![]() |
الدرس الرابع من فك الوثاق شرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله
[4] التعريف بكتاب صحيح البخاري كتاب الإمام له اسم وهذا الاسم له دلالة اسم كتاب البخاري ( الجامعُ الصحيحُ المختصر المسند) فله أربع أوصاف للكتاب الجامع ، الصحيح ، المختصر ، المسند ، كل صفه من هذه الصفات الأربعة تحتها موضوع ، فمثلاً في عقد الزواج عندما يذهب الرجل ليتزوج بامرأة فيقول البكر البالغ العاقل كل واحدة من هذه الأوصاف يترتب عليها موضوع ، فإذا ثبت أنها ثيب وليست بكرًا انفسخ العقد لو ثبت أنها مجنونة انفسخ العقد وهكذا وهذا ليس من قبيل ذكر أوصاف مجرد أوصاف .وكتاب الإمام الجامع يدل على أنه جمع أنماطًا كثيرة من العلم ، وصحيح الإمام البخاري كله يتألف من سبع وتسعين كتابًا : كتاب بدء الوحي كتاب الإيمان ، كتاب العلم ، كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الجنائز كتاب الزكاة ، كتاب الصيام ، كتاب الحج ، كتاب الحدود ، كتاب البيوع كتاب الشفعة ، الرهن ، الوكالة ، الكفالة ، كتب النكاح ، كتاب الطلاق كتاب الأدب ، كتاب المغازي ، كتاب فضائل الصحابة ، كتاب الأنبياء بدء الخلق الجزية ، الموادعة ، فرض الخمس ، فنقول بعض أنواع من الكتب بلا ترتيب . عدد الكتب التي في صحيح البخاري من أول الكتاب إلى آخره سبع وتسعون كتابًا . أول كتاب بدأبه البخاري كتابه بدء الوحي وأخر كتاب ختم به كتاب التوحيد ، ودلالة ذلك: أول كتاب حتى نفهم قدر الإمام أبي عبد الله وفهم الإمام أبي عبد الله أول كتاب في هذا الجامع اسمه كتاب بدء الوحي الكتاب رقم وأخر كتاب الكتاب رقم سبعة وتسعين اسمه كتاب التوحيد الذي ختم البخاري به كتابه ، أول كتاب كتاب بدء الوحي وأخر كتاب كتاب التوحيد ، دلالة ذلك لأن الإمام رحمة الله عليه يريد أن يقول من أراد أن يخرج من الدنيا علي التوحيد فعليه أن يبدأ في كل أموره بالوحي ، فالبوابة التي تدخل الإسلام من خلالها هو الوحي ، الوحي ليس مقصورًا على القرءان وحده عند جماهير أهل العلم بل السنة أيضًا من جملة الوحي . والعلماء عندما يذكرون قوله تعالي:﴿ إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] يقولون جميعًا الذكر قرءان وسنة وليس الذكر هو القرءان وحده . فالوحي هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى الله تبارك وتعالي : في مقابل هذا الوحي لا يكون إلا الهوى والرأي الشخصي الذي ينطلق المرء منه كما قال سفيان الثوري رحمه الله [ الحديث درج ] الحديث_ أي الوحي إشارة إلي أن الوحي قرءان وسنة_ [ الحديث درج ] أي مثل السلم . [ والرأي مرج ] والمرج المكان المنبسط الواسع مثل السهول . [ الحديث درج والرأي مرج ] فإذا كنت على الدرج تمشي على السلم فاحذر أن تزل قدمك فتندك عنقك ، فالذي تخطيء قدمه السلم يسقط على رأسه فورًا ، وإذا كنت في المرج( السهول) فسر حيث شئت . يريد أن يقول أن المرء إذا تعان الوحي كان مقيدًا فلا يستطيع التصرف كيف شاء: لا يستطيع أن يقول أنا حر كما نبهنا من قبل مرارًا وتكرارًا بخلاف الهوى ، الخلاف الذي كالسهول ينطلق المرء من هواه. وقد ذكر الله تبارك وتعالي الجهتين متقابلتين( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ) هذا هو الوحي ( فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ )هذا الوحي ﴿ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ ﴾ هذا الهوى [ ص:26 ] ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ) هذا هو الوحي ( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾[ الكهف:28] : فأي إنسان يريد أن يخرج من الدنيا على التوحيد ويحقق التوحيد فعلا فعليه أن يبدأ بالوحي : فكأنما أراد الإمام البخاري رحمه الله أن يقول: أنا جمعت أطراف العلم في كتابي هذا لكنه كتاب مقيد بالوحي لذلك بدأ بهذا الكتاب كتاب بدء الوحي وذكر فيه عدة أحاديث قليلة لا تصل إلى عشرة تقريبًا تصل إلى سبعة أحاديث ، فمن أراد أن يخرج من الدنيا على التوحيد وهذا ختام الكتاب ونهايته فعليه ببدء الوحي . هل بين أول حديث في الكتاب وآخر حديث مناسبة؟ أول حديث في الكتاب وآخر حديث في الكتاب هل بينهما مناسبة ، أول حديث في الكتاب الحديث الشهير الذي نعرفه جميعًا وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد اتفق الأئمة الستة عليه وأجمع العلماء علي صحته حديث ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ): الإمام البخاري روى هذا الحديث في سبعة مواضع من صحيحه وأول موضع في الصحيح في بعض الحديث . فأول حديث إنما الأعمال بالنيات دل ذلك على أن النية عمل مستقل لأن النية هي عمل القلب وعمل الملوك أشرف الأعمال لأن عمل الملوك عمل سيادي ، فأي أمير أو رئيس أو ملك أصدر قانونًا هذا القانون يعم الناس جميعًا ومن خالف هذا القانون فهناك جهات تنفيذية تعاقبه ومواد تعاقبه ، فعمل القلب أو الملك منتشر . هذا القلب الذي هو ملك البدن هو متحكم في كل هذه الجوارح فمجرد عقده للعمل أي النية فهذا في حد ذاته عمل بل كل الجوارح تفتقر إلى مداخلة القلب في العمل ، إذا تخلى القلب عن الجارحة في العمل حبط وسقط ولا قيمة له . والرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) فكل أبواب الشريعة مما يتعبد فيه رب العالمين جل ثناؤه لابد من دخول النية فيه ، يكون عندك عقد هذا القلب ينعقد على العمل فهذا أول حديث فكل الأحاديث كتاب الإيمان ، كتاب العلم ، كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ... إلى آخر الكتب كتاب التوحيد يحتاج إلى عمل القلب . أخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:[ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ] فما العلاقة التي بين هذا الحديث وكل الأحاديث التي مضت؟ صحيح البخاري سبعة ألاف وزيادة بالمكرر سبعة ألاف ونيف ألفين ونيف بدون المكرر ، هذه الأحاديث التي مضت قبل الحديث الأخير[ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) كل الأحاديث هذه سبقت هذا الحديث الأخير . أربط لك المناسبة بقوله تعالي:﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾[ العنكبوت: 45] أي ذكر الله أكبر من الصلاة أو ذكر الله عز وجل ينهي عن الفحشاء أعظم مما تنهى عنه الصلاة ، ولذكر الله أكبر أي تأديتك للعبادة الذكر أعظم منها لأن الذكر متعلق بالقلب ، الذكر متعلق بالرب تبارك وتعالى وهو حياة القلب لأن الذكر متعلق بالمحبة لا يذكر أبدًا إلا محب . ولذلك قلنا كثيرًا ونردد هذا المعنى ليستقيم في أذهان الناس لا يستطيع المحب حقًا أن يخالف حتى لو أمر بما لا يتصوره قبل الأمر ، فأحينًا الإنسان يتصور يقول أنا لو أمرت بكذا وكذا أنا لا أستطيع أن أعمل ذلك هذا شيء عظيم لا أستطيع أن أعمله فإذا حل وقت العمل إذا كانت هناك محبة خف العمل . مثل المصائب :واحد مثلاً إذا كان له ابن يحبه جدًا فأحيانًا يمر على الإنسان خواطر فيقول هذا الولد إذا مات لا أستطيع أن أعيش من غيره وإذا بهذا الولد المحبوب الذي ملأ على والده أو على والدته قلبه أو قلبها إذا بهذا الولد يموت فتجده صابراً وتجده محتسباً وتجده متجلداً وعلى وجهه رضاً وسكينة وقبل أن يلابس الفعل ما تصور أبدًا أن يصبر وأول ما يذكر هذا الخطب تجد قلبه ينبض بشدة ولو نائم يقوم يأتيه أرق إذا لابس الفعل تجده صبر لذلك ربنا عز وجل يقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 66] إما قتل أو خروج من الدار أي جعل الخروج من الدار عديل القتل . فالذي يطرد من بيته أو الذي يهدم عليه بيته ويعيش في العراء هذا مثل الذي قتل بالضبط أو قريب منه الاثنين معًا ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾ أي من قتل أنفسهم أو الخروج من الدار ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾[النساء: 68،67،66 ] . وما أجمل ما قاله سنون المحب: (ولو قيل طأ في النار أي ضع قدمك في النار أعلم أنه رضًا لك أو مدنٍ لنا من وصالك لقدمت رجلي نحوها فوطئتها سرورًا لأني قد خطرت ببالك) فمجرد أن أخطر على بالك فتقول لي ضع رجلك في النار أضع رجلي في النار. العلماء يوردون مثل هذه الأبيات ويأخذون بعض المعاني منها مع قطع النظر عن خصوص ألفاظها لأن هناك ألفاظ لا يجوز أن يتوجه المرء بها لرب العالمين تبارك وتعالى ، لكن يأخذون منها بعض معاني ،. فيقول وكأنه يخاطب ربه تبارك وتعالى يقول يارب إذا ذكرتني مجرد أن تذكرني فقط في مقابل هذا لو قلت لي ضع رجلك في النار أضع رجلي في النار لمجرد أنك ذكرتني في ملأ من الملائكة . كما حدث لسعد بن معاذ رضي الله عنه أو أبي بن كعب لما طلب النبي منه قال له اقرأ علي سورة البينة فقال:( يا أُبي إن الله أمرني أن تقرأ علي سورة البينة) فقال أُبي:يا رسول الله وسماني لك أي رب العالمين قال مر أُبياً وسماني لك ، قال: نعم فبكى أُبي ) فالإنسان المحب مستقيم باستمرار كل شيء ,يسيراً خفيفاً عليه ،: فالذكر متعة القلب أن يجلس المرء فيذكر .كأنه يقال في ختام البخاري رحمه الله في صحيحه بهذا الحديث( أن كل ما تقدم متعلق بالأحكام الشرعية العملية التفصيلية بقي الذكر إن استقامت عبادتك واستقام قلبك ذاق معني الذكر لذلك قال في الحديث [ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ] . البخاري لم يرتب كتابه جزافًا باب وراء باب وانتهي الأمر، لا :، بل الأبواب يدل بعضها على بعض ويفسر بعضها بعضًا كما سنذكر إن شاء الله تبارك وتعالي نماذج كثيرة لهذا في كتاب الرقاق . كتاب الرقاق هو الكتاب رقم واحد وثمانين في صحيح البخاري: وقد قلنا أن كتاب البخاري سبعة وتسعين كتابًا بدءًا من كتاب بدء الوحي وحتى كتاب التوحيد . وكتاب الرقاق هو الكتاب رقم واحد وثمانين في صحيح البخاري . أصل كلمة الرقاق: هي جمع رقيقة وهي المادة التي ترقق القلب ويرادف كلمة الرقاق: (كلمة الزهد). و بعض العلماء ألفوا كتبًا مستقلة في المعاني التي ترقق القلب: من أقدمها 1-كتاب المعافى ابن عمران وهو ليس مشهور 2-ومن أشهرها كتاب عبدالله بن المبارك 3-وكتاب وكيع بن الجراح4- وكتاب تلميذهما هناد بن الثري ،5- وكتاب الزهد لأسد بن موسي6- وكتاب الزهد للبيهقي الزهد الكبير للبيهقي 7-وكتاب الزهد لأبي داود8- وزهد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي ، فهذه كلها كتب الزهد كتب مستقلة صنفت في هذا الباب . بعض الأئمة أدخلوا كتب الرقاق أو الرقائق الاثنين أيضًا في أسماء كتاب كبير مثل البخاري فكتاب الرقاق هذا كتاب من صحيح البخاري ، الإمام النسائي رحمه الله له في كتاب السنن الكبرى له كتاب الرقاق والإمام الدارمي له كذلك كتاب الرقاق وثمة أئمة آخرون فليس القصد أننا نستوعب من صنف في هذا الباب ، لكن هذه الكتب كما قلنا هي موجهة إلى القلب فيها أحاديث وأغلبها آثار وأقوال عن الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة المتبوعين الذين جعل الله لهم لسان الصدق في الأمة . أما زهد القلب أو رقة القلب فهي زهده ورحمته وإنابته إلى الله تبارك وتعالي المقصود من هذا الكتاب كله: أن نرقق هذا القلب وكما نقول رقة القلب محمدةً له بخلاف الجوارح الرقة في الجوارح عبارة عن ضعف وعلة أما الرقة في القلب فهي قوة ومحمده كلما كان الإنسان رقيق القلب كلما كان أفضل له بخلاف إذا كان رقيق الجسم مادة حياة هذا غير مادة حياة هذا : كما قال الشاعر: لو أن سلمى أدركت تخددي ورقة في عظم ساقي ويـدي وبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد أنامل أليد (لو أن سلمى أدركت تخددي ): رقة الخد من كثرة البكاء ومن كثرة الهزال (ورقة في عظم ساقي ويدي) فهذه هي الرقة التي تكون في الجوارح تكون ضعفًا أما في القلب فتكون قوة ومحمدة ومتاع . لا يستفيد عادة بمثل هذا الكلام إلا من كان نبيل الأصل : الإنسان الذي ليس عنده أصل لا يزيد إلا ضلالاً بالوحي وهذه من العجائب أن واحدًا معه كشاف أو مصباح كهربائي ولا يجد حفرة إلا يسقط فيها فما فائدة المصباح معه فهو رجل أعشى أو أعمي لا ينتفع بهذا المصباح . فالوحي إنما ينتفع به من أراد الله عز وجل والدار الآخرة : كما قال تبارك وتعالي ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ( الأحزاب:21) أي من كان يرجوا الله واليوم الأخر هو الذي سيتأسي بالنبي _صلي الله عليه وسلم _ولا يترك شيئًٍا يفعله إلا ويفعله ليس ككثير من الناس الين يكذبون الأحاديث الصحيحة وكل ما يرد شيء عن النبي _صلي اله عليه وسلم _يقولون ليس من الممكن أن يكون النبي يفعل ذلك . هؤلاء لم يجربوا طعم الحب قط فلا يزدادون بنصوص الوحي إلا ضلالا ، وهذا ليس كلامي بل هذا هو كلام اله تبارك وتعالي قال تعالي:﴿ وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82] فانظر إلى القرءان الذي هو النور والهدى لا ينتفع به إلا أهل الإيمان يرد عليهم يزدادون به إيمانًا وبصيرة ، أما الذين كفروا فإذا سمعوا القرءان ازدادوا كفرًا لماذا ؟ لخسة معدنهم كما قال الله تبارك وتعالي:﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44] نفس الكلام . لا يستفيد بهذا إلا رجل مخبت قلبه مقبل على ربه يتمني أن يعرف أي شيء من الوحي يقربه إلى الله :وأنا لا أقول هذا الكلام لأملأ الذهن بالمعلومات أو أنك تحصل المعلومات ، لا : القصد الأعظم من هذا أن أذكر لك النص وما يستفاد من النص لتترجمه إلى واقع عمل يفي حياتك : خذ من النص أي شيء ، أي لا يمر بك نص صحيح إلا وتترجم بعض هذا النص إل حياتك ، خذ منه خمسة بالمائة ، عشرة بالمائة ، عشرون بالمائة لكن لا تتركه ، إنما تسمع النص وتتركه ثم تسمع النص وتتركه . في احدي المرات ذهبوا إلى الفضيل بن عياض وقالوا يا أبا علي حدثنا ببعض الأحاديث: قل لنا حدثنا فلان عن فلان عن فلان فقال له إنك مفتون وهل علمت بكل ما سمعت لتزداد علمًا( حدثني الأعمش أنه قال: مثل الذي يسمع الحكمة أو الكلمة ولا يعمل بها كمثل رجل أمامه طعام فيأخذ اللقمة فيلقيها خلف ظهره قمتي يشبع ؟) وهذا كلام طبيعي أنت أمامك طعام كلما تأخذ لقمة تلقيها خلف ظهرك والمفروض أن هذه اللقمة تصل إلى فمك حتى تشبع لكن ترمي باللقمة وراء ظهرك باستمرار فمتى تشبع ؟ فيقول له لقد سمعت كثيرًا لكن ماذا عملت ؟ وكم نفذت مما سمعت ؟ تكثر حجج الله عليك . |
فالإنسان إذا سمع النص يعاهد نفسه أنه إذا سمع النص لا يغادره إلا وقد عمل ببعض هذا النص: ، إن لم يكن بجميع النص لأن هذا يختلف حسب العزمات الناس يتفاوتون في هذا ، فيه واحد من أهل العزمات يسمع النص ينفذه كله ، يسمع النص ينفذ ثلاثة أرباعه ، ينفذ نصفه ، ينفذ ثلثه ، خذ خمسه ، خذ عشره ، خذ واحد على عشرين منه لكن لا تتركه ، لماذا ؟ لأنه إذا كان حالك كذلك صارت عندك ملكة تعودت كلما سمعت كلام تقول أنا أستطيع أن أنفذ هذه وهذه وهذه كلما مر نص أخذنا جزء منه والنص الثاني سنأخذ أحسن من الذي قبله والنص الثالث سنأخذ أكثر من الذي قبله بحيث يصير التعامل مع النصوص ملكه فيصير الدين عندك كأنك تتنفس .
ربنا عز وجل قال: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )[ الحج : 78] ) والنبي صلي الله عليه وسلم قال:[ بعثت بالحنفية السمحة ] وكثير من الناس يقول أنني لا أشعر بهذه السماحة ، لا أشعر بسماحة الإسلام ، نعم لأنه قد دخلت أقوال غلط على النصوص و وخرج جماعة غير دارسين كلما تعطيه مسألة خذ بالأحوط ، فما معنى الأحوط باختصار ؟ الأحوط هذا أليس معناه الأخف أم الأشد ، طبعًا الأشد ،: مثلاً :جاءني مال هذا المال به شبهه احتمال يكون أغلبه حرام احتمال يكون أغلبه حلال فكيف أتصرف في هذا المال ؟ هل أكل وأشرب منه ؟ فالذي ليس عنده علم يقول خذ بالأحوط فما معني الأحوط ؟ اصرف المال أم أتركه ، طبعًا تترك المال فهذا هو الأحوط يعني الأشد يصير الأشد فالأشد فالأشد ، الأحوط فالأحوط فالأحوط فالأحوط يساوي الأشد فالأشد فالأشد فالأشد فأين اليسر ؟ لذلك سفيان الثوري رحمه الله كان له كلمة جميلة جدًا يقول فيها[ إنما العلم الرخصة من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحد ] الأحوط فالأحوط فالأحوط أي أحد يقول ذلك لا تحتاج إلى علم , (فالعلم الرخصة من ثقة) وليس الرخصة التي هي في مقابل العزيمة إنما الرخصة ما يناسب حالك ، إذا رجل من العلماء أعطاك رخصة في شيء مختلف فيه فخذها وهذا هو العلم ، أما التشديد فيحسنه كل أحد . نحن نحتاج إلى أي نص نقرأه نحاول ننقل منه لكي يكون العمل بالنص سجية عندنا يسهل علينا الإسلام إذا تعودنا أننا نعمل بالنصوص باستمرار . الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: ما أودع في مسنده حديثًا إلا عمل به ومسند الإمام أحمد قرابة ثمانية وعشرون ألف حديث بالمكرر وروي ذات مرة حديثًا أظن حديث أنس رضي الله عنه( أن النبي ﷺ دعا الحجام فحجمه وأعطاه أجره) والإمام أحمد لم يكن نفذ هذا الحديث قبل ذلك أول ما وصل للحديث دعا الحجام وما كان به من حاجة للحجامة فحجمه وأعطاه أجره حتى يكون قد نفذ الحديث . ليس القصد من هذه الدروس حشو الرأس بالمعلومات وأن تكون عندك مفردات : قال مجاهد بن جرف ويحي بن أبي كثير وجماعة من التابعين وقالها من الأئمة المتأخرين عنهم الإمام مالك رحمه الله [ ليس العلم بكثرة المسائل إنما العلم الخشية ] ليس العلم كلما قلت لك نواقض الطهارة تقول لي واحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، ليس العلم كلما قلت لك مفسدات الحج تقول واحد ، اثنين ثلاثة ، أربعة هو يريد أن يقول ذلك ، لأن هذا إن لم يكن مشفوعًا بعمل القلب بالتقرب على الله عز وجل لا يستفيد المرء به [ ليس العلم بكثرة المسائل إنما العلم الخشية ] أن يورثك هذا العلم مخافة الله تبارك وتعالي ، ولا يستفيد من هذه النصوص إلا رجل أصيل ، رجل نفيس النفس يريد أن يصل إلى الآخرة ، لكن الخسيس دنيء النفس لا يزيد بهذا إلا ضلالاً وعمى . وتحضرني حكاية في هذا المعني ربما تكون مباشرة : ذات مرة امرأة عربية وجدت ذئبًا صغيرًا مولود فخافت عليه وقالت هل أترك هذا الذئب يموت أنا أخذه وأربيه عندي وكان عندها شاة هذه الشاة فيها لبن وكانت ترضع الذئب من الماعز فتكون الماعز أمه لكونها أرضعته فصار الذئب يكبر وكانت الأعرابية تترك الذئب مع الماعز ، فذهبت لحاجة ثم عادت فوجدت الذئب قد فتح بطن الماعز ويأكلها: فقالت ثلاثة أبيات من الشعر تخاطب الذئب فقالت له: بقرت شويهتي وفجعت قلبي وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب غُزِيتَ بدرها ورُبيتَ فينا فمن أنباك أن أباك ذيبُ إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ _ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ أي أنه موجود في فترته خصال الذئب ترضعه لبن ماعز ترضعه أي شيء آخر هو ذئب ليس له حل : والشاهد في البيت الأخير إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ _ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ |
فنقول أنه لا يستفيد من الوحي قرءانًا وسنة إلا رجل يريد الله عز وجل ويريد الدار الآخرة ونحن نريد أن نضبط أنفسنا على ذلك ، كل حديث سنقوله لا تنتهي الحلقة قبل أن تعرف ما الذي ستأخذه من هذا الحديث سأنقل لحياتي أنا معني كذا ، إذا استطعت أن تأخذ الحديث كله فهذا ممتاز ، تأخذ أغلبه جيد جدًا ، خذ أي شيء لأنه فيما بعد الأحاديث ستتكرر المعاني فيها ، وليس المعني الذي يفوتنا لن يعود مرة أخري بل سيعود مرة أخري ربما تأخذ إذا طرق سمعك لأول مرة تأخذ جزء منه ثم يأتي نفس المعني تأخذ جزء وحتى ننتهي فإن شاء الله يكون المعني اكتمل على مدار عدة نصوص .
كتاب الرقاق في المرة السابقة قلنا أن الترجمة الإمام البخاري وتراجم البخاري وغير ذلك. أن الترجمة لها ثلاثة أركان :- المُترجِمُ ـ والمترجَمُ له ـ والترجمة . أصل الترجمة: هي التعبير عن لسان بلسان تنقل من عربي إلي لغة أخري أو من لغة أخري إلى عربي و هي الإفصاح والإعراب والبيان ، ترجم عن مشاعرك تقول أنا شعوري كذا كذا كذا ترجمة فلان الفلاني تعني حياته وكل ما يتعلق بحياته . ونحن نحتاج أن نطبق هذه الترجمة علي صحيح البخاري ,قلنا أن أركان الترجمة ثلاثة: 1-المُترجِمُ: الإمام البخاري ، 2-والترجمةُ: هي العنوان الذي وضعه الإمام 3- المُترجَمُ له: هو النص الذي جاء به الإمام. (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة )، فهذه تسمي الترجمة: هذا هو العنوان الذي ترجم به الإمام البخاري ،. والترجمة هو الكلام الذي عقده المُترجِمُ ( البخاري )على الحديث و( الحديث) اسمه المُترجَمُ له أي النص ، فعندنا البخاري المُترجَمُ ، وعندنا باب ما جاء في كذا وهذه اسمها الترجمة والنص هذا هو المُترجَمُ له وهذه هي الثلاثة أركان للترجمة . لابد أن تكون الترجمة صحيحة ، فما علامة صحة الترجمة ؟ أن يكون هناك مناسبة ما بين الترجمة والحديث ، مثال ذلك: لو أن رجلا قال باب الصراط أو باب الميزان أو باب الشفاعة ثم جاء تحته وقال وقوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ) (البقرة:222) فهل هناك علاقة بينهما الاثنين ؟ لا توجد علاقة ، أنت تقول باب الصراط ثم أتيت بآية في الحيض فلا توجد أي مناسبة بينهما الاثنين ، فهل نقول أن هذه الترجمة فاسدة ولا صحيحة ؟ ترجمة فاسدة ، بل لابد أن يكون هناك علاقة ما بين الترجمة ومابين الحديث فإذا كانت هناك علاقة فهذه تسمي ترجمة صحيحة . الترجمة: هذه إما أن تكون نصًا مباشرًا أو تكون استنباطًا ، أو تكون الترجمة جلية أو خفية الترجمة التي وضعها الإمام البخاري علي الكتاب على الحديث والترجمة الترجمة من جهة الإدراك: إما أن تكون مطابقة للحديث أو غير مطابقة ، إما أن تكون كلية أو جزئية ، ولنطبق هذا علي هذا الحديث: (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة ) قال حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) وقال عباسٌ العنبري حدثنا صفوان بن عيسي عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه سمعت بن عباس عن النبي _صلي الله عليه وسلم _مثله . (باب ما جاء في الرقاق )قال( الصحة والفراغ) فما علاقته بالرقاق ، (وألا عيش إلا عيش الآخرة) ، قال لا البخاري أورد في هذا الباب ثلاثة أحاديث ، الحديث الأول : قال رسول الله ﷺ:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) والحديث الثاني: قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا غُندر حدثنا شُعبةُ عن معاوية بن قُرة عن أنسٍ عن النبي ﷺ قال: ( اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة فأصلح الأنصار والمهاجرة ) فيكون هذا الحديث هو الشطر الثاني من الترجمة . الحديث الأخير في هذا الباب قال البخاري _رحمه الله_ حدثني أحمد بن المقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد ألساعديُ قال كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب وبصر بنا فقال:( اللهم لا عيش إلا عيشُ الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة ) تابعه سهل بن سعد عن النبي_ صلي الله عليه وسلم _مثله ذكر البخاري هنا ثلاثة أحاديث تحت هذا الباب( باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة ): فتكون ترجمة البخاري قُسِمت نصفين 1-النصف الأول ( باب ما جاء في الرقاق) 2-النصف الثاني ،( وألا عيش إلا عيش الآخرة) ، فأورد البخاري ثلاثة أحاديث حديث بن عباس رضي الله عنهما عن النبي_ صلي الله عليه وسلم_ :( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ثم أورد حديث أنس بن مالك ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) ثم أورد حديث سهل بن سعد ألساعدي عن النبي صلي الله عليه وسلم في حفر الخندق وأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ). فتكون الترجمة هذه مطابقة لما تُرجِمَ له ، النصف الثاني هذا مأخوذ من حديث (وألا عيش إلا عيش الآخرة) . ما الرقاق ؟ البخاري جعل الترجمة قسمين الرقاق الأول( وألا عيش إلا عيش الآخرة) وأورد حديث بن عباس:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ، والبخاري رحمة الله عليه ابتدأ هذا الكتاب بداية بارعة ، |
وما سر براعة افتتاح هذا الكتاب؟
وعبد الله بن المبارك بدأ كتاب الزهد خاصته بهذا الحديث ، فما السر في البراعة في البداية قال العمر هذا هو رأس المال رجل تاجر عقله كله تجارة ليس عنده فلس فماذا يعمل في مخه ، لازم يكون المخ هذا فيه رأس مال ، تاجر ليس عنده رأس مال لا يستطيع أن يتاجر فضلاً عن أن يربح . نحن كبشر ما هو رأس مالنا ؟ رأس مالنا العمر ، ، فهناك من يتاجر بعمره فيخسر رأس المال كما قال النبي _صلي الله عليه وسلم _كما في صحيح مسلم ( كل الناس يغدو ) ، (يغدو) أي ذاهب إلى السوق كلنا في الصباح ذاهبون إلى السوق لكي نتاجر( كل الناس يغدوا فبائع نفسه ) كل إنسان يبيع نفسه ( فموبقها أو معتقها ) أي يضيع نفسه فيهلكها أو يعتق نفسه من النار ، عندما تسيقظ في الصباح وتقول أصبحنا وأصبح الملك لله وتخرج من بيتك فأنت هكذا بعت نفسك ، دخلت السوق فأنت صرت سلعة تُباع وتُشتري ، فيا تري ماذا تعمل اليوم عندما دخلت السوق ، هل ستذهب وتبيع نفسك ؟ هل ستضيع نفسك ؟ فأنت ستبيع نفسك ستبيع نفسك فهل ستبيعها بالخسارة أم بالمكسب ؟ فمن يعمل في الشر فهذا ضيع نفسه ، باع نفسه صح لكنه ضيعها كما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( فبائع نفسه فموبقها ) قيد نفسه أو( معتقها )من النار ، فنعرف أولاً أن رأس مال المرء في حياته عمره . فكم عمرك ؟ نحن كمسلمين قال النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلُهم من يتجاوز ذلك ) أو كما قال رسول الله_ صلي الله عليه وسلم ،_ عمرك ستين سنة وهذا رأس المال ، أنت عن كم سنة تحاسب إذا وقفت بين يدي ربك غدًا ؟ ، احسبها بدراسة الجدوى وأنا أريد أن يكون أكثر الناس ينتفع بهذا الكلام التجار التي كل حياتهم أرقام فلوس ، عندما نظر إلى حياته هل تعامل مع حياته كتعامله مع درهمه وديناره أم لا ؟ إذا كان ضل في الحسبة فعليه أن يراجع نفسه قبل أن يموت . الفضيل بن عياض يريد أن يبين لك أنك طالما أنت تعيش أنت في الفرصة فيقول"لرجل معه أثناء المحاورة معه افترض الآن أن ملك الموت وقف على رأسك وسيقبض روحك وأنت طلبت مدة من الزمن لا يزال عندك عمل ، لا يزال عندك مظالم تريد أن تتخلص منها ، عندك ديون وعليك واجبات لم تعملها ، عليك أو لك أموال ، تريد أن تضبط حالك قبل أن تموت فقيل لك كم تدفع في هذه المسألة ؟ قال: أدفع ملء الأرض ذهبًا وأُمهلُ قليلاً . كنت أقول بالنسبة لدراسة الجدوى إنسان رأس ماله ستون عامًا عن كم سنة يحاسب من هذه الستين ؟ قال صلي الله عليه وسلم ( رفع القلمُ عن ثلاث الصغير حتى يحتلم ) رفع القلم أي لا يؤاخذ حتى يحتلم ، الإنسان عندما يولد حتى يحتلم يأخذ كم سنة حوالي اثني عشر سنة وقد تزيد لكن نجعلها اثني عشر سنة ، فيكون عندنا اثني عشر سنة سقطت من أصل ستون عام ، والصنف الثاني الذي ذكره النبي في حديث رفع القلم( والنائم حتى يستيقظ ) ينام ثماني ساعات في اليوم في ستين سنة فهذه عشرون سنة زائد اثني عشر سنة فهذه اثنين وثلاثين سنة ، ممكن يزيد النوم أو يقل لكن المتوسط في هذه المسألة ثماني ساعات فهذه اثنين وثلاثين سنة لا يؤاخذ المرء عنها في مدة حياته فكم سنة بقيت ؟ سبع وعشرون عاماً. الإنسان الذي عينه على الآخرة رق قلبه وانتبه لأننا نشرح الآن الترجمة التي وضعها الإمام البخاري على أحاديث هذا الباب ، فنرى علاقة الترجمة إذا كانت الترجمة مجزأة لأكثر من جزء فنرى علاقة الترجمة ببعضها وننزل الترجمة هذه على الأحاديث التي جاءت تحتها هل هي مناسبة ؟ أم غير مناسبة لنعرف إن كانت الترجمة صحيحة أم لا .فالإنسان رقيق القلب وقلنا أن: رقة القلب هي: زهده ورحمته وإنابته إلى ربه جل ثناؤه فإذا كان القلب رقيقًا هكذا انتفع برأس المال ، سبعة وعشرون سنة وهذا العمر الحقيقي الفعلي الذي يؤاخذ المرء به بين يدي ربه تبارك وتعالي ، عينه على الآخرة هو هذا الذي يستثمر العمر ، إنما الذي يعيش للدنيا فقط قد وصفهم رب العالمين تبارك وتعالي:( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )[ الأعراف: 179 ] هذا هو الجنس الذي يعيش لشهواته في الدنيا ليس عنده آخرة بدد رأس المال كله كما قال صلي الله عليه وسلم ( فبائع نفسه فموبقها ) الإنسان الذي يمشي في الشر ويندمج معه ويعيش طول حياته لا يرى إلا الدنيا فقط يمضي ولا يترك في الدنيا بصمة أنه كان موجود فيها ، يوجد ناس كعدمهم هذا إذا لم يكن شرهم مستطير ويزجرون باللعنات كفرعون وهامان وأُبي بن خلف وأبو جهل وأبو لهب وسائر الكفرة الذين ذُكِروا في القرءان أو ذُكِروا في السنة أو حتى ذُكِروا في كتب التاريخ من الملاعين الذين تلعنهم البشرية حتى الآن ، فهذا بدد . ماقصده البخاري _ رحمه الله من كتاب الرِقاق_ البخاري عندما يقول باب ما جاء في الرقاق يريد أن يقول أن هذا الحديث وما تحته المقصود منه هو ترقيق القلب وألا عيش علي الحقيقة إلا عيش الآخرة : كل الدنيا كدر فما أعجب إلا من راغب في ازدياد ، الإنسان يتمنى طول العمر مثلما البخاري سيعقد بابًا في الحرص علي الحياة في هذا الكتاب والرسول عليه السلام لما ذكر طول العمر لم يستحسنه إلا مع العمل الصالح ، قالﷺ ( خيركم من طال عُمره وحسن عمله ) لكن الإنسان سيء العمل هذا طول العمر جناية عليه , لأن كل يوم يمر عليه يكتسب فيه سيئات وقد بين النبي ﷺشيئًا من هذا المعني في قوله _عليه الصلاة والسلام _( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فلعله إن كان مسيئًا أن يُستعتب ولعله إن كان محسنًا أن يزداد إحسانًا ) . إن كان مسيئًا يلحق يرجع لذلك كان المرض بين يدي الموت نعمه ، لماذا ؟ لأنه كل يوم يعلم أن حالته في النازل يعلم أنه سيموت فإن كان فيه مظلم فإنه يتخفف منها ، عليه ديون يسدها ، أي شيء يحتاج أن يتكلم فيه يقول ، إنما الذي يموت فجأة كما قال تعالي:( فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ )[ يس:50]، مالت فجأة كان يريد أن يقول كلمة حيل بينه وبينها كم من حسرات في بطون المقابر ، لو نشر هؤلاء الموتى الذين ماتوا قبلنا ونحن علي الأثر لو نشر هؤلاء من قبورهم لوجدت أن كثيرين كانوا يريدون أن يقولوا كلمة قبل أن يموتوا إنما قتلهم التسويف ، سوف أتوب سأتوب ومع ذلك أخذ بغتة |
العيش الحقيقي ليس هو عيش الدنيا ، الدنيا كلها كدر كما قال الله عز وجل:
( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) [ البلد:4] ، ونضرب مثلاً لهذا الكبد لعل أكثر الناس لا يلحظه وهو رغيف الخبز ، رغيف الخبز الذي يوضع أمامك على المائدة هل تعرف كيف وصل إليك ؟ وكم من الأيدي العاملة بذلت من الجهد حتى يصل إليك هذا الرغيف ، وهذا رغيف . نبتدئ الأول من الفلاح يحرث الأرض ثم يضع البذر ويرويها ثم ينقي الحشائش التي ليس بها فائدة حتى لا تأخذ السماد وغير ذلك ثم يرش المبيدات للقضاء على الحشرات والآفات التي تعلق بالنبات ، هذا المحصول يمكن أن يغيب في الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية أشهر ، يربيه كما يربي الطفل الصغير حتى كبر وطاب واستوي على سوقه ، حصده ثم حمله إلى الفناء ثم درسه فصل الحب عن العصف والعصف هو القش كما في الأرز مثلاً فيفصل الحب من أعواد القش أو إذا كان فول فيخلص الحب من العود الذي هو فيه إذا كان قمح فهو يدرسها في بعضها ثم ماكينة الحصاد تفصل الحب عن العصف فهو زرعه أولاً وتعب عليه وغاب كم من الشهور في الأرض ثم أخذه وحصده واحضره إلي الجرن فدرسه وفصل الحب عن العصف ثم أخذنا القمح غسلناها ثم نشرناها في الشمس حتى تنشف وضعناها في أجولة وأرسلناها إلى الماكينة طحناها وعملنا عين أولى وعين ثانية وعين ثالثة هذا رده وهذا سن وغير ذلك ، وأحضرناه إلي البيت عجناه ، خبزناه ، وضعناه في الفرن ، أكلناه ، فهذا رغيف ، كم من الأيدي عملت حتى وصل إليك هذا الرغيف ؟ الجنة مختلفة تمامًا ، فالذي يريد أن يحيا في هذه الدنيا في هذا الكبد وهذا الهم والغم وفي الآخر يبدد رأس ماله ثم يلقي الله عارياً . فلماذا هذه الحدوتة كلها ؟ سبعة وعشرين سنة هذه تأبيدة ، فيأخذ خمسة وعشرين سنة ثم يخرج ويستأنف حياته ، لو كان المرء ملكًا متوجًا الدنيا هذه كلها من أقصاها لأقصاها ملكه حتى لو كان الناس عبيدًا له وعاش سبعة وعشرين سنة يعمل ما يريده ومات ، فأنا أقول لك السبعة وعشرون سنة هذه تضيع كيف قال صلي الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره ( يؤتي بأنعم أهل الأرض ) أنعم أهل الأرض قل فيه ما شئت هذا الرجل المنعم الذي لم يمرض يومًا ولم يفتقر يومًا ولم يخالف أحدًا في الدنيا له أمرًا وكانوا يسجدون له تحت قدميه ، كل ما يتمناه عنده ( يؤتي بأنعم أهل الأرض ) أنا ممكن لساني لا يستطيع أن يعبر عن أنعم أهل الأرض ، أنت تخيل وافتح لخيالك هذا العنان ( فيُغمس في النار غمسةً واحدة ثم يقال له هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا وعزتك ما مر بي نعيم قط ) هذا لو عاش مثل إبليس من أول ما خلق الله الأرض إلى أن ينفخ في الصور ولو افترضنا أن إنسان هكذا له هذا العمر كله بالنعيم الذي أقوله والذي لا أستطيع أن أعبر عنه ، هذا المخلوق النبي عليه الصلاة والسلام يقول( فيُغمس في النار غمسةً واحدة ثم يقال له هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا وعزتك ما مر بي نعيم قط )، فما بالك إذا كانت مستقرًا له لا يخرج منها فهذا لأجل سبعة وعشرين سنة والله أخسر الخاسرين لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم ، (مغبون فيهما) والمغبون هو الخاسر فيها كثير من الناس ، غمسة واحدة أنسته النعيم , أمس كان صحيحًا اليوم مريض نسي أنه كان صحيحًا ، لبث في مرضه سنين ثم عوفي وصار يجري في الدنيا فنسي أنه كان مريضُا الذي فات مات ، إنما الإنسان ابن اللحظة التي يعيش فيها ، فهو هذا الإنسان وهذا هو العمر . مثل الطعام ، الذين يعملون من أجل أن يأكلوا ، كل حياتهم يعملوا وردية واثنين وثلاثة وأربعة حتى يصير في مستوى معيشة متميز ، يضيع صلاته حتى لو صلى مثلاً الفرض يصليه بدون خشوع, ولا يوجد سنن ولا تسبيح ولا ذكر ولا ورد ولا قراءة قرءان ، حياته كلها ينتهي من عمل يبدأ في عمل ويعود إلى البيت آخر النهار لا يستطيع أن يقف على قدميه ينام قي أول ثلاثين ثانية الذي في الغرفة المجاورة يسمع شخيره من شدة التعب ويقوم في الصباح ليجرى ثانية في هذه الطاحونة ، فهذا يعيش من أجل المستوى الاجتماعي ، يأكل كويس يسكن في مكان كويس ، يغير نظام الشقة ، نحن نسكن في حي شعبي نذهب إلى حي راقي وهكذا . فمثل هؤلاء الناس الذين يريدون أحسن أكل وأفخم أكل ولازم أن يكون بمواصفات معينة ولازم يكون البروتين لها حساب والمواد الدهنية كذلك ومعه الورقة يقرأ منها . هل تعرف استمتاعك بالطعام كم ؟ مدة بقاؤه في فمك فهذا هو الطعام ، تتمني تريد أن تأكل أكلة معينة ومنذ سنوات تتمني أن تأكلها ودبرت المال وأحضرت الأكلة ثم جلست تأكل وأنت مبسوط ، فهل أنت تضع اللقمة في فمك وتجلس تمضغ فيها براحتك وعلى مهل فهل تغيب خمسة دقائق في فمك فأنت لن تتحملها ، مدة بقاء الطعام في فمك ثلاثون ثانية لو أردت أن تحسب كم ساعة عمل حتى يحصل علي الأكلة التي يتمني الحصول عليها ، يعمل عشر ساعات ، تصور لو وضعت الأكلة التي يتمني أن يأكلها أمامه كم من الوقت يظل يأكل فيها وهو من كثرة النهم ولم يصدق أنه سيأكلها ممكن أن يأكلها في عشرة دقائق ، تصور عشر ساعات يعمل من أجل يستمتع بعشر دقائق ومدة بقاء الطعام في فمه ثلاثون ثانية ، هي لذات الدنيا جميعًا هكذا ، الذي فات مات . فأنا أريد أقول أن هناك أهوال قادمة في مقابل رأس المال الذي نتكلم عنه ألا وهو العمر يموت المرء متى يبعث ؟ بعد كم سنة ؟ بعد مائة ، مائتين ، ثلاث مائة ، ألف ، ألفين ، الله أعلم ، وليكن واحداً ممن نتكلم عنهم ضيع رأس ماله عاش في الدنيا فاجرًا لشهوات نفسه لا أنزل الله كتابًا ولا أرسل رسولاً ، يعيش هكذا وهذا هو الصنف الذي نتكلم عنه لأجل أن نعمل دراسة جدوى صحيحة ، هذا نزل تحت التراب منذ كم عام ؟ الله أعلم ، مائة سنة ، مائتين سنة ، ألف سنة ، ألفين سنة ، ثم يبعث يوم القيامة خمسين ألف سنة واقف لا أكل ولا شراب والشمس تدنوا من رؤوس العباد والناس غرقى في العرق ، جاء رب العالمين إلى ساحة العرض غاضب اليوم غضب لم يغضب مثله قبله قط لدرجة أن الرسل تخاف على نفسها وكل رسول يقول نفس نفسي ، العباد كلهم في كرب يريدون من يخلصهم يذهبون من أول أدم حتى رسول الله ﷺ من شدة الكرب ، والصحف تتطاير هذا يأخذ بيمينه وهذا يأخذ بشماله وهو لا يعرف بأي يد سيأخذ كتابه هؤلاء يذهبون إلى النار وهؤلاء إلى الجنة وهو لا يعلم إلى أين هو ذاهب فيقف مرعوب أفئدتهم هواء ، وهواء أي لا يوجد قلب طار ثم بعد كل ذلك الرعب يحشر إلى النار وتكون مستقره ، لماذا ذلك ؟ سبعة وعشرين سنة ، والله لا أجد عاقلاً يعرف لغة الأرقام يمكن أن يقبل مثل هذا . |
فمن أراد استثمار رأس المال استثمارًا حقيقيًا فلينظر إلى الآخرة إذ العيش على الحقيقة عيش الآخرة ،.
ويرحم الله الفضيل بن عياض قال: [ لو كانت الدنيا ذهبًا يفني والآخرة خزفًا يبقى لكان علي العاقل أن يختار الخزف الذي يبقي على الذهب الذي يفني ] . هذا القلب إذا رق يستقيم المنفذ الطريق يتضح أمامه ، إذا رق هذا القلب فيعلم علمًا يقينيًا أنه لا عيش إلا عيش الآخرة فيستثمر رأس المال الصحة والفراغ وهذان هما رأس المال ، يستثمرهما حتى يصل إلى الآخرة بسلام . هذه هي علاقة شطري الترجمة (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة ) ويبقي إن شاء الله معنا كلام طويل في هذا الباب ، ويبقى معنا علاقة الترجمة بالأحاديث التي أوردها الإمام البخاري في هذا الباب . الدنيا معروف إلى زوال وأن الله جعلها لنا اختبارًا وابتلاءً ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ). قال الفضيل بن عياض_رحمه الله_: في تفسير هذه الآية [ أخلصه وأصوبه ] فقالوا يا أبا علي ما أخلصه ؟ وما أصوبه ؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يك صوابًا لم يقبل وإذا كان صوابًا ولم يك خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا ، أما الخالص فهو الذي لوجه الله تعالي ، وأما الصواب فأن يكون موافقًا لسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم . ونذكر شيئًا من هذا الحديث تراجم الرواة ،: الإمام البخاري رحمة الله عليه قال هنا حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند وكلمة هو بن أبي هند من الإمام البخاري يعرف من هو سعيد ، سعيد والد عبد الله ، سعيد بن من ؟ لأن هناك عبد الله بن سعيد بن الآباء كثيرون وحتى لا يلتبس أحيانًا فالإمام البخاري رحمة الله عليه أو أي إمام من أئمة السنة أحياناً يعرف بعض رواة الحديث ينسبهم فقوله هو بن أبي هند هذا من كلام الإمام البخاري رحمه الله المكي بن إبراهيم: هذا هو أحد الأئمة الثقات الأثبات وثقه الإمام أحمد ووثقه يحي بن معين ووثقه العجلي وابن حبان وقال النسائي لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي محله الصدق . وتراجم هؤلاء العلماء نعرفها من كتب مخصصة لهذه التراجم . وسأشرد أحيانًا أو كثيرًا لأبين لكم عظمة هذه الأمة وما الذي بذله العلماء علماء الحديث لصيانة السنة حتى إذا تكلم أي جاهل تكلم في السنة وقال هذه أحاديث مكذوبة وهي من أصح الأحاديث عند أهل العلم ، فهذا تعرف أنه جاهل لم يقرأ كتابًا ولا علم ماذا فعله العلماء . يوجد عندنا الكتب الستة وهي الصحيحان _البخاري ومسلم _والسنن الأربعة هي:1- سنن أبي داود السجيستاني سليمان بن الأشعث 2-وسنن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي3- وسنن الترمذي محمد بن عيسى 4-وسنن الإمام بن ماجه محمد بن يزيد القزويني صيغ للتعبير عن الصحيحين . فإذا كان الحديث في البخاري ومسلم1- إما نقول أخرجه البخاري ومسلم2-أو نقول أخرجه الشيخان3- أو أخرجاه 4-أو متفق عليه فهذه أربع صيغ للتعبير عن الصحيحين . فنحن عندنا الكتب الستة ، إذا قال رواه الستة فهو يقصد الصحيحين والسنن الأربعة . في هذه الكتب الستة يوجد كتاب الترجمة هي التفسير والبيان ، فقصة حياة أي واحد منا تسمي ترجمة ،لأننا فسرنا وكشفنا وبينا جوانب حياة هذا الإنسان لذلك يسمونها ترجمة ، فعندما نقول فلان الفلاني ترجمه فلان ، ترجمه البخاري ، ترجمه بن أبي حاتم ، ترجمه بن حبان ، العجلي ، المزي أي أحد من أصحاب هذه الكتب ، ترجمه أي ذكر شيئًا يتعلق بهذا الراوي . عناية العلماء بالكتب الستة ومنهم : عبد الغني المقدسي(( الكمال في أسماء الرجال ) اعتني علماء المسلمين بالكتب الستة, كبيرة من هذه العناية التي بذلها العلماء عبد الغني المقدسي ألف كتاباً اسمه ( الكمال في أسماء الرجال ) أسماء رجال الكتب الستة أي راو في الكتب الستة ننظر هو يبدأ بأي حرف فمثلاً المكي حرف الميم مع الكاف ميم كاف لأن هذا الكتاب مرتب على حسب حروف الهجاء ، يبدءون بالأحمدين لأجل النبي _ﷺ _ثم يأخذ بعد ذلك من اسمه أبان مثلاً أو آبى اللحم وهذا صحابي كان لا يأكل اللحم ولذلك سموه بآبي اللحم لقب بهذا ، يأخذ حرف الألف ثم يأخذ حرف الباء ولا يأخذ الألف فقط إنما ألف ألف ، ألف باء ، ألف تاء ، ألف ثاء ، ألف جيم وحتى نهاية الألف مع الثمانية والعشرين حرف ثم يبدأ بحرف الباء باء ألف ، باء باء ، باء تاء باء ثاء إلى آخر الثمانية والعشرون حرفًا ثم تاء ، تاء ألف ، تاء باء ، تاء تاء ، تاء ثاء ، حتى نهاية الثمانية والعشرين حرف وهكذا .في كل حرف يرتبه مع الثمانية والعشرين حرف ، فكل راوٍ في هذه الكتب الستة مذكور له ترجمة في هذه الكتب .بدأ عبد الغني في (كتاب الكمال في أسماء الرجال) ثم جاء أبو الحجاج المزي هذب هذا الكتاب كتاب الكمال (سماه تهذيب الكمال في أسماء الرجال) فأضاف شيئًا كثيرًا على عبد الغني على كتاب الكمال ثم جاء الحافظ بن حجر قال المزي أطال المسألة ونحن نريد أن نختصر الكتاب الاختصار المفيد فسماه( تهذيب التهذيب الكمال في أسماء الرجال) . فعندما أريد أن أعرف درجة أي راوٍ من هؤلاء الرواة حتى أستطيع أن أحكم علي حديثه أصل إلى هذه الكتب ، وأنظر بأي الحروف بدأ أحضره في الحرف الخاص به ثم أقرأ كلام العلماء عليه . أما العلماء كيف جمعوا هذا الكلام ؟ فهذه قصة كبيرة إذا كنت أخرج ثم أعود فهذا الخروج هو لخدمة الموضوع والمسائل متشعبة وأنت دورك معي أنك تأخذ هذه المعلومات ثم ترتبها وتضع لها عناوين معينة بحيث إذا أردت أن تستدعي معلومة مثلاً أو أي شيء تكون قد وضعتها تحت عنوان من هذه العناوين . فالمكي بن إبراهيم أحد كبار شيوخ البخاري . وشيوخ البخاري ثلاثة طبقات :فالبخاري1:- له كبار شيوخه 2-وأواسط شيوخه 3-وصغار شيوخه والكبار يقسمون أيضًا ، كبير قوي وكبير بعده وكبير بعده والأواسط فهناك أكبر الأواسط ووسط الأواسط وصغير الأواسط وكذلك صغار شيوخه ينقسمون إلى كبار الصغار ن أواسط الصغار ، صغار الصغار ، فأنت من الممكن أن تفعل ذلك وكل طبقة من هذه يمكن أن تقسمها إلى ثلاثة طبقات الكبار والأواسط والصغار . المكي بن إبراهيم هذا من كبار شيوخ البخاري مثل أبي نعيم الفضل بن لكي مثل أبي عاصم النبيل ، محمد بن عبد الله الأنصاري ، عبيد الله بن موسى مثلاً مجموعة من كبار شيوخ البخاري الذين رفعوه لأعلي بعضهم وصله للتابعين التي هي في ثلاثيات الإمام البخاري الذي يكون فيها بين البخاري والنبي ثلاثة فقط ، حدثنا فلان عن فلان عن الصحابة وهذه تسمي ثلاثيات الإمام البخاري ، وإن قابلنا منها شيء في كتاب الرقاق سنتكلم عن ثلاثية البخاري وثلاثيات الكتب الستة |
إجابة الأسئلة:
س: الرد علي من يسبون أصحاب النبي- صلى اله عليه وسلم- ؟ الجواب: هذه المسألة مسألة في غاية المرارة أن تظهر في بلاد السنة ، أن يُسَب الصحابة في بلاد الروافض هذا يتوافق مع أصول مذهبهم , ولكن أريد أن أنبه على شيء ، إدعاء الكاتب للكلام أنه قد أتى بما يقول من كتب التراث ومن الصحيحين ، لم يأتي بشيء من عنده ، وأنا أريد أن أبين لكم والموضوع شديد الصلة بالكلام عن البخاري وعن صحيح البخاري والأسانيد وتصحيح الأسانيد تضعيفها وغير ذلك . هناك فرق كبير جدًا بين أسانيد السنة وأسانيد التواريخ ، التواريخ عبارة عن أحداث ، وكيف يأتي المؤرخ بالمعلومة ؟ المؤرخ يكتب المعلومة عن كل من هب ودرج ، حدث أي حدث في بلد ما ، سنفترض جدلاً أن هناك بناية عظيمة انهارت ، أي صحفي يريد أن يغطي هذه المسألة هو يسأل أي أحد في مكان الحدث ، هل يعرفه ، يعرف أن هذا المتكلم صادق أم كاذب ؟ لا يعرف ، هل يعرف أي شيء عن ترجمته ، لا يعرف ، إنما يقول له قل لي ما الموضوع ؟ فيقول له : الموضوع كذا كذا كذا وأنا أقف وجدت شيء نزل ويكتب ما عنده ، يذهب لأخر ، وأنت ماذا رأيت ؟ يقول له: رأيت كذا كذا كذا ، ممكن يكون فيه أكبر الكذابين يقف ، أنا كرجل مؤرخ أو صحفي أكتب كل شيء أسمعه مع قطع النظر هي صحيحة أم لا ، وأنت ما اسمك ؟ يقول: اسمي كذا ، أكتب حدثني فلان الفلاني أنه بينما هو واقف حدث كذا وكذا وكذا . ويبدأ المؤرخ أن يجمع كل ما هو متعلق بالواقعة من أي إنسان يقابله ، أئمة التاريخ الذين جمعوا التواريخ وعلى رأسهم إمام المؤرخين وإمام المفسرين المجتهد المطلق الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- رحمه الله- له تاريخ الأمم والملوك ، مطبوع في عشر مجلدات ، قال في مقدمة ، لأن الكاتب قال أنا أتيت بهذا من تاريخ الطبري ، الطبري لما يقول حدثنا عن فلان عن فلان عن فلان ،هل الطبري – رحمة الله عليه- تعهد بصحة الأخبار الذي يأتي بها ، لا ، نص الإمام الطبري في مقدمة كتاب التاريخ على أن الأخبار الذي يستشنعها السامع ويستنكرها القارئ ليست من قبله هو ، إنما من قبل من حكاها . فيقول أنا كل الذي علي أنني أديت إليك ما سمعت ، فأي إنسان يريد أن يأخذ معلومة من كتب التواريخ لابد أن يكون عليمًا بطرائق نقل الأخبار ما هي صفات الأخبار المقبولة ؟ وما هي صفات الأخبار المردودة ؟ لكن يدخل بصدره وليس عنده أي فكرة عن أي شيء ويدخل في تاريخ الطبري ، فهذا كحاطب ليل كما يقول العرب ، حاطب الليل رجل يجمع حطب فبينما هو يجمع الحطب إذا حية في وسط الحطب لدغته فمات . من يدخل في كتب التواريخ لابد أن يكون عليمًا بطرق نقل الأخبار التي اتفق أهل العلم عليها ، فلماذا كل علم في الدنيا يُحتَرم ما عدا علم الشريعة ؟ كل واحد يدخل الشريعة بصدره وفعل ما يريد ويفهم ما يريد ، هذا الكلام غير متواضع عليه عند سائر أصحاب العلوم ، كل علم له رجاله ، وأي إنسان يحترم نفسه ولا يريد أن تلعنه الناس أو تصفه بالجهل يعرف هو يدخل على أي فن ، اليوم لو أن واحد ليس معه طب نهائيًا وفتح عيادة واكتشف أن هذا الإنسان يمارس مهنة الطب بدون ما يكون معه بكالوريوس فضلاً عن الشهادات المتخصصة الأخرى ، فهذا يدخل السجن ، لماذا ؟ يقول هذه أرواح الناس وليست لعب ، هذا عندما يعطى لواحد دواء خطأ يقتله ، وكذلك دين الناس ليس لعبه أيضًا ، الشريعة ليست لعبة أن يدخل أي أحد فيها ، وأن أي أحد يتكلم فيها كما يريد . أي إنسان يريد أن يصون ماء وجهه فلا يذكر باللعنات فعليه أن يعرف مواضع قدميه ، كتب التواريخ غير كتب السنة ، أسانيد السنة حفظت والعلماء دققوا واشترطوا ألا يؤخذ حديثٌ من أحد إلا إذا كان دينًا ، خيرًا حافظًا ، لديه ذاكرة حفظ جيدة ، وليس كلما سئل قال أنا يتهيأ لي ، فنقول له لا ، ولا نقبل منه الخبر إلا إذا كان ضابطًا حافظًا . أسانيد كتب التواريخ ليست كذلك ، الفتن يكثر فيها الافتراءات والكذب والأسانيد المعضلات والمرسلات ، فضلاً عن الأسانيد المكذوبة ، فأي إنسان يطلب النجاة لنفسه يوم القيامة لأنه كما قيل: فلا تكتب بكفك غير شيء * يسرك في القيامة أن تراه . إن الله عز وجل يزن يوم القيامة بالذرة وبمثقال الذرة ، هذا الذي يقولوه يسد عين الشمس ، الذي يقولوه في الصحابة ، الذين قال فيهم النبي- عليه الصلاة والسلام- "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم ملء أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " . معنى الكلام لو أن هذا السَّاب للصحابة كان يمتلك ملء الأرض ذهباً فأنفقه وجاء صحابي من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وتصدق بمد من شعير ، والمد: ملء الكفين ، والنصيف: ملء كف واحد ، فهذا السَّاب المتأخر لو أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا وأنفق صحابي مد شعير لكان هذا المد أفضل من هذا الجبل الذهب من هذا المتأخر السَّاب ، لأن النبي – صلي الله عليه وسلم- يقول لا تسبوا أصحابي لأن سب الصحابة باختصار كما قال الإمام مالك ، قال:[ هؤلاء أرادوا أن يطعنوا على رسول الله- صلي الله عليه وسلم فلم يجرئوا ولم يستطيعوا فنبذوا أصحابه ، وقالوا له صحابة سوء] فالإنسان إذا كان صالح هل يصاحب أهل السوء والدون والسوقة والرعاع ؟ فهم عندما سبوا الصحابة وهناك من كتب أبو هريرة الأراجوز ، أهذا يقال على أبو هريرة في بلاد السنة ، فكيف يقول الروافض إذا كان هذا حال أهل السنة ؟ ، فهناك سب لأصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم- ، وهذا السب في الحقيقة إنما يعود على النبي- صلي الله عليه وسلم- كما قال الإمام مالك- رحمه الله- والكلام في الحقيقة مر وطويل ولعلنا نستوفي هذا الكلام إن شاء الله تعالي . س: ما حكم المال الحرام الذي تم جمعه قبل التوبة ؟ الجواب: التوبة تجوب بما قبلها بشرط إرجاع الحقوق إلى أهلها ، فهذا الذي سرق المال من الناس يجب عليه أن يرجع المال إليهم بأي طريقة ولا يلزم أن يكشف نفسه ، لو واحد له أموال يضع له هذه الأموال في مظروف ويعطيه لواحد ويقول له اذهب لفلان وقل لفلان أنك كان لك دين عند واحد وهذا هو الدين ، ولا يلزم أن تظهر نفسك ، والأموال الموجودة الذي هو كتبها باسم أبيه أو غير ذلك ، أنا أوصي الآباء وأقول لهم اتقوا الله- تبارك وتعالي- فلا أحد يمضي فيأخذ إلا عمله الصالح ، والنبي – عليه الصلاة والسلام- قال:" أيكم ماله أحب إليه أم مال وارثه ، قالوا يا رسول الله ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه ، قال: فإن مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت " فهذه العقارات أو هذه الأملاك التي كُتِبت باسم الأب ، نحن نُهيب بهذا الأب أن يتقي الله - سبحانه وتعالي- ، وإذا كان أصحاب هذه الأموال معروفه ، لأن هذه أموال مغصوبة ، يرجع الأموال إلى أصحابها ، أما إذا كانت الأموال غير معروفة فعليه أن يتصدق بها وأن يتوب إلى الله – تبارك وتعالي- . * * * |
سلمت يمناك على روعة ما امتعتنا بهِ والله لا يحرمنا من نور تواجدك ورقي عطائك يعطيك ألف عافيه مع أرق تحياتي العطره |
|
بارك الله بك وجزاك ربي كل خير
مشكور على الطرح والافادة |
الساعة الآن 07:46 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |