![]() |
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا .....
لآية الرابعة قوله تعالى : باسم الله الرحمان الرحيم{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } . صدق الله العظيم
فيها اثنتا عشرة مسألة : المسألة الأولى : في سبب نزولها : وفي ذلك أربعة أقوال : الأول روى عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال بالسعف والنعال ونحوه ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . [ ص: 125 ] الثاني : ما روى سعيد ، عن قتادة أنها نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما ملاحاة في حق بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته ، وإن الآخر دعاه إلى المحاكمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه ، ولم يزل بهم الأمر حتى تدافعوا ، وتناول بعضهم بالأيدي والنعال ، فنزلت هذه الآية فيهم . الثالث ما رواه أسباط عن السدي أن رجلا من الأنصار كانت له امرأة تدعى أم زيد ، وأن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها ، وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها ، وإن المرأة بعثت إلى أهلها ، فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها ، فخرج الرجل فاستغاث بأهله ; فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ; فتدافعوا واجتلدوا بالنعال ، فنزلت هذه الآية فيهم . الرابع ما حكى قوم أنها نزلت في رهط عبد الله بن أبي ابن سلول من الخزرج ورهط عبد الله بن رواحة من الأوس ، وسببه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمار له على عبد الله بن أبي ، وهو في مجلس قومه ، فراث حمار النبي صلى الله عليه وسلم أو سطع غباره ، فأمسك عبد الله بن أبي أنفه ، وقال : لقد آذانا نتن حمارك . فغضب عبد الله بن رواحة ، وقال : إن حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك ومن أبيك ; فغضب قومه واقتتلوا بالنعال والأيدي ، فنزلت هذه الآية فيهم } . المسألة الثانية : أصح الروايات : الأخيرة ، والآية تقتضي جميع ما روي لعمومها وما لم يرو ، فلا يصح تخصيصها ببعض الأحوال دون بعض . المسألة الثالثة : الطائفة كلمة تطلق في اللغة على الواحد من العدد ، وعلى ما لا يحصره عدد ، وقد بينا ذلك في سورة براءة . المسألة الرابعة : هذه الآية هي الأصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { يقتل عمارا الفئة الباغية } وقوله في شأن الخوارج : { يخرجون على خير فرقة من الناس } [ ص: 126 ] أو على حين فرقة ، والرواية الأولى أصح لقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق ، وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب [ ومن كان معه ] فتقرر عند علماء المسلمين ، وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما ، وأن كل من خرج عليه باغ ، وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق ، وينقاد إلى الصلح ; لأن عثمان رضي الله عنه قتل ، والصحابة برآء من دمه ; لأنه منع من قتال من ثار عليه ، وقال : لا أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل ; فصبر على البلاء ، واستسلم للمحنة ، وفدى بنفسه الأمة ، ثم لم يمكن ترك الناس سدى ، فعرضت الإمامة على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشورى ، وتدافعوها ، وكان علي أحق بها وأهلها ، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل ، ويتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل ، وربما تغير الدين ، وانقض عمود الإسلام ; فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكين من قتلة عثمان وأخذ القود منهم ، فقال لهم علي : ادخلوا في البيعة ، واطلبوا الحق تصلوا إليه فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك نراهم صباحا ومساء ، فكان علي في ذلك أسد رأيا ، وأصوب قولا ; لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل ، وصارت حربا ثالثة فانتظر بهم أن يستوثق الأمر ، وتنعقد البيعة العامة ، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم ، فيجري القضاء بالحق . ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة ، وكذلك جرى لطلحة والزبير ; فإنهما ما خلعا عليا عن ولاية ، ولا اعترضا عليه في ديانة ، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى ، فبقي هو على رأيه لم يزعزعه عما رأى وهو كان الصواب كلامهما ، ولا أن يؤثر فيه قولهما . وكذلك كان كل واحد منها يثني على صاحبه [ ويذكر ما فيه ] ويشهد له بالجنة ، ويذكر مناقبه ; ولو كان الأمر على خلاف هذا لتبرأ كل واحد [ منهما ] من صاحبه ، فلم يكن تقاتل [ ص: 127 ] القوم على دنيا ، ولا بغيا بينهم في العقائد ، وإنما كان اختلافا في اجتهاد ; فلذلك كان جميعهم في الجنة . المسألة الخامسة قوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } أمر الله بالقتال ، وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الباقين ; ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه المقامات ، كسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة . وصوب ذلك علي بن أبي طالب لهم ، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه . ويروى أن معاوية لما أفضى إليه الأمر عاتب سعدا على ما فعل ، وقال له : لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين اقتتلا ، ولا ممن قاتل الفئة الباغية ; فقال له سعد : ندمت على تركي قتال الفئة الباغية . فتبين أنه ليس على الكل درك فيما فعل ، وإنما كان تصرفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بما اقتضاه الشرع . وقد بينا في المقسط كلام كل واحد ومتعلقه فيما ذهب إليه . المسألة السادسة : إن الله سبحانه أمر بالصلح قبل القتال ، وعين القتال عند البغي ; فعل علي بمقتضى حاله فإنه قاتل الباغية التي أرادت الاستبداد على الإمام ، ونقض ما رأى من الاجتهاد والتحيز عن دار النبوة ومقر الخلافة بفئة تطلب ما ليس لها طلبه إلا بشرطه ، من حضور مجلس الحكم والقيام بالحجة على الخصم ; ولو فعلوا ذلك ولم يقد علي منهم ما احتاجوا إلى مجاذبة ; فإن الكافة كانت تخلعه ، والله قد حفظه من ذلك ، وصانه . وعمل الحسن رضي الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه ، وكان ذلك بأسباب سماوية ، ومقادير أزلية ، ومواعيد من الصادق صادقة ، ومنها ما رأى من تشتت آراء من معه ، ومنها أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برئ ; فعلم أن عنده من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه . ومنها أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه ، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد ، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليها معاوية . [ ص: 128 ] ومنها أنه تذكر وعد جده الصادق عند كل أحد صلى الله عليه وسلم في قوله : { إن ابني هذا لسيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } ، وإنه لما سار الحسن إلى معاوية بالكتاب في أربعين ألفا ، وقدم قيس بن سعد بعشرة آلاف قال عمرو بن العاص لمعاوية : إني أرى كتيبة لا تولي أولاها حتى تدبر أخراها . فقال معاوية لعمرو : من لي بذراري من المسلمين ، فقال : أنا . فقال : عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة : تلقاه فتقول له : الصلح ; فصالحه ، فنفذ الوعد الصادق في قوله : { إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } . وبقوله : { الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تعود ملكا } ، فكانت لأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وللحسن [ منها ] ثمانية أشهر لا تزيد [ يوما ] ولا تنقص يوما ، فسبحان المحيط لا رب غيره . المسألة السابعة : قوله : { فأصلحوا بينهما بالعدل } وهذا صحيح ; فإن العدل قوام الدين والدنيا ; { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } . وقال صلى الله عليه وسلم : { إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين ; وهم الذين يعدلون بين الناس في أنفسهم وأهليهم وما ولوا } . ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال فإنه تلف على تأويل . وفي طلبهم له تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي . وهذا أصل في المصلحة ; وقد قال لسان الأمة : إن حكمة الله في قتال الصحابة التعرف منهم لأحكام قتال أهل التأويل ; إذ كانت أحكام قتال التنزيل قد عرفت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله . المسألة الثامنة : قوله : { فإن بغت إحداهما على الأخرى } بناء ( ب غ ي ) في لسان العرب الطلب قال الله تعالى : { ذلك ما كنا نبغ } ; ووقع التعبير به هاهنا عمن يبغي ما لا ينبغي على عادة اللغة في تخصيصه ببعض متعلقاته [ ص: 129 ] وهو الذي يخرج على الإمام يبغي خلعه أو يمنع من الدخول في طاعة له ، أو يمنع حقا يوجبه عليه بتأويل ; فإن جحده فهو مرتد . وقد قاتل الصديق رضي الله عنه البغاة والمرتدين ; فأما البغاة فهم الذين منعوا الزكاة بتأويل ، ظنا منهم أنها سقطت بموت النبي صلى الله عليه وسلم ; وأما المرتدون فهم الذين أنكروا وجوبها ، وخرجوا عن دين الإسلام بدعوى نبوة غير محمد صلى الله عليه وسلم . والذي قاتل علي طائفة أبوا الدخول في بيعته ، وهم أهل الشام ; وطائفة خلعته ، وهم أهل النهروان . وأما أصحاب الجمل فإنما خرجوا يطلبون الإصلاح بين الفرقتين . وكان من حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ، ويطالبوه بما رأوا أنه عليه ; فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة بجملتهم ، فتناولت هذه الآية جميعهم . المسألة التاسعة : قال علماؤنا في رواية سحنون : إنما يقاتل مع الإمام العدل سواء كان الأول أو الخارج عليه ; فإن لم يكونا عدلين فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين فادفع ذلك . المسألة العاشرة : لا تقاتل إلا مع إمام [ عادل ] يقدمه أهل الحق لأنفسهم ، ولا يكون إلا قرشيا ، وغيره لا حكم له ، إلا أن يدعو إلى الإمام القرشي ; قاله مالك ; لأن الإمامة لا تكون إلا لقرشي . وقد روى ابن القاسم ، عن مالك : إذا خرج على الإمام العدل خارج وجب الدفع عنه ، مثل عمر بن عبد العزيز ، فأما غيره فدعه ينتقم الله من ظالم بمثله ثم ينتقم من كليهما . قال الله تعالى : { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا } . قال مالك : إذا بويع للإمام فقام عليه إخوانه قوتلوا إذا كان الأول عدلا ، فأما هؤلاء فلا بيعة لهم إذا كان بويع لهم على الخوف . [ ص: 130 ] قال مالك : ولا بد من إمام بر أو فاجر . وقال ابن إسحاق في حديث يرويه معاوية { : إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا أحدهما ; وقد بلغني أنه كان يقول : لا تكرهوا الفتنة فإنها حصاد المنافقين } . المسألة الحادية عشرة لا يقتل أسيرهم ، ولا يتبع منهزمهم ; لأن المقصود دفعهم لا قتلهم . وأما الذي يتلفونه من الأموال فعندنا أنه لا ضمان عليهم في نفس ولا مال . وقال أبو حنيفة : يضمنون ، وللشافعي قولان : وجه قول أبي حنيفة أنه إتلاف بعدوان ، فليلزم الضمان . والمعول في ذلك كله عندنا على ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم في خروجهم لم يتبعوا مدبرا ولا ذففوا على جريح ، ولا قتلوا أسيرا ، ولا ضمنوا نفسا ولا مالا ; وهم القدوة والله أعلم بما كان في خروجهم من الحكمة في بيان أحكام قتال البغاة بخلاف الكفرة . المسألة الثانية عشرة إن ولوا قاضيا ، وأخذوا زكاة ، وأقاموا حقا بعد ذلك كله جاز ; قاله مطرف وابن الماجشون . وقال ابن القاسم : لا يجوز بحال . وروي عن أصبغ أنه جائز . وروي عنه أيضا أنه لا يجوز كقول ابن القاسم . وقاله أبو حنيفة ; لأنه عمل بغير حق ممن لا يجوز توليته ، فلم يجز كما لو كانوا بغاة . العمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم [ في خروجهم ] لم يتبعوا مدبرا ، ولا ذففوا على جريح ، ولا قتلوا أسيرا ، ولا ضمنوا نفسا ولا مالا ، وهم القدوة . والله أعلم . وأن الصحابة لما انجلت الفتنة ، وارتفع الخلاف بالهدنة والصلح لم يعرضوا لأحد منهم في حكم . قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه : الذي عندي أن ذلك لا يصلح ; لأن الفتنة لما انجلت كان الإمام هو الباغي ، ولم يكن هناك من يعترضه . والله أعلم . فإن قيل : فأهل ما وراء النهر وإن لم يكن لهم إمام ، ولم يعترض لهم حكم ، [ ص: 131 ] قلنا : ولا سمعنا أنهم كان لهم حكم ; وإنما كانوا فتنة مجردة ، حتى انجلت مع الباغي لسكت عنهم لئلا يعضد باعتراضه من خرجوا عليه . والله أعلم . منقول للامانة |
بارك الله بك وسدد على طريق الخير خطاك
|
جزاك الله عنا كل خير
اخي ناجي دائما مبدع ومميز تحيات لك سلمت عزيزي |
الغريب
بارك الله بك وسدد على طريق الخير خطاك أخي الغالي شكرا على تواجدك وردّك بورك فيك إن شاء الله ننتفع بها احتراماتي |
جزاك ربي خير الجزاء
لا عدمناك اخي الفاضل |
shreeata
جزاك الله عنا كل خير اخي ناجي دائما مبدع ومميز تحيات لك سلمت عزيزي أخي شريف شكرا على الردّ بورك فيك |
|
عاشق تراب الأقصى;
جزاك ربي خير الجزاء لا عدمناك اخي الفاضل شكرا أخي عاشق تراب فلسطين أسعدني تواجدك احتراماتي |
شكرا لك كثيرا اخي العزيز
أما الآن فالحال غير الحال لو اقتتلت طائفتان من المؤمنين يستعينون بالغرب لضربهما معا |
الساعة الآن 10:06 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |