منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   قطوف من كتاب "لا تحزن".. لعائض القرني. (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=5546)

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:33 PM

قطوف من كتاب "لا تحزن".. لعائض القرني.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتابلا تحزن غنيٌّ عن التعريف لما ناله من شهرة ولما وصله من قراءات.. حيثوصلت مبيبعاته إلى المليوني نسخة.. وذلك ليس لشهرة قد تنال بالصدفة لوكنلمحتواه المفيد و المتنوع..
لم أنهي قراءة الكتاب.. ولست من نقل هذه المقتطفات بل هو صديق..
أحببت نقلها لتعم الفائدة..


وليسعك بيتك

العُزْلةُالشرعيَّةُ السنيَّةُ : بُعْدُك عن الشرِّ وأهلِهِ ، والفارغين َواللاهينوالفوضويين ، فيجتمعُ عليك شملُك ، ويهدأ بالُك ، ويرتاحُ خاطرُك ، ويجودُذهنُك بِدُررِ الحِكم ، ويسرحُ طرفُكَ في بستانِ ا لمعارفِ.
إنالعزلة عن كلِّ ما يشغلُ عن الخيرِ والطاعةِ دواءٌ عزيزٌ جرَّبهٌ أطباءُالقلوبِ فنجح أيَّما نجاحٍ ، وأنا أدُّلك عليهِ ، في العزلةِ عن الشرِّواللّغوِ وعن الدهماءِ تلقيحٌ للفِكْر ، وإقامةٌ لناموسِ الخشيةِ ،واحتفالٌ بمولدِ الإنابةِ والتذكرِ ، وإنما كان الاجتماعُ المحمودُوالاختلاطُ الممدوحُ في الصلواتِ والجُمَعِ ومجالسِ العِلْمِ والتعاونِعلى الخيْرِ ، أما مجالسُ البطالةِ والعطالةِ فحذارِ حذارِ ، اهربْ بجلدِك، ابكِ على خطيئتك ، وأمسكْ عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، الاختلاط الهمجيحرب شعواء على النفس ، وتهديد خطير لدنيا الأمنِ والاستقرارِ في نفسك ،لأنك تجالسُ أساطين الشائعاتِ ، وأبطال الأراجيفِ، وأساتذة التبشير بالفتنوالكوارث والمحن، حتى تموت كلَّ يومٍ سَبْعَ مراتٍ قبل أن يصلك الموتُ ﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً﴾.
إذاًفرجائي الوحيدُ إقبالك على شانِك والانزواءُ في غرفتِك إلاَّ من قولِ خيرٍأو فعلِ خيرٍ ، حينها تجدُ قلبك عاد إليك ، فسلمَ وقتُك من الضياعٍ ،وعمرُك من الإهدارِ ، ولسانُك من الغيبةِ ، وقلبُك من القلقِ ، وأذنُك منالخنا ونفسُك من سوءِ الظنِ ، ومن جرَّب عَرَفَ ، ومن أركب نفسه مطاياالأوهامِ ، واسترسل مع العوامِ فقلْ عليه السلامُ .

******
اجنِ العسل ولا تكسرِ الخليَّة

الرفقُما كان في شيءٍ إلاَّ زانهُ ، وما نُزع من شيءٍ إلاَّ شانُه ، اللينُ فيالخطاب ، البسمةُ الرائقةُ على المحيا ، الكلمةُ الطيبةُ عند اللقاءِ ،هذه حُلُلٌ منسوجةٌ يرتديها السعداءُ ، وهي صفاتُ المؤمِنِ كالنحلة تأكلُطيِّباً وتصنعُ طيِّباً ، وإذا وقعتْ على زهرةٍ لا تكسرُها ؛ لأنَّ اللهيعطي على الرفقِ ما لا يعطي على العنفِ . إنَّ من الناسِ من تشْرَئِبُّلقدومِهِمُ الأعناقُ ، وتشخصُ إلى طلعاتِهمُ الأبصارُ ، وتحييهمُ الأفئدةُوتشيّعهُمُ الأرواحُ ، لأنهم محبون في كلامهِم ، في أخذهم وعطائِهم ، فيبيعهِم وشرائِهم ، في لقائِهم ووداعِهِم .
إناكتساب الأصدقاءِ فنٌّ مدروسٌ يجيدُهُ النبلاءُ الأبرارُ ، فهمْ محفوفوندائماً وأبداً بهالةٍ من الناسِ ، إنْ حضروا فالبِشْرُ والأنسُ ، وإنغابوا فالسؤالُ والدعاءُ .
إنَّهؤلاءِ السعداء لهمْ دستور أخلاقٍ عنوانُه : ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَأَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُوَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾فهمْيمتصون الأحقاد بعاطِفتِهِمُ الجيّاشةِ ، وحلمِهِمُ الدافِئ ، وصفْحِهمالبريءِ ، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان ، تمُرُّ بهمُ الكلماتُالنابيةُ فلا تلجُ آذانهم ، بل تذهبُ بعيداً هناك إلى غيرِ رجْعةٍ . همْفي راحةٍ ، والناسُ منهمُ في أمنٍ ، والمسلمون منهمُ في سلام (( المسلمُمن سلِم المسلمونُ من لِسانِهِ ويَدِهِ ، والمؤمنُ من أمِنَهُ الناسُ علىدمائِهم وأموالِهم )) (( إن الله أمرني أنْ أصل منْ قطعني وأن أعْفُوَعمَّن ظلمني وأن أُعطي منْ حرَمَنِي )) ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَوَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾بشّرْ هؤلاء بثوابٍ عاجلٍ من الطمأنينةِوالسكينةِ والهدوءِ .
وبشرهم بثوابٍ أخرويٍّ كبيرٍ في جوارِ ربٍّ غفورٍ في جناتٍ ونَهَرٍ ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ .
*******
العوض من الله

لا يسلبك الله شيئا إلاَّ عوَّضك خيراً منه ، إذا صبرْتَ واحْتَسَبْتَ((منْ أخذتُ حبيبتيه فصبر عوَّضتُه منهما الجنة))يعني عينيه((من سلبتُ صفيَّهُ من أهل الدنيا ثم احتسب عوَّضْتُهُ من الجنَّة))من فقد ابنه وصبر بُني له بَيْتُ الحمدِ في الخُلْدِ ، وقِسْ على هذا المنوالِ فإن هذا مجردُ مثال .
فلا تأسفْ على مصيبة فان الذي قدّرها عنده جنةٌ وثوابٌ وعِوضٌ وأجرٌ عظيمٌ .
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوِّهُ بهم في الفِرْدوْسِ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ .
وحق علينا أن ننظر في عِوض المصيبةِ وفي ثوابها وفي خلفها الخيِّر﴿أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَهنيئاً للمصابين ، بشرى للمنكوبين.
إنعُمْر الدنيا قصيرٌ وكنزُها حقيرٌ ، والآخرةُ خيرٌ وأبقى فمن أُصيب هناكُوفِئ هناك ، ومن تعب هنا ارتاح هناك ، أما المتعلقون بالدُّنيا العاشقونلها الراكنون إليها ، فأشدَّ ما على قلوبهم فوت حظوظُهم منها وتنغيصُراحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظُمً عليهمُ المصائبُ وتكبرُعندهمُ النكباتُ ؛ لأنهمْ ينظرون تحت أقدامِهم فلا يرون إلاَّ الدُّنياالفانية الزهيدة الرخيصة.
أيهاالمصابون ما فات شيءٌ وأنتمُ الرابحون ، فقد بعث لكمْ برسالةٍ بين أسطرهالُطْفٌ وعطْفٌ وثوابٌ وحُسنُ اختيار. إن على المصابِ الذي ضرب عليه سرادقُالمصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾، وما عند اللهِ خيرٌ وأبقى وأهنأ وأمرأُ وأجلُّ وأعلى .

******

اقبلِ الحياة كما هي

حالُالدنيا منغصةُ اللذاتِ ، كثيرةُ التبعاتِ ، جاهمةُ المحيَّا ، كثيرةُالتلوُّنِ ، مُزِجتْ بالكدرِ ، وخُلِطتْ بالنَّكدِ ، وأنت منها في كَبَد .
ولن تجد والداًأو زوجةً ، أو صديقاً ، أو نبيلاً ، ولا مسكناً ولا وظيفةً إلاَّ وفيه مايكدِّرُ ، وعنده ما يسوءُ أحياناً ، فأطفئ حرَّ شرِّهِ ببردِ خيْرِهِ ،لتنْجُوَ رأساً برأس ، والجروحُ قصاصٌ .
أراداللهُ لهذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ ، والنوعين ، والفريقين ،والرأيين خيْرٍ وشرٍ ، صلاحٍ وفسادٍ ، سرورٍ وحُزْنٍ ، ثم يصفو الخَيْرُكلُّهُ ، والصلاحُ والسرورُ في الجنةِ ، ويُجْمَعُ الشرُّ كله والفسادُوالحزنُ في النارِ . في الحديث : (( الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ ومتعلمٌ )) فعشْ واقعكَ ولا تسرحْ من الخيالِ ، وحلّقْ في عالمِ المثالياتِ ، اقبلْدنياكَ كما هي ، وطوِّع نفسك لمعايشتها ومواطنتِها ، فسوف لا يصفو لك فيهاصاحبٌ ، ولا يكملُ لك فيها أمرٌ ، لأنَّ الصَّفْوَ والكمال والتمام ليس منشأنها ولا منْ صفاتِها .
لن تكمل لك زوجةٌ ، وفي الحديث : (( لا يفركُ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) .
فينبغيأنْ نسدد ونقارب ، ونعْفُوَ ونصْفحَ ، ونأخُذ ما تيسَّرَ ، ونذر ما تعسَّرونغضَّ الطَّرْف أحياناً ، ونسددُ الخطى ، ونتغافلُ عن أمورٍ .


فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:35 PM

تعزَّ بأهلِ البلاءِ

تَلَفَّتْيَمْنَةً ويَسْرَةً ، فهل ترى إلاَّ مُبتلى ؟ وهل تشاهدُ إلاَّ منكوباً فيكل دارٍ نائحةٌ ، وعلى كل خدٍّ دمْعٌ ، وفي كل وادٍ بنو سعد .
كمْمنَ المصائبِ ، وكمْ من الصابرين ، فلست أنت وحدك المصاب ، بل مصابُكَ أنتبالنسبةِ لغيرِك قليلٌ ، كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ ، يتقلبُ ذاتاليمينِ وذات الشِّمالِ ، يَئِنُّ من الألمِ ، ويصيحُ من السَّقم .
كم من محبوس مرت به سنواتما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته .
كمْ من رجلٍ وامرأةٍ فقدا فلذاتِ أكبادهِما في ميْعَةِ الشبابِ وريْعانِ العُمْرِ .
كمْ من مكروبٍ ومدِينٍ ومُصابٍ ومنكوبٍ .
آنلك أن تتعزّ بهؤلاءِ ، وأنْ تعلم عِلْمَ اليقين أنِّ هذه الحياة سجْنٌللمؤمنِ ، ودارٌ للأحزانِ والنكباتِ ، تصبحُ القصورُ حافلةً بأهلها وتمسيخاويةً على عروشها ، بينها الشَّمْلُ مجتمِعٌ ، والأبدانُ في عافية ،والأموالُ وافرةً ، والأولادُ كُثرٌ ، ثمَّ ما هي إلاَّ أيامٌ فإذا الفقرُوالموْتُ والفراقُ والأمراضُ ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾فعليك أن توطِّن مصابك بمنْ حولك ، وبمن سبقك في مسيرةِ الدهرِ ، ليظهر لكأنك معافىً بالنسبة لهؤلاءِ ، وأنه لم يأتك إلا وخزاتٌ سهلةٌ ، فاحمدِالله على لُطْفهِ ، واشكره على ما أبقى ، واحتسِبْ ما أخذ ، وتعزَّ بمنْحولك .
ولك في الرسول r قدوةٌ وقدْ وُضعِ السَّلى على رأسِهِ ، وأدمِيتْ قدماه وشُجَّ وجهُه ،وحوصِر في الشِّعبِ حتى أكل ورق الشجرِ ، وطُرِد من مكَّة ، وكُسِرتْثنيتُه ، ورُمِي عِرْضُ زوجتِهِ الشريفُ ، وقُتِل سبعون من أصحابهِ ، وفقدابنه ، وأكثر بناتِه في حياتهِ ، وربط الحجر على بطنِه من الجوعِ ،واتُّهِم بأنهُ شاعِرٌ ساحِرُ كاهن مجنونٌ كاذبٌ ، صانُهُ اللهُ من ذلك ،وهذا بلاءٌ لابدَّ منهُ وتمحيصٌ لا أعظم منهُ ، وقدْ قُتِل زكريَّا ،وذُبِح يحيى ، وهُجّرَ موسى ووضع الخليلُ في النارِ ، وسار الأئمةُ علىهذا الطريق فضُرِّج عُمَرُ بدمِهِ ، واغتيل عثمانُ ، وطٌعِن عليٌ ،وجُلِدَتْ ظهورُ الأئمةِ وسُجِن الأخيارُ، ونكل بالأبرار ﴿أَمْحَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُالَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاءوَزُلْزِلُواْ﴾.
********

حسبنا الله ونعم الوكيل


تفويضُالأمرِ إلى اللهِ ، والتوكلُ عليهِ ، والثقة بوعدِهِ ، والرضا بصنيعهِوحُسنُ الظنِّ بهِ ، وانتظارُ الفرجِ منهُ ؛ من أعظمِ ثمراتِ الإيمانِ ،وأجلِّ صفاتِ المؤمنين ، وحينما يطمئنُّ العبدُ إلى حسنٍ العاقبةِ ،ويعتمدُ على ربِّهِ في كلِّ شأنِه ، يجد الرعاية ، والولاية ، والكفاية ،والتأييدَ ، والنصرةَ .
لما ألقي إبراهيمُ عليه السلامُ في النارِ قال : حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ ، فجعلها اللهُ عليه برْداً وسلاماً ، ورسولُنا r وأصحابُه لما هُدِّدُوا بجيوشِ الكفار ، وكتائبِ الوثنيةِ قالوا : ﴿حَسْبُنَااللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِوَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِوَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.
إنَّالإنسان وحده لا يستطيعُ أنْ يصارع الأحداث ، ولا يقاوم الملمَّاتِ ، ولاينازل الخطوبَ ؛ لأنه خُلِقَ ضعيفاً عاجزاً ، إلا حينما يتوكلُ على ربِّهويثقُ بمولاه ، ويفوِّضُ الأمرَ إليه ، وإلا فما حيلةُ هذا العبدِ الفقيرِالحقيرِ إذا احتوشتْهُ المصائب ، وأحاطتْ به النكباتُ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ .
فيامن أرادَ أن ينصح نفسه : توكلْ على القويِّ الغنيِّ ذي القُوَّةِ المتين ،لينقذك من الويلاتِ ، ويخرجك من الكُرُباتِ ، واجعلْ شعِارَك ودثارَكَحسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، فإن قلَّ مالُك ، وكثُرَ ديْنُك ، وجفَّتْ موارِدك ، وشحّتْ مصادِرُك ، فنادِ : حسبُنا اللهِ ونِعْمَ الوكيلُ .
وإذا خفتَ من عدوٍّ ، أو رُعبْتَ من ظالِمٍ ، أو فزعت من خَطْبٍ فاهتفْ : حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل .
﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً .
*******

﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾

الحسدَكالأكلةِ الملِحَةِ تنخرُ العظمَ نخْراً ، إنَّ الحسد مرضٌ مزمنٌ يعيثُ فيالجسم فساداً ، وقد قيل : لا راحة لحسود فهو ظالمٌ في ثوبِ مظلوم ، وعدوٌّفي جِلْبابِ صديقٍ . وقد قالوا : لله درُّ الحسدِ ما أعْدَلَهْ ، بدأبصاحبهِ فقتَلَهَ .
إننيأنهى نفسي ونفسك عن الحسدِ رحمةً بي وبك ، قبل أنْ نرحم الآخرين ؛ لأننابحسدِنا لهمْ نطعمُ الهمَّ لحومنا ، ونسقي الغمَّ دماءَنا ، ونوزِّعُ نومجفوننا على الآخرين .
إنَّالحاسد يُشْعِلُ فرناً ساخناً ثم يقتحمُ فيه . التنغيصُ والكدرُ والهمُّالحاضرُ أمراضٌ يولّدها الحسدُ لتقضي على الراحةِ والحياةِ الطيبةِالجميلةِ . بلِيَّةُ الحاسِدِ أنهُ خاصمَ القضاءَ ، واتهم الباري فيالعدْلِ ، وأساء الأدب مع الشَّرعْ ، وخالف صاحبَ المنْهجِ .
ياللحسد من مرضٍ لا يُؤجرُ عليهِ صاحبُه ، ومن بلاءٍ لا يُثابُ عليهالمُبْتَلَى به ، وسوف يبقى هذا الحاسدُ في حرقةٍ دائمةٍ حتى يموت أوتذْهَبَ نِعمُ الناسِ عنهم . كلٌّ يُصالحُ إلاَّ الحاسد فالصلحُ معه أنتتخلّى عن نعمٍ اللهِ وتتنازل عن مواهِبِك ، وتُلْغِي خصائِصك ، ومناقِبك، فإن فعلت ذلك فلَعَلَّهُ يرضى على مضضٍ ، نعوذُ باللهِ من شرِّ حاسد إذاحسدْ ، فإنه يصبحُ كالثعبانِ الأسودِ السَّام لا يقر قراره حتى يُفرِغَسمَّهُ في جسم بريءٍ .
فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ باللهِ من الحاسِدِ فإنه لك بالمرصادِ .


فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:36 PM

فصبرٌ جميلٌ

التحلِّيبالصبر من شيمِ الأفذاذِ الذين يتلقون المكاره برحابةِ صَدْرٍ وبقوةِإرادةٍ ، ومناعةٍ أبيَّة . وإنْ لم أصبرْ أنا وأنت فماذا نصنعُ ؟! .
هل عندك حلٌّ لنا غيرُ الصبرِ ؟ هل تعلم لنا زاداً غيرَهُ ؟
كانأحدُ العظماءِ مسرحاً تركضُ فيه المصائبُ ، وميداناً تتسابقُ فيهِالنكباتُ كلما خرج من كربةٍ زارتهُ كربةٌ أخرى ، وهو متترسٌ بالصبرِ ،متدرّعٌ بالثقةِ باللهِ .
هكذا يفعلُ النبلاءُ ، يُصارعون الملمّاتِ ويطرحون النكباتِ أرضاً .
دخلواعلى أبي بكر -رضي اللهُ عنهُ- وهو مريضٌ ، قالوا : ألا ندعو لك طبيباً ؟قال : الطبيبُ قد رآني . قالوا : فماذا قال ؟ قال : يقولُ : إني فعَّالٌلما أريدُ .
واصبرْوما صبرُك إلاَّ باللهِ ، اصبرْ صَبْرَ واثقٍ بالفرجِ ، عالم بحُسْنِالمصيرِ ، طالبٍ للأجرِ ، راغبٍ في تفكيرِ السيئاتِ ، اصبرْ مهما ادلهمَّتالخطوبُ ، وأظلمتِ أمامك الدروبُ ، فإنَّ النصر مع الصَّبْرِ ، وأنَّالفرج مع الكَرْبِ ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً .
قرأتُسير عظماءٍ مرُّوا في هذه الدنيا ، وذهلتُ لعظيمِ صبرِهِمْ وقوةِاحتمالِهم ، كانت المصائبُ تقعُ على رؤوسِهم كأنَّها قطراتُ ماءٍ باردةٍ ،وهم في ثباتِ الجبالِ ، وفي رسوخِ الحقِ ، فما هو إلاَّ وقت قصيرٌ فتشرقُوجوهُهم على طلائع فجرِ الفرجِ ، وفرحةِ الفتحِ ، وعصرِ النصرِ . وأحدُهمما اكتفى بالصبرِ وَحْدَهُ ، بل نازَلَ الكوارِث ، وصاحَ في وجهِ المصائبِمُتحدِّياً .

**********
لا تحملِ الكرة الأرضية على رأسِكَ

نفرٌمن الناسِ تدورُ في نفوسِهم حرْبٌ عالميَّةٌ ، وهم على فُرُش النوم ، فإذاوضعتِ الحرْبُ أوزارها غَنِمُوا قُرْحَة المعدةِ ، وضَغْطَ الدمِّوالسكَّريَّ . يحترقون مع الأحداثِ ، يغضبون من غلاءِ الأسعارِ ، يثورونلتأخر الأمطارِ ، يضجُّون لانخفاضِ سعْرِ العملةِ ، فهم في انزعاجٍ دائمٍ، وقلقٍ واصِبٍ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾.
ونصيحتي لكَ أنْ لا تحملِ الكرة الأرضية على رأسِكَ ،دعِ الأحداث على الأرضِ ولا تضعْها في أمعائِك . إن بعض الناس عنده قلبٌكالإسفنجة يتشربُ الشائعاتِ والأراجيفَ ، ينزعجُ للتوافِهِ ، يهتزِللوارداتِ ، يضطربُ لكلِّ شيءٍ ، وهذا القلبُ كفيلٌ أن يحطم صاحبهُ ، وأنيهدم كيان حامِلِهِ .
أهلُالمبدأالحقِّ تزيدُهم العِبرُ والعظاتُ إيماناً إلى إيمانِهم ، وأهْلُالخورِ تزيدُهم الزلازلُ خوفاً إلى خوفِهِم ، وليس أنفع أمام الزوابعوالدواهي من قلبٍ شجاعٍ ، فإن المِقْدام الباسلَ واسعُ البطانِ ، ثابتُالجأشِ ، راسخُ اليقينِ ، باردُ الأعصابِ ، منشرحُ الصدر ، أما الجبانُفهو يذبح فهو يذبح نفسه كلَّ يوم مرات بسيف التوقّعات والأراجيفِوالأوهامِ والأحلامِ ، فإن كنت تريدُ الحياة المستقرَّةَ فواجِهِ الأموربشجاعةٍ وجلدٍ ، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون ، ولا تك في ضيْقٍ ممَّايمكرون ، كنْ أصلب من الأحداثِ ، وأعْتى من رياحِ الأزماتِ ، وأقوى منالأعاصيرِ ، وارحمتاه لأصحابِ القلوبِ الضعيفةِ ، كم تهزُّهم الأيامُهزّاً ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾، وأماالأُباةُ فهم من اللهِ في مَدَدٍ ، وعلى الوعدِ في ثقةٍ﴿فَأَنزَلَالسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾.
********
ارض بما قسمَ اللهُ لكَ
تكنْ أغنى الناسِ
مرَّفيما سبق بعضُ معاني هذا السبب ؛ لكنني أبسطُهُ هنا ليُفهم أكثرَ وهو : أنَّ عليكَ أن تقْنع بما قُسِمَ لك من جسمٍ ومالٍ وولدٍ وسكنٍ وموهبةٍ ،وهذا منطقُ القرآن﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾إنَّ غالبَ علماءِ السلفِ وأكثر الجيلِ الأولِ كانوا فقراء لم يكنْ لديهمأُعطياتٌ ولا مساكنُ بهيةٌ ، ولا مراكبُ ، ولا حشمٌ ، ومع ذلك أثْروُاالحياة وأسعدوا أنفسهم والإنسانية ، لأنهم وجّهوا ما آتاهمُ اللهُ من خيرٍفي سبيلِهِ الصحيحِ ، فَبُورِكَ لهم في أعمارِهم وأوقاتِهم ومواهبهم ،ويقابلُ هذا الصنفُ المباركُ مَلأٌ أُعطوا من الأموالِ والأولادِ والنعمِ، فكانتْ سببَ شقائِهم وتعاستِهم ، لأنهم انحرفوا عن الفطرةِ السويَّةِوالمنهجِ الحقِّ وهذا برهانٌ ساطعٌ على أن الأشياءَ ليستْ كلَّ شيءٍ ،انظرْ إلى من حمل شهاداتٍ عالميَّةً لكنهُ نكرةٌ من النكراتِ في عطائهِوفهمهِ وأثرهِ ، بينما آخرون عندهم علمٌ محدودٌ ، وقدْ جعلوا منه نهراًدافقاً بالنفعِ والإصلاحِ والعمارِ .
إنكنت تريدُ السعادةُ فارضَ بصورتِك التي ركبَّك اللهُ فيها ، وارض بوضعكِالأسري ، وصوتِك ، ومستوى فهمِك ، ودخلِك ، بل إنَّ بعض المربّين الزهادِيذهبون إلى أبعدِ من ذلك فيقولون لك : ارض بأقلَّ ممَّا أنت فيهِ ودون ماأنت عليهِ .
هاك قائمةً رائعةً مليئةً باللامعين الذين بخسوا حظوظهُمُ الدنيوية :
عطاءُ بنُ رباحعالمُ الدنيا في عهدهِ ، مولى أسودُ أفطسُ أشَلُّ مفلفلُ الشعرِ .
الأحنفُ بنُ قيس، حليمُ العربِ قاطبةً ، نحيفُ الجِسْمِ ، أحْدَبُ الظهرِ ، أحنى الساقين ، ضعيفُ البنيةِ .
الأعمشمحدِّثُ الدنيا ، من الموالي ، ضعيفُ البصرِ ، فقيرُ ذاتِ اليدِ ، ممزقُ الثيابِ ، رثُ الهيئةِ والمنزلِ .
بلالأنبياء الكرامُصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم ، كلٌّ منهم رعى الغنَمَ ، وكان داودُحَدَّاداً ، وزكريا نجاراً ، وإدريس خياطاً ، وهم صفوةُ الناسِ وخَيْرُالبشرِ .
إذاً فقيمتُك مواهبُك ، وعملُك الصالحُ ، ونفعُك ، وخلقك ، فلا تأس على ما فات من جمالٍ أو مالٍ أو عيالٍ ، وارض بقسمِة اللهِ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.



فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:37 PM

ذكّر نفسك بجنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ

إنْجمعتَ في هذه الدارِ أو افتقرتَ أو حزنتَ أو مرضتَ أو بخستَ حقاً أو ذقتظلماً فذكِّر نفسك بالنعيمِ ، إنك إن اعتقدت هذه العقيدة َ وعملتَ لهذاالمصيرِ ، تحولتْ خسائرُك إلى أرباحِ ، وبلاياك إلى عطايا . إن أعقلَالناسِ هم ُ الذين يعملون للآخرةِ لأنها خيرٌ وأبقى ، وإنَّ أحمق هذهالخليقة هم الذين يرون أنَّ هذه الدنيا هي قرارُهم ودارُهم ومنتهى أمانيهم، فتجدَهم أجزعَ الناسِ عند المصائبِ ، وأندهم عندَ الحوادثِ ، لأنهمْ لايرون إلاَّ حياتهمْ الزهيدة الحقيرة ، لا ينظرون إلاَّ إلى هذهِ الفانيةِ، لا يتفكرون في غيرِها ولا يعملون لسواها ، فلا يريدون أن يعكّر لهمسرورُهم ولا يكدّر عليهم فرحُهم ، ولو أنهمْ خلعوا حجاب الرانِ عنقلوبهِمْ ، وغطاء الجهلِ عن عيونهِمْ لحدثوا أنفسهم بدارِ الخلدِ ونعيمِهاودورِها وقصورِها ، ولسمعوا وأنصتوا لخطابِ الوحيِ في وصفِها ، إنهاواللهِ الدارُ التي تستحقُّ الاهتمام والكدَّ والجهْدَ .
هلتأملنا طويلاً وصف أهلِ الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون ،ولا يفنى شبابُهم ، ولا تبلى ثيابُهم ، في غرفٍ يُرى ظاهرُها من باطنِها ،وباطِنُها من ظاهرهِا ، فيها ما لا عينٌ رأتْ ، ولا أُذُنٌ سمعتْ ، ولاخَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ ، يسيرُ الراكبُ في شجرةٍ من أشجارهِا مائة عامٍلا يقطعُها ، طول الخيمَّةِ فيها ستون ميلاً ، أنهارُها مُطَّرِدةٌقصورُها منيفةٌ ، قطوفُها دانيةٌ ، عيونُها جاريةٌ ، سُرُرُها مرفوعةٌ ،أكوابُها موضوعةٌ ، نمارقُها مصفوفَةٌ ، زرابيُّها مبثوثةٌ ، تمَّ سروَرها، عظُم حبورُها ، فاح عرْفُها ، عظُم وصْفُها ، منتهى الأماني فيها ، فأينعقولُنا لا تفكرْ ؟! ما لنا لا نتدبَّرْ ؟!
إذا كان المصيرُ إلى هذه الدارِ ؛ فلتخفَّ المصائبُ على المصابين ، ولتَقَرَّ عيونْ المنكوبين ، ولتفرح قلوبُ المعدمين .
فيهاأيها المسحوقون بالفقرِ ، المنهكون بالفاقةِ ، المبتلون بالمصائب ، اعملواصالحاً ؛ لتسكنوا جنة اللهِ وتجاوروهُ تقدستْ أسماؤُه﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ .
********


﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً

العدلُمطْلَبٌ عقليٌّ وشرعيٌّ ، لا غُلُوَّ ولا جفاءٌ ، لا إفراطٌ ولا تفريطٌ ،ومنْ أراد السعادة فعليهِ أنْ يضبطَ عواطفهُ ، واندفاعاتِهِ ، وليكنْعادلاً في رضاهُ وغضبِهِ ، وسرورِهِ وحُزْنِهِ ؛ لأن الشَّطَطَ والمبالغةَفي التعامل مع الأحداثِ ظلمٌ للنفسِ ، وما أحْسنَ الوسطيّةَ ، فإنَّ الشرعنزل بالميزان والحياةُ قامتْ على القِسط ، ومنْ أتعبِ الناسِ منْ طاوعَهواه ، واستسلم لعواطفِهِِ وميولاتِه ، حينها تتضخّمُ عنده الحوادثُ ،وتظِلمُ لديه الزوايا ، وتقومُ في قلبِه معاركُ ضاربةٌ من الأحقادِوالدخائلِ والضغائنِ ، لأنه يعيشُ في أوهامٍ وخيالاتٍ ، حتى إن بعضهمْيتصوّرُ أنَّ الجميع ضِدَّهُ ، وأنَّ الآخرينَ يحبكون مؤامرةً لإبادتهِ ،وتُمْلِي عليه وساوسُه أنَّ الدنيا له بالمرصادِ فلذلك يعيشُ في سحبٍ سودٍمن الخوفِ والهّمِ والغّمِ .
إن الإرجافُ ممنوعٌ شرعاً ، رخيصٌ طبعاً ، ولا يمارسُه إلاَّ أناسٌ مفلسون من القيمِ الحيَّةِ والمبادئِ الربانيَّةِ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ﴾.
أجلِسْقلبَكَ على كرسيّه ، فأكثرُ ما يخافُ لا يكونُ ، ولك قبْلَ وقوع ما تخافُوقوعه أن تقدِّرَ أسوأ الاحتمالاتِ ، ثم توطِّن نفسكِ على تقبُّل هذاالأسوأ ، حينها تنجو من التكهُّناتِ الجائرةِ التي تمزّقُ القلب قبلَ أنْيَقَعَ الحَدَثُ فَيَبْقَى .
فياأيُّها العاقلُ النَّابهُ : أعطِ كلَّ شيء حجمَهُ ، ولا تضخِّم الأحداثوالمواقفَ والقضايا ، بل اقتصدْ واعدلْ والبغضِ في الحديث : (( أحبب حبيبَك هوْناً ما ، فعسى أن يكون بغيضَكَ يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوْناً ما ، فعسى أن يكون حبيبكَ يوماً ما )) ﴿عَسَىاللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُممَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
إنَّ كثيراً من التخويفات والأراجيف لا حقيقة لها .


فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:38 PM

الحزنُ ليس مطلوباً شرعاً ، ولا مقصوداً أصلاً

فالحزنُ منهيٌّ عنهُ قوله تعالى : ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا . وقولِه : ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾في غيْرِ موضعٍ . وقوله : ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا﴾. والمنفيُّ كقوله : ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . فالحزنُ خمودٌ لجذْوَةِ الطلبِ ، وهُمودٌ لروحِ الهمَّةِ ، وبرودٌ في النفسِ ، وهو حُمَّى تشلُّ جسْمَ الحياةِ .
وسرُّذلك : أن الحزن مُوَقِّفٌ غير مُسَيّر ، ولا مصلحة فيه للقلب ، وأحبُّشيءٍ إلى الشيطان : أن يُحْزِن العبد ليقطعهُ عن سيرِه ، ويوقفه عن سلوكِه، قال الله تعالى :﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ . ونهى النبيُّ r : (( أن يَتَناجَى اثنانِ منهم دون الثالثِ ، لأن ذلك يُحْزِنُه )) . وحُزْنُ المؤمنِ غيْرُ مطلوبٍ ولا مرغوبٍ فيه لأنَّهُ من الأذى الذي يصيبُ النفس ، وقد ومغالبتُه بالوسائلِ المشروعةِ .
فالحزنُ ليس بمطلوبٍ ، ولا مقصودٍ ، ولا فيه فائدةٌ ، وقدِ استعاذ منه النبيُّ r فقال : (( اللهمَّ إني أعوذُ بك من الهمِّ والحزنِ ))فهو قرينُ الهمِّ ، والفرْقُ ، وإنّ كان لما مضى أورثه الحُزْنَ ، وكلاهما مضعِفٌ للقلبِ عن السيرِ ، مُفتِّرٌ للعزمِ .
والحزنُتكديرٌ للحياةِ وتنغيصٌ للعيشِ ، وهو مصلٌ سامٌّ للروحِ ، يورثُها الفتوروالنكَّدَ والحيْرَة ، ويصيبُها بوجومٍ قاتمٍ متذبِّلٍ أمام الجمالِ ،فتهوي عند الحُسْنِ ، وتنطفئُ عند مباهج الحياةِ ، فتحتسي كأسَ الشؤموالحسرةِ والألمِ .
ولكنَّ نزول منزلتِهِ ضروريٌ بحسبِ الواقعِ ، ولهذا يقولُ أهلُ الجنةِ إذا دخلوها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَفهذا يدلُّ على أنهمْ كان يصيبُهم في الدنيا الحزنُ ، كما يصيبهُم سائرُالمصائبِ التي تجري عليهم بغيرِ اختيارِهم . فإذا حلَّ الحُزْنُ وليسللنفسِ فيه حيلةٌ ، وليس لها في استجلابهِ سبيلٌ فهي مأجورةٌ على ماأصابها ؛ لأنه نوْعٌ من المصائبِ فعلى العبدِ أنْ يدافعه إذا نزلبالأدعيةِ والوسائلِ الحيَّةِ الكفيلةِ بطردِه .
وأما قوله تعالى : ﴿وَلاَعَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَاأَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِحَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ﴾.
فلمْيُمدحوا على نفسِ الحزنِ ، وإنما مُدحوا على ما دلَّ عليه الحزنُ من قوةِإيمانِهم ، حيث تخلَّفوا عن رسولِ اللهِ لِعجزِهم عن النفقِة ففيهِ تعريضٌبالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلُّفهم ، بل غَبَطُوا نفوسهم به .
فإنالحُزْن المحمود إنْ حُمِدَ بَعْدَ وقوعِهِ – وهو ما كان سببُه فوْت طاعةٍ، أو وقوع معصيةٍ – فإنَّ حُزْنَ العبدِ على تقصيرِهِ مع ربّه وتفريطِهِفي جَنْبِ مولاه : دليلٌ على حياتهِ وقبُولِهِ الهدايةَ ، ونورِهِواهتدائِهِ .
أما قولُه r في الحديثِ الصحيحِ : (( ما يصيبُ المؤمن من همِّ ولا نصب ولا حزن ، إلاَّ كفر اللهُ به من خطاياه )) . فهذا يدلُّ على أنه مصيبةٌ من اللهِ يصيبُ بها العبْدَ ، يكفّرُ بها منسيئاتِه ، ولا يدلُّ على أنه مقامٌ ينبغي طلبُه واستيطانُه ، فليس للعبدِأن يطلب الحزن ويستدعيّه ويظنُّ أنهُ عبادة ، وأنَّ الشارعَ حثَّ عليه ،أو أَمَرَ به ، أو رَضِيَهُ ، أو شَرَعَهُ لعبادِهِ ، ولو كان هذا صحيحاًلَقَطَعَ r حياتَهُ بالأحزانِ ، وصَرَفَهَا بالهمومِ ، كيفَ وصدرُهمُنْشَرِحٌ ووجهُه باسمٌ ، وقلبُه راضٍ ، وهو متواصلُ السرورِ ؟! .
وأما حديثُ هنْدِ بن أبي هالة ، في صفةِ النبيّ r : (( أنهُ كان متواصلَ الأحزانِ ))، فحديثٌ لا يثبُتُ ، وفي إسنادهِ من لا يُعرَفُ ، وهو خلاف واقعِهِ وحالِهِ .
وكيفيكونُ متواصلَ الأحزانِ ، وقد صانَهُ اللهُ عن الحزنِ على الدنيا وأسبابها، ونهاهُ عن الحزنِ على الكفارِ ، وغَفَرَ له ما تقدَّم من ذنبِهِ وماتأخَّرَ ؟! فمن أين يأتيهِ الحزنُ ؟! وكيفَ يَصلُ إلى قلبِهِ ؟! ومن أيالطرق ينسابُ إلى فؤادِهِ ، وهو معمورٌ بالذِّكرِ ، ريّانٌ بالاستقامةِ ،فيّاضٌ بالهداية الربانيةِ ، مطمئنٌّ بوعدِ اللهِ ، راض بأحكامه وأفعالِه؟! بلْ كانَ دائمَ البِشْرِ ، ضحوك السِّنِّ ، كما في صفته (( الضَّحوكالقتَّال)) ، صلوات الله وسلامه عليه . ومَن غاصَ في أخبارهِ ودقَّقَ فيأعماقِ حياتِهِ واسْتَجْلَى أيامَهْ ، عَرَفَ أنه جاءَ لإزهاقِ الباطلِودحْضِ القَلَقِ والهمِّ والغمِّ والحُزْنِ ، وتحريرِ النفوسِ من استعمارِالشُّبَهِ والشكوكِ والشِّرْكِ والحَيْرَةِ والاضطرابِ ، وإنقاذهِا منمهاوي المهالكِ ، فللهِ كمْ له على البَشَرِ من مِنَنٍ .
وأما الخبرُ المرويُّ : (( إن الله يحبُّ كلَّ قلب حزين ))فلا يُعرف إسنادُه ، ولا مَن رواه ولا نعلم صِحَّتَهُ . وكيف يكونُ هذاصحيحاً ، وقد جاءت الملَّةُ بخلافِهِ ، والشرعُ بنقْضِهِ؟! وعلى تقديرِصحتِهِ : فالحزنُ مصيبةٌ من المصائبِ التي يبتلي اللهُ بها عَبْدَهُ ،فإذا ابتُلي به العبدُ فصيرَ عليهِ أحبَّ صبرَه على بلائِهِ . والذينمدحوا الحزنَ وأشادوا بهِ ونسبُوا إلى الشرعِ الأمر به وتحبيذهُ ؛ أخطؤوافي ذلك ؛ بلْ ما ورد إلاَّ النهيَّ عنهُ ، والأمرُ بضدِّه ، من الفرحِبرحمةِ اللهِ تعالى وبفضلهِ ، وبما أنزل على رسولِ اللهِ r ، والسرورِبهدايةِ اللهِ ، والانشراحِ بهذا الخيرِ المباركِ الذي نَزَلَ من السماءِعلى قلوبِ الأولياءِ .
وأما الأثَرُ الآخَرُ : (( إذا أحبَّ اللهُ عبداً نَصَبَ في قلْبِهِ نائحةً ، وإذا أبغض عبداً جعلَ في قلبه مِزْماراً )) . فأثر إسرائيليٌّ ، قيل : إنه في التوراة . وله معنى صحيحٌ ، فإنَّالمؤمنَ حزينٌ على ذنوبهِ ، والفاجرُ لاهٍ لاعبٌ ، مترنِّمٌ فَرِحٌ . وإذاحصَلَ كسْرٌ في قلوبِ الصالحينَ فإنما هو لمِا فاتَهُم من الخيراتِ ،وقصّروا فيهِ من بلوغِ الدرجاتِ ، وارتكبوهُ من السيئاتِ . خلاف حزنِالعُصاةِ ، فإنَّهُ على فوتِ الدنيا وشهواتِها وملاذِّها ومكاسبِهاوأغراضِها ، فهمُّهُمْ وغمُّهُمْ وحزنُهُمْ لها ، ومن أجلِها وفي سبيلِها .
وأما قولُه تعالى عن نبيِّهِ (( إسرائيل )) : ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ : فهو إخبارٌ عن حالهِ بمصابِه بفقْدِ وِلدِهِ وحبيبِهِ ، وأنه ابتلاهُبذلك كما ابتلاهُ بالتفريق بينَهُ وبينَهُ . ومجرد الإخبارِ عن الشيءِ لايدلُّ على استحسانِ ه ولا على الأمرِ به ولا الحثِّ عليه ، بل أمرنا أنْنستعيذَ باللهِ من الحزنِ ، فإنَّهُ سَحَابَةٌ ثقيلةٌ وليل جاِثمٌ طويلٌ ،وعائقٌ في طريقِ السائرِ إلى معالي الأمور .
وأجمعأربابُ السلوكِ على أنَّ حُزْنَ الدنيا غَيْرُ محمودٍ ، إلا أبا عثمانالجبريَّ ، فإنهُ قالَ : الحزنُ بكلِّ وجهٍ فضيلةٌ ، وزيادةٌ للمؤمنِ ، مالمْ يكنْ بسببِ معصيةٍ . قال : لأنهُ إن لم يُوجبْ تخصيصاً ، فإنه يُوجبُتمحيصاً .
فيُقالُ : لا رَيْبَ أنهُ محنةٌ وبلاءٌ من اللهِ ، بمنزلةِ المرضِ والهمِّ والغَمِّ وأمَّا أنهُ من منازِلِ الطريقِ ، فلا .
فعليكَبجلب السرورِ واستدعاءِ الانشراحِ ، وسؤالِ اللهِ الحياةَ الطيبةَوالعيشةَ الرضيَّة ، وصفاءَ الخاطرِ ، ورحابة البالِ ، فإنها نِعمٌ عاجلة، حتى قالَ بعضُهم : إنَّ في الدنيا جنةً ، منْ لم يدخلها لم يدخلْ جنةَالآخرةِ .
واللهالمسؤولُ وَحْدَهْ أن يشرح صدورَنا بنورِ اليقينِ ، ويهدي قلوبنا لصراطِهِالمستقيمِ ، وأنْ ينقذنا من حياةِ الضَّنْكِ والضيِّقِ
.


فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:39 PM

فن السرور

منأعظمِ النعمِ سرورُ القلبِ ، واستقرارُه وهدوؤُهُ ، فإنَّ في سرورهِ ثباتُالذهنِ وجودةِ الإنتاجِ وابتهاجِ النفسِ ، وقالوا. إنّ السرورَ فنٌّيُدرَّسُ ، فمنْ عرفَ كيفَ يجلبُه ويحصلُ عليه ، ويحظى به استفادَ منمباهجِ الحياةِ ومسارِ العيشِ ، والنعمِ التي من بينِ يديْه ومن خلفِه. والأصلُ الأصيلُ في طلبِ السرورِ قوةُ الاحتمالِ ، فلا يهتزُّ من الزوابعِولا يتحرَّكُ للحوادثِ ، ولا ينزعجُ للتوافِهِ . وبحسبِ قوةِ القلبِوصفائِهِ ، تُشرقُ النَّفْسُ .
إنخَوَرَ الطبيعةِ وضَعْفَ المقاومةِ وجَزَعَ النفسِ ، رواحلُ للهمومِوالغمومِ والأحزانِ ، فمنْ عوَّد نفسَه التصبُّر والتجلُّدَ هانتْ عليهالمزعجاتُ ، وخفَّتْ عليهِ الأزماتُ .
إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا



فأهونُ ما تمرُّ به الوحولُ

ومنأعداءِ السرورِ ضيِقُ الأُفُقِ ، وضحالَةَ النظرةِ ، والاهتمامُ بالنفسفَحَسْبُ ، ونسيانُ العالمِ وما فيه ، واللهُ قدْ وصفَ أعداءَهُ بأنهمْ ﴿ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ ﴾،فكأن هؤلاءِ القاصرينَ يَرَوْن الكَوْنَ في داخلِهم ، فلا يفكّرونَ فيغيرِهِمْ ، ولا يعيشوَن لسواهُمْ ، ولا يهتمّونَ للآخرينَ . إنَّ عليَّوعليكَ أنْ نَتَشَاغَلَ عن أنفسِنَا أحياناً ، ونبتعد عن ذواتِنا أزماناًلِنَنْسَى جراحَنا وغمومَنا وأحزانَنا ، فنكسبَ أمرْين : إسعادَ أنفسنِا ،وإسعادَ الآخرين.
من الأصولِ في فنِّ السرورِ : أن تُلجمَ تفكيرَكَ وتعصمهَ ، فلا يتفلَّتُ ولا يهربُ ولا يطيشُ ، فإنكإنْ تركتَ تفكيرَكَ وشأنَهُ جَمَحَ وطَفَحَ ، وأعادَ عليكَ مَلفَّالأحزانِ وقرأَ عليكَ كتابَ المآسي منذُ ولدتْكَ أمُّكَ. إنَّ التفكيرَإذا شردَ أعادَ لك الماضي الجريحَ وجرجَرَ المستقبلَ المخيفَ ، فزلزلَأركانَك ، وهزّ كيانَك وأحرقَ مشاعرَك ، فاخطمْه بخطامِ التوجُّهِ الجادِّالمركّزِ على العملِ المثمرِ المفيدِ ، ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ .
ومن الأصول أيضاً في دراسةِ السرورِ : أنْ تُعطيَ الحياةَ قيمتَها ، وأنْ تُنزلَهَا منزلتها ، فهي لهْوٌ ، ولاتستحقُّ منكَ إلا الإعراضَ والصدودَ ، لأنها أمُّ الهجْرِ ومُرضِعةُالفجائعِ ، وجالبةُ الكوارثِ ، فمَنْ هذه صفتُها كيف يُهتمُّ بها ،ويُحزنُ على ما فات منها. صفُوها كَدَرٌ ، وبرقُها خُلَّبٌ ، ومواعيدُهاسرابٌ بقيِعةٍ ، مولودُها مفقودٌ ، وسيدُها محسودٌ ، ومنعَّمُها مهدَّدٌ ،وعاشقُها مقتولٌ بسيفِ غَدْرِها .
أًبَني أَبِينا نحنُ أهلُ منازلِ
أبداً غُرابُ البَيْنِ فيها يَنْعِقُ
نبكي على الدنيا وما مِنْ معشرٍ
جمعتْهُمُ الدنيا فلمْ يتفرَّقوا
أينَ الجَبَابِرَةُ الأكاسرةُ الأُلى
كَنَزْوا الكنوزَ فلا بقينَ ولا بَقُوا
مِن كلِّ مَنْ ضاقَ الفَضَاءُ بِعَيْشِه
حتىثَوى فحَوَاه لحدٌ ضَيِّقُ
خُرْسٌ إذا نُودوا كأنْ لمْ يعلمُوا
أنَّ الكلامَ لهم حَلاَلٌ مُطلَقُ
وفي الحديثِ : (( إنما العلمُ بالتعلُّمِ والحِلْمُ بالتحلُّمِ )) .
وفي فنِّ الآدابِ : وإنما السرورُ باصطناعِه واجتلابِ بَسْمَتِهِ ، واقتناصِ أسبابِهِ ، وتكلُّفِ بوادرِه ، حتى يكونَ طبْعاً .
إن الحياةَ الدُّنيا لا تستحقُّ منا العبوسَ والتذمُّرَ والتبرُّمَ .
حُكْمُ المنيَّةِ في البريةِ جارِي
ما هذهِ الدنيا بدارِ قرارِ
بينا تَرَى الإنسان فيها مُخْبِراً
ألفيْتَهُ خَبَراً مِن الأخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ،وأنتَ تريدُها
صَفْواً من الأقذارِ والأكدارِ
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضِدَّ طباعِها
مُتطلِّبٌ في الماء جُذْوَةَ نارِ

والحقيقةُالتي لا ريبَ فيها أنكَ لا تستطيعُ أنْ تنزعَ من حياتِكَ كلِّ آثارِالحزنِ ، لأنَّ الحياة َخُلقتْ هكذا ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِيكَبَدٍ ﴾، ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍنَّبْتَلِيهِ ﴾، ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾،ولكنَّ المقصودَ أن تخفّفُ من حزنِك وهمِّك وغمِّك ، أما قَطْعُ الحُزْنِبالكليَّةِ فهذا في جناتِ النعيمِ ؛ ولذلك يقولُ المنعمون في الجنة : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾. وهذا دليلٌ علىأنهُ لم يذهبْ عنهُ إلا هناكَ ، كما أنَّ كلَّ الغِلِّ لا يذهبُ إلا فيالجنةِ ، ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾، فمنْ عَرَفَحالةَ الدنيا وصفتها ، عَذَرَها على صدودِها وجفائِها وغَدْرِها ، وعَلِمَان هذا طبعُها وخلُقُها ووصفُها .
حلفتْ لنا أنْ لا تخون عهودَنا
فكأَّنها حَلَفَتْ لنا أنْ لا تَفِي

فإذاكانالحالُ ما وصفْنا ، والأمرُ ما ذكرنا ، فحرِيٌّ بالأريبِ النابِهِ أنْلا يُعينَها على نفسِه ، بالاستسلامِ للكدرِ والهمِّ والغمِّ والحزنِ ، بليدافعُ هذه المنغصاتِ بكلِّ ما أوتيَ من قوةٍ ، ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّااسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِعَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، ﴿ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِيسَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ ﴾
.


فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:40 PM

ابتســــــــــمْ
الضَّحِكُالمعتدلُبلْسَمٌ للهمومِ ومرهَمٌ للأحزانِ ، وله قوةٌ عجيبةٌ في فرحِالروحِ ، وجَذلِ القلْبِ ، حتى قال أبو الدرداء – رضي اللهُ عنه - : إنيلأضحك حتى يكونَ إجماماً لقلبي . وكان أكرمُ الناس r يضحكُ أحياناً حتىتبدو نواجذُه ، وهذا ضحكُ العقلاءِ البصراءِ بداءِ النفسِ ودوائِها .
والضحكذِروةُالانشراحِ وقِمَّةُ الراحةِ ونهايةُ الانبساطِ . ولكنه ضحكٌ بلاإسرافٍ : (( لا تُكثرِ الضحك ، فإنَّ كثرةَ الضحكِ تُميتُ القلبَ )) . ولكنه التوسُّط : (( وتبسُّمك في وجهِ أخيك صدقةٌ )) ، ﴿فَتَبَسَّمَضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا ﴾. ومن نعيمِ أهلِ الجنةِ الضحكُ : ﴿فَالْيَوْمَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾.
وكانتِالعربُ تمدحُ ضحوكَ السِّنِّ ، وتجعلُه دليلاً على سعةِ النفسِ وجودةِالكفِّ ، وسخاوةِ الطبعِ ، وكرمِ السجايا ، ونداوةِ الخاطرِ .
وقالَ زهيرٌ في (( هَرِم )) :
تراهُ إذا ما جئتَهُ متهلِّلاً



كأنكَ تعطيهِ الذي أنت سائلهُ

والحقيقةُأنَّ الإسلامَ بُنيَ على الوسطيةِ والاعتدالِ في العقائدِ والعباداتوالأخلاقِ والسلوكِ ، فلا عبوسٌ مخيفٌ قاتمٌ ، ولا قهقهةٌ مستمرةٌ عابثةٌلكنه جدٌّ وقورٌ ، وخفَّةُ روحٍ واثقةٍ .
يقول أبو تمام :
نفسي فداءُ أبي عليِّ إنهُ





صبحُ المؤمِّلِ كوكبُ المتأمِّلِ


فَكِهٌ يجمُّ الجدّ أحياناً وقدْ




ينضُو ويهزلُ عيشُ من لم يهزلِ

إن انقباضَ الوجهِ والعبوس علامةٌ على تذمُّرِ النفسِ ، وغليانِ الخاطرِ ، وتعكُّرِ المزاجِ ﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾ .
* «
ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلْق ».
يقولُ أحمد أمين في « فيْضِ الخاطرِ » : ((ليس المبتسمون للحياة أسعدَ حالاً لأنفسِهِمْ فقط ، بلْ هم كذلك أقدرُعلى العملِ ، وأكثرُ احتمالاً للمسؤوليةِ ، وأصلحُ لمواجهةِ الشدائدِومعالجةِ الصعابِ ، والإتيانِ بعظائمِ الأمورِ التي تنفعهُمْ وتنفعُ الناس .
لو خُيِّرتُبين مالٍ كثيرٍ أو منصبٍ خطيرٍ ، وبين نفسٍ راضيةٍ باسمةٍ ، لاخترتُالثانيةَ ، فما المالُ مع العبوسِ ؟! وما المنصبُ مع انقباضِ النفسِ ؟! وما كلُّ ما في الحياةِ إذا كان صاحبُه ضيِّقاً حرجاً كأنه عائدٌ من جنازةحبيبٍ؟! وما جمالُ الزوجة إذا عبستْ وقلبتْ بيتها جحيماً ؟! لخيرٌ منهاألفَ مرةٍ – زوجةٌ لم تبلغْ مبلغها في الجمالِ وجعلتْ بيتها جنَّةً .
ولاقيمةَ للبسمةَ الظاهرةِ إلا إذا كانتْ منبعثةً مما يعتري طبيعة الإنسانِمن شذوذ ، فالزهرُ باسِمٌ والغاباتُ باسمةٌ ، والبحارُ والأنهارُ والسماءُوالنجومُ والطيورُ كلُّها باسمةٌ . وكان الإنسانُ بطبعهِ باسماً لولا مايعرضُ له من طمعٍ وشرٍّ وأنانيةٍ تجعلُهُ عابساً ، فكان بذلك نشازاً فينغماتِ الطبيعةِ المنسجعةِ ، ومنْ اجلِ هذا لا يرى الجمال من عبستْ نفسُه، ولا يرى الحقيقةَ من تدنَّس قلبُه ، فكلُّ إنسانٍ يرى الدنيا من خلالعمِله وفكْرِه وبواعِثه ، فإذا كان العملُ طيباً والفكرُ نظيفاً والبواعثُطاهرةً ، كان منظارُه الذي يرى به الدنيا نقياً ، فرأى الدنيا جميلةً كماخُلقتْ ، وإلاَّ تغبَّشَ منظارُه، واسودَّ زجاجُه ، فرأى كلَّ شيء أسودمغبشاً.
هناكنفوسٌ تستطيعُ أن تصنع من كلِّ شيء شقاًء ، ونفوسٌ تستطيع أن تصنع من كلِّشيءٍ سعادةً ، هناك المرأةُ في البيتِ لا تقعُ عينُها إلا على الخطأ ،فاليومُ أسودُ ، لأنَّ طبقاً كُسِر ، ولأن نوعاً من الطعامِ زاد الطاهي فيمِلْحِه ، أو لأنها عثرتْ على قطعةٍ من الورقِ في الحجرةِ ، فتهيجُ وتسبُّ، ويتعدَّى السبابُ إلى كلِّ منْ في البيتِ ، وإذا هو شعلةٌ من نارِ ،وهناك رجلٌ ينغِّصُ على نفسِه وعلى مَنْ حوله ، مِن كلمةٍ يسمعُها أويؤوِّلها تأويلاً سيِّئاً ، أو مِنْ عملٍ تافِهٍ حدثَ له ، أو حدثَ منه ،أو من رِبْحٍ خسِرهُ ، أو منْ رِبْحٍ كان ينتظرُه فلم يحدثُ ، أو نحو ذلك، فإذا الدنيا كلُّها سوداءُ في نظرِه ، ثم هو يسوِّدُها على منْ حوله . هؤلاء عندهمْ قدرةٌ على المبالغةِ في الشرِّ ، فيجعلون من الحبَّةِقُبَّةً ، ومن البذرةِ شجرةً ، وليس عندهمْ قدرةٌ على الخيرِ ، فلا يفرحونبما أُوتوا ولو كثيراً ، ولا ينعمون بما نالوا ولو عظيماً .
الحياةُفنٌّ ، وفنٌّ يُتَعلَّمُ ، ولخيرٌ للإنسانِ أن يَجِدَّ في وضعِ الأزهارِوالرياحينِ والحُبِّ في حياتهِ ، من أن يجدَّ في تكديسِ المالِ في جيبهِأو في مصرفِه . ما الحياةُ إذا وُجِّهتْ كلُّ الجهودِ فيها لجمعِ المالِ ،ولم يُوجَّهْ أيُّ جهدٍ لترقيةِ جانب الرحمةِ والحبِّ فيها والجمالِ ؟!
أكثرُالناسِ لا يفتحون أعينهُمْ لمباهجِ الحياةِ ، وإنما يفتحونها للدرهمِوالدينارِ ، يمرُّون على الحديقةِ الغنَّاءِ ، والأزهارِ الجميلةِ ،والماءِ المتدفِّقِ ، والطيورِ المغرِّدةِ ، فلا يأبهون لها ، وإنمايأبهون لدينارٍ يدخلُ ودينارٍ يخرجُ . قدْ كان الدينارُ وسيلةً للعيشةِالسعيدةِ ، فقلبوا الوضع وباعوا العيشة السعيدة من أجلِ الدينارِ ، وقدرُكِّبتْ فينا العيونُ لنظرِ الجمالِ ، فعوَّدناها ألا تنظر إلاَّ إلىالدينارِ .
ليسيعبِّسُ النفس والوجه كاليأسِ ، فإنْ أردت الابتسامُ فحارب اليأس . إنالفرصة سانحةً لك وللناسِ ، والنجاحُ مفتوحٌ بابُه لك وللناسِ ، فعوِّدْعقلك تفتُّح الأمل ، وتوقُّع الخيرِ في المستقبلِ .
إذااعتقدت أنك مخلوقٌ للصغيرِ من الأمورِ لمْ تبلغْ في الحياةِ إلا الصغير ،وإذا اعتقدت أنك مخلوقٌ لعظائمِ الأمورِ شعرت بهمَّةٍ تكسرُ الحدودوالحواجز ، وتنفذُ منها إلى الساحةِ الفسيحةِ والغرضِ الأسمى ، ومِصْداقُذلك حادثٌ في الحياةِ الماديةِ ، فمنْ دخل مسابقة مائةِ مترٍ شعر بالتعبِإذا هو قطعها ، ومن دخل مسابقة أربعمائِةِ مترٍ لمْ يشعرْ بالتعبِ منالمائةِ والمائتينِ . فالنفسُ تعطيك من الهمَّةِ بقدرِ ما تحدِّدُ منالغرضِ . حدِّدْ غرضك ، وليكنْ سامياً صعْب المنالِ ، ولكنْ لا عليك فيذلك ما دمت كلَّ يومٍ تخطو إليه خطواً جديداً . إنما يصدُّ النفسويعبِّسَها ويجعلُها في سجنٍ مظلمٍ : اليأسُ وفقدانُ الأملِ ، والعيشةُالسيئةُ برؤيةِ الشرورِ ، والبحثِ عن معايبِ الناسِ ، والتشدُّقِ بالحديثِعن سيئاتِ العالمِ لا غير .
وليسيُوفَّقُ الإنسانُ في شيء كما يُوفَّقُ إلى مُرَبٍّ ينمّي ملكاتهِالطبيعيةِ ، ويعادلُ بينها ويوسِّعُ أفقه ، ويعوِّدهُ السماحةَ وسَعةَالصدرِ ، ويعلِّمهُ أن خَيْرَ غرضٍ يسعى إليهِ أن يكونَ مصدرَ خيرٍ للناسبقدرِ ما يستطيعُ ، وأنْ تكون نفسُه شمساً مشعَّةً للضوءِ والحبِّ والخيرِ، وأنْ يكون قلبُه مملوءاً عطفاً وبراً وإنسانية ، وحباً لإيصالٍ الخيرِلكلِّمن اتصل به .
النفسُالباسمةُ ترى الصعابَ فيلذُّها التغلُّبُ عليها ، تنظرُها فتبسَّم ،وتعالجها فتبسمْ ، وتتغلبْ عليها فتبسمْ ، والنفسُ العابسةُ لا ترى صعاباًفتخلفها ، وإذا رأتْها أكبرتْها واستصغرتْ همَّتها وتعلَّلتْ بلو وإذاوإنْ . وما الدهرُ الذي يلعنُه إلا مزاجُه وتربيتُه ، إنه يؤدُّ النجاح فيالحياةِ ولا يريدُ أن يدفع ثمَنَهُ ، إنه يرى في كلِّ طريق أسداً رابضاً ،إنه ينتظرُ حتى تمطرَ السماءُ ذهباً أو تنشقَّ الأرضُ عن كَنْزٍ .
إنالصعابَ في الحياةِ أمورٌ نسبيةٌ ، فكلُّ شيءٍ صَعْبٌ جداً عند النفسِالصغيرةِ جداً ، ولا صعوبة عظيمةً عند النفسِ العظيمةِ ، وبينما النفسُالعظيمةُ تزداد عظمةً بمغالبةِ الصِّعابِ إذا بالنفوس الهزيلةِ تزدادُسقماً بالفرارِ منها ، وإنما الصعابُ كالكلبِ العقورِ ، إذا رآك خفت منهُوجريْتَ ، نَبَحَكَ وعدا وراءك ، وإذا رءاك تهزأُ به ولا تعيره اهتماماًوتبرقُ له عينك ، أفسح الطريق لك ، وانكمش في جلدِه منك .
ثمَّلا شيء أقتلُ للنفسِ من شعورِها بضَعَتِها وصِغَرِ شأنِها وقلَّةِ قيمتهِا، وأنها لا يمكنُ أن يصدر عنها عملٌ عظيمٌ ، ولا يُنتظرُ منها خيرٌ كبيرٌ . هذا الشعورُ بالضَّعةِ يُفقِدُ الإنسان الثقة بنفسِه والإيمان بقوتِها ،فإذا أقدم على عملٍ ارتاب في مقدرتِه وفي إمكانِ نجاحِه ، وعالجه بفتورٍففشِلَ فيهِ . الثقةُ بالنفس فضيلةٌ كبرى عليها عمادُ النجاحِ في الحياةِ، وشتَّان بينها وبين الغرورِ الذي يُعدُّ رذيلةً ، والفرقُ بينهما أنَّالغرور اعتمادُ النفسِ على الخيالِ وعلى الكِبْرِ الزائفِ ، والثقةُبالنفس اعتمادُها على مقدرتِها على تحمُّلِ المسؤوليةِ ، وعلى تقويةِملكاتِها وتحسينِ استعدادِها)).
يقول إيليا أبو ماضي :
قالَ : « السماءُ كئيبةٌ ! » وتجهَّما
قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهُّمُ في السما !
قالَ : الصِّبا ولَّى ! فقلتُ لهُ : ابتسمْ
لن يُرجعَ الأسفُ الصبِّا المتصرِّما !
قالً : التي كانتْ سمائي في الهوى
صارتْ لنفسي في الغرامِ جهنَّما
خانتْ عهودي بعدما ملَّكتُها
قلبي ، فكيف أُطيقُ أن أتبسَّما !
قلتُ : ابتسمْ واطربْ فلوْ قارنْتَها
قضَّيْتَ عمركَ كلَّه متألمَّا !
قالَ : التِّجارةُ في صراعٍ هائلٍ
مثلُ المسافرِ كاد يقتلهُ الظَّما
أو غادةٍ مسْلولةٍ محتاجةٍ
لدمٍ ، وتنفُثُ كلمَّا لهثتْ دَمَا !
قلتُ : ابتسمْ ، ما أنت جالبَ دائها
وشِفائها ، فإذا ابتسمت فربَّما ..
أيكونُ غيرُك مجرماً ، وتبيتُ في
وجلٍ كأنك أنت صرت المُجْرما ؟
قال : العِدى حولي علتْ صيحاتُهُمْ
أَأُسَرُّ والأعداءُ حولي في الحِمَى ؟
قلتُ : ابتسمْ لم يطلبوك بذمِّهمْ
لو لم تَكُنْ منهمْ أجلَّ وأعظما !
قال : المواسمُ قد بدتْ أعلامُها
وتعرَّضتْ لي في الملابسِ والدُّمى
وعليَّ للأحبابِ فرضٌ لازمٌ
لكنّ كفِّي ليسَ تملكُ درهما
قلتُ : ابتسمْ يكفيك أنَّك لم تزلْ
حياً ، ولستَ من الأحبَّةِ مُعدما !
قال : الليالي جرَّعتني علقماً
قلتُ : ابتسمْ ، ولئنْ جُرِّعتَ العلقما
فلعلِّ غيركَ إن رآك مرنِّماً
طَرَحَ الكآبة جانباً وترنَّما
أتُراك تغنمُ بالتبرُّمِ درهماً
أم أنت تخسرُ بالبشاشةِ مغنما ؟
يا صاحِ لا خطرٌ على شفتيك أنْ
تتثلَّما ، والوجهِ أنْ يتحطَّما
فاضحكْ فإنَّ الشّهْبَ تضحكُ والدّ
جى متلاطِمٌ ، ولذا نحبُّ الأنجُما !
قال : البشاشةُ ليس تُسعِدُ كائناً
يأتي إلى الدنيا ويذهبُ مُرْغَما
قلت : ابتسم مادام بينك والردَّى
شبرٌ ، فإنَّك بعدُ لنْ تتبسَّما
ماأحوجنا إلى البسمةِ وطلاقةِ الوجهِ ، وانشراحِ الصَّدْرِ وأريحيّةِالخُلُقِ ، ولطفِ الروحِ ولينِ الجانبِ ، ((إنَّ الله أوحى إليَّ تواضعوا، حتى لا يبغي أحدٌ على أحدٍ ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ ))

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:41 PM

دعِ القَلَقَ

لا تحزنْ ، فإنَّ ربك يقولُ :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾: وهذا عامٌّ لكلِّ من حمَلَ الحقَّ وأبصرَ النورَ ، وسلَكَ الهُدَى .
﴿أَفَمَنشَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِفَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾: إذاً فهناك حقٌّ يشرحُ الصدور ، وباطلٌ يقسِّيها .
﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾: فهذا الدينُ غايةٌ لا يصلُ إليها إلا المسدَّد .
﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾: يقولُها كلُّ منْ يتيقَّنَ رعاية اللهِ ، وولايته ولطفه ونصرَه.
﴿الَّذِينَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْفَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُوَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾: كفايتُه تكفيك ، وولايتُه تحميك .
﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَالْمُؤْمِنِينَ ﴾: وكلُّ منْ سلك هذهِ الجادَّة حصل على هذا الفوزِ .
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾: وما سواهُ فميِّتٌ غَيْرُ حيٍّ ، زائلٌ غَيْرُ باقٍ ، ذليلٌ وليس بعزيزٍ .
﴿وَاصْبِرْوَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْوَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ{127} إِنَّ اللّهَ مَعَالَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾: فهذهِ معيتهُالخاصةُ لأوليائِهِ بالحفظِ والرعايةِ والتأييدِ والولايةِ ، بحسبِتقواهمْ وجهادِهمْ .
﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: علوّاً في العبوديةِ والمكانةِ .
﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾.
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾.
وهذا عهدٌ لنْ يخْلَفَ ، ووعدٌ لنْ يتأخَّرَ .
﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44}فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾.
﴿ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
لا تحزنْ وقدِّرْ أنكَ لا تعيشُ إلا يوماً واحداً فَحَسْبُ ، فلماذا تحزنُ في هذا اليومِ ، وتغضبُ وتثورُ ؟!
في الأثرِ : (( إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ )) .
والمعنى : أن تعيشَ في حدودِ يومِك فَحَسْبُ ، فلا تذكرِ الماضي ، ولا تقلقْ من المستقبلِ . قال الشاعرُ :

ما مضى فاتَ والمؤمَّل غَيْبٌ
ولك الساعةُ التي أنت فيها

إنَّالاشتغالَ بالماضي ، وتذكُّرَ الماضي ، واجترار المصائبِ التي حدثتْ ومضتْ، والكوارثَ التي انتهتْ ، إنما هو ضَرْبٌ من الحُمْقِ والجنونِ .
يقول المَثَلُ الصينيُّ : لا تعبرْ جِسْراً حتى تأتيَه.
ومعنى ذلك : لا تستعجلِ الحوادثَ وهمومَها وغمومَها حتى تعيشَها وتدركَها .
يقولُ أَحَدُ السلفِ : يا ابن آدمَ ، إنما أنتَ ثلاثةُ أيامٍ : أمسُكَ وقدْ ولَّى ، وغدُكَ ولمْ يأتِ ، ويومُك فاتقِّ اللهَ فيه .
كيفيعيشُ منْ يحملُ همومَ الماضي واليومِ والمستقبلِ ؟! كيف يرتاحُ منْيتذكرُ ما صار وما جرى ؟! فيعيدهُ على ذاكرتِهِ ، ويتألمُ لهُ ، وألمُه لاينفعُه ! .
ومعنى : (( إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ )): أيْ : أن تكونُ قصيرَ الأملِ ، تنتظرُ الأجَلَ ، وتُحْسِنُ العَمَلَ ، فلاتطمحْ بهمومك لغيرِ هذا اليومِ الذي تعيشُ فيه ، فتركّزَ جهودكَ عليه ،وتُرتِّبَ أعمالَكَ ، وتصبَّ اهتمامَك فيهِ ، محسِّناً خُلقَكَ مهتمّاًبصحتِك ، مصلحاً أخلاقَكَ مع الآخرين .
************

وقـفــةٌ

لا تحزنْ :لأنَّ القضاءَ مفروغٌ منهُ ، والمقدورُ واقعٌ ، والأقلامُ جَفَّتْ ،والصحفُ طُويتْ ، وكلُّ أمرٍ مستقرٌّ ، فحزنُك لا يقدِّمُ في الواقعِشيئاً ولا يؤخِّرُ ، ولا يزيدُ ولا يُنقِصُ .
لا تحزنْ :لأنك بحزنِك تريدُ إيقافَ الزمنِ ، وحبسَ الشمسِ ، وإعادةَ عقاربِ الساعةِ ، والمشيَ إلى الخلفِ ، وردَّ النهرِ إلى منبعِهِ .
لا تحزنْ :لأنَّ الحزَنَ كالريحِ الهوْجاءِ تُفسدُ الهواءَ ، وتُبعثرُ الماءَ ،وتغيِّرُ السماءَ ، وتكسرُ الورودَ اليانعة في الحديقةِ الغنَّاءِ .
لا تحزنْ :لأنَّ المحزون كالنهرِ الأحمقِ ينحدرُ من البحرِ ويصبُّ في البحرِ ،وكالتي نقضتْ غزلها من بعدِ قوةٍ أنكاثاً ، وكالنافِخِ في قربةٍ مثقوبةٍ ،والكاتبِ بإصبعهِ على الماءِ .
لا تحزنْ :فإنَّ عمركَ الحقيقيَّ سعادتُك وراحةُ بالِك ، فلا تُنفقْ أيامكَ فيالحزْنِ ، وتبذِّرْ لياليَك في الهمِّ ، وتوزِّع ساعاتِك على الغمومِ ولاتسرفْ في إضاعةِ حياتِك ، فإنَّ الله لا يحبُّ المسرفين .
*************


أحسن إلى الناس

فإنَّ الإحسانَ على الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ . وفي حديثٍ صحيح : (( إنَّ الله يقولُ لعبدهِ وهو يحاسبُهُ يوم القيامةِ : يا ابنَّ آدم ، جعتُولم تطعمْني . قال : كيف أطعمُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمتأنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ جاع فما أطعمْتهُ ، أما إنكَ لو أطعمْتَهُ وجدتَذلك عندي . يا ابن آدم ، ظمئتُ فلمْ تسقني . قال : كيف أسقيك وأنت ربُّالعالمينَ! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ ظمِئَ فما أسقيته ،أما إنَّك لوْ أسقيته وجدْت ذلك عندي . يا ابن آدم ، مرضْتُ فلم تعُدني . قال : كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمْت أنَّ عبدي فلانابن فلانٍ مرض فما عدْتَهُ ، أما إنك لوْ عدتهْ وجدتني عندهُ ؟! )) .
هنالفتةٌ وهي وجدتني عندهُ ، ولم يقلْ كالسابقتين : وجدته عندي ؛ لأنَّ اللهعند المنكسِرة قلوبُهم ، كالمريض . وفي الحديثِ : (( في كلِّ كبدٍ رطبةٍأجرٌ )) . واعلمْ أنَّ أدخل امرأةً بغِيّاً منْ بني إسرائيل الجنة ، لأنها سقتْكلباً على ظمأ . فكيف بمنْ أطعمَ وسقى ، ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ ؟!
وقدْصحَّ عنهُ r أنهُ قال : (( مَنْ كان لهُ فضلُ زادٍ فليَعُد بهِ على مَنْلا زاد لهُ ، ومنْ كان له فضلُ ظهْرٍ فليعدْ بهِ على منْ لا ظهر لهُ )) . أي ليس لهُ مركوبٌ .
وقدْ قال حاتمٌ في أبياتٍ لهُ جميلةٍ ، وهو يُوصِي خادمهُ أنْ يلتمس ضيفاً يقولُ:

أوقدْ فإنَّ الليل ليلٌ قرُّ
إذا أتى ضيفٌ فأنت حُرُّ

ويقول لامرأته :

إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ
أكيلاً فإني لستُ آكلُهُ وحدي

وقال أيضاً :

أماويَّ إنَّ المال غادٍ ورائحٌ
ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذِّكْرُ
أماويَّ ما يُغني الثراءُ عنِ الفتى
إذا حشرجتْ يوماً وضاق بها الصدرُ


ويقول :

فما زادنا فخراً على ذي قرابةٍ
غِنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقْرُ

وقال عروةُ بنُ حزامٍ :

أتهزأُ مني أن سمنِت وأن ترى
بوجهي شحوب الحقِّ والحقُّ جاهدُ
أوزِّعُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحْسو قراح الماءِ والماءُ باردُ

وكانابنُ المباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ ، فكان يبدأ فيُطعم اليهوديَّ قبل أبنائهِ، ويكسوه قبل أبنائِه ، فقالوا لليهوديِّ : بعنا دارك . قال : داري بألفيْدينارٍ ، ألفٌ قيمتُها ، وألفٌ جوارُ ابن المباركِ ! . فسمع ابن المباركِبذلك ، فقال : اللهمَّ اهدِهِ إلى الإسلامِ . فأسلم بإذنِ اللهِ !.
ومرَّابنُ المبارك حاجّاً بقافلةٍ ، فرأى امرأةً أخذتْ غُراباً مْيتاً منمزبلةٍ ، فأرسلَ في أثرِها غلامه فسألها ، فقالتْ : ما لنا منذُ ثلاثةِأيامٍ إلا ما يُلقى بها . فدمعتْ عيناهُ ، وأمر بتوزيعِ القافلةِ فيالقريةِ ، وعاد وترك حجّته تلك السنةِ ، فرأى في منامِهِ قائلاً يقولُ : حجٌّ مبرورٌ ، وسعيٌ مشكورٌ ، وذنبٌ مغفورٌ .
ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾.
وقالَ أحدُهُمْ :

إني وأنْ كنتُ امرأً متباعداً
عن صاحبي في أرضهِ وسمائِهِ
لمفيدهُ نصري وكاشفُ كَرْبهِ
ومجيبُ دعوتِه وصوتُ ندائِه
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لمْ أقلْ
يا ليت أنَّ علىَّ فضلَ كسائِهِ

يا للهِ ما أجملَ الخلُقَ ! وما أجلَّ المواهبَ ! وما أحسن السجايا !
لا يندمُ على فعْلِ الجميلِ احدٌ ولو أسرف ، وإنما الندمُ على فعلِ الخطأ وإنْ قلَّ .
وقال أحدُهُمْ في هذا المعنى :
الخيرُ أبقى وإنْ طال الزمانُ بهِ
والشرُّ أخبثُ ما أوْعَيْتَ مِنْ زَادِ

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:41 PM

قواعد في السعادة


1.اعلمْ أنك إذا لم تعِشْ في حدودِ يومِك تشتَّت ذهنُك ، واضطربتْ عليك أمورُك ، وكثرتْ همومُك وغمومُك ، وهذا معنى : (( إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظرِ الصباح )) .
2.انْس الماضي بما فيه ، فالاهتمامُ بما مضى وانتهى حُمْقٌ وجنونٌ .
3.لا تشتغلْ بالمستقبلِ ، فهو في عالمِ الغيبِ ، ودعِ التفكرَ فيه حتى يأتي .
4.لا تهتزَّ من النقدِ ، واثبتْ ، واعلمْ أنَّ النقد يساوي قيمَتَكَ .
5.الإيمانُ باللهِ ، والعملُ الصالحُ هو الحياةُ الطيبةُ السعيدةُ .
6.من أراد الاطمئنان والهدوء والراحةَ ، فعليه بذكرِ اللهِ تعالى .
7.على العبدِ أن يعلم أنَّ شيءٍ بقضاء وقدرٍ .
8.لا تنتظرْ شكراً من أحدٍ .
9.وطَِنْ نفسك على تلقِّي أسوأ الفروضِ .
10.لعلَّ فيما حصل خيراً لك .
11.كلُّ قضاءٍ للمسلمِ خيرٌ له .
12.فكِّرْ في النعمِ واشكرْ .
13.أنت بما عندك فوق كثيرٍ من الناسِ .
14.من ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ .
15.بالبلاءِ يُسْتَخْرَجُ الدعاءُ .
16.المصائبُ مراهمُ للبصائرِ وقوَّةٌ للقلبِ .
17.إنَّ مع العُسْرِ يُسْراً .
18.لا تقضِ عليك التوافِهُ .
19.إن رَّبك واسعُ المغفرةِ .
20.لا تغضبْ ، لا تغضبْ ، لا تغضبْ .
21.الحياةُ خبزٌ وماءٌ وظلٌّ ، فلا تكترثْ بغير ذلك .
22.﴿وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ .
23.أكثر ما يٌخافْ لا يكونُ .
24.لك في المصابين أُسوةٌ.
25.إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهُمْ .
26.كَرِّرْ أدعيةَ الكَرْبِ .
27.عليك بالعملِ الجادِّ المثمرِ ، واهجرِ الفراغ .
28.اتركِ الأراجيف ، ولا تصدقْ الشائعاتِ .
29.حقدُكَ وحرصُك على الانتقامِ يضُرُّ بصِحَّتِكَ أكثر مما يَضُرُّ الخصّمُ .
30.كلُّ ما يصيبك فهو كفَّارةٌ للذنوبِ .

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:42 PM

وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ

إنّ من أسباب السعادة : الانقطاع إلى مطالعة الكتاب ، والاهتمام بالقراءة ، وتنمية العقلِ بالفوائدِ .
والجاحظ يُوصِك بالكتاب والمطالعة ، لتطرد الحزن عنك فيقول :
والكتابهو الجليسُ الذي لا يُطرِيك ، والصديقُ الذي لا يُغرِيك ، والرفيقُ الذيلا يَمَلُّك ، والمستميحُ الذي لا يستريثك ، والجارُ الذي لا يستبطيك ،والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملقِ ، ولا يعاملُك بالمكْر ،ولا يخدعُك بالنفاق ، ولا يحتالُ لك بالكذِبِ .
والكتابهو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك ، وشحذ طباعك ، وبسط لسانك ، وجوَّ بنانك، وفخَّم ألفاظك ، وبحبح نفسك ، وعمَّرَ صدرك ، ومنحك تعظيم العوامِّ ،وصداقة الملوك ، وعرفت به شهرٍ ما لا تعرفه من أفواهِ الرجال في دهْرٍ ،مع السلامة من الغُرْمِ ، ومن كدِّ الطلب ، ومن الوقوفِ ببابِ المكتسببالتعليم ، ومن الجلوس بين يدي مَن أنت أفضلُ منه خُلُقاُ ، وأكرمُ منهعِرقاً ، ومع السلامة من مجالسة البغضاء ، ومقارنة الأغنياء .
والكتابهو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ، ويطيعك في السفر كطاعته في الحضَرِ، ولا يعتلُّ بنومٍ ، ولا يعتريهِ كَلَلُ السهرِ ، وهو المعلِّمُ الذي إنافتقرت إليه لم يخْفِرْك ، وإن قطعت عنه المادة لم يقطعْ عنك الفائِدةَ ،وإن عزلته لم يدعْ طاعتك ، وإن هبَّت ريحُ أعاديك لم ينقلبْ عليك ، ومتىكنت معه متعلِّقاً بسبب أو معتصماً بأدنى حبْل كان لك فيه غنىً من غيره ،ولم تضرَّك معه وحشةُ الوحدة إلى جليسِ السوءِ ، ولو لم يكن من فضله عليكوإحسانه إليك إلاَّ منْعُه لك من الجلوس على بابِك ، والنظرُ إلى المارةبك . مع ما في ذلك من التعرُّض للحقوق التي تلزم ، ومن فضولِ النظرِ ، ومنعادةِ الخوْضِ فيما لا يعنيك ، ومن ملابسةِ صغارِ الناسِ ، وحضورِ ألفاظهمالساقطة ، ومعانيهم الفاسدة ، وأخلاقِهم الرديئة ، وجهالاتهم المذمومة . لكان في ذلك السلامةُ ثم الغنيمةُ ، وإحرازُ الأصل مع استفادةِ الفرْعِ ،ولو لم يكن في ذلك إلا أنه يشغلك عن سخف المُنى ، وعن اعتياد الراحةِ وعناللَّعبِ ، وكل ما أشبه اللعب ، لقد كان على صاحبه أسبغ النعمة وأعظمالمِنَّةَ .
وقدعلمنا أن أفضل ما يقطع به الفُرَّاغُ نهارهم ، وأصحاب الفكاهات ساعاتِليلهم : الكتابُ ، وهو الشيء الذي لا يُرى لهم فيه مع النيل أثر في ازديادتجربة ولا عقل ولا مروءة ، ولا في صوْن عِرض ، ولا في إصلاح دينٍ ، ولا فيتثمير مال ، ولا في رب صنيعةٍ ولا في ابتداءِ إنعامٍ .
*
أقوالٌ في فضل الكتاب :
وقال أبو عبيدة : قال المهلَّب لبنيه في وصيته : يا بَنِيَّ ، لا تقوموا في الأسواق إلا على زرَّاد أو ورَّاق .
وحدّثنيصديق لي قال : قرأتُ على شيخ شامي كتاباً فيه من مآثرِ غطفان ، فقال : ذهبتِ المكارم إلا من الكتب . وسمعتُ الحسن اللؤلؤي يقول: غبرتُ أربعينعاماً ما قِلتُ ولا بتُ ولا اتكأتُ ، إلا والكتاب موضوع على صدري .
وقالابن الجهم : إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم . وبئس الشيء النوم الفاضلعن الحاجة . تناولتُ كتاباً من كتب الحِكم ، فأجدُ اهتزازي للفوائد ،والأريحية التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة ، والذي يغشى قلبي من سرورالاستبانة ، وعزُّ التبين أشدُّ إيقاظاً من نهيقِ الحميرِ ، وهدَّةِالهَدْمِ .
وقالابنُ الجهم : إذا استحسنتُ الكتاب واستجدتُه ، ورجوتُ منه الفائدة ،ورأيتُ ذلك فيه ، فلو تراني وأنا ساعة بعد ساعة أنظرُ كم بقي من ورقةمخافة استنفاده ، وانقطاع المادة من قلبه ، وإن كان المصحفُ عظيم الحجمِكثير الورقِ كثير العددِ فقد تمَّ عيشي وكمل سروري .
وذكرالعتبي كتاباً لبعض القدماء فقال : لولا طولُه وكثرةُ ورقِهِ لنسختُه . فقال ابن الجهم : لكني ما رغَّبني فيه إلا الذي زهَّدك فيه ، وما قرأتُقطُّ كتاباً كبيراً فأخلاني من فائدة ، وما أحصي كم قرأتُ من صغار الكتبفخرجتُ منها كما دخلتُ ! .
وأجلُّ الكتب وأشرفها وأرفعها : ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.


* فوائد القراءة والمطالعة :
1.طردً الوسواسِ والهمِّ والحزنِ .
2.اجتنابُ الخوضِ في الباطلِ .
3.الاشتغالُ عن البطَّالين وأهلِ العطالةِ .
4.فتْقُ اللسان وتدريبٌ على الكلام، والبعدُ عن اللَّحْنِ، والتحلِّي بالبلاغةِ والفصاحةِ.
5.تنميةُ العَقْلِ ، وتجويدُ الذِّهْنِ ، وتصفيةُ الخاطِرِ .
6.غزارةُ العلمِ ، وكثرةُ المحفوظِ والمفهومِ .
7.الاستفادةُ من تجاربِ الناسِ وحكمِ الحكماءِ واستنباطِ العلماءِ .
8.إيجادُ المَلَكَةِ الهاضمةِ للعلومِ ، والمطالعةُ على الثقافات الواعية لدورها في الحياة .
9.زيادةُالإيمانِ خاصَّةً في قراءة كتبِ أهلِ الإسلامِ ، فإن الكتاب من أعظمالوعَّاظ ، ومن أجلِّ الزاجرين ، ومن أكبر الناهين ، ومن أحكمِ الآمرين .
10.راحةٌ للذِّهن من التشتُّتِ ، وللقلب من التشرذُمِ ، وللوقتِ من الضياعِ .
11.الرسوخُ في فَهْمِ الكلمةِ ، وصياغةِ المادةِ ، ومقصودِ العبارةِ ، ومدلولِ الجملةِ ، ومعرفةِ أسرارِ الحكمةِ .

فروحُ الروحِ أرواحُ المعاني
وليس بأنْ طعمت ولا شربتا


الساعة الآن 01:17 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى