![]() |
أمر الهدنة
إرسال قريش سهيلاً إلى الرسول للصلح : قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، أخا بني عامر بن لؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً . فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل . فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح . عمر ينكر على الرسول الصلح : فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، أليس برسول الله ؟ قال : بلى ، وألسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه ، فإني أشهد أنه رسول الله ؛ قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : أنا عبدالله ورسوله ، لن أخالف أمره ، ولن يضيعني ! قال : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ! مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً . علي يكتب شروط الصلح : قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ؛ قال : فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب باسمك اللهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم ، فكتبها . ثم قال : اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ؛ قال : فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وإن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه . دخول خزاعة في عهد محمد وبني بكر في عهد قريش : فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم ، وأنك ترجع عنا عامك هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل ، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثاً معك سلاح الراكب ، السيوف في القرب ، لا تدخلها بغيرها . ما أهم الناس من الصلح ومجيء أبي جندل : فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح ، لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ، وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمرٌ عظيم ، حتى كادوا يهلكون . فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ، وأخذ بتلبيبه ؛ ثم قال : يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ؛ قال : صدقت ، فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا جندل ؛ اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً ، وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم . قال : فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب . قال : ويدني قائم السيف منه . قال : يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ؛ فضن الرجل بأبيه ، ونفذت القضية . من شهدوا على الصلح : فلما فرغ ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص ، وهو يومئذ مشرك ، وعلي بن أبي طالب ، وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة . نحر الرسول وحلق فاقتدى به الناس : قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً في الحل ، وكان يصلي في الحرم ، فلما فرغ من الصلح قدم إلى هدية فنحره ، ثم جلس فحلق رأسه ، وكان الذي حلقه ، فيما بلغني ، في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي ؛ فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون . دعوة الرسول للمحلقين ثم للمقصرين : قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حلق رجال يوم الحديبية ، وقصر آخرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : يرحم الله المحلقين ؛ قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين ؛ فقالوا : يا رسول الله : فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ؟ قال : لم يشكوا . أهدِى الرسول جملاً فيه برة من فضة : وقال عبدالله بن أبي نجيح : حدثني مجاهد ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل ، في رأسه برة من فضة ، يغيظ بذلك المشركين . نزول سورة الفتح : قال الزهري في حديثه : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً ،حتى إذا كان بين مكة والمدينة ، نزلت سورة الفتح : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطاً مستقيماً ) . ذكر البيعة : ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه ، حتى انتهى من ذكر البيعة ، فقال جل ثناؤه : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ) . ذكر من تخلف : ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال حين استفزهم للخروج معه فأبطئوا عليه: ( سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا ) . ثم القصة عن خبرهم ، حتى انتهى إلى قوله : ( سيقولون المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) . ثم القصة عن خبرهم وما عرض عليهم من جهاد القوم أولى البأس الشديد . قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : فارس . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن الزهري أنه قال : أولوا البأس الشديد حنيفة مع الكذاب . ثم قال تعالى : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحاً قريباً . ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيراً حكيماً . وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ويهيدكم صراطاً مستقيماً. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً ) . ذكر كف الرسول عن القتال : ثم ذكر محبسه وكفه إياه عن القتال ، بعد الظفر منه بهم ، يعني : النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ، ثم قال تعالى : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيراً ) . ثم قال تعالى : ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) . تفسير ابن هشام لبعض الغريب : قال ابن هشام :المعكوف المحبوس ، قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : وكأن السموط عكفه السلك * بعطفي جيداء أم غزال . وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) ، والمعرة : الغرم ، أي : أن تصيبوا منهم ( معرة ) بغير علم فتخرجوا ديته ، فأما إثم فلم يخشه عليهم . قال ابن هشام :بلغني عن مجاهد أنه قال : نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل ، وأشباههم . قال ابن إسحاق : ثم قال تبارك وتعالى : ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، حمية الجاهلية ) يعني : سهيل بن عمرو حين حمي أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأن محمداً رسول الله ، ثم قال تعالى : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ) ، وكانوا أحق بها وأهلها : أي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . ثم قال تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ) . أي : لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى ، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ؛ يقول : محلقين رءوسكم ، ومقصرين معه لا تخافون ، فعلم من ذلك ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ، صلح الحديبية . يقول الزهري : فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ؛ فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر . قال ابن هشام :والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة ، في قول جابر بن عبدالله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف . ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح مجيء أبي بصير إلى المدينة وطلب قريش له : قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك ؛ قال : يا رسول الله ، أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً. قتل أبي بصير للعامري ومقالة الرسول في ذلك : فانطلق معهما ، حتى إذا كان بذي الحليفة ، جلس إلى جدار ، وجلس معه صاحباه ، فقال أبو بصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال : نعم أنظر إليه ؟ قال : انظر إن شئت . قال : فاستله أبو بصير ، ثم علاه به حتى قتله . وخرج المولى سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعاً قال : إن هذا الرجل قد رأى فزعاً ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويحك ! ما لك ؟ قال : قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحاً بالسيف ، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، وفت ذمتك ، وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه ، أو يعبث بي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ! اجتماع المحتبسين إلى أبي بصيرة وإيذاؤهم قريشاً وإيواء الرسول لهم : ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر ، بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير : "ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ! " ، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص ، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلاً ، وكانوا قد ضيقوا على قريش ، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ، لا تمر بهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم ، فلا حاجة لهم بهم ، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدموا عليه المدينة . قال ابن هشام :أبو بصير ثقفي . أراد سهيل ودي أبي بصير وشعر موهب في ذلك : قال ابن إسحاق : فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري ، أسند ظهره إلى الكعبة ، ثم قال : والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودي هذا الرجل ؛ فقال أبو سفيان بن حرب : والله إن هذا لهو السفه ، والله لا يودي ( ثلاثاً ) . فقال في ذلك موهب بن رياح أبو أنيس ، حليف بني زهرة : - قال ابن هشام :أبو أنيس أشعري - أتاني عن سهيل ذرء قول * فأيقظني وما بي من رقاد فإن تكن العتاب تريد مني * فعِاتبني فما بك من بعادي أتوعدني وعبد مناف حولي * بمخزوم ألهفا من تعادي فإن تغمز قناتي لا تجدني * ضعيف العود في الكرب الشداد أسامي الأكرمين أبا بقومي * إذا وطئ الضعيف بهم أرادي هم منعوا الظواهر غير شك * إلى حيث البواطن فالعوادي بكل طمرة وبكل نهد * سواهم قد طوين من الطراد لهم بالخيف قد علمت معد * رواق المجد رفع بالعماد شعرابن الزبعرى في الرد على موهب : فأجابه عبدالله بن الزبعرى فقال : وأمسى موهب كحمار سوء * أجاز ببلدة فيها ينادي فإن العبد مثلك لا يناوي * سهيلاً ضل سعيك من تعادي فاقصر يا ابن قين السوء عنه * وعد عن المقالة في البلاد ولا تذكر عتاب أبي يزيد * فهيهات البحور من الثماد |
أمر المهاجرات بعد الهدنة
هجرة أم كلثوم إلى رسول وإباؤه ردها : وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر . قال ابن إسحاق : وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة ، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل ، أبى الله ذلك . سؤال ابن هنيدة لعروة عن آية المهاجرات ورده عليه : قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري ، عن عروة ابن الزبير ، قال : دخلت عليه يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة ، صاحب الوليد بن عبدالملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) . تفسير ابن هشام لبعض الغريب : قال ابن هشام :واحدة العصم : عصمة ، وهي الحبل والسبب . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : إلى المرء قيس نطيل السرى * ونأخذ من كل حي عصم . وهذا البيت في قصيدة له . ( واسألوا ما أنفقتم ، وليسألوا ما أنفقوا ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم ) . عود إلى جواب عروة : قال : فكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام ، وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم . فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم ، إن هم فعلوا . ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ، ولم يردد لهن صداقاً ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد . سؤال ابن إسحاق الزهري عن آية المهاجرات : قال ابن إسحاق : وسألت الزهري عن هذه الآية ، وقول الله عز وجل فيها : ( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتهم ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) . فقال : يقول : إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار ، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل يأخذون منكم ، فعوضوهم من فيء إن أصبتموه ؛ فلما نزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) ... إلى قول الله عز وجل : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) . كان ممن طلق عمر بن الخطاب ، طلق امرأته قريبه بنت أبي أمية بن المغيرة ، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة ، وأم كلثوم بنت جرول أم عبيد الله بن عمر الخزاعية ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجلاً من قومه وهما على شركهما . بشرى فتح مكة وتعجل بعض المسلمين : قال ابن هشام :حدثنا أبو عبيدة : أن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قدم المدينة : ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال : بلى ، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فهو كما قال لي جبريل عليه السلام . ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع الخروج إلى خيبر : قال محمد بن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر . استعمال نميلة على المدينة : قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء . ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده : قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع : وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان : انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال : فنزل يرتجر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمك الله ؛ فقال عمر بن الخطاب : وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ! فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا : إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون . دعاء الرسول لما أشرف على خيبر : قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم : قفوا ، ثم قال : " اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله " . قال : وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها . فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول : قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار . فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا : محمد والخميس معه ! فأدبروا هراباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . قال ابن إسحاق :حدثنا هارون عن حميد ، عن أنس بمثله . منازل الرسول في طريقة إلى خيبر : قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم بين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذا لهم : فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر . افتتاح رسول الله الحصون : وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق . وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه . وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين . نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء : وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم . قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع : إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم . قال ابن إسحاق : وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها : جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني : إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين . قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال . شأن بني سهم الأسلميين فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم : أن بني سهم من أسلم : أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء ؛ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه . فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه . مقتل مرحب اليهودي : قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة . قال ابن هشام :وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : يا منصور أمت أمت . قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة ، عن جابر بن عبدالله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه ، يرتجز وهو يقول : قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب إن حماى للحمى لا يقرب * وهو يقول : من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك ، فقال : قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمي جرئ صلب وإذ شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب نطؤكم حتى يذل الصعب * نعط الجزاء أو يفيء النهب بكف ماض ليس فيه عتب * قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري : قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب ماض على الهول جريء صلب * معي حسام كالعقيق غضب بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب قال ابن هشام :ومرحب من حمير . قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ؟ قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال : فقم إليه ، اللهم أعنه عليه . قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله . مقتل ياسر أخو مرحب : قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول : من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب : يقتل ابني يا رسول الله ! قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله . فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير . قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة : أن الزبير كان إذا قيل له : والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال : والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته . شأن علي يوم خيبر : قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام : إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار . قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك . قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره ، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب . قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه . قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح ترسه من يده ، فتناول على عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه . حديث أبي اليسر كعب بن عمرو : قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال : والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يطعمنا من هذا الغنم ؟ قال أبو اليسر : فقلت : أنا يا رسول الله ؛ قال : فافعل ؛ قال : فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال : اللهم أمتعنا به . قال : فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذبحوهما فأكلوهما . فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً . فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال : أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً . أمر صفية أم المؤمنين : قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها . فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ؟ |
عقوبة كنانة بن الربيع :
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ؟ قال : نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه . فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة . مصالحة الرسول أهل خيبر : وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها : الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين . فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل . وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم ، وأعمر لها . فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب . أمر الشاة المسمومة : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها : الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها . وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل . قال ابن إسحاق : وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر . قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة . رجوع الرسول إلى المدينة : قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة . مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول : قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال : فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيني . قال ابن هشام : جذام ، أخو لخم . قال : فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا : هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر . قال : فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال : يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال : فقال : يقد لك مثلهما من النار . ابن مغفل وجراب شحم أصابه : قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال : أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي . قال : فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال : قلت : لا والله لا أعطيكه ؛ قال : فجعل يجاذبني الجراب . قال : فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم : لا أبا لك ، خل بينه وبينه . قال : فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه . بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة : قال ابن إسحاق : ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس أبن مالك . فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني . تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه : قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال : من آخر الليل : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي ، فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي . ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه ، فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب ، فقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال : صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلم أقبل على الناس فقال : إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( أقم الصلاة لذكري ) شعر لابن القيم في فتح خيبر : قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، قد أعطى ابن لقيم العبسي ، حين افتتح خيبر ، ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر ، فقال ابن لقيم العبسي في خيبر : رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار جرت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح في الأسحار ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد أشهل أو بني النجار ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار فرت يهود يوم ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الأبصار تفسير ابن هشام لبعض الغريب : قال ابن هشام :فرت : كشفت ، كما تفر الدابة بالكشف عن أسنانها ؛ يريد كشفت عن جفون العيون غمائم الأبصار ، يريد الأنصار . شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية : قال ابن إسحاق : وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم . قال ابن إسحاق : حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن : يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال : على بركة الله . قالت : فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله . قالت : فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها . قالت : فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال : ما لك ؟ لعلك نفست ؛ قالت : قلت : نعم ؛ قال : فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك . قالت : فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً . قالت : فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها . قالت : وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت . شهداء خيبر من بني أمية : قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين ، من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح . من بني أسد : ومن بني أسد بن عبدالعزى : عبدالله الهبيب ، ويقال : ابن الهبيب ، فيما قال ابن هشام ، ابن أهيب بن سحيم بن غيره ، من بني سعد ابن ليث ، حليف لبني أسد ، وابن أختهم . من الأنصار : ومن الأنصار ثم من بني سلمة : بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وفضيل بن النعمان . رجلان . من زريق : ومن بني زريق : مسعود بن سعد بن قيس بن خلده بن عامر بن زريق . من الأوس : ومن الأوس ثم من بني عبدالأشهل : محمود بن مسملة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة . من بني عمرو : ومن بني عمرو بن عوف : أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ؛ والحارث بن حاطب ؛ وعروة بن مرة بن سراقة ؛ وأوس بن القائد ؛ وأنيف بن حبيب ؛ وثابت بن أثلة ؛ وطلحة . من غفار : ومن بني غفار : عمارة بن عقبة ، رمي بسهم . من أسلم : ومن أسلم : عامر بن الأكوع ؛ والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم . قال ابن هشام : الأسود الراعي من أهل خيبر . من بني زهرة : ومن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة : مسعود بن ربيعة ، حليف لهم من القارة . من الأنصار : ومن الأنصار بني عمرو بن عوف : أوس بن قتادة . أمر الأسود الراعي في حديث خيبر إسلامه واستشهاده : قال ابن إسحاق : وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود . فقال : يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط . فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين . قال ابن إسحاق : وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له : أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك . أمر الحجاج بن علاط السلمي حيلته في جمع ماله من مكة : قال ابن إسحاق : ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال : إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال : قل . قال الحجاج : فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم نه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال : ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز . قال : قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال : فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ؛ قال : قلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسرمحمد أسراً ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم . قال : فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم . قال : قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر ، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك . قال ابن هشام : ويقال : من فيء محمد . العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشاً : قال ابن إسحاق : قال : فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به . قال : وجئت صاحبتي فقلت : مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر ، فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار . قال : فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال : يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به ؟ قال : فقلت : وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ؟ قال : نعم قال : قلت : فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ . قال : حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت : احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال : افعل . قلت : فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني : صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال : ما تقول يا حجاج ؟ قال : قلت : إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي ، فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب قال : حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا : يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال : كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا : من جاءك بهذا الخبر ؟ قال : الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا : يا لعباد الله ! انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال : ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك . شعر حسان في يوم خيبر : قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في يوم خيبر قول حسان بن ثابت : بئسما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل اللئيم الذليل أمن الموت يهبوا فإن الموت * موت الهزال غير جميل شعر حسان في عذر أيمن لتخلفه عن خيبر : وقال حسان بن ثابت أيضاً ، وهو يعذر أيمن ابن أم أيمن بن عبيد ، كان قد تخلف عن خيبر ، وهو من بني عوف بن الخزرج ، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أم أسامة بن زيد ، فكان أخا أسامة لأمه : على حين أن قالت لأيمن أمه * جبنت ولم تشهد فوارس خيبر وأيمن لم يجبن ولكن مهره * أضر به شرب المديد المخمر ولولا الذي قد كان من شان مهره * لقاتل فيهم فارسا غير أعسر ولكنه قد صده فعل مهره * وما كان منه عنده غير أيسر قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد هذه الأبيات لكعب بن مالك ، وأنشدني : ولكنه قد صده شأن مهره وما * وما كان لولا ذاكم بمقصر شعر ناجية في يوم خيبر قال ابن إسحاق : وقال ناجية بن جندب الأسلمي : يا لعباد الله فيم يرغب * ما هو إلا مأكل ومشرب وجنة فيها نعيم معجب * وقال ناجية بن جندب الأسلمي أيضاً : أنا لمن أنكرني ابن جندب * يا رب قرن في مكري أنكب طاح بمغدي أنسر وثعلب * قال ابن هشام : وأنشدني بعض الرواة للشعر قوله : في مكرى ، وطاح بمغدي . شعر كعب بن مالك في يوم خيبر : وقال كعب بن مالك في يوم خيبر ، فيما ذكر ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري : ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الأشاجع مذود جواد لدى الغايات لاواهن القوى * جريء على الأعداء في كل مشهد عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزاً بأحمد يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد يصدق بالأنباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك الفوز والعز في غد ذكرمقاسم خيبر وأموالها الشق ونطاة والكتيبة : قال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله ابن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها ، وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم . عدة من قسمت عليهم خيبر : وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم ؛ فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع . قال ابن هشام : وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين . قسمة الأسهم على أربابها : قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام . قال ابن هشام : وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس . قال ابن إسحاق : وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس . فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة . ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه . ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ؛ وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي . ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى . ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق . وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً . ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً . ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق . بسم الله الرحمن الرحيم عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم : ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر : قسم لهن مائة وثمانين وسقاً ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقاً ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقاً ، ولأم رميثة خمسة أوسق . شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب . ما أوصى به الرسول عند موته : قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال : لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر . وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان . أمرفدك في خبر خيبر مصالحة الرسول أهل فدك : قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب . تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر نسبهم : وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام : تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس ، وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن . قال ابن هشام : ويقال : عزة بن مالك : وأخوه مران بن مالك . قال ابن هشام : مروان بن مالك . قال ابن إسحاق : وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله . خرص ابن رواحة على أهل خيبر : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا : تعديت علينا ، قال : إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود : بهذا قامت السماوات والأرض . وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة . مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله : فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه . قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال : أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ، ثم طرح فيها . قال : فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكبر الكبر . قال ابن هشام : ويقال : كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ؟ قالوا : يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال : أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ؟ قالوا : يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة . قال سهل : فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم : وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له : والله ما هكذا كان الشأن ! ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به . ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار : أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه ، فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده . قال بن إسحاق : وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه : دوه أو ائذنوا بحرب . فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده . إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر : قال ابن إسحاق : وسألت ابن شهاب الزهري : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك . فأخبرني ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال . فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي ؛ ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدراً من إمارته . ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في وجعه الذي قبضه الله فيه : لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ ففحص عمر ذلك ، حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود ، فقال : إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لايجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به ، أنفده له ، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء ، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . قال ابن إسحاق : وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر قال : خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال : فعدي علي تحت الليل ، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي . فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي ، فأتياني فسألاني : من صنع هذا بك ؟ فقلت : لا أدري ، قال : فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه ؛ فقال : هذا عمل يهود ، ثم قام في الناس خطيباً فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبدالله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم ، مع عدوهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم . |
السيرة النبوية / المجلد الخامس
قسمة عمر لوادي القرى بين المسلمين :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عبدالله بن مكنف أخي بني حارثة ، قال : لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار ، وخرج معه جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت ، وهما قسما خيبر بين أهلها ، على أصل جماعة السهمان ، التي كانت عليها . وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى ، لعثمان بن عفان خطر ، ولعبدالرحمن بن عوف خطر ، ولعمر بن أبي سلمة خطر ، ولعامر بن أبي ربيعة خطر ، ولعمرو بن سراقة خطر ، ولأشيم خطر . قال ابن هشام : ويقال : ولأسلم ولبني جعفر خطر ، ولمعيقيب خطر ، ولعبدالله بن الأرقم خطر ، ولعبدالله وعبيد الله خطران ، ولابن عبدالله ابن جحش خطر ، ولابن البكير خطر ، ولمعتمر خطر ، ولزيد بن ثابت خطر ، ولأبي بن كعب خطر ، لمعاذ بن عفراء خطر ، ولأبي طلحة وحسن خطر ، ولجبار بن صخر خطر ، ولجابر بن عبدالله بن رئاب خطر ، ولمالك بن صعصعة وجابر بن عبدالله بن عمرو خطر ، ولابن حضير خطر ، ولابن سعد بن معاذ خطر ، ولسلامة بن سلامة خطر ، ولعبدالرحمن بن ثابت وأبي شريك خطر ، ولأبي عبس بن جبر خطر ، ولمحمد بن مسلمة خطر ، ولعبادة بن طارق خطر . قال ابن هشام :ويقال : لقتادة . قال ابن إسحاق : ولجبر بن عتيك نصف خطر ، ولابني الحارث بن قيس نصف خطر ، ولابن حزمة والضحاك خطر ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما . قال ابن هشام :الخطر : النصيب ، ويقال : أخطر لي فلان خطراً تم بعون الله الجزء الرابع من السيرة النبوية لابن هشام ويليه إن شاء الله الجزء الخامس وأوله قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة والمهاجرين معه أعان الله على إتمامه بسم الله الرحمن الرحيم ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة فرح الرسول بقدوم جعفر : قال ابن هشام :وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح ، عن الشعبي : أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ، والتزمه وقال : ما أدري بأيهما أنا أسر : بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر؟ مهاجرة الحبشة الذين قدم بهم عمرو بن أمية : قال ابن إسحاق : وكان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فحملهم في سفينتين ، فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية . من بني هاشم : من بني هاشم بن عبد مناف : جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب معه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ؛ وابنه عبدالله بن جعفر ، وكانت ولدته بأرض الحبشة . قتل جعفر بمؤتة من أرض الشام أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجل . من بني عبد شمس : ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد - قال ابن هشام :ويقال : همينة بنت خلف - وابناه سعيد بن خالد ، وأمة بنت خالد ، ولدتهما بأرض الحبشة . قتل خالد بمرج الصفر في خلافة أبي بكر الصديق بأرض الشام ؛ وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص ، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني ، هلكت بأرض الحبشة . قتل عمرو بأجنادين من أرض الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . شعر لسعيد بن العاص لابنه عمرو : ولعمرو بن سعيد يقول أبوه سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة : ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلاً * إذا شب واشتدت يداه وسلحا أتترك أمر القوم فيه بلابل * تكشف غيظاً كان في الصدر موجحا شعر أبان بن العاص لأخويه خالد وسعيد ، ورد خالد : ولعمرو وخالد يقول : أخوهما أبان بن سعيد بن العاص ، حين أسلما ، وكان أبوهم سعيد بن العاص هلك بالظريبة ، من ناحية الطائف ، هلك في مال له بها : ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد * لما يفتري في الدين عمرو وخالد أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا * يعينان من أعدائنا من نكايد فأجابه خالد بن سعيد فقال : أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه * ولا هو من سوء المقالة مقصر يقول إذا اشتدت عليه أموره * ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر فدع عنك ميتا قد مشى لسبيله * وأقبل على الأدنى الذي هو أفقر ومعيقيب بن أبي فاطمة ، خازن عمر بن الخطاب على بيت مال المسلمين وكان إلى آل سعيد بن العاص ؛ وأبو موسى الأشعري عبدالله ابن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أربعة نفر . من بني أسد : ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي : الأسود بن نوفل بن خويلد . رجل . من بني عبدالدار : ومن بني عبدالدار بن قصي : جهم بن قيس بن عبد شرحبيل ، معه ابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم ، وكانت معه امرأته أم حرملة بنت عبدالأسود هلكت بأرض الحبشة ، وابناه لها . رجل . من بني زهرة : ومن بني زهرة بن كلاب : عامر بن أبي وقاص ، وعتبة بن مسعود ، حليف لهم من هذيل . رجلان . من بني تيم : ومن بني تيم بن مرة بن كعب : الحارث بن خالد بن صخر ، وقد كانت معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بأرض الحبشة . رجل . من بني جمح : ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عثمان بن ربيعة بن أهبان . رجل . من بني سهم : ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : محمية بن الجزء ، حليف لهم من بني زبيد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعله على خمس المسلمين . رجل . من بني عدي : ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : معمر بن عبدالله بن نضلة . رجل . من بني عامر : ومن بن عامر بن لؤي بن غالب : أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ؛ ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس ، معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس ، رجلان . من بني الحارث : ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : الحارث بن عبد قيس بن لقيط . رجل . وقد كان حمل معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك هنالك من المسلمين . عدة من حملهم مع عمرو بن أمية : فهؤلاء الذين حمل النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري في السفينتين ، فجميع من قدم في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر رجلاً . سائر مهاجرة الحبشة : وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة ، ولم يقدم إلا بعد بدر ، ولم يحمل النجاشي في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قدم بعد ذلك ، ومن هلك بأرض الحبشة من مهاجرة الحبشة: من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، أسد خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وابنته حبيبة بنت عبيد الله ، وبها كانت تكنى أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكان اسمها رملة . تنصر ابن جحش بالحبشة وخلف الرسول على امرأته : خرج مع المسلمين مهاجراً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر بها وفارق الإسلام ، ومات هنالك نصرانياً ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته من بعده أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، قال : خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلماً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر ، قال : فكان إذا مر بالمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فتحنا وصأصأتم . أي : قد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد . وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه للنظر صأصأ قبل ذلك ، فضرب ذلك له ولهم مثلاً : أي أنا قد فتحنا أعيننا فأبصرنا ، ولم تفتحوا أعينكم فتبصروا ، وأنتم تلتمسون ذلك . قال ابن إسحاق : وقيس بن عبدالله ، رجل من بني أسد بن خزيمة ، وهو أبو أمية بنت قيس التي كانت مع أم حبيبة ، وامرأته بركة بنت يسار ، مولاة أبي سفيان بن حرب ، كانتا ظئري عبيد الله بن جحش ؛ وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فخرجا بهما معهما حين هاجرا إلى أرض الحبشة . رجلان . من بني أسد : ومن بني أسد بن عبدا لعزى بن قصي : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قتل يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ؛ وعمر بن أمية بن الحارث بن أسد ، هلك بأرض الحبشة . رجلان . من بني عبدالدار : ومن بني عبدالدار بن قصي : أبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ؛ وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقة بن عبد مناف بن عبدالدار . رجلان . من بني زهرة : ومن بني زهرة بن كلاب بن مرة : المطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، هلك بأرض الحبشة ، ولدت له هنالك عبدالله بن عبدالمطلب ، فكان يقال : إن كان لأول رجل ورث أباه في الإسلام ، رجل . من بني تيم : ومن بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي : عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، قتل بالقادسية مع سعد بن أبي وقاص . رجل . من بني مخزوم : ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب : هبار بن سفيان بن عبدالأسد . قتل بأجنادين من أرض الشام ، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وأخوه عبدالله بن سفيان ، قتل عام اليرموك بالشام ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يشك فيه أقتل ثم أم لا ؛ وهشام بن أبي حذيفة ابن المغيرة . ثلاثة نفر . من بني جمح ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، وابناه محمد والحارث ، معه امرأته فاطمة بنت المجلل . هلك حاطب هنالك مسلماً ، فقدمت امرأته وابناه ، وهي أمهما ، في إحدى السفينتين ؛ وأخوه حطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار ، هلك هنالك مسلماً، فقدمت امرأته فكيهة في إحدى السفينتين ، وسفيان بن معمر بن حبيب ، وابناه جنادة وجابر ، وأمهما معه حسنة، وأخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة ؛ وهلك سفيان وهلك ابناه جنادة وجابر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ستة نفر . من بني سهم : ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الشاعر ، هلك بأرض الحبشة ، وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وعبدالله بن حذافة بن قيس بن سعد بن سهم ، وهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ؛ والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وأخ له من أمه من بني تميم ، يقال له : سعيد بن عمرو ، قتل بأجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . وسعيد بن الحارث بن قيس ، قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والسائب بن الحارث بن قيس ، جرح بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتل يوم فحل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويقال : قتل يوم خيبر ، يشك فيه . وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهمش بن سعد بن سهم ، قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد ، منصرفه من اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . أحد عشر رجلاً . من بني عدي : ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ، هلك بأرض الحبشة ، وعدي بن نضلة بن عبدالعزى بن حرثان ، هلك بأرض الحبشة . رجلان . تولية عمر النعمان على ميسان ثم عزله : وقد كان مع عدي ابنه النعمان بن عدي ، فقدم النعمان مع من قدم من المسلمين من أرض الحبشة ، فبقي حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فاستعمله على ميسان ، من أرض البصرة ، فقال أبياتاً من شعر ، وهي : ألا هل أتى الحسناء أن حليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية * ورقاصة تجثو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني * ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا في الجوسق المتهدم فلما بلغت أبياته عمر ، قال : نعم والله إن ذلك ليسوءني ، فمن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وعزله . فلما قدم عليه اعتذر إليه وقال : والله يا أمير المؤمنين ، ما صنعت شيئاً مما بلغك أني قلته قط ، ولكني كنت امرأ شاعراً ، وجدت فضلاً من قول ، فقلت فيما تقول الشعراء ؛ فقال له عمر : وأيم الله ، لا تعمل لي على عمل ما بقيت ، وقد قلت ما قلت . من بني عامر : ومن بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر : سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وهو كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة . رجل . من بني الحارث : ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : عثمان بن غنم بن زهير بن أبي شداد ؛ وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الحارث بن فهر، وعياض بن زهير بن أبي شداد . ثلاثة نفر . فجميع من تخلف عن بدر ، ولم يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ومن قدم بعد ذلك ، ومن لم يحمل النجاشي في السفينتين ، أربعة وثلاثون رجلاً . الهالكون منهم : وهذه تسمية جملة من هلك منهم ومن أبنائهم بأرض الحبشة : من بني عبد شمس : من بني عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب ، حليف بني أمية ، مات بها نصرانياً . من بني أسد : ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ، عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد من بني جمح : ومن بني جمح : حاطب بن الحارث ؛ وأخوه حطاب بن الحارث . من بني سهم : ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبدالله بن الحارث بن قيس . من بني عدي : ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف ، وعدي بن نضلة . سبعة نفر . من الأبناء : ومن أبنائهم من بني تيم بن مرة : موسى بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر . رجل . مهاجرات الحبشة : وجميع من هاجر إلى أرض الحبشة من النساء ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ست عشرة امرأة ، سوى بناتهن اللاتي ولدن هنالك ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ، ومن خرج به معهن حين خرجن : من قريش : من قريش ، من بني هاشم : رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . من بني أمية : ومن بني أمية : أم حبيبة بنت أبي سفيان ، مع ابنتها حبيبة ، خرجت بها من مكة ، ورجعت بها معها . ومن بني مخزوم : ومن بني مخزوم : أم سلمة بنت أمية ، قدمت معها بزينب ابنتها من أبي سلمة ولدتها هنالك . من بني تيم : ومن بني تيم بن مرة : ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بالطريق ، وبنتان لها كانت ولدتهما هنالك : عائشة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث ، هلكن جميعاً ، وأخوهن موسى بن الحارث ، من ماء شربوه في الطريق ، وقدمت بنت لها ولدتها هنالك ، فلم يبق من ولدها غيرها ، يقال لها : فاطمة . من بني سهم : ومن بني سهم بن عمرو : رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة . من بني عدي : ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم . من بني عامر : ومن بني عامر بن لؤي : سودة بنت زمعة بن قيس ؛ وسهلة بنت سهيل ابن عمرو ، وابنة المجلل ، وعمرة بنت السعدي بن وقدان ، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو . من غرائب العرب : ومن غرائب العرب : أسماء بنت عميس بن النعمان الخثعمية ؛ وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكنانية ، وفكيهة بنت يسار ، وبركة بنت يسار ، وحبيبة ، أم شرحبيل بن حسنة . أبناؤهم بالحبشة : وهذه تسمية من ولد من أبنائهم بأرض الحبشة . من بني عبد شمس : ومن بني عبد شمس : محمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد بن سعيد ، وأخته أمة بنت خالد . من بني مخزوم : ومن بني مخزوم : زينب بنت أبي سلمة بن الأسد . من بني زهرة : ومن بني زهرة : عبدالله بن عبدالمطلب بن أزهر . من بني تيم : ومن بني تيم : موسى بن الحارث بن خالد ، وأخواته عائشة بنت الحارث ، وفاطمة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث . الذكور منهم : الرجال منهم خمسة : عبدالله بن جعفر ، ومحمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد ، وعبدالله بن عبدالمطلب ، وموسى بن الحارث . الإثاث منهم : ومن النساء خمس : أمة بنت خالد ، وزينب بنت أبي سلمة ، وعائشة وزينب وفاطمة ، بنات الحارث بن خالد بن صخر . |
عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع
خروج الرسول معتمراً في ذي القعدة : قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر ، أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالاً ، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء ، مكان عمرته التي صدوه عنها . ابن الأضبط على المدينة : قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي . سبب تسميتها بعمرة القصاص : ويقال لها عمرة القصاص ، لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست ، فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فدخل مكة في ذي القعدة ، في الشهر الحرام الذي صدوه فيه ، من سنة سبع . وبلغنا عن ابن عباس أنه قال : فأنزل الله في ذلك : ( والحرمات قصاص ) . خروج المسلمين الذين صدوا أولا معه : قال ابن إسحاق : وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك ، وهي سنة سبع ، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه ، وتحدثت قريش بينها أن محمداً وأصحابه في عسرة وجهد وشدة . سبب الهرولة بين الصفا والمروة : قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس ، قال : صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه ؛ فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ، وأخرج عضده اليمنى ، ثم قال : رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ، ثم استلم الركن ، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه ، حتى إذا واراه البيت منهم ، واستلم الركن اليماني ، مشى حتى يستلم الركن الأسود ، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ، ومشى سائرها . فكان ابن عباس يقول : كان الناس يظنون أنها ليست عليهم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش الذي بلغه عنهم ، حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها ، فمضت السنة بها . ارتجاز ابن رواحة وهو يقود ناقة الرسول : قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبدالله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقيلة * أعرف حق الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله قال ابن هشام : نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات ، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم ، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين ، والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقتل على التأويل من أقر بالتنزيل . زواج الرسول بميمونة : قال ابن إسحاق : وحدثني أبان بن صالح وعبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام ، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب . قال ابن هشام : وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل ، وكانت أم الفضل تحت العباس ، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم . إرسال قريش حويطباً إلى الرسول يطلب منه الخروج من مكة : قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً ، فأتاه حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ، في نفر من قريش ، في اليوم الثالث ، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ؛ فقالوا له : إنه قد انقضى أجلك ، فاخرج عنا ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم ، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه قالوا : لا حاجة لنا في طعامك ، فاخرج عنا . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة ، حتى أتاه بها بسرف فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة . ما نزل من القرآن في عمرة القضاء : قال ابن هشام : فأنزل الله عز وجل عليه ، فيما حدثني أبو عبيدة : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ، فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ) يعني : خيبر . http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif ذكر غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ومقتل جعفر وزيد وعبدالله بن رواحة قال ابن إسحاق : فأقام بها بقية ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون ، والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة . http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif بعث الرسول إلى مؤتة واختياره الأمراء : قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبدالله ابن رواحة على الناس . ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم . بكاء ابن رواحة مخافة النار وشعره للرسول : فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثة آلاف ، فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم . فلما ودع عبدالله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى ؛ فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل ، يذكر فيها النار ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؛ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ؛ فقال عبدالله بن رواحة : لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبدالله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ، ثم قال : فثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلة * الله يعلم أني ثابت البصر أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات : أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر فثبت الله ما آتاك من حسن * في المرسلين ونصرا كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلة * فراسة خالفت فيك الذي نظروا يعني المشركين ؛ وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن إسحاق : ثم خرج القوم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال عبدالله بن رواحة : خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل خير مشيع وخليل تخوف الناس من لقاء هرقل وشعر ابن رواحة يشجعهم : ثم مضوا حتى نزلوا معان ، في أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب ، من أرض البلقاء ، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة ، يقال له : مالك بن زافلة . فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره ، فنمضي له . تشجيع ابن رواحة للناس على القتال : قال : فشجع الناس عبدالله بن رواحة ، وقال : يا قوم ، والله إن التي تكرهون ، للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة . قال : فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة . فمضى الناس فقال عبدالله بن رواحة في محبسهم ذلك : جلبنا الخيل من أجإ وفرع * تغر من الحشيش لها العكوم حذوناها من الصوان سبتا * أزل كأن صفحته أديم أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها السموم فلا وأبى مآب لنأتينها * وإن كانت بها عرب وروم فعبأنا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها بريم بذي لجب كأن البيض فيه * إذا برزت قوانسها والنجوم فراضية المعيشة طلقتها * أسنتها فتنكح أو تئيم قال ابن هشام : ويروى جلبنا الخيل من آجام قرح ، وقوله : فعبأنا أعنتها عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم ، قال : كنت يتيماً لعبدالله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله ، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه : إذا أديتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك أنعم وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المسلمون وغادروني * بأرض الشام مشتهى الثواء وردك كل ذي نسب قريب * إلى الرحمن منقطع الإخاء هنالك لا أبالي طلع بعل * ولا نخل أسافلها رواء فلما سمعتهن منه بكيت . قال : فخفقني بالدرة ، وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل ! قال : ثم قال عبدالله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز : يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فانزل لقاء الروم : قال ابن إسحاق : فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل ، من الروم والعرب ، بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبأ لها المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة ، يقال له : قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له : عباية بن مالك . قال ابن هشام : ويقال : عبادة بن مالك . مقتل زيد بن حارثة : قال ابن إسحاق : ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم . إمارة جعفر ومقتله : ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ، فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل . فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام . وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال : والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ، ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول : يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارداً شرابها والروم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها علي إذا لاقيتها ضرابها * قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم : أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء . ويقال : إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة ، فقطعه بنصفين . مقتل عبدالله بن رواحة : قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، قال : فلما قتل جعفر أخذ عبدالله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بعض التردد ، ثم قال : أقسمت يا نفس لتنزلنه * لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه * ما لي أراك تكرهين الجنة قد طال ما قد كنت مطمئنة * هل أنت إلا نطفة في شنه وقال أيضاً : يا نفس إلا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت يريد صاحبيه : زيداً وجعفراً ؛ ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثم انتهس منه نهسة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ! ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل . إمارة خالد وحسن تصرفه : ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان ، فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل . فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ؛ فلما أخذ الراية دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس . الرسول يتنبأ بما حدث : قال ابن إسحاق : ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ قال : ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان في عبدالله بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثم قال : ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً . ثم قال : لقد رفعوا إلى الجنة ،فيما يرى النائم ، على سرر من ذهب ، فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه ، فقلت : عم هذا ؟ فقيل لي : مضيا وتردد عبدالله بعض التردد ، ثم مضى . حزن الرسول على جعفر ووصيته بآله : قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن أم عيسى الخزاعية ، عن أم جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، عن جدتها أسماء بنت عميس ، قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منا - قال ابن هشام : ويروى أربعين منيئة - وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم . قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتني ببني جعفر ؛ قالت : فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : نعم ، أصيبوا هذا اليوم . قالت : فقمت أصيح ، واجتمعت إلي النساء ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال : لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً ، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم . وحدثني عبدالرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن . قالت : فدخل عليه رجل فقال : يا رسول الله ، إن النساء عنيننا وفتننا ؛ قال : فارجع إليهن فأسكتهن . قالت : فذهب ثم رجع ، فقال له مثل ذلك - قال : تقول وربما ضر التكلف أهله - قالت : قال : فاذهب فأسكتهن ، فإن أبين فاحث في أفواههن التراب ، قالت : وقلت في نفسي : أبعدك الله ! فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وعرفت أنه لا يقدر على أن يحثي في أفواههن التراب . شعر قطبة في قتله ابن زافلة في غزوة مؤتة : قال ابن إسحاق : وقد كان قطبة بن قتادة العذري ، الذي كان على ميمنة المسلمين ، قد حمل على مالك بن زافلة فقتله ، فقال قطبة بن قتادة : طعنت ابن زافلة بن الإرا * ش برمح مضى فيه ثم انحطم ضربت على جيده ضربة * فمال كما مال غصن السلم وسقنا نساء بني عمه * غداة رقوقين سوق النعم قال ابن هشام : قوله : ابن الإراش عن غير ابن إسحاق . والبيت الثالث عن خلاد بن قرة ؛ ويقال : مالك بن رافلة : ما قالته كاهنة حدس : قال ابن إسحاق : وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قد قالت لقومها من حدس ، وقومها بطن يقال لهم : بنو غنم أنذركم قوماً خزراً ، ينظرون شزراً ، ويقودون الخيل تترى ، ويهريقون دما عكراً ، فأخذوا بقولها ، واعتزلوا من بين لخم ؛ فلم تزل بعد أثرى حدس . وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة ، بطن من حدس ، فلم يزالوا قليلاً بعد . فلما انصرف خالد بالناس أقبل بهم قافلاً . الرسول يلتقي بالأبطال : قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال : لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون . قال : ولقيهم الصبيان يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة ، فقال : خذوا الصبيان فاحملوهم ، وأعطوني ابن جعفر . فأتي بعبدالله فأخذه فحمله بين يديه . قال : وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ، ويقولون : يا فرار ، فررتم في سبيل الله ! قال : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليسوا بالفرار ، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبدالله بن الزبير ، عن بعض آل الحارث بن هشام : وهم أخواله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟ قالت : والله ما يستطيع أن يخرج ، كلما خرج صاح به الناس يا فرار ، فررتم في سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما خرج . ما قيل من الشعر في غزوة مؤتة ما قاله ابن المسحر قال ابن إسحاق : وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم ، قيس بن المسحر اليعمري ، يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس . فوالله لا تنفك نفسي تلومني * على موقفي والخيل قابعة قبل وقفت بها لا مستجيرا فنافذا * ولا مانعا من كان حم له القتل على أنني آسيت نفسي بخالد * ألا خالد في القوم ليس له مثل وجاشت إلي النفس من نحو جعفر * بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل وضم إلينا حجزتيهم كليهما * مهاجرة لا مشركون ولا عزل فتبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره ، أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت ، وحقق انحياز خالد بمن معه . قال ابن هشام : فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه : أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ، ففتح الله عليهم ، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم . حسان بن ثابت يبكي شهداء مؤتة قال ابن إسحاق : وكان مما بكى به أصحاب مؤتة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول حسان بن ثابت : تأوبني ليل بيثرب أعسر * وهم إذا ما نوم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحا وأسباب البكاء التذكر بلى إن فقدان الحبيب بلية * وكم من كريم يبتلى ثم يصبر رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوب وخلفا بعدهم يتأخر فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيد وعبدالله حين تتابعوا * جميعاً وأسباب المنية تخطر غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة مجسر فطاعن حتى مال غير موسد * لمعترك فيه قنا متكسر فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق أخضر وكنا نرى في جعفر من محمد * وفاء وأمراً حازماً حين يأمر فما زال في الإسلام من آل هاشم * دعائم عز لا يزلن ومفخر هم جبل الإسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يروق ويقهر بها ليل منهم جعفر وابن أمه * علي ومنهم أحمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم * عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم تفرج اللأواء في كل مأزق * عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر هم أولياء الله أنزل حكمه * عليهم ، وفيهم ذا الكتاب المطهر شعر كعب بن مالك في غزوة مؤتة : وقال كعب بن مالك : نام العيون ودمع عينك يهمل * سحاً وكف الطباب المخضل في ليلة وردت علي همومها * طورا أحن وتارة أتململ واعتادني حزن فبت كأنني * ببنات نعش والسماك موكل وكأنما بين الجوانح والحشى * مما تأوبني شهاب مدخل وجدا على النفر الذين تتابعوا * يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا صلى ا لإله عليهم من فتية * وسقى عظامهم الغمام المسبل صبروا بمؤتة للإله نفوسهم * حذر الردى ومخافة أن ينكلوا فمضوا أمام المسلمين كأنهم * فنق عليهن الحديد المرفل إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم فنعم الأول حتى تفرجت الصفوف وجعفر * حيث التقى وعث الصفوف مجدل فتغير القمر المنير لفقده * والشمس قد كسفت وكادت تأفل قرم علا بنيانه من هاشم * فرعا أشم وسؤدداً ما ينقل قوم بهم عصم الإله عباده * وعليهم نزل الكتاب المنزل فضلوا المعاشر عزة وتكرما * وتغمدت أحلامهم من يجهل لا يطلقون إلى السفاه حباهم * ويرى خطيبهم بحق يفصل بيض الوجوه ترى بطون أكفهم * تندى إذا اعتذر الزمان الممحل يهديهم رضي الإله لخلقه * وبجدهم نصر النبي المرسل حسان يبكي جعفراً بعد غزوة مؤتة : وقال حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه : ولقد بكيت وعز مهلك جعفر * حب النبي على البرية كلها ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي * من للجلاد لدى العقاب وظلها بالبيض حين تسل من أغمادها * ضربا وإنهال الرماح وعلها بعد ابن فاطمة المبارك جعفر * خير البرية كلها وأجلها رزءاً وأكرمها جميعاً محتداً * وأعزها متظلما وأذلها للحق حين ينوب غير تنحل * كذباً ، وأنداها يداً وأقلها فحشا ، وأكثرها إذا ما يجتدى * فضلاً ، وأبذلها ندى وأبلها بالعرف غير محمد لا مثله * حي من أحياء البرية كلها حسان يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة بعد مؤتة : وقال حسان بن ثابت في يوم مؤتة يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة : عين جودي بدمعك المنزور * واذكري في الرخاء أهل القبور واذكري مؤتة وما كان فيها * يوم راحوا في وقعة التغوير حين راحوا وغادروا ثم زيداً * نعم مأوى الضريك والمأسور حب خير الأنام طرا جميعا * سيد الناس حبه في الصدور ذاكم أحمد الذي لا سواه * ذاك حزني له معا وسروري إن زيدا قد كان منا بأمر * ليس أمر المكذب المغرور ثم جودي للخزرجي بدمع * سيداً كان ثم غير نزور قد أتانا من قتلهم ما كفانا * فبحزن نبيت غير سرور قول أحد الشعراء بعد رجوعه من مؤتة : وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة كفى حزنا أني رجعت وجعفر * وزيد وعبدالله في رمس أقبر قضوا نحبهم لما مضوا لسبيلهم * وخلفت للبلوى مع المتغبر ثلاثة رهط قدموا فتقدموا * إلى ورد مكروه من الموت أحمر تسمية شهداء مؤتة : وهذه تسمية من استشهد يوم مؤتة . من بني هاشم : من قريش ، ثم من بني هاشم : جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزيد بن حارثة رضي الله عنه . من بني عدي : ومن بني عدي بن كعب : مسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة . من بني مالك : ومن بني مالك بن حسل : وهب بن سعد بن أبي سرح . من الأنصار : ومن الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج : عبدالله بن رواحة ، وعباد بن قيس . ومن بني غنم بن مالك بن النجار : الحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة ابن عبد بن عوف بن غنم . ومن بني مازن بن النجار : سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء . من ذكرهم ابن هشام : قال ابن هشام : وممن استشهد يوم مؤتة ، فيما ذكر ابن شهاب : من بني مازن بن النجار : أبو كليب وجابر ، ابنا عمرو بن زيد بن عوف ابن مبذول وهما لأب وأم . ومن بني مالك بن أفصى : عمرو وعامر ، ابنا سعد بن الحارث بن عباد ابن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى . قال ابن هشام : ويقال : أبو كلاب وجابر ، ابنا عمرو . |
ذكر الأسباب الموجبة للسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان
القتال بين بكر وخزاعة : قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا . ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له : الوتير ، وكان الذي هاج ما بين بني بكر وخزاعة أن رجلاً من بني الحضرمي ، واسمه مالك بن عباد - وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن - خرج تاجراً ، فلما توسط أرض خزاعة ، عدوا عليه فقتلوه ، وأخذوا ماله . فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزان الديلي - وهم منخر بني كنانة وأشرافهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم . قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من بني الديل ، قال : كان بنو الأسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين ، ونودي دية دية ، لفضلهم فينا . قال ابن إسحاق : فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام ، وتشاغل الناس به . فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم . كما حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وغيرهم من علمائنا : أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده . قال ابن إسحاق : فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة ، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ، ماء لهم ، فأصابوا منهم رجلاً ، وتحاوزوا واقتتلوا . ورفدت بني بكر قريش بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه ، قالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال : كلمة عظيمة ، لا إله له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؛ وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلاً ، يقال له : منبه . وكان منبه رجلاً مفؤداً خرج هو ورجل من قومه يقال له : تميم بن أسد ، وقال له منبه : يا تميم انج بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد أنبت فؤادي ، وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا منبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكة ، لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار مولى لهم يقال له : رافع فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره من منبه : شعر تميم يعتذر من فراره عن منبه : لما رأيت بني نفاثة أقبلوا * يغشون كل وتيرة وحجاب صخراً ورزناً لا عريب سواهم * يزجون كل مقلص خناب وذكرت ذحلاً عندنا متقادما * فيما مضى من سالف الأحقاب ونشيت ريح الموت من تلقائهم * ورهبت وقع مهند قضاب وعرفت أن من يثقفوه يتركوا * لحما لمجرية وشلو غراب قومت رجلا لا أخاف عثارها * وطرحت بالمتن العراء ثيابي ونجوت لا ينجو نجائي أحقب * علج أقب مشمر الأقراب تلحى ولو شهدت لكان نكيرها * بولاً يبل مشافر القبقاب القوم أعلم ما تركت منبها * عن طيب نفس فاسألي أصحابي قال ابن هشام : وتروى لحبيب بن عبدالله الأعلم الهذلي . وبيته : وذكرت ذحلا عندنا متقادما ، عن أبي عبيدة ، وقوله : خناب ، وعلج أقب مشمر الأقراب عنه أيضاً . شعر الأخزر فيما وقع بين خزاعة وبكر قال ابن إسحاق : وقال الأخزر بن لعط الديلي ، فيما كان بين كنانة وخزاعة في تلك الحرب : ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بني كعب بأفوق ناصل حبسناهم في دارة العبد رافع * وعند بديل محبسا غير طائل بدار الذليل الأخذ الضيم بعدما * شفينا النفوس منهم بالمناصل حبسناهم حتى إذا طال يومهم * نفحنا لهم من كل شعب بوابل نذبحهم ذبح التيوس كأننا * أسود تبارى فيهم بالقواصل هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم * وكانوا لدى الأنصاب أول قاتل كأنهم بالجزع إذ يطردونهم * بفا ثور حفان النعام الجوافل بديل بن عبد مناة يرد على الأخزر: فأجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب ، وكان يقال له : بديل بن أم أصرم ، فقال : تفاقد قوم يفخرون ولم ندع * لهم سيداً يندوهم غير نافل أمن حنيفة القوم الألى تزدريهم * تجيز الوتير خائفا غير آئل وفي كل يوم نحن نحبو حباءنا * لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل ونحن صبحنا بالتلاعة داركم * بأسيافنا يسبقن لوم العواذل ونحن منعنا بين بيض وعتود * إلى خيف رضوى من مجر القنابل ويوم الغميم قد تكفت ساعيا * عبيس فجعناه بجلد حلاحل أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم * بجعموسها تنزون أن لم نقاتل كذبتم وبيت الله ما إن قتلتم * ولكن تركنا أمركم في بلابل قال ابن هشام : قوله : غير نافل ، وقوله : إلى خيف رضوى ، عن غير ابن إسحاق . شعر حسان في الحرب بين كنانة وخزاعة : قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت في ذلك : لحا الله قوما لم ندع من سراتهم * لهم أحدا يندوهم غير ناقب أخصيي حمار مات بالأمس نوفلاً * متى كنت مفلاحاً عدو الحقائب خزاعة تستنجد بالرسول : قال ابن إسحاق : فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وكانوا في عقده وعهده ، خرج عمرو بن سالم الخزاعى ، ثم أحد بني كعب ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس ، فقال : يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك الله نصرا اعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعوا أحدا * وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا سجدا يقول : قتلنا وقد أسلمنا . قال ابن هشام : ويروى أيضاً : فانصر هداك الله نصرا أيدا * قال ابن هشام : ويروى أيضاً : نحن ولدناك فكنت ولدا * قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم . ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء ، فقال : إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب . ذهاب ابن ورقاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شاكياً وتعرف أبي سفيان أمره : ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة . ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذين صنعوا . فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء ، قال : من أين أقبلت يا بديل ؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ؛ قال : أو ما جئت محمداً ؟ قال : لا ؛ فلما راح بديل إلى مكة ، قال أبو سفيان : لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى ، فأتى مبرك راحلته ، فأخذ من بعرها ففته ، فرأى فيه النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً . خروج أبي إلى المدينة سفيان للصلح وإخفاقة : ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ؛ فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر . ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه ، فقال : أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به . ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي ، غلام يدب بين يديها ، فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحماً ، وإني قد جئت في حاجة ، فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لي إلى رسول الله ؛ فقال : ويحك يا أبا سفيان ! والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه . فالتفت إلى فاطمة ، فقال : يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : والله ما بلغ بني ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني ؛ قال : والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ؛ قال : أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ؟ قال : لا والله ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك . فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : أيها الناس إني أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو قال ابن هشام : أعدى العدو . قال ابن إسحاق : ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئاً أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت ؛ قالوا : فهل أجاز لك محمد ؟ قال : لا ، قالوا : ويلك ! والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت . قال : لا والله ، ما وجدت غير ذلك . الاستعداد لفتح مكة : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها ، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : أي بنية : أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه ؟ قالت : نعم فتجهز ، قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لا والله ما أدري . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها . فتجهز الناس . حسان يحث الناس على فتح مكة : فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ، ويذكر مصاب رجال خزاعة : عناني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو وخزها وعقابها وصفوان عود حن من شفراسته * فهذا أوان الحرب شد عصابها فلا تأمننا يا بن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها ولا تجزعوا منا فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها قال ابن هشام : قول حسان : بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ، يعني : قريشاً ؛ وابن أم مجالد ، يعني : عكرمة بن أبي جهل . كتاب حاطب يحذر أهل مكة : قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم . ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به . الخبر من السماء بما فعل حاطب : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال : أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالخليقة ، خليقة بني أبي أحمد ، فاستنزلاها ، فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئاً . فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك ، فلما رأت الجد منه ، قالت : أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه . فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال : يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم . فأنزل الله تعالى في حاطب : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) إلى قوله : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) . . . إلى آخر القصة . خروج الرسول إلى مكة : قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره ، واستخلف على المدينة أبا رهم ، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد ، بين عسفان وأمج أفطر . تلمس قريش أخباره عليه السلام : قال ابن إسحاق : ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، فسبعت سليم ، وبعضهم يقول ألفت سليم ، وألفت مزينة ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار ، فلم يتخلف عنه منهم أحد . فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلم يأتهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولايدرون ما هو فاعل . وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، يتحسسون الأخبار ، وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به ، وقد كان العباس بن عبدالمطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق . هجرة العباس : قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجراً بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيماً بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض ، فيما ذكر ابن شهاب الزهري . إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي أمية : قال ابن إسحاق : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً بنيق العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك ؛ قال : لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي ، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال . قال : فلما خرج الخبر إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له . فقال : والله ليأذنن لي أو لأخذن بيدي بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ؛ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما ، فدخلا عليه ، فأسلما . ما أنشده أبو سفيان في إسلامه : وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى منه ، فقال : لعمرك إني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد لكالمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدي وأهتدي هداني هاد غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد أصد وأنأى جاهداً عن محمد * وأدعى وإن لم أنتسب من محمد هم ما هم من لم يقل بهواهم * وإن كان ذا رأي يلم ويفند أريد لأرضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم أهد في كل مقعد فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك : غيري أوعدي فما كنت في الجيش الذي نال عامراً * وما كان عن جرا لساني ولا يدي قبائل جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد قال ابن هشام : ويروى : ودلني على الحق من طردت كل مطرد . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ونالني مع الله من طردت كل مطرد ، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، وقال : أنت طردتني كل مطرد . إسلام أبي سفيان على يدي العباس بن عبدالمطلب : فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، قال العباس بن عبدالمطلب : فقلت : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر . قال : فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، فخرجت عليها . قال : حتى جئت الأراك ، فقلت : لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة . قال : فوالله إني لأسير عليها ، وألتمس ما خرجت له ، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً ، قال : يقول بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب . قال : يقول أبو سفيان : خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها . قال : فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال : أبو الفضل ؟ قال : قلت : نعم ، قال : ما لك ؟ فداك أبي وأمي ، قال : قلت : ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة ؟ فداك أبي وأمي ، قال : قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك ؛ قال : فركب خلفي ورجع صاحباه . قال : فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها ، قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته . حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي ؛ فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة ، قال : أبا سفيان عدو الله ! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركضت البغلة ، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء . قال : فاقتحمت عن البغلة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني فلأضرب عنقه . قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت برأسه ، فقلت : والله لا يناجيه الليلة دوني رجل ؛ فلما أكثر عمر في شأنه ، قال : قلت : مهلاً يا عمر ، فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ؛ فقال : مهلا يا عباس ، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به ؛ قال : فذهبت به إلى رحلي ، فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! والله قد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد ، قال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأ مي ، ما أحملك وأكرمك وأوصلك ! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً . فقال له العباس : ويحك ! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم . قال العباس : قلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً ، قال : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ، أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها . قال : فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي ، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه . عرض الجيش على أبي سفيان : قال : ومرت القبائل على راياتها ، كلما مرت قبيلة قال : يا عباس من هذه ؟ فأقول : سليم ، فيقول : ما لي ولسليم ، ثم تمر القبيلة فيقول : يا عباس ، من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : ما لي ولمزينة ، حتى نفذت القبائل ، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها ، فإذا أخبرته بهم ، قال : ما لي ولبني فلان ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء . كتيبته صلى الله عليه وسلم في فتح مكة : قال ابن هشام : وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها . قال الحارث بن حلزة اليشكري : ثم حجرا أعنى ابن أم قطام * وله فارسية خضراء يعنى : الكتيبة ، وهذا البيت في قصيدة له ، وقال حسان بن ثابت الأنصاري : لما رأى بدراً تسيل جلاهه * بكتيبة خضراء من بلخزرج وهذا البيت في أبيات له قد كتبناها في أشعار يوم بدر . قال ابن إسحاق : فيها المهاجرون والأنصار ، رضي الله عنهم ، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد ، فقال : سبحان الله : يا عباس من هؤلاء ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ؛ والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً ، قال : قلت : يا أبا سفيان ، إنها النبوة ، قال : فنعم إذن . أبو سفيان يحذر أهل مكة : قال : قلت : النجاء إلى قومك ، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت إليه هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه ، فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس ، قبح من طليعة قوم ! . قال : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ؛ قالوا : قاتلك الله ! وما تغنى عنا دارك ؛ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد . وصوله عليه السلام إلى ذي طوى : قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجراً بشقة برد حبرة حمراء ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح ، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل . |
إسلام أبي قحافة :
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنه من أصغر ولده : أي بنية ، اظهري بي على أبي قبيس ؛ قالت : وقد كف بصره ؛ قالت : فأشرفت به عليه ، فقال : أي بنية ، ماذا ترين ؟ قالت : أرى سواداً مجتمعاً ، قال : تلك الخيل ؛ قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك مقبلاً ومدبراً ، قال : أي بنية ، ذلك الوازع ، يعني : الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ؛ ثم قالت : قد والله انتشر السواد . قالت : فقال : قد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ، فانحطت به ، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته ، قالت : وفي عنق الجارية طوق من ورق ، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها . قالت : فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ودخل المسجد ، أتى أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ قال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت ؛ قال : قالت : فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره ، ثم قال له : أسلم ، فأسلم ؛ قال : فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره . ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته ، وقال : أنشد الله والإسلام طوق أختي ، فلم يجبه أحد ؛ قالت : فقال : أي أخيه ، احتسبي طوقك ، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل . دخول مكة : قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى ، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى ، وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء . المهاجرون يخشون من شدة سعد بن عبادة على قريش : قال ابن إسحاق : فزعم بعض أهل العلم أن سعداً حين وجه داخلاً ، قال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ؛ فسمعها رجل من المهاجرين - قال ابن هشام : هو عمر بن الخطاب - فقال : يا رسول الله : اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : أدركه ، فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها . طريق الفتح : قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبدالله بن أبي نجيح في حديثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد ، فدخل من الليط ، أسفل مكة في بعض الناس ، وكان خالد على المجنبة اليمنى ، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب . وأقبل أبو عبيدة بن الجراح يالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة ، ضربت له هنالك قبته . من تعرض للمسلمين من أهل مكة : قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر : أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناساً بالخندمة ليقاتلوا ، وقد كان حماس بن قيس بن خالد ، أخو بني بكر ، يعد سلاحاً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويصلح منه ؛ قالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال : لمحمد وأصحابه ؛ قالت : والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء ؛ قال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال : إن يقبلوا اليوم فما لي علة * هذا سلاح كامل وأله وذو غرارين سريع السلة * ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة ؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئاً من قتال ، فقتل كرز بن جابر ، أحد بني محارب بن فهر ، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم ، حليف بني منقذ ، وكانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً ، قتل خنيس بن خالد قبل كرز بن جابر فجعله كرز بن جابر بين رجليه ، ثم قاتل عنه حتى قتل ، وهو يرتجز ويقول : قد علمت صفراء من بني فهر * نقية الوجه نقية الصدر لأضربن اليوم عن أبي صخر* قال هشام : وكان خنيس يكنى أبا صخر ، فقال ابن هشام : خنيس بن خالد من خزاعة . ما قاله حماس من الشعر يوم الفتح : قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر ، قالا : وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء ، من خيل خالد بن الوليد ؛ وأصيب من المشركين ناس قريب من أثني عشر رجلاً ، أو ثلاثة عشر رجلاً ، ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ، ثم قال لامرأته : أغلقي علي بابي ؛ قالت : فأين ما كنت تقول ؟ فقال : إنك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة وأبو يزيد قائم كالموتمة * واستقبلهم بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمة * ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر قوله : كالموتمه ، وتروى للرعاش الهذلي . شعار المسلمين يوم فتح مكة : وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة و حنين والطائف ، شعار المهاجرين : يا بني عبدالرحمن ، وشعار الخزرج : يا بني عبدالله ، وشعار الأوس : يا بني عبيد الله . من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم : قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ، حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عبدالله بن سعد ، أخو بني عامر بن لؤي . سبب أمر الرسول بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه : وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركاً راجعاً إلى قريش ، ففر إلى عثمان بن عفان ، وكان أخاه للرضاعة ، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة . فاستأمن له فزعموا أن رسول الله صمت طويلاً ، ثم قال : نعم ، فلما انصرف عنه عثمان ، قال رسول الله : لمن حوله من أصحابه : لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ قال : إن النبي لا يقتل بالإشارة . قال ابن هشام : ثم أسلم بعد ، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر . قال ابن إسحاق : وعبدالله بن خطل ، رجل من بني تيم بن غالب : إنما أمر بقتله أنه كان مسلماً ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً ، وبعث معه رجلاً من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلماً ، فنزل منزلاً ، وأمر المولى أن يذبح له تيساً ، فيصنع له طعاماً ، فنام ، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركاً . أسماء من أمر الرسول بقتلهم وسبب ذلك : وكانت له قينتان : فرتنى وصاحبتها ، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه . والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ، وكان ممن يؤذيه بمكة . قال ابن هشام : وكان العباس بن عبدالمطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ، ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ ، فرمى بهما إلى الأرض . قال ابن إسحاق ومقيس بن حبابة : وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقتله لقتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ ، ورجوعه إلى قريش مشركاً . وسارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب . وعكرمة بن أبي جهل . وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة ؛ فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فاستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمنه ، فخرجت في طلبه إلى اليمن ، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم . وأما عبدالله بن خطل ، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي ، اشتركا في دمه . وأما مقيس بن حبابة فقتله نميلة بن عبدالله ، رجل من قومه ، فقالت أخت مقيس في قتله : لعمري لقد أخزى نميلة رهطه * وفجع أضياف الشتاء بمقيس فلله عينا من رأى مثل مقيس * إذا النفساء أصبحت لم تخرس وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما ، وهربت الأخرى ، حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ، فأمنها . وأما سارة فاستؤمن لها فأمنها ، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها . وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب . قصة الرجلين اللذين أمنتهما أم هانئ وصلاة الفتح في بيتها : قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن أبي مرة ، مولى عقيل ابن أبي طالب ، أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ، فر إلي رجلان من أحمائي ، من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي . قالت : فدخل علي علي بن أبي طالب أخي ، فقال : والله لأقتلنهما ، فأغلقت عليهما باب بيتي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل جفنة إن فيها لأثر العجين ، وفاطمة ابنته تستره بثوبه ، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي . فقال : مرحباً وأهلاً يا أم هانئ ، ما جاء بك ؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي ؛ فقال : قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما . قال ابن هشام : هما الحارث بن هشام ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة . الرسول يدخل البيت الحرام : قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبدالله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة ، واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعاً على راحلته ، يستلم الركن بمحجم في يده ؛ فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلح ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد . ما قاله عليه السلام على باب الكعبة : قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة ، فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ، ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها . يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا هذه الآية : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ... الآية كلها . ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . إقرار أمر السدانة لعثمان بن طلحة : ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده ، فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء . قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : إنما أعطيكم ما ترزءون لا ما ترزءون . طمسه صلى الله عليه وسلم ما كان في الكعبة من الصور : قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح ، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم ، فرأى إبراهيم عليه السلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال : قاتلهم الله ، جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ، ما شأن إبراهيم والأزلام ! ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنفياً مسلماً ، وما كان من المشركين ) . ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست . مكان صلاته عليه السلام من البيت : قال ابن هشام : وحدثني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف بلال ، فدخل عبدالله بن عمر على بلال ، فسأله : أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولم يسأله كم صلى ؛ فكان ابن عمر إذا دخل البيت مشى قبل وجهه ، وجعل الباب قبل ظهره ، حتى يكون بينه وبين الجدار قدر ثلاث أذرع ، ثم يصلي ، يتوخى بذلك الموضع الذي قال له بلال . إسلام عتاب والحارث بن هشام وسببه : قال ابن هشام : وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه . فقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته ، فقال أبو سفيان : لا أقول شيئاً ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى ، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد علمت الذي قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم ؛ فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك . خراش يقتل ابن الأثوع : قال ابن إسحاق : حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي ، عن رجل من قومه ، قال : كان معنا رجل يقال له أحمر بأسا ، وكان رجلاً شجاعاً ، وكان إذا نام غط غطيطاً منكراً لا يخفى مكانه ، فكان إذا بات في حيه بات معتنزاً فإذا بيت الحي صرخوا يا أحمر ، فيثور مثل الأسد ، لا يقوم لسبيله شيء . فأقبل غزي من هذيل يريدون حاضره ، حتى إذا دنوا من الحاضر ، قال ابن الأثوع الهذلي : لا تعجلوا علي حتى أنظر ، فإن كان في الحاضر أحمر فلا سبيل إليهم ، فإن له غطيطاً لا يخفى ، قال : فاستمع فلما سمع غطيطه مشى إليه حتى وضع السيف في صدره ، ثم تحامل عليه حتى قتله ، ثم أغاروا على الحاضر ، فصرخوا يا أحمر ولا أحمر لهم . فلما كان عام الفتح ، وكان الغد من يوم الفتح ، أتي ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة ينظر ويسأل عن أمر الناس ، وهو على شركه ، فرأته خزاعة ، فعرفوه ، فأحطوا به وهو إلى جنب جدار من جدر مكة ، يقولون : أأنت قاتل أحمر ؟ قال : نعم ، أنا قاتل أحمر فمه ؟ قال : إذ أقبل خراش بن أمية مشتملاً على السيف ، فقال : هكذا عن الرجل ، ووالله ما نظن إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه . فلما انفرجنا عنه حمل عليه فطعنه بالسيف في بطنه ، فوالله لكأني أنظر إليه وحشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لترنقان في رأسه ، وهو : يقول أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ؟ حتى انجعف فوقع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر خزاعة ، ارفعوا أيديكم عن القتل ، فقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالرحمن بن حرملة الأسلمي ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية ، قال : إن خراشاً لقتال ؛ يعيبه بذلك . |
أبو شريح يذكر عمرو بن الزبير بحرمة مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الخزاعي ، قال : لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبدالله بن الزبير ، جئته ، فقلت له : يا هذا ، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين افتتح مكة ، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يسفك فيها دماً ، ولا يعضد فيها شجراً ، لم تحلل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحلل لي إلا هذه الساعة ، غضبا على أهلها . ألا ، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب . فمن قال لكم : إن رسول الله قد قاتل فيها ، فقولوا : إن الله قد أحلها لرسوله ، ولم يحللها لكم ، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ، فلقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين : إن شاءوا فدم قاتله ؛ وإن شاءوا فعقله . ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة ؛ فقال عمرو لأبي شريح : انصرف أيها الشيخ ، فنحن أعلم بحرمتها منك ، إنها لا تمنع سافك دم ، ولا خالع طاعة ، ولا مانع جزية ، فقال أبو شريح : إني كنت شاهداً وكنت غائباً ، لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا ، وقد أبلغتك ، فأنت وشأنك . أول قتيل وداه عليه السلام يوم الفتح : قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمائة ناقة . تخوف الأنصار من بقاء الرسول بمكة : قال ابن هشام : وبلغني عن يحيى بن سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها ، قام على الصفا يدعو الله ، وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها ؟ فلما فرغ من دعائه قال : ماذا قلتم ؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله ؛ فلما يزل بهم حتى أخبروه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معاذ الله ! المحيا محياكم ، والممات مماتكم . كسر الأصنام : قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته ، فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص ، فجعل النبي صلى الله عيه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار إلى قفاه ، إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع ؛ فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك : وفي الأصنام معتبر وعلم * لمن يرجوا الثواب أو العقابا إسلام فضالة : قال ابن هشام : وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح ؛ فلما دنا منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضالة ؟ قال : نعم فضالة يا رسول الله ؛ قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال : لا شيء ، كنت أذكر الله ؛ قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه ؛ فكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه . قال فضالة : فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلم إلي الحديث ، فقلت : لا ، وانبعث فضالة يقول : قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والإسلام لوما رأيت محمداً وقبيله * بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الإظلام الأمان لصفوان بن أمية : قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر ، عن عروة بن الزبير ، قال : خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب : يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هارباً منك ، ليقذف نفسه في البحر ، فأمنه ، صلى الله عليك ؛ قال : هو آمن ؛ قال : يا رسول الله ، فأعطني آية يعرف بها أمانك . فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه ، وهو يريد أن يركب في البحر ، فقال : يا صفوان ، فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به ؛ قال : ويحك ! أغرب عني فلا تكلمني . قال : أي صفوان ، فداك أبي وأمي ، أفضل الناس ، وأبر الناس ، وأحلم الناس ، وخير الناس ، ابن عمك ، عزه عزك ، وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ، قال : إني أخافه على نفسي ، قال : هو أحلم من ذاك وأكرم . فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك قد أمنتنى ، قال : صدق ؛ قال : فاجعلني فيه بالخيار شهرين ؛ قال : أنت بالخيار فيه أربعة أشهر . قال ابن هشام : وحدثني رجل من قريش من أهل العلم أن صفوان قال لعمير : ويحك ! اغرب عني ، فلا تكلمني ، فإنك كذاب ، لما كان صنع به ، وقد ذكرناه في آخر حديث يوم بدر . إسلام عكرمة وصفوان : قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري : أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وفاختة بنت الوليد - وكانت فاختة عند صفوان بن أمية ، وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل - أسلمتا ؛ فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعكرمة ، فأمنه ، فلحقت به باليمن ، فجاءت به ؛ فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله صلى الله عليه سلم عندهما على النكاح الأول . قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت : قال : رمى حسان ابن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده عليه : لا تعدمن رجلاً أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فقال : حين أسلم : يا رسول المليك إذ لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغي * ومن مال ميله مثبور آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور قال ابن إسحاق : وقال عبدالله بن الزبعري أيضاً حين أسلم : منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم مما أتاني أن أحمد لامني * فيه فبت كأنني محموم يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم أيام تأمرني بأغوى خطة * سهم وتأمرني بها مخزوم وأمد أسباب الردى ويقودني * أمر الغواة وأمرهم مشئوم فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم مضت العداوة وانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم فاغفر فدى لك والداي كلاهما * زللي فانك راحم مرحوم وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم أعطاك بعد محبة برهانه * شرفا وبرهان الإله عظيم ولقد شهدت بأن دينك صادق * حق وأنك في العباد جسيم والله يشهد أن أحمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرا وأروم قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . هبيرة يبقى على كفره وما قاله من الشعر في إسلام زوجته : قال ابن إسحاق : وأما هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأقام بها حتى مات كافراً ، كانت عنده أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها هند ، وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ : أشاقتك هند أم أتاك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها وقد أرقت في رأس حصن ممنع * بنجران يسري بعد ليل خيالها وعاذلة هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضلالها وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأردى وهل يردين إلا زيالها فإني لمن قوم إذا جد جدهم * على أي حال أصبح اليوم حالها وإني لحام من وراء عشيرتي * إذا كان من تحت العوالي مجالها وصارت بأيديها السيوف كأنها * مخاريق ولدان ومنها ظلالها وإني لأقلي الحاسدين وفعلهم * على الله رزقي نفسها وعيالها وإن كلام المرء في غير كنهه * لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها فإن كنت قد تابعت دين محمد * وعطفت الأرحام منك حبالها فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها قال ابن إسحاق : ويروى : وقطعت الأرحام منك حبالها . عدة من فتح مكة : قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف . من بني سليم سبع مائة . ويقول بعضهم : ألف ؛ ومن بني غفار : أربع مائة ، ومن أسلم : أربع مائة ، ومن مزينة : ألف وثلاثة نفر ، وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم ، وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد . شعر حسان في فتح مكة : وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت الأنصاري : عفت ذات الأصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحسحاس قفر * تعفيها الروامس والسماء وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء فدع هذا ، ولكن من لطيف * يؤرقنى إذا ذهب العشاء لشعثاء التي قد تيمته * فليس لقلبه منها شفاء كأن خبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء إذا ما الأشربات ذكرن يوماً * فهن لطيب الراح الفداء نوليها الملامة إن ألمنا * إذا ما كان مغث أو لحاء ونشربها فتتركنا ملوكا * وأسداً ما ينهنهنا اللقاء عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأعنة مصغيات * على أكتافها الأصل الظماء تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء فإما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم * يعين الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء وقال الله قد أرسلت عبداً * يقول الحق إن نفع البلاء شهدت به فقوموا صدقوه * فقلتهم لا نقوم ولا نشاء وقال الله قد سيرت جنداً * هم الأنصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء فنحكم بالقوافي من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء بأن سيوفنا تركتك عبداً * وعبدالدار سادتها الإماء هجوت محمداً وأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء هجوت مباركا براً حنيفاً * أمين الله شيعته الوفاء أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء ؟ فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء لساني صارم لا عيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء قال ابن هشام : قالها حسان يوم الفتح . ويروي : لساني صارم لا عتب فيه . وبلغني عن الزهري أنه قال : لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه . أنس بن زنيم يعتذر مما قاله ابن سالم : قال ابن إسحاق : وقال أنس بن زنيم الديلي يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي : أأنت الذي تهدى معد بأمره * بل الله يهديهم وقال لك اشهد وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفي ذمة من محمد أحث على خير وأسبغ نائلا * إذا راح كالسيف الصقيل المهند وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد تعلم رسول الله أنك مدركي * وأن وعيداً منك كالأخذ باليد تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد تعلم بأن الركب ركب عويمر * هم الكاذبون المخلفو كل موعد ونبوا رسول الله أني هجوته * فلا حملت سوطي إلي إذن يدي سوى أنني قد قلت ويل أم فتية * أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء فعزت عبرتي وتبلدي فإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا * بعبد بن عبدالله وابنة مهود ذويب وكلثوم وسلمى تتابعوا * جميعا فإلا تدمع العين أكمد وسلمى ليس حي كمثله * وأخوته وهل ملوك كأعبد ؟ فإني لا دينا فتقت ولا دما * هرقت تبين عالم الحق واقصد ما قاله بديل في الرد على ابن زنيم : فأجابه بديل بن عبد مناف ابن أم أصرم ، فقال : بكى أنس رزنا فأعوله البكا * فألا عدياً إذ تطل وتبعد بكيت أبا عبس لقرب دمائها * فتعذر إذ لا يوقد الحرب موقد أصابهم يوم الخنادم فتية * كرام فسل ، منهم نضيل ومعبد هنالك إن تسفح دموعك لا تلم * عليهم وإن لم تدمع العين فاكمدوا قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . شعر بجير بن زهير في يوم الفتح : قال ابن إسحاق : وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح : نفى أهل الحبلق كل فج * مزينة غدوة وبنو خفاف ضربناهم بمكة يوم فتح النبي * الخير بالبيض الخفاف صبحناهم بسبع من سليم * وألف من بنى عثمان واف نطا أكتافهم ضربا وطعنا * ورشقا بالمريشة اللطاف ترى بين الصفوف لها حفيفا * كما انصاع الفواق من الرصاف فرحنا والجياد تجول فيهم * بأرماح مقومة الثقاف فأبنا غانمين بما اشتهينا * وآبوا نادمين على الخلاف وأعطينا رسول الله منا * مواثقنا على حسن التصافي وقد سمعوا مقالتنا فهموا * غداة الروع منا بانصراف شعر عباس بن مرداس في فتح مكة : قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في فتح مكة : منا بمكة يوم فتح محمد * ألف تسيل به البطاح مسوم نصروا الرسول وشاهدوا أيامه * وشعارهم يوم اللقاء مقدم في منزل ثبتت به أقدامهم * ضنك كأن الهام فيه الحنتم جرت سنابكها بنجد قبلها * حتى استقاد لها الحجاز الأدهم الله مكنه له وأذله * حكم السيوف لنا وجد مزحم عود الرياسة شامخ عرنينه * متطلع ثغر المكارم خضرم |
إسلام عباس بن مرداس
سبب إسلام ابن مرداس : قال ابن هشام : وكان إسلام عباس بن مرداس ، فيما حدثني بعض أهل العلم بالشعر ، وحديثه أنه كان لأبيه مرداس وثن يعبده ، وهو حجر كان يقال له ضمار ، فلما حضر مرداس قال لعباس : أي بني ، اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك ، فبينا عباس يوماً عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار منادياً يقول : قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتدى أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد فحرق عباس ضمار ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم . شعر جعدة في يوم الفتح : قال ابن هشام : وقال جعدة بن عبدالله الخزاعي يوم فتح مكة : أكعب بن عمرو دعوة غير باطل * لحين له يوم الحديد متاح أتيحت له من أرضه وسمائه * لتقتله ليلا بغير سلاح ونحن الألى سدت غزال خيولنا * ولفتا سددناه وفج طلاح خطرنا وراء المسلمين بجحفل * ذوي عضد من خيلنا ورماح وهذه الأبيات في أبيات له . شعر بجيد في فتح مكة : وقال بجيد بن عمران الخزاعي : وقد أنشأ الله السحاب بنصرنا * ركام صحاب الهيدب المتراكب وهجرتنا في أرضنا عندنا بها * كتاب أتى من خير ممل وكاتب ومن أجلنا حلت بمكة حرمة * لندرك ثأراً بالسيوف القواضب مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد وصاة الرسول له وما كان منه : قال ابن إسحاق : وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فوطئ بني جذيمة ، فأصاب منهم . قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك : فإن تك أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره * نصيب به في الحق من كان أظلما قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب : سليم بن منصور ، ومدلج بن مرة ، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا . قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة : قال : لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم : ويلكم يا بني جذيمة ! إنه خالد والله ! ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبداً . قال : فأخذه رجال من قومه ، فقالوا : يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس . فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد . قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . الرسول يتبرأ من فعل خالد : قال ابن هشام :حدثني بعض أهل العلم ، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه . فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : يا رسول الله ، هذه سرية من سراياك تبعثها ، فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث علياً فيسهله . قال ابن هشام : وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أنكر عليه أحد ؟ فقال : نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة ، فنهمه خالد ، فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب ، فراجعه ، فاشتدت مراجعتهما ، فقال عمر بن الخطاب : أما الأول يا رسول الله فابني عبدالله ، وأما الآخر فسالم ، مولى أبي حذيفة . إرساله صلى الله عليه وسلم علياً بدية بني جذيمة : قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال : يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك . فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، بقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ؟ قالوا : لا ، قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر : فقال : أصبت وأحسنت ! قال : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه ، يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات . معذرة خالد في قتال القوم : قال ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالداً : إنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبدالله بن حذافة السهمي ، وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام . قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : لما أتاهم خالد ، قالوا : صبأنا صبأنا . ما وقع بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد : قال ابن إسحاق : وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة : يا بني جذيمة ، ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه . قد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، كلام في ذلك ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام . فقال : إنما ثأرت بأبيك . فقال عبدالرحمن : كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة ، حتى كان بينهما شر . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته . ما كان بين قريش وبني جذيمة في الجاهلية : وكان الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبدالحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبدالرحمن . فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته ، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه ، وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف ، فانطلقوا به . وقتل عبدالرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة ، فقالت بنو جذيمة : ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب . ما قيل من الشعر فيما كان بين خالد وجذيمة : وقد قال قائل من بني جذيمة ، ويعضهم يقول : امرأة يقال لها سلمى : ولولا مقال القوم للقوم أسلموا * للاقت سليم يوم ذلك ناطحا لما صعهم بسر وأصحاب جحدم * ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا فكائن ترى يوم الغمصياء من فتى * أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا ألظت بخطاب الأيامى وطلقت * غداتئذ منهن من كان ناكحا قال ابن هشام : قوله : بسر ، وألظت بخطاب ، عن غير ابن إسحاق . ما قاله عباس بن مرداس في الرد على ما قيل : قال ابن إسحاق : فأجابه عباس بن مرداس ، ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمي : دعي عنك تقوال الضلال كفى بنا * لكبش الوغى في اليوم والأمس ناطحا فخالد أولى بالتعذر منكم * غداة علا نهجا من الأمر واضحا معانا بأمر الله يزجي إليكم * سوانح لا تكبو له وبوارحا نعوا مالكا بالسهل لما هبطنه * عوابس في كأبي الغبار كوالحا فإن نك أثكلناك سلمى فمالك * تركتم عليه نائحات ونائحا ما قاله الجحاف رداً على ما قيل أيضاً : قال الجحاف بن حكيم السلمي : شهدن مع النبي مسومات * حنينا وهي دامية الكلام وغزوة خالد شهدت وجرت * سنابكهن بالبلد الحرام نعرض للطعان إذا التقينا * وجوها لا تعرض للطام ولست بخالع عني ثيابي * إذا هز الكماة ولا أرامي ولكني يجول المهر تحتي * إلى العلوات بالعضب الحسام خبر ابن أبي حدرد مع بني جذيمة : قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي : فتى من بني جذيمة ، وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه ، يا فتى ؛ فقلت : ما تشاء ؟ قال : هل أنت آخذ بهذه الرمة ، فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ، ثم تردني بعد ، فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟ قال : قلت : والله ليسير ما طلبت . فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن ، فقال : اسمي حبيش على نفد من العيش : أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم يك أهلاً أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : قلت : وأنت فحييت سبعاً وعشراً ، وتراً وثمانياً تترى . قال : ثم انصرفت به فضربت عنقه . قال ابن إسحاق : فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي ، عن أشياخ منهم ، عمن كان حضرها منهم ، قالوا : فقامت إليه حين ضربت عنقه ، فأكبت عليه ، فما زالت حتى ماتت عنده . شعر رجل من بني جذيمة : قال ابن إسحاق : وقال رجل من بني جذيمة : جزى الله عنا مدلجا حيث أصبحت * جزاءة بؤسى حيث سارت وحلت أقاموا على أقضاضنا يقسمونها * وقد نهلت فينا الرماح وعلت فوالله لولا دين آل محمد * لقد هربت منهم خيول فشلت وما ضرهم أن لا يعينوا كتيبة * كرجل جراد أرسلت فاشمعلت فإما ينيبوا أو يثوبوا لأمرهم * فلا نحن نجزيهم بما قد أضلت ما أجابه به وهب الليثي : فأجابه وهب رجل من بني ليث فقال : دعونا إلى الإسلام والحق عامراً * فما ذنبنا في عامر إذ تولت وما ذنبنا في عامر لا أبا لهم * لأن سفهت أحلامهم ثم ضلت شعر رجل من بني جذيمة : وقال رجل من بني جذيمة : ليهنئ بني كعب مقدم خالد * وأصحابه إذ صبحتنا الكتائب فلاترة يسعى بها ابن خويلد * وقد كنت مكفيا لو أنك غائب فلا قومنا ينهون عنا غواتهم * ولا الداء من يوم الغميصاء ذاهب شعر غلام جذمى هارب أمام خالد : وقال غلام من بني جذيمة ، وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد : رخين أذيال المروط واربعن * مشي حييات كأن لم يفزعن إن تمنع اليوم نساء تمنعن * ما ارتجز به غلمة من جذيمة : وقال غلمة من بني جذيمة ، يقال لهم : بنو مساحق ، يرتجزون حين سمعوا بخالد ، فقال أحدهم : قد علمت صفراء بيضاء الإطل * يحوزها ذو ثلة وذو إبل لأغنين اليوم ما أغنى رجل * وقال الآخر : قد علمت صفراء تلبي العرسا * لا تملأ الحيزوم منها نهسا لأضربن اليوم ضربا وعسا * ضرب المجلين مخاضا قعسا وقال الآخر : أقسمت ما إن خادر ذو لبده * شثن البنان في غداة برده جهم المحيا ذو سبال ورده * يرزم بين أيكة وجحده ضار بتأكال الرجال وحده * بأصدق الغداة مني نجده |
مسير خالد بن الوليد لهدم العزى
خالد يهدم العزى ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة ، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول : أيا عز شدي لا شوى لها * على خالد ألقى القناع وشمري يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة . قال ابن إسحاق : وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان . غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح اجتماع هوازن : قال ابن إسحاق : ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم . وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم ، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك ، وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري . فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به . ما أشار به دريد بن الصمة : فلما نزل قال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس ، قال : نعم مجال الخيل ! لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم . قال : أين مالك ؟ قيل : هذا مالك ودعي له ، فقال : يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قال : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال : ولم ذاك ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال : فأنقض به ، ثم قال : راعي ضأن والله ! وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك . قال : والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا : أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني : ياليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع * وكأنها شاة صدع قال ابن هشام : أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله : يا ليتني فيها جذع * الملائكة وعيون مالك بن عوف : قال ابن إسحاق : ثم قال : مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد . قال : وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث : أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال : ويلكم ! ما شأنكم ؟ فقالوا : رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد . بعث عبدالله بن أبي حدرد عيناً على خزاعة : قال ابن إسحاق : ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم . فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر : كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد : إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني . فقال عمر : يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر . استعارة الرسول أدراع صفوان : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك . فقال : يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال : ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل . من أمره عليه السلام على مكة : قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن . قصيدة ابن مرداس : فقال عباس بن مرداس السلمي : أصابت العام رعلاً غول قومهم * وسط البيوت ولون الغول ألوان يا لهف أم كلاب إذ تبيتهم * خيل ابن هوذة لا تنهى وإنسان لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكم * أن ابن عمكم سعد ودهمان لن ترجعوها وإن كانت مجللة * ما دام في النعم المأخوذ ألبان شنعاء جلل من سوآتها حضن * وسال ذو شوغر منها وسلوان ليست بأطيب مما يشتوي حذف * إذ قال :كل شواء العير جوفان وفي هوازن قوم غير أن بهم * داء اليماني فإن لم يغدروا خانوا فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم * ولو نهكناهم بالطعن قد لانوا أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها * مني رسالة نصح فيه تبيان أني أظن رسول الله صابحكم * جيشا له في فضاء الأرض أركان فيهم أخوكم سليم غير تارككم * والمسلمون عباد الله غسان وفي عضادته اليمنى بنو أسد * والأجربان بنو عبس وذبيان تكاد ترجف منه الأرض رهبته * وفي مقدمه أوس وعثمان قال ابن إسحاق : أوس وعثمان : قبيلا مزينة . قال ابن هشام : من قوله : أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها ، إلى آخرها في هذا اليوم ، وما قبل ذلك في غير هذا اليوم ، وهما مفصولتان ، ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة . قصة ذات أنواط : قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي ، أن الحارث بن مالك ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال : فسرنا معه إلى حنين ، قال : وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها : ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها يوماً . قال : فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة ، قال : فتنادينا من جنبات الطريق : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون ) . إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم . ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن : قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد . وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال : أين أيها الناس ؟ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله . قال : فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته . من ثبت معه صلى الله عليه وسلم : وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ . قال ابن هشام :اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة ؛ وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه . أبو سفيان بن حرب وبعض الناس يشمت بالمسلمين : قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته . وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام : كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا بطل السحر اليوم ! فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن . حسان يهجو كلدة : قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة : رأيت سواداً من بعيد فراعني * أبو حنبل ينزو على أم حنبل كأن الذي ينزو به فوق بطنها * ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل أنشدنا أبو زيد هذين البيتين ، وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه . شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم : قال ابن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت : اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال : فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله : لن نغلب اليوم من قلة . قال ابن إسحاق : وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها . النصر للمسلمين : قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال : وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس : أين أيها الناس ؟ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال : يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار : يا معشر أصحاب السمرة ، قال : فأجابوا : لبيك لبيك ! قال : فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت : يا للأنصار . ثم خلصت أخيراً : يا للخزرج . وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه . فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال : الآن حمي الوطيس . قتل علي صاحب راية هوازن : قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال : فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا ابن أمك يا رسول الله . أم سليم في المعركة : قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان : وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أم سليم ؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو يكفي الله يا أم سليم ؟ قال : ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة : ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ؟ قالت : خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال : يقول أبو طلحة : ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء . شعر مالك بن عوف يوم حنين : قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين وجه إلى حنين ، قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ، ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه : أقدم محاج إنه يوم نكر * مثلي على مثلك يحمى ويكر إذا أضيع الصف يوما والدبر * ثم احزألت زمر بعد زمر كتائب يكل فيهن البصر * قد أطعن الطعنة تقذى بالسبر حين يذم المستكين المنجحر * وأطعن النجلاء تعوي وتهر لها من الجوف رشاش منهمر * تفهق تارات وحينا تنفجر وثعلب العامل فيها منكسر * يا زيد يا بن همهم أين تفر قد نفد الضرس وقد طال العمر * قد علم البيض الطويلات الخمر أني في أمثالها غير غمر * إذ تخرج الحاصن من تحت الستر وقال مالك بن عوف أيضاً : أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره * قال ابن هشام : وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم . من قتل قتيلاً فله سلبه : قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال : وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا : قال أبو قتادة : رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان : مسلماً ومشركاً ، قال : وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم . قال : فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى : ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني ، فلولا أن الدم نزفه لقتلني ، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه . فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت : يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب ، فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ؟ فقال رجل من أهل مكة : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ، فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ! اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق اردد عليه سلبه . فقال أبو قتادة : فأخذته منه ، فبعته ، فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً . الملائكة تحضر القتال : قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال : رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم . هزيمة هوازن : قال ابن إسحاق : ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين : قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر : غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات قال ابن إسحاق : فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبدالله ، فقاتل بها حتى قتل . قال ابن إسحاق : وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود ، قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، قال : أبعده الله ! فإنه كان يبغض قريشاً . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس : أنه قتل مع عثمان بن عبدالله غلام له نصراني أغرل ، قال : فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه ، فوجده أغرل . قال : فصاح بأعلى صوته : يا معشر العرب : يعلم الله أن ثقيفا غرل . قال المغيرة بن شعبة : فأخذت بيده ، وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت : لا تقل ذاك ، فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني . قال : ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له : ألا تراهم مختنين كما ترى ! هروب قارب بن الأسود مع قومه يوم حنين : قال ابن إسحاق : وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين : رجل من غيرة ، يقال له : وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له : الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح : قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس . شعر عباس بن مرداس في هجاء قارب وقومه : فقال عباس ابن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت : ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف - إخال - يأتيه الخبير وعروة إنما أهدى جوابا * وقولاً غير قولكما يسير بأن محمداً عبد رسول * لرب لا يضل ولا يجور وجدناه نبياً مثل موسى * فكل فتى يخايره مخير وبئس الأمر أمر بني قسي * بوج إذ تقسمت الأمور أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور فجئنا أسد غابات إليهم * جنود الله ضاحية تسير يؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير وأقسم لو هم مكثوا لسرنا * إليهم بالجنود ولم يغوروا فكنا أسد لية ثم حتى * أبحناها وأسلمت النصور ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور من الأيام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور قتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور ولم يك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو مكير أقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الأمور فأفلتمن نجا منهم جريضاً * وقتل منهم بشر كثير ولا يغني الأمور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور أحانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور بنو عوف تميح بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور ولكن الرياسة عمموها * على يمن أشار به المشير أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير وإن لم يسلموا فهم أذان * بحرب الله ليس لهم نصير كما حكت بني سعد وحرب * برهط بني غزية عنقفير كأن بني معاوية بن بكر * إلى الإسلام ضائنة تخور فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برأت من الإحن الصدور كأن القوم إذ جاءوا إلينا * من البغضاء بعد السلم عور قال ابن هشام : غيلان : غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة : عروة بن مسعود الثقفي . مقتل دريد : قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا . فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له : ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال : ابن لذعة فيما قال ابن هشام : - دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ! فقال له دريد : ماذا تريد بي ؟ قال : أقتلك ، قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال : بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك . فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً . شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها : فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريداً : لعمرك ما خشيت على دريد * ببطن سميرة جيش العناق جزى عنه الإله بني سليم * وعقتهم بما فعلوا عقاق وأسقانا إذا قدنا إليهم * دماء خيارهم عند التلاقي فرب عظيمة دافعت عنهم * وقد بلغت نفوسهم التراقي ورب كريمة أعتقت منهم * وأخرى قد فككت من الوثاق ورب منوه بك من سليم * أجبت وقد دعاك بلا رماق فكان جزاؤنا منهم عقوقا * وهما ماع منه مخ ساقي عفت آثار خيلك بعد أين * بذي بقر إلى فيف النهاق وقالت عمرة بنت دريد أيضاً : قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال ينحدر لولا الذي قهر الأقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف تأتمر إذن لصبحهم غباً وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر قال ابن هشام : ويقال اسم الذي قتل دريداً : عبدالله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة . استشهاد أبي عامر الأشعري : قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه ، فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال : إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه أضرب بالسيف رءوس المسلمه * دعاء الرسول لبني رئاب : وسمادير : أمه . واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال : يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اجبر مصيبتهم . شعر لمالك بن عوف يوم حنين : وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه ، على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم . فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛ فقال مالك بن عوف في ذلك : ولولا كرتان على محاج * لضاق على العضاريط الطريق ولولا كر دهمان بن نصر * لدى النخلات مندفع الشديق لآبت جعفر وبنو هلال * خزايا محقبين على شقوق قال ابن هشام : هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم . ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث : ما فعلت كعب وكلاب ؟ فقالوا له : لم يشهدها منهم أحد . وجعفر بن كلاب . وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات : لآبت جعفر وبنو هلال . |
الساعة الآن 07:30 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |