منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4018)

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:02 PM

عبيد الله بن موسى عبيد الله بن موسى (ع)

ابن أبي المختار ، باذام ، الإمام ، الحافظ العابد ، أبو محمد العبسي -بموحدة- مولاهم الكوفي .

أول من صنف المسند على ترتيب الصحابة بالكوفة ، كما أن أبا داود الطيالسي ، أول من صنف المسند من البصريين ، على ما نقله الخليلي في "إرشاده ".

ولد في حدود عام عشرين ومائة .

وسمع من : هشام بن عروة ، وسليمان الأعمش ، وإسماعيل بن أبي خالد ، ومعروف بن خربوذ ، وزكريا بن أبي زائدة ، وسعد بن أوس العبسـي ، وسلمة بن نبيط ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وطلحة بن عمرو الحضرمي ، وطلحة بن يحيى التيمي ، وعبيد الله بن أبي زياد القداح ، وعثمان بن الأسود ، وعيسى بن أبي عيسى الحناط ، وكيسان أبا عمر القصار ، ومصعب بن سليم ، وأبا إدام المحاربي ، وموسى بن عبيدة ، وابن جريج ، والأوزاعي ، ومسعرا ، وشعبة ، وسفيان ، وشيبان ، وإسرائيل ، والحسن بن حي ، وخلقا كثيرا .

وكان من حفاظ الحديث ، مجودا للقرآن ، تلا على حمزة الزيات ، وعيسى بن عمر الهمداني ، وعلي بن صالح بن حي . وتصدر للإقراء والتحديث .

تلا عليه : أحمد بن جبير الأنطاكي ، وأيوب بن علي الأبزاري ، ومحمد بن عبد الرحمن ، وأبو حمدون الطيب ، ومحمد بن علي بن عفان ، وطائفة سواهم .

وحدث عنه : أحمد بن حنبل قليلا ، كان يكرهه لبدعة ما فيه ، وإسحاق ، وابن معين ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وعبد بن حميد ، وعلي بن محمد الطنافسي ، وحجاج بن الشاعر ، ومحمود بن غيلان ، ومحمود بن يحيى ، ومحمد بن عوف الطائي ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، ومحمد بن عثمان بن كرامة ، وأبو حاتم ، وأبو بكر الصاغاني ، ومحمد بن سليمان الباغندي ، وعباس الدوري ، وأحمد بن حازم الغفاري ، وأحمد بن عبد الله العجلي ، والحارث بن أبي أسامة ، وخلق كثير . وروى عنه البخاري في "صحيحه" ، ويعقوب الفسوي في "مشيخته ".

وثقه ابن معين وجماعة . وحديثه في الكتب الستة .

قال أبو حاتم : ثقة صدوق حسن الحديث . قال : وأبو نعيم أتقن منه ، وعبيد الله أثبتهم في إسرائيل ، كان إسرائيل يأتيه ، فيقرأ عليه القرآن .

وقال أحمد بن عبد الله العجلي : ثقة ، رأس في القرآن ، عالم به ، ما رأيته رافعا رأسه ، وما رئي ضاحكا قط .

وروى أبو عبيد الآجري عن أبي داود قال : كان شيعيا محترقا ، جاز حديثه .

قلت : كان صاحب عبادة وليل ، صحب حمزة ، وتخلق بآدابه ، إلا في التشيع المشئوم ، فإنه أخذه عن أهل بلده المؤسس على البدعة .

قال أحمد بن حنبل : حدث بأحاديث سوء ، وأخرج تلك البلايا ، فحدث بها .

قال أبو حاتم : سمعت منه في سنة ثلاث عشرة ومائتين .

وقال ابن سعد : مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ووافقه على السنة خليفة والبخاري وجماعة . وقيل : مات في شوالها . وقال الفسوي : سنة أربع عشرة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، ويحيى بن أبي منصور ، قالا : أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا هبة الله بن الحصين ، أخبرنا محمد بن محمد ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن سليمان الواسطي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : قال علي -رضي الله عنه- : " خَيرُنا بعد نبينا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- " .

ورواية عبيد الله مثل هذا دال على تقديمه للشيخين ، ولكنه كان ينال من خصوم علي .

قال ابن منده : كان أحمد بن حنبل يدل الناس على عبيد الله ، وكان معروفا بالرفض ، لم يدع أحدا اسمه معاوية يدخل داره . فقيل : دخل عليه معاوية بن صالح الأشعري ، فقال : ما اسمك ؟ قال : معاوية . قال : والله لاحدثتك ، ولا حدثت قوما أنت فيهم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:04 PM



عبيد الله بن موسى ، وعمرو العنقزي قالا : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان قال : كان أبي من الأساورة ، فأسلمني في الكتاب ، فكنت أختلف وكان معي غلامان ، فكانا إذا رجعا ، دخلا على قس أو راهب ، فأدخل معهما ، فقال لهما : ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا ، أو تعلما بي أحدا ؟ فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما ، فقال لي : يا سلمان ، إني أحب أن أخرج من هذه الأرض . قلت : فأنا معك .

فأتى قرية فنزلها ، وكانت امرأة تختلف إليه ، فلما حضر ، قال : احفر عند رأسي ، فاستخرجت جرة من دراهم ، فقال : ضعها على صدري . قال : فجعل يضرب بيده على صدره ، ويقول : ويل للقنائين . قال : ومات فاجتمع القسيسون والرهبان ، وهممت أن أحتمل المال ، ثم إن الله عصمني ، فقلت لهم : إنه قد ترك مالا . فوثب شبان من أهل القرية فقالوا : هذا مال أبينا ، كانت سريته تختلف إليه .

فقلت : يا معشر القسيسين والرهبان ، دلوني على عالم أكون معه . قالوا : ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص ، فأتيته فقصصت عليه ، فقال : ما جاء بك إلا طلب العلم ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة في هذا الشهر ، وإن انطلقت وجدت حماره واقفا . فانطلقت فوجدت حماره واقفا على باب بيت المقدس ، فجلست حتى خرج . فقصصت عليه ، فقال : اجلس حتى أرجع إليك . [ ص: 514 ] فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : وإنك لها هنا بعد ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء ، وهو نبي وهذا زمانه ، وإن انطلقت الآن وافقته ، وفيه ثلاث : خاتم النبوة ، ولا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية . خاتم النبوة عند غرضوف كتفه ، كأنها بيضة حمامة ، لونها لون جلده .

فانطلقت ، فأصابني قوم من الأعراب ، فاستعبدوني فباعوني ، حتى وقعت إلى المدينة ، فسمعتهم يذكرون النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا ، فخرجت فاحتطبت ، فبعته بشيء يسير ، ثم جئت بطعام اشتريته ، فوضعته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . فأبى أن يأكل ، وأمر أصحابه فأكلوا ، وكان العيش يومئذ عزيزا ، فقلت : هذه واحدة . ثم أمكث ما شاء الله أن أمكث . ثم قلت لأهلي : هبوا لي يوما . فوهبوا لي يوما ، فخرجت ، فاحتطبت فبعته بأفضل مما كنت بعت به - يعني الأول - فاشتريت به طعاما ، ثم جئت ، فوضعته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية . قال : كلوا . وأكل . قلت : هذه أخرى .

ثم قمت خلفه ، فوضع رداءه ، فرأيت عند غرضوف كتفه خاتم النبوة ، فقلت : أشهد أنك رسول الله . فقال : ما هذا ؟ فحدثته ، وقلت : يا رسول الله ، هذا الراهب أفي الجنة هو ، وهو يزعم أنك نبي الله ؟ قال : إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة . فقلت : إنه أخبرني أنك نبي . فقال : إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة
. [ ص: 515 ]

رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن أبي كامل ، ورواه أبو قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء ، كلاهما عن إسرائيل .

سعيد بن أبي مريم : حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، حدثني السلم بن الصلت العبدي ، عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه قال : كنت رجلا من أهل جي ، مدينة أصبهان ، فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته : أي الدين أفضل ؟ قال : ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل . فذهبت إليه ، فكنت عنده ، إلى أن قال : فأتيت حجازيا ، فقلت : تحملني إلى المدينة وأنا لك عبد ؟ فلما قدمت ، جعلني في نخله ، فكنت أستقي كما يستقي البعير ، حتى دبر ظهري ولا أجد من يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي ، فكلمتها ، فقلت : أين هذا الذي خرج ؟ قالت : سيمر عليك بكرة . فجمعت تمرا ، ثم جئته وقربت إليه التمر ، فقال : أصدقة أم هدية ؟ .

أبو إسماعيل الترمذي ، وإسحاق بن إبراهيم بن جميل وغيرهما ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القطواني حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي ، حدثنا أبو معاذ ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن سلمان الفارسي ، قال : كنت ممن ولد برامهرمز وبها نشأت ، وأما أبي فمن أصبهان . [ ص: 516 ]

وكانت أمي لها غنى ، فأسلمتني إلى الكتاب ، وكنت أنطلق مع غلمان من أهل قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة ، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول ، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا ، فمررت ذات يوم وحدي ، فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب شعر ، ونعلاه شعر ، فأشار إلي ، فدنوت منه ، فقال : يا غلام ، أتعرف عيسى ابن مريم ؟ قلت : لا . قال : هو رسول الله . آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها . قلت : ما نعيم الآخرة ؟ قال : نعيم لا يفنى . فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه ، فعلقه فؤادي وفارقت أصحابي ، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي .

وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب ، فأنقطع دونه ، فعلمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنعيسى رسول الله ، ومحمدا بعده رسول الله ، والإيمان بالبعث ، وعلمني القيام في الصلاة ، وكان يقول لي : إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة ، فاحتوشتك النار فلا تلتفت ، وإن دعتك أمك وأبوك فلا تلتفت ، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله ، وإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها ; فإنه لا يدعوك إلا بوحي .

وأمرني بطول القنوت ، وزعم أن عيسى - عليه السلام - قال : طول القنوت أمان على الصراط ، وطول السجود أمان من عذاب القبر ، وقال : لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله ، ولا تعصين الله في طمع ولا غضب ، لا تحجب عن الجنة طرفة عين .

ثم قال لي : إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به ، واقرأ عليه السلام مني ; فإنه بلغني أن عيسى ابن مريم - عليه السلام - [ ص: 517 ] قال : من سلم على محمد رآه أو لم يره ، كان له محمد شافعا ومصافحا . فدخل حلاوة الإنجيل في صدري .

قال : فأقام في مقامه حولا ، ثم قال : أي بني ، إنك قد أحببتني وأحببتك ، وإنما قدمت بلادكم هذه : إنه كان لي قريب ، فمات ، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه ، لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة ، يقول الله : من وصل قرابته ، وصلني ، ومن قطع قرابته ، فقد قطعني ، وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان ، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك . قلت : عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي . قال : إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم - عليه السلام - فدع الوالدة والقرابة ، ثم قال : إن الله يصلح بينك ، وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة .

فخرجت معه ، فأتينا نصيبين ، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه . ويبسطون له أرديتهم ، وقالوا : مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا ، فحمد الله ، ودمعت عيناه وقال : إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله ، فأبشروا بالنظر إلى الله . ثم قال : إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا ، فاستوصوا بهذا الغلام ; فإني رأيته رقيقا سريع الإجابة .

فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف ، فقالوا : لو تعرضت له ، فقلت : أنتم أعظم عليه حقا مني ، قالوا : أنت ضعيف ، غريب ، ابن سبيل ، وهو نازل علينا ، فلا تقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله . فعرضت له فارتعد ، ثم جثا على ركبتيه ، ثم قال : ما لك يا بني ؟ جائع أنت ؟ عطشان أنت ؟ مقرور أنت ؟ اشتقت إلى أهلك ؟ قلت : بل أطعت هؤلاء العلماء . قال : أتدري ما يقول الإنجيل ؟ قلت : لا ، قال : يقول من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا ، فمات فهو صديق ، وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس . فجاء العلماء ، [ ص: 518 ] فقالوا : يا سيدنا امكث يومك تحدثنا وتكلمنا ، قال : إن الإنجيل حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره .

فقام فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه ، كل ذلك يقول : أوصيكم ألا تحتقروا معصية الله ، ولا تعجبوا بحسنة تعملونها ، فمشى ما بين نصيبين والأرض المقدسة شهرا يمشي نهاره ، ويقوم ليله حتى دخل بيت المقدس ، فقام شهرا يصلي الليل والنهار ، فاجتمع إليه علماء بيت المقدس ، فطلبوا إلي أن أتعرض له ففعلت ، فانصرف إلي ، فقال لي كما قال في المرة الأولى ، فلما تكلم اجتمع حوله علماء بيت المقدس ، فحالوا بيني وبينه يومهم وليلتهم حتى أصبحوا ، فملوا وتفرقوا ، فقال لي : أي بني ، إني أريد أن أضع رأسي قليلا ، فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني . قال : وبينه وبين الشمس ذراعان . فبلغته الشمس ، فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة ، فلما بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها .

فقال : ما لك لم توقظني ؟ قلت : رحمتك لطول عنائك . قال : إني لا أحب أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده ، أفلا رحمتني من طول الموقف ؟ أي بني ، إني أريد الشخوص إلى جبل فيه خمسون ومائة رجل أشرهم خير مني . أتصحبني ؟ قلت : نعم . فقام فتعلق به أعمى على الباب ، فقال : يا أبا الفضل تخرج ولم أصب منك خيرا ، فمسح يده على وجهه ، فصار بصيرا . فوثب مقعد إلى جنب الأعمى ، فتعلق به فقال : من علي من الله عليك بالجنة . فمسح يده عليه . فقام فمضى - يعني الراهب - فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا .

فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح ، فجلست حتى انصرف ، فقلت : يا عبد الله ، ما [ ص: 519 ] اسمك ؟ قال : فذكر اسمه ، فقلت : أتعرف أبا الفضل ؟ قال : نعم ، ووددت أني ، لا أموت حتى أراه ، أما إنه هو الذي من علي بهذا الدين ، فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي يخرج من جبال تهامة ، يقال له : محمد بن عبد الله ، يركب الجمل والحمار والفرس والبغلة ، ويكون الحر والمملوك عنده سواء ، وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه ، لو قسمت بين الدنيا كلها لم يكن لها مكان ، بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب باطنها : الله وحده لا شريك له ، محمد رسول الله ، وظاهرها : توجه حيث شئت فإنك المنصور ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، ليس بحقود ولا حسود ، ولا يظلم معاهدا ولا مسلما . فقمت من عنده ، فقلت : لعلي أقدر على صاحبي ، فمشيت غير بعيد ، فالتفت يمينا وشمالا لا أرى شيئا .

فمر بي أعراب من كلب ، فاحتملوني حتى أتوا بي يثرب ، وسموني ميسرة ، فجعلت أناشدهم ، فلا يفقهون كلامي ، فاشترتني امرأة يقال لها : خليسة بثلاث مائة درهم . فقالت : ما تحسن ؟ قلت : أصلي لربي وأعبده ، وأسف الخوص . قالت : ومن ربك ؟ قلت : رب محمد . قالت : ويحك ! ذاك بمكة ، ولكن عليك بهذه النخلة ، وصل لربك لا أمنعك ، وسف الخوص ، واسع على بناتي ; فإن ربك يعني إن تناصحه في العبادة يعطك سؤلك .

فمكثت عندها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فبلغني ذلك وأنا في أقصى المدينة في زمن الخلال فانتقيت شيئا من الخلال ، فجعلته في ثوبي ، وأقبلت أسأل عنه ، حتى دخلت عليه وهو في منزل أبي أيوب ، [ ص: 520 ] وقد وقع حب لهم فانكسر ، وانصب الماء ، فقام أبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهما لا يكف على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فخرج رسول الله ، فقال : ما تصنع يا أبا أيوب ؟ فأخبره ، فقال : لك ولزوجتك الجنة . فقلت : هذا - والله - محمد رسول الرحمة . فسلمت عليه ، ثم أخذت الخلال فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا يا بني ؟ قلت : صدقة . قال : إنا لا نأكل الصدقة . فأخذته وتناولت إزاري وفيه شيء آخر ، فقلت : هذه هدية . فأكل وأطعم من حوله ، ثم نظر إلي ، فقال : أحر أنت أم مملوك ؟ قلت : مملوك . قال : ولم وصلتني بهذه الهدية ؟ .

قلت : كان لي صاحب من أمره كذا ، وصاحب من أمره كذا ، فأخبرته بأمرهما .

قال : أما إن صاحبيك من الذين قال الله
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم الآية ، ما رأيت في ما خبرك ؟

قلت : نعم ، إلا شيئا بين كتفيك . فألقى ثوبه ، فإذا الخاتم ، فقبلته ، وقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .

فقال : يا بني ، أنت سلمان ، ودعا عليا ، فقال : اذهب إلى خليسة ، فقل لها : يقول لك محمد إما أن تعتقي هذا ، وإما أن أعتقه ، فإن الحكمة تحرم عليك خدمته . قلت : يا رسول الله . أشهد أنها لم تسلم . قال : يا سلمان ، أولا تدري ما حدث بعدك ؟ دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الإسلام فأسلمت . فانطلق علي ، وإذا هي تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرها علي ، [ ص: 521 ] فقالت : انطلق إلى أخي ، تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقل له : إن شئت فأعتقه ، وإن شئت فهو لك . قال : فكنت أغدو وأروح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعولني خليسة .

فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : انطلق بنا نكافئ خليسة . فكنت معه خمسة عشرة يوما في حائطها يعلمني وأعينه ، حتى غرسنا لها ثلاث مائة فسيلة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد عليه حر الشمس وضع على رأسه مظلة لي من صوف ، فعرق فيها مرارا ، فما وضعتها بعد على رأسي إعظاما له ، وإبقاء على ريحه ، وما زلت أخبأها وينجاب منها حتى بقي منها أربع أصابع ، فغزوت مرة ، فسقطت مني
.

هذا الحديث شبه موضوع ، وأبو معاذ مجهول وموسى .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:07 PM

إسماعيل بن عيسى العطار : حدثنا إسحاق بن بشر ، حدثني أبو عبيد الله التيمي ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل قال : قيل لسلمان : أخبرنا عن إسلامك . قال : كنت مجوسيا ، فرأيت كأن القيامة قد قامت ، وحشر الناس على صورهم ، وحشر المجوس على صور الكلاب ، ففزعت . فرأيت من القابلة أيضا أن الناس حشروا على صورهم ، وأن المجوس حشروا على صور الخنازير ، فتركت ديني ، وهربت وأتيت الشام ، فوجدت يهودا ، فدخلت في دينهم ، وقرأت كتبهم ، ورضيت بدينهم وكنت عندهم حججا . فرأيت فيما يرى النائم أن الناس حشروا ، وأن اليهود أتي بهم ، فسلخوا ، ثم ألقوا في النار فشووا ، ثم أخرجوا ، فبدلت جلودهم ، ثم أعيدوا في النار .

فانتبهت وهربت من اليهودية ، فأتيت قوما نصارى ، فدخلت في دينهم ، وكنت معهم في شركهم ، فكنت عندهم حججا ، فرأيت كأن ملكا أخذني فجاء بي على الصراط على النار ، فقال : اعبر هذا ، فقال صاحب الصراط : انظروا ، فإن كان دينه النصرانية ، فألقوه في النار .

فانتبهت وفزعت ، ثم استعبرت راهبا كان [ ص: 522 ] صديقا لي ، فقال : إن الذي أنت عليه دين الملك ، ولكن عليك باليعقوبية . فرفضت ذلك ، ولحقت بالجزيرة ، فلزمت راهبا بنصيبين يرى رأي اليعقوبية ، فكنت عندهم حججا ، فرأيت فيما يرى النائم أن إبراهيم خليل الرحمن قائم عند العرش يميز من كان على ملته ، فيدخله الجنة ، ومن كان على غير ملته ، ذهبوا به إلى النار .

فهربت من ذلك الراهب ، وأتيت راهبا له خمسون ومائة سنة وأخبرته بقصتي ، فقال : إن الذي تطلبه ليس هو اليوم على ظهر الأرض ، ذاك دين الحنفية وهو دين أهل الجنة ، وقد اقترب ، وأظلك زمانه ، نبي يثرب يدعو إلى هذا الدين . قلت : ما اسم هذا الرجل ؟ قال : له خمسة أسماء : مكتوب في العرش محمد ، وفي الإنجيل أحمد ، ويوم القيامة محمود ، وعلى الصراط حماد ، وعلى باب الجنة حامد ، وهو من ولد إسماعيل ، وهو قرشي ، فسرد كثيرا من صفته - صلى الله عليه وسلم .

قال : فسرت في البرية ، فسبتني العرب ، واستخدمتني سنين ، فهربت منهم ، إلى أن قال : فلما أسلمت قبل على رأسي ، وكساني أبو بكر ما كان عليه ، إلى أن قال : يا سلمان أنت مولى الله ورسوله .

وهو منكر ، في إسناده كذاب وهو إسحاق مع إرساله ووهن ابن لهيعة والتيمي .

سمويه حدثنا عمرو بن حماد القناد حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية في أصحاب سلمان نزلت ، وكان من أهل جند [ ص: 523 ] سابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له ومؤاخيا ، وكانا يركبان إلى الصيد ، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباء ، فأتياه ، فإذا هما برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه ، ويبكي ، فسألاه : ما هذا ؟ قال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فانزلا . فنزلا إليه ، فقال : هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه بطاعته ، ونهى عن معصيته ، فيه : أن لا تزن ولا تسرق ، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل ، فقص عليهما ما فيه ، وهو الإنجيل . فتابعاه فأسلما ، وقال : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .

ولم يزل معهما يتعلمان منه حتى كان عيد للملك فجعل طعاما ، ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك ، فدعاه ليأكل فأبى ، وقال : إني عنك مشغول . فلما أكثر عليه ، أخبر أنه لا يأكل من طعامهم . فقال له الملك : من أخبرك بهذا ؟ فذكر له الراهب .

فطلب الراهب وسأله ، فقال : صدق ابنك . فقال : لولا أن الدم عظيم لقتلتك . اخرج من أرضنا ، فأجله أجلا ، فقمنا نبكي عليه ، فقال : إن كنتما صادقين ، فأنا في بيعة في الموصل مع ستين رجلا نعبد الله ، فائتونا .

فخرج ، وبقي سلمان وابن الملك . فجعل سلمان يقول لابن الملك : انطلق بنا ، وابن الملك يقول : نعم . فجعل يبيع متاعه يريد الجهاز ، وأبطأ ، فخرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة .

فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ، فقال له الشيخ : إنك غلام حدث وأنا خائف أن تفتر ، فارفق بنفسك ، قال : خل عني .

ثم إن صاحب البيعة دعاه ، فقال : تعلم أن هذه البيعة لي ، ولو شئت أن [ ص: 524 ] أخرج هؤلاء ، لفعلت ، ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول إلى بيعة أهلها أهون عبادة ، فإن شئت أن تقيم ها هنا ، فأقم .

فأقام بها يتعبد معهم ، ثم إن شيخه أراد أن يأتي بيت المقدس ، فدعا سلمان ، وأعلمه ، فانطلق معه ، فمروا بمقعد على الطريق ، فنادى : يا سيد الرهبان ارحمني . فلم يكلمه حتى أتى بيت المقدس ، فقال لسلمان : اخرج فاطلب العلم ; فإنه يحضر المسجد علماء أهل الأرض .

فخرج سلمان يسمع منهم ، فخرج يوما حزينا ، فقال له الشيخ : ما لك ؟ قال : أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم .

قال : أجل ، لا تحزن ; فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه ، وهذا زمانه ، ولا أراني أدركه ، ولعلك تدركه ، وهو يخرج في أرض العرب ، فإن أدركته فآمن به . قال : فأخبرني عن علامته . قال : مختوم في ظهره بخاتم النبوة ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .

ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد . فناداهما : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ; فعطف إليه حماره فأخذ بيده ، ثم رفعه ، فضرب به الأرض ودعا له ، فقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا يشتد وسار الراهب ، فتغيب عن سلمان وتطلبه سلمان . فلقيه رجلان من كلب فقال : هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته وقال : نعم ، راعي الصرمة هذا فانطلق به إلى المدينة . [ ص: 525 ]

قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني قط .

فاشترته امرأة من جهينة ، فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم ، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد - صلى الله عليه وسلم .

فبينما هو يرعى إذ أتاه صاحبه ، فقال : أشعرت أنه قدم المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟

فقال : أقم في الغنم حتى آتي ، فهبط إلى المدينة ، فنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى خاتم النبوة ، ثم انطلق فاشترى بدينار بنصفه شاة فشواها ، وبنصفه خبزا وأتى به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا ؟ قال : صدقة ، قال لا حاجة لي بها . أخرجها يأكلها المسلمون .

ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، فأتى به فقال : هذا هدية ، فأكلا جميعا . وأخبره سلمان خبر أصحابه ، فقال : كانوا يصومون ويصلون ، ويشهدون أنك ستبعث . فقال : يا سلمان ، هم من أهل النار ، فاشتد ذلك على سلمان . وقد كان قال : لو أدركوك صدقوك واتبعوك .

فأنزل الله : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية
.

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:08 PM

الحسن بن يعقوب البخاري ، والأصم : قالا : حدثنا يحيى بن جعفر ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا له صديقين ، فأتياه ليكلم لهما [ ص: 526 ] سلمان ، ليحدثهما حديثه ، فأقبلا معه ، فلقوا سلمان بالمدائن أميرا ، وإذا هو على كرسي ، وإذا خوص بين يديه وهو يرتقه . قالا : فسلمنا عليه وقعدنا ، فقال له زيد : يا أبا عبد الله ، كيف كان بدء إسلامك ؟ قال : كنت يتيما من رامهرمز ، وكان ابن دهقانها يختلف إلى معلم يعلمه ، فلزمته لأكون في كنفه ، وكان لي أخ أكبر مني ، وكان مستغنيا بنفسه ، وكنت غلاما ، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم ، فإذا تفرقوا ، خرج فقنع رأسه بثوبه ثم صعد الجبل ، كان يفعل ذلك غير مرة متنكرا .

فقلت له : إنك تفعل كذا وكذا ، فلم لا تذهب بي معك ؟ قال : أنت غلام ، وأخاف أن يظهر منك شيء . قلت : لا تخف . قال : فإن في هذا الجبل قوما في برطيل لهم عبادة وصلاح ، يزعمون أنا عبدة النيران وعبدة الأوثان ، وأنا على غير دينهم . قلت : فاذهب بي معك إليهم ، قال : لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم ، أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم ، أو فيقتل القوم ، فيكون هلاكهم على يدي ، قلت : لن يظهر مني ذلك ، فاستأمرهم ، فقال : غلام عندي يتيم أحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم .

قالوا : إن كنت تثق به ، قال : أرجو ، قال : فقال لي : ائتني في الساعة التي رأيتني أخرج فيها ، ولا يعلم بك أحد . فلما كانت الساعة تبعته ، فصعد الجبل ، فانتهينا إليهم ، قال علي بن عاصم : أراه قال : وهم ستة أو سبعة ، قال : وكأن الروح قد خرج منهم من العبادة ، يصومون النهار ، ويقومون الليل ، ويأكلون عند السحر ما وجدوا . فقعدنا إليهم ، فتكلموا ، فحمدوا الله ، وذكروا من مضى من الأنبياء والرسل حتى خلصوا إلى ذكر عيسى ، فقالوا : بعث الله عيسى رسولا ، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى ، وخلق الطير ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وكفر به قوم ، وتبعه قوم ، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به [ ص: 527 ] خلقه . وقالوا قبل ذلك : يا غلام إن لك لربا ، وإن لك لمعادا ، وإن بين يديك جنة ونارا إليها تصير ، وإن هؤلاء الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة ليسوا على دين .

فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام ، انصرفت معه ، ثم غدونا إليهم ، فقالوا مثل ذلك وأحسن ، ولزمتهم . فقالوا لي : يا سلمان ، إنك غلام ، وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع ، فصل ونم وكل واشرب . فاطلع الملك على صنيع ابنه ، فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم ، فقال : يا هؤلاء ، قد جاورتموني ، فأحسنت جواركم ، ولم تروا مني سوءا ، فعمدتم إلى ابني ، فأفسدتموه علي ، قد أجلتكم ثلاثا ، فإن قدرت بعدها عليكم ، أحرقت عليكم برطيلكم . قالوا : نعم ، وكف ابنه عن إتيانهم . فقلت له : اتق الله ; فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله ، وأن أباك على غير دين ، فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك . قال : هو كما تقول ، وإنما أتخلف عن القوم بقيا عليهم . قال : فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا ، فقالوا : يا سلمان ، قد كنا نحذر ما رأيت ، فاتق الله ، واعلم أن الدين ما أوصيناك به . فلا يخدعنك أحد عن دينك . قلت ما أنا بمفارقكم . قالوا : فخذ شيئا تأكله ; فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن .

ففعلت ، ولقيت أخي ، فعرضت عليه بأني أمشي معهم ، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل ، فأتينا بيعة ، فلما دخلوا أحفوا بهم وقالوا : أين كنتم ؟ قالوا : كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى ، بها عبدة النيران ، فطردنا ، فقدمنا عليكم .

فلما كان بعد ، قالوا : يا سلمان ، إن ها هنا قوما في هذه الجبال هم أهل [ ص: 528 ] دين ، وإنا نريد لقاءهم ، فكن أنت ها هنا . قلت : ما أنا بمفارقكم . فخرجوا وأنا معهم ، فأصبحوا بين جبال ، وإذا ماء كثير وخبز كثير ، وإذا صخرة ، فقعدنا عندها .

فلما طلعت الشمس ، خرجوا من بين تلك الجبال ، يخرج رجل رجل من مكانه كأن الأرواح قد انتزعت منهم ، حتى كثروا فرحبوا بهم وحفوا ، وقالوا : أين كنتم ؟ قالوا : كنا في بلاد فيها عبدة نيران . فقالوا : ما هذا الغلام ؟ وطفقوا يثنون علي ، وقالوا : صحبنا من تلك البلاد ، فوالله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف ، فجاء فسلم ، فحفوا به ، وعظمه أصحابي ، وقال : أين كنتم ؟ فأخبروه ، فقال : ما هذا الغلام ؟ فأثنوا علي .

فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر رسله ، وذكر مولد عيسى ابن مريم ، وأنه ولد بغير ذكر ، فبعثه الله رسولا ، وأجرى على يديه إحياء الموتى ، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير ، فينفخ فيه ، فيكون طيرا بإذن الله ، وأنزل عليه الإنجيل ، وعلمه التوراة ، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل ، فكفر به قوم ، وآمن به قوم ، إلى أن قال : فالزموا ما جاء به عيسى ، ولا تخالفوا ، فيخالف بكم . ثم قال : من أراد أن يأخذ من هذا شيئا ، فليأخذ .

فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشيء ، فقام إليه أصحابي الذين جئت معهم ، فسلموا عليه ، وعظموه ، وقال لهم : الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا ، واستوصوا بهذا الغلام خيرا ، وقال لي : يا غلام ، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله ، وما سواه الكفر .

قلت : ما أنا بمفارقك . قال : إنك لا تستطيع أن تكون معي ، إني ما أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد . قلت : ما أنا بمفارقك .

قال له أصحابه : يا أبا فلان ، إن هذا لغلام ويخاف عليه . قال لي : أنت أعلم . قلت : فإني لا أفارقك . فبكى أصحابي لفراقي ، فقال : يا غلام ، خذ من هذا الطعام ما يكفيك للأحد الآخر ، وخذ من الماء ما تكتفي به ، ففعلته ، فما رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا [ ص: 529 ] وساجدا إلى الأحد الآخر . فلما أصبحنا قال : خذ جرتك هذه وانطلق . فخرجت أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة ، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه ، فعدوا ، وعاد في حديثه وقال : الزموا هذا الدين ، ولا تفرقوا ، واذكروا الله ، واعلموا أن عيسى كان عبد الله أنعم عليه ، فقالوا : كيف وجدت هذا الغلام ؟ فأثنى علي . وإذا خبز كثير وماء كثير ، فأخذوا ما يكفيهم وفعلت . فتفرقوا في تلك الجبال ، ورجعنا إلى الكهف ، فلبثنا ما شاء الله يخرح كل أحد ويحفون به .

فخرج يوما فحمد الله - تعالى - ووعظهم ، ثم قال : يا هؤلاء ، إنه قد كبر سني ، ورق عظمي ، واقترب أجلي ، وإنه لا عهد لي بهذا البيت مذ كذا وكذا ، ولا بد من إتيانه ، فاستوصوا بهذا الغلام خيرا ; فإني رأيته لا بأس به .

فجزع القوم ، وقالوا : أنت كبير ، وأنت وحدك ، فلا نأمن أن يصيبك الشيء ولسنا عندك ، ما أحوج ما كنا إليك . قال : لا تراجعوني ، فقلت : ما أنا بمفارقك . قال : يا سلمان ، قد رأيت حالي وما كنت عليه ، وليس هذا كذلك ، أنا أمشي أصوم النهار ، وأقوم الليل ، ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره ، وأنت لا تقدر على هذا . قلت : ما أنا بمفارقك . قال : أنت أعلم .

وبكوا وودعوه ، واتبعته يذكر الله ولا يلتفت ، ولا يقف على شيء ، حتى إذا أمسينا قال : صل أنت ، ونم ، وقم ، وكل ، واشرب . ثم قام يصلي حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس ، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء ، فإذا على باب المسجد مقعد ، فقال : يا عبد الله ، قد ترى حالي ، فتصدق علي بشيء فلم يلتفت إليه ، ودخل المسجد ، فجعل يتبع أمكنة يصلي فيها ، ثم قال : يا سلمان ، لم أنم مذ كذا وكذا ، فإن أنت جعلت أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت ; فإني أحب أن أنام في هذا المسجد ، وإلا لم أنم . قلت : فإني أفعل . فنام ، فقلت في نفسي : هذا لم ينم منذ كذا وكذا لأدعنه ينام . [ ص: 530 ] وكان لما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني ويخبرني أن لي ربا ، وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا ، ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد حتى قال : يا سلمان ، إن الله سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة ، وكان رجلا أعجميا لا يحسن أن يقول محمد ، علامته أنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب ، فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه ، فإن أنت أدركته ، فصدقه واتبعه . قلت : وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه ، قال : نعم . فإن رضى الرحمن فيما قال .

فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعا يذكر الله تعالى ، فقال : يا سلمان ، مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله ، أين ما كنت جعلت على نفسك ؟ قلت : لأنك لم تنم منذ كذا وكذا ، فأحببت أن تستوفي من النوم . فحمد الله وقام .

وخرج فتبعته ، فمر بالمقعد ، فقال : يا عبد الله ، دخلت وسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني ، فقام ينظر هل يرى أحدا فلم ير ، فدنا منه ، وقال له : ناولني يدك ، فناوله ، فقال : باسم الله ، فقام كأنه نشط من عقال ، صحيحا لا عيب فيه . فانطلق ذاهبا ، فكان لا يلوي على أحد ، ولا يقوم عليه .

فقال لي المقعد : يا غلام ، احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي . فحملت عليه ثيابه ، وانطلق لا يلوي علي ، فخرجت في أثره أطلبه ، فكلما سألت عنه ، قالوا أمامك .

حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم ، [ ص: 531 ] فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره ، فجعلني خلفه حتى أتوا بي بلادهم ، فباعوني ، واشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها .

وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرت به ، فأخذت شيئا من تمر حائطي وأتيته فوجدت عنده ناسا ، وإذا أبو بكر أقرب الناس إليه ، فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : صدقة ، فقال : كلوا ، ولم يأكل . ثم لبثت ما شاء الله ، ثم أخذت مثل ذلك وأتيته به . فوجدت عنده ناسا ، فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية . فقال : باسم الله ، وأكل وأكل القوم ، فقلت في نفسي : هذه من آياته .

كان صاحبي رجلا أعجميا لم يحسن أن يقول تهامة ، فقال : تهمة .

قال : فدرت من خلفه ، ففطن لي فأرخى ثوبه ، فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر ، فتبينته ، ثم درت حتى جلست بين يديه ، فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . قال : من أنت ؟ قلت : مملوك ، وحدثته حديثي ، وحديث الذي كنت معه ، وما أمرني به . قال : لمن أنت ؟ قلت : لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها . قال : يا أبا بكر ، قال : لبيك . قال : اشتره . فاشتراني أبو بكر ، فأعتقني . فلبثت ما شاء الله ، ثم أتيته ، فسلمت عليه ، وقعدت بين يديه ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في دين النصارى ؟ قال : لا خير فيهم ولا في دينهم .

فدخلني أمر عظيم ، وقلت في نفسي : الذي أقام المقعد لا خير في هؤلاء ولا في دينهم . فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله ، وأنزل الله على نبيه
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : علي بسلمان . فأتاني الرسول وأنا خائف ، [ ص: 532 ] فجئته فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ذلك بأن منهم قسيسين ثم قال : يا سلمان ، إن الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى ; إنما كانوا مسلمين .

فقلت : والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك ، فقلت له : وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه ؟ قال : نعم فاتركه ; فإنه الحق
.

هذا حديث جيد الإسناد حكم الحاكم بصحته .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:09 PM

سعدويه الواسطي ، وأحمد بن حاتم الطويل ، وجماعة قالوا : حدثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي ، حدثنا عبيد المكتب ، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة ، حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، وكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء . فقيل لي : إن الذي ترومه إنما هو بالمغرب ، فأتيت الموصل ، فسألت عن أفضل رجل فيها . فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته ، فقلت له : إني رجل من أهل جي ، وإني جئت أطلب العلم ، فضمني إليك أخدمك وأصحبك ، وتعلمني مما علمك الله . قال : نعم .

فأجرى علي مثل ما كان يجرى عليه ، وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب . فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ قلت : يبكيني أني خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله فصحبتك ، فعلمتني وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب .

قال : لي أخ بالجزيرة مكان كذا [ ص: 533 ] وكذا ، فهو على الحق ، فائته ، فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه ، وأوصيتك بصحبته . فلما قبض أتيت الرجل الذي وصف لي ، فأخبرته ، فضمني إليه ، فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فأوصى بي إلى رجل بقرب الروم ، فلما قبض ، أتيته فضمني إليه ، فلما احتضر ، بكيت ، فقال : ما بقي أحد على دين عيسى أعلمه ، ولكن هذا أوان يخرج نبي ، أو قد خرج بتهامة ، وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، وإذا بلغك أنه قد خرج ، فائته ; فإنه النبي الذي بشر به عيسى ، وإنه ذلك ، فذكر الخاتم والهدية والصدقة .

قال : فمات ، ومر بي ناس من أهل مكة فسألتهم فقالوا : نعم قد ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي . فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون لكم عبدا على أن تحملوني عقبة ، وتطعموني من الكسر ؟ فقال رجل : أنا . فصرت له عبدا حتى قدم بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه ، فخرجت ، وسألت ، فلقيت امرأة من أهل بلادي ، فسألتها ، فإذا أهل بيتها قد أسلموا . فقالت لي : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس في الحجر هو وأصحابه إذا صاح عصفورمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا . فانطلقت إلى البستان ، وكنت أختلف ليلتي ، فقال لي الحبشان : ما لك ؟ قلت : أشتكي بطني . وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني .

فلما كانت الساعة التي أخبرتني ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو محتب وأصحابه حوله ، فأتيته من ورائه ، فأرسل حبوته ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر هذه واحدة . ثم انصرفت .

فلما كانت الليلة المقبلة ، لقطت تمرا جيدا فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . إلى أن قال : فاذهب فاشتر نفسك .

فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي . قال : نعم على أن تنبت لي مائة نخلة ، فإذا أنبتت جئني بوزن نواة من ذهب .

فأتيت رسول الله فأخبرته [ ص: 534 ] فقال : اشتر نفسك بذلك ، وائتني بدلو من ماء البئر الذي كنت تسقي منها ذلك النخل . فدعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، ثم سقيتها ، فوالله لقد غرست مائة نخلة ، فما غادرت منها نخلة إلا نبتت . فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة . فوالله ما استقلت القطعة الذهب من الأرض ، وجئت رسول الله وأخبرته ، فأعتقني
.

هذا حديث منكر غير صحيح ، وعبد الله بن عبد القدوس متروك ، وقد تابعه في بعض الحديث الثوري ، وشريك ، وأما هو ، فسمن الحديث فأفسده ، وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين ، وخبط في مواضع . وروى منه أبو أحمد الزبيري ، عن سفيان ، عن العلاء ، عن أبي الطفيل .

ورواه المبارك أخو الثوري ، عن أبيه ، عن عبيد المكتب ، فقال : عن أبي البختري ، عن سلمان ، وفي هذه الروايات كلها : كنت من أهل جي . وقال الفريابي وغيره : عن سفيان ، عن عوف ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كنت رجلا من رامهرمز . والفارسية سماها ابن منده : أمة الله .

الطبراني في " معجمه الكبير " : حدثنا أحمد بن داود المكي ، حدثنا قيس ابن حفص الدارمي ، حدثنا مسلمة بن علقمة ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن [ ص: 535 ] سماك بن حرب ، عن سلامة العجلي قال : جاء ابن أخت لي من البادية يقال له : قدامة ، فقال : أحب أن ألقى سلمان : فخرجنا إليه ، فسلمنا عليه ، وجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا ، ووجدناه على سرير ليف يسف خوصا . فقلت : يا أبا عبد الله ، هذا ابن أخت لي قدم ، فأحب أن يسلم عليك . قال : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته . قلت : يزعم أنه يحبك . قال : أحبه الله .

فتحدثنا وقلنا : ألا تحدثنا عن أصلك ؟ قال : أنا من أهل رامهرمز ، كنا قوما مجوسا ، فأتاني نصراني من الجزيرة كانت أمه منا ، فنزل فينا واتخذ ديرا ، وكنت في مكتب الفارسية ، فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا يبكي ، فقلت له يوما : ما يبكيك ؟ قال : يضربني أبواي . قلت : ولم ؟ قال : آتي هذا الدير ، فإذا علما ذلك ، ضرباني ، وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا . قلت : فاذهب بي معك . فأتيناه ، فحدثنا عن بدء الخلق ، وعن الجنة والنار .

وكنت أختلف إليه معه ، ففطن لنا غلمان من الكتاب ، فجعلوا يجيئون معنا ، فلما رأى ذلك أهل القرية قالوا له : يا هناة إنك قد جاورتنا فلم تر منا إلا الحسن ، وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ، ونحن نخاف أن تفسدهم ، اخرج عنا . قال : نعم . فقال لذلك الغلام : اخرج معي . قال : لا أستطيع ، قد علمت شدة أبوي علي .

قلت : أنا أخرج معك - وكنت يتيما لا أب لي - فخرجت ، فأخذنا جبل رامهرمز نمشي ونتوكل ، ونأكل من ثمر الشجر ، حتى قدمنا الجزيرة ، فقدمنا نصيبين ، فقال : هنا قوم عباد أهل الأرض ، فجئنا إليهم يوم الأحد وقد اجتمعوا ، فسلم عليهم ، فحيوه ، وبشوا به وقالوا : أين كانت غيبتك ؟ قال : كنت في إخوان لي من قبل فارس .

ثم قال صاحبي : قم يا [ ص: 536 ] سلمان قال : قلت : لا ، دعني مع هؤلاء . قال : إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء ، يصومون الأحد إلى الأحد ، ولا ينامون هذا الليل . وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ، ودخل في العبادة ، فكنت فيهم حتى أمسينا .

فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه ، فقال لي : يا سلمان ، هذا خبز وهذا أدم ، كل إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصل ما بدا لك ، ثم قام في صلاته ، فلم يكلمني ، ولم ينظر إلي ، فأخذني الغم تلك الأيام السبعة حتى كان يوم الأحد ، فذهبنا إلى مجمعهم ، إلى أن قال صاحبي : إني أريد الخروج إلى بيت المقدس . ففرحت ، وقلت : نسافر ، ونلقى الناس . فخرجنا ، فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ، ويصلي الليل كله ، ويمشي بالنهار . فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، وعلى بابه مقعد يسأل الناس ، فقال : أعطني ، قال : ما معي شيء .

فدخلنا بيت المقدس ، فبشوا به واستبشروا ، فقال لهم : غلامي هذا استوصوا به ، فأطعموني خبزا ولحما . ودخل في الصلاة ، فلم ينصرف حتى كان يوم الأحد ، فقال لي : يا سلمان ، إني أريد أن أنام ، فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني . فنام فلم أوقظه ماوية له مما دأب ، فاستيقظ مذعورا ، فقال : ألم أكن قلت لك ؟ ثم قال لي : اعلم أن أفضل الدين اليوم النصرانية ، قلت : ويكون بعد اليوم دين أفضل منه كلمة ألقيت على لساني ؟ قال : نعم يوشك أن يبعث نبي .

إلى أن قال : فتلقاني رفقة من كلب فسبوني ، فاشتراني بالمدينة رجل من الأنصار ، فجعلني في نخل ، ومن ثم تعلمت عمل الخوص ، أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله فأبيعه بدرهمين ، فأرد درهما في الخوص ، وأستنفق درهما أحب أن كان من عمل يدي .

قال : فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله . قال : فهاجر إلينا ، [ ص: 537 ] إلى أن قال : فقلت : يا رسول الله ، أي قوم النصارى ؟ قال : لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم .

قلت في نفسي : أنا - والله - أحبهم . قال : وذاك حين بعث السرايا ، وجرد السيف ، فسرية تدخل ، وسرية تخرج ، والسيف يقطر ، قلت : يحدث بي أني أحبهم ، فيبعث إلي فيضرب عنقي . فقعدت في البيت ، فجاءني الرسول : أجب رسول الله . فخفت ، وقلت : اذهب حتى ألحقك ، قال : لا - والله - حتى تجيء . فانطلقت ، فلما رآني تبسم ، وقال : يا سلمان أبشر ، فقد فرج الله عنك ، ثم تلا علي
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إلى قوله : لا نبتغي الجاهلين .

قلت : والذي بعثك بالحق لقد سمعته يقول - يعني صاحبه - : لو أدركته ، فأمرني أن أقع في النار ، لوقعت فيها ، إنه نبي لا يقول إلا حقا ، ولا يأمر إلا بحق
.

غريب جدا ، وسلامة لا يعرف .

قال بقي بن مخلد في " مسنده " : حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا شريك ، عن عبيد المكتب ، عن أبي الطفيل ، عن سلمان قال : خرجت في طلب العلم إلى الشام . فقالوا لي : إن نبيا قد ظهر بتهامة ، فخرجت إلى المدينة ، فبعثت إليه بقباع من تمر ، فقال : أهدية أم صدقة ؟ قلت : صدقة . فقبض يده ، وأشار إلى أصحابه أن يأكلوا . ثم أتبعته بقباع من تمر ، وقلت : هذا هدية ، فأكل وأكلوا . فقمت على رأسه ففطن ، فقال بردائه عن ظهره فإذا في ظهره خاتم النبوة ، فأكببت عليه ، وتشهدت . [ ص: 538 ] إسناده صالح .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:10 PM

أخرج البخاري من حديث سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال : تداولني بضعة عشر من رب إلى رب .

يحيى الحماني : حدثنا شريك ، عن عبيد المكتب ، عن أبي الطفيل ، عن سلمان قال : كاتبت ، فأعانني النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيضة من ذهب ، فلو وزنت بأحد كانت أثقل منه .

حماد بن سلمة : أنبأنا علي بن زيد ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مائة فسيلة ، فإذا علقت ، فأنا حر ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا أردت أن تغرس فآذني . فآذنته ، فغرس بيده إلا واحدة غرستها فيعلق الجميع إلا الواحدة التي غرست .

قيس بن الربيع : حدثنا أبو هاشم ، عن زاذان ، عن سلمان قال : قرأت في التوراة أن البركة تنزل في الوضوء قبل الطعام . فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : تنزل قبل الطعام في الوضوء ، وفي الوضوء بعده . [ ص: 539 ]

أبو بدر السكوني : عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن سلمان : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا سلمان ، لا تبغضني فتفارق دينك . قلت : بأبي وأمي كيف أبغضك وبك هداني الله ! قال : تبغض العرب فتبغضني قابوس بن حسنة : قال الترمذي : يحيى بن عقبة بن أبي العيزار من الضعفاء ، عن محمد بن جحادة ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق الفرس .

ابن علية : عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سلمان سابق الفرس .

هذا مرسل ومعناه صحيح .

ابن أبي فديك : عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خط الخندق عام الأحزاب . فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : منا سلمان . وقالت الأنصار : سلمان منا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سلمان منا أهل البيت . [ ص: 540 ]

كثير متروك .

حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان مر على سلمان وبلال وصهيب في نفر ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر : تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ! ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك . فأتاهم أبو بكر ، فقال : يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا يا أبا بكر يغفر الله لك .

قال الواقدي : أول مغازي سلمان الفارسي الخندق .

أحمد في " مسنده " حدثنا ابن نمير حدثنا شريك ، حدثنا أبو ربيعة ، عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا : إن الله يحب من أصحابي أربعة ، وأمرني أن أحبهم : علي ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد تفرد به أبو ربيعة . [ ص: 541 ]

الحسن بن صالح بن حي : عن أبي ربيعة البصري ، عن الحسن ، عن أنس قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان .

يعلى بن عبيد : حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال : قيل لعلي : أخبرنا عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : عن أيهم تسألون ؟ قيل : عن عبد الله ، قال : علم القرآن والسنة ، ثم انتهى وكفى به علما . قالوا : عمار ؟ قال : مؤمن نسي فإن ذكرته ، ذكر . قالوا : أبو ذر ؟ قال : وعى علما عجز عنه . قالوا : أبو موسى ؟ قال : صبغ في العلم صبغة ، ثم خرج منه . قالوا : حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين . قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول ، والعلم الآخر ، بحر لا يدرك قعره ، وهو منا أهل البيت . قالوا : فأنت يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت .

مسلم بن خالد الزنجي وغيره ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ قال : فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال : هذا وقومه ، لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس . [ ص: 542 ]

إسناده وسط .

وكيع : عن الأعمش ، عن أبي صالح قال : بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قول سلمان لأبي الدرداء : إن لأهلك عليك حقا . فقال : ثكلت سلمان أمه ، لقد اتسع من العلم .

شيبان : عن قتادة في قوله : ومن عنده علم الكتاب قال : سلمان وعبد الله بن سلام . [ ص: 543 ]

إسحاق الأزرق : عن ابن عون ، عن ابن سيرين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي الدرداء : يا عويمر ، سلمان أعلم منك ; لا تخص ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام .

مسعر : عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي قال : سلمان تابع العلم الأول والعلم الآخر ، ولا يدرك ما عنده .

حبان بن علي : حدثنا ابن جريج ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، وعن رجل ، عن زاذان قالا : كنا عند علي ، قلنا : حدثنا عن سلمان ، قال : من لكم بمثل لقمان الحكيم ، ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت ، أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا ينزف . [ ص: 544 ]

معاوية بن صالح : عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني ، عن يزيد بن عميرة قال : لما حضر معاذا الموت قلنا : أوصنا ، قال : أجلسوني . ثم قال : إن الإيمان والعلم مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما . قالها ثلاثا ، فالتمسوا العلم عند أربعة : أبي الدرداء ، وسلمان ، وابن مسعود ، وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم . فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنه عاشر عشرة في الجنة رواه الليث وكاتبه عنه .

وعن المدائني أن سلمان الفارسي قال : لو حدثتهم بكل ما أعلم ، لقالوا : رحم الله قاتل سلمان .

معمر ، عن قتادة : كان بين سعد بن أبي وقاص وبين سلمان شيء ، فقال : انتسب يا سلمان ، قال : ما أعرف لي أبا في الإسلام ، ولكني سلمان ابن الإسلام ، فنمى ذلك إلى عمر ، فلقي سعدا ، فقال : انتسب يا سعد ، فقال : أنشدك بالله يا أمير المؤمنين ، قال : وكأنه عرف ، فأبى أن يدعه حتى انتسب . ثم قال : لقد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية ، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان ابن الإسلام ، أما - والله - لولا شيء ، لعاقبتك ، أوما علمت أن رجلا انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية فكان عاشرهم في النار ؟ . [ ص: 545 ]

عفان : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت قال : كتب عمر إلى سلمان : أن زرني . فخرج سلمان إليه . فلما بلغ عمر قدومه قال : انطلقوا بنا نتلقاه ، فلقيه عمر ، فالتزمه وساءله ورجعا ، ثم قال له عمر : يا أخي ، أبلغك عني شيء تكرهه ؟ قال : بلغني أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم ، وبلغني أن لك حلتين حلة تلبسها في أهلك ، وأخرى تخرج فيها ، قال : هل غير هذا ؟ قال : لا ، قال : كفيت هذا .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:12 PM

الحسن بن سفيان في " مسنده " : حدثنا محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حجاج بن فروخ حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قدم سلمان من غيبة له ، فتلقاه عمر ، فقال : أرضاك لله عبدا . قال : فزوجني ، فسكت عنه ، قال : ترضاني لله عبدا ، ولا ترضاني لنفسك ؟ فلما أصبح أتاه قوم عمر ليضرب عن خطبة عمر ، فقال : والله ما حملني على هذا أمره ولا سلطانه ، ولكن قلت : رجل صالح عسى الله أن يخرج من بيننا نسمة صالحة . حجاج : واه .

سعيد بن سليمان الواسطي : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء ، حدثنا ابن سيرين ، حدثنا عبيدة السلماني أن سلمان مر بحجر المدائن غازيا وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف ، فقال أصحابه : أعطنا [ ص: 546 ] اللواء أيها الأمير نحمله ، فيأبى حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف الرجل .

أبو المليح الرقي : عن حبيب ، عن هزيم أو هذيم قال : رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الأسفل ، وكان طويل الساقين ، يتبعه الصبيان ، فقلت لهم : تنحوا عن الأمير ، فقال : دعهم ، فإن الخير والشر فيما بعد اليوم .

حماد بن سلمة : عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم ، طأطأ رأسه ، وقال : خشعت لله ، خشعت لله .

أبو نعيم : حدثنا يزيد بن مردانبة ، عن خليفة بن سعيد المرادي ، عن عمه قال : رأيت سلمان في بعض طرق المدائن زحمته حملة قصب فأوجعته ، فأخذ بعضد صاحبها فحركه ، ثم قال : لا مت حتى تدرك إمارة الشباب .

جرير بن حازم : سمعت شيخا من بني عبس يذكر عن أبيه قال : أتيت السوق ، فاشتريت علفا بدرهم ، فرأيت سلمان ولا أعرفه ، فسخرته ، فحملت عليه العلف ، فمر بقوم ، فقالوا : نحمل عنك يا أبا عبد الله ، فقلت : من ذا ؟ قالوا : هذا سلمان صاحب رسول الله . فقلت له : لم أعرفك ، ضعه . فأبى حتى أتى المنزل . [ ص: 547 ]

وروى ثابت البناني نحوها ، وفيها : فحسبته علجا ، وفيها : قال له : فلا تسخر بعدي أحدا .

جعفر بن سليمان : عن هشام بن حسان ، عن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان على ثلاثين ألفا من الناس ، يخطب في عباءة يفرش نصفها ، ويلبس نصفها . وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ، ويأكل من سفيف يده - رضي الله عنه - .

شعبة : عن سماك بن حرب ، سمع النعمان بن حميد يقول : دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول : أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله ، فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه ، وأنفق درهما على عيالي ، وأتصدق بدرهم ، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت .

وروى نحوها عن سماك ، عن عمه وفيها : فقلت له : فلم تعمل ؟ قال : إن عمر أكرهني ، فكتبت إليه ، فأبى علي مرتين ، وكتبت إليه ، فأوعدني .

معن : عن مالك أن سلمان كان يستظل بالفيء حيث ما دار ، ولم يكن له بيت ، فقيل : ألا نبني لك بيتا تستكن به ؟ قال : نعم . فلما أدبر القائل سأله سلمان : كيف تبنيه ؟ قال : إن قمت فيه أصاب رأسك ، وإن نمت أصاب رجلك . [ ص: 548 ]

زائدة : عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ظبيان ، عن جرير بن عبد الله قال : نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر ، فإذا رجل نائم في حر الشمس يستظل بشجرة ، معه شيء من الطعام ، ومزوده تحت رأسه ، ملتف بعباءة ، فأمرته أن يظلل عليه ، ونزلنا فانتبه ، فإذا هو سلمان . فقلت له : ظللنا عليك وما عرفناك . قال : يا جرير ، تواضع في الدنيا ; فإنه من تواضع يرفعه الله يوم القيامة ، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة ، لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده . قلت : وكيف ؟ قال : أصول الشجر ذهب وفضة ، وأعلاها الثمار ، يا جرير ، تدري ما ظلمة النار ؟ قلت : لا ، قال : ظلم الناس .

شعبة : حدثنا حبيب بن الشهيد ، عن عبد الله بن بريدة أن سلمان كان يعمل بيده ، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا ثم يدعو المجذمين ، فيأكلون معه .

سليمان بن المغيرة : عن حميد بن هلال قال : أوخي بين سلمان وأبي الدرداء ، فسكن أبو الدرداء الشام ، وسكن سلمان الكوفة ، وكتب أبو الدرداء إليه : سلام عليك ، أما بعد ، فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا ، ونزلت الأرض المقدسة . فكتب إليه سلمان : اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ، ولكن الخير أن يعظم حلمك ، وأن ينفعك علمك ، وإن الأرض لا تعمل لأحد ، اعمل كأنك ترى ، واعدد نفسك من الموتى . [ ص: 549 ]

مالك في " الموطأ " : عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة . فكتب إليه : إن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يقدس المرء عمله . وقد بلغني أنك جعلت طبيبا ، فإن كنت تبرئ ، فنعما لك ، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا ، فتدخل النار . فكانأبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ، ثم أدبرا عنه ، نظر إليهما ، وقال : متطبب والله ، ارجعا أعيدا علي قصتكما .

أبو عبيدة بن معن : عن الأعمش ، عن أبي البختري قال : جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله ، فدخلا على سلمان في خص ، فسلما وحيياه ، ثم قالا : أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا أدري . فارتابا ، قال : إنما صاحبه من دخل معه الجنة . قالا : جئنا من عند أبي الدرداء ، قال : فأين هديته ؟ قالا : ما معنا هدية . قال : اتقيا الله ، وأديا الأمانة ، ما أتاني أحد من عنده إلا بهدية ، قالا : لا ترفع علينا هذا ، إن لنا أموالا فاحتكم ، قال : ما أريد إلا الهدية ، قالا : والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال : إن فيكم رجلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خلا به ، لم يبغ غيره ، فإذا أتيتماه ، فأقرئاه مني السلام . قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل منها ؟
وكيع : عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، والمغيرة بن شبل ، عن طارق بن شهاب ، عن سلمان قال : إذا كان الليل ، كان الناس منه على ثلاث [ ص: 550 ] منازل : فمنهم من له ولا عليه ، ومنهم من عليه ولا له ، ومنهم من لا عليه ولا له . فقلت : وكيف ذاك ؟ قال : أما من له ولا عليه ، فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل ، فتوضأ وصلى ، فذاك له ولا عليه ، ورجل اغتنم غفلة الناس ، وظلمة الليل ، فمشى في معاصي الله ، فذاك عليه ولا له ، ورجل نام حتى أصبح ، فذاك لا له ولا عليه .

قال طارق : فقلت : لأصحبن هذا . فضرب على الناس بعث ، فخرج فيهم ، فصحبته وكنت لا أفضله في عمل ، إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ ، فنزلنا منزلا فبتنا فيه ، وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها ، فكنت أتيقظ لها فأجده نائما ، فأقول : صاحب رسول الله خير مني نائم ، فأنام ثم أقوم فأجده نائما فأنام ، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات . فلما صلينا الفجر قلت : يا أبا عبد الله ، كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائما ، قال : يا ابن أخي ، فأيش كنت تسمعني أقول ؟ فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي تلك الصلاة ، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ، ما اجتنبت المقتلة ، يا ابن أخي عليك بالقصد ; فإنه أبلغ .

شعبة : عن عمرو بن مرة ، سمعت أبا البختري يحدث أن سلمان دعا رجلا إلى طعامه . قال : فجاء مسكين فأخذ الرجل كسرة فناوله ، فقال سلمان : [ ص: 551 ] ضعها ، فإنما دعوناك لتأكل فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك والوزر عليك .

سليمان بن قرم : عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان ، فقال : لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن التكلف ، لتكلفت لكم . فجاءنا بخبز وملح ، فقال صاحبي : لو كان في ملحنا صعتر . فبعث سلمان بمطهرته ، فرهنها فجاء بصعتر ، فلما أكلنا ، قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا ، فقال سلمان : لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة .

الأعمش : عن عبيد بن أبي الجعد ، عن رجل أشجعي قال : سمعوا بالمدائن أن سلمان بالمسجد ، فأتوه يثوبون إليه حتى اجتمع نحو من ألف ، فقام ، فافتتح سورة يوسف ، فجعلوا يتصدعون ويذهبون ، حتى بقي نحو مائة ، فغضب ، وقال : الزخرف يريدون ؟ آية من سورة كذا ، وآية من سورة كذا .

وروى حبيب بن أبي ثابت : عن نافع بن جبير أن سلمان التمس مكانا يصلي فيه ، فقالت له علجة : التمس قلبا طاهرا ، وصل حيث شئت . فقال : فقهت .

سليمان التيمي : عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب ، فإذا انصرفوا ، أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وترى بيتها في الجنة وهي [ ص: 552 ] تعذب ، قال : وجوع لإبراهيم أسدان ثم أرسلا عليه ، فجعلا يلحسانه ، ويسجدان له .

معتمر بن سليمان : عن أبيه ، عن أبي عثمان النهدي أن سلمان كان لا يفقه كلامه من شدة عجمته ، قال : وكان يسمي الخشب خشبان .

تفرد به الثقة يعقوب الدورقي عنه .

وأنكره أبو محمد بن قتيبة - أعني عجمته - ولم يصنع شيئا ، فقال : له كلام يضارع كلام فصحاء العرب .

قلت : وجود الفصاحة لا ينافي وجود العجمة في النطق ، كما أن وجود فصاحة النطق من كثير العلماء غير محصل للإعراب .

قال : وأما خشبان فجمع الجمع ، أو هو خشب زيد فيه الألف والنون كسود وسودان .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:15 PM

عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : دخل سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت فبكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نحفظه . قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت ، وفي قسمك إذا قسمت ، وعند همك إذا هممت . [ ص: 553 ]

قال ثابت : فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما نفيقة كانت عنده .

شيبان : عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن بقيرة امرأة سلمان أنها قالت لما حضره الموت : دعاني وهو في علية له لها أربعة أبواب ، فقال : افتحي هذه الأبواب فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي ، ثم دعا بمسك ، فقال : أديفيه في تور ثم انضحيه حول فراشي ، فاطلعت عليه فإذا هو قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه .

بقي بن مخلد : حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن [ ص: 554 ] أبي عثمان ، عن سلمان قال :
يأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقولون : يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم بك ، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وجئت في هذا اليوم آمنا فقد ترى ما نحن فيه ، فقم فاشفع لنا إلى ربنا . فيقول : أنا صاحبكم . فيقوم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة ، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب ، فيقرع الباب ، فيقال : من هذا ؟ فيقول : محمد . فيفتح له ، فيجيء حتى يقوم بين يدي الله ، فيستأذن في السجود ، فيؤذن له ، فينادى : يا محمد ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيفتح الله له من الثناء عليه والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق فيقول : رب أمتي أمتي ، ثم يستأذن في السجود .

قال سلمان : فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حنطة من إيمان أو قال : مثقال شعيرة ، أو قال : مثقال حبة من خردل من إيمان
.

أبو عوانة : عن عاصم ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان ، قال : فترة ما بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ست مائة سنة .

قال الواقدي : مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن . وكذا قال ابن زنجويه .

وقال أبو عبيد وشباب في رواية عنه ، وغيرهما : توفي سنة ست وثلاثين [ ص: 555 ] بالمدائن .

وقال شباب في رواية أخرى : سنة سبع وهو وهم ، فما أدرك سلمان الجمل ولا صفين .

قال العباس بن يزيد البحراني : يقول أهل العلم : عاش سلمان ثلاث مائة وخمسين سنة ، فأما مائتان وخمسون ، فلا يشكون فيه .

قال أبو نعيم الأصبهاني : يقال : اسم سلمان : ماهويه ، وقيل : ماية ، وقيل بهبود بن بذخشان بن آذر جشيش من ولد منوجهر الملك وقيل : من ولد آب الملك . يقال : توفي سنة ثلاث وثلاثين بالمدائن .

قال : وتاريخ كتاب عتقه يوم الاثنين في جمادى الأولى مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

ومولاه الذي باعه عثمان بن أشهل القرظي اليهودي ، وقيل : إنه عاد إلى أصبهان زمن عمر . وقيل : كان له أخ اسمه بشير وبنت بأصبهان لها نسل وبنتان بمصر ، وقيل : كان له ابن اسمه كثير ، فمن قول البحراني إلى هنا منقول من كتاب الطوالات لأبي موسى الحافظ .

وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني ، وذلك منقطع لا إسناد له .

ومجموع أمره وأحواله ، وغزوه ، وهمته ، وتصرفه ، وسفه للجريد ، وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم . فقد فارق وطنه وهو حدث ، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل ، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم [ ص: 556 ] هاجر ، فلعله عاش بضعا وسبعين سنة . وما أراه بلغ المائة . فمن كان عنده علم ، فليفدنا .

وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره ، وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه .

روى جعفر بن سليمان : عن ثابت البناني ، وذلك في " العلل " لابن أبي حاتم ، قال : لما مرض سلمان ، خرج سعد من الكوفة يعوده ، فقدم ، فوافقه وهو في الموت يبكي ، فسلم وجلس ، وقال : ما يبكيك يا أخي ؟ ألا تذكر صحبة رسول الله ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة ؟ .

قال : والله ما يبكيني واحدة من ثنتين : ما أبكي حبا بالدنيا ولا كراهية للقاء الله . قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال : يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا .

رواه بعضهم عن ثابت ، فقال : عن أبي عثمان ، وإرساله أشبه قاله أبو حاتم ، وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين .

وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مائتين وخمسين سنة ، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه .

أبو صالح : حدثنا الليث ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : التقى سلمان وعبد الله بن سلام ، فقال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك [ ص: 557 ] قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه . فتوفي أحدهما فلقي الحي في المنام فكأنه سأله ، فقال : توكل وأبشر ; فلم أر مثل التوكل قط .

قلت : سلمان مات قبل عبد الله بسنوات .

أخبرنا سنقر الزينبي : أنبأنا علي بن محمد الجزري ، ويعيش بن علي ، قالا : أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب ( ح ) ، وقد أنبئت عن عبد المؤمن بن خلف الحافظ ، أنبأنا الأعز بن فضائل ، أخبرتنا شهدة قالا : أنبأنا جعفر بن أحمد السراج ، أنبأنا الحسن بن عيسى بن المقتدر ، أنبأنا أحمد بن منصور اليشكري ، حدثنا أبو عبد الله بن عرفة ، حدثني محمد بن موسى السامي ، أنبأنا روح بن أسلم ، أنبأنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن سلمان قال : كان في بني إسرائيل امرأة ذات جمال ، وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة ، فكانت إذا جاء الليل قدمت له طعامه ، وفرشت له فراشه . فبلغ خبرها ملك ذلك العصر ، فبعث إليها عجوزا من بني إسرائيل ، فقالت لها : تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة ، لو كنت عند الملك ، لكساك الحرير ، وفرش لك الديباج .

فلما وقع الكلام في مسامعها ، جاء زوجها بالليل ، فلم تقدم له طعامه ، ولم تفرش له فراشه ، فقال لها : ما هذا الخلق يا هنتاه ؟ قالت : هو ما ترى . فقال : أطلقك ؟ قالت : نعم . فطلقها ، فتزوجها ذلك الملك ، فلما زفت إليه ، نظر إليها فعمي ، ومد يده إليها فجفت ، فرفع نبي ذلك العصر خبرهما إلى الله ، فأوحى الله إليه : أعلمهما أني غير غافر لهما ، أما علما أن بعيني ما عملا [ ص: 558 ] بصاحب المسحاة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:16 PM

عبادة بن الصامت ( ع )

[ ص: 5 ] ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن [ عمرو بن عوف ] بن الخزرج ، الإمام القدوة ، أبو الوليد الأنصاري ، أحد النقباء ليلة العقبة ، ومن أعيان البدريين سكن بيت المقدس .

حدث عنه أبو أمامة الباهلي ، وأنس بن مالك ، وأبو مسلم الخولاني الزاهد ، وجبير بن نفير ، وجنادة بن أبي أمية ، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ، ومحمود بن الربيع ، وأبو إدريس الخولاني ، وأبو الأشعث الصنعاني ، وابنه الوليد بن عبادة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وخالد بن معدان - ولم يلحقاه ، فهو مرسل - وابن زوجته أبو أبي ، وكثير بن مرة ، وحطان بن عبد الله الرقاشي ، وآخرون .

قال ابن إسحاق في تسمية من شهد العقبة الأولى : عبادة بن الصامت . شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 6 ] محمد بن سابق ، حدثنا حشرج بن نباتة ، عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي : سمع أبا قلابة يقول : حدثني الصنابحي : أن عبادة بن الصامت حدثه ، قال : خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أي أصحابك أحب إليك حتى أحبه ؟ قال : اكتم علي حياتي : أبو بكر الصديق ، ثم عمر ، ثم علي . ثم سكت ، فقلت : ثم من يا رسول الله ؟ قال : من عسى أن يكون إلا الزبير ، وطلحة ، وسعد ، وأبو عبيدة ، ومعاذ ، وأبو طلحة ، وأبو أيوب ، وأنت يا عبادة ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وابن عوف ، وابن عفان ، ثم هؤلاء الرهط من الموالي : سلمان ، وصهيب ، وبلال ، وعمار

قال محمد بن كعب القرظي : جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار : معاذ ، وعبادة ، وأبي ، وأبو أيوب ، وأبو الدرداء ، فلما كان عمر ، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه : إن أهل الشام كثير ، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم ، فقال : أعينوني بثلاثة ، فقالوا : هذا شيخ كبير - لأبي أيوب - وهذا سقيم - لأبي - فخرج الثلاثة إلى الشام ، فقال : ابدءوا بحمص ، فإذا رضيتم منهم ، فليخرج واحد إلى دمشق ، وآخر إلى فلسطين . [ ص: 7 ]

برد بن سنان ، عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبيه : أن عبادة أنكر على معاوية شيئا ، فقال : لا أساكنك بأرض ، فرحل إلى المدينة ، قال له عمر : ما أقدمك ؟ فأخبره بفعل معاوية ، فقال [ له ] : ارحل إلى مكانك ، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك ، فلا إمرة له عليك .

ابن أبي أويس ، عن أبيه ، عن الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد ، قال : كان عبادة بن الصامت مع معاوية ، فأذن يوما ، فقام خطيب يمدح معاوية ، ويثني عليه ، فقام عبادة بتراب في يده ، فحشاه في فم الخطيب ، فغضب معاوية ، فقال له عبادة : إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة ، على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم بالحق حيث كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم المداحين ، فاحثوا في أفواههم التراب . [ ص: 8 ]

يحيى القطان : حدثنا ثور بن يزيد ، حدثنا مالك بن شرحبيل ، قال : قال عبادة بن الصامت : ألا تروني لا أقوم إلا رفدا ولا آكل إلا ما لوق - يعني : لين وسخن - وقد مات صاحبي منذ زمان - يعني ذكره - وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي ، وإن لي ما تطلع عليه الشمس ، مخافة أن يأتي الشيطان ، فيحركه ، على أنه لا سمع له ولا بصر .

إسماعيل بن عياش ، عن ابن خثيم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن [ ص: 9 ] رفاعة ، قال : كتب معاوية إلى عثمان : إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله ، فإما أن تكفه إليك ، وإما أن أخلي بينه وبين الشام .

فكتب إليه : أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة .

قال : فدخل على عثمان ، فلم يفجأه إلا به وهو معه في الدار ، فالتفت إليه ، فقال : يا عبادة ما لنا ولك ؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى ، ولا تضلوا بربكم
.

يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ، [ ص: 10 ] عن أبيه : أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام ، تحمل الخمر ، فقال : ما هذه ؟ أزيت ؟ قيل : لا ، بل خمر يباع لفلان ، فأخذ شفرة من السوق ، فقام إليها ، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها - وأبو هريرة إذ ذاك بالشام - فأرسل فلان إلى أبي هريرة ، فقال : ألا تمسك عنا أخاك عبادة ، أما بالغدوات ، فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي ، فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ! .

قال : فأتاه أبو هريرة ، فقال : يا عبادة ، ما لك ولمعاوية ؟ ذره وما حمل ، فقال : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا يأخذنا في الله لومة لائم ، فسكت أبو هريرة ، وكتب فلان إلى عثمان : إن عبادة قد أفسد علي الشام .

الوليد بن مسلم ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة : أن عبادة بن الصامت مر بقرية دمر فأمر غلامه أن يقطع له سواكا من صفصاف على نهر بردى ، فمضى ليفعل ثم قال له : ارجع ، فإنه إن لا يكن بثمن ، فإنه ييبس ، فيعود حطبا بثمن .

وعن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، قال : كان عبادة رجلا طوالا جسيما جميلا . مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة . [ ص: 11 ]

قال ابن سعد : وسمعت من يقول : إنه بقي حتى توفي زمن معاوية في خلافته .

وقال يحيى بن بكير وجماعة : مات سنة أربع وثلاثين وقال ضمرة ، عن رجاء بن أبي سلمة ، قال : قبر عبادة ببيت المقدس ، وقال الهيثم بن عدي : مات سنة خمس وأربعين رضي الله عنه .

قلت : ساق له بقي في مسنده مائة وأحدا وثمانين حديثا ، وله في البخاري ومسلم ستة ، وانفرد البخاري بحديثين ، ومسلم بحديثين .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:17 PM

عبد الله بن حذافة ( س )

[ ص: 11 ]

ابن قيس بن عدي ، أبو حذافة السهمي . أحد السابقين هاجر إلى الحبشة ، ونفذه النبي صلى الله عليه وسلم رسولا إلى كسرى . وله رواية يسيرة . [ ص: 12 ]

خرج إلى الشام مجاهدا ، فأسر على قيسارية ، وحملوه إلى طاغيتهم ، فراوده عن دينه ، فلم يفتتن .

حدث عنه سليمان بن يسار ، وأبو وائل ، ومسعود بن الحكم ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن .

قال البخاري : حديثه مرسل . وقال أبو بكر بن البرقي : الذي حفظ عنه ثلاثة أحاديث ليست بمتصلة .

وقال أبو سعيد بن يونس ، وابن منده : شهد بدرا .

يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة : أن عبد الله بن حذافة قام يصلي ، فجهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن حذافة ، لا تسمعني وسمع الله .

محمد بن عمرو ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، أن أبا سعيد قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، عليهم علقمة بن مجزز ، وأنا فيهم ، فخرجنا ، حتى إذا كنا ببعض الطريق ، استأذنه طائفة فأذن لهم ، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة ، وكان من أهل بدر ، وكانت فيه دعابة ، فبينا نحن في الطريق ، فأوقد القوم نارا يصطلون بها ، ويصنعون عليها صنيعا لهم ، إذ قال : أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا : بلى . قال : فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، فقام ناس ، فتحجزوا [ ص: 13 ] حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها قال : أمسكوا ، إنما كنت أضحك معكم ، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكروا ذلك له ، فقال : من أمركم بمعصية فلا تطيعوه .

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ورواه ابن المنكدر عن عمر بن الحكم ، فأرسله .

ثابت البناني ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سلوني ، فقال رجل : من أبي يا رسول الله ؟ قال : أبوك حذافة " [ ص: 14 ] .

عبد الله بن معاوية الجمحي : حدثنا عبد العزيز القسملي : حدثنا ضرار بن عمرو ، عن أبي رافع ، قال : وجه عمر جيشا إلى الروم ، فأسروا عبد الله بن حذافة ، فذهبوا به إلى ملكهم ، فقالوا : إن هذا من أصحاب محمد ، فقال : هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي ؟ قال : لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما تملك ، وجميع ملك العرب ، ما رجعت عن دين محمد طرفة عين . قال : إذا أقتلك . قال : أنت وذاك ، فأمر به ، فصلب ، وقال للرماة : ارموه قريبا من بدنه ، وهو يعرض عليه ، ويأبى ، فأنزله . ودعا بقدر ، فصب فيها ماء حتى احترقت ، ودعا بأسيرين من المسلمين ، فأمر بأحدهما ، فألقي فيها ، وهو يعرض عليه النصرانية ، وهو يأبى . ثم بكى ، فقيل للملك : إنه بكى ، فظن أنه قد جزع ، فقال : ردوه . ما أبكاك ؟ قال : قلت : هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب ، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في الله .

فقال له الطاغية : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك ؟ .

فقال له عبد الله : وعن جميع الأسارى ؟ قال : نعم ، فقبل رأسه .

وقدم بالأسارى على عمر ، فأخبره خبره ، فقال عمر : حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقبل رأسه . [ ص: 15 ]

الوليد بن مسلم : حدثنا أبو عمرو ، ومالك بن أنس : أن أهل قيسارية أسروا ابن حذافة ، فأمر به ملكهم ، فجرب بأشياء صبر عليها . ثم جعلوا له في بيت معه الخمر ولحم الخنزير ثلاثا لا يأكل ، فاطلعوا عليه ، فقالوا للملك : قد انثنى عنقه ، فإن أخرجته وإلا مات ، فأخرجه ، وقال : ما منعك أن تأكل وتشرب ؟

قال : أما إن الضرورة كانت قد أحلتها لي ، ولكن كرهت أن أشمتك بالإسلام . قال : فقبل رأسي ، وأخلي لك مائة أسير . قال : أما هذا ، فنعم .

فقبل رأسه ، فخلى له مائة ، وخلى سبيله .

وقد روى ابن عائذ قصة ابن حذافة فقال : حدثنا الوليد بن محمد : أن ابن حذافة أسر ، فذكر القصة مطولة ، وفيها : أطلق له ثلاثمائة أسير ، وأجازه بثلاثين ألف دينار ، وثلاثين وصيفة ، وثلاثين وصيفا .

ولعل هذا الملك قد أسلم سرا . ويدل على ذلك مبالغته في إكرام ابن حذافة .

وكذا القول في هرقل إذ عرض على قومه الدخول في الدين ، فلما خافهم قال : إنما كنت أختبر شدتكم في دينكم .

فمن أسلم في باطنه هكذا ، فيرجى له الخلاص من خلود النار ؛ إذ قد حصل في باطنه إيمانا ما وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام وللرسول ، واعتقد أنهما حق ، مع كون أنه على دين صحيح ، فتراه يعظم للدينين ، كما قد فعله كثير من المسلمانية الدواوين فهذا لا ينفعه [ ص: 16 ] الإسلام حتى يتبرأ من الشرك .

مات ابن حذافة في خلافة عثمان رضي الله عنهم - .


الساعة الآن 09:05 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى