![]() |
استيلاء المظفر وخلع أبي المعالي
ثم إن المظفر بن علي الحاجب القائم بأمر أبي المعالي طمع في الإستقلال بأمر البطيحة فصنع كتاباً على لسان صمصام الدولة سلطان بغداد بولايته وجاء به ركابي عليه أثر السفر وهو بدست إمارته فقرأه بحضرتهم وتلقاه بالطاعة.وعزل أبا المعالي وأخرجه مع أمه إلى واسط وكان يصلهما بالنفقة.وأحسن السيرة بالناس وانقرض بيت عمران بن شاهين.ثم عهد إلى ابن أخته علي بن نصر ويكنى أبا الحسن وتلقب بالأمير المختار وبعده إلى ابن أخته الأخرى ويكنى أبا الحسن ويسمى علي بن جعفر. وفاة المظفر وولاية مهذب الدولة ثم توفي الحاجب المظفر صاحب البطيحة سنة ست وسبعين لثلاث سنين من ولايته وولي بعده ابن أخيه أبو الحسن علي بن نصر بعهده إليه كما مر.وكتب إلى شرف الدولة سلطان بغداد بالطاعة فقلده ولقبه مهذب الدولة فأحسن السيرة وبذل المعروف وأجار الخائف فقصده الناس وأصبحت البطيحة معقلاً.واتخذها الأكابر وطناً وبنوا فيها الدور والقصور.وكاتب ملوك الأطراف وصاهره بهاء الدولة بابنته وعظم شأنه واستجار به القادر عندما خاف من الطائع وهرب إليه فأجاره ولم يزل عنده بالبطيحة ثلاث سنين إلى أن استدعي منها بعث ابن واصل على البطيحه وعزل مهذب الدولة كان من خبر أبي العباس بن واصل هذا أنه كان ينوب عن رزبوك الحاجب وارتفع معه ثم ااستوحش منه ففارقه وصار إلى شهراز واتصل بخدمة فولاد وتقدم عنده.ثم قبض علي فولاد فعاد إلى الأهواز ثم أصعد إلى بغداد ثم خرج منها وخدم أبا محمد بن مكرم.ثم انتفل إلى خدمة مهذب الدولة بالبطيحة وتقدم عنده ولما استولي السركرستان على البصرة بعثه مهذب الدولة في العساكر لحربه فقتله وغلبه ومضى إلى شيراز فأخذ سفن محمد بن مكرم وأمواله ورجع إلى أسافل دجلة فتغلب عليها وخلع طاعة مهذب الدولة فأرسل إليه مائة سميرية مشحونة بالمقاتلة فغرق بعضها وأخذ ابن واصل الباقي وعاد إلى الأيله فبعث إليه أبا سعيد بن ماكولا فهزمه ثانية واستولي على ما معه وأصعد إلى البطيحة وخرج مهذب الدولة إلى شجاع بن مروان وابنه صدقة فغدروا به وأخذوا أمواله ولحق بواسط.واستولي ابن واصل على البطيحة وعلى أموال مهذب الدولة وجمع ما كان لزوجه أبنة بهاء الدولة.وبعث إلى أبيها وكانت قد لحقت ببغداد.ثم اضطرب عليه أهل البطائح وبعث سبعمائة فارس إلى البلاد المجاورة فقاتلهم أهلها وظفروا بهم وخشي أبن واصل على نفسه فعاد إلى البصرة وترك البطائح فوضى ونزل البصرة في قوة واستفحال.وخشي أهل النواحي عاديته فسار بهاء الدولة من فارس إلى الأهواز ليتلافى أمره واستدعى عميد الجيوش من بغداد وسيره في العسكر إليه فجاء إلى واسط واستكثر من السفن وسار إلى البطائح.وسار إليه ابن واصل من البصرة فهزمه وغنم ثقله وخيامه ورجع ابن واصل مفلولاً.عود مهذب الدولة إلي البطيحة: ولما أنهزم عميد الجيوش أقام بواسط فجمع عساكر لمعاودة ابن واصل.ثم بلغه أن نائب بن واسط بالبطائح قد خرج مجفلاً فبعث إلى بغداد وبعث بالعساكر وهم بالإنتقاض فاستدعى عميد الجيوش مهذب الدولة من بغداد وبعثه بالعساكر في السفن إلى البطيحة سنة خمس وستين فاستولي عليها واجتمع عليه أهل الولايات وأطاعوه وقرر عليها بهاء الدولة خمسين ألف دينار في كل سنة.وشغل عن ابن واصل بتجهيز العساكر إلى خوزستان وطمع في الملك واجتمع عنده كثير من الديلم وأصناف الأجناد.وسار إلى الأهواز وسير بها الدولة عسكراً للقائه فهزموهم ودخله دار الملك وأخذ ما كان فيها.وبعث إلى بهاء الدولة في الصلح فصالحه وزاد في إقطاعه.ثم بعث بهاء الدولة العسكر للقائه وسار إلى الأهواز وزحف إليها ابن واصل ومعه بدر بن حسنويه فبعث بهاء الدولة الوزير بالبطيحة فهزمه الوزير ثانية فمضى مع حسان بن محال الخفاجي الكوفي وملك إلى الكوفة وملك البصرة وسار ابن واصل إلى دجلة قاصداً بدر بن حسنويه فبلغ جامعين فأنزله أصحاب بدر وكان أصحاب أبي الفتح بن عنان قريباً منه فكبسه وجاء به إلى بغداد فبعثه عميد الجيوش إلى بهاء الدولة فقتله سنة ست وتسعين كما مر في أخبار الدولة. وفاة مهذب الدولة وولاية ابن أخته عبد الله بن نسي ثم توفي مهذب الدولة عبد الله بن علي بن نصر في جمادى سنة ثمان وأربعمائة وكان ابن أخته أبو عبد الله محمد بن نسى قائماً بأموره ومرشحاً للولاية مكانه.وقد اجتمع عليه الجند واستحلفهم لنفسه وبلغه قبل وفاة خاله أن ابنه أبا الحسن أحمد داخل بعض الجند في البيعة له بعد أبيه فاستدعاه وحمله إليه الجند فقبض عليه.ودخلت إليه أمه فخبرته الخبر فلم يزد على الأسف له.وتوفي مهذب الدولة من الغد وولي أبو محمد بن نسى مكانه وقتل أبو الحسين ابن خاله لثلاث من وفاة أبيه. وفاة ابن نسي وولاية السراني ثم توفي أبو عبد الله محمد بن نسى لثلاثة أشهر من ولايته واتفق الجند على ولاية أبي محمد الحسين من بكر السراني من خواص مهذب الدولة فولوه عليهم وبذل لسلطان الدولة ملك بغداد مالاً فأقره على ولايته ، ^? وأقام أبو محمد السراني على البطيحة إلى سنة عشر وأربعمائة وبعث سلطان الدولة صدقة بن فارس المازياري فنكبه وملك البطيحة وبقي عنده أسيراً إلى أن توفي صدقة وخلص على ما يذكر. وفاة صدقة وولاية سابور بن المرزبان ثم توفي صدقة بن فارس المازياري في محرم لإثنتي عشرة سنة من ولايته وكان سابور بن المرزبان بن مردان قائد جيشه.وكان أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين قد تنقل بعد موت أبيه في البلاد بمصر وعند بدر بن حسنويه حتى استقر عند الوزير أبي غالب ونفق عنده بما كان لديه من الأدب.عزل سابور وولاية أبي نصر ثم إن أبا نصر بن مردان زاد في المقاطعة ولم يبلغها سابور وتخلى عن الولاية وفارق البطيحة إلى جزيرة بني دبيس واستقر أبو نصر في ولايتها.ثم عادت إلى أبي عبد الله الحسين بن بكر السراني.عصيان أهل البطيحة علي أبي كاليجار وبعث أبو كاليجار سنة ثمان عشرة وزيره أبا محمد بن نابهشاد إلى البطيحة ومقدمها يومئذ أبو عبد الله الحسين ين بكر السراني قعسف بالناس في أموالهم وقسط عليهم مقادير تؤخذ منهم فانجلوا إلى البلاد وعزم الباقون على قتل السراني.ونما الخبر إلى السراني فجاء إليهم واعتذر إليهم وأوعدهم بالمساعدة.وأشار عليه الوزير بإصلاح السفن حتى زحزحها بحيث لا يتمكن منها.ثم وثبوا به فأخرجوه وكان عندهم جماعة من عسكر جلال الدولة محبوسين فأخرجوهم واستعانوا بهم وعادوا إلى الإمتناع الذي كانوا عليه أيام مهذب الدولة فتم لهم ذلك.ثم جاء أبن العبراني فغلب على البطيحة وأخرج منها السراني فلحق بيزيد بن مزيد وأقام بها ابن العبراني سنة ثلاث وثلاثين فزحف إليه أبو نصر بن الهيثم فغلبه عليها ونهبها واستقر في ملكها على ما يؤديه لجلال الدولة. استيلاء أبي كاليجار على البطيحة ولما كانت سنة تسع وثلاثين بعث أبو كاليجار أبا الغنائم أبا السعادات الوزير في عساكر لحصار البطيحة فحاصرها وبها أبو منصور بن الهيثم حتى جنح إلى الصلح واستأمن نفر من أصحابه إلى أبي الغنائم وأخبروه بضعفه وعزمه على الهرب فحفظ عليه الطرق.ولما كان شهر صفر من السنة واقعهم أبو الغنائم فظفر بهم وقتل من أهل البطيحة خلقاً كثيراً وغرقت منهم سفن متعددة وتفرقوا في الآجام وركب ابن الهيثم السفن ناجياً بنفسه وأحرقت ولاية مهذب الدولة بن أبي الخير علي البطيحة ثم كان بعد ذلك لبني أبي الخير ولاية على البطيحة فيما قبل المائة الخامسة و بعدها ولا أدرى ممن هؤلاء بنو أبي الخير إلا أن ابن الأثير قال: كان إسماعيل ولقب المصطنع ومحمد ولقبه المختص هما ابنا أبي الخير ولهما رياسة قومهما.وهلك المختص وقام مكانه ابنه مهذب الدولة.ونازع ابن الهيثم صاحب البطيحة إلى أن غلبه مهذب الدولة أيام كوهرايين الشحنة ببغداد.وكان بنو عمه وعشيرته تحت حكمه.وأقطع السلطان محمد سنة خمس وتسعين وخمسمائة مدينة واسط لصدقة بن مزيد صاحب البطيحة والحلة فضمنها منه مهذب الدولة أحمد بن أبي الخير صاحب البطيحة وفرق أولاده في الأعمال وطالبه صدقة بالأموال وحبسه وضمن حماد ابن عمه واسط.وكان مهذب الدولة يصانع حماد ابن عمه إسماعيل ويداريه وحماد يطمح إلى رياسته فلما هلك كوهرايين نازع حماد مهذب الدولة ابن عمه واجتهد مهذب الدولة في إصلاحه فلم يقدر فجمع النفيس بن مهذب الدولة فهرب حماد إلى صدقة مستجيشاً به فعاد بالجيش وحاربه مهذب الدولة وزاده صدقة المدد فانهزم مهذب الدولة.وهلك أكثر عسكره وقوي طمع حماد.واستمد صدقة فأمده بالعساكر مع مقدم جيشه حميد بن سعيد.وبعث مهذب الدولة لصاحب الجيش بالإقامات والصلات فمال إليه وأصلح ما بينه وبين صدقة.وبعث مهذب الدولة ابنه النفيس إلى صدقة فأصلح بينهم وبين حماد ابن عمهم وكان ذلك أعوام الثلاثين. ولاية نصر بن النفيس والمظفر بن حماد من بعده علي البطيحة ثم كان انتقاض دبيس بن صدقة أيام المسترشد والسلطان محمود وكان البرسقي شحنة ببغداد فانتزع السلطان البطيحة من يد دبيس وأقطعها إلى سحان الخادم مولاه فولي عليها نصر بن النفيس بن مهذب الدولة أحمد بن محمد بن أبي الخير.وأمر السلطان محمود البرسقي بالمسير لقتال دبيس فاحتشد وسار لذلك ومعه نصر بن النفيس صاحب البطيحة وابن عمه المظفر بن حماد بن إسماعيل بن أبي الخير وبينهما من العداوة المتوارثة ما كان بين سلفهما.والتقى البرسقي ودبس وهزمه دبيس وجاءت العساكر منهزمة.وبقي نصر بن النفيس وابن عمه حماد عند ساباط النهر فقتله ولحق بالبطيحة فملكها وبعث إلى دبيس بطاعته وبعث دبيس إلى الخليفة يصانعه بالطاعة على البعد.وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فقبض على منصور بن صدقة أخي دبيس وولده فكحلهما فاستشاط دبيس وساء أثره في البلاد وبعث إلى أحيائه بواسط فمنعهم الأتراك الذين بها فبعث مهلهل بن أبي العسكر مقدم عساكره في جيش وكتب إلى المظفر بن حماد صاحب البطيحة بمعاضدته على قتال وسط فتجهز وأصعد وعاجل مهلهل الحرب قبل وصوله فهزمه أهل واسط وغنموا ما معه وكان في جملتها بخط دبيس وصار معهم وساءت آثار دبيس في البلاد ولم يزل حال البطيحة على ذلك.ثم صار أمرها لبني معروف وأجلاهم الخلفاء عنها. إجلاء بني معروف من البطيحة كان بنو معروف هؤلاء أمراء بالبطيحة في آخر المائة السادسة ولا أدري ممن هم فلما استجمع للخلفاء أمرهم وخرجوا عن استبداد ملوك السلجوقية واقتطعوا الأعمال من أيديهم شيئاً فشيئاً فصار لهم الحلة والكوفة وواسط والبصرة وتكريت وهيت والأنبار والحديثة.وجاءت دولة الناصر وبنو معروف على البطيحة وكبيرهم معلي.قال ابن الأثير: وهم قوم من ربيعة كانت غربي الفرات تحت سورا وما يتصل بها من البطائح وكثرت إذاياتهم وإفسادهم في النواحي.وبلغت الشكوى بهم إلى الديوان فأمر الخليفة الناصر مغذا الشريف متولي بلاد واسط أن يسير إلى قتالهم فاستعد لذلك وجمع من سائر تلك الأعمال فسار إليهم سنة ست عشرة بالعير من بلاد البطيحة وفشا القتل بينهم.ثم انهزم بنو معروف وتفرقوا بين القتل والأسر والغرق واستبيحت أموالهم وانتظمت البطيحة في أعمال الناصر ولم يبق بها ملك ولا دولة. دولة بني حسنويه الخبر عن دولة بني حسنويه من الأكراد القائمين بالدعوة العباسية بالدينور والصامغان ومبدأ أمورهم وتصاريف أحوالهم كان حسنويه بن الحسين الكردي من طائفة الأكراد يعرفون بالريزنكاس وعشير منهم يسمون الدويلتية وكان مالكاً قلعة سرياج وأميراً على البررفكان.وورث الملك عن خاليه ونداد وغانم إبني أحمد بن علي وكان صنفهما من الأكراد يسمون العبابية وغلباً على أطراف الدينور وهمذان ونهاوند والصامغان وبعض نواحي أذربيجان إلى حدود شهرزور فملكاها نحواً من خمسين سنة ولكل واحد منهما ألوف من العساكر وتوفي وندور بن أحمد سنة تسع وأربعين وقام مقامه ابنه أبو الغنائم عبد الوهاب إلى أن أسره الشاذجان من طوائف الأكراد وسلموه إلى حسنويه فأخذ قلاعه وأملاكه.وتوفي غانم سنة خمسين وثلثمائة فقام ابنه أبو سالم دسيم مكانه بقلعة فتنان إلى أن أزاله أبو الفتح بن العميد واستصفى قلاعه المسماة بستان وغانم أفاق وغيرهما.وكان حسنويه حسن السيرة ضابطاً لأمره وبني قلعة سرماج بالصخور المهندسة وبني بالدينور جامعاً كذلك وكان كثير الصدقة للحرمين.ولما ملك بنو بويه البلاد واختص ركن الدولة بالري وما يليه كان شيعة ومدداً على عدوه فكان يرعى ذلك ويغضي عن أموره إلى أن وقعت بين ابن مسافر من قواد الديلم وكبارهم وقعة هزمه فيها حسنويه وتحصن بمكان فحاصره فيه وأضرمه عليه ناراً فكاد يهلك.ثم استأمن له فغدر به وامتعض لذلك ركن الدولة وأدركته نعرة العصبية وبعث وزيره أبا الفضل بن العميد في العساكر سنة تسع وخمسين فنزل همذان وضيق على حسنويه ثم مات أبو الفضل فصالحه ابنه أبو الفتح على مال ورجع عنه . |
وفاة حسنويه وولاية ابنه بدر
ثم توفي حسنويه سنة تسع وستين وافترق ولده على عضد الدولة لقتال أخويه محمد وفخر الدولة.وكانوا جماعة أبو العلاء وعبد الرزاق وأبو النجم بدر وعاصم وأبو عدنان وبختيار وعبد الملك.وكان بختيار بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر فكاتب عضد الدولة ورغب في طاعته ثم رغب عنه فسير إليه عضد الدولة جيشاً وملك قلعته وغيرها من قلاعهم.ولما سار عضد الدولة لقتال أخيه فخر الدولة وملك همذان والري وأضافهما إلى أخيه مؤيد الدولة ولحق فخر الدولة بقابوس بن وشمكير عرج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكرس فافتتح نهاوند والدينور وسرماج وأخذ ما فيها من ذخائره وكانت جليلة المقدار.وملك معها عمة من قلاع حسنويه ووفد عليه أولاد حسنويه فقبض على عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان واصطنع من بينهم أبا النجم بمر بن حسنويه وخلع عليه وولاه على الأكراد وقواه بالرجال فضبط ملك النواحي وكف عادية الأكراد بها.واستقام أمره فحسد أخواه وأظهر عاصم وعبد الملك منهم العصيان وجمعا الأكراد المخالفين.وبعث عضد الدولة العساكر فأوقعوا بعاصم وهزموه وجاؤوا به أسيراً إلى همذان ولم يوقف له بعد ذلك على خبر وذلك سنة سبعين.وقتل جميع أولاد حسنويه وأقر بدراً على عمله. حروب بدر بن حسنويه وعساكر مشرف الدولة ولما توفي عضد الدولة وملك ابنه صمصام الدولة ثار عليه أخوه مشرف الدولة بفارس ثم ملك بغداد وكان فخر الدولة بن ركن الدولة قد عاد من خراسان إلى مملكة أصفهان والري بعد وفاة أخيه مؤيد الدولة وأوقع بينه وبين مشرف الدولة فكان مشرف الدولة يحقد عليه.فلما استقر ببغداد وانتزعها من يد صمصام الدولة وكان قائده قراتكين الجهشاري مدلاً عليه متحكماً في دولته وكان ذلك يثقل على مشرف الدولة جهزه في العساكر لقتال بدر بن حسنويه يروم إحدى الراحتين فسار إلى بدر سنة سبع وسبعين ولقيه على وادي قرميسين.وانهزم بدر حتى توارى ولم يتلقوه ونزلوا في خيامه ثم كر بدر فأعجلهم عن الركوب وفتك فيهم واحتوى على ما معهم.ونجا قراتكين في فل إلى جسر النهروان فلحق به المنهزمون ودخل بغداد ، ^? واستولي بدر على أعمال الجبل وقويت شوكته واستفحل أمر.ولم يزل ظاهراً عزيزاً وقلد من ديوان الخلافة سنة ثمان وثمانين أيام السلطان بهاء الدولة ولقب ناصر الدولة.وكان كثير الصدقات بالحرمين وكثير الطعام للعرب بالحجاز لخفارة الحاج وكف أصحابه من الأكراد عن إفساد السابلة فعظم محله وصار ذكره. مسير ابن حسنويه لحصار بغداد مع أبي جعفر بن هرمز كان أبو جعفر الحجاج بن هرمز نائباً بالعراق عن بهاء الدولة ثم عزل فدال منه بأبي علي بن أبي جعفر أستاذ هرمز وتلقب عميد الجيوش فأقام أبو جعفر بنواحي الكوفة وقاتل عميد الجيوش فهزمه العميد.ثم جرت بينهما حروب سنة ثلاث وستين وأقاما على الفتنة والإستنجاد بالعرب من بني عقيل وخفاجة وبني أسد وبهاء الدولة مشتغل بحرب ابن واصل في البصرة.واتصل ذلك إلى سنة سبع وتسعين.وكان ابن واصل قد قصد صاحب طريق خراسان وهو قلج ونزل عليه واجتمعا على فتنة عميد الجيوش.وتوفي هذه السنة فولي عميد الجيوش مكانه أبا الفتح محمد بن قلج عنان عدو بدر بن حسنويه.وفحل الأكراد المسامي لبحر في الشؤون وهو من الشادنجان من طوائف الأكراد وكانت حلوان له فغضب لذلك بمر ومال إلى أبي جعفر وجمع له الجموع من الأكراد مثل الأمير هندي بن سعدي وأبي عيسى سادي بن محمد ورام بن محمد وغيرهم.واجتمع له معهم علي بن مزيد الأسدي.وزحفوا جميعاً إلى بغداد ونزلوا على فرسخ منها.ولحق أبو الفتح بن عنان بعميد الجيوش وأقام معه ببغداد حامياً ومدافعاً إلى أن وصل الخبر بهزيمة ابن واصل وظهور بهاء الدولة عليه فأجفلوا عن بغداد وسار أبو جعفر إلى حلوان ومعه أبو عيسى وراسل بهاء الدولة.ثم سار ابن حسنويه إلى ولاية رافع بن معن من بني عقيل يجتمع مع بني المسيب في المقلد وعاث فيها لأنه كان آوى أبا الفتح بن عنان حين أخرجه بدر من حلوان وقرميسين واستولي عليها فأرسل بدر جيشاً إلى أعمال رافع بالجناب ونهبوها وأحرقوها.وسار أبو الفتح بن عنان إلى عميد الجيوش ببغداد فوعده النصر حتى إذا فرغ بهاء الدولة من شأن ابن واصل وقتله أمر عميد الجيوش بالمسير إلى بدر بن حسنويه لإعانته على بغداد وإمداده ابن واصل فسار لذلك ونزل جنديسابور وبعث إليه بدر في الصلح على أن يعطيه ما أنفق على العساكر فحمل إليه ورجع عنه.انتقاض هلال بن بدر بن حسنويه على أبيه وحروبهما كانت أم هلال هذا من الشادنجان رهط أبي الفتح بن عنان وأبي الشوك بن ملهل واعتزلها أبوه لأول ولادته فنشأ مبعداً عن أبيه واصطفى بدر ابنه الآخر أبا عيسى وأقطع هلالاً الصامغان فأساء مجاورة ابن المضاضي صاحب شهرزور وكان صديقًا لبدر فنهاه عن ذلك فلم ينته.وبعث ابن المضاضي يتهدده فبعث إليه أبوه بالوعيد فجمع وقصد ابن المضاضي وحاصره في قلعة شهرزور حتى فتحها.وقتل ابن المضاضي واستباح بيته.فاتسع الخرق بينه وبين أبيه واستمال أصحاب أبيه بدر وكان بدر نسيكاً فاجتمعوا إلى هلال وزحف لحرب أبيه والتقيا على الدينور.وانهزم بدر وحمل أسيراً إلى ابنه هلال فرده في قلعته للعبادة وأعطاه كفايته بعد أن ملك الحصن الذي تملكه بما فيه.لما إستقر بدر بالقلعة حصنها وأرسل إلى أبي الفتح بن عنان وإلى أبي عيسى سادي بن محمد بأستراباذ وأغراهما بأعمال هلال فسار أبو الفتح إلى قرميسين وملكها.وأساء الديلم فاتبعه هلال إليها ووضع السيف في الديلم.وأمكنه ابن رافع من أبي عيسى فعفا عنه وأخذه معه وأرسل بدر من قلعته يستنجد بهاء الدولة فبعث إليه الوزير فخر الملك في العساكر وانتهى إلى سابور خواست.واستشار هلال أبا عيسى بن سادي فأشار عليه بطاعة بهاء الدولة وإلا فالمطاولة وعدم العجلة باللقاء فاتهمه وسار العسكر ليلاً فكبسه.وركب فخر الملك في العساكر وثبت فبعث إليه هلال بأني إنما جئت للطاعة.ولما عاين بدر رسوله طرده وأخبر الوزير أنها خديعة فسر بذلك وانتفت عنه الظنة ببدر.وأمر العساكر بالزحف فلم يكن بأسرع من مجيء هلال أسيراً فطلب منه تسليم القلعة لبدر فأجاب على أن لا يمكن أبوه منه واستأمنت أمه ومن معها بالقلعة فأمنهم الوزير وملك القلعة وأخذ ما فيها من الأموال يقال أربعون ألف بمرة دنانير وأربعمائة ألف بدرة دراهم سوى الجواهر والثياب والسلاح وسلم الوزير فخر الملك القلعة لبدر وعاد إلى بغداد. |
استيلاء ظاهر بن هلال على شهرزور
كان بدر بن حسنويه قد نزل عن شهرزور لعميد الجيوش ببغداد وأنزل بها نوبة فلما كانت سنة أربع وأربعمائة وكان هلال بن بدر معتقلاً سار ابنه ظاهر إلى شهرزور وقاتل عساكر فخر الملك منتصف السنة وملكها من أيديهم وأرسل إليه الوزير يعاتبه ويأمره بإطلاق من أسر من أصحابه ففعل وبقيت شهرزور بيده.مقتل بدر بن حسنويه وابنه هلال ثم سار بدر بن حسنويه أمير الجيل إلى الحسن بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده وحاصره بحصن كوسجة وأطال حصاره فغدر أصحاب بدر وأجمعوا قتله.وتولي ذلك الجورقان من طوائف الأكراد فقتلوه وأجفلوا فدخلوا في طاعة شمس الدولة بن فخم الدولة صاحب همذان.وتولي الحسين بن مسعود تكفين بدر ومواراته في مشهد علي.ولما بلغ ظاهر بن هلال مقتل جده وكان هارباً منه بنواحي شهرزور وجاء لطلب ملكه فقاتله شمس الدولة فهزمه وأسره وحبسه بهمذان واستولي على بلاده.وصار الكرية والشادنجان من الأكراد في طاعة أبي الشوك.وكان أبوه هلال بن بدر محبوساً عند سلطان الدولة ببغداد فأطلقه وجهز معه العساكر ليستعيد بلاده من شمس الدولة فسار ولقيه شمس الدولة فهزمه وأسره وقتله ورجعت العساكر منهزمة إلى بغداد.وكان في ملك بدر سابور خواست والدينور وبروجرد ونهاوند وأستراباذ وقطعة من أعمال الأهواز وما بين ذلك من القلاع والولايات.وكان عادلاً كثير المعروف عظيم الهمة.ولما هلك هو وابنه هلال بقي حافده ظاهر محبوساً عند شمس الدولة بهمذان. مقتل ظاهر بن هلال واستيلاء أبي الشوك على بلادهم ورياستهم كان أبو الفتح محمد بن عنان أمير الشادنجان من الأكراد وكانت بيده حلوان وأقام عليها أميراً وعلى قومه عشرين سنة.وكان يزاحم بدر بن حسنويه وبنيه في الولايات والأعمال بالجيل.وهلك سنة إحدى وأربعمائة وقام مكانه ابنه أبو الشوك وطلبته العساكر من بغداد فقاتلهم وهزموه فامتنع بحلوان إلى أن أصلح حاله مع الوزير فخر الملك لما قدم العراق بعد عميد الجيوش من قبل بهاء الدولة.ثم إن شمس الدولة بن فخر الدولة ابن بويه أطلق ظاهر بن هلال بن بدر من محبسه بعد أن استخلفه على الطاعة وولاه على قومه وعلى بلاده بالجبل وأبو الشوك صاحب حلوان والسهل وبينهما المنافسة القديمة فجمع ظاهر وحارب أبا الشوك فهزمه.وقتل سعدي بن محمد أخاه ثم جمع ثانية فانهزم أبو الشوك أيضاً وامتنع بحلوان وملك ظاهر عامة البسيط وأقام بالنهروان.ثم تصالحا وتزوج ظاهر أخت أبي الشوك فلما أمنه ظاهر وثب عليه أبو الشوك فقتله بثأر أخيه سعدي ودفنه أصحابه بمقابر بغداد وملك سائر الأعمال ونزل الدينور.ولما استولي علاء الدولة بن كاكويه على همذان سنة أربع عشرة عندما هزم عساكر شمس الدولة بن بويه واستبد عليه سار إلى الدينور فملكها من يد أبي الشوك ثم إلى سابور خواست وسائر تلك الأعمال.وسار في طلب أبي الشوك فأرسل إليه مشرف الدولة سلطان بغداد وشفع فيه فعاد عنه علاء الدولة.ولما زحف الغز إلى بلاد للري سنة عشرين وأربعمائة وملكوا همذان وعاثوا في نواحيها إلى أستراباذ وقرى الدينور خرج إليهم أبو الفتح بن أبي الشوك وقاتلهم فهزمهم وأسر منهم جماعة.ثم عقد الصلح معهم على إطلاق أسراهم ورجعوا عنه.ثم استولي أبو الشوك سنة ثلاثين على قرميسين من أعمال الجبل وقبض على صاحبها من الأكراد الترهية وسار أخوه إلى قلعة أرمينية فاعتصم بها من أبي الشوك وكانت لهم مدينة خولنجان فبعث إليها عسكرًا فلم يظفروا وعاثوا عنها.ثم جهز آخر وبعثهم ليومهم يسابقون جندهم ومروا بأرمينية فنهبوا ربضها وقاتلوا من ظفروا به وانتهوا إلى خولنجان فكبسوها على حين غفلة.واستأمن إليهم أهلها وتحصن الحامية بقلعة وسط البلد فحاصروها وملكوها عليهم في ذي القعدة من السنة. الفتنة بين أبي الفتح بن أبي الشوك وعمه مهلهل كان أبو الفتح بن أبي الشوك نائباً عن أبيه بالدينور واستفحل بها وملك قلاعاً عدة وحمى أعماله من الغز فأعجب بنفسه ورأى التفوق على أبيه.وسار في شعبان سنة إحدى وثلاثين إلى قلعة بكورا من قلاع الأكراد وصاحبها غائب وبها زوجته فراسلت مهلهلاً لتسلم له القلعة نكاية لأبي الفتح وكانت حلة مهلهل في نواحي الصامغان فانتظر حتى عاد أبو الفتح عن القلعة.وجمر العساكر لحصارها.وسار إليها أبو الفتح فوري له عن قصده ورجع فأتبعه أبو الفتح فقاتله عمه مهلهل ثم ظفر به وأسره وحبسه.وجمع أبو الشوك وقصد شهرزور وحاصرها.ثم قصد بلاد مهلهل وطال الأمر ولج مهلهل في شأنه وأغرى علاء الدولة بن كاكويه ببلد أبي الفتح فملك عليه الدينور وقرميسين سنة إثنتين وثلاثين.ثم سار أبو الشوك إلى دقوقا وقدم إليها ابنه سعدي فحاصرها وجاء على أثره فنقبوا سورها وملكها عنوة ونهب بعض البلد وأخذت أسلحة الأكراد وثيابهم وأقام أبو الشوك بها ليلة.ثم بلغه أن أخاه سرخاب بن محمد قد أغار على مواضع من ولايته فخاف على البندنجين.ورجع وبعث إلى جلال الدولة سلطان بغداد يستنجده فبعث إلى العساكر وأقاموا عنده وسار مهلهل إلى علاء الدولة بن كاكويه يستصرخه على أخيه أبي الشوك على الإعتصام بقلعة السيروان.ثم بعث إلى علاء الدولة يعرض له بالرجوع إلى جلال الدولة صاحب بغداد فصالحه على أن يكون الدينور لعلاء الدولة ورجع عنه.ثم سار أبو الشوك إلى شهرزور فحاصرها وعاث في سوادها وحصر قلعة بيزاز شاه فدافعه أبو القاسم بن عياض عنها ووعده بخلاص ابنه أبي الفتح من أخيه مهلهل فسار من شهرزور إلى نواحي سند من أعمال أبي الشوك.ولما بعث إليه ابن عياض بالصلح مع أخيه أبي الشوك إمتنع فسار أبو الشوك من حلوان إلى الصامغان.ونهب ولاية مهلهل كلها.وأجفل مهلهل بين يديه.ثم تردد الناس بينهما في الصلح وعاد عنه أبو الشوك. |
استيلاء نيال أخي طغرلبك على ولاية أبي الشوك
ثم سار إبراهيم نيال بأمر أخيه طغرلبك من كرمان إلى همذان فملكها ولحق كرساشف بن علاء الدولة بالأكراد الجورقان وكان أبو الشوك حينئذ بالدينور ففارقها إلى قرميسين وملكها نيال.وسار في أتباعه إلى قرميسين ففارقها إلى حلوان وترك كل من في عسكره من الديلم والأكراد الشادنجان.وسار إليها نيال وملكها عليهم عنوة واستباحها وفتك في العسكر ولحق فلهم بأبي الشوك في حلوان فقدم أهله وذخيرته إلى قلعة السيروان وأقام.ثم سار نيال إلى الصيمرة فملكها ونهبها وأوقع بالأكراد المجاورين لها في الجورقان فانهزموا.وكان عندهم كرساشف بن علاء الدولة فلحق.ببلد شهاب الدولة وشرد أهلها في البلاد ووصل إليها نيال آخر شعبان فملكها وأحرقها وأحرق دار أبي الشوك وسارت طائفة من الغز في أثر جماعة منهم فأدركوهم بخانقين فغنموا ما معهم وانتشر الغز في تلك النواحي.وتراسل أبو الشوك وأخوه مهلهل.وكان ابنه أبو الفتح قد مات في سجن مهلهل فبعث مهلهل ابنه وحلف له أنه لم يقتله وإن ثبت فاقتل أبا الغنائم بثأره فقبل ورضي واصطلحا على دفاع نيال عن أنفسهما.وكان أبو الشوك قد أخذ ممتلكات سرخاب أخيه ما عدا قلعة دوربلونة وتقاطعا لذلك فسار سرخاب إلى البندنجين وبها سعدي بن أبي الشوك ففارقها سعدي إلى أبلة ونهبها سرخاب. وفاة أبي الشوك وقيام أخيه مهلهل مقامه ثم توفي أبو الشوك فارس بن محمد سنة سبع وثلاثين بقلعة السيروان من حلوان وقام مقامه أخوه مهلهل واجتمع إليه الأكراد ماثلين إليه عن ابن أخيه سعدي بن أبي الشوك فلحق سعدي بنيال أخي طغرلبك يستدعيه لملك البلاد.ولما استولي مهلهل بعد موت أخيه أبي الشوك وكان نيال عندما غدا من حلوان ولي على قرميسين بدر بن ظاهر بن هلال بن بدر بن حسنويه فسار إليها مهلهل سنة ثمان وثلاثين فهرب بدر عنها وملكها.وبعث ابنه محمداً إلى الدينور وبها عساكر نيال فهزمهم وملكها. استيلاء سعدي بن أبي الشوك على أعمالهم بدعوة السلجوقية ولما ملك مهلهل بعد أخيه أبي الشوك تزوج بأم سعدي وأهله وأساء معاملة الأكراد الشادنجان فراسل سعدي نيال وسار إليه بالشادنجان فبعث معهم عسكراً من الغز سنة تسع وثلاثين فملك حلوان وخطب فيها لإبراهيم نيال.ورجع إلى مابدشت فخالفه عمه مهلهل إلى حلوان فملكها وقطع منها خطبة نيال فعاد سعدي إلى عمه سرخاب فكبسه ونهب حلله.وسير إلى البندنجين جمعاً فقبضوا على نائب سرخاب ونهبوها.وصعد سرخاب إلى قلعة دوربلونة وعاد سعدي إلى قرميسين وبعث مهلهل ابنه بدراً إلى حلوان فملكها فجمع سعدي وأكثر من الغز.وسار فملك حلوان وتقدم إلى عمه مهلهل فلحق بتيرازشاه من قلاع شهرزور واستباح الغز سائر تلك النواحي وحاصر سعدي تيرازشاه ومعه أحمد بن ظاهر قائد نيال ونهب الغز حلوان.وأراد مهلهل أن يسير إلى ابن أخيه فتكاسلوا ثم قطع سعدي البندنجين لأبي الفتح نجن دارم على أن يحاصر معه عمه سرخاب بقلعة دوربلونة فساروا إليها وكانت ضيقة المسلك فدخلوا المضيق فلم يخلصوا وأسر سعدي وأبو الفتح وغيرهما من الأعيان ورجع الغز عن تلك النواحي بعد أن كانوا ملكوها.نكبة سرخاب واستيلاء نيال على أعمالهم كلها ثم إن سرخاب لما قبض سعدي ابن أخيه أبي الشوك غاضبه ابنه أبو العسكر وإعتزله وكان سرخاب قد أساء السيرة في الأكراد فاجتمعوا وقبضوا عليه وحملوه إلى نيال فاقتلع عينه وطالبه بإطلاق سعدي بن أبي الشوك فأطلقه أبو العسكر ابنه واستحلفه على السعي في خلاص أبيه سرخاب فانطلق سعدي واجتمع عليه كثير من الأكراد.وسار إلى نيال فاستوحش منه وسار إلى الدسكرة وكاتب أبا كاليجار بالطاعة.ثم سار إبراهيم نيال إلى قلعة كلجان وامتنعت عليهم.ثم حاصروا قلعة دوربلونة فتقدمت طائفة إلى البندنجين فنهبوها.وسار إبراهيم فيها بالنهب والقتل والعقوبة في المصادرة حتى يموتوا.وتقدمت طائفة إلى الفتح فهرب وترك حلله فعرجوا عليها واتبعوه فقاتلهم وظفر بهم وبعث مستنجداً فلم ينجدوه فعبر وأمر بنزول حلله إلى جانب الغز.وكان سعدي بن أبي الشوك نازلاً على فرسخين من باجس فكبسه الغز فهرب وترك.حلله وغنمها الغز ونهبوا تلك الأعمال والدسكرة والهارونية وقصر سابور.وتقسم أهلها بين القتل والغرق والهلاك بالبرد.ووصل سعدي إلى دبال ولحق منها بأبي الأغردبيس بن مزيد فأقام عنده.وحاصر نيال قلعة السيروان وضيق عليها وضربت سراياه في البلاد وانتهت إلى قرب تكريت.ثم استأمن أهل قلعة السيروان إلى نيال فملكها وأخذ منها ذخيرة سعدي وولي عليها من أصحابه ثم مات صاحب قلعة السيروان وبعث وزيره إلى شهرزور فملكها وهرب مهلهل وأبعد في الهرب وحاصر عسكر نيال قلعة هواز شاه.ثم راسل مهلهل أهل شهرزور بالتوثب بالغز الذين عندهم فقتلوهم ورجع قائد نيال ففتك فيهم.ثم سار الغز المقيمون بالبندنجين إلى نهر سليلي وقاتلوا أبا دلف القاسم بن محمد الجاواني فهزمهم وظفر بهم وغنم ما معهم.وسار في ذي الحجة جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم فعاثوا فيها فأخذ عليهم المضيق فأوقع بهم واسترد ما غنموه.ولم يزل أحمد بن ظاهر قائد نيال محاصراً قلعة تيرازشاه في شهرزور إلى أن دخلت سنة أربعين ووقع الموتان في عسكره.واستمد نيال فلم يمده فرحل عنها إلى مايدشير.وبلغ ذلك مهلهلاً فبعث أحد أولاده إلى شهرزور فملكها وأجفل الغز من السيروان.وسارت عساكر بغداد إلى حلوان وحاصروا قلعتها ولم يظفروا فنهبوا مخلف الغز وخربوا الأعمال وسار مهلهل إلى بغداد فأنزل أهله وأمواله بها وأنزل حلله على ستة فراسخ منها فسار عسكر من بغداد إلى البندنجين وقاتلوا الغز الذين بها فهزمهم الغز وقتلوهم جميعاً.بقية أخبار مهلهل وابن أبي الشوك وانقراض أمرهم ثم سار مهلهل أخو أبي الشوك إلى السلطان طغرلبك سنة ثلاث وأربعين فأحسن إليه وأقره على إقطاعه السيروان ودقوقا وشهرزور والصامغان وسعى في أخيه سرخاب وكان محبوساً عنده فأطلقه وسوغه قلعة الماهكي وكانت له فسار إليها وأقطع سعدي بن أبي الشوك الرادندبين.ثم بعثه سنة ست وأربعين في عسكر من الغز إلى نواحي العراق فنزل بمابدشت وسار منها إلى أبي دلف الجاواني فهرب بين يديه وأدركه فنهب أمواله وفلت بنفسه.وكان خالد ابن عمه مع الوزير ومطر ابني علي بن معن العقيلي فوفد أولادهم على سعدي يشكون مهلهلاً فوعدهم النصر ورجعهم من عنده فاعترضهم أصحاب مهلهل فأسرهم بنو عقيل ففداهم مهلهل وأوقع بهم على تل عكبرا ونهبهم فساروا إلى سعدي وهو بسامراء.واتبع عمه مهلهلاً وظفر به وأسره وأسر مالكاً ابنه ورد غنائم بني عقيل ورجع إلى حلوان.واضطربت بغداد واجتمعت عساكر الملك الرحيم ومعهم أبو الأغردبيس بن مزيد يسعى عند سعدي في أبيه.وكان ابن سعدي عند السلطان طغرلبك رهينة فرده على أبيه عوضاً عن مهلهل وأمره بإطلاق مهلهل فامتعض لذلك سعدي وعصى على طغرلبك.وسار إلى حلوان فامتنعت عليه وأقام يتردد بين رشقباد والبردان.وأظهر مخالفة طغرلبك ورجع إلى طاعة الملك الرحيم فبعث طغرلبك العساكر بدران بن مهلهل إلى شهرزور ووجد إبراهيم بن إسحق من قواده فأوقعوا به ومضى إلى قلعة رشقباد.وسار بدر بن مهلهل إلى شهرزور ورجع إبراهيم بن إسحق إلى حلوان فأقام بها.ثم نهض سنة ست وأربعين إلى الدسكرة فنهبها واستباحها وسار إلى رشقباد وهي قلعة سعدي وفيها ذخيرته وفي القلعة البردان فامتنعت عليه فخرب أعمالها ووهن الديلم في كل ناحية.وبعث طغرلبك أبا علي بن أبي كاليجار صاحب البصرة في عسكر من الغز إلى الأهواز فملكها ونهبها الغز ولقي الناس منهم عيثاً بالنهب والمصادرة.وأحاطت دعوة طغرلبك ببغداد من كل ناحية.وانقرض الأكراد من أعمالهم واندرجوا في جملة السلطان طغرلبك.وتلك الأيام نداولها بين الناس والله يؤتي ملكه من يشاء والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا راد لأمره.بسم الله الرحمن الرحيم الخبر عن الدولة السلجوقية من الترك المستولين على ممالك الإسلام ودوله بالمشرق كلها إلى حدود مصر مستبدين على الخليفة ببغداد من خلافة القائم إلى هذا الزمان وما كان لهم من الملك والسلطان في أقطار العالم وكيف فعلوا بالعلماء وحجروهم وما تفرع عن دولتهم من الدول قد تقدم لنا ذكر أنساب الأمم والكلام في أنساب الترك وأنهم من ولد كومر بن يافث أحد السبعة المذكورين من بني يافث في التوراة وهم ماواق وماذاي وماغوغ وقطوبال وماشخ وطيراش.وعد ابن إسحاق منهم ستة ولم يذكر ماذاي.وفي التوراة أيضاً أن ولد كومر ثلاثة توغرما واشكان وريعات.ووقع في الإسرائيليات أن الإفرنج من ريعات والصقالبة من اشكان والخزر من توغرما.والصحيح عند نسابة الإسرائيلين أن الخزر هم التركمان.وشعوب الترك كلهم من ولد كومر ولم يذكر من أي ولده الثلاثة والظاهر أنهم من توغرما.وزعم بعض النسابة أنهم من طيراش بن يافث.ونسبهم ابن سعيد إلى ترك بن غامور بن سويل والظاهر أنه غلط.وأن غامور تصحيف كما مر.وأما سويل فلم يذكر أحد أنه من بني يافث وقد مر ذكر ذلك كله.والترك أجناس كثيرة وشعوب فمنهم الروس والإعلان ويقال إبلان والخفشاخ وهم القفجق والهياطلة والخلج والغز الذين منهم السلجوقية والخطا وكانوا بأرض طمغاج.ويمك والقور وتزكس واركس والططر ويقال الطغرغر وأنكر وهم مجاورون للروم.واعلم أن هؤلاء الترك أعظم أمم العالم وليس في أجناس البشر أكثر منهم ومن العرب في جنوب المعمور وهؤلاء في شماله قد ملكوا عامة الأقاليم الثلاثة من الخامس والسادس والسابع في نصف طوله مما يلي المشرق.فأول مواطنهم من الشرق على البدر بلاد الصين وما فوقها جنوباً إلى الهنك وما تحتها شمالاً إلى سد يأجوج ومأجوج.وقد قيل إنهم من شعوب الترك وآخر مواطنهم من جهة الغرب بلاد الصقالبة المجاورين للإفرنج مما يلي رومة إلى خليج القسطنطينية.وأول مواطنهم من جهة الجنوب بلاد القور المجاورة للنهر ثم خراسان وأذربيجان وخليج القسطنطينية وآخرها من الشمال بلاد فرغانة والشاش وما وراءها من البلاد الشمالية المجهولة لبعدها.وما بين هذه الحدود من بلاد غزنة ونهر جيحون وما بخفافيه من البلاد وخوارزم ومفاوز الصين.وبلاد القفجق والروس حفافي خليج القسطنطينية من جهة الشمال الغربي قد اغتمر لهذه البسائط.منهم أمم لا يحصيهم إلا خالقهم رحالة متنقلون فيها مستنجعين مساقط الغيث في نواحيه يسكنون الخيام المتخذة من اللبود لشدة البرد في بلادهم فقروا عليها.ومر بديار بكر وخرج إليه صاحبها نصر بن مروان وحمل مائة ألف دينار لنفقته فلما سمع أنه قبضها من الرعايا ردها عليه ثم مر بناهرو وأمنها وأطاف على السور وجعل يمسحه بيده ويمر بها على خدوده تبركاً بثغر المسلمين ثم مر بالرها وحاصرها فامتنعت عليه.ثم سار إلى حلب فبعث إليه صاحبها محمود ريغول القائد الذي عنده يخبر بطاعته وخطبته ويستعفيه من الخروج إليه منكراً منه الأذى وبحي على خير العمل فقال لا بد من خروجه. واشتد الحصار فخرج محمود ليلاً مع أمه بنت وثاي الهنى متطارحاً على السلطان فأكرم مقدمها وخلع عليه وأعاده إلى بلده. |
غزاة السلطان ألب أرسلان إلى خلاط وأسر ملك الروم
كان ملك الروم بالقسطنطينية لهذا العهد اسمه أرمانوس وكان كثيراً ما يخيف ثغور المسلمين.وتوجه في سنة اثنتين وستين في عساكر كثيرة إلى الشام ونزل على مدينة منبج واستباحها.وجمع له محمود بن صالح بن مرداس الكلابي وابن حسان الطائي قومهما ومن إليهم من العرب فهزمتهم الروم.ثم رجع أرمانوس إلى القسطنطينية واحتشد الروم والفرنج والروس والكرج ومن يليهم من العرب والطوائف وخرج إلى بلاد كرد من أعمال خلاط.وكان السلطان ألب أرسلان بمدينة حوف من أذربيجان منقلباً من حلب فبعث بأهله وأثقاله إلى همذان مع وزيره نظام الملك وسار هو في خمسة عشر ألف مقاتل وتوخه نحوهم متهيأ.ولقيت مقدمته الروس فهزموهم وجاءوا بملكهم أسيراً إلى السلطان فجدعه وبعث أسلابهم إلى نظام الملك.ثم توجه إلى سمرقند ففارقها ألتكير وأرسل في الصلح ويعتذر عن تومق فصالحه ملك شاه وأقطع بلخ وطخارستان لأخيه شهاب الدين مكين إلى خراسان ثم إلى الري.فتنة قاروت بك صاحب كرمان ومقتله كان بكرمان قاروت بك أخو السلطان ألب أرسلان أميراً عليها فلما بلغه وفاة أخيه سار إلى الري لطلب الملك فسبقه إليها السلطان ملك شاه ونظام الملك ومعهما مسلم بن قريش ومنصور بن دبيس وأمراء الأكراد.والتقوا على نهرمان فانهزم قاروت بك وجيء به إلى أمام سعد الدولة كوهراس فقتله خنقاً.وأمر كرمان بسير بنيه وبعث إليهم بالخلع وأقطع العرب والأكراد مجازاة لما أبلوا في الحرب.وقد كان السلطان ألب أرسلان شافعاً فيه على الخليفة فلقيهم خبر وفاة ألب أرسلان في طريقهم فمروا إلى ملك شاه وسبق إليه مسلم بطاعته.وأما بهاء الدولة منصور بن دبيس فإن أباه أرسله بالمال إلى ملك شاه فلقيه سائراً للحرب فشهدها معه.ثم توفي أياز أخو السلطان ملك شاه ببلخ سنة خمس وستين فكفله ابنه ملك شاه إلى سنة سبع وستين.وتوفي القائم منتصف شعبان منها لخمس وأربعين سنة من خلافته ولم يكن له يومئذ ولد وإنما كان له حافد وهو المقتدي عبد الله بن محمد.وكان أبوه محمد بن القائم ولي عهده وكان يلقب ذخيرة الدين ويكنى أبا العباس.وتوفي سنة " " وعهد القائم لحافده فلما توفي اجتمع أهل الدولة وحضر مؤيد الملك بن نظام الملك والوزير فخر الدولة بن جهير وابنه عميد الدولة والشيخ أبو إسحاق الشيرازي ونقيب النقباء طراد وقاضي القضاة الدامغاني فبايعوه بالخلافة لعهد جده إليه بذلك.وأقر فخر الدولة بن جهير على الوزارة وبعث ابنه عميد الدولة إلى السلطان ملك.شاه لأخذ بيعته والله الموفق للصواب. استيلاء السلجوقية على دمشق وحصارها مصر ثم استيلاء تتش بن السلطان ألب أرسلان على دمشق قد تقدم لنا ملك أتسز الرملة وبيت المقدس وحصاره دمشق سنة إحدى وستين ثم عاد عنها وجعل يتعاهد نواحيها بالعيث والإفساد كل سنة.ثم سار إليها في رمضان سنة سبع وستين وحاصرها ثم عاد عنها وهرب منها أميرها من قبل المستنصر العلوي صاحب مصر المعلى بن حيدرة لأنه كثر عسفه بالجند والرعية وظلمه فثاروا به فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ثم إلى مصر فحبس ومات بها محبوساً.واجتمعت المصامدة بدمشق وولي عليهم أنصار بن يحيى المصمودي ويلقب نصير الدولة.وغلت الأقوات عندهم واضطربوا فعاد إليها أتسز في شعبان سنة ثمان وستين فاستأمنوا إليه وعوض انتصاراً منها بقلعة بانياس ومدينة يافا من الساحل ودخلها في ذي القعدة وخطب بها للمقتدي ومنع من النداء بحي على خير العمل وتغلب على كثير من مدن الشام.ثم سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها وضيق عليها.واستنجد المستنصر بالبوادي من نواحيها فوعدوه بالنصر.وخرج بدر الجمالي في العساكر التي كانت بالقاهرة وجاء أهل البلاد لميعادهم فنهزم أتسز وعساكره ونجا إلى بيت المقدس فوجدهم قد بمخلفه فتحصنوا منه بالمعاقل فافتتحها عليهم عنوة واستباحها حتى قتلهم في المسجد.وقد تقدم ضبط هذا الاسم وأنه عند أهل الشام انسيس والصحيح أتسز وهو اسم تركي.ثم إن السلطان ملك شاه اقطع أخاه تتش بن ألب أرسلان بلاد الشام وما يفتحه من تلك النواحي سنة سبعين وأربعمائة فقصد حلب أولاً وحاصرها ومعه جموع من التركمان.وكان بدر الجمالي المستولي على مصر قد بعث العساكر لحصار دمشق وبها أتسز فبعث إلى تتش وهو على حلب يستنجده فسار إليه وأخرت عساكر مصر عنه منهزمين.ولما وصل إلى دمشق قعد أتسز على لقائه وانتظر قدومه فلقيه عند السور وعاتبه على ذلك فتساهل في العذر فقتله ثم سار في سنة اثنتين وسبعين إلى حلب فحاصرها أياماً وأفرج عنها وملك مراغة والبيرة وعاد إلى دمشق.وخالفه مسلم بن قريش إلى حلب فملكها كما تقدم في أخباره وضمنها للسلطان ملك شاه فولاه إياها.وسار مسلم بن قريش فحاصرها آخر سنة أربع وسبعين.ثم أفرج عنها فخرج تتش وقصد طرسوس من الساحل فافتتحها ورجع.ثم حاصرها مسلم ثانية سنة تسع وسبعين.وبلغه أن تاج الدولة تتش سار إلى بلاد الروم غازياً فخالفه إلى دمشق وحاصرها معه العرب والأكراد.وبعث إليه العلوي صاحب مصر بعده بالمدد.وبلغ الخبر إلى تتش فكر راجعاً وسبقه إلى دمشق فحاصرها أياماً.ثم خرج إليه تتش في جموعه فهزمه واضطرب أمره ووصله الخبر بانتقاض أهل حران فرحل من مرج الصفر راجعاً إلى بلاده.ثم سار أمير الجيوش من مصر في العساكر إلى دمشق سنة ثمان وسبعين وحاصرها فامتنعت عليه ورجع.فلحقوا بأخيه تكش في " " فقوي به وأظهر العصيان واستولى على مرو الروذ ومرو الساهجان وغيرهما وسار إلى نيسابور طامعاً في ملك خراسان.وبلغ الخبر إلى السلطان فسبقه إلى نيسابور فرجع تتش وتحصن بترمذ.وحاصره السلطان حتى سأل الصلح وأطلق من كان في أسره من.عسكر السلطان ونزل عن ترمذ وخرج إليه فأكرمه.ثم عاود العصيان سنة سبع وسبعين وملك مرو الروذ ووصل قريباً من سرخس وحاصر قلعة هناك لمسعود ابن الأمير فاخر.وتحيل أبو الفتوح الطوسي صاحب نظام وهو بنيسابور على ملطفة وضعوها على شبه خط نظام الملك يخاطب فيها صاحب القلعة بأنه واصل في ركاب السلطان ملك شاه وأنه مصالح للقلعة.وتعرض حاملها لأهل المعسكر حتى أخفوا كتابه بعد الضرب والعرض على القتل.وحدثهم بمثل ما في الصحيفة وأن السلطان وعساكره في الري فأجفلوا لوقتهم إلى قلعة ربح.وخرج أهل الحصن فأخذوا ما في العسكر وجاء السلطان بعد ثلاثة أشهر فحاصره في قلعته حتى افتتحها وحده ودفعه إلى ابنه أحمد فتسلمه وحبسه فخرجا من يمينه معه. سفارة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عن الخليفة كان الخليفة المقتدي وكان عميد العراق أبو الفتح بن أبي الليث يسيء معاملة الخليفة فبعث المقتدي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي إلى السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك بأصفهان شاكياً من العميد.فسار الشيخ لذلك ومعه الإمام أبو بكر الشاشي وغيره من الأعيان.ورأى الناس عجباً في البلاد التي يمر بها من إقبال الخلق عليه وازدحامهم على محفته يتمسحون بها ويلثمون أذيالها وينشرون موجودهم عليها من الدراهم والدنانير لأهلها والمصنوعات لأهل الصنائع والبضائع للتجار والشيخ في ذلك يبكي وينتحب.ولما حضر عند السلطان أظهر المحرمة وأجابه إلى جميع ما طلبه.ورفعت يد العميد عن كل ما يتعلق بالخليفة.وحضر الشيخ مجلس نظام الملك فجرت بينه وبين إمام الحرمين مناظرة خبرها معروف. اتصال بني جهير بالسلطان ملك شاه ومسير فخر الدولة لفتح ديار بكر كان فخر الدولة أبو نصر بن جهير وزير المقتدي قد عزل سنة إحدى وسبعين على يد نظام الملك ولحق به ابنه عميد الدولة واسترضاه فرضي نظام الملك وشفع إلى الخليفة فاعتمد عميد الدولة دون أبيه كما تقدم في أخبار الخلفاء.ثم أرسل المقتدي سنة أربع وسبعين فخر الدولة إلى ملك شاه يخطب له ابنته فسار إلى أصفهان وعقد له نكاحها على خمسين ألف دينار معجلة وعاد إلى بغداد.ثم عزل المقتل ابنه عميد الدولة عن الوزارة سنة ست وسبعين وكانوا قد علقوا بخطة من نظام الملك فبعث عن نفسه وعن ملك شاه يطلب حضور بني جهير عندهم فساروا بأهليهم فعظمت حظوظهم عند السلطان.وعقد لفخر الدولة على ديار بكر وبعث معه العساكر لفتحها من يد بني مروان وأذن له اتخاذ الآلة وأن يخطب لنفسه وبكتب اسمه على السكة فسار في العساكر السلطانية. |
استيلاء ابن جهير على الموصل
ولما سار فخر الدولة ابن جهير لفتح ديار بكر استنجد ابن مروان مسلم بن قريش وشرط له أمراً وتحالفاً على ذلك واجتمعا لحرب ابن جهير.وبعث السلطان الأمير أرتق بن أكسك في العساكر مدداً لابن جهير فجنح ابن جهير إلى الصلح وباعد أرتق إلى القتال فهزم العرب والأكراد وغنم معسكرهم.ونجا مسلم بن قريش إلى آمد وأحاطت به العسكر فلما اشتد مخنقه راسل الأمير أرتق في الخروج على مال بذله له فقبله وكانت له حراسة الطريق فخرج إلى الرقة.وسار ابن جهير إلى ميافارقين وفارقه منصور بن مزيد وابنه صدقة فعاد منها إلى خلاط.ولما بلغ السلطان انحصار مسلم في آمد بعث عميد الدولة في جيش كثيف إلى الموصل ومعه أقسنقر قسيم الدولة الذي أقطعه بعد ذلك حلب.وساروا إلى الموصل فلقيهم أرتق ورجع معهم.ولما نزلوا على الموصل بعث عميد الدولة إلى أهلها بالترغيب والترهيب فأذعنوا واستولى عليها وجاء السلطان في عساكره إلى بلاد مسلم بن قريش وقد خلص من الحصار وهو مقيم قبالة الرحبة فبعث إليه مؤيد الكتاب ولاطف السلطان واسترضاه ووفد إليه بالقوارح ورده السلطان إلى أعماله وعاد لحرب أخيه تتش الذي ذكرناه آنفاً. فتح سليمان بن قطلمش إنطاكية كان سليمان بن قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق قد ملك قرسة واقصرا وأعمالها من بلاد الروم إلى الشام.وكانت إنطاكية بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.وكان ملكها لعهده الفردروس فأساء السيرة إلى جنده ورعاياه وتنكر لابنه وحبسه فداخل الشحنة في تمكين سليمان من البلد فاستدعوه سنة سبع وسبعين فركب إليها البدر وخرج إلى البر في أقرب السواحل إليها في ثلاثمائة ألف فارس ورجل كثير.وسار في جبال وأوعار فلما انتهى إلى السور وأمكنه الشحنة من تسنم السور دخل البلد وقاتل أهلها فهزمهم وقتل كثيراً منهم.ثم عفا عنهم وملك القلعة وغنم من أموالهم ما لا يحصى.وأحسن إلى أهلها وأمر لهم بعمارة ما خرب وأرسل إلى السلطان ملك شاه بالفتح.ثم بعث إليه مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمل إليه الفردروس ملك إنطاكية من المال ويخوفه معصية السلطان فأجابه بتقرير الطاعة للسلطان وبأن الجزية لا يعطيها مسلم فسار مسلم ونهب نواحي إنطاكية فنهب سليمان نواحي حلب.ثم جمع سليمان العرب والتركمان وسار لنواحي إنطاكية ومعه جماهير التركمان.وجمع سليمان كذلك والتقيا آخر صفر سنة ثمان وسبعين وانحاز جق إلى سليمان فانهزمت العرب وقتل مسلم وسار سليمان بن قطلمش إلى حلب وحاصرها فامتنعت عليه وأرسل إليه ابن الحثيثي العباسي كبير حلب بالأموال وطالبه أن يمهل حتى يكاتب السلطان ملك شاه ودس إلى تاج الدولة تتش صاحب دمشق يستدعيه لملكها فجاء لذلك ومعه أرسوس أكسك وكان خائفاً على نفسه من السلطان ملك شاه لفعلته في أمر فاستجار بتتش وأقطعه المورس وسار معه لهذه الحرب.وبادر سليمان بن قطلمش إلى اعتراضهم وهم على تعبية.وأبلى أرتق في هذه الحروب وانهزم سليمان وطعن نفسه بخنجر فمات وغنم تتش معسكره وبعث إلى ابن الحثيثي العباسي فيما استدعاه إليه فاستمهله إلى مشورة السلطان ملك شاه وأغلظ في القول فغضب تتش وداخله بعفض أهل البلد فتسورها وملكها.واستجار ابن الحثيثي بالأمير أرتق فأجاره وسمع له. استيلاء ابن جهير على ديار بكر ثم بعث ابن جهير سنة ثمان وسبعين ابنه زعيم الرؤساء أبا القاسم إلى حصار آمد ومعه جناح الدولة أرسلان فحاصرها واقتلع شجرها وضيق عليها حتى جهدهم الجوع.وغدر بعض العامة في ناحية من سورها ونادى بشعار السلطان واجتمع إليه العامة لما كانوا يلقون من عسف العمال النصارى فبادر زعيم الرؤساء إلى البلد وملكها وذلك في المحرم.وكان أبوه فخر الدولة محاصراً لميافارقين ووصل إليه سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد بمدد العساكر فاشتد الحصار وسقطت من السور ثلمة في سادس جمادى فنادوا بشعار السلطان ومنعوا ابن جهير من البلد.واستولى على أموال بني مروان وبعثها مع ابنه زعيم الرؤساء إلى السلطان فسار مع كوهرائين إلى بغداد.ثم فارقه إلى السلطان بأصفهان.ولما انقضى أمر ميافارقين بعث فخر الدولة جيشاً إلى جزيرة ابن عمر فحاصرها وقام بعض أهلها بدعوة السلطان وفتحوا مما يليهم باباً قريباً دخل منه العسكر فملكوا البلد.وانقرضت دولة بني مروان من ديار بكر والبقاء لله.ثم أخذ السلطان ديار بكر من فخر الدولة بن جهير وسار إلى الموصل فأقام بها إلى أن توفي سنة ثلاث وثمانين. استيلاء السلطان ملك شاه على حلب وولاية أقسنقر عليها لما ملك تاج الدولة تتش مدينة حلب وكان بها سالم بن ملك بن مروان ابن عم مسلم بن قريش وامتنع بالقلعة وحاصره تتش سبعة عشر يوماً حتى وصل الخبر بمقدم أخيه السلطان ملك شاه وقد كان ابن الحثيثي كتب إليه يستدعيه لما خاف من تتش فسار من أصفهان منتصف تسع وسبعين وفي مقدمته برشق وبدران وغيرهما من الأمراء.ومر بالموصل في رجب.ثم سار إلى هراة وبها ابن الشاطئ فملكها وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وأقطعه معها مدينة الرحبة وأعمالها وحران وشروج والرقة وخابور وزوجه أخته زليخا خاتون.ثم سار إلى الرها وافتتحها من الروم وكانوا اشتروها من ابن عطية كما مر.وسار إلى قلعة جعفر فملكها وقتل من كان بها من بني قشير وكان صاحبها جعفر أعمى وكان يخيف السابلة هو وولده فأزال ضررهم.ثم ملك منبج وعبر الفرات إلى حلب فأجفل تتش عن المدينة ودخل " " ومعه الأمير أرتق.ورجع إلى دمشق فلما وصل السلطان إلى حلب ملكها ثم إلى القلعة فملكها من سالم بن ملك على أن يعطيه قلعة جعفر فلم تزل بيد عقبه إلى أن ملكها منهم نور الدين الشهيد.ثم بعث إليه نصر بن علي بن منقذ الكناني بالطاعة فأقره على شيزر وتسلم منه اللاذقية وبعرطاف وأفامية ورجع.ثم رجع السلطان بعد أن ولي على حلب قسيم الدولة أقسنقر.ورغب إليه أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثي فأخرجه عنهم إلى ديار بكر وتوفي بها.ثم رجع السلطان إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة من سنته ونزل بدار المملكة وأهدى للخليفة هدايا كثيرة.واجتمع بالخليفة ليلا.ثم دخل إليه في مجلسه نهاراً وأفيضت عليه الخلع.وسلم أمراء السلجوقية على الخليفة ونظام الملك قائم يقربهم واحداً واحداً ويعرف بهم.ثم صرح المقتدي للسلطان ملك شاه بالتفويض وأوصاه بالعدل فقبل يده ووضعها على عينيه وخلع الخليفة على نظام الملك وجاء إلى مدرسته التي فيها الحديث وأملى. |
خبر الزفاف
قد قدمنا أن السلطان ملك شاه زوج ابنته من الخليفة المقتدي سنة أربع وسبعين بخطبة الوزير بن جهير فلما كان سنة ثمانين في المحرم نقل جهازها للزفاف إلى دار الخلافة على مائة وثلاثين جملا مجللة بالديباج الرومي أكثرها ذهب وفضة ومعه ثلاث عماريات ومعها أربع وسبعون بغلا مجللة بأنواع الديباج المكي وقلائدها الذهب وعلى ستة منها اثنا عشر صندوقاً من فضة مملوءة بالحلي والجواهر ومهد عظيم من ذهب.وسار بين يدي الجهاز سعد الدولة كوهرائين والأمير أرتق وغيرهما من الأمراء والناس ينثرون عليهم الدنانير والثياب.وبعث الخليفة وزيره أبا شجاع إلى زوجة السلطان تركمان خاتون ومعه خادمه ظفر بمحفة لم ير مثلها ومعهم ثلاثمائة من الشمع الموكف ومثلها مشاعل.وأوقدت الشموع في دكاكين الحريم الخلافي.وقال الوزير لخاتون سيدنا أمير المؤمنين يقول إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وقد أذن في نقل الوديعة إلى داره فقالت سمعاً وطاعة.ومشى بين يديها أعيان الدولة مع كل واحد الشمع والمشاعل يحملها الفرسان.ثم جاءت المأمون من بعدهم في محفة مجللة عليها من الذهب والجواهر ما لا يحد ويحيط بالمحفة مائتا جارية من الأتراك على مراكب رائعة.وأولم الخليفة وليمة لم يسمع بمثلها.ثم أطلع للناس من الغد سماط مائدة عليها أربعون ألفاً من السكر وخلع على أعيان العسكر وعلى جميع الحواشي. استيلاء السلطان ملك شاه على ما وراء النهر كان صاحب سمرقند لهذا العهد من الخانية أحمد خان بن خضر خان أخي شمس الملك الذي كان أميراً عليها وعمته خاتون زوجة ملك شاه.وكان رديء السيرة فبعثوا إلى السلطان يسألونه الرجوع إلى إيالته.وجاء بذلك مفتي سمرقند أبو طاهر الشافعي قدم حاجاً وأسر ذلك إلى السلطان فسار من أصفهان سنة اثنتين وثمانين ومعه رسول الروم بالخراج المقدر عليهم فاستعجم وأحضر للفتح.ولما انتهى إلى خراسان جمع العساكر وعبر النهر بجيوش لا تحصى وأخذ ما في طريقه من البلاد.ثم انتهى إلى بخارى فملكها وما جاورها.ثم سار إلى سمرقند فحاصرها وأخذ بهجتها ثم رماها بالمنجنيق وثلم سورها ودخل من الثلمة وملك البلد.واختفى أحمد خان ثم جيء به أسيراً فأطلقه وبعث به إلى أصفهان وولى على سمرقند أبا طاهر عميد خوارزم وسار إلى كاشغر فبلغ إلى نور وكمن وبعث إلى كاشغر بالخطبة وضرب السكة فأطاع وحضر عند السلطان فأكرمه وخلع عليه وأعاده إلى بلده.ورجع السلطان إلى خراسان.وكان بسمرقند عساكر يعرفون بالحكلية فأرادوا الوثوب بالعميد نائب السلطان فلاطفهم ولحق ببلده خوارزم. عصيان سمرقند وفتحها ثانياً كان مقدم الحكلية بسمرقند اسمه عين الدولة وخاف السلطان لهذه الحادثة فكاتب يعقوب تكين أخا ملك كاشعر وكانت مملكته تعرف بارياسي فاستحضره وملكه.ثم شكر له يعقوب وحمل أعداءه من الرعية على طلب الثأر منه وقتله بفتاوي الفقهاء واستبد بسمرقند وسار السلطان ملك شاه إليها سنة اثنتين وثمانين.فلما انتهى إلى بخارى هرب يعقوب إلى فرغانة ولحق بولايته.وجاء بعسكره مستأمنين إلى السلطان فلقوه بالطواويس من قرى بخارى ووصل السلطان إلى سمرقند وولي عليها الأمير انز وأرسل لعساكر في طلب يعقوب وأرسل إلى ملك كاشغر بالجد في طلبه.وشغب على يعقوب عساكره ونهبوا خزائنه ودخل على أخيه كاشغر مستجيراً به.وبعث السلطان في طلبه منه فتردد بين المخافة والأنفة.ثم غلب عليه الخوف فقبض على أخيه يعقوب وبعثه مع ابنه وأصحابه إلى السلطان وأمرهم أن يسملوه في طريقه فإن قنع السلطان بذلك وإلا أسلموه إليه فلما قربوا على السلطان وعزموا على سمله بلغهم الخبر بأن طغرل بن نيال أسرى في ثمانين فرسخاً بعساكر لا تحصى فكبس ملك كاشغر وأسره فأطلقوا يعقوب.ثم خشي السلطان شأن طغرل بن نيال وكثرة عساكره فرجع على البلد ودس تاج الملك في استصلاح يعقوب فشفع له ورده إلى كاشغر ورد الطغرل ورجع هو إلى خراسان.ثم قدم إلى بغداد سنة أربع وثمانين العزمة الثانية ووجد عليه أخوه تاج الدولة تتش صاحب الشام وقسيم الدولة أقسنقر صاحب حلب وبوران صاحب الرها عمال الأطراف وأقام صنيع الميلاد ببغداد وتأنق بما لم يعهد مثله وأمر وزيره نظام الملك وأمراءه ببناء الدور ببغداد لنزلهم ورجع إلى أصفهان. استيلاء تتش على حمص وغيرها من سواحل الشام لما قدم السلطان سنة أربع وثمانين وفد عليه أمراء الشام كما قدمنا فلما انصرفوا من عنده أمر أخاه تاج الدولة تتش أن يذهب لدولة العلويين من ساحل الشام ويفتح بلادهم.وأمر أقسنقر وبوراق أن يسيرا لانجاور.فلما رجعوا إلى دمشق سار إلى حمص وبها صاحبها ابن ملاعب وقد عظم ضرره وضرر ولده على الناس فحاصرها وملكها.ثم سار إلى قلعة عرفة فملكها عنوة ثم إلى قلعة أفامية فاستأمن إليه خادم كان بها فأرسل إلى أمراء تتش في إصلاح حاله فسدوا عليه المذاهب فأرسل إلى وزير أقسنقر يسعى له عند صاحبه وعمل له على ثلاثين ألف دينار ومثلها عروضاً فجنح إلى مصالحته واختلف مع تتش على ذلك وأغلظ كل منهما لصاحبه في القول فرحل أقسنقر مغاضباً واضطر الباقون إلى الرحيل وانتقض أمرهم. ملك اليمن كان فيمن حضر عند السلطان ببغداد كما قدمناه عثمان جق أمير التركمان صاحب قرمسيس وغيرها فأمره السلطان أن يسير في جموع التركمان للحجاز واليمن فيظهر أمرهم هناك.وفوض إلى سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد فولى عليهم أميراً اسمه ترشك.وسار إلى الحجاز فاستولى عليه وأساء السيرة فيه حتى جاء أمير الحجاز محمد بن هاشم مستغيثاً منهم.ثم ساروا سنة خمس وثمانين إلى اليمن وعاثوا في نواحيه وملكوا عدن وأساؤوا السيرة في أهلها وأهلكوا ترشك سابع دخولها وأعاده أصحابه إلى بغداد فدفنوه بها ، ^? ثم ارتحل السلطان ملك شاه إلى بغداد سنة خمس وثمانين فانتهى إلى أصفهان في رمضان وخرج نظام الملك من بيته بعد الإفطار عامداً إلى خيمته فاعترضه بعض الباطنية في صورة متظلم فلما استدناه لسماع شكواه طعنه بخنجر فأشواه.وعثر الباطني في أطناب الخيام ودخل نظام الملك الخيمة فمات لثلاثين سنة من وزارته.واهتاج عسكره فركب إليه السلطان وسكن الناس ويقال إن السلطان ملك شاه وضع الباطني على قتله لما وقع منه ومن بنيه من الدالة والتحكم في الدولة.وقد كان السلطان دس على ابنه جمال الدين من قتله سنة خمس وسبعين.كان بعض حواشي السلطان سعى به فسطا به جمال الدين وقتله فأحقد السلطان بذلك وأخذ عميد خراسان فقتله خنقاً فدس لخادم من خدم جمال الدين بذلك وأنهم إذا تولوا قتله بأنفسهم كان أحفظ لنعمتهم فسقاه الخادم سماً ومات.وجاء السلطان إلى نظام الملك وأغراه به.وما زال بطانة السلطان يغضون منه ويحاولون السعاية فيه إلى أن ولي حافده عثمان بن جمال الملك على مرو وبعث السلطان إليها كردن من أكابر المماليك والأمراء شحنة.ووقعت بينه وبين عثمان منازعة في بعض إلأيام فأهانه وحبسه ثم أطلقه.وجاء إلى السلطان شاكياً فاستشاط غضباً وبعث فخر الملك ألب أرسلان إلى نظام الملك وأغراه به وما زال يقول إن كنت تابعاً فقف عند حدك وإن كنت شريكي في سلطاني فافعل ما بدا لك.وقرر عليه فعل حافده وسائر بنيه في ولايتهم وأرسل معه نكبرذ من خواصه ثقة على ما يؤديه من القول ويجيبه الآخر فانبسط لسان نظام الملك يعدد الوسائل منه والمدافعة عن السلطان وجمع الكلمة وفتح الأمصار في كلام طويل حملته عليه الدالة.وقال في آخره إن شاء فله مؤيد مروآتي ومتى أطعت هذه زالت تلك فليأخذ حذره.ثم زاد في انبساطه وقال قولوا عني ما أردتم فإن توبيخكم نتأ في عضدي.ومضى نكبرد فصدق السلطان الخبر وجاء الآخرون وحاولوا الكتمان فلم يسعهم لما وشى نكبرد بجلية القول فصدقوه كما صدقه.ومات نظام الملك بعدها بقليل ومات السلطان بعده بنحو شهر.وكان أصل نظام الملك من طوس من أبناء الدهاقين اسمه أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق ذهبت نعمة آبائه وماتوا فنشأ يتيماً.ثم تعلم وحذق في العلوم والصنائع وعلق بالخدم السلطانية في بلاد خراسان وغزنة وبلخ.ثم لازم خدمة أبي علي بن شاذان وزير ألب أرسلان.ومات ابن شاذان فأوصى به السلطان ألب أرسلان.وعرفه كفايته فاستخدمه فقام بالأمور أحسن قيام فاستوزره.ثم هلك السلطان ألب أرسلان وهو في وزارته.ثم استوزره ملك شاه بعد أبيه وكان عالماً جواداً صفوحاً مكرماً للعلماء وأهل الدين ملازماً لهم في مجلسه.شيد المدارس وأجرى فيها الجرايات الكثيرة.وكان يملي الحديث وكان ملازماً للصلوات محافظاً على أوقاتها.وأسقط في أيامه كثيراً من المكوس والضرائب وأزال لعن الأشعرية من المنابر بعد أن فعله الكندري من قبله وحمل عليه السلطان طغرلبك وأجراهم مجرى الرافضة وفارق إمام الحرمين وأبو القاسم القشيري البلاد من أجل ذلك فلما ولي ألب أرسلان حمله نظام الملك على إزالة ذلك ورجع العلماء إلى أوطانهم.ومناقبه كثيرة وحسبك من عكوف العلماء على مجلسه وتدوينهم الدواوين باسمه.فعل ذلك إمام الحرمين وأشباهه.وأما مدارسه فقد بنى النظامية ببغداد وناهيك بها ورتب الشيخ أبا إسحاق الشيرازي للتدريس بها.وتوفي سنة ست وسبعين فرتب ابنه مؤيد الملك مكانه أبا سعيد المتولي فلم يرضه نظام الملك وولى فيها الإمام أبا نصر الصباغ صاحب الشامل ومات أبو نصر في شعبان من تلك السنة فولي أبو سعيد من سنة ثمان وسبعين ومات فدرس بعده الشريف العلوي أبو القاسم الدبوسي وتوفي سنة اثنتين وثمانين وولي تدريسه بعدها أبو عبد الله الطبري والقاضي عبد الوهاب الشيرازي بالنوبة يوماً بيوم.ثم ولي تدريسها الإمام أبو حامد الغزالي سنة أربع وثمانين واتصل حكمها على ذلك.وفي أيامه عكف الناس على العلم واعتنوا به لما كان من حسن أثره في ذلك والله أعلم ، ^? ثم لما سار السلطان بعد مقتل نظام الملك إلى بغداد ودخلها آخر رمضان وكان معه في الدولة أبو الفضل الهروستماني وزير زوجته الخاتون الجلالية من الملوك الخانية فيما وراء النهر وكان من أشد الناس سعاية في نظام الملك وعزم السلطان أن يستوزره لأول دخوله بغداد فعاقت المنية عن ذلك وطرقه المرض ثالث الفطر وهلك منتصف شوال سنة خمس وثمانين.وكانت زوجته تركمان خاتون الجلالية عنده في بغداد وابنها محمود غائباً في أصفهان فكتمت موته وسارت بشلوه إلى أصفهان وتاج الملك في خدمتها.وقدمت بين يديها قوام الدين كربوقا الذي ولي الموصل من بعد وأرسلته بخاتم السلطان إلى مستحفظ القلعة فملكها وجاءت على أثره وقد أفاضت الأموال في الأمراء والعساكر ودعتهم إلى بيعة ولدها محمود وهو ابن أربع سنين فأجابوا إلى ذلك وبايعوه.وأرسلت إلى المقتدر في الخطبة له فأجابها على أن يكون الأمير أنز قائماً بتدبير الملك ومجد الملك مشيراً وله النظر في الأعمال والجباية فنكرت ذلك أمه خاتون وكان السفير أبا حامد الغزالي فقال لها إن الشراع لا يجيز ولاية ابنك فقبلت الشرط وخطب له آخر شوال سنة خمس وثلاثين وأرسلت تركمان خاتون إلى أصفهان في القبض على بركيارق فحبس بأصفهان.وكان السلطان ملك شاه من أعظم ملوك السلجوقية ملك من الصين إلى الشام ومن أقصى الشام إلى اليمن وحمل إليه ملوك الروم الجزية ومناقبه عظيمة مشهورة. كان بركيارق أكبر أولاد السلطان ملك شاه وكانت أمه زبيدة بنت ياقوتي بن داود وياقوتي عم ملك شاه.ولما حبس بركيارق وخافت عليه أمه زبيدة دست لمماليك نظام الملك فتعصبوا له وكانت خاتون غائبة ببغداد مع ابنها محمود لفقد سلطانه فوثب المماليك النظامية على سلاح لنظام الملك بأصفهان.وأخرجوا بركيارق من محبسه وخطبوا له وبلغ الخبر إلى خاتون فسارت من بغداد.وطلب العسكر تاج الملك في عطائهم فهرب إلى قلعة بوجين لينزل منها الأموال وامتنع فيها ونهب العسكر خزائنه وساروا إلى أصفهان وقد سار بركيارق والنظامية إلى الري فأطاعه أرغش النظامي في عساكره وفتحوا قلعة طغرل عنوة وبعثت خاتون العساكر لقتال بركيارق فنزع إليه سبكرد وكمستكن الجاندار وغيرهما من أمراء عساكره ولقيهم بركيارق فهزمهم وسار في أثرهم إلى أصفهان فحاصرهم بها.وكان عز الملك بأصفهان وكان والياً على خوارزم فحضر عند السلطان قبل مقتل أبيه وبقي هناك بعد وفاة السلطان فخرج إلى بركيارق ومعه جماعة من إخوانه فاستوزره بركيارق وفوض إليه الأمور كما كان أبوه. |
مقتل تاج الملك
وهو أبو الغنائم المرزبان بن خسرو فيروز كان وزيراً لخاتون وابنها.ولما هرب إلى قلعة بوجين خوفاً من العسكر كما قدمنا وملكت خاتون أصفهان عاد إليها واعتذر بأن صاحب القلعة حبسه فقبلت عذره وبعثته مع العساكر لقتال بركيارق.فلما انهزموا حمل أسيراً عنده وكان يعرف كفاءته فأراد أن يستوزره وكان النظامية ينافرونه ويتهمونه بقتل نظام الملك وبذل فيهم أموالا فلم يغنه ووشوا به فقتلوه في المحرم سنة ست وثمانين.وكان كثير الفضائل جم المناقب وإنما غطى على محاسنه ممالأته على قتل نظام الملك.وهو الذي بنى تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي والمدرسة بإزائها ورتب بها أبا بكر الشاشي محرساً.مهلك محمود ثم هلك السلطان محمود وهو محاصر بأصفهان لسنة من ولايته واستقل بركيارق بالملك.منازعة تتش ألب أرسلان وأخباره إلى حين انهزامه كان تاج الدولة تتش أخو السلطان ملك شاه صاحب الشام وسار إلى لقاء أخيه ملك شاه ببغداد قبيل موته فلقيه خبر موته بهيت فاستولى عليها وعاد إلى دمشق فجمع العساكر وبذل الأموال وأخذ في طلب الملك فبدأ بحلب ورأى صاحبها قسيم الدولة أقسنقر اختلاف ولد ملك شاه وحقرهم فأطاع تاج الدولة تتش وتبعه في طاعته.وبعث إلى باعي يسار صاحب إنطاكية والر مران صاحب الرها وحران يشير عليهما بمثل ذلك فأجاباه وخطبوا لتاج الدولة تتش في بلادهم وساروا معه إلى الرحب فملكها ثم إلى نصيبين فملكها واستباحها وسلمها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش.وساروا إلى الموصل وقدم عليه الكافي بن فخر الدولة بن جهير من جزيرة ابن عمر فاستوزره وكانت الموصل قد ملكها علي بن شرف الدولة مسلم بن قريش وأمه صفية عمة ملك شاه وأطلقت تركمان خاتون عمه إبراهيم فجاء وملك الموصل من يده كما تقدم في أخبار بني المقلد فبعث إليه تتش في الخطبة وأن يهيئ له الطريق إلى بغداد فامتنع وزحف لحربه فانهزم العرب وسيق إبراهيم أسيراً إلى تتش في جماعة من أمراء العرب فقتلوا صبراً ونهبت أموالهم واستولى تتش على الموصل وغيرها.واستناب عليها علي بن مسلم وهو ابن صفية عمة أبيه.وبعث إلى بغداد في الخطبة ووافقه كوهرائن الشحنة وحرر الجواب بانتظار الرسل من العسكر فسار تتش إلى ديار بكر فملكها.ثم سار إلى أذربيجان وزحف بركيارق يعتذر من سعيه مع تتش فعزله بركيارق بسعاية كمستكن الجاندار بقسيم الدولة وأقام عوضه شحنة ببغداد الأمير مكرد وأعطاه إقطاعه وسار إلى بغداد.ثم رده من دقوقا الكلام بلغه عنه وقتله وولى على شحنة بغداد فتكين حب ، ^? كان إسماعيل بن ياقوتي بن داود بن عم ملك شاه وخال بركيارق أميراً على أذربيجان فبعثت تركمان خاتون إليه فأطمعته في الملك وأنها تتزوج به فجمع جموعاً من التركمان وغيرهم وسار لحرب بركيارق فلقيه عند كرخ ونزع عنه مكرد إلى بركيارق فانهزم إسماعيل إلى أصفهان فخطبت له خاتون وضربت اسمه على الدنانير بعد ابنها محمود.وأرادت العقد معه فمنعها الأمير أنز مدبر الدولة وصاحب العسكر وخوفهم وفارقهم.ثم أرسل أخته زبيدة أم بركيارق فأصلحت حاله مع ابنها وقدم عليه فأكرهه.واجتمع به رجال الدولة كمستكن الجاندار وأقسنقر وبوران وكشفوا سره في طلب الملك.ثم قتلوه وأعلموا بركيارق فأهدر دمه.مهلك توران شاه بن قاروت بك كان توران شاه بن قاروت بك صاحب فارس وأرسلت خاتون الجلالية الأمير أنز لفتح فارس سنة سبع وثمانين فهزمه أولا.ثم أساء السيرة مع الجند فلحقوا بتوران شاه وزحف إلى أنز فهزمه واسترد البلد من يده وأصاب توران شاه في المعركة بسهم هلك منه بعد شهرين. وفاة المقتدي وخلافة المستظهر وخطبته لبركيارق ثم توفي المقتدي منتصف محرم سنة سبع وثمانين وكان بركيارق قد قدم بغداد بعد هزيمة عمه تتش فخطب له وحملت إليه الخلع فلبسها وعرض التقليد على المقتدي فقرأه وتدبره وعلم فيه وتوفي فجأة وبويع لابنه المستظهر بالخلافة فأرسل الخلع والتقليد إلى بركيارق وأخذت عليه البيعة للمستظهر. استيلاء تتش على البلاد بعد مقتل أقسنقر ثم هزيمة بركيارق لما عاد تتش منهزماً من أذربيجان جمع العساكر واحتشد الأمم وسار من دمشق إلى حلب سنة سبع وثمانين واجتمع قسيم الدولة أقسنقر وبوران وجاء كربوقا مدداً من عند بركيارق وساروا لحرب تتش ولقوه على ستة فراسخ من حلب فهزمهم وأخذ أقسنقر أسيراً فقتله ولحق كربوقا وبوران بحلب واتبعهما تتش فحاصرهما وملك حلب وأخذهما أسيرين وبعث إلى حران والرها في الطاعة فامتنعوا فبعث إليهم برأس بوران وملك البلدين وبعث بكربوقا إلى حمص فحبسه بها.وسار إلى الجزيرة فملكها ثم إلى ديار بكر وخلاط فملكها ثم إلى أذربيجان.ثم سار إلى همذان ووجد بها فخر الدولة بن نظام الملك جاء من خراسان إلى بركيارق فلقيه الأمير قماج من عسكر محمود بأصفهان فنهب ماله ونجا إلى همذان فصادف بها تتش فأراد قتله وشفع فيه باغي يسار وأشار بوزارته لميل الناس إلى بيته واستوزره.وكان بركيارق قد سار إلى أقسيس فخالفه تتش إلى أذربيجان وهمذان فسار بركيارق من نصيبين وعبر دجلة من فوق الموصل إلى إربل.فلما تقارب العسكران أشرف الأمير يعقوب بين أنق من عسكر تتش فكبس بركيارق وهزمه ونهب سواط ولم يبق معه إلا برسق وكمستكن الجاندار والبارق من أكابر الأمراء فلجأوا إلى أصفهان وكانت خاتون أم محمود قد ماتت فمنعه محمود وأصحابه من الدخول.ثم خرج إليه محمود وأدخله إلى أصفهان واحتاطوا عليه وأرادوا أن يسلموه فمرض محمود فأبقوه. مقتل تتش واستقلال برقيارق بالسلطان ثم مات محمود منسلخ شوال سنة سبع وثمانين واستولى بركيارق على أصفهان.وجاء مؤيد الملك بن نظام الملك فاستوزره عوض أخيه عز الملك وكان قد توفي بنصيبين فكاتب مؤيد الملك الأمراء واستمالهم فرجعوا إلى بركيارق وكشف جمعه.وبعث تاج الملك تتش بعد هزيمة بركيارق يوسف بن أنق التركماني شحنة إلى بغداد في جمع من التركمان فمنع من دخول بغداد.وزحف إليه صدقة بن مزيد صاحب الخلة فقاتله في يعقوب وانهزم صدقة إلى الحلة ودخل يوسف بن أنق بغداد وأقام بها.وكان تتش لما هزم بركيارق سار إلى همذان وقد تحصن بها بعض الأمراء فاستأمن إليه واستولى على همذان وسار في نواحي أصفهان وإلى مرو.وراسل الأمراء بأصفهان يستميلهم فأجابوه بالمقاربة والوعد وبركيارق مريض.فلما أفاق من مرضه خرج إلى جرباذقان واجتمع إليه من العسكر ثلاثون ألفاً ولقيه تتش فهزمه بركيارق وقتله بعض أصحاب أقسنقر بثأر صاحبه.وكان فخر الملك بن نظام الملك أسيراً عنده فانطلق عند هزيمته واستقامت أمور بركيارق وبلغ الخبر إلى يوسف. |
استيلاء كربوقا على الموصل
قد كنا قدمنا أن تاج الدولة تتش أسر قوام الدولة أبا سعيد كربوقا وحبسه بعد ما قتل أقسنقر بوزان فأقام محبوساً بحلب إلى أن قتل تتش واستولى رضوان ابنه على حلب فأمره السلطان بركيارق بإطلاقه لأنه كان من جهة الأمير أنز فأطلقه رضوان وأطلق أخاه التوسطاش فاجتمعت عليهما العساكر.وكان بالموصل علي بن شرف الدولة مسلم منذ ولاه عليها تتش بعد وقعة المضيع.وكان بنصيبين أخوه محمد بن مسلم ومعه مروان بن وهب وأبو الهيجاء الكردي وهو يريد الزحف إلى الموصل فكاتب كربوقا واستدعاه للنصرة ولقيه على مرحلتين من نصيبين فقبض عليه كربوقا وسار إلى نصيبين وحاصرها أربعين يوماً وملكها.ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه فتحول عنها إلى بلد وقتل بها محمد بن شرف الدولة تغريقاً وعاد إلى حصار الموصل ونزل منها على فرسخ واستنجد علي بن مسلم بالأمير مكرس صاحب جزيرة ابن عمر فجاء لانجاده واعترضه التوسطاش فهزمه.ثم سار إلى طاعة كربوقا وأعانه على حصار الموصل.ولما اشتد بصاحبه علي بن مسلم الحصار بعد تسعة أشهر هرب عنها ولحق بصدقة بن مزيد.ودخل كربوقا إلى الموصل وعاث التوسطاش في أهل البلد ومصادرتهم واستطال على كربوقا فأمر بقتله ثالثة دخوله سنة تسع وثمانين.وسار كربوقا إلى الرحبة فملكها وعاد فأحسن السيرة في أهل الموصل ورضوا عنه.واستقامت أموره. استيلاء أرسلان أرغون أخي السلطان ملك شاه على خراسان ومقتله كان أرسلان أرغون مقيماً عند أخيه السلطان ملك شاه ببغداد فلفا مات وبويع ابنه محمود سار إلى خراسان في سبعة من مواليه واجتمعت عليه جماعة وقصد نيسابور فامتنعت عليه فعاد إلى مرو وكان بها شحنة الأمير قودر من موالي السلطان ملك شاه وكان أحد الساعين في قتل نظام الملك فمال إلى طاعه أرغون وملكة البلد.وسار إلى بلخ وكان بها فخر الدين بن نظام الملك ففر عنها ووصل إلى همذان ووزر لتاج الدولة تتش كما مر.وملك أرسلان أرغون بلخ وترمذ ونيسابور وسائر خراسان وأرسل إلى السلطان بركيارق وزيره مؤيد الملك في تقرير خراسان عليه بالضمان كما كانت لجده داود ما عدا نيسابور فاعرض عنه بركيارق لاشتغاله بأخيه محمود وعمه تتش.ثم عزل بركيارق مؤيد الملك عن الوزارة بأخيه فخر الملك.واستولى فخر الملك ألب أرسلان على الأمور فقطع أرسلان مراسلة بركيارق فبعث حينئذ عمه بورسوس في العساكر لقتاله فانهزم أرسلان إلى بلخ وأقام بورسوس بهراة وسار أرسلان إلى مرو وفتحها عنوة وخربها واستباحها.وسار إليه بورسوس من هراة سنة ثمان وثمانين وكان معه مسعود بن تاخر الذي كان أبو مقدم عساكر داود ومعه ملك شاه من أعاظم الأمراء فبعث إليه أرسلان واستماله.فمال إليه ووثب لمسعود بن تاخر وابنه فقتلهما في خيمته فضعف أمر بورسوس وانفض الناس عنه وجيء به أسيراً إلى أخيه أرسلان أرغون فحبسه بترمذ.ثم قتله في محبسه بعد سنة.وقتل أكابر خراسان وخرب أسوارها مثل سودان ومرو الشاهجان وقلعة سرخس ونهاوند ونيسابور وصادر وزيره عماد الملك بن نظام الملك على ثلاثمائة ألف دينار.ثم قتله واستبد بخراسان وكان مرهف الحد كثير العقوبة لمواليه وأنكر على بعضهم يوماً بعض فعلاته وهو في خلوة وضربه فطعنه الغلام بخنجر معه فقتله وذلك في المحرم من سنة تسعين. ولاية سنجر على خراسان ولما قتل أرسلان أرغون ملك أصحابه من بعده صبياً صغيراً من ولده! وكان السلطان بركيارق قد جهز العساكر لخراسان للقتال ومعه الأتابك قماج ووزيره علي.بن الحسن الطغرائي.وانتهى إليه مقتل أرسلان بالدامغان فأقاموا حتى لحقهم السلطان بركيارق وساروا إلى نيسابور فملكها في جمادى سنة تسعين وأربعمائة وملك سائر خراسان وسار إلى بلخ.وكان أصحاب أرسلان قد هربوا بابنه الذي نصبوه للملك إلى جبل طخارستان وبعثوا يستأمنون له ولهم فأمنهم السلطان وجاءوا بالصبي في آلاف من العساكر فأكرمه السلطان وأقطعه ما كان لأبيه أيام ملك شاه وانفض عنه العسكر الذين كانوا معه وافترقوا على أمراء السلطان وأفردوه فضمته أم السلطان إليها وأقامت من يتولى رتبته وسار السلطان إلى ترمذ فملكها وخطب له بسمرقند ودانت له البلاد وأقام على بلخ m0 ور المخالدين بخراسان لما كان السلطان بخراسان خالف عليه محمود بن سليمان من قرابته ويعرف بأمير أميران.وسار إلى بلخ واستمد صاحب غزنة من بني سبكتكين فأمده بالعساكر والذيول على أن يخطب له فيما يفتح من خراسان فقويت شوكته فسار إليه الملك سنجر وكبسه فأنهزم وجيء به أسيراً فسمله.ولما انصرف السلطان عن خراسان سار نائب خوارزم واسمه أكنجي في اتباعه وسبق إلى مرو فتشاغل بلذاته وكان بها الأمير تورد قد تشاغل عن السلطان واعتذر بالمرض فداخل بارقطاش من الأمراء في قتل أكنجي صاحب خوارزم فكبسه في طائفة من أصحابه وقتلوه وساروا إلى خوارزم فملكوها مظهرين أن السلطان ولا هما عليها.وبلغ الخبر إلى السلطان وكان قد بلغه في طريقه خروج الأمير أنز بفارس عن طاعته فمضى إلى العراق وأعاد داود الحبشي بن التونطاق في العساكر لقتالهما فسار إلى العراق من هراة وأقام في انتظار العسكر فعاجلاه فهرب أمامهما.وهرب جيحون وتقدم بارقطاش قبل تودن وقاتله فهزمه داود وأسره وبلغ الخبر إلى تودن فثار به عسكره ونهبوا أثقاله ولحق بسنجار فقبض عليه صاحبها.ثم أطلقه فلحق بالملك سنجر ببلخ فقتله سنجر وأفرغ هو طاعته في نظمه وجمع العساكر على طاعته.ثم مات قريباً وبقي بارقطاش أسيراً عند داود إلى أن قتل. بداية دولة بني خوارزم شاه كان أبو شكين مملوكا لبعض أمراء السلجوقية واشتراه من بعض أهل غرشقان فدعي أبا شكين غرشه ونشأ على حال مرضية وكان مقدماً.وولد له ابنه محمد فأحسن تأديبه وتقدم هو بنفسه.ولما سار الأمير داود الحبشي إلى خراسان كما مر سار محمد في جملته فلما مهد خراسان وأزال الخوارج نظر فيمن يوليه خوارزم وكان نائبها أكنجي قد قتله كما مر فوقع اختياره على محمد بن أبي شكين فولاه ولقبه خوارزم شاه فحسنت سيرته وارتفع محله.واقره السلطان سنجر وزاده عناية بقدر كفايته واضطلاعه.وغاب في بعض الأيام عن خوارزم فقصدها بعض ملوك الأتراك.وكان طغرلتكين محمد الذي كان أبوه أكنجي نائباً بخوارزم وبادر محمد بن أبي شكين إلى خوارزم بعد أن استمد السلطان سنجر وسار بالعساكر مدداً له.وتقدم محمد بن أبي شكين فتأخر الأتراك إلى منقشلاع.ورحل طغرلتكين إلى جرجان وازداد محمد بذلك عناية عند سنجر.ولما توفي ولي ابنه من بعده أتسز وأحسن السيرة.وكان قد قاد الجيوش أيام أبيه وباشر الحروب فملك مدينة منقشلاع.ولما توفي اختصه السلطان سنجر وكان يصاحبه في أسافاره وحروبه.واتصل الملك في بني محمد بن أبي شكين خوارزم وكانت لهم الدولة.وتمت دولة بني ملك شاه وعليها كان ظهور الططر بعد المائة السادسة ومنهم أخذوا المائة كما سيأتي في أخبارهم. |
استيلاء الإفرنج على إنطاكية وغيرها من سواحل الشام
كان الإفرنج قد ظهر أمرهم في هذه السنين وتغلبوا على صقلية واعتزموا على قصد الشام وملك بيت المقدس.وأرادوا المسير إليها في البر فراسلوا ملك الروم.بالقسطنطينية أن يسهل لهم الطريق إلى الشام فأجابهم على أن يعطوه إنطاكية فعبروا خليج القسطنطينية سنة تسعين وأربعمائة.وسار أرسلان بن سليمان بن قطلمش صاحب مرقية وبلاد الروم لمدافعتهم فهزموه.ثم مروا ببلاد ابن ليون الأرمني ووصلوا إلى إنطاكية فحاصروها تسعة أشهر وصاحبها يومئذ باغي سياه فأحسن الدفاع عنها.ثم تبوؤا البلد بمداخلة بعض الحامية أصعدهم السور بعد أن رغبوه بالأموال والإقطاع.وجاءوا إلى السور فدلهم على بعض المخادع ودخلوا منه ونفخوا البوق فخرج باغي سياه هارباً حتى إذا كان على أربعة فراسخ راجع نفسه وندم فسقط مغشياً عليه.ومر به أرمني فحمل رأسه إلى إنطاكية وذلك سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ، ^? واجتمعت عساكر المسلمين وزحفوا إلى إنطاكية من كل ناحية ليرتجعوها من الإفرنج وجاء قوام الدين كربوقا إلى الشام واجتمعت عليه العساكر بمرج دابق فكان معه دقاق بن تتش وطغرلتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وأرسلان تاش صاحب سنجار وسقمان بن أرتق وغيرهم.وساروا إلى إنطاكية فنازلوها واستوحش الأمراء من كربوقا وأنفوا من ترفعه عليهم.وضاق الحصار بالإفرنج لعدم الأقوات لأن المسلمين عاجلوهم عن الاستعداد فاستأمنوا كربوقا فمنعهم الأمان وكان معهم من الملوك بردويل ونجيل وكمدمري والقمص صاحب الرها وسمند صاحب إنطاكية وهو مقدم العساكر فخرجوا مستأمنين وضربوا مصياف وتخاذل الناس لما كان في قلوبهم من الأضغان لكربوقا فتمت الهزيمة عليهم.وآخر من انهزم سقمان بن أرتق واستشهد منهم العرب وغنم العدو سوادهم بما فيه.وساروا إلى معرة النعمان فملكوها وأفحشوا في استباحتها.ثم ساروا إلى غزة فحاصروها أربعة أشهر وامتنعت عليهم.وصالحهم ابن منقذ على بلدة شيزر وحاصروا حمص فصالحهم صاحبها جناح الدولة.ثم ساروا إلى عكا فامتنعت عليهم وكان هذا بداية الإفرنج بسواحل الشام.ويقال إن المصريين استنابوا رجلا يعرف بافتخار الدولة من خلفاء العميد بن نصر لما خشوا من السلجوقية عند استيلائهم على الشام إلى غزة وزحف الاقسيس من أمرائهم إلى مصر وحاصرها وراسلوا الإفرنج واستدعوهم لملك الشام لينشلوهم عن أنفسهم ويحولوا بينهم وبين مصر والله سبحانه وتع إلى أعلم. انتقاض الأمير أنز وقتله لما سار السلطان بركيارق إلى خراسان ولى على بلاد فارس الأمير أنز وكانت قد تغلبت الشوانكار واستظهروا بإيران شاه بن قاروت بك صاحب كرمان.فلما سار إليهم أنز قاتلوه فهزموه ورجع إلى أصفهان فاستأذن السلطان فأمره بالمقام هناك وولاه إمارة العراق.وكانت العساكر في جواره بطاعته وجاء مؤيد الملك بن نظام الملك من بغداد على الحلة فأغراه بالخلاف وخوفه غائلة بركيارق وأشار عليه بمكاتبة محمد بن ملك شاه وهو في كنجة.وشاع عنه ذلك فازداد خوفه وجمع العساكر وسار من أصفهان إلى الري.وجاهر السلطان بالخلاف وطلب منه أن يسلم إليه فخر الملك ألب أرسلان.وبينما هو في ذلك إذ هجم عليه ثلاثة نفر من الأتراك المولدين بخوارزم من جنده فطعنوه فقتلوه واهتاج عسكره فنهبوا خزائنه وحمل شلوه إلى أصفهان فدفن بها.واشتهر خبر قتله وحمل إلى السلطان في أحواز الري وهو سائر لقتاله فسر بذلك هو وفخر الملك ألب أرسلان وذلك في سنة اثنتين وتسعين.وكان محمود المذاهب كبير المناقب.ولما قتل هرب اصهنر صبار إلى دمشق فأقام بها مدة.ثم قدم على استيلاء الفرنج على بيت المقدس كان بيت المقدس لتاج الدولة تتش وأقطعه الأمير سقمان بن أرتق التركماني وكان تتش ملكه من يد العلويين أهل مصر.فلما وهن الأتراك بواقعة إنطاكية طمع المصريون في ارتجاعه.وسار صاحب دولتهم الأفضل بن بدر الجمالي وحاصر الأمير سقمان وأخاه ابلغازي وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سونج ونصب المجانيق فثلموا سوره ثم ملكوه بالأمان لأربعين يوماً من حصاره في شعبان سنة تسع وثمانين وأحسن الأفضل إلى سقمان وابلغازي ومن معهما وأطلقهم فأقام سقمان ببلد الرها.وسار ابلغازي إلى العراق وولى الأفضل على بيت المقدس افتخار الدولة من أمرائهم ورجع إلى مصر فلما رجع الإفرنج من عكا وجاءوا إلى بيت المقدس فحاصروه أربعين يوماً واقتحموه من جهة الشمال آخر شعبان من سنة اثنتين وتسعين وعاثوا في أهله.واعتصم فلهم بمحراب داود عليه السلام ثلاثاً حتى استأمنوا وخرجوا ليلاً إلى عسقلان.وقتل بالمسجد سبعون ألفاً أو يزيدون من المجاورين فيهم العلماء والزهاد والعباد وأخذوا نيفاً وأربعين قنديلا من الفضة زنة كل واحد ثلاثة آلاف وستمائة درهم ومائة وخمسين قنديلا من الصفار وتنوراً من الفضة زنته أربعون رطلاً بالشامي وغير ذلك مما لا يحصى ووصل الصريخ إلى بعداد مستغيثين فأمر المقتدي أن يسير إلى السلطان بركيارق أبو محمد الدامغاني وأبو بكر الشاشي وأبو القاسم الزنجاني وأبو الوفاء بن عقيد وأبو سعد الحلواني وأبو الحسين بن السماك.فساروا إلى بركيارق يستصرخونه للمسلمين فانتهوا إلى حلوان وبلغهم مقتل مجد الملك ألب أرسلان وفتنة بركيارق مع أخيه محمد فرجعوا وتمكن الإفرنج من البلاد.ونحن عازمون على إفراد أخبارهم بالشام وما كان لهم فيه من الدولة على حكم أخبار الدول في كتابنا. ظهور السلطان محمد بن ملك شاه والخطبة له ببغداد وحروبه مع أخيه بركيارق كان محمد وسنجر شقيقين وكان بركيارق استعمل سنجر على خراسان.ثم لحق به محمد بأصفهان وهو يحاصرها سنة ثمان وثمانين فأقطعه كنجة وأعمالها وأنزل معه الأمير قطلغ تكين أتابك وكانت كنجة من أعمال أران وكانت لفضلون فانتزعها ملك شاه وأقطعه استراباذ.وولى على أران سرهناسا وتكين الخادم.ثم ضمن فضلون بلاده وأعيد إليها.فلما قوي رجع إلى العصيان فسرح إليه ملك شاه الأمير بوزان فغلبه على البلاد وأسره ومات ببغداد سنة أربع وثمانين.وأقطع ملك شاه بلاد أران أصحاب باغي سياه صاحب إنطاكية.ولما مات باغي سياه رجع ابنه إلى ولاية أبيه.ثم أقطع السلطان بركيارق كنجة وأعمالها لمحمد كما قلناه سنة ست وثمانين.ولما اشتدوا واستفحل قتل أتابك قطلغ تكين واستولى على بلاد أران كلها ولحق مؤيد الملك عبد الله بن نظام الملك بعد مقتل صاحبه أنز فاستخلصه وقربه وأشار عليه مؤيد الملك فطلب الأمر لنفسه فخطب له بأعماله واستوزر مؤيد الملك.وقارن ذلك مقتل مجد الملك البأرسلاني المتغلب في دولة بركيارق فاستوحش أصحابه لذلك ونزعوا إلى محمد وساروا جميعاً إلى الري وكان بركيارق قد سبقهم إليها.واجتمع إليه الأمير نيال بن أبي شكين الحامي من أكابر الأمراء وعز الملك بن نظام الملك.ولما بلغه مسير أخيه محمد إليه رجع إلى أصفهان فمنعوه من الدخول فسار إلى خوزستان وملك محمد الري في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين ووجد بها زبيدة أم بركيارق قد تخلفت عن ابنها فحبسها مؤيد الملك وصادرها.ثم قتلها خنقاً بعد أن تنصح له أصحابه في شأنها فلم يقبل.وكان سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد قد استوحش من بركيارق فاتفق هو وكربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحب جزيرة ابن عمر وسرخاب بن بدر صاحب كنكسون وساروا إلى السلطان محمد بقم فخلع عليهم ورد كوهرائين إلى بغداد في شأن الخطبة فخطب له بالخليفة ولقبه حياة الدين والدنيا وسار كربوقا وجكرمش مع السلطان محمد إلى أصفهان والله سبحانه وتع إلى أعلم. مقتل البأرسلاني كان أبو الفضل سعد البأرسلاني ويلقب مجد الملك متحكماً عند السلطان بركيارق ومتحكماً في دولته.ولما فشا القتل في أمرائه من الباطنية استوحشوا ونسبوا ذلك للبأرسلاني وكان من أعظم من قتل منهم الأمير برسق فاتهم ابنه زنكي وأقبورني البأرسلاني في قتله ونزعوا عن بركيارق إلى السلطان محمد فاجتمع الأمراء ومقدمهم أمير الحيرة لكابك وطغايرك من الروز وبعثوا إلى بني برسق يستدعونهم للطلب بثار أبيهم فجاءوا واجتمعوا قريباً من همذان ووافقهم العسكر جميعاً على ذلك وبعثوا إلى بركيارق يطلبون البأرسلاني فامتنع وأشار عليه البأرسلاني بإجابتهم لئلا يفعلوا ذلك بغير رأي السلطان فيكون وهناً على الدولة فاستحلفهم السلطان فدفعه إليهم فقتله الغلمان قبل أن يتصل بهم وسكنت الفتنة وحمل رأسه إلى مؤيد الملك.واستوحش الأمراء لذلك من بركيارق وأشاروا عليه بالعودة إلى الري ويكفونه قتال أخيه محمد فعاد متشاغلاً ونهبوا سرادقه وساروا إلى أخيه محمد ولحق بأصفهان.ثم لحق رستاق كما تقدم. |
إعادة الخطبة ببغداد لبركيارق
ولما سار بركيارق إلى خوزستان ومعه نيال بن أبي شكين الحسامي مع عسكره سار من هنالك إلى واسط ولقيه صدقة بن مزيد صاحب الحفة.ثم سار إلى بغداد وكان سعد الدولة كوهرائين الشحنة على طاعة محمد فخرج عن بغداد ومعه أبو الغازي بن أرتق وغيره وخطب لبركيارق ببغداد منتصف صفر سنة ثلاث وتسعين بعد أن فارقها كوهرائين وأصحابه.وبعثوا إلى السلطان محمد ومؤيد الملك يستحثونهما فأرسلا إليهم كربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحب جزيرة ابن عمر يستكثرون بهم في المدافعة.وطلب جكرمش من كوهرائين السير لبلده خشية عليها فأذن له.ثم يئس كوهرائين وأصحابه من محمد فبعثوا إلى بركيارق بطاعتهم فخرج إليهم واسترضاهم ورجع إلى بغداد وقبض على عميد الدولة بن جهير وزير الخليفة وطالبه بما أخذ هو وأبوه من الموصل وديار بكر أيام ولايتهم عليها فصادرهم على مائة وستين ألف دينار.واستوزر الأغر أبا المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني وخلع الخليفة على بركيارق.المصاف الأول بين بركيارق ومحمد ومقتل كوهرائين وهزيمة بركيارق والخطبة لمحمد ثم سار بركيارق من بغداد لحرب أخيه محمد ومر بشهرزور فاجتمع إليه عسكر كثير من التركمان وكاتب رئيس همذان يستحثه فركب وسار للقاء أخيه على فراسخ من همذان في أول رجب من سنه ثلاث وتسعين وفي ميمنته كوهرائين وعز الدولة بن صدقة بن مزيد وسرخاب بن بدر وفى ميسرته كربوقا.وفي ميمنة محمد بن أضر وابنه أياز وفي ميسرته مؤيد الملك والنظامية.ومعه في القلب أمير سسرخو شحنة أصفهان.فحمل كوهرائين عن الميمنة على مؤيد الملك والنظامية فهزمهم وانتهى إلى خيامهم فنهبها.وحملت ميمنة محمد على عيسرة بركيارق فانهزموا.وحمل محمد على بركيارق فهزمه ووف محمد مكانه وعاد كوهرائين من طلب المنهزمين فكبا به فرسه فقتل.وجيء بالأغر أبي المحاسن يوسف وزير بركيارق أسيراً فكرمه مؤيد الملك ونصب له خيمة وبعثه إلى بغداد في الخطبة لمحمد فخطب له منتصف رجب من السنة.وكانت أولية سعد الدولة كوهرائين انه كان خادماً للملك أبي كاليجار بن بويه وجعله في خدمة أبنه أبي نصر.ولما حبسه طغرلبك مضى معه إلى قلعة طغرل فلما مات انتقل إلى خدمة السلطان ألب أرسلان وترقى عنده وأقطعه واسط وجعله شحنة بغداد وحضر يوم قتله فوقله بنفسه.ثم أرسله ملك شاه إلى بغداد في الخطبة وجاء بالخلع والتقليد وحصل له من نفوذ الأمر واتباع الناس ما لم يصل لغيره إلى أن قتل في هذه المعركة وولي شحنة بغداد بغداد أبلغمازي بن أرتق. مسير بركيارق إلى خراسان وانهزامه من أخيه سنجر ومقتل الأمير داود حبشي أمير خراسان لما انهزم بركيارق من أخيه محمد خلص في الفل إلى الري واجتمع له جموع من شيعته فسار إلى خراسان وانتهى إلى أسفراين.وكتب الأمير داود حبشي إلى التونطاق يستدعيه من الدامغان وكان أميراً على معظم خراسان وعلى طبرستان وجرجان فأشار عليه بالمقام بنيسابور فقصدها.وقبض على عميدها أبي محمد وأبي القاسم بن إمام الحرمين.ومات أبو القاسم في محبسه مسموماً.ثم زحف سنجر إلى الأمير داود فبعث إلى بركيارق يستدعيه لنجدته فسار إليه والتقى الفريقان بظاهر بوشنج وفي ميمنة سنجر الأمير برغش وفي ميسرته الأمير كوكر.ومعه في القلب الأمير رستم فحمل بركيارق على رستم فقتله وانقض الناس على سنجر وكاد ينهزم.وأخذ بركيارق أم سنجر أسيرة وشغل أصحاب بركيارق بالنهب فحمل عليهم برغش وكوكر فانهزموا واستمرت الهزيمة على بركيازق وهرب الأمير داود فجيء به إلى برغش أسيراً فقتله.وسار بركيارق إلى جرجان ثم إلى الدامغان ودخل البرية.ثم استدعاه أهل أصفهان وجاءه جماعة من الأمراء منهم جاول صباوو وسبقه محمد إلى أصفهان فعدل عنها إلى عسكر مكرم.المصاف الثاني بين بركيارق ومحمد وهزيمة محمد وقتل وزيره مؤيد الملك والخطبة لبركيارق لما انهزم بركيارق أمام سنجر سنة ثلاث وتسعين وسار إلى أصفهان فوجد أخاه محمداً قد سبقه إليها فعدل عنها إلى خوزستان ونزل إلى عسكر مكرم.وقدم عليه هناك الأميران زنكي والبكي ابنا برسق سنة أربع وتسعين وساروا معه إلى همذان.وهرب إليه الأمير أياز في خمسة آلاف من عسكر محمد لأن أميراً آخر مات في تلك الأيام وظنوا أن مؤيد الملك دس عليه وزيره فسمه.وكان أياز في جملة أمير أضر فقتل الوزير المتهم ولحق بركيارق.ثم وصل إليه سرخاب بن كنجر وصاحباه فاجتمع له نحو من خمسين ألف فارس.ولقيه محمد في خمسة عشر ألفاً واستأمن أكثرهم إلى بركيارق يوم المصاف أول جمادى الأخيرة سنة أربع وتسعين.واستولت الهزيمة على محمد وجيء بمؤيد الملك أسيراً فوبخه ثم قتله بيده لأنه كان سيىء السيرة مع الأمراء كثير الحيل في تدبير الملك.ثم بعث الأغر أبو المحاسن وزير بركيارق أبا إبراهيم الاستراباذي لاستقصاء أموال مؤيد الملك وذخائره ببغداد فحمل منها ما لا يسعه الوصف.يقال إنه وجد في ذخائره ببلاد العجم قطعة بلخش زنتها أربعون مثقالا.واستوزر محمد بعده خطيب الملك أبا منصور محمد بن الحسين.ثم سار السلطان بركيارق إلى الري ووفد عليه هنالك كربوقا صاحب الموصل ودبيس بن صدقة وأبوه يومئذ صاحب الحفة.وسار السلطان قافلا إلى جرجان وبحث إلى أخيه سنجر يستجديه فبعث إليه ما أقامه.ثم طلبه في المحد فسار إليه سنجر من خراسان.ثم سارا جميعاً إلى الدامغان فخرباها وسار إلى الري واجتمعت عليه النظامية وغيرهم فكثرت جموعهم.وكان بركيارق بعد الظفر قد فرق عساكره لضيق الميرة ورجع دبيس بن صدقة إلى أبيه.وخرج بأذربيجان داود بن إسماعيل بن ياقوتي فبعث لقتاله قوام الدولة كربوقا في عشرة آلاف واستأذنه أياز في المسير إلى ولايته بهمذان ويعود بعد الفطر فبقي في قلة من العساكر.فلما بلغه قرب أخيه محمد وسنجر اضطرب حاله وسار إلى همذان ليجتمع مع أياز فبلغه أنه قد راسل أخاه محمداً وأطاعه فعاد إلى خوزستان.ولما انتهى إلى تستر استدعى ابن برسق وكان من جملة أياز فلم يحضر وتأخر فأمنه فسار نحو العراق فلما بلغ حلوان لحق به أياز وكان راسل محمداً فلم يقبله.وبعث عساكره إلى همذان فلحق بهمذان أياز.وأخذ محمد محلة أياز بهمذان وكانت كثيراً من كل صنف وصودر أصحابه " " بهمذان بمائة ألف دينار.وسار بركيارق وأياز إلى بغداد فدخلها منتصف ذي القعدة من سنة أربع وتسعين وطلب من الخليفة المال للنفقة فبعث إليه بعد المراجعة بخمسين ألف دينار.وعاث أصحاب بركيارق في أموال الناس وضجروا منه ووفد عليه أبو محمد عبد الله بن منصور المعروف بابن المصلحية قاضي جبلة من سواحل الشام منهزماً من الإفرنج بأموال جليلة المقدار فأخذها بركيارق منه.وقد تقدم خبر ابن المصلحية في دولة العباسيين.ثم بعث وزير بركيارق الأغر بالمحاسن إلى صدقة بن مزيد صاحب الحلة في ألف ألف دينار يزعم أنها تخلفت عنده من ضمان البلاد وتهدده عليها فخرج عن طاعة بركيارق وخطب لمحمد أخيه.وبعث إليه بركيارق في الحضور والتجاوز عن ذلك.وضمن له أياز جميع مطالبه فأبى إلا أن يدفع الوزير واستمر على عصيانه وطرد عامل بركيارق عن الكوفة واستضافها إليه. |
مسير بركيارق عن بغداد ودخول محمد وسنجر إليها
ولما استولى السلطان محمد وأخوه سنجر على همذان سار في اتباع بركيارق إلى حلوان فقدم عليه هنالك أبو الغازي ابن أرتق في عساكره وخدمه وكثرت جموعه فسار إلى بغداد وبركيارق عليل بها فاضطرب أصحابه وعبروا به إلى الجانب الغربي.ووصل محمد إلى بغداد آخر سنة أربع وتسعين وتراءى الجمعان بشاطئ دجلة وجرت بينهم المراماة والنشاب وكان عسكر محمد ينادون عسكر بركيارق يا باطنية.ثم سار بركيارق إلى واسط ونهب عسكره جميع ما مروا عليه ودخل محمد إلى دار المملكة ببغداد وجاءه توقيع المستظهر بالاستبشار بقدومه وخطب له.ونزل الملك سنجر بدار كوهرائين ووفد على السلطان محمد ببغداد صدقة صاحب الحلة في محرم سنة خمس وسبعين. مقتل بركيارق الباطنية كان هؤلاء الباطنية قد ظهروا بالعراق وفارس وخراسان وهم القرامطة والدعوة بعينها دعوتهم إلا أنهم سموا في هذه الأجيال بالباطنية والإسماعيلية والملاحدة والفداوية.وكل اسم منها باعتبار فالباطنية لأنهم يبطنون دعوتهم والإسماعيلية لانتساب دعوتهم في أصلها لإسماعيل بن الإمام جعفر الصادق.والملاحدة لأن بدعتهم كلها إلحاد.والفداوية لأنهم يفادون أنفسهم بالمال على قتل من يسلطون.والقرامطة نسبة إلى قرمط منشئ دعوتهم.وكان أصلهم من البحرين في المائة الثالثة وما بعدها.ثم نشأ هؤلاء بالمشرق أيام ملك شاه فأول ما ظهروا بأصفهان.واشتد في حصار بركيارق وأخيه محمود وأمه خاتون فيها.ثم ثارت عامة أصفهان بهم بإشارة القضاة وأهل الفتيا فقتلوهم في كل جهة وحرقوهم بالنار.ثم انتشروا واستولوا على القلاع ببلاد العجم كما تقدم في أخبارهم.ثم أخذ بمذهبهم نيران شاه بن بدران شاه بن قاروت بك صاحب كرمان حمله عليه كاتب من أهل خوزستان يسمى أبا زرعة.وكان بكرمان فقيه من الحنفية يسمى أحمد بن الحسين البلخي مطاعاً في الناس فخشي من نكيره فقتله فهرب عنه صاحب جيشه وكان شحنة البلد ولحق بالسلطان محمد ومؤيد الملك بأصفهان.وثار الجند بعده بتيران شاه فسار إلى مدينة كرمان فمنعه أهلها ونهبوه فقصد قلعة سهدم واستجار بصاحبها محمد بهستون.وبعث أرسلان شاه عساكر لحصارها فطرده بهستون وبعث مقدم العساكر في طلبه فجيء به أسيراً وبأبي زرعة الكاتيب معه فقتلهما أرسلان شاه واستولى على بلاد كرمان.وكان بركيارق كثيراً ما يسلطهم على من يريد قتله من الأمراء مثل أنز شحنة أصفهان وأرغش وغيرهم فأمنوا جانبه وانتشروا في عسكره واغروا الناس ببدعتهم وتجاوزوا إلى التهديد عليها حتى خافهم أعيان العسكر.وصار بركيارق يصرفهم على أعدائه والناس يتهمونه بالميل إليهم فاجتمع أهل الدولة وعذلوا بركيارق في ذلك فقبل نصيحتهم وأمر بقتل الباطنية حيث كانوا فقتلوا وشردوا كل مشرد.وبعث إلى بغداد بقتل أبي إبراهيم الاستراباي الذي بعثه أبو الأغر لاستقصاء أموال مؤيد الملك وكان يتهم بمذهبهم فقتل.وقتل بالعسكر الأمير محمد من ولد علاء الدين بن كاكويه وهو صاحب مدينة تيرد وكان يتهم بمذهبهم.وسعى بالكيا الهراسي مدرس النظامية أنه باطني فأمر السلطان محمد بالقبض عليه حتى شهد المستظهر ببراءته وعلو درجته في العلم فأطلقه وحسمت علة الباطنية بين الجمهور.وبقي أمرهم في القلاع التي ملكوها إلى أن انقرضوا كما تقدم في أخبارهم مستوفى.المصاف الثالث بين بركيارق ومحمد والصلح بينهما ولما رحل بركيارق عن بغداد إلى واسط ودخل إليها السلطان محمد أقام بها إلى منتصف المحرم من سنة خمس وتسعين.ثم رحل إلى همذان وصحبه السلطان سنجر لقصد خراسان موضع إمارته وجاءت الأخبار إلى المستظهر باعتزام بركيارق على المسير إلى بغداد ونقل له عنه قبائح من أقواله وأفعاله فاستدعى السلطان محمداً من همذان وقال أنا أسير معك لقتاله فقال محمد أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين ورجع ورتب ببغداد أبا المعالي شحنة وكان بركيارق لما سار من بغداد إلى واسط هرب أهلها منه إلى الزبيدية ونزل هو بواسط عليلا فلما أفاق أراد العبور.إلى الجانب الشرقي فلم يجد سفناً ولا نواتية.وجاءه القاضي أبو علي الفارسي إلى العسكر واجتمع بالأمير أياز والوزير فاستعطفهما لأهل واسط وطلب إقامة الشحنة بينهم فبعثاه وطلبا من القاضي من يعبر فأحضر لهم رجالاً عبروا بهم.فلما صاروا في الجانب الشرقي نهب العسكر البلد فجاء القاضي واستعطفهم فمنعوا النهب.واستأمن إليهم عسكر واسط فأمنوهم.وسار بركيارق إلى بلاد نج برسق في الأهواز وساروا معه ثم بلغه مسير أخيه محمد عن بغداد فسار في اتباعه إلى نهاوند إلى أن أدركه وتصافوا ولم يقتتلوا لشدة البرد.ثم عاودوا في اليوم الثاني كذلك.وكان الرجل يخرج لقريبه من الصف الآخر فيتصافحان ويتساءلان ويفترقان ، ^? ثم جاء الأمير بكراج وعبر من عسكر محمد إلى الأمير أياز والوزير الأغر فاجتمعوا وعقدوا الصلح بين الفريقين على أن السلطان بركيارق لا يعترض أخاه محمداً في الطبل وتكون المكاتبة بينهما من الوزيرين ولا يعارض أحد من العسكر في قصد أيهما شاء.والملك محمد يضرب له ثلاث نوب ويكون له من البلاد حرة وأعمالها وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل ويمده بركيارق بالعساكر على من يمتنع عليه منها.وتحالفا على ذلك وافترقا.وكان العقد في ربيع الأول سنة خمس وتسعين.وسار بركيارق إلى ساوة ومحمد إلى استراباذ وكل أمير على إقطاعه.والله سبحانه وتع إلى أعلم. انتقاض الصلح والمصاف الرابع بين السلطانين وحصار محمد بأصفهان لما انصرف السلطان محمد إلى استراباذ وكان اتهم الأمراء الذين سعوا في الصلح بالخديعة فسار إلى قزوين ودس إلى رئيسها لأن يصنع صنيعاً ويدعوه إليه مع الأمراء ففعل وجاء السلطان إلى الدعوة.وقد تقدم إلى أصحابه بحمل السلاح ومعه يشتمك وافتكين من أمرائه فقبض عليهما وقتل يشمك وسمل افتكين.وورد عليه الأمير نيال بن أنشوكس الحسامي نازعاً عن أخيه بركيارق ، ^? ولما التقى الفريقان حمل سرخاب بن كيخسرو " " الديلمي صاحب ساوة على نيال الحسامي فهزمه واتبعه عامة العسكر واستولت الهزيمة على عسكر محمد.ومضى بعضهم إلى طبرستان وبعضهم إلى قزوين وذلك في جمادى من سنة خمس وتسعين لأربعة أشهر من المصاف قبله.ولحق محمد في الفل بأصفهان ومعه نيال الحسامي وأصفهان في حكمه فحضنها وسد ما ثلم من سورها وأعمق الخندق وفرق الأمراء في الأسوار وعلى الأبواب ونصب المجانيق.وجاء بركيارق في خمسة عشر ألف مقاتل فأقام محاصراً للبلد حتى اشتد الحصار وعدمت الأقوات.واستقرض محمد المال للجند من أعيان البلدة مرة بعد أخرى فلما جهده الحصار خرج من البلد ومعه الأمير نيال وترك باقي الأمراء.وبعث بركيارق الأمير أياز في عسكر لطلبه فلم يدركه وقيده بل أدركه وذكره العهد فرجع عنه بعد أن أخذ رايته وجشره وثلاثة أحمال من المال.ولما خرج محمد عن أصفهان طمع المفسدون والسوادية في نهبها فاجتمع منهم ما يزيد على مائة ألف وزحفوا بالسلالم والذبابات وطموا الخندق وصعدوا في السلالم بإشارة أهل البلد وجدوا في دفاعهم وعادوا خائبين.ورحل بركيارق آخر ذي القعدة من سنة خمس وتسعين واستخلف على البلاد القديم الذي يقال له شهرستان مرشد الهراس في ألف فارس مع ابنه ملك شاه وسار إلى همذان.وفي هذا الحصار قتل وزير بركيارق الأغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني عرض له يوماً بعض الباطنية عندما ركب من خيمته لباب السلطان طعنه طعنات وتركه بآخر رمق وقتل غلام من غلمان بعض المكوس للوزير ثار فيه بمولاه.وكان كريماً واسع الصدر وولي الوزارة على حين فساد القوانين وقلة الجباية فكان يضطر لأخذ أموال الناس بالإخافة فنفرت الصفوة منه.ولما مات استوزر بركيارق بعده الخطير أبا منصور الميبذي كان وزيراً لمحمد وقد وكله في الحصار ببعض الأبواب فبعث إليه محمد نيال بن أبي شكين يطالبه بالأموال لإقامة العسكر فخرج من الباب ليلا ولحق ببلده وامتنع بقلعتها فأرسل السلطان بركيارق إليها عساكر وحاصروها حتى استأمن وجاء عند قتل وزيره الأغر.فاستوزره بركيارق مكانه والله تع إلى أعلم بغيبه. مسير صاحب البصرة إلى واسط كان صاحب البصرة لهذا العهد إسماعيل بن أرسلان حين كان السلطان ملك شاه شحنة بالري وولاه عليها عندما اضطر أهلها وعجز الولاة عنهم فحسنت كفايته وأثخن فيهم وأصلح أمورها.ثم عزل عنها وأقطع السلطان بركيارق البصرة للأمير قماج وكان ممن لا يفارقه فاختار إسماعيل لولاية البصرة.ثم نزع قماج عن بركيارق وانتقل إلى خراسان فحدثت إسماعيل نفسع بالاستبداد بالبصرة وانتقض وزحف إليه مهذب الدولة بن أبي الخير من البطيحة ومعقل بن صدقة بن منصور بن الحسين الأسدي من الجزيرة في العساكر والسفن فقاتلوه في مطاري.وقتل معقل بسهم أصابه فعاد ابن أبي الخير إلى البطيحة فأخذ إسماعيل السفن وذلك سنة إحدى وتسعين.أسرهما واستفحل أمره بالبصرة.وبنى قلعة بالأبلة وقلعة الشاطئ قبالة مطاري.وأسقط كثيراً من المكوس واتسعت إمارته لشغل السلاطين بالفتنة.وملك المسبار أضافها إلى ما بيده.ولما كان سنة خمس وتسعين طمع في واسط وداخل بعض أهلها وركب إليها السفن إلى نعما جار وخيم عليها بالجانب الشرقي أياماً.ودافعوه فارتحل راجعاً حتى ظن خلاء البلد من الحامية فدس إليها من يضرم النار بها ليرجعوا فرجع عنهم.فلما دخل أصحابه البلد فتك أهل البلد فيهم وعاد إلى البصرة منهزماً فوجد الأمير أبا سعيد محمد بن نصر بن محمد صاحب الأعمال لعمان وجنايا وشيراز وجزيرة بني نفيس محاصراً للبصرة.وكان أبو سعيد قد استبد بهذه الأعمال منذ سنين.وطمع إسماعيل في الاستيلاء على أعماله وبعث إليها السفن في البدر فرجعوا خائبين فبعث أبو سعيد خمسين من سفنه في البحر فظفروا بأصحاب إسماعيل واتفقوا معهم على الصلح ولم يقع منه وفاء به فسار أبو سعيد بنفسه في مائة سفينة.وأرسى بفوهة نهر الأبلة ووافق دخول إسماعيل من واسط فتزاحفوا براً وبحراً.فلما رأى إسماعيل عجزه عن المقاومة كتب إلى ديوان الخليفة بضمان البلد.ثم تصالحا ووقعت بينهما المهادنة وأقام إسماعيل مستبداً بالبصرة إلى أن ملكها من يده صدقة بن مزيد في المائة الخامسة كما مر في أخباره وهلك برامهرمز.وفاة كربوقا صاحب الموصل واستيلاء جكرمش عليها واستيلاء سقمان بن أرتق على حصن كيفا كان السلطان بركيارق أرسل كربوقا إلى أذربيجان لقتال موعود بن إسماعيل بن ياقوتي الخارج بها سنة أربع وتسعين فاستولى على أكثر أذربيجان من يده.ثم توفي منتصف ذي القعدة سنة خمس وتسعين وكان معه أصبهيذ صباوو بن خمارتكين وسنقرجة من بعده.وأوصى الترك بطاعته فسار سنقرجة إلى الموصل واستولى عليها.وكان أهل الموصل لما بلغهم وفاة كربوقا قد استدعوا موسى التركماني من موضع نيابته عن كربوقا بحصن كيفا للولاية عليهم فبادر إليهم وخرج سنقرجة للقائه فظن أنه جاء إليه وجرت بينهما محاورات.ورد سنقرجة الأمر إلى السلطان فآل الأمر بينهما إلى المطاعنة.وكان مع موسى منصور بن مروان بقية أمراء ديار بكر.وضرب سنقرجة فأبان رأسه وملك موسى البلد.ثم زحف جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر إلى نصيبين فملكها وخالفه موسى إلى الجزيرة فبادر إليه جكرمش وهزمه.واتبعه إلى الموصل فحاصره بها فبعث موسى إلى سقمان بن أرتق بديار بكر يستنجده على أن يعطيه حصن كيفا فسار سقمان إليه.وأفرج عنه جكرمش.وخرج موسى للقاء سقمان فقتله مواليه ورجع سقمان إلى كيفا.وجاء جكرمش إلى الموصل فحاصرها وملكها صلحاً واستلحم قتلة موسى.ثم استولى بعد ذلك على الخابور وأطاعه العرب والأكراد.وأيمما سقمان بن أرتق فسار بعد مقتل موسى إلى حصن كيفا واستمر بيده.قال ابن الأثير وصاحبها الآن في سنة خمس وعشرين وستمائة محمود بن محمد بن الفراء.وكان صاحبها سنة عشرين وستمائة غازي بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق والله تعالى أعلم. |
أخبار نيال بالعراق
كان نيال بن أبي شتكين الحسامي مع السلطان محمد بأصفهان لما حاصرها بركيارق بعد المصاف الرابع سنة خمس وتسعين فلما خرج محمد من الحصار إلى أذربيجان ومعه نيال استأذنه في قصد الري ليقيم بها دعوتهم وسار هو وأخوه علي وعسف بأهل الري وصادرهم.وبعث السلطان بركيارق الأمير برسق بن برسق في ربيع من سنة ست وتسعين فقاتله وهزمه واستولى برسق على الري وأعاده على ولاية بقزوين وسلك نيال على الجبال وهلك كثير من أصحابه وخلص إلى بغداد فأكرهه المستظهر وأظهر طاعة السلطان محمد.وتحالف هو وأبو الغازي وسقمان بن أرتق على مناصحة السلطان محمد وساروا إلى صدقة بن مزيد بالحفة فاستحلفوه على ذلك.ثم إن نيال بن أبي شتكين عسف بأهل بغداد وتسلط عليهم وصادر العمال فاجتمع الناس إلى أبي الغازي بن أرتق.وكان نيال صهره على أخته التي كانت زوجاً لتتش لا وطلبوا منه أن يشفع لهم عنده.وبعث المستظهر إليه قاضي القضاة أبا الحسن الدامغاني بالنهي عما يرتكبه فأجاب وحلف.ثم نكث فأرسل المستظهر إلى صدقة بن مزيد يستدعيه فوصل في شوال من السنة واتفق مع نيال على الرحيل من بغداد.ورجع إلى حلته وترك ولده دبيساً يزعج نيال للخروج فسار نيال إلى أوان وعاث في السابلة وأقطع القرى لأصحابه.وبعث إلى صدقة فأرسل إليه العساكر وخرج فيها أبو الغازي بن أرتق وأصحاب المستظهر فسار نيال إلى أذربيجان ورجعوا عنه. ولاية كمستكين النصيري شحنة بغداد وفتنته مع أبي الغازي وحربه كال أبو الغازي بن أرتق شحنة بغداد ولاه عليها السلطان محمد عند مقتل كوهرائين.ولما ظهر الآن بركيارق على محمد وحاصره بأصفهان.ونزل بركيارق همذان وأرسل إلى بغداد كمستكين النصيري في ربيع سنة ست وتسعين.وسمع أبو الغازي بمقدمه قاستدعى أخاه سقمان بن أرتق من حصن كيفا يستنجده وسار إلى صدقة بن مزيد فخالفه على النصرة والمدافعة.ورجع إلى بغداد ووصل إليه أخو سقمان بعد أن نهب في طريقه.ووصل كمستكين إلى قرقيسيا ولقيه شيعة بركيارق وخرج أبو الغازي وسقمان عن بغداد ونهب قرى دجيل واتبعتهما العساكر.ثم رفعت عنهما وأرسل كمستكين إلى صدقة صاحب المحلة فامتنع عن طاعة برقيارق وسار من الحلة إلى صرصر وقطع خطبة بركيارق وعبر بغداد واقتصر على الدعاء للخليفة وبعث صدقة إلى أبي الغازي وسقمان يعرفهما بوصوله وهما بالحرني وجاء إلى دجيل ونهب القرى واشتد فسادهم.وأضر ذلك بحال بغداد في غلاء الأسعار.وجاء أبو الغازي وسقمان ومعهما دبيس بن صدقة فخيموا بالرملة وقاتلهم العامة ففتكوا فيهم.وبعث المستظهر قاضي القضاة أبا الحسن الدامغاني ولاج الرؤساء بن الرحلات إلى صدقة بن مزيد بمراجعة الطاعة فشرط خروج كمستكين عن بغداد فأخرجه المستظهر إلى النهروان.وعاد صدقة إلى الحلة وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداد.ثم سار كمستكين النصيري إلى واسط وخطب فيها لبركيارق ونهب عسكره سوادها فسار صدقة وأبو الغازي إليه وأخرجاه من واسط.وتحصن بدجلة فقصده صدقة فانفض عنه أصحابه ورجع إلى صدقة بالأمان فأكرمه وعاد إلى بركيارق.وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط وبعده لصدقة وأبي الغازي وولى كل واحد فيها ولده.وعاد أبو الغازي إلى بغداد وعاد صدقة إلى الحلة وبعث ابنه منصوراً مع أبي الغازي يطلب الرضا من المستظهر لأنه كان سخطه من أجل هذه الحادثة.المصاف الخامس بين بركياق ومحمد كان السلطان محمد لما سار عن كنجة وبلاد أران استخلف بها الأمير غزغلي وأقام بها في طائفة من عسكره مقيماً خطبة السلطان محمد في جميع أعماله إلى زنجان من آخر أذربيجان.فلما انحصر محمد بأصفهان سار غزغلي لإنجاده ومعه منصور بن نظام الملك ومحمد ابن أخيه مؤيد الملك فانتهوا إلى الري وملكوها آخر خمس وتسعين.ولقوا السلطان محمداً بهمذان عندما خرج من أصفهان ومعه نيال بن أبي شتكين وأخوه علي وأقاموا معه بهمذان.ثم جاء الخبر بمسير بركيارق إليهم فتوجه السلطان محمد قاصداً شروان وانتهى إلى أذربيجان فبعث إليه مودود بن إسماعيل بن ياقوتي الذي كان بركيارق قتل أباه إسماعيل وكانت أخت مودود هذا تحت محمد وكان له طائفة من أعمال أذربيجان فاستدعى محمداً ليظاهره على بركيارق فسار إليه وانتهى إلى سقمان.وتوفي مودود في ربيع سنة ست وتسعين واجتمع عساكره على السلطان محمد وفيهم سقمان القطي ومحمد بن ياغي سياه الذي كان أبوه صاحب إنطاكية.ونزل أرسلان بن السبع الأحمر فسار إليهم بركيارق وقاتلهم على خراسان.وسار أياز من عسكر بركيارق وجاء من خلف السلطان محمد فانهزم محمد وأصحابه ولحق بارقيش من أعمال خلاط.ولقيه الأمير علي صاحب أرزن الروم فمضى إلى أصفهان وصاحبها منوجهر أخو فضلون الروادي ثم سار إلى هرمز.وأما محمد بن مؤيد الملك ابن نظام الملك فنجا من الوقعة إلى ديار بكر ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى بغداد.وكان أيام أبيه مقيماً ببغداد في جوار المدرسة النظامية فشكى إلى أبيه وخاطب كوهرائين بالقبض عليه فاستجار بدار الخلافة ولحق سنة اثنتين وتسعين بمجد الملك ألب أرسلاني وأبوه بكنجة عند السلطان محمد فلما خطب السلطان محمد لنفسه واستوزر أباه مؤيد الملك ولحق محمد هذا بأبيه ثم قتل أبوه وبقي في جملة السلطان محمد. استيلاء ملك بن بهرام على مدينة عانة كان ملك بن بهرام بن أرتق بن أخي أبي الغازي بن أرتق مالكاً مدينة سروج فملكها الفرنج من يده فسار عنها إلى عانة وغلب عليها بني العيش بن عيسى من خلاط وكانت لهم فقصدوا صدقة بن مزيد مستنجدين به فأنجدهم وجاء معهم فرحل ملك بن بهرام والتركمان عنها ودخلها بنو العيش وأخذ صدقة رهائنهم وعاد إلى الحلة فرجع ملك إليها في الذي رجل من التركمان وحاربها قليلا.ثم عبر المخاضة وملكها واستباح أهلها ومضى إلى هيت ورجع عنها.الصلح بين السلطانين بركيارق ومحمد ثم استقر الأمر آخراً بالسلطان بركيارق في الري وكان له الجبال وطبرستان وخوزستان وفارس وديار بكر والجزيرة والحرمين ولمحمد أذربيجان وبلاد أران وأرمينية وأصفهان والعراق جميعاً غير تكريت والبطائح بعضها وبعضها والبصرة لهما جميعاً وخراسان لسنجر من جرجان إلى ما وراء النهر يخطب فيها لأخيه محمد.وله من بعده والعساكر كلهم يتحكمون.عليهم بسبب الفتنة بينهما.وقد تطاول الفساد وعم الضرر واختلفت قواعد الملك فأرسل بركيارق إلى أخيه محمد في الصلح مع فقيهين من أماثل الناس ورغباه في ذلك وأعاد معهما رسلا آخرين.وتقرر الأمر بينهما أن يستقر محمد على ما بيده سلطاناً ولا يعارضه بركيارق في الطبل ولا يذكر اسمه في أعمال محمداً وأن المكاتبة تكون بين الوزيرين والعساكر بالخيار في خدمة من شاؤوا منهما.ويكون للسلطان محمد من النهر المعروف بأستراباذ إلى باب الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام والعراق بلاد صدقة بن مزيد وبقية الممالك الإسلامية وتحالفا على ذلك وانتظم الأمر وأرسل السلطان محمد إلى أصحابه بأصفهان بالخروج عنها لأخيه بركيارق واستدعاهم إليه فأبوا وجنحوا إلى خدمة بركيارق.وساروا إليه بحريم السلطان محمد الذي كانوا معهم فأكرمهم بركيارق ودلهم إلى صاحبهم.وحضر أبو الغازي بالديوان ببغداد.وسار المستظهر في الخطبة لبركيارق فخطب له سنة سبع وتسعين وكذلك بواسط.وكان أبو الغازي قبل ذلك في طاعة محمد فأرسل صدقاً إلى المستظهر يعذله في شأنه ويخبره بالمسير لإخراجه من بغداد.ثم سار صدقة ونزل عند الفجاج.وخرج أبو الغازي إلى عقرقوبا.وبعث لصدقة بأنه إنما عدل عن طاعة محمد للصلح الواقع بينه وبين أخيه وأنهما تراضيا على أن بغداد لبركيارق وأنا شحنة بها وإقطاعي حلوان فلا يمكنني التحول عن طاعة بركيارق فقبل منه ورجع إلى الحلة.وبعث المستظهر في ذي القعدة سنة سبع وتسعين بالخلع للسلطان بركيارق والأمير أياز والوزير الخطير واستحلفهم جميعاً وعاد إلى بغداد والله سبحانه ولي التوفيق.حرب سقمان وجكرمش الإفرنج قد تقم لنا |
استيلاء الإفرنج على معظم بلاد الشام وشغل الناس عنهم بالفتنة
وكانت حران لقراجا من مماليك ملك شاه.وكان غشوماً فخرج منها لبعض مذاهبه وولى عليها الأصفهاني من أصحابه فعصي فيها وطرد أصحاب قراجا منها ما عدا غلاماً تركياً اسمه جاولي جعله مقدم العسكر وأيس به فقرره وتركه وملك حران.وسار الإفرنج إليها وحاصروها.وكان بين جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر وسقمان صاحب كيفا حروب وسقمان يطالبه بقتل ابن أخيه فانتدبا لنصر المسلمين واجتمعا على الخابور وتحالفا.وسار سقمان في سبعة آلاف من التركمان وجكرمش في ثلاثة آلاف من الترك والعرب والأكراد والتقوا بالإفرنج على نهر بلخ فاستطرد لهم المسلمون نحو فرسخين ثم كروا عليهم فغنموا فيهم وقتلوا سوادهم.وأخذ القمص بردويل صاحب الرها أسره تركماني من أصحاب سقمان في نهر بلخ.وكان بيمند صاحب إنطاكية من الإفرنج وطنكري صاحب الساحل منهم قد كمنا وراء الجبل ليأتيا المسلمين من ورائهم عند المعركة.فلما عاينوا الهزيمة كمنوا بقية يومهم ثم هربوا فاتبعهم المسلمون واستلحموهم وأسروا منهم كثيراً وفلت بيمند وطنكري بدماء أنفسهم.ولما حصل الظفر للمسلمين عصي أصحاب جكرمش باختصاص سقمان وشق ذلك عليه وأراد أصحابه " " فأبى حذراً من افتراق المسلمين ورحل وفتح في طريقه غدة حصون.وسار جكرمش إلى حران ففتحها.ثم سار إلى الرها فحاصرها خمس عشرة ليلة وعاد إلى الموصل.وقاد من القمص بخمسة وثلاثين ألف ديناراً ومائة وستين أسيراً من المسلمين ، ^? ثم توفي السلطان بركيارق بن ملك شاه بنزدجرد في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين لاثنتي عشرة سنة ونصف من ملكه جاء إليها عليلا من أصفهان واشتد مرضه ببروجرد فولى عهده لابنه ملك شاه وعمره نحو من خمس سنين.وخلع عليه وجعل الأمير أياز كافله وأوصى أهل الدولة بالطاعة والمساعدة.وبعثهم إلى بغداد فأدركهم خبر وفاته بالطريق.ورجع أياز حتى دفنه بأصفهان وجمع السرادقات والخيام والجثر والشمسية لابنه ملك شاه.وكان بركيارق قد لقي في ملكه من الرخاء والشدة والحرب والسلم ما لم يلقه أحد.فلما استقر " " واستقامت سعادته أدركته المنية.ولما توفي خطب لابنه ملك شاه ببغداد وكان أبو الغازي قد سار من بغداد إليه وهو بأصفهان يستحثه إلى بغداد.وجاء معه فلما مات سار مع ابنه ملك شاه والأمير أياز إلى بغداد وركب الوزير أبو القاسم علي بن جهير فلقيهم به " " مالي.وحضر أبو الغازي والأمير طغايرك بالديوان وطلبا الخطبة لملك شاه فخطب له ولقب بألقاب جده ملك شاه. حصار السلطان محمد الموصل لما انعقد الصلح بين بركيارق ومحمد واختص كل منهما أعماله وكانت أذربيجان في قسمة محمد رجع محمد إلى أذربيجان ولحق به سعد الملك أبو المحاسن الذي كان نائباً بأصفهان بعد أن أبلى في المدافعة عنها.ثم سلمها بعد الصلح إلى نواب بركيارق واستوزره فأقام محمد إلى صفر من سنة ثمان وتسعين.ثم سار يريد الموصل على طريق مراغة ورحل وبلغ الخبر إلى جكرمش فاستعد للحصار وأدخل أهل الضاحية إلى البلد وحاصره محمد.ثم بعث له يذكره ما استقر عليه بينه وبين أخيه وأن الموصل والجزيرة له وعرض عليه خط بركيارق بذلك وبإيمانه عليه ووعده أن يقرها في عمالته فقال له جكرمش إن السلطان كتب إلي بعد الصلح بخلاف ذلك فاشتد في حصاره واشتد أهل البلد في المدافعة ونفس الله عنهم برخص الأسعار.وكان عسكر جكرمش مجتمعين قريباً من الموصل وكانوا يغزون على أطراف العسكر ويمنعون عنهم الميرة.ثم وصل الخبر عاشر جمادى الأولى بوفاة السلطان بركيارق فاستشار جكرمش أهل البلد فردوا النظر إليه واستشار الجند فأشاروا بطاعة السلطان محمد فأرسل إليه بذلك واستدعى وزيره سعد الملك فدخل عليه وأشار عليه بلقاء السلطان فخرج إليه على كره من أهله البلد فتلقاه السلطان بالكرامة وأعاده سريعاً إلى البلد ليطمئن الناس. استيلاء السلطان محمد على بغداد وخلع ملك شاه ابن أخيه ومقتل أياز قد كنا قدمنا صلح بركيارق وأخيه محمد من أنه يستقل بركيارق بالسلطنة وينفرد محمد بالأعمال التي ذكرنا وموت بركيارق أثر ذلك وتقديم ابنه ملك شاه ببغداد.فوصل الخبر بذلك إلى محمد وهو يحاصر الموصل فأطاعه جكرمش وسار محمد إلى بغداد ومعه جكرمش وسقمان القطبي مولى قطب الدولة إسماعيل بن ياقوتي عم ملك شاه ومحمد وغيرهما من الأعراء وجمع صدقة صاحب الحفة العساكر وبعث ابنه بدران ودبيسا إلى محمد يستحثانه وجاء السلطان محمد إلى بغداد فاعتزم الأمير أياز أتابك ملك شاه على دفاعه وخيم خارج بغداد وأشار عليه بذلك أصحابه وخالفهم وزيره أبا المحاسن الضبعي وأبلغ قي النصيحة له بطاعة السلطان فأقام متردداً ونزل محمد بالجانب الغربي وخطب له هنالك منفرداً ولهما معا في بعض الجوامع.واقتصر على سلطان العالم في بعضها.ورجع أياز إلى استحلاف الأمراء ثانياً فوقف بعضهم وقال لا فائدة في إعادة اليمين.وارتاب أياز عندها وبعث وزيره الضبعي أبا المحاسن لعقد الصلح مع السلطان واستحلافه فقرأ على وزيره سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد فدخل معه إلى السلطان وأجابه إلى ما طلب.وجاء معه من الغد قاضي القضاة والمفتيان واستحلفاه لأياز وللأمراء فحلف إلا أن ينال الحسامي و " " وقال أما ملك شاه فهو ابني وأنا أبوه.وجاء أياز من الغد وقارن وصول صدقة بن مزيد فأنزلهما واحتفى بهما وذلك آخر جمادى الأولى من سنة ثمان وتسعين.ثم احتفل أياز بعدها في عمل صنيع للسلطان في بيته وهي دار كوهرائين وأهدى إليه تحفاً من جملتها حبل البلخش الذي أخذه من تركة نظام الملك بن مؤيد الملك.واتفق أن أياز تقدم لمواليه بلبس السلاح ليعرضهم على السلطان وكان عندهم مصفعان فألبسوه درعاً تحت ثيابه وتناولوه بالنخس فهرب عنهم ودخل في حاشية السلطان مذعوراً فلمسوه فإذا الدرع تحت ثيابه فارتابوا.ونهض السلطان إلى داره ثم دعا الأمراء بعد ذلك بأيام " " فاستشارهم في بعث يبعثهم إلى ديار بكر " " أن أرسلان بن سليمان بن قطلمش قصدها فاتفقوا على الإشارة بمسير أياز وطلب هو أن يكون معه صدقة بن مزيد فأسعفه السلطان بذلك واستدعاهما لانفاذ ذلك.وقد أرصد في بعض المخادع بطريقهم جماعة لقتل أياز فلما مر بهم تعاورته سيوفهم وقطع رأسه وهرب صدقة وأغمي على الوزير.وهرب عسكر أياز فنهبوا داره.وأرسل السلطان من دفعهم عنها.وسار السلطان من بغداد إلى أصبهان وهذا أياز من موالي لسلطان ملك شاه.ثم سار في جملة ملك آخر فساء.وأما الضبعي وزير أياز فاختفى أشهراً.ثم حمل إلى الوزير سعد الملك في رمضان فلما وصل كان ذلك سبب رياسته بهمذان. استيلاء سقمان بن أرتق على ماردين لا موته كان هذا الحصن في ديار بكر أقطعه السلطان بركيارق لمغن كان عنده وكان حواليها خلق كثير من الأكراد يغيرون عليها ويخيفون سابلتها.واتفق أن كربوقا خرج من الموصل لحصار آمد وكانت لبعض التركمان فاستنجد بسقمان فسار لإنجاده.ولقب كربوقا ومعه زنكي بن أقسنقر وأصحابه وأبلوا ذلك اليوم بلاء شديداً فانهزم وأسر أبن أخيه ياقوتي بن أرتق فحبسه بقلعة ماردين عند المغني فبقي مدة محبوساً.وكثر خروج الأكراد بنواحي ماردين فبعث ياقوتي إلى المغني يسأله أن يطلقه ويقيم عنده بالريف لدفاع الأكراد ففعل وصار يغير عليهم في سائر النواحي إلى خلاط.وصار بعذر أجنا القلعة يخرجون للإغارة فلا يهيجهم.ثم حدثته نفسه بالتوثب على القلعة فقبض عليهم بعض الأيام بعد مرجعه من الإغارة ودنا من القلعة وعرضهم للقتل إن لم يفتحها أهلوهم ففتحوها وملكها.وجمع الجموع وسار إلى نصيبين وإلى جزيرة ابن عمر وهي لجركمش فكبسه جكرمش وأصحابه وأصابه في الحرب سهم فقتله.وبكاه جكرمش وكان تحت ياقوتي بنت عمه سقمان فمضت إلى أبيها.وجمعت التركمان وجاء " " بهم إلى نصيبين لطلب الثأر فبعث إليه جكرمش ما أرضاه من المال في ديته فرجع.وأقام بماردين بعد ياقوتي أخوه على طاعة جكرمش وخرج منها لبعض المذاهب وكتب نائبه بها إلى عمه سقمان بأنه تملك ماردين على جكرمش فبادر إليها سقمان واستولى عليها وعوض عنها ابن أخيه جبل جور وأقامت ماردين في حكمه مع حصن كيفا واستضاف إليها نصيبين.ثم بعث إليها فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس يستنجده على الإفرنج وكان استبد بها على الخلفاء العبيديين أهل مصر.وثار له الإفرنج عندما ملكوا سواحل الشام فبعث بالصريخ إلى سقمان بن أرتق سنة ثمان وتسعين فأجابه.وبينما هو يتجه للمسير وافاه كتاب طغتكين صاحب دمشق المستبد بها من موالي بني تتش يستدعيه لحضور وفاته خوفاً على دمشق من الفرنج فأسرع السير معتزماً على قصد طرابلس وبعدها فانتهى إلى القريتين وندم طغتكين على استدعائه وجعل يدبر الرأي مع أصحاد في صرفه.ومات هو بالقريتين فكفاهم الله تع إلى أمره.وقد كان أصحابه عندما أيقن بالموت أشاروا عليه بالعودة إلى كيفا فامتنع وقال هذا جهاد وإن مت كان لي ثواب شهيد. |
خروج منكبرس على السلطان محمد ونكبته
كان منكبرس بن يورس بن ألب أرسلان مقيماً بأصفهان وانقطعت عنه المواد من السلطان فخرج إلى نهاوند ودعا لنفسه وكاتب الأمراء بني برسق بخوزستان وبعثوا به إلى طاعته.وكان أخوهم زنكي عند السلطان محمد فقبض عليه وكاتب أخوته في التدبير على منكبرس فأرسلوا إليه بالطاعة حتى جاءهم فقبضوا عليه بخوزستان وبعثوا به إلى أصبهان فاعتقل مع ابن تتش وأطلق زنكي بن برسق وأعيد إلى مرتبته.وكانت إقطاع بني برسق الأسير وسابور وخوزستان وغيرها ما بين الأهواز وهمذان فعوضهم عنها بالدينور مقتل فخر الملك بن نظلم الملك قد ذكرنا قبل أن فخر الملك بن نظام الملك كان وزيراً لتتش ثم حبسه.ولما هزمه بركيارق وجده في محبسه أطلقه وكان أخوه مؤيد الملك وزيراً له فمال إليه فخر الدولة بسعاية مجد الملك الب أرسلاني وأستوزره سنة ثمان وثمانين.ثم فارق وزارته ولحق بسنجر بن ملك شاه بخراسان فاستوزره.فلما كان في آخر المائة الخامسة جاء باطني يتظلم إلى باب داره فأدخله يسمع شكواه فطعنه بخنجر فقتله وأمر السلطان سنجر بضربه فأقر على جماعة من الناس وقتل. ولاية جاولي سكاوو على الموصل وموت جكرمش كان جاولي سكاوو قد أستولى على ما بين خوزستان وفارس فعمر قلاعها وحصنها وأساء السيرة في أهلها.فلما استقل السلطان محمد بالملك خافه جاولي وأرسل السلطان إليه الأمير مودود بن أنوتكين فتحصن منه جاولي وحاصره مودود ثمانية أشهر.ودس جاولي إلى السلطان بطلب غيره فأرسل إليه خاتمه مع أمير آخر فسار إليه بأصفهان وجهزه في العساكر لجهاد الإفرنج بالشام واسترجاع البلاد منهم.وكان جكرمش صاحب الموصل قد قطع الحمل فأقطع السلطان الموصل وديار بكر والجزيرة لجاولي فسار إلى الموصل وجعل طريقه على البواريح فاستباحها أياماً.ثم سار إلى إربل وكان صاحبها أبو الهيجاء بن برشك الكردي الهرباني إلى جكرمش يستحثه فسار في عسكر الموصل والتقوا قريباً من إربل فانهزم أصحاب جكرمش.وكان يحمل في المحفة " " فقاتل عنده غلمانه وأحمد بن قاروت بك فخرج وانهزم إلى الموصل ومات.وجيء بجكرمش فحبسه ووصل من الغد إلى الموصله فولوا ازنكين ين جكرمش.وأقام بالجزيرة وقام بأمره غرغلي مولى مولى أبيه.وفرق الأموال والخيول وكتب إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم وكان قد شيد الموصل وبنى أسوارها وحصنها بالخندق.وبينما هو كذلك سار إليه قليج أرسلان من بلاد الروم باستدعاء غرغلي كما تقدم.وانتهى إلى نصيبين فرحل جاولي عن الموصل.ثم جاء البرسقي شحنة بغداد ونزل عن الموصل وخاطبهم فلم يجيبوه فرجع من يومه.وسار قليج أرسلان من نصيبين إلى الموصل وتأخر عنها جاولي إلى سنجار واجتمع أبو الغازي بن أرتق وجماعة من عسكر جكرمش.وجاء صريخ رضوان بن تتش من الشام على الإفرنج فسار إلى الرحبة وبعث أهل الموصل وعسكر جكرمش إلى قليج أرسلان بنصيبين واستحلفوا فحلف وجاء إلى الموصل فملكها في منتصف ختام المائة الخامسة.وخلع على ابن جكرمش وخطب لنفسه بعد الخليفة.وقطع خطبة السلطان محمد وأحسن إلى العسكر.وأخذ القلعة من غرغلي فولى جكرمش.وأقر القاضي أبا محمد عبد الله بن القاسم الشهرزوري على القضاء.وجعل الرئاسة لأبي البركات محمد بن خميس.وكان في جملة فلهم أرسلان إبراهيم بن نيال التركماني صاحب آمد ومحمد بن حموا صاحب خرتبرت.كان إبراهيم بن نيال ولاه تتش على آمد فبقيت بيده.وكان ابن حموا ملك خرتبرت من يد القلادروس ترجمان الروم.كانت له الرها وإنطاكية فملك سليمان قطلمش إنطاكية وبقيت له الرها وخرتبرت وأسلم القلادروس الرها.فلما ولي فخر الدولة بن جهير ديار بكر ضعف القلادروس عن الرها على يد ملك شاه وأمره عليها.ولما سار جاولي إلى الرحبة قاصداً صريخ رضوان بن تتش نزل عليها آخر رمضان من السنة وحاصرها وبها محمد بن السباق من بني شيبان ولاه عليها دقاق فاستبد بها وخطب لقليج أرسلان فحاصره جاولي وكتب إلى رضوان يستدعيه ويعده بالمسير معه للدفاع فجاء رضوان وحاصر معه الرحبة.ثم دس إلى جاولي جماعة من حامية الأسوار فوثبوا بها ودخلوا.وملك البلد وأبقى على محمد الشيباني وسار معه.ثم إن قليج أرسلان لما فرغ من أمر الموصل ولى عليها ابنه ملك شاه في عسكر ومعه أمير يدبره وسار إلى قتال جاولي ورجع عنه إبراهيم بن نيال إلى بلده آمد من الخابور فبعث إلى بلده في الحشد فعاجله جاولي بالحرب والتقوا في آخر ذي القعدة من السنة وانهزم أصحاب قليج أرسلان على دفاعه.وأعاد الخطبة للسلطان واستصفى أصحاب جكرمش.ثم سار إلى الجزيرة وبها حبيس بن جكرمش ومعه غرغلي من موالي أبيه فحاصره مدة ثم صالحه على ستة آلاف دينار ورجع إلى الموصل وأرسل ملك شاه من قليج أرسلان إلى السلطان محمد والله سبحانه وتع إلى أعلم. مقتل صدقة بن مزيد ولما استوحش صدقة بن مزيد صاحب الحلة من السلطان محمد سار إليه السلطان وملك أعماله ولقيه صدقة فهزمه السلطان وقتل في المعركة كما ذكرنا ذلك في أخبار صدقة في دولة ملوك الحلة والله سبحانه وتع إلى أعلم.قدوم ابن عمار صاحب طرابلس على السلطان محمد كان فخر الدولة أبو علي بن عمار صاحب طرابلس استبد بها على العبيديين فلما ملك الإفرنج سواحل الشام زعموا عليها الحصار فضاقت أحوالها.فلما انتظم الأمر للسلطان محمد واستقام ملكه قصده فخر الملك بن عمار صريخاً للمسلمين بعد أن استخلف على طرابلس ابن عمه ذا المناقب وفرق في الجند عطاءهم لستة أشهر ورتب الجامكية في مقاعدهم للقتال وسار إلى دمشق فلقيه طغتكين أتابك وخيم بظاهرها أياماً ورحل إلى بغداد فأركب السلطان الأمراء لتلقيه ولم يدخر عنه براً ولا كرامة وكذلك الخليفة.وأتحف السلطان بهدايا وذخائر نفيسة وطلب النجدة وضمن النفقة على العسكر فوعده بالنصر وأقام.ثم لقي الأمير حسين بن أتابك طغتكين ليسير بالعساكر إلى الموصل مع الأمير مودود لقتال صدقة جاولي ثم يسير حسين معه إلى الشام.ثم رحل السلطان عن بغداد سنة إحدى وخمسمائة لقتال صدقة واستدعى ابن عمار وهو بالنهروان فودعه.وسار معه الأمير حسين إلى دمشق وكان ابن عمار لما سار عن طرابلس استخلف عليها ابن عمه ذا المناقب فانتقض واجتمع مع أهل طرابلس على إعادة الدولة العلوية وبعثوا إلى الأفضل بن أمير الجيوش المستبد على الدولة بمصر بطاعتهم ويسألون الميرة فبعث إليهم شرف الدولة بن أبي الطيب والياً ومعه الزاد من الأقوات والسلام فدخل البلد وقبض على أهل ابن عمار وأصحابه واستصفى ذخائرهم وحمل الجميع إلى مصر في البحر. |
استيلاء مودود بن أبي شتكين على الموصل من يد جاولي
قد تقدم لنا استيلاء جاولي على الموصل من يد قليج بن أرسلان وابن جكرمش وهلاكهما على يده.واستفحل ملكه بالموصل وجعل السلطان محمد بن ألية ولاية ما يفتحه من البلاد له فقطع الحمل عن السلطان واستنفره لحرب صدقة فلم ينفر معه.وداخل صدقة بأنه معه فلما فرغ السلطان من أمر صدقة بعث مودود بن أبي شتكين في العساكر وولاه الموصل وبعث معه الأمراء ابن برشق وسقمان القطبي وأقسنقر البرسقي ونصر بن مهلهل بن أبي الشوك الكردي وأبو الهيجاء صاحب إربل مدداً فوصلوا الموصل وخيموا عليها فوجدوا جاولي قد استعد للحصار وحبس الأعيان وخرج عن البلد وترك بها زوجته هي وابنه برسق في ألف وخمسمائة مقاتل فأحسن في مصادرة الناس.واشتد عليهم الحصار فلما كان المحرم سنة اثنتين خرج بعض الحامية من فرجة من السور وأدخلوا منها مودود والعساكر وأقامت زوجة جاولي بالقلقة ثمانية أيام.ثم استأمنت وخرجت إلى أخيها يوسف بن برسق بأموالها واستولى مودود على الموصل وأعمالها.وأما جاولي فلما سار عن الموصل وحمل معه القمص الذي كان أسره بنعمان وأخذه منه جكرمش وسار به إلى نصيبين.وسأل من صاحبها أبو الغازي بن ارتق المظاهرة على السلطان فلم يجبه إلى ذلك ورحل عن نصيبين إلى ماردين بعد أن ترك ابنه مقيماً مع الحامية فتبعه جاولي ودخل عليه وحده بالقلعة متطارحاً عليه فأجابه وسار معه إلى نصيبين ثم إلى سنجار وحاصراها فامتنعت عليهما.ثم هرب أبو الغازي ليلاً إلى نصيبين وتركه فسار جاولي إلى الرحبة وأطلق القمص بردويل لخمس سنين من الصرة على مال قرره عليه وأسرى من المسلمين يطلقهم وعلى النصرة مهما طلبه.وأرسل إلى سالم بن مالك بقلعة جعفر حتى جاء ابن خالته جوسكر صاحب تل باشر من زعماء الفرنج وكان أسر مع القمص فافتدى بعشرين ألف دينار وأقام جوسكر رهينة وسار القمص إلى إنطاكية.ثم أطلق جاولي جوسكر وأخذ رهناً عنه صهره وصهر القمص وبعثه في إتمام ما ضمن.ولما وصل إلى إنطاكية أعطاه شكري صاحبها ثلاثين ألف دينار وخيلاً وسلاحاً وغير ذلك.وكانت الرها وسروج بيد القمص.ولما أسر ملك جكرمش الرها من أصحابه طلبها منه الآن فلم يجبه فخرج القمص مغاضباً له ولحق بتل باشر وقدم عليه جوسكر عندما أطلقه جاولي.ثم سار إليهما شكري يعاجلهما قبل اجتماع أمرهما فحاصرهما أياماً ورجع القمص وجوسكر على حصون إنطاكية واستمد أبو سيل الأرمني صاحب رعيان وكيسوم والقلاع شمالي حلب فأنجدهم بألف فارس.وسار إليهم شكري وحضر البترك وشهد جماعة من القسيسين والبطارقة أن أسمند خال شكري قال له عند ما ركب البحر إلى بلاده أعد الرها إلى القمص إذا خلص من الأسر فحكم البترك بإعادتها فأعادها تاسع صفر من السنة وعبر القمص الفرات ليرفع إلى جاولي المال والأسرى كما شرط له.وكان جاولي لما أطلق القمص سار إلى الرحبة ولقيه أبو النجم بدران وأبو كامل منصور وكانا مقيمين بعد قتل أبيهما عند سالم بن مالك فاستنجداه ووعداه أن يسير معهما إلى الحلة واتفقوا على تقديم أبي الغازي تكين.ثم قدم عليهم أصبهبذ صباوو وقد أقطعه السلطان الرحبة فأشار على جاولي بقصد الشام لخلوها عن العساكر والتجنب عن العراق وطريق السلطان فقبل إشارته وأحصر على الرحبة.ثم وفد عليه صريخ سالم بن مالك صاحب جعفر يستغيث به من بني نمير وكان حيوش البصري قد نزل على ابن سالم بالرقة وملكها وسار إليه رضوان من حلب فصالحه بنو نمير بالمال.ورجع عليهم فاستنجد سالم الآن جاولي فجاء وحاصر بني نمير بالرقة سبعين يوماً.فأعطوه مالا وخيلا ورحل عنهم واعتذر لسالم.ثم وصل جاولي إلى الأمير حسين بن أتابك قطلغ تكين كان أبوه أتابك السلطان محمد بكنجة فقتله وتقدم ولده هذا عند السلطان وبعثه مع ابن عمار ليصلح أمر جاولي وتسير العساكر كلها إلى الجهاد مع ابن عمار فأجاب جاولي لذلك وقال لحسين سر إلى الموصل ورحل العساكر عنها وأنا أعطيك ولدي رهينة وتكون الجباية لوال من قبل السلطان فجاء حسين إلى العساكر قبل أن يفتحوها فكلهم أجاب إلا الأمير موعود فإنه امتنع من الرحيل إلا بإذن من السلطان.وأقام محاصراً لها حتى افتتحها وعاد ابن قطلغ إلى السلطان فأحسن الاعتذار عن جاولي.وسار جاولي إلى بالس فملكها من أصحاب رضوان بن تتش وقتل جماعة من أهلها فيهم القاضي محمد بن عبد العزيز بن إلياس وكان فقيها صالحاً ، ^? ثم سار رضوان بن دقاق لحرب جاولي واستمد شكري صاحب إنطاكية فأمده بنفسه وبعث إلى القمص بالرها يستمده وترك له مال المفاداة فجاء إليه بنفسه ولحقه بمنبج.وجاء الخبر إلى جاولي باستيلاء مودود وعساكر السلطان على الموصل وعلى خزائنه فاضطرب أمره وانفض عنه كثير من أصحابه منهم زنكي بن أقسنقر وبكتاش.وبقي معه أصبهبذ صباوو وبدران بن صدقة وابن جكرمش وانضم إليه كثير من المتطوعة ونزل تل باشر وأتى عسكر رضوان وشكري وكاد أن يهزمهم لولا أن أصحابه ساروا عنه وسار في أتباعهم فأبوا عليه فمضى منهزماً.وقصد اصبهبذ الشام وبدران بن صدقة قلعة جعفر وابن جكرمش جزيرة ابن عمر وقتل من المسلمين خلق ونهب صاحب إنطاكية سوادهم.وهرب القمص وجوسكر إلى تل باشر.وكان المنهزمون من المسلمين يمرون بهم فيكرمونهم ويجيزونهم إلى بلادهم.ولحق جاولي بالرحبة فلقي بها سرايا مودود صاحب الموصل وخفي عنهم فارتاب في أمره ولم ير الخير له من قصد السلطان محمد ثقة بما ألقى إليه حسين بن قطلغ تكين في شأنه فأوغر في السير ولحق بالسلطان قريباً من أصفهان.ونزل حسين بن قطلغ فدخل به إلى السلطان فأكرمه وطلب منه بكتاش ابن عمه تتش واعتقله بأصفهان. |
مقتل مودود بن أنوتكين صاحب الموصل
كان السلطان محمد قد أمر مودوداً صاحب الموصل سنة خمس وخمسمائة بالمسير لقتال الإفرنج وأمده بسقمان القطبي صاحب ديار بكر وأرمينية وأياكي وزنكي ابني برسق أمراء همذان وما جاورها والأمير أحمد بك أمير مراغة وأبو الهيجاء صاحب إربل والأمير أبو الغازي صاحب ماردين وبعث إليه أياز مكانه فسار إلى سنجار وفتحوا حصوناً للإفرنج وحاصروا مدينة الرها فامتنعت عليهم وأقام الإفرنج على الفرات بعد أن طرقوا أعمال حلب فعاثوا فيها.ثم حاصر العساكر الإسلامية قلعة باشر فامتنعت ودخلوا إلى حلب فامتنع رضوان من لقائهم فعادوا ومات سقمان القطبي في دلاس فحمله أصحابه في تابوت إلى بلاده.واعترضهم أبو الغازي بن أرتق ليأخذهم فهزموه.ثم افترقت العساكر بمرض ابن برسق ومسير أحمد بن صاحب مراغة إلى السلطان لطلب بلاد سقمان القطبي واجتمع قطلغتكين صاحب دمشق بمودود ونزل معه على نهر القاضي.وسمع الإفرنج بافتراق العساكر فسارو إلى ماميا.وجاء السلطان ابن منقذ صاحب شيزر إلى مودود وقطلغتكين وحصرهما على الجهاد.ونزلوا جميعاً على شيزر ونزل الفرنج قبالتهم.ثم رأوا قوة المسلمين فعادوا إلى أفامية.ثم سار مودود سنة ست إلى الرها وسروج فعاث في نواحيها فكبسه جوسكر صاحب تلك باشر في الإفرنج ونال منه ، ^? ثم اجتمع المسلمون سنة سبع للجهاد باستنجاد قطلغتكين صاحب دمشق لمودود فاجتمع معه بمنزل صاحب سنجار وأياز بن أبي الغازي وعبروا الفرات إلى قطلغتكين وقصدوا القدس فسار إليهم صاحبها بقزوين ومعه جوسكر ومعه تل باشر على جيشه.ونزلوا الأردن واقتتلوا قريباً من طبرية فانهزم الإفرنج وقتل كثير منهم وغرق كثير في بحيرة طبرية ونهر الأردن وغنم المسلمون سوادهم.ثم لقيهم عسكر طرابلس وإنطاكية من الفرنج فاستعانوا بهم وعاودوا الحرب ونزلوا في جبل طبرية فحاصرهم فيه المسلمون ثم ساروا فعاثوا في بلاد الإفرنج ما بين عكا إلى القدس.ثم نزلوا دمشق وفرق مودود عساكره ووعدهم العود من قابل للجهاد.ودخل دمشق ليستريح عند قطلغتكين فصلى الجمعة في الجامع فطعنه باطني فأثواه وهلك لآخر يومه.واتهم قطلغتكين به وقتل الباطني من يومه.ولما بلغ الخبر السلطان بقتل مودود ولى على الموصل وأعمالها أقسنقر البرقي سنة ثمان وخمسمائة وبعث معه ابنه الملك مسعود في جيش كثيف وأمره بجهاد الإفرنج وكتب إلى الأمراء بطاعته فوصل إلى الموصل واجتمعت إليه عساكر النواحي فيهم عماد الدين زنكي بن أقسنقر ونمير صاحب سنجار.وسار البرسقي إلى جزيرة ابن عمر فأطاعه نائب مودود بها.ثم سار إلى ماردين فأطاعه أبو الغازي صاحبها وبعث ابنه ثم رحل إلى سميساط بعد أن خرب نواحي الرها وسروج وسميساط وكانت مرعش للإفرنج هي وكيسوم ورعيان وكان صاحبها كراسك.واتفقت وفاته وملكت زوجته بعده فراسلت البرسقي بالطاعة وبعث إليها رسوله فأكرمته ورجعته إلى البرسقي بالهدايا والطاعة.وفر عنها كثير من الإفرنج إلى إنطاكية.ثم قبض البرسقي على أياز بن أبي الغازي لاتهامه إياه في الطاعة فسار إليه أبو الغازي في العساكر وهزمه واستنقذ ابنه أياز من أسره كما ثرى في أخبار دولة أبي الغازي وبنيه.وبعث السلطان يهدده فوصل يده بقطلغتكين صاحب دمشق والفرنج وتحالفوا على التظاهر.ورجع أبو الغازي إلى ديار بكر فسار إليه قزجان بن مراجا صاحب حمص وقد تفرق عنه أصحابه فظفر به وأسره.وجاء قطلغتكين في عساكره وبعث إلى قزجان في إطلاقه قامتنع وهم بقتله فعاد عنه قطلغتكين إلى دمشق.وكان قزجان قد بعث إلى السلطان بخبره وانتظر من يصل في قتله فأبطأ عليه فأطلق أبا الغازي بعد أن توثق منه بالخلف وأعطاه ابنه أياز رهينة.ولما خرج سار إلى حلب وجمع التركمان وحاصر قزجان في طلب ابنه إلى أن جاءت عساكر السلطان. مسير العساكر لقتال أبي الغازي وقطلغتكين والجهاد بعدهما ولما كان ما ذكرناه من عصيان أبي الغازي وقطلغتكين على السلطان محمد وقوة الفرنج على المسلمين جهز السلطان جيشاً كثيراً مقدمهم الأمير برسق صاحب همذان ومعه الأمير حيوس بك والأمير كشغرة وعساكر الموصل والجزيرة وأمرهم بقتال أبي الغازي وقطلغتكين.فإذا فرغوا منهما ساروا إلى الفرنج فارتجعوا البلاد من أيديهم فساروا لذلك في رمضان من سنة ثمان وعبروا الفرات عند الرقة.وجاءوا إلى حلب وطلبوا من صاحبها لؤلؤ الخادم ومن مقدم العسكر المعروف بشمس الخواص تسليم حلب بكتاب السلطان في ذلك فتعلل عليهم وبعث إلى أبي الغازي وقطلغتكين بالخبر واستنجدهما فسار إليه في الذين وامتنعت حلب على عساكر السلطان فسار برسق بالعساكر إلى حماة وهي لقطلغتكين فملكها عنوة وسلمها إلى قرجان صاحب حمص بعهد السلطان له بذلك في كل ما يفتحونه من البلاد فثقل ذلك على الأمراء وتخاذلوا وتسلم قرجان حماة من برسق وأعطاه ابن أبي الغازي ابنه رهينة عنده.ثم سار أبو الغازي وقطلغتكين وشمس الخواص إلى إنطاكية مستنجدين بصاحبها بردويل وجاءهم بعد ذلك بغدوين صاحب القدس وصاحب طرابلس وغيرهما من الإفرنج واتفقوا على تأخير الحرب إلى انصرام الشتاء.واجتمعوا بقلعة أفامية وأقاموا شهرين وانصرم الشتاء والمسلمون مقيمون فوهنت عزائم الإفرنج وعادوا إلى بلادهم.وعاد أبو الغازي إلى ماردين وقطلغتكين إلى دمشق وسار المسلمون إلى كفر طاب من بلاد الإفرنج فحاصروه وملكوه عنوة وأسروا صاحبه واستلحموا من فيه.ثم ساروا إلى قلعة أفامية فامتنعت عليهم فعادوا إلى المعرة.وفارقهم حيوس بك إلى مراغة فملكه.وسارت العساكر من المعرة إلى حلب وقدموا أثقالهم وخيامهم فصادفهم بردويل صاحب إنطاكية في خمسمائة فارس وألفي راجل صريخاً لأهل كفر طاب.وصادف مخيم العسكر ففتك فيهم وفعل الأفاعيل وهم متلاحقون.وجاء الأمير برسق وعاين مصارعهم وأشار عليه أخوته بالنجاء بنفسه فنجا بنفسه.واتبعهم الإفرنج ورجعوا عنهم على فرسخ وعاثوا في المسلمين في كل ناحية.وقتل أياز بن أبي الغازي قتله الموكلون به.وجاء أهل حلب وغيرها من بلاد المسلمين ما لم يحتسبوه ويئسوا من النصرة ورجعت العساكر منهزمه إلى بلادها وتوفي برسق زنكي سنة عشر بعدها. ولاية حيوس بك ومسعود ابن السلطان محمد على الموصل ثم أقطع السلطان الموصل وما كان بيد أقسنقر البرسقي للأمير حيوس بك وبعث معه ابنة مسعوداً وأقام البرسقي بالرحبة وهي إقطاعه إلى أن توفي السلطان محمد. ولاية جاولي سكو على فارس وأخباره فيها ووفاته كان جلوقي سكاو لما رجع إلى السلطان محمد ورضي عنه ولاه فارس وأعمالها وبعث معه ابنه جعفري بك طفلاً كما فصل من الرضاع.وعهد إليه بإصلاحها فسار إليها ومر بالأمير بلحاجي في بلاده كليل وسرماة وقلعة اصطخر وكان من مماليك السلطان ملك شاه فاستدعاه للقاء جعفري بك.وتقدم إليه بأمر يأمر بالقبض عليه فقبض عليه ونهبت أمواله وكان أهله وذخائره في قلعة اصطخر وقد استناب فيها وزيره الخيمي ولم يمكنه إلا من بعض أهله فلما وصل جاولي إلى فارس ملكها منه وجعل فيها ذخائره.ثم أرسل إلى خسرو وهو الحسين بن مبارز صاحب نسا وأمير الشوامكار من الأكراد فاستدعاه للقاء جعفري بك من السلطان خشية مما وقع لبلداجي فأعرض عنه وأظهر الرجوع إلى السلطان ومضى رسول بخبره فبشر بانصرافه عن فارس فما أدى إليه الخبر إلا وجاولي قد خالطهم رجع من طريقه وأوغر في السير إليهم.ثم هرب خسرو إلى عدالج وفتك جاولي في أصحابه وماله.ثم سار جاولي إلى مدينة نسا فملكها ونهب جهرم وغيرها وسار إلى خسرو فامتنع عليه بحصنه فرجع إلى شيراز وأقام بها.ثم سار إلى كازرون فملكها وحاصر أبا سعيد بن محمد في قلعته مدة عامين وراسله في الصلح فقتل الرسول مرتين.ثم اشتد عليه الحصار واستأمن فأمنه وملك الحصن.ثم استوحش من جاولي فهرب وقبض على ولده وجيء به أسيراً فقتل.ثم سار جاولي إلى دار أبجرد فهرب صاحبها إلى كرمان وصاحبها أرسلان شاه بن كرمان شاه بن أرسلان بك بن قاروت بك فسار جاولي إلى حصار دار أبجرد فامتنعت عليه فخرج إلى البرية.ثم جاءهم من طريق كرمان كأنه مدد لهم من صاحب كرمان فأدخلوه فملك البلد واستلحم أهله.ثم سار إلى كرمان وبعث إلى خسرو مقدم الشوذكان يستدعيه للمسير ومعه فلم يجد بداً من موافقته.وجاء وصاحبه إلى كرمان وبعث إلى ملك كرمان.بإعادة الشوذكان الذين عنده فبعث بالشفاعة فيهم فاستخلص السلطان للرسول بالإحسان وحثه على صاحبه ووعده بأن يرد العساكر عن وجهه ويخذلهم عنه ما استطاع.وانقلب عنه إلى صاحبها في عساكر كرمان مع وزيره بالسيرجان فتراءى لهم أن جاولي عازم على مواصلتهم وانه مستوحش من اجتماع العساكر بالسيرجان.وأشار عليه بالرجوع فرجعوا وسار جاولي في أثر الرسول وحاصر حصناً بطرف كرمان فارتاب ملك كرمان بخبر الرسول.ثم اطلع عليه من غير جامعة فقتلة ونهب أمواله وبمعث العساكر لقتاله.واجتمع معهم صاحب الحصنن المحاصر وسلك بهم غير الجادة.وسمع جاولي بخبرهم فأرسل بعض الأمراء ليأتيه بالخبر فلم يجد بالجادة أحداً فرجع وأخبره أن عسكر كرمان قد رجع فاطمأن ولم يكن إلا قليل حتى بيتته عساكر كرمان في شوال سنة ثمان وخمسمائة فانهزم وفتكوا فيه قتلاً وأسراً وأدركه خسرو بن أبي سعد الذي كان قتل أباه فلما رآهما خاف عنهما فآنساه وأبلغاه إلى مأمنه بمدينة نسا ولحقه عساكره وأطلق ملك كرمان الأسرى وجهزهم إليه.وبينما هو يجهز العساكر لكرمان لأخذ ثأره توفي جعفري بك ابن السلطان في ذي الحجة من تسع لخمس سنين من عمره فقطعه ذلك عن معاداة كرمان.ثم بعث ملك كرمان إلى السلطان ببغداد في منع جاولي عنه فقال لا بد أن تسلم الحصن إلى حاصره جاولي في حد كرمان وانهزم عليه وهو حصن فرح.ثم توفي جاولي في ربيع سنة عشر فأمنوا إعادته والله سبحانه وتع إلى أعلم ، ^? |
وفاة السلطان محمد وملك ابنه محمود
ثم توفي السلطان محمد بن ملك شاه آخر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من ملكه بعد أن أجلس ولده محموداً على الكرسي قبل وفاته بعشر ليال.وفوض إليه أمور الملك فلما توفي نفذت وصيته لابنه محمود فأمره فيها بالعدل والإحسان وخطب له ببغداد وكان مناهز الحلم.وكان السلطان محمد شجاعاً عادلا حسن السيرة وله آثار جميلة في قتال الباطنية وقد مر ذكرها في أخبارهم ولما ولي قام بتدبير دولته الوزير أبو منصور وأرسل إلى المستظهر في طلب الخطبة ببغداد له في منتصف المحرم من سنة اثنتي عشرة.وأقر طهرون شحنة على بغداد وقد كان السلطان محمد ولاه عليها سنة اثنتين وخمسمائة.ثم عاد البرسقي وقاتله وانهزم إلى عسكر السلطان محمود على الحلة دبيس بن صدقة.وقد كان عند السلطان محمد منذ قتل أبوه صدقة وأحسن إليه وأقطعه.وولى على الحلة سعيد بن حميد العمري صاحب جيش صدقة.فلما توفي رغب من ابنه السلطان محمود بالعودة إلى الحلة فأعاده واجتمع عليه العرب والأكراد. وفاة المستظهر وخلافة ابنه المسترشد ثم توفي المستظهر بن المقتدي سنة اثنتي عشرة وخمسمائة منتصف ربيع الآخر ونصب للخلافة ابنه المسترشد واسمه الفضل وقد تقدم ذلك في أخبار الخلفاء. خروج مسعود ابن السلطان محمد على أخيه محمود تقدم لنا أن السلطان ولى على الموصل ابنه مسعوداً ومعه حيوس بك وأن السلطان محموداً ودبيس بن صدقة سارا إلى الحلة.فلما توفي السلطان محمد وولي ابنه محمود وسار مسعود من الموصل مع أتابك حيوس بك ووزيره فخر الملك علي بن عمار وقسيم الدولة وزنكي بن أقسنقر صاحب سنجار وأبي الهيجاء صاحب إربل وكرباوي بن خراسان صاحب البوازيج وقصدوا الحلة فدافعهم دبيس فرجعوا إلى بغداد.وسار البرسقي إلى قتالهم فبعث إليه حيوس بك بأنهم إنما جاءوا لطلب الصريخ على دبيس صاحب الحلة فاتفقوا وتعاهدوا ونزل مسعود بدار الملك ببغداد.وجاء الخبر بوصول عماد الدين منكبرس الشحنة.وقد كان البرسقي هزم ابنه حسيناً كما مر فسار بالعساكر إلى البرسقي فلما علم بدخول مسعود إلى بغداد عبر دجلة من النعمانية إلى دبيس بن صدقة فاستنجده.وخرج مسعود وحيوس بك والبرسقي ومن معهم للقائهم وانتهوا إلى المدائن فأتتهم الأخبار بكثرة جموع منكبرس ودبيس فرجعوا وأجازوا نهر صرصر ونهبوا السواد من كل ناحية.وبعث المسترشد إلى مسعود والبرسقي " " والحث على الموادعة والصلح وجاءهم الخبر بأن منكبرس ودبيس بعثا مع منصور أخي دبيس وحسين بن أرز وبني منكبرس عسكراً لحماية بغداد فرجع البرسقي إلى بغداد ليلا ومعه زنكي بن أقسنقر وترك ابنه عز الدين مسعوداً على العسكر بصرصر فالتقى " " ومنع عسكر منكبرس من العبور وأقام يومين.ثم وافاه كتاب ابنه بأن الصلح تم بين الفريقين بعده ففشل وعبر إلى الجانب الغربي ومنصور وحسين في أثره ونزلا عند جامع السلطان وخيم البرسقي عند القنطرة القبلية وخيم مسعود وحيوس بك عند المارستان ودبيس ومنكبرس تحت الرقة وعز الدين مسعود بن البرسقي عند منكبرس منفرداً عن أبيه.وكان سبب انعقاد الصلح أن حيوس بك أرسل إلى السلطان محمود يطلب الزيادة له وللملك مسعود فأقطعهما أذربيجان.ثم وصل الخبر بمسيرهما إلى بغداد فاستشعر منهما العصيان وجهز العساكر إلى الموصل فكتب إليه رسوله وبذلك ووقع الكتاب بيد منكبرس الشحنة فبعث إليه وضمن له إصلاح الحال له وللسلطان مسعود.وكان منكبرس متزوجاً بأم السلطان مسعود واسمها سرجهان فكان يؤثر مصلحته فاستقر الصلح واتفقوا على إخراج البرسقي من بغداد إلى الملك وأقام عنده واستقر منكبرس شحنة بغداد وساء أثره في الرعية وتعرض لأموال الناس وحرمهم وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فاستدعاه إليه فبقي يدافع.ثم سار خوفاً من عامة بغداد والله سبحانه وتع إلى أعلم. خروج الملك طغرل على أخيه السلطان محمود كان الملك طغرك بن السلطان محمد عند وفاة أبيه مقيماً بقلعة سرجهان وكان أبوه أقطعه سنة أربع سماوة وآوة وزنجان وجعل أتابكه الأمير شيركير الذي حاصر قلاع الإسماعيلية كما مر في أخبارهم وكان عمره يومئذ عشراً فأرسل السلطان محمد الأمير كسعدي أتابكاً له وأعجله إليه وكان كسعدي حاقداً عليه فحمل طغرل على العصيان ومنعه من المجيء إلى أخيه وانتهى ذلك إلى محمود فأرسل إلى أخيه بتحف وخلع وثلاثين ألف دينار ومواعد جميلة فلم يصيخوا إليها وأجابه كسعدي أننا في الطاعة ومعترصون لمراسم الملك فسار إليهم السلطان مغذاً ليكبيسهم وجعل طريقه على قلعة شهران التي فيها ذخائر طغرل وأمواله.ونمي الخبر إلى طغرل وكسعدي فخرجا من العسكر في خفية قاصدين شهران وأخلى الطريق عنها لما سبق من اللطف فوقعا على قلعة سرجهان.وجاء السلطان إلى العسكر فأخذ خزائن أخيه طغرك وفيها ثلاثمائة ألف دينار.ثم أقام بزنجان أياماً ولحق منها بالري ولحق طغرك وكسعدي بكنجة واجتمع إليه أصحابه وتمكنت الوحشة بينه وبين أخيه ، ^? |
فتنة السلطان محمود مع عمه سنجو
ولما توفي السلطان محمود وبلغ الخير إلى أخيه سنجر بخراسان أظهر من الجزع والحزن ما لم يسمع بمثله حتى جلس للعزاء على الرماد وأاغلق بابه سبعاً.ثم سمع بولاية ابنه محمود فنكر ذلك وعزم على قصد بلاد الجبل والعراق وطلب السلطنة لنفسه مكان أخيه.وكان قد سار إلى غزنة سنة ثمان وخمسين وفتحها وتنكر لوزيره أبي جعفر محمد بن فخر الملك أبي المظفر بن نظام الملك لما بلغه أنه أخذ عليه الرشوة من صاحب غزنة ليثنيه عن قصهه إليه وفعل مثل ذلك بما وراء النهر وامتحن أهل غزنة بعد فتحها وأخذ منها أموالا عظيمة وشكا إليه الأمراء إهانته إياهم قلما عاد إلى بلخ قبض عليه وقتله واستصفى أمواله وكانت لا يعبر عنها كان فيها من العين وحده ألف ألفط دينار مرتين واستوزر بعد شهاب الإسلام عبد الرزاق أبي أخي نظام الملك وكان يعرف بابن الفقير فلما مات أخوه السلطان لمحمد عزم على طلب الأمر لنفسه ثم إن السلطان محموداً بعث إليه يصطنعه بالهدايا والتحف وضمن له ما يزيد عن مائتي ألف دينار كل سنة وبعث في ذلك شرف الدين أنو شروان ببن خالد وفخر الدين طغرل فقال لهما سنجران ابن أخي صغير وقد تحكم عليه وزيره وعلى ابن عمر الحاجب فلا بد من المسير وبعث في مقدمته الأمير أنز.وسار السلطان محمود وبعث في مقدمته الحاجب علي بن محمد وكان حاجب أبيه قبله فلما تقاربت المقدمتان بعث الحاجب علي بن عمر إلى الأمير أنز وهو بجرجان بالعتاب ونوع من الوعيد فتأخر في جرجان فلحقته بعض العساكر ونالوا منه.ورجع الحاجب إلى السلطان محمود بالري فشكر له فعله وأقاموا بالري.ثم ساروا إلى كرمان وجاءته الأمداد من العراق مع منكبرس ومنصور بن صدقه أخي دبيس وأمراء فسار إلى همذان وتوفي وزيره الربيب فاستوزر أبا طالب الشهيري.ثم سار السلطان في عشرين ألفاً وثمانية عشر فيلا ومعه ابن الأمير أبي الفضل صاحب سجستان وخوارزم شاه محمد والأمير أنز والأمير قماج وكرشاسف بن ضرام بن كاكويه صاحب برد وهو صهره على أخته وكان خصيصاً بالسلطان محمد فاستدعاه بعد موته سنجر وتأخر عنه وأقطع بلده لقراجا السامر فبادر إليه وتراجعوا بقرب ساوة في جمادى ثالث عشر فسبقت عساكر السلطان محمود إلى الماء من أجل المسافة التي بين ساوة وخواسان ، ^? وكانت عساكر السلطان ثلاثين ألفاً ومعه الحاجب علي بن عمر وحنكنرس وأتابك غزغلي وبنو برسق وأقسنقر البخاري وقراجا الساني ومعه سبعمائة حمل من السلاح.فعندما اصطفوا جلى الحرب انهزم عساكر السلطان سنجر ميمنة وميسرة وثبت هو في القلب والسلطان محمود قبالته.وحمل السلطان سنجر في الذيلة فانهزمت عساكر السلطان محمود وأسر أتابك غزغلي وكان يكاتب السلطان سنجر بأنه يحمل إليه ابن أخيه فعاتبه على ذلك ثم قتله.ونزل سنجر في خيام محمود واجتمع إليه أصحابه ونجا محمود من الواقعة وأرسل دبيس بن صدقة للمسترشد في الخطبة لسنجر فخطب له أواخر جمادى الأولى من السنة وقطعت خطبة محمود.ثم إن السلطان سنجر رأى قلة أصحابه وكثرة أصحاب محمود فراسله في الصلح وكانت تحضه على ذلك والدته فامتنع ولحق البوسقي بسنجر وكان عند الملك مسعود بأذربيجان من يوم خروجه من بغداد فسار سنجر من همذان إلى الكرخ وأعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح ووعده بولاية عهده فأجاب وتحالفا على ذلك.وسار محمود إلى عمه سنجر في شعبان بهدية حافلة ونزل على جذته فتقبل منه سنجر وقدم له خمسة أفراس عربية.وكتب لعماله بالخطبة لمحمود بعده في جميع ولايته و إلى بغداد بمثل ذلك.وأعاد عليه جميع ما أخفه من بلاده سوى الري وصار محمود في طاعة عمه سنجر.ثم سار منكبرس عن السلطان محمود إلى بغداد رب دبيس بن صدقة من منعه من دخولها فعاد ووجه الصلح بين الملكين قد أسفر فقصد السلطان سنجر مستجيراً به من الاستبداد عليه ومسيره لشحنة بغداد من غير إذنه.ثم إن الحاجب علي بن عمر ارتفعت منزلته في دولته وكثرت سعاية الأمراء عنه فأضمر السلطان نكبته فاستوحش وهرب إلى قلعة له كان ينزل بها أهله وأمواله وسار منها إلى خوزستان.وكانت بنو برسق أسوري وابن أخويه أرغوي بن ملتكي وهدد بن زنكي بعثوا عسكراً يصدونه عن بلادهم ولقوه قريباً من تستر فهزموه وجاءوا به أسيراً.وكاتبوا السلطان محموداً بأمرهم فأمرهم بقتله وحمل رأسه إليه.ثم أمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين تهددوا إلى شحنة بغداد فعاد إليها وعزل نائب دبيس بن صدقة. استبداد علي بن سكمان بالبصرة كان السلطان محمد قد أقطع البصرة للأمير أقسنقر البخاري واستخلف عليها سنقر الشامي فأحسن السيرة.فلما توفي السلطان محمد وثب عليه غزغلي مقدم الأتراك الإسماعيلية - وكان يحج بالناس منذ سنين - وسنقر ألبا وملكا البصرة من يده وحبساه وذلك سنة إحدى وهم سنقر ألبا بقتله فعارضه غزغلي فلم يرجع وقتله.فقتله غزغلي به وسكن الناس.وكان بالبلد أمير اسمه علي بن سكمان حج بالناس وغالب عن هذه الواقعة فغض غزغلي لتمام الحج على يده وخشي أن يثأر منهم بسنقر ألبا لتقدمه عليهم فأوغر إلى عرب البرية فنهب الحاج وانثنى علي بن سكمان في الدفاع عنهم إلى أن قارب البصرة والعرب يقاتلونه فبعث إليه غزغلي بالمنع من البصرة فقصد القرى أسفل دجلة وصدق الحملة على العرب فهزمهم.ثم سار إليه غزغلي وقاتله فأصابه سهم فمات وسار علي بن سكمان إلى البصرة وملكها وكاتبه أقسنقر البخاري وصاحب عمان بالطاعة وأقر نوابه على أعماله وكان عند السلطان وطلبه أن يوليه البصرة فأبى وبقي ابن سكمان مستبدا بالبصرة إلى أن بعث السلطان أقسنقر البخاري إلى البصرة سنة أربع عشرة فملكها من علي بن سكمان.الكرج استيلاء الكرج على تفليس كان الكرج قديماً يغيرون على أذربيجان وبلاد أران.قال ابن الأثير والكرج هم الخزر وقد بينا الصحيح من ذلك عند ذكر الأنساب.وأن الخزر هم التركمان إلا أن يكون الكرج من بعض شعوبهم فيمكن.ولما استفحل ملك السلجوقية أمسكوا عن الإغارة على البلاد المجاورة لهم.فلما توفي السلطان محمد رجعوا إلى الغارة فكانت سراياهم وسرايا القفجاق تغير على البلاد.ثم اجتمعوا وكانت بلد الملك طغرك وهي أران ونقجوان إلى أوس مجاورة لهم فكانوا يغيرون عليها إلى العراق لملك بغداد.ونزل على دبيس بن صدقة فسار هو وأتابك كبغري ودبيس بن صدقة وأبي الغازي بن أرتق.وسار في ثلاثين ألفاً إلى الكرج والقفجاق فاضطرب المسلمون وانهزموا وقتل منهم خلق وتبعهم الكفار عشرة فراسخ.وعادوا عنهم وحاصروا مدينة تفليس وأقاموا عليها سنة وملكوها عنوة سنة خمس عشرة ووصل صريخهم سنة ست عشرة إلى السلطان محمود بهمذان فسار لصريخهم وأقام بمدينة تبريز وأنفذ عساكره إلى الكرج فكان من أمرها ما يذكر إن شاء الله تع إلى.الحرب بين السلطان محمود وأخيه مسعود قد تقدم لنا مسير مسعود إلى العراق وموت أبيه السلطان محمد وما تقرر بينهما من الصلح ورجوعه إلى الموصل بلده وأن السلطان محموداً زاده أذربيجان ولحق به قسيم الدولة البرسقي عندما طرده عن شحنة بغداد فأقطعه مسعود مراغة مضافة إلى الرحبة.وكاتب دبيس حيوس بك أتابك مسعود يحرضه على نكبة البرسقي وأنه يباطن السلطان محموداً ووعده على ذلك بالأموال وحرضهم على طلب الأمر لمسعود ليقع الاختلاف فيحصل له علو الكلمة كما حصل لأبيه في فتنة بركيارق ومحمد.وشعر البرسقي بسعاية دبيس فخشي على نفسه ولحق بالسلطان محمود فقبله وأعلى محله.ثم اتصل بالملك مسعود الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصفهاني الطغرائي وكان ابنه أبو الوليد محمد بن أبي إسماعيل يكتب الطغراء للملك مسعود فلما وصل أبوه استوزره مسعود وعزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس سنة ثلاث عشرة فأغرى مسعوداً بالخلاف على أخيه السلطان محمود فكتب إليهم السلطان بالترغيب والترهيب قأظهروا أمرهم وخاطبوا الملك مسعوداً بالسلطان وضربوا له النوب الخمس وإغذوا إليه السير وهو في خف من العسكر فسار إليهم قي خمسة عشر ألفا وفي مقدمته البرسقي.ولقيهم بعقبة أستراباز منتصف ربيع الأول سنة أربع عشرة فانهزم الملك مسعود وأصحابه وأسر جماعة من أعيانهم منهم الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي وزير الملك مسعود فأمر السلطان محمود بقتله وقال ثبت عندي فساد عقيدته وكان قتله لسنة من وزارته.وكان كاتباً شاعراً يميل إلى صناعة الكيمياء وله فيها تصانيف معدودة.ولما انهزم الملك مسعود لحق ببعض الجبال على اثني عشر فرسخاً من المعركة فاختفى فيه مع غلمان صغار وبعث يستأمن إلى أخيه فأرسل إليه أقسنقر البرسقي يؤمنه ويجيء به إليه وخالفه إليه بعض الأمراء فحرضه على اللحاق بالموصل وأذربيجان ومكاتبة دبيس ومعاودة الحرب فسار معه لذلك.وجاء البرسقي إلى مكانه الأول فلم يجنه فاتبعه إلى أن أدركه على ثلاثين فرسخاً وأعلمه حال أخيه من الرضا عنه وأعاده فرجع ولقيه العساكر بأمر السلطان محمود وأنزله عند أمه.ثم أحضره وهش له وبكى وخلطه بنفسه وذلك لثمانية وعشرين يوماً من الخطبة بأذربيجان وأما حيوس بك الأتابك فافترق عن السلطان من المعركة وسار إلى الموصل وجمع الغلال من سوادها.واجتمعت إليه العساكر وبلغه فعل السلطان مع أخيه فسار إلى الزاب مورياً بالصيد.ثم أجد السير إلى السلطان بهمذان فأمنه وأحسن إليه وبلغ الخبر بالهزيمة إلى دبيس وهو بالعراق فنهب البلاد وأخربها وبعث إليه السلطان فلم يصغ إلى كتابه ، ^? ولاية أقسنقر البرسقي على الموصل ثم على واسط وشحنة العراق ولما وصل حيوس بك إلى السلطان محمود بعثه إلى أخيه طغرل وأتابك كبغري فسار إلى كنجة وبقي أهل الموصل فوضى من غير وال وكان أقسنقر البرسقي قد أبلى في خدمة السلطان محمود ورد إليه أخاه مسعوداً يوم الهزيمة فعرف له حق نصحه وحسن أثره فأقطعه الموصل وأعمالها وما يضاف إليها كسنجار والجزيرة فسار إليها سنة خمس عشرة وتقدم إلى سائر الأمراء بطاعته.وأمره بمجاهدة الإفرنج واسترجاع البلاد منهم فوصل إلى الموصل وقام بتدبيرها وإصلاح أحوالها.ثم أقطعه سنة ست عشرة بعدها مدينة واسط وأعمالها مضافة إلى الموصل وجعله شحنة بالعراق فاستخلف عماد الدين زنكي بن أقسنقرة وبعثه إليها فسار إليها في شعبان من السنة. |
مقتل حيوس بك والوزير الشهيرمي
ثم إن السلطان بعد وصول حيوس بك بعثه لحرب أخيه طغرل كما قلناه وأقطعه أذربيجان فتنكر له الأمراء وأغروا به السلطان فقتله على باب هرمز في رمضان سنة عشر وأصله تركي من موالي السلطان محمد وكان عادلاً حسن السيرة ولما ولي الموصل والجزيرة وكان الأكراد بتلك الأعمال انتشروا وكثرت قلاعهم وعظم فسادهم فقصدهم وفتح كثيراً من قلاعهم كبلد الهكارية وبلد الزوزن وبلد النكوسة وبلد التخشيبة وهربوا منه في الجبال والشعاب والمضايق وصلحت السابلة وأمن الناس.وأما الوزير الكمال أبو طالب الشهيرمي فإنه برز مع السلطان دبيس إلى همذان وخرج في موكبه وضاق الطريق فتقدم الموكب بين يديه فوثب عليه باطني وطعنه بسكين فأنفنه واتبعه الغلمان فوثب عليه آخر فجذبه عن سرجه وطعنه طعنات ، ^? وشردهم الناس عنه فوثب آخر فجذبه وذلك لأربع سنين من وزارته.وكان سيئ السيرة ظلوماً غشوماً كثير المصادرات.ولما قتل رفع السلطان ما كان أحدث من المكوس. رجوع طغرل إلى طاعة أخيه السلطان محمود قد ذكرنا عصيان طغرل على أخيه السلطان محمود بالري سنة ثلاث عشرة وأن السلطان محمود سار إليه وكبسه فلحق برجهان.ثم لحق منها بكنجة وبلاد أران ومعه أتابك كبغري فاشتدت شوكته وقصد التغلب على بلاد أذربيجان وهلك كبغري في شوال سنة خمس عشرة ولحق بأقسنقر الأرمني صاحب مراغة ليقيم له الأتابكية وحرضه على قتال السلطان محمود فسار معه إلى مراغة ومروا بأردبيل فامتنعت عليهم فساروا إلى هرمز.وجاءهم الخبر هنالك بأن السلطان محمود بعث الأمير حيوس بك إلى أذربيجان وأقطعه البلاد وأنه وصل إلى مراغة في عسكر كثيف فساروا عن هرمز إلى خونج وانتقض عليهم وراسلوا الأمير شيركير الذي كان أتابك طغرل أيام أبيه يستنجد به.وكان كبغري الأتابك قبض عليه بعد السلطان محمد ثم أطلقه السلطان سنجر وعاد إلى أبهر وزنجان وكانت إقطاعه فأجاب داعيهم وسار أمامهم إلى أبهر ولم يتم أمرهم فراسلوا السلطان في الطاعة وعاد طغرل إلى أخيه وانتظم أمرهم ، ^? وكان وزير السلطان محمود شمس الملك بن نظام الملك وكان حظياً عنده فكثرت سعاية أصحابه فيه.وكان ابن عمه الشهاب أبو المحاسن وزير السلطان سنجر فتوفي واستوزر سنجر بعده أبا طاهر القمي عدواً لبني نظام الملك فأغرى السلطان سنجر حتى أمر السلطان محمود بنكبته فقبض عليه ودفعه إلى طغرل فحبسه بقلعة جلجلال.ثم قتله بعد ذلك وكان أخوه نظام الدين أحمد قد استوزره المسترشد وعزل به جلال الدين أبا علي بن صدقة فلما بلغه نكبة شمس الملك ومقتله عزل أخاه نظام الدين وأعاد ابن صدقة إلى وزارته والله سبحانه وتعالى أعلم. ظفر السلطان بالكرج ثم وفد سنة سبع عشرة على السلطان محمود جماعة من أهل دنباوند وشروان يستصرخونه على الكرج ويشكون ما يلقون منهم فسار لصريخهم.ولما تقارب الفئتان هم السلطان بالرجوع وأشار به وزيره شمس وتطارح عليه أهل شروان فأقام وباتوا على وجل.ثم وقع الاختلاف بين الكرج وقفجاق واقتتلوا ليلتهم ورحلوا منهزمين وعاد السلطان إلى همذان والله تع إلى أعلم. عزل البرسقي عن شحنة العراق وولاية برتقش الزكوي كان الخليفة المسترشد قد وقعت بينه وبين دبيس بن صدقة حروب شديدة بنواحي المباركة من أطراف عانة وكان البرسقي معه وانهزم دبيس فيها هزيمة شنيعة كما مر في أخباره وقصد غزنة صريخاً فلم يصرخوه فقصد المنتفق وسار بهم إلى البصرة فدخلوها واستباحوها وقتلوا سلمان نائبها فأرسل الخليفة إلى البرسقي بالنكير على إهمال أمر دبيس حتى فتك في البصرة فسار البرسقي إليه وهرب دبيس فلحق بالإفرنج وجاء معهم لحصار حلب فامتنعت فلحق بطغرل بن السلطان محمد يستحثه لقصد العراق كما مر ذلك في أخبار دبيس.وبقيت في نفس المسترشد عليه.ولحق بها أمثالها فتنكر له وبعث إلى السلطان محمود في عزله فعزله وأمره بالعود إلى الموصل لجهاد الإفرنج ووصل نائب برتقش إلى بغداد وأقام بها الشحنة وبعث السلطان ابناً له صغيراً ليكون معه على الموصل وسار البرسقي به ووصل الموصل وقام بولايتها.بداية أمر بني أقسنقر وولاية عماد الدين زنكي على البصرة كان عماد الدين زنكي في جملة البرسقي ولما أقطعه السلطان واسط بعث عليها زنكي فأقام فيها أياماً.ثم كان مسير البرسقي إلى البصرة في أتباع دبيس.فلما هرب دبيس عنها بعث البرسقي إليها عماد الدين زنكي فأقام بحمايتها ودفع العرب عنها.ثم استدعاه البرسقي عندما سار إلى الموصل فضجر من تلون الأحوال عليه واختار اللحاق بأصفهان فقدم استيلاء البرسقي على حلب لما سار دبيس إلى الإفرنج حرضه على حلب وأن ينوب فيها عنهم ووجدهم قد ملكوا مدينة صور وطمعوا في بلاد المسلمين.وساروا مع دبيس إلى حلب فحاصروها حتى جهد أهلها الحصار وبها يومئذ تاس بن " " ابن أرتق فاستنجد بالبرسقي صاحب الموصل وشرط عليهم أن يمكنوه من القلعة ويسلموها إلى نوابة.وسار إلى إنجادهم فأجفل عنهم الإفرنج ودخل إلى حلب فأصلح أمورها.ثم سار إلى كفر طاب فملكها من الإفرنج.ثم سار إلى قلعة إعزاز من أعمال حلب وصاحبها جوسكين فحاصرها وسارت إليه عساكر الإفرنج فانهزم وعاد إلى حلب فخلف فيها ابنه مسعوداً وعبر الفرات إلى الموصل. مسير طغرل ودبيس إلى العراق ولما ارتحل الإفرنج عن حلب فارقهم دبيس ولحق بالملك طغرل فتلقاه بالكرامة والمبرة وأغراه بالعراق وضمن له ملكه فساروا لذلك سنة تسع عشرة وانتهوا إلى دقوقا فكتب مجاهد الدين بهروز من تكريت إلى المسترشد بخبرهم فتجهز للقائهم وأمر برتقش الزكوي أن يتجهز معه خامس صفر وانتهى إلى الخالص وعدل طغرل ودبيس إلى طريق خراسان ثم نزلوا رباط جلولاء.ونزل الخليفة بالدسكرة في مقدمته الوزير جلال الدين ابن صدقة.وسار دبيس إلى جسر النهروان لحفظ المقابر وقد كان رأيه مع طغرل أن يسير طغرل إلى بغداد فيملكها وتقدم دبيس في انتظاره فقعد به المرض عن لحاقه وغشيتهم أمطار أثقلتهم عن الحركات.وجاء دبيس إلى النهروان طريحاً من التعب والبرد والجوع.واعترضوا ثلاثين حملا للخليفة جاءت من بغداد بالملبوس والمأكول فطعموا وأكلوا وناموا في دفء الشمس وإذا بالمسترشد قد طلع عليهم في عساكره بلغه الخبر بأن دبيساً.وطغرل خالفوه إلى بغداد فاضطرب عسكره وأجفلوا راجعين إلى بغداد فلقوا في طريقهم دبيساً كما ذكرنا على ديالي غرب النهروان وقف الخليفة عليه فقتل دبيس الأرض واستعطف حتى هم الخليفة بالعفو عنه ثم وصل الوزير ابن صدقة فثناه عن رأيه ووقف دبيس مع برتقش الزكوي يحادثه.ثم شغل الوزير بمد الجسر للعبور فتسلل دبيس ولحق بطغرل.وعاد المسترشد إلى بغداد ولحق طغرل ودبيس بهمذان فعاثوا في أعمالها وصادروا أهلها.وخرج إليهم السلطان محمود فانهزموا بين يديه ولحقوا بالسلطان سنجر بخراسان شاكين من المسترشد وبرتقش الشحنة والله أعلم بغيبه وأحكم. مقتل البرسقي وولاية ابنه عز الدين على الموصل ثم إن المسترشد تنكر للشحنة برتقش وتهدده فلحق بالسلطان محمود في رجب سنة عشرين فأغراه بالمسترشد وخوفه غائلته وأنه تعود الحروب وركب العيث ويوشك أن يمتنع عنك ويستصعب عليك فاعتزم السلطان على قصد العراق وبعث إليه الخليفة يلاطفه في الرد لغلاء البلاد وخرابها ويؤخره إلى حين صلاحها فصدق عنده حديث الزكوي وسار مجداً فعبر المسترشتد بأهله وولده وأولاد الخلفاء إلى الجانب الغربي في ذي القعدة راحلا عن بغداد والناس باكون لفراقه.وبلغ ذلك إلى السلطان فشق عليه وأرسل يستعطفه في العودة إلى داره فشرط عليه الرجوع عن العراق في القوت كما شرط أولاً فغضب السلطان وسار نحو بغداد والخليفة بالجانب الغربي ثم أرسل خادمه عفيفاً إلى واسط يمنع عنها نواب السلطان فسار إليه عماد الدين زنكي من البصرة وهزمه وفتك في عسكره قتلا وأسراً.وجمع المسترشد السفن إليه وسد أبواب قصره ووكل حاجب الباب ابن الصاحب بدار الخلافة.ووصل السلطان إلى بغداد في العاشر من ذي الحجة ونزل باب الشماسية.وأرسل المسترشد في العود والصلح وهو يمتنع.وجرت بين العسكرين مناوشة.ودخل جماعة من عسكر السلطان إلى دار الخليفة ونهبوا التاج أول المحرم سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فضج العامة لذلك ونادوا بالجهاد وخرج المسترشد من سرادقه ينادي بأعلى صوته.وضربت الطبول ونفخت البوقات ونصب الجسر وعبر الناس دفعة وعسكر السلطان مشتغلون بالنهب في دور الخلافة والأمراء وكان في دار الخلافة ألف رجل كامنون في السرداب فخرجوا عند ذلك ونالوا من عسكر السلطان وأسروا جماعة من أمرائه.ونهب العامة دور وزير السلطان وأمرائه وحاشيته وقتل منهم خلق.وعبر المسترشد إلى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد.ودفع السلطان وعسكره عن بغداد وحفر عليها الخنادق واعتزموا على كبس السلطان فأخافهم أبو الهيجاء الكردي صاحب إربل ركب للقتال فلحق بالسلطان ووصل عماد الدين زنكي من البصرة في جيش عظيم في البر والبحر أذهل الناس برؤيته فخام المسترشد عن اللقاء.وتردد الرسل بينهما فأجاب إلى الصلح وعفا السلطان عن أهل بغداد وأقام بها إلى عاشر ربيع الآخر.وأهدى إليه المسترشد سلاحاً وخيلا وأموالا ورحل إلى همذان.وولى زنكي بن أقسنقر شحنة بغداد ثقة بكفايته واستقامت أحواله مع الخليفة.وأشار به أصحابه ورأوا أنه يرفع الخرق ويصلح الأمر فولاه على ذلك مضافاً إلى ما بيده من البصرة وواسط وسار إلى همذان وقبض في طريقه على وزيره أبي القاسم علي بن الناصر الشادي اتهمه بممالأة المسترشد لكثرة سعيه في الصلح فقبض عليه واستدعى شرف الدولة أنو شروان بن خالد من بغداد فلحقه بأصفهان في شعبان واستوزره عشرة أشهر ثم عزله ورجع إلى بغداد وبقي أبو القاسم محبوساً إلى أن جاء السلطان سنجر إلى الري فأطلقه وأعاده إلى وزارة السلطان محمود آخر اثنتين وعشرين. وفاة عز الدين بن البرسقي وولاية عماد الدين زنكي على الموصل وأعمالها ثم استيلاؤه على حلب ولما استولى عز الدين على الموصل وأعمالها واستفحل أمره طمحت همته إلى الشام فاستأذن السلطان في المسير إليه.وسار إلى دمشق ومر بالرحبة فحاصرها وملكها.ثم مات إثر ذلك وهو عليها وافترقت عساكره وشغلوا عن دفنه.ثم دفن بعد ذلك ورجعت العساكر إلى الموصل وقام بالأمر مملوكه جاولي.ونصب أخاه الأصغر وأرسل إلى السلطان يطلب تقرير الولاية له.وكان الرسول في ذلك القاضي بهاء الدين أبو الحسن علي الشهرزوري وصلاح الدين محمد الباغسياني أمير حاجب البرسقي واجتمعا بنصير الدين جعفر مولى عماد الدين زنكي وكان بينه وبين صلاح الدين سر فخوفهما جعفر بن جاولي وحملهما على طلب عماد الدين زنكي وضمن لهما عنه الولايات والإقطاع فأجابوه وجاء بهما إلى الوزير شرف الدين أنو شروان بن خالد فقالا له إن الجزيرة والشام قد تمكن منهما الإفرنج من حدود ماردين إلى عريش وكان البرسقي يكفهم وقد قتل وولده صغير ولا بد للبلد ممن يضطلع بأمرها ويدفع عنها وقد خرجنا عن النصيحة إليكم فبلغ الوزير مقالتهما إلى السلطان فأحضرهما واستشارهما فذكرا جماعة منهم عماد الدين زنكي وبدلا عنه مقرباً إلى خزانة السلطان مالا جزيلا فولاه السلطان لما يعلم من كفايته وولى مكانه شحنة العراق مجاهد الدين بهروز صاحب تكريت وسار عماد الدين زنكي فبدأ بالبواريح وملكها ثم سار إلى الموصل وتلقاه جاولي مطيعاً وعاد إلى الموصل في خدمته فدخلها في رمضان وأقطع جاولي الرحبة وبعثه إليها وولى نصير الدين جعفراً قلعة الموصل وسائر القلاع وجعل صلاح الدين محمد الباغسياني أمير صاحب وولى بهاء الدين الشهرزوري قضاء بلاده جميعاً وزاده أملاكاً وإقطاعاً وشركه في رأيه.ثم سار إلى جزيرة ابن عمر وقد امتنع بها مماليك البرسقي فجد في قتالهم وكانت دجلة تحول بينه وبين البلد فعبر بعسكره الماء سبحاً واستولى على المسافة التي بين دجلة والبلد وهزم من كان فيها من الحامية حتى أحجزهم بالبلد وضيق حصارهم فاستأمنوا وأمنهم.ثم سار إلى نصيبين وهي لحسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي صاحب ماردين فحاصرها واستنجد حسام الدين ابن عمه ركن الدولة داود بن سكمان بن أرتق صاحب كيفا فأنجده بنفسه وأخذ في جمع العساكر.وبعث تمرتاش ماردين إلى نصيبين يعرف العساكر بالخبر وأن العساكر واصلة إليهم عن خمسة أيام وكتبه في رقعة وعلقها في جناح طائر فاعترضه عسكر زنجي وصادره وقرأ زنكي الرقعة وعوض الخمسة أيام بعشرين يوماً وأطلق الطائر بها إلى البلد فقرؤوا الكتاب وأسقط في أيديهم واستطالوا العشرين واستأمنوا لعماد الدين زنكي فأمنهم وملك نصيبين وسار عنها إلى سنجار فملكها صلحاً وبعث العساكر إلى الخابور فملكها.ثم سار إلى حران وخرج إليه أهل البلد بطاعتهم وكانت الرها وسروج والميرة ونواحيها للإفرنج وعليها جرسكين صاحب الرها فكاتب زنكي وهادنه ليتفرغ للجهاد بعد.ثم عبر الفرات إلى حلب في المحرم سنة اثنتين وعشرين وقد كان عز الدين مسعود بن أقسنقر البرسقي لما سار عنها إلى الموصل بعد قتل أبيه استخلف عليها قرمان من أمرائه.ثم عزله بآخر اسمه قطلغ أبه وكتب له إلى قرمان فمنعه إلا أن يرى العلامة التي بينه وبين عز الدين بن البرسقي فعاد قطلغ إلى مسعود ليجيء بالعلامة فوجده قد مات بالرحبة فعاد إلى حلب وأطاعه رئيسها فضائل بن بديع والمقدمون بها واستنزلوا قرمان من القلعة على ألف دينار أعطوه إياها وملك قطلغ القلعة منتصف إحدى وعشرين.ثم ساءت سيرته وظهر ظلمه وجوره.وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق وكان ملكها قبل وخلع عنها فدعاه الناس إلى البيعة وثاروا بقطلغ فامتنع بالقلعة فحاصروه.وجاء مهيار صاحب منبج وحسن صاحب مراغة لإصلاح أمرهم فلم يتفق وطمع الإفرنج في ملكها.وتقدم جوسكين بعسكره إليها فدافعوه بالمال.ثم وصل صاحب إنطاكية فحاصرهم إلى آخر السنة وهم محاصرون القلعة فلما ملك عماد الدين زنكي الموصل والجزيرة والشام فأطاعوا وسار عبد الجبار وقطلغ إلى عماد الدين بالموصل وأقام أحد الأميرين بحلب حتى بعث عماد الدين زنكي صاحبه صلاح الدين محمد الباغسياني في عسكر فملك القلعة ورتب الأمور وولى عليها.وجاء عماد الدين بعساكره في أثره وملك في طريقه منبج ومراغة.ثم دخل حلب وأقطع أعمالها الأجناد والأمراء وقبض على قطلغ أبه وسلمه لابن بديع فكحله فمات.واستوحش ابن بديع فهرب إلى قلعة جعفر وأقام عماد الدين مكانه في رئاسة حلب أبا الحسن علي بن عبد الرزاق. |
قدوم السلطان سنجر إلى الري
ثم قدوم السلطان محمود إلى بغداد الموصل طغرل ودبيس إلى السلطان سنجر بخراسان.حرضه دبيس على العراق والسلطان محمود قد اتفقا على الامتناع منه فسار سنجر وأخبر السلطان محمود باستدعائه فوافاه لأقرب وقت وأمر العساكر بتلقيه وأجلسه معه على التخت.وأقام السلطان محمود عنده إلى آخر اثنتين وعشرين.ثم رجع سنجر إلى خراسان بعد أن أوصى محمود بدبيس وأعاده إلى بلده ورجع محمود إلى همذان.ثم سار إلى العراق وخرج الوزير للقائه ودخل بغداد في تاسوعاء سنة ثلاث وعشرين.ثم لحقه دبيس بمائة ألف دينار في ولاية الموصل وسمع بذلك زنكي وجاء إلى السلطان وحمل المائة ألف مع هدايا جليلة فخلع عليه وأعاده وسار منتصف السنة عن بغداد إلى همذان بعد أن ولى الحلة مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد. وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود ثم توفي السلطان محمود بهمذان في شوال سنة خمس وعشرين لثلاث عشرة سنة من ملكه بعد أن كان قبض على جماعة من أمرائه وأعيان دولته.منهم عزيز الدولة أبو نصر أحمد بن حامد المستوفي وأبو شتكين المعروف بشيركين بن حاجب وابنه عمر خافهم الوزير أبو القاسم الشابادي فاغرى بهم السلطان فنكبهم وقتلهم.ولما توفي اجتمع الوزير أبو القاسم والأتاباك أقسنقر الأحمديلي وبايعوا لابنه داود وخطبوا له في جميع بلاد الجبل وأذربيجان.ووقعت الفتنة بهمذان وسائر بلاد الجبل.ثم سكنت وهرب الوزير إلى الري مستجيراً بالسلطان فأمر بها. منازعة السلطان مسعود لداود ابن أخيه واستيلاؤه على السلطان بهمذان لما هلك السلطان محمود سار أخوه مسعود من جرجان إلى تبريز فملكها فسار داود من همذان في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وحاصره بتبريز في محرم سنة ست وعشرين.ثم اصطلحوا وتأخر داود عن الأمر لعمه مسعود فسار مسعود من تبريز إلى همذان وكاتب عماد الدين زنكي صاحب الموصل يستنجده فوعده بالنصر وأرسل إلى المسترشد في طلب الخطبة ببغداد.وكان داود قد أرسل في ذلك قبله ورد المسترشد الأمر في الخطبة إلى السلطان سنجر.ودس إليه أن لا يأذن لواحد منهما وأن تكون الخطبة له فقط.وحسن موقع ذلك عنده وسار السلطان مسعود إلى بغداد وسبقه إليها أخوه سلجوق شاه مع أتابك قراجا الساقي صاحب فارس وخوزستان ونزل في دار السلطان واستخلفه الخليفة لنفسه.ولما سار السلطان مسعود أوعز إلى عماد الدين زنكي أن يسير إلى بغداد فسار من الموصل إليها وانتهى السلطان مسعود إلى عباسة الخالص وبرزت إليه عساكر المسترشد وسلجوق شاه.وسار قراجا الساقي إلى مدافعة زنكي فدافعه على المعشوق فهزمه وأسر كثيراً من أصحابه ومر منهزماً إلى تكريت وبها يومئذ نجم الدين أيوب أبو الأملاك الأيوبية فهيأ له المعابر وعبر دجلة إلى بلاده.وسار السلطان مسعود من العباسة وقاتلت طلائعه طلائع أخيه سلجوق وبعث سلخوق يستحث قراجا بعد انهزام زنكي فعاد سريعاً.وتأخر السلطان مسعود بعد هزيمة زنكي وأرسل إلى المسترشد بأن عمه سنجر وصل إلى الري عازماً على بغداد ويشير بمدافعته عن العراق وتكون العراق لوكيل الخليفة.ثم تراسل القوم واتفقوا على ذلك وتحالفوا عليه وأن يكون مسعود السلطان ولي العهد ودخلوا إلى بغداد فنزل مسعود ديار السلطان وسلجوق دار الشحنة والله سبحانه وتع إلى ولي التوفيق.هزيمة السلطان محمود وملك طغرل أخيه لما توفي السلطان محمود سار السلطان سنجر من خراسان إلى بلاد الجبال ومع طغرل ابن أخيه محمد وانتهى إلى الري.ثم سار إلى همذان فسار مسعود لقتاله ومعه قراجا الساقي وسلجوق شاه.وقد كان الخليفة عزم أن لا يتجهز معهم فأبطأ فبعثوا إليه قراجا فسار إلى خانقين وأقام وقطعت خطبة سنجر من العراق.وخالفهم إلى بغداد دبيس وزنكي وقد سمى إقطاعه لسنجر الحلة وزنكي ولاه شحنة بغداد فرجع المسترشد إلى بغداد لموافقتهما.وسار السلطان وأخوه سلجوق شاه للقاء سنجر.ثم سمعا بكثرة عساكره فتأخرا فسار في طلبهم يوماً وليلة.ثم تراجعوا عند الدينور.وكان مسعود يماطل باللقاء انتظاراً للمسترشد فلم يجد بداً من اللقاء فالتقوا على النقيبة وحمل قراجا عليهم وتورط في المعركة وأصيب بجراحات.ثم التفوا عليه وأسروه وانهزم من أصحاب مسعود قزل وقد كان واطأهم على الهزيمة فانهزم السلطان مسعود عند ذلك منتصف ستة وعشرين وقتل كثير من أكابر الأمراء.ونزل سنجر في خيامهم وأحضر قراجا فقتله وجيء إليه بالسلطان مسعود فأكرمه وأعاده إلى كنجة وخطب للملك طغرل ابن أخيه في السلطنة وخطب له في جميع البلاد.واستوزر له أبا القاسم الساباذي وزير السلطان محمود وعاد إلى نيسابور آخر رمضان سنة ست وعشرين وخمسمائة. |
هزيمة السلطان داود واستيلاء طغرل بن محمد على الملك
لما ولي طغرل همذان وولى عنه السلطان سنجر إلى خراسان وبلغه أن صاحب ما وراء النهر المرخان قد انتقض عليه فسار لإصلاحه وشغل بذلك فقام الملك داود بأذربيجان وبلاد كنجة وطلب الأمر لنفسه.وجمع العساكر وسار إلى همذان ومعه برتقش الزكوي وأتابك أقسنقر الأحمديلي ومعه طغرل بن برسق ونزل وقد استقر.ثم اضطرب عسكر داود وأحسوا من برتقش الزكوي بالفشل فنهب التركمان خيامه وهرب أقسنقر أتابك وانهزم في رمضان سنة ست وعشرين.ثم قدم بغداد في ذي القعدة ومعه أتابك أقسنقر فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان.عود السلطان مسعود إلى الملك وهزيمة طغرل قد تقدم لنا هزيمة السلطان مسعود من عمه سنجر وعوده إلى كنجة وولاية طغرل السلطان ثم محاربة داود ابن أخيه له وانهزام داود ثم رجوع داود إلى بغداد.فلما بلغ الخبر إلى مسعود جاء إلى بغداد ولقيه داود قريباً منها وترجل له عن فرسه ودخلا بغداد في صفر سنة سبع وعشرين.ونزل مسعود بدار السلطان وخطب له ولداود بعده وطلبا من السلطان عسكراً ليسير معهما إلى أذربيجان فبعث معهما العساكر إلى أذربيجان ولقيهم أقسنقر الأحمديلي في مراغة بالإقامة والأموال وملك مسعود بلاد أذربيجان وهرب بين يديه من كان بها من الأمراء وامتنعوا بمدينة أذربيجان فحاصرهم بها وملكها عليهم وقتل منهم جماعة وهرب الباقون.ثم سار إلى همذان لمحاربة أخيه طغرل فهزمه وملك همذان في شعبان من السنة ولحق طغرل بالري وعاد إلى أصفهان.ثم قتل أقسنقر الأحمديلي بهمذان غيلة ويقال إن السلطان مسعوداً دس عليه من قتله.ثم سار إلى حصار طغرل بأصفهان ففارقها طغرل إلى فارس وملكها مسعود وسار في أثر طغرل إلى البيضاء فاستأمن إليه بعض أمراء طغرل فأمنه.وخشي طغرل أن يستأمنوا إليه فقصد الري وقتل في طريقه وزيره أبا القاسم الساباذي في شوال من السنة ومثل به غلمان الأمير شيركين الذي سعى في قتله كما مر.ثم سار الأمير مسعود يتبعه إلى أن تراجعا ودارت بينهما حرب شديدة وانهزم طغرل وأسر من أمرائه الحاجب تنكي وأتى بقرا وأطلقهما السلطان مسعود وعاد إلى همذان والله تع إلى أعلم ، ^? ولما عاد مسعود من حرب أخيه طغرل بلغه انتقاض داود ابن أخيه محمود بأذربيجان فسار إليه وحاصره بقلعة " " فحصر جمع طغرل العساكر وتغلب على بلاده وسار إليه واستعمل بعض قواده فسار مسعود للقائه ولقيه عند قزوين.وفارق مسعود الأمراء الذين استمالهم طغرل ولحقوا به فانهزم مسعود في رمضان سنة ثمان وعشرين وبعث إلى المسترشد يستأذنه.في دخول بغداد فأذن له.وكان أخوه سلجوق بأصفهان مع نائبه فيها البقش السلاحي.فلما سمع بانهزامه سبقه إلى بغداد وأنزله المسترشد بدار السلطان وأحسن إليه بالأموال.ووصل مسعود وأكثر أصحابه رجلا فوسع عليه الخليفة بالإنفاق والمراكب والظهر واللباس والآلة ودخل دار السلطان منتصف شوال وأقام طغرل بهمذان. وفاة طغرل استيلاء مسعود على الملك ولما وصل مسعود إلى بغداد حمل إليه المسترشد ما يحتاج إليه وأمره المسير إلى همذان لمدافعة طغرل ووعده بالمسير معه بنفسه فتبطأ مسعود عن المسير واتصل جماعة من أمرائه بخدمة الخليفة.ثم أطلع على مداخلة بعضهم لطغرل فقبض عليه ونهب ماله وارتاب الآخرون فهربوا عن السلطان مسعود.وبعث المسترشد في إعادتهم إليه فدافعه ووقعت لذلك بينهما وحشة فقعد المسترشد عن نصره بنفسه.وبينما هم في ذلك وصل الخبر بوفاة أخيه طغرل في المحرم سنة تسع وعشرين فسار مسعود إلى همذان واستوزر شرف الدين أنو شروان بن خالد حمله من بغداد وأقبلت إليه العساكر فاستولى على همذان وبلاد الجبل. فتنة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وخلافة ابنه الراشد قد تقدم لنا أن الوحشة وقعت عندما كان ببغداد بسبب أمرائه الذين اتصلوا بخدمة المسترشد ثم هربوا عنه إلى السلطان مسعود فلما سار السلطان مسعود إلى همذان بعد أخيه طغرل وملكها استوحش منه جماعة من أعيان أمرائه منهم برتقش وقزل وقرا سنقر الخمار تكين والي همذان وعبد الرحمن بن طغرلبك ودبيس بن صدقة.وساروا إلى خوزستان ووافقهم صاحبها برسق بن برسق واستأمنوا إلى الخليفة فارتاب من دبيس وبعث إلى الآخرين بالأمان مع سديد الدولة بن الأنباري.وارتاب دبيس منهم أن يقبضوا عليه فرجع إلى السلطان مسعود وسار الآخرون إلى بغداد فاستحثوا المسترشد للمسير إلى قتال مسعود فأجابهم وبالغ في تكرمتهم.وبرز آخر رجب من سنة تسع وعشرين وهرب صاحب البصرة إليها وبعث إليه بالأمان فأبى فتكاسل عن المسير فاستحثوه وسهلوا له الأمر فسار في شعبان.ولحق به برسق بن برسق وبلغ عدة عسكره سبعة آلاف وتخلف بالعراق مع خادمه إقبال ثلاثة آلاف.وكاتبه أصحاب الأطراف بالطاعة وأبطأ في مسيره فاستعجلهم مسعود وزحفوا إليه فكان عسكره خمسة عشر ألفاً.وتسلل عن المسترشد جماعة من عسكره وأرسل إليه داود بن محمود من أذربيجان يشير بقصد الدينور والمقام بها حتى يصل في عسكره فأبى واستمر في مسيره.وبعث زنكي من الموصل عسكرا فلم يصل حتى تواقعوا.وسار السلطان محمود إليهم مجداً فوافاهم عاشر رمضان ومالت ميسرة المسترشد إليه وانهزمت ميمنته وهو ثابت لم يتحرك حتى أخذ أسيراً ومعه الوزير والقاضي وصاحب المحرر وابن الأنباري والخطباء والفقهاء والشهود فأنزل في خيمة ونهب مخيمه وحمل الجماعة أصحابه إلى قلعة ترجمعان.ورجع بقية الناس إلى بغداد.ورجع السلطان إلى همذان وبعث الأمير بك أبه إلى بغداد شحنة فوصلها سلخ رمضان ومعه عميد وقبضوا أملاك المسترشد وغلاتها وكانت بينهم وبين العامة فتنة قتل فيها خلق من العامة.وسار السلطان في شوال إلى مراغة وقد ترددت الرسل بينهما في الصلح على مال يؤديه المسترشد وأن لا يجمع العساكر ولا يخرج من داره لحرب ما عاش وأجابه السلطان وأذن له في الركوب.وحمل الغاشية وفارق المسترشد بعض الموكلين به فهجم عليه جماعة من الباطنية فألحموه جراحاً وقتلوه ومثلوا به جدعاً وصلباً وتركوه سليباً في نفر من أصحابه قتلوهم معه وتبع الباطنية فقتلوا وكان ذلك منتصف ذي القعدة سنة ست وعشرين لثمان عشرة سنة من خلافته.وكان كاتباً بليغاً شجاعاً قرماً.ولما قتل بمراغة كتب السلطان مسعود إلى بك أبه شحنة بغداد بأن يبايع لابنه فبويع ابنه الراشد أبو جعفر منصور بعهده إليه لثمانية أيام من مقتله وحضر بيعته جماعة من أولاد الخلفاء وأبو النجيب الواعظ.وأما إقبال خادم المسترشد فلما بلغه خبر الواقعة وكان مقيماً ببغداد كما قدمناه عبر إلى الجانب الغربي ولحق بتكريت ونزل على مجاهد الدين بهروز. |
فتنة الراشد مع السلطان مسعود
لما بويع الراشد بعث إليه السلطان مسعود برتقش الزكوي يطالبه بما استقر عليه الصلح مع أبيه المسترشد وهو أربعمائة ألف دينار فأنكر الراشد أن يكون له مال وإنما مال الخلافة كان مع المسترشد فنهب.ثم جمع الراشد العساكر وقدم عليهم كجراية وشرع في عمارة السور.واتفق برتقش مع بك أبه على هجوم دار الخلافة وركبوا لذلك في العساكر فقاتلهم عساكر الراشد والعامة وأخرجوهم عن البلد إلى طريق خراسان.وسار بك أبه إلى واسط وبرتقش إلى سرخس.ولما علم داود بن محمود فتنة عمه مسعود مع الراشد سار من أذربيجان إلى بغداد في صفر سنة ثلاثين ونزل بدار السلطان.ووصل بعده عماد الدين زنكي من الموصل وصدقة بن دبيس عن الحلة ومعه عش بن أبي العسكر يدبر أمره ويديره وكان أبوه دبيس قد قتل بعد ثم وصل جماعة من أمراء مسعود منهم برتقش بازدار صاحب فروق والبقش الكبير صاحب أصفهان وابن برسق وابن الأحمديلي.وخرج للقائهم كجراية والطرنطاي وكان إقبال خادم المسترشد قد قدم من تكريت فقبض عليه الراشد وعلى ناصر الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير فاستوحش أهل الدولة وركب الوزير جلال الدين بن صدقة إلى لقاء عماد الدين زنكي فأقام عنده مستحيراً حتى أصلح حاله مع الراشد.واستجار به قاضي القضاة الزينبي ولم يزل معه إلى الموصل.وشفع في إقبال فأطلق وسار إليه.ثم جد الراشد في عمارة السور وسار الملك داود لقتال مسعود استخلفه الراشد واستخلفه عماد الدين زنكي وقطعت خطبة مسعود من بغداد وولى داود شحنة بغداد برتقش بازدار.ثم وصل الخبر بأن سلجوق شاه أخا الأمير مسعود ملك واسط وقبض على الأمير بك أبه فسار الأمير زنكي لدفاعه فصالحه ورجع وعبر إلى طريق خراسان للحاق داود واحتشد العساكر.ثم سار السلطان مسعود لقتالهم وفارق زنكي داود ليسير إلى مراغة ويخالف السلطان مسعود إلى همذان.وبرز الراشد من بغداد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان وعاد بعد ثلاث.وعزم على الحصار ببغداد واستدعى داود الأمراء ليكونوا معه عنده فجاءوا لذلك ووصلت رسل السلطان مسعود بطاعة الراشد والتعريض بالوعيد للأمراء حصار بغداد ومسير الراشد إلى الموصل وخلعه وخلافة المقتفي ثم إن السلطان مسعود أجمع المسير إلى بغداد وانتهى إلى الملكية فسار زين الدين علي من أصحاب زنكي حتى شارف معسكره وقاتلهم ورجع.ونزل السلطان على بغداد.والعيارون أفسدوا سائر المحال ببغداد وانطلقت أيديهم وأيدي العساكر في النهب ودام الحصار نيفاً وخمسين يوماً.تأخر السلطان مسعود إلى النهروان عازماً على العود إلى أصفهان فوصله طرنطاي صاحب واسط في سفن كثيرة فركب إلى غربي بغداد فاضطرب الأمراء وافترقوا وعادوا إلى أذربيجان.وكان زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الراشد وسار معه إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد منتصف ذي القعدة فسكن الناس وجمع القضاة والفقهاء وأوقفهم على يمين الراشد التي كتبها بخطه.إني متى جمعت أو خرجت أو لقيت أحداً من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخلعه.واتفق أرباب الدولة ممن كان ببغداد ومن أسر مع المسترشد وبقي من عند السلطان مسعود كلهم على ذمه وعدم أهليته على ما مر في أخباره بين أخبار الخلفاء.وبويع محمد بن المستظهر ولقب المقتفي وقد قدمت هذه الأخبار بأوسع من ذلك.ثم بعث السلطان العساكر مع قرا سنقر لطلب داود فأدركته عند مراغة وقاتله فهزمه وملك أذربيجان ومضى داود إلى خوزستان واجتمع عليه عساكر من التركمان وغيرهم فحاصر تستر وكان عمه سلجوق بواسط فسار إليه بعد أن أمره أخوه مسعود بالعساكر ولقي داود على تستر فهزمه داود ثم عزل السلطان وزيره شرف الدين أنو شروان بن خالد واستوزر كمال الدين أبا البركات بن سلامة من أهل خراسان.ثم بلغه أن الراشد قد فارق الموصل فأذن للعساكر التي عنده ببغداد في العودة إلى بلادهم وصرف فيهم صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد أن أصهر إليه في ابنته وقدم عليه جماعة من الأمراء الذين كانوا مع داود منهم البقش السلامي وبرسق بن برسق وصاحب تستر وسنقر الخمار تكين شحنة همذان فرضي عنهم وأمنهم وعاد إلى همذان سنة إحدى وثلاثين.الفتنة بين السلطان مسعود وبين داود الراشد وهزيمة مسعود ومقتل الراشد كان الأمير بوزابة صاحب خوزستان والأمير عبد الرحمن طغرلبك صاحب خلخال والملك داود ابن السلطان محمود خائفين من السلطان فاجتمعوا عند الأمير منكبرس صاحب فارس.وبلغهم مسير الراشد من الموصل إلى مراغة فراسلوه في أن يجتمعوا عليه ويردوه إلى خلافته فأجابهم.وبلغ الخبر إلى السلطان مسعود فسار إليهم في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وأوقع بهم ، ^? وأخذ منكبرس أسيراً فقتله وافترقت عساكره للنهب فانفرد بوزابة وطغرلبك وصدقا الحملة عليه فانهزم.وقبض على جماعة من الأمراء مثل صدقة بن دبيس صاحب الحلة وكافله نمبترين أبي العساكر وابن أتابك قرا سنقر صاحب أذربيجان.وحبسهم بوزابة حتى تحقق قتل منكبرس.ولحق السلطان مسعود بأذربيجان منهزماً وسار داود إلى همذان فملكها ووصل إليه الراشد هنالك.وأشار بوزابة وكان كبير القوم بالمسير إلى فارس فساروا معه واستولى عليها وملكها ولما علم سلجوق شاه وهو بواسط أن أخاه السلطان مسعود أمضى إلى أذربيجان سار هو إلى بغداد ليملكها ودافعه البقش النحت ونظم الخادم أمير الحاج.وثار العيارون بالبلدان وأفحشوا في النهب فلما رجع الشحنة استأصل شافتهم وأخذ المستورين بجنايتهم فجلا الناس عن بغداد إلى الموصل وغيرها.ولما قتل صدقة بن دبيس أقر السلطان مسعود أخاه محمداً على الحلة ومعه مهلهل بن أبي العساكر أخو عش المقتول كما مر في أخباره.ثم لما ملك بوزابة فارس رجع مع الراشد والملك داود ومعهما خوارزم شاه إلى خوزستان وخربوا الجزيرة فسار إليهم مسعود ليمنعهم عن العراق فعاد الملك داود إلى فارس وخوارزم شاه إلى بلده وسار الراشد إلى أصفهان فثار به نفر من الخراسانية كانوا في خدمته فقتلوه عند القائلة في خامس عشر رمضان من السنة ودفن بظاهر أصفهان.ثم قبض السلطان آخر السنة على وزيره أبي البركات بن سلامة الدركريني واستوزر بعده كمال الدين محمد بن الخازن وكان نبيها حسن السيرة فرفع المظالم وأزال المكوس وأقام وظائف السلطان وجمع له الأموال وضرب على أيدي العمال وكشف خيانتهم فثقل عليهم وأوقعوا بينه وبين الأمراء فبالغوا في السعاية فيه عند السلطان.وتولى كبرها قرا سنقر صاحب أذربيجان فإنه بعث إلى السلطان يتهدده بالخروج عن طاعته فأشار على السلطان خواصه بقتله خشية الفتنة فقتله على كره وبعث برأسه إلى قرا ستقر فرضي.وكان قتله سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة لسبعة أشهر من وزارته واستوزر بعده أبا العز طاهر بن محمد اليزدجردي وزير قرا سنقر ولقب عز الملك وضاقت الأمور على السلطان وأقطع البلاد للأمراء.ثم قتل السلطان البقش السلاحي الشحنة بما ظهر منه من الظلم والعسف فقبض عليه وحبسه بتكريت عند مجاهد الدين بهروز.ثم أمر بقتله فلما قرب للقتل ألقى نفسه في دجلة فمات وبعث برأسه إلى السلطان فقدم مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد فحسن أثره.ثم عزله السلطان سنة ست وثلاثين وولى فيها قرلي أميراً آخراً من موالي السلطان محمود وكانت له يزدجرد والبصرة فأضيف له إليهما والله سبحانه وتع إلى أعلم بغيبه ، ^? وهو أوله بداية بني خوارزم قد تقدم لنا ذكر أولية محمد خوارزم شاه وهو محمد بن أبي شنتكين وأن خوارزم شاه لقب له وأن الأمير داود حبشي لما ولاه بركيارق خراسان وقتله إكنجي ولي محمد بن أبي شنتكين وولي بعده ابنه أتسز فظهرت كفاءته وقربه السلطان سنجر واستخلصه واستظهر به في حروبه فزاده ذلك تقدماً ورفعة واستفحل ملكه في خوارزم.ونمي للسلطان سنجر أنه يريد الاستبداد فسار إليه سنة ثلاث وثلاثين وبرؤ أتسز ولقيه في التعبئة فلم يثبت وانهزم وقتل من عسكره خلق وقتل له بن فحزن عليه حزناً شديداً.وملك سنجر خوارزم وأقطعها غياث الدين سليمان شاه ابن أخيه محمد ورتب له وزيراً وأتابك وحاجباً وعاد إلى مرو منتصف السنة فخالفه أتسز إلى خوارزم وهرب سليمان شاه ومن معه إلى سنجر واستولى أتسز على خوارزم وكان من أمره ما يذكر بعد إن شاء الله تعالى. |
استيلاء قرا سنقر صاحب أذربيجان على بلاد فارس
ثم جمع أتابك قرا سنقر صاحب أذربيجان وبرز طالباً ثأر أبيه الذي قتله بوزابة في المصاف كما مر.وأرسل السلطان مسعود في قتل وزيره الكمال فقتله كما مر فانصرف عنه إلى بلاد فارس وتحصن عنه بوزابة في القلعة البيضاء ووطئ قرا سنقر البلاد وملكها ولم يمكنه مقام فسلمه لسلجوق شاه ابن السلطان محمود وهو أخو السلطان مسعود وعاد إلى أذربيجان فنزل بوزابة من القلعة سنة أربع وثلاثين وهزم سلجوق شاه وأسره وحبسه ببعض قلاعه واستولى على البلاد.ثم هلك قرا سنقر صاحب أذربيجان وأران بمدينة أردبيل وكان من مماليك طغرل وولي مكانه جاولي الطغرلي والله سبحانه ولي التوفيق. مسير جهان دانكي إلى فارس ثم أمر السلطان سنة خمس وثلاثين الأمير إسماعيل جهان دانكي فسار إليها ومنعها مجاهد الدين بهروز من الوصول واستعد لذلك بخسف المعابر وتغريقها فقصد الحلة فمنعها أيضاً فقصد واسط فقاتله طرنطاي وانهزم ودخل واسط ونهبها ونهب النعمانية وما إليها وأتبعهم طرنطاي إلى البطيحة ثم فارقه عسكره إلى طرنطاي فلحق بتستر وكتب إسماعيل إلى السلطان فعفا عنه. هزيمة السلطان سنجر أمام الخطا واستيلاؤهم على ما وراء النهر وتلخيص هذا الخبر من كتاب ابن الأثير أن أتسز بن محمد ملك خوارزم واستقر بها فبعث إلى الخطا وهم أعظم الترك فيما وراء النهر وأغراهم بمملكة السلطان سنجر واستحثهم لها فساروا في ثلاثمائة ألف فارس.وسار سنجر في جميع عساكره وعبر إليهم النهر ولقيهم سنة ست وثلاثين واقتتلوا أشد قتال.ثم انهزم سنجر وعساكره وقتل منهم مائة ألف فيهم أربعة آلاف امرأة وأسرت زوجة السلطان سنجر ولحق سنجر بترمذ وسار منها إلى بلخ.وقصد أتسز مدينة مرو فدخلها مراغماً للسلطان وفتك فيها وقبض على جماعة من الفقهاء والأعيان.وبعث السلطان سنجر إلى السلطان مسعود يأذن له في النصر وفي الري ليدعوه أن احتاج إليه فجاء عباس صاحب الري بذلك إلى بغداد.وسار السلطان مسعود إلى الري امتثالا لأمر عمه سنجر.قال ابن الأثير وقيل إن بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاد سامسون وجبى وطراز وغيرها مما وراء النهر كانت بيد الخانية وهم مسلمون من نسل مراسيان ملك الترك المعروف خبره مع ملوك الكينية وأسلم جدهم الأول سبق قراخان لأنه رأى في منامه أن رجلا نزل من السماء وقال له بالتركية ما معناه أسلم تسلم في الدنيا والآخرة وأسلم في منامه ثم أسلم في يقظته.ولما مات ملك مكانه موسى بن سبق ولم يزل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن سليمان بن داود بن بقرخان بن إبراهيم طغاج خان بن أيلك نصر بن أرسلان بن علي بن موسى بن سبق فخرج عليه قردخان وانتزع الملك منه.ثم نصر سنجر وقتل قردخان وخرج بعد ذلك خوارزم ونصره السلطان سنجر منهم وأعاده إلى ملكه وكان في جنده نوع من الأتراك يقال لهم القارغلية والأتراك الغزية الذين نهبوا خراسان على ما نذكره بعد.وهم صنفان صنف يقال لهم جق وأميرهم طوطي بن داديك وصنف يقال لهم برق وأميرهم برغوث بن عبد الحميد.وكان لأرسلان نصر خان شريف يصحبه من أهل سمرقند وهو الأشرف بن محمد بن أبي شجاع العلوي فحمل ابن أرسلان نصرخان وطلبوا انتزاع الملك منه فاستصرح السلطان سنجر فعبر إليه في عساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة وانتهى إلى سمرقند فهرب القارغلية أمامه وعاد إلى سمرقند فقبض على أرسلان خان وحبسه ببلخ فمات بها وولى على سمرقند مكانه قلج طمقاج أبا المعالي الحسن بن علي بن عبد المؤمن ويعرف بحسن تكر من أعيان بيت الخانية.إلا أن أرسلان خان أطرحه فولاه سنجر ولم تطل أيامه فولى بعده ابن أرسلان خان وأبوه هو الذي ملك سمرقند من يده وهو ابن أخت سنجر.وكان في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة قد خرج كوهرخان من الصين إلى حدود كاشغر في جموع عظيمة وكوهر الأعظم بلسانهم وخان السلطان فمعناه أعظم ملك.ولقيه صاحب كاشغر أحمد بن الحسن الخان فهزمه وقد كان خرج قبله من الصين أتراك الخطا وكانوا في خدمة الخانية أصحاب تركسان.وكان أرسلان خان محمد بن سليمان ينزلهم على الدروب بينه وبين الصين مسالح ولهم على ذلك جرايات وإقطاعات.وسخط عليهم بعض السنين وعاقبهم بما عظم عليهم فطلبوا فسيحاً من البلاد يأمون فيه من أرسلان خان لكثرة ما كان يغزوهم ووصفت لهم بلاد سامسون فساروا إليها.ولما خرج كونان من الصين ساروا إليه واجتمعوا عليه.ثم ساروا جميعاً إلى بلاد ما وراء النهر ولقيهما الخان محمود بن أرسلان خان محمد في حدود بلاده في رمضان سنة إحدى وثلاثين فهزموه وعاد إلى سمرقند وعظم الخطب على أهلها وأهل بخارى.واستمد محمود السلطان سنجر وذكر ما لقي السلطان من العنت واجتمع عنده ملوك خراسان.وملك سجستان من بني خلف وملك غزنة من الغوريين وملك مازندران وعبر النهر للقاء الترك في أكثر من ألف وذلك لآخر خمس وثلاثين وخمسمائة.وشكا إليه محمود خان من القارغلية فقصدهم واستجاروا بكوخان ملك الصين فكتب إلى سنجر بالشفاعة فيهم فلم يشفعه وكتب إليه يدعوه للإسلام ويتهدده بكثرة العساكر فأهان الرسول وزحف للقاء سنجر.والتقى الجمعان بموضع يسمى قطران خامس صفر سنة ست وثلاثين وأبلى القارغلية من الترك وصاحب سجستان من المسلمين.ثم انهزم المسلمون فقتل كثير منهم وأسر صاحب سجستان والأمير قماج وزوجة السلطان سنجر فأطلقهم كوخان ومضى السلطان سنجر منهزماً.وملك الترك الكفار والخطا بلاد ما وراء النهر إلى أن مات كوخان ملكهم سنة سبع وثلاثين ووليت بعده ابنته.ثم ماتت قريباً وملكت أمها من بعدها وهي زوجة كوخان وابنة محمد.وصار ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم عليه عماد الدين محمد خوارزم شاه سنة اثنتي عشرة وستمائة. |
أخبار خوارزم شاه بخراسان وصلحه مع سنجر
ولما عاد السلطان منهزماً سار خوارزم شاه إلى سرخس في ربيع سنة ست وثلاثين فأطاعته ثم إلى مرو الشاهجان فشفع فيهم الإمام أحمد الباخرزي ونزل بظاهرها.وبينما هو قد استدعى أبا الفضل الكرماني وأعيان أهلها للشورى ثار عامة البلد وقتلوا من كان عندهم من جنده وامتنعوا فطاولها ودخلها عنوة وقتل كثيراً من علمائها.ثم رجع في شوال من السنة إلى نيسابور وخرج إليه علماؤها وزهادها يسألون معافاتها مما نزل بأهل مرو فأعفاهم واستصفى أصحاب السلطان وقطع خطبة سنجر.وبعث عسكراً إلى أعمال صغد فقاتلوهم أياماً ولم يطق سنجر مقاومته لمكان الخطا وجوارهم له.ثم سار السلطان سنجر سنة ثمان وثلاثين لقتال خوارزم وحاصرها أياماً وكاد يملكها واقتحمها بعض أمرائه يوماً فدافعه أتسز بعد حروب شديدة.ثم أرسل أتسز إلى سنجر بالطاعة والعود إلى ما كان عليه فقبله وعاد سنة ثمان وثلاثين ، ^? ثم وصل السلطان مسعود سنة ثمان وثلاثين إلى بغداد " " عادته فتجهز لقصد الموصل وكان يحمل لزنكي جميع ما وقع من الفتن فبعث إليه زنكي يستعطفه مع أبي عبد الله بن الأنباري وحمل معه عشرين ألف دينار وضمن مائة ألف على أن يرجع عنه فرجع وانعقد الصلح بينهما.وكان مما رغب السلطان في صلحه أن ابنه غازي بن زنكي هرب من عند السلطان خوفاً من أبيه فرده إلى السلطان ولم يجتمع به فوقع ذلك من السلطان أحسن موقع والله تع إلى أعلم. انتقاض صاحب فارس وصاحب الري كان بوزابة صاحب فارس وخوزستان كما قدمنا فاستوحش من السلطان مسعود فانتقض سنة أربعين وخمسمائة وبايع لمحمد بن محمود وهو ابن أخي السلطان مسعود وسار إلى مامشون واجتمع بالأمير عباس صاحب الري ووافقه على شأنه.واتصل به سليمان شاه أخو السلطان مسعود وتغلبوا على كثير من بلاط فسار إليهم من بغداد في رمضان السنة ومعه الأمير طغابرك حاجبه وكان له التحكم في الدولة والميل إلى القوم.واستخلفه وسار فلما تقاربوا للحرب نزع السلطان شاه عنهم إلى أخيه مسعود وسعى عبد الرحمن في الصلح فانعقد بينهما على ما أحبه القوم وأضيف إلى عبد الرحمن ولاية أذربيجان وأران إلى خلخال عوضاً من جاولي الطغرلي واستوزر أبا الفتح بن دراست وزير بوزابة.وقد كان السلطان سنة تسع وثلاثين قبض على وزيره اليزدجردي واستوزر مكانه المرزبان بن عبد الله بن نصر الأصفهاني وسلم إليه اليزدجردي واستصفى أمواله.فلما كان هذه السنة وفعل بوزابة في صلح القوم ما فعل اعتضد بهم على مقامه عند السلطان وتحكم عليه وعزل وزيره واستوزر له أبا الفتح هذا. مقتل طغابرك وعباس قد قدمنا أن طغابرك وعبد الرحمن تحكما على السلطان واستبدا عليه ثم آل أمره إلى أن منعا بك أرسلان الصروف بابن خاص بك بن بنكري من مباشرة السلطان وكان تربته وخاصاً به ونجي خلوته.وتجهز طغابرك لبعض الوجوه فحمله في جملته فأسر السلطان إلى أرسلان الفتك بطغابرك وداخل رجال العسكر في ذلك فأجاب منهم زنكي جاندار أن يباشر قتله بيده ووافق بك أرسلان جماعة من الأمراء واعترضوا له في موكبه فضربه الجاندار فصرعه عن فرسه وأجهز عليه ابن خاص بك ووقف الأمراء الذين واطؤه على ذلك دون الجاندار فمنعوه وكان ذلك بظاهر صهوة.وبلغ الخبر إلى السلطان مسعود ببغداد ومعه عباس صاحب الري في جيش كثيف فامتعض لذلك ونكره فداراه السلطان حتى سكن.وداخل بعض الأمراء في قتله فأجابوه وتولى كبر ذلك البقش حروسوس اللحف وأحضر السلطان عباساً وأدخله في داره وهذان الأميران عنده وقد أكمنوا له في بعض المخادع رجالا وعدلوا به إلى مكانهم فقتلوه ونهبت خيامه وأصاخت البلاد لذلك ثم سكنت.وكان عباس من موالي السلطان محمود وكان عادلا حسن السيرة وله مقامات حسان في جهاد الباطنية.وقتل في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ثم حبس السلطان أخاه سليمان شاه في قلعة تكريت وسار عن بغداد إلى أصفهان والله سبحانه وتع إلى ولي التوفيق. مقتل بوزابة صاحب فارس قد تقدم لنا أن طغابرك كان مستظهراً على السلطان بعباس صاحب الري وبوزابة صاحب فارس وخوزستان فلما قتل طغابرك وامتعض له عباس قتل أثره وانتهى الخبر إلى بوزابة فجمع العساكر وسار إلى أصفهان سنة اثنتين وأربعين فحاصرها وبعث عسكراً آخراً لحصار همذان وآخراً إلى قلعة الماهكي من بلاد اللحف من قلالح البقش كون خر فسار إليها ودفعهم عنها.ثم سار بوزابة عن أصفهان لطلب السلطان مسعود فامتنع وتزاحفا بمرج مزاتكن واشتد القتال بينهما وكبا الفرس ببوزابة وسيق إلى السلطان فقتل بين يديه وقيل أصابه سهم فسقط ميتاً وانهزمت عساكره وكان هذا انتقاض الأمراء على السلطان ولما قتل طغابرك وعباس وبوزابة اختص بالسلطان ابن خاص بك لميله إليه وأطرح بقية الأمراء فاستوحشوا وارتابوا بأنفسهم أن يقع بهم ما وقع بالآخرين ففارقوه وساروا نحو العراق أبو ركن المسعودي صاحب كنجة وأران والبقش كون خر صاحب الجبل والحاجب خريطاي المحمودي شحنة واسط وابن طغابرك والركن وقرقوب ومعهم ابن أخي السلطان وهو محمد بن محمود وانتهوا إلى حران فاضطرب الناس ببغداد وغلت الأسعار.وبعث إليهم المقتفي بالرجوع فلم يرجعوا ووصلوا إلى بغداد في ربيع الآخر من سنة ثلاث وأربعين ونزلوا بالجانب الشرقي وهرب أجناد مسعود شحنة بغداد إلى تكريت ووصل إليهم علي بن دبيس صاحب الحلة ونزل بالجانب الغربي وجمع الخليفة العساكر.ثم قاتل العامة عساكر الأمراء فاستطردوا لهم ثم كروا عليهم فملؤوا الأرض بالقتلى.ثم جاست خيولهم خلال الديار فنهبوا وسبوا.ثم جاءوا مقابل التاج يعتذرون ورددوا الرسل إلى الخليفة سائر يومهم.ثم ارتحلوا من الغد إلى النهروان فعاثوا فيها.وعاد مسعود من بلاد تكريت إلى بغداد.ثم افترق الأمراء وفارقوا العراق ثم عاد البقش كون خر والطرنطاي وابن دبيس سنة أربع وأربعين ومعهم ملك شاه بن محمود وهو ابن أخي السلطان وطلبوا من الخليفة الخطبة لملك شاه فأبى وجمع العساكر وشغل بما كان فيه من أمر عم السلطان سنجر.وذلك أن السلطان سنجر بعث إليه يلومه في تقديم ابن خاص بك ويأمره بإبعاده وتهدده فغالطه ولم يفعل فسار إلى الري فبادر إليه مسعود وترضاه فرضي عنه.ولما علم البقش كون خر مراسلة المقتفي مسعود نهب النهروان وقبض على علي بن دبيس.وسار السلطان بعد لقاء عمه إلى بغداد فوصلها منتصف شوال سنة أربع وأربعين فهرب الطرنطاي إلى النعمانية ورحل البقش إلى النهروان بعد أن أطلق علي بن دبيس فجاء إلى السلطان واعتذر فرضي عنه. |
وفاة السلطان مسعود وولاية ملك شاه ابن أخيه محمود
ثم أخيه محمد من بعده ثم توفي السلطان مسعود بهمذان في رجب منتصف سبع وأربعين لاثنتين وعشرين سنة من طلبه الملك وبه كمل استفحال ملك السلجوقية وركب الخمول دولتهم بعده وكان عهد إلى ملك شاه ابن أخيه محمود فلما توفي بايع له الأمير ابن خاص بك وأطاعه العسكر وانتهى خبر موته إلى بغداد فهرب الشحنة بلاك إلى تكريت وأمر المقتفي بالحوطة على داره ودور أصحاب السلطان مسعود.ثم بعث السلطان ملك شاه عسكراً إلى الحلة مع ملاذ كرد من أمرائه فملكها وسار إليه بلاك الشحنة فخادعه حتى استمكن منه فقبض عليه وغرقه واستبد بلاك الشحنة بالحلة.وجهز المقتفي العساكر مع الوزير عون الدين بن هبيرة إلى الحلة.وبعث عساكر إلى الكوفة وواسط فملكهما ووصلت عساكر السلطان ملك شاه فملكوها وسار إليهم الخليفة بنفسه فارتجعها منهم وسار منها إلى الحلة ثم إلى بغداد آخر ذي القعدة من السنة.ثم إن ابن خاص بك طمع في الانفراد بالأمر فاستدعى محمد بن محمود من خوزستان فأطمعه في الملك ليقبض عليه وعلى أخيه ملك شاه فقبض على ملك شاه أولا لستة أشهر من ولايته ووصل محمد في صفر من سنة ثمان وأربعين فأجلسه على التخت وخطب له بالسلطنة وحمل إليه الهدايا وقد سعى للسلطان محمد بما انطوى عليه ابن خاص بك.فلما باكره صبيحة وصوله فتك به وقتله وقتل معه زنكي الجاندار قاتل طغابرك وأخذ من أموال ابن خاص بك كثيراً وكان صبياً كما بينا اتصل بالسلطان مسعود وتنصح له فقدمه على سائر العساكر والأمراء.وكان أنوغري التركي المعروف بشملة في جملة ابن خاص بك ومن أصحابه ونهاه عن الدخول إلى السلطان محمد فلما قتل ابن خاص بك نجا شملة إلى خوزستان وكان له بها بعد ذلك ملك والله أعلم بغيبه وأحكم. تغلب الغز على خراسان وهزيمة السلطان سنجر وأسره كان هؤلاء الغر فيما وراء النهر وهم شعب من شعوب الترك ومنهم كان السلجوقية أصحاب هذه الدولة وبقوا هنالك بعد عبورهم وكانوا مسلمين فلما استولى الخطا على ملك الصين وعلى ما وراء النهر هاجر هؤلاء الغز إلى خراسان وأقاموا بنواحي بلخ.وكان لهم من الأمراء محمود ودينار وبختيار وطوطي وأرسلان ومعز.وكان صاحب بلخ الأمير قماج فتقدم إليهم أن يبعدوا عن بلخ فصانعوه فتركهم وكانوا يعطون الزكاة ويؤمنون السابلة.ثم عاد إليهم في الانتقال فامتنعوا وجمعوا فخرج إليهم في العساكر وبذلوا له مالا فلم يقبل وقاتلوه فهزموه وقتلوا العسكر والرعايا والفقهاء وسبوا العيال ونجا قماج إلى مرو وبها السلطان سنجر فبعث إليهم يتهددهم ويأمرهم بمفارقة بلاده فلاطفوه وبذلوا له فلم يقبل.وسار إليهم في مائة ألف فهزموه وأثخنوا في عسكره وقتل علاء الدين قماج وأسروا السلطان سنجر ومعه جماعة من الأمراء فقتلوا الأمراء واستبقوا السلطان سنجر وبايعوه ودخلوا معه إلى مرو فطلب منه بختيار إقطاعها فقال هي كرسي خراسان فسخروا منه.ثم دخل سنجر خانقاه فقسط على الناس وأطرهم وعسفهم وعلى في الأسواق ثلاث غرائر وطالبهم بملئها ذهباً فقتله العامة ودخل الغز نيسابور ودمروها تدميراً وقتلوا الكبار والصغار وأحرقوها وقتلوا القضاة والعلماء في كل بلد.ولم يسلم من خراسان غير هراة وسبستان لحصانتهما.وقال ابن الأثير عن بعض مؤرخي العجم إن هؤلاء الغز انتقلوا من نواحي التغرغر من أقاصي الترك إلى ما وراء النهر أيام المقتفي وأسلموا واستظهر بهم المقنع الكندي على مخارقه وشعوذته حتى تم أمره فلما سارت إليه العساكر خذلوه وأسلموه وفعلوا مثل ذلك مع الملوك الخانية.ثم طردهم الأتراك القارغلية عن إقطاعهم فاستدعاهم الأمير زنكي بن خليفة الشيباني المستولي على حدود طخارستان وأنزلهم بلاده واستظهر بهم على قماج صاحب بلخ وسار بهم لمحاربته فخذلوه لأن قماج كان استمالهم فانهزم زنكي وأسر هو وابنه وقتلهما قماج وأقطع الغز في بلاده.فلما سار الحسين بن الحسين الغوري إلى بلخ برز إليه قماج ومعه هؤلاء الغز فخذلوه ونزعوا عنه إلى الغوري حتى ملك بلخ فسار السلطان سنجر إلى بلخ وهزم الغوري واستردها وبقي الغز بنواحي طخارستان.وفي نفس قماج حقد عليهم فأمرهم بالانتقال عن بلاده فتألفوا وتجمعوا في طوائف من الترك وقدموا عليهم أرسلان بوقاء التركي ولقيهم قماج فهزموه وأسروه وابنه أبا بكر وقتلوهما واستولوا على نواحي بلخ وعادوا فيها.وجمع السلطان سنجر وفي مقدمته محمد بن أبي بكر بن قماج المقتول والمؤيد ابنه في محرم سنة ثمان وأربعين.وجاء السلطان سنجر على أثره وبعثوا إليه بالطاعة والأموال فلم يقبل منهم وقاتلهم فهزموه إلى بلخ.ثم عاود قتالهم فهزموه إلى مرو وأتبعوه فهرب هو وعسكره من مرو رعباً منهم ودخلوا البلد وفحشوا فيه قتلا ونهباً وقتلوا القضلا والأئمة والعلماء.ولما خرج سنجر من مرو وأسروه أجلسوه على التخت على عادته وآتوه طاعتهم.ثم عاودوا الغارة على مرو فمنعهم أهلها وقاتلوهم ثم عجزو واستسلموا فاستباحوا أعظم من الأولى.ولما أسر سنجر فارقه جميع أمراء خراسان ووزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك ووصلوا إلى نيسابور واستدعوا سليمان شاه بن السلطان محمود وخطبوا له بالسلطان في منتصف السنة وأجتمعت عليه عساكر خراسان وساروا لطلب الغز فبارزوهم على مرو وانهزمت العساكر رعباً منهم وقصدوا نيسابور والغز في أتباعهم ومروا بطوس فاستباحوها وقتلوا حتى العلماء والزهاد وخربوا حتى المساجد.ثم ساروا إلى نيسابور في شوال سنة تسع وأربعين ففعلوا فيها أفحش من طوس حتى ملأوا البلاد من القتلى وتحصن طائفة بالجامع الأعظم من العلماء والصالحين فقتلوهم عن آخرهم وأحرقوا خزائن الكتب.وفعلوا مثل ذلك في جوين واسفراين فحاصروهما واقتحموهما مثل ما فعلوا في البلاد الأخرى.وكانت أفعال الغز في هذه البلاد أعظم وأقبح من أفعال الغز في غيرها.ثم إن السلطان سليمان شاه توفي وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك في شوال سنة ثمان وأربعين فاستوزر ابنه نظام الملك وانحل أمره وعجز عن القيام بالملك فعاد إلى جرجان في صفر سنة تسع وأربعين فاجتمع الأمراء وخطبوا للخان محمود بن محمد بن بقراخان وهو ابن أخت سنجر واستدعوه فملكوه في شوال من السنة وساروا معه لقتال الغز وهم محاصرون هراة فكانت حروبه معهم سجالاً وأكثر الظفر للغز.ثم رحلوا عن هراة إلى مرو منتصف خمسين وأعادوا مصادرة أهلها.وسار الخان محمد إلى نيسابور وقد غلب عليها المؤيد كما يذكر فراسل الغز في الصلح فصالحوه في رجب. |
استيلاء المؤيد على نيسابور وغيرها
هذا المؤيد من موالي سنجر واسمه...وكان من أكابر أوليائه ومطاعاً فيهم وله كانت هذه الفتنة وافترق أمر الناس بخراسان تقدم...فاستولى على نيسابور وطوس ونسا " " وإن ورد وشهرستان والدامغان وحصنها ودافع الغز عنها ودانت له الرعية لحسن سيرته فعظم شأنه وكثرت جموعه.واستبد بهذه الناحية وطالبه الخان محمود عندما ملكوه بالحضور عنده وتسليم البلاد فامتنع.وترددت الرسل بينهما على مال يحمله للخان محمود فضمنه المؤيد وكف عنه محمود واستقر الحال على ذلك والله سبحانه وتع إلى أعلم. استيلاء إيتاخ على الري وكان إيتاخ من موالي السلطان سنجر وكانت الري أيضاً من أعمال سنجر فلما كانت فتنة الغز لحق بالري واستولى عليها وصانع السلطان محمد شاه بن محمود صاحب همذان وأصفهان وغيرهما وبذل له الطاعة فأقره فلما مات السلطان محمد مد يده إلى أعمال تجاوزته وملكها فعظم أمره وبلغت عساكره عشرة آلاف فلما ملك سليمان شاه همذان على ما نذكره.وقد كان أنس به عند ولاية سليمان على خراسان سار إليه وقام بخدمته وبقي مستبداً بتلك البلاد والله سبحانه وتع إلى أعلم. الخبر عن سليمان شاه وحبسه بالموصل كان سليمان شاه ابن السلطان محمد بن ملك شاه عند عمه السلطان سنجر وجعله ولي عهده وخطب له على منابر خراسان فلما وقعت فتنة الغز وأسر سنجر قدمه أمراء خراسان على أنفسهم.ثم عجز ومضى إلى خوارزم شاه فزوجه ابنة أخيه ثم سعى به عنده فأخرجه من بلده وجاء إلى أصفهان فمنعه الشحنة من الدخول فمضى إلى قاشان فبعث السلطان محمد شاه ابن أخيه محمود عسكراً ليدفعه عنها فسار إلى خوزستان فمنعه ملك شاه منها فقصد اللحف ونزل.وأرسل المقتفي في أثره فطلبه في زوجته رهينة ببغداد فبعث بها مع جواريها وأتباعها فأكرمهم المقتفي وأذن له في القدوم وخرج الوزير ابن هبيرة وقاضي القضاة والفتيان لتلقيه وخلع عليه المقتفي وأقام ببغداد.حتى إذا دخلت سنة إحدى وخمسين أحضر بدار الخلافة وحضر قاضي القضاة والأعيان واستحلف على الطاعة والتجافي للخليفة عن العراق وخطب له ببغداد ولقب ألقاب أبيه وأمد بثلاثة آلاف من العسكر وجعل معه الأمير دوران أمير حاجب صاحب الحلة.وسار إلى بلاد الجبل في ربيع الأول من السنة وسار المقتفي إلى حلوان وبعث إلى ملك شاه بن السلطان محمود يدعوه إلى موافقة عمه سليمان شاه وأن يكون ولي عهده فقدم في ألفي فارس وتحالفا وأمدهما المقتفي بالمال والأسلحة واجتمع معهم أيلدكز صاحب كنجة وأرانية وساروا لقتال السلطان محمد فلما بلغه خبرهم أرسل إلى قطب الدين موعود بن زنكي ونائبه زين الدين علي كوجك في المساعدة والارتفاق فأجابه وسارا للقاء عمه سليمان شاه ومن معه واقتتلوا في جمادى الأولى فهزمهما السلطان محمد وافترقوا وتوجه سليمان شاه إلى بغداد على شهرزور وكانت لصاحب الموصل وبها الأمير بوران من جهة علي كوجك نائب الموصل فاعترضه هنالك كوجك وبوران فاحتمله كوجك إلى الموصل فحبسه بها وبعث إلى السلطان محمد بالخبر وأنه على الطاعة والمساعدة فقبل منه وشكر له. فرار سنجر من أسر الغز قد تقدم لنا ما كان من أسر السلطان سنجر بيد الغز وافتراق خراسان واجتماع الأمراء بنيسابور وما إليها على الخان محمود بن محمد وامتنعوا من الغز وامتنع أتسز بن محمد أنوشكين بخوارزم وانقسمت خراسان بينهم وكانت الحرب بين الغز وبينهما سجالاً ثم هرب سنجر من أسر الغز وجماعة من الأمراء كانوا معه في رمضان سنة إحدى وخمسين ولحق بترمذ.ثم عبر جيحون إلى دار ملكه بمرو فكانت مدة أسره من جمادى سنة ثمان وأربعين ثلاث سنين وأربعة أشهر.ولم يتفق فراره من الأسر إلا بعد موت علي بك مقدم القارغلية لأنه كان أشد شيء عليه.فلما توفي انقطعت القارغلية إليه وغيرهم ووجد فسحة في أمره والله سبحانه وتع إلى أعلم.حصار السلطان محمد بغداد كان السلطان محمد بن محمود لأول ولايته الملك بعد عمه مسعود بعث إلى المقتفي في الخطبة له ببغداد والعراق على عادتهم فمنعه لما رجا من ذهاب دولتهم استفحالهم واستبدادهم فسار السلطان من همذان في العساكر نحو العراق ووعده صاحب الموصل ونائبه بمدد العساكر فقدم آخر إحدى وخمسين.وبعث المقتفي في الحشد فجاء خطا وفرس في عسكر واسط.وخالفهم مهلهل إلى الحلة فملكها واهتم المقتفي وابن هبيرة بالحصار وقطع الجسر وجمع السفن تحت التاج ونودي في الجانب الغربي بالعبور فعبروا في محرم سنة اثنتين وخمسين.وخرب المقتفي ما وراء الخرسة صلاحاً في استبداده.وكذلك السلطان محمد من الجهة الأخرى ونصبت المنجنيقات والرعادات وفرق المقتفي السلاح على الجند والعامة.وجاء زين الدين كجك في عسكر الموصل ولقي السلطان علي أوان واتصلت الحرب واشتد الحصار وفقدت الأقوات وانقطعت المواد عن أهل بغداد وفتر كجك وعسكره في القتال أدباً مع المقتفي.وقيل أوصاه بذلك نور الدين محمود بن زنكي أخو قطب الدين الأكبر.ثم جاء الخبر بأن ملك شاه أخا السلطان محمد وأيلدكز صاحب أران وربيبه أرسلان بن طغرل قصدوا همذان فسار عن بغداد مسرعاً إلى همذان آخر ربيع الأول وعاد زين الدين إلى الموصل.ولما وصل ملك شاه وايلدكز وربيبه أرسلان إلى همذان أقاسوا بها قليلا وسمعوا بمجيء السلطان فأجفلوا وساروا إلى الري فقاتلهم الشحنة انبانج فهزموه وحاصروه.وأملى السلطان محمد بعسكر بن سقمس بن قماز فوجدهم قد أفرجوا عنه وقصدوا بغداد فقاتلهم فهزموه ونهبوا عسكره فسار السلطان محمد ليسابقهم إلى بغداد.فلما انتهى إلى حلوان بلغه أن ايلدكز بالدينور.ثم وافاه رسول انبانج بأنه ملك همذان وخطب له فيها وأن شملة صاحب خراسان هرب عن ايلدكز وملك شاه إلى بلاده فعاد إلى أران ورجع السلطان إلى همذان قاصداً للتجهز إلى بلاد ايلدكز بأران. وفاة سنجر ثم توفي السلطان سنجر صاحب خراسان في ربيع سنة اثنتين وخمسين وقد كان ولي خراسان مند أيام أخيه بركيارق.وعهد له أخوه محمد فلما مات محمد خوطب السلطان وكان الملوك كلهم بعدها في طاعته نحو أربعين سنة.وخطب له قبلها بالملك عشرين سنة وأسره الغز ثلاث سنين ونصف ومات بعد خلاصه من الأسر وقطعت خطبته ببغداد والعراق.ولما احتضر استخلف على خراسان ابن أخته محمد بن محمود بن بقراخان فأقام بجرجان وملك الغز مرو وخراسان وملك أبه المؤيد نيسابور ناحيته من خراسان وبقي الأمر على هذا الخلاف سنة أربع وخمسين وبعث الغز إلى محمود الخان ليحضر عندهم فيملكوه فخافهم على نفسه وبعث منازعة إيتاق للمؤيد كان إيتاق هذا من موالي السلطان سنجر فلما كانت الفتنة وافترق الشمل ومات السلطان سنجر وملك المؤيد نيسابور وحصل له التقدم بذلك على عساكر خراسان حسده جماعة من الأمراء وانحرف عنه إيتاق هذا فتارة يكون معه وتارة يكون في مازندان.فلما كان سنة اثنتين وخمسين سار من مازندران في عشرة آلاف فارس من المنحرفين عن المؤيد وقصد نسا وأبيورد وأقام بها " " المؤيد إيتاق فسار إليه وكبسه وغنم معسكره.ومضى إيتاق منهزماً إلى مازندران وكان بين ملكها رستم وبين أخيه علي منازعة فتقرب إيتاق إلى رستم بقتال أخيه علي فوجد لذلك غلبة ودفعه عنه وسار يتردد في نواحي خراسان بالعيث والفساد.وألح على أسفراين فخربها.وراسله السلطان محمود الخان والمؤيد في الطاعة والاستقامة فامتنع فساروا إليه في العساكر في صفر سنة ثلاث وخمسين فهرب إلى طبرستان وبعث رستم شاه مازندران إلى محمود والمؤيد بطاعته بأموال جليلة وهدية فقبلوا منه وبعث إيتاق ابنه رهناً على الطاعة فرجعوا عنا واستقر بجرجان ودستان وأعمالها. منازعة سنقر العزيزي للمؤيد ومقتله كان سنقر العزيزي من أمراء السلطان سنجر وكان في نفسه من المؤيد ما عنا الباقين فلما شغل المؤيد بدرب إيتاق سار سنقر من عسكر السلطان محمود بن محمد إلى هراة فملكها واشترط عليه أن يستظهر بملك الغورية الحسين فأبى وطمع في الاستبداد لما رأى من استبداد الأمراء على السلطان محمود بن محمد فحاصره المؤيد بهراة واستمال الأتراك الذين كانوا معه فأطاعوه وقتلوا سنقر العزيزي غيلة.وملك السلطان محمد هراة ولحق الفل من عسكر سنقر بإيتاق وتسلطوا على طوس وقراها واستولى الخراب على البلاد والله تعالى أعلم. فتنة الغز الثانية بخراسان وخراب نيسابور على يد المؤيد كان الغز بعد فتنتهم الأولى أوطنوا بلخ ونزعوا عن النهب والقتل بخراسان واتفقت الكلمة بها على طاعة السلطان محمود بن محمد الخان وكان القائم بدولته المؤيد أي أبه.فلما كان سنة ثلاث وخمسين في شعبان سار الغز إلى مرو فزحف المؤيد إليهم وأوقع طائفة منهم وتبعهم إلى مرو وعاد إلى سرخس وخرج معه الخان محمود لحربهم فالتقوا خامس شوال وتواقعوا مراراً ثلاثاً انهزم فيها الغز على مرو وأحسنوا السيرة وأكرموا العلماء والأئمة.ثم أغاروا على سرخس وطوس واستباحوهما وخربوهما وعاثوا إلى مرو.وأما الخان محمود بن محمد فسار إلى جرجان ينتظر مآل أمرهم وبعث إليه الغز سنة أربع وخمسين يستدعونه ليملكوه فاعتذر لهم خشية على نفسه فطلبوا منه جلال الدين عمر فتوثق منهم بالحلف وبعثه إليهم فعظموه وملكوه في ثم سار أبوه محمود إلى خراسان وتخلف عنه المؤيد أي أبه وانتهى إلى حدود نسا أبيورد فولى عليهم الأمير عمر بن حمزة النسوي فقام في حمايتهما المقام المحمود ظاهر نسا.ثم سار الغز من نيسابور إلى طوس لامتناع أهلها من طاعتهم فملكوها.استباحوها وعادوا إلى نيسابور فساروا مع جلال الدين عمر بن محمود الخان إلى حصار سارورا وبها النقيب عماد الدين محمد بن يحيى العلوي الحسيني فحاصروه وامتنعت عليهم فرجعوا إلى نسا وأبيورد للقاء الخان محمود بجرجان كما قدمناه فخرج منها سائراً إلى خراسان واعترضه الغز ببعض القرى في طريقه فهرب منه وأسر بعضهم.ثم هرب منه ولحق بنيسابور.فلما جاء الخان محمود إليها مع الغز فارقها منتصف شعبان ودخلها الغز أحسنوا السيرة وساروا إلى سرخس ومرو فعاد المؤيد في عساكره إلى نيسابور وامتنع أهلها عليه فحاصرها وافتتحها عنوة وخربها ورحل عنها إلى سبق في شوال سنة أربع وخمسين |
استيلاء ملك شاه بن محمود على خوزستان
ولما رجع السلطان ملك شاه محمد بن محمود من حصار بغداد وامتنع الخليفة من الخطبة له أقام بهمذان عليلا وسار أخوه ملك شاه إلى قم وقاشان فأفحش في نهبها ومصادرة أهلها وراسله أخوه السلطان محمد في الكف عن ذلك فلم يفعل وسار إلى أصفهان وبعث إلى ابن الجمقري وأعيان البلد في طاعته فاعتذروا بطاعة أخيه فعاث في قراها ونواحيها فسار السلطان إليه من همذان وفي مقدمته كرجان الخادم فافترقت جموع ملك شاه ولحق ببغداد.فلما انتهى إلى قوس لقيه موبران وسنقر الهمذاني فأشار عليه بقصد خوزستان من بغداد فسار إلى واسط ونزل بالجانب الشرقي وسار أثر عسكره في النواحي ففتحوا عليهم البثوق وغرق كثير منهم.ورجع ملك شاه إلى خوزستان فمنعه شملة من العبور فطلب الجوار في بلده إلى أخيه السلطان فمنعه فنزل على الأكراد الذين هنالك فاجتمعوا عليه من الجبال والبسائط وحارب شملة ومع ملك شاه سنقر الهمذاني وموبدان وغيرهما من الأمراء فانهزم شملة وقتل عامة أصحابه واستولى ملك شاه على البلاد وسار إلى فارس والله هو المؤيد بنصره. وفاة السلطان محمد وولاية عمه سليمان شاه ثم توفي السلطان محمد بن محمود بن ملك شاه آخر سنة أربع وخمسين وهو الذي حاصر بغداد يطلب الخطبة له من الخليفة ومنعه فتوفي آخر هذه السنة لسبع سنين ونصف من ولايته.وكان له ولد صغير فسلمه إلى سنقر الأحمديلي وقال هو وديعة عندك فأوصل به إلى بلادك فإن العساكر لا تطيعه فوصل به إلى مراغة واتفق معظم الجند على البيعة لعمه سليمان شاه.وبعث أكابر الأمراء بهمذان إلى أتابك زين الدين مودود أتابك ووزير مودود وزيره فأطلقه مودود وجهزه بما يحتاج إليه في سلطانه وسار معه زين الدين علي كجك في عساكر الموصل.فلما انتهى إلى بلاد الجبل وأقبلت العساكر للقاء سليمان شاه ذكر معاملتهم مع السلطان ودالتهم عليه فخشي على نفسه وعاد إلى الموصل ودخل سليمان شاه همذان وبايعوا له والله سبحانه وتعالى أعلم. وفاة المقتفي وخلافة المستنجد ثم توفي المقتفي لأمر الله في ربيع الأول سنة خمس وخمسين لأربع وعشرين سنة من خلافته وقد كان استبد في خلافته وخرج من حجر السلجوقية عند افتراق أمرهم بعد السلطان مسعود كما ذكرناه في أخبار الخلفاء ولما توفي بويع بعده بالخلافة ابنه المستنجد فجرى على سنن أبيه في الاستبداد واستولى على بلاد الماهلي ونزل اللحف وولى عليها من قبله كما كانت لأبيه وقد تقدم ذكر ذلك في أخبارهما انتهى.اتفاق المؤيد مع محمود الخان قد كنا قدمنا أن الغز لما تغلبوا استدعوا محمود الخان ليملكوه فبعث إليهم بابنه عمر فملكوه.ثم سار محمود من جرجان إلى نسا وجاء الغر فساروا به إلى نيسابور فهرب عنها المؤيد ودخلها محمود والغز ثم ساروا عنها فعاد إليها المؤيد فحاصرها وملكها عنوة وخربها في شوال سنة أربع وخمسين.ورحل عنها إلى سرخس فعاد إليها المؤيد فحاصرها وملكها عنوة ورحل عنها إلى بيهق.ثم رجع إليها سنة خمس وخمسين وعمر خرابها وبالغ في الإحسان إليها.ثم سار لإصلاح أعمالها ومحو آثار المفسدين والثوار من نواحيها ففتح حصن أشقيل وقتل الثوار الزيدية وخربه وفتح حصن خسرو جور من أعمال بيهق وهو من بناء كنجرو ملك الفرس أيام حربه مع جراسياق وملكه ورتب فيه الحامية وعاد إلى نيسابور.ثم قصد مدينة كندر من أعمال طرسا وفيها متغلب اسمه خرسدة يفسد السابلة ويخرب الأعمال ويكثر الفتك وكان البلاء به عظيماً في خراسان فحاصره.ثم ملك عليه الحصن عنوة وقتله وأراح البلاد منه.ثم قصد في رمضان من السنة مدينة بيهق وكانوا قد عصوا عليه فراجعوا الطاعة وقبلهم واستفحل أمره فأرسل إليه الخان محمود بن محمد وهو مع الغز بالولاية على نيسابور وطوس وما إليها فاتصلت يده واستحكم الصلح بينه وبين الغز وذهبت الفتن. الحرب بين عسكر خوارزم شاه والأتراك البرزية كان هؤلاء الأتراك البرزية من شعوب الترك بخراسان وأميرهم بقراخان بن داود أغار عليهم جمع من عساكر خوارزم شاه وأوقعوا بهم وفتكوا فيهم ونجا بقراخان في الفل منهم إلى السلطان محمود بخراسان ومن معه من الغز مستصرخاً بهم وهو يظن أن إيتاق هو الذي هيج عليهم فسار الغر معه على طريق نسا وأبيورد وقصدوا إيتاق فلم يكن له بهم قوة فاستنصر...شاه مازندران فسار لنصره واحتشد في أعماله من الأكراد والديلم التركمان وقاتلوا الغز والبرزية " " بنواحي دهستان فهزمهم خمساً.وكان إيتاق في ميمنة شاه مازندران وأفحش الغز في قتل عسكرهم ولحق شاه مازندران بسارية وإيتاق شهروز وخوارزم.ثم ساروا إلى دهستان فنهبوها وخربوها سنة ست وخمسين وخربوا جرجان كذلك وافترق أهلها في البلاد.ثم سار إيتاق إلى بقراتكن المتغلب على أعمال قزوين فانهزم من بين يديه ولحق بالمؤيد وصار في جملته واكتسح إيتاق سائر أعماله ونهب أمواله فقوي بها. وفاة ملك شاه بن محمود قد قدمنا أن ملك شاه بن محمود سار بعد أخيه السلطان محمد من خوزستان إلى أصفهان ومعه شملة التركماني ودكلا صاحب فارس فأطاعه ابن الخجندي رئيس أصفهان وسائر أهلها وجمع له الأموال.وأرسل ملك شاه إلى أهل الدولة بأصفهان يدعوهم إلى طاعته وكان هواهم مع عمه سليمان فلم يجيبوه إلى ذلك وبعثوا عن سليمان من الموصل وملكوه وانفرد ملك شاه بأصفهان واستفحل أمره وبعث إلى المستنجد في الخطبة له ببغداد مكان عمه سليمان شاه وان تعاد الأمور إلى ما كانت ويتهددهم فوعد الوزير عميد الدين بن هبيرة جارية جاعلها على سمه فسمته في الطعام وفطن المطبب بأنه مسموم وأخبر بذلك شملة ودكلا فأحضروا الجارية وأقرت.ومات ملك شاه وأخرج أهل أصفهان أصحابه وخطبوا لسليمان شاه.وعاد شملة إلى خراسان فارتجع ما كان الملك شاه تغلب عليه منها. |
قتل سليمان شاه والخطبة لأرسلان
كان سليمان لما ملك أقبل على اللهو ومعاقرة الخمر حتى في نهار رمضان وكان يعاشر الصفاعين والمساخر وعكف على ذلك مع ما كان فيه من الخرق والتهور فقعد الأمراء عن غشيان بابه وشكوا إلى شرف الدين كودباذه الخادم وكان مدبر مملكته وكان حسن التربية والدين فدخل عليه يوماً يعذله على شأنه وهو مع ندمائه بظاهر همذان فأشار إليهم أن يعبثوا بكرد بازة فخرج مغضباً واعتذر إليه عندما صحا فأظهر له القبول وقعد عن غشيان مجلسه.وكتب سليمان شاه إلى أنبانج صاحب الري يدعوه إلى الحضور فوعده بذلك إذا أفاق من مرضه.وزاد كرد بازة استيحاشاً فاستحلف الأمراء على خلع سليمان وبدأ بقتل جميع الصفاعين الذين كانوا ينادمونه وقال إنما فعلته صوناً لملكك.ثم عمل دعوة في داره فحضر سليمان شاه والأمراء وقبض على سليمان شاه ووزيره أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الخاقدي وعلى خواصه وذلك في شوال سنة خمس وخمسين وقتل وزيره وخواصه وحبس سليمان شاه قليلا ثم قتله ، ^? ثم أرسل إلى ايلدكز صاحب أران وأذربيجان يستقدم ربيبه أرسلان بن طغرل ليبايع له بالسلطنة وبلغ الخبر إلى انبانج صاحب الري فسار إلى همذان ولقيه كرد بازة وخطب له بالسلطنة بجميع تلك البلاد وكان ايلدكز قد تزوج بأم أرسلان وولدت له ابنه البهلوان محمد ومزد أرسلان عثمان فكان ايلدكز أتابك وابنه البهلوان حاجباً وهو أخو أرسلان لأمه.وايلدكز هذا من موالي السلطان مسعود.ولما ملك أقطعه أران وبعض أذربيجان وحدثت الفتن والحروب فاعتصم هو بأران ولم يحضر عند أحد من ملوكهم.وجاء إليه أرسلان شاه من تلك الفتن فأقام عنده إلى أن ملك.ولما خطب له بهمذان بعث ايلدكز أتابك إلى انبانج صاحب الري ولاطفه وصاهره في ابنته لابنه البهلوان وتحالفا على الاتفاق.وبعث إلى المستنجد بطلب الخطبة لأرسلان في العراق وإعادة الأمور إلى عادتها أيام السلطان مسعود فطرد رسوله بعد الإهانة.ثم أرسل ايلدكز إلى أقسنقر الأحمديلي يدعوه إلى طاعة السلطان أرسلان فامتنع وكان عنده ابن السلطان شاه بن محمود المدني أسلمه إليه عند موته فتهدده بالبيعة له وكان الوزير ابن هبيرة يكاتبه من بغداد ويقدمه في الخطبة لذلك الصبي قصداً للنصر من بينهم فجهز ايلدكز العساكر مع البهلوان إلى أقسنقر.وأستمد أقسنقر شاهر بن سقمان القطبي صاحب خلاط وواصله فمده بالعساكر.وسار نحو البهلوان وقاتله فظفر به ورجع الحرب بين ايلدكز واينانج لما مات ملك شاه بن محمود بأصفهان كما قلناه لحق طائفة من أصحابه ببلاد فارس ومعهم ابنه محمود فانتزعه منهم صاحب فارس زنكي بن دكلا السلقدي وأنزله في قلعة إصطخر فلما ملك ايلدكز السلطان أرسلان وطلب الخطبة ببغداد وأخذ الوزير ابن هبيرة في استفساد الأطراف عليهم وبعث لابن أقسنقر في الخطبة لابن السلطان محمد شاه الذي عنده وكاتب صاحب فارس أيضاً يشير عليه بالبيعة للسلطان محمد ابن السلطان ملك شاه الذي عنده ويعده بالخطبة له أن ظفر بأيلدكز فبايع له ابن دكلا وخطب له بفارس وضرب النوب الخمس على بابه وجمع العساكر وبلغ إلى ايلدكز فجمع وسار في أربعين ألفاً إلى أصفهان يريد فارس فأرسل إلى زنكي في الخطبة لأرسلان شاه فأبى فقال له ايلدكز أن المستنجد أقطعني بلادك وأنا سائر إليها وتقدمت طائفة إلى نواحي أرجان فلقيتها سرية لأرسلان بوقا صاحب أرجان فأوقعوا بطائفته وقتلوا منهم وبعثوا بالخبر إلى انبانج فنزل من الري في عشرة آلاف وأمده أقسنقر الأحمديلي بخمسة آلاف فقصد " " وهرب صاحب ابن البازدان وابن طغايرك وغيرهما من أولياء ايلدكز للقاء انبانج ورد عسكر المدافعة زنكي عن شهيرم وغيرها من البلاد فهزمهم زنكي بن دكلا ورجعوا إليه فاستدعى عساكره من أذربيجان.وجاء هبيس بن مزد أرسلان واستمد انبانج وقتل أصحابه ونهب سواده ودخل الري وتحصن في قلعة طبرك.ثم ترددت الرسل بينه وبين ايلدكز في الصلح وأقطعه حربادفان وغيرها وعاد ايلدكز إلى همذان والله سبحانه وتعالى أعلم. الفتنة بنيسابور وتخريبها وفي ربيع سنة ست وخمسين قبض المؤيد على أحياء نيسابور وحبسهم وفيهم نقيب العلويين أبو القاسم زيد بن الحسن الحسني وآخذهم على ما فعله آباؤهم بأهل البلد من النهب والاعتداء على الناس في أموالهم وأعراضهم فأخذ هؤلاء الأعيان ينهونهم كأنهم لم يضربوا على أيديهم وقتل جماعة من أهل الفساد فخرب البلد وامتدت الأيدي إلى المساجد والمدارس وخزائن الكتب وأحرق بعضها ونهب بعضها.وانتقل المؤيد إلى الشاذياخ فأصلح سوره وسد ثلمه وسكنه وخرب نيسابور بالكلية.وكان الذي اختط هذا الشاذياخ عبد الله بن طاهر أيام ولايته على خراسان ينفرد بسكناه هو وحشمه عن البلد تجافياً عن مزاحمتهم.ثم خربت وجددها ألب أرسلان.ثم خربت فجددها الآن المؤيد وخربت نيسابور بالكلية.ثم زحف الغز والخان محمود معهم وهو ملك خراسان لذلك العهد فحاصروا المؤيد بالشاذياخ شهرين.ثم هرب الخان عنهم إلى شهرستان كأنه يريد الحمام وأقام بها وبقي الغز إلى آخر شوال.ثم رجعوا فنهبوا البلاد ونهبوا طوس.ولما دخل الخان إلى نيسابور أمهله المؤيد إلى رمضان سنة سبع وخمسين ثم قبض عليه وسمله وأخذ ما كان معه من الذخائر وحبسه وحبس معه جلال محمد فمات في محبسهما وخطب المؤيد لنفسه بعد المستنجد.ثم زحف المؤيد إلى شهرستان وقرب نيسابور فحاصرها حتى نزلوا على حكمه في شعبان سنة تسع وخمسين ونهبها عسكره ثم رفع الأيدي عنهم واستقامت في ملكه والله أعلم. فتح المؤيد طوس وغيرها ثم زحف المؤيد إلى قلعة دسكرة من طوس وكان بها أبو بكر جاندار ممتنعاً فحاصره بها شهراً وأعانه أهل طوس لسوء سيرته فيهم.ثم جهده الحصار فاستأمن ونزل فحبسه وسار إلى كرمان فأطاعوه وبعث عسكراً إلى أسفراين فتحصن بها رئيسها عبد الرحمن بن محمد بالقلعة فحاصره واستنزله وحمله مقيداً إلى الشاذياخ فحبس ثم قتل في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين.ثم ملك المزيد قهندار ونيسابور واستفحل ملكه وعاد إلى ما كان عليه.وعمر الشاذياخ وخرب المدينة العتيقة.ثم بعث عسكراً إلى بوشنج وهراة وهي في ولاية محمد بن الحسين ملك الغور فحاصرها وبعث الملك محمد عسكراً لمدافعته فأفرجوا عنها وصفت ولاية هراة للغورية ، ^? كان الكرج قد ملكوا مدينة أنى من بلاد أران في شعبان سنة ست وخمسين واستباحوها قتلا وأسراً وجمع لهم شاه أرمن بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط جموعاً من الجند والمتطوعة وسار إليهم فقاتلوه وهزموه وأسر كثير من المسلمين.ثم جمع الكرج في شعبان سنة سبع وخمسين ثلاثين ألف مقاتل وملكوا دوس من أذربيجان والجبل وأصفهان فسار إليهم ايلدكز.وسار معه شاه أرمن بن إبراهيم بن شكمان صاحب خلاط وأقسنقر صاحب مراغة في خمسين ألفاً ودخلوا بلاد الكرج في صفر سنة ثمان وخمسين فاستباحوها وأسروا الرجال وسبوا النساء والولدان وأسلم بعض أمراء الكرج ودخل مع المسلمين وكمن بهم في بعض الشعاب حتى زحف الكرج وقاتلوا المسلمين شهراً أو نحوه.ثم خرج الكمين من ورائهم فانهزموا واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.وعادوا ظافرين. ملك المؤيد أعمال قومس والخطبة للسلطان أرسلان بخراسان ثم سار المؤيد أي أبه صاحب نيسابور إلى بلاد قومس فملك بسطام ودامغان وولى بسطام مولاه ننكز فجرى بينه وبين شاه مازندران اختلاف أدى إلى الحرب واقتتلوا في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين.ولما ملك المؤيد قومس بعث إليه السلطان أرسلان بن طغرل بالخلع والأولية لما كان بين المؤيد ايلدكز من المودة وأذن له في ولاية ما يفتحه من خراسان وبخطب له فيها فخطب له في أعمال قومس وطوس وسائر أعمال نيسابور ويخطب لنفسه بعد أرسلان وكانت الخطب في جرجان ودهستان لخوارزم شاه أرسلان بن أتسز وبعده للأمير إتياق والخطبة في مرو وبلخ وسرخس - وهي بيد الغز وهراة وهي بيد الأمير أتيكين وهو مسالم للغز - للسلطان سنجر يقولون اللهم اغفر للسلطان السعيد سنجر وبعده لأمير تلك المدينة والله تعالى ولي التوفيق.إجلاء القارغلية من وراء النهر كان خان خاقان الصيني ولى على سمرقند وبخارى الخان جغرا بن حسين تكين وهو من بيت قديم في الملك.ثم بعث إليه سنة سبعة وخمسين بإجلاء القارغلية من أعماله إلى كاشغر ويشتغلون بالمعاش من الزراعة وغيرها فامتنعوا فألح عليهم فاجتمعوا وساروا إلى بخارى.فدس أهل بخارى إلى جغرا خان وهو بسمرقند ووعدوا القارغلية بالمصانعة وطاوعوهم إلى أن صبحهم جغرا في عساكره فأوقع بهم وقطع دابرهم والله تعالى أعلم. استيلاء سنقر على الطالقان وغرستان وفي سنة تسع وخمسين استولى الأمير صلاح الدين سنقر من موالي السلطان سنجر على بلاد الطالقان وأغار على غرشتان حتى ملكها وصارت في حكمه بحصونها وقلاعها وصالح أمراء |
قتل صاحب هراة
كان صاحب هراة الأمير اتكين وبينه وبين الغز مهادنة.فلما قتل الغز ملك الغور محمد بن الحسين كما مر في أخباره طمع أتكين في بلاده فجمع جموعه وسار إليها في رمضان سنة تسع وخمسين وتوغل في بلاد الغور فقاتله أهلها وهزموه وقتل في المعركة.وقصد الغز هراة وقد اجتمع أهلها على أثير الدين منهم فاتهموه بالميل للغز وقتلوه واجتمعوا على أبي الفتوح بن علي بن فضل الله الطغراني.ثم بعثوا إلى المؤيد بطاعتهم فبعث إليهم مملوكه سيف الدين تنكز فقام بأمرهم وبعث جيشاً إلى سرخس ومرو وأغاروا على دواب الغز فأفرجوا عن هراة ورجعوا لطاعته والله تعالى أعلم.ملك شاه مازندران قومس وبسطام ووفاته قد ذكرنا استيلاء المؤيد على قومس وبسطام وولاية مولاه تنكز عليها .ثم إن شاه مازندران وهو رستم بن علي بن هربار بن قاروت جهز إليها عسكراً مع سابق الدين القزويني من أمرائه فملك دامغان وسار إليه تنكز فيمن معه من العسكر فكبسهم القزويني وهزمهم واستولى على البلاد.وعاد تنكز إلى المؤيد بنيسابور وجعل يغير على بسطام وقومس.ثم توفي شاه مازندران في ربيع سنة ستين فكتم ابنه علاء الدين موته حتى استولى على حصونه وبلاده.ثم أظهره وملك مكانه ونازعه إتياق صاحب جرجان ودهستان ولم يرع ما كان بينه وبين أبيه فلم يظفر بشيء والله سبحانه وتعالى أعلم. حصر عسكر المؤيد نسا ثم بعث المؤيد عساكره في جمادى سنة ستين لحصار مدينة نسا فبعث خوارزم شاه بك أرسلان بن أتسز في عساكره إليها فأجفلت عنها عساكر المؤيد ورجعوا إلى نيسابور وصارت نسا في طاعة خوارزم شاه وخطب له فيها.ثم سار عسكر خوارزم إلى دهستان وغلبوه عليها وأقام فيها بطاعته والله أعلم. الحرب بين البهلوان وصاب مراغة ثم بعث أقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة سنة ثلاث وستين إلى بغداد في الخطبة للملك الذي عنده وهو ابن السلطان محمد شاه على أن يتجافى عن العراق ولا يطلب الخطبة منه إلا إذا أسعف بها فأجيب بالوعد الجميل وبلغ الخبر إلى ايلدكز صاحب البلاد فبعث ابنه البهلوان في العساكر لحرب أقسنقر فحاربه وهزمه وتحصن بمراغة فنازله البهلوان وضيق عليه وتردد بينهما الرسل واصطلحوا وعاد البهلوان إلى أبيه بهمذان. ملك شملة فارس وإخراجه عنها كان زنكي بن دكلا قد أساء السيرة في جنده فأرسلوا إلى شملة صاحب خوزستان واستدعوه ليملكوه فسار ولقي زنكي وهزمه ونجا إلى الأكراد الشوابكار وملك شملة بلاد فارس فأساء السيرة في أهلها ونهب ابن أخيه خرسنكا البلاد فنفر أهل فارس عنه ولحق بزنكي بعض عساكره فزحف إلى فارس وفارقها شملة إلى بلاده خوزستان وذلك كله سنة أربع وستين وخمسمائة. ملك ايلدكز الري كان اينانج قد استولى على الري واستقر فيها بعد حروبه مع ايلدكز على جزية يؤديها إليه.ثم منع الضريبة واعتذر بنفقات الجند فسار إليه إيلدكز سنة أربع وستين وحاربه اينانج فهزمه ايلدكز وحاصره بقلعة طبرك وراسل بعض مماليكه ورغبهم فغمروا به وقتلوه.واستولى ايلدكز على طبرك وعلى الري وولى عليها علي بن عمر باغ ورجع إلى همذان وشكر لموالي اينانج الذين قتلوه ولم يف لهم بالوعد فافترقوا عنه.وسار الذي تولى قتله إلى خوارزم شاه فصلبه لما كان بينه وبين اينانج من الوصلة والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه. وفاة صاب كرمان والخلف بين أولاده ثم توفي سنة خمس وستين الملك طغرل بن قاروت بك صاحب كرمان وولي ابنه أرسلان شاه مكانه ونازعه أخوه الأصغر بهرام شاه فحاربه أرسلان وهزمه فلحق بالمؤيد في نيسابور فأنجده بالعساكر.وسار إلى أخيه أرسلان فهزمه وملك كرمان ولحق أرسلان بأصفهان مستنجداً بألدكز فأنجده بالعساكر وارتجع كرمان ولحق بهرام بالمؤيد وأقام عنده.ثم هلك أرسلان فسار بهرام إلى كرمان وملكها.ثم توفي المستنجد وولي ابنه المستضيء.ولم نترجم لوفاة الخلفاء هاهنا لأنها مذكورة في أخبارهم وإنما ذكرناها قبل هؤلاء لأنهم كانوا في كفالة السلجوقية وبني بويه قبلهم فوفاتهم من جملة أخبار الدولتين.وهؤلاء من لدن المقتفي قد استبدوا بأمرهم وخلافتهم من بعد ضعف السلجوقية بوفاة السلطان مسعود وافترقت دولتهم في نواحي المشرق والمغرب.واستبد بها الخلفاء ببغداد ونواحيها ونازعوا من قبلهم أنهم كانوا يخطبون لهم في أعمالهم ونازعهم فيها مع ذلك حرصاً على الملك الذي سلبوه وأصبحوا في ملك منفرد عن أولئك المنفردين مضافاً إلى الخلافة التي هي شعارهم وتداول أمرهم إلى أن انقرضوا بمهلك المستعصم على يد هولاكو. وفاة خوارزم شاه وولاية ابنه سلطان شاه ومنازعته مع أخيه الأكبر علاء الدين تكش لما انهزم خوارزم شاه أرسلان أمام الخطا رجع إلى خوارزم فمات سنة ثمان وستين.وولي ابنه سلطان شاه فنازعه أخوه الأكبر علاء الدين تكش واستنجد بالخطا وسار إلى خوارزم فملكها ولحق سلطان شاه بالمؤيد صريخاً فسار معه بجيوشه ولقيهم تكش فانهزم المؤيد وجيء به أسيراً إلى تكش فقتل بين يديه صبراً.وعاد أصحابه إلى نيسابور فولوا ابنه طغان شاه أبو بكر ابن المؤيد وكان من أخبار طغان شاه وتكش ما نذكره في أخبار دولتهم وفي كيفية قتله خبر آخر نذكره هنالك.ثم سار خوارزم شاه سنة تسع وستين إلى نيسابور وحاصرها مرتين ثم هزم في الثانية طغان شاه بن المؤيد وأخذه أسيراً وحمله إلى خوارزم وملك نيسابور وأعمالها وجميع ما كان لبني المؤيد بخراسان وانقرض أمرهم والبقاء لله وحده والله تعالى أعلم. وفاة الأتابك شمس الدين في ايلدكز وولاية ابنه محمد البهلوان ثم توفي الأتابك شمس الدين ايلدكز أتابك أرسلان شاه بن طغرل صاحب همذان وأصفهان والري وأذربيجان وكان أصله مملوك الكمال الشهير ابن وزير السلطان محمود.ولما قتل الكمال صار السلطان وترقى في كتب الولاية.فلما ولي السلطان مسعود ولاه أرانية فاستولى عليها وبقيت طاعته للملوك على البعد واستولى على أكثر أذربيجان.ثم ملك همذان وأصفهان والري وخطب لربيبه أرسلان بن طغرل وبقي أتابك.وبلغ عسكره خمسين ألفاً واتسع ملكه من تفليس إلى مكران وكان متحكماً على أرسلان وليس له من الدولة إلا جراية تتصل إليه ، ^? ولما هلك إيلدكز قام بالأمر بعده ابنه محمد البهلوان وهو أخو السلطان أرسلان لأمه فسار أول ملكه لإصلاح أذربيجان وخالفه ابن سنكي وهو ابن أخي شملة صاحب خوزستان إلى بلد نهاوند فحاصرها.ثم تأخر ابن سنكي من تستر وصحبهم من ناحية أذربيجان يوهمهم أنه مدد البهلوان ففتحوا له البلد ودخل فطلب القاضي والأعيان ونصبهم وتوجه نحو ماسبذان قاصداً العراق ورجع إلى خوزستان.ثم سار شملة سنة سبعين وقصد بعض التركمان فاستنجدوا البهلوان بن إيلدكز فأنجدهم وقاتلوه فهزموه.وأسر شملة جريحاً وولده وابن أخيه.وتوفي بعد يومين وهو من التركمان الأتسزية وملك ابنه من بعده.وسار البهلوان سنة سبعين إلى مدينة تبريز وكان صاحبها أقسنقر الأحمديلي قد هلك وعهد بالملك بعده لابنه ملك الدين فسار إلى بلاده وحاصر مراغة وبعث أخاه فنزل وعاد عن مراغة إلى همذان والله سبحانه وتعالى أعلم. |
وفاة السلطان أرسلان بن طغرل
ثم توفي السلطان أرسلان بن طغرل مكفول البهلوان بن إيلدكز وأخوه لأمه بهمذان سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وخطب بعده لابنه طغرل. وفاة البهلوان محمد بن ايلدكز وملك أخيه قزل ثم توفي البهلوان محمد بن ايلدكز أول سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وكانت البلاد والرعايا في غاية الطمأنينة فوقع عقب موته بأصفهان بين الحنفية والشافعية وبالري بين أهل السنة والشيعة فتن وحروب آلت إلى الخراب وملك البلاد بعد البهلوان أخو قزل أرسلان واسمه عثمان وكان البهلوان كافلا للسلطان طغرل وحاكماً عليه.ولما هلك قزل لم يرض طغرل بتحكمه عليه وفارق همذان ولحق به جماعة من الأمراء والجند وجرت بينه وبين قزل حروب.ثم غلبه طغرل إلى الخليفة فأمره بعمارة دار السلطان فطرد رسوله وهدمت دار السلطنة وألحقت بالأرض وبعث الخليفة الناصر لدين الله سنة أربع وثمانين عسكراً مع وزيره جلال الدين عبيد الله بن يونس لانجاده قزل على طغرل قبل همذان وهزمهم ونهب جميع ما معهم وأسر الوزير ابن يونس. قتل قزل أرسلان قطلغ وولاية أخيه قد تقدم لنا ما كان بين السلطان طغرل وبين قزل بن ايلدكز من الحروب ثم إن قزل غلبه واعتقله في بعض القلاع ودانت له البلاد وأطاعه ابن دكلا فارس وخوزستان وعاد إلى أصفهان والفتن بها متصلة فأخذ جماعة من أعيان الشافعية وصلبهم وعاد إلى همذان وخطب لنفسه بالسلطنة سنة سبعة وثمانين.ثم قتل غيلة على فراشه ولم يعرف قاتله.وأخذ جماعة من غلمانه بالظنة وكان كريماً حليماً يحب العدل ويؤثره.ولما هلك ولي من بعده قتلغ بن أخيه البهلوان واستولى على الممالك التي كانت بيده. قتل السلطان طغرل وملك خوارزم شاه الري ووفاة أخيه سلطان شاه ولما توفي قزل وولي قطلغ ابن أخيه البهلوان كما قلناه أخرج السلطان طغرل من محبسه بالقلعة التي كان بها واجتمع إليه العساكر وسار إلى همذان فلقيه قطلغ بن البهلوان فانهزم بين يديه ولحق بالري وبعث إلى خوارزم شاه علاء الدين تكش ليستنجده فسار إليه سنة ثمان وثمانين وندم قطلغ على استدعائه فتحصن ببعض قلاعه وملك خوارزم شاه الري وملك قلعة طبرك وصالح السلطان طغرل وولى على الري وعاد إلى خوارزم سنة تسعين فأحدث أحدوثة السلطان شاه نذكره في أخبارهم.وسار السلطان طغرل إلى الري فأغار عليها وفر منه قطلغ بن البهلوان وبعث إلى خوارزم شاه يستنجده ووافق ذلك وصول منشور من الخليفة إليه بإقطاعه البلاد فسار من نيسابور إلى الري وأطاعه قطلغ وسار معه إلى همذان.وخرج طغرل للقائهم قبل أن يجمع العساكر ولقيهم قريباً من الري في ربيع الأول فحمل عليهم وتورط بينهم فصرع عن فرسه وقتل.وملك خوارزم شاه همذان وتلك البلاد جميعاً.وانقرضت مملكة بني ملك شاه وولي خوارزم شاه على همذان وملك الأعمال فبلغ اينانج بن البهلوان وأقطع كثيراً منها مماليكه وقدم عليهم مساحق منهم.ثم استولى وزير الخليفة ابن العطاف على همذان وأصفهان والري من يد مواليه وانتزعها منهم خوارزم كما ذكرناه في أخبار الخلفاء.وجاءت العساكر من قبل الخليفة إلى همذان مع أبي الهيجاء الشمس من أمراء الأيوبية وكان أميراً على القدس فعزلوه عنها وسار إلى بغداد فبعثه الناصر سنة ثلاث وتسعين بالعساكر إلى همذان ولقي عندها أزبك بن البهلوان مطيعاً فقبض عليه وأنكر الخليفة ذلك وبعث بإطلاقه وخلع عليه وعاد إلى بلاد أذربيجان. ملك الكرج الدويرة كان أزبك بن البهلوان قد استولى على أذربيجان بعد موته وكان مشغولا بلذاته فسار الكرج إلى مدينة دويرة وحاصروها وبعث أهلها إليه بالصريخ فلم يصرخهم حتى ملكها الكرج عنوة واستباحوها والله تعالى أعلم.قتل كوجة ببلاد الجبل وملك أيدغمش كان كوجة من موالي البهلوان قد تغلب على الري وهمذان وبلاد الجبل واصطنع صاحبه أيدغمش ووثق به فنازعه الأمر وحاربه فقتله واستولى أيدغمش على البلاد وبقي أزبك بن البهلوان مغلباً ليس له من الحكم شيء. قصد صاحب مراغة وصاب إربل أذربيجان قد ذكرنا أن أزبك كان مشغولا بلذاته مهملا لملكه ثم حدثت بينه وبين صاحب إربل وهو مظفر الدين كوكبري سنة اثنتين وستمائة فتنة حملت مظفر الدين على قصده فسار إلى مراغة واستنجد صاحبها علاء الدين بن قرا سنقر الأحمديلي فسار معه لحصار تبريز وبعث أزبك الصريخ إلى أيدغمش بمكانه من بلاد الجبل فسار إليه وأرسل مظفر الدين بالفتن والتهديد فعاد إلى بلده وعاد علاء الدين بن قرا سنقر إلى بلاد مراغة فسار أيدغمش وأزبك وحاصروه بمراغة حتى سلم قلعة من قلاعه ورجعوا عنه والله تعالى أعلم. وفاة صاب مازندران والخلف بين أولاده ثم توفي حسام الدين أزدشير صاحب مازندران وولي ابنه الأكبر وأخرج أخاه الأوسط عن البلاد فلحق بجرجان وبها علي شاه برتكش نائباً عن أخيه خوارزم فاستنجده على شرط الطاعة له وأمره أخوه تكش بالمسير معه فساروا من جرجان وبلغهم في طريقهم مهلك صاحب مازندران المتولي بعد أبيه وأن أخاه الأصغر استولى على الكراع والأموال فساروا إليه وملكوا البلاد ونهبوها مثل سارية وآمد وغيرها وخطب لخوارزم شاه فيها وعاد علي شاه إلى خراسان وأقام ابن صاحب مازندران وهو الأوسط الذي استصرخ به وقد امتنع أخوه الأصغر بقلعة كوري ومعه الأموال والذخائر وأخوه الأوسط فراسله واستعطف وقد ملك ملك ابن البهلوان مراغة ثم توفي سنة أربع وستمائة علاء الدين بن قرا سنقر الاحمديلي صاحب مراغة وأقام بأمرها من بعده خادمه ونصب ابنه طفلاً صغيراً وعصى عليه بعض الأمراء.وبعث العسكر لقتاله فانهزموا أولاً ثم استقر ملك الطفل.ثم توفي سنة خمس وستمائة وانقرض أهل بيته فسار أزبك بن البهلوان من تبريز إلى مراغة واستولى على مملكة آل قرا سنقر ما عدا القلعة التي اعتصم بها الخادم وعنده الخزائن والذخائر. |
استيلاء منكلي على بلاد الجبل وأصفهان وغيرها وهرب أيدغمش وقتله
لما تمكن أيدغمش في بلاد الجبل بهمذان وأصفهان والري وما إليها عظم شأنه حتى طلب الأمر لنفسه وسار لحصار أزبك بن مولاه الذي نصبه للأمر.وكان بأذربيجان فخرج عليه مولى من موالي البهلوان اسمه منكلي وكثر جمعه واستولى على البلاد.وقدم أيدغمش إلى بغداد واحتفل الخليفة لقدومه وتلقاه وذلك سنة ثمان وأقام بها كان أيدغمش قد وفد سنة ثمان وستمائة إلى بغداد وشرفه الخليفة بالخلع والألوية وولاه على ما كان بيده ورجع إلى همذان ووعده الخليفة بمسير العساكر فأقام ينتظرها عند سليمان بن مرحم أمير الإيوانية من التركمان فدس إلى منكلي بخبره.ثم قتل أيدغمش وحمل أصحابه إلى منكلي وافترق أصحابه واستولى منكلي وبعث إليه الخليفة بالنكير فلم يلتفت إليه فبعث إلى مولاه أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان يحرضه عليه وإلى جلال الدين الإسماعيلي صاحب قلعة لموت لمساعدته على أن يكون للخليفة بعض البلاد ولأزبك بعضها ولجلال الدين بعضها.وبعث الخليفة العساكر مع مولاه سنقر الملقب بوجه السبع وأمره بطاعة مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي كجك صاحب إربل وشهرزور وهو مقدم العساكر جميعاً فسار لذلك وهرب منكلي وتعلق بالجبل ونزلوا بسفحه قريباً من كوج فناوشهم الحرب فانهزم أزبك.ثم عاد ثم أسرى من ليلته منهزماً وأصبحوا فاقتسموا البلاد على الشريطة وولى أزبك فيما أخذ منها " " مولى أخيه فاستولى عليها ومضى منكلي إلى ساوة وبها شحنة كان صديقاً له فقتله وبعث برأسه إلى أزبك واستقر " " في بلاد الجبل حتى قتله الباطنية سنة أربع عشرة وستمائة وجاء خوارزم شاه فملكها كما نذكر في أخباره ودخل أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران في طاعته وخطب له على منابر أعماله وانقرض أمر بني ملك شاه ومواليهم من العراقين وخراسان وفارس وجميع ممالك المشرق وبقي أوزبك ببلاد أذربيجان.ثم استولى التتر على أعمال محمد بن تكش فيما وراء النهر وخراسان وعراق العجم سنة ثماني عشرة وستمائة وموالي الهند.وسار جنكزخان فأطاعه أزبك بن البهلوان سنة إحدى وعشرين وأمره بقتل من عنده من الخوارزمية ففعل ورجع عنه إلى خراسان.ثم جاء جلال الدين بن محمد بن تكش من الهند سنة اثنتين وعشرين فاستولى على عراق العجم وفارس وسار إلى أذربيجان فملكها ومر من أزبك إلى كنجة من بلاد أران.ثم ملك كنجة وبلاد أران ومر أزبك إلى بعض القلاع هنالك.ثم هلك وملك جلال الدين على جميع البلاد وانقرض أمر بني أزبك واستولى التتر على البلاد وقتلوا جلال الدين سنة ثمان وعشرين كما يأتي في أخبارهم جميعاً.انتهى الكلام في دولة السلجوقية فلنرجع إلى أخبار الدول المتشعبة عنها واحدة بعد واحدة والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.بنو أنوشتكين كان أنوشتكين جدهم تركياً مملوكاً لرجل من غرشتان ولذلك لقال له أنوشتكين غرشة.ثم صار لرجل من أمراء السلجوقية وعظمائهم اسمه ملكابك وكان مقدماً عنده لنجابته وشجاعته.ونشأ ابنه محمد على مثل حاله من النجابة والشجاعة وتحلى بالأدب والمعارف واختلط بأمراء السلجوقية وولي لهم الأعمال واشتهر فيهم بالكفاية وحسن التدبير.ولما ولي بركيارق ابن السلطان ملك شاه وانتقض عليه عمه أرسلان أرغون واستولى على خراسان وبعث إليه العساكر سنة تسعين وأربعمائة مع أخيه سنجر وسار في أثره ولقيهم في طريقهم خبر مقتل أرغون عمهم وأن بعض مواليه خلفه فعدا عليه فقتله كما مر قبل.فسار بركيارق في نواحي خراسان وما وراء النهر حتى دوخها وولى عليها أخاه سنجر وانتقض عليه أمير أميران من قرابته اسمه محمد بن سليمان فسار إليه سنجر وظفر به وسمله.وعاد بركيارق إلى العراق بعد أن ولى على خوارزم إكنجي شاه.ومعنى شاه بلسانهم السلطان فأضيف إلى خوارزم على عادتهم في تقديم المضاف إليه على المضاف.ولما انصرف بركيارق إلى العراق تأخر من أمرائه قوعز وبارقطاش وانتقضا على السلطان ووثبا بالأمير إكنجي صاحب خوارزم وهو بمرو ذاهباً إلى السلطان شاه فقتلاه.وبلغ الخبر إلى السلطان وقد انتقض عليه بالعراق الأمير أنزو مؤيد الملك بن نظام الملك فمضى لحربهما وأعاد الأمير داود حبشي بن إيتاق في عسكر إلى خراسان لقتالهما فسار إلى هراة وعاجلاه قبل اجتماع عساكره فعبر جيحون وسبق إليه بارقطاش فهزمه داود وأسره.وبلغ الخبر إلى قودز فثار به عسكره وفر إلى بخارى فقبض عليه نائبها ثم أطلقه ولحق بالملك سنجر فقبله.وأقام بارقطاش أسيراً عند الأمير داود وصفت خراسان من الفتنة والثوار واستقام أمرها للأمير داود حبشي فاختار لولاية خوارزم محمد بن أنوشتكين فولاه وظهرت كفايته وكان محباً لأهل الدين والعلم مقرباً لهم عادلا في رعيته فحسن ذكره وارتفع محله.ثم استولى الملك سنجر على خراسان فأقر محمد بن أنوشتكين وزاده تقديماً وجمع بعض ملوك الترك وقصد خوارزم وكان محمد غائباً عنها ولحق بالترك محمد بن إكنجي الذي كان أبوه أميراً على خوارزم واسمه طغرل تكين محمد فحرض الترك على خوارزم وبلغ الخبر إلى محمد بن أنوشتكين فبعث إلى سنجر بنيسابور يستمده وسبق إلى خوارزم فافترق الترك وطغرل تكين محمد وسار كل منهما إلى ناحية ودخل محمد بن أنوشتكين إلى خوارزم فازداد عند سنجر ظهوراً والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق لا رب سواه. وفاة محمد بن أنوشتكين وولاية ابنه أتسز ثم هلك محمد بن أنوشتكين خوارزم ولي بعده ابنه أتسز وسار بسيرة أبيه وكان قد قاد الجيوش أيام أبيه وحارب الأعداء فلما ولي افتتح أمره بالاستيلاء على مدينة مقشلاع وظهرت كفايته في شأنها فاستدعاه السلطان سنجر فاختصه وكان يصاحبه في أسفاره وحروبه وكلما مر يزيد تقدماً عنده والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم. الحرب بين السلطان سنجر وأتسز خوارزم شاه ثم كثرت السعاية عند السلطان سنجر في أتسز خوارزم شاه وأنه يحدث نفسه بالامتناع فسار سنجر إليه لينتزع خوارزم من يده فتجهز أتسز للقائه واقتتلوا فانهزم أتسز وقتل ابنه وخلق كثير من أصحابه واستولى سنجر على خوارزم وأقطعها غياث الدين سليمان شاه ابن أخيه محمداً ورتب له وزيراً وأتابك وحاجباً وعاد إلى مرو منتصف ثلاث وثلاثين.وكان أهل خوارزم يستغيثون لأتسز فعاد إليهم بعد سنجر فأدخلوه البلد ورجع سليمان شاه إلى عمه سنجر واستبد أتسز بخوارزم والله أعلم. انهزام السلطان سنجر من الأتراك الخطا وملكهم ما وراء النهر ثم سار سنجر سنة ست وثلاثين لقتال الخطا من الترك فيما وراء النهر لما رجعو لملك تلك البلاد فيقال إن أتسز أغراهم بذلك ليشغل السلطان سنجر عن بلده وأعماله.ويقال إن محمود بن محمد بن سليمان بن داود بقراخان ملك الخانية في كاشغر وتركستان وهو ابن أخت سنجر زحفت إليه أمم الخطا من الترك ليتملكوا بلاده فسار إليهم وقاتلهم فهزموه وعاد إلى سمرقند وبعث بالصريخ إلى خاله سنجر فعبر النهر إليه في عساكر المسلمين وملوك خراسان والتقوا في أول صفر سنة ست وثلاثين فانهزم سنجر والمسلمون وفشا القتل فيهم.يقال كان القتلى مائة ألف رجل وأربعة آلاف إمرأة وأسرت زوجة السلطان سنجر وعاد منهزماً وملك الخطا ما وراء النهر وخرجت عن ملك الإسلام وقد تقدم ذكر هذه الواقعة مستوفى في أخبار ولما انهزم السلطان سنجر قصد أتسز خوارزم شاه خراسان فملك سرخس ولقي الإمام أبا محمد الزيادي وكان يجمع بين العلم والزهد.فأكرمه وقبل قوله.ثم قصد مرو الشاهجان فخرج إليه الإمام أحمد الباخوري وشفع في أهل مرو وأن لا يدخل لهم أحد من العسكر فشفعه وأقام بظاهر البلد فثار عامة مرو وأخرجوا أصحابه وقتلوا بعضهم وامتنعوا فقاتلهم أتسز وملكها عليهم غلاباً أول ربيع سنة ست وثلاثين وقتل الكثير من أهلها وكان فيهم جماعة من أكابر العلماء وأخرج كثيراً من علمائها إلى خوارزم منهم أبو بكر الكرماني.ثم سار في شوال إلى نيسابور وخرج إليه جماعة من العلماء والفقهاء متطارحين أن يعفيهم مما وقع بأهل مرو فأعفاهم واستصفى أموال أصحاب السلطان وقطع الخطبة لسنجر وخطب لنفسه.ولما صرح باسمه على المنبرهم أهل نيسابور بالثورة ثم ردهم خوف العواقب فاقصروا وبعث جيشاً إلى أعمال بيهق فحاصرها خمساً.ثم ساروا في البلاد ينهبون ويكتسحون والسلطان سنجر خلال ذلك متغافل عنه فيما يفعله في خراسان لما وراءه من مدد الخطا وقوتهم.ثم أوقع الغز سنة ثمان وأربعين بالسلطان سنجر واستولوا على خراسان وكان هؤلاء الغز مقيمين بما وراء النهر منذ فارقهم ملوك السلجوقية وكانوا يدينون بالإسلام فلما استولى الخطا على ما وراء النهر أخرجوهم منها فأقاموا بنواحي بلخ وأكثروا فيها العيث والفساد وجمع لهم سنجر وقاتلهم فظفروا به وهزموه وأسروه.وانتشر سلك دولته فلم يعد انتظامه وافترقت أعماله على جماعة من مواليه واستقل حينئذ أتسز بملك خوارزم وأعمالها وأورثها بنيه.ثم استولوا على خراسان والعراق عندما ركدت ريح السلجوقية وكانت لهم بعد ذلك دولة عظيمة نذكر أخبارها مفصلة عند دول أهلها والله تعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه. |
وفاة أتسز وملك ولده أرسلان
ثم توفي أتسز بن محمد أنوشتكين في منتصف إحدى وخمسين وخمسمائة لستين سنة من ولايته وكان عادلاً في رعيته حسن السيرة فيهم.ولما توفي ملك بعده أرسلان بن أتسز فقتل جماعة من عماله وسمل أخاه.ثم بعث بطاعته للسلطان سنجر عندما هرب من أسر الغز فكتب له بولاية خوارزم.وقصد الخطا خوارزم وجمع أرسلان للقائهم وسار غير بعيد.ثم طرقه المرض فرجع وأرسل الجيوش لنظر أمير من أمرائه فقاتله الخطا وهزموه وأسروه ورجع إلى ما وراء النهر والله سبحانه وتعالى أعلم. وفاة خوارزم شاه أرسلان وملك ولده سلطان شاه وبعده ولده الآخر تكش وملك طغان شاه بن المؤيد ثم موته وملك ابنه سنجرشاه ثم توفي خوارزم شاه أرسلان بن أتسز من مرضه الذي قعد به عن لقاء الخطا وملك بعده ابنه الأصغر سلطان شاه محمود في تدبير أمه.وكان ابنه الأكبر علاء الدين تكش مقيماً في إقطاعه بالجند فاستنكف من ولاية أخيه الأصغر وسار إلى ملك الخط مستنجداً ورغبة في أموال خوارزم وذخائرها فأنجده بجيش كثيف وجاء إلى خوارزم ولحق سلطان شاه وأمه بالمؤيد أنه صاحب نيسابور والمتغلب عليها بعد سنجر وأهدي له ورغبه في الأموال والذخائر فجمع وسار معه حتى إذا كان على عشرين فرسخاً من خوارزم سار إليه تكش وهزمه وجيء بالمؤيد أسيراً إلى تكش فأمر بقتله وقتل بين يديه صبراً.ولحق أخوه سلطان شاه بدهستان وتبعه تكش فملكها عنوة وهرب سلطان شاه وأخذت أمه فقتلها تكش وعاد إلى خوارزم ولحق سلطان شاه بنيسابور وقد ملكوا طغان شاه أبا بكر بن ملكهم المؤيد.ثم سار سلطان شاه من عنده إلى غياث الدين ملك الغورية فأقام عنده وعظم تحكم الخطا على علاء الدين تكش صاحب خوارزم واشتطوا عليه وبعثوا يطلبونة في المال فأنزلهم متفرقين على أهل خوارزم ودس إليهم فبيتوهم ولم ينج منهم أحد.ونبذ إلى ملك الخطا عهده وسمع ذلك أخوه سلطان شاه فسار من غزنة إلى ملك الخد يستنجده على أخيه تكش وادعى أن أهل خوارزم يميلون إليه فبعث معه جيشاً كثيفاً من الخطا وحاصروا خوارزم فامتنعت وأمر تكش بإجراء ماء النهر عليهم فكادوا يغرقون وأفرجوا عن البلاد ولاموا سلطان شاه فيما غرهم فقال لقائدهم ابعث معي الجيش لمرو لانتزعها من دينار الغزي الذي استولى عليها من حين فتنتهم مع سنجر فبعث معه الجيش وسار إلى سرخس واقتحمها على الغز الذين بها وأفحش في قتلهم واستباحهم ولجأ دينار إلى القلعة فتحصن بها.ثم سار سلطان شاه إلى مرو وملكها وأقام بها ورجع الخطا إلى ما وراء النهر.وأقام سلطان شاه بخراسان يقاتل الغز فيصيب منهم كثيراً وعجز دينار ملك الغز عن سرخس فسلمها لطغان شاه بن المؤيد صاحب نيسابور فولى عليها مراموش من أمرائه.ولحق دينار بنيسابور فحاصر دينار سلطان شاه وعاد إلى نيسابور ولحق به مراموش وترك قلعة سرخس ثم ملك نطوش والتم وضاقت الأمور على طغان شاه بنيسابور إلى أن مات في محرم سنة اثنتين وثمانين وملك ابنه سنجر شاه واستبد عليه منكلي تكين مملوك جده المؤيد.وأنف أهل الدولة من استبداده وتحكمه فلحق أكثرهم بسلطان شاه في سرخس.وسار الملك دينار من نيسابور في جموع الغز إلى كرمان فملكها.ثم أساء منكلي تكين السيرة بنيسابور في الرعية بالظلم وفي أهل الدولة بالقتل فسار إليه خوارزم شاه علاء الدين تكش في ربيع سنة اثنتين وثمانين فحاصره بنيسابور شهرين فامتنعت عليه فعاد إلى خوارزم ثم رجع سنة ثلاث وثمانين فحاصرها وملكها على الأمان وقتل منكلي تكين وحمل سنجر شاه إلى خوارزم فأنزله بها وأكرمه.ثم بلغه أنه يكاتب أهل نيسابور فسمله وبقي عنده إلى أن مات سنة خمس وتسعين.قال ابن الأثير ذكر هذا أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي في كتاب مسارب التجارب وذكر غيره أن تكش بن أرسلان لما أخرج أخاه سلطان شاه من خوارزم وقصد سلطان شاه إلى مرو فملكها من يد الغز ثم ارتجعوها منه ونالوا من عساكره فعبر إلى الخطا واستنجدهم وضمن لهم المال وجاء بجيوشهم فملك مرو وسرخس ونسا وأبيورد من يد الغز وصرف الخطا فعاد إلى بلادهم.ثم كاتب غياث الدين الغوري وله هراة وبوشنج وباذغيس وأعمالها من خراسان يطلب الخطبة له ويتوعده فأجابه غياث الدين بطلب الخطبة منه بمرو وسرخس وما ملكه من بلاد خراسان.ثم ساءت سيرة سلطان شاه في خراسان وصادر رعاياها فجهز غياث الدين العساكر مع صاحب سجستان وأمر ابن أخته بهاء الدين صاحب باميان بالمسير معه فساروا إلى هراة وخاف سلطان شاه من لقائهم فرجع من هراة إلى مرو حتى انصرم فصل الشتاء ثم أعاد مراسلة غياث الدين فامتعض وكتب إلى أخيه شهاب الدين بالخبر وكان بالهند فرجع مسرعاً إليه وساروا إلى خراسان واجتمعوا بعسكرهم الأول على الطالقان.وجمع سلطان شاه جموعه من الغز وأهل الفساد ونزل بجموع الطالقان وتواقفوا كذلك شهرين وترددت الرسل بين سلطان شاه وغياث الدين حتى جنح غياث الدين إلى النزول عن بوشنج وباذغيس وشهاب الدين ابن أخته وصاحب سجستان يجنحان إلى الحرب وغياث الدين يكفهم حتى حضر رسول سلطان شاه عند غياث الدين لإتمام العقد والملوك جميعاً حاضرون فقام الدين العلوي الهودي وكان يختصه وهو يدل عليه فوقف في وسط المجمع ونادى بفساد الصلح وصرخ ومزق ثيابه وحثي التراب على رأسه وأفحش لرسول سلطان شاه.وأقبل على غياث الدين وقال كيف تعمد إلى ما ملكناه بأسيافنا من الغز والأتراك والسنجرية فتعطيه هذا الطريد إذ لا يقنع منا أخوه وهو الملك بخوارزم ولا بغزنة والهند فأطرق غياث الدين ساكناً فنادى في عسكره بالحرب والتقدم إلى مرو الروذ وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه وأخذ أكثر أصحابه أسرى ودخل إلى مرو في عشرين فارساً.ولحق الفل من عسكره وبلغ الخبر إلى أخيه تكش فسار من خوارزم لإعتراضه وقدم العساكر إلى جيحون يمنعون إلى الخطا وسمع أخوه سلطان شاه بذلك فرجع عن جيجون وقصد غياث الدين ولما قدم عليه أمر بتلقيه وأنزله معه في بيته وأنزل أصحابه عند نظرائهم من أهل دولته وأقام إلى انصرام الشتاء.وكتب أخوه علاء الدين خوارزم إلى غياث الدين في رده إليه ويعدد فعلاته في بلاده وكتب مع ذلك إلى نائب غياد الدين بهراة يتهدده فامتعض غياث الدين لذلك وكتب إلى خوارزم شاه بأنه مجير له وشفيع في التجافي عن بلاده وانصافه من وراثة أبيه ويطلب مع ذلك الخطبة له بخوارزم والصهر مع أخيه شهاب الدين فامتعض خوارزم شاه وكتب إليه يتهدده ببعض بلاده فجهز غياث الدين إليه العساكر مع ابن أخته أبو غازي إلى بهاء الدين سامي صاحب سجستان وبعثهما مع سلطان شاه إلى خوارزم وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده وكانت ابنته تحت غياث الدين فجمع المؤيد عساكره وخيم بظاهر نيسابور.وكان خوارزم شاه عزم على لقاء أخيه والغورية وسار عن خوارزم فلما سمع خبر المؤيد عاد إلى خوارزم واحتمل أمواله وذخائره وعبر جيجون إلى الخطا وترك خوارزم.وسار أعيانها إلى أخيه سلطان شاه والبوغازي ابن أخت غياث الدين فآتوا طاعتهم وطلبوا الوالي عليهم. وتوفي سلطان شاه منسلخ رمضان سنة تسع وعاد البوغازي إلى خاله غياث الدين ومعه أصحاب سلطان شاه فاستخدمهم غياث الدين وأقطعهم وبلغ وفاة سلطان شاه إلى أخيه خوارزم تكش فعاد إلى خوارزم وعاد الشحنة إلى بلاد سرخس ومرو فجهز إليهم نائب الغورية بمرو عمر المرغني عسكرأ ومنعهم منها حتى يستأذن غياث الدين.وأرسل خوارزم شاه إلى غياث في الصلح والصهر في وفد من فقهاء خراسان والعلوية يعظونه ويستجيرون به من خوارزم شاه أن يجيز إليهم الخطا ويستحثهم ولا يحسم ذلك إلا صلحه أو سكناه بمرو فأجابهم إلى الصلح وعقدوه ورد على خوارزم تكش بلاد أخيه وطمع الغر فيها فعاثوا في نواحيها وجاء خوارزم شاه إليها ودخل مرو وسرخس فسار إلى البورد وتطرق إلى طوس وهي للمؤيد ابنه فجمع وسار إليها وعاد خوارزم شاه إلى بلده وأفسد الماء في طريقه واتبعه المؤيد فلم يجد ماء.ثم كر عليه خوارزم شاه وقد جهد عسكره العطش فأوقع بهم وجيء إليه بالمؤيد أسيراً فقتله وعاد إلى خوارزم وقام بنيسابور بعد المؤيد ابنه طغان شاه ورجع إليه خوارزم شاه من قابل فحاصره بنيسابور وبرز إليه فأسره وملك نيسابور.واحتمل طغان شان وعياله وقرابته فأنزلهم بخوارزم.قال ابن الأثير هذه الرواية مخالفة للأولى وإنما أوردتها ليتأمل الناظر ويستكشف أيهما أوضح فيعتمدها والله تعالى أعلم. |
وفاة ايلدكز وملكك ابنه محمد البهلوان
قد تقدم لنا في أخبار الدولة السلجوقية ولاية أرسلان شاه بن طغرل في كفالة ايلدكز وابنه محمد البهلوان من بعده ثم أخيه أزبك أرسلان بن ايلدكز وأنه اعتقل السلطان طغرل ثم توفي فولى مكانه قطلغ ابن أخيه البهلوان فخرج السلطان من محبسه وجمع لقتاله سنة ثمان وثمانين فهزمه ولحق قطلغ بالري وبعث إلى خوارزم شاه علاء الدين تكش فسار إليه وندم قطلغ على استدعائه فتحصن منه ببعض قلاعه.وملك خوارزم شاه الري وقلعة طبرك ورتب فيها الحامية وعاد إلى خوارزم لما بلغه أن أخاه سلطان شاه خالفه إليها ولما كان ببعض الطريق لقيه الخبر بأن أهل خوارزم منعوا سلطان شاه وعاد خائباً فتمادى إلى خوارزم وأقام إلى انسلاخ فصل الشتاء.ثم سار إلى أخيه سلطان شاه بمرو سنة تسع وثمانين وترددت الرسل بينهما في الصلح.ثم استأمن إليه نائب أخيه بقلعة سرخس فسار إليها وملكها ومات أخوه سلطان شاه سنة تسع فسار خوارزم شاه إلى مرو وملكها وملك أبيورد ونسا وطوس وسائر مملكة أخيه واستولى على خزائنه وبعث على ابنه علاء الدين محمد فولاه مرو وولى ابنه الكبير ملك شاه نيسابور وذلك آخر تسع وثمانين.ثم بلغه أن السلطان طغرل أغار على أصحابه بالري قطلغ اينانج فبعث إليه بابنه يستنجده ووصل إليه رسول الخليفة يشكو من طغرل وأقطعه أعماله فسار من نيسابور إلى الري وتلقاه قطلغ اينانج بطاعته وسار معه ولقيهم السلطان طغرل قبل استكمال تعبيته وحمل عليهم بنفسه وأحيط به فقتل في ربيع سنة تسعين وبعث خوارزم شاه برأسه إلى بغداد وملك همذان وبلاد الجبل أجمع.وكان الوزير مؤيد الدين بن القصاب قد بعثه الخليفة الناصر مدداً لخوارزم شاه في أمره.فرحل إليه واستوحش ابن القصاب فامتنع ببعض الجبال هنالك وعاد خوارزم شاه إلى همذان وسلمها وأعمالها إلى قطلغ اينانج وأقطع كثيراً منها مماليكه.وقدم عليهم مناجي وأنزل معه ابنه وعاد إلى خوارزم.ثم اختلف مناجي وقطلغ اينانج واقتتلوا سنة إحدى وتسعين فانهزم قطلغ.وكان الوزير ابن القصاب قد سار إلى خوزستان فملكها.وكثيراً من بلاد فارس وقبض على بني شملة وأمرائها وبعث بهم إلى بغداد وأقام هو يمهد البلاد فلحق به قطلغ اينانج هنالك مهزوماً سليباً.واستنجده على الري فأزاح علله وسار معه إلى همذان فخرج مناجي وابن خوارزم شاه إلى الري وملك ابن القصاب همذان في سنه إحدى وتسعين وسار إلى الري فأجفل الخوارزميون أمامهم وبعث الوزير العساكر في أثرهم حتى لحقوهم بالدامغان وبسطام وجرجان ورجعوا عنهم واستولى الوزير على الري.ثم انتقض قطلغ اينانج على الوزير وامتنع بالري فحاصره الوزير وغلبه عليها ولحق اينانج بمدينة ساوة.ورحل الوزير في اتباعه حتى لحقه على دربنكرخ فهزمه ونجا إينانج بنفسه.وسار الوزير إلى همذان فأقام بظاهرها ثلاثة أشهر وبعث إليه خوارزم شاه بالنكير على ما فعل ويطلب إعادة البلاد فلم يجب إلى ذلك.وسار خوارزم إليه وتوفي قبل وصوله فقاتل العساكر بعده في شعبان سنة اثنتين وتسعين فهزمهم وأثخن فيهم وأخرج الوزير من قبره فقطع رأسه وبعث به إلى خوارزم لأنه كان قتل في المعركة واستولى على همذان وبعث عسكره إلى أصفهان فملكها وأنزر بها ابنه وعاد إلى خوارزم.وجاءت عساكر الناصر أثر ذلك مع سيف الدين طغرل فقطع بلاد اللحف من العراق فاستدعاه أهل أصفهان فملكوا البلد ولحق عسكر خوارزم شاه بصاحبهم.ثم اجتمع مماليك البهلوان وهم أصحاب قطلغ وقدموا على أنفسهم كركجة من أعيانهم وساروا إلى الري فملكوها ثم إلى أصفهان كذلك.وأرسل كركجة إلى الديوان ببغداد يطلب أن يكون الري له مع جوار الري وساوة وقم وقاشان وما ينضاف إليها وتكون أصفهان وهمذان وزنجان ومرو من الديوان فكتب له بذلك والله أعلم. وفاة ملك شاه بن خوارزم شاه تكش قد تقدم لنا أن خوارزم شاه تكش ولى ابنه ملك شاه على نيسابور سنة تسع وثمانين وأضاف إليه خراسان وجعله ولي عهده في الملك فأقام بها إلى سنة ثلاث وتسعين.ثم هلك في ربيع منها وخلف ابنا اسمه هندو خان وولى خوارزم شاه على نيسابور ابنه الآخر قطب الدين الذي كان ولاه بمرو.الخطا كان خوارزم شاه تكش لما ملك الري وهمذان وأصفهان وهزم ابن القصاب وعساكر الخليفة بعث إلى الناصر يطلب الخطبة ببغداد فامتعض الناصر لذلك وأرسل إلى غياث الدين ملك غزنة والغور فقصد بلاد خوارزم شاه فكتب إليه غياب الدين يتهدده بذلك فبعث خوارزم شاه إلى الخطا يستنجدهم على غياث الدين ويحذرهم أن يملك البلاد كما ملك بلخ فسار الخطا في عساكرهم ووصلوا بلاد الغور وراسلوا بهاء الدين سام ملك باميان وهو ببلخ يأمرونه بالخروج عنها وعاثوا في البلاد وخوارزم شاه قد قصد هراة وانتهى إلى طوس واجتمع أمراء الغورية بخراسان مثل محمد بن بك مقطع الطالقان والحسين بن مرميل وحروس وجمعوا عساكرهم وكبسوا الخطا وهزموهم وألحقوهم بجيحون فتقسموا بين القتل والغرق.وبعث ملك الخطا إلى خوارزم شاه يتجنى عليه في ذلك ويطلب الدية على القتلى من قومه ويجعله السبب في قتلهم فراجع غياث الدين واستعطفه ووافقه على طاعة الخليفة وإعادة ما أخذه الخطا من بلاد الإسلام.وأجاب ملك الخطا بأن قومه إنما جاءوا لإنتزاع بلخ من يد الغورية ولم يأتوا لنصرتي وأنا قد دخلت في طاعة غياث الدين فجهز ملك الخطا عساكره إليه وحاصروه فامتنع فرجعوا عنه بعد أن فني أكثرهم بالقتل.وسار في آثرهم وحاصر بخارى وأخذ بمخنقها حتى ملكها سنة أربع وتسعين فأقام بها مدة وعاد إلى خوارزم والله تعالى ولي التوفيق ، ^? ثم سار خوارزم شاه تكين لإرتجاع الري وبلاد الجبل من يد مناجق والبهلوانية الذين انتقضوا عليه فهرب مناجق عن البلاد وتركها وملكها خوارزم شاه واستدعاه فامتنع من الحضور وأتبعه فاستأمن أكثر أصحابه ووجعوا عنه ولحق هو بقلعة من أعمال مازندران فامتنع بها فبعث خوارزم شاه إلى الخليفة الناصر فبعث بالخلع له ولولده قطب الدين وكتب له تقليداً بالأعمال التي بيده.ثم سار خوارزم شاه لقتال الملاحدة فافتتح قلعة لهم قريبة من قزوين وانتقل إلى حصار قلعة الموت من قلاعهم فقتل عليها رئيس الشافعية بالري صدر الدين محمد بن الوزان وكان مقدماً عنده ولازمه ثم عاد إلى خوارزم فوثب الملاحدة على وزيره نظام الملك مسعود بن علي فقتلوه فجهز ابنه قطب الدين لقتالهم فسار إلى قلعة ترشيش من قلاعهم فحاصرها حتى سألوه في الصلح على مائة ألف دينار يعطونها فامتنع أولاً.ثم بلغه مرض أبيه فأجابهم وأخذ منهم المال المذكور وعاد والله أعلم. وفاة خوارزم شاه ثم توفي خوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان بن أتسز بن محمد أنوشتكين صاحب خوارزم بعد أن استولى على الكثير من خراسان وعلى الري وهمذان وغيرها من بلاد الجبل وكان قد سار من خوارزم إلى نيسابور فمات في طريقه إليها في رمضان سنة ست وتسعين وخمسمائة ، ^? وكان عندما اشتد مرضه بعث لإبنه قطب الدين محمد يخبره بحاله ويستدعيه فوصل بعد موته فبايع له أصحابه بالملك ولقبوه علاء الدين لقب أبيه وحمل شلو أبيه إلى خوارزم فدفنه بالمدرسة التي بناها هنالك.وكان تكش عادلاً عارفاً بالأصول والفقه على مذهب أبي حنيفة.ولما توفي ابنه علاء الدين محمد كان ولده الآخر علي شاه بأصفهان فاستدعاه أخوه محمد فسار إليه ونهب أهل أصفهان فخلعه وولاه أخوه على خراسان فقصد نيسابور وبها هند وخان ابن أخيهما ملك شاه منذ ولاه جده تكش عليها بعد أبيه ملك شاه.وكان هند وخان يخاف عمه محمداً لعداوة بينه وبين أبيه ملك شاه ولما.حللش مات جده تكش نهب الكثير من خزائنه ولحق بمرو وبلغ وفاة تكش إلى غياث الدين ملك غزنة فجلس للعزاء على ما بينهما من العداوة إعظاماً لقدره.ثم جمع هند وخان جموعاً وسار إلى خراسان فبعث علاء الدين محمد بن تكش العساكر لدفاعه مع جنقر التركي فخام هند وخان عن لقائه ولحق بغياث الدين مستنجداً فأكرمه ووعه النصر.ودخل جنقر مدينة مرو وبعث بام هند وخان وولده إلى خوارزم مكرمين فأرسل غياث الدين صاحب غزنة إلى محمد بن خربك نائبه بالطالقان أن ينبذ إلى جنقر العهد ففعل.وسار من الطالقان إلى مرو الروذ فملكها وبعث إلى جنقر يأمره بالخطبة في مرو لغياث الدين أو يفارقها فبعث إليه جنقر يتهدده ظاهراً ويسأله سراً أن يستأمن له غيات ملوك الغورية استيلاء ملوك الغورية أعمال خوارزم شاه محمد تكش بخراسان وارتجاعه إياها منهم ثم حصاره هراة من أعمالهم ولما استأمن جنقر نائب مرو إلى غياث الدين طمع في أعمال خوارزم شاه بخراسان كما قلناه واستدعاه أخوه شهاب الدين للمسير إليها فسار إلى غزنة.واستشار غياث الدين نائبه بهراة عمر بن محمد المرغني في المسير إلى خراسان فنهاه عن ذلك ووصل أخوه شهاب الدين في عساكر غزنة والغور وسجستان وساروا منتصف سبع وتسعين.ووصل كتاب جنقر نائب مرو إلى شهاب الدين وهو بقرب الطالقان يحثه للوصول وأذن له غياث الدين فسار إلى مرو وقاتل العساكر الذين بها من الخوارزمية فغلبهم وأحجرهم بالبلد.وسار بالفيلة إلى السور فاستأمن أهل البلد وأطاعوا وخرج جنقر إلى شهاب الدين.ثم جاء غياث الدين بعد الفتح إلى هراة مكرماً وسلم مرو إلى هند وخان بن ملك شاه كما وعده.ثم سار إلى سرخس فملكها صلحاً وولى عليها زنكي بن مسعود من بني عمه وأقطعه معها نسا وأبيورد.ثم سار إلى طوس وحاصرها ثلاثاً واستأمن إليه أهلها فملكها وبعث إلى علي شاه علاء الدين محمد بن تكش بنيسابور في الطاعة فامتنع فسار إليه وقاتل نيسابور من جانب وأخوه شهاب الدين من الجانب الآخر إليه سقوطه ودخلوا نيسابور وملكوها ونادوا بالأمان.وجيء بعلي شاه من خوارزم إلى غياث الدين فأمنه وأكرمه وبعثه بالأمراء الخوارزمية إلى هراة وولى على خراسان ابن عمه وصهره على ابنته ضياء الدين محمد بن علي الغوري ولقبه علاء الدين وأنزله نيسابور في جمع من وجوه الغورية وأحسن إلى أهل نيسابور وسلم علي شاة إلى أخيه شهاب الدين ورحل إلى هراة.ثم سار شهاب الدين إلى قهستان وقيل له عن قرية من قراها أنهم إسماعيلية فأمر بقتلهم وسبى ذراريهم ونهب أموالهم وخرب القرية.ثم سار إلى حصن من أعمال قهستان وهم إسماعيلية فملكه بالأمان بعد الحصار وولى عليه بعض الغورية فأقام بها الصواب وشعار الإسلام.وبعث صاحب قهستان إلى غياث الدين يشكو من أخيه شهاب الدين ويقول إن هذا نقض العهد الذي بيني وبينكم.فما راعه إلا نزول أخيه شهاب الدين على حصن آخر للإسماعيلية من أعمال دهستان فحاصره فبعث بعض ثقاته إلى شهاب الدين يأمره بالرحيل فامتنع فقطع أطناب سرادقه ورحل مراغماً وقصد الهند مغاضباً لأخيه.ولما اتصل بعلاء الدين محمد بن تكش مسيرهما عن خراسان كتب إلى غياث الدين يعاتبه عن أخذه بلاده ويطلب إعادتها ويتوعده باستنجاد الخطا عليه فماطلة بالجواب إلى خروج أخيه شهاب الدين من الهند لعجزه عن الحركة لاستيلاء مرض النقرس عليه فكتب خوارزم شاه إلى علاء الدين الغوري نائب غياث الدين بنيسابور يأمره بالخروج عنها فكتب بذلك إلى غياث الدين فأجابه يعده بالنصر.وسار إليه خوارزم شله محمد بن تكش آخر سنة سبع وتسعين وخمسمائة.فلما قرب أبيورد هرب هند وخان من موالي غياث الدين وملك محمد بن تكش مدينة مرو ونسا وأبيورد وسار إلى نيسابور وبها علاء الدين الغوري فحاصرها وأطال حصارها حتى استأمنوا إليه واستحلفوه وخرجوا إليه فأحسن إليهم وسأل من علاء الدين الغوري السعي في الإصلاح بينه وبين غياث الدين فضمن ذلك وسار إلى هراة وبها إقطاعه وغضب على غياث الدين لقعوده عن إنجاده فلم يسر إليه.وبالغ محمد بن تكش في الإحسان إلى الحسن بن حرميل من أمراء الغورية.ثم سار إلى سرخس وبها الأمير زنكي من قرابة غياث الدين فحاصرها أربعين يوماً وضيق مخنقها بالحرب وقطع الميرة.ثم سأله زنكي الإفراج ليخرج عن الأمان فأفرج عنه قليلاً.ثم ملأ البلد من الميرة بما احتاج إليه وأخرج العاجزين عن الحصار وعاد إلى شأنه فندم محمد بن تكش ورحل عنها وجهز عسكراً لحصارها.وجاء نائب الطالقان مدداً لمحمد بن خربك وأحس بعد أن أرسل إليه بأنه عساكر الخوارزمية المجمرة عليه وأشاع ذلك فأفرجوا عنه.وجاء إليه زنكي من الطالقان فخرج معه ابن خربك إلى مرو الروذ وجبي خراجها وما يجاورها.وبعث إليه محمد بن تكش عسكراً نحواً من ثلاثة آلاف مع خاله فلقيهم محمد بن خربك في تسعمائة فارس فهزمهم وأثخن فيهم قتلاً وأسراً وغنم سوادهم وعاد خوارزم شاه محمد بن تكش إلى خوارزم.وأرسل إلى غياث الدين في الصلح فأجابه مع الحسن بن محمد المرغني من كبراء الغورية وغالطه في القول.ولما وصل الحسن المرغني إلى خوارزم شاه وأطلع على أمره قبض على الحسن وسار إلى هراة فحاصرها.وكتب الحسن إلى أخيه عمر بن محمد المرغني أمير هراة بالخبر فاستعد للحصار.وقد كان لحق بغياث الدين أخوان من حاشية سلطان شاه عم محمد بن تكش المتوفي في سرخس فأكرمهما غياث الدين وأنزلهما بهراة فكاتبا محمد بن تكش وداخلاه في تمليكه هراة فسار لذلك وحاصر البلد وأميرها عمر المرغني مر إلى الأخوين وعندهما مفاتيح البلد.وأطلع أخوه الحسن في محبسه على شأن الأخوين في مداخلة محمد بن تكش فبعث إلى أخيه عمر بذلك فلم يسعفه فبعث إليه بخط أحدهما فقبض عليهما وعلى أصحابهما واعتقلهم.وبعث محمد بن تكش عسكراً إلى الطالقان للغارة عليها فظفر بهم ابن خربك ولم يفلت منهم أحد.ثم بعث غياث الدين ابن أخته البوغاني في عسكر من الغورية فنزلوا قريباً من عسكر خوارزم شاه محمد بن تكش وقطع عنهم الميرة.ثم جاء غياث الدين في عسكر قليل لأن أكثرها مع أخيه شهاب الدين بالهند وغزنة فنزل قريباً من هراة ولم يقدم على خوارزم فلما بلغ الحصار أربعين يوماً وانهزم أصحاب خوارزم شاه بالطالقان ونزل غياث الدين وابن أخته البوغاني قريباً منه وبلغه وصول أخيه شهاب الدين من الهند إلى غزنة أجمع الرحيل عن هراة وصالح عمر المرغني على مال حمله إليه وارتحل إلى مرو منتصف ثمان وتسعين.وسار شهاب الدين من غزنة إلى بلخ ثم إلى باميان معتزماً على محاربة خوارزم شاه والتقت طلائعهما فقتل بين الفريقين خلق.ثم ارتحل خوارزم شاه عن مرو فجفلا إلى خوارزم وقتل الأمير سنجر صاحب نيسابور لاتهامه بالمخادعة.وسار شهاب الدين إلى طوس وأقام بها إلى انسلاخ الشتاء معتزماً على السير لحصار خوارزم فأتاه الخبر بوفاة أخيه غياث الدين فرجع إلى هراة واستخلف بمرو محمد بن خربك فسار إليه جماعة من أمراء خوارزم شاه سنة تع وتسعين ابن خربك ولم ينج منهم إلا القليل فبعث خوارزم شاه الجيوش مع منصور التركي لقتال ابن خربك ولقيهم على عشرة فراسخ من مرو وقاتلهم فهزموه ودخل مرو منهزماً فحاصروه خمسة عشر يوماً ، ^? ثم استأمن إليهم وخرج فقتلوه.وأسف ذلك شهاب الدين وترفدت الرسل بينه وبين خوارزم شاه في الصلح فلم يتم.وأراد العود إلى غزنة فاستعمل على هراة ابن أخته البوغاني وملك علاء الدين بن أبي علي الغوري مدينة مرو وزكورة وبلد الغور وأعمال خراسان وفوض إليه في مملكته وعاد غزنة سنة تسع وتسعين وخمسمائة.ثم عاد خوارزم شاه إلى هراة منتصف سنة ستمائة وبها البوغاني ابن أخت شهاب الدين الغوري وكان شهاب الدين قد سار عن غزنة إلى لهاوون غازياً فحصر خوارزم شاه هراة إلى منسلخ شعبان.وهلك في الحصار بين الفريقين خلق.وكان الحسن بن حرميل مقيماً بخوزستان وهي إقطاعه فأرسل إلى خوارزم شاه يخادعه ويطلب منه عسكراً يستلمون الفيلة وخزانة شهاب الدين فبعث إليه ألف فارس فاعترضهم هو والحسن بن محمد المرغني فلم ينج منهم إلا القليل فندم خوارزم شاه على إنفاذ العسكر وبعث إلى البوغاني أن يظهر بعض طاعته ويفرج عنه الحصار فامتنع.ثم أدركه المرض فخشي أن يشغله المرض عن حماية البلد فيملكها عليه خوارزم شاه فرجع إلى إجابته واستحلفه وأهدى وخرج له ليلقاه ويعطيه بعض الخدمة فمات في طريقه.وارتحل خوارزم شاه عن البلد وأحرق المجانيق وسار إلى سرخس فأقام بها. |
حصار شهاب الدين خوارزم شاه وانهزامه أمام الخطا
ولما بلغ شهاب الدين بغزنة ما فعل خوارزم شاه بهراة وموت نائبه بها البوغاني ابن أخته وكان غازياً إلى الهند فانثنى عزمه وسار إلى خوارزم وكان خوارزم شاه قد سار من سرخس وأقام بظاهر مرو فلما بلغه خبر مسيره أجفل راجعاً إلى خوارزم فسبق شهاب الدين إليها وأجرى الماء في السبخة حواليها وجاء شهاب الدين فأقام أربعين يوماً يطرق المسالك حتى أمكنه الوصول.ثم التقوا واقتتلوا وقتل بين الفريقين خلق كلا منهم الحسن المرغني من الغورية وأسر جماعة من الخوارزمية فقتلهم شهاب الدين صبراً.وبعث خوارزم شاه إلى الخطا فيما وراء النهر يستنجدهم على شهاب الدين فجمعوا وساروا إلى بلاد الغور وبلغ ذلك شهاب الدين فسار إليهم فلقيهم بالمفازة فهزموه وحصروه في أيد حوى حتى صالحهم وخلص إلى الطالقان وقد كثر الإرجاف بموته فتلقاه الحسسن بن حرميل صاحب الطالقان وأزاح علله.ثم سار إلى غزنة واحتمل ابن حرميل معه خشية من شدة جزعه أن يلحق بخوارزم شاه ويطيعه فولاه حجابته وسار معه ووجد الخلاف قد وقع بين أمرائه لما بلغهم من الإرجاف بموته حسبما مر في أخبار الغورية فأصلح من غزنة ومن الهند وتأهب للرجوع لخوارزم شاه وقد وقع في خبر هزيمته أمام الخط بالمفازة وجه آخر ذكرناه هنالك وهو أنه فرق عساكره في المفازة لقلة الماء فأوقع بهم الخطا منفردين.وجاء في الساقة فقاتلهم أربعة أيام مصابراً.وبعث إليه صاحب سمرقند من عسكر الخطا وكان مسلماً وأشار عليه بالتهوبل عليهم فبعث عسكراً من الليل وجاءوا من الغد متسائلين وخوفهم صاحب سمرقند بوصول المدد لشهاب الدين فرجعوا إلى الصلح وخلص هو من تلك الواقعة وذلك سنة إحدى وستمائة ومات شهاب الدين أثر ذلك. استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية بخراسان كان نائب الغورية بهراة من خراسان الحسن بن حرميل ولما قتل شهاب الدين الغوري في رمضان سنة اثنتين وستمائة قام بأمرهم غياث الدين محمود ابن أخيه غياث الدين واستولى على الغور من يد علاء الدين محمد بن أبي علي سرور كاه.ولما بلغ وفاة شهاب الدين إلى الحسن بن حرميل نائب هراة جمع أعيان البلد وقاضيهم واستحلفهم على الامتناع من خوارزم شاه ظاهراً ودس إلى خوارزم شاه بالطاعة ويطلب عسكراً يمتنع به من الغورية وبعث ابنه رهينة في ذلك فأنفذ إليه عسكراً من نيسابور وأمرهم بطاعة ابن حرميل وغياث الدين خلال ذلك يكاتب ابن حرميل ويطلبه في الطاعة فيراوغه بالمواعدة.وبلغه خبره مع خوارزم شاه فاعتزم على النهوض إليه واستشار ابن حرميل بهراة أعيان البلد يختبر ما عندهم فمال له علي بن عبد الخالق مدرس أمية وناظر الأوقاف الرأي صدق الطاعة لغياث الدين.فقال إن ما أخشاه فسر إليه وتوثق لي منه ففعل.وسار إلى غياث الدين فأطلعه عن الجلي من أمر ابن حرميل ووعده الثورة به.وكتب غياث الدين إلى نائبه بمرو يستدعيه فتوقف وحمله أهل مرو على المسير فسار فخلع عليه غياث الدين وأقطعه.واستدعى غياث الدين أيضاً نائبه بالطالقان أميران قطر فتوقف فأقطع الطالقان سونج مملوك ابنه المعروف بأمير شكار وبعث إلى ابن حرميل مع ابن زياد بالخلع ووصل معه رسوله يستنجز خطبته له فمطله أياماً حتى وصل عسكر خوارزم شاه من نيسابور ووصل في أثرهم خوارزم شاه وانتهى إلى بلخ على أربعة فراسخ فندم ابن حرميل عندما عاين مصدوقة الطاعة.وعرف عسكر خوارزم شاه بأن صاحبهم قد صالح غياث الدين وترك له البلاد فانصرفوا إلى صاحبهم وبعث إليه معهم بالهدايا.ولما سمع غياث الدين بوصول عسكر خوارزم شاه إلى هراة أخذ إقطاع بن حرميل وقبض على أصحابه وأستصفى أمواله وما كان له من الذخيرة في حروبان.وتبين ابن حرميل في أهل هراة الميل إلى غياث الدين والانحراف عنه وخشي من ثورتهم به فأظهر طاعة غياث الدين.وجمع أهل البلد على مكاتبته بذلك فكتبوا جميعاً وأخرج الرسول بالكتاب ودس إليه بأن يلحق عسكر خوارزم شاه فيردهم إليه فوصل الرسول بهم لرابع يومه.ولقيهم ابن حرميل وأدخلهم البلد وسمل ابن زياد الفقيه وأخرج صاعداً القاضي وشيع الغورية فلحقوا بغياث الدين وسلم البلد لعسكر خوارزم شاه.وبعث غياث الدين عسكره مع علي بن أبي علي وسار معه أميران صاحب الطالقان وكان منحرفاً عن غياث الدين بسبب عزله فدس إلى ابن حرميل بأن يكبسه وواعده الهزيمة وحلف له على ذلك فكبسه ابن حرميل فانهزم عسكر غياث الدين وأسر كثير من أمرائه.وشن ابن حرميل الغارة على بلاد باذغيس وغيرها من البلاد واعتزم غياث الدين على المسير بنفسه إلى هراة ثم شغل عن ذلك بأمر غزنة ومسير صاحب باميان إلى الدوس فأقصر واستظهر خوارزم شاه إلى بلخ وقد كان عند مقتل شهاب الدين أطلق الغورية الذين كان أسرهم في المصاف على خوارزم وخيرهم في المقام عنده أو اللحاق بقومهم واستصفى من أكابرهم محمد بن بشير وأقطعه فلما قصد الآن بلخ قدم إليها أخوه علي شاه في العساكر وبرز إليه عمر بن الحسن أميرها فدافعه عنها ونزل على أربعة فراسخ وأرسل إلى أخيه خوارزم شاه بذلك فسار إليه في ذي القعدة من السنة ونزل على بلخ وحاصرها وهم ينتظرون المدد من صاحبهم باميان بن بهاء الدين وقد شغلوا بغزنة فحاصرها خوارزم شاه أربعين يوما ولم يظفر فبعث محمد بن بشير الغوري إلى عماد الدين عمر بن الحسن نائبها يستنزله فامتنع فاعتزم ثم بلغه أن أولاد بهاء الدين أمراء باميان ساروا إلى غزنة وأسرهم تاج الدين الذر فأعاد محمد بن بشير إلى عمر بن الحسين فأجاب إلى طاعة خوارزم شاه والخطبة له وخرج إليه فأعاده إلى بلده وذلك في ربيع سنة ثلاث وستمائة.ثم سار خوارزم شاه إلى جوزجان وبها علي بن علي فنزل له عنها وسلمها خوارزم شاه إلى ابن حرميل لأنها كانت من إقطاعه وبعث إلى غياث الدين عمر بن الحسين من بلخ يستدعيه.ثم قبض عليه وبعث به إلى خوارزم شاه وسار إلى بلخ فاستولى عليها واستخلف عليها جغري التركي وعاد إلى بلاده. استيلاء خوارزم شاه علي ترمذ وتسليمها للخطا ولما أخذ خوارزم شاه بلخ سار عنها إلى ترمذ وبها عماد الدين عمر بن الحسين الذي كان صاحب بلخ وقدم إليه محمد بن علي بن بشير بالعذر عن شأن أبيه وأنه إنما بعثه لخوارزم مكرماً وهو أعظم خواصه ويعده بالإطلاع فاتهم على صاحبها أمره واجتمع عليه خوارزم شاه والخطا من جميع جوانبه وأسر أصحابه ملوك باميان بغزنة فاستأمن إلى خوارزم شاه وملك منه البلد ثم سلمها إلى الخطا وهم على كفرهم ليسالموه حتى يملك وينتزعها منهم فكان كما قدره والله سبحانه وتعالى أعلم. استيلاء خوارزم شاه على الطالقان ولما ملك خوارزم شاه ترمذ سار إلى الطالقان وبها سونج واستناب على الطالقان أمير شكار نائب غياث الدين محمود وبعث إليه يستميله فامتنع وبرز للحرب حتى تراءى الجمعان فنزل عن فرسه ونبذ سلاحه وجاء متطارحاً في العفو عنه فأعرض عنه وملك الطالقان واستولى على ما فيها وبعث إليه سونج واستناب على الطالقان بعض أصحابه وسار إلى قلاع كالومين ومهوار وبها حسام الدين علي بن علي فقاتله ودفعه على ناحيته.وسار إلى هراة وخيم بظاهرها.وجاء رسول غياث الدين بالهدايا والتحف ثم جاء ابن حرميل في جمع من عساكر خوارزم شاه إلى أسفراين فملكها على الأمان في صفرمن السنة وبعث إلى صاحب سجستان وهو حرب بن محمد بن إبراهيم من عقب خلف الذي كان ملكها منذ عهد ابن سبكتكين في الطاعة لخوارزم والخطبة له فامتنع وقصد خوارزم شاه وهو على هراة القاضي صاعد بن الفضل الذي أخرجه ابن حرميل ولحق بغياث الدين فلما جاء إلى خوارزم شاه رماه ابن حرميل بالميل إلى الغورية فحبسه بقلعة زوزن وولي القضاء بهراة الصفي أبا بكر بن محمد السرخسي وكان ينوب عن صاعد وابنه في القضاء. استيلاء خوارزم شاه على مازندران وأعمالها ثم توفي صاحب مازندران حسام الدين أزدشير وولي مكانه ابنه الأكبر وطرد أخاه الأوسط فقصد جرجان وبها الملك علي شاه ينوب عن أخيه خوارزم شاه محمد بن تكش واستنجده فاستأذن أخاه وسار معه من جرجان سنة ثلاث وستمائة ومات الأخ الذي ولي على مازندران وولي مكانه أخوهما الأصغر ووصل علي شاه ومعه أخو صاحب مازندران فعاثوا في البلاد وامتنع الملك بالقلاع مثل سارية وآمد فملكوها من يده وخطب فيها لخوارزم شاه وعاد علي شاه إلى جرجان وترك ابن صاحب مازندران الذي استجار به ملكاً في تلك البلاد وأخوه بقلعة كوره. |
استيلاء خوارزم شاه على ما وراء النهر وقتاله مع الخطا وأسره وخلاصه
قد تقدم لنا كيف تغلب الخطا على ما وراء النهر منذ هزموا سنجر بن ملك شاه وكانوا أمة بادية يسكنون الخيام التي يسمونها الخركاوات وهم على دين المجوسية كما كانوا.وكانوا موطنين بنواحي أوزكندة وبلاد ساغون وكاشغر وكان سلطان سمرقند وبخارى من ملوك الخانية الأقدمين عريقاً في الإسلام والبيت والملك ويلقب خان خاقان بمعنى سلطان السلاطين.وكان الخطا وضعوا الجزية على بلاد المسلمين فيما وراء النهر وكثر عيثهم وثقلت وطأتهم فأنف صاحب بخارى من تحكمهم وبعث إلى خوارزم شاه يستصرخه لمحاربتهم على أن يحمل إليه ما يحملونه للخطا وتكون له الخطبة والسكة.وبعث في ذلك وجوه بخارى وسمرقند فحلفوا له ووضعوا رهائنهم عنده فتجهز لذلك وولى أخاه علي شاه على طبرستان مع جرجان وولى على نيسايور الأمير كزلك خان من أخواله وأعيان دولته وندب معه عسكراً.وولى على قلعة زوزن أمين الدين أبا بكر وكان أصله حمالاً فارتفع وترقى في الرتب إلى ملك كرمان وولى على مدينة الجام الأمير جلدك وأقر على هراة الحسن بن حرميل وأنزل معه ألفاً من المقاتلة واستناب في مرو وسرخس وغيرهما.وصالح غياث الدين محموداً على ما بيده من بلاد الغور وكرمسين وجمع عساكر وسار إلى خوارزم فتجهز منها وعبر جيحون واجتمج بسلطان بخارى وسمرقند وزحف إليه الخطا فتواقعوا معه مرات وبقيت الحرب بينهم سجالاً.ثم انهزم المسلمون وأسر خوارزم شاه ورجعت العساكر إلى خوارزم معلولة وقد أرجف بموت السلطان.وكان كزلك خان نائب نيسابور محاصراً لهراة ومعه صاحب زوزن فرجعا إلى بلادهما وأصلح كزلك خان سور نيسابور واستكثر من الجند والأقوات وحدثته نفسه بالاستبداد وبلغ خبر الإرجاف إلى أخيه علي شاه بطبرستان فدعا لنفسه وقطع خطبة أخيه.وكان مع خوارزم شاه حين أسر أمير من أمرائه يعرف بابن مسعود فتحيل للسلطان بأن أظهر نفسه في صورته واتفقا على دعائه باسم السلطان وأوهما صاحبهما الذي أسرهما أن ابن مسعود هو السلطان وأن خوارزم شاه خديمه فأوجب ذلك الخطائي حقه وعظمه لاعتقاده أنه السلطان.وطلب منه بعد أيام أن يبعث ذلك الخديم لأهله وهو خوارزم شاه في الحقيقة ليعرف أهله بخبره ويأتيه بالمال فيدفعه إليه فأذن له الخطائي في ذلك وأطلقه بكتابه ولحق بخوارزم ودخل إليها في يوم مشهود.وعلم بما فعله أخوه علي شاه بطبرستان وكزلك خان ينيسابور وبلغهما خبر خلاصه فهرب كزلك خان إلى العراق ولحق علي شاه بغياث الدين محمود فأكرمه وأنزله.وسار خوارزم شاه إلى نيسابور فأصلح أمرها وولى عليها وسار إلى هراة فنزل عليها وعسكره محاصر دونها وذلك سنة أربع وستمائة والله أعلم. مقتل ابن حرميل ثم استيلاء خوارزم شاه على هراة كان ابن حرميل قد تنكر لعسكر خوارزم شاه الذين كانوا عنده بهراة لسوء سيرتهم فلما عبر خوارزم شاه جيحون واشتغل بقتال الخطا قبض ابن حرميل على العسكر وحبسهم وبعث إلى خوارزم شاه يعتذر ويشكو من فعلهم فكتب إليه يستحسن فعله ويأمره بإنفاذ ذلك العسكر إليه ينتفع بهم في قتال الخطا وكتب إلى جلدك بن طغرل صاحب الجام أن يسير إليه بهراة ثقة بفعله وحسن سريرته.وأعلم ابن حرميل بذلك ودس إلى جلدك بالتحيل على ابن حرميل بكل وجه والقبض عليه فسار في ألفي مقاتل وكان يهوى ولاية هراة لأن أباه طغرل كان والياً بها لسنجر فلما قارب هراة أمر ابن حرميل الناس بالخروج لتلقيه وخرج هو في أثرهم بعد أن أشار عليه وزيره خواجا الصاحب فلم يقبل.فلما التقى جلدك وابن حرميل ترجلا عن فرسيهما للسلام وأحاط أصحاب جلدك بابن حرميل وقبضوا عليه وانهزم أصحابه إلى المدينة فأغلق الوزير خواجا الأبواب واستعد للحصار وأظهر دعوة غياث الدين محمود.وجاء جلدك فناداه من السور وتهدده بقتل ابن حرميل وجاء بابن حرميل حتى أمره بتسليم البلد لجلدك فأبى وأساء الرد عليه وعلى جلدك فقتل ابن حرميل وكتب إلى خوارزم شاه بالخبر فبعث خوارزم شاه إلى كزلك خان نائب نيسابور وإلى أمين الدين أبي بكر نائب زوزن بالمسير إلى جلدك وحصار هراة معه فسار لذلك في عشرة آلاف فارس.وحاصروها فامتنعت وكان خلال ذلك ما قدمناه من انهزام خوارزم شاه أمام الخطا وأسرهم إياه.ثم تخلص ولحق بخوارزم ثم جاء إلى نيسابور ولحق بالعساكر الذين يحاصرون هراة فأحسن إلى أمرائهم لصبرهم وبعث إلى الوزير خواجا في تسليم البلد لأنه كان يعد عسكره بذلك حين وصوله فامتنع وأساء الرد فشد خوارزم في حصاره.وضجر أهل المدينة وجهدهم الحصار وتحدثوا في الثورة فبعث جدة من الجند للقبض عليه فثاروا بالبلد وشعر جماعة العسكر من خارج بذلك فرجعوا إلى السور واقتحموه وملك البلد عنوة وجيء بالوزير أسيراً إلى خوارزم شاه فأمر بقتله فقتل وكان ذلك سنة خمس وستمائة وولى على هراة خاله أمير ملك وعاد استيلاء خوارزم شاه علي بيروز كوه وسائر بلاد خراسان لما ملك خوارزم شاه هراة وولى عليها خاله أمير ملك وعاد إلى خوارزم بعث إلى أمير ملك يأمره بيروزكوه وكان بها غياث الدين محمود بن غياث الدين وقد لحق به أخوه علي شاه وأقام عنده فسار أمير ملك وبعث إليه محمود بطاعته ونزل إليه فقبض عليه أمير ملك وعلى علي شاه أخي خوارزم شاه وقتلهما جميعاً سنة خمس وستمائة.وصارت خراسان كلها لخوارزم شاه محمد بن تكش وانقرض أمر الغورية وكانت دولتهم من أعظم الدول وأحسنها والله تعالى ولي التوفيق.هزيمة الخطا ولما استقر أمر خراسان لخوارزم شاه واستنفر وعبر نهير جيحون وسار إليه الخطا وقد احتفلوا للقائه وملكهم يومئذ طانيكوه ابن مائة سنة ونحوها وكان مظفراً مجرباً بصيراً بالحرب.واجتمع خوارزم شاه وصاحب سمرقند وبخارى وتراجعوا سنة ست وستمائة ووقعت بينهم حروب لم يعهد مثلها.ثم انهزم الخطا وأخذ فيهم القتل كل مأخذ أسر ملكهم طانيكوه فأكرمه خوارزم شاه وأجلسه معه على سريره وبعث به إلى خوارزم وسار هو إلى ما وراء النهر وملكها مدينة إلى أوركند وأنزل نوابه فيها جماد إلى خوارزم ومعه صاحب سمرقند فأصهر إليه خوارزم شاه بأخته ورده إلى سمرقند وبعث معه شحنة يكون بسمرقند على ما كان أيام الخطا والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء. انتفاض صاحب سمرقند ولما عاد صاحب سمرقند إلى بلده أقام شحنة خوارزم شاه وعسكره معه نحواً من سنة.ثم استقبح سيرتهم وتنكر لهم وأمر أهل البلاد فثاروا بهم وقتلوهم في كل مذهب وهم بقتل زوجته أخت خوارزم شاه فغلقت الأبواب دونه واسترحمته فتركها وبعث إلى ملك الخطا بالطاعة.وبلغ الخبر إلى خوارزم شاه فامتعض وهم بقتل من في بلده من أهل سمرقند.ثم انثنى عن ذلك وأمر عساكره بالتوجه إلى ما وراء النهر فخرجوا أرسالا وهو في أثرهم وعبر بهم النهر ونزل على سمرقند وحاصرها ونصب عليها الآلات وملكها عنوة واستباحها ثلاثاً وقتل فيها نحواً من مائتي ألف واعتصم صاحبها بالقلعة.ثم حاصرها وملكها عنوة وقتل صاحبها صبراً في جماعة من أقرانه.ومحا آثار الخانية وأنزل في سائر البلاد وراء النهر نوابه وعاد إلى خوارزم والله تعالى ولي النصر بمنه وفضله. استلحام الخطا قد تقدم لنا وصول طائفة من أمم الترك إلى بلاد تركستان وكاشغر وانتشارهم فيما وراء النهر واستخدموا للملوك الخانية أصحاب تركستان.وكان أرسلان خان محمد بن سليمان ينزلهم مسالح على الريف فيما بينه وبين الصين ولهم على ذلك الإقطاعات والجرايات.وكان يعاقبهم على ما يقع منهم من الفساد والعيث في البلاد ويوقع بهم ففروا من بلاده وابتغوا عنه فسيحاً من الأرض ونزلوا بلاد ساغون.ثم خرج كوخان ملك الترك الأعظم من الصين سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فسارت إليه أمم الخطا ولقيهم الخان محمود بن محمد بن سليمان بن داود بقراخان وهو ابن أخت السلطان سنجر فهزموه وبعث بالصريخ إلى خاله سنجر فاستنفر ملوك خراسان وعساكر المسلمين وعبر جيحون للقائهم في صفر سنة ست وثلاثين ولقيه أمم الترك والخطا فهزموه وأثخنوا في المسلمين وأسرت زوجة السلطان سنجر.ثم أطلقها كوخان بعد ذلك وملك الترك بلاد ما وراء النهر.ثم مات كوخان ملكهم سنة سبع وثلاثين ووليت بعده ابنته وماتت قريباً وملكت من بعدها أمها زوجة كوخان وابنه محمد ثم انقرض ملكهم.واستولى الخطا على ما وراء النهر إلى أن غلبهم عليه خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش كما قدمنا.وكانت قد خرجت قبل ذلك خارجة عظيمة من الترك يعرفون بالتتر ونزلوا في حدود الصين وراء تركستان وكان ملكهم كشلي خان ووقع بينه وبين الخطا من العداوة والحروب ما يقع بين الأمم المتجاورة فلما بلغهم ما فعله خوارزم شاه بالخطا أرادوا الانتقام منهم وزحف كشلي في أمم التتر إلى الخطا لينتهز الفرصة فيهم فبعث الخطا إلى خوارزم شاه يتلطفون له ويسألونه النصر من عدوهم قبل أن يستحكم أمرهم وتضيق عنه قدرته وقدرتهم.وبعث إليه كشلي يغريه بهم وأن يتركه وإياهم ويحلف له على مسالمة بلاده فسار خوارزم شاه يوهم كل واحد من الفريقين أنه له وأقام منتبذاً عنهما حتى تواقعوا.وانهزم الخطا فمال التتر عليهم واستلحموهم في كل وجه ولم ينج منهم إلا القليل فتحصنوا بين جبال في نواحي تركستان وقليل آخرون لحقوا بخوارزم شاه كانوا معه.وبعث خوارزم شاه إلى كشلي خان ملك التتر يعتد عليه بهزيمة الخطا وإنها إنما كانت بمظاهرته فأظهر له الاعتراف وشكره ثم نازعه في بلادهم وأملاكهم وسار لحربهم.ثم علم انه لا طاقة له بهم فمكث يراوغهم على اللقاء وكشلي خان يعذله في ذلك وهو يغالطه واستولى كشلي خان خلال ذلك على كاشغر وبلاد تركستان وساغون.ثم عمد خوارزم شاه إلى الشاش وفرغانة وإسحاق وكاشان وما حولها من المدن التي لم يكن في بلاد الله أنزه منها ولا أحسن عمارة فجلا أهلها إلى بلاد الإسلام وخرب جميعها خوفاً أن يملكها التتر ثم اختلف التتر بعد ذلك وخرج على كشلي طائفة أخرى منهم يعرفون بالمغل وملكهم جنكزخان فشغل كشلي خان بحربهم عن خوارزم شاه فعبر النهر إلى خراسان وترك خوارزم شاه إلى أن كان أمره ما نذكره والله تعالى أعلم. |
استيلاء خوارزم شاه على كرمان ومكران والسند
وقد تقدم لنا أنه كان من جملة أمراء خوارزم شاه تكش تاج الدين أبو بكر " " وأنه كان كرياً للدواب.ثم ترقت به الأحوال إلى أن صار سروان لتكش والسروان مقدم الجهاد.ثم تقدم عنده لجلده واستماتته وصار أميراً وولاه قلعة زوزن.ثم تقدم عند علاء الدين محمد بن تكش واختصه فأشار عليه بطلب بلاد كرمان لما كانت مجاورة لوطنه فبعث معه عسكراً وسار إلى كرمان سنة اثنتي عشرة وصاحبها يومئذ محمد بن حرب أبي الفضل الذي كان صاحب سجستان أيام السلطان سنجر فغلبه على بلاده وملكها.ثم سار إلى كرمان وملكها كلها إلى السند من نواحي كابل وسار إلى هرمز من مدن فارس بساحل البحر واسم صاحبها مكيك فأطاعه وخطب لخوارزم شاه وضمن مالا يحمله وخطب له بقلعات وبعض عمان من وراء النهر لأنهم كانوا يتقربون إلى صاحب هرمز بالطاعة وتسير سفنهم بالتجار إلى هرمز لأنه المرسى العظيم الذي تسافر إليه التجار من الهند والصين.وكان بين صاحب هرمز وصاحب كيش مغاورات وفتن وكل واحد منهما ينهى مراكب بلاده أن ترسي ببلاد الآخر.وكان استيلاء خوارزم شاه على غزنة وأعمالها ولما استولى خوارزم شاه محمد بن تكش على بلاد خراسان وملك باميان وغيرها وبعث تاج الدين ألمرز صاحب غزنة وقد تغلب عليها بعد ملوك الغورية.وقد تقدم في أخبار دولتهم فبعث إليه في الخطبة له وأشار عليه كبير دولته قطلغ تكين مولى شهاب الدين الغوري وسائر أصحابه بالإجابة إلى ذلك فخطب له ونقش السكة باسمه.وسار إلى قنصيراً وترك قطلغ تكين بغزنة نائباً عنه فبعث قطلغ تكين لخوارم شاه يستدعيه فأعد له السير وملك غزنة وقلعتها وقتل الغورية الذين وجدوا بها خصوصاً الأتراك.وبلغ الخبر المرز فهرب إلى أساون.ثم أحضر خوارزم شاه قطلغ ووبخه على قلة وفائه لصاحبه وصادره على ثلاثين حملا من أصناف الأموال والأمتعة وأربعمائة مملوك.ثم قتله وعاد إلى خوارزم وذلك سنة ثلاث عشرة وستمائة وقيل سنة اثنتي عشرة بعد أن استخلف عليها ابنه جلال الدين منكبرس والله أعلم بغيبه وأحكم. استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل كان خوارزم شاه محمد بن تكش قد ملك الرها وهمذان وبلاد الجبل كلها أعوام تسعين وخمسمائة من يد قطلغ أبنايخ بقية أمراء السلجوقية ونازعه فيها ابن القصاب وزير الخليفة الناصر فغلبه خوارزم شاه وقتله كما مر في أخباره.ثم شغل عنها تكش إلى أن توفي وذلك سنة سبع وتسعين وصار ملكه لابنه علاء الدين محمد بن تكش.وتغلب موالي البهلوان على بلاد الجبل واحداً بعد واحد ونصبوا أزبك بن مولاهم البهلوان.ثم انتقضوا عليه وخطبوا لخوارزم شاه وكان آخر من ولي منهم أغماش وأقام بها مدة يخطب لعلاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه.ثم وثب عليه بعض الباطنية وطمع أزبك بن محمد البهلوان بقية الدولة السلجوقية بأذربيجان وأران في الاستيلاء على أعمال أصفهان والري وهمذان وسائر بلاد الجبل.وطمع سعد بن زنكي صاحب فارس ويقال سعد بن دكلا في الاستيلاء عليها أيضاً كذلك.وسار في العساكر فملك أزبك أصفهان بممالأة أهلها وملك سعد الري وقزوين وسمنان.وطار الخبر إلى خوارزم شاه بأصفهان وسمرقند فسار في العساكر سنة أربع عشرة وستمائة في مائة ألف بعد أن جهز العساكر فيما وراء النهر وبثغور الترك وانتهى إلى قومس ففارق العساكر وسار متجرداً في اثني عشر ألفاً.فلما ظفرت مقدمته بأهل الري وسعد مخيم بظاهرها ركب للقتال يظن أنه السلطان.ثم تبين الآلة والمركب واستيقن أنه السلطان فولت عساكره منهزمة وحصل في أسر السلطان.وبلغ الخبر إلى أزبك بأصفهان فسار إلى همذان.ثم عدل عن الطريق في خواصه وركب الأوعار إلى أذربيجان وبعث وزيره أبا القاسم بن علي بالاعتذار فبعث إليه في الطاعة فأجابه وحمله الضريبة فاعتذر بقتال الكرج.وأما سعد صاحب فارس فبلغ الخبر بأسره إلى ابنه نصرة الدين أبي بكر فهاج بخلعان أبيه وأطلق السلطان سعداً على أن يعطيه قلعة اصطخر ويحمل إليه ثلث الخراج وزوجه بعض قرابته.وبعث معه من رجال الدولة من يقبض اصطخر.فلما وصل إلى شيراز ودخل على ابنه واستولى على ملكه وخطب لخوارزم شاه.واستولى خوارزم شاه على شاور وقزوين وجرجان وأبهر وهمذان وأصفهان وقم وقاشان وسائر بلاد الجبل.واستولى عليها كلها من أصحابها واختص الأمير طايين بهمذان وولى ابنه ركن الدولة ياورشاه عليهم جميعاً وجعل معه جمال الدين محمد بن سابق الشاوي وزيراً.طلب الخطبة وامتناع الخليفة منها ثم بعد ذلك بعث خوارزم شاه محمد بن تكش إلى بغداد يطلب الخطبة بها من الخليفة كما كانت لبني سلجوق وذلك سنة أربع عشر.وذلك لما رأى من استفحال أمر واتساع ملكه فامتنع الخليفة من ذلك وبعث في الاعتذار عنه الشيخ شهاب الدين السهروردي فأكبر السلطان مقدمه وقام لتلقيه.وأول ما بدأ به الكلام على حديث الخطبة ببغداد وجلس على ركبتيه لاستماعه.ثم تكلم وأطال وأجاد وعرض بالموعظة في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم في بني العباس وغيرهم والتعرض لإذايتهم فقال السلطان حاشا لله من ذلك وأنا ما آذيت أحداً منهم وأمير المؤمنين كان أولى مني بموعظة الشيخ فقد بلغني أن في محبسه جماعة من بني العباس مخلدين يتناسلون فقال الشيخ الخليفة إذا حبس أحداً للإصلاح لا يعترض عليه فيه فما بويع إلا للنظر في المصالح.ثم ودعه السلطان ورجع إلى بغداد.وكان ذلك قبل أن يسير إلى العراق.فلما استولى على بلاد الجبل وفرغ من أمرها سار إلى بغداد وانتهى إلى عقبة سراباد وأصابه هنالك ثلج عظيم أهلك الحيوانات وعفن أيدي الرجال وأرجلهم حتى قطعوها ووصله هنالك شهاب الدين السهروردي ووعظه فندم ورجع عن قصده فدخل إلى خوارزم سنة خمس عشرة والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق. قسمة السلطان خوارزم شاه الملك بين ولده ولما استكمل السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش ملكه بالاستيلاء على الري وبلاد الجبل قسم أعمال ملكه بين ولده فجعل خوارزم وخراسان ومازندران لولي عهده قطب الدين أولاغ شاه وإنما كان ولي عهده دون ابنه الأكبر جلال الدين منكبرس لأن أم قطب الدين وأم السلطان وهي تركمان خاتون من قبيلة واحدة وهم فياروت من شعوب يمك إحدى بطون الخطا فكانت تركمان خاتون متحكمة في ابنها السلطان محمد بن تكش وجعل غزنة وباميان والغور وبست ومكسا مادومان من الهند لابنه جلال الدين منكبرس.وكرمان وكيش ومكرمان لابنه غياث الدين يترشاه.وبلاد الجبل لابنه ركن الدين غورشاه كما قدمناه.وأذن لهم في ضرب النوب الخمس له وهي دبادب صغار تقرع عقب الصلوات الخمس.واختص هو بنوبة سماها نوبة في القرنين سبع وعشرين دبدابة كانت مصنوعة من الذهب والفضة مرصعه بالجواهر.هكذا ذكر الوزير محمد بن أحمد النسوي المنشئ كاتب جلال الدين منكبرس في أخباره وأخبار أبيه علاء الدين محمد بن تكش وعلى كتابه اعتمدت دون غيره لأنه أعرف بأخبارهما.وكانت كرمان ومكرمان وكيش لمؤيد الملك قوام الدين.وهلك متصرف السلطان من العراق فأقطعها لابنه غياث الدين كما قلناه.وكان الملك هذا سوقة فأصبح ملكاً.وأصل خبره أن أمه كانت داية في دار نصرة الدين محمد بن أنز صاحب زوزن ونشأ في بيته واستخدمه وسفر عنه للسلطان فسعى به أنه من الباطنية.ثم رجع فخوفه من السلطان بذلك فانقطع نصرة الدين إلى الإسماعيلية وتحصن ببعض قلاع زوزن وكتب قوام الدين بذلك إلى السلطان فجعل إليه وزارة زوزن وولاية جبايتها.ولم يزل يخادع صاحبه نصرة الدين إلى أن رجع فتمكن من السلطان وسمله.تم طمع قوام الدين في ملك كرمان وكان بها أمير من بقية الملك دينار وأمده السلطان بعسكر من خراسان فملك كرمان وحسن موقع ذلك من السلطان فلقيه مؤيد الملك وجعلها في إقطاعه.ولما رجع السلطان من العراق وقد نفقت جماله بعث إليه بأربعة آلاف بختي ولوفي أثر ذلك فرد السلطان أعماله إلى ابنه غياث الدين كما قلناه وحمل من تركته إلى السلطان سبعون حملاً من الذهب خلا الأصناف. أخبار تركمان خاتون أم السلطان محمد بن تكش |
أخبار تركمان خاتون أم السلطان محمد بن تكش
كانت تركمان خاتون أم السلطان محمد بن تكش من قبيلة بياروت من شعوب الترك يمك من الخطا وهي بنت خان حبكش من ملوكهم تزوجها السلطان خوارزم شاه كش فولدت له السلطان محمداً.فلما ملك لحق بها طوائف يمك ومن جاورهم من لترك واستظهرت بهم وتحكمت في الدولة فلم يملك السلطان معها أمره.وكانت تولي في النواحي من جهتها كما يولي السلطان وتحكم بين الناس وتنصف من الظلامات وتقدم على الفتك والقتل وتقيم معاهد الخير والصدقة في البلاد وكان لها سبعة من الموقعين يكتبون عنها وإذا عارض توقيعها لتوقيع السلطان عمل بالمتأخر منهما.وكان لقبها خداوند جهان أي صاحبة العالم وتوقيعها في الكتاب عصمة الدنيا والدين أولاغ تركمان ملك نساء العالمين.وعلامتها اعتصمت بالله وحده تكتبها بقلم غليظ وتجود كتابتها أن تزور عليها واستوزرت للسلطان وزيره نظام الملك وكان مستخدماً لها فلما عزل السلطان وزيره أشارت عليه بوزارة نظام الملك هذا فوزر له على كره من السلطان وتحكم في الدولة بتحكمها.ثم تنكر له السلطان لأمور بلغته عنه وعزله فاستمر على وزارتها وكان شأنه في الدولة أكبر.وشكاه إليه بعض الولاة بنواحي خوارزم أنه صادرة فأمره بعض خواصه بقتله فمنعته تركمان من ذلك وبقي على حاله وعجز السلطان عن إنفاذ أمره فيه والله يؤيد بنصره من يشاء. خروج التتر وغلبهم على ما وراء النهر وفرار السلطان أمامهم من خراسان ولما عاد السلطان من العراق سنة خمس عشرة كما قدمناه واستقر بنيسابور وفدت عليه رسل جنكزخان بهدية من المعدنين ونوافج المسك وحجر اليشم والثياب الطائية التي تنسج من وبر الإبل البيض ويخبر أنه ملك الصين وما يليها من بلاد الترك ويسأل الموادعة والأذن للتجار من الجانبين في التردد في متاجرهم وكان في خطابه إطراء السلطان بأنه مثل أعز أولاده فاستنكف السلطان من ذلك واستدعى محموداً الخوارزمي من الرسل واصطنعه ليكون عيناً له على جنكزخان واستخبره على ما قاله في كتابه من ملكه الصين واستيلائه على مدينة طوغاج فصدق ذلك وأنكر عليه الخطاب بالولد ، ^? وسأله عن مقدار العساكر فغشه وقللها وصرفهم السلطان بما طلبوه من الموادعة والإذن للتجار فوصل بعض التجار من بلادهم إلى إنزار وبها نيال خان بن خان السلطان في عشرين ألفاً من العساكر فشره إلى أموالهم وخاطب السلطان بأنهم عيون وليسوا بتجار فأمره بالاحتياط عليهم فقتلهم خفية وأخذ أموالهم.وفشا الخبر إلى جنكزخان فبعث بالنكير إلى السلطان في نقض العهد.وإن كان فعل نيال إفتياتاً فبعث إليه يتهدده على ذلك فقتل السلطان الرسل وبلغ الخبر إلى جنكزخان فسار في العساكر.واعتزم السلطان أن يحضن سمرقند بالأسوار فجبى لذلك خراج سنتين وجبى ثالثة استخدم بها الفرسان.وسار إلى أحياء جنكزخان فكبسهم وهو غائب عنها في محاربة كشلي خان فغنم ورجع وأتبعهم ابن جنكزخان فكانت بينهم واقعة عظيمة هلك فيها كثير من الفريقين.ولجأ خوارزم شاه إلى جيحون فأقام عليه ينتظر شأن التتر.ثم عاجله جنكزخان فأجفل وتركها وفرق عساكره في مدن ما وراء النهر إنزار وبخارى وسمرقند وترمذ وجند.وأنزل آبنايخ من كبراء أمرائه وحجاب دولته في بخارى.وجاء جنكزخان إلى إنزار فحاصرها وملكها غلابا وأسر أميرها نيال خان الذي قتل التجار وأذاب الفضة في أذنيه وعينيه.ثم حاصر بخارى وملكها على الأمان وقاتلوا معه القلعة حتى ملكوها.ثم غدر بهم وقتلهم وسلبهم وخربها ، ^? ورحل جنكزخان إلى سمرقند ففعلوا فيها مثل ذلك سنة تسع عشرة وستمائة.ثم كتب كتباً على لسان الأمراء قرابة أم السلطان يستدعون خنكزخان ويعدها بزيادة خراسان إلى خوارزم وبعث من يستخلفه على ذلك.وبعث الكتب مع من يتعرض بها السلطان فلما قرأها إرتاب بأمه وبقرابتها.إجفال السلطان خوارزم شاه إلى خراسان ثم إلى طبرستان ومهلكه ولما بلغ السلطان استيلاء جنكزخان على إنزار وبخارى وسمرقند وجاءه نائب بخارى ناجياً في الفل أجفل حينئذ وعبر جيحون.ورجع عنه طوائف الخطا الذين كانوا معه وعلاء الدين صاحب قيدر وتخاذل الناس وسرح جنكزخان العساكر في أثره نحواً من عشرين ألفاً يسميهم التتر المغربة لسيرهم نحو كرب خراسان فتوغلوا في البلاد وانتهوا إلى بلاد بيجور واكتسحوا كل ما مروا عليه.ووصل السلطان إلى نيسابور فلم يثبت بها ودخل إلى ناحية العراق بعد أن أودع أمواله.قال المنشئ في كتابه حدثني الأمير تاج الدين البسطامي قال لما انتهى خوارزم شاه في مسيره إلى العراق استحضرني وبين يديه عشرة صناديق مملوءة لآلئ لا تعرف قيمتها وقال في اثنين منها فيهما من الجواهر ما يساوي خراج الأرض بأسرها وأمرني بحملها إلى قلعة أردهن من أحصن قلاع الأرض وأخذت خط يد الموالي بوصولها ثم أخذها التتر بعد ذلك حين ملكوا العراق انتهى.ولما ارتحل خوارزم شاه من نيسابور قصد مازندران والتتر في أثره ثم انتهى إلى أعمال همذان فكبسوه هناك ونجا إلى بلاد الجبل وقتل وزيره عماد الملك محمد بن نظام الملك وأقام هو بساحل البحر بقرية عند الفريضة يصلي ويقرأ ويعاهد الله على حسن السيرة.ثم كبسه التتر أخرى فركب البحر وخاضوا في أثره فغلبهم الماء ورجعوا ووصلوا إلى جزيرة في بحر طبرستان فأقام بها وطرقه المرض فكان جماعة من أهل مازندران يمرضونه ويحمل إليه كثيراً من حاجته فيوقع لحاملها بالولايات والإقطاع وأمضى ابنه جلال الدين بعد ذلك جميعها.ثم هلك سنة سبع عشرة وستمائة ودفن بتلك الجزيرة لإحدى وعشرين سنة من ملكه بعد أن عهد لابنه جلال الدين منكبرس وخلع ابنه الأصغر قطب الدين أولاغ شاه.ولما بلغ خبر إجفاله إلى أمه تركمان خاتون بخوارزم خرجت هاربة بعد أن قتلت نحواً من عشرين من الملوك والأكابر المحبوسين هنالك ولحقت بقلعة إيلان من قلاع مازندران فلما رجع التتر المغربة عن السلطان خوارزم شاه بعد أن خاض بحر طبرستان إلى الجزيرة التي مات بها فقصدوا مازندران وملكوا قلاعها على ما فيها من الامتناع.ولقد كان فتحها تأخر إلى سنة تسعين أيام سليمان بن عبد الملك فملكوها واحدة واحدة وحاصروا تركمان خاتون في قلعة إيلان إلى أن ملكوا القلعة صلحاً وأسروها.وقال ابن الأثير أنهم لقوها في طريقها إلى مازندران فأحاطوا بها وأسروها ومن كان معها من بنات السلطان وتزوجهن التتر وتزوج دوش خان بن جنكزخان بإحداهن وبقيت تركمان خاتون أسيرة عندهن في خمول وذل.وكانت تحضر سماط جنكزخان كإحداهن وتحمل قوتها منه.وكان نظام الملك وزير السلطان مع أمه تركمان خاتون فحصل في قبضة جنكزخان وكان عندهم معظماً لما بلغهم من تنكر السلطان له.وكانوا يشاورونه في أمر الجباية فلما استولى دوش خان على خوارزم وجاء بحرم السلطان الذين كانوا بها وفيهن مغنيات فوهب إحداهن لبعض خدمه فمنعت نفسها منه ولجأت للوزير نظام الملك فشكاه ذلك الخادم لجنكزخان ورماه بالجارية فأحضره جنكزخان وعلا عليه خيانة استاذه وقتله. |
مسير التتر بعد مهلك خوارزم شاه من العراق إلى أذربيجان
وما وراءها من البلاد هنالك ولما وصل التتر إلى الري في طلب خوارزم شاه محمد بن تكش سنة سبع عشرة وستمائة ولم يجدوه عادوا إلى همذان واكتسحوا ما مروا عليه وأخرج إليهم أهل همذان ما حضرهم من الأموال والثياب والدواب فأمنوهم.ثم ساروا إلى زنجان ففعلوا كذلك ثم إلى قزوين فامتنعوا منهم فحاصروها وملكوها عنوة واستباحوها ويقال إن القتلى بقزوين زادوا على أربعين ألفاً.ثم هجم عليهم الشتاء فساروا إلى أذربيجان على شأنهم من القتل والاكتساح وصاحبها يومئذ أزبك بن البهلوان مقيم بتبريز عاكف على لذاته فراسلهم وصانعهم وانصرفوا إلى بوقان ليشتوا بالسواحل.ومروا إلى بلاد الكرج فجمعوا لقتالهم فهزمهم التتر وأثخنوا فيهم فبعثوا إلى أزبك صاحب أذربيجان وإلى الأشرف بن العادل بن أيوب صاحب خلاط والجزيرة يطلبون اتصال أيديهم على مدافعة التتر.وانضاف إلى التتر أقوش من موالي أزبك وإليه جموع من التركمان والأكراد.وسار مع التتر إلى الكرج واكتسحوا بلادهم وانتهوا إلى بلقين.وسار إليهم الكرج فلقيهم أقوش أولا.ثم لقيهم التتر فانهزم الكرج وقتل منهم ما لا يحصى وذلك في ذي القعدة من سنة سبع عشرة.ثم عاد التتر إلى مراغة ومروا بتبريز فصانعهم صاحبها كعادته وانتهوا إلى مراغة فقاتلوها أياماً وبها امرأة تملكها.ثم ملكوها في صفر سنة ثماني عشرة واستباحوها.ثم رحلوا عنها إلى مدينة إربل وبها مظفر الدين " " فاستمد الدين صاحب الموصل فأمده بالعساكر.ثم هم بالخروج لحفظ الدروب على بلاده فجاءت كتب الخليفة الناصر إليهم جميعاً بالمسير إلى دقوقا ليقيموا بها مع عساكره ويدافع عن العراق.وبعث معهم بشتمر كبير أمرائه وجعل المقدم على الجميع مظفر الدين صاحب إربل فخاموا عن لقاء التتر وخام التتر عن لقائهم وساروا إلى همذان وكان لهم بها شحنة منذ ملكوها أولاً فطالبوا بفرض المال على أهلها.وكان رئيس همذان شريفاً علوياً قديم الرياسة بها فحضهم على ذلك فضجروا وأساؤوا الرد عليه وأخرجوا الشحنة وقاتلوا التتر وغضب العلوي فتسلل عنهم إلى قلعة بقربها فامتنع وزحف التتر إلى البلد فملكوه عنوة واستباحوه واستلحموا أهله.ثم عادوا إلى أذربيجان فملكوا أردبيل واستباحوها وخربوها وساروا إلى تبريز وقد فارقها أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران وقصد لقجوان وبعث بأهله وحرمه إلى خوي فراراً من التتر لعجزه وانهماكه فقام بأمر تبريز شمس الدين الطغرائي وجمع أهل البلد واستعد للحصار فأرسل إليه التتر في المصانعة فصانعهم وساروا إلى مدينة سوى فاستباحوها وخربوها وساروا إلى بيلقان فحاصروها وبعثوا إلى أهل البلد رجلا من أكابرهم يقرر معهم في المصانعة والصلح فقتلوه فأسرى التتر في حصارهم وملكوا البلد عنوة في رمضان سنة ثمان عشرة واستلحموا أهلها وأفحشوا في القتل والمثلة حتى بقر البطون على الأجنة واستباحوا جميع الضاحية قتلا ونهباً وتخريباً.ثم ساروا إلى قاعدة أران وهي كنجة ورأوا امتناعها فطلبوا ولما فرغوا من أعمال أذربيجان وأران ساروا إلى بلاد الكرج وكانوا قد جمعوا لهم واستعدوا ووقعوا في حدود بلادهم فقاتلهم التتر فهزموهم إلى بلقين قاعدة ملكهم فجمعم هنالك ثم خاموا عن لقائهم لما رأوا من أقتحامهم المضائق والجبال فعادوا إلى بلقين واستولى التتر على نواحيها فخربوها كيف شاؤوا ولم يقدروا على التوغل فيها لكثرة الأوعار والدوسرات فعادوا عنها ثم قصدوا درنبد شروان وحاصروا مدينه سماهي وفتكوا في أهلها ووصلوا إلى السور فعالوه بأشلاء القتلى حتى ساموه واقتحموا البلد فأهلكوا كل من فيه.ثم قصدوا الدرنبد فلم يطيقوا عبوره فأرسلوا إلى شروان في الصلح فبعث إليهم رجالا من أصحابه فقتلوا بعضهم واتخذوا الباقين أذلاء فسلكوا بهم درنبد شروان وخرجوا إلى الأرض الفسيحة وبها أمم القفجاق واللان واللكن وطوائف من الترك مسلمون وكفار فأوقعوا بتلك الطوائف واكتسحوا عامة البسائط وقاتلهم قفجاق واللان ودافعوهم.ولم يطق التتر مغالبتهم ورجعوا وبعثوا إلى القفجاق وهم واثقون بمسالمتهم فأوقعوا بهم وجر من كان بعيداً منهم إلى بلاد الروس واعتصم آخرون بالجبال والغياض.واستولى التتر على بلادهم وانتهوا إلى مدينتهم الكبرى سراي على بحر نيطش المتصل بخليج القسطنطينية وهي مادتهم وفيها تجارتهم فملكها التتر وافترق أهلها في الجبال.وركب بعضهم إلى بلاد الروم في إيالة بني قليج أرسلان.ثم سار التتر سنة عشر وستمائة من بلاد قفجاق إلى بلاد الروس المجاورة لها وهي بلاد فسيحة وأهلها يدينون بالنصرانية فساروا إلى مدافعتهم في تخوم بلادهم ومعهم جموع من القفجاق سافروا إليهم فاستطرد لهم التتر مراحل.ثم كروا عليهم وهم غارون فطاردهم القفجاق والروم أياماً.ثم انهزموا وأثخن التتر فيهم قتلا وسبياً ونهباً.وركبوا السفن هاربين إلى بلاد المسلمين وتركوا بلادهم فاكتسحها التتر.ثم عادوا إليها وقصدوا بلغار أواخر السنة واجتمع أهلها وساروا للقائهم بعد أن أكمنوا لهم ثم استطردوا أمامهم وخرج عليهم الكمناء من خلفهم فلم ينج منهم إلا القليل وارتحلوا عائدين إلى جنكزخان بأرض الطالقان ورجع القفجاق إلى بلادهم واستقروا فيها.والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء. أخبار خراسان بعد مهلك خوارزم شاه قد كنا قدمنا مهلك خوارزم شاه ومسير هؤلاء التتر المغربة في طلبه ثم انتهائهم بعد مهلكه إلى النواحي التي ذكرناها.وكان جنكزخان بعد أجفال خوارزم شاه من جيحون وهو بسمرقند قد بعث عسكراً إلى ترمذ فساروا منها إلى كلات من أحصن القلاع إلى جانب جيحون فاستولوا عليها وأوسعوها نهباً وسير عسكراً آخر إلى فرغانة وكذلك عسكراً آخر إلى خوارزم وعسكراً آخر إلى خوزستان فعبر عسكر خراسان إلى بلخ وملكوها على الأمان سنة سبع وستمائة ولم يعرضوا لها بعيث وأنزلوا شحنتهم بها.ثم ساروا إلى زوزن وايد خوي وفاراب فملكوها وولوا عليها ولم يعرضوا لأهلها بأذى وإنما استنفروهم لقتال البلد معهم.ثم ساروا إلى الطالقان وهي ولاية متسعة فقصدوا قلعة صور كوه من أمنع بلادها فحاصروها ستة أشهر وامتنعت عليهم فسار إليهم جنكزخان بنفسه وحاصرها أربعة أشهر أخرى حتى إذا رأى امتناعها أمر بنقل الخشب والتراب حتى اجتمع منه تل مشرف على البلد واستيقن أهل البلد الهلكة واجتمعوا وفتحوا الباب وصدقوا الحملة فنجا الخيالة وتفرقوا في الجبال والشعاب وقتل الرجالة ودخل التتر البلد فاستباحوها.ثم بعث جنكزخان صهره قفجاق قوين إلى خراسان ومرواسا وقاتلوها فامتنعت عليهم وقتل قفجاق قوين فأقاموا على حصارها وملكوها عنوة واستباحوها وخربوها.ويقال قتل فيها أزيد من سبعين ألفاً وجمع من الجثث عدداً كبيراً فكان كالتلال العظيمة وكان رؤساؤها بني حمزة بخوارزم منذ ملكها خوارزم شاه تكش فعاد إليها اختيار الدين جنكي بن عمر بن حمزة وبنو عمه وضبطوها.ثم بعث جنكزخان ابنه في العساكر إلى مدينة مرو واستنفر أهل البلاد التي ملكوها من قبل مثل بلخ وأخواتها.وكان الناجون من هذه الوقائع كلها قد لحقوا بمرو واجتمع بها ما يزيد على مائتي ألف وعسكروا بظاهرها لا يشكون في الغلب.فلما قاتلهم التتر صابروهم فوجدوا في مصابرتهم ما لم يحتسبوه فولوا منهزمين.وأثخن التتر فيهم ثم حاصروا البلد خمسة أيام وبعثوا إلى أميرها يستميلونه للنزول عنها فاستأمن إليهم وخرج فأكرموه أولا.ثم أمروا بإحضار جنده للعرض حتى استكملوا وقبضوا عليهم.ثم استكتبوا رؤساء البلد وتجاره وصناعه على طبقاتهم.وخرج أهل البلد جميعاً وجلس لهم جنكزخان على كرسي من ذهب فقتل الجند في صعيد واحد وقسم العامة رجالاً وأطفالاً ونساء بين الجند فاقتسموهم وأخذوا أموالهم.وامتحنوهم في طلب المال ونبشوا القبور في طلبه.ثم أحرقوا البلد وتربة السلطان سنجر.ثم استلحم في اليوم الرابع أهل البلد جميعاً.يقال كانوا سبعمائة.ثم ساروا إلى نيسابور وحاصروها خمساً.ثم اقتحموها عنوة وفعلوا فيها فعلهم في مرو أو أشد.ثم بعثوا عسكراً إلى طوس وفعلوا فيها مثل ذلك وخربوها وخربوا مشهد علي بن موسى الرضا.ثم ساروا إلى هراة وهي من أمنع البلاد فحاصروها عشراً وملكوها وأمنوا من بقي من أهلها وأنزلوا عندهم شحنة وساروا لقتال جلال الدين بن خوارزم شاه كما يذكر بعد فوثب أهل هراة على الشحنة وقتلوه.فلما رجع التتر منهزمين اقتحموا البلد واستباحوه وخربوه وأحرقوه ونهبوا نواحيه أجمع وعادوا إلى جنكزخان بالطالقان وهو يرسل السرايا في نواحي خراسان حتى أتوا عليها تخريباً وكان ذلك كله سنة سبع عشرة وبقيت خراسان خراباً.وتراجع أهلها بعض الشيء فكانوا فوضى واستبد آخرون في بعض مدنها كما نذكر ذلك في أماكنه والله أعلم. أخبار السلطان جلال الدين منكبرس مع التتر بعد مهلك خوارزم شاه واستقراره بغزنة ولما توفي السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش بجزيرة بحر طبرستان ركب ولده البحر إلى خوارزم يقدمهم كبيرهم جلال الدين منكبرس وقد كان وثب بها بعد منصرف تركمان خاتون أم خوارزم شاه رجل من العيارين فضبطها وأساء السيرة وانطلقت إليها أيدي العيارين.ووصل بعض نواب الديوان فأشاعوا موت السلطان ففر العيارون.ثم جاء جلال الدين وآخرته واجتمع الناس إليهم فكانوا معهم سبعة آلاف من العساكر أكثرهم اليارونية قرابة أم خوارزم شاه فمالوا إلى أولاغ شله وكان ابن أختهم كما مر وشاوروا في الوثوب بجلال الدين وخلعه ونمي الخبر إليه فسار إلى خراسان في ثلاثمائة فارس وسلك المفازة إلى بلد نسا فلقي هناك رصداً من التتر فهزمهم ولجأ فلهم إلى نسا وكان بها الأمير اختيار زنكي بن محمد بن عمر بن حمزة قد رجع إليها من خوارزم كما قدمناه وضبطها فاستلحم فل التتر وبلغ.وبعث إله جلال الدين بالمدد فسار إلى نيسابور.ثم وصلت عساكر التتر إلى خوارزم بعد ثلاث من مسير جلال الدين فأجفل أولاغ واخوته وساروا في أتباعه ومروا بنسا فسار معه اختيار الدين صاحبها واتبعتهم عساكر التتر فأدركوهم بنواحي خراسان وكبسوهم فقتل أولاغ شاه وأخوه انشاه واستولى التتر على ما كان معهم من الاموال والذخائر وافترقت في أيدي الجند والفلاحين فبيعت بأبخس الأثمان.ورجع اختيار الدين زنكي إلى نسا فاستبد بها ولم يسم إلى مراسم الملك.وكتب له جلال الدين بولايتها فراجع أحوال الملك.ثم بلغ الخبر إلى جلال الدين بزحف التتر إلى نيسابور وأن جنكزخان بالطالقان فسار إلى نيسابور ومن نيسابور إلى بست واتبعه نائب هراة الأمير ملك خان ابن خال السلطان خوارزم شاه في عشرة آلاف فارس هارب أمام التتر وقصد سجستان فامتنعت عليه فرجع واستدعاه جلال الدين فسار إليه واجتمعوا فكبسوا التتر وهم محاصرون قلعة قندهار فاستلحموهم ولم يفلت منهم أحد فرجع جلال الدين إلى غزنة وكانت قد استولى عليها اختيار الدين قربوشت صاحب الغور عندما ساروا إليها وعندما قدم جلال الدين صريخاً عن أمير ملك خان من سجستان فخالفه قربوشت إليها وملكها فثار به صلاح الدين النسائي والي قلعتها وقتله وملك غزنة وكان بها رضا الملك شرف الدين بن أمير ملك خان ففتك به رضا الملك واستبد بغزنة.فلما ظفر جلال الدين بالتتر على قندهار رجع إلى غزنة فقتله وأوطنها وذلك سنة ثمان عشرة ، ^? قد كنا قدمنا أن جنكزخان بعدما أجفل خوارزم شاه من جيحون بعث عساكره إلى النواحي وبعث إلى مدينة خوارزم عسكراً عظيماً لعظمها لأنها كرسي الملك وموضع العساكر فسارت عساكر التتر إليها مع ابنه جنطاي وأركطاي فحاصروها خمسة أشهر ونصبوا عليها الآلات فامتنعت فاستمدوا عليها جنكزخان فأمدهم بالعساكر متلاحقة فزحكل إليها وملكوا جانباً منها.وما زالوا يملكونها ناحية ناحية إلى أن استوعبوها ثم فتحوا السد الذي يمنع ماء جيحون عنها فسار إليها جيحون فغرقها.وانقسم أهلها بين السيف والغرق هكذا قال ابن الأثير.وقال النسائي الكاتب إن دوشن خان بن جنكزخان عرض عليهم الأمان فخرجوا إليه فقتلهم أجمعين وذلك في محرم سنة سبع عشرة.ولما فر التتر من خراسان وخوارزم رجعوا إلى ملكهم جنكزخان بالطالقان. |
خبر أبنايخ نائب بخارى وتغلبه على خراسان ثم فراره أمام التتر إلى الري
كان آبنايخ أمير الأمراء والحجاب أيام خوارزم شاه وولاه ثانياً بخارى فلما ملكها التتر عليه كما قلناه أجفل إلى المفازة وخرج منها إلى نواحي نسا وراسله اختيار الدب صاحبها يعرضها عليه للدخول عنده فأبى فوصله وأمده.وكان رئيس بشخوان من قرى نسا أبو الفتح فداخل التتر فكتب إلى شحنة خوارزم بمكان آبنايخ فجرد إليهم عسكراً فهزمه آبنايخ وأثخن فيهم وساروا إلى بشخوان فحاصروها وملكوها عنوة وهلك أبو الفتح أيام الحصار.ثم ارتحل آبنايخ إلى أبيورد وقد تغلب تاج الدين عمر بن مسعود على أبيورد وما بينها وبين مرو فجبى خراجها واجتمع عليه جماعة من أكابر الأمراء وعاد إلى نسا وقد توفي نائبها اختيار الدين زنكي وملك بعده ابن عمه عمدة الدين حمزة بن محمد بن حمزة فطلب منه آبنايخ خراج سنة ثمان عشرة وسار إلى شروان وقد تغلب عليها ايكجي بهلوان فهزمه وانتزعها من يده.ولحق بهلوان بجلال الدين في الهند واستولى آبنايخ خان على عامة خراسان وكان تكين بن بهلوان متغلباً بمرو فعبر جيحون وكبس شحنة التتر ببخارى فهزموه سنة سبع ورجع إلى شروان وهم باتباعه ولحقوا بآبنايخ خان على جرجان فهزموه ونجا إلى غياث الدين يترشاه بن خوارزم شاه بالري فأقام عنده إلى أن هلك كما نذكر إن شاء الله تعالى. خبر ركن الدين غورشاه صاحب العراق من ولد خوارزم شاه قد كان تقدم لنا أن السلطان لما قسم ممالكه بين أولاده جعل العراق في قسمة غورشاه منهم.ولما أجفل السلطان إلى ناحية الري لقيه ابنه غورشاه ثم سار من الري إلى كرمان فملكها تسعة أشهر.ثم بلغه أن جلال الدين محمد بن أبه القزويني وكان بهمذان أراد أن يملك العراق واجتمع إليه بعض الأمراء وأن مسعود بن صاعد قاضي أصفهان مائل إليه فعاجله ركن الدولة واستولى على أصفهان.وهرب القاضي إلى أتابك سعد بن زنكي صاحب فارس فأجاره.وبعث ركن الدين العساكر لقتال همذان فتخاذلوا ورجعوا دون قتال.ثم مضى إلى الري ووجد بها قوماً من الإسماعيلية يحاولون إظهار دعوتهم.ثم زحف التتر إلى ركن الدولة فحاصروه بقلعة راوند واقتحموها فقاتلوه واستأمن إليهم ابن أبه صاحب همذان فأمنوه ودخلوا همذان فولوا عليها علاء الدين الشريف الحسيني عوضاً من ابن أبه. خبر غياث الدين يترشاه صاب كرمان من ولد السلطان خوارزم شاه قد كنا قدمنا أن السلطان خوارزم شاه ولى ابنه غياث الدين يترشاه كرمان وكيش ولم ينفذ إليها أيام أبيه.ولما كانت الكبسة على قزوين خلص إلى قلعة ماروت من نواحي أصفهان وأقام عند صاحبها.ثم رجع إلى أصفهان ومر به التتر ذاهبين إلى أذربيجان فحاصروه وامتنع عليهم وأقام بها إلى آخر سنة عشرين وستمائة فلما جاء أخوه ركن الدين غورشاه من كرمان إلى أصفهان لقيه هنالك.وحرضه غياث الدين على كرمان فنهض إليها وملكها فلما قتل ركن الدين كما قلناه سار غياث الدين إلى العراق وكان ركن لما ولاه أبوه العراق جعل معه الأمير بقاطابستي أتابكا فاستبد عليه فشكاه إلى أبيه وأذن له في حبسه فحبسه ركن الدين بقلعة سرجهان.فلما قتل ركن الدين كما قلناه أطلقه نائب القلعة أسد الدين حولي فاجتمع عليه الناس وكثير من الأمراء واستماله غياث الدين وأصهر إليه بأخته وماطله في الزفاف يستبرئ ذهاب الوحشة بينهما.وكانت أصفهان بعد مقتل ركن الدين غلب عليها أزبك خان واجتمعت عليه العساكر وزحف إليه الأمير بقاطابستي فاستنجد أزبك غياث الدين فأنجده بعسكر مع الأمير دولة ملك وعاجله بقاطابستي فهزمه بظاهر أصفهان وقتله وملكها.ورجع دولة ملك إلى غياث الدين فزحف غياث الدين إلى أصفهان وأطاعه القاضي والرئيس صدر الدين وبادر بقاطابستي إلى طاعته ورضي عنه غياث الدين وزف إليه أخته.واستولى غياث الدين على العراق ومازندران وخراسان وأقطع مازندران وأعمالها دولة ملك وبقاطابستي همذان وأعمالها.ثم زحف غياث الدين إلى أذربيجان وشن الغارة على مراغة وترددت رسل صاحب أذربيجان أزبك بن البهلوان في المهادنة فهادنه وتزوج بأخته صاحب بقجوان وقويت شوكته وعظم فكان بقاطابستي في دولته وتحكم فيها.ثم حدثته نفسه بالاستبداد وانتقض وقصد أذربيجان وبها مملوكان منتقضان على أزبك بن البهلوان فاجتمعا معه وزحف إليهم غياث الدين فهزمهم ورجعوا مغلوبين إلى أذربيجان ويقال إن الخليفة دس بذلك إلى بقاطابستي وأغراه بالخلاف على غياث الدين.ثم لحق بغياث الدين آبنايج خان نائب بخارى مفلتاً من واقعته مع التتر بجرجان فأكرمه وقدمه ونافسه خال السلطان دولة ملك وأخوه وسعوا إليها فزجرهما عنه فذهبا مغاضبين.ووقع دولة ملك في عساكر التتر بمرو وزنجان فقتل وهرب ابنه بركة خان إلى أزبك بأذربيجان ثم أوقع عساكر التتر بقاطابستي وهزموه ونجا إلى الكرم.وخلص الفل إلى غياث الدين وعاد التتر إلى ما وراء جيجون.ثم تذكر " " صاحب فارس سعد الدين بن زنكي وكاتبته أهل أصفهان حين كانوا منهزمين فسار إليه وحاصره في قلعة اصطخر وملكها.ثم سار إلى شيراز وملكها عليه عنوة.ثم سار إلى قلعة حرة فحاصرها حتى استأمنوا وتوفي عليها آبنايج خان ودفن هنالك بشعب سلمان وبعث عسكراً إلى كازرون فملكها عنوة واستباحها.ثم سار إلى ناحية بغداد.وجمع الناس الجوع من إربل وبلاد الجزيرة.ثم راسل غياث الدين في الصلح فصالحه ورجع إلى العراق. أخبار السلطان جلال الدين منكبرس وهزيمته أمام التتر ثم عوده إلى الهند قد كان تقدم لنا أن أباه خوارزم شاه لما قسم البلاد بين ولديه جعل في قسمه غزنة وباميان والغور وبست وهيكاباد وما يليها من الهند واستناب عليها أمير ملك وأنزله غزنة فلما انهزم السلطان خوارزم شاه أمام التتر زحف إليه حربوشة وإلي الغور فملكها من يده وكان من أمره ما قدمناه إلى أن استقر بها رضا الملك شرف الدين.ولما أجفل السلطان جلال الدين من نيسابور إلى غزنة واستولى التتر على بلاد خراسان وهرب أمراؤها فلحقوا بجلال الدين فقتل نائب هراة أمين الملك خال السلطان.وقد قدمنا محاصرته بسجستان ثم مراجعته طاعة السلطان جلال الدين ولحق به أيضاً سيف الدين بقراق الخلخي وأعظم ملك من بلخ ومظهر ملك والحسن فزحف كل منهم في ثلاثين ألفاً ومع جلال الدين من عسكره مثلها فاجتمعوا وكبسوا التتر المملوكة محاصرين قلعة قندهار كما قلنا واستلحموهم ولحق فلهم بجنكزخان فبعث ابنه طولي خان في العساكر فساروا إلى جلال الدين فلقيهم بشروان وهزمهم وقتل طولي خان بن جنكز في المعركة وذهب التتر منهزمين.واختلف عسكر السلطان جلال الدين على الغنائم وتنازع سيف الدين بقراق مع أمين الملك نائب هراة وتحيز إلى العراق وأعظم ملك ومظفر ملك وقاتلوا أمين الملك فقتل أخ لبقراق وانصرف مغاضباً إلى الهند وتبعه أصحابه ولاطفهم جلال الدين ووعظهم فلم يرجعوا.وبلغ خبر الهزيمة إلى جنكزخان فسار في أمم التتر وسار جلال الدين فلقي مقدمة عساكره فلم يفلت من التتر إلا القليل.ورجع فنزل على نهر السند وبعث بالصريخ إلى الأمراء المنحرفين عنه وعاجله جنكزخان قبل رجوعه فهزمه بعد القتال والمصابرة ثلاثاً وقتل أمين الملك قريب أبيه ، ^? واعترض المنهزمين نهر السند فغرق أكثرهم وأسر ابن جلال الدين فقتل وهو ابن سبع سنين ولما وقف جلال الدين على النهر والتتر في اتباعه فقتل أهله وحرمه جميعاً واقتحم النهر بفرسه فخلص إلى عدوته وتخلص من عسكره ثلاثمائة فارس وأربعة آلاف راجل وبعض أمرائه ولقوه بعد ثلاث.وتخلص بعض خواصه بمركب مشحون بالأقوات والملابس فسد من حاجتهم وتحصن أعظم ملك ببعض القلاع.وحاصره جنكزخان وملكها عنوة وقتله ومن معه.ثم عاد التتر إلى غزنة فملكوها واستباحوها وأحرقوها وخربوها واكتسحوا سائر نواحيها وكان ذلك كله سنة تسع عشرة.ولما سمع صاحب جبل جردى من بلاد الهند بجلال الدين جمع للقائه وخام جلال الدين وأصحابه عن اللقاء لما نهكتهم الحرب فرجعوا أدراجهم وأدركهم صاحب جلال الدين صوري فقاتلهم وهزموه وملكوا أمرهم وبعث إليهم نائب ملك الهند فلاطفهم وهاداهم والله تعالى ولي التوفيق. |
الساعة الآن 02:04 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |