه غياث الدين بالعساكر وعذله في عجلته‏.‏ثم ثارت الملكة ثانياً إلى بلاد شهاب الدين بالعساكر وبعثت إلى شهاب الدين بالخروج عن أرض الهند إلى غزنة فأجاب إلى ذلك بعد أن يستأذن أخاه غياث الدين وينظر جوابه‏.‏وأقاموا على ذلك وقد حفظ الهنود مخاضات النهر بينهم وهو يحاول العبور فلا يجد وبينما هو كذلك جاء بعض الهنود فدله على مخاضة فاستراب به حتى عرفه قوم من أهل أجرة والملتان‏.‏وبعث الأمير الحسن بن حرميد الغوري في عسكره كثيف وعبر تلك المخاضة ووضع السيف في الهنود فأجفل الموكلون بالمخاضات‏.‏وعبر شهاب الدين وباقي العساكر وأحاطوا بالهنود ونادوا بشعار الإسلام فلم ينج منهم إلا الأقل وقتلت ملكتهم وأسروا منهم أمماً‏.‏وتمكن شهاب الدين بعدها من بلاد الهند وحملوا له الأموال وضربت عليهم الجزية فصالحوه وأعطوه الرهن عليها‏.‏وأقطع قطب الدين آيبك مدينة دلهي وهي كرسي الممالك التي فثحها وأرسل عسكراً من الخلج مختارين ففتحوا من بلاد الهند ما لم يفتحه أحد حتى قاربوا حدود الصين من جهه الشرق وذلك كله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة‏.‏

مقتل ملك الغور محمد بن علاء الدين
قد تقدم لنا أن محمد بن علاء الدين ملك الغور بعد أبيه وأقام مملكاً عليها‏.‏ثم سار سنه ثمان وخمسين بعد أن احتفل في الإحتشاد وجمع العساكر وقصد بلخ وهي يومئذ للغز فزحفوا إليه‏.‏وجاءهم بعض العيون بأنه خرج من معسكره لبعض الوجوه في خف من الجند فركبوا لإعتراضه ولقوه فقتلوه في نفر من أصحابه وأسروا منهم آخرين ونجا الباقون إلى المعسكر فارتحلوا هاربين إلى بلادهم وتركوا معسكرهم بما فيه فغنمه الغز وانقلبوا إلى بلخ ومروا ظافرين غانمين‏.‏

الفتنة بين الغورية وبين خوارزم شاه على ما ملكوه من بلاد خراسان
رجعا إلى خراسان سنة سبع وأربعين فملكا هراة وبوشنج وباذغيس وغيرها وذلك عند انهزام سنجر أمام الغز وافترق ملكه بين أمرائه ومواليه فصاروا طوائف وأظهرهم خوارزم شاه بن أنس بن محمد بن أنوشر تكين صاحب خوارزم‏.‏فلما كان سنة خمس وسبعين قام بأمره ابنه سلطان شاه ونازعه أخوه علاء الدين تكش فغلبه على خوارزم‏.‏وخرج سلطان شاه إلى مرو فملكها من يد الغز‏.‏ثم أخرجوه منها فاستجاش بالخطا وأخرجهم من مرو وسرخس ونسا وأبيورد وملكها جميعاً وصرف الخطا إلى بلادهم‏.‏وكتب إلى غياث الدين أن ينزل له عن هراة وبوشنج وباذغيس وما ملكه من خراسان وهدده على ذلك فراجعه بإقامة الخطبة له بمرو وسرخس وما ملكه من خراسان فامتعض لذلك سلطان شاه وسار إلى بوشنج فحاصرها وعاث في نواحيها‏.‏وجهز غياث الدين عساكره مع صاحب سجستان وابن أخته بهاء الدين سام بن باميان لغيبة أخيه شهاب الدين في الهند فساروا إلى خراسان وكان سلطان شاه يحاصر هراة فخام عن لقائهم ورجع إلى مرو وعاث في البلاد في طريقه وأعاد الكتاب إلى غياث الدين بالتهديد فاستقدم أخاه شهاب الدين من الهند فرجع مسرعاً وساروا إلى خراسان‏.‏وجمع سلطان شاه جموعاً ونزل الطالقان وترددت الرسل بين سلطان شاه وغياث الدين حتى جنح إلى الصلح وجاء رسول سلطان شاه لإتمام العقد فقام شهاب الدين العلوي وقال‏:‏ لا يكون هذا أبداً ولا تصالحوه‏.‏وقام شهاب الدين ونادى في معسكره بالحرب والتقدم إلى مرو الروذ‏.‏وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه ودخل إلى مرو في عشرين فارساً‏.‏وبلغ الخبر إلى أخيه فسار لتعرضه عن جيحون‏.‏وسمع سلطان شاه بتعرض أخيه له فرجع عن جيحون وقصد غياث الدين فأكرمه وأكرم أصحابه وكتب أخوه علاء الدين في رده إليه وكتب إلى نائب هراة يتهدده فامتعض غياث الدين لذلك وكتب إلى خوارزم شاه بأنه مجير وشفيع له ويطلب بلاده وميراثه من أبيه ويضمن له الصلح مع أخيه سلطان شاه‏.‏وطلب منه مع ذلك أن يخطب له بخوارزم ويزوج أخته من شهاب الدين فامتعض علاء الدين لذلك وكتب بالتهديد فسرح غياث الدين جميع عساكره مع سلطان شاه إلى خوارزم شاه وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده فجمع عساكره وقام في إنتظارهم‏.‏وسمع بذلك علاء الدين تكش وهو زاحف للقاء أخيه سلطان شاه وعساكر الغورية فخشي أن يخالفوه إلى خوارزم وكر إليها راجعاً‏.‏واحتمل أمواله وعبر إلى الخطا وقدم فقهاء خوارزم في الصلح والصهر ووعظه الفقهاء وشكوا إليه بأن علاء الدين ستجيش بالخطا فإما أن تتخذ مرو كرسياً لك فتمنعنا منهم أو تصالحه فأجاب الصلح وترك معاوضة البلاد ورجع إلى كرسيه‏.‏غزوة شهاب الدين إلى الهند وهزيمة المسلمين بعد الفتح ثم غزوته الثانية وهزيمة الهنود وقتل ملكهم وفتح أجمير كان شهاب الدين قد سار سنة ثلاث وثمانين إلى الهند وقصد بلاد أجمير وتعرف بولاية السواك واسم ملكهم كوكه فملك عليهم مدينة تبرنده ومدينة أسرستي وكوه رام فامتعض الملك وسار للقاء المسلمين ومعه أربعة عشر فيلاً ولقيهم شهاب الدين في عساكر المسلمين فانهزمت ميمنته وميسرته وحمل على الفيلة فطعن منها واحداً ورمي بحربة في ساعده فسقط عن فرسه‏.‏وقاتل أصحابه عليه فخلصوه وانهزموا ووقف الهنود بمكانهم‏.‏ولما أبعد شهاب الدين عن المعركة نزف من جرحه الدم فأصابه الغشي وحمله القوم على أكتافهم في محفة اتخذوها من اللبود ووصلوا به إلى لهاور‏.‏ثم سار منها إلى غزنة فأقام إلى سنة ثمان وثمانين وخرج من غزنة غازياً لطلب الثأر من ملك الهند ووصل إلى برساور‏.‏وكان وجوه عسكره في سخطة منه منذ انهزموا عنه في النوبة الأولى فحضروا عنده واعتذروا ووعدوا من أنفسهم الثبات وتضرعوا في الصفح فقبل منهم وصفح عنهم وسار حتى انتهى إلى موضع المصاف الأول وتجاوزه بأربع مراحل وفتح في طريقه بلاداً‏.‏وجمع ملك الهند وسار للقائه فكر راجعاً إلى أن قارب بلاد الإسلام بثلاث مراحل ولحقه الهنود قريباً من بربر فبعث شهاب الدين سبعين ألفاً من عسكره ليأتوا العدو من ورائهم وواعدهم هو الصباح وأسرى هو ليله فصابحهم فذهلوا وركب الملك فرسه للهروب فتمسك به أصحابه فركب الفيل واستماتت قومه عنده وكثر فيهم القتل وخلص إليه المسلمون فأخذوه أسيراً وأحضروه عند شهاب الدين فوقف بين يديه وجذبوا بلحيته حتى قبل الأرض‏.‏ثم أمر به فقتل ولم ينج من الهنود إلا الأقل‏.‏وغنم المسلمون جميع ما معهم وكان في جملة الغنائم الفيول‏.‏ثم سار شهاب الدين إلى حصنهم الأعظم وهو أجمير ففتحه عنوة وملك جميع البلاد التي تقاربه وأقطعها كلها لمملوكه آيبك نائبه في دلهي وعاد إلى غزنة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:08 PM

غزوة بناوس ومقتل ملك الهند
ثم فتح بهنكر كان شهاب الدين ملك غزنة قد أمر مملوكه قطب الدين آيبك خليفته على دلهي أن يغزو بلاد الهند من ناحيته فسار فيها ودوخها وعاث في نواحيها‏.‏وسمع ملك بناوس وهو أكبر ملوك الهند وولايته من تخوم الصين إلى بلاد ملاوا طولاً ومن البحر الأخضر إلى عشرة أيام من لهاور عرضاً‏.‏وتلك البلاد من أيام السلطان محمود مقيمون على إسلامهم فاستنفر معه مسلمون كانوا في تلك البلاد فسار إلى شهاب الدين سنة تسعين والتي على ماحون نهر كبير يقارب دجلة فاقتتلوا ونزل الصبر‏.‏ثم نصر الله المسلمين واستلحهم الهنود وقتل ملكهم وكثر السبي في جواريهم والأسرى من أبنائهم وغنموا منهم تسعين فيلاً‏.‏وهرب بقية الفيول وقتل بعضها‏.‏ودخل شهاب الدين بلاد بناوس وحط من خزائنها ألفاً وأربعمائة حمل وعاد إلى غزنة ثم سار سنة إثنتين وتسعين إلى بلاد الهند وحاصر قلعة بهنكر حتى تسلمها على الأمان ورتب فيها الحامية‏.‏وسار إلى قله كواكير وبينهما خمس مراحل يعترضها نهر كبير فحاصرها شهراً حتى صالحوه على مال يحملونه فحملوا إليه حمل فيل من الذهب فرحل عنهم إلى بلاد أبي رسود فأغار ونهب وسبي وأسر وعاد إلى غزنة ظافراً‏.‏

استيلاء الغورية على بلخ وفتنتهم مع الخطا بخراسان
كان الخطا قد غلبوا على مدينة بلخ وكان صاحبها تركياً اسمه أزبة يحمل إليهم الخراج كل سنة وراء النهر‏.‏فتوفي أزبة سنة أربع وتسعين‏.‏وكان بهاء الدين سام بن محمد بن مسعود صاحب باميان من قبل خاله غياث الدين فسار إلى بلخ وقطع الحمل للخطا وخطب لغياث الدين‏.‏وصارت من جملة بلاد الإسلام بعد أن كانت في طاعة الكفار فامتعض الخطا لذلك واعتزموا على فتنة الغورية‏.‏واتفق أن علاء الدين تكش صاحب خوارزم بعث إليهم يغريهم ببلاد غياث الدين‏.‏وكان سبب ذلك أنه ملك الري وهمذان وأصفهان وما بينهما وتعرض لعساكر الخليفة وطلب الخطبة والسلطنه ببغداد مكان ملوك السلجوقية فبعث الخليفة يشكوه إلى غياث الدين يقبح فعله وينهاه عن قصد العراق ويتهدده بسلطان شاه وأخذ بلاده فأنف من ذلك وبعث إلى الخطا يغريهم ببلاده فجهز ملك الخطا جيشاً كثيفاً مع مقدم عساكره وعبروا النهر إلى بلاد الغور‏.‏وسار علاء الدين تكش إلى طوس لحصارها لأن غياث الدين عاجز عن الحركه بعلة النقرس فعاثوا في بلاده ما شاء الله وحاصر الخطا بهاء الدين فاشتدت الحرب وثبت المسلمون‏.‏وجاء المدد من عند غياث الدين ثم حملوا جميعاً على الخطا هزموهم إلى جيحون وألقي الكثير منهم أنفسهم في الماء فهلك منهم نحو إثني عشر ألفاً وعظم الأمر على ملك الخطا وبعث إلى علاء الدين تكش صاحب خوارزم يطوقه الذنب ويطالبه بدية القتلى من أصحابه‏.‏وألزمه الحضور عنده فبعث علاء الدين تكش يشكو ذلك إلى غياث الدين فرد جوابه باللوم على عصيان الخليفة ودعا ذلك علاء الدين إلى الفتنة مع الخطا وانتزاعه بخارى من أيديهم كما يأتي في أخبارهم‏.‏

استيلاء الغورية على ملك خوارزم شاه بخراسان
ثم توفي علاء الدين تكش صاحب خوارزم وكان قد ملك بعض خراسان وبلاد الري والبلاد الجبالية فولي بعده ابنه قطب الدين ولقب علاء لدين بلقب أبيه وولي علاء الدين أخاه علي شاه خراسان وأقطعه نيسابور‏.‏وكان هندوخان ابن أخيهما ملك شاه فخاف عمه فلحق بمرو وجمع الجموع‏.‏وبعث إليه عمه محمد العسكر مع جنقر التركي فهرب هندوخان ولحق بغياث الدين مستنجداً به على عمه فأكرمه ووعده‏.‏ودخل جنقر إلى مرو وحمل منها ولدخان وأمه مكرمين إلى خوارزم‏.‏وأرسل غياث الدين إلى صاحب الطالقان محمد بن خربك بأن يتهدد جنقر فسار من الطالقان واستولي على مرو الروذ وبعث إلى جنقر يأمره بالخطبة بمرو لغياث الدين أو يفارقها فأساء الجواب ظاهراً واستأمن إلى غياث الدين سراً ، ^? ولما علم غياث الدين بذلك قوي طمعه في البلاد وكتب إلى أخيه شهاب الدين بالمسير إلى خراسان فسار من غزنة في عساكره في منتصف سنة ست وتسعين‏.‏ولما انتهى إلى الطالقان استحثه جنقر صاحب مرو للبلد وأخبره بطاعته حتى إذا وصل إليه خرج في العساكر فقاتله وهزمه شهاب الدين وزحف بالفيلة إلى السور فاستأمن من جنقر وخرج إليه وملك شهاب الدين مرو وبعث بالفتح إلى غياث الدين فجاء إلى مرو وبعث جنقر إلى هراة مكرماً وسلم مرو إلى هندوخان بن ملك شاه المستنجد به وأوصاه بالإحسان إلى أهلها‏.‏وسار إلى سرخس فحاصرها ثلاثاً وملكها على الأمان وأرسل إلى علي شاه نائب علاء الدين محمد بنيسابور وينذره الحرب إن امتنع من الطاعة فاستعد للحصار وخربوا العمائر بظاهرها وقطعوا الأشجار وحمل محمود بن غياث الدين فضايق البلد وملك جانبها ورفع راية أبيه على وحمل شهاب الدين عن الناحية الأخرى فسقط السور بين يديه وملك البلد ونهب الجند عامتها‏.‏ثم نادوا بالأمان ورفع النهب واعتصم الخوارزميون بالجامع فأخرجهم أهل البلد إلى غياث الدين‏.‏ثم سار إلى قهستان فذكر له عن قرية في نواحيها أن أهلها إسماعيلية فدخلها وقتل المقاتلة وسبي الذرية وخرب القرية‏.‏ثم سار إلى مدينة أخرى ذكر له عنها مثل ذلك وأرسل صاحب قهستان إلى غياث الدين يستغيثون من شهاب الدين ويذكرونه العهد فأرسل غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين بالرجوع عنهم طوعاً أو كرهاً ووصل الرسول بذلك فامتنع فقطع طنب خيمته ورحل العسكر فرحل شهاب الدين كرهاً ورجع إلى غزنة‏.‏

فتح نهرواكد من الهند
لما رجع شهاب الدين من خراسان غاضباً من فعل أخيه لم يعرج على غزنة ودخل بلاد الهند غازياً سنة ثمان وتسعين‏.‏وبعث في مقدمته مملوكه قطب الدين آيبك ولقيه عساكر الهند دون نهرواكد فهزمهم آيبك واستباحهم وتقدم إلى نهرواكد فملكها عنوة‏.‏وفارقها ملكها وجمع ورأى شهاب الدين أنه لا يقوم بحمايتها إلا مقامه فيها فصالح ملكها على مال يؤديه إليه عنها ورجع إلى غزنة‏.‏

إعادة علاء الدين محمد صاب خوارزم ما أخذه الغورية من خراسان
لما فصل الغورية عن خراسان وملكوا ما ملكوه منها وسار شهاب الدين إلى الهند غازياً بعث علاء الدين محمد صاحب خوارزم إلى غياث الدين يعاتبه على ما فعل في خراسان ويطلب إعادة بلده ويهدده باستدعاء عساكر الخطا فصانعه في الخطا حتى قدم شهاب الدين فطمع بالمصانعة‏.‏وبعث إلى نائبهم بخراسان يأمره بالرحيل عن نيسابور ويتهدده فكتب إلى غياث الدين بذلك وبميل أهل نيسابور إلى عدوهم فوعده النصر‏.‏وسار إليه علاء الدين صاحب خوارزم آخر سنة تسع وتسعين فلما انتهى إلى نسا وأبيورد هرب هندوخان ابن أخيه ولحق بغياث الدين في فيروزكوه وملك علاء الدين مدينة مرو‏.‏وسار إلى نيسابور وحاصرها شهرين فلما أبطأ عن نائبها المدد من غياث الدين استأمن لصاحب خوارزم وخرج إليه هو وأصحابه فأحسن إليهم وطلب علاء الدين أن يسعى في الصلح بينه وبين غياث الدين وأخيه فوعده بذلك وسار إلى هراه فأقام بها ولم يمض إلى غياث الدين سخطه لتأخر المدد عنه‏.‏واختص صاحب خوارزم الحسن بن حرميل من أعيان الغورية واستحلفه أن يكون معه عند غياث الدين‏.‏ثم سار إلى سرخس وبها الأمير زنكي فحاصره أربعين يوماً وتعددت بينهما حروب‏.‏ثم بعث ابنه زنكي بأن يتأخر عن البلد قليلاً حتى يخرج هو وأصحابه فتأخر بأصحابه وخرج زنكي فشحن البلد بالأقوات والحطب وأخرج من ضاق به الحصار‏.‏وتحصن فندم صاحب خوارزم على تأخره وجهز عسكراً لحصاره ورجع‏.‏فلما بعد سار محمد بن خربك من الطالقان وأرسل إلى زنكي بأن يكبس العسكر الذي عليه ونذر بذلك أهل العسكر فأفرجوا عن سرخس‏.‏وخرج زنكي ولقي محمد بن خربك في مرو وجبوا خراج تلك الناحية وبعث إليهم صاحب خوارزم عسكراً من الثلاثة آلاف فارس فلقيهم محمد بن خربك في تسعمائة فهزمهم وغنم معسكرهم وعاد صاحب خوارزم إلى بلده وأرسل إلى غياث الدين في الصلح فأجابه مع أمير من أكابر الغورية اسمه الحسن بن محمد المرغني فقبض عليه صاحب خوارزم وحبسه‏.‏ومرغن من قرى الغور‏.‏حصار هراة لما بعث صاحب خوارزم إلى غياث الدين في الصلح وجاء عند الحسن المرغني تبين عنه المغالطة فحبسه وسار إلى هراه وحاصرها وكان بها إخوان من خدمة السلطان شاه تكش فكتبا إلى صاحب خوارزم ووعداه بالثورة له في البلد وكانا يليان مفاتح الأبواب وأمور الحصار من داخل فاطلع الأمير الحسن المرغني المحبوس عند صاحب خوارزم على أمرهما فبعث بذلك إلى أخيه عمر صاحب هراة فاعتقلهما‏.‏وبعث غياث الدين العساكر مدداً لهراة مع ابن أخته ألب غازي فنزل على خمسة فراسخ منها ومنع الميرة عن عسكر صاحب خوارزم فبعث صاحب خوارزم عسكراً إلى الطالقان للغاره عليها فقاتلهم الحسن بن خربك فظفر بهم ولم يفلت منهم أحد‏.‏ثم سار غياث الدين في عساكره ونزل قريباً‏.‏من هراة فاعتزم صاحب خوارزم على الرحيل بعد حصار أربعين يوماً لهزيمة أصحابه بالطالقان ومسير العساكر مع ألب غازي ثم مسير غياث الدين ثم توقعه عود شهاب الدين من الهند‏.‏وكان قد وصل إلى غزنة منتصف ثمان وتسعين فراسل أمير هراة وصالحه على مال حمله إليه وأرتحل عن البلد وبلغ الخبر شهاب الدين وجاء إلى طوس وشتى بها عازماً على حصار خوارزم فجاء الخبر بوفاة أخيه غياث الدين فأثنى عزمه وسار إلى هراة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:08 PM

وفاة غياث الدين وانفراد شهاب الدين بالملك
ثم توفي غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام صاحب غزنة وبعض خراسان وفيروزكوه ولهاور ودهلي من الهند‏.‏وكان أخوه شهاب الدين بطوس كما ذكرنا فسا إلى هراة وأظهر وفاة أخيه وجلس للعزاء‏.‏وخلف غياث الدين ابنا اسمه محمود فلقب غياث الدين‏.‏ولما سار شهاب الدين عن طوس استخلف بمرو الأمير محمد بن خربك وبعث إليه صاحب خوارزم العساكر فبيتهم ولم ينج منهم إلا القليل وأنفذ بالأسارى والرؤوس إلى هراة‏.‏وأعاد إليه صاحب خوارزم الجيوش في منصور التركي فلقيهم على عشرة فراسخ من مرو فهزموه وحاصروه خمسة عشر يوماً حتى استأمن إليهم وخر فقتلوه‏.‏وترددت الرسل بين شهاب الدين وصاحب خوارزم في الصلح فلم يتفق بينهما أمر‏.‏ولما اعتزم شهاب الدين على العود إلى غزنة ولي على هراة ابن أخته ألب غازي وقلد علاء الدين محمد الغوري مدينة فيروزكوه وبلد الغور وجعل إليه حرب خراسان وأمور المملكة‏.‏وجاءه محمود ابن أخيه غياث الدين فولاه على بست وأسفرايين وتلك الناحية وأبعده عن الملك جملة‏.‏وكانت لغياث الدين زوجة مغنية شغف بها وتزوجها فقبض عليها شهب الدين وضربها ضرباً مبرحاً وضرب ولدها غياث الدين‏.‏وزوج أختها واستصفاهم وغربهم إلى بلاد الهند‏.‏وكانت بنت مدرسة ودفنت فيها أباها فخربها ونبش قبور ثم ورمي بعظامهم‏.‏وكان غياث الدين ملكاً عظيماً مظفراً على قلة حروبه فإنه كان قليل المباشره للحروب وكان ذا هيبة جواداً حسن العقيدة كثير الصدقة‏.‏بنى بخراسان وغيرها المساجد والمدارس للشافعية وبنى الخوانك في الطرق وبنى على ذلك الأوقاف الكثيرة وأسقط المكوس‏.‏وكان لا يتعرض إلى مال أحد ومن مات ووارثه غائب دفعه إلى‏.‏أمناء التجار من أهل بلده ليوصلوه إلى ورثته فإن لم يجد تاجراً ختم عليه القاضي إلى أن يصل مستحقه‏.‏وإن كان لا وارث له تصدق عنه بماله‏.‏وكان يحسن إلى أهل البلد إذا ملكها ويفرض الأعطيات للفقهاء كل سنة من خزائنه ويفرق الأموال على الفقراء ويصل العلوية والشعراء‏.‏وكان أديباً بليغاً بارع الخط ينسخ المصاحف ويفرقها في المدارس التي بناها‏.‏وكان شافعي المذهب من غير تعصب لهم ويقول‏:‏ التعصب في المذاهب هلاك‏.‏فتنة الغورية مع محمل بن تكش صاحب خوارزم وحصار هراة ثم حصارهم خوارزم وحروب شهاب الدين مع الخطا لما هلك غياث الدين ملك أخوه شهاب الدين بعده فطمع محمد بن تكش صاحب خوارزم في إرتجاع هراة‏.‏وكان قد راسل شهاب الدين في الصلح فلم يتم‏.‏وسار شهاب الدين عن غزنة إلى لهاور غازياً فسار حينئذ محمد بن تكش إلى هراة منتصف سنة ستمائة وحاصرها وكان بها ألب غازي ابن أخت شهاب الدين‏.‏وطال حصارها إلى سلخ شعبان وقتل بين الفريقين خلق‏:‏ منهم رئيس خراسان المقيم يومئذ بمشهد طوس‏.‏وكان الحسين بن حرميل من أعيان الغورية بجوربان وهو إقطاعه فمكر بصاحب خوارزم وأظهر له الموالاة‏.‏وأشار بأن يبعث إليه فوارس يعطيهم بعض الفيلة‏.‏وقعد لهم هو والحسين بن محمد المرغني بالمراصد فاستلحموهم‏.‏ثم مات ألب غازي وضجر صاحب خوارزم محمد من الحصار فارتحل إلى سرخس وحاصرها وبلغت هذه الأخبار شهاب الدين ببلاد الهند فكر راجعاً وقصد مدينة خوارزم فأغذ محمد بن تكش السير من سرخس ونزل أثقاله وسبقه إليها وقاتله الخوارزمية قتالاً شديداً وفتكوا فيه‏.‏وهلك من الغورية جماعة‏:‏ منهم الحسين بن محمد المرغني وأسر جماعة من الخوارزمية فأمر شهاب الدين بقتلهم‏.‏ثم بعث خوارزم شاه إلى الخطا يستنجدهم أن يخالفوا شهاب الدين إلى بلاد الغورية فساروا إليها‏.‏ولما سمع شهاب الدين كر راجعاً إلى البلاد فلقي مقدمه عسكرهم بصحراء آيدخوي في صفر سنة إحدى وستمائة فأوقع بهم وأثخن فيهم وجاءت ساقتهم على أثر ذلك فلم يكن لشهاب الدين بهم قبل فانهزم ونهبت أثقاله وقتل الكثير من أصحابه ونجا في الفل إلى آيدخوي وحاصروه حتى أعطاهم بعض الفيلة وخلص‏.‏وكثر الأرجاف في بلاد الغور بمهلكه ووصل إلى الطالقان في سبعة نفر وقد لحق بها نائبها الحسين بن حرميل ناجماً من الوقعة فاستكثر له من الزاد والعلوفة وكفاه مهمه‏.‏وكان مستوحشاً مع من استوحش من الأمراء بسبب إنهزامهم عن شهاب الدين فحمله شهاب الدين إلى غزنة تأنيساً له واستحجبه‏.‏ولما وقع الأرجاف بموت شهاب الدين جمع مولاه تاج الدين العسكر وجاء إلى غزنة طامعاً في ملكها فمنعه مستحفظها فرجع إلى إقطاعه وأعلن بالفساد وأغرى بالخلج من الترك فكثر عيثهم وكان له مولى آخر أسمه آيبك فلحق بالهند عند نجاته من المعركة وأرجف بموت السلطان واستولي على المتان وأساء فيها السيرة‏.‏فلما وصل خبر شهاب الدين جمع تاج الدين الذر وهو مملوك إشتراه شهاب الدين الناس من سائر النواحي‏.‏ثم جمع شهاب الدين لغزو الخطا والثأر منهم‏.‏

حروب شهاب الدين مع بني كوكر والتتراهية
كان بنو كوكر هؤلاء موطنين في الجبال بين لهاور والملتان معتصمين بها لمنعتها وكانوا في طاعة شهاب الدين يحملون إليه الخراج فلما وقع الأرجاف بموته انتقضوا وداخلوا صاحب جبل الجودي وغيره من أهل الجبال في ذلك وجاهروا بالعيث والفساد وقطع السابلة ما بين غزنة ولهاور وغيرها‏.‏وبعث شهاب الدين إلى محمد بن أبي علي لهاور والملتان يأمره بحمل المال بعد أن قتل مملوكه آيبك‏.‏قال‏:‏ ومهد البلاد فاعتذر بنو كوكر فبعث شهاب الدين مملوكه آيبك إلى بني كوكر يتهددهم على الطاعة فقال كبيرهم‏:‏ لو كان شهاب الدين حياً لكان هو المرسل إلينا واستخفوا أمر آيبك فعاد الرسول بذلك فأمر شهاب الدين بتجهيز العساكر في قرى سابور‏.‏ثم عاد إلى غزنة في شعبان سنة إحدى وستمائة ونادى بالمسير إلى الخطا‏.‏ورجع بنو كوكر إلى حالهم من إخافة السابلة ودخل معهم كثير من الهنود في ذلك وخشي على انتقاض البلاد فأثنى عزمه عن الخطا وسار إلى غزنة وزحف إلى جبال بني كوكر في ربيع الأول سنة إثنتين‏.‏ولما انتهى إلى قرى سابور أغذ السير وكبس بني كوكر في محالهم وقد نزلوا من الجبال إلى البسيط يرومون اللقاء فقاتلوه يوماً إلى الليل وإذا بقطب الدين آيبك في عساكره منادين بشعار الإسلام فحملوا عليهم وانهزموا ليقتلوا بكل مكان‏.‏واستنجوا بأجمة فأضرمت عليهم ناراً وغنم المسلمون أهاليهم وأموالهم حتى بيع المماليك خمسة بدينار‏.‏وقتل كبير بني كوكو الذي كان مملكاً عليهم وقصد دانيال صاحب الجند الجودي وسار إليها فأقام بها منتصف رجب وهو يستنفر الناس‏.‏ثم عاد نحو غزنة وأرسل بهاء الدين سام صاحب باميان بالنفير إلى سمرقند وأن يتخذ الجسر لعبور العساكر‏.‏وكان أيضاً ممن دعاه هذا الأرجاف إلى الإنتقاض التتراهية وهم قوم من أهل الهند بنواحي قرى سابور دينهم المجوسية ويقتلون بناتهم بعد النداء عليهن للتزويج فإذا لم يتزوجها أحد قتلوها وتزوج المرأة عندهم بعدة أزواج‏.‏وكانوا يفسدون في نواحي قرى سابور ويكثرون الغارة عليها وأسلم طائفة منهم آخر أيام شهاب الدين الغوري‏.‏ثم انتقضوا عند هذا الأرجاف وخرجوا إلى حدود سوران ومكران وشنوا الغارة على المسلمين فسار إليهم الخلخي نائب تاج الدين الذي بتلك الجهة فأوقع بهم وأثخن فيهم وبعث برؤوس الأعيان منهم فعلقت ببلاد الإسلام وصلح أمر البلاد‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:09 PM

مقتل شهاب الدين الغوري وافتراق المملكة بعده
من لهاور عائداً إلى غزنة عازماً على قصد الخطا بعد أن استنفر أهل الهند وأهل خراسان فلما نزل بدميل قريباً من لهاور طرق خيمته جماعة من الدعار فقتلوا بعض الحرس وثار بهم الناس وذهل باقي الحرس بالهيعة فدخل منهم البعض على شهاب الدين وضربوه في مصلاه وقتلوه ساجداً وقتلوا عن آخرهم أول شعبان سنة إثنتين وستمائة‏.‏فيقال إن هذه الجماعة من الكوكرية الذين أحفظهم ما فعل بهم ويقال من الإسماعيلية لأنهم كانوا غلوا منه وكانت عساكره تحاصر قلاعهم‏.‏ولما قتل اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الدين خواجا سحتا واتفقوا على حفظ المال إلى أن يقوم بالأمر من يتولاه من أهله‏.‏وتقدم الوزير إلى أمير العسكر بضبط العسكر وحملت جنازة شهاب الدين في المحفة وحملوا خزائنه وكانت ألفين ومائتي حمل‏.‏وتطاول الموالي مثل صونج صهر الذر وغيره إلى نهب المال فمنعهم الأمراء الكبار وصرفوا الجند الذين إقطاعهم عند قطب الدين آيبك ببلاد الهند أن يعودوا إليه وساروا إلى غزنة متوقعين البيعة على الملك بين غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وبين بهاء الدين سام صاحب باميان ابن أخت شهاب الدين فيملك الخزانة والأتراك يريدون طريق سوران ليقربوا من فارس‏.‏وكان هوى الوزير مؤيد الملك مع الأتراك فلم يزل بالغورية حتى إذا وصلوا طريق كرمان ساروا عليها ولقوا بها مشقة من غارات التتراهية واقعان وغيرهم‏.‏ولما وصلوا إلى كرمان استقبلهم تاج الدين الذر ونزل عن فرسه وقبل الأرض بين يدي المحفة‏.‏ثم كشف عن وجهه فمزق ثيابه وأجد بالبكاء حتى رحمه الناس‏.‏وكان شهاب الدين شجاعاً قرماً عادلاً كثير الجهاد‏.‏وكان القاضي بغزنة يحضر داره أربعة أيام في كل أسبوع فيحكم بين الناس وأمراء الدولة ينففون أحكامه وإن رافع أحد خصمه إلى السلطان سمع كلامه ورده إلى القاضي وكان شافي المذهب‏.‏

قيام الذر بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان
غياث الدين كان تاج الدين الذر من موالي شهاب الدين وأخصهم به فلما قتل طمع في ملك غزنة وأظهر القيام بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وأنه كتب إليه بالنيابة عنه بغزنة لشغله بأمر حران‏.‏وتسلم الخزائن من الوزير وسار إلى غزنة فدفن شهاب الدين بتربته في المدرسة التي أنشأها وذلك في شعبان من سنة إثنتين وستمائة وأقام بغزنة‏.‏مسير بهاء الدين سام إلى غزنة وموته وملك بهاء الدين ابنه بعده غزنة كان بهاء الدين قد أقطع باميان ابن عمه شمس الدين محمد بن مسعود عندما ملكها وأنكحه أخته فولدت ابنا هو سام وكان له ابن آخر من امرأة تركية اسمه عباس فلما مات ملك ابنه الأكبر عباس فغضب غياث الدين شهاب الدين لإبن أختهما وعزلوا عباساً وولوه مكانه على باميان فعظم شأنه وجمع الأموال وترشح للملك بعد أخواله لميل أمراء الغز إليه بعد أخواله‏.‏فلما قتل شهاب الدين كان في قلعة غزنة نائب اسمه أميردان فبعث ابنه إلى بهاء الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وابن حرميل عامل هراة بحفظ أعمالها وإقامة الخطبة له بها‏.‏والغورية والأتراك على ما ذكرناه من الإختلاف فسار في عساكره إلى غزنة ومعه ابنا علاء الدين وأمرهما جميعاً بالمسير إلى غزنة وبلاد الهند‏.‏فلما مات ثار ابناه في غزنة وخرج أمراء الغورية لغياث الدين وتلقوهما والأتراك معهم مغلبين فملكوا البلد ونزلوا دار السلطنة مستهل رمضان من سنة إثنتين وستمائة واعتزم الأتراك على منعهم وعاد لهم الأمير مؤيد الملك لإشتغال غياث الدين منهم بابن حرميل عامل هراة فلم يرجعوا ونبذوا إلى علاء الدين وأخيه العهد وآذنوهما بالحرب إن لم يرجعا فبعثا إلى تاج الدين الذر وهو بإقطاعه يستدعيانه ويرغبانه بالأموال والمراتب السلطانية والترغيب في الدولة‏.‏

استيلاء الذر على غزنة
كان الذر بكرمان لما بلغه مقتل شهاب الدين تسلم الأموال والخزائن من الوزير وأظهر دعوة غياث الدين ابن مولاه السلطان غياث الدين‏.‏وسار بهاء الدين سام من باميان كما ذكرنا‏.‏ومات في طريقه وملك ابنه علاء الدين غزنة كما ذكرنا واستعطف الأتراك وبعث إلى الذر يرغبه ويسترضيه فأبى من طاعته وأساء الرد عليه وسار عن كرمان في عساكر كثيفة من الترك والخلخ والغز وغيرهم‏.‏وبعث إلى علاء الدين وأخيه بالنذير فأرسل علاء الدين وزيره ووزير ابنه صلة إلى باميان وبلخ وترمذ ليحتشد العساكر وبعث الذر إلى الأتراك الذين بغزنة بأن مولاهم غياث الدين اجتمعت جماعة الغورية والأتراك فالتقوا في رمضان ونزع الأتراك إلى الذر فانهزم محمد بن حدورون وأسر‏.‏ودخل عسكر الذر المدينة فنهبوا بيوت الغورية والباميانية‏.‏واعتصم علاء الدين بالقلعة وخرج جلال الدين في عشرين فارساً إلى باميان وحاصر الذر القلعة حتى استأمن علاء الدين في المسير من غزنة إلى باميان‏.‏ولما نزل من القلعة تعرض له بعض الأتراك فأرجلوه عن فرسه وسلبوه فبعث إليه الذر بالمال والمركب والثياب فوصل إلى باميان فشرع في الإحتشاد وأقام الذر بغزنة يظهر طاعة غياث الدين ويترحم على شهاب الدين ولم يخطب له ولا لأحد‏.‏وقبض على داود والي القلعة بغزنة‏.‏وأحضر القضاة والفقهاء وكان رسول الخليفة مجد الدين أبو علي بن الربيع الشافعي مدرس النظامية ببغداد وفد على شهاب الدين رسولاً من قبل الخليفة وأحضره الذر ذلك اليوم وشاورهم بالجلوس على التخت والمخاطبة بالألقاب السلطانية‏.‏وأمضى ذلك واستوحش الترك حتى بي الكثير منهم وكان هناك جماعة من ولد ملوك الغور وسمرقند فأنفوا من خدمته وانصرفوا إلى علاء الدين وأخيه في باميان وأرسل غياث الدين محمود أن يصهر إليه في بنته بابنه فأبى من ذلك‏.‏ثم جاء في عسكر من الغوريين من باميان وأرسل غياث الدين وفرق في أهلها الأموال واستوزر مؤيد الملك فوزر له على كره‏.‏

أخبار غياث الدين بعد مقتل عمه
لما قتل السلطان شهاب الدين كان غياث الدين محمود ابن أخيه السلطان غياث الدين في إقطاعه ببست‏.‏وكان شهاب الدين قد ولي على بلاد الغور علاء الدين محمد بن أبي علي من أكابر بيوت الغورية وكان إمامياً غالياً فسار إلى بيروزكوه يسابق إليها غياث الدين وكان الأمراء الغورية أميل إلى غياث الدين وكذا أهل بيروز كوه فلما دخل خوارزم دعا محمد المرغني ومحمد بن عثمان من أكابر الغورية واستحلفهم على قتال محمد بن تكش صاحب خوارزم‏.‏وأقام غياث الدين بمدينة بست ينتظر مال الأمر لصاحب باميان لأنهما كان بينهما العهد من أيام شهاب الدين إن تكون خراسان لغياث الدين وغزنة والهند لبهاء الدين صاحب باميان بعد موت شهاب الدين فلما بلغه موت شهاب الدين دعا لنفسه وجلس على الكرسي في رمضان سنة ثلاث وستمائة واستخلف الأمراء الذين في أثره فأدركوه وجاؤوا به وملك بيروزكوه وقبض على جماعه من أصحاب علاء الدين ولما دخل بيروزكوه جاء إلى الجامع فصلى فيه‏.‏ثم ركب إلى دار أبيه فسكنها وأعاد الرسوم وقدم عليه عبد الجبار محمد بن العشير إلى وزير أبيه فاستوزره واقتفى بأبيه في العدل والإحسان‏.‏ثم كاتب ابن حرميل بهراة ولاطفه في الطاعة وكان ابن حرميل لما بلغه مقتل السلطان بهراة خشي عادية خوارزم شاه في أعيان البلد وغيرهم واستحلفهم على الإنجاد والمساعدة وقال القاضي وابن زياد يحلف كل الناس إلا ابن غياث الدين وينتظر عسكر خوارزم شاه وشعر غياث الدين بذلك من بعض عيونه فاعتزم على المسير إلى هراة‏.‏واستشار ابن حرميل القاضي وابن زياد فأشارا عليه بطاعة غياث الدين على مكر ابن حرميل وميله إلى خوارزم شاه‏.‏وحثه على قصد هراة ليكون ذلك حجة عليه ففعل وبعث به مع ابن زياد‏.‏ثم كاتب غياث الدين صاحب الطالقان وصاحب مرو يستدعيهما فتوقفوا عن إجابته‏.‏فقال أهل مرو صاحبها‏:‏ إن لم تسلم البلد إلى غياث الدين وتتوجه وإلا سلمناك وقيدناك وأرسلناك إليه فاضطر إلى المجيء إلى فيروزكوه فخلع عليه غياث الدين ووفر له الإقطاع وأقطع الطالقان لسونج مولي أبيه المعروف بأمير شكار‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على بلد الغورية بخراسان
كان الحسن بن حرميل نائب الغورية بهراة منتقضاً عليهم كما ذكرنا ومداخلاً لخوارزم شاه في الباطن واستدعى العساكر من عنده وبعث ابن زياد يستوثق له من غياث الدين وأقام يقدم رجلاً ويؤخر أخرى‏.‏ووصل ابن زياد بالولاية والخلع فلم يثنه ذلك عما هو فيه من المكاذبة لهم‏.‏ثم وصل عسكر خوارزم شاه فتلقاهم وأكرمهم‏.‏وبلغه أن خوارزم شاه في أثرهم على أربع فراسخ من بلخ فندم في أمره ورد إليه عسكره وبلغ غياث الدين عسكر خوارزم شاه ووصولهم إلى هراة فاستدعى ابن حرميل فقبض على أملاكه ونكب أصحابه‏.‏ورد أقطاعه فاعتزم أهل هراة على القبض عليه‏.‏وكتب القاضي وابن زياد بذلك إلى غياث الدين‏.‏ونمي الخبر إلى ابن حرميل فخشي على نفسه منهم وأوهمهم أنه يكاتب غياث الدين وطلبهم في الكتاب مع رسوله وأوصى الرسول أن يعدل إلى طريق خوارزم شاه ولحق بهم فردهم وأصبحوا على البلد لرابعة يوم من سفر الرسول فأدخلهم ابن حرميل البلد وأمكنهم من أبوابها‏.‏وقبض على ابن زياد وسمله وأخرج القاضي فلحق بغياث الدين في بيروزكوه ونمي الخبر بذلك إلى غياث الدين فاعتزم على المسير بنفسه فبلغه سير علاء الدين صاحب باميان إلى غزنة فاقتصر عن ذلك وأقام ينتظر شأنه مع الذر‏.‏وأما بلخ فإن خوارزم شاه لما بلغه مقتل شهاب الدين أطلق أسرى الغوريين الذين كانوا عنده وخلع عليه واستألفهم‏.‏وبعث أخاه علي شاه في العساكر إلى بلخ فقاتله عمر بن الحسين الغوري نائبها‏.‏ونزل منها على أربعة فراسخ‏.‏وجاء خوارزم شاه مدداً بنفسه آخر سنة إثنتين وستمائة فحاصرها فاستمد عمر بن الحسين علاء الدين وجلال الدين من باميان وشغلوا عنه بغزنة فأقام خوارزم شاه محاصراً له أربعين يوماً وكان عنده محمد بن علي بن بشير وأطلقه في أسرى الغورية وأقطعه فبعثه إلى عمر بن الحسين صاحب بلخ في الطاعة فأبى من ذلك واعتزم خوار شاه على المسير إلى هراة‏.‏ثم بلغه ما وقع بين الذر وبين علاء الدين وجلال الدين وأن الذر أسرهما وأن عمر بن الحسين صاحب بلخ أبى ذلك فأعاد عليه ابن بشير فلم يزل ويفتل له في الذروة والغارب حتى أطاع صاحب خوارزم وخطب له‏.‏وخرج إليه فخلع عليه وأعاده إلى بلده في سلخ ربيع سنة ثلاث‏.‏ثم سار إلى جورقان ليحاصرها وبها علي بن أبي علي فوقعت المراوضة بينهما‏.‏ثم انصرف عن جورقان وتركها لإبن حرميل واستدعى عمر بن الحسين الغوري وصاحب بلخ فقبض عليه وبعثه إلى خوارزم ومضي إلى بلخ فملكها وولي عليها جعفراً التركي ورجع إلى خوارزم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:10 PM

استيلاء علاء الدين ثانياً على غزنة
ثم انتزاع الذر إياها من يده قد تقدم لنا استيلاء الذر على غزنة وإخراجه علاء الدين وجلال الدين منها باميان فأقاما بها شهرين ولحق كثير من الجند بعلاء الدين صاحبهم وأقام الذر بغزنة متوقفاً عن الخطبة لغياث الدين يروم الإستبداد وهو يعلل الأتراك برجوع رسوله من عند غياث الدين مخافة أن ينفضوا عنه‏.‏فلما ظفر بعلاء الدين وملك القلعة أظهر الأسف وجلس على الكرسي‏.‏وجمع علاء الدين وجلال الدين العساكر وساروا من باميان إلى غزنة وسرح الذر عساكره للقائهما فهزماها وأثخناها‏.‏وهرب الذر إلى بلد كرمان واتبعه بعض العسكر فقاتلهم ودفعهم‏.‏وسار علاء الدين وأخوه إلى غزنة وملكوها وأخذوا خزانة شهاب الدين التي كان الذر أخذها من يد الوزير مؤيد الدين عند مقدمه بجنازة شهاب الدين إلى كرمان كما مر‏.‏ثم اعتزم علاء الدين وأخوه على العود إلى غزنة وأهلها متوقعون النهب من عسكرهم والفيء‏.‏وكان بينهم رسول الخليفة مجد الدين بن الربيع مدرس النظامية جاء إلى شهاب الدين فقتل وهو عنده وأقام بغزنة فقصده أهل غزنة يشفع فيهم فشفع وسكن الناس‏.‏وعاد علاء الدين وأخوه إلى غزنة‏.‏ثم وقع بينهما تشاجر على إقتسام الخزانة وعلى وزارة مؤيد الملك فندم الناس على طاعتهما‏.‏وسار جلال الدين ومعه عباس إلى باميان وبقي علاء الدولة بغزنة وأساء وزيره السيرة في الجند والرعية ونهب الأموال حتى باعوا أمهات أولادهم‏.‏ويشكون فلا يشكيهم أحد فسار في جموع الأتراك والغز والغورية فكبسهم آيدكن الشرفي مولى شهاب الدين في ألفين وملك كرمان‏.‏وجاء الذر أثر ذلك وأنكر على آيدكن وملك كرمان وأحسن إلى أهلها‏.‏وبلغ الخبر إلى علاء الدين بغزنة فبعث وزيره إلى أخيه جلال الدين في باميان وكانت عساكر الغورية قد فارقوه ولحقوا بغياث الدين ووصل الذر آخر سنة إثنتين وستمائة إلى غزنة فملكها وامتنع علاء الدين بالقلعة فسكن الذر الناس وأمنهم وحاصروا القلعة‏.‏وجاء الخبر إلى الذر بأن جلال الدين قادم عليك بعساكره ولحق سليمان بن بشير بغياث الدين ببيروزكوه فأكرمه وجعله أمير داره وذلك في صفر سنة ثلاث‏.‏وسار الذر فلقي جلال الدين وهزمه وسيق أسيراً إليه‏.‏ورجع إلى غزنة وتهدده علاء الدين بقتل الأسرى إن لم يسلم القلعة‏.‏وقتل منهم أربعمائة أسير فبعث علاء الدين يستأمنه فأمنه‏.‏ولما خرج قبض على وزيره عماد الملك وقتله وبعث إلى غياث الدين بالفتح‏.‏انتقاض عباس في باميان ثم رجوعه إلي الطاعة لما أسر علاء الدين وجلال الدين كما قلناه في غزنة وصل الخبر إلى عمهما عباس في باميان ومعه وزير أبيهما‏.‏وسار الوزير إلى خوارزم شاه يستنجده على الذر ليخلص صاحبيه فاغتنم عباس غيبته وملك القلعة وكان مطاعاً‏.‏وأخرج أصحاب علاء الدين وجلال الدين فرجع الوزير من طريقه فحاصره بالقلعة وكان مطاعاً في تلك الممالك من لدن بهاء الدين ومن بعده فلما خلص جلال الدين من أسر الذر وصل إلى مدينة باميان واجتمع مع الوزير وبعثوا إلى عباس ولاطفوه حتى نزل عما كان استولي عليه من القلاع وقال إنما أردت حفظها من خوارزم شاه‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على ترمذ ثم الطالقان من يد الغورية وبها ابنه
وقدم إليه محمد بن بشير بما كان من نزول أبيه عن بلخ وأنه انتظم في أهل دولته وبعثه إلى خوارزم مكرماً ورغبه بالإقطاع والمواعيد وكان قد ضاق ذرعه من الخطا ووهن من أسر الذر أصحابه بغزنة فأطاع واستأمن‏.‏وملك خوارزم شاه ترمذ ورأى أن يسلمها للخطا ليتمكن بذلك من خراسان ثم يعود عليهم فينتزعها منهم‏.‏ولما فرغ من ذلك سار إلى الطالقان وبها سونج نائباً عن غياث الدين محمود وأرسل من يستميله فلج وسار الحربه حتى إذا إلتقيا نزل عن فرسه وسأل العفو فذمه بذلك وأخذ ما كان بالطاقان بعض أصحابه وسار إلى قلاع كاكوين وسوار فخرج إليه حسام الدين علي بن أبي علي صاحب كاكوين وقاتله وطالبه في تسليم البلاد فأبى‏.‏وسار خوارزم شاه هراة ونزل بظاهرها وابن حرميل في طاعته فكف عساكره عن أهل هراة ولقيه هنالك رسول غياث الدين بالهدايا‏.‏ثم سار ابن حرميل إلى أسفرايين في صفر وقد كان صاحبها سار إلى غياث الدين فحاصرها حتى استأمن إليه وملك البلد‏.‏ثم أرسل إلى صاحب سجستان بطاعة خوارزم والخطبة له فأجاب إلى ذلك بعد أن طلبه في ذلك غياث الدين فامتنع‏.‏وعند مقام خوارزم شاه على هراة عاد إليها القاضي صاعد بن الفضل الذي كان ابن حرميل أخرجه منها فلحق بشهاب الدين‏.‏ثم رجع من عنده إلى خوارزم شاه فسعي به ابن حرميل عنده حتى سجنه بقلعة زوزن وولي على القضاء بهراة خبر غياث الدين مع الذر وآيبك مولي أبيه لما ملك الذر غزنة وأسر علاء الدين وأخاه جلال الدين كتب إليه غياث الدين يأمره بالخطبه وطاول في ذلك فبعث إليه يستحثه بأمر الخطيب بالترحم على شهاب الدين والخطبة لنفسه فاستراب الأتراك به وبعث هو يشترط على غياث الدين العتق فأجابه ذلك بعد توقف‏.‏وكان عزمه على أن يصالح خوارزم شاه ويستمده على الذر فلما طلب العتق أعتقه وأعتق قطب الدين آيبك مملوك عمه شهاب الدين ونائبه ببلاد الهند وأرسل إلى كل منهما هدية ورد الخبر واستمر الذر على مراوغته وآيبك على طاعته فاستمد غياث الدين س شاه على الذر فأمده على أن يرد ابن حرميل صاحب إلى طاعته وأن يقسم الغنيمة أثلاثاً بينهما وبين العسكر‏.‏وبلغ الخبر إلى الذر فسار إلى بكتاباد فملكها ثم إلى بست وأعمالها كذلك وقطع خطبة غياث الدين منها وأرسل إلى صاحب سجستان بقطع خطبة خوارزم شاه وإلى ابن حرميل كذلك ويتهددهما وأطلق جلال الدين صاحب باميان وزوجه بنته وبعث معه خمسة آلاف فارس من آيدكين مملوك شهاب الدين ليعيدوا جلال الدين إلى ملكه بباميان‏.‏وينزلوا ابن عمه فلما سار معه آيدكين أغراه بالعود إلى غزنة وأعد الأتراك مجمعون على خلاف الذر فلم يجبه جلال الدين إلى ذلك فرجع عنه آيدكين إلى إقطاعه بكابل ولقيه رسول من قطب الدين آيبك إلى الذر يتهدده على عصيانه على غياث الدين ويأمره بالخطبة له ووصل معه الهدايا والألطاف إلى غياث الدين وأشار عليه آيبك بإجابة خوارزم إلى جميع ما طلب حتى يفرغ من أمر غزنة‏.‏وكتب إلى آيبك يستأذنه في المسير إلى غزنة ومحاربة الذر فأذن له بمحاربته ووصل آيدكين في رجب سنة ثلاث وخطب لغياث الدين بغزنة وامتنعت عليه القلعة فنهب البلد ووصل الخبر إلى الذر بشأن آيدكين في غزنة ومراسلة آيبك له ففت ذلك في عضده وخطب لغياث الدين في بكتاباد وأسقط اسمه ورحل إلى غزنة فرحل آيدكين عنها إلى بلد الغور وأقام في تمواز وكتب إلى غياث الدين بالخبر وأنفذ إليه أموالاً فبعث إليه غياث الدين بالخلع وأعتقه وخاطبه بملك الأمراء‏.‏وسار غياث الدين إلى بست وأعمالها فاستردها وأحسن إلى أهلها وأقام الذر بغزنة‏.‏

مقتل ابن حرميل واستيلاء خوارزم شاه على هراة
كان ابن حرميل كما قدمناه استدعى عسكر خوارزم شاه إلى هراة وأنزلهم معه بهراة فساء أمرهم في الناس وكثر عيثهم فحبسهم وبعث إلى خوارزم شاه بصنيعهم ويعدده وكان مشتغلاً بقتال الخطا فكتب إليه يحسن فعله ويستدعي الجند الذين حبسهم‏.‏وبعث إلى عز الدين خلدك أن يحتال في القبض على ابن حرميل فسار في ألفي فارس وكان خلدك أيام السلطان سنجر والياً على هراة فلما قدم خرج ابن حرميل لتلقيه فنزل كل واحد منهما إلى صاحبه وأمر خلدك أصحابه بالقبض على ابن حرميل فقبضوا عليه‏.‏وانفض عنه أصحابه إلى المدينة فأمر الوزير خواجة الصاحب بغلق الأبواب والإستعداد للحصار ونادى بشعار غياث الدين محمود فحاصره خلدك وبذل له الأمان وتهدده بقتل ابن حرميل وخاطبه بذلك ابن حرميل ففعل وكتب بالخبر إلى خوارزم شاه فبعث ولاته بخراسان يأمرهم بحصار هراة فساروا في عشرة آلاف وامتنعت هراة عليهم‏.‏وكان ابن حرميل قد حصنها بأربعة أسوار محكمة وخندق وشحنها بالميرة وصار يعدهم إلى حضور خوارزم شاه وأسروه أياماً حتى فادى نفسه ورجع إلى خوارزم كما يذكر في أخبار دولته‏.‏وأرجف بموته في خراسان فطمع أخوه علي شاه في طبرستان وكزل خان في نيسابور إلى الإستبداد بالملك فلما وصل خوارزم شاه هرب أخوه علي شاه ولحق بشهاب الدين في بيروزكوه فتلقاه وأكرمه‏.‏وسار خوارزم شاه إلى نيسابور وأصلح أمرها واستعمل عليها وسار إلى هراة وعسكره على حصارها وقيل للوزير قد وصل خوارزم شاه لما وعدته‏.‏وتحدث في ذلك جماعة من أهل البلد فقبض عليهم ووقعت بذلك هيعة وشعر بها خوارزم شاه فزحف إلى السور وخرب برجين منه ودخل البلد فملكه وقتل الوزير وولي على هراة من قبله وذلك سنة خمس وستمائة ورجع إلى قتال الخطا‏.‏لما ملك خوارزم شاه مدينة هراة وولي عليها خاله أمير ملك وأمره أن يسير إلى بيروزكوه ويقبض على صاحبها غياث الدين محمود بن غياث الدين الغوري وعلى أخيه علي شاه بن خوارزم شاه فسار أمير ملك واستأمن له محمود فأمنه وخرج إليه هو وعلي شاه فقبض عليهما أمير ملك وقتلهما ودخل فيروزكوه سنة خمس وستمائة‏.‏وصارت خراسان كلها لخوارزم شاه‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على غزنة وأعمالها
ولما استولي خوارزم شاه على عامة خراسان وملك باميان وغيرها أرسل إلى تاج الدين الذر صاحب غزنة في الخطبة والسكة وأن يقرر الصلح على غزنة بذلك فشاور أهل دولته وفيهم قطلوتكين من موالي شهاب الدين وهو النائب عن الذر بغزنة فأشار عليه بطاعته وأعاد الرسول بالإجابة وخطب له وسار عن غزنة متصدياً‏.‏وبعث قطلوتكين إلى خوارزم شاه سراً أن يبعث إليه من يسلمه غزنة فجاء بنفسه وملك غزنة‏.‏وهرب الذر إلى لهاور‏.‏ثم أحضر خوارزم شاه قطلوتكين وقتله بعد أن استصفاه وحصل منه على أموال جمة وولي على غزنة ابنه جلال الدين وذلك سنة ثلاث عشرة وستمائة ورجع إلى بلده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:11 PM

استيلاء الذر على لهاور ومقتله
قباجة من موالي شهاب الدين وله معها ملتان وآمد والدبيل إلى ساحل البحر وله من العسكر خمسة عشر ألف فارس وجاءه الذر في ألف وخمسمائة فقاتله على التعبئة ومعه الفيلة فانهزم الذر أولا وأخذت فيوله‏.‏ثم كانت له الكرة وحمل فيل له على علم قباجة بإغراء الفيال وصدق هو الحملة فانهزم قباجة وعسكره وملك الذر مدينة لهاور ثم سار إلى الهند ليملك مدينة دلهي وغيرها من بلاد المسلمين وكان قطب الدين آيبك صاحبها قد مات ووليها بعده مولاه شمس الدين فسار إليه والتقيا عند مدينة سمابا واقتتلا فانهزم الذر وعسكره وأسر فقتل‏.‏وكان محمود السيرة في ولايته كثير العدل والإحسان إلى الرعية لا سيما التجار والغرباء وكان بملكه انقراض دولة الغورية والبقاء لله وحده‏.‏

دولة الديلم
الخبر عن دولة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان في ملة الإسلام ودولة بني بويه منهم المتغلبين على الخلفاء العباسيين ببغداد وأولية ذلك ومصائده قد تقدم لنا نسب الديلم في أنساب الأمم وأنهم من نسل ماذاي بن يافث وماذاي معدود في التوراة من ولد يافث‏.‏وذكر ابن سعيد ولا أدري عمن نقله‏:‏ إنهم من ولد سام بن باسل بن آشور بن سام وآشور مذكور في التوراة من ولد سام‏.‏وقال‏:‏ إن الموصل من جرموق بن آشور والفرس والكرد والخزر من إيران بن آشور والنبط والسوريان من نبيط بن آشور‏.‏وهكذا ذكر ابن سعيد والله أعلم‏.‏والجيل عند كافة النسابين إخوانهم على كل قول من هذه الأقوال وهم أهل جيلان جميعاً عصبية واحدة من سائر أحوالهم‏.‏ومواطن هؤلاء الديلم والجيل بجبال طبرستان وجرجان إلى جبال الري وكيلان وحفافي البحيرة المعروفة ببحيرة طبرستان من لدن أيام الفرس وما قبلها ولم يكن لهم ملك فيما قبل الإسلام‏.‏ولما جاء الله بالإسلام وانقرضت دولة الأكاسرة واستفحلت دولة العرب وافتتحوا الأقاليم بالمشرق والمغرب والجنوب والشمال كما مر في الفتوحات وكان من لم يدخل من الأمم في دينهم دان لهم بالجزيه وكان هؤلاء الديلم والجيل على دين المجوسية ولم تفتح أيام الفتوحات وإنما كانوا يؤدون الجزية‏.‏وكان سعيد بن العاص قد صالحهم على مائة ألف في السنة وكانوا يعطونها وربما يمنعونها ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد وكانوا يمنعون الطريق من العراق إلى خراسان على قومس‏.‏ولما ولي يزيد بن المهلب خراسان سنة ست وثمانين للهجرة ولم يفتح طبرستان ولا جرجان وكان يزيد بن المهلب يعيره بذلك إذا قصت عليه أخباره في فتوحات بلاد الترك ويقول‏:‏ ليست هذه الفتوح بشيء والشأن في جرجان التي قطعت الطريق وأفسدت قومس ونيسابور فلما ولاه سليمان بن عبد الملك خراسان سنة تسع وتسعين أجمع على غزوها ولم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال ومحاصر يقوم الرجل على باب منها فيمنعه‏.‏وكانت طبرستان مدينة وصاحبها الأصبهبد‏.‏ثم سار إلى جرجان مولاه فراسة وسار الهادي إليهما وحاصرهما حتى استقاما على الطاعة‏.‏ثم بعث المهدي سنة ثمان وتسعين يحيي الحرشي في أربعين ألفا من العساكر فنزل طبرستان وأذعن الديلم‏.‏ثم لحق بهم أيام الرشيد يحيى بن عبد الله بن حسن المثني فأجاروه وسرح الرشيد الفضل بن يحيى البرمكي لحربهم فسار إليهم سنة خمس وتسعين ومائة فأجابوه إلى التمكين منه على مال شرطوه وعلى أن يجيء بخط الرشيد وشهادة أهل الدولة من كبار الشيعة وغيرهم فبذل لهم المال وكتب الكتاب‏.‏وجاء الفضل بيحيى فحبسه عند أخيه جعفر حسبما هو مذكور في أخباره‏.‏وفي سنة تسع وثمانين كتب الرشيد وهو بالري كتاب الأمان لسروين بن أبي قارن ورندا هرمز بارخشان صاحب الديلم وبعث بالكتاب مع حسن الخادم إلى طبرستان فقدم بارخشان ورندا هرمز وأكرمهما الرشيد وأحسن إليهما وضمن رندا هرمز الطاعة والخراج عن سروين بن أبي قارن‏.‏ثم مات سروين وقام مكانه ابنه شهريار ثم زحف سنة إحدى وثمانين عبد الله بن خرداذبة وهو عامل طبرستان إلى البلاد والسيزر من بلاد الديلم فافتتحها وافتتح سائر بلاد طبرستان وأنزل شهريار بن سروين عنها‏.‏وأشخص مازيار بن قارن ورندا هرمز إلى المأمون وأسر أبا ليلى‏.‏ثم مات شهريار بن سروين سنة عشر وقام مكانه ابنه سابور فحاربه مازيار بن قارن بن رندا هرمز وأسره ثم قتله‏.‏ثم انتقض مازيار على المعتصم وحمل الديلم وأهل تلك الأعمال على بيعته كرهاً وأخذ رهنهم وجبي خراجهم وخرب أسوار آمل وسارية ونقل أهلها إلى الجبال وبني على حدود جرجان سوراً من طميس إلى البحر مسافة ثلاثة أميال وحصنه بخندق‏.‏وكانت الأكاسرة بنته سداً على طبرستان من الترك‏.‏وقد نقل أهل جرجان إلى نيسابور وأملي له في انتقاضه الأفشين مولي المعتصم وكبير دولته طمعه في ولاية خراسان بما كان يضطغن ابن طاهر صاحب خراسان فدس إليه بذلك كتاباً ورسالة حتى امتعض‏.‏وجهز عبد الله بن طاهر العساكر لحربه مع عمه الحسن ومولاه حيان بن جبلة‏.‏وسرح المعتصم العساكر يردف بعضها بعضاً حتى أحاطوا بجباله من كل ناحية وكان قارن بن شهريار أخو مازيار على سارية فدس إلى قواد ابن طاهر بالرجوع من كل ناحية وكان قارن قد أتى إلى الطاعة والنزول لهم عن سارية على أن يملكوه جبال آبائه وأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على عمه قارن في جماعة من قواد مازيار وبعث بهم فدخل قواد ابن طاهر جبال قارن وملكوا سارية‏.‏ثم استأمن إليهم قوهيار أخو مازيار ووعدهم بالقبض على أخيه على أن يولوه مكانه فأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على أخيه مازيار وبعث به إلى المعتصم ببغداد فصلبه واطلع منه على دسيسة الأفشين مولاه فنكبه وقتله‏.‏ووثب مماليك مازيار بقوهيار فثاروا منه بأخيه وفروا إلى الديلم فاعترضتهم العساكر وأخفوا جميعاً‏.‏ويقال‏:‏ إن الذي كان غدر بمازيار هو ابن عمه كان يضطغن عليه عزله عن بعض جبال طبرستان وكان مولاه ورأيه عن رأيه‏.‏ثم تلاشت الدعوة العباسية بعد المتوكل وتقلص ظلها‏.‏واستبد أهل الأطراف بأعمالهم وظهرت دعاة العلوية في النواحي إلى أن ظهر بطبرستان أيام المستعين الحسن بن زيد الداعي العلوي من الزيدية وقد مر ذكره وكان على خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وقد ولي على طبرستان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر فكان محمد بن أوس ينوب عنه مستبداً عليه فأساء السيرة وانتقض لذلك بعض عمال أهل الأعمال ودعوا جيرانهم الديلم إلى الإنتقاض‏.‏وكان محمد بن أوس قد دخل بلادهم أيام السلم وأثخن فيها بالقتل والسبي فلما استنجدهم أولئك الثوار لحرب سليمان ونائبه محمد بن أوس نزعوا لإجابتهم واستدعوا الحسن بن زيد من مكانه وبايعوه جميعاً وزحفوا به إلى آمل فملكوها‏.‏ثم ساروا إلى سارية فهزموا عليها سليمان وملكوها‏.‏ثم استولى الحسن الداعي على طبرستان وكانت له ولأخيه بعده الدولة المعروفة كما هو معروف في أخبارهم أقامت قريباً من أربعين سنة ثم انقرضت بقتل محمد بن زيد‏.‏ودخل الديلم الحسن الأطروش من ولد عمر بن زين العابدين وكان زيدي المذهب فنزل فيما وراء السعيد دوى إلى آمل ولبث في الديلم ثلاث عشرة سنة وملكهم يومئذ حسان بن وهشوذان وكان يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ما استطاع فأسلم على يديه منهم خلق كثير وبني لهم المساجد وزحف بهم إلى قزوين فملكها وسالوس من ثغور المسلمين فأطاعوه وملك آمل ودعاهم إلى غزو طبرستان وهي في طاعة ابن سامان فأجابوه وساروا إليها سنة إحدى وثلاثمائة‏.‏وبرز إليها عاملها ابن صعلوك فهزمه الأطروش واستلحم سائر أصحابه ولحق ابن صعلوك بالري ثم سار إلى بغداد‏.‏واستولي الأطروش على طبرستان وأعمالها وقد ذكرنا دولته وأخبارها في دول العلوية وكان استظهاره على أمره بالديلم وقواده في حروبه وولاته على أعماله منهم ثم قتله جيوش السعيد بن سامان سنة أربع وثلاثمائة ودال الأمر بين عقبه قواد الديلم كما هو مذكور في أخبارهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:11 PM

الخبر عن دولة الديلم وتغلبهم على أعمال الخلفاء بفارس والعراقين
كان للديلم جماعة من القواد بهم استظهر الأطروش وبنوه على أمرهم‏:‏ منهم سرخاب بن وهشوذان أخو حسان وهو معدود في ملوكهم وكان صاحب جيش أبي الحسين بن الأطروش ثم أخوه علي ولاه المقتدر على أصفهان ثم ليلى بن النعمان من ملوكهم أيضاً وكان قائداً للأطروش وولاه بعده صهره الحسن المعروف بالداعي الصغير على جرجان‏.‏ثم ماكان بن كالي وهو ابن عم سرخاب وحسان ابني وهشوذان وولاه أبو الحسين بن الأطروش مدينة أستراباذ وأعمالها‏.‏ثم كان دون هؤلاء جماعة أخرى من القواد فمنهم من أصحاب ماكان بن كالي أسفار بن شيرويه ومرداويج بن زيار بن بادر وأخوه وشمكير ولشكري‏.‏ومن أصحاب مرداويج بنو بويه الملوك الأعاظم ببغداد والعراقين وفارس‏.‏ولما تلاشت دولة العلوية واستفحل هؤلاء القواد أعقابهم في طبرستان وجرجان وكانت خراسان عند تقلص الدولة العباسية على الأطراف قد غلب عليها المار وملكها من يد بني طاهر‏.‏ثم نازعه فيها بنو سامان والداعي العلوي فأصبحت مشاعاً بينهم‏.‏ثم انفرد بها ابن سامان وكل منهم يعطي طاعة معروفة للخلفاء‏.‏ومركز ابن سامان وراء النهر وخراسان في أطراف مملكتهم‏.‏وزاد تقلص الخلافة عما وراءها فتطاول ملوك الديلم هؤلاء قواد الدولة العلوية بطبرستان إلى ممالك البلاد وتجافوا عن أعمال ابن سامان لقوة سورته واستفحال ملكه‏.‏وساروا في الأرض يرومون الملك وانتشروا في النواحي وتغلب كل منهم على ما دفع إليه من البلاد‏.‏وربما تنازعوا بعضها فكانت لهم دون طبرستان وجرجان بلاد الري وظفر بنو بويه منهم بملك فارس والعراقين‏.‏وحجر الخلفاء ببغداد فذهبوا بفضل القديم والحديث وكانت لهم الدولة العظيمة التي باهى الإسلام بها سائر الأمم حسبما نذكر ذلك كله في أخبار دولتهم‏.‏أخبار ليلي بن النعمان ومقتله كان ليلى بن النعمان من قواد الديلم وكان أولاد الأطروش ينعتونه في كتابهم إليه المؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏وكان كريماً شجاعاً قد ولاه الحسن بن القاسم الداعي الصغير على جرجان بعد الأطروش سنة ثمان وثلاثمائة فسار من جرجان إلى الدامغان وهي في طاعة ابن سامان وعليها مولاه قراتكين فبرزوا إليه وقاتلوه فهزمهم وأثخن فيهم وعاد إلى جرجان فابتني أهل الدامغان حصناً يمتنعون به‏.‏وسار قراتكين إلى ليلى فبرز إليه من جرجان وقاتله على عشرة فراسخ فانهزم قراتكين وأثخن في عسكره وسار إليه فارس مولى قراتكين فأكرمه وزوجه أخته وكثرت أجناده وضاقت أمواله فأغراه أبو حفص القاسم بن حفص بنيسابور وأمره الحسن الداعي بالمسير إليها فسار وملكها آخر ثمان وثلاثمائة وخطب بها للداعي‏.‏وأنفذ السعيد نصر بن سامان عساكره من بخارى مع قواده حمويه بن علي ومحمد بن عبد الله البلغمي وأبو حفص بنيسابور وأبو الحسن صعلوك وسيجور الدواني فقاتلوا ليلى بن النعمان عن طوس وهزموه فلحق بآمل واختفى فيها وجاءه بقراخان وأخرجه من الإختفاء وأنفذ بالخبر إلى حمويه فأمره بقتله وتأمين أصحابه فقتل وحمل رأسه إلى بغداد وذلك في ربيع سنة تسع وثلاثمائة‏.‏وبقي فارس غلام قراتكين بجرجان وكاد قراتكين إلى جرجان فاستأمن إليه مولاه فارس فقتله قراتكين وانصرف عن جرجان‏.‏

أخبار سرخاب بن وهشوذان ومهلكه
وقيام مكان بن كالي بمكانه كان سرخاب بن وهشوذان الديلمي من قواد الأطروش وبنيه وبايع لأبي الحسن بن الأطروش الناصر بعد مهلك أبيه بطبرستان وأستراباذ وكان صاحب جيشه‏.‏ولما انصرف قراتكين عن جرجان بعد مهلك ليلى بن النعمان سار إليها أبو الحسن بن الأطروش وسرخاب فملكوها وأنفذ السعيد نصر بن سامان سنة عشر سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لقتاله ونزل على فرسخين من جرجان وحاصرها أشهراً ثم برزوا إليه وأكمن لهم سيجور كميناً فتباطأ الكمين وانهزم سيجور واتبعه سرخاب‏.‏ثم خرج الكمين بعد حين وانهزم أبو الحسن إلى أستراباذ وترك جرجان واتبعه سرخاب في الفل بمخلفه ومخلف أصحابه ورجع سيجور إلى جرجان فملكها‏.‏ثم مات سرخاب ولحق ابن الأطروش بسارية فأقام بها واستخلف ماكان بن كالي وهو ابن عم سرخاب فسار محمد بن عبيد الله البلغمي وسيجور لحصاره وأقاموا عليه طويلاً‏.‏ثم بذلوا له مالاً على أن يخرج لهم عنها فتقوم لهم بذلك حجة عند ابن سامان ثم يعود ففعل ذلك وخرج إلى سارية ثم نزل إلى الشمانية عن أستراباذ وولوا عليها بقراخان فعاد إليها ماكان وملكها ولحق بقراخان بأصحابه في نيسابور‏.‏

بداية أسفار بن شيرويه وتغلبه على جرجان ثم طبرستان
كان أسفار هذا من الديلم من أصحاب ماكان بن كالي وكان سيء الخلق صعب العشرة وأخرجه ماكان من عسكره فاتصل ببكر بن محمد بن اليسع في نيسابور وهو عامل عليها من قبل ابن سامان فأكرمه واختصه بالعساكر سنة خمس عشرة لفتح جرجان‏.‏وكان ماكان بن كالي يومئذ بطبرستان وولي على جرجان أبا الحسن بن كالي واستراب بأبي علي بن الأطروش فحبسه بجرجان فجعله عنده في البيت وقام ليلة إليه ليقتله فأظفر الله العلوي به وقتله وتسرب من الدار‏.‏وأرسل من الغد إلى جماعة من القواد فجاؤوا إليه وبايعوه وألبسوه القلنسوة وولي على جيشه علي بن خرشية وكاتبوا أسفار بن شيرويه بذلك وهو في طريقه إليهم واستدعوه فاستأذن بكر بن محمد وسار إليهم وسار علي بن خرشية في القيام بأمر جرجان بدعوة العلوي الذي معهم وضبط ناحيتها‏.‏وسار إليهم ماكان بن كالي في العساكر من طبرستان وقاتلوه فهزموه واتبعوه إلى طبرستان فملكوها من يده وقاموا بها‏.‏ثم هلك أبو علي الأطروش وعلي بن خرشية صاحب الجيش وانفرد أسفار بطبرستان‏.‏وسار بكر بن محمد بن اليسع إلى جرجان فملكها وأقام فيها دعوة نصر بن سامان‏.‏ثم رجع ماكان إلى طبرستان وبها أسفار فحاربه وغلبه وملك طبرستان من يده ولحق أسفار بجرجان فأقام بها عند بكر بن اليسع إلى أن توفي بكر فولاه السعيد على جرجان سنة خمس عشرة‏.‏ثم ملك نصر بن سامان الري بولاية المقتدر وولي عليها محمد بن علي بن صعلوك فطرقه المرض في شعبان سنة ست عشرة وكاتب الحسن الداعي أسفار ملك جرجان بولاية نصر بن سامان فاستدعى مرداويج بن زيار من ملوك الجبل وجعله أمير جيشه وسار إلى طبرستان فملكها‏.‏لما استولي أسفار على طبرستان ومرداويج معه وكان يومئذ على الري وملكها من يد صعلوك كما ذكرناه‏.‏واستولي على قزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ ومعه الحسن بن القاسم الداعي الصغير وهو قائم بدعوته‏.‏فلما خالفه أسفار إلى طبرستان وملكها واستضافها إلى جرجان سار إليه ماكان والداعي والتقوا بسارية واقتتلوا وانهزم ماكان وقتل الداعي وكانت هزيمته بتخاذل الديلم عنه فإن الحسن كان يشتد عليهم في النهي عن المنكر فنكروه واستقدموا خال مرداويج من الجبل واسمه هزر سندان‏.‏وكان مع أحمد الطويل بالدامغان فمكروا بالداعي واستقدامه للإستظهار به وهم يضمرون تقديمه عوض ماكان ونصب أبي الحسن بن الأطروش عوض الحسن الداعي ودس إليه بذلك أحمد الطويل صاحب الدامغان بعد موت صعلوك فحذرهم حتى إذا قدم هزرسندان أدخله مع قواد الديلم إلى قصره بجرجان‏.‏ثم قبض عليهم وقتلهم جميعا وأمر أصحابه بنهب أموالهم فامتعض لذلك سائر الديلم وأقاموا على مضض حتى إذا كان يوم لقائه أسفار خذلوه فقتل‏.‏وفر ماكان واستولي أسفار على ما كان لهم من الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ واستضافها إلى طبرستان وجرجان وأقام فيها دعوة السعيد بن سامان‏.‏ونزل سارية واستعمل على الري هارون بن بهرام صاحب جناح وكان يخطب فيها للأبي جعفر العلوي فاستدعاه إليه وزوجه من آمل‏.‏وجاء أبو جعفر لوليمته مع جماعة من العلويين فكبسهم أسفار وبعث بهم إلى بخارى فحبسهم بها إلى أن خلصوا مع يحيى أخي السعيد وكانوا في فتية حسبما ذكرناه‏.‏ولما فرع أسفار من الري تطاول إلى قلعة الموت ليحضن بها عياله وذخيرته وكانت لسياه جشم بن مالك الديلمي ومعناه الأسود العين فاستقدمه أسفار وولاه قزوين وسأله في ذلك فأجابه فنقل عياله إليها وسرب الرجال إليهم لخدمتهم حتى كملوا مائة‏.‏ثم استدعاه فقبض عليه وثار أولئك بالقلعة فملكوها وكان في طريقه إلى الري استأمن إليه صاحب جبلي نهاوند وقم ابن أمير كان فملكها ومر بسمنان فامتنع منه صاحبها محمد بن جعفر وبعث إليه من الري بعض أصحابه فاستأمن إليه وخدعه حتى قتله وتدلى من ظهر القلعة‏.‏ثم استفحل أمر أسفار وانتقض على السعيد بن سامان وأراد أن يتتوج ويجلس على سرير الذهب واعتزم على حرب ابن سامان والخليفة فبعث المقتدر العساكر إلى قزوين مع هارون ابن غريب الحال فقاتله أسفار وهزمه‏.‏ثم سار ابن سامان إلى نيسابر لحربه فأشار على أسفار وزيره مطرف بن محمد الجرجاني بمسالمته وطاعته وبذل الأموال له فقبل إشارته وبعث بذلك إلى ابن سامان‏.‏وتلطف أصحابه في رجوعه إلى ذلك فرجع وشرط عليه الخطبة والطاعة فقبل وانتظم الحال بينهما ورجع إلى السطوه بأهل الري‏.‏ولما كانوا عابوا عليه عسكر القتال ففرض عليهم الأموال وعسف بهم وخص أهل قزوين بالنهب لما تولوا من ذلك وسلط عليهم الديلم فضاقت بهم الأرض‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:12 PM

مقتل أسفار وملك مرداويج
كان مرداويج بن زياد من قواد أسفار وكان قد سئم عسفه وطغيانه كما سئمه الناس وبعثه أسفار إلى صاحب سميران الطر الذي ملك أذربيجان بعد ذلك يدعوه إلى طاعت ففاوضه في أمر أسفار وسوء سيرته في الناس واتفقا على الوثوب عليه به فأجابوه وفيهم مطرف بن محمد وزيره فسار هو وسلار إليه وبلغه الخبر فثار به الجند فهرب إلى الري وكتب إلى ماكان بن كالي بطبرستان يستألفه على أسفار فسار إليه ماكان فهرب أسفار كل بيهق إلى بست ثم دخل مفازة الري قاصداً قلعة الموت التي حصن بها أهله وذخيرته وتخلف عنه بعض أصحابه في المفازة وجاء إلى مرداويج يخبره فسار إليه وتقدم به يديه بعض القواد فلقي أسفار وسأله عن قواده فأخبره أن مرداويج قتلهم فسر بذلك‏.‏ثم حمله القائد إلى مرداويج فأراد أن يحبسه بالري فحذره بعض أصحابه غائلته فأمر بقتله ورجع إلى الري‏.‏ولما قتل أسفار تنقل مرداويج في البلاد يملكها فملك قزوين ثم الري ثم همذان ثم كنكور ثم الدينور ثم دجرد ثم قم ثم قاشان ثم أصفهان ثم جرباد واستفحل ملكه وعتا وتكبر وجلس على سرير الذهب وأجلس أكابر قواده على سرير الفضة وتقدم لعسكره بالوقوف على البعد منه ونودي بالخطاب بينهم وبين حاجبه‏.‏

استيلاء مرداويج على طبرستان وجرجان
قد ذكرنا أن الإلفة الواقعة بين مرداويج وماكان وتظاهرهما على أسفار حتى قتل وثبت مرداويج في الملك واستفحل أمره فتطاول إلى ملك طبرستان وجرجان‏.‏وسار إليهما سنة ست عشرة فانهزم ماكان أمامه واستولي مرداويج على طبرستان وولي عليها أسفهسلان وأمر على عسكره أبا القاسم وكان حازماً شجاعاً‏.‏ثم سار إلى جرجان فهرب عامل ماكان عنها وملكها مرداويج وولي عليها صهره أبا القاسم المذكور خليفة عنه ورجع إلى أصفهان‏.‏ولحق أبو القاسم وهزمه فرجع السائر إلى الديلم ولحق ماكان بنيسابور واستمد أبا علي بن المظفر صاحب جيوش ابن سامان فسار معه في عساكره إلى جرجان فهزمهما أبو القاسم ورجعا إلى نيسابور‏.‏ثم سار ماكان إلى الدامغان فدفعه عنها أبو القاسم فعاد إلى خراسان‏.‏

استيلاء مرداويج على همذان والجبل وحروبه مع عساكر المقتدر
لما ملك مرداويج بلاد الري أقبلت الديلم إليه فأفاض فيهم العطاء وعظمت عساكره فلم تكفه جباية أعماله وامتدت عينه إلى الأعمال التي تجاوره فبعث إلى همذان سنة تسع عشرة جيشاً كثيفاً مع ابن أخته وبها محمد بن خلف وعسكر المقتدر فاقتتلوا وأعان على همذان عسكر الخليفة فظفروا بعسكر مرداويج وقتلوا ابن أخته فسار إليهم مرداويج من الري‏.‏وهرب عسكر الخليفة من همذان ودخلها عنوة فأثخن فيهم واستلحمهم وسباهم ثم أمنهم وزحفت إليه عساكر المقتدر مع هارون ابن غريب الحال فهزمهم بنواحي همذان وملك بلاد الجبل وما وراء همذان وبعث قائداً من أصحابه إلى الدينور ففتحها عنوة وبلغت عساكره نحو حلوان وامتلأت أيديهم من الذهب والسبي ورجعوا‏.‏

خبر االشكري في أصفهان
كان لشكري بن الديلم ومن أصحاب أسفار واستأمن بعد قتله إلى المقتدر وصار في جند هارون ابن كريب الحال‏.‏ولما انهزم هارون أمام مرداويج سنة تسع عشرة أقام في قرقلنين ينتظر مدد المقتدر‏.‏وبعث لشكري هذا إلى نهاوند يجيئه بمال منها فتغلب عليها وجمع بها جنداً ثم مضى إلى أصفهان في منتصف السنة وبها أحمد بن كيغلغ فحاربه وهزمه وملك أصفهان ودخل إليها عسكره‏.‏وأقام هو بظاهرها فرأى لشكري فقصده يظنه من بعض جنده أي أحمد فلما تراءى دافع أحمد بن كيغلغ عن نفسه فقتل وهرب أصحابه ورجع ابن كيغلغ إلى أصفهان‏.‏ثم بعث مرداويج عسكراً آخر إلى أصفهان سنة تسع عشرة فملكوها وجددوا مساكن أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فنزلها وعسكره يومئذ أربعون أو خمسون ألفاً‏.‏ثم بعث عسكراً إلى الأهواز وخوزستان فملكوها وجبوا أعمالها وبعث إلى المقتدر وضمن هذه البلاد بمائتي ألف دينار في كل سنة فقررت عليه وأقطعه المقتدر همذان ورماه الكوفة‏.‏قدوم وشمكير على أخيه مرداويج وفي سنة ست عشرة بعث مرداويج رسوله من الجند ليأتيه بأخيه وشمكير فبعث إليه وأبلغه رسالة أخيه وأعمه بمقامه في الملك فاستبعد ذلك ثم استغربه ونكر على أخيه مشايعته للمسودة لأن الديلم والجيل كانوا شيعة للعلوية بطبرستان فلم يزل الرسول حتى سار به إلى أخيه‏.‏فخرج به إلى قزوين وألبسه السواد بعد مراوضة‏.‏وقدم على أخيه بدوياً حافياً مستوحشاً فلم يكن إلا أن رهف الملك أعطافه فأصبح أرق الناس حاشية وأكثر الناس معرفة بالسياسة‏.‏

خبر مرداويج مع ابن سلمان على جرجان
كان أبو بكر المظفر صاحب جيوش ابن سامان بخراسان قد غلب على جرجان وانتزعها من ملكه مرداويج فلما فرغ مرداويج من أمر خوزستان والأهواز رجع إلى الري وسار منها إلى جرجان فخرج ابن المظفر عن جرجان إلى نيسابور وبها يومئذ السعيد نصر بن سامان فسار لمدافعة مرداويج عن جرجان وكاتب محمد بن عبد الله البلغمي من قواد ابن سامان مطرف بن محمد وزير مرداويج واستماله‏.‏وشعر بذلك فقتل وزيره وبعث إليه البلغمي يعدله في قصد جرجان ويطوق ذلك بالوزير مطرف ويذكره حقوق السعيد بن سامان قبله وقصور قدرته عنه ويشير عليه بالنزول له عن جرجان وتقرير المال عليه بالري فقبل مرداويج إشارته وعاد عن جرجان وانتظم الحال بينهما‏.‏

بداية أمر بني بويه
وكانوا إخوة ثلاثة أكبرهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة الحسن ومعز الدولة أبو الحسن أحمد‏.‏لقبهم بهذه الألقاب الخلفاء عندما ملكوا الأعمال وقلدوهم إياها على ما نذكر بعد‏.‏وهم الذين تولوا حجر الخلفاء بعد ذلك ببغداد كما يأتي‏.‏وأبوهم أبو شجاع بويه بن قناخس‏.‏وللناس في نسبهم خلاف‏:‏ فأبو نصر بن ماكولا ينسبهم إلى كوهي بن شيرزيك الأصغر بن شيركوه بن شيرزيك الآكبر ابن سران شاه بن سيرقند بن سيسانشاه بن سير بن فيروز بن شروزيل بن سنساد بن هراهم جور وبقية النسب مذكور في ملوك الفرس‏.‏وابن مشكويه قال‏:‏ يزعمون أنهم من ولد يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس‏.‏والحق أن هذا النسب مصنوع تقرب إليهم به من لا يعرف طبائع الأنساب في الوجود ولو كان نسبهم ذا خلل في الديلم لم تكن لهم تلك الرياسة عليهم وإن كانت الأنساب قد تتغير وتخفى وتنتقل من شعب إلى شعب ومن قوم إلى قوم فإنما هو بطول الأعصار وتناقل الأجيال واندراس الأزمان والأحقاب‏.‏وأما هؤلاء فلم يكن بينهم وبين يزدجرد وانقطاع الملك من الفرس إلا ثلاثمائة سنة فيها سبعة أجيال أو ثمانية أجيال ميزت فيها أنسابهم وأحصيت أعقابهم‏.‏فكيف يحرك مثل هذه الأنساب الخفاء في مثل هذه الأعصار‏.‏وإن قلنا كان نسبهم إلى الفرس ظاهراً منع ذلك من رياستهم على الديلم فلا شك في هذه التقادير في ضعة هذا النسب والله أعلم‏.‏وأما بدايتهم فإنهم كانوا من أوسط الديلم نسباً وحالاً‏.‏وفي أخبارهم أن أباهم أبا شجاع كان فقيراً وأنه رأى في منامه أنه يبول فخرج من ذكره نار عظيمة فاستضاءت الدنيا بها فاستطالت وارتفعت إلى السماء‏.‏ثم افترقت ثلاث شعب ومن كل شعب عدة شعب فاستضاءت الدنيا بها والناس خاضعون لتلك النيران‏.‏وأن عابراً عبر له الرؤيا بأنه يكون له ثلاثة أولاد يملكون الأرض ويعلو ذكرهم في الآفاق كما علت النار ويولد لهم ملوك بقدر الشعب‏.‏وأن أبا شجاع استبعد ذلك واستنكره لما كانوا عليه من توسط الحال في المعيشة فرجع المعبر إلى السؤال عن وقت مواليدهم فأخبروه بها وكان منجماً فعدل طوالعهم وقضي لهم جميعاً بالملك فوعدوه وانصرف ، ولما خرج قواد الديلم لملك البلاد وانتشروا في الأعمال مثل ليلى وماكان وأسفار ومرداويج خرج مع كل واحد منهم جموع من الديلم رؤوس وأتباع وخرج بنو أبي شجاع هؤلاء في جملة قواد ماكان فلما اضطرب أمره وغلبه مرداويج عن طبرستان وجرجان مرة بعد مرة لحق آخراً بنيسابور مهزوماً فاعتزم بنو بويه على فراقه واستأذنوه في ذلك وقالوا إنما نفارقك تخفيفاً عليك فإذا صلح أمرك عدنا إليك‏.‏وساروا إلى مرداويج وتبعتهم جماعة من قواد ماكان فقبلهم مرداويج وقلد كل واحد منهم ناحية من نواحي الجبل‏.‏وقلد علي بن بويه كرمس وكتب لهم العهود بذلك‏.‏وساروا إلى الري وبها يومئذ أخوه وشمكير ومعه وزيره الحسين بن محمد العميد والد أبي الفضل‏.‏ثم بدا لمرداويج في ولاية هؤلاء القواد المستأمنة فكتب إلى أخيه وشمكير ووزيره العميد بردهم عن تلك الأعمال‏.‏وكان علي بن بويه قد أسلف عند العميد يداً في بغلة فارهة عرضها للبيع واستأمنها العميد فوهبها له فرعى له العميد هذه الوسيلة‏.‏فلما قرأ كتاب مرداويج دس إلى ابن بويه بأن يغذ السير إلى عمله فسار من حينه‏.‏وغدا وشمكير على بقية القواد فاستعاد العهود من أيديهم وأمر ابن بويه فأشار عليه أصحابه بترك ذلك لما فيه من الفتنة فتركه ، ^? ولما وصل عماد الدولة إلى كرج ضبط أمورها وأحسن السياسة في أهلها وأعمالها وقتل جماعة من الخرمية كانوا فيها وفتح قلاعهم وأصاب فيها ذخائر كثيرة فأنفقها في جنده فشاع ذكره وحمدت سيرته‏.‏وكتب أهل الناحية إلى مرداويج بالنبأ فغص وجاء من برستان إلى الري وأطلق مالاً لجماعة من قواده على كرج فاستمالهم عماد الدولة حسن إليهم فأقاموا عنده‏.‏واستراب مرداويج فكتب إلى عماد الدولة في استدعائهم‏.‏فدافعه وحفرهم منه فحفروا‏.‏ثم استأمن إليه سيراذ من أعيان قواد مرداويج فكثف جمعه به معه وسار إلى أصفهان وبها المظفر بن ياقوت من قبل القاهر في عشرة آلاف مقاتل على خراجها أبو علي بن رستم فاستأذنهما في الإنحياز إليهما والدخول في طاعة خليفة فأعرضا عنه‏.‏ومات خلال ذلك ابن رستم وبرز ابن ياقوت من أصفهان لمدافعته استأمن إليه من كان مع ابن ياقوت من الجيل والديلم ثم لقيه عماد الدولة في تسعمائة وهزمه وملك أصفهان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:13 PM

استيلاء ابن بويه على أرجان وأخواتها
ثم على شيراز وبلاد فارس ولما بلغ خبر أصفهان إلى مرداويج اضطرب وكتب إلى عماد الدولة بن بويه يعاتبه ويستميله ويطلب منه إظهار طاعته ويمدده بالعساكر في البلاد والأعمال ويخطب له بها‏.‏وجهز له أخاه وشمكير في جيش كثيف ليكبسه وهو مطمئن إلى تلك الرسالة‏.‏وشعر بن بويه بالمكيدة فرحل عن أصفهان بعد أن جباها شهرين وسار إلى أرجان وبها أبو بكر بن ياقوت من أصفهان والياً عليها ففصل عنها‏.‏ولما ملك ابن بويه أرجان كاتبه أهل شيراز يستدعونه إليهم وعليهم يومئذ ياقوت عامل الخليفة وثقلت وطأته عليهم وكثر ظلمه فاستدعوا ابن بويه وخام عن المسير إليهم فأعادوا إليه الكتاب بالحث على ذلك وأن مرداويج طلب الصلح من ياقوت فعاجل الأمر قبل أن يجتمعا فسار إلى النوبندجان في ربيع سنة إحدى وعشرين وسبقته إليها مقدمة ياقوت في ألفين من شجعان قومه‏.‏فلما وافاهم ابن بويه انهزموا إلى كرمان وجاءهم ياقوت هنالك في جميع أصحابه‏.‏وأقام عماد الدولة بالنوبندجان وبعث أخاه ركن الدولة الحسن إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فلقي هنالك عسكراً لياقوت فهزمهم وجبي تلك الأعمال ورجع إلى أخيه بالأموال‏.‏ثم وقعت المراسلة بين مرداويج وياقوت في الصلح وسار وشمكير إليه عن أخيه فخشيهما عماد الدولة وسار من نوبندجان إلى أصطخر ثم إلى البيضاء وياقوت في اتباعه‏.‏وسبقه ياقوت إلى قنطرة على طريق كرمان فصحه عن عبوره واضطره للحرب فتحاربوا واستأمن جماعة من أصحاب ابن بويه إلى ياقوت فقتلهم خشيه الباقون واستماتوا‏.‏وقدم ياقوت أمام عساكره رجالة بقوار النفط فلما أشعلوها وقذفت أعادتها الريح عليهم فعلقت بهم فاضطربوا وخالطهم أصحاب ابن بويه في موقفهم وكانت الدبرة على ياقوت‏.‏ثم صعد إلى ربوة ونادى في أصحابه بالرجوع فاجتمع إليه نحو أربعة آلاف فارس وأراد الحملة عليهم لإشتغالهم بالنهب ففطنوا له وتركوا النهب وقصدوه فانهزم واتبعوهم فأثخنوا فيهم‏.‏وكان معز الدولة أحمد بن بويه من أشد الناس بلاء في هذه الحرب ابن تسع عشرة سنة لم يطر شاربه ثم رجعوا إلى السواد فنهبوه وأسروا جماعة منهم فأطلقهم ابن بويه وخيرهم فاختاروا المقام عنده فأحسن إليهم‏.‏ثم سار إلى شيراز فأمنها ونادى بالمنع من الظلم واستولي على سائر البلاد وعرفوه بذخائر في دار الإمارة وغيرها من ودائع ياقوت وذخائر بني الصفار فنادى في الجند بالعطاء وأزاح عللهم وامتلأت خزائنه‏.‏وكتب إلى الراضي وقد أفضت إليه الخلافة وإلى وزيره أبي علي بن مقلة تقرير البلاد عليه بألف ألف درهم فأجيب إلى ذلك وبعثوا إليه بالخلع واللواء‏.‏وكان محمد بن ياقوت قد فارق أصفهان عند خلع القاهر وولاية الراضي وبقيت عشرين يوما دون أمير فجاء إليها وشمكير وملكها فلما وصل الخبر إلى مرداويج باستيلاء ابن بويه على فارس سار إلى أصفهان للتدبير عليه وبعث أخاه وشمكير إلى الري‏.‏

استيلاء ماكان بن كالي على الري
قد ذكرنا في دولة بني سامان أن أبا علي محمد بن إلياس كان سنة إثنتين وعشرين بكرمان منتقضاً على السعيد فبعث إليه في هذه السنة جيشاً كثيفاً فاستولي على كرمان وأقام فيها الدعوة لإبن سامان‏.‏وكان أصل محمد بن إلياس من أصحاب السعيد فسخطه وحبسه ثم أطلقه بشفاعة البلغمي‏.‏وبعث مع صاحب خراسان محمد بن المظفر إلى جرجان حتى إذا خرج أخوه السعيد من محبسهم وبايعوا ليحيى منهم كان محمد بن إلياس معهم حتى تلاشى أمرهم ففارقه ابن إلياس من نيسابور إلى كرمان فاستولي عليها إلى هذه الغاية فأزاله عنها ماكان ولحق بالدينور وأقام ماكان والياً بكرمان بدعوة بني سامان‏.‏

مقتل مرداويج وملك أخيه وشمكير من بعده
لما استفحل أمر مرداويج كما قلنا عتا وتجبر وتتوج بتاج مرصع على هيئة تاج كسرى وجلس على كرسي الذهب وأجلس أكابر قواده على كراسي الفضة واعتزم على قصد العراق والمدائن وقصور كسرى وأن يدعى بشاه‏.‏وكان له جند من الأتراك كان كثير الإساءة إليهم ويسميهم الشياطين والمردة فثقلت وطأته على الناس وخرج ليلة الميلاد من سنة ثلاث وعشرين إلى جبال أصفهان وكانوا يسمونها ليلة الوقود لما يضرم فيها من النيران فأمر بجمع الحطب على الجبل من أوله إلى آخره أمثال الجبال والتلال وجمع ألفي طائر من الغوبان والحدآت وجعل النفط في أرجلها ليضرم الجبل ناراً حتى يضيء الليل ، ^? بقرة وثلاثة آلاف كبش وعشرة آلاف من الدجاج وأنواع الطير وما لا يحصى من أنواع الحلوى وهيأ ذلك كله ليأكل الناس ثم يقوموا إلى مجلس الشرب والندمان فتشعل النيران‏.‏ثم ركب آخر النهار ليطوف على ذلك كله بنفسة فاحتقره وسخط من تولى ترتيبه ودخل خيمته مغضباً ونام فأرجف القواد بموته فدخل إليه وزيره العميد وأيقظه وعرفه بما الناس فيه فخرج وجلس على السماط وتناول لقمتين ثم ذهب وعاد إلى مكانه فقام في معسكره بظاهر أصفهان ثلاثاً لا يظهر للناس‏.‏ثم قام في اليوم الرابع ليعود إلى قصره بأصفهان فاجتمعت العساكر ببابه وكثر صهيل الخيل ومراحها فاستيقظ لكثرة الضجيج فازداد غضبه وسأل عن أصحاب الدواب فقيل إنها للأتراك نزلوا للخدمة وتركوها بين يدي الغلمان فأمر أن تحل عنها السروج وتجعل على ظهور الأتراك ويقودونهم إلى أصطبلات الخيل ومن أمتنع من ذلك ضرب فأمسكوا ذلك على أقبح الهيئات واصطنعوا ذلك عليه واتفقوا على الفتك به في الحمام‏.‏وكان كورتكين يحرسه في خلوته وحمامه فسخطه ذلك اليوم وطرده فلم يتقدم إلى الحرس لمراعاته وداخلوا الخادم الذي يتولى خدمته في الحمام في أن يفقده سلاحه وكان يحمل خنجراً فكسر حديد الخنجر وترك النصاب لمرداوبج فلم يجد له حداً فأغلق باب الحمام ودعمه من ورائه بسرير الخشب الذي كان صاعداً عليه فصعدوا إلى السطح وكسروا الجامات ورموه بالسهام فانحجر في زوايا الحمام وكسروا الباب عليه وقتلوه‏.‏ وكان الذي تولى كبر ذلك جماعة من الأتراك وهم‏:‏ توزون الذي صار بعد ذلك أمير الأمراء ببغداد ويارق بن بقراخان ومحمود بن نيال الترجمان ويحكم الذي ولي إمارة الأمراء قبل تورون‏.‏ولما قتلوه خرجوا إلى أصحابهم فركبوا ونهبوا قصر مرداويج وهربوا وكان الديلم والجيل بالمدينة فركبوا في أثرهم فلم يدركوا منهم إلا من وقفت دابته فقتلوهم وعادوا لنهب الخزائن فوجدوا العميد قد أضرمها ناراً‏.‏ثم اجتمع الديلم والجيل وبايعوا أخاه وشمكير بن زيار وهم بالري وحملوا معهم جنازة مرداويج فخرج وشمكيهر وأصحابه لتلقيهما على أربع فراسخ حفاة ورجع العسكر الذي كان بالأهواز إلى وشمكير واجتمعوا عليه وتركوا الأهواز لياقوت فملكها وقام وشمكيهر بملك أخيه مرداويج في الديلم والجيل وأقام بالري وجرجان في ملكه‏.‏وكتب السعيد بن سامان إلى محمد بن المظفر صاحب خراسان وإلى ماكان بن كالي صاحب كرمان بالمسير إلى جرجان والري فسار ابن المظفر إلى قومس ثم إلى بسطام وسار ماكان على المفازة إلى الدامغان واعترضه الديلم من أصحاب وشمكير في جيش كثيف فهزموهم ولحق بنيسابور أخر ثلاث وعشرين وجعلت ولايتها لماكان بن كالي فأقام بها‏.‏وسار أبو علي بن إلياس إلى كرمان بعد انصراف ماكان عنها فملكها وصفت له بعد حروب شديده طويلة مع جيوش السعيد بن سامان وكان له الظفر آخراً‏.‏وأما الأتراك الذين قتلوا مرداويج فافترقوا في هزيمتهم فرقتين‏.‏فسارت فرقة إلى عماد الدولة بن بويه وهم الأقل وفرقة إلى الجيل مع يحكم وهم الأكثر فجبوا خراج الدينور وغيره‏.‏ثم ساروا إلى النهروان وكاتبوا الراضي في المسير إلى بغداد فأذن لهم وأستراب الحجرية بهم فردهم الوزير أبن مقلة إلى بلد الجيل وأطلق لهم مالاً فلم يرضوا به فكاتبهم ابن رائق وهو يومئذ صاحب واسط البصرة فلحقوا به وقدم عليهم يحكم فكاتب الأتراك من أصحاب مرداويج فقدم عليه منهم عدة وافرة واختص يحكم وتولاه ونعته بالرائقي نسبة إليه وأمره أن يرسمها في كتابه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:14 PM

مسير معز الدولة في بويه إلى كرمان وهزيمته
لما ملك عماد الدولة بن بويه وأخوه ركن الدولة بلاد فارس والجيل بعثا أخاهما الأصغر معز الدولة إلى كرمان خالصة له فسار في العسكر إليها سنة أربع وعشرين واستولي على السيرجان‏.‏وكان إبراهيم بن سيجور الدواني قائد ابن سامان يحاصر محمد بن إلياس بن اليسع في قلعته هنالك‏.‏فلما بلغه خبر معز الدولة سار من كرمان إلى خراسان وخرج محمد بن إلياس من القلعة التي كان محاصراً بها إلى مدينة قم على طرف المفازة بين كرمان وسجستان فسار إلى جيرفت وهي قصبة كرمان‏.‏وجاء رسول علي بن أبي الزنجي المعروف بعلي بن كلونة أمير القفص والبلوص كان هو وسلفه متغلبين على تلك الناحية ويعطون طاعتهم للأمراء والخلفاء على البعد ويحملون إليهم المال‏.‏فلما جاء رسوله بالمال امتنع معز الدولة من قبوله إلا بعد دخول جيرفت فلما دخل جيرفت صالحه وأخذ رهنه على الخطبة له‏.‏وكان علي بن كلونة قد نزل بمكان صعب المسلك على عشرة فراسخ من جيرفت فأشار على معز الدولة بعض أصحابه أن يغمر به ويكبسه ففعل ذلك وأتى لعلي كلونة عيونه بالخبر فأرصد جماعة لمعز الدولة بمضيق في طريقه فلما مر بهم سارياً ثاروا به من جوانبه وقتلوا من أصحابه وأسروا وأصابته جراح كثيرة وقطعت يده اليسرى من نصف الذراع وأصابع يده اليمنى وسقط بين القتلى‏.‏وبلغ الخبر إلى جيرفت فهرب أصحابه منها وجاء علي بن كلونة فحمله من بين القتلى إلى جيرفت وأحضر الأطباء لعلاجه‏.‏وكتب إلى أخيه عماد الدولة يعتذر ويبذل الطاعة فأجابه وأصلحه‏.‏وسار محمد بن إلياس من سجستان إلى بلد خبابة فتوجه إليه معز الدولة وهزمه وعاد ظافراً ومر بابن كلونة فقاتله وهزمه وأثخن في أصحابه وكتب إلى أخيه عماد الدولة بخبره مع ابن إلياس وابن كلونة فبعث إليه قائداً من قواده واستقدمه إليه بفارس فأقام عنده بإصطخر إلى أن قدم عليهم أبو عبد الله البريدي منهزماً من ابن رائق ويحكم المتغلبين على الخلافة ببغداد فبعث عماد الدولة أخاه معز الدولة وجعل له ملك العراق عوضاً عن ملك كرمان كما يذكر بعد‏.‏

استيلاء ماكان على جرجان وانتقاضه على ابن سامان
قد ذكرنا انهزام ماكان على جرجان أيام بانجين الديلمي ورجوعه إلى نيسابور فأقام بها ثم بلغ الخبر بمهلك بانجين بجرجان فاستأذن ماكان محمد بن المظفر في الخروج لإتباع بعض أصحابه هرب عنه وطالبه به عارض الجيش فأذن له وسار إلى أسفرايين وبعث معه جماعة من عسكره إلى جرجان فاستولي عليها‏.‏ثم أظهر لوقته الإنتقاض على ابن المظفر‏.‏وسار إليه بنيسابور فتخاذل أصحابه وهرب عنها إلى سرخس وعاد عنها ماكان خوفاً من إجتماع العساكر عليه وذلك في رمضان سنة أربع وعشرين ، ^?

دولة بني بويه الخبر
عن دولة بني بويه من الديلم المتغلبين على العراقين وفارس والمستبدين على الخلفاء ببغداد من خلافة المستكفي إلى أن صاروا في كفالتهم وتحت حجرهم إلى انقراض دولتهم وأولية ذلك ومصائره قد تقدم لنا التعريف ببني بويه وذكر نسبهم وهم من قواد الديلم الذين تطاولوا للإستيلاء على أعمال الخلفاء العباسيين ولما لم يروا عنها مدفعاً ولا لها حامية فتنقلوا في نواحيها وملك كل واحد منهم أعمالاً منها‏.‏واستولي بنو بويه على أصفهان والري ثم انعطفوا على بلاد فارس فملكوا أرجان وما إليها‏.‏ثم استولوا على شيراز وأعمالها وأحاطوا بأعمال الخلافة بنواحي بغداد من شرقها وشمالها وكانت الخلافة قد طرقها الإعلال وغلب عليها الموالي والصنائع‏.‏وقد كان أبو بكر محمد بن رائق عاملاً بواسط واضطرب حال الراضي ببغداد فاستقدمه وقلده إمارة الجيوش ونعته أمير الأمراء‏.‏وكان بنو البريدي في خوزستان والأهواز فغضوا به ووقعت الوحشة بينه وبينهم فبعث ابن رائق بدراً الخرشني ويحكم الذي نزع إليه أتراك مرداويج فساروا في العسكر لقتال ابن البريدي واستولوا على الأهواز سنة خمس وعشرين ولحق ابن البريدي بعماد الدولة بن بويه لما ملك العراق وسهل عليه أمره‏.‏وذلك عند رجوع أخيه معز الدولة من استيلاء معز الدولة بن بويه على الأهواز لما لحق أبو عبد الله البريدي بعماد الدولة ناجياً من الأهواز مستنجداً له بعث أخاه معز الدولة في العساكر بعد أن أخذ منه ابنيه أبا الحسن محمداً وأبا جعفر الفياض رهناً‏.‏وسار معز الدولة سنة ست وعشرين فانتهى إلى أرجان ويحكم جاء للقائهم وانهزم أمامهم إلى الأهواز فأقام بها وأنزل بها بعض عسكره في عسكر مكرم فقاتلوا معز الدولة ثلاثة عشر يوماً‏.‏ثم انهزموا إلى تستر فرحل معز الدولة إلى عسكر مكرم وأنفذ ابن البريدي خليفته إلى الأهواز‏:‏ ثم بعث إلى معز الدولة بأن ينتقل إلى السوس ويبعد عنه فيؤمن له الأهواز فعذله وزيره أبو جعفر الصيمري وغيره من أصحابه وأروه أن البريدي يخادعه فامتنع معز الدولة من ذلك وبلغ اختلافهم إلى يحكم فبعث عسكراً من قبله فاستولي على الناس وجند نيسابور وبقية الأهواز بيد ابن البريدي وعسكر مكرم بيد عز الدولة‏.‏وضاق حال جنده وتحدثوا في الرجوع إلى فارس فواعدهم لشهر وكتب إلى أخيه عماد الدولة بالخبر فبعث إليه مدداً من العسكر فعادوا واستولوا على الأهواز‏.‏وسار‏.‏يحكم من واسط فاستولي على بغداد وقلده الراضي إمارة الأمراء وهرب ابن رائق فاختفى ببغداد‏.‏

انتزاع وشمكير وأصفهان من يد ركن الدولة ومسيره إلى واسط
ثم استرجاعه أصفهان قد ذكرنا وشمكير المستولي بعد أخيه مرداويج على الري وكان عماد الدولة استولي على أصفهان ودفعها إلى أخيه ركن الدولة فبعث إليها وشمكير سنة سبع وعشرين جيشاً كثيفاً من الري فملكوها من يده وخطبوا فيها لشمكير‏.‏ثم سار وشمكير إلى قلعة الموت فملكها ورجع فلحق ركن الدولة بإصطخر وجاءه هنالك رسول أخيه معز الدولة من الأهواز بأن ابن البريدي أنفذ جيشاً إلى السوس وقتل قائدها من الديلم وأن الوزير أبا جعفر الصيمري كان على خراجها محتصراً بقلعة السوس فسار ركن الدولة إلى السوس وهرب عساكر ابن البريدي بين يديه‏.‏ثم سار إلى واسط ليستولي عليها لأنه قد خرج عن أصفهان وليس له ملك يستقل به فنزل بالجانب الشرقي وسار الراضي ويحكم من بغداد لحربه فاضطرب أصحابه واستأمن جماعة منهم لإبن البريدي فخام ركن الدولة عن اللقاء ورجع إلى الأهواز فسار إلى أصفهان وهزم عسكر وشمكير بها وملكها وكان هو وأخوه عماد الدولة بعثا لإبن محتاج صاحب خراسان يحرضانه على ماكان ووشمكير واتصلت بينهم مودة‏.‏

مسير معز الدولة إلى واسط والبصرة
كان ابن البريدي بالبصرة وواسط قد صالح يحكم أمير الأمراء ببغداد وحرضه على المسير إلى الجبل ليرجعها من يد ركن الدولة بن بويه ويسير هو إلى الأهواز فيرتجعها من يد معز الدولة‏.‏واستمد يحكم فأمده بخمسمائة رجل وسار إلى حلوان في انتظاره‏.‏وأقام ابن البريدي يتربص به وينتظر أن يبعد عن بغداد فيهجم هو عليها وعلم يحكم بذلك فرجع إلى بغداد ثم سار إلى واسط فانتزعها من يد ابن البريدي وذلك لسنة ثمان وعشرين‏.‏وولي الخلافة المتقي وكان ظل الدولة العباسية قد تقفص حتى قارب التلاشي والإضمحلال وتحكم على الدولة بعد مولاة ابن رائق وابن البريدي الذي كان يزاحمه في التغلب على الدولة فبعث عساكره من البصرة إلى واسط فسرح إليه يحكم العساكر مع مولاه تورون فهزمهم وجاء يحكم على أثره ولقيه خبر هزيمتهم واستقام أمره وطفق يتصدى في تلك النواحي إلى أن عرض له بعض الأكراد ممن له عنده ثأر وهو منفرد عن عسكره فقتله وافترق أصحابه فلحق جماعة من الأتراك بالشام ومقدمهم تورون‏.‏وولي الباقون عليهم يكسك مولى يحكم وكان الديلم عند مقتله قد ولوا عليهم باسوار بن ملك بن مسافر بن سلار وسلار جده صاحب شميران الطرم الذي داخل مرداويج في قتل أسفار وملك ابنه محمد بن مسافر بن سلار إذربيجان فكانت له ولولده بها دولة‏.‏ووقعت الفتنة بين الديلم والأتراك فقتله الأتراك وولي الديلم مكانه كورتكين ولحقوا بابن البريدي فزحف بهم إلى بغداد‏.‏ثم تنكروا واتفقوا مع الأتراك على طرده فلحقوا بواسط واستفحل الديلم وغلبوا الأتراك وقتل كورتكين كثيراً من الديلم واستبد بإمرة الأمراء ببغداد‏.‏ثم جاء تورون من الشام بابن رائق وهزم كورتكين الديلم وقتل أكثرهم وانفرد ابن رائق بأمرة الأمراء ببغداد سنة إثنتين وثلاثمائة‏.‏وكان ابن البريدي في هذه الفترة بعد يحكم قد استوي على واسط فبعث إليه ابن رائق واستوزره ففعل على أن يقيم بمكانه ويستخلف ابن شيرزاد ببغداد‏.‏ثم سار إليهم إلى واسط فهرب ابن رائق والمقتفي إلى الموصل وتخلف عنهم تورون وعاث أصحاب ابن البريدي في بغداد فشكا له الناس‏.‏ولما وصل المقتفي ولي ابن حمدان إمرة الأمراء بمكانه وقصدوا بغداد فهرب وخالفه تورون إلى المقتنفي وابن حمدان وملكوا بغداد‏.‏وسار سيف الدولة أمام ابن البريدي وخرج ناصر الدولة في أتباعه فنزل المدائن وانكشف سيف الدولة أمام ابن البريدي حتى انتهوا إلى أخيه ناصر الدولة بالمدائن فأمده ورجع فهزم ابن البريدي وغلبه على واسط فملكها ولحق ابن البريدي بالبصرة وأقام سيف الدولة بواسط ينتظر المدد ليسير إلى البصرة‏.‏وجاءه أبو عبد الله الكوفي بالأموال فشغب عليه الأتراك في طلب المال وثاروا به ومقدمهم تورون فهرب إلى بغداد وهم في اتباعه وكان أخوه قد انصرف إلى بغداد ثم إلى الموصل فلحق به‏.‏ودخل تورون بغداد وولي الأمر ثم استوحش من المقتفي وتربص مسيره إلى واسط لقتال ابن البريدي وسار إلى الموصل سنة إحدى وثلاثين ومعز الدولة بن بويه في أثناء هذا كله مقيم بالأهواز مطل على بغداد وأعمال الخليفة يروم التغلب عليها وأخوه عماد الدولة بفارس وركن الدولة بأصفهان والري فلما سار المقتفي من الرقة إلى تورون خلعه وسمله ونصب المكتفي‏.‏وقد قدمنا هذه الأخبار كلها مستوعبة في أخبار الدولة العباسية وإنما أعدناها توطئة لإستيلاء بني بويه على بغداد واستبدادهم على الجلالقة‏.‏ثم عاد معز الدولة إلى واسط سنة ثلاث وثلاثين فسار تورون والمستكفي لدفاعه ففارقها وعاد إلى الأهواز‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:15 PM

استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد واندراج أحكام الخلافة في سلطانه
ثم إن تورون في فاتح سنة أربع وثلاثين عقد الأتراك الرياسة عليهم لإبن شيرزاد وولاه المستكفي أمرة الأمراء في الأرزاق فضاقت الجبايات على العمال والكتاب وتجار وامتدت الأيدي إلى أموال الرعايا وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الجلاء عن بغداد‏.‏ثم استعمل ابن شيرزاد على واصل نيال كوشة وعلى ريت الفتح اليشكري فانتقضا وسار الفتح لإبن حمدان فولاه على تكريت من قبله دعوته وبعث نيال كوشة إلى معز الدولة وقام بدعوته‏.‏واستدعاه لملك بغداد فزحف إليها في عساكر الديلم ولقيه ابن شيرزاد والأكراد فهزمهم ولحقوا بالموصل وأخفى مستكفي وقم معز الدولة كاتبه الحسن بن محمد المهلبي إلى بغداد فدخلها وظهر خليفة من الإختفاء وحضر عند المهلبي فبايع له عن معز الدولة أحمد بن بويه وعن شويه عماد الدولة وركن الدولة الحسن وولاهم المستكفي على أعمالهم ولقبهم بهذه ألقاب ورسمها على سكته‏.‏ثم جاء معز الدولة إلى بغداد فملكها وصرف الخليفة في حكمه واختص باسم السلطان وبعث إليه أبو القاسم البريدي صاحب البصرة فضمن واسط وأعمالها وعقد له عليها‏.‏

خلع المستكفي وبيعة المطيع وما حدث في الجباية والإقطاع
وبعد أشهر قلائل من استيلاء معز الدولة على بغداد نمي إليه أن المستكفي يريد الإدالة منه فتنكر له وأجلسه في يوم مشهود للقاء وافد من أصحاب خراسان وحضر معز الدولة في قومه وعشيرته‏.‏وأمر رجلين من نقباء الديلم بالفتك بالخليفة فتقدما ووصلاه ليقبلا يد المستكفي‏.‏ثم جذباه عن سريره وقاداه ماشياً واعتقلاه بداره وذلك في منتصف أربع وثلاثين فاضطرب الناس وعظم النهب ونهبت دار الخلافة‏.‏وبايع معز الدولة للفضل بن المقتدر ولقبه المطيع لله‏.‏وأحضر المستكفي فأشهد على نفسه بالخلع وسلم على المطيع بالخلافة وسلب الخليفة من معاني الأمر والنهي وصيرت الوزارة إلى معز الدولة يولي فيها من يرى‏.‏وصار وزير الخليفة مقصور النظر على إقطاعه ومقتات داره وتسلم عمال معز الدولة وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وأراضيه ولاية وإقطاعاً حتى كان الخليفة يتناول الإقطاع بمراسم معز الدولة وإنما ينفرد بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك والجلوس للوفد وإجلال التحية والخطاب ويقومون مع ذلك بأوضاع القائم على الدولة وترتيبه‏.‏وكان القائم منهم على الدولة تفرد في دولة بني بويه والسلجوقية بلقب السلطان ولا يشاركه فيه غيره ومعاني الملك من القدرة والأبهة والعز وتصريف الأمر والنهي حاصل للسلطان دون الخليفة‏.‏وكانت الخلافة حاصلة للعباسي المنصوب لفظاً مسلوبة عنه معنى‏.‏ثم طلب الجند أرزاقهم بأكثر من العادة لتجدد الدولة فاضطر إلى ضرب المكوس ومد الأيدي إلى أموال الناس وأقطعت جميع القرى والضياع للجند فارتفعت أيدي العمال وبطلت الدواوين لأن ما كان منها بأيدي الرؤساء لا يقدرون على النظر فيها وما كان بأيدي الأتباع خرب بالظلم والمصادرات والحيف في الجباية وإهمال النظر في إصلاح القناطر وتعديل المشارب وما خرب منها عوض صاحبه عنه بآخر فيخربه كما يخرب الآخر‏.‏ثم إن معز الدولة أفرد جمعها من المكوس والظلامات وعجز السلطان عن ذخيرة يعدها لنوائبه‏.‏ثم استكثر من الموالي ليعتز بهم على قومه وفرض لهم الأرزاق والإقطاع فحدثت غيرة قومه من ذلك وآل الأمر إلى المنافرة كما مسير ابن حمدان إلى بغداد وانهزامه أمام معز الدولة ولما بلغ استيلاء معز الدولة على بغداد وخلعه المستكني إلى ناصر الدولة بن حمدان امتعض لذلك‏.‏وسار من الموصل إلى بغداد في شعبان سنة أربع وثلاثين فقدم معز الدولة عسكره فأوقع بها ابن حمدان بعكبرا‏.‏ثم سار معز الدولة ومعه المطيع إلى مدافعته ولحق به ابن شيرزاد فاستحثه إلى بغداد سنة أربع وثلاثين وخالفه معز الدولة إلى تكريت ونهبها وتسابقوا جميعاً إلى بغداد فنزل معز الدولة والمطيع بالجانب الشرقي ابن حمدان بالجانب الغربي فقطع الميرة عن معسكر معز الدولة فغلت الأسعار وعزت الأقوات ونهب عسكره مراراً فضاق به الأمر واعتزم على العود إلى الأهواز فأمر وزيره أبا جعفر الصيمري بالعبور في العساكر لقتال أبن حمدان فظفر به الصيمري وغنم الديلم أموالهم وظهرهم‏.‏ثم أمن معز الدولة الناس وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين ورجع ابن حمدان إلى عكبرا وأرسل في الصلح سراً فنكر عليه الأتراك التورونية وهموا بقتله وفر إلى الموصل ومعه ابن شيرزاد ثم صالحه معز الدولة كما طلب‏.‏ولما فر عن الأتراك التورونية أعلمهم تكين الشيرازي فقبضوا على من تخلف من أصحابه وساروا في اتباعه وقبض هو في طريقه على ابن شيرزاد وتجاوز الموصل إلى نصيبين فملكها تكين وسار في اتباعه إلى السند فلحقه هنالك عسكر من معز الدولة كما طلب وأمده به مع وزيره أبي جعفر الصيمري وقاتل الأتراك فهزمهم وسار إلى الموصل هو والصيمري فدفع ابن شيرزاد إلى الصيمري وحمله إلى معز الدولة وذلك سنة خمس وثلاثين‏.‏

استيلاء معز الدولة على البصرة والموصل وصلحه مع ابن حمدان
وفي سنة خمس وثلاثين انتقض أبو القاسم بن البريدي بالبصرة فجهز معز الدولة الجيش إلى واسط ولقيهتم جيش ابن البريدي في الماء وعلى الظهر فانهزموا إلى البصرة وأسروا من أعيانهم جماعة‏.‏ثم سار معز الدولة سنة ست وثلاثين إلى البصرة ومعه المطيع كارهاً من قتال أبي القاسم البريدي وسلكوا إليها البرية‏.‏وبعث القرامطة يعذلون في ذلك معز الدولة فكتب يتهددهم‏.‏ولما قارب البصرة استأمنت إليه عساكر أبي القاسم وهرب هو إلى القرامطة فأجاروه وملك معز الدولة البصرة‏.‏ثم سار هو منها إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة وترك المطيع وأبا جعفر الصيمري بالبصرة وانتقض على معز الدولة كوكير من أكابر الديلم فقاتله الصيمري وهزمه وأسره وحبسه معز الدولة بقلعة رامهرمز‏.‏ثم لقي أخاه معز الدولة بأرجان في شعبان من السنة وسلك في تعظيمه وإجلاله من وراء الغاية‏.‏وكان عماد الدولة يأمره بالجلوس في مجلسة فلا يفعل‏.‏ثم عاد معز الدولة والمطيع إلى بغداد ونودي بالمسير إلى الموصل فترددت الرسل من ابن حمدان في الصلح وحمل المال‏.‏ثم سار إليه سنة سبع وثلاثين في شهر رمضان واستولي على الموصل وأراد الإثخان في بلاد ابن حمدان فجاءه الخبر عن أخيه ركن الدولة بأن عساكر خراسان قصدت جرجان واضطر إلى الصلح‏.‏واستقر الصلح بينهما على أن يعطي ابن حمدان عن الموصل والجزيرة والشام ثمانية آلاف ألف درهم كل سنة ويخطب لعماد الدولة ومعز الدولة في بلاده وعاد إلى بغداد‏.‏

استيلاء ركن الدولة على الري ثم طبرستان وجرجان
ومسير عساكر ابن سامان إليها قد تقدم لنا استيلاء ركن الدولة على أصفهان من يد وشمكير حين بعث عساكره مدداً لماكان بن كالي وكان ركن الدولة وأخوه عماد الدولة بعثا إلى أبي علي بن محتاج قائد نجي سامان يحرضانه على ماكان ووشمكير ويعدانه المظاهرة عليهما فسار أبو علي إلى وشمكير بالري ولقيه ركن الدولة بنفسه‏.‏واستمد وشمكير ماكان فجاءه في عساكره والتقوا فانهزم وشمكير ولحق بطبراستان‏.‏ثم سار بعساكره إلى بلد الجبل فاقتحمها واستولي على زنجان وأبهر وقزوين وقم وكرج وهمذان ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان ورتب فيها العمال وجبي أموالها‏.‏ثم وقع خلاف بين وشمكير والحسن بن الفيرزان ابن عم ماكان واستنجد الحسن بأبي علي بن محتاج فأنجده حتى وقع بينهما صلح وعاد أبو علي إلى خراسان وصحبه الحسن بن الفيرزان ولقيه في طريقه رسل السعيد بن سامان وأمر أبا علي بن محتاج سنة ثلاث وثلاثين بغدر الحسن بأبي علي ونهب سواده وعاد إلى جرجان فملكها وملك معها الدامغان وسمنان‏.‏وسار وشمكير من طبرستان إلى الري فاستولي عليها أجمع وكان في قل من العسكر لفناء رجاله في حروبه مع أبي علي بن محتاج والحسن بن الفيرزان فتطاول حينئذ ركن الدولة إلى الإستيلاء على الري وسار إلى الري‏.‏وقاتل وشمكير فهزمه فلحق بطبرستان واستولي ركن الدولة على الري وأجمع مخالصة الحسن بن الفيرزان وزوجه ابنته وتمسك بمواصلته ومودته واستفحل بذلك ملك بني بويه وامتنع وصارت لهم أعمال الري والجبل وفارس والأهواز والعراق ويحمل إليهم ضمان الموصل وديار بكر‏.‏ثم سار ركن الدولة بن بويه إلى بلاد وشمكير سنة ست وثلاثين ومعه الحسن بن الفيرزان مدداً ولقيهما وشمكير فانهزم أمامهما ولحق بخراسان مستنجداً بابن سامان وملك ركن الدولة طبرستان وسار منها إلى جرجان فأطاعه الحسن بن الفيرزان وولاه ركن الدولة عليها واستأمن إليه قواد وشمكير ورجع إلى أصفهان ، ^? بنو شاهين بداية بني شاهين ملوك البطيحة أيام بني بويه كان عمران بن شاهين من أهل الجامدة وكان يتصرف في الجباية وحصل منها بيده مال فصرفه وهرب إلى البطيحة ممتنعاً من الدولة‏.‏وأقام هنالك بين القصب والآجام يقتات بسمك الماء وطيره ويأخذ الرفاق التي تمر به واجتمع إليه لصوص الصيادين فقوي وامتنع على السلطان وتمسك بطاعة أبي القاسم بن البريدي بالبصرة فقلده حماية الجامدة وحماية البطائح ونواحيها فعز جانبه وكثر جمعه وسلاحه واتخذ معاقل على التلال بالبطيحة وغلب على تلك النواحي‏.‏وأهم معز الدولة أمره وبعث وزيره أبا جعفر الصيمري في العساكر سنة ثمان وثلاثين وحصره وأيقن بالهلاك وما نفس عن مخنقه إلا وصول الخبر بوفاة عماد الدولة بن بويه ومبادرة الوزير الصيمري إلى شيراز فعاد عمران إلى حاله وقوي أمره كما يأتي في أخبار دولته‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:16 PM

وفاة عماد الدولة ابن بويه وولاية عضد الدولة ابن أخيه على بلاد فارس مكانه
ثم توفي عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بمدينة شيراز كرسي مملكة فارس في منتصف سنة ثلاث وثلاثين بعد أن كان طلب من أخيه ركن الدولة أن ينفذ إليه ابنه عضد الدولة فتأخر ليوليه عهده إذ لم يكن له ولد ذكر فأنفذ إليه ركن الدولة في جماعة من أصحابه لسنة بقيت من حياته وركب عماد الدولة للقائه ودخل به إلى داره في يوم مشهود وأجلسه على السرير وأمر الناس أن يحيوه بتحية الملك وكان في قواد عماد الدولة جماعة أكابر لا يستكينون لعماد الدولة فضلاً عن عضد الدولة مكانه بفارس واختلف عليه أصحابه فجاء إليه ركن الدولة أبوه من الري بعد أن استخلف عليها علي بن كتامة وكتب معز الدولة إلى وزيره الصيمري بأن يترك محاربة ابن شاهين‏.‏وشمير إلى شيراز مدداً لعضد الدولة وأقام ركن الدولة في شيراز تسعة أشهر وبعث إلى أخيه معز الدولة بهدية من الأموال والسلاح وكان عماد الدولة هو أمير الأمراء وإنما كان معز الدولة نائباً عنه في كفالة الأموال وولاية أعمال العراق فلما مات عماد الدولة انقلبت إمرة الأمراء إلى ركن الدولة وبقي معز الدولة نائباً عنه كما كان عن عماد الدولة لأنه كان أصغر منهما‏.‏

وفاة الصيمري ووزارة المهلبي
كان أبو جعفر أحمد الصيمري وزير معز الدولة قد عاد من فارس إلى أعمال الجامدة وأقام يحاصر عمران بن شاهين إلى أن هلك منتصف تسع وثلاثين وكان يستخلف بحضرة معز الدولة في وزارته أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي فباشره معز الدولة وعرف كفايته واضطلاعه فاستوزره مكان الصيمري فحسن أثره في جمع الأموال وكشف الظلامات وتقريب أهل العلم مسير عساكر ابن سامان على الري ورجوعها لما سار ركن الدولة إلى بلاد فارس بعث الأمير نوح بن سامان إلى منصور بن قراتكين صاحب جيوشه بخراسان أن يسير إلى الري فسار إليها سنة تسع وثلاثين وكان لها علي بن كتامة خليفة ركن الدولة ففارقها إلى أصفهان وملك منصور الري وبعث العساكر في البلاد فملكوا الجبل إلى قرميس واستولوا على همذان وبعث ركن الدولة من فارس إلى أخيه معز الدولة بإنفاذ العساكر إلى مدافعتهم فبعث سبكتكين الحاجب في جيش كثيف من الديلم وغيرهم فكبسهم وأسر مقدمهم فعادوا إلى همذان‏.‏ثم سار إليهم ففارقوها‏.‏وملكها وورد عليه ركن الدولة بهمذان فعدل منصور بن قراتكين إلى أصفهان فملكها وسار إليها ركن الدولة وسبكتكين في مقدمته وشغب عليه بعض الأتراك فأوقع بهم وترددوا في تلك الناحية‏.‏وكتب معز الدولة إلى ابن أبي الشوك الكردي يتبعهم فقتل منهم وأسر ونجا بعض الموصل‏.‏وترك ركن الدولة قريباً من أصفهان وجرت بينه وبين منصور حروب وضاقت الميرة على الفريقين إلا أن الديلم كانوا أصبر على الجوع وشظف العيش من أهل خراسان لقرب عهدهم بالبداوة‏.‏ومع ذلك فهم ركن الدولة بالفرار لولا وزيره ابن العميد كان يثبته ويريه أنه لا يغني عنه وأن الإستماتة أولى به فصبر وشغب على منصور بن قراتكين جنده وانفضوا جميعاً إلى الري وتركوا مخلفهم بأصفهان فاحتوى عليه ركن الدولة وذلك فاتح سنة أربعين‏.‏ومات منصور بن قراتكين بالري في ربيع الأول من السنة ورجعت العساكر إلى نيسابور‏.‏

استيلاء ركن الدولة ثانياً على طبرستان وجرجان
قد كنا قدمنا استيلاء ركن الدولة على طبرستان وجرجان سنة ست وثلاثين وأنه استخلف على جرجان الحسن بن الفيرزان‏.‏وسار وشمكير إلى خراسان مستنجداً بابن سامان فسار معه صاحب جيوش خراسان منصور بن قراتكين وحاصر جرجان فصالحه الحسن بن الفيرزان بغير رضا من وشمكير لإنحرافه عنه وعن الأمير نوح‏.‏ورجع إلى نيسابور وأقام وشمكير بجرجان والحسن بزوزن‏.‏ثم سار ركن الدولة سنة أربعين من الري إلى طبرستان وجرجان ففارقها وشمكير إلى نيسابور واستولي ركن الدولة عليها واستخلف بجرجان الحسن بن الفيرزان وعلي بن كتامة وعاد إلى الري فقصدهما وشمكير وانهزما منه واسترد البلاد من ركن الدولة‏.‏وكتب الأمير نوح يستنجده على ركن الدولة فأمر أبا علي بن محتاج بالمسير معه في جيوش خراسان فسار في ربيع سنة إثنتين وأربعين وامتنع ركن الدولة ببعض معاقله‏.‏وحاربه أبو علي بن محتاج في جيوش خراسان حتى ضجرت عساكره وأظلهم فصل الشتاء فراسل ركن الدولة في الصلح على أن يعطيهم ركن الدولة مائتي ألف دينار في كل سنة وعاد إلى خراسان‏.‏وكتب وشمكير إلى الأمير نوح بأن ابن محتاج لم ينصح في أمر ركن الدولة وأنه مماليء فسخطه من أجل ذلك وعزله عن خراسان‏.‏ولما عاد ابن محتاج عن ركن الدولة سار هو إلى وشمكير فانهزم وشمكير إلى أسفرايين واستولي ركن الدولة على طبرستان‏.‏

إقامة الدعوة لبني بويه بخراسان
ولما عزل الأمير نوح أبا علي بن محتاج عن خراسان استعمل مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني فانتقض حينئذ وخطب لنفسه بنيسابور وتحيز عنه ابن الفيرزان مع وشمكير إلى الأمير نوح فخام ابن محتاج عن عداوتهم‏.‏واستأذن ركن الدولة في المسير إليه‏.‏ثم سار سنة ثلاث وأربعين فتلقاه بأنواع الكرامات وسأل منه ابن محتاج أن يقتضي له عهد الخليفة بولاية خراسان فبعث ركن الدولة في ذلك إلى أخيه معز الدولة ببغداد وجاءه العهد والمدد فسار إلى خراسان فخطب بها للخليفة وركن الدولة‏.‏ثم مات نوح خلال ذلك وولي ابنه عبد الملك فبعث بكر بن مالك من بخارى إلى خراسان لإخراج ابن محتاج منها فسار إليه وهرب ابن محتاج إلى الري فآواه ركن الدولة وأقام عنده واستولي بكر بن مالك على خراسان‏.‏ثم سار ركن الدولة إلى جرجان ومعه ابن محتاج فتركها وملكها ولحق وشمكير بخراسان‏.‏مسير عساكر ابن سامان على الري وأصفهان أربع وأربعين في أتباعه إلى الري وأصفهان وكان ركن الدولة غائباً بجرجان فملكها ورجع إلى الري في المحرم من السنة وكتب إلى أخيه معز الدولة يستمده فأمده بالعساكر مع ابن سبكتكين‏.‏وجاء مقدمة العساكر من خراسان إلى أصفهان من طريق المفازة وبها الأمير منصور بن بويه بن ركن الدولة ومقدم العساكر محمد بن ماكان فملك أصفهان وخرج في طلب ابن بويه واتفق وصول الوزير أبي الفضل بن العميد فلقيه محمد بن ماكان فهزمه وعاد أولاد ركن الدولة وحرمه إلى أصفهان‏.‏وراسل ركن الدولة بكر بن مالك صاحب العساكر بخراسان في الصلح على مال يحمله إليه وتكون الري وبلد الجبل في ضمانه فأجابه بكر بن مالك إلى ذلك وصالحه عليه وكتب ركن الدولة إلى أخيه معز الدولة بأن يبعث إلى بكر بن مالك خلعاً ولواء بولاية خراسان فبعث بها في ذي القعدة من السنة‏.‏

خروج روزبهان على معز الدولة وميل الديلم إليه
كان روزبهان ونداد خرشيد من كبار قواد الديلم وكان معز الدولة قد رفعه ونوه بذكره فخرج سنة خمس وأربعين بالأهواز ومعه أخوه أسفار وخرج أخوه بلكا بشيراز‏.‏ولما خرج روزبهان زحف إليه الوزير المهلبي لقتاله فنزع الكثير من أصحابه إلى روزبهان فانحاز عنه وبعث بالخبر إلى معز الدولة فسار إليهم واختلفت عليه الديلم ومالوا مع روزبهان‏.‏وفصل معز الدولة من بغداد خامس شعبان من السنة قاصداً لحربه وبلغ الخبر إلى ناصر الدولة بن حمدان فبعث ابنه أبا الرجال في العساكر للاستيلاء على بغداد فخرج الخليفة عنها منحدراً وأعاد معز الدولة سبكتكين الحاجب وغيره لمدافعة ابن حمدان عن بغداد‏.‏وسار إلى أن قارب الأهواز والديلم في شغب عليه وعلى عزم اللحاق بروزبهان إلا نفراً يسيراً من الديلم كانوا خالصة فكان يعتمد عليهم وعلى الأتراك وكان يفيض العطاء في الديلم فيمسكون عما يهمون به‏.‏ثم ناجز روزبهان الحرب سلخ رمضان فانهزم وأخذ أسيراً وعاد إلى بغداد إلى أبي الرجال بن حمدان وكان بعكبرا فلم يجده لأنه بلغه خبر روزبهان فأسرع العود إلى الموصل ودخل معز الدولة بغداد وغرق روزبهان وكان أخوه بلكا الخارج بشيراز أزعج عنها عضد الدولة‏.‏وسار إليه أبو الفضل بن العميد وقاتله فظفر به وعاد عضد الدولة إلى ملكه وانمحى أثر روزبهان وإخوته وقبض معز الدولة على جماعة منهم ممن إرتاب بهم واصطنع الأتراك وقدمهم وأقطع لهم فاعتزوا وامتدت أيديهم‏.‏

استيلاء معز الدولة على الموصل ثم عودها
كان ناصر الدولة بن حمدان قد صالح معز الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة ثم لم يحمل فسار إليه معز الدولة منتصف سبع وأربعين ففارق الموصل إلى نصيبين وحمل معه سائر أهل دولته من الوكلاء والكتاب ومن يعرف وجوه المال وأنزلهم في قلاعه‏:‏ كقلعة كواشي والزعفران وغيرهما‏.‏وقطع الميرة عن عسكر معز الدولة فضاقت عليهم الأقوات فسار معز الدولة إلى نصيبين للميرة وبلغه أن أبا الرجاء وهبة الله في عسكر سنجار فبعث إليهم بعض عساكره وكبسوهم فهربوا واستولي العسكر على مخففهم ونزلوا في خيامهم‏.‏وكر عليهم أولاد ناصر الدولة وهم غارون فأثخنوا فيهم وأقاموا بسنجار‏.‏وسار معز الدولة إلى نصيبين فلحق ناصر الدولة بميافارقين واستأمن الكثير من أصحابه إلى معز الدولة فلحق بأخيه سيف الدولة بحلب فبالغ في تكرمته وخدمته وتوسط في الصلح بينه وبين معز الدولة بثلاثة آلاف ألف فأجابه معز الدولة وتم ذلك بينهما ورجع معز الدولة إلى العراق في محرم سنة ثمان وأربعين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:17 PM

العهد لبختيار
وفي سنة خمس طرق معز الدولة مرض استكان له وخشي على نفسه فأراد العهد لإبنه بختيار وعهد إليه بالأمر وسلم له الأموال وكان بين الحاجب سبكتكين والوزير المهلبي منافرة فأصلح بينهما ووصاهما بابنه بختيار وعهد إليه بالأمور واعتزم على العود إلى الأهواز مستوحشاً هواء بغداد فلما بلغ كلواذا إجتمع به أصحابه وسفهوا رأيه في الإنتقال من بغداد على ملكه وأشاروا عليه بالعود إليها وأن يستطيب الهواء في بعض جوانبها المرتفعة ويبني بها دوراً استيلاء ركن الدولة على طبرستان وجرجان وفي سنة إحدى وخمسين سار ركن الدولة إلى طبرستان وبها وشمكير فحاصره بمدينة سارية وملكها ولحق وشمكير بجرجان وترك طبرستان فملكها ركن الدولة وأصلح أمرها‏.‏ثم سار إلى جرجان فخرج عنها وشمكير واستولي عليها ركن الدولة واستأمن إليه من عسكر وشمكير ثلاثة آلاف رجل فازداد بهم قوة ودخل وشمكير بلاد الجبل مسلوباً واهناً‏.‏ظهور البدعة ببغداد وفي هذه السنة كتب الشيعة على المساجد بأمر معز الدولة لعن معاوية بن أبي سفيان صريحاً ولعن من غصب فاطمة فدك ومن منع أن يدفن الحسن عند جده ومن نفي أبا ذر الغفاري ومن أخرج العباس من الشورى ونسب ذلك كله لمعز الدولة لعجز الخليفة‏.‏ثم أصبح ممحوا وأراد معز الدولة إعادته فأشار عليه الوزير المهلبي بأن يكتب مكانه لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكر أحدا باللعن إلا معاوية رضي الله عنه ‏.‏

وفاة الوزير المهلبي
وفي سنة إثنتين وخمسين سار المهلبي وزير معز الدولة إلى عمان ليفتحها فلما ركب البحر طرقه المرض فعاد إلى بغداد ومات في طريقه في شعبان من السنة ودفن ببغداد‏.‏

وقبض معز الدولة أمواله وذخائره
وقبض على حواشيه وحبسهم ونظر في الأمور بعده أبو الفضل بن العباس بن الحسن الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ولم يتسموا باسم الوزارة‏.‏

استيلاء معز الدولة ثالثاً على الموصل
كان ناصر الدولة بن حمدان قد ضمن الموصل كما تقدم وأجابه معز الدولة إلى ضمانه فبذل له ناصر الدولة زيادة على أن يدخل معه في الضمان أبو ثعلب فضل الله الغضنفر ويحلف لهما معز الدولة فأبى من ذلك وسار إلى الموصل منتصف ثلاث وخمسين ففارقها ابن حمدان إلى نصيبين وملكها معز الدولة‏.‏ثم خرج إلى طلب ابن حمدان منتصف شعبان واستخلف على الموصل بكتورون وسبكتكين العجمي‏.‏وسار ابن حمدان عن نصيبين وملكها معز الدولة وخالفه ابن حمدان إلى الموصل وحارب عسكر معز الدولة فيها فهزموه‏.‏وجاء الخبر إلى معز الدولة فظفر أصحابه بابن حمدان وسار ونزل جزيرة ابن عمر فسار في أتباعه فوصل ساعس رمضان فوجده قد جمع أولاده وعساكره إلى الموصل فأوقع بأصحاب معز الدولة وأسر الأميرين اللذين خلفا بها واستولي على ما خلفوه من مال وسلاح وحمل الجميع مع الأسرى إلى قلعة كواشي فأعيا معز الدولة أمره وهو من مكان إلى مكان في أتباعه فأجابه إلى الصلح وعقد عليه ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة بمال قرره فاستقر الصلح على ذلك وأطلق ابن حمدان الأسرى ورجع معز الدولة إلى بغداد‏.‏

استيلاء معز الدولة على عمان
قد تقدم لنا أن عمان كانت ليوسف بن وجيه وأنه حارب بني البريدي بالبصرة حتى قارب أخذها حتى عملوا الحيلة في إضرام النار في سفنه فولى هارباً في محرم سنة إثنتين وثلاثين وأنه ثار عليه مولاه في هذه السنة فغلبه على البلد وملكها من يده‏.‏ولما استوحش معز الدولة من القرامطة كتب إليهم ابن وجيه صاحب عمان يطمعهم في البصرة واستمدهم في البر وسار هو في البحر سنة إحدى وأربعين وسابقه الوزير المهلبي من الأهواز إليها وأمده معز الدولة بالعساكر والمال فاقتتلوا أياماً‏.‏ثم ظفر المهلبي بمراكبه وما فيها من سلاح وعدة‏.‏ولم يزل القرامطة يناورونها حتى غلبوا عليها سنة أربع وخمسين واستولوا عليها وهرب رافع عنها‏.‏وكان له كاتب يعرف بعلي بن أحمد ينظر في أمور البلد والقرامطة بمكانهم من هجر فاتفق قاضي البلد وكان ذا مشير وعصابة على أن ينصبوا للنظر في أمورهم أحد قوادهم فقدموا لذلك ابن طغان ففتك بجميع القواد الذين معه وثأر منه بعض قرابتهم فقتلوه فاجتمع الناس على تقديم عبد الوهاب بن أحمد بن مروان من قرابة القاضي مكانه فولوه واستكتب علي بن أحمد كاتب القرامطة قبله من الجند فامتعضوا لذلك فدعاهم إلى بيعته فأجابوه وسواهم في العطاء مع البيض فسخط البيض ذلك ودارت بينهم حرب سكنوا آخرها واتفقوا وأخرجوا عبد الوهاب من البلد واستقر علي بن أحمد الكاتب أميراً فيها‏.‏ثم سار معز الدولة إلى واسط سنة خمس وخمسين وقدم إليه نافع مولي ابن أخيه الذي كان ملكها بعد مولاه فأحسن إليه وأقام عنده حتى فرغ من أمر عمران بن شاهين وانحدر إلى الأبلة في رمضان من السنة وجهز المراكب إلى عمان مائة قطعة وبعث فيها الجيوش بنظر أبي الفرج محمد بن العباس وتقدم إلى عضد الدولة بفارس أن يمدهم بالعساكر من عنده فوافاهم المدد بسيراف وساروا إلى عمان فملكوها يوم الجمعة يوم عرفة من السنة وفتكوا فيها بالقتل وأحرقوا لهم تسعين مركباً وخطب لمعز الدولة وصارت من أعماله‏.‏

وفاة معز الدولة وولاية ابنه بختيار
كان معز الدولة قد سار سنة خمس وخمسين إلى واسط لمحاربة عمران بن شاهين فطرقه المرض سنة ست وخمسين فسار إلى بغداد وخلف أصحابه بواسط على أن يعود إليهم فاشتد مرضه ببغداد وجدد العهد لإبنه بختيار‏.‏ثم مات منتصف ربيع الآخر من السنة فقام ابنه عز الدولة بختيار مكانه وكتب إلى العساكر بمصالحة عمران بن شاهين ففعلوا وعادوا‏.‏وكان فيما أوصى به معز الدولة ابنه بختيار طاعة عمه ركن الدولة والوقوف عند إشارته وابن عمه عضد الدولة لعلو سنه عليه وتقدمه في معرفة السياسة وأن يحفظ كاتبيه أبا الفضل العباس بن الحسن وأبا الفرج بن العباس والحاجب سبكتكين فخالف جميع وصاياه وعكف على اللهو وعشرة النساء والمغنين والصفاعين فأوحش الكاتبين والحاجب فانقطع الحاجب عن حضور داره‏.‏ثم طرد كبار الديلم عن مملكته طمعاً في إقطاعاتهم فشغب عليه الصغار واقتدى بهم الأتراك في ذلك وطلبوا الزيادات‏.‏وركب الديلم إلى الصحراء وطلبوا إعادة من أسقط من كبارهم ولم يجد بداً من إجازتهم لإنحراف سبكتكين عنه فاضطربت أموره وكان الكاتب أبو الفرج العباس في عمان منذ ملكها فلما بلغه موت معز الدولة خشي أن ينفرد عنه صاحبه أبو الفضل العباس بن الحسن بالدولة فسلم عمان لعضد الدولة وبادر إلى بغداد فوجد أبا الفضل قد انفرد بالوزارة ولم يحصل على شيء‏.‏

مسير عساكر ابن سامان إلى الري ومهلك وشمكير
كان أبو علي بن إلياس قد سار من كرمان إلى بخارى مستنجداً بالأمير منصور بن نوح بن سامان فتلقاه بالتكرمة فأغراه ابن إلياس بممالك بني بويه وأشار له قواده في أمرهم فصدق ذلك عندما كان يذكر وشمكير عنهم وتقدم إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بالمسير مع عساكره إلى الري‏.‏ثم جهز العساكر مع صاحب خراسان أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور الدواني وأمره بطاعة وشمكير وقبول إشارته فسار لذلك سنة ست وخمسين وأنزل ركن الدولة أهله بأصفهان وكتب إلى ابنه عضد الدولة بفارس وإلى ابن أخيه عز الدين بختيار ببغداد يستنجدهما فأنفذ عضد الدولة العساكر على طريق خراسان ليخالفهم إليها فأحجموا وتوقفوا وساروا إلى الدامغان وقصدهم ركن الدولة في عساكره من الري‏.‏وبينما هم كذلك هلك وشمكير عندما استعرض خيلاً واختار منها واحداً وركب للصيد واعترضه خنزير فرماه بحربة وحمل الخنزير عليه فضرب الفرس فسقط إلى الأرض وسقط وشمكير ميتاً وانتقض جميع ما كانوا فيه ورجعوا إلى خراسان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:18 PM

استيلاء عضد الدولة على كرمان
كان أبو علي بن إلياس قد ملك كرمان بدعوة بني سامان واستبد بها كما مر في أخبارهم ثم أصابه فالج وأزمن به وعهد إلى ابنه اليسع ثم لإلياس من بعده وأمرهما بإجلاء أخيهما سليمان إلى أرضهم ببلاد الروم ويقيم لهم ما هنالك من الأموال لعداوة كانت بين سليمان واليسع فلم يرض سليمان ذلك وخرج فوثب على السيرجان فملكها فسار إليه أخوه اليسع فحبسه‏.‏وهرب من محبسه واجتمع إليه العسكر وأطاعوه ومال إليه مع أبيه‏.‏ثم إن أبا علي هم أن يلحق بخراسان فلحق‏.‏ثم سار إلى الأمير أبي الحارث ببخارى وأغراه بالري كما مر وتوفي سنة ست وخمسين وصفت كرمان لإليسع‏.‏وكان عضد الدولة مزاحماً لإليسع في بعض عمله مدلاً بجهل الشباب فاستحكمت القطب بينهما وهرب بعض أصحاب عضد الدولة إليه فزحف إليه واستأمن إليه أصحابه وبقي في قل من أصحابه فاحتمل أهله وأمواله ولحق ببخارى‏.‏وسار عضد الدولة إلى كرما فملكها وأقطعها ولده أبا الفوارس الذي ملك العراق بعد ولقب شرف الدولة واستخلف عليها كورتكين بن خشتان وعاد إلى فارس وبعث إليه صاحب سجستان الطاء وخطب له‏.‏ولما وصل اليسع إلى بخارى أنذر بني سامان على تقاعدهم عن نصره فنفوه إلى خوارزم وكان قد خلف أثقاله بنواحي خراسان فاستولي عليها أبو علي بن سيجور وأصاب اليسع رمد اشتد به بخوارزم فضجر منه وقطع عرقه بيده‏.‏وكان ذلك سب هلاكه ولم يعد لبني إلياس بكرمان بعده ملك‏.‏

مسير ابن العميد إلى حسنويه ووفاته
كان حسنويه بن الحسين الكردي من رجالات الكرد واستولي عن نواحي الدينور واستفحل أمره وكان يأخذ الخفارة من القوافل التي تمر به ويخيف السابلة إلا أنه فئة للديلم على عساكر خراسان متى قصدتهم‏.‏وكان ركن الدولة يرعى له ذلك ويغضي عن إساءته‏.‏ثم وقعت بينه وبين سلار بن مسافر بن سلار فتنة وحرب فهزمه حسنويه وحصره وأصحابه من الديلم في مكان‏.‏ثم جمع الشوك وطرحه بقربهم وأضرمه ناراً حتى نزلوا على حكمه فأخذهم وقتل كثيراً منهم فلحقت ركن الدولة الغيرة لعصبية الديلم أمر وزيره أبا الفضل بن العميد بالمسير إليه فسار في محرم سنة تسع وخمسين وقعد ابنه أبو الفتح وكان شاباً مليحاً قد أبطره العز والدالة على أبيه وكان يتعرض كثيراً لما يغضبه‏.‏وكانت بأبي الفضل علة النقرس فتزايدت عليه وأفحشت عليه‏.‏ولما وصل إلى همذان توفي بها لأربع وعشرين سنة من وزارته وأقام ابنه أبا الفتح مقامه وصالح حسنويه على مال أخذه منه وعاد إلى الري إلى مكانه من خدمة ركن الدولة‏.‏وكان أبو الفضل بن العميد كاتباً بليغاً وعالماً في عدة فنون مجيداً فيها ومطلعاً على علوم الأوائل وقائماً بسياسة الملك مع حسن الخلق ولين العشرة والشجاعة المعروفة بتدبير الحروب ومنه تعلم عضد الدولة السياسة وبه تأدب‏.‏

انتقاض كرمان على عضد الدولة
ولما ملك عضد الدولة كرمان كما قلناه اجتمع القفص والبلوص وفيهم أبو سعيد وأولاده واتفقوا على الإنتقاض والخلاف‏.‏واستمد عضد الدولة كورتكين بن حسان بعابد بن علي فسارا في العساكر إلى جيرفت وحاربوا أولئك الخوارج فهزموهم وأثخنوا فيهم وقتلوا من شجعانهم وفيهم ابن لأبي سعد‏.‏ثم سار عابد بن علي في طلبهم وأوقع بهم عمة وقائع وأثخن فيهم وانتهى إلى هرمز فملكها واستولى على بلاد التيز ومكران وأسر منهم ألف أسير حتى استقاموا على الطاعة وإقامة حدود الإسلام‏.‏ثم سار عائداً إلى طائفة أخرى يعرفون بالحرومية والجاسكية يخيفون السبيل براً وبحراً وكانت قد تقدمت لهم إعانة سليمان بن أبي علي بن إلياس فلما أوقع بهم أثخن فيهم حتى استقاموا على الطاعة وصلحت تلك البلاد مدة‏.‏ثم عاد البلوص إلى ما كانوا عليه من إخافة السبيل بها فسار عضد الدولة إلى كرمان في ذي القعدة سنة إثنتين وانتهى إلى السيرجان وسرح عابد بن علي في العساكر لإتباعهم فأوغلوا في الهرب ودخلوا إلى مضائق يحسبونها تمنعهم فلما زاحمتهم العساكر بها آخر ربيع الأول من سنة إحدى وستين صابروا يوماً‏.‏ثم انهزموا آخره فقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ونساؤهم ولم ينج منهم إلا القليل ثم استأمنوا فأمنوا ونقلوا من تلك الجبال وأنزل عضد الدولة في تلك البلاد أكرة وفلاحين‏.‏ثم شملوا الأرض بالعمل وتتبع العابد أثر تلك الطوائف حتى بحد شملهم ومحا ما كان من الفساد منهم‏.‏

عزل أبي الفضل ووزارة ابن بقية
كان أبو الفضل العباس بن الحسن وزيراً لمعز الدولة ولإبنه بختيار من بعده وكان سيء التصرف وأحرق في بعض أيامه الكرخ ببغداد فاحترق فيه عشرون ألف إنسان وثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجداً ومن الأموال ما لا يحصى‏.‏وكان الكرخ معروف بسكنى الشيعة‏.‏وكان هو يزعم أنه يتعصب لأهل السنة وكان كثير الظلم للرعية غصاباً للأموال مفرطاً في أمر دينه‏.‏وكان محمد بن بقية وضيعاً في نفسه من الفلاحين في أوانا من ضياع بغداد‏.‏واتصل ببختيار وكان يتولى الطعام بين يديه ويتولى الطبخ ومنديل الخوان على كتفه‏:‏ فلما ضاقت الأحوال على الوزير أبي الفضل وكثرت مطالبتة بالأرزاق والنفقات عزله بختيار وصادره وسائر أصحابه على أموال عظيمة أخذت منهم واستوزر محمد بن بقية فاستقامت أموره ونمت أحواله بتلك الأموال فلما نفدت عاد إلى الظلم ففسدت الأحوال وخربت تلك النواحي وظهر العيارون وتزايد شرهم وفسادهم‏.‏وعظم الإختلاف بين بختيار والأتراك ومقدمهم يومئذ سبكتكين وتزايدت نفرته‏.‏ثم سعى ابن بقية في إصلاحه وجاء به إلى بختيار ومعه الأتراك فصالحه بختيار ثم قام غلام ديلمي فرمى وتينه بحربة في يده فأثبته فصاح سبكتكين بغلمانه فأخذوه ويظن أنه وضع قتله وقرره فلم يعترف فبعث إلى بختيار فأمر به فقتل فعظم ارتيابه وأنه إنما قتل حذراً من إفشاء سره فعظمت الفتنة وقصد الديلم قتل سبكتكين ثم أرضاهم بختيار بالمال فسكنوا‏.‏

استيلاء بختيار على الموصل ثم رجوعه عنها
فلما قبض أبو ثعلب بن ناصر الدولة بن حمدان على أبيه وحبسه واستقل بملك الموصل وعصى عليه إخوته من سائر النواحي غلبهم ولحق أخوه أحمد وإبراهيم ببختيا فاستصرخاه فوعدهما بالمسير معهما وأن يضمن حمدان البلاد‏.‏ثم أبطأ عليهما فرجع إبراهيم إلى أخيه أبي ثعلب وقارن ذلك وزارة ابن بقية وقصر أبو ثعلب في خطابه فأغرى به بختيار فسار إليه ونزل الموصل وفارقها أبو ثعلب إلى سنجار وأخلاها من الميرة والكتاب والدواوين‏.‏ثم سار من سنجار إلى بغداد فحاربها ولم يحدث في سوادها حدثاً‏.‏وبعث بختيار أثره العساكر مع ابن بقية والحاجب سبكتكين فدخل ابن بقية بغداد وأقام سبكتكين بجدى‏.‏وثار العيارون واضطربت الفتنة بين أهل السنة والشيعة وضربوا الأمثال لنشتد على الوزير بحرب الجمل وهذا كله في الجانب الغربي‏.‏ونزل أبو ثعلب حذاء سبكتكين بجدى واتققا في سر على خلع الخليفة ونصب غيره والقبض على الوزير وعلى بختيار وتكون الدولة لسبكتكين ويعود أبو ثعلب إلى الموصل ليتمكن من بختيار‏.‏ثم قصر سبكتكين عن ذلك وخشي سوء المغبة واجتمع به الوزير ابن بقية وصالحوا أبا ثعلب على ضمان أعماله كما كانت وزيادة ثلاثة آلاف كرمن الغلة لبختيار وأن يرد على أخيه حمدان أملاكه وأقطاعه إلا ماردين وأرسلوا إلى بختيار بذلك‏.‏ودخل أبو ثعلب إلى الموصل فلما نزل الموصل وبختيار بالجانب الآخر فغضب أهل الموصل لأبي ثعلب لما نالهم من عسف بختيار فتراسلوا في الصلح ثانياً وسأل أبو ثعلب لقباً سلطانياً وتسليم زوجته ابنة بختيار فأبى ذلك ورحل عنه إلى بغداد‏.‏وبلغه في طريقه أن أبا ثعلب قتل مخلفين من أصحاب بختيار فأقام بالكحيل وبعث بالوزير وابن بقية وسبكتكين فجاؤوه في العساكر ورجع إلى الموصل وفارقها أبو ثعلب وبعث إلى الوزير كاتبه ابن عرس وصاحبه ابن حوقل معتذراً وحلفا عنه عن العلم بما وقع فاستحكم بينهم صلح آخر وانصرف كل منهم إلى بلده وبعث بختيار إليه زوجته واستقر أمرهما على ذلك‏.‏الفتنة بين الديلم والأتراك وانتقاض سبكتكين كان جند بختيار وأبيه معز الدولة طائفتين من الديلم عشيرتهم والأتراك المستنجدين عندهم وعظمت الدولة وكثرت عطاياها وأرزاق الجند حتى ضاقت عنها الجباية وكثر شغب الجند وساروا إلى الموصل لسد ذلك فلم يقع لهم ما يسده فتوجهوا إلى الأهواز صحبة بختيار ليظفروا من ذلك بشيء واستخلف سبكتكين على بغداد فلما وصلوا إلى الأهواز صحبة بختيار حمل إليه حملين من الأموال والهدايا ملىء عينه وهو مع ذلك يتجني عليه‏.‏ثم تلاحى خلال ذلك عاملان ديلمي وتركي وتضاربا ونادى كل منهما بقومه فركبوا في السلاح بعضهم على بعض وسالت بينهما الدماء وصاروا إلى النزاع واجتهدوا في تسكين الناس فلم يقدروا‏.‏وأشار عليه الديلم بالقبض على الأتراك فأحضر رؤساءهم واعتقلهم وانطلقت أيدي الديلم على الأتراك فافترقوا ونودي في البصرة بإباحة دمائهم‏.‏واستولي بختيار على إقطاع سبكتكين ودس بأن يرجفوا بموته فإذا جاء سبكتكين للعزاء قبضوا عليه‏.‏وقيل كان وطأهم على ذلك قبل سفره وجعل موعده قبضه على الأتراك فلما أرجفوا بموته إرتاب سبكتكين بالخبر وعلم أنها مكيدة ودعاه الأتراك للأمر عليهم فأبى ودعا ابن معز الدولة أبا إسحق إليها فمنعته أمه فركب سبكتكين في الأتراك وحاصروا بختيار يومين‏.‏ثم أحرقها وبعث لأبي إسحق وأبي ظاهر ابني معز الدولة وسار بهما إلى واسط فاستولي على ما كان لبختيار وأنزل الأتراك في دور الديلم وثار العامة بنصر سبكتكين وأوقعوا بالشيعة وقتلوهم وأحرقوا الكرخ‏.‏

مسير بختيار لقتال سبكتكين
وخروج سبكتكين إلى واسط ومقتله ولما انتقض سبكتكين انتقض الأتراك في كل جهة حتى اضطرب على بختيار غلمانه الذين بداره وعاتبه مشايخ الأتراك على فعلته وعذله الديلم أصحابه وقالوا‏:‏ لا بد لنا من الأتراك ينصحون عنا فأطلق المعتقلين منهم ورجع وجعل أرويه صاحب الجيش مكان سبكتكين وكتب إلى عمه ركن الدولة وابنه عضد الدولة يستنجدهما وإلى أبي ثعلب بن حمدان يستدمه بنفسه ويسقط عنه مال الضمان وإلى عمران بن شاهين بأن يمده بعسكر فبعث عمه ركن الدولة العساكر مع وزيره أبي الفتح ابن العميد وأمر ابنه عضد الدولة بالمسير معهم فتربص به ابن العميد‏.‏وأنفذ أبو ثعلب بن حمدان أخاه أبا عبد الله الحسين بن حمدان إلى تكريت وأقام ينتظر خروج سبكتكين والأتراك عن بغداد فيملكها‏:‏ وانحدر سبكتكين ومعه الأتراك إلى واسط وحمل معه الخليفة الطائع الذي نصبه وأباه المطيع مكانه أفتكين‏.‏وساروا إلى بختيار ونازلوه بواسط خمسين يوماً والحرب بينهم متصلة والظفر للأتراك في كلها وهو يتابع الرسل إلى عضد الدولة ويستحثه‏.‏

استيلاء عضد الدولة على العراق واعتقال بختيار ثم عوده إلى ملكه
ولما بلغ عضد الدولة ما فعله الأتراك مع بختيار اعتزم على المسير إليه بعد أن كان يتربص به فسار في عساكر فارس ويسار معه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه من الأهواز في عساكر الري وقصدوا واسط‏.‏ورجع أفتكين والأتراك إلى بغداد‏.‏وكان أبو ثعلب عليها فأجفل وكتب بختيار في طبه الأسدي صاحب عين التمر وإلى بني شيبان بمنع الميرة عن بغداد وإفساد سابلتها فعدمت الأقوات وسار عضد الدولة إلى بغداد ونزل في الجانب الشرقي وبختيار في الجانب الغربي‏.‏وخرج أفتكين والأتراك لعضد الدولة فلقيهم بين دباني والمدائن منتصف جمادى سنة أربع وستين فهزمهم وغرق كثير منهم‏.‏وساروا إلى تكريت ودخل عضت الدولة بغداد ونزل دار الملك واسترد الخليفة الطائع من أافتكين والأتراك وكانوا أكرهوه على الخروج معهم وخرج للقائه في دجلة وأنزله بدار الخلافه وحدثته نفسه بملك العراق واستضعف بختيار ووضع عليه الجند يطالبونه بأرزاقهم ولم يكن عنده في خزانته شيء‏.‏وأشار عليه بالزهد في إمارتهم يتنصح له بذلك سراً والرسل تتردد إلى بختيار والجند فلا يقبل عضد الدولة تقربهم‏.‏ثم تقبض عليه آخراً ووعدهم به وجمع الجند ووعدهم بالإحسان والنظر في أمورهم فسكنوا وبعث عضد الدولة عسكره إلى ابن بقية ومعه عسكر ابن شاهين فهزموا عسكر عضد الدولة وكاتبوا ركن الدولة فكتب إليهم بالثبات على شأنهم‏.‏فلما علم أهل النواحي بأفعال عضد الدولة اضطربوا عليه وانقطعت عنه مواد فارس‏.‏وطمع فيه الناس حتى عامة بغداد فحفل الوزير أبا الفتح بن العميد إلى أبيه ركن الدولة الرسالة بما وقع وبضعف بختيار وأنه إن عاد إلى الأمر خرجت المملكة والخلافة عنه وأنه يضمن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم في كل سنة ويبعث إليه بختيار بالري وإلا قتلت بختيار وأخويه وجميع شيعتهم وتركت البلاد فخشي ابن العميد من هذه الرسالة وأشار بأن يبعث بها غيره ويمضي هو إلى ركن الدولة فيحاول على مقاصد عضد الدولة فمضى الرسول إلى ركن الدولة فحجبه أولاً ثم أحضره وذكر له الرسالة فهم بقتله‏.‏ثم رده وحمله من الإساءة في الخطاب فوق ما أراد وجاء ابن العميد فحجبه ركن الدولة وأنفذ إليه بالوعيد‏.‏وشفع إليه أصحابه واعتذر بأنه إنما جعل رسالة عضد الدولة طريقاً إلى الخلاص منه فأحضره وضمن له ابن العميد إطلاق بختيار‏.‏ثم سار إلى عضد الدولة وعرفه‏.‏غضب أبيه فأطق بختيار من محبسه ورده إلى ملكه على أن يكون نائباً عنه ويخطب له ويجعل أخاه أبا إسحق أمير الجيش لضعفه عن الملك‏.‏وخلف أبا الفتح بن العميد لقضاء شؤونه فتشاغل هو مع بختيار فيما كان فيه من اللذات عن ركن الدولة وجاء ابن بقيه فأكد الوحشة بين بختيار وعضد الدولة وجبي الأموال واختزنها وأساء التصرف واحترز من بختيار‏.‏أخبار عضد الدولة في ملك عمان لما توفي معز الدولة كان أبو الفرج بعمان فسار عنها لبغداد وبعث إلى عضد الدولة بأن يتسلمها فوليها عمر بن نبهاق الطائي بدعوة عضد الدولة‏.‏ثم قتلته الزنج وملكوا البلد وبعث عضد الدولة إليها جيشاً من كرمان مع قائده أبي حرب طغان وساروا في البحر وأرسوا على صحار وهي قصبة عمان ونزلوا إلى البر فقاتلوا الزنج وظفروا بهم‏.‏واستولي طغان على صحار سنة إثنتين وستين‏.‏ثم اجتمع الزنج إلى مدين رستاق على مرحلتين من صحار فأوقع بهم واستلحمهم وسكنت البلاد‏.‏ثم خرج بجبال عمان طوائف الشراة مع ورد بن زياد منهم وبايعوا لحفص بن راشد واشتدت شوكتهم‏.‏وبعث عضد الدولة المظفر بن عبد الله في البحر فنزل في أعمال عمان وأوقع بأهل خرخان‏.‏ثم سار إلى دما على أربع مراحل وقاتل الشراة فهزمهم وهرب أميرهم ورد بن حفص إلى يزوا وهي حصن تلك الجبال‏.‏ولحق حفص باليمن فصار فيه معلماً واستقامت البلاد ودانت لطاعة عضد الدولة‏.‏اضطراب كرمان على عضد الدولة كان ظاهر بن الصنمد من الحرومية وهي البلاد الحارة قد ضمن عن عضد الدولة ضمانات واجتمعت عليه أموال‏.‏ولما سار عضد الدولة إلى العراق وبعث وزيره المظهر بن عبد الله إلى عمان خلت كرمان من العساكر فطمع فيها ظاهر وجمع الرجال الحرومية‏.‏وكان بعض موالي بني سامان من الأتراك واسمه مؤتمر استوحش من ابن سيجور صاحب خراسان فكاتبه ظاهر وأطمعه في أعمال كرمان فسار إليه وجعله ظاهر أميراً‏.‏ثم شغب عليه بعض أصحاب ظاهر فارتاب به مؤتمر وقاتله فظفر به وبأصحابه وبلغ الخبر إلى الحسين بن علي بن إلياس بخراسان فطمع في البلاد وسار إليها واجتمعت عليه جموع‏.‏وكتب عضد الدولة إلى المظهر بن عبد الله وقد فرغ من أمر عمان بالمسير إلى كرمان فسار إليه سنة أربع وستين ودوخ البلاد في طريقه‏.‏وكبس مؤتمراً بنواحي مدينة قم فلحق بالمدينة وحصره فيها حتى استأمن وخرج إليه ومعه ظاهر فقتله المظهر وحبس مؤتمراً ببعض القلاع وكان آخر العهد به‏.‏ثم سار إلى ابن إلياس وقاتله على باب جيرفت وأخذه أسيراً وضاع بعد ذلك خبره ورجع المظهر ظافراً وصلحت كرمان لعضد الدولة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:20 PM

وفاة ركن الدولة وملك ابنه عضد الدولة
كان ركن الدولة ساخطاً على ابنه عضد الدولة كما قدمناه‏.‏وكان ركن الدولة بالري فطرقه المرض سنة خمس وستين وثلاثمائة فسار إلى أصفهان‏.‏وتلطف الوزير أبو الفتح بن العميد إليه في الرضا عن ابنه عضد الدولة وأن يحضره ويعهد إليه فأحضره من فارس وجمع سائر ولده‏.‏وكان ركن الدولة قد خف من مرضه فعمل الوزير ابن العميد بداره صنيعاً وأحضرهم جميعاً‏.‏فلما قضوا شأن الطعام خاطب ركن الدولة أحد أولاده بولاية أصفهان وأعمالها نيابة عن أخيه عضد الدولة وخلع عضد الدولة في ذلك اليوم على سائر الناس الأقبية والأكسية بزي الديلم‏.‏وحياه إخوته والقواد بتحية الملك المعتاد لهم وأوصاهم أبوهم بالاتساق وخلع عليهم من الخاص وسار عن أصفهان في رجب من السنة‏.‏ثم اشتد به المرض في الري فتوفي في محرم سنة ست وستين لأربع وأربعين سنة من ولايته وكان حليماً كريماً واسع المعروف حسن السياسة لجنده ورعيته عادلاً فيهم متحرياً من الظلم عفيفاً عن الدماء بعيد الهمة عظيم الجد والسعادة محسناً لأهل البيوتات معظماً للمساجد متفقداً لها في المواسم متفقداً أهل البيت بالبر والصلات عظيم الهيبة لين الجانب مقرباً للعلماء محسناً إليهم معتقداً للصلحاء براً بهم رحمه الله تعالى‏.‏

مسير عضد الدولة إلى العراق وهزيمة بختيار
ولما توفي ركن الدولة ملك عضد الدولة بعده وكان بختيار وابن بقية يكاتبان أصحاب القاصية مثل فخر الدولة أخيه وحسنويه الكردي وغيرهم للتظافر على عضد الدولة فحركه ذلك لطلب العراق فسار لذلك وانحدر بختيار إلى واسط لمدافعته وأشار عليه ابن بقية بالتقدم إلى الأهواز‏.‏واقتتلوا في ذي القعدة من سنة ست وستين ونزع بعض عساكر بختيار إلى عضد الدولة فانهزم بختيار ولحق بواسط ونهب سواده ومخلفه وبعث إليه ابن شاهين بأموال وسلاح وهاداه وأتحفه فسار إليه إلى البطيحة وأصعد منها إلى واسط‏.‏واختلف أهل البصرة فمالت مضر إلى عضد الدولة وربيعة مع بختيار ضربت مضر عند انهزامه وكاتبوا عضد الدولة فبعث إليهم عسكراً واستولوا على البصرة‏.‏وأقام بختيار بواسط وقبض الوزير ابن بقية لاستبداده واحتجانه الأموال وليرضى عضد الدولة بذلك‏.‏وترددت الرسل بينهم في الصلح وتردد بختيار في إمضائه‏.‏ثم وصله ابنا حسنويه الكردي في ألف فارس ممداً فاعتزم على محاربة عضد الدولة‏.‏ثم بدا له وسار إلى بغداد فأقام بها ورجع ابنا حسنويه إلى أبيهما وسار عضد الدولة إلى البصرة فأصلح بين ربيعة ومضر بعد اختلافهما مائة وعشرين سنة‏.‏نكبة أبي الفتح بن العميد كان عضد الدولة يحقد على أبي الفتح بن العميد مقامه عند بختيار ببغداد ومخالطته له وما عقده من وزارته بعد ركن الدولة‏.‏وكان ابن العميد يكاتب بختيار بأحواله وأحوال أبيه وكان لعضد الدولة عين على بختيار ويكاتبه بذلك ويغريه‏.‏فلما ملك عضد الدولة بعد أبيه كتب إلى أخيه فخر الدولة بالري بالقبض على ابن العميد وعلى أهله وأصحابه واستصفيت أموالهم ومحيت آثارهم وكان أبو الفضل بن العميد ينذرهم بذلك لما يرى من مخايل أبي الفتح وإنكاره عليه‏.‏

استيلاء عضد الدولة على العراق ومقتل بختيار وابن بقية
ولما دخلت سنة سبع وستين سار عضد الدولة إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته وأن يسير عن العراق إلى أي جهة أراد فيمده بما يحتاج إليه من مال وسلاح فضعفت نفسه فقلع عينه وبعثها إليه وخرج بختيار عن بغداد متوجهاً إلى الشام‏.‏ودخل عضد الدولة بغداد وخطب له بها ولم يكن خطب لأحد قبله وضرب على بابه ثلاث نوبات ولم يكن لمن تقدمه وأمر أن يلقى ابن بقية بين أرجل الفيلة فضربته حتى مات وصلب على رأس الجسر في شوال سنة سبع وستين ولما انتهى بختيار إلى عكبرا وكان معه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان فزين له قصد الموصل واستماله إليه عن الشام وقد كان عقد معه عضد الدولة أن لا يقصد الموصل لموالاة بينه وبين أبي ثعلب فسار هو إلى الموصل ونقض عهده وانتهى إلى تكريت فبعث إليه أبو ثعلب يعده المسير معه لقتال عضد الدولة وإعادة ملكه على أن يسلم إليه أخاه حمدان فقبض بختيار عليه وسلمه إلى سفرائه وحبسه أبو ثعلب وسار بختيار إلى الحديثة ولقيه أبو ثعلب في عشرين ألف مقاتل ورجع معه إلى العراق ولقيهما عضد الدولة بنواحي تكريت فهزمهما وجيء ببختيار أسيراً فأشار أبو الوفاء طاهر بن إسماعيل كبير أصحاب عضد الدولة بقتله فقتل لاثنتي عشرة سنة من ملكه واستلحم كثير من أصحابه وانهزم أبو ثعلب بن حمدان إلى الموصل‏.‏

استيلاء عضد الدولة علي أعمال بني حمدان
سنة ست وستين وكان حمل معه الميرة والعلوفات خوفاً أن يقع به مثل ما وقع بسلفه فأقام بالموصل مطمئناً وبث السرايا في طلب أبي ثعلب ولحق بنصيبين ثم بميافارقين فبعث عضد الدولة في أثره سرية عليها أبو ظاهر بن محمد إلى سنجار‏.‏وأخرى عليها الحاجب أبو حرب طغان إلى جزيرة ابن عمر فترك أبو ثعلب أهله بميافارقين وسار إلى تدلس‏.‏ووصل أبو الوفاء في العساكر إلى ميافارقين فامتنعت عليه فسار في اتباع أبي ثعلب إلى أرزن الروم ثم إلى الحسنية من أعمال الجزيرة‏.‏وصعد أبو ثعلب إلى قلعة كواشي فأخذ أمواله منها وعاد أبو الوفاء وحاصره بميافارقين‏.‏وسار عضد الدولة وقد افتتح سائر ديار بكر وسار أبو ثعلب إلى الرحبة ورجع أصحابه إلى أبي الوفاء فأمنهم وعاد إلى الموصل فتسلم ديار مضر من يده‏.‏وكان سعد الدولة على الرحبة وتقرى أعمال أبي ثعلب وحصونه مثل هوا والملاسي وفرقى والسفياني وكواشي بما فيها من خزائنه وأمواله واستخلف أبو الوفاء على الموصل وجميع أعمال بني ثعلب وعاد إلى بغداد‏.‏وسار أبو ثعلب إلى الشام فكان فيه مهلكه كما مر في أخباره‏.‏

إيقاع العساكر ببني شيبان
كان بنو شيبان قد طال إفسادهم للسابلة وعجر الملوك عن طلبهم وكانوا يمتنعون بجبال شهرزور لما بينهم وبين أكرادها من المواصلة فبعث عضد الدولة العساكر سنة تسع وستين فنازلوا شهرزور واستولوا عليها وعلى ملكها رئيس بني شيبان فذهبوا في البسيط وسار العسكر في طلبهم فأوقعوا بهم واستباحوا أموالهم ونساءهم وجيء منهم إلى بغداد بثلاثمائة أسير‏.‏ثم عادوا الطاعة وانحسمت علتهم‏.‏وصول ورد بن منير البطريق الخارج على ملك الروم إلى ديار بكر والقبض عليه كان أرمانوس ملك الروم لما توفي خلف ولدين صغيرين ملكاً بعده وكان نقفور وهو يومئذ الدمستق غائباً ببلاد الشام وكان نكاء فيها فلما عاد حمله الجند وأهل الدولة على النيابة عن الولدين فامتنع‏.‏ثم أجاب وأقام بدولة الولدين وتزوج أمهما ولبس التاج‏.‏ثم استوحشت منه فراسلت ابن الشمسيق في قتله وبيته في عشرة من أصحابه فقتلوا نقفور واستولى ابن الشمسيق على الأمر واستولى على الأولاد وعلى ابنه ورديس واعتقلهم في بعض القلاع‏.‏وسار في أعمال الشام فعاث فيها وحاصر طرابلس فامتنعت عليه‏.‏وكان لوالد الملك أخ خصي وهو الوزير يومئذ فوضع عليه من سقاه السم وأحس به فأسرع العود إلى القسطنطينية ومات في طريقه‏.‏وكان ورد بن منير من عظماء البطارقة فطمع في الملك وكاتب أبا ثعلب بن حمدان عند خروجه بين يدي عضد الدولة وظاهره واستجاش بالمسلمين بالثغور وساروا إليه وقصد القسطنطينية وبرزت إليه عساكر الملكين فهزمهم مرة بعد أخرى فأطلق الملكان ورديس بن لاون وبعثاه في العساكر لقتال ورد فهزمه بعد حروب صعبة ولحق ورد ببلاد الإسلام ونزل ميافارقين‏.‏وبعث أخاه إلى عضد الدولة ببذل الطاعة وبطلب النصرة‏.‏وبعث إليه ملك الروم واستمالاه فجنح إليهما وكتب إلى عامله بميافارقين بالقبض على ورد وأصحابه فيئسوا منه وتسللوا عنه فبعث أبو علي الغنمي عنه إلى داره للحديث معه‏.‏ثم قبض عليه وعلى ولده وأخيه وجماعة من أصحابه واعتقلهم بميافارقين ثم بعث بهم إلى بغداد فحبسوا بها‏.‏

دخول بني حسنويه في الطاعة وبداية أمرهم
كان حسنويه بن حسن الكردي من جنس البرز فكان من الأكراد من طائفة منهم يسمون الذولنية وكان أميراً على البرز مكان خاله ونداد‏.‏وكان ابنا أحمد بن علي من طائفة أخرى من البرز فكانوا يسمون العيشائية وغلبا على أطراف الدينور وهمذان ونهاوند والدامغان وبعض أطراف أذربيجان إلى حد شهرزور وبقيت في أيديهم خمسين سنة‏.‏وكانت تجتمع عليها من الأكراد جموع عظيمة‏.‏ثم توفي عام ست وخمسين وثلاثمائة وكانت له قلعة بسنان وغانم أباد وغيرها فملكها بعده ابنه أبو سالم إلى أن غلبه الوزير أبو الفتح بن العميد‏.‏وتوفي ونداد سنة تسع وأربعين وقام ابنه عبد الوهاب أبو الغنائم مقامه وأراد السادنجان وأسلمه إلى حسنويه فاستولى على أملاكه وقلاعه‏.‏وكان حسنويه عظيم السياسة حسن السيرة وفي أصحابه حصن التلصص وهي قلعة سرماج بالصخور المهندسة وبنى بالدينور جامعاً كذلك وكان كثير الصدقة بالحرمين‏.‏ثم توفي سنة تسع وستين وافترق أولاده من بعده فبعضهم صار إلى طاعة فخر الدولة صاحب همذان وأعمال الجبل والآخرون صاروا إلى عضد الدولة‏.‏وكان بختيار منهم بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر فكاتب عضد الدولة بالطاعة ثم انتقض فبعث عضد الدولة عسكراً فحاصروه وملكوا القلعة من يده والقلاع الأخرى من إخوته‏.‏واستولى عضد الدولة على أعمالهم واصطنع من بينهم أبا النجم بن حسنويه وأمده بالعسكر فضبط تلك النواحي وكف عادية الأكراد بها واستقام أمرها‏.‏

استيلاء عضد الدولة على همذان والري من يد أخيه فخر الدولة
وولاية أخيهما مؤيد الدولة عليها قد تقدم أن ركن الدولة عهد إلى ابنه فخر الدولة وكان يكاتب بختيار وعلم بذلك عضد الدولة فأغضى فلما فرغ من شأن بختيار وابن حمدان وحسنويه وعظم استيلاؤه أراد إصلاح الأمر بينه وبين أخيه وقابوس بن وشمكير فكاتب مؤيد الدولة وفخر الدولة يعاتبه ويستميله‏.‏وكان الرسول خواشادة من أكبر أصحاب عضد الدولة فاستمال أصحاب فخر الدولة وضمن لهم الإقطاعات وأخذ عليهم العهود واعتزم عضد الدولة على المسير إلى الري وهمذان وسرب العساكر إليها مساللة‏:‏ فأبو الوفاء طاهر في عسكر وخواشادة في عسكر وأبو الفتح المظفر بن أحمد في عسكر‏.‏ثم سار عضد الدولة في أثرهم من بغداد ولما أطلت عساكره استأمن من قواد فخر الدولة وبنو حسنويه ووزيره أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه ولحق فخر الحولة ببلاد الديلم ثم بجرجان ونزل على شمس المعالي قابوس بن وشمكير مستجيراً فأمنه وآواه وحمل إليه فوق ما أمله وشاركه فيما بيده من الملك وغيره وملك عضد الدولة همذان والري وما بينهما من الأعمال وأضافها إلى أخيه مؤيد الدولة ابن بويه صاحب أصفهان وأعمالها‏.‏ثم عطف على ولاية حسنويه الكردي وفتح نهاوند والدينور وسرماج وأخذ ما كان فيها لبني حسنويه وفتح عدة من قلاعهم وخلع على بدر بن حسنويه وأحسن إليه وولاه رعاية الأكراد وقبض على إخوته عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان‏.‏ولما لحق فخر الدولة بجرجان وأجاره قابوس بعث إليه أخوه عضد الدولة في طلبه فأجاره وامتنع من إسلامه فجهز إليه عضد الدولة أخاه مؤيد الدولة صاحب أصفهان بالعساكر والأموال والسلاح فسار إلى جرجان وبرز قابوس للقائه والتقوا بنواحي أستراباذ في منتصف إحدى وسبعين فانهزم قابوس ومر ببعض قلاعه فاحتمل منها ذخيرته ولحق بنيسابور‏.‏وجاء فخر الدولة منهزماً على أثره وكان ذلك لأول ولاية حسام الدولة تاش خراسان من قبل أبي القاسم منصور من بني سامان فكتب بخبرهما إلى الأمير نوح ووزيره العتبي أبي العباس تاش فجاءه الجواب بنصرهما فجمع عساكر خراسان وسار معهما إلى جرجان فحاصروا بها مؤيد الدولة شهرين حتى ضاقت أحوال مؤيد الدولة واعتزم هو وأصحابه على الخروج والإستماتة بعد أن كاتب فائقاً الخاصة الساماني ورغبه فوعده بالانهزام عند اللقاء‏.‏وخرج مؤيد الدولة وانهزم فائق وتبعه العسكر وثبت تاش وفخر الدولة وقابوس إلى آخر النهار‏.‏ثم انهزموا ولحقوا بنيسابور وبعثوا بالخبر إلى الأمير نوح فبعث إليهم بالعساكر ليعود إلى جرجان‏.‏ثم قتل الوزير العتبي كما تقدم في أخبار دولتهم وانتقض ذلك الرأي‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:21 PM

استيلاء عضد الدولة على بالد الهكارية وقلعة سندة
كان عضد الدولة قد بعث عساكره إلى بلاد الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فحاصر قلاعهم وضيق عليهم وكانوا يؤملون نزول الثلج فترحل عنهم العساكر‏.‏وتأخر نزوله فاستأمنوا ونزلوا من قلاعهم إلى الموصل واستولت عليها العساكر وغدر بهم مقدم الجيش فقتلهم جميعاً‏.‏وكانت قلعة بنواحي الجبل لأبي عبد الله المري مع قلاع أخرى وله فيها مساكن نفيسة‏.‏وكان من بيت قديم فقبض عليه عضد الدولة وعلى أولاده واعتقلهم وملك القلاع ثم أطلقهم الصاحب ابن عباد فيما بعد واستخدم أبا طاهر من ولده واستكتبه وكان حسن الخط واللفظ‏.‏

وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة
ثم توفي عضد الدولة ثامن شوال سنة اثنتين وسبعين لخمس سنين ونصف من ولايته العراق وجلس ابنه صمصام الدولة أبو كليجار المرزبان للعزاء فجاءه الطائع معزياً‏.‏وكان عضد الدولة بعيد الهمة شديد الهيبة حسن السياسة ثاقب الرأي محباً للفضائل وأهلها وكان كثير الصدقة والمعروف ويدفع المال لذلك إلى القضاة ليصرفوه في وجوهه‏.‏وكان محباً للعلم وأهله مقرباً لهم محسناً إليهم ويجلس معهم ويناظرهم في المسائل فقصده العلماء من كل بلد وصنفت الكتب باسمه كالإيضاح في النحو والحجة في القراءات والملكي في الطب والتأخي في التواريخ وعمل البيمارستانات وبنى القناطر‏.‏وفي أيامه حدثت المكوس على المبيعات ومنع من الاحتراف ببعضها وجعلت متجراً للدولة‏.‏ولما توفي عضد الدولة اجتمع القواد والأمراء على ابنه أبي كاليجار المرزبان وولوه الملك مكانه ولقبوه صمصام الدولة فخلع على أخيه أبي الحسن أحمد وأبي ظاهر فيروز شاه وأقطعهما فارس وبعثهما إليها‏.‏

استيلاء شرف الدولة بن عضد الدولة على فارس
واقتطاعها من أخيه صمصام الدولة كان شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك قد ولاه أبوه عضد الدولة قبل موته كرمان وبعث إليه فلما بلغه وفاة أبيه سار إلى فارس فملكها وقتل نصر بن هارون النصراني وزير أبيه لأنه كان يسيء عشرته وأطلق الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي كان أبوه حبسه بما قال عنه وزيره المظهر بن عبد الله عند قتله نفسه على البطيحة‏.‏وأطلق النقيب أبا أحمد والد الشريف الرضي والقاضي أبا محمد بن معروف وأبا نصر خواشادة وكان أبوه حبسهم‏.‏وقطع خطبة أخيه صمصام الدولة وخطب لنفسه وتلقب بأخي الدولة ووصل أخوه أبو الحسن أحمد وأبو ظاهر فيروزشاه اللذان أقطعهما صمصام الدولة بشيراز فبلغهما خبر شرف الدولة بشيراز فعادا إلى الأهواز‏.‏وجمع شرف الدولة وفرق الأموال وملك البصرة وولى عليها أخاه أبا الحسين‏.‏ثم بعث صمصام الدولة العساكر مع ابن تتش حاجب أبيه وأنفذ مشرف الدولة مع أبي الأغر دبيس بن عفيف الأسدي والتقيا بظاهر عقرقوف وانهزم عسكر صمصام الدولة وأسر ابن تتش الحاجب واستولى حينئذ الحسين ابن عضد الدولة على الأهواز وراء هرمز وطمع في الملك‏.‏

وفاة مؤيد الدولة صاحب أصفهان والري وجرجان وعود فخر الدولة إلي ملكه
ثم توفي مؤيد الدولة يوسف بن بويه بن ركن الدولة صاحب أصفهان والري بجرجان سنة ثلاث وسبعين واجتمع أهله للشورى فيمن يولوه فأشار الصاحب إسماعيل بن عباد لإعادة فخر الدولة إلى ملكه لكبر سنه وتقدم إمارته بجرجان وطبرستان فاستدعوه من نيسابور وبعث ابن عباد من استخلفه لنفسه وتقدم إلى جرجان فتلقاه العسكر بالطاعة وجلس على كرسيه‏.‏وتفادى ابن عباس من الوزارة فمنعه واستوزر والتزم الرجوع إلى إشارته في القليل والكثير‏.‏وأرسل صمصام الدولة وعاهده الاتحاد والمظاهرة‏.‏ثم عزل الأمير نوح أبا العباس تاش عن خراسان وولى عليها ابن سيجور فانتقض تاش ولقيه ابن سيجور فهزمه فلحق بجرجان فكافأه فخر الدولة وترك جرجان ودهستان وأستراباذ وسار عنها إلى الري وأمده بالأموال والآلات وطلب خراسان فلم يظفر بها فأقام بجرجان ثلاث سنين‏.‏ثم مات سنة سبع وتسعين كما ذكرنا في أخبار بني سامان‏.‏

انتقاض محمد بن غانم علي فخر الدولة
قد تقدم لنا ذكر غانم البرزيكاني خال حسنويه وأنهم كانوا رؤساء الأكراد‏.‏إنه مات سنة خمسين وثلاثمائة وكان ابنه دلسيم مكانه في قلاعه فستتان وغانم أبا وملكها منه أبو الفتح بن العميد‏.‏ولما كان سنة ثلاث وسبعين انتقض محمد بن غانم بناحية كردون من أعمال قم على فخر الدولة ونهبت غلات السلطان وامتنع بحصن الفهجان واجتمع إليه البرزيكاني وسارت العساكر لقتاله في شوال فهزمها مرة بعد أخرى إلى أن بعث فخر الدولة إلى أبي النجم بدر بن حسنويه بالنكير في ذلك فصالحه أول أربع وسبعين‏.‏ثم سارت إليه العساكر سنة خمس وسبعين فقاتلها وأصيب بطعنة ثم أخذ أسيراً ومات بطعنته‏.‏تغلب باد الكردي على الموصل من يد الديلم ثم رجوعها إليهم قد تقدم لنا استيلاء عضد الدولة على الموصل وأعمالها وتقدم لنا ذكر باد الكردي خال بني مروان وكيف خان عضد الدولة لما ملك الموصل وطلبه فصار يخيف در بكر ويغير عليها حتى استفحل أمره‏.‏وملك ميافارقين كما ذكرنا ذلك كله في أخبار بني مروان‏.‏وأن صمصام الدولة جهز إليه العساكر مع أبي سعيد بهرام بن أردشير فهزمه باد وأسر أصحابه فأعاد صمصام الدولة إليه العساكر مع أبي سعيد الحاجب وفتك باد في الديلم بالقتل والأسر‏.‏ثم اتبع سعيد خانور الحسينية من بلد كواشي فانهزم سعيد الحاجب إلى الموصل وثارت العامة بالديلم‏.‏وملك باد سنة ثلاث وسبعين الموصل وحدث نفسه بملك بغداد وأخرج الديلم عنها واهتم صمصام الدولة بأمره وبعث زياد بن شهراكونه من أكبر قواد الديلم لقتاله واستكثر له من الرجال والعدد والمال وسار إلى باد فلقيه في صفر سنة أربع وسبعين وانهزم باد وأسر أكثر أصحابه ودخل زياد بن شهراكونه الموصل‏.‏وبعث سعيد الحاجب في طلب باد فقصد جزيرة وجمع باد الجموع بديار بكر وكتب صمصام الدولة إلى سعد الدولة بن سيف الدولة بتسليم ديار بكر له فبعث إليها عساكره من حلب وحاصره وميافارقين وخاموا عن لقاء باد فرجعوا عن حلب ووضع سعيد الحاجب رجلاً لقتل باد فدخل عليه وضربه في خيمته فأصابه وأشرف على الموت منها فطلب الصلح على أن يكون ديار بكر والنصف من طور عبدين فأجابه الديلم إلى ذلك وانحدروا إلى بغداد‏.‏وأقام سعيد الحاجب بالموصل إلى أن توفي سبع وسبعين أيام مشرف الدولة فتجرد الكردي وطمع في الموصل وولى شرف الدولة عليها أبا نصر خواشادة وجهزه بالعساكر‏.‏ولما زحف إليه باد الكردي كتب إلى مشرف الدولة يستمد العساكر والأموال فأبطأ عليه المدد فاستدعى العرب من بني عقيل وبني نمير وأقطعهم البلاد ليدافعوا عنها وانحدر باد واستولى على طور عبدين ولم يقدر على النزول على الصحراء وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فهزموه وقتلوه‏.‏ثم أتاهم الخبر بموت مشرف الدولة فعاد خواشادة إلى الموصل وأقامت العرب بالصحراء يمنعون باد من النزول وينتظرون خروج خواشادة لمدافعة باد وحربه وبينما هم في ذلك جاء إبراهيم وأبو الحسين ابنا ناصر الدولة بن حمدان فملكا الموصل كما ذكرنا في أخبار دولتهم‏.‏

استيلاء صمصام الدولة على عمان ورجوعها لمشرف الدولة
كان مشرف الدولة استولى على فارس وخطب له بعمان وولى عليها أستاذ هرمز فانتقض عليه وصار مع صمصام الدولة وخطب له بعمان فبعث مشرف الدولة إليه عسكراً فهزموا أستاذ هرمز وأسروه وحبس ببعض القلاع وطولب بالأموال وعادت عمان إلى مشرف الدولة‏.‏

خروج أبي نصر بن عضد الدولة على أخيه صمصام الدولة وانهزامه وأسره
كان أسفار بن كردويه من أكابر قواد الديلم واستوحش من صمصام الدولة فمال عن طاعته إلى أخيه مشرف الدولة وهو بفارس وداخل رجال الديلم في صمصام الدولة وأن ينصبوا بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة نائباً عن أخيه مشرف الدولة حتى يقدم من فارس‏.‏وتمكن أسفار من الخوض في ذلك فمرض صمصام الدولة وتأخر عن حضور الدار وراسله صمصام الدولة أنه لا ذنب له لأنه كان صبيباً فاعتقله مكرماً وسعى إليه بابن سعدان وزيره أوهواه كان معهم فعزله وقتله ومضى أسفار إلى أبي الحسن بن عضد الدولة بالأهواز ومضى بقية العسكر إلى مشرف الدولة بفارس‏.‏

استيلاء القرامطة على الكوفة بدعوة مشرف الدولة ثم انتزاعها منهم
كان للقرامطة محل من البأس والهيبة عند أهل الدول وكانوا يدافعونهم في أكثر الأوقات بالمال وأقطعهم معز الدولة وابنه بختيار ببغداد وأعمالها وكان يأتيهم ببغداد أبو بكر بن ساهويه يحتكم بحكم الوزراء فقبض عليه صمصام الدولة وكان على القرامطة في هجر ونيسابور مشتركان في إمارتهما وهما إسحق وجعفر فلما بلغهما الخبر سارا إلى الكوفة فملكاها وخطبا لمشرف الدولة‏.‏وكاتبهما صمصام الدولة بالعتب فذكرا أمرهما ببغداد وانتشر القرامطة في البلاد وجبوا الأموال ووصل أبو قيس الحسن بن المنذر من أكابرهم إلى الجامعين فسرح صمصام الدولة العسكر ومعهم العرب فعبروا الفرات وقاتلوه فهزموه وأسروه وقتلوا جماعة من قواد القرامطة ثم عاودوا عسكراً آخر‏.‏ولقيتهم عساكر صمصام الدولة بالجامعين فانهزم القرامطة وقتل مقدمهم وغيره وأسروا منهم العساكر وساروا في اتباعهم إلى القادسية فلم يدركوهم‏.‏

استيلاء مشرف الدولة على الأهواز
ثم على بغداد واعتقال صمصام الدولة ثم سار مشرف الدولة أبو الفوارس بن عضد الدولة من فارس لطلب الأهواز وقد كان أخوه أبو الحسين تغلب عليها عند انهزام عساكر صمصام الدولة سنة اثنتين وسبعين‏:‏ وكان صمصام الدولة عندما ملك بعث أبا الحسين وأبا ظاهر أخويه على فارس كما قدمناه فوجدا أخاهما مشرف الدولة قد سبقهما إلى ملكها‏.‏وعندما ملك فارس والبصرة ولاهما على البصرة‏.‏فلما انهزمت عساكر صمصام الدولة أمام عسكر مشرف الدولة بعث أبا الحسين على الأهواز فملكها وأقام بها‏.‏واستخلف على البصرة أخاه أبا ظاهر فلما سار مشرف الدولة هذه السنة إلى الأهواز قدم إليه الكتاب بأن يسير إلى العراق وأنه يقره على عمله فشق ذلك على أبي الحسين وتجهز للمدافعة فعاجله مشرف الدولة عن ذلك وأعد السير إلى أرجان فملكها ثم رامهرمز وانتقض أجناده ونادوا بشعار مشرف الدولة فهرب إلى عمه فخر الدولة بالري وأنزله بأصفهان ووعده بالنصر وأبطأ عليه فثار في أصفهان بدعوة أخيه مشرف الدولة فقبض عليه جندها وبعثوا به إلى الري فحبسه فخر الدولة إلى أن مرض واشتد مرضه فأرسل من قتله في محبسه‏.‏ولما هرب أبو الحسين من الأهواز سار إليها مشرف الدولة وأرسل إلى البصرة قائداً فملكها وقبض على أخيه أبي ظاهر وبعث إليه صمصام الدولة في الصلح وأن يخطب له ببغداد وسارت إليهما الخلع والألقاب من الطائع وجاء من قبل صمصام الدولة من يستحلفه‏.‏وكان معه الشريف أبو الحسن محمد بن عمر الكوفي فكان يستحثه إلى بغداد‏.‏وفي خلال ذلك جاءته كتب القواد من بغداد بالطاعة وبعث أهل واسط بطاعتهم فامتنع من إتمام الصلح وسار إلى واسط فملكها وأرسل صمصام الدولة أخاه أبا نصر يستعطفه بالسلافة فلم يعطف عليه‏.‏وشغب الجند على صمصام الدولة فاستشار صمصام الدولة أصحابه في طاعة أخيه فنهوه‏.‏وقال بعضهم نصعد إلى عكبرا ونتبين الأمر وإن دهمنا ما لا ننوي عليه سرنا إلى الموصل وننتصر بالديلم وقال آخرون‏:‏ نقصد فخر الدولة بأصفهان ثم نخالفه إلى فارس فنحتوي على خزائن مشرف الدولة وذخائره فيصالح كرهاً فأعرض عنهم وركب صمصام الدولة إلى أخيه مشرف الدولة في خواصه فتلقاه بالمبرة‏.‏ثم قبض عليه وسار إلى بغداد فدخلها في رمضان سنة ست وسبعين وأخوه صمصام الدولة في اعتقاله بعد أربع سنين من إمارته بالعراق‏.‏

أخبار مشرف الدولة في بغداد مع جنده ووزرائه
لما دخل مشرف الدولة بغداد كان الديلم معه في قوة وعدد تنتهي عدتهم إلى خمسة عشر ألفاً والأتراك لا يزيدون على ثلاثة آلاف فاستطال الديلم بذلك وجرت بين اتباعهم‏.‏لأول دخولهم بغداد مصاولة آلت إلى الحرب بين الفريقين فاستظهر الديلم على الترك وتنادوا بإعادة صمصام الدولة إلى ملكه فارتاب بهم مشرف الدولة ووكل بصمصام الدولة من يقتله إن هموا بذلك‏.‏ثم أتيحت الكرة للأتراك على الديلم وفتكوا فيهم وافترقوا واعتصم بعضهم بمشرف الدولة‏.‏ثم دخل من الغد إلى بغداد فتقبله الطائع وهنأه بالسلامة‏.‏ثم أصلح بين الطائفتين واستحلفهم جميعاً‏.‏وحمل صمصام الدولة إلى قلعة ورد بفارس فاعتقل بها وكان نحرير الخادم يشير بقتله فلا يجيبه أحد‏.‏واعتقل سنة تسع وسبعين وأشرف على الهلاك‏.‏ثم أشار نحرير في قتله أو سمله فبعث لذلك من يثق به فلم يقدم على سمله حتى استشار أبا القاسم بن الحسن الناظر هناك فأشار به فسمله‏.‏وكان صمصام الدولة يقول إنما أعماني العلاء لأنه في معنى حكم سلطان ميت‏.‏ولما فرغ مشرف الدولة من فتنة الجند صرف نظره إلى تهذيب ملكه فرد على الشريف محمد بن عمر الكوفي جميع أملاكه وكانت تغل في كل سنة ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم ورد على النقيب أبي أحمد والد الرضي جميع أملاكه وأقر الناس على مراتبهم وكان قبض على وزيره أبي محمد بن فسانجس وأفرج عن أبي منصور الصاحب واستوزره فأقره على وزارته ببغداد‏.‏وكان قراتكين قد أفرط في الدولة والضرب على أيدي الحكام فرأى أن يخرجه إلى بعض الوجوه وكان حنقاً على بدر بن حسنويه لميله عمه فخر الدولة فبعثه إليه في العساكر سنة سبع وسبعين فهزمه بدر بوادي قرمسين بعد أن هزمه قراتكين أولاً‏.‏ونزل العسكر فكر عليهم بدر فهزمهم وأثخن فيهم ونجا قراتكين في الفل جسر النهروان حتى اجتمع إليه المنهزمون ودخل بغداد واستولى بدر على أعمال الجبل‏.‏ولما رجع قراتكين أغرى الجند بالشغب على الوزير أبي منصور بن صالحان فأصلح مشرف بينه وبين قراتكين وحقدها له فقبض عليه بعد أيام وعلى جماعة من أصحابه واستصفى أموالهم‏.‏وشغب الجند من أجله فقتله وقدم عليهم مكانه طغان الحاجب‏.‏ثم قبض سنة ثمان وسبعين على شكر الخادم خالصة أبيه عضد الدولة وخالصته وكان يحقد عليه من أيام أبيه من سعاياته فيه‏:‏ منها إخراجه من بغداد إلى كرمان تقرباً إلى أخيه صمصام الدولة بإخراجه‏.‏فلما ملك‏.‏مشرف الدولة بغداد اختفى شكر فلم يعثر عليه وكان معه في اختفائه جارية حسناء فعلقت بغيره وفطن لها فضربها فخرجت مغاضبة له‏.‏وجاءت إلى مشرف الدولة فدلت عليه فأحضره وهم بقتله وشفع فيه نحرير الخادم حتى وهبه له‏.‏ثم استأذن في الحج وسار من مكة إلى مصر فاختصه خلفاء الشيعة وأنزلوه عندهم بالمنزلة الرفيعة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:22 PM

وفاة مشرف الدولة وولاية أخيه بهاء الدولة
ثم توفي مشرف الدولة أبو الفوارس سرديك بن عضد الدولة ملك العراق في منتصف تسع وسبعين لثمانية أشهر وسنتين من ملكه ودفن بمشهد علي ولما اشتدت علته بعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس بالخزائن والعدد مع أمه وجواريه في جماعة عظيمة من الأتراك وسأله أصحابه أن يعهد فقال‏:‏ أنا في شغل عن ذلك فسألوه نيابة أخيه بهاء الدولة ليسكن الناس إلى أن يتستفيق من مرضه فولاه نيابته‏.‏ولما جلس بهاء الدولة في دست الملك ركب إليه الطائع فعزاه وخلع عليه خلع السلطنة وأقر بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته ، ^? قد تقدم لنا أن صمصام الدولة اعتقله أخوه مشرف الدولة بقلعة ورد قرب شيراز من أعمال فارس عندما ملك بغداد سنة ست وسبعين‏.‏فلما مات مشرف الدولة وكان قد بعث ابنه أبا علي إلى فارس ولحقه موت أبيه بالبصرة فبعث ما معه في البحر إلى أرجان وسار إليها في البر مخفاً‏.‏والتف عليه الجند الذين بها وكاتبه العلاء بن الحسن من شيراز بخبر صمصام الدولة فسار إلى شيراز واختلف عليه الجند وهم الديلم بإسلامه إلى صمصام الدولة فتحرك الأتراك وقاتل الديلم أياماً‏.‏ثم سار إلى نسا والأتراك معه فأخذوا ما بها من المال وقتلوا الديلم ونهبوا أموالهم وسلاحهم‏.‏وسار أبو علي إلى أرجان وبعث الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة والديلم ونهبوا البلد وعادوا إليه بأرجان‏.‏وجاءه رسول عمه بهاء الدولة من بغداد بالمواعيد الجميلة ودس مع رسوله إلى الأتراك واستمالهم فحسنوا لأبي على المسير إلى عمه بهاء الدولة فسار إليه ولقيه بواسط منتصف ثمانين وثلاثمائة وقد أعد له الكرامة والنزول‏.‏ثم قبض عليه لأيام وقتله وتجهز للمسير إلى فارس‏.‏

مسير فخر الدولة صاحب الري وأصفهان وهمذان إلى العراق وعوده
كان الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة ابن ركن الدولة يحب العراق ويريد بغداد لما كان بها من الحضارة واستئثار الفضائل‏.‏فلما توفي مشرف الدولة سلطان بغداد رأى أن الفرصة قد تمكنت فدس إليه فخر الدولة من يغريه بملك بغداد حتى استشاره في ذلك فتلطف في الجواب بأن أحاله على سعادته فقبل إشارته وسار إلى حمدان ووفد عليه بحر بن حسنويه ودبيس بن عفيف الأسدي وشاوروا في المسير فسار الصاحب ابن عباد وبدر في المقدمة على الجادة وفخر الدولة على خوزستان ثم ارتاب فخر الدولة بالصاحب ابن عباد خشية من ميله مع أولاد عضد الدولة فاستعاده وساروا جميعاً إلى الأهواز فملكها فخر الدولة وأساء السيرة في جندها وجنده وحبس عنهم العطاء فتخاذلوا‏.‏وكان الصاحب منذ اتهمه ورده عن طريقه معرضاً عن الأمور ساكتاً فلم تستقم الأمور بإعراضه‏.‏ثم بعث بهاء الدولة عساكره إلى الأهواز فقاتلوهم وزادت دجلة إلى الأهواز وانفتقت أنهارها فتوهم الجند وحبسوها مكيدة فانهزموا وأشار عليه الصاحب بإطلاق الأموال فلم يفعل فانغضت عنه عساكر الأهواز وعاد إلى الري وقبض في طريقه على جماعة من قواد الديلم والري وعادت الأهواز إلى دعوة بهاء الدولة‏.‏

مسير بهاء الدولة إلى أخيه صمصم الدولة بفارس
ثم سار بهاء الدولة سنة ثمانين إلى خوزستان عازماً على قصد فارس وخلف ببغداد أبا نصر خواشادة من كبار قواد الديلم ومر بالبصرة فدخلها وسار منها إلى خوزستان وأتاه نعي أخيه أبي ظاهر فجلس لعزائه ودخل أرجان وأخذ جميع ما فيها من الأموال وكانت ألف ألف دينار وثمانية آلاف ألف درهم‏.‏وهرعت إليه الجنود وتفرقت فيهم تلك الأموال كلها‏.‏ثم بعث مقدمته أبا العلاء بن الفضل إلى النوبندجان فهزموا بها عسكر صمصام الدولة فأعاد صمصام الدولة العساكر مع فولاد بن ماندان فهزموا العلاء بمراسلة وخديعة من فولاد كبسه في أثرها فعاد إلى أرجان مهزوماً ولحق صمصام الدولة من شيراز بفولاد‏.‏ثم ترددت الرسل في الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان والعراق ويكون لكل منهما إقطاع في بلد صاحبه فتم ذلك بينهما وتحالفا عليه وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز‏.‏وبلغه ما وقع ببغداد من العيارين وبين الشيعة وأهل السنة وكيف نهبت الأموال وخرجت المساكين فأعاد السير إلى بغداد وصلحت الأحوال‏.‏

القبض على الطائع ونصب القادر للخلافة
قد ذكرنا أن بهاء الدولة وقد شغب الجند عليه لقلة الأموال وقبض وزيره فلم يغن عنه‏.‏وكان أبو الحسن بن المعلم غالباً على هواه فأطمعه في مال الطائع وزين له القبض عليه فأرسل إليه بهاء الدولة في الحضور عنده فجلس على العادة ودخل بهاء الدولة في جمع كبير وجلس على كرسيه وأهوى بعض الديلم إلى يد الطائع ليقبلها‏.‏ثم جذبه عن سريره وهو يستغيث ويقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏واستصفيت خزائن دار الخلافة فمشى بها الحال أياماً ونهب الناس بعضهم بعضاً‏.‏ثم أشهد على الطائع بالخلع ونصبوا للخلافة عمه القادر أبا العباس أحمد المقتدر استدعوه من البطيحة‏.‏وكان فر إليها أمام الطائع كما تقدم في أخبار الخلفاء وهذا كله سنة أحد وثمانين وثلثمائة‏.‏رجوع الموصل إلى بهاء الدولة كان أبو الرواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل قتل أبا طاهر بن حمدان آخر ملوك بني حمدان بالموصل وغلب عليها وأقام بها طاعة معروفة لبهاء الدولة وذلك سنة ثمانين كما مر في أخبار بني حمدان وبني المسيب‏.‏ثم بعث بهاء الدولة أبا جعفر الحجاج بن هرمز من قواد الديلم في عسكر كبير إلى الموصل فملكها آخر إحدى وثمانين فاجتمعت عقيل مع أبي الرواد على حربه وجرت بينهم عدة وقائع وحسن فيها بلاء أبي جعفر بالقبض عليه فخشي اختلاف أمره هناك وراجع في أمره وكان بإغراء ابن المعلم وسعايته‏.‏ولما شعر الوزير بذلك صالح أبا الرواد وأخذ رهنه وأعاده إلى بغداد فوجد بهاء الدولة قد نكب ابن المعلم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:22 PM

أخبار ابن المعلم هو أبو الحسن بن المعلم
قد غلب على هوى بهاء الدولة وتحكم في دولته وصدر كثير من عظائم الأمور بإشارته فمنها نكبة أبي الحسن محمد بن العلوي وكان قد عظم شأنه مع مشرف الدولة وكثرت أملاكه‏.‏فلما ولي بهاء الدولة سعى به عنده وأطمعه في ماله فقبض عليه واستصفى سائر أملاكه ثم حمله على نكبة وزيره أبي منصور بن صالحان سنة ثمان واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير قبل مسيره إلى خوزستان ثم حمله على خلع الطائع واستصفى أمواله وحمل ذخائر الخلافة إلى داره ثم حمله على نكبة وزيره أبي نصر سابور واستوزر أبا القاسم عبد العزيز بن يوسف وبعد مرجعه من خوزستان‏.‏قبض على أبي خواشادة وأبي عبد الله بن ظاهر سنة إحدى وثمانين لأنهما لم يوصلا لابن المعلم هداياهما فحمل بهاء الدولة على نكبتهما‏.‏ولما استطال على الناس وكثر الضجر منه شغب الجند على بهاء الدولة وطالبوه بإسلامه إليهم وراجعهم فلم يقبلوا فقبض عليه وعلى سائر أصحابه ليسترضيهم بذلك فلم يرضوا إلا به فأسلمه إليهم وقتلوه‏.‏ثم اتهم الوزير أبا القاسم بمداخلة الجند في الشغب على الوزير فقبض عليه واستوزر مكانه أبا نصر سابور وأبا نصر بن الوزير الأولين وأقاما شريكين في الوزارة‏.‏

خروج أولاد بختيار وقتلهم
كان عضد الدولة قد حبس أولاد بختيار فأقاموا معتقلين مدة أيامه وأيام صمصام الدولة من بعده‏.‏ثم أطلقهم مشرف الدولة وأحسن إليهم وأنزلهم بشيراز وأقطعهم‏.‏فلما مات مشرف الدولة حبسوا في قلعة ببلاد فارس فاستمالوا الموكل الذي عليهم والجند الذي معه من الديلم فأفرجوا عنهم وذلك سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليهم أهل تلك النواحي وأكثرهم رجالة‏.‏وبلغ الخبر إلى صمصام الدولة فبعث أبا علي بن أستاذ هرمز في عسكر فافترقت تلك الجموع وتحصن بنو بختيار ومن معهم من الديلم وحاصرهم أبو علي وأرسل أحد الديلم معهم فأصعدهم سراً وملكوا القلعة وقتلوا أولاد بختيار‏.‏استيلاء صمصام الدولة على الأهواز ورجوعها منه ثم انتقض الصلح سنة ثلاث وثمانين بين بهاء الدولة صاحب بغداد وأخيه صمصام الدولة صاحب خوزستان وذلك أن بهاء الدولة بعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز وأسر إليه أن يبعث العساكر متفرقة فإذا اجتمعوا عنده صدم بهم بلاد فارس فسار أبو العلاء وتشاغل بهاء الدولة عن ذلك وظهر الخبر فجهز صمصام الدولة عسكره إلى خوزستان واستمد أبو العلاء بهاء الدولة فتوافت عساكره والتقى العسكران‏.‏وانهزم أبو العلاء وأخذ أسيراً فأطلقته أم صمصام الدولة وقلق بهاء الدولة لذلك وافتقد الأموال فأرسل وزيره أبا نصر سابور إلى واسط وأعطاه جواهر وأعلاقاً يسترهنها عند مهذب الدولة صاحب البطيحة فاسترهنها ولما هرب الوزير أبو نصر استعفى ابن الصالحان من الانفراد بالوزارة فأعفي‏.‏واستوزر بهاء الدولة أبا القاسم علي بن أحمد ثم عجز وهرب‏.‏وعاد أبو نصر سابور إلى الوزارة بعد أن أصلح الديلم‏.‏ثم بعث بهاء الدولة طغان التركي إلى الأهواز في سبعمائة من المقاتلة فملكوا السوس ورحل أصحاب صمصام الدولة عن الأهواز وانتشرت عساكر طغان في أعمال خوزستان وكان أكثرهم من الترك فغص الديلم بهم الذين في عسكر طغان فضل الدليل وأصبح على بعد منهم ورآهم الأتراك فركبوا إليهم وأكمن ألوفاً واستأمن كثير منهم وأمنهم طغان حتى نزلوا بأمر الأتراك فقتلوهم كلهم‏.‏وانتهى الخبر إلى بهاء الدولة بواسط وسار إلى الأهواز وسار صمصام الدولة إلى شيراز وذلك سنة أربع وثمانين وأمر صمصام الدولة بقتل الأتراك في جميع بلاد فارس سنة خمس وثمانين فقتل منهم جماعة وهرب الباقون فعاثوا في البلاد ولحقوا بكرمان ثم ببلاد السند حتى توسطهم الأتراك فأطبقوا عليهم واستلحموهم‏.‏

استيلاء صمصام الدولة على الأهواز
ثم علي البصرة ثم بعث صمصام الدولة عساكره الديلم سنه خمس وثمانين إلى الأهواز وكان نائب بهاء الدولة قد توفي وعزم الأتراك على العود إلى بغداد فبعث بهاء الدولة مكانه أبا كاليجار المرزبان بن سفهيعون وأنفذ أبا محمد الحسن بن مكرم إلى رامهرمز ممداً لنائبها لفتكين وقد انهزم إليها أمام عسكر صمصام الدولة فترك أبا محمد بن مكرم بها‏.‏ومضى إلى الأهواز وسار إلى خوزستان فكاتبه العلاء بن الحسن يخادعه‏.‏ثم سار إلى رامهرمز وحارب ابن مكرم ولفتكين وبعث بهاء الدولة ثمانين من الأتراك يأتون من خلف الديلم فشعروا بهم وقتلوهم أجمعين وخام بهاء الدولة عن اللقاء فرجع إلى الأهواز‏.‏ثم سار إلى البصرة ونزل بها وانتهى خبره إلى أبن مكرم فعاد إلى عسكر مكرم واتبعه العلاء والديلم فأجلوه عنها إلى كرب تستر‏.‏وتكررت الوقائع بين الفريقين فكان بيد الأتراك من تستر إلى رامهرمز وبيد الديلم من رامهرمز‏.‏ورجع الأتراك واتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط فرجع عنهم وأقام بعسكر مكرم‏.‏ورجع بهاء الدولة إلى بغداد وكان مع العلاء قائد من قواد الديلم اسمه شكراستان فاستأمن إليه من الديلم الذين مع بهاء الدولة نحو من أربعمائة رجل فاستكثر بهم وسار إلى البصرة وحاصرها ومال إليهم أبو الحسن بن جعفر العلوي من أهل البصرة وكانوا يحملون الميرة‏.‏وعلم بهاء الدولة فأنفذ من يقبض عليهم فهربوا إلى ذلك القائد وقوي بهم وجمعوا له السفن فركبها إلى البصرة وقاتل أصحاب بهاء الدولة وهزمهم وملك البصرة واستباحها‏.‏وكتب بهاء الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة بأن يرتجعها من يد الديلم ويتولاها فأمده عبد الله بن مرزوق وأجلى الديلم عنها ثم رجع للقاء شكراستان‏.‏وهجم عليها في السفن فملكها‏.‏وكاتب بهاء الدولة بالطاعة والضمان فأجابه وأخذ ابنه رهينة وكان يظهر طاعة بهاء الدولة وصمصام الدولة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:24 PM

وفاه الصاحب ابن عباد
وفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة توفي أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة بالري وكان أوحد زمانه علماً وفضلاً ورياسةً ورأياً وكرماً وعرفاً بأنواع العلوم عارفاً بالكتابة ورسائله مشهورة مدونة‏.‏وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد حتى يقال كانت تنقل في أربعمائة حمل‏.‏ووزر بعده لفخر الدولة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي الملقب بالكافي‏.‏ولما توفي استصفى فخر الدولة أمواله بعد أن أوصاه عند الموت فلم ينفذ وصيته‏.‏وكان الصاحب قد أحسن إلى القاضي عبد الجبار المعتزلي وقدمه وولاه قضاء الري وأعمالها‏.‏فلما مات قال عبد الجبار‏:‏ لا أرى الترحم عليه لأنه مات على غير توبة ظهرت منه فنسب إليه قلة الوفاء بهذه المقالة‏.‏ثم صادر فخر الدولة عبد الجبار فباع في المصادرة ألف طيلسان وألف ثوب من الصوف الرفيع‏.‏ثم تتبع فخر الدولة آثار ابن عباد وأبطل ما كان عنده من المسامحات وقبض على أصحابه والبقاء لله وحده‏.‏ ثم توفي فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب الري وأصفهان وهمذان
في شعبان سنة خمس وثلاثين بقلعة طبرك ونصب للملك من بعده ابنه مجد الدولة أبو طالب رستم وعمره أربع سنين نصبه الأمراء وجعلوا أخاه شمس الدولة بهمذان وقرميس إلى حدود العراق وكان زمام الدولة بيد أم رستم مجد الدولة وإليها تدبير ملكه وبين يديها في مباشرة الأعمال أبو ظاهر صاحب فخر الدولة وأبو العباس الضبي الكافي‏.‏

وفاة العلاء بن الحسن صاب خوزستان
ثم توفي العلاء بن الحسن عامل خوزستان لصمصام الدولة بعسكر مكرم فبعث صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز بالمال ففرقه في الديلم ودفع أصحاب بهاء الدولة عن جنديسابور بعد وقائع كان الظفر فيها له ثم دفعهم عن خوزستان إلى واسط واستمال بعضهم فنزعوا إليه ورتب العمال في البلاد وجبى الأموال سنة سبع وثمانين‏.‏ثم سار أبو محمد بن مكرم من واسط مع الأتراك فدافعهم وكانت بينه وبينهم وقائع‏.‏ثم سار بهاء الدولة في أثرهم من واسط وكان لحق بهم في واسط أبو علي بن إسماعيل الذي كان نائباً ببغداد عند مسيره إلى الأهواز سنة ست وثمانين وجاء المقلد بن المسيب من الموصل للعيث في جهات بغداد فبرز أبو علي لقتاله فنكر ذلك بهاء الدولة مغالطة وبعث من يصالحه ويقبض على أبي علي فهرب أبو علي إلى البطيحة‏.‏ثم لحق بهاء الدولة وهو بواسط فوزر له وزير أمره وأشار عليه بالمسير لإنجاد أبي محمد بن مكرم في قتال أبي علي بن أستاذ هرمز بخوزستان فسار بهاء الدولة ونزل القنطرة البيضاء وجرت بينه وبين أبي علي بن أستاذ هرمز وقائع وانقطعت الميرة عن عسكر بهاء الدولة فاستمد بدر بن حسنويه فأمنه ببعض الشيء وكثرت سعاية الأعداء في أبي علي بن إسماعيل فكاد ينكبهم وبينما هم على ذلك بلغهم مقتل صمصام الدولة فصلحت الأحوال واجتمعت الكلمة‏.‏

مقتل صمصام الدولة
كان أبو القاسم وأبو نصر ابنا بختيار محبوسين كما تقدم فخدعا المتوكلين بهما في القلعة وخرجا فاجتمع إليهما لفيف من الأكراد‏.‏وكان صمصام الدولة قد عرض جنده وأسقط منهم نحواً من ألف لم يثبت عنده نسبهم في الديلم فبادروا إلى ابني بختيار والتقوا عليهما في أرجان وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مقيماً فثار به الجند ونهبوا داره فاختفى‏.‏ثم انتقضوا على صمصام الدولة ونهبوه وهرب إلى الرودمان على مرحلتين من شيراز فقبض عليه صاحبها وجاء أبو نصر بن بختيار فأخذه منه وقتله في ذي الحجة سنة ثمان لتسع سنين من إمارته بفارس وأسلمت أمه إلى بعض قواد الديلم فقتلها ودفنها بداره حتى ملك استيلاء بهاء الدولة علي فارس وخوزستان ولما قتل صمصام الدولة وملك ابنا بختيار فارس بعثا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز يستميلانه ويأمرانه بأخذ العهد لهما على الذين معه من الديلم ومحاربة بهاء الدولة وكتب إليه بهاء الدولة يستميله ويؤمنه ويؤمن الديلم الذين معه ويرغبهم واضطرب رأي أبي علي لخوفه من ابني بختيار لما أسلف من قتل إخوتهما وحبسهما فمال عنهما ومال الديلم عن بهاء الدولة خوفاً من الأتراك الذين معه فما زال أبو علي بهم حتى بعثوا جماعة من أعيانهم إلى بهاء الدولة واستوثقوا يمينه ونزلوا إلى خدمته وساروا إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز وأرجان‏.‏واستولى بهاء الدولة على سائر بلاد خوزستان وبعث وزيره أبا علي بن إسماعيل إلى فارس فنزل بظاهر شيراز وبها ابنا بختيار فحاربهما ومال بعض أصحابهما إليه‏.‏ثم انفضوا عنهما إلى أبي علي وأطاعوه واستولى على شيراز ولحق أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم وأخوه أبو القاسم ببدر بن حسنويه ثم بالبطيحة‏.‏وكتب الوزير أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح فسار إلى شيراز وأمر بنهب قرية الرودمان فملكها وأقام بهاء الدولة بالأهواز واستخلف ببغداد أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز ولقبه عميد العراق‏.‏وبقي ملوك الديلم بعد ذلك يقيمون بفارس والأهواز ويستخلفون على العراق مدة طويلة ، ^? لما استقر أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم كاتب جند الديلم بفارس وكرمان واستمالهم فاستدعوه إلى فارس فاجتمع إليه كثير من الربض والديلم والأكراد‏.‏ثم سار إلى كرمان وبها أبو جعفر بن السيرجان ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها وملك أكثر كرمان فبعث بهاء الدولة وزيره الموفق أبا علي بن إسماعيل في العساكر‏.‏ولما وصل جيرفت استأمن إليه أهلها وملكها وهرب ابن بختيار فاختار الوزير من أصحابه ثلاثمائة رجل وسار في اتباعه وترك باقي العسكر بجيرفت‏.‏ولما أدركه أوقع به وغدر بابن بختيار بعض أصحابه فقتله وجاء برأسه إلى الموفق واستلحم الباقين وذلك سنة تسعين‏.‏واستولى الموفق على كرمان وولى عليها أبا موسى سياه جشم‏.‏وعاد إلى بهاء الدولة فقبض عليه واستصفاه وكتب إلى وزيره سابور بالقبض على أنسابه وأصحابه فدس إليهم سابور بذلك وهربوا‏.‏ثم قتل بهاء الدولة الموفق سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ثم استعمل بهاء الدولة على خوزستان وأعمالها أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز ولقبه عميد الجيوش وعزل عنها أبا جعفر الحجاج بن هرمز لسوء سيرته وفساد أحوالها بولايته وكثرة مصادراته فصلحت حالها بولاية أبي علي وحصل إلى بهاء الدولة منها الأموال مع كثرة العدل‏.‏مسير ظاهر بن خلف إلى كرمان واستيالؤه عليها ثم أرتجاعها قد تقدم لنا أن ظاهر بن خلف خرج عن طاعة أبيه خلف بن أحمد السجستاني وحاربه فظفر به أبوه فسار إلى كرمان يروم التوثب عليها وتكاسل عاملها عن أمره فكثر جمعه واجتمع إليه بحيالها كثير من المخالفين فنزل بهم إلى جيرفت فملكها وملك غيرها سنة إحدى وتسعين‏.‏وكان بكرمان أبو موسى سياه جشم فسار إليه بمن معه من الديلم فهزمه ظاهر وأخذ ما بقي بيده فبعث بهاء الدولة أبا جعفر أستاذ هرمز في العساكر إلى كرمان فهزم ظاهراً إلى سجستان وملك كرمان وعادت الديلم‏.‏

حروب عساكر بهاء الدولة مع بني عقيل
كان قرواش بن المقلد قد بعث جمعاً من بني عقيل سنة ثلاث وتسعين فحاصروا المدائن وبعث أبو جعفر الحجاج بن هرمز وهو ببغداد نائب لبهاء الدولة عساكره فدفعوهم عنها فاجتمع بنو عقيل وأبو الحسن بن مزيد من بني أسد وبرز إليهم الحجاج واستدعى خفاجة من الشام وقاتلهم فانهزم واستبيح عسكره وانهزم ثانياً وبرز إليهم فالتقوا بنواحي الكوفة فهزمهم وأثخن فيهم ونهب من حلل بني يزيد ما لا يعبر عنه من العين والمصاغ والثياب‏.‏

الفتنة بين أبي علي وأبي جعفر
لما غاب أبو جعفر الحجاج عن بغداد قام بها العيارون واشتد فسادهم وكثر القتل والنهب فبعث بهاء الدولة أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز لحفظ العراق فانهزم أبو جعفر بنواحي الكوفة مغضباً‏.‏ثم جمعوا الجموع من الديلم والأتراك والعرب فانهزم جعفر وأمن أبو علي جانبه فسار إلى خوزستان وبلغ السوس فأتاه الخبر بأن أبا جعفر عاد إلى الكوفة فكر راجعاً وعاد الحرب بينهم‏.‏وبينما هم على ذلك أرسل بهاء الدولة إلى أبي علي يستدعيه سنة ثلاث وتسعين لحرب ابن واصل بالبصرة فسار إليه وكانت الحرب بينه وبين ابن واصل كما يأتي في أخبار ملوك البطيحة ورجع إلى بغداد‏.‏ونزل أبو جعفر على فلح حامي طريق خراسان وأقام هنالك وكان فلح مبايناً لعميد الجيوش أبي علي‏.‏وتوفي سنة سنة سبع وتسعين فولى أبو علي مكانه أبا الفضل بن عنان و بهاء الدولة في محاربة ابن واصل بالبصرة فأتاهم الخبر بظهور بهاء الدولة عليه فأوهن ذلك منهم وافترقوا‏.‏ولحق ابن مزيد ببلده وسار أبو جعفر وابن عيسى إلى حلوان‏.‏وأرسل أبو جعفر في إصلاح حاله عند بهاء الدولة فأجابه إلى ذلك وحضر عنده بتستر فأعرض عنه خوفاً أن يستوحش أبو علي‏.‏وحقد بهاء الدولة لبدر بن حسنويه فسار إليه وبعث إليه بدراً في المصالحة فقبله وانصرف وتوفي أبو جعفر الحجاج بن هرمز بالأهواز سنة إحدى وأربعمائة‏.‏

الفتنة بين مجد الدولة صاحب الري وبين أمه
واستيلاء ابن خالها علاء الدين بن كاكويه على قد تقدم لنا ولاية مجد الدولة أبي طالب رستم بن فخر الدولة على همذان وقرميسين إلى حدود العراق وتدبير الدولتين لأمه وهي متحكمة عليها فلما وزر لمجد الدولة الخطير أبو علي بن علي بن القاسم استمال الأمراء عنها وخوف مجد الدولة منها فاسترابت وخرجت من الري إلى القلعة فوضع عليها من يحفظها فأعملت الحيلة‏.‏حتى لحقت ببدر بن حسنويه مستنجدة به‏.‏وجاءها ابنها شمس الدولة في عساكر همذان وسار معهما بدر وذلك سنة سبع وتسعين فحاصروا أصفهان وملكوها عنوةً‏.‏وعاد إليها الأمر فاعتقلت مجد الدولة ونصبت شمس الدولة للملك ورجع بدر إلى بلده‏.‏ثم بعد سنة استرابت بشمس الدولة فأعادت مجد الدولة إلى ملكه‏.‏وسار شمس الدولة إلى همذان وانتقض بدر بن حسسنويه لذلك وكان في شغل بفتنة ولده هلال‏.‏واستمد شمس الدولة فأمده بعسكر وحاصرهم فاستصعبت عليه وكان علاء الدين أبو حفص بن كاكويه ابن خال هذه المرأة وكاكويه هو الخال بالفارسية فلذلك قيل له ابن كاكويه وكانت قد استعملته على أصفهان فلما فارق أمرها فسد حاله فسار هو إلى بهاء الدولة بالعراق وأقام عنده فلما عادت إلى حالها هرب أبو حفص إليها من العراق فأعادته إلى أصفهان ورسخ فيها ملكه وملك بنيه كما يأتي في أخبارهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:25 PM

وفاة عميد العراق وولاية فخر الملك خدمة ابنه صمصام الدولة
فلما قتل صمصام الدولة رجع إلى بهاء الدولة‏.‏وبلغه ما وقع ببغداد في مغيبه من الهرج وظهور العيارين فبعث بهاء الدولة مكانه على العراق فخر الملك أبا غالب وأصعد إلى بغداد فلقيه الكتاب والقواد والأعيان في ذي الحجة من السنة وبعث العساكر من بغداد لقتال أبي الشوك حتى استقام‏.‏وكانت الفتنة قد وقعت بين بدر بن حسنويه وابنه هلال واستنجد بدر بهاء الدولة فأنجده من يده وأخذ ما فيها من الأموال وفتح دير العاقول‏.‏وجاء سلطان وعلوان ورجب بنو ثمال الخفاجي في أعيان قومهم وضمنوا حماية سقي الفرات من بني عقيل وساروا معه إلى بغداد فبعثهم مع ذي السعادتين الحسن بن منصور للأنبار فعاثوا في نواحيها وحبس ذو السعادتين نفراً منهم‏.‏ثم أطلقهم فهموا بقبضه وشعر بهم فحاول عليهم حتى قبض على سلطان منهم وحبسهم ببغداد‏.‏ثم شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد فأطلقهم فاعترضوا الحاج سنة اثنتين وأربعمائة ونهبوهم فبعث فخر الملك إلى أبي الحسن بن مزيد بالانتقام منهم فلحقهم بالبصرة فأوقع بهم وأثخن فيهم واسترد من أموال الحاج ما وجد وبعث به وبالأسرى إلى فخر الملك‏.‏ثم اعترضوا الحاج مرة أخرى ونهبوا سواد الكوفة فأوقع بهم أبو الحسن بن مزيد مثل ذلك وبعث بأسراهم إلى بغداد‏.‏

وفاة بهاء الدولة وولاية ابنه سلطان الدولة
وأربعمائة بأرجان وحمل إلى تربة أبيه بمشهد علي فدفن بها لأربع وعشرين سنة من ملكه وملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع وعمار من أرجان إلى شيراز وولى أخاه جلال الدولة أبا ظاهر على البصرة وأخاه أبا الفوارس على كرمان‏.‏

استيلاء شمس الدولة على الري
من يد أخيه مجد الدولة ورجوعه عنها قد تقدم لنا أن شمس الدولة بن فخر الدولة كان ملك همذان وأخوه مجد إلى ملك الري بنظر أمه وكان بدر بن حسنويه أمير الأكراد وبينه وبين ولده هلال فتنة وحروب نذكرها في أخبارهم‏.‏واستولى شمس الدولة على كثير من بلادهم وأخذ ما فيها من الأموال كما يذكر في أخبارهم‏.‏ثم سار إلى الري يروم ملكها ففارقها أخوه مجد الدولة ومعه أمه إلى دنباوند‏.‏واستولى شمس الدولة على الري وسار في طلب أخيه وأمه فشغب الجند عليه وطالبوه بأرزاقهم فعاد إلى همذان وعاد أخوه مجد الدولة وأمه إلى الري‏.‏

مقتل فخر الملك ووزارة ابن سهلان
ثم قبض سلطان الدولة على نائبه بالعراق ووزيره فخر الملك أبي غالب وقتله سلخ ربيع الأول سنة ست وأربعمائة لخمس سنين ونصف من ولايته واستصفى أمواله وكانت ألف ألف دينار سوى العروض وما نهب‏.‏وولى مكانه بالعراق أبا محمد الحسن بن سهلان ولقبه عميد الجيوش واستوزر مكانه الرجحي بعد أن كان ابن سهلان هرب إلى قرواش فأقامه عنده بهيت وولى سلطان الدولة مكانه في الوزارة أبا القاسم جعفر بن فسانجس‏.‏ثم رجع ابن سهلان إلى سلطان الدولة فلما قتل فخر الملك ولاه مكانه فسار إلى العراق في محرم سنة تسع وأربعمائة ومر في طريقه ببني أسد فرأى أن يثأر منهم من مضر بن دبيس بما كان قبض عليه قديماً بأمر فخر الملك فأسرى إليه و أخيه مهارش وفي جملته أخوهم طراد وأتبعهما حتى أدركهما وقاتله رجال الحي فقتل جماعة من الديلم والأتراك‏.‏ثم انهزموا ونهب ابن سهلان أموالهم وسبى حريمهم وبذل الأمان لمضر ومهارش وأشرك بينهما وبين طراد في الجزيرة‏.‏ونكر عليه سلطان الدولة ذلك ورحل هو إلى واسط والفتن بها فقتل جماعة منهم وأصلحها وبلغه ما ببغداد من الفتنة فسار إليها ودخلها في ربيع من السنة وهرب منه العيارون ونفى جماعة من العباسيين وأبا عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة وأنزل الديلم بأطراف البلد فكثر فسادهم وفساد الأتراك وساروا إلى سلطان الدولة بواسط شاكين من ابن سهلان فوعدهم وأمسكهم وبعث عن ابن سهلان فارتاب وهرب إلى بني خفاجة ثم إلى الموصل ثم استقر بالبطيحة‏.‏وبعث سلطان الدولة العساكر في طلبه فأجاره وإليها الشرابي وهزم العساكر‏.‏وكان ابن سهلان سار إلى جلال الدولة بالبصرة ثم أصلح الرجحي حاله مع سلطان الدولة ورجع إليه‏.‏وضعف أمر الديلم في هذه السنة ببغداد وواسط وثارت لهم العامة فلم يطيقوا مدافعتهم‏.‏ثم قبض سلطان الدولة على وزيره فسانجس وأخويه واستوزر أبا غالب ذا السعادتين الحسن بن منصور‏.‏وقبض جلال الدولة صاحب البصرة على وزيره أبي سعد عبد الواحد علي ابن ماكولا‏.‏

انتقاض أبي الفوارس علي أخيه سلطان الدولة
كان سلطان الدولة قد ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان فاجتمع إليه بعض الديلم وداخلوه في الانتقاض فانتقض وسار إلى شيراز فملكها سنة سبع وأربعمائة‏.‏وسار سلطان الدولة فهزمه إلى كرمان وسار في اتباعه فلحق بمحمود بن سبكتكين ببست ووعده بالنصرة وبعث معه أبا سعيد الطائي في العساكر إلى كرمان وقد انصرف عنها سلطان الدولة إلى بغداد فملكها أبو الفوارس وسار إلى بلاد فارس فملكها ودخل إلى شيراز فسار سلطان الدولة إليه فهزمه فعاد إلى كرمان سنة ثمان وأربعمائة‏.‏وبعث سلطان الدولة في أثره فملكوا عليه كرمان ولحق بشمس الدولة صاحب همذان لأنه كان أساء معاملة أبي سعيد الطائي فلم يرجع إلى محمود بن سبكتكين‏.‏ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فبالغ في تكرمته وأنزله بداره‏.‏وأنفذ إليه أخوه جلال الدولة مالاً وعرض عليه المسير إليه فأبى‏.‏ثم ترددت الرسل بينه وبين أخيه سلطان الدولة فعاد إلى كرمان وبعث إليه التقليد والخلع‏.‏وثوب مشرف الدولة علي أخيه سلطان الدولة ببغداد واستبداده آخراً بالملك ثم شغب الجند على سلطان الدولة ببغداد سنة إحدى عشرة ونادوا بولاية مشرف لدولة أخيه فهم بالقبض عليه فلم يتمكن من ذلك‏.‏ثم أراد الانحدار إلى واسط لبعض شؤون الدولة فطلب الجند أن يستخلف فيهم أخاه مشرف الدولة فاستخلفه‏.‏ورجع من واسط إلى بغداد‏.‏ثم اعتزم على قصد الأهواز فاستخلف أخاه مشرف الدولة ثانياً على العراق بعد أن كانا تحالفا أن لا يستخلف أحد منهما ابن سهلان‏.‏فلما بلغ سلطان الدولة تستر استوزر ابن سهلان فاستوحش من مشرف الدولة‏.‏ثم بعث سلطان الدولة إلى الأهواز فنهبوها فدافعهم الأتراك الذين بها وأعلنوا بدعوة مشرف الدولة فانصرف سلطان الدولة عنهم‏.‏ثم طلب الديلم من مشرف الدولة المسير إلى بيوتهم بخوزستان فأذن لهم وبعث معهم وزيره أبا غالب ولحق الأتراك الذين كانوا معه بطراد بن دبيس الأسدي بجزيرة بني دبيس وذلك لسنة ونصف من ولايته الوزارة وصودر ابنه أبو العباس على ثلاثين ألف دينار وسر سلطان الدولة بقتل أبي غالب وبعث أبا كاليجار إلى الأهواز فملكها ، ^? ثم تراسل سلطان الدولة ومشرف الدولة في الصلح وسعى فيه بينهما أبو محمد بن مكرم صاحب سلطان الدولة ومؤيد الملك الرجحي وزير مشرف الدولة‏:‏ على أن يكون العراق لمشرف الدولة وفارس وكرمان لسلطان الدولة وتم ذلك بينهما سنة ثلاث عشرة‏.‏

استيلاء ابن كاكويه على همذان
كان شمس الدولة بن بويه صاحب همذان قد توفي وولي مكانه ابنه سماء الدولة وكان فرهاد بن مرداويج مقطع يزدجرد فسار إليها سماء الدولة وحاصره فاستنجد بعلاء الدولة بن كاكويه فأنجلى بالعساكر ودفع سماء الدولة عن فرهاد‏.‏ثم سار علاء الدولة وفرهاد إلى همذان وحاصراها وخرجت عساكر همذان مع عساكر تاج الملك الفوهي قائد سماء الدولة فدفعهم ولحق علاء الدولة بجرباذقان فهلك الكثير من عسكره بالبرد وسار تاج الملك الفوهي إلى جرباذقان فحاصر بها علاء الدولة حتى استمال بها قوماً من الأتراك الذين مع تاج الملك‏.‏وخلص من الحصار وعاود المسير إلى همذان فهزم عساكرها‏.‏وهرب القائد تاج الملك‏.‏واستولى علاء الدولة على سماء الدولة فأبقى عليه رسم الملك وحمل إليه المال وسار فحاصر تاج الملك في حصنه حتى استأمن فأمنه وسار به وبسماء الدولة إلى همذان فملكها وملك سائر أعمالها‏.‏وقبض على جماعة من أمراء الديلم فحبسهم وقتل آخرين وضبط الملك وزارة أبي القاسم المغربي لمشرف الدولة ثم عزله كان عنبر الخادم مستولياً على دولة مشرف الدولة بما كان حظي أبيه وجده وكان يلقب بالأثير وكان حاكماً في دولة بني بويه مسموع الكلمة عند الجند‏.‏وعقد الوزير مؤيد الملك الرجحي على بعض اليهود من حواشيه مائة ألف دينار فسعى الأثير الخادم وعزله في رمضان سنة أربع عشرة واستوزر لناصر الدولة بن حمدان ونزع عنه إلى خلفاء العبيديين وولاه الحاكم بمصر‏.‏وولد له بها ابنه أبو القاسم الحسين ثم قتله الحاكم فهرب ابنه أبو القاسم إلى مفرج بن الجراح أمير طيء بالشام وداخله في الانتقاض على العبيديين بأبي الفتوح أمير مكة فاستقدمه وبايع له بالرملة‏.‏ثم صونع من مصر بالمال فانحل ذلك الأمر ورجع أبو الفتوح إلى مكة وقصد أبو القاسم العراق واتصل بالعميد فخر الملك أبي غالب فأمره القادر بإبعاده فقصد الموصل واستوزره صاحبها‏.‏ثم نكبه وعاد إلى العراق‏.‏وتقلب به الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرجحي فساء تصرفه في الجند وشغب الأتراك عليه وعلى الأثير عنبر بسببه فخرجا إلى السندية وخرج معهما مشرف الدولة فأنزلهم قرواش‏.‏ثم ساروا إلى أوانا وندم الأتراك فبعثوا المرتضى وأبا الحسن الزينبي يسألون الإقالة وكتب إليهم أبو القاسم المغربي بأن أرزاقكم عند الوزير مكراً به‏.‏وشعر بذلك فهرب إلى قرواش لعشرة أشهر من وزارته وجاء الأتراك إلى وفاة سلطان الدولة بفارس وملك ابنه أبي كاليجار وقتل ابن مكرم ثم توفي سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة صاحب فارس بشيراز وكان محمد بن مكرم صاحب دولته وكان هواه مع ابنه أبي كاليجار وهو يومئذ أمير على الأهواز فاستقدمه للملك بعد أبيه‏.‏وكان هوى الأتراك مع عمه أبي الفوارس صاحب كرمان فاستقدموه‏.‏وخشي محمد بن مكرم جانبه وفر عنه أبو المكارم إلى البصرة وسار العادل أبو منصور بن مافنة إلى كرمان لاستقدام أبي الفوارس وكان صديقاً لابن مكرم فحسن أمره عند أبي الفوارس وأحال الأجناد بحق البيعة على ابن مكرم فضجر وماطلهم فقبض عليه أبو الفوارس وقتله ولحق ابنه القاسم بأبي كاليجار بالأهواز فتجهز إلى فارس وقام بتربيته بابن مزاحم صندل الخادم‏.‏وسار في العساكر إلى فارس ولقيهم أبو منصور الحسن بن علي النسوي وزير أبي الفوارس فهزموه وغنموا معسكره‏.‏وهرب أبو الفوارس إلى كرمان وملك أبو كاليجار شيراز واستولى على بلاد فارس‏.‏وتنكر للديلم الذين بها فبعثوا إلى من كان منهم بمدينة نسا فتمسكوا بطاعة أبي الفوارس‏.‏ثم شغب عسكر أبي كاليجار عليه وطالبوه بالمال فظاهرهم الديلم فسلم إلى النوبندجان ثم إلى شعب بوان‏.‏وكاتب الديلم بشيراز أبا الفوارس يستحثونه‏.‏ثم أصلحوا بينهما على أن تكون لأبي الفوارس كرمان ويعود أبو كاليجار لفارس لما فارقه بها من نعمته‏.‏وكان الديلم يطيعونه فساروا في العساكر وهزموا أبا الفوارس فلحق بدارابجرد واستولى أبو كاليجار على فارس‏.‏ثم زحف إليه أبو الفوارس في عشرة آلاف من الأكراد فاقتتلوا بين البيضاء واصطخر فانهزم أبو الفوارس ولحق بكرمان واستولى أبو كاليجار على فارس واستقر ملكه بها سنة سبع عشرة وأربعمائة‏.‏

وفاة مشرف الدولة وملك أخيه جلال الدولة
ثم توفي مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة بن بويه سلطان بغداد في ربيع الأول سنة ست عشرة وأربعمائة لخمس سنين من ملكه‏.‏ولما توفي خطب ببغداد لأخيه جلال الدولة وهو بالبصرة واستقدم فلم يقدم وانتهى إلى واسط فأقام بها يخطب لأبي كاليجار ابن أخيه سلطان الدولة وهو يومئذ بخوزستان مشغول بحرب عمه أبي الفوارس كما قدمناه‏.‏فحينئذ أسرع جلال الدولة من واسط إلى بغداد فسار الجند ولقوه بالنهروان وردوه كرهاً بعد أن نهبوا بعض خزائنه وقبض على وزيره أبي سعيد ابن ماكولا واستوزر ابن عمه أبا علي واستحث الجند أبا كاليجار فعللهم بالوعد وشغل بالحرب وكثر الهرج ببغداد من العيارين وانطلقت أيديهم وأحرقوا الكرخ ونهاهم الأمير عنبر عن ذلك فلم ينتهوا فخافهم على نفسه فلحق بقرواش في الموصل وعظمت الفتن ببغداد ، ^? ولما عظم الهرج ببغداد ورأى الأتراك أن البلاد تخرب وأن العرب والأكراد والعامة قد طمعوا فيهم ساروا جميعاً إلى دار الخلافة مستعتبين ومعتذرين عما صدر منهم من الانفراد باستقدام جلال الدولة ثم رده واستقدم أبي كاليجار مع أن ذلك ليس لنا وإنما هو للخليفة ويرغبون في استدعاء جلال الدولة لتجتمع الكلمة ويسكن الهرج ويسألون أن يستخلف فأجابهم الخليفة القادر وبعث إلى جلال الدولة فسار من البصرة فبعث الخليفة القاضي أبا جعفر السمناني لتلقيه ويستخلفه لنفسه فسار ودخل بغداد سنة ثمان عشرة وركب الخليفة لتلقيه‏.‏ثم سار إلى مشهد الكاظم ورجع ودخل دار الملك وأمر بضرب النوب الخمس فراسله القادر في قطعها فقطعها غصباً ثم أذن له في إعادتها وبعث جلال الدولة مؤيد الملك أبا علي الرجحي إلى الأثير عنبر الخادم عند قرواش بالتأنيس والمحبة والعذر عن فعل الجند‏.‏أخبار ابن كاكويه صاحب أصفهان مع الأكراد ومع الأصبهبد كان علاء الدولة بن كاكويه قد استعمل أبا جعفر علياً ابن عمه على نيسابور خوست ونواحيها وضم إليه الأكراد الجودرقان ومقدمهم أبو الفرج البابوني‏.‏فجرت بين أبي جعفر وأبي الفرج البابوني مشاجرة وترافعا إليه فأصلح بينهما علاء الدولة وأعادهما‏.‏ثم قتل أبو جعفر أبا الفجر فانتقضى الجودرقان وعظم فسادهم فبعث علاء الدولة عسكراً وأقاموا أربعة أيام ثم فقدوا الميرة وجاء علاء الدولة وأعطاهم المال فافترقوا واتبعهم‏.‏وجاء إليه بعض الجودرقان وانتهى في اتباعهم إلى وفد وقاتلوه عندها فهزمهم وقتل ابني ولكين في المعركة ونجا هو في الفل إلى جرجان وأسر الأصبهبد وابنان له ووزيره وهلك في الأسر منتصف سنة تسع عشرة‏.‏وتحصن علي بن عمران بقلعة كنكور فحاصره بهاء الدولة وصار ولكين إلى صهره منوجهر قابوس وأطمعه في الدخكت‏.‏وكان ابنه صهر علاء الدولة على ابنته وأقطعه مدينة قم فعصى عليه وبعث إلى أبيه ولكين‏.‏فسار بعساكره وعساكر منوجهر ونازلوا مجد الدولة بن بويه بالري وجرت بينهم وقائع فصالح علاء الدولة علي بن عمران ليسير إليهم فارتحلوا عن الري‏.‏وجاء علاء الدولة إليها وأرسل إلى منوجهر يوبخه ويتهدده فسار منوجهر وتحصن بكنكور وقتل الذين قتلوا أبا جعفر ابن عمه وقبل الشرط وخرج إلى علاء الدولة فأقطعه الدينور عوضاً عن كنكور وأرسل منوجهر إلى علاء الدولة في الصلح فصالحه‏.‏دخول خفاجة في طاعة أبي كاليجار كان هؤلاء خفاجة وهم من بني عمرو بن عقيل موطنين بضواحي العراق ما بين بغداد والكوفة وواسط والبصرة وأميرهم بهذه العصور منيع بن حسان وكانت بينه وبين صاحب الموصل منافسات جرتها المناهضة والجوار فترددت الرسل بين السلم والحرب‏.‏وسار منيع بن حسان سنة سبع عشرة إلى الجامعين من أعمال دبيس فنهبها وسار دبيس في طلبه ففارق الكوفة وقصد الأنبار من أعمال قرواش فحاصرها أياماً ثم افتتحها وأحرقها‏.‏وجاء قرواش لمدافعته ومعه عريب بن معن فلم يجدوه فمضوا إلى القصر فخالفهم منيع إلى الأنبار فعاث فيها ثانية‏.‏فسار قرواش إلى الجامعين واستنجد دبيس بن صدقة فسار معه في بني أسد ثم خاموا عن لقاء منيع فافترقوا ورجع قرواش إلى الأنبار فأصلحها ورم أسوارها‏.‏وكان دبيس وقرواش في طاعة جلال الدولة فسار منيع بن حسان إلى أبي كاليجار بالأهواز فأطاعه وخلع عليه ورجع إلى بلده يخطب له بها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:28 PM

شغب الأتراك علي جلال الدولة
ولما استقل جلال الدولة بملك بغداد وكثر جنده من الأتراك واتسعت أرزاقهم من الديوان وكان الوزير أبو علي بن ماكولا فطالبوه بأرزاقهم فعجز عنها وأخرج جلال الدولة صياغات وباعها وفرقها في الجند‏.‏ثم ثاروا عليه وطالبوه بأرزاقهم وحصروه في داره حتى فقد القوت والماء‏.‏وسأل الإنزال إلى البصرة وخرج بأهله ليركب السفن إلى البصرة وقد ضرب سرادقاً على طريقهم ما بين داره والسفن فقصد الأتراك السرادق فامتعض جلال الدولة لحريمه ثم نادى في الناس وخرج الجند ونادوا بشعاره ثم شغبوا عليه بعد أيام قلائل في طلب أرزاقهم واضطر جلال الدولة إلى بيع ملبوسه وفرشه وخيامه وفرق أثمانها فيهم‏.‏وعزل جلال الدولة وزيره أبا علي واستوزر أبا طاهر ثم عزله بعد أربعين يوماً وولى سعيد بن عبد الرحيم وذلك سنة تسع عشرة‏.‏

استيلاء أبي كاليجار على البصرة ثم على كرمان
ولما أصعد جلال الدولة إلى بغداد استخلف على البصرة ابنه الملك العزيز أبا منصور وكان بين الأتراك وبين الديلم من الفتنة ما ذكرناه فتجددت بينهم الفتنة فغلب الأتراك وأخرجوا الديلم إلى الأبلة مع بختيار بن علي فسار إليهم الملك العزيز ليرجعهم فحاربوه ونادوا بشعار أبي كاليجار بن سلطان الدولة وهو بالأهواز فعاد منهزماً‏.‏ونهب الديلم الأبلة ونهب الأتراك البصرة‏.‏وبلغ الخبر إلى أبي كاليجار فبعث من الأهواز عسكراً إلى بختيار والبصرة والديلم فقاتلوا الملك العزيز وأخرجوه فلحق بواسط وملكوا البصره ونهبوا أسواقها سنة تسع عشرة وهم جلال الدولة بالمسير إليهم وطلب المال للجند وشغل بمصادرة أرباب الأموال‏.‏وبلغ خبر استيلاء أبي كاليجار على البصرة إلى كرمان وكان بها عمه قوام الدولة أبو الفوارس وقد تجهز لقصد بلاد فارس فأدركه أجله فمات فنادى أصحابه بشعار أبي كاليجار واستدعوه فسار ملك بلاد كرمان وكان أبو الفوارس سيىء السيرة في رعيته وأصحابه ، ^? كانت جزيرة بني دبيس بنواحي خوزستان لطراد بن دبيس وغلب عليه فيها منصور وخطب فيها لأبي كاليجار ومات طراد فسار إلى منصور ابنه علي واستنجد جلال الدولة عليه فأمده بعسكر من الأتراك وسار عجلاً‏.‏واتفق أن أبا صالح كوكين هرب من جلال الدولة إلى أبي كاليجار فأراد أن يفتتح طاعته باعتراض أصحاب جلال الدولة فسار إلى منصور بالجزيرة‏.‏وخرجوا لقتال علي بن طراد ولقوه بمبرود فهزموه وقتلوه واستقر منصور بالجزيرة على طاعة أبي كاليجار‏.‏

استيلاء أبي كاليجار على واسط ثم انهزامه وعودها لجلال الدولة
ثم إن نور الدولة دبيس على صاحب حلب والنيل خطب لأبي كاليجار في أعماله لما بلغه أن ابن عمه المقلد بن الحسن ومنيع بن حسان أمير خفاجة سارا مع عساكر بغداد إليه فخطب هو لأبي كاليجار‏.‏واستدعاه فسار من الأهواز إلى واسط وقد كان لحق بها الملك العزيز بن جلال الدولة ومعه جماعة من الأتراك‏.‏فلما وصل أبو كاليجار فارقها الملك العزيز إلى النعمانية واستولى أبو كاليجار على واسط‏.‏ووفد عليه دبيس وبعث إلى قرواش صاحب الموصل والأثير عنبر عنده وأمرهما أن ينحدرا إلى العراق فانحدرا ومات الأثير عنبر بالكحيل‏.‏ورجع قرواش وجمع جلال الدولة العساكر واستنجد أبا الشوك وغيره وسار إلى واسط وضاقت عليه الأمور وأشار عليه أصحابه بمخالفة أبي كاليجار إلى الأهواز لأخذ أمواله وأشار أصحاب أبي كاليجار بمخالفة جلال الدولة إلى العراق‏.‏وبينما هم في ذلك جاءهم الخبر من أبي الشوك بمسير عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ويشير بإجماع الكلمة وبعث أبو كاليجار بكتابه إلى جلال الدولة فلم يعرج عليه‏.‏وسار إلى الأهواز ونهبها وأخذ من دار الإمارة خاصة مائتي ألف عينار سوى أموال الناس وأخذت والدة أبي كاليجار وبناته وعياله وحملن إلى بغداد‏.‏وسار جلال الدولة لاعتراضه وتخلف عنه دبيس بن مزيد خشية أحيائه من خفاجة والتقى أبو كاليجار وجلال الدولة في ربيع سنة إحدى وعشرين فاقتتلوا ثلاثاً‏.‏ثم انهزم أبو كاليجار وقتل من أصحابه نحو من ألفين ورجع إلى الأهواز وأتاه العادل بن مافنة بمال أنفقه في جنده ورجع جلال الدولة إلى واسط واستولى عليها وأنزل ابنه العزيز بها ورجع‏.‏

استيلاء محمود بن سبكتكين صاحب خراسان على بلاد الري والجبل وأصفهان
كان مجد الدولة بن فخر الدولة متشاغلاً بالنساء والعلم وتدبير ملكه لأمه وتوفيت سنة تسع عشرة فاختلفت أحواله وطمع فيه جنده فكتب إلى محمود بن سبكتكين يشكل إليه فبعث إليه عسكراً مع حاجبه وأمره بالقبض عليه فركب مجد الدولة لتلقيه فقبض عليه وعلى ابنه أبي دلف وطير بالخبر إلى محمود فجاء إلى الري ودخلها في ربيع الآخر سنة عشرين وأخذ منها مال مجد الدولة ألف ألف دينار ومن الجواهر قيمة خمسمائة ألف دينار وستة آلاف ثوب ومن الحرير والآلات ما لا يحصى‏.‏وبعث بمجد الدولة إلى خراسان فاعتقل بها‏.‏ثم ملك قزوين وقلاعها ومدينة ساوة وآوة ويافث وقبض على صاحبها ولكين وبعث به إلى خراسان وقتل عن الباطنية خلقاً ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجامة وملك حدود أرمينية وخطب له علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان واستخلف على الري ابنه مسعوداً فافتتح زنجان وأبهر ثم ملك أصفهان من يد علاء الدولة واستخلف عليها بعض أصحابه فثار به أهل أصفهان وقتلوه فسار إليها وفتك فيهم ويقال قتل منهم خمسة آلاف قتيل وعاد إلى الري فأقام بها‏.‏

أخبار الغز بالري وأصفهان وأعمالها وعودهما إلى علاء الدولة
قد تقدم لنا في غير موضع بداية هؤلاء الغز وأنهم كانوا بمفازة بخارى وكانوا فريقين أصحاب أرسلان بن سلجوق وأصحاب بني أخيه ميكائيل بن سلجوق وأن يمين الدولة محمود بن سبكتكين لما ملك بخارى وما وراء النهر قبض على أرسلان بن سلجوق وسجنه بالهند ونهب أحياءه‏.‏ثم نهض إلى خراسان ولحق بعضهم بأصفهان وبعث محمود في طلبهم إلى علاء الدولة بن كاكويه فحاول على أخذهم وشعروا ففروا إلى نواحي خراسان وكثر عيثهم فأوقع بهم تاش الفوارس قائد مسعود بن سبكتكين فساروا إلى الري قاصدين أذربيجان وكانوا يسمون العراقية وكان أمراء هذه الطائفة كوكتاش ويرفأ وقزل ويعمر وناصفلي فلما انتهوا إلى الدامغان خرج إليهم عسكرها فلم يطيقوا دفاعهم فتحصنوا بالجبل‏.‏ودخل الغز البلد ونهبوه ثم فعلوا في سمنان مثل ذلك ثم في جوار الري وفي اسحاقاباذ وما جاورها من القرى‏.‏ثم ساروا إلى مسكويه من أعمال الري فنهبوها وكان تاش الفوارس قائد بني سبكتكين بخراسان ومعه أبو سهل الحمدوني من قوادهم فاستنجدوا مسعود بن سبكتكين وصاحب جرجان وطبرستان فأنجداهم وقاتلا الغز فانهزما وقتل تاش الفوارس‏.‏وسار إلى الري أبو سهل الحمدوني فهزموه وتحصن بقلعة طبرك ودخل الغز الري ونهبوه ثم قاتلوه ثانياً فأسر منهم ابن أخت لعمر من قوادهم فبذلوا فيه ثلاثين ألف دينار وإعادة ما أخذوا من عسكر تاش من المال والأسرى فأبى أبو سهل من إطلاقه وخرج الغز من الري ووصل عسكر جرجان وقاتلوا الغز عندما قاربوا الري وأسروا قائدهم وألفين معه وساروا إلى أذربيجان وذلك سنة سبع وعشرين‏.‏ولما سار الغز إلى أذربيجان سار علاء الدولة إلى الري فدخلها بدعوة مسعود بن سبكتكين وأرسل إلى أبي سهل الحمدوني أن يضمنه على البلد مالاً فأبى فأرسل علاء الدولة يستدعي الغز فرجع إليه بعضهم وأقام عنده‏.‏ثم استوحشوا منه وعادوا إلى العيث بنواحي البلاد فكرر علاء الدولة مراسلة أبي سهل في الضمان ليكون في طاعة مسعود بن سبكتكين‏.‏وكان أبو سهل بطبرستان فأجابه وسار إلى نيسابور وملك علاء الدولة الري‏.‏ثم اجتمع أهل أذربيجان لمدافعة الغز الذين طرقوا بلادهم وانتقموا من الغز فافترقوا فسارت طائفة إلى الري ومقدمهم يرفأ وطائفة إلى همذان ومقدمهم منصور وكوكتاش فحاصروا بها أبا كاليجار بن علاء الدولة‏.‏وأنجده أهل البلاد على دفاعهم وطال حصارهم لهمذان حتى صالحهم أبو كاليجار وصاهر كوكتاش‏.‏وأما الذين قصدوا الري فحاصروا بها علاء الدولة بن كاكويه وانضم إليهم فناخسرو بن مجد الدولة وكامد صاحب ساوة فطال حصارهم وفارق البلد في رجب ليلاً إلى أصفهان وأجفل أهل البلد وتمزقوا ودخلها الغز من الليل واستباحوها‏.‏وأتبع علاء الدولة جماعة منهم فلم يدركوه فعدلوا إلى كرج ونهبوها ومضى ناصفلي منهم إلى قزوين فقاتلهم حتى صالحوه على سبعة آلاف دينار وصاروا إلى طاعته‏.‏ولما ملكوا الري رجعوا إلى حصار همذان ففارقها أبو كاليجار وصحبه الوجوه والأعيان وتحصنوا بكنكون‏.‏وملك الغز همذان ومقدمهم كوكتاش ومنصور ومعهم فناخسرو بن مجد الدولة في عدد من الديلم فاستباحوها وبلغت سراياهم إلى أستراباذ وقرى الدينور وقاتلهم صاحبها أبو الفتح بن أبي الشوك فهزمهم وأسر منهم حتى صالحوه على إطلاقهم فأطلقهم‏.‏ثم راسلوا أبا كاليجار بن علاء الدولة في التقدم عليهم يدبر ملكهم بهمذان فلما جاءهم وثبوا به فنهبوا ماله وانهزم وخرج علاء الدولة من أصفهان فوقع في طريقه بطائفة من الغز فظفر بهم ورجع إلى أصفهان منصوراً‏.‏ولما أجاز الفريق الثاني من الغز السلجوقية من وراء النهر وهم أصحاب طغرلبك وداود وجفر بيك وبيقوا وأخوهم إبراهيم نيال في العسكر لاتباع هؤلاء الذين بالري وهمذان ساروا إلى أذربيجان وديار بكر والموصل وافترقوا عليها وفعلوا فيها الأفاعيل كما تقدم في أخبار قرواش صاحب الموصل وابن مروان صاحب ديار بكر وكما يأتي في أخبار ابن وهشودان‏.‏

استيلاء مسعود بن سبكتكين على همذان وأصفهان والري
ثم عودها إلى علاء الدولة بن كاكويه ولما فارق الغز همذان بعث إليها مسعود بن سبكتكين عسكراً فملكوها وسار هو إلى أصفهان فهرب عنها علاء الدولة واستولى على ما كان بها من الذخائر ولحق علاء الدولة إلى أبي كاليجار بتستر يستنجده عقب انهزامه أمام جلال الدولة سنة إحدى وعشرين كما قدمنا فوعده بالنصر إذا اصطلح مع عمه جلال الدولة‏.‏ثم توفي محمود بن سبكتكين ورجع مسعود من خراسان وكان فناخسرو بن مجد الدولة معتصماً بعمران فطمع في الري وجمع جمعاً من الديلم والأكراد وقصدها فهزمه نائب مسعود بها وقتل جماعة من عسكره وعاد إلى حصنه‏.‏وعاد علاء الدولة من عند أبي كاليجار وقد كان خائفاً من مسعود أن يسير إليهم ولا طاقة لهم به فجاء بعد موت محمود وملك أصفهان وهمذان والري وتجاور إلى أعمال أنوشروان وسروا إليه بالري واشتد القتال وغلبوه على الري ونهبوها ونجا علاء الدولة جريحاً إلى قلعة فردخان على خمسة عشر فرسخاً من همذان فاعتصم بها وخطب بالري وأعمال أنوشروان لمسعود بن سبكتكين وولى عليها تاش الفوارس فأساء السيرة فولى علاء الدولة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:29 PM

استيلاء جلال الدولة على البصرة ثم عودها لأبي كاليجار
قد كنا قدمنا أن جلال الدولة خالف أبا كاليجار إلى الأهواز واتبعه أبو كاليجار من واسط فهزمه جلال الدولة ورجع إلى واسط فارتجعها‏.‏وبعث أبو منصور بختيار بن علي نائباً لأبي كاليجار فبعث أربعمائة سفينة للقائهم مع عبد الله السراني الركازي صاحب البطيحة فانهزموا وعزم بختيار على الهرب‏.‏ثم ثبت وأعاد السفن لقتالهم والعسكر في البر وجاء الوزير أبو علي لحربهم في سفينة فلما وصل نهر أبي الخصيب وبه عساكر بختيار رجع مهزوماً وتبعه أصحاب بختيار‏.‏ثم ركب بختيار بنفسه وأخفوا سفن أبي علي كلها وأخذوه أسيراً‏.‏وبعثه بختيار إلى أبي كاليجار فقتله بعض غلمانه اطلع له على ريبة وخشية فقتله‏.‏وكان قد أحدث في ولايته رسوماً جائرة من المكوس ويعين فيها‏.‏ولما بلغ خبره إلى جلال الدولة استوزر مكانه ابن عمه أبا سعد عبد الرحيم وبعث الأجناد لنصرة الذين كانوا معه فملكوا البصرة في شعبان سنة إحدى وعشرين ولحق بختيار بالأبلة في عساكره واستمد أبا كاليجار فبعث إليه العساكر مع وزيره في السعادات أبي الفرج بن فسانجس فقاتلوا عساكر جلال الدولة بالبصرة فانهزم بختيار أولاً وأخذ كثير من سفنه‏.‏ثم اختلف أصحاب جلال الدولة بالبصرة وتنازعوا وافترقوا واستأمن بعضهم إلى ذي السعادات فركبوا إلى البصرة وملكوها وعادت لأبي كليجار كما كانت‏.‏

وفاة القادر ونصب القائم للخلافة
وفي ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة توفي الخليفة القادر لإحدى وأربعين سنة من خلافته وكان مهيباً عند الديلم والأتراك‏.‏ولما مات نصب جلال الدولة للخلافة ابنه القائم بأمر الله أبا جعفر عبد الله بعد أبيه ولقبه القائم وبعث القاضي أبا الحسن الماوردي إلى أبي كاليجار في الطاعة فبايع وخطب له في بلاط وأرسل إليه بهدايا جليلة وأموال ووقعت الفتنة ببغداد في تلك الأيام بين السنة والشيعة ونهبت دور اليهود وأحرقت من بغداد أسواق وقتل بعض جباة المكس وثار العيارون‏.‏ثم هم الجند بالوثوب على جلال الدولة وقطع خطبته ففرق فيهم الأموال فسكتوا‏.‏ثم عاودوا فلزم جلال الدولة الأصاغر فشكا من قواده الأكابر وهما بأرسطعان وبلدوك وأنهما استأثرا بالأموال فاستوحشا لذلك وطالبهما الغلمان بعلوفتهم وجراياتهم فسارا إلى المدائن وندم الأتراك على ذلك‏.‏وبعث جلال الدولة مؤيد الملك الرجحي فاسترضاهما ورجعا‏.‏وزاد شغب الجند عليه ونهبوا دوابه وفرشه وركب إلى دار الخليفة مغضباً من ذلك وهو سكران فلاطفه ورده إلى بيته‏.‏ثم زاد شغبهم وطالبوه في الدواب لركوبهم فضجر وأطلق ما كان في اسطبله من الدواب وكانت خمس عشرة وتركها عاثرة وصرف حواشيه وأتباعه لانقطاع خزائنه فعوتب بتلك الفتنة وعزل وزيره عميد الملك ووزر بعده أبو الفتح محمد بن الفضل أياماً ولم يستقم أمره فعزله ووزر بعده أبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسين السهيلي وزير مأمون صاحب خوارزم وهرب لخمسة وعشرين يوماً‏.‏وثوب الأتراك ببغداد بجلال الدولة بدعوة أبي كاليجار ثم رجوعهم إلى جلال الدولة ثم تجددت الفتنة بين الأتراك وجلال الدولة سنة ثلاث وعشرين في ربيع الأول فأغلق بابه ونهب الأتراك داره وسلبوا الكتاب وأصحاب الدواوين‏.‏وهرب الوزير أبو إسحق السهيلي إلى حي غريب بن محمد بن معن‏.‏وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وخطبوا لأبي كاليجار واستدعوه من الأهواز فمنعه العادل بن مافنة إلى أن يحضره بين قوادهم فعادوا إلى جلال الدولة وتطارحوا عليه فعاد لثلاث وأربعين يوماً من مغيبه‏.‏واستوزر أبا القاسم بن ماكولا ثم عزله لفتنة الأتراك به وإطلاق بعض المصادرين من يده‏.‏

استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانياً ثم عودها لأبي كاليجار
ثم توفي أبو منصور بختيار بن علي نائب أبي كاليجار بالبصرة منتصف أربع وعشرين فقام مكانه صهره أبو القاسم لاضطلاعه وكفايته واستبد بها ونكر أبو كاليجار استبداعه وبعث بعزله فامتنع وخطب لجلال الدولة‏.‏وبعث لابنه يستدعيه من واسط فجاء وملك البصرة وطرد عساكر أبي كاليجار‏.‏ثم فسد ما بين أبي القاسم والعزيز واستجار منه بعض الديلم بالعزيز وشكوا منه فأخرجه العزيز عن البصرة وأقام بالأبلة ثم عاد إلى محاربة العزيز حتى أخرجه عن البصرة ورجع أبو القاسم إلى طاعة أبي كاليجار‏.‏

إخراج جلال الدولة من دار الملك ثم عوده
وفي رمضان من سنة أربع وعشرين استقدم جلال الدولة الوزير أبا القاسم فاستوحش الجند واتهموه بالتعرض لأموالهم فهجموا عليه في دار الملك وأخرجوه إلى مسجد في داره فاحتمل جلال الدولة الوزير أبا القاسم وانتقل إلى الكرخ‏.‏وأرسل إليه الجند بأن ينحدر عنهم إلى واسط على رسمه ويقيم لإمارتهم بعض ولده الأصاغر فأجاب وبعث إليهم واستمالهم فرجعوا عن ذلك واستردوه إلى داره وحلفوا له على المناصحة‏.‏واستوزر عميد الدولة أبا سعد سنة خمس وعشرين عوضاً من ابن ماكولا فاستوحش ابن ماكولا وسار إلى عكبرا فرده إلى وزارته وعزل أبا سعد فبقي أياماً‏.‏ثم فارقها إلى أوانا فأعاد أبا سعد عبد الرحيم إلى وزارته‏.‏ثم خرج أبو سعد هارباً من الوزارة ولحق بأبي الشوك ووزر بعده أبو القاسم فكثرت مطالبات الجند له وهرب لشهرين فحمل إلى دار الخلافة مكشوف الرأس وأعيد أبو سعد إلى الوزارة وعظم فساد العيارين ببغداد‏.‏وعجز عنهم النواب فولي جلال الدولة البساسيري من قواد الديلم حماية الجانب الغربي ببغداد فحسن فيه غناؤه وانحل أمر الخلافة والسلطنة ببغداد حتى أغار الأكراد والجند على بستان الخليفة ونهبوا ثمرته‏.‏وطلب أولئك الجند جلال الدولة فعجز عن الانتصاف منهم أو إسلامهم للخليفة فتقدم الخليفة إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل رسومهم فوجم جلال الدولة وحمل أولئك الجند بعد غيبتهم أياماً إلى دار الخليفة فاعترضهم أصحابهم وأطلقوهم وعجز النواب عن إقامة الأحكام في العيارين ببغداد وانتشر العرب في ضواحي بغداد وعاثوا فيها حتى سلبوا النساء في المقابر عند جامع المنصور وشغب الجند سنة سبع وعشرين بجلال الدولة فخرج متنكراً في سيما بدوي إلى دار المرتضى بالكرخ ولحق منها برافع بن الحسين بن معن بتكريت ونهب الأتراك داره وخربوها‏.‏ثم أصلح القائم أمر الجند وأعاده ، ^? قد قدمنا ذكر بادسطفان هذا وأنه من أكابر قواد الديلم ويلقب حاجب الحجاب وكان جلال الدولة ينسبه لفساد الأتراك والأتراك ينسبون إلى إحجاز الأموال فاستوحش واستجار بالخليفة منتصف سبع وعشرين فأجاره وكان يراسل أبا كاليجار ويستدعيه فبعث أبو كاليجار عسكراً إلى واسط وثار معهم العسكر الذين بها وأخرجوا العزيز بن جلال الدولة إلى بغداد وكشف بادسطفان القناع في الدعاء لأبي كاليجار وحمل الخطباء على الخطبة لامتناع الخليفة منها‏.‏وجرت بينه وبين جلال الدولة حرب وسار إلى الأنبار وفارقه قرواش إلى الموصل وقبض بادسطفان على ابن فسانجس فعاد منصور الحسين إلى بلده‏.‏ثم جاء الخبر بأن أبا كاليجار سار إلى فارس فانتقض عن بادسطفان الديلم الذين كانوا معه وترك ماله وخدمه وما معه بدار الخليفة القائم وانحدر إلى واسط‏.‏وعاد جلال الدولة إلى بغداد وبعث البساسيري وبني خفاجة في طلب بادسطفان وسار هو ودبيس في اتباعهم فلحقوه بالخيزرانية فقاتلوه وهزموه وجاؤوا به أسيراً إلى جلال الدولة ببغداد وطلب من القائم أن يخطب له ملك الملوك فوقف ذلك إلا أن يكون بفتوى الفقهاء فأفتاه القضاة أبو الطيب الطبري وأبو عبد الله الصيمري وأبو القاسم الكرخي بالجواز ومنع أبو الحسن الماوردي وجرت بينهم مناظرات حتى رجحت فتواهم وخطب له بملك الملوك‏.‏وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة فخجل وانقطع عنه ثلاثة مصالحة جلال الدولة وأبي كاليجار ثم ترددت الرسل بين جلال الدولة وأبي كاليجار ابن أخيه وتولى ذلك القاضي الحسن الماوردي وأبو عبد الله المردوسي فانعقد بينهما الصلح والصهر لأبي منصور أبي كاليجار على ابنة جلال الدولة وأرسل القائم إلى أبي كاليجار بالخلع النفيسة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:29 PM

عزل الظهير أبي القاسم عن البصرة واستقلال أبي كاليجار بها
قد قدمنا حال الظهير أبي القاسم في ملك البصرة بعد صهره أبي منصور بختيار وأنه عصى على أبي كاليجار بدعوة جلال الدولة‏.‏ثم عاد إلى طاعته واستبد بالبصرة وكان ابن أبي القاسم بن مكرم صاحب عمان يكاتب أبا الجيش وأبا كاليجار بزيادة ثلاثين ألف دينار في ضمان البصرة فأجيب إلى ذلك وجهز له أبو كاليجار العساكر مع العادل أي منصور بن مافنة وجاء أبا الجيش بعساكره في البحر من عمان وحاصروا البصرة براً وبحراً وملكوها وقبض على الظهير واستصفيت أمواله وصودر على تسعين ألفاً فحملها في عشرة أيام ثم على مائة ألف وعشرة آلاف فحملها كذلك ووصل الملك أبو كاليجار إلى البصرة سنة إحدى وثلاثين وأنزل بها ابنه عز الملوك والأمير أبا الفرج بن فسانجس وعاد إلى الأهواز ومعه الظهير أبو القاسم‏.‏

أخبار عمان وابن مكرم
قد قدمنا خبر أبي محمد بن مكرم وأنه كان مدبر لدولة بهاء الدولة وقبله ابنه أبو الفوارس وأن ابنه أبا القاسم كان أميراً بعمان منذ سنة خمس عشرة ثم توفي سنة إحدى وثلاثين وخلف بنين أربعة وهم‏:‏ أبو الجيش والمهذب وأبو محمد وآخر صغير لم يذكر اسمه‏.‏وكان علي بن هطال صاحب جيش أبي القاسم فأقره أبو الجيش وبالغ في تعظيمه حتى كان يقوم له إذا دخل عليه في مجلسه فنكر ذلك المهذب على أخيه وحقدها له ابن هطال فعمل دعوة واستأذن أبا الجيش في إحضار أخيه المهذب لها وأحضره وبالغ في خدمته حتى إذا طعموا وشربوا وانتشوا فاوضه ابن هطال في التوثب بأخيه أبي الجيش واستكتبه بما يوليه من المراتب ويعطيه من الإقطاع على مناصحته في ذلك‏.‏ثم وقف أبا الجيش على خطة أخبره أنه لم يوافقه ثم قال له‏:‏ وبسبب ذلك كان نكيره عليك في شأني فقبض أبو الجيش على أخيه واعتقله ثم خنقه‏.‏ثم توفي أبو الجيش بعد ذلك بيسير وهم ابن هطال بتولية أخيه محمد فأخفته أمه حذراً عليه ورفعت الأمر إلى ابن هطال فولي عمان وأساء السيرة وصادر التجار وبلغ ذلك إلى أبي كاليجار فأمر العادل أبا منصور بن مافنة أن يكاتب المرتضى نائب أبي القاسم بن مكرم بجبال عمان ويأمره بقصد ابن هطال في عمان‏.‏وبعث إليه العساكر من البصرة فسار إلى عمان وحاصرها واستولى على أكثر أعمالها‏.‏ثم دس إلى خادم كان لابن مكرم وصار لابن هطال وأمره باغتياله فاغتاله وقتله ، ^? ومات العادل أبو منصور بهرام بن مافنة وزير أبي كاليجار سنة ثلاث وثلاثين ووزر بعده مهذب الدولة وبعث لمدافعتهم عنها وكانوا يحاصرون جيرفت فأجفلوا عنها ولم يزل في اتباعهم حتى دخلوا المفازة ورجع مهذب الدولة إلى كرمان فأصلح فسادهم‏.‏

وفاة جلال الدولة سلطان بغداد وولاية أبي كاليجار
ثم توفي جلال الدولة ببغداد في شعبان سنة خمس وثلاثين وأربعمائة لسبع عشرة سنة من ملكه وقد كان بلغ في الضعف وشغب الجند عليه واستبداد الأمراء والنواب فوق الغاية‏.‏ولما توفي انخذل الوزير كمال الملك عبد الرحيم وأصحاب السلطان الأكابر إلى حريم دار الخلافة خوفاً من الأتراك والعامة واجتمع قواد العسكر فمنعوهم من النهب وكان ابنه الأكبر الملك العزيز أبو منصور بواسط فكاتبه الجند بالطاعة وشرطوا عليه تعجيل حق البيعة فأبطأ عنهم‏.‏وبادر أبو كاليجار صاحب الأهواز فكاتبهم ورغبهم في المال وتعجيله فعدلوا عن الملك العزيز إليه‏.‏وأصعد بعد ذلك من الأهواز فلما انتهى إلى النعمانية غدر به أصحابه فرجع إلى واسط وخطب الجند ببغداد لأبي كاليجار‏.‏وسار العزيز إلى دبيس بن مزيد ثم إلى قرواش بن المقلد بالموصل ثم فارقه إلى أبي الشوك لصهر بينهما فغدر به وألزمه على طلاق بنته فسار إلى إبراهيم نيال أخي طغرلبك‏.‏ثم قدم بغداد مختفياً يروم الثورة بقتل بعض أصحابه ففر ولحق بنصير الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين وقدم أبو كاليجار بغداد في صفر سنة ست وثلاثين وأربعمائة وخط له بها‏.‏واستقر سلطانه فيها بعد أن بعث بأموال فرقت على الجند ببغداد وبعشرة آلاف دينار وهدايا كثيرة للخليفة‏.‏وخطب له فيها أبو الشوك ودبيس بن مزيد كل بأعماله ولقبه الخليفة بمحيي الدولة‏.‏وجاء في قل من عساكره خوفاً أن يستريب به الأتراك فدخل بغداد في شهر رمضان ومعه وزيره أبو السعادات أبو الفرج محمد بن جعفر فسانجس واستعفى القائم من الركوب للقائه وتقدم بإخراج عميه من بغداد فمضيا إلى تكريت وخلع على أصحاب الجيوش وهم البساسيري والساري والهمام أبو اللقاء وثبت قدمه في الملك‏.‏

أخبار ابن كاكويه مع عساكر مسعود وولايته على أصفهان ثم ارتجاعه
منها قد تقدم انهزام علاء الدولة بن كاكويه من الري ومسيره جريحاً ومعه فرهاد بن مرداويج الذي جاءه إلى قلعة فردخان مدداً وساروا منها إلى يزدجرد واتبعهم علي بن عمران قائد تاش قرواش‏.‏وافترقوا من يزدجرد فمضى أبو جعفر إلى نيسابور عند الأكراد الجردقان وصعد فرهاد إلى قلعة سمكيس واستمال الأكراد الذين مع علي بن عمران وحملهم على الفتك به فشعر علي وسار إلى همذان واتبعه فرهاد والأكراد فحصروه في قرية بطريقه فامتنع عليهم بكثرة الأمطار ورجعوا عنه وبعث علي بن عمران إلى الأمير تاش يستمده وعلاء الدولة إلى ابن أخيه بأصفهان يستمد المال والسلاح فاعترضه علي بن عمران من همذان وكبسه بجردقان وغنم ما معه وأسره وخالفه علاء الدولة وأقره على أصفهان على ضمان معلوم‏.‏وكذلك قابوس في جرجان وطبرستان وولى على الري أبا سهل الحمدوني‏.‏وأمر تاش قرواش صاحب خراسان بطلب شهربوس بن ولكين صاحب ساوة وكان يفسد السابلة ويعترض الحاج وسار إلى الري وحاصرها بعد موت محمود فبعث تاش العساكر في أثره وحاصروه ببعض قلاع قم وأخذوه أسيراً فأمر بصلبه على ساوة ثم اجتمع علاء الدولة بن كاكويه وفرهاد بن مرداويح على قتال أبي سهل الحمدوني وقد زحف في العساكر من خراسان فقاتلاه وقتل فرهاد وانهزم علاء الدولة إلى جبل بين أصفهان وجرجان فاعتصم به‏.‏ثم لحق بأيدج وهي للملك أبي كاليجار‏.‏واستولى أبو سهل على أصفهان ونهب خزائن علاء الدولة وحملت كتبه إلى غزنة إلى أن أحرقها الحسين بن الحسين الغوري وذلك سنة خمس وعشرين‏.‏ثم سار علاء الدولة سنة سبع وعشرين وحاصر أبا سهل في أصفهان وغدرته الأتراك فخرج إلى يزدجرد ومنها إلى الطرم فلم يقبله ابن السلار خوفاً من ابن سبكتكين فسار عنه‏.‏ثم غلبه طغرلبك على خراسان سنة تسع وعشرين وارتجعها مسعود سنة ثلاثين كما ذكرناه ونذكره ، ^? ثم توفي علاء الدولة شهربان بن كاكويه في محرم سنة ثلاث وثلاثين وقد كان عاد إلى أصفهان عند شغل بن سبكتكين بفتنة طغرلبك فملكها‏.‏ولما توفي قام مكانه بأصفهان ابنه الأكبر ظهير الدين أبو منصور قرامرد‏.‏وسار ولده الآخر أبو كاليجار كرشاسف إلى نهاوند فملكها وضبط البلد وأعمال الجيل‏.‏وبعث أبو منصور قرامرد إلى مستحفظ قلعة نظير التي كان فيها ذخائر أبيه وأمواله فامتنع بها وعصى وسار أبو منصور لحصاره ومعه أخوه أبو حرب فلحق أبو حرب بالمستحفظ ورجع أبو منصور إلى أصفهان‏.‏وبعث أبو حرب إلى السلجوقية بالري يستنجدهم فسارت طائفة منهم إلى جرجان فنهبوها وسلموها لأبي حرب‏.‏فسير أبو منصور العساكر وارتجعها فجمع أبو حرب فهزموه وحاصروا أبو حرب بالقلعة فأسرى من القلعة ولحق بالملك أبي كاليجار صاحب فارس واستنجده على أخيه أبي منصور فأنجده بالعساكر وحاصروا أبا منصور وأوقعوه عدة وقائع‏.‏ثم اصطلحوا آخراً على مال يحمله أبو منصور إلى أبي كاليجار وعاد أبو حرب إلى قلعة نظيرا واشتد الحصار عليه‏.‏ثم صالح أخاه أبا منصور على أن يعطيه بعض ما في القلعة وتبقى له فاتفقا على ذلك‏.‏ثم سار إبراهيم نيال إلى الري وطلب الموادعة من أبي منصور فلم يجبه فسار إلى همذان ويزدجرد فملكهما وسعى الحسن الكيا في اتفاقه مع أخيه أبي حرب فاتفقا ثم ملك طغرلبك البلاد من يد ابن سبكتكين واستولى على خوارزم وجرجان وطبرستان‏.‏وكان إبراهيم نيال عندما استولى طغرلبك على خراسان وهو أخوه لأمه تقدم في عساكر السلجوقية إلى الري فاستولى عليها‏.‏ثم ملك يزدجرد ثم قصد همذان سنة أربع وثلاثين ففارقها صاحبها ابن علاء الدولة إلى نيسابور وجاء إبراهيم إلى همذان بطلب طاعتهم فشرطوا عليه استيلاءه على عساكر كرشاسف فسار إليها وتحصن في سابور خواست وملك عليه البلاد وعاث في نواحيها وتحصن هو بالقلعة وعاد هو إلى الري‏.‏وقد صمم طغرلبك على قصدها فسار إليه وترك همذان ورجع كرشاسف وملك طغرلبك الري من يد إبراهيم‏.‏وبعث إلى سجستان وأمر بعمارة ما خرب من الري ووجد بدار الإمارة مراكب ذهب مرصعة بالجواهر وبرنيتين من النحاس مملوءتين جواهر وذخائر مما سوى ذلك وأموالاً كثيرة‏.‏ثم ملك قلعة طبرك من يد مجد الدولة بن بويه وأقام عنده مكرماً‏.‏وملك قزوين فصالحه صاحبها بثمانين ألف دينار وصار في طاعته‏.‏ثم بعث إلى كركتاش وموقا من الغز العراقية الذين تقدموا إلى الري واستدعاهم من نواحي جرجان فارتابوا وشردوا خوفاً منه ثم بعث إلى ملك الديلم يدعوه إلى الطاعة ويطلب منه المال فأجاب وحمل وبعث إلى سلار الطرم بمثل ذلك فأجاب وحمل مائتي ألف دينار وقرر عليه ضماناً معلوماً‏.‏ثم بعث السرايا إلى أصفهان وخرج من الري في اتباعها فصانعه قرامرد بالمال فرجع عنه‏.‏وسار إلى همذان فملكها وقد كان سار إليه كرشاسف بن علاء الدولة وهو بالري فأطاعه وسار معه إلى أبهر وزنجان فملكهما وأخذ منه همذان وتفرق عنه أصحابه‏.‏وطلب منه طغرلبك قلعة كشكور فأرسل إلى مستحفظها بنزولهم عنها فامتنعوا واتبعه طغرلبك إلى الري واستخلف على همذان ناصر الدين العلوي وكان كرشاسف قد قبض عليه فأخرجه طغرلبك وجعله رديفاً للذي ولاه البلد من السلجوقية ثم نزل كرشاسف على كشكور سنة ست وثلاثين وجاء إلى همذان فملكها وطرد عنها عمال طغرلبك‏.‏وخطب للملك أبي كاليجار فبعث طغرلبك أخاه إبراهيم نيال سنة سبع وثلاثين إلى همذان ولحق كرشاسف بشهاب الدولة أبي الفوارس منصور بن الحسين صاحب جزيرة بني دبيس وارتاع الناس بالعراق لوصول إبراهيم نيال إلى حلوان‏.‏وبلغ الخبر إلى أبي كاليجار فأراد التجمع لإبراهيم نيال فمنعه قلة الظهر‏.‏وحدثت فتنة بين طغرلبك وأخيه إبراهيم نيال وأخذ الري وبلاد الجيل من يده‏.‏ثم سار إلى أصفهان فحاصرها في محرم سنة اثنين وأربعين وبعث السرايا فبلغت البيضاء وأقام يحاصرها حولاً كاملاً حتى جهدهم الحصار وعدموا الأقوات وحرقوا السقف لوقودهم حتى سقف الجامع‏.‏ثم استأمنوا وخرجوا إليه وملك أصفهان سنة ثلاث وأربعين وأقطع صاحبها أبا منصور وأجناده في بلاد الجيل‏.‏ونقل أمواله وسلاحه من الري إليها وجعلها كرسياً لملكه‏.‏وانقرضت دولة فخر الدولة بن بويه من الري وأصفهان وهمذان‏.‏وبقي منهم بالعراق وفارس أبو كاليجار والبقاء لله وحده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:30 PM

موت أبي كاليجار
ولما رأى أبو كاليجار استيلاء طغرلبك على البلاد وأخذه الري وأصفهان وهمذان والجيل من قومه وإزالة ملكهم راسله في الصهر والصلح بأن يزوجه ابنته وزوج داود أخو طغرلبك ابنته من أبي منصور بن أبي كاليجار وانعقد ذلك بينهما في منتصف تسع وثلاثين‏.‏وكتب طغرلبك إلى أخيه إبراهيم نيال عن العراق وأعماله ابن سكرستان من الديلم وقرر عليه مالاً فطاول في حمله ورافع فشكر له أبو كاليجار وانتزع من يده قلعة يزدشير وهي تعلقه‏.‏ثم استمال أجناده فقتلهم بهرام واستوحش فسار إليه أبو كاليجار وانتهى إلى قصر مجامع من خراسان فطرقه المرض وضعف عن الركوب فرجعوا به إلى مدينة خبايا وتوفي بها في جمادى الأول سنة أربعين وأربعمائة لأربع سنين وثلاثة أشهر من ملكه العراق‏.‏ولما توفي نهب الأتراك خزائنه وسلاحه ودوابه وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور وكانت منفردة عن العسكر فأقام عنده واختلف الأتراك والديلم وأراد الأتراك نهب الأمير والوزير فمنعهم الديلم واختلفوا إلى شيراز فملكها الأمير أبو منصور وامتنع الوزير بقلعة حزقة‏.‏وبلغ وفاة أبي كاليجار إلى بغداد وبها ابنه أبو نصر فاستخلف الجند‏.‏وأمر القائم بالخطبة على عادة قومه‏.‏وسأل أن يلقب بالرحيم فمنع الخليفة من ذلك أدباً ولقبه به أصحابه واستقر بالعراق وخوزستان والبصرة‏.‏وكان بالبصرة أخوه أبو علي فأقره عليها‏.‏ثم بعث أخاه أبا سعد في العساكر في شوال من السنة إلى شيراز فملكها وخطبوا له بها وقبضوا على أخيه أبي منصور وأمه وجاؤوا بهما إليه‏.‏وكان الملك العزيز بن جلال الدولة عند إبراهيم نيال الحق به بعد مهلك أبيه‏.‏فلما مات أبو كاليجار زحف إلى البصرة طامعاً في ملكها فدافعه الجند الذين بها‏.‏وبلغه استقامة الملك ببغداد للرحيم فأقطع وذهب إلى ابن مروان فهلك عنده كما مر‏.‏

ملك الملك الرحيم بن أبي كاليجار ومواقعه
قد تقدم لنا أن أبا منصور فلاستون بن أبي كاليجار سار إلى فارس بعد موت أبيه فملكها وأنه بعث أخاه أبا سعيد بالعساكر فقبضوا عليه وعلى أمه ثم انطلق ولحق بقلعة اصطخر ببلاد فارس فسار الملك الرحيم من الأهواز في اتباعه سنة إحدى وأربعين وأطاعه أهل شيراز وجندها ونزل قريباً منها‏.‏ثم وقع الخلاف بين جند شيراز وبين جند بغداد وعادوا إلى العراق فعاد معهم الملك الرحيم لارتيابه بجند شيراز وبعث الجند والديلم جميعاً ببلاد فارس إلى أخيه فلاستون‏.‏ولما عاد استخلف العساكر وسار إلى أرجان عازماً على قصد الأهواز‏.‏وعاد الملك الرحيم للقائه من الأهواز في ذي القعدة من السنة واقتتلوا وانهزم الملك الرحيم وعاد إلى واسط منهزماً‏.‏وسار بعض إلى الملك الرحيم يستجيشون به للرجوع إلى فارس فأرسل إلى بغداد واستنفر الجند وسار إلى الأهواز فبلغه طاعة أهل فارس وأنهم منتظرون قدومه فأقام بالأهواز ينتظر عساكر بغداد‏.‏ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة ثلاث وأربعين‏.‏ثم اجتمع جمع من العرب والأكراد مقدمهم طراد بن منصور ومذكور بن نزار فقصدوا سرف فنهبوها ونهبوا درق‏.‏وبعث الملك الرحيم بعساكره في محرم سنة ثلاث وأربعين فهزموا العرب والأكراد وقتل مطارد وأسر ابنه واسترد النهب‏.‏وبلغ الخبر إلى الملك الرحيم وهو بعسكر مكرم فتقدم إلى قنطرة أربق ومعه دبيس بن مزيد والبساسيري وغيرهما‏.‏ثم سار هزارسب بن تنكر ومنصور بن الحسين الأسدي بمن معهما من الديلم والأتراك من أرجان إلى تستر فسابقهم الملك الرحيم فكان الظفر له‏.‏ثم زحف في عسكر إلى رامهرمز وبها أصحاب هزارسب فهزموهم وأثخنوا فيهم وتحيزوا إلى رامهرمز في طاعة الملك الرحيم‏.‏ثم قبض هزارسب عليهم وأرسل إلى الملك الرحيم بطاعته فبعث أخاه أبا سعيد إليه فملك إصطخر وخدمه أبو نصر بعسكره وماله وأطاعته جموع من عساكر فارس من الديلم والترك والعرب والأكراد وحاصروا قلعة بهندر فخالفه هزارسب ومنصور بن الحسين الأسدي إلى الملك الرحيم فهزموه‏.‏وفارق الأهواز إلى واسط وعاد إلى سعد بشيراز فقاتلهم وهزمهم‏.‏ثم عاودوا القتال فهزمهم وأثخن فيهم واستأمن إليه كثير منهم وصعد فلاستون إلى قلعة بهندر فامتنع بها وأعيدت الخطبة للملك الرحيم بالأهواز‏.‏ثم مضى فلاستون وهزارسب إلى أيدج وبعثوا بطاعتهم إلى السلطان طغرلبك واستمدوه وبعث إليهم العساكر والملك الرحيم بعسكر مكرم وقد انصرف عنه البساسيري إلى العراق ودبيس بن مزيد والعرب والأكراد وبقي معه ديلم الأهواز وأنزل بغداد فسار من عسكر مكرم إلى الأهواز وحاصروه بها فبعث أخاه أبا سعد صاحب فارس حين طلبه صاحب إصطخر ليفت في عضد فلاستون وهزارسب ويرجعوا عنه فلم يهجهم ذلك وساروا إلى الأهواز قاتلوه فهزموه‏.‏ولحق في الفل بواسط ونهبت الأهواز‏.‏وفقد في الوقعة الوزير كمال الملك أبو المعالي بن عبد الرحيم وكانت السلجوقية قد ساروا إلى فارس فاستولى ألب أرسلان ابن أخي طغرلبك على مدينة نسا وعاثوا فيها وذلك سنة ثلاث وأربعين‏.‏ثم ساروا سنة أربع وأربعين إلى شيراز ومعهم العادل بن مافنة وزير فلاستون فقبضوا عليه وملكوا منه ثلاث قلاع وسلموها إلى أبي سعد أخي الملك الرحيم واجتمعت عساكر شيراز فهزموا الغز الذين ساروا إليها وأسروا بعض مقدميهم‏.‏ثم ساروا إلى نسا وقد كان تغلب عليها بعض السلجوقية فأخرجوهم عنها وملكوها‏.‏

الفتنة بين البساسيري وبني عقيل واستيلاؤه على الأنبار
لما سار الملك الرحيم إلى شيراز سنة إحدى وأربعين ثار بعض بني عقيل باردوفا فنهبوها وعاثوا فيها وكانت من أقطاع البساسيري فلما عاد من فارس سار إليهم من بغداد فأوقع بأبي كامل بن المقلد واقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏ثم تحاجزوا ورفع إلى البساسيري أن قرواش أساء السيرة في أهل الأنبار وجاء أهلها متظلمين منه فبعث معهم عسكر فملكوها وجاء على أثرهم فأصلح أحوالها‏.‏وزحف قريش إليها سنة ست وأربعين فملكها وخطب فيها لطغرلبك ونهب ما كان فيها للبساسيري ونهب حلل أصحابه بانحاص‏.‏وجمع البساسيري وقصد الأنبار وخوي فاستعادها من يد قريش ورجع إلى بغداد‏.‏

استيلاء الخوارج على عمان
كان أبو المظفر بن أبي كاليجار أميراً على عمان وكان له خادم مستبد عليه فأساء السيرة في الناس ومد يده إلى الأموال فنفروا منه‏.‏وعلم بذلك الخوارج في جبالها فجمعهم ابن رشد منهم وسار إلى المدينة فبرز إليه أبو المظفر وظفر بالخوارج‏.‏ثم جمع ثانية وعاد لقتال أبي المظفر والديلم وأعانه عليهم أهل البلد لسوء سيرتهم فهزمهم ابن رشد وملك البلد وقتل الخادم وكثيراً من الديلم والعمال وأخرب دار الإمارة وأسقط المكوس واقتصر على ريع العشر من أموال التجار والواردين‏.‏وأظهر العدل ولبس الصوف وبنى مسجداً لصلاته وخطب لنفسه وتلقب الراشد بالله‏.‏وقد كان أبو القاسم بن مكرم بعث إليه من قبل ذلك من حاصره في جبله وأزال طمعه‏.‏

الفتنة بين العامة ببغداد
وفي صفر من سنة ثلاث وأربعين تجددت الفتنة ببغداد‏.‏بين أهل السنة والشيعة وعظمت وتظاهر الشيعة بمذاهبهم وكتبوا بعض عقائدهم في الأبواب وأنكر ذلك أهل السنة واقتتلوا‏.‏وأرسل القائم نقيبي العباسية والعلوية لكشف الحال فشهدوا للشيعة ودام القتال‏.‏وقتل رجل من الهاشمية من أهل السنة فقصدوا مشهد باب النصر ونهبوا ما فيه وأحرقوا ضريح موسى الكاظم وحافده محمد المتقي وضرائح بني بويه وبعض خلفاء بني العباس وهموا بنقل شلو الكاظم إلى مقبرة أحمد بن حنبل فحال دون ذلك جهلهم بعين الجدث‏.‏وجاء نقيب العباسية فمنع من ذلك وقتل أهل الكرخ من الشيعة أبا سعيد السرخسي مدرس الحنفية وأحرقوا محال الفقهاء ودورهم وتعدت الفتنة إلى الجانب الشرقي‏.‏وبلغ إحراق المشهد إلى دبيس فعظم عليه وقطع خطبة القائم لأنه وأهل ناحيته كانوا شيعة وعوتب في ذلك فاعتذر بأن أهل الناحية تغري القائم بأهل السنة وأعاد الخطبة بحالها‏.‏ثم عظمت الفتنة سنة خمس وأربعين واطرحوا مراقبة السلطان ودخل معهم طرائف من الأتراك وقتل بعض العلوية فصرخ النساء بثأره واجتمع السواد الأعظم وركب القواد لتسكين الفتنة فقاتلهم أهل الكرخ قتالاً شديداً وحرقت أسواق الكرخ‏.‏ثم منع الأتراك من الدخول بينهم فسكنوا قليلاً‏.‏

استيلاء الملك الرحيم على البصرة
قد كنا قدمنا أن الملك الرحيم لما تولى بغداد بعد أبيه أقر أخاه أبا علي على إمارة البصرة ثم بدا منه العصيان فبعث إليه العساكر مع البساسيري القائم بدولته فزحف إلى البصرة وبرزوا إليه في الماء فقاتلهم عدة أيام‏.‏ثم هزمهم وملك عليهم الأنهار وسارت العساكر في البر إلى البصرة واستأمنت ربيعة ومضر فأمنهم وملك البصرة وجاءته رسل الديلم بخوزستان يعتذرون ومضى أبو علي فتحصن بشط عثمان وخندق عليه فمضى الملك الرحيم إليه وملكه ومضى أبو علي وابنه إلى عبادان ولحق منها إلى جرجان متوجهاً إلى السلطان طغرلبك‏.‏فلما وصل إليه بأصفهان لاقاه بالتكرمة وأنزله بعض قلاع جرباذقان وأقطع له في أعمالها‏.‏وأقام الملك الرحيم بالبصرة أياماً واستبدل من أجناد أخيه أبي علي بها‏.‏واستخلف عليها البساسيري وسار إلى الأهواز‏.‏وترددت الرسل بينه وبين منصور بن الحسين وهزارشب فدخلوا في طاعته وصارت تستر إليه وأنزل بأرجان فولاد بن خسرو الديلمي فسار في أعمالها وحمل المتغلبين هناك على طاعة الملك الرحيم حتى أذعنوا‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:31 PM

استيلاء فلاستون على شيراز بدعوة طغرلبك
قد قدمنا أنه كان بقلعة إصطخر أبو نصر بن خسرو مستولياً عليها وأنه أرسل بطاعته سنة ثلاث وأربعين إلى الملك الرحيم عندما ملك رامهرمز واستدعى منه أخاه أبا سعيد ليملكه بلاد فارس فسار إليه بالعساكر وملك البلاد ونزل شيراز وكان معه عميد الدولة أبو نصر الظهير قد استبد في دولته وساءت سيرته في جنده‏.‏وأوحش أبا نصر مستدعيهم للملك فانتقض عليهم وداخل الجند في الانتقاض فشغبوا وقبضوا على عميد الدولة ونادوا بدعوة‏.‏أبي منصور فلاستون واستدعوه وأخرجوا أبا سعيد عنهم إلى الأهواز ودخل أبو منصور إلى الأهواز فملكها وخطب لطغرلبك وللملك الرحيم ثم لنفسه بعدهما‏.‏وقائع البساسيري مع الأعراب والأكراد لطغرلبك لما استولى طغرلبك على النواحي وأحاط بأعمال بغداد من جهاتها وأطاعه أكثر الأكراد إلى حلوان وكثر فسادهم وعيثهم والتفت عليهم الأعراب وأهم الدولة شأنهم فسار إليهم البساسيري واتبعهم إلى البوازيج فظفر بهم وقتل وغنم وعبروا الزاب‏.‏وجاء الديلم فتمكن من العبور إليهم وذلك سنة خمس وأربعين‏.‏ثم دعاه دبيس صاحب الحلة إلى قتال خفاجة وقد عاثوا في بلاده فاستنجد به وسار إليهم فأجلاهم عن الجامعين ودخلوا المفازة واتبعهم فأدركهم بخفان فأوقع بهم وغنم أموالهم وأنعامهم وحاصر حصن خفان وفتحه وخربه‏.‏وأراد تخريب القائم الذي به وهو بناء في غاية الارتفاع كالعلم يهتدى به‏.‏قيل إنه وضع لهداية السفن لما كان البحر إلى النجف فصانع عنه ربيعة بن مطاعم بالمال وترك له وعاد فصلب من كان معه من أسرى العرب‏.‏ثم سار إلى خوي فحصرها وقرر عليها سبعة آلاف دينار‏.‏

فتنة الأتراك واستيلاء عساكر طغرلبك على النواحي
كان الأتراك من جند بغداد قد استفحل أمرهم على الدولة واشتطوا وتطاولوا إلى الفتنة عنحما هبت ريحها بظهور طغرلبك واستيلائه على النواحي فطالبوا الوزير في محرم سنة ست وأربعين بمبلغ كبير من أرزاقهم ورسومهم وأرهقوه واختفى في دار الخلافة فاتبعوه وطلبوه من أهل الدار فجحدوه فشغبوا على الديوان وتعدوا إلى الشكوى من الخليفة وساء الخطاب بينهم وبين أهل الديوان وانصرفوا وشاع بين الناس أنهم محاصرون دار الخلافة فانزعجوا‏.‏وركب البساسيري وهو النائب يومئذ ببغداد إلى دار الخلافة وطلب الوزير وكبس الدور من أجله فلم يوقف له على خبر‏.‏وشغب الجند ونهبوا دار الروم وأحرقوا البيع وكبسوا دار ابن عبيد وزير البساسيري‏.‏ووقف أهل الدروب لمنع بيوتهم من الأتراك فنهبوا الواردين وعدمت الأقوات‏.‏والبساسيري في خلال ذلك مقيم بدار الخلافة إلى أن ظهر الوزير وقام بهم بما عليهم من أثمان دوابه وقماشه‏.‏واتصل الهرج وعاد الأعراب والأكراد إلى العيث والإغارة والنهب والقتل‏.‏وجاءت أصحاب قريش صاحب الموصل فكبسوا حلل كامل ابن عمه بالبردوان ونهبوا منها دوابً وجمالاً من البخاتي كانت هناك للبساسيري فتضاعف الهرج وانحل نظام الملك‏.‏ووصل عساكر الغز إلى الدسكرة مع إبراهيم بن إسحق من أمراء طغرلبك ورستبارد فاستباحوها‏.‏ثم تقدموا إلى قلعة البردوان وقد عصى صاحبها سعدي على طغرلبك فامتنعت عليهم فعاثوا في نواحيها وخربت تلك الأعمال وانجلى أهلها‏.‏وسارت طائفة أخرى إلى الأهواز فخربوا نواحيها وقوي طمع السلجوقية في البلاد وخافت الديلم ومن معهم من الأتراك وضعفت نفوسهم‏.‏ثم بعث طغرلبك أبا علي بن أبي كاليجار الذي كان صاحب البصرة في عساكر السلجوقية إلى خوزستان فانتهى إلى سابور خواست وكاتب الديلم بالوعد والوعيد فنزع إليه أكثرهم واستولى على الأهواز لوحشة بين القائم والبساسيري قد قدنا ما وقع من قريش بن بدران في نهب حلل البساسيري أصحابه سنة ست وربعين‏.‏ثم وصل إلى بغداد أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحب قريش ودخلا في خفية فهم البساسيري بأخذهما فأجارهما الوزير رئيس الرؤساء عليه فغضب وسار إلى خوي والأنبار فملكهما ورجع ولم يعرج على دار الخلافة‏.‏وأسقط مشاهرات القائم والوزير وحواشي الدار من دار الضرب ونسب إلى الوزير مكاتبته طغرلبك‏.‏ثم سار في ذي الحجة من سنة ست وأربعين إلى الأنبار وبها أبو الغنائم بن المجلبان ونصب عليه المجانيق ودخلها عنوة وأسر أبا الغنائم في خمسمائة من أهلها ونهب البلاد وعاد إلى بغداد‏.‏وقد شهر أبا الغنائم وهم بصلبه فشفع فيه دبيس بن صدقة وكان قد جاء مدداً له على حصار الأنبار فشفعه وصلب جماعة من الأسرى‏.‏وثوب الأتراك بالبساسيري ونهب داره كان هذا البساسيري مملوكاً لبعض تجار بسا من مدائن فارس فنسب إليها‏.‏ثم صار لبهاء الدولة بن عضد الدولة ونشأ في دولته وأخذت النجابة بضبعه‏.‏وتصرف في خد بيته إلى أن صار في خدة الملك الرحيم‏.‏وكان يبعثه في المهمات ومدافعة الفتن هذه فدافع الأكراد من جهة حلوان ودافع قريش بن بدران من الجانب الغربي وهما قائمان بدعوة طغرلبك‏.‏ثم سارا إلى الملك الرحيم بواسط وقد تأكدت الوحشة بينه وبين الوزير رئيس الرؤساء كما تقدم‏.‏وبعث إليه وزيره أبو سعد النصراني بجرار خمر فدس عليها الوزير قوماً ببغداد كانوا يقومون في تغيير المنكر فكسروها‏.‏وأراقوا خمرها فتأكد الوحشة بذلك‏.‏واستفتى البساسيري الفقهاء الحنفية في ذلك فأفتوه باحترام مال النصراني ولا يجوز كسرها عليه ويغرم من أتلفها‏.‏وتأكدت الوحشة بين الوزير والبساسيري وكانت الوحشة بينه وبين الأتراك كما مر فدس الوزير بالشغب البساسيري فشغبوا واستأذنوا في نهب دوره فأذن لهم من دار الخلافة فانطلقت أيدي النهب عليها‏.‏وأشاع رئيس الرؤساء أنه كاتب المستنصر العلوي صاحب مصر واتسع الخرق‏.‏وكاتب القائم الملك الرحيم بإبعاد البساسيري وأنه خلع الطاعة‏.‏وكاتب المستنصر العلوي فأبعده الملك الرحيم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:32 PM

استيلاء طغرلبك على بغداد والخليفة
ونكبة الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه كان طغرلبك قد سار غازياً إلى بلاد الروم فأثخن فيها ثم رجع إلى الري فأصلح فسادها ثم وصل همذان في المحرم سنة سبع وأربعين عاملاً على الحج وأن يمر بالشام ويزيل دولة العلوية بمصر‏.‏وتقدم إلى أهل الدينور وقرميس وغيرهما بإعداد العلوفات والزاد في طريقه وعظم الإرجاف بذلك في بغداد وكثر شغب الأتراك وقصدوا دار الخلافة يطلبون القائم في الخروج معهم للمدافعة‏.‏وعسكروا بظاهر البلد فوصل طغرلبك إلى حلوان وانتشر أصحابه في طريق خراسان وأجفل الناس إلى غربي بغداد وأصعد الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد عنه البساسيري بأمر القائم فلحق بدبيس بن صدقة صاحب الحلة لصهر بينهما‏.‏وبعث طغرلبك إلى القائم بطاعته وإلى الأتراك بالمواعيد الجميلة فرد الأتراك كتابه وسألوا من القائم رده عنهم فأعرض وجاء الملك الرحيم يعرض نفسه فيما يختاره فأمر بتقويض الأتراك خيامهم وأن يبعثوا بالطاعة لطغرلبك ففعلوا وأمر القائم الخطباء بالخطبة لطغرلبك فبعث إلى طريقهم الوزير أبا نصر الكندري وأمر الأجناد ثم دخل طغرلبك بغداد يوم الخميس ليومين من رمضان ونزل بباب الشماسية ووصل قريش صاحب الموصل وكان في طاعته قبل ذلك‏.‏ثم انتشرت عساكر طغرلبك في البلد وأسواقها فوقعت الهيعة وظن الناس أن الملك الرحيم أذن بقتال طغرلبك فأقبلوا من كل ناحية وقتلوا الغز في الطرقات إلا أهل الكرخ فإنهم أمنوهم وأجاروهم وشكر الخليفة لهم ذلك وتماس العامة في ثورتهم وخرجوا إلى معسكر طغرلبك‏.‏ودخل الرحيم بأعيان أصحابه إلى دار الخلافة تفادياً من الظنة به وركبت عساكر طغرلبك فهزموا العامة وكسروهم ونهبوا بعض الدروب ودروب الخلفاء والرصافة ودرب الحروب‏.‏وكانت هذه الدروب قد نقل الناس إليها أموالهم ثقة باحترامها‏.‏وفشا النهب واتسع الخرق وأرسل طغرلبك من الغد إلى القائم بالعتب على ما وقع ونسبه إلى الملك الرحيم ويطلب حضوره وأعيان أصحابه فيكون براءة لهم فأمرهم الخليفة بالركوب إليه وبعث معهم رسوله ليبرئهم فساروا في ذمامه وأمر طغرلبك بالقبض عليهم ساعة وصولهم‏.‏ثم حمل الملك الرحيم إلى قلعة السيروان فحبس بها وذلك لست سنين من ولايته وانقرض أمر بني بويه ونهب في الهيعة حلة قريش صاحب الموصل ونجا سليمان إلى خيمة بدر بن مهلهل فأجاره ثم خلع عليه طغرلبك ورعه إلى حلله‏.‏ونقم القائم على طغرلبك ما وقع وبعث في إطلاق المحبوسين فاتهم في ذمامه وهدده بالرحيل عن بغداد فأطلق بعضهم ومحا عسكر الرحيم من الدواوين وأذن لهم في السعي في معاشهم فلحق كثير منهم بالبساسيري فكثر جمعه‏.‏واستصفى طغرلبك أموال الأتراك ببغداد من أجله وبعث إلى دبيس بإبعاده فلحق بالرحبة وكاتب المستنصر صاحب مصر بالطاعة‏.‏وخطب دبيس لطغرلبك في بلاده وانتشر الغز في سواد بغداد فنهبوه وفشا الخراب فيه وانجلى أهله وولى طغرلبك البصرة والأهواز هزارسب فخطب لنفسه بالأهواز فقط وأقطع الأمير أبا علي ابن الملك أبي كاليجار قرميسين وأعمالها وأمر أهل الكرخ أن يؤذنوا في مساجدهم في نداء الصبح‏:‏ الصلاة خير من النوم وأمر بعمارة دار الملك فعمرت على ما اقترحه وانتقل إليها في شوال سنة سبع وأربعين واستقرت قدمه في الملك والسلطان وكانت له الدولة التي ورثها بنوه وقومه السلجوقية ولم يكن للإسلام في العجم أعظم منها والملك لله يؤتيه من يشاء‏.‏الخبر عن دولة وشمكير وبنيه من الجيل إخوة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان بجرجان وطبرستان وأولية ذلك ومصائره قد تقدم لنا ذكر مرداويج بن زيار وأنه كان من قواد الديلم للأطروش وأنه كان من الجيل إخوة الديلم وكانت حالهم واحدة‏.‏وكان منهم قواد للعلوية استظهروا بهم على أمرهم حتى إذا انقرضت دولة الأطروش وبنيه على حين فشل الدولة العباسية ومحي أعمالها من السلطان ساروا في النواحي لطلب الملك متفرقين فيها فملكوا الري وأصفهان وجرجان وطبرستان والعراقين وفارس وكرمان وكل منهم في ناحية‏.‏وتغلب بنو بويه على الخليفة وحجروه إلى آخر أيامهم‏.‏وذكرنا أن مرداويج عندما استفحل ملكه بعث عن أخيه وشمكير من بلاد كيلان سنة عشرين وأربعمائة فاستظهر به على أمره وولاه على الأعمال الجليلة وكان قد استولى على أصفهان والري وأصبح من أعظم الملوك وكان له أموال من الأتراك تنكروا له لشدته عليهم فاغتالوه وقتلوه في محرم سنة ثلاث وعشرين فاجتمعت العساكر بعده على أخيه وشمكير بالري وبعث إلى ماكان بن كالي وهو بكرمان بعدما ملكها من أبي علي بن الياس بالمسير إليه بالري مع ابن محتاج‏.‏وسار ماكان على المفازة إلى الدامغان وبعث وشمكير قائده تاتجيز الديلمي مع جيش كثيف لاعتراضه ومع ماكان عسكر ابن مظفر مدداً له فتقاتلوا وهزمهم تاتجيز فداعوا إلى نيسابور وجعلت ولايتها لما كان وقد مر ذكر ذلك كله‏.‏ثم سار تاتجيز إلى جرجان وأقام بها‏.‏ثم هلك آخر السنة من سقطة عن فرسه فاستولى عليها ماكان وحاصره ابن محتاج سنة ثمان وعشرين فملكها وسار ماكان إلى طبرستان فأقام بها‏.‏وكان ركن الدولة بن بويه غلب على أصفهان فبعث وشمكير عساكره إلى ماكان ممداً له في حروبه مع ابن محتاج فاغتنم ركن الدولة خلو وشمكير من العساكر فسار إلى أصفهان فملكها واتصل ما بينه وبين صاحب خراسان وانفرد وشمكير بملك الري‏.‏

استيلاء عساكر خراسان على الري والجيل وملك وشمكير طبرستان
لما ملك ركن الدولة أصفهان وصل يده بأبي علي بن محتاج صاحب خراسان هو وأخوه عماد الدولة صاحب فارس وحرضاه على أخذ الري من وشمكير رجاء أن يكون طرفا لعمله فيتمكن به من ملكها فسار أبو علي لذلك واستمد وشمكير ماكان للمدافعة فجاء بنفسه‏.‏وبعث ركن الدولة مدداً لابن محتاج فلقوه بإسحاقاباد وتقاتلوا فانهزم وشمكير ولحق بطبرستان فملكها وقتل من كان بالمعركة واستولى أبو علي على الري‏.‏ثم بعث أبو علي العساكر إلى بلد الجيل فاستولى على زنكان وأبهر وقزوين وكرج وهمذان ونهاوند والدينور إلى حلوان‏.‏

استيلاء الحسن بن الفيرزان على جرجان
كان الحسن بن الفيرزان ابن عم ماكان وكان مناهضه في الصرامة فلما قتل ماكان وملك وشمكير طبرستان بعث إليه بالدخول في طاعته فأبى ونسبه إلى المواطأة على قتل ماكان فقصده وشمكير ففارق سارية وسار إلى ابن محتاج صاحب خراسان‏.‏واستنجده فسار معه ابن محتاج وحاصر وشمكير بسارية حولاً كاملاً حتى رجع إلى طاعة ابن سامان وأعطى ابنه سلار رهينة بذلك ورجع هو والحسن إلى خراسان وهو مكابده للصلح ولقيهما موت سعيد بن سامان فثار الحسن بأبي علي بن محتاج ونهب سواده وأخذ ابن وشمكير الذي كان عنده ورجع فملكها من يد إبراهيم بن سيجور الدواني ولحق ابن سيجور بنيسابور فعصى أبا علي بن محتاج كما مر في أخبارهم‏.‏رجوع الري لوشمكير واستيلاء ابن بويه عليها لما انصرف أبو علي إلى خراسان وفعل به الحسن ما ذكرناه سار وشمكير إلى الري فملكها وراسله ابن الفيرزان يستميله ورد عليه ابنه سلار فصانعه ولم يبالغ محافظة على عهد ابن محتاج‏.‏ثم طمع ركن الدولة بن بويه في ملك الري لخلو يده وقلة عسكره فسار إليه وهزمه واستأمن كثير من عسكره إليه وملك الري ورجع وشمكير إلى طبرستان فاعترضه الحسن وهزمه فلحق بخراسان وراسل ابن الفيرزان ركن الدولة بويه وواصله‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:32 PM

استيلاء وشمكير على جرجان
لما ملك ابن بويه الري من يد وشمكير ولحق طبرستان واعترضه ابن الفيرزان وهزمه ولحق بخراسان سار إلى نوح بن سامان مستنجداً به وبعث معه عسكراً وأرسل إلى ابن محتاج صاحب خراسان بمظاهرته فبعثه فيمن معه إلى جرجان وبها الحسن بن الفيرزان فهزمه وشمكير وملك جرجان‏.‏

استيلاء ركن الدولة على طبرستان وجرجان
لما ملك وشمكير جرجان من يد الحسن بن الفيرزان سار إلى ركن الدولة بن بويه وأقام عنده بالري ثم سار سنة ست وثلاثين إلى بلاد وشمكير ولقيهم فهزموه وملك ركن الدولة طبرستان وسار منها إلى جرجان ورجع إلى الري‏.‏وسار وشمكير إلى خراسان مستنجداً بابن سامان فأمر منصور بن قراتكين صاحب خراسان أن يستوفد العساكر لإنجاده فسار معه وكان مصطنعاً عليه‏.‏وكتب وشمكير إلى ابن سامان يشكو من ابن قراتكين‏.‏ثم كتب الأمير نوح إلى أبي علي بن محتاج أن يسير معه إلى الري فسار معه وقاتلوا ركن الدولة فلم يظفروا به حتى صالحهم كما تقدم ورجع إلى وشمكير فانهزم أمامه إلى أسفرايين وملك ابن بويه طبرستان وحاصر سارية وملكها ولحق وشمكير بجرجان وسار إلى جرجان في طلب وشمكير إلى بلد الجيل واستولى ابن بويه عليها‏.‏

وفاة وشمكير وولاية ابنه بهستون
لما غلب بنو بويه على كرمان من يد أبي علي بن الياس لحق وشمكير بالأمير منصور بن نوح ببخارى مستنصراً به وأطمعه في ممالك بني بويه‏.‏وأسر إليه أن قواده بخراسان لا يناصحونه في شأنه فكتب إلى أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور صاحب خراسان بالمسير إلى الري بطاعة وشمكير والتصرف عن رأيه واستعد ركن الدولة للقائهم واستنجد ابنه عضد الدولة وخالفهم إلى خراسان وبلغهم الخبر فتوقفوا بالدامغان يستطلعون الأخبار‏.‏وركب وشمكير للصيد فاعترضه خنزير فرماه بحربة من يده فحمل عليه الخنزير فشب الفرس وسقط وشمكير إلى الأرض ومات من سقطته في محرم سنة سبع وخمسين وانتقض جميع من كانوا معه‏.‏ولما مات وشمكير قام ابنه بهستون مقامه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده بالعساكر والأموال‏.‏

وفاة بهستون وولاية أخيه قابوس
ثم توفي بهستون بن وشمكير بجرجان سنة ست وستين لسبع سنين من ولايته وكان أخوه قابوس عند خاله رستم بجبل شهريار وترك بهستون ابناً صغيراً بطبرستان في كفالة جده لأمه فطمع له جده بالملك وبادر به إلى جرجان وقبض على من كان عنده ميل إلى قابوس من القواد وفي خلال ذلك وصل قابوس فخرج الجيش إليه واجتمعوا عليه وملكوه وهرب أصحاب ابن منصور فكفله عمه قابوس وجعله أسوة بنيه وقام بملك جرجان وطبرستان‏.‏

استيلاء عضد الدولة على جرجان وطبرستان
لما توفي ركن الدولة سنة ست وستين وثلاثمائة عهد لابنه عضد الدولة وولى ابنه فخر الدولة على همذان وأعمال الجبل وابنه مؤيد الدولة على أصفهان‏.‏وكان بختيار بن معز الدولة ببغداد فاستولى عليه‏.‏ثم سار إلى أخيه فخر الدولة بهمذان فهرب إلى قابوس ونزل عضد الدولة الري‏.‏وبعث إلى قابوس في طلب أخيه فخر الدولة فأبى فأمر أخاه مؤيد الدولمة بخراسان أن يسير إليه وأملى بالأموال والعساكر‏.‏وسار إلى جرجان سنة إحدى وسبعين‏.‏ولقيه فخر الدولة بخراسان عندما وليها حسام الدولة أبو العباس تاش من قبل الأمير أبي القاسم بن نوح وكتب إلى العباس تاش يأمر بإنجاد قابوس بن وشمكير وفخر الدولة على مؤيد الدولة وإعادة قابوس إلى بلده فزحف في العساكر إلى جرجان وحاصرها شهرين حتى ضاقت أحوالهم‏.‏وكاتب مؤيد الدولة فائقاً الخاصة من قواد خراسان واستماله فوعده أن ينهزم بمن معه يوم اللقاء‏.‏وخرج مؤيد الدولة فقاتلهم وانهزم قائق بمن معه كما وعد ووقف حسام الدولة وفخر الدولة قليلاً ثم اتبعوه منهزمين إلى خراسان‏.‏ثم استدعى تاش لتدبير الدولة ببخارى بعد قتل الوزير العتبي فسار إليه سنة اثنتين وسبعين مؤيد الدولة وكان من خبر وفاته ما قدمناه‏.‏ووقعت الفتنة بين تاش وابن سيجور وانهزم تاش إلى جرجان وقابله فخر الدولة بكثير من الكرامة والنصرة بما لم يعهد مثله حسبما مر في أخبارهم‏.‏ولما ملك فخر الدولة جرجان وطبرستان والري اعتزم على رد جرجان وطبرستان إلى قابوس رغباً لما كان بينهما بدار الغربة وأنه الذي جر على قابوس الخروج عن ملكه فشاور عن ذلك وزيره الصاحب ابن عباد فلم يوافقه وبقي مقيماً بخراسان وأنجلى بنو سامان بالعساكر المرة بعد المرة فلم يقدر له الظفر حتى كان استيلاء سبكتكين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:33 PM

عودة قابوس إلى جرجان وطبرستان
ولما ولي سبكتكين خراسان وعد قابوس برده إلى ملكه جرجان وطبرستان‏.‏ثم أمضى إلى بلخ فمات سنة سبع وثمانين فأقام قابوس إلى سنة ثمان وثمانين فبعث الأصبهبذ إلى جبل شهريار وعليه رستم بن المرزبان خال مجد الدولة‏.‏وجمع له فقاتله وانهزم رستم واستولى أصبهبذ على الجبل‏.‏وخطب فيه لشمس المعالي قابوس‏.‏وكان نائب ابن سعيد بناحية الاستنداوية وكان يميل إلى شمس المعالي فسار إلى آمد وطرد عنها عساكر مجد الدولة واستولى عليها وخطب فيها لقابوس وكتب إليه بذلك ثم كف أهل جرجان إلى قابوس يستدعونه فسار إليهم من نيسابور وسار أصبهبذ ويأتي ابن سعيد إليها من مكانهما فخرج إليهما عساكر جرجان فقاتلوهما فانهزم العسكر ورجعوا إلى جرجان فلقوا مقدمة قابوس عندها فانهزموا ثانية إلى الري‏.‏ودخل شمس المعالي قابوس جرجان في شعبان سنة ثمان وثمانين‏.‏وجاءت العساكر من الري لحصاره فأقاموا ودخل فصل الشتاء وتوالت عليهم الأمطار وعدمت الأقوات فارتحلوا وتبعهم قابوس وقاتلهم فهزمهم وأسر جماعة من أعيانهم‏.‏وملك ما بين جرجان وأستراباذ‏.‏ثم إن الأصبهبذ حدث نفسه بالملك واغتر بما اجتمع له من الأموال والذخائر فسارت إليه العساكر من الري مع المرزبان خال مجد الدولة فهزموه وأسروه وأظهروا دعوة شمس المعالي بالجبل لأن المرزبان كان مستوحشاً من مجد الدولة فانضافت مملكة الجبل جميعاً إلى مملكة جرجان وطبرستان وولى عليها قابوس ابنه منوجهر ففتح الري وايات وشالوش وقارن ذلك استيلاء مقتل قابوس وولاية ابنه منوجهر كان شمس المعالي قابوس قد استفحل ملكه وكان شديد السطوة مرهف الحد فعظمت هيبته على أصحابه وتزايدت حتى انقلبت إلى العتو فأجمعوا على خلعه وكان ببعض القلاع فساروا إليه ليمسكوه بها فامتنع عليهم فانتهبوا موجوده ورجعوا إلى رجان وجاهروا بالخلعان واستدعوا ابنه من طبرستان فأسرع إليهم مخافة أن يولوا غيره واتفقوا على طاعته بأن يخلع أباه فأجاب إلى ذلك كرهاً وسار قابوس من حصنه إلى بسطام يقيم بها حتى تضمحل الفتنة فساروا إليه وأكرهوا منوجهر على المسير معهم وينفرد هو للعبادة بقلعة أبخيا وأذن له أبوه بالقيام بالملك حذراً من خروجه عنهم وبقي المتولون لكبر تلك الفتنة من الجند مرتابين من قابوس‏.‏وكتبوا من جرجان إلى منوجهر يستأذنونه في قتله ولم ينتظروا رد الجواب وساروا إليه فدخلوا عليه البيت وجردوه من ثيابه فما زال يستغيث حتى مات من شدة البرد وذلك سنة ثلاث وأربعمائة لخمس عشرة سنة من استيلائه وقام بالملك ابنه منوجهر وخطب له على منابره ولم يزل في التدبير على الرهط الذين قتلوا أباه حتى أباد كثيراً منهم وشرد الباقين‏.‏وفاة منوجهر وولاية ابنه أنوشروان ولما سار محمود بن سبكتكين سنة عشرين وأربعمائة عندما قبض حاجبه على مجد الدولة وملك الري بدعوة محمود‏.‏وسار إليه محمود فهرب منوجهر بن قابوس من جرجان وبعث إليه بأربعمائة ألف دينار ليصلحه وتحصن منه بجبال وعرة‏.‏ثم أبعد المذهب ودخل في الغياض الملتفة‏.‏وأجابه محمود فبعث إليه منوجهر بالمال ونكب عنه في رجوعه إلى نيسابور‏.‏ثم توفي منوجهر إثر ذلك سنة ست وعشرين وولي بعده ابنه أنوشروان فأقره محمود على ولايته وقرر عليه خمسمائة ألف أميري‏.‏وخطب لمحمود في بلاد الجبل إلى حدود أرمينية‏.‏ثم استولى مسعود بن محمود أعوام الثلاثين على جرجان وطبرستان ومحا دولة بني قابوس كأن لم تكن والبقاء لله وحده‏.‏

الخبر عن دولة مسافر من الديلم بأذربيجان ومصائره
كانت أذربيجان عند ظهور الديلم وانتشارهم في البلاد واستيلائهم على الأعمال أعوام الثلاثين والثلاثمائة بيد رستم بن إبراهيم الكردي من أصحاب يوسف بن أبي الساج‏.‏وكان من خبره أن أباه إبراهيم من الخوارج من أصحاب هارون الشاري الخارج بالموصل هرب بعد مقتله إلى أذربيجان‏.‏وأصهر في الأكراد إلى بعض رؤسائهم فولد له ابنه رستم ونشأ في أذربيجان‏.‏ولما كبر استضافه ابن أبي الساج وتنقل في الأطوار إلى أن استولى على أذربيجان بعد يوسف بن أبي الساج وكان معظم جيوشه الأكراد‏.‏ولما استولى الديلم على البلاد وملك وشمكير الري ولى أعمال الجبل لشكري وجمع الأموال والرجال وسار لشكري إلى أذربيجان ليملكها سنة ست وعشرين وحاربه دسيم في بعض جهات أذربيجان واستولى لشكري على سائر بلاد أذربيجان إلا أردبيل فإن أهلها امتنعوا ثقة بحصن بلادهم‏.‏وراسلهم فلم يجيبوه وحاصرها وشد حصارها وثلم سورها وملكها أياماً يدخل نهاراً ويخرج إلى عساكره ليلاً ثم سدوا ثلم السور وامتنعوا وعادوا إلى الحصار‏.‏واستدعوا دسيماً فجاء لقتال لشكري من ورائه وناشبته أهل أردبيل القتال من أمامه فانهزم وقتل عامة أصحابه وتحيزوا إلى موقان‏.‏واستنجد أصبهبذ بن دوالة فجمعوا وساروا إلى دسيم فانهزم أمامهم وعبر نهر ارس وقصدوا وشمكير في الري واستنجده وضمن له مالاً كل سنة فبعث معه عسكراً واستمال عسكر لشكري فداخلوه وكاتبوا وشمكير بالطاعة‏.‏وعلم بذلك لشكري فتأخر إلى الزوزن عازماً على الموصل أن يملكها ومر بأرمينية فنهب وسبى‏.‏ولما انتهى إلى الزوزن لقيه بعض الرؤساء من الأرمن وصانعه بالمال على بلده حتى كف عنها وأكمن له في مضيق بطريقه ودس لبعض الأرمن أن ينهبوا شيئاً من ثقله ويسلكوا المضيق‏.‏وركب لشكري في أثرهم فقتله الكمين ومن معه وقدم أهل العسكر عليهم ابنه الشكرستان ورجعوا إلى بلد الطرم الأرميني ليثأروا من الأرمن بصاحبهم‏.‏وكان أكثر بلده مضايق فقاتلهم الأرمن عليها وفتكوا فيهم ولحق العسكر والشكرستان في الفل بالموصل فأقام بها عند ناصر الدولة بن حمدان وكانت له معادن أذربيجان وولى عليها ابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان‏.‏وبعث معه الشكرستان وأصحابه فقاتلهم دسيم على المعادن وغلبهم عليها ورجعوا واستولى دسيم على أذربيجان‏.‏

استيلاء المرزبان بن محمد بن مسافرعلى أذربيجان
كان محمد بن مسافر من كبار الديلم وكان صاحب الطرم‏.‏وكان له أولاد كثيرون منهم سلار ومنهم صعلوك ومنهم وهشودان والمرزبان أمه بنت حسان‏.‏ووهشودان ملك الديلم وقد مر خبره‏.‏وكان دسيم بن إبراهيم الكردي بعد مدافعة لشكري وابنه عن أذربيجان أقام عنده بعض الديلم من عسكر وشمكير الذين أنجدوه على شأنه‏.‏ثم إن قومه من الأكراد استبدوا عليه بأطراف أعماله وملكوا بعض القلاع فاستظهر عليهم بأولئك الديلم وغلبهم واستدعى صعلوك بن محمد من قلعة أبيه الطرم فجاء إليه جماعة من الديلم وسار بهم إلى التي تغلب عليها الأكراد فانتزعها منهم وقبض على جماعة منهم‏.‏ثم استوحش منه وزيره أبو القاسم علي بن جعفر من أهل أذربيجان فهرب إلى الطرم ونزل على محمد بن مسافر عندما استوحش منه ابناه وهشودان والمرزبان وغلبا على بعض قلاعه ، ^? ثم قبضا عليه وانتزعا منه أمواله وذخائره فتقرب الوزير علي بن جعفر إلى المرزبان وكان يشاركه في دين الباطنية وأطمعه في أذربيجان فاستوزره المرزبان‏.‏وكانت الديلم الذين عند دسيم وغيره من جنده واستمالهم فأجابوه وسار المرزبان إلى أذربيجان وبرز دسيم للقائه فنزع الديلم إلى المرزبان واستأمن إليه كثير من الأكراد وهرب دسيم إلى أرمينية ونزل على صاحبها حاجيق بن الديراني‏.‏وملك المرزبان أذربيجان سنة ثلاثين وثلاثمائة وأساء وزيره علي بن جعفر السيرة مع أصحابه فتظافروا عليه وشرعوا في السعاية فيه فأطمع المرزبان في أموال بتبريز يضمنها له‏.‏وسار إليها في عسكر من الديلم وأسر لأهلها أنه جاء لمصادرتهم فوثبوا بمن معه من الديلم وقتلوهم واستدعوا دسيم بن إبراهيم فجاء إلى تبريز وملكوه ولحق به الأكراد الذين استأمنوا إلى المرزبان فسار المرزبان في عساكره وحاصرهم دسيم بتبريز وكاتب علي بن جعفر وحلف له على الوفاء بما يرومه منه فطلب منه السلامة وترك العمل فأجابه واشتد الحصار على دسيم فهرب من تبريز إلى أردبيل وخرج الوزير إليه فوفى له المرزبان‏.‏ثم طلب دسيم أن ينزله بأهله بقلعة من قلاع الطرم ففعل وأقام المرزبان فيها ، ^? الروس استيلاء الروس على مدينة بردعة وظفر المرزبان بهم هؤلاء الروس من طوائف الترك ويجاورون الروم في مواطنهم وأخذوا بدين النصرانية معهم منذ أزمان متطاولة وبلادهم تجاور بلاد أذربيجان فركبت طائفة منهم البحر سنة اثنتين وثلاثين‏.‏ثم صعدوا من البحر في نهر اللكنهر وانتهوا إلى مدينة بردعة من بلاد أذربيجان وبها نائب المرزبان فخرج إليهم في نحو خمسة آلاف مقاتل من الديلم وغيرهم فهزمهم الروس وقتلوا الديلم وتبعوهم إلى البلد فملكوه ونادوا بالأمان وأحسنوا السيرة وجاءت العساكر الإسلامية من كل ناحية فلم يقدر عليهم‏.‏وظاهرهم العوام والرعاع فلما انصرفت العساكر غدرت الروسية بهم فقتلوهم ونهبوا أموالهم واستعبدوهم‏.‏وأحزن المسلمين ذلك واستنفر المرزبان الناس وسار لهم وأكمن لهم كميناً وزحف إليهم وخرجوا إليه واستطرد لهم حتى جاوزوا موضع الكمين فاستمر أصحابه على الهزيمة ورجع هو مع أخيه وصاحب له مستميتين وخرج الكمين من ورائهم واستلحم الروسية وأميرهم ونجا فلهم إلى البلد فاعتصموا بحصنه‏.‏وكانوا قد نقلوا إليه السبي والأموال وحاصرهم المرزبان وصابروه‏.‏ثم إن ناصر الدولة بن حمدان صاحب الموصل بعث إلى ابن عمه الحسين بن سعد بن حمدان في هذه السنة إلى أذربيجان ليملكها فبلغ الخبر إلى المرزبان بأنه انتهى إلى سلماس فجهز عسكراً إلى الروس وسار لقتال ابن حمدان فقاتله أياماً‏.‏ثم استدعاه ابن عمه ناصر الدولة من الموصل وأخبره بموت تورون وأنه سائر إلى بغداد وأمره بالرجوع فرجع وأما الروس فحاصرهم العسكر أياماً واشتد فيهم الوباء فانقضوا من الحصن ليلاً وحملوا ما قدروا عليه من الأموال ولحقوا باللكن فركبوا سفنهم ومضوا إلى بلادهم وطهر الله البلاد منهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:34 PM

مسير المرزبان إلى الري وهزيمته وجيشه
ولما سارت عساكر خراسان إلى الري وظن المرزبان أن ذلك يشغل ركن الدولة بن بويه عنه وكان قد بعث رسوله إلى معز الدولة ببغداد فصرفه مذموماً مدحوراً فاعتزم على غزو الري وطمع في ملكه‏.‏واستأمن إليه بعض قواد الري وأغراه بذلك دوراسله ناصر الدولة بن حمدان يستحثه لذلك ويشير عليه ببغداد قبل الري‏.‏وكتب ركن الدولة إلى أخويه عماد الدولة ومعز الدولة يستنجدهما فبعثوا إليه بالعساكر وسار بها من بغداد سبكتكين الحاجب‏.‏ولما انتهى الدينور انتقض عليه الديلم ووثبوا به فركب في الأتراك فتخاذل الديلم وأعطوه الطاعة‏.‏وكان المرزبان قبل وصول العساكر زحف إلى الري وهزمه ركن الدولة وحبسه ورجع الفل إلى أذربيجان ومعهم محمد بن عبد الرزاق‏.‏واجتمع أصحاب المرزبان على أبيه محمد بن مسافر وأساء السيرة فهموا بقتله وكان ابنه وهشودان قد هرب منه واعتصم بحصن له فلحق به أبوه محمد فقبض عليه وهشودان وضيق عليه حتى مات‏.‏ثم استدعى دسيم الكردي من مكانه بقلعة الطرم حيث أنزله المرزبان عند ظفره به وبعثه إلى محمد بن عبد الرزاق وأقام بنواحي أذربيجان‏.‏ثم رجع إلى الري سنة ثمان وثلاثين واستعتب إلى سلطانه نوح بن سامان فأعتبه وعاد إلى طوس‏.‏واستولى دسيم على أذربيجان لوالي القلعة حتى تمكنوا من قتله فقتله المرزبان ولحق بأخيه وهشودان سنة اثنتين وأربعين‏.‏وكان علي بن منكلي من قواد ركن الدولة قد لحق بوهشودان وأغراه بدسيم فبعثه وهشودان في العساكر وكاتب الديلم واستمالهم‏.‏وسار إليه دسيم وخلف وزيره أبا عبد الله النعيمي بأردبيل فجمع مالاً كان صادره عليه وهرب بما معه من المال إلى علي بن منكلي‏.‏وبلغ الخبر إلى دسيم عند أذربيجان فعاد إلى أردبيل وشغب عليه الديلم ففرق فيهم ما كان معه من المال وسار للقاء علي بن منكلي فالتقيا‏.‏وهرب الديلم الذين معه إلى علي بن منكلي‏.‏وانهزم هو إلى أرمينية‏.‏ثم جاءه الخبر بأن المرزبان تخلص من محبسه بقلعة سيرم وملك أردبيل واستولى على أذربيجان‏.‏وأنفذ العساكر في طلبه فهزم دسيم إلى بغداد فأكرمه معز الدولة وأقام عنده‏.‏ثم استدعاه شيعته بأذربيجان سنة ثلاث وأربعين فسار إليهم وطلب من معز الدولة المدد لأن أخاه ركن الدولة كان قد صالح المرزبان فسار دسيم إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل واستنجد به فلم ينجده إلى سيف الدولة فأقام عنده بالشام‏.‏فلما كان سنة أربع وأربعين خرج على المرزبان خارج باب الأبواب فسار إليه وخالفه دسيم إلى أذربيجان فاستدعاه مقدم من الأكراد وملك سلماس فبعث إليه المرزبان قائداً من قواده فهزمه دسيم‏.‏ولما فرغ المرزبان أمر الخارج وعاد إلى أذربيجان هرب دسيم إلى أرمينية واستجاش بابن الديراني وكتب إليه المرزبان بحمل دسيم إليه فسلمه وحبسه حتى إذا توفي المرزبان قتله بعض أصحابه حذراً من فتنته‏.‏

وفاة المرزبان وولاية ابنه خستان
ثم توفي المرزبان صاحب أذربيجان سنة خمس وأربعين وعهد بالملك إلى أخيه وهشودان وبعده لابنه خستان وكان قد أوصى نوابه بالقلاع أن يسلموها لابنه خستان ثم لأخويه إبراهيم وناصر ثم إلى أخيه وهشودان عندما عهد بالعهد الثاني إلى أخيه عرفه بإمارات بينه وبين نوابه يرجعون إليها في ذلك‏.‏وبعث إلى النواب عبد الله النعيمي وهرب وهشودان من أردبيل فلحق بالطرم وجاء قواد المرزبان إلى خستان بن شرمول فإنه كان مقيماً على أرمينية فانتقض بها‏.‏

مقتل خستان وإخوته واستيلاء عمهم وهشودان على أذربيجان
ولما ولي خستان بن المرزبان انغمس في لذاته وعكف على اللهو وقبض على وزيره أبي عبد الله النعيمي وكان خستان بن برسموه منتقضاً بأرمينية وقد ملكها وكان وزيره أبو الحسن عبد الله بن محمد بن حمدويه صهراً للوزير النعيمي فاستوحش لنكبته وحمل صاحبه ابن سرمدان على مكاتبة إبراهيم بن المرزبان فأطمعه في الملك وسار به إلى مراغة فملكها فراسله أخوه خستان وسار إلى موقان‏.‏وكان بأذربيجان رجل من ولد المكتفي متنكراً يدعو للرضا من آل محمد وبأمر بالعدل ويلقب بالمجير وكثرت جموعه فبعث إليه النعيمي من موقان وأطمعه في الخلافة وأن يملكه أذربيجان على أن يقصد بغداد ويترك لهم أذربيجان فسار إليه خستان وإبراهيم ابنا المرزبان فهزماه وقتلاه فلما رأى وهشودان الخلاف بين بني أخيه المرزبان استمال إبراهيم وسار ناصر إلى موقان وطمع الجند في المال وملكوا بهم اردبيل‏.‏وطالبه الجند بالمال فعجز وقعد عمه وهشودان عن نصره وتبين له أنه كان يخادعه فاجتمع مع أخيه خستان واضطربت عليهما الأمور وانتقضت أصحاب الأطراف فاضطرهما الحال إلى طاعة عمهما وهشودان وراسلاه في ذلك واستحلفاه وقدما عليه مع أمهما فغدر وقبض عليهم وعقد الإمارة على أذربيجان لإبنه إسماعيل‏.‏وسلم له أكثر قلاعه‏.‏ولحق إبراهيم بن المرزبان بمراغة وجمع لإستنقاذ أخويه ومنازعة إسماعيل فقتل وهشودان أخويه وأمهما وأمر خستان بن سرمند بقتال إبراهيم بمراغة وبعث إليه بالمدد‏.‏وانضم إبراهيم إلى نواحي أرمينية سنة تسع وأربعين فاستولي ابن سرمدن على مراغة واستضافها إلى أرمينية وجمع إبراهيم‏.‏وكانت ملوك أرمينية من الأرمن والأكراد وأصلح خستان بن سرمدن‏.‏ثم جاء الخبر بوفاة إسماعيل ابن عمه فسار إلى أردبيل فملكها وانصرف ابن منكلي إلى وهشودان وزحف إليهما إبراهيم وهزمهما فلحقا ببلاد الديلم‏.‏واستولي إبراهيم على أعمال وهشودان‏.‏ثم جمع وهشودان وعاد إلى قلعته بالطرم وبعث أبو القاسم بن منكلي العساكر لقتال إبراهيم فهزموه ونجا إلى الري مستنجداً بركن الدولة لصهر بينهما‏.‏

استيلاء إبراهيم بن المرزبان ثانياً على أذربيجان
قد تقدم هزيمة إبراهيم بن المرزبان أمام عساكر ابن منكلي وأنه لحق بركن الدولة مستنجداً به فبعث معه الأستاذ أبا الفضل ابن العميد في العساكر فاستولي على أذربيجان وحمل أهلها على طاعة إبراهيم وقاد له خستان بن سرمدن وطوائف الأكراد فتمكن من البلاد‏.‏وكتب ابن العميد إلى ركن الدولة أن يعطيه ملكها‏.‏ولعله يعوض إبراهيم عنها لكثرة جبايتها وقلة معرفة إبراهيم بالجباية وأن يشهد فيها بالخروج عن ملكه فأبى من ذلك وقال لا أفعل ذلك بمن إستجار بي فسلم له ابن العميد البلاد ورجع ، ^? الأثير وإلى ههنا انتهى في أخبارهم‏.‏وأحال على ما بعده فقال بعد ذلك‏:‏ وكان الأمير كما ذكر ابن العميد قد أخذ إبراهيم وحبسه على ما ذكره ولم نقف على ذكر شيء من أخبا إبراهيم بعد ذلك ولا من خبر قومه‏.‏وذكر أن محمود بن سبكتكين بعد خبر استيلائه على الري سنة عشرين وأربعمائة أنه بعث إلى المرزبان بن الحسين حين حرابيل من أولاد ملوك الديلم والتجأ إلى محمود فبعثه إلى بلاد السلار وهم إبراهيم بن المرزبان بن إسماعيل بن وهشودان بن صمد بن مسافر الديلمي وكان له من البلاد شهرخان وزنجان وشهرزور وغيرها فقصدها واستمال الديلم‏.‏وعاد محمود إلى خراسان فسار السلار إبراهيم إلى قزوين فملكها وقتل من عساكر محمود الذين بها وتحصن بقلعة الري وكان بينهم وقائع ظهر فيها السلار‏.‏ثم استمال مسعود بن محمود طوائف من عسكره وجاؤوا إليه ودلوه على عورة الحصن الذي فيه السلار وسلكوا بعسكره من طرق غامضة‏.‏وبعث إليه العسكر في رمضان سنة ست وعشرين فانهزم‏.‏وقبض عليه مسعود وحمله إلى سرجهار وبها ولده وطالب أن يسلم إليه القلعة فأبى وعاود عنه‏.‏وتسلم بقية قلاعه وأخذ أمواله وقرر على ابنه بسرجهار مالاً وعلى الأكراد الذين في جواره‏.‏وعاد إلى الري‏.‏وهذا السلار الذي ذكر غير السلار الأول‏.‏ولم يتصل الخبر بالخبر المتقدم‏.‏ثم ذكر أخبار الغز الذين تقدموا بين يدي السلجوقية وانتشروا في بلاد الري وملكوها وكثيراً من دخول الغز أذربيجان يقال دخل هؤلاء الغز إلى أذربيجان وسمى صاحبها يومئذ وهشودان بن غلاك فأكرمهم وصاهرهم يدافع شرهم بذلك ويستميلهم لنصرته فلم يحصل من ذلك بطائل‏.‏وعاثوا في البلاد أشد العيث ودخلوا مراغة سنة تسع وعشرين وأربعمائة فقتلوا أهلها وحرقوا مساجدها‏.‏وفعلوا كذلك بالأكراد الهمذانية فاتفق أهل البلاد على مدافعتهم‏.‏وأصلح أبو الهيجاء ابن ربيب الدولة ووهشودان صاحبا أذربيجان واتفقت كلمتهما واجتمع معهما أهل همذان فانصرفت تلك الطائفة عن أذربيجان وافترقوا على الري كما تقدم في أخبارهم‏.‏وبقي الغز الذين تقدموا قبلهم فقاسى منهم أهل أذربيجان شدة وفتك فيهم وهشودان بتبريز سنة إثنتين وثلاثين فتكة أوهنت منهم‏.‏ودعا منهم جمعاً كثيراً إلى صنيع وقبض على ثلاثين من مقدميهم فقتلهم وفر الباقون من أرمينية إلى بلاد الهكارية من أعمال الموصل وكانت بينهم وبين الأكراد وقائع ذكرناها في أخبار الغز بالموصل‏.‏ولم يعد ابن الأثير لبني المرزبان ملوك أذربيجان ذكراً إلى أن ذكر طغربك على البلاد والمفهوم من فحوى الأخبار أن الأكراد استولوا عليها بعد بني المرزبان والله أعلم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:35 PM

استيلاء طغرلبك على أذربيجان
قال ابن الأثير‏:‏ وفي سنة ست وأربعين سار طغرلبك إلى أذربيجان وقصد تبريز وصاحبها الأمير منصور بن وهشوذان بن محمد الروادي فأطاعه وخطب له وحمل إليه ورهن عنده ولده فسار طغرلبك عنه إلى الأمير أبي الأسوار صاحب جنزة فأطاع وخطب وكذلك سائر النواحي أرسلوا إليه يبذلون الطاعة والخطبة وانقاد العساكر إليه فأبقى عليهم بلادهم وأخذ رهنهم وسار إلى أرمينية كذلك‏.‏وقصد ملاذكرد وهي للنصرانية فعاث في بلادها وخرب أعمالها وغزا من هنالك بلاد الروم وانتهى إلى أرزن الروم فأثخن في بلادهم ودوخها وعاد ابن السلار إلى العراق‏.‏وذكر ابن الأثير خلال هذا غزوة فضلون الكردي إلى الخزر من التركمان على ما مر أول الكتاب فقال‏:‏ كان بيد فضلون الكردي قطعة كبيرة من أذربيجان فغزا إلى الخزر سنة إحدى وعشرين ولمحوج البلاد وقفل فجاؤوا في أثره وكبسوه وقتلوا أيضاً بخطط ملك الإنجاز إلى مدينة تفليس فقال‏:‏ وفي سنة تسع وعشرين زحف ملك الإنجاز إلى أذربيجان ليتعرف المسلمين على حين وصول الغز إلى أذربيجان وما فعلوه فيها وسمع الإنجاز بأخبارهم فأجفلوا عن مخلفهم ووصل وهشوذان صاحب أذربيجان وصرف نظره إلى ملاطفة الغز ومصاهرتهم ليستعين بهم كما مر‏.‏هذا آخر ما وجدناه من أخبار ملوك أذربيجان والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

الخبر عن بني شاهين ملوك البطيحة
ومن ملكها من بعدهم من قرابتهم وغيرهم وابتداء ذلك كان عمران بن شاهين من المصامدة وكان يتصرف في الجباية وحصل بيده منها مال فتخوف وألح عليه الطلب فهرب إلى البطيحة ممتنعاً من الدولة‏.‏وكان له نجدة وبأس وصبر على الشظف فأقام هنالك بين القصب والآجام يقتات بسمك الماء والطير ويتعرض للرفاق التي تمر بالطريق فيأخذها‏.‏واجتمع إليه لصوص الصيادين فقوي وامتنع على السلطان وتمسك بخدمة أبي القاسم بن البريدي صاحب البصرة فأمنه ووصل حبل الطاعة بيده وقلده حماية تلك النواحي إلى الجامدة دفعاً لضرره عن السابلة فعز جانبه وكثر جمعه وسلاحه واتخذ معاقل على التلال بالبطائح وغلب على تلك النواحي ولما استولي معز الدولة على بغداد وقام بكفالة الخلافة والنظر في أمورها أهمه شأن عمران هذا وامتناعه في معاقله في نواحي بغداد فجهز إليه وزيره أبا جعفر الصيمري في العساكر‏.‏وسار إليه سنة ثمان وثلاثين وتعمدت بينهما الحروب والوقائع ثم هزمه الصيمري‏.‏ثم أتاه الخبر بمسيره إلى شيراز كما تقدم في أخبار دولتهم‏.‏

مسير العساكر إلى عمران بن شاهين وانهزامها
ولما انصرف الصيمري عن عمران عاد إلى حاله فبعث معز الدولة لقتاله روزبهان من أعيان الديلم في العساكر فتحصن منه في مضايق البطائح فطاوله فضجر روزبهان واستعجل قتاله فهزمه عمران وغنم ما معهم فاستفحل وقوي وأفسد السابلة‏.‏وكان أصحابه يطلبون الخفارة من جند السلطان إذا مروا بهم إلى ضياعهم ومعايشهم بالبصرة فبعث معز الدولة بالعساكر مع المهلبي وزحف إلى البطائح سنة أربعين ودخل عمران في مضائقه وأشاروا عليه بالهجوم فلم يفعل فكتب إليه معز الدولة بذلك بإشارة روزبهاذ فدخل المهلبي المضائق بجميع عسكره وقد أكمن لهم عمران فخرج عليهم الكمين وتقسموا بين القتل والغرق والأسر ونجا المهلبي سابحاً في الماء‏.‏وكان روزبهان متأخر في الزحف فسلم وأسر عمران كثيراً من قوادهم الأكابر ففاداه معز الدولة بمن في أسره من أهله وأصحابه وقلده ولاية البطائح فاستفحل أمره‏.‏ثم انتقض سنة أربع وأربعين لخبر بلغه عن مرض طرق معز الدولة وأرجف أهل بغداد بموته ومر به مال من الأموال يحمل إلى معز الدولة ومعه جماعة من التجار فكبسهم وأخذ جميع ما معهم‏.‏ثم رد ذلك بعد إبلال معز الدولة من مرضه وفسد ما بينهما من الصلح‏.‏ثم سار معز الدولة إلى واسط سنة خمس وخمسين فبعث العساكر من هنالك لقتال عمران مع أبي الفضل العباس بن الحسن‏.‏وقدم عليه نافع مولى ابن وجيه صاحب عمان يستنجده عليها فانحدر إلى الأبلة وبعث معه المراكب إلى عمان وسارت عساكره إلى البطائح فنزلوا الجامدة وسدوا الأنهار التي نصب إليها‏.‏ثم رجع معز الدولة من الأبلة وطرقه المرض فجهز العساكر لقتال عمران ودعا إلى بغداد فهلك وولي بعده ابنه عز الدولة بختيار فأعاد العساكر المجمرة على عمران وعقد معه الصلح فاستمر حاله‏.‏ثم زحف بختيار إليه سنة تسع وخمسين وأقام بواسط يتصيد شهراً‏.‏ثم بعث وزيره إلى الجامدة وطرق البطيحة فسد مجاري المياه وقلبها إلى أنهارها وهي الجسور إلى العراق‏.‏ثم جاء المد من دجلة وخرب جميع ذلك‏.‏ثم انتقل عمران إلى معقل آخر ونقل ماله إليه حتى إذا حسر المياه وانتهجت الطرق فقدوا عمران من مكانه وطال عليهم الأمر وشغب الجند على الوزير فأمر بختيار بمصالحته على ألف ألف درهم‏.‏ولما رحل العسكر عنه ثار أصحابه في أطراف الناس فنهبوا كثيراً من العساكر ووصلوا إلى بغداد سنة إحدى وستين‏.‏

وفاة عمران بن شاهين وقيام ابنه الحسن مقامه ومحاربته عساكر عضد الدولة
ثم توفي عمران بن شاهين فجأة في محرم سنة تسعة وستين لأربعين سنة من ثورته بعد أن طلبه الملوك والخلفاء وردوا عليه العساكر فلم يقدروا عليه‏.‏ولما هلك قام بعده ابنه الحسن فطمع عضد الدولة فيه وجهز العساكر مع وزيره وسدوا عليه المياه وأنفق فيها أموالاً وجاء المد فأزالها وبقوا كلما سدوا فوهة فتق الحسن أخرى وفتح الماء أمثالاً لها ثم وافقهم في الماء فاستظهر عسكر الحسن وكان معه المظفر أبو الحسن ومحمد بن عمر العلوي الكوفي فاتهمه بمراسلة الحسن وإفشاء سره إليه وخاف أن تنقص منزلته عند عضد الدولة فطعن نفسه فمات وأدرك بآخر رمق فقال‏:‏ محمد بن عمر حملني على هذا وحمل إلى ولده بكازرون فدفن هنالك وأرسل عضد الدولة إلى العسكر من رجعه إليه وصالح الحسن بن عمران على مال يحمله وأخذ رهنه بذلك‏.‏

مقتل الحسن بن عمران وولاية أخيه أبي الفرج
كان الحسن بن عمران آسفاً على أخيه أبي الفرج وحنقاً عليه ولم يزل يتحيل عليه إلى أن دعاه إلى عيادة أخت لهما مرضت وأكمن في بيتها جماعة أعدها القتلة فدخل الحسن منفرداً عن أصحابه فأغلقوا الباب دونهم وقتلوه‏.‏وصعد أبو الفرج إلى السطح فأعلمهم بقتله ووعدهم فسكنوا‏.‏ثم بذل لهم المال فأقره وكتب إلى بغداد بالطاعة فكتب له بالولاية وذلك لثلاث سنين من ولاية الحسن‏.‏

مقتل أبي الفرج وولاية أبي المعالي بن الحسن
ثم إن أبا الفرج لما قتل أخاه الحسن قدم الجماعة الذين قتلوه على أكابر القواد وكان الحاجب المظفر بن علي كبير قواد عمران والحسن فاجتمع إليه القواد وشكوا إليه فسكنهم فلم يرضوا وحملوه على قتل أبي الفرج فقتله ونصب أبا المعالي ابن أخيه الحسن مكانه لأشهر من ولايته‏.‏ثم تولي تدبيره بنفسه لصغره وقتل من كان يخافه من القواد واستولي على أموره


الساعة الآن 05:01 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى