منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 27 - 7 - 2010 07:09 PM

التوبة والاستغفار
 
عنوان الحلقة: التوبة
تقديم: علاء بسيوني
الحمدلله أن الله سبحانه وتعالى تكرم على خلقه بالتوبة والإستغفار وبالإستعداد به سبحانه وتعالى برحمته ومغفرته وحبه للعفو على من يعود ويرجع للمولى عز وجل. كثير من الناس يريد بعد أن إرتكب معصية صغيرة كانت أم كبيرة أن يتوب ويرجع إلى الله وأحياناً تكون هذه النية عند كثير من الناس.ولكن الواقع يبين أن ليس كل من تتوفر لديه هذه النية بالتوبة أو الإستغفار أو الإنابة والرجوع إلى الله يعلم كيف يتم ذلك هل يتوب أو يستغفر؟ ولو قرر التوبة فكيف يتوب؟؟ وهل سيتقبل الله مني؟؟؟ وكثير من الأحيان يتدخل الشيطان في هذا إما لكي يمنع التوبة أو يؤخرها فما هي الخطوات التي يجب أن تتبع إذا أخطأ الإنسان يتوب أو يستغفر؟؟ ويبدأ بأي منهما ؟؟ وما الفرق بينهما؟؟
هذا سؤال مُلِحّ: الفرق بين الإستغفار والتوبة فرق في تداخل إستخدام اللفظ أو شيوع إستخدامه. فأصل الكلمة يختلف عن شيوع إستخدامها.مثال ذلك من يرتكب الكبيرة ويقو ل أنه سيستغفر؟؟؟ وهذا لا يجوز فيجب أن نفهم الفرق بين الإثنين و أيهما أسبق و الذي يجب أن نكون عليه. والقرآن وضح في أكثر من موقف الفرق بينهما ومتى يكون الإستغفار ومتى تكون التوبة. ولكن سورة هود هي أقرب سورة لتصوير معرفة كل واقع لكل كلمة في الإستغفار والتوبة. المعصية التي تكون فيها كبائر تستوجب توبة. الإستغفار حالة متداخلة مع التوبة لأنها واقع حياة. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ياآيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة) و في رواية (أكثر من سبعين مرة) وكلمة سبعين عند العرب كلمة للتهويل ودلالة على كثرة العدد. في الآيات الثلاث الأولى من سورة هود توقيع نادر للقرآن من حيث توصيف المنهج وكنه الكتاب وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟. قال الله تعالى:( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ 3 هود) كتاب أحكمت آياته ثم فصلت...من لدن حكيم لأنها أحكمت وخبير لأنها فصلت. أحكمت. متى يكون البناء محكم؟ عندما لا يكون هنالك ثغرة فبه. والكلمة مأخوذة من إقامة البناء فكأن المنهج الذي أرسله إليك المولى عز وجل لا يوجد فيه أي ثغرة فلن يكون لك حجة يوم القيامة أن تقول بأنك لم تفهمه أو لم تنتبه له فأحكمت آياته ثم فصلت وبذلك لا أحد يستطيع أن يدعي الجهل أو عدم إداركه في الوقت الذي وصل البشر إلى أعلى درجات التقدم والعلم والتطور والتفاخر بهذا التطور والإختراق العلمي الهائل دون أن يعلموا أن هذا سيكون حجة عليهم فالذي و صل الى مثل هذه المرحلة أين هو من المنهج؟؟؟؟؟. الله تبارك و تعالى يقول:( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ 105 الإسراء) فالكتاب ينزل إلى السماء الدنيا مجمل بالترتيب الذي نقرأ به المصحف الآن...ثم من أول إقرأ نبدأ نأخذ من هذا الكتاب آيات بتفصيل معين يواكب الأحداث. فالجمع موجود أساساً لله رب العالمين بإحكام. فالترتيب الآن بمراد الله عز وجل. فالكتاب محكم. فالترتيب لا أحد يستطيع عمله والتوصيف لا أحد يستطيع قوله وتوقيع للأحداث منقطع النظير. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gifإتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتكم) وذلك في الشريعة فقط وليس المقصود علوم الدنيا والثقافة فقد قال صلى الله عليه و سلمhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gifأنتم أدرى بشؤون دنياكم). ما سكت عنه الشرع ولا يخالف عرف أو قاعدة عامة أو أخلاق أو آداب فلا بأس وهذه رحمة من الله تبارك وتعالى. كثير من الناس غير المتعلمين بل والمتعلمين أيضاً من يجد صعوبة في تدبر آيات القرآن و الفهم . والمشكلة ليست في القرآن ولكنها تكمن في الناس...فالمنهج واضح قال الله تعالى:( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ17 القمر) فالعيب يكمن إذاً في المدرك في المتلقي .والراسخون في العلم -في الآيات- لا تعني أنهم يعلمون. ولها معنى في التوقيع أن الراسخ في العلم يؤمن حتى لو لم يفهم. لأن حتى الراسخ في العلم ليس من المفترض أنه يحيط بعلم الأمور كلها. قال الله تعالى:( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 طه) وهذه هي حالنا الآن.الذي يتبع المنهج يستغفر من باب طلب معية الله وليس مغفرة ذنوب. ولكن هذا لا يعني انه لن يخطيء. قال المولى عز وجل:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ 32 النجم) فهذا واقع حال كل مسلم. فيجب أن تكون ملتصقاً بالمنهج وأول ما أن يصيبك بوادر معصية بوادر أو بُعد عن الله تبادر بالعودة إليه. قال تعالى:( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) فالذي يعيش في معية الله يكون في قمة الراحة فهو لا يراقب الناس ولا يحسد ولا ينم ولا يغتاب ولا يكذب فيشكر ويحمد في السراء ويشكر ويصبر في الضراء.
ونعود إلى سورة هود: من فضل الله علينا التفصيل والتفصيل أتى من الإحكام . فمن ضمن الإحكام أنه يفصل ويفهمه جميع الناس ولا يختلف عليه إثنان. وبعد أن نقرأ قوله عز وجل(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) نتوقع توجيه وهو ( ألا تعبدوا إلا الله) وهذا هو أول توجيه بعث به محمد صلى الله عليه وسلم التوحيد. الآيات التي تليها توضح وقوع أمر ما وهو الذي حصل منذ عهد آدم عليه السلام. هل آدم ساعة أمره الحق تبارك وتعالى بعدم الإقتراب من الشجرة قام بطرح التساؤلات لماذا؟؟ والإحتجاج؟ لا لم يحدث وهذا هو التوحيد (سمعنا و أطعنا). ولكن سيحصل أمر ما ولقد خلقنا الله على هذه الخلقة وهذه الطبيعة(أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) من واقع القرآن هل يحدث حساب يعقبه؟ إما نعيم وإما عذاب من غير رسالات (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً 15 الإسراء) وهذه قاعدة. ولذلك سنسأل يوم القيامة ألم يأتكم نذير؟؟؟ قالوا بلى. قال تعالى:(وأن إستغفروا ربكم ثم توبوا إليه).لو أن شخصاً في هذه الدنيا يحيى بلا أي مبالاة فلن يفطن إلى كلمة أستغفر الله..ثم حصل لهذا الشخص أنه سمع آخراً يقول أستغفر الله. فهو بنطقه للألف والسين والتاء علم أن هنالك إلهاً.بدليل أنك تقول أستغفره وأستغفر تعني طلب الستر والمغفرة من الله وما دمت عرفته فتُب إليه. فالتوبة لم تظهر إلا بعد الإستغفار لأن الألف والسين والتاء تدل على العلم بأن هنالك إلهاً وأنه يستغفر .ومادمت عرفته فإذهب إليه .ويعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل توبة هي التوبة عن توبة. فقد كان يتوب إلى الله رغم أنه معصوم ولكن يتوب عن توبة (فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مئة مرة) والتوبة إلى الله ليست الرجوع من معصية فقط لأن جمال معرفة الإله الحق بأن تبقى و تحيى في معيته. فالتوبة هي الرجوع فإذا تبت ورجعت إلى الله إياك أن ترجع من عنده بل إبقى في معيته.
قال تعالى:( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ 105 الإسراء) وتفسيره: وبالحق أنزلناه كتاباً مجملاً كما هو الآن إلى السماء الدنيا وبالحق نزل قرآناً يُقرأ ومنجّماً على مدار 23 سنة. ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ 106 الإسراء) فلو أخذنا مثال المجادلة: فهي لجأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول ليس لديه تشريع ولو أن الموقف إنتهى هكذا لظهر كثير من المكذبين يقولون ما الفائدة إذن؟؟؟ حتى سؤالها الرسول صلى الله عليه وسلم أتى من بعده تشريع فيقول المولى عز وجل:( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا 1 المجادلة) فهل معنى هذا إن الله تعالى قد سمع الآن؟؟ لا لأن الله سمعها قبل أن تقولها فهو الذي عز وجل قدرها من قبل أن تخلق ولذلك يجب أن نفهم ونضع الآيات على مدار(وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 29 التكوير) يجب أن يشاء الله لكي نستطيع أن نشاء.
التأويل (أم الكتاب وأخر متشابهات) تبيّن وظيفة البشر (فيتّبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله) هنالك شخص هدفه يكون أن يشرح لك القرآن ويفسره لكي تعمل الناس وآخريعيب القرآن فلكي يعيبه لن يبحث عن المحكم بل عن المتشابه ويدعي أنه يحاول أن يأوله ولا يعلم تأويل القرآن إلا الله قال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا 7 آل عمران) الراسخون في العلم مؤمنون حتى إذا لم يصلوا إلى حدود المعرفة المطلقة ومثال ذلك ما فعله الصديق رضي الله عنه في مسألة العروج فقد وقف موقفاً بين طرفي النقيض : الذي يقول أنه لن يفكر بهذا الموضوع ولن يستعرضه على عقله لكي لا يهزني و يخرجني من الإيمان والآخر كذب أما أبو بكر فقال بأنه يصدقه في ما وراء ذلك بخبر السماء يأتي به وحي فكيف أكذبه في هذا الأمر؟! فالأمر الذي يستعصي عل أي شخص ما فهمه لا يلغيه من عقله ولكن يؤمن به يوجه طاقته من طاقة المعرفة إلى طاقة الإيمان فأبو بكر رضي الله عنه طبق قوله تعالى(كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ).
قال تعالى (ويؤت كل ذي فضل فضله)المذنب يستغفر الله ويتوب إليه حتى يعفو عنه يبعد عن الذنب ومن المنطق البشري أن يقال: أعفو عنكم وأسامحكم لكنه تعالى أعطانا نتيجة أخرى: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى 3 هود) فما هو المتاع هنا؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر) فهل في السجن متاع؟ .والدنيا جنة الكافر وهذا ما نراه جميعاً فالكافر منطلق في الدنيا دون أي قيود أو حدود يفعل ما يريد وما تهوى نفسه لأن ليس لديه منهج يحكمه ولكن أُنظر لما بعد الدنيا فما عمر الدنيا بالنسبة للواحد منا؟100 120 150 ثم ماذا؟؟؟؟ فالمتاع الحسن ليس معناه أن تكون متمتعاً في الدنيا فأنت كأنك مسجون لأنك متبع لمنهج لا تقوم بأي أمر إلا بعد أن ترجع إلى المنهج فهذا مثل الحصار فهذه الحدود سجنتك ولكن أُنظر إلى ما بعد هذه الحدود..إنظر ساعة تخرج من الدنيا. فالمتاع هنا هو المتاع لما سيحدث بعد الأجل المسمى-أي الموت- فأنت تصبر في الدنيا لأجل نعيم أزلي نعيم مقيم و دائم فالإنسان الفطن يفطن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا من ممركم لمقركم) فعش في الدنيا على مراد الله فيك وإنتظر الوعد قال تعالى:( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ 35 الرعد) الوعد لا يكون أبداً إلا في شيء فوق التصور من الجمال ودائماً يكون بالخير غير العادي وهذا عكس الوعيد الذي يكون من الإيعاد وهو عكس الوعد فالمتاع هنا للمؤمن أنه وصل من قناعته برضى المولى عز وجل وإرضائه آناء الليل وأطراف النهار أنه حتى عندما يكون في ضيق يأخذه على أنه متاع لأنه رغم السجن الذي هو فيه إلا أنه راضي رب العالمين (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ 10 الزمر) لأنه صبر على هذا الضيق وهذا السجن قال تعالى:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي 30 الفجر) راضية رغم أنها كانت مريضة ومتعبة ومبتلاة وفقيرة وتاركة لجميع الملذات إلا أنه مع الضيق الذي كان يعيش فيه كأنه في متاع وفي نعيم لأن معية الله نعمة لا أحد يعرف قيمتها إلا الذي عاشها فلو أن أحد جرب أن يترك معصية إرضاءً لوجه الله تعالى فسوف يشعر بحلاوة الإيمان وحلاوة رضى المولى عز وجل التي تفوق لذة المعصية ويبقى السجن بالنسبة له متاع فإمنعوا أنفسكم عن المعاصي تعيشون في هذا المتاع والنعيم الذي نرى فيه الكفار يكون وقتياً (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ 20 الأحقاف) و لهذا هي جنة الكافر وكم سيعيشون في الدنيا؟؟؟؟ نوح عليه السلام الذي عمّر ألف سنة قال: ( الدنيا كأنها دار له بابان دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر). قال الله تعالى:( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى 123 طه) فمن إتبع هدى المولى عز وجل فلا يضل-لا يرتكب الكبائر ولا الفواحش-لأن الله يحميه ولا يشقى لا في الدنيا ولا الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 طه) الضنك هو الحياة غير السعيدة مع كل مقومات السعادة فهو لديه كل مقومات السعادة وغير سعيد .والنعيم ليس من سمات الدنيا. النعيم من سمات الآخرة فكل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هين. وأهم أمر أن مصيبتنا ليست في ديننا فالحمد لله رب العالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا:ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) فيجب علينا الإستغفار والتوبة فإذا كان المعصوم محمد صلى الله عليه و سلم يستغفر ويتوب وهو الذي غفر له ما تقدم له من ذنب و ما تأخر فما بالنا نحن؟ ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ 21 الأحزاب) فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يحمل هم الدنيا لأنها زائلة ولكنه كان يحمل هم الوقفة في اليوم الآخر اليوم الفيصل في ميزان كل البشرية.

ميارى 27 - 7 - 2010 07:11 PM

عنوان الحلقة: المفاهيم الأساسية للتوبة والإستغفار والعفو؟
تقديم علاء بسيوني
الألفاظ الثلاثة : التوبة والإستغفار والعفو لكل واحد منها مفهوم لكن نريد أن نقف على المفهوم الذي رسمه القرآن الكريم بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه).
أستغفر: عندما تدخل الألف والسين والتاء على فعل فهي تدل على الطلب، أستغفر بمعنى طلب المغفرة. والمغفرة هي ستر المولى عز وجل لنا وهذا أمر عام. عند بعض العلماء يقولون إذا أُمسِك بشخص يسرق فإعلم أنها ليست المرة الأولى لأن الله تعالى لا يفضحه من أول مرة. أستغفر يعني أطلب رصيد مغفرة والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعلها بعد الطاعات . من الرسول صلى الله عليه وسلم الإستغفار من إستغفار والتوبة: توبة عن توبة، أما منا نحن فلو علمنا طاعات نقول بعدها: أستغفر الله أي أطلب رصيد مغفرة من الله تعالى ليسترني ساعة الخطأ وبهذا الإستغفار نكون أقرب للتوبة. الإستغفار يقرّبك إلى التوبة لأن الذي يستغفر الله تعالى يعرف الله عز وجل فمن السهل عليه أن يتوب إليه ويرجع إليه. الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول ما ينتهي من صلاته يقول: أستغفر الله ثلاثاً بإطلاق لفظ الجلالة الجامع لكل صفات الجلال والجمال وهي تشمل الغفار والرزاق والوهاب والتواب والقوي وكل الأسماء التي نعرفها والتي لا نعرفها. وكذلك في دعاء الخروج من المنزل علّمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول: بسم الله، لم يقل بسم الرحمن أو بسم الرزاق لأننا عند خروجنا من البيت نحتاج لكل الصفات التي نعرفها والتي لا نعرفها. والرسول صلى الله عليه وسلم علّمنا إطلاق لفظ الجلالة في بعض المواقف (أستغفر الله، بسم الله) وحلاوة الإستغفار تكون بعد الطاعة. والرسول صلى الله عليه وسلم يعلّمنا سيّد الإستغفار " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " وهذا يدلّ على أن هناك صيغاً أخرى للإستغفار لكن هذا سيّد الإستغفار.
التوبة: تعني العودة. تاب أي رجع. حلاوة التوبة أن لا يكون بعدها رحيل الآخر وطالما رجعت إلى الله تعالى إبق معه إلزم وهذا مهم في أنه عندما أتوب إذا إستهنت بالمعصية فسوف أعود ثانية للمعصية وهو ما نسميه إدمان المعصية. علينا أن نعي أن الصغيرة سنحاسب عليها ولو إستحضرنا الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة والعقوبة لما عصينا. وقلنا سابقاً أن الشيطان ينجح أحياناً في أن يٌنسي العاصي لحظة المعصية عقوبة هذه المعصية وإلا لو إستحضر العاصي العقوبة لما أقدم على معصية. تذكر يوم القيامة وأنت تقف بين يدي الله تعالى فيسألك" عبدي لم جعلتني أهون الناظرين إليك؟ استحييت من الناس ولم تستح مني؟ للأسف الذي يرتكب ذنباً يحاول أن يستتر من الناس حتى لا يروه فيفضح أمره لكنه لا يستتر من الله والشيطان يضحك عليه ويقول له إن الله غفور رحيم لكنه سبحانه ليس غفوراً عن ضعف حاشاه وإنما (نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم).
إستطراد: في القرآن الكريم وردت (قل) للرسول صلى الله عليه وسلم إجابة عن أسئلة الناس لكن عندما يكون الحديث في موضوع الميزان الذي يحكم تصرفاتنا مع المولى عز وجل جاء بالفعل (نبّيء) لأن (قُل) تحمل الرسالة، والنبوءة عند محمد صلى الله عليه وسلم سابقة للرسالة (رسول الله وخاتم النبيين) فهو صلى الله عليه وسلم نبي قبل أن يكون رسولاً لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول. (نبّيء) أن الله تعالى غفور رحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم. حلاوة الغفران والعفو لأنه صاحب العذاب سبحانه. قال تعالى (فمن زُحرح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) جاء الفعل زُحزح بصيغة المبني للمجهول.أصل عملنا يُدخل النار وأُدخِل برحمة الله تعالى. مهما تفعل تقول يا رب تقبّل والذي يفعل هذا لا يقع في المعاصي بسهولة لأنه يستحضر الإله الحق في ذهنه في كل عمل ويخاف أن لا يقبله تعالى منه.
كيف نجعل الناس تفكر في عظمة الخالق وتبتعد عن المعاصي التي يظنونها صغيرة؟
يجب أن لا ننظر إلى صغر المعصية ولكن علينا أن ننظر إلى عظمة من تعصيه. وللأسف خلطت المفاهيم عند الناس فترى البعض يحترم أبوه ولا يدخّن أمامه لكنه لا يستتر من الله تعالى. يجب على الإنسان أن يخاف من ربه قبل أن يخاف من أبيه وعليه أن يٌعمل صفة الرقيب دائماً. أركان التوبة مهمة وأوّلها أن تستكبر الذنب مهما رأيته صغيراً لأن إستصغارك للذنب يجعلك تقع فيه مرات أخرى. أما لو حصلت عقوبة من أول مرة فلن يعيدها ثانية. هذا في الدنيا فما بالك بالآخرة التي عقوبتها لا يمكن الخروج منها وإنما هي عقوبة أبدية. طالما لا يوجد منهج توقّع ما لا تتصور. يجب علينا الرجوع إلى آيات سورة هود لأن فيها توجيهات إلهية محكمة بترتيب ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ 3 هود) كيف تبت؟ التوبة ليست مجرد كلمة وإنما أغتسل غسلاً خاصاً كما أغتسل من الجنابة وأصلّي ركعتين سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ركعتي التوبة وأبكي وأدعو الله تعالى أن يعافيني من الخطأ والمخاطر والمعاصي ويجب عليّ أن أعي ما أقول وليس مجرد ترديد كلام.
اللهم فُكّ وثاقنا من المعصية: الشيطان كأنه ربط العاصي في معصيته فيُدمن الإنسان على المعصية لأنه يستصغرها فكيف نفكّ هذا الوثاق؟
بالتوبة النصوح. لو فهم الإنسان معنى التوبة. الأصل طالما أن الله تعالى شرّع التوبة فيجب أن نفهم معناها. نرجع للمعصية الأولى معصية آدم. آدم بدأ بالسمع والطاعة (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه) يمكن أن نسيانك لصفات الله تعالى وإتّباعك لشهواتك يجعلك تعصي. التوبة معناها الرجوع إلى الله تعالى يعنى أن أصل الإنسان أن يكون في معيّة الله تعالى ثم يبتعد عنه بالمعاصي ولهذا عليه أن يرجع إليه سبحانه بالتوبة والرجوع والإنابة. من فضل الله تعالى علينا أن شرع التوبة لأنه توّاب سبحانه حتى من قبل خلق آدم بدليل (إنه هو التواب الرحيم).
قوله تعالى (فتلقى آدمُ من ربه كلمات فتاب عليه) المولى تعالى أرجع له الفضل (فتلقى آدمُ) لم يقل (آدمَ) رغم أننا نفهم أن الفضل من الله تعالى لأنه سبحانه هدى آدم للتوبة. لكن هل أنتظر التوبة من الله كما يقول البعض إذا دعوت فتاة إلى الحجاب تقول لما يهديني الله تعالى. علينا أن نفهم أنه بتلقي آدم للتوبة فكأنما تلقيناها نحن.البعض يقول نحن علينا ذنب مما فعل آدم ولهؤلاء نقول أن الله تعالى قال: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). وفي هذا الموضوع كثيرون يسألون أنا أصوم ولا أصلي فهل صيامي مقبول؟ أقول لهؤلاء إذا كان صيامك صحيحاً فهو مقبول وكل مسألة لوحدها ولا تزر وازرة وزر أخرى. الملائكة تكتب كل عمل لوحده فإذا كان عند الشخص الواحد لا تزر وازرة وزر أخرى كيف عند آدم؟. لو صلّى هذا الصائم لكان أفضل له لأن الصلاة عماد الدين وهي العمود الفقري لأركان الإسلام والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهنا أنبّه الدعاة الذين ضيّقوا على الناس وقالوا لهم لا يقبل صيامهم إذا لم يصلوا فنفّروا الناس من الدين ويبعدون الناس عن الله تعالى بدل أن يقرّبوهم وكأن هؤلاء الدعاة هم حُرّاس على أبواب الجنة والنار والله المستعان، والواجب عليهم وعلينا أن ندعو الناس إلى الله على بصيرة وقد علّمنا تعالى المنهج (إُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). فالذي يصوم ولا يصلي قُل له صُم ثم إقترب منه وحاول معه واعمل عليه حتى يصلّي. وللأسف أقول أن كثيرين ممن يقعون في المعاصي يقعون فيها لأن التوجيهات غير صحيحة.
على المسلم أن يرتّب صلته بالله تعالى وبالصلاة تبتعد عن الشهوات والمعاصي فقد وصف تعالى النبيين أنهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا {س}(58) مريم) ثم قال بعدها (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)) الإستثناء يبيّن أن التوبة أصلها أنك كنت في معية الله تعالى. الله تعالى عندما عصى آدم وصفه بأنه نسي (فنسي) ولم يقل عنه أنه كفر وشرع له التوبة وكان المفروض علينا نحن أن نأخذ ما حصل مع آدم بعين الإعتبار فلا يصلي أحدنا العشاء مثلاً ثم يزني لأنه إذا فعل يكون لم يفهم قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) المفروض أن الصلاة تنفعه وتذكره بالله تعالى فلا يقع في معصية. نحن للأسف لا نقوم بالأمور على معطيات الله تعالى فينا. جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا يصلي ويرتكب الفحشاء فقال صلى الله عليه وسلم دعوه وتكرر هذا الأمر عدة مرات ثم سأل صلى الله عليه وسلم عن الرجل فقالوا له إنصلح حاله. لو أننا فهمنا نقول لنراجع صلاتنا كيف صلّينا؟ إذا أقمنا الصلاة بشكل صحيح لا يمكن أن نعصي. وردت إقامة الصلاة 67 مرة في القرآن الكريم ولم ترد مرة واحدة تأدية الصلاة لا في الكتاب ولا في السُنّة. يجب أن نفهم أنه لما يقول المولى عز وجل (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) أنه تعالى شرع التوبة وطالما شرع التوبة فهذا إقرار ضمني أن كل إبن آدم خطّاء لكن يجب أن لا يحصره الشيطان في معاصيه.
قال تعالى (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) البقرة) لم يخرج من دائرة المعاصي (فأولئك أصحاب النار) لكن مهما بلغت ذنوبك إذا لجأت إلى الله تعالى وإستغفرت الله تعود إليه سبحانه ولا يمكن للمولى أن يرفضك والله تعالى يتنزّل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه؟. لكن لنتخيل حال المسلمين والمولى تعالى يسأل هذه الأسئلة تراهم يغطون في نوم عميق وصلاة الفجر شاهدة على المسلمين يوم القيامة! أنظر إلى حال المصلين في صلاة الفجر وعددهم وإنظر إلى حالهم في صلاة الجمعة. هؤلاء أضاعوا الصلاة وإن كانوا يؤدّونها.
العفو: لا يكون إلا للطائع ، إلا لمن تاب وأناب إلى الله تعالى. هناك ألفاظ في القرآن الكريم تبيّن كُنه المسلم الحقّ: قال تعالى في وصف إبراهيم (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) هود) لم يوصف بهذه الصفة إلا إبراهيم عليه السلام. البديع في إستخدام ألفاظ القرآن أن الآهه هي الحصبة كما يمسها العرب آهه لأنها تحدث إرتفاعاً في درجة حرارة الجسم وألم يتأوّه صاحبها منها. فلازم معناها أوّاه أي كثير الدعاء، كثير التسبيح، كثير الخوف من الله على الناس وهذه الصفات لا تكون إلا في نبي. (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة) أوّاه كثير الخوف من الله تعالى على الناس، يخاف على الناس الذين عاصروه وخاف عليهم مما يعلمه. أوّاه أي رجّاع مسبّح دعّاء كثير الدعاء ويتألم في ذاته خوفاً من الله على الناس أن يكون قد قصّر كرسول. هذه الصفة لم يوصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذه حال الرسول الأبدية. أوّاه قلنا أنها تبيّن أنه كثير العودة إلى الله تعالى لكن في توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه حالة أبدية عنده. (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود) ساعة ما يرفضوا الرسالة ويكفروا (فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) كبير: صفة غريبة لوصف اليوم. هذا توصيف حال الرسول ساعة يتفلّت منه أحد حاله أنه خائف فهذه توصيف الأواه. إذا جاءت لإبراهيم عليه السلام توقيعاً فهي جاءت لمحمد صلى الله عليه وسلم توصيفاً. كان صلى الله عليه وسلم يتألم إذا مات يهودي فيقول صلى الله عليه وسلم أفلت مني. وهو صلى الله عليه وسلم جمع صفات وكمالات الرسل والنبيين (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (90) الأنعام) جاءت إقتده بالهاء لأنها جاءت في التطبيق، الإقتداء والإقتداه أي خذهم قدوة، قلّد كمالات النبيين جُمِعت للرسول صلى الله عليه وسلم ولو جمعنا خُلُقه صلى الله عليه وسلم نصل إلى أبلغ ما وصفته به السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: كان خُلُقه القرآن. أعطاه تعالى شجاعة موسى وإقدام داوود وشفقة هارون وملك سليمان وكفانا أنه محمد صلى الله عليه وسلم .
مشكلة الناس إستصغار الذنب وكذلك يرون التوبة شيئاً سهلاً فكيف نوقع في قلوبهم أن التوبة تحتاج لعمل وجهد والله تعالى مطّلع على قلوبهم ويعلم صدقهم؟
نحن لم نعش معنى التوبة. تاب أي رجع فهل يعود؟ يقول العاصي: تبت إلى الله فهل فهم معناها؟ لو تاب بندم وتعب وإستعظام للذنب حتى اللمم لا يرجع. يجب إستعظام الذنب والندم عليه وكيفية التوبة أن أفكر بالذنب دائماً كلما حاولت نفسي المعصية. التوبة ليست كلمة وإنما عملية متكاملة على الإنسان أن يعيش فيها. لو صلّينا كما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لنا "صلّوا كما رأيتموني أصلّي" وهنا رأى من باب العلم لأنه علّمنا كيف صلاته كان صلى الله عليه وسلم يخفف بالناس ويطيل لنفسه. صلِّ ركعتين تطيل فيها التدبر واركع حتى تطمئن راكعاً كما قال صلى الله عليه وسلم أي أن تبقى راكعاً حتى يحصل لك إطمئنان بالركوع. لو صلينا حق الصلاة لا يكون لدينا مشاكل. علينا أن نتدبر ما نقول وليست العبرة بطول القراءة وإنما بطول التدبر في ما تقرأ فلا تنتقل من بسم الله الرحمن الرحيم إلى الحمد لله رب العالمين إلا بعد أن تكون قد تدبرت معنى بسم الله الرحمن الرحيم.
للأسف كثيراً ما نسمع أخطأ فلان فهل له توبة؟ وما زال البعض يناقشون إلى الآن إذا كان للقاتل توبة؟ من الذي يمكنه أن يقول أن فلاناً ليست له توبة فإذا كان الله تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) النساء) إستعمال حرف الجر عل يبين أن الله تعالى كأنه ألزم نفسه بالتوبة وهو سبحانه لا يلزمه شيء، وقد جاء إستعمال حرف الجر على في أكثر من موضع وتأتي في أمور عظيمة (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) آل عمران) (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود) ويجب أن نأخذ هذا الأمر بالإعتبار. الرسول صلى الله عليه وسلم قال أن إبن آدم لا يمكنه أن يهرب من رزقه لأنه سيأخذه رغماً عنه " لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم ابن آدم. وإن فرّ ابن آدم من قضاء الله فإنه يفر إلى قضاء الله أيضاً"
هنيئاً لمن صلّى ركعتين وتاب عن معصية وهنيئاً لمن صلّى ركعتين وتاب من غير معصية. المهم أن لا يعود العاصي بعد توبته (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) المولى تعالى قالها بشرط أن لا ينفك عن المنهج ويتركه. مقابل هذه الآية صعب (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) كأننا لا نقع في المعاصي إلا لأننا نعرض عن ذكر الله تعالى. يجب أن نعيش في معيّة الله تعالى عندها نعيش على توبة فلا نضل ولا نشقى.
الذكر كلمة كبيرة فالصلاة ذكر والقرآن ذكر والدعاء ذكر والتسبيح ذكر (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد) الذكر يكون في القلب أولاً. القرآن الكريم لم يتكلم عن المحافظة على الصلاة إلا بعد ذكر الخشوع كما في قوله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) ثم قال بعدها (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)) المهم في التوجيه الخشوع في الصلاة لأن الصلاة في وقتها أمر مفروغ منه. ولو عشنا كلمة توبة وحققناها: أغتسل وأتوضأ وأصلي ركعتين بنية التوبة حتى لو لم أعصِ.
ما عصينا الله تعالى إلا ببعدنا عنه.
(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)) كذلك اليوم تُنسى أن سيحصل لك ما فعلته في الدنيا. تُنسى هي قمة التذكر لكنها تعني أنه نُسي من رحمة الله تعالى التي هي أصل الله تعالى. وهذا ليس نسياناً مطلقاً وإنما نسيان من رحمة الله تعالى. والله تعالى سبحانه يحاسبنا بالفضل لأنه لو حاسبنا بالعدل نضيع.
في سورة الأعراف قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)) هنا مبصرون بالبصيرة. والذي يُحشر أعمى سيستغرب لأنه كان في الدنيا بصيراً فيقول له المولى عز جل (كذلك) أي كما حصل معك في الدنيا أنك كنت ترى ولم تفعل فيوم القيامة يقول كما قال غيره (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) الملك) إتهموا أنفسهم بأنهم لم يسمعوا ولم يعقلوا ولم يفدهم سمعهم ولا عقلهم ولا بصرهم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/4/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:13 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 3
تقديم علاء بسيوني
لا زلنا نتحدث عن قضية التوبة والإستغفار أو فكرة العودة و الرجوع إلى معية الله عز و جل. وأنه من فضل الله الكبير علينا بأنه شرع التوبة و الإستغفار ولم يعاملنا كآدم عليه السلام عند أول خطأ أخرج من الجنة.وذلك من فضل الله الكبير علينا. فنحن كبشر جميعاً نخطىء وننسى ونتعثر بالمعاصي. ومن الناس من يكون مربوطاً داخل قيد المعصية وقد حبسهم الشيطان ورغم هذا كله فإن الله عز و جل شرع التوبة والإستغفار لكي نستطيع الخروج من هذه الدائرة المغلقة ونرجع مرة أخرى لمعية الله سبحانه و تعالى. فيجب ان لا ننسى هذا الفضل وأن نتعلم كيفية العودة إلى الله بصدق لأن كثيراً من الناس يتوب من الذنب ولكن بعد فترة يعود ويخطىء وتتكرر المعصية مرة وإثنتان وثلاثة وهنا تكمن الخطورة لأن الشيطان سيستغل هذا الأمر ويوسوس للعاصي بأن لا توبة له لأنه قد عزم أمام الله بأن لايعود ولكنه عاد للذنب ولذلك فإن الله لا يقبل منه التوبة، وهذا كله من وسوسة الشيطان لأنه يريد بالإنسان الإستمرار في الذنب و يؤيسه من التوبة ومن رحمة الله حتى يقبض وهو على معصية حتى ولو كانت صغيرة. وكثير من الناس من يتبع وسوسة الشيطان وطريقه لأنه أسهل ولأن العودة سوف تكلفه أشياء وهي التكليف ومثال ذلك أن هنالك من الناس من يجامع زوجته في الحلال ولكنه لايغتسل وهذا مبني عليه بأنه لا يتوضأ ولا يصلي. فخطأ واحد يؤدي إلى كم أخطاء وحالته تكون بأنه بعيد كل البعد عن الله وقس على هذا أموراً كثيرة. وقد شرع الله التوبة لأن آدم إبتعد فالتوبة رجوع وقد بعُد آدم بالنسيان، فهو لم يقل لا أو يرفض الأمر كأبليس ولكنه نسي فقد تقبل الأمر بمنتهى السمع والطاعة وهذه هي الفطرة التي خلق الله الناس جميعاَ عليها قال تعالى:( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا 30 الروم) فكل مولود يولد على الفطرة التي فعلها آدم وهي الإسلام وتعني هنا التسليم لله فالذي يحدث من بعد الفطرة من ذنوب هو خروج وبعد. قال تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif مُنِيبِينَ إِلَيْهِ 31 الروم) أي إرجعوا و لم يقل أنيبوا إليه. فأنيبوا فعل أمر ولكن منيبين حال وهذا تطبيق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يآيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة) لأنه صلى الله عليه وسلم ينفذ ماورد في القرآن الكريم. فمنيبين حال حتى لو لم تخطىء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند خروجه من الخلاء ( غفرانك غفرانك غفرانك) لأن الإنسان بعُد بعدم ذكر الله وليس بمعصية ويريد العودة. وبلال رضي الله عنه مثال على الإنابة فقد سمع رسول الله صلى عليه سلم دُفّ نعليه في الجنة فسأله فقال بلال رضي الله عنه (ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا وصليت ) فحاله حال إنابة. ولذلك يجب على المرء أن يستغفر الله بعد كل أمر أو عمل –دون المعصية- بَعُد فيه عن الله. مثال ذلك أستاذ الهندسة الفراغية يلقي محاضرة لمدة ساعة بعد المحاضرة يستغفر الله فهذا هو الرجوع. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغر الله بعد الصلاة. فهو مثل ذهابك في أمر من أمور الدنيا الحلال ولكنك تريد أن ترجع إلى الله فالإنسان لا يستغفر فقط لأنه أخطأ ولكن لأنه بعُد فالإستغفار هنا رجوع إلى حالة الإنابة والإنابة هي الرجوع إلى الله تعالى بتوبة. فلماذا إستخدمت بتوبة ؟ وهو في الأصل راجع وعائد إلى الله؟. والمقصود هنا للحالتين: الذي يرجع عن معصية والذي يرجع عن غير معصية. فكلمة توبة في مضمون الإنابة بأنه إذا كنت مرتكباً لمعصية فأنت عائد لكي تستغفر وتتوب وإذا كنت عائداً من غير معصية فأنت تتوب عن توبة وهذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان معصوماً عن الخطأ فهو ينام ولا ينام قلبه فحالة الإنابة لديه حتى في نومه صلى الله عليه وسلم . فقبل النوم يقول بإسمك اللهم أضع جنبي وبإسمك أرفعه وعند الإستيقاظ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، فهذه حالات إنابة وبينهما قلب ذاكر. والمثال الآخر على الإنابة قول الصحابي الجليل رضي الله عنه (نافق حنظلة) الذي كان شديد الخوف من أن إنشغاله مع زوجته وأهله وعمله وأمور الحياة قد يبعده عن الله وذكر الله والتعبد. وإعتبر هذا الإنشغال خصلة من النفاق. فالمنافق من يُبطن غير ما يُظهر. فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهو مناط هذا النفاق؟ وقد روي أن حنظلة أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قابل أبا بكر فقال له نفق حنظلة قال الصديق لماذا؟ قال نكون عند رسول الله نسمعه يتكلم فنرى الجنة رأي العين ونرى النار رأي العين وإذا خرجنا من عنده عاسفنا الأولاد وذهبنا إلى الأسواق، فقال أبو بكر وأنا كذلك، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي الطرقات لكنها ساعة وساعة، ساعة وساعة ساعة وساعة". فهو طامع في الجنة وخائف من النار وكوفىء المؤمن بالجنة لأنه لم يراها ولكن عمل لأجلها وبعّده عن النار لأنه لم يراه ولكنه إتقاها. فحنظلة رضي الله عنه يكون في حالة وجدانية عالية من الإنابة وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما يكون مع أهله ينشغل معهم بأمور الحياة ويفقد تلك الحالة الوجدانية التي مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأعتبر هذا نفاقاً فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (والله لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرقات ولكن يا حنظلة إنما هي ساعة وساعة) والجملة الأولى من الرسول صلى الله عليه وسلم تبين لك أنه من الإمكان أن تداوم على هذه الحالة من الإنابة في كل أمور حياتك بأن تستحضر نيتك لوجه الله فتظل بذلك في معية الله تعالى. وقد شرع الله التوبة للناس لكي يستطيعوا العودة إليه. فآدم عليه السلام وهو الذي كان في الجنة-جنة التدريب أو جنة الأرض- و لم يكن مكلفاً إلا بطاعة الله تعالى في عدم الإقتراب من الشجرة (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ 35 البقرة) ولكنه نسي و كانت ضريبة النسيان (فَتَشْقَى 117 طه) وهو شقاء التكليف وشقاء التمسك بالمنهج، فالمعصية سهلة للغاية ولكن الصعوبة تكمن في الإلتزام بالطريق السوي والمستقيم. وقد شرع الله التوبة-وهذا من فضل الله علينا- لأن ساعة ما كلف آدم لم يرفض أو يعترض ولكن طبيعته غلبته فآدم خُلِق على الفطرة قال الله تعالى:( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ 30 الروم).
قال الله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 الروم ):
فأقم وجهك للدين ولم يقل لله وفعل الأمر (أقِم) موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفه زعيم هذه الأمة أو على رأسها ولكن هذا الأمر ليس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وحده بدليل قوله تعالى (منيبين إليه) ولم يقل منيباً إليه. فالتكليف الخاص في القرآن بالرسول الله صلى الله عليه وسلم في مناطق محدودة جداً ويؤخذ منه لازم المعنى للأمة، فقوله تعالى:( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ 9 الضحى) أي يا محمد، وبقية التاس تقهراليتيم؟؟؟ وهذا غير صحيح أو منطق فالتوجيه لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. في قوله تعالى فأقم وجهك، الكلام للرسول r على صالح الأمر وغايته ولكن عندما يكون الكلام لنا أي أنه عندما يشعر الإنسان بأنه إبتعد وأن الحياة قد ساقته بعيد عن الله تعالى وأن الإلتزام صعب عليه فأقم وجهك للدين حنيفاً. والبديع في كلمة حنيفاً أن هذه الكلمة صيانة إحتمال لواقع حال: فكلمة حنيفاً خارج القرآن ومجردة في لسان العرب تعني مائلاً بعيداً وهذا هو حال سيدنا إبراهيم عندما ذكرت الكلمة في حقه فقد إبتعد عن الباطل وخرج يبحث عن الإله الحق، فالبعيد عن البعيد قريب والمائل عن المائل يكون في غاية الإستقامة. وقد أبقى الله تعالى كلمة حنيفاً في قرآنه بالمعنى الإصطلاحي لها أي الإستقامة أي أقم وجهك للدين مستقيماً مائلاً عن كل مائل بعيداً عن الباطل لأن هذه هي فطرتك التي خلقك الله عليها وقد تأخذك الحياة عن الفطرة ولكن يجب أن تعود-أقم- ولذلك شرع الله التوبة لكي يعود الناس إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها قال تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 الأعراف) وهذا هي البداية ولكن قد تبعد عن هذه البداية ولكن يجب أن تعود (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ). وقد يعترض كثير ممن لا يدينون بالإسلام على هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) قائلين بأنهم لو كُنا متأكدين بأن الدين هو الإسلام لما بقينا على ديانات أخرى أو مشركين أو ملحدين، ولكن قد يعتبر قولهم هذا صحيحاً لو لم يعتنق الإسلام منهم شخص واحد لكن هذا الشخص الذي أسلم أصبح حجة على الذي لم يسلم يوم القيامة ولو في عصر بائد ويتحقق قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) لمن يعلن إسلامه فقد أقام وجهه للدين حنيفاً وعاد للفطرة فهذه هي الحجة عليهم. وفي المقابل أن من المسلمين من يتنصر أو يتهود فهذا يحقق قوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ 256 البقرة) فلا يمكن أن يسلم أي شخص بالقوة أو الإكراه لأن إسلامه يكون مرفوضاً فالإسلام دين حرية الإعتقاد: قال تعالى (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ 29 الكهف) فجميع الأديان الوضعية يكون فيها إكراه وهذا من عظمة هذا الدين لأنه إله حق ولا يريد أن يعبد كرهاً فهنالك إسلام كرهاً ولكن لا يوجد هنالك عبادة كرهاً. فأقم وجهك للدين حنيفاً أي إرجع إلى الفطرة التي فطرك الله تعالى عليها بالإسلام لأن هذا ما يقوله المنطق. المنطق يقول لو أن الولد مات وعمره ست سنوات ستجده يوم القيامة _إن شاء الله_ في الجنة، لماذا؟؟ لأنه غير مكلف، لم يكلف بعد، لم يصل إلى مرحلة الاختيار وهو واقع تحت تأثير أهله فهوداه أو نصراه أو حتى جعلوه مسلما. لذلك أنا أقول لأولادنا المسلمين: أعلنوا إسلامكم، جددوا إيمانكم. لم ندق باباً لنبدي رغبتنا في الإسلام ونعلن إسلامنا بل قد ولدنا مسلمين من أبوين مسلمين وهذا يستوجب شكراً أكبر منا يجب أن نسجد لله _سبحانه وتعالى_ شاكرين أن جئنا من أبوين مسلمين ولم نبذل أي جهد أوعناء بل ذلك من فضل المولى عز وجل. إذا كان من أسلم الآن يقول الحمد لله مرة فنحن نقولها كم مرة؟؟ لإننا لم نبذل عناء الاختيار بين الديانات والمقارنة بين اليهودية والنصرانية وتضارب الأناجيل وتضارب التوراة وذلك بعكس من إعتنق الإسلام بإختياره فهو قد عانى الأمرين من نفسه وممن حوله. قال الله تعالى:( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) منيبين هنا هي حال من فعل غير موجود مقدر، أي أن حال الناس وهم ملتزمين بالفطرة التي فطر الله الناس عليها منيبين فهي حال من فاعل إلزموا الفعل المقدر أي أن ترجعوا للذي فطركم منيبين إليه.
وإتقوه: أي أنه يجب على كل شخص أن يحذر عندما يرجع إلى الله من أن يأمنه لأنه الحق تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ولا يعتقد أنه أصبح من المقربين ولا يغتر بصلاته وصيامه وإيمانه فيوقعه الشيطان بمعصية لم يظن قط أنه سيقع فيها وذلك لعجبه وأمنه. ولذلك لكي ترجع إلى الله تعالى يجب أن تعرفه أولاً سبحانه وتعالى وتعرف كنهه عز وجل فإذا رجعت إتقيه، فمن عرف الله خافه والذي لم يعرفه لا يخافه وعند ذلك يقع و يضيع. فيجب أن نخاف الله تعالى حتى بعد أن تقوم بكل مقومات الطاعة والإيمان. فالتوجيه الإلهي منيبين إليه. وإتقوه: أي أنك لن تستطيع أن تقوم بحالة الإنابة وتحافظ عليها إلا بتفعيل التقوى وذلك عن طريقة معرفته سبحانه وتعالى. وفي القرآن إتقوا الله وإتقوا النار ويجب على الإنسان أن ينظر إلى النتيجة فمن إتقى الله في الجنة ومن إتقى النار في الجنة. وإتقوا الله تعني إصنع بينك وبين غضب الله وقاية فأنت لن تقوم بصنع وقاية بينك وبين الرحمن لأنك تريد الرحمة. فأنت ستصنع وقاية وتحجز بينك وبين صفات الجلال (الجبار-القهار-ذو إنتقام وليس المنتقم.(لأن ذو إنتقام تعني أنه تعالى ينتقم من الكافر لكن لا ينتقم من المؤمن) والمنتقم تعني صفة دائمة وهذا ليس من صفاته سبحانه وتعالى)) وليس بينك وبين صفات الجمال لأنك هذه تحتاجها (رحمن-رحيم-غفور،..) فأنت تصنع وقاية بينك وبين غضبه. ومثل ذلك النار التي تصنع بينك وبينها وقاية عن طريق إغلاق جميع الأبواب والطرق المؤدية لها.
(و أقيموا الصلاة): لماذا الصلاة بالذات؟ هنالك فرق كبير بين أركان الإسلام وأركان المسلم. لأن هنالك عبادات تسقط عن المسلم للضرورة ( فقر-كبر-مرض...) مثل الحج عن غير القادر-لم يستطع له سبيلاً- والصوم عن المريض والزكاة عن الفقير. فأركان الإسلام خمسة ولكن أركان المسلم إثنان الشهادة والصلاة فهذان الركنان لا يسقطان عن المسلم بأي حال من الأحوال لا في فقر ولا مرض ولا شدة ولا خوف ولا كبر، ولا عذر لمن أسقط فرضاً من الصلاة فالصلاة هي عماد الدين وعليها تكمل التقوى فلا تتم التقوى إلا بإقامة الصلاة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/4/2006م، طبعت الحلقة الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً

ميارى 27 - 7 - 2010 07:14 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 4
تقديم علاء بسيوني
سؤال: كيف تكون التوبة من القلب وتكون وسيلة للوصول إلى الغاية وهي معية الله؟ وكيف يكون الإنسان على دين ومشركاً في نفس الوقت؟
قال الله تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 الروم) وتعني أقم وجهك يا محمد صلى الله عليه وسلم أنت والأمة، أنت ومن إتبعك فأقم وجهك للدين حنيفاً وإلزموا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحالكم منيبين، حالكم وأنتم تعودون إلى هذه الفطرة تكون حالة إنابة فكل من بعُد عن الفطرة التي فطرها الله عليها وهي الإسلام والتسليم لله رب العالمين يعود إلى الله، وإتقوه فمتى أردت أن تقوم بعملية الإنابة يجب أن تدعمها وتقويها بتقوى الله وإقامة الصلاة بما لها وماعليها من حيث الخشوع فيها والصلاة في وقتها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا 103 النساء) وليس من التيسير على الناس كما يظن البعض تأخير الصلاة لآخر وقتها -إلا لمن لديه عذر شرعي- فالوقت الذي بين الصلوات ليس ملكاً لك وليس عذراً لتأخير الصلاة فالعصر في بلد ما يؤذن الساعة 3.25 وفي بلد آخر3.30 لكي يظل الكون ساجداً لله تبارك وتعالى على مدار أربع وعشرين ساعة ورهناً له سبحانه وتعالى فيكون هناك على مدار الأربع والعشرين ساعة من يسجد هنا ويركع هناك ومن يكبّر ومن يرفع ومن يقرأ.هكذا تكون حالة الإقامة على مدار الأربع وعشرين ساعة. الناس التي لديها ظرف معين يمكن أن تؤجل. الفقه ليس لفظاً عاماً هذا حلال وهذا حرام لكن هناك إستثناءات فالشرع يكون للعام والإستثناء يدخل تحت مبدأ الضرورات تبيح المحظورات فالمحظورعلى شخص ما قد يكون مباحاً لآخر. نحن للأسف ضيّعنا الأمور بتيسير الأمور. المفروض أن الذي يسمع الأذان في مكان يعني أن عليه أن يقوم للصلاة فوراً. وسبق أن ذكرنا أن كلمة إقامة الصلاة غير تأديتها. ولو أخذنا على ذلك مثالاً: شخص سمع الأذان وهو يمشي في طريق سريع لا يستطيع الوقوف فيه وآخر جالس في منزله والظهر يؤذن فهل سيستويان يوم القيامة في الحساب؟. الإقامة تبدأ بتكبيرة الإحرام فيجب على من يبدأ بإقامة الصلاة بالله أكبر ألا تنتهي بالله أكبر الفرض التالي، ومن صلى الفرض ثم بعد ذلك إرتكب معصية -كالسرقة اوالزنا أوالكذب- فهو لم يصلي لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ 45 العنكبوت) فالذي يرتكب فحشاء بعد صلاة ينطبق عليه القول صليت وما صليت فيجب أن تنهانا الصلاة عن المعصية وترد وسوسة الشيطان. كل كلمة في الصلاة لها توقيع (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ 45 العنكبوت) لذكر الله أكبر أي أكبر من أن تخطيء بعد الصلاة أو أن تنساق لوسوسة الشيطان أو النفس. فالذي يسرق أو يعمل الفحشاء بعد الصلاة يكون قد أدّاها لكنه لم يقيمها. ومن يصلي ويقيم الصلاة بخشوع لا يرتكب معصية ، قال الله تعالى (وَالْعَصْر ِإِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر ٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 3 العصر) هذه آية نغفل عنها. الناس تتساهل في صلاة العشاء ولا أدري من أين جاءوا بهذا المناط؟ العشاء يمتد لأنه قد يكون هناك درس علم أنت فيه. الأنفس مجبولة على حب التاخي ولهذا تحب من ييسر لها الأمور لكن يجب علينا أن نحب من يدخلنا الجنة.
فيجب على المسلمين أن يتواصوا فيما بينهم بالخير ويذكّرون بعضهم بالصلاة والحرص على أن تأخذ بيد أخيك المسلم إلى طريق الهداية كأن تأخذه إلى المسجد مرة وإثنتان إلى أن يتعود ويصبح تردده إلى المسجد لوجه الله وليس لأجلك أو إحراجاً منك.
سؤال: النهي في آيات سورة الروم (ولا تكونوا من المشركين)، الدين هو العلاقة بالخالق فكيف نتفرّق شيعاً ؟ وكيف نطبق هذا التوجيه ونحرص أن لا نكون من المشركين؟
قال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) النهي هنا ليس لعامة الناس ليس لمن لا يصلي وإنما للمنيبين المتقين المصلّين الذين تفترض أن يكونوا قد نفذوا فهؤلاء الخوف عليهم وليس على الذين لم يصلوا ولم يتقوا ولم ينيبوا لأنهم خارج الموضوع أصلاً (كافر، مشرك شرك أكبر أو غيرهم) فهم في معية الشيطان وخرجوا عن الأمة. فالتحذير هنا للمنيبين الذين دعموا الإيمان بالتقوى وإقامة الصلاة وهذا هو الذي يقويهم لإقامة الصلاة فعندما يصلوا إلى هذه المرحلة يحذرهم الله من أن يشركوا والذي يؤكد هذا المفهوم قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فهم إذن على دين، والإسلام يتعرض لهذا الآن بتشجيع من بعض الطوائف ومن هم على رأس الأمر فيقولون الطرق الصوفية وغيرها ولم يرد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ السلف الصالح أن سمعنا عن ظهور الطريقة الأبوبكرية أو الطريقة العمرية أو العثمانية..إلخ، الصديق رضي الله عنه ساعة وُلّي الخلافة قال: (إني متّبع ولست بمبتدع)، إذا زلّ عالِم زلّ بزلّته عالَم. وللأسف اليوم تفرّغنا للمعارضات ولم نعد نتعاون، الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات. وما يحص الآن لا يجوز ولا يليلق أن الإسلام دين الله من عهد آدم إلى يوم القيامة والدين واحد ولا تعدد في الدين، التعدد يكون في الديانات وجميع الديانات دينها الإسلام وإلا لما جاء قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، يجب علينا أن نعود للقرآن وللصحيح من حديث رسول الله r وسُنّته. والمشكلة الآن أن بين المتعارضين لا يوجد من يبحث عن الحق وإنما كل فريق يريد أن ينتصر على الطرف الآخر وهذا همّه الوحيد. الحق لا يتعدد وطالما تغايرت الأسماء لا يمكن أن يكون المسمى واحداً فتغاير التوصيف يدل على التعدد والحق واحد، وقد تجد كثيراً من الأحاديث المتداولة بين الناس وبشدة غير صحيحة كحديث (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) هذا ليس صحيحاً وإنما الصحيح-في صحيح مسلم- أن الرسول r في حجة الوداع قال: ." وقد تركت فيكم مالن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكبها إلى الناس ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات." (صحيح مسلم، كتاب المناسك، حجة النبي صلى الله عليه وسلم) هذا هو النص الصحيح لحديث الرسول r لأنه لا يتّسق أن ينهى r عن تدوين السُنّة ثم يقول : كتاب الله وسُنّتي. هناك أحاديث كثيرة متناولة ومتداولة على المنابر وهي غير صحيحة وأقول للجميع: إرجعوا إلى أصل الدين وصحيحه: الكتاب والسُنّة الصحيحة.
الإنسان يتوب ويعود لله تعالى ويعزم على عدم العودة لكن قد يعود للمعصية فنقول ماذا كانت نيّته ساعة عزم على عدم العودة؟ التوبة والإنابة إلى الله يجب أن تكون بصدق وبندم وبعزم على عدم العودة، ومن عزم على عدم العودة وعاد للذنب فإذا كان ساعة ماعزم على عدم العودة كان ينوي بصدق ألا يعود ولكنه زل وأذنب يغفرله الله تبارك وتعالى (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى) ولكن من كان عزمه بعدم العودة فقط باللسان وليس بالقلب ولوعرضت عليه هذه المعصية مرة أخرى سيرتكبها فبذلك يكون قد أخل بأحد أركان التوبة وهو العزم بعدم العودة بالقلب وليس باللفظ فقط. وقد اختلف حول قضية توبة العاجز فلو أن شخصاً ما كان يسرق وقادر على السرقة ويخطط لها ومستمر في ذنبه ثم عجز عن ذلك فهل له توبة؟ نعم له توبة رغم أنه توقف عن الذننب لعجزه ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسبه، فيحاسبه عز وجل بأنه لو لم يعجز هل كان سيعود للذنب أم لا؟ لأن الله سبحانه وتعالى علم ما كان في الماضي وما يكون في الحاضر وما سوف يكون في المستقبل وما لا يكون -الذي لم يعلمه أحد ما ولم يراه- لو كان كيف كان يكون. فالله سبحانه وتعالى بعلمه المحيط سيعرف هل كان العاجز هذا لو لم يكن عاجزاً سيرتكب الذنب أو لا وسيحاسبه عليه، فالعاجز له توبة لذلك يجب على كل عاجز أن يتوب إلى الله بنية صادقة بحيث لو أن القدرة والقوة عادت إليه فإياك أن تعود للذنب والمعصية. ومثال ذلك أن فتاة إرتدت الحجاب لأنها مرضت وعندما شقيت خلعت الحجاب وهنا تكون الخطورة ورغم هذا كله لها توبة بعد ذلك لأن المولى عز وجل ساعة شرع التوبة لم يقفل بابها وإنما هو مفتوح على الدوام (إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل) ولو أن شخص أخطأ في النهار فلا ينتظر إلى الليل ليتوب ولكن فلتكن توبته في مجلس المعصية قال الله تعالى: ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 17 النساء). قال الله تعالى وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ 12 يونس) وهذا هو حال أغلبية البشر فإذا كانت له حاجة يستمر في الإبتهال والتقرب بالسنن وعندما تنقضي حاجته ينسى كل هذا ولا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى مرة أخرى.
مسألة تكرار الذنب هي الجهالة التي قال عنها تعالى ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) الله سبحانه وتعالى قد ألزم نفسه بها-التوبة-سبحانه وتعالى وإن كان الله سبحانه لايلزمه شيء. (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) والجهالة عند أهل اللغة والتفسير السفه والحماقة وهذا يعني أنه يعرف العقوبة ورغم هذا يرتكب الذنب ومن رحمة الله عز وجل أنه قال (بجهالة) والتي تعني الحماقة لأن لو كانت تعني الجهل أي عدم العلم بالعقوبة فمعنى هذا أن الإنسان عندما يعرف العقوبة فليس له حجة ولا توبة وهذا غير صحيح، الذي ليست له توبة في قوله تعالى: ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 18 النساء) فالذي يقفل باب التوبة هو أنك لم تتب، ومن عظيم هذا الإله الحق أنه سمى الإنسان الذي يتوب التواب وهو عز وجل التواب (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ 222 البقرة) والتوابين هنا لها تعريفان فإما توابين لأنهم يتوبون عن معصية أو لأنهم يتوبون عن توبة وهذا أفضل وهذه هي الإنابة فأنت تعود إلى الله تعالى سواء إرتكبت معصية أو لا وعندما نسمع سيد الإستغفار (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) عهدك أي الفطرة والميثاق الذي أخذه الله تعالى من بني آدم عندما أشهدهم على أنفسهم. (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا 172 الأعراف) أعوذ بك من شر ما صنعت أي أن الفعل الذي فعلته لا ألجأ لأحد غيرك يخرجني منه، أبوء لك بنعمتك علي وأعظم نعمة إنني أعود إلى المولى بإسلامي له، أبوء بذنبي أي أنني أعود إليك لأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فهذا هو سيد الإستغفار بأن الإنسان يعود بذنبه ولكن بمناط الإسلام ويستخدم حجة في غاية الجمال بـأنه أسلم إلى الله قبل أن يولد-وأنا على عهدك ووعدك ماإستطعت، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 102 آل عمران) ومن يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؟ فتقوى الله لا يستطيع أحد أن يصل لمنتهى العلم فيها لكي يقول هذا حق التقوى ، فتتقي الله تعني أن تخافه وتصنع حجاباً بينك وبين صفات الجلال، ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ 16 التغابن) فما استطعتم هنا لا تعني على قدر إستطاعتك ولكن كل إستطاعتك وكل قدرتك فالعليم الخبير عالم، ولو ضربنا مثالاً على هذا- ولله المثل الأعلى- لو أن شخص لديه ميكانيكي ماهر وهو في الطريق توقفت سيارته ووجد محلاً لميكانيكي أخر سوف يذهب إليه ليصلح سيارته قائلاً: أرني مهارتك فالميكانيكي سيبذل كل جهده وكل ما في وسعه لكي يتفوق ويقول صاحب السيارة أنه أفضل من الميكانيكي الذي عادة ما يتعامل معه. فما إستطعتم هنا ليست بمعنى متى ما قدرت ولكن تأتي بمنتهى الطاقة في القدرة وهذا ينطبق على قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 97 آل عمران) فهل يعني كل سنة أو مرة في السنة؟ ردّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي سأله هذا السؤال أنه قال لا تسأل في شيء أنا لم أقله لأني لو قلت نعم لوجبت، ونفهم من هذه الإجابة أنها تفضل كل سنة وهناك إختلاف بين العلماء في هذا المعنى . قال الله تعالى: ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا 60 مريم) خلف بالسكون تكون للأشرار وخلف بالفتح للأخيار، السلف صالح إذا كان الذي بعده صالحاً يسمى خلَف بالفتح ولو كان طالحاً يكون خلْف بالسكون من المخالفة، والغيّ يعبر به عن لازم معنى الغي، والنار دركات والجنة درجات ففي الجنة عندما تريد أن ترقي صاحبها ترفعه وفي النار تنزله فالدرك الأسفل من النار للمنافقين. فالدرك الأول من النار هو أهونه عذاباً بعكس الجنة الدرجة الأولى منها هي أقل درجة ولذلك دائماً ندعوا بالفردوس الأعلى . فماذا فعلوا هذا الخلف-بالسكون- لكي يلقوا غياً؟ أضاعوا الصلاة لم يقيموها -منيبين إليه وإتقوه وأقيموا الصلاة- فأول أمر جعلهم في الغيّ أنهم أضاعوا الصلاة ، فهم أضاعوا الصلاة ولو أدّوها (أدّوها عكس أقاموا الصلاة) فكم من مصلٍ ينتهي من صلاته ليعود إلى المعصية فهو بذلك لم يصلي، نسأل الله السلامة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/4/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:16 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 5
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) التوصيف في الآية 29 لغير المسلمين الموحدين المفطورين على فطرة الله ويتبعون منهج الله ليس بالشرك أو الضلال بل بالظلم. والظلم هنا مطلق فكلمة ظلم عندما تكون مطلقة تنسحب على أبشع أنواع الظلم وهو ظلم النفس والذي يعتبر أبشع من ظلم الإنسان لغيره لأنه معقول أن الإنسان يظلم غيره ولكن الذي ليس مقبولاً عقلاً أنك تظلم نفسك لأن المفروض أن الإنسان يحب نفسه فلو سألنا أي شخص بعيد عن الدين أنك عندما تحب نفسك ترقيها أو تدنيها؟، تبحث لها عن العاقبة الفاضلة أم المفضولة؟ وأخبرناه أن هنالك إختبار يجرى من خلال الدنيا ونهاية هذا الإختبار أو الإبتلاء إما جنة أو نار فإذا كنت تحب نفسك هل ستختار لها الجنة أم النار؟ بالتأكيد سيختار الجنة ولكن هذا الطريق ليس مفروشاً بالورود وليس سهلاً ورغم أن العقل يقول أنه يجب أن يختار الجنة ولكنه في الحقيقة يظلم نفسه فتكون النهاية إلى النار.
النفس هي جماع الروح والبدن فطالما هنالك روح بداخل البدن ويتحرك الإنسان ويفكر فهذه تسمى نفساً فعندما تأتي الروح لتخرج تسمع جملة على أحد أمرين إما أن الروح تقول للبدن جزاك الله عني كل خير أو جزاك الله عني كل شر وذلك لأن النتيجة تظهر ساعة بداية خروج الروح ورؤية ملك الموت فيعرف في هذه اللحظة النتيجة فإما ملائكة بيض الوجوه أو ملائكة سود الوجوه والنتيجة هذه إما أن الروح تشكر أو تذم فجزاك الله عني كل خير إذا كانت الأعمال كلها حسنات أو معظمها حسنات فتكون النتيجة الجنة بصرف النظر عن الدرجات أو العكس قال الله تعالى: ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ 106 آل عمران) فليس هناك لون رمادي أو وسط (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ6 القارعة) ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ8 القارعة) فالتوقيع القرآني أن الوزن في يوم القيامة الحق (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) فالوزن الذي يكون في الدنيا غير صحيح فالوزن الحقيقي إما أن تكون ثقلت أو خفت والنتيجة هذه يبنى عليها بأنك إما رقيت نفسك أو دنيتها وأضعتها، فالذين ظلموا في الآيات لم يذكر ماذا ظلموا بل أطلقها فما الذي فعلوه؟ إتبعوا أهواءهم، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أن كل شخص يولد على منهج وهذه هي الميزة التي في سورة الرحمن (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ 4 الرحمن) وقد إبتدأ الله بعلم القرآن والقرآن هنا مثال للمنهج أي منهج يقرأ ويستقرئ. من يتبع المنهج ويهتدي بهدي الله سبحانه وتعالى ويتقي الله ويقيم الصلاة وهذه قضية من أكبر الأمور وللأسف الشديد أن أغلب الناس لا يدركون مكمن الخطورة في أن تترك الصلاة فكل الذي نراه على وجه الأرض من فساد وإفساد وضلال وإضلال بسبب إضاعة الصلاة وإضاعتها ليس أن لا تصليها فقط فهذا معنى فقط والمعنى الأخطر أن الإنسان يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر فذلك يعني أنه لم يصلي (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ 45 العنكبوت) فلو كان صلى وذكر الله سبحانه وتعالى فصلاته أكبر من أن يأتي أي ذنب ولو قليل بعد الصلاة وليس فقط الفحشاء لأن المفروض الصلاة تنهاه لو كانت سليمة ولذلك الصلاة تعتبر أيضاً مثل المنهج من أجل هذا إتباع المناهج عموماً أي منهج على وجه الأرض من عصر آدم إلى دين الله في ديانة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام سنجد أنه في كل عصر يرضى به بعض الناس والبعض الآخر يرفضه ويكذبون الأنبياء ويقتلونهم وأكبر مثال على ذلك بني إسرائيل لأن النبي يأتي بمنهج وهم لا يريدون أن يتبعوا المنهج بل يريدون أن يتبعوا الهوى ، فآية الروم تدل على أنه لا يوجد هنالك مخلوق لله تبارك وتعالى ليس على منهج فلو أن إتباع الهوى كان في وقت لا يوجد فيه منهج فلن يكون هنالك حساب (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً 15 الإسراء) حتى الملائكة تسألهم وهم في طريقهم إلى النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ 8 الملك) فكلمة إتباع الهوى ليس لها وقع مع عدم وجود المنهج ولكن المشكلة في إتباع الهوى مع وجود المنهج. قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 الشمس) فكثير من الناس قد تقول أن الله سبحانه وتعالى قد ألهمنا الفجور وهذا خطأ كبير لأن إلهام هنا من المشترك اللفظي وألهمها هنا أي بين لها والله تبارك وتعالى لا يلهم الفجور بالمعنى السائد والخاطىء بأن الإنسان يأتيه من الله إلهام بالفجور وهذا كلام غير منطقي. وسوء الفهم هذا عند بعض الناس نجده أيضاً في قوله تعالى (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) بدعوة أن الله قد أضل بعض الناس فلا ينفع مع هذا أي جهد لإتباع طريق الهداية وهذا فكر في غاية الغباء ولكي نفهم الآية يجب أن نعود إلى ما قبلها (الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) فهم ظلموا أنفسهم بإتباعهم هوى النفس فأضاعوا الصلاة وإتبعوا الشهوات والشهوات أي الهوى. ومن يتمسك بالتوبة يبدل الله سيئاتهم حسنات قال تعالى: ( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 70 الفرقان) وهذا التبديل يحمل معنيان فهل يبدل السيئات الموجودة فعلاً حسنات إذا كان كذلك فالحمد لله والمعنى الثاني أنه لو كان إستمر في طريق الضلال ستكون أعماله كلها سيئات فبالتوبة سيمشي على طريق الهداية فيأخذ حسنات وهذا هو التبديل وهذا في شدة الجمال بأن سيئات التائب تضاعف بعد تبديلها لأن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك لأن إتباع الهوى يجعل للمعصية لذة فالتائب لم يبتعد عن المعصية فقط بل إبتعد عنها بلذتها وشهوتها وضغط على نفسه لدرجة أنه منعها لذة المعصية ويكون المقابل لهذه اللذة لذة الطاعة والتي هي بمثابة المكافأة. وقد ثبت في علم النفس أن للمعصية لذة غريبة وقاموا بتجربة هذا على بعض السارقين فبعد أن جمعوهم وضعوا أمامهم أشياء إعتادوا على سرقتها وجعلوها متاحة لهم ولكن لا أحد من السارقين أخذها لأنها متاحة أمامه فهذا يدل على أن هنالك لذة لديهم في السرقة والمخاطرة والإثارة. ولذة المعصية ليست إلا لذة تزيين فهي لذة وهمية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (البِرّ حسن الخُلُق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس) لكن البر حسن الخلق، فلو رأينا الفرق بين من عمل عملاً حلالاً يكون في غاية الإطمئنان بعكس من عمل عملاً حراماً يكون في غاية الرعب والقلق لأنه إرتكب خطأ فهذا يدل على أنها لذة تزيين ولذة وهمية فهي ليست حقيقية فالذي ضل إتبع هوى نفسه ولكن لو أنه إتبع المنهج وإن كان سيقيده بأوامر ونواهي وحدود وقد يتعبه ولكن نهايته جنة فلو لاحظنا أن في آخر كل مناهج أو آيات أمر ونهي نجد دائماً تبشير بالجنة فهو قد ضل لأنه لم يتبع الهدى. وهنالك نوعان من الهداية: هداية الدلالة وهداية المعونة والتي مرة نفاها القرآن عن الرسول ومرة أخرى أثبتها للرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء56 القصص) فإذا كنت أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم لن تهدي من أحببت فمن باب أولى أنك لن تهدي من لم تحب فهنا نفى عنه الهداية والهداية هنا هداية المعونة وفي قوله: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ52 الشورى)وهذه هي هداية الدلالة ويملكها البشر وبالذات الأنبياء المرسلين أما هداية المعونة فلا يملكها إلا الله فإن رفعها الله تبارك وتعالى عن أحدنا فكأنه أضله وتركه، لأن الإنسان لديه المنهج ولكنه لا يريده فالتقصير من الإنسان قال تعالى: ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ133 آل عمران ) فالمغفرة موجودة ولكنها لن تأتي إلى الإنسان بل يجب على الإنسان أن يسارع إليها فالإنسان هو الذي يبذل الجهد، فعند صلاة الفجر كم شخص يستيقظ وكم شخص لا يستيقظ فالذي لم يستيقظ هل هناك من نوّمه أم أنه لم يستعد للإستيقاظ فهو قد يقول لم أستيقظ ولكن هل قمت بعمل مقدمات الإستيقاظ كأن تنام مبكراً أو تستخدم منبهاً..إلخ. فلو كان لك هداية كنت طلبتها من المولى عز وجل. ولو لاحظنا كل آيات التوبة لوجدنا بعد التوبة العمل الصالح وهذا شرط من شروط التوبة العمل الصالح وأخص العمل الصالح بعد كل آيات الإستغفار والتوبة أنك لا تعود مرة أخرى للمعصية التي تبت منها على الأقل بل يجب أن يعمل صالح بعد أن إعتاد على عمل السيء فمن تعوّد أن يشرب الخمر مرة في الأسبوع بعد توبته يجب-في نفس هذا اليوم-أن يعمل صالحاً كأن يبحث عن مجلس علم أو يصلي جماعة في المسجد وهذا هو الإحسان.
هنالك فرق كبير بين الحرية والتفلت فالحرية هي أنك تختار براحتك والذي يدعي أن هنالك من يسلم رغماً عنه أو إكراهاً إسلامه يعتبر غير مقبول وذلك لايصح، ولايوجد هنالك ديانة على وجه الأرض قال فيها الحق سبحانه وتعالى:( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ29 الكهف) فلن تجد مثل هذا القول لا في دين وضعي أو قانون وضعي فهذا إبداع لأن الخالق يريدك أن تعبده بحريتك ورغبتك وهذه المفهوم الحقيقي للحرية وليس التفلت الذي يسعون إليه. النجاح في كل أمور الحياة البسيطة مرتبط كلياً بإتباع خطة أو منهج محدد فما بالك بمنهج وضعه الذي فطرك سبحانه وتعالى؟ فلو أخذنا على ذلك الصلاة كمثال من خلال عرض الصنعة على الصانع فلو أن لديك أي جهاز كهربائي دقيق وعرضت عليك الشركة من باب الضمان أن يأتيك مهندس صيانة كل سنة، شركة أخرى عرضت أن يأتيك كل ستة أشهر وأخرى كل شهر وأخرى كل يوم فما بالك بشركة تعرض أن يأتيك خمس مرات في اليوم فهل ستكون قلقاً؟ ولأن صنعة المولى عز وجل تختلف عن أي صنعة على وجه الأرض طلب عرض الصنعة عليه خمس مرات في اليوم فالصلاة تعتبر إصلاح للنفس دون أن نشعر، فلو أخذنا مثال بسيط على ذلك عندما يأتي مهندس التلفاز ويفتحه من الخلف ليلقي عليه نظرة ثم يغلقه في نظرك هو لم يفعل شيئاً ولكن لو أن التلفاز تعطل بعد ذهاب المهندس فهذا يدل على أنه لم يكن يفعل شيئاً ولكن إستمرار التلفاز بالعمل يدل على أن نظرته كان لها دور في إنتظامه ومثل هذا من يصلي لو أنه يصلي حقاً بخشوع وتدبر ويعرض صنعته على الصانع بصورة سليمة تجده ملتزم ومتقي فهنالك شيء صلح فيه من غير أن تراه وهي الصلة الإلهية التي يتم شحنها في كل صلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ركعتان في جوف الليل) فهو لا يقصد أن يكون في الظلام ولكن أن تكون بعيداً عن كل ما قد يلهيك ويشغلك ولكن متفرغ بعرض الصنعة على الصانع لكي يصطلح حالك. قال تعالى: ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ 42 الحجر) وهذا لا يعني أنهم لا يخطئون قال تعالى:( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 70 الفرقان) فنتيجتهم أعظم من الذي لا يذنب لأنهم إمتنعوا عن لذة المعصية وذلك لا يعني أن الذي لم يذنب لا يدخل في هذا الإستثناء وذلك مثل الذي يتعتع في القرآن ويفرح لأن له أجران ولكنه نسي بأن الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة وهذه درجة عالية ولكن صعب الوصول إليها، وهذا يعني أن من أخطأ لا تكبله الخطيئة ولا تحيط به السيئة لأن الله عز وجل شرع التوبة:( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). الأرض بدأت بتوبة: ساعة نزل آدم u نزول درجة هبط بتوبة وبمشروعية التوبة فيوم القيامة يجب أن نشكر آدم لأنه بخطيئته عليه السلام شرعت التوبة التي هي محور حياتنا. أي كلمة في القرآن فيها توبة وإستغفار وإنابة (منيبين إليه) أي حالكم ترجعون لله تعالى وجمال التوبة أن تكون عن توبة والإنابة عن إنابة فتكون دائماً في معية الله سبحانه وتعالى فإذا رجعت إلى الله إبقَ عنده وإلزمه ولا تعود إلى الذنوب مرة أخرى .
ُثّت الحلقة بتاريخ 2/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:17 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 6
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ 29 الروم) وآية أخرى تعطيك مثل هذا المفهوم وتوضحه في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) فالمولى عز وجل يقول للرسول صلى الله عليه وسلم أن هنالك أناس سواءٌ بذلت معهم مجهوداً أو لم تبذل لا يمكن أن يؤمنوا. المناط: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 7 البقرة) لأن الله ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وهم في الأساس على أبصارهم غشاوة، فالسؤال هنا من الذي ختم؟ الله سبحانه وتعالى. وهذا هو الإضلال لأنهم كفروا فهو الذين بدأوا. وختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم لأنهم كفرة فالله لم يكفّرهم ولكن هم الذين كفروا واختاروا الكفر فإذا كنت تريد الخير يعطيك خيراً وإن أردت شراً فشراً بدليل قوله تعالى: ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا 18 الإسراء) ولهذا مسؤولية الإختيار تقع على الإنسان، فالله عز وجل ختم على الذين كفروا لأنهم إختاروا الكفر ولذلك أعطاهم الله تبارك وتعالى مما إختاروا (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا 19 الإسراء) فالإنسان هو الذي يختار والله عز وجل يعطيك من الذي تريده فالذي يريد الإيمان يأخذ والذي يريد التقوى يأخذ والذي يريد الكفر يأخذ.
هل هذه الغشاوة أبدية مطلقة؟ ألا يفيق أحدهم ويخرج من هذه الشريحة؟: لو ركزنا في سورة البقرة نجد الإجابة مستترة. توقيع (إن الذين كفروا) تظهر كأنه لا فائدة منه لأنه هو الذي كفر. والكفر هو الستر وكفر بالله أي وضع بينه وبين المولى عز وجل ساتراً ولو أزال هذا الساتر يُزال الحكم كله فإذا جاء من الكفر كأنه أزاح الختم والغشاوة بإزاحة الستر أو الساتر. فالإنسان هو الذي يختار وضع الساتر أو إزالته. قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 8 البقرة) إن الذين كفروا فئة موجودة وهناك فءة لا فعلوا مثل المتقين ولا مثل الكافرين وهؤلاء هم المنافقون. فالمتقي يظهر مثل ما يبطن من إيمان، والكافر يظهر مثل ما يبطن من كفر، أما المنافق فيظهر ما عند المتقين ويبطن ما عند الكفار فهو يظهر الإيمان ويبطن الكفر، والكافر أقرب للإيمان من المنافق لأن المنافق حالته غريبة فهو يكذب ويصدق نفسه فهو مذبذب فيغتر بإيمانه وهو ليس مؤمناً وعندما يكون مع الكفار يغتر بكفره فهو في ضياع ويكون أبعد عن الإيمان من الكافر. فالسؤال في الآية (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) تكون إجابته: الله. الله يهديه. والختم ليس نهائياً لكن الختم لأنه كفر فإذا أزاح هذا الكافر كفره وأعلن الإيمان يزيح الختم والغشاوة والله يفرح بتوبة العبد العاصي وهو الغني عن العالمين "لله أفرح بتوبة عبد من صاحب الراحلة". فمن يهدي من أضل الله؟ الإجابة هنا الله سبحانه وتعالى. والله لم يختم على قلبه إلا لأنه كفر قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء48 النساء) (ما) تشمل كل شيء ما عدا الشرك وإذا عاد من الشرك يتقبل الله عودته وتوبته. فلا يهدي من أضل الله إلا الله وفي قوله (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) تأكيد أن لا أحد يستطيع هدايته إلا المولى عز وجل فقط لأنه لا أحد يتدخل بينه وبين ربه.الذي كفر وإتبع هواه وجعل منه إلهاً ليس له أمل إلا أن يهديه الله سبحانه وتعالى. ونرى بعد هذه الآية قوله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 30 الروم) كأن الإنسان عند قرآءته (عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) كأن هناك كلاماً محذوفاً: الذي هو على الفطرة السليمة يقول أنا لا أريد أن أكون من هؤلاء فيقول له: (فأقم وجهك) ليدل الله عز وجل الناس على الطريق السوي الذي يجب أن يتبعوه لكي لا يكون من الذين أضل الله.
في سورة الأنفال قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23))
التوبة منهج حياة ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "يا آيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة". وقال (يا آيها الناس) ولم يقل يا آيها الذين أسلموا أو آمنوا لأن التوبة حياة ومنهج حياة (منيبين إليه) هذاحالهم أنهم منيبين إلى الله سبحانه وتعالى ولهذا المولى عز وجل سمى نفسه التواب فأنت تواب وهو تواب ولله المثل الأعلى فالإنسان يكون تواباً إليه وهو سبحانه تواب لكي يقبل التوبة الكثيرة. وتوّاب توصيفها: إما أن الناس الذين يتوبون كثر أو لأن الإنسان الذي يتوب يتوب كثيراً فلا يصح أن يكون اسم المولى عز وجل تائب مثل غافر مثلاً. فغافر في توصيف المغفرة تصح ولكن تائب لا تصح لأن التوبة كثيرة والإنسان خطّاء فلذلك يقابل المفاعلة بمفاعلة، فلا يوجد في التوبة تائب وإنما تواب فقط. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)) وفي الآية توجيه من الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا بأن يستفيدوا من سمعهم ومن هذه النعمة التي أعطاك إياها المولى عز وجل وهي السمع لأن هنالك غيرك من الناس من لديه هذه النعمة ولكن لم يستفد منها. فهم يقولون في الآية سمعنا وهم لا يسمعون. وسمعنا في الآية ليست بمعنى السمع عن طريق الأذن ولكن السمع هنا بمعنى الطاعة وهذا لازم معنى السمع فهم قالوا سمعنا ولكنهم لم يطيعوا فهم بعصيانهم أصبحوا أقل درجة من البهائم، قال الله تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5 الجمعة) وهذا المثل بعكس ما قد يظنه الناس ففيه مدح للحمار لأنه ليس من وظيفة الحمار أن يحمل أسفاراً فالحمار يحمل أثقالاً وحمولة فقط فعندما يأتي شخص ويحمله معاني الكتب فمن هو الحمار؟؟ الذي يُحمِّله . (وحُمِّلوا) في الآية أي أن الله خلقهم وهم على إستعداد لحملها والعمل بها وتحمل مسؤوليتها والإستفادة منها ونقلها إلى الناس ولكنهم لم يحملوها بل غيروها وحرفوها وكل هذا بسبب الكِبر. والكبر مصيبة عظيمة ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر" وذلك لأنه أولاً قلّد غلطة إبليس ورد الأمر على الآمر وبذلك يقفل كل مفاتيح التقوى والهداية لنفسه، وثانياً يقوم بأمر ليس من سمات البشر ففي الحديث الصحيح يقول الله سبحانه وتعالى: "العز إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما فقد عذبته" ولم يقل سأعذبه في المستقبل لأن الكبر من صفات الله عز وجل والتي لا تنسحب على البشر فهنالك صفات لله يأخذ الإنسان جزءاً منها وهناك صفات لا يجوز أن يأخذ الإنسان جزءاً منها فالكبر إما أن يكون منهج حياة أو أن مقلوبه هو منهج الحياة وهو التواضع فيكون منهجك بحيث أنك تستمع لكل الناس ولا يعتقد الإنسان للحظة أنه قد وصل فمن قال أنا عالم فهو جاهل فالكبر ليس من سمات الإنسان بل من سمات الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كان يأكل بشماله : "كل بيمينك فقال الرجل: لا أستطيع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لاإستطعت والله ما منعه إلا الكبر" كان يجب عليه أن يقول على الأقل أحاول. وفي قوله تعالى: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ 47 البقرة) فالتفضيل هنا بأن الله ذكر عندهم في كتابهم أوصاف النبي الخاتم ولذلك لما تكلم معهم عيسى عليه السلام قال: ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 الصف) وهم يعرفونه أكثر مما يعرفون أبناءهم. هناك ميثاق (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) وهذا غير الميثاق الأول (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) فالمولى عز وجل فضّلهم على العالمين بأنه أعطاهم أوصاف النبي الخاتم.
كثرة الأنبياء إعتقد اليهود أنها ميزة فيهم لكنها العكس، تحولت النبوة الخاتمة من بني إسحق إلى بني إسماعيل وبعد أن كان يأمر وينهى صار تابعاً يقف خلف إمام في الصلاة. هذا هو الكِبر وهذا الذي إتخذ إلهه هواه. فهم يرون أنهم أئمة لكثرة المرسلين والأنبياء فيهم-وهذه ليست ميزة- فعندما رأوا أن الرسول ليس من بني إسرائيل أو من بني إسحاق فبذلك تحولت النبوة الخاتمة وجاءت عربية وليست إسرائيلية وأنهم بعد ما كانوا أصحاب علم وأئمة سيصبحون مأمومين وتابعين وهنا يظهر الكبر، وهذه هي المشكلة عند غير المسلمين فهو في ديانته إمام وله شأن كبير-ولكن على ضلال- فهل يستطيع بعد أن يُسلم أن يصبح مأموماً؟ هذا هو الكبر. أما في الإسلام ليس هنالك أي مانع أن تصلي خلف أي شخص وهذا هو التسليم والإسلام.
قال تعالى (كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الأنفال) هذا تأكيد فالذي فعلوه بأنهم لم يتحملوا الرسالة بعدم الطاعة وكفروا. الله تعالى يفطر الإنسان على المنهج ورزقه السمع والبصر والفؤاد ومن فضله تعالى يرسل الرسل على مر السنوات ومع ذلك بعض الناس لا يسمعون ولا يبصرون وهذا من مناط الكِبر.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ). (ولا تولوا عنه): الضمير هنا عائد على الله سبحانه وتعالى لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله. فلا يظن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي بشيء يخالف لمنهج الله تعالى فلا داعي أن يقال : ولا تولوا عنهما. ورد في القرآن الكريم طاعة الرسول لوحدها في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ 59 النساء)، أما أولي الأمر أتت بالإضافة (وأُولي الأمر) وليس متصوراً في هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء يخالف منهج الله تعالى ولذلك أتت في الآية ولا تولوا عنه. (عنه): هو المنهج الذي هو لله تبارك وتعالى ويأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) لا يسمعون أي لا يطيعون، لا يفعلون لازم معنى السمع ولازم معنى السمع هو الطاعة. (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ 285 البقرة) والآخرون (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا93 البقرة) فهم قلبوا المنهج أو ردوا الأمر على الآمر مقلدين إبليس و إبليس هو الذي ابتدع الكِبر (إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 الإسراء) فكان المفروض أن يسجد كما فعل الملائكة (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ 73 ص). فسجد الملائكة لم يستخدم (ثم) لأن عملية سجودهم كانت فورية لأن من دأب الملائكة الطاعة والإنسان لديه هذا الجزء تشبهاً بالملائكة (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) غفرانك هنا لأن الإنسان سيطيع ولكنه معرض للخطأ، آدم عليه السلام عندما أُمر (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ 35 البقرة) لم يرفض ولم يناقش بل قال حسناً ولكنه لم يعمل لأن ليس كل ما وافقت عليه ينفذ فكل أمر من الله يستوجب الطاعة والعمل به يحتاج إلى غفرانك وطلب المعونة من الله. ولو لا حظنا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة : "اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" فالذي يصلي العصر في جماعة ويقولها يصلي المغرب في جماعة على شرط أن تكون من القلب وليس من اللسان فقط فهو يصلي الفرض الذي يليه في جماعة لأنه طلب المعونة ولم يعتمد على نفسه. قال الله تعالى: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) فهم أصبحوا أسوأ وأقل درجة من البهائم والعياذ بالله لأن الفرق بين الإنسان والحيوان: العقل والإيمان ومناط الفكر (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا 44 الفرقان) فالبهائم تُسبّح المولى عز وجل وهي غير مكلفة فتسبيحها تسبيح فطري وهم قد ميزهم الله عز وجل بالسمع والعقل ولذلك وهم في طريقهم إلى النار يقولون: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ 11 الملك) فهم استحقوا السعير على عكس الذين سارعوا إلى المغفرة (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ 133 آل عمران) هم سارعوا إلى الضلال والكفر وإلى هذا الحاجز الذي بينهم وبين الحق تبارك وتعالى في حين أن هذا الحاجز كان يجب أن يكون بينهم وبين محارمه وليس بينهم وبينه سبحانه وتعالى ولذلك (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ 31 الروم) لأنك إذا عرفت الله تطيعه فالكافر لا يعرف كُنه الإله الحق وهذا حال الكافر. الذي اختار إتباع هواه فهو لا يريد مناهج.
بعض الناس تستكبر أن تسمع نصيحة والكِبر فروعه كثيرة في حين أن عكسه وهو التواضع هو المنهج فالرسول عليه الصلاة والسلام كم كان متواضعاً وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في بعض الأمور يسأل ويستشير وقد قال له الله تبارك وتعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 159 آل عمران) وشاورهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ 1 الأحزاب) وتعني دُم على تقوى الله فما يوجه للرسول صلى الله عليه وسلم يوجه له بصفة الثبوت والدوام لأنه عليها ولكنه يوجه إليه بوصفه زعيم الأمة فإذا قال أحد لشخص إتق الله فعليه أن لا يغضب. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء 1 الطلاق) فاللفظ فيه توجيه للرسول صلى الله عليه وسلّم وللأمة من بعده فإذا أراد شخص ما أن يطلق فليطلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم. التوجيه للرسول r أما بقية الأمة فتفعلها بأخلاق النبي r ومناطها قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ 21 الأحزاب) ويرجو الله أي يرجو طاعة الله ويرجو حسن لقاء الله، يرجو اليوم الآخر فهي هنا تحقق بلازم المعنى، واليوم الآخر أي أنه يريد أن تكون وقفته في هذا اليوم وقفة مشرفة وحسنة عليها يبكي العارفون.
قال الله تعالى: ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ) لأسمعهم الأولى تعني لجبلهم وهداهم إلى الطاعة ولو هداهم إلى الطاعة لن يسمعوا الكلام ولن يطيعوا الله أي أنهم سيشاهدون المنهج ولكن لن يتبعوه ومعنى هذا أنه ساعة ختم الله على قلوبهم وسمعهم لم يظلمهم فالله تبارك وتعالى لا يظلم أحداً ولكن الناس يظلمون أنفسهم فالإنسان الذي على كفر وضلال هو الذي كفر بدليل أنه يستطيع أن يسلم في أي لحظة دون أن يمنعه أحد. الله سبحانه وتعالى ما ختم على قلبه إلا لأنه كفر بالله تبارك وتعالى ورفض المنهج ولا يهدي من أضل الله إلا الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ 24 الأنفال) الحياة حياتين والموت موتين: الموت الأول وهو قبل الخلق (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ28 البقرة) وكنتم أمواتاً أي قبل الخلق فأحياكم، والموت الثاني هو الذي نعرفه ونراه وهو نقض الحياة. والموت الأول لم نره. ساعة الإنسان يحيا لديه نوعان من الحياة فالذي كفر إنسان حي على وجه الأرض ولكن حياته تكون بطبيعة الفطرة وهو كفر فمات على حياة. الروح قوام الحياة ولكن هل من قبيل الصدفة أن يطلق الله تبارك وتعالى على الوحي عامة الروح وعلى القرآن الروح وعلى الملك الذي يجيء بالقرآن الروح (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ193 الشعراء) وهو جبريل عليه السلام (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ 15 غافر) وهو الوحي. فالملك الذي يجيء بالوحي اسمه الروح والوحي روح (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ 52 الشورى) فالقرآن أيضاً روح لأنه يعطيك حياة فوق الحياة فالذي كفر مات وهو حي فهو حي حياة عادية ولكن لو آمن كان أخذ حياة أخرى تعطيه وتوصله إلى حياة خالدة وباقية فالذي يريد أن يحيا الحياة الحق فليأخذ للروح روحاً. فالروح التي هي قوام الحياة ستنتهي في يوم من الأيام فلذلك يجب أن تأخذ روحاً وهو المنهج الذي يعطيك الحياة الخالدة، ولذلك سميت الحياة هذه الحياة الدنيا لأنها دنية ولا تستحق العناء (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ 113 المؤمنون) ولكن الحياة التي تستحق التعب لأجلها هي الحياة الآخرة والباقية والحقيقية، هذه (لما يحييكم) في الدنيا على منهج الحياة الباقية. ولذلك الذي يدخل النار يموت في كل لحظة (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 56 النساء)، بينما الذي في الجنة فهو يعيش أبداً في نعيم (مثل الجنة التي وُعِد المتقون) ولذلك قال الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء 52 الروم) والصُمّ هنا بلازم المعنى فهم لم يستفيدوا من هذه النعمة فيسمعوا المنهج ويتبعوه. كل نعيم نراه في الدنيا إما أن يترك صاحبه أو صاحبه يتركه لكن نعيم الآخرة نعيم مقيم أبدي.
بثّت الحلقة بتاريخ 9/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:19 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 7
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال) عندما نسمع النداء (يا أيها الذين آمنوا) يكون هناك تكليف. عند كثير من الناس كلمة توبة لا تأتي إلا بعد المعصية أو الذنب حتى في الديانات الأخرى وهذه الفكرة في الإسلام كديانة-أي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم- مختلفة تماماً فالإنابة حالة حتى الرسول صلى الله عليه وسلم جعل من التوبة حالته فهو يقول "ياآيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة". وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد الصلاة وبعد كل طاعة فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يكون في حالة إنابة وحالة توبة وحالة معية لله تبارك وتعالى. وتتحقق هذه الحالة بالطاعة فحالة الإنابة والتقوى لا تتحقق إلا بالطاعة وإتباع المنهج. ولو أخذنا مثالاً على ذلك أتقى رجل في الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما تولى الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني متّبع ولست بمبتدع، فيجب على كل إنسان أن يحذر من أن يغتر بإيمانه ويعتقد أنه في غنى عن الناس وعن المنهج وهذا أمر في منتهى الخطورة فالإنسان بحاجة دائمة للمنهج. والدليل على ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فهؤلاء مؤمنون ومع ذلك الخطاب موجه لهم وليسوا منزهين كما يفترض معظم الناس فيقول الله سبحانه وتعالى لهم (أَطِيعُواْ اللَّهَ). ومثل آخر لإبراهيم عليه السلام خليل الله فهو قد رفض الأصنام وحطمها ورفض الشمس والقمر والكوكب فاحتار قومه معه من الذي ستعبده؟ فحتى المعطيات التي أعطاك إياها رب العالمين-إن صح التعبير-رفضتها، قال الله تعالى:( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ 76 الأنعام) فهو في حالة بحث فهذه ليست أول مرة إبراهيم عليه السلام يرى كوكباً ولكن حالة البحث غير حالة الحياة، ورفض الكوكب، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي 77 الأنعام) وهنا وجد أن القمر أكبر بقليل من الكوكب وأكثر وضوحاً وهذه أيضاً ليست المرة الأولى التي يرى فيها القمر ولكن رؤيته القمر بعد الكوكب دليل على أن هذا كلام الله وهذا هو مراد الله وتوقيعه، (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 الأنعام) وهنا يأتي توقف البحث الذي وجهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان سوف يقول لك الله خلق كذا وكذا وكذا فمن خلق الله؟ وهنا يجب أن يتوقف الأنسان بالبحث. فعندما وقف الخليل عليه السلام بالبحث قال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) وقد إستخدم كلمة ربي رغم أنه لا يعرفه ويبحث عنه. وهذا ليس كلام إبراهيم ولكن كلام الله على لسان إبراهيم، والمنطق يقول إن للكون إلهاً وهذا الإله يجب أن يكون أكبر من أي خلق لأن أي مخلوق له خالق أولى بالعبادة. فلما أفل بدأ إبراهيم عليه السلام يتدخل بالفكر وقال لا أحب الآفلين والحب هنا ليس الحب الذي يقابل الكره ولكن لا أحب هنا أي أن هذا لا يصلح أن يكون إلهاً لأنه قد غاب فهذا يدل على أن هناك من يغيبه فالذي يغيبه أولى منه بالعبادة. فلما سأله قومه ماذا ستعبد؟ قال عليه السلام في قوله تعالى:(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 79 الأنعام) وهو لم يكن يعرفه في ذلك الوقت وهذه هي منطقية البحث.
ولا يوجد أحد كبير على إحتياجه للمعونة الإلهية للهدى، فالهدى موجود ولكن الله عز وجل هو الذي يمدك بالمعونة لكي تصل إلى الهدى ففي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فهذا لا يعني أنهم وصلوا إلى قمة الإيمان وأنهم منزهون ولذلك قال الله تعالى: (أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) ونجد هذا أيضاً في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ 136 النساء). ففي قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أتت أمراً من الله تبارك وتعالى. والإيمان هو أن يكون لديك يقين جازم بالأشياء التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الجامع (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلوني فهابوه أن يسألوه. فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال "لا تشرك بالله شيئا. وتقيم الصلاة. وتؤتى الزكاة. وتصوم رمضان" قال: صدقت. قال: يا رسول الله ! ما الإيمان؟ قال "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله" قال: صدقت. قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال "أن تخشى الله كأنك تراه. فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك" قال صدقت. قال : يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ قال" ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وسأحدثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربتها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها. وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله. ثم قرأ: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}. [31/ سورة لقمان، آية 34] قال ثم قام الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوه على" فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل أراد أن تعلموا. إذا لم تسألوا".(صحيح مسلم، كتاب الإيمان)) فالإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. فتؤمن بالله أي تؤمن بالله وبكل من أرسله ولذلك نجد في أول سورة البقرة وأخرها قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ 285 البقرة) وفي أولها (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 4 البقرة) فلا يصح الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا بعد الإيمان بسائر الأنبياء والمرسلين ولذلك نجد في القرآن الكريم تبشير عيسى عليه السلام به-أي محمد صلى الله عليه وسلم-في قوله تعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 الصف)
فالإيمان هو اليقين الجازم بكل ما أمرك الله تبارك وتعالى به. فطاعة الله تساعد على دوام الإيمان فلو أخذنا مثالاً على ذلك مؤمن مع جماعة المؤمنين يؤذن فيصلون وهو لا يصلي و جاء الخمر فشرب وهم لم يشربوا فأين إيمانه؟ فهو إذن ملحق على جماعة المؤمنين وليس منهم فوجوده معهم وجود سليقة لأنه ولد مسلماً. وهذا من أخطر قضايا المسلمين أنهم ولدوا مسلمين فتجد منهم من يشرب الخمر ويسرق ويزني ويكذب وهو مسلم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وفي ضمن هذا النداء من جاء مسلماً، فهناك من يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر. وتوقيع الصلاة في القرآن (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ 45 العنكبوت) فمن يرتكب الفحشاء أو المنكر بعد الصلاة فهو لم يكن يصلي ولم يقم الصلاة ولم تنفعه. حلاوة الصلاة لا تأتي إلا عندما تركز فيها وأخطر شيء أن تجد نفسك بعد أن كبّرت تكبيرة الإحرام تسلِّم دون أن تدري وتكون بذلك لم تصلي. وكثيراً ما يجد الإنسان نفسه في آية إياك نعبد وإياك نستعين في سورة الفاتحة وفي التشهد الأول عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله يتثاءب وذلك من فعل الشيطان لأن إياك نعبد وإياك نستعين والشهادة هما دعائم التوحيد فهو يفعل ذلك لكي يوقعك أو يجعلك مستهتراً لأنه لو قلت إياك نعبد وإياك نستعين ستقع في قلبك فإذا فرغت من الصلاة ووسوس لك الشيطان بمعصية لن تفعلها.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وطاعة الله أن تقرأ القرآن لأنك من أين تستطيع أن تأتي بكلام الله من غير القرآن فهو المنهج وقراءته يجب أن تكون بتدبر (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا 24 محمد) فالأمر ليس بقراءة القرآن فقط لعد أجزاء دون تدبر وإنما أمرنا أن نتدبر بهذه الطريقة.
(أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فما هي طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كثير من الناس من يسأل عن أمور في الدين لكي يعرف إذا كانت فرض أم سنة فإذا كانت فرض سيؤديها وإذا كانت سنة فليس من المهم أن يؤديها. فالسنة عند كثير من الناس ليس مهماً أداؤها وهذا الأمر لن تجده أبداً عند من طرق باب الإسلام مسلماً صادقاً باحثاً قارئاً ومتدبراً-وليس بهوى- ولكن فقط عند الذين ولدوا مسلمين لأنهم لم يتعبوا في بحثهم عن الحق.
طاعة الله بالأمر الإجمالي في القرآن، أما كيفية الصلاة والزكاة والحج والصوم نأخذها من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ 80 النساء) فلا يمكن من غير الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنة نستطيع أن نكون مسلمين. فلولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا مسلمين. فلا يصح الإسلام إلا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبسنته، فكيف تصوم أو تصلي أو تحج أو القيام بأي شعيرة من غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذا في العبادات وحتى المعاملات وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها (كان خلقه القرآن). فطاعة الله تأتي بالأمر الإجمالي أما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فبالأمر التفصيلي ، تفصيل هذا الإجمال.
في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ) ولا تولوا عنه أي محمد صلى الله عليه وسلم، الضمير عائد على محمد rوقد يكون عائداً على المولى تعالى ولو كان عائداً على الإثنين لقال (عنهما).
قال تعالى (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) التوبة) الضمير عائد على من؟ نأخذ قول الله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9 الحجرات) ومن أعداء الدين من يقرأ القرآن بنية التدبر ولكن بنية البحث عن أخطاء لغوية ومن يمسك القرآن ليخطئه فقد أهدر وقته وجهده. ولو لاحظنا فقد نزل القرآن الكريم على أناس كانوا يكتبون الشعر العربي الفصيح والقصيدة بألف بيت فلو كانوا وهم كفار وهم أبلغ ناس كانوا يستطيعون أن يخطئوا القرآن ولكنهم عندما يلتزمون الصمت فهذا يدل على أنهم قد فهموه وفهموه على مراد الله فيه لأنهم يعتبروا أساتذة في اللغة. فلغة القرآن تختلف عن لغة العوام واللغة العربية الفصحى بدليل هذه الآيات لأن لولا التعبير القرآني ما تحقق مراد الله. بمعنى أن القضية بالواقع أو بمراد الله فبالواقع اللغوي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا فنحن هكذا نتكلم عن الطائفتين فهذا مثنى كلمة طائفة فلو قلنا اقتتلا لغوياً تكون صحيحة ولكن ليس على مراد الله. فمراد الله يأتي في واقع الأمر فلو دخلنا داخل هذه الطائفة وهذه الطائفة فاللفظ اقتتل وسنضيف له إما ألف الاثنين أو واو الجماعة. الواحد من الطائفة يبحث عن واحد من الطائفة الثانية ليقتله أو يفضل لو يقتل عشرة والعشرة سيهجمون على الواحد ليقتلوه وهؤلاء جمع فالطائفة فيها تعبير لفظي واللفظ لغة مفرد ولكن داخله جمع. فالقتال لا يمكن أن يأتي مثنى لأن القتال لا يكون فرداً ويتصدى له فرد بل أكثر من ذلك فيصبحون بذلك جماعة فاقتتلوا يجب أن تأخذ الجمع. ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) رجعنا إلى المثنى لأن في القتال يكون هنالك واحد فيخرج له أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك فلذا أستخدم الجمع في اقتتلوا أما في الإصلاح فأنت لن تأتي بالطائفتين وإنما رئيس الطائفة الأولى ورئيس الطائفة الثانية لذا أستخدم المثنى بينهما. ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى) إحداهما لأنهم طائفة، ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) فأصلحوا بينهما، بينهما أتت مثنى، ففي الصلح لها توقيع لغوي وفي القتال لها توقيع آخر.
وفي قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ 10 الحجرات) وأتت هنا بين أخويكم وليس إخوانكم لأن التوقيع هنا أنه عندما تريد أن تصلح تأتي دائماً باثنين مثال على ذلك في العلاقة الزوجية: (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا 35 النساء) يريدا هنا تعود على الحكمين أو الحكمين والزوجين أو الحكم والزوج في فريق والحكم الآخر والزوجة في فريق آخر. ودائماً في الإصلاح يستخدم المثنى لأنه لو زاد عن المثنى لن يكون هناك إصلاح. واستخدمت كلمة حكم هنا أي رجل وليس امرأة لأن المرأة عاطفية-وهذا ليس عيباً- فكثيراً ما تؤثر عاطفتها في حكمها ولكن الرجل يحكم عقله في الغالب والحكم من الحكمة فيجب أن يكون رجلاً عاقلاً حكيماً ولذلك أطلق حكم في الآية ولم يشترط أن يكون من العائلة فقد يكون جارها ولكن يمثلها أو يمثله. فالتوقيع القرآني يختلف عن التوقيع اللغوي لو كانت الكلمة مجردة أو مطلقة أو في القرآن.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) المتكلم في هذه الآية الله تبارك وتعالى. و(عنه) في الآية تعود على الرسول صلى الله عليه وسلم. (والله ورسوله أحق أن يرضوه) في التوقيع أحق بالرضى وفي القرآن يرضوه، توحيد الضمير اوحدة التوحيد. (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه) هو بعث رسولاً يأمرنا أن لا نتولى عنه. و(عنه) لغة متعلقة بـ (ولا تولوا). فالتولي لا يكون أبداً عن الله فالتولي يستحيل حتى على الكافر بالله أن يتولى عن الله والدليل قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 83 آل عمران) غير المسلم ديانة مسلم كرهاً والمسلم ديانة مسلم طوعاً فمن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهم مسلم طوعاً اليهودي أو غير المسلم ديانة لا يستطيع أن يستيقظ الصبح ويقوم بشيء لم يكتبه الله فبذلك هو مسلم كرهاً. فالتولي لا يمكن أن يكون عن الله إنما التولي يكون عن الرسل، تعرض عن الرسول.
بثّت الحلقة بتاريخ 16/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:21 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 8
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال)
إتّباع المنهج وطاعة الله تعالى ورسوله r هي المدخل ليكون الإنسان في معيّة الله عز وجل فما هي المداخل الأخرى التي نستخدمها لنكون في معية الله تعالى؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) بعض المستشرقين أثاروا موضوع الضمائر في القرآن الكريم. هذه الآية بتوقيع معاني اللغة العربية تقطع أسئلة المستشرقين. (ولا تولوا عنه) الضمير عنه متعلق بالتولي. (عنه) في الإعراب جار ومجرور متعلقان بقعل تولوا وليسا متعلقين بالطاعة لا لله ولا للرسول أو الله ورسوله. طاعة الله تعالى مفردة وردت في القرآن الكريم، وطاعة الرسول r وردت مفردة في القرآن الكريم وطاعة الله ورسوله وردت في القرآن أيضاً. أولاً يجب أن نفهم معنى الطاعة. ما معنى أن أطيع الله؟ أو أطيع الرسول r؟ يجب أن نفهم الطاعة ضمن إطار (يا أيها الذين آمنوا) لم ترِد أطيعوا للذين مع الذين كفروا أبداً. فالطاعة لا تكون إلا للمؤمن بداية. وقلنا أن الإيمان هو اليقين الجازم بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. والطاعة تكون بأن تطبق من آمنت به وتنفّذ تعليماته ولذلك جاء تفويض بالقرآن بطاعة رسول الله ولو أمر وحده. عندنا أطيعوا الله ورسوله: لما يأتي الرسول بكلام من رب العالمين وعندنا (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) النساء) هذا تفويض فأين توقيعه؟ إذا أطعت الرسول فيما قاله تكون أطعت المولى لذلك قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال الرسول ولم يقل النبي لأنه رسول من عند الله. يوقعها بطاعة مفردة (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) لم ترد هنا ورسوله. (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) لم يذكر كلمة الله هنا. كلمة الرسول تتضمن معنى الإله لأنه رسول الله لكن هذا إسمه توقيع التفويض (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) لماذا؟ نحن عندنا أقيموا الصلاة لكن من أين عرفنا عدد ركعات كل صلاة؟ أخذناه من الرسول r. طاعة الرسول في الأمر التفصيلي لطاعة الله في الأمر الإجمالي.
(ولا تولوا عنه) منطقياً التولي لا يمكن أن يكون عن الله تعالى حتى لمن كفر به سبحانه وتعالى. أنا كمسلم إسلام ديانة محمد r مسلم طوعاً، واليهودي كفر بالرسول r وبالتالي الذي كفر بالله تعالى لا يستطيع أن يتولى عن الله تعالى فله يسجد وله يُسلِم كرهاً (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران) المسلمون أسلموا طوعاً ومن كفر بالله تعالى وبالرسول أسلموا كرهاً.
ما دلالة إستخدام الواو في الآية بدل أو (طوعاً وكرها)؟
كل الحروف في القرآن الكريم حتى حروف الجر تأتي بمعناها وتحتمل معنى آخر. الواو تأخذ معنى (أو) في حالة ومعنى الواو في أعم الحالات. ذكرنا سابقاً في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)) حرف الجر (من) يعمل عمل (من) و عمل (في) لأنه لا أحد يفاجأ يوم الجمعة أن صلاة الجمعة في ساعة كذا لأنه يعرفها فالمفروض أن المسلم يعمل حساب صلاة الجمعة من قبلها واحترز من قبلها. (من يوم الجمعة) معناها في يوم الجمعة لكن تعمل حسابها من قبل يوم الجميعة (من تعمل بمعنى في). وهنا نسأل ما الحكمة من إستعمال الواو (ولا نقول لماذا لم يقل كذا؟ نقول لهم لأنه سبحانه أراد كذا. هذا ليتعلم الناس أدب السؤال)؟ الواو تنفع في الإحتمالين لكن (أو) تنفع في حالة واحدة. لو قال (أو) يتكلم عن مسلم وُلِد مسلماً وكافر وُلِد كافراً فافترض أن واحداً من هؤلاء إنتقل إلى الجهة الأخرى أو العكس (أو) عندها لا تعمل لذا قال تعالى (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) (أو) تعني أن الذي ولد مسلماً يبقى مسلماً والكافر يبقى كافراً وليس هذا هو المعنى المطلوب في الواو. (أو) تأتي بالمعنى الضمني. الفريقان لا يبقيان على حالهما لأنه لا إكراه في الدين حتى من الله تعالى، أنا ولدت مسلماً لكن هل أجبرني الله تعالى على الإسلام؟ لو أراد أي مسلم أن يتنصر أو يتهوّد أو غيره لا يمنعه أحد لأنه لا إكراه في الدين. (طوعاً وكرهاً) فالذي يريد أن يأتي من هذا الفريق وينضم للفريق الآخر والعكس ولو قال (أو) كان يبقى المسلم مسلماً وغير المسلم غير مسلم لكن إستعمال الواو تدل على أن المسلم قد يكون وُلِد طوعاً وجاء كرهاً أو وُلِد كرهاً وجاء طوعاً. (طوعاً وكرهاً) اليهودي نصنّفه غير مسلم كافر لأنه كفر بعيسى وبمحمد rكفر من حيث توصيفه لكنه لا يمكن أن يستيقظ صباحاً ويفعل شيئاً لم تُكتب في الأزل عند الله تعالى. (وله أسلم) نفهم منها إسلام الدين (إستسلم) لأن الله تعالى خلقه.
بعض الآيات توحي في ظاهرها أن الدّين فيه إجبار وأن الله تعالى لم يهديهم وهذه سنعمل عليها في حلقات قادمةإن شاء الله. جاء في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) نسأل من الذين جعلهم لا يؤمنون؟ قد يبدو أنه الله تعالى ويقد يقول البعض إذن الله تعالى فرض عليهم الكفر فنقول لهؤلاء أكملوا الآيات (إن الذين كفروا) تدل على أنهم هم الذين كفروا وهم بدأوا لكن نحن لا نحاسب الله تعالى على علمه بدليل قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). التجربة مفتوحة أمام الكفار هم بدأوا بالكفر ولو شاءوا لآمنوا في أي لحظة. وفي اللحظة التي يقول فيها أشهد أن لا إله إلا الله يكون أسلم طوعاً بعد أن كان مسلماً كرهاً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) ما دلالة تسمعون في الآية؟
السماع هنا ليس سماع كلام أو سماع هداية وإنما سماع إستجابة. وإذا نظرنا في الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)) نجد أن الخطاب للذين آمنوا (يا أيها الذين آمنوا) تدل على أنهم آمنوا بالله ورسوله ووقّعوا إسلامهم وليسوا معرضين. سابقاً سألنا أيهما أعلى درجة: الإسلام أو الإيمان؟ لو أردنا الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال يجب أن نسأل: أي إسلام تقصد؟ والمتسرع يجيب الإيمان لكن من وجهة نظر المحقق يسأل هل تقصد إسلام الرسالة (الشهادة) أو إسلام الوجه لله تعالى؟ المراحل هي: إسلام الشهادة ثم الإيمان بالتطبيق وفي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) الخطاب في البداية للمؤمنين ثم يطالبهم بالإسلام في نهاية الآية. هذا يعطينا الدرجات التي يحتاجها المسلم ليكون في الفردوس الأعلى وهي: إسلام الرسالة، الإيمان بالتطبيق، التقوى، حق التقوى أو الإحسان وإسلام الوجه لله تعالى. صحيح أنا مسلم لكن لما أخرج من بيتي ليس في بالي رب العالمين وإنما أقول يا ليتني أجد فلاناً كي ينهي لي هذه المعاملة هنا أكون مسلماً إسلام عقيدة لكن لو كنت مسلم الوجه لله تعالى أخرج من بيتي وأقول: "بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، حسبي الله ونعم الوكيل" أكون قد وكّلت الله تعالى الذي يقضي الحاجات (وتوكل على الحي الذي لا يموت) (إذا كنت أذهب وأنا أعتقد أن الشخص الذي أريده وسيلة يوفقني الله تعالى وإذا اعتقدت أنه غاية فهذا لا يكون توكلاً على الله تعالى) . فدعاء الخروج من المنزل هذا إسلام الوجه لله تعالى لأنك فوضت الأمر كله لله تعالى عز وجل. إسلام العقيدة أقل من الإيمان أما إسلام الوجه فهو أعلى الدرجات.
(وأنتم تسمعون) السماع هنا سماع إستجابة. هناك معنى لغوي ولازم معنى لغوي ومعنى إصلاحي. لما نقرأ سورة المجادلة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)) هل نفكر أنه سبحانه سمع أو نفّذ؟ نفهم منها أنه سبحانه سمع واستجاب. لو كانت (سمع) تعني فقط سمع لما نزل في السورة تشريع في حالة الظهار الذي اشتكت به المرأة من زوجها أوس بن الصامت. في ذلك الوقت كان الظهار نتيجته التحريم الأبدي للزوجة على الزوج ولكن في هذه الآية إستجاب تعالى للمرأة وأنزل تشريعاً آخر في هذا الموضوع وحلّ المشكلة (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)). القصة أن المرأة ذهبت إلى رسول الله r (وهنا ملاحظة لو أن الرسول r غير موجود كما في زماننا فنرجع إلى القرآن والسنة الصحيحة الثابتة كأنه r بيننا بسُنّته)، ذهبت المرأة تخبر رسول الله r أن زوجها أراد أن يجامعها وهو تريد أن تصلي العصر فقالت له انتظر حتى أصلي فغضب منها وقال لها أنت عليّ كظهر أمي فلما جاءت إلى الرسول r وأخبرته قال لها r: ما أراك إلا قد حرُمت عليه. وهذا هو التشريع من الله تعالى إلى ذلك الوقت وهو التحريم القطعي. فبدأت المرأة تبرر للرسول r فقالت: إن لي منه أولاداً إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا فيكرر الرسول r: ما أراك إلا قد حرُمت عليه. فالتفتت المرأة عن رسول الله r بفهمها أن الحل ليس عنده (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) لا يستطيع أن يشرّع تشريعاً لم يأته من الله تعالى فقالت: إلى الله أشكو حالتي. السيدة عائشة رضي الله عنها قالت لما نزل قوله تعالى ( قد سمع الله قول التي تجادلك) قالت: تبارك سمع الله والله لقد كنت بجوار رسول الله r ما سمعتها وسمعها الله من فوق سبع سموات. توقيع السمع هنا أنه يستمع ويعلم ولها معنى الإستجابة والتلبية. (ونفهم مما روته السيدة عائشة أن المرأة كانت تتحدث بأدب وبصوت خافت مع الرسول r عن زوجها ولم تشهّر به أو تفضحه كما يحصل في أيامنا هذه والله المستعان). فلما بدأ التشريع يكون (قد سمع) تكون استجابة وليس سماعاً مجرّداً.
لما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أي لا تضيعوا أنفسكم وأنتم على الإيمان بعدم الطاعة وعدم الإستجابة. (وأنتم تسمعون) أي وقد سمعتم. توقيع معنى السمع الذي حدث يأتي في آية أخرى بعدها (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) هم صمٌ ولو سمعوا وبكمٌ ولو نطقوا لكن ما سمعوا الهداية وما نطقوا الهدى لأنه مفروض لما يسمع يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فإذا لم يقلها فما الفرق بينه وبين الذي لا يسمع؟
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)) لأسمعهم هنا تعني لخلقهم على الهداية جعلهم يستفيدون من سمعهم لكن القضية الحقيقة (ولو أسمعهم) هل معنى أن كل من وُلِد مسلماً بقي على الإسلام؟ الناس تعتقد أن كل المسلمين في الجنة ويعتقدون أن المسلم العاصي يدخل النار قليلاً ثم يخرج وهذا أفضل عنده من أن يترك المعصية. نقول لهؤلاء أن هذا فكر إسرائيلي وهذا كلام الإسرائيليات وقّعها الله تعالى في قوله (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) البقرة) هذا فكر إسرائيلي أن يبقى الإنسان لعى المعصية أفضل له من أن يتركها لكن ماذا لو لم يخرج من النار؟ اترك المعصية طاعة لله تعالى فإن كان للمعصية لذة فطاعة الله تعالى لها لذّات وانظر ماذا يكون الأجر بعدها؟ هناك بعض من وُلِد كافراً ثم أسلم والعكس صحيح. البعض يحتج أنه لا يفهم الحكمة من شيء أو يعتقد أن بعض الأمور في المنهج قديمة ما عادت تنفع في زماننا الحالي فنقول لهؤلاء هل إذا ذهبت للدكتور وأعطاك دواء فهل تقول له أريد أن أعرف الحكمة من وراء هذا الدواء وكيف يعالج ومن ماذا يتكون؟ بالطبع لا وإنما تأخذ الدواء لأن الدكتور وضفه لك بعلمه وخبرته. نحن نقول (سمعنا وأطعنا) مجرد إسلامك لله تعالى وإيمانك به بالرسول r(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) أدركت الحكمة أم لم تدركها عليك أن تنفّذ لأن الأمر من الله تعالى.
(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) التوبة) لو على مرادنا اللغوي لقال (يرضوهما) لكن لو قيلت هكذا لا تؤدي مراد الله تعالى من المعنى. رضى الرسول ليس شرطاً أن يكون رضى الله تعالى فكل رضى مختلف. أنت ترسل رسولاً لجماعة مثلاً بأمر ما فيذهب الرسول ويستقبله الجماعة أفضل إستقبال هنا الرسول راضٍ عن الإستقبال لكن يقول لك عندما عرضت عليهم الأمر الذي أرسلتني به لم يوافقوا فبالتأكيد لن تكون أنت راضياً مع أن رسولك كان راضياً بالإستقبال. لما توحّد الضمير تدل على أن الذين أخذوا الرسالة يجب أن يفهموا أن مضمون الرسالة هو رضى الطرفين. الله ورسوله ووحّد الضمير لأن إرضاء الله هو إرضاء الرسول وإرضاء الرسول هو إرضاء الله تعالى حتى محمد r إذا رحّبت به ولم ترض بالرسالة لا يكون راضياً. لذا الشرط في نهاية الآية (لو كانوا مؤمنين) الإيمان هو اليقين الجازم بالتطبيق. فماذا يهم لو قابلتني جيداً ولم تطبق مضمون الرسالة؟ لو استقبلت ونفّذت ما يرضي الرسول r وهو نفس رضى الله عز وجل. ولهذا وحّد الضمير لأن محمداً r لا يرضى إذا لم يرض الناس بالرسالة. رضاه نفس رضى الله تعالى لأن محمداً r ليس له هوى. آية تؤكد أن رسول الله يفعل شيئاً ثم يأتي النص القرآني يعدّله له فلو كان القرآن من عند محمد r لن يعدّل. نفس الرسول r مختلفة عن البشر. لما إتخذ زيداً ابن محمد عدّلها القرآن ولو كان من عنده لما عدّلها (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) حتى لو فعل ما يخالف رضى السماء ورب السماء يأتي وحي يعدّلها. ومن عظمة الرسول r أنه ليس له هوى في نفسه لذا الرضى واحد.
في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)) تكرار الفعل في حق الرسول r تبين توقيع التفويض (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لأنه r لا ينطق عن الهودى. لكن أولي الأمر لو خالفوا ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة الثابتة لا تسمع كلامهم لذا جاء بعدها مباشرة (فردوه إلى الله رسوله) لم ترد أولي الأمر هنا لأن الأمر يرد إلى الله والرسول لأن المنهج يعود لله تعالى. المنهج من الله تعالى للأمة عن طريق رسول الله r الذي ليس له هوى لكن للأسف المسلمون اليوم يريدون إسلاماً على هواهم ويجب أن يطوّعوا إسلامهم على منهج الله تعالى. ولي الأمر يجب أن يعتمد المنهج فإذا فعل طاعته تكون واجبة وأمر ديني وإن خالف نردّ الأمر للمنهج (الله ورسوله) يجب أن يكون المنهج واضحاً فلا ينفع أن يكون المنهج مشوشاً. أسأل الله تعالى أن يُجلّي لنا القرآن والسُنّة. لما يسمع أحد القرآن وهو غير فاهم تجده يتحدث مع من بجانبه لكنه لو فهم لأنصت يتدبر (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) نسأل الله تعالى الرحمة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ميارى 27 - 7 - 2010 07:23 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 9
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال)
هل في إتّباع المنهج تغيير لحياة بني آدم؟ وهل في عدم إتباعه يكون الإنسان ميتاً؟ الناس تفهم أننا نولد ونموت وانتهى الأمر وأناس تفهم أننا نولد ثم نموت ثم نبعث ثانية.
نتوقف عند آيتين في كتاب الله عز وجل (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) غافر) و (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) النمل) هل المقصود الموتى في القبور أو الذي يحييون لكن قلوبهم ميتة؟
هذه الآيات تتعلق بمسألة مفهوم الحياة ومفهوم الموت وليس معنى الحياة ومعنى الموت لأن هناك معنى وهناك لازم معنى أو مفهوم. أول إشارة لهذا الموضوع كان في سورة البقرة والبديع أنها جاءت قبل أول إخبار عن خلق آدم u. أول إخبار عن خلق آدم في القرآن جاء في الآية: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) وقبلها بآية جاء قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)). حتى من لم يُسلِم لله تعالى عليه أن يفكّر بهذا السؤال (كيف تكفرون بالله) وهذا نمط غريب في الإبداع القرآني (وكنتم أمواتاً فأحياكم) هل أمواتاً قبل الخلق أو بعده؟ (فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون). في سورة الأنفال قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) نحن يجب أن نكون أحياء بدليل أننا آمنا لأنه لا يوجد ميّت يقال عليه مؤمن لأن المؤمن يعني أنه يُطبّق فإذن هو حيّ. بديع القرآن في إتصاله هناك قبل أن يقول (وإذ قال ربك للملائكة) يهيأ لك أنها يجب أن تكون أول شيء في القرآن أنه يخلق آدم ثم تتوالى الأنبياء والرسل وتأتي الذرية ثم يسألهم (كيف تكفرون). (كنتم أمواتاً) بالتأكيد لها معاني لازمة. (كيف تكفرون بالله) هل يُسأل هذا السؤال في منهج الله تعالى وفي قرآنه لكافرٍ به؟ إن القرآن للناس عامة وما أُرسل محمد r إلا للناس كافة لذلك جاء التوقيع القرآني في الرسول r: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). الناس ستقول بعد أن تكمل التجربة ويسألوا سؤال في نهاية الآية (فهل إلى خروج من سبيل) أما في البداية فقالوا (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين). كم مرة متنا؟ نحن رأينا أحداً مات ويوم القيامة نحن مؤمنين أنه سيبعث ونحن سنموت مثله فلو بعثنا يوم القيامة نقول متنا مرة واحدة وعشنا مرة واحدة ولم نحيا بعد للحساب. الأولى (أمتنا اثنتين) يمكن أن نغطيها (أنا أتكلم بخلفيات مما يقوله الناس) أنهم يقولون سنسلّم لموضوع أننا كنا ميتين قبل الخلق ثم الموتة الثانية ونحن ناقشنا في حلقات سابقة أنه لا يوجد خلقٌ من عدم في وجود الله تبارك وتعالى، لأنها ليست منطقية بدليل قوله تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) نحن مشكلتنا في التلقي وليس في التوقيع نحن مشكلتنا واحدة من اثنتين: إما غير فاهمين أو لا نريد أن نفهم. لو كنا غير فاهمين فليس عيباً لكننا نحن لا نريد أن نفهم!. واقعة البهائيين تدل على أن موضوع الإلتزام موضوع مُتعِب لأن الإنسان يريد أن ينفلت (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) هذا مراد الإنسان، والمشكلة في التلقّي وليس في التوقيع. فالذي لا يفهم يمكن أن نفهمه لكن ماذا نفعل بالذي لا يريد أن يفهم؟ المثل يقول أنت تستطيع أن تأخذ الحصان رغماً عنه إلى النهر لكن هل يمكنك أن ترغمه على الشرب؟ بالتأكيد لا. الآية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) أي أن الشيء موجود بدليل (أن يقول له) الضمير لا يعود إلا على موجود حتى لو كان غائباً عن مجلس الكلام (ضمير الغائب). الشيء في تصورنا أنه غير موجود لكنه موجود لأن الشيء يوجد ساعة إرادة الله تبارك وتعالى وهذا من قدرته سبحانه وتعالى (كُن) ليست بالنسبة لله تعالى وإنما بالنسبة لنا هي إظهاره لنا إنما مراد الله تعالى بمجرد الإرادة وُجد الشيء بدليل (له). فلا يوجد عدم بالنسبة لله تعالى لكن بالنسبة للمخلوق فالعدم موجود ونضرب مثالاً : إذا وضعت نجاراً في غرفة مقفلة ليس فيها شيء وقلت له إصنع لي مكتباً أو غيره وليس لديه مواد لعملها فسيقول لك أحضر لي خشباً وأدوات النجارة هذا لا يمكن أن يفعل شيئاً من عدم أما بالنسبة لله تعالى الحقّ فلا يوجد عدم أما عند المخلوق فيوجد عدم.
الموتتين عرفناها: الموتة التي قبل الخلق أي قبل أن تولد والموتة التي نموتها، فماذا عن الحياتين؟ يجب أن نفهم الحياتين: عندما يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا) اتفقنا أنها تدل على أنهم على قيد الحياة بدليل أنه يكلمهم. في محكم التوقيع قال: (وما أنت بمسمع من في القبور) الميت والذي لا يسمع ولم يستجب ويستفيد هذا اعتبرناه أصمّ وميت لأنه لا فرق بينه وبين الذي في القبر لأنه سمع ولم يستفد فاعتبرناه ميتاً. الميت الذي في القبر لا يستمع إلى محمد rفماذا يختلف عن الذي حضر محمداً r ولم يستفد؟ هناك نقطة ثانية: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) قالوا فيها (بعدم السماع) أن الأمر انتهى وأن الكافر ليس بيده لأن الله حال بينه وبين الإيمان.
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) خرجت من الإرادة المطلقة في القرآن إلى قصية التسيير. هل صنّف الله تعالى البشر صنفين وهل ظلم أحداً حاشاه؟ صنف حيّ دائماً وصنف ميت؟
أنعم الله تعالى علينا بالإسلام والإيمان وقسم آخر حال تعالى بينه وبين قلبه ولم يصل إلى الهداية ويقولون أن الله تعالى حال بينه وبين قلبه فهل دخوله النار يكون ظلماً حاشاه؟ حتى نكون منصفين نرجع لواقع ٍحدث ساعة أرسل الله تعالى محمداً r: نأخذ مثالاً عمر بن الخطاب كيف بدا له الإسلام بداية وكيف انتهى؟ وما الذي حدث؟ عمر بن الخطاب بدأ رافضاً للإسلام فلو كان تعالى يحول بين المرء وقلبه بالمعنى الذي يعتقده البعض ليكون عذراً يوم القيامة لكان حال بين عمر وإسلامه. (الله يحول بين المرء وقلبه) يجب أن تُفهم فالله تعالى لا يُجبر أحداً على الإيمان ولا على الكفر لأنه لو أجبر عليها لكان دخولنا الجنة أيضاً ظلم ودخولهم النار بإجبار ظلم وهذا مفهوم فاسد غير منضبط. المسألة ليست هكذا وإنما حقيقة الأمر (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) لكن المؤمن يقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). وسبق أن قلنا أن الهداية هدايتين: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة للرسل التي قال عنها تعالى في حق الرسول r(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) وهداية المعونة هي التي لله تعالى والتي نفاها عن الرسول r(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وما على الرسول إلا البلاغ وهم يختاروا واختيارهم فيه فضل لله سبحانه وتعالى. الرسول يأتي بالمنهج وهناك من يقبله وهناك من يرفضه. الرسول rله فضل لكن فضل الله تعالى سابق دائماً.
علينا أن نوقّع المنهج في المنهج والقرآن بالقرآن (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) المشيئة الأولى للبشر. (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) فمشيئتي من باطن مشيئة الله تبارك وتعالى بدليل أهل الجنة داخل الجنة يقولون (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) لم يقولوا الحمد لله الذي هدانا لأننا عملنا واشتغلنا وإنما هؤلاء فهموا الحقيقة ولم يجادلوا فيها. نحن اهتدينا، اخترنا الهداية لكن الذي هدانا هو الله تعالى والذي دخل النار هل منعه أحدٌ من أن يُسلِم ويشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ لم يمنع أحد الذي وُلِد مسلماً أن يترك الإسلام إلى غيره، وهذه تحصل للأسف. البهائيون جاءوا من كل الديانات يهودي ونصراني ومسلم يجب أن نشرح لهؤلاء المنهج لأنهم ضلوا الطريق. هذه تظهر أن لا أحد يمنع أحداً من الديانات الثلاث من شيء لا أحد منع يهودي من أن يتنصر أو يسلم ولا العكس. وهذا يبيّن فضل الله تعالى على الإسلام لأنه دين تدبّر وليس فيه إكراه. الإسلام إذا كان بدون رضى وقناعة فإسلامه غير صحيح كالذي يُسلِم ليتزوج إمرأة فقط هذا لا يُسلِم عن قناعة وإنما لهوى في نفسه ونحن نريده أن يدخل الإسلام لا لهوى في نفسه ولكن لقناعة هذا لأن الله يحول بين المرء وقلبه أي يحول بين المرء وكل الأماني التي يتمناها الإنسان وليس الحول بين القلب ومراد القلب. البعض يقول أنا صغير الآن أنتظر حتى أكبر ثم أحج أو أصلي فيموت في اليوم التالي يكون قد مات على معصية. نقول إذا كنت ضامناً متى تموت فافعل ما تشاء لكن من يضمن عمره؟ هذا أمر خطير: تأجيل الحج، تأجيل الحجاب، تأجيل الصلاة بدون عذر.
قال تعالى (واعلموا) الله تعالى يخاطب المؤمنين الذي يؤجّل الحج لأنه ليس عنده فهذا لا يسمى تأجيلاً لأن الإستطاعة تشمل المال والصحة (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لكن الذي يؤجل ويقول سوف أحج عندما أكبر أو عندما أتزوج أو غيره والتي تقول سوف أتحجب بعد الزواج ولكن يمكن أن يكون الله تعالى لم يكتب لها الزواج وقد تكون جميلة وعلى خلق ولكن لا أحد يعلم الغيب ويمكن أن لا تتزوج. الرسول r أعطانا إحتمالات لأن كل إنسان يبحث عن مواضفات لكنه rيوجّه "فاظفر بذات الدين تربت يداك" فالتي يقول لها الشيطان أجّلي حجابك حتى يأتيك رجل يتزوجك ثم تتزوج رجلاً أحبّها لشعرها الذي رآه وهي بدون حجاب فهذا الرجل ليس متديناً لأنه نظر إلى ما لا ينبغي له، فالذي يبحث عن ذات الدين سيبحث عن المحجّبة والعكس صحيح. عليك أن تفعل الصحّ (بإفعل) واتركها على الله تعالى. الله تعالى يوقّع المرأة في قلب الرجل فليس جمالها أو شعرها هو الذي دفع الرجل ليتزوجها. قلب المرء يريد الأماني والله تعالى يحول بين المرء وبين هذه الأماني.
كل العبادات الناس تسوّف فيها: سوف أصلي، سوف أحج، سوف أصوم، سوف أستغفر ليلة القدر وهو ما زال في شعبان! فهل يعقل لمن أخطأ مثلاً في شعبان أن ينتظر إلى ليلة القدر ليستغفر؟!
(يا أيها الذين آمنوا) من المؤمنين من لم يعلم، هو من المؤمنين لكنه يفعل شيئاً يخالف ما كان يجب أن يكون عليه من تطبيق المنهج على مراد الله وليس على مراد الإنسان وهواه. (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ما الذي يحييكم؟ والآيات قبلها وبعدها. القرآن منهج لا يؤخذ منه جزء ويُترك الباقي مثلما يقول الناس (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) ويقفون. يجب أن نقرأ كل الآية (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) هناك مغفرة لمن يستحق وعذاب لمن يستحق. قارون قال (إنما أوتيته على علم عندي) فيأتي الرد من الله تعالى مباشرة بعدما نسب النعمة إلى نفسه: (فخسفنا به وبداره الأرض). قارون هذا كانت مفاتيح خزائنه تنوء بها العصبة أولي القوة فما بالك بالخزائن؟! لكنه لم يقل الحمد لله. أخصّ نِعَم الله تعالى علينا نعمة الإسلام. وإذا كان غير المسلم الذي دخل الإسلام يسجد لله تعالى مرة فعلى المسلم الذي وُلِد مسلماً أن يسجد لله دائماً "الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة". حديث الرسول r فيمن فقد بصره أن له الجنة: هو فقد البصر ولم يفقد البصيرة. من فقد بصره مرة قل الحمد لله الذي لم يفقدني البصيرة وهذه هي الحياة الحقيقية. (إذا دعاكم لما يحييكم) يحييكم حياة أبدية حقة لأن الحياة الدنيا لعب ولهو أما الآخرة فهي الحيوان في الجنة أو في النار. الحياة الدنيا منتهية أي نعيم فيها إما أن تتركه أو يتركك فهو حقير لذا كل نعيم سوى الجنة حقير. اللهم قِنا النار وعذاب النار. خُذ من أقلّ النِعَم نعمة وخُذ من المحنة منحة لأننا في نعيم لا نشعر به (إذا دعاكم لما يحييكم) هذه هي الحياة الحقيقية التي نبكي عليها أما في الحياة الدنيا إبقى على إسلامك.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يوجد مؤمنون لم يستجيبوا ومؤمنون غافلون. هذه الغفلة التي تعطيني أماني يمنيني بها الشيطان لنفس عاصية غافلة لاهية لأن الشيطان لا يقدر على نفس طائعة (إلا عبادك منهم المخلَصون) فردّ المولى تعالى (إن هذا صراط عليّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) فكيد الشيطان ضعيف. عباد الله لا يقدر عليهم شيطان فالمؤمن لما قال له تعالى: استجيبوا واعلموا يريدهم أن ينتقلوا من مرحلة الإيمان إلى مرحلة الإحسان التي قبلها التقوى. يجب أن يتدرج المؤمن ويترقّى في درجات ومراحل الإيمان: إسلام العقيدة ثم الإيمان ثم التقوى ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله. القليل مع الدوام أفضل فإذا بدأت بصلاة ركعتين وذقت حلاوتها تصبح أربعاً ثم ستاً ثم ثمانية وهكذا هذا التدرج لأن الذي يبدأ بعشرين ركعة سيقرأ بسرعة ولن يداوم عليها. صلّ ركعتين بتأنٍ وابدأ بصيام يوم واحد الإثنين أو الخميس ثم يومين ثم ثلاثة أيام من كل شهر وهكذا حتى تتدرج في الطاعة وتتذوق حلاوتها.
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) القلب لا يعطي إلا الأماني ويغُرّ.
الشيطان يوم القيامة يقول (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم) الإستجابة لا تكون إلا لله تعالى وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم: حياة فوق الحياة. الحياة العادية يهبها الله تعالى للمؤمن والكافر. عندما دبّت الروح في آدم ظهرت عليه مظاهر الحياة التي هي الحِسّ والحركة. لا يتحرك إلا إذا حسّ فهو حيّ هذه يستوي فيها المؤمن والكافر لكن الذي سيحيا الحياة في الآية (يحييكم) حياة فوق الحياة التي هي بالحِسّ والحركة. هذه التي تعطي حياة دنيا وآخرة، حياة فوق الحياة في الدنيا وحياة في الآخرة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:25 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 10
تقديم علاء بسيوني
التوبة والإستغفار ليست بضع كلمات يقولها الإنسان بلسانه عند إرتكابه معصية أو ذنب من الذنوب كأن يقول تبت إلى الله أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم فالقضية ليست على هذا الحد ولكن هي حالة من العودة والإنابة والرجوع الدائم إلى المولى عز وجل حتى نكون دائماً في معيته سبحانه وتعالى. والتوبة ليست متوقفة على التوبة من الذنوب فالأفضل والأرقى والأجمل أن تكون توبة عن توبة و إنابة دائمة. ثم ونحن نسير على طريق التوبة نتعرض لآيات في القرآن لنستعين بأسلحة ودعائم تعيننا في مشوارنا للتوبة وعلينا أن نتدبر معاني هذه الآيات لنستفيد منها.
ورد تعليق من أحد المشاهدين حول ما ذكرناه في قول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ 20 الأنفال) قلنا أن الضمير في (عنه) عائد على الرسول r لأن التولي لا يكون عن الله تعالى لكن في الآيات بعدها (لأسمعهم وهم معرضون) فهل الله تعالى هو المقصود هنا . الملحوظة من وجهة نظر السائل أنها في محلها وأن هناك خطأ فيما ذكرناه وبين ما وصلنا إليه ونحن نحترم وجهة نظره لكنه غفل عن التوقيع اللغوي في الآيات حينما قال (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) نحن قلنا عنه حتى نحل مسألة الضمير: عنه هنا جار ومجرور متعلقة بقضية التولي (ولا تولوا عنه) وقلنا أن المستشرقين عندما أدخلوا هذه الآية ضمن آيات توحيد الضمائر على سبيل (عنه) عن الرسول أو عن الله قلنا أن هنالك فرق بين الواقع اللغوي و فهم الناس للآيات (لتولوا عنه) في الآية أي عن محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا يستطيع مخلوق أن يتولى عن الله تبارك وتعالى حتى الذي أعلن الكفر لأن هنالك فرق بين الإسلام بالتسليم والإسلام بأسلمة المرء رغماً عنه وهذا أكده الله تبارك وتعالى في قرآنه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا 83 آل عمران) فحتى الذي أعلن كفره هو مسلم كرهاً من غير أن يشعر فهو متأسلم لأنه رغماً عنه وليس مستسلماً، مثال ذلك أن اليهودي لا يستطيع أن يستيقظ الصبح ويقوم بأمر الله لم يكتبه فبذلك هو مسلم رغماً عنه وذلك بعكس المسلم طواعية الذي نطق بالشهادتين وأعلن إيمانه وطبق القرآن حتى وإن وقع منه الذي حصل من آدم عليه السلام الذي أعلن التسليم عندما أمره الله عز وجل بعدم الاقتراب من الشجرة ولم يسأل عن السبب أو الحكمة كما هو الآن عند كثير من الناس الذي يريد أن يعرف الحكمة من كل أمر لأنه لو كان هنالك حكمة في الأداء الإيماني فلن يبقى إيمانياً فأنت بذلك عبدت الحكمة ولم تعبد رب الحكمة،فالذي يشترط معرفة الحكمة من الصيام لكي يصوم لم يعلن إيمانه ولا يفعل شيء إلا إذا عرف حكمته فهو بذلك عبد الحكمة وليس عبد الله سبحانه وتعالى إنما العبد الذي هو من العبودية الحقة عندما قلنا كلمة عباد جمع عابد وليس عبد والتسليم من الطاعة (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا 285 البقرة) فلا تقول لماذا فعل الله. كلا ولكن قل مالحكمة على استحياء فأنت تصوم ولكنك تريد أن تتعمق أكثر في فهم الحكمة لماذا؟ لكي يطمئن قلبك كما قال سيدنا إبراهيم عليه السلام فأنت في كلتا الحالتين ستصوم سواء فهمت الحكمة أم لم تفهمها فأنت ستنفذ الأمر لأنك عابد في كل الحالات، فالقضية هنا في (لا تولوا عنه) هي بالقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ليس هنالك تولي عن الله، أما في قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 23 الأنفال) التولي هنا عن ماذا؟ هنا التولي متعلق بالسماع (ولو أسمعهم لتولوا) فالتولي هنا ليس عن الله وإنما عن مصدر السماع وهو الرسول لأنه ليس هنالك بشر سمع من الله تبارك وتعالى مباشرة، قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 15 الإسراء) لم يقل حتى نسمعكم وإنما حتى نبعث رسولاًً. ولو أسمعهم في الآية تعني ولو تحقق السماع بإرسال رسول يسمعهم فالتولي هنا سيكون عن الرسول أيضاً.
(عنه) كانت متعلقة بالتولي وهنا التولي متعلق السماع من الرسول الناقل عن الله وستظهر أكثر في الآيات القادمة. والإستجابة ستظهر هذه القضية أن أمر الرسول لا ينفصل عن أمر بدليل ما ذكرناه سابقاً (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ 24 الأنفال) فأمر الرسول لا ينفصل عن أمر الله بدليل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 59 النساء) كأننا بتفويض إلهي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر هو أمراً ولو لم يأمر به الله تبارك وتعالى لأنه قال وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول هذا التفويض له مناط في القرآن بعيد عن كنه التفويض لكي يبين لك أنه عندما يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر وإن لم يكن موجوداً في القرآن وجب تنفيذه بدليل قوله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 7 الحشر) فلم يرد لفظ الله جل جلاله هنا، وهذا التفويض له مناط والمناط هو(وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فهو يأمر وينهى صلى الله عليه وسلم ولو بعيداً-وليس مخالفاً-عما أمر به الله تعالى فهو لا يخالف أمر الله تبارك وتعالى ومن صدقه صلى الله عليه وسلم وما يؤكد أنه رسول أنه يأمر أمراً ثم يأتي الله تبارك وتعالى بما يخالفه فيعلنه محمد صلى الله عليه وسلم ويقول أنا أخطأت وبتعديل إلهي كما في قصة زيد بن حارثة فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن محمد فجاء التعديل من السماء فلو كانت هذه الرسالة من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم ما كان ليظهر نفسه مخطئاً ولكن لأنه صلى الله عليه وسلم ينفذ تعليمات السماء يستوي عنده الأمر الذي للمسلمين بما خالفوا والأمر له بما خالف صلى الله عليه وسلم فيعلن هذا الأمر. فالحكمة من الآيات تأييد أنه رسول وأنه لا يخفي شيئاً من السماء فهو لا يقدر ولكن ينفذ ولذلك كان التفويض الإلهي له بحق لأنه أساساً لا ينطق عن الهوى.
سؤال: الآية (ادعوهم لآبائهم) ليست للرسول وحده وإنما لجميع المسلمين والآن هناك قضية مثارة أن يسمي الناس أنفسهم بأسماء أمهاتهم ويريدون أن يقدموه رسمياً في البطاقة الشخصية وقالوا أن الدين لا يعترض على هذا بحجة أن هذا الأمر قاصر على آيات التبني وهذا الأمر قد عمل بلبلة في مجتمعنا. هذا الأمر بحاجة إلى حلقة كاملة لأننا يجب أن نفهم الموضوع بأكمله من حيث اللغة ومن حيث الواقع فالذين يتكلمون في هذا الأمر نسأل الله تعالى لهم الهداية ونقول لهم لهم أن يتدبروا لكن يجب أن يحزروا من مخالفة الشرع لأن هذا الأمر يخالف الشرع وإلف العادة وما اعتاده الناس. يقولن هذا الأمر في حالة النسب فماذا لو أرادت المرأة أن تتبنى سيبقى الأمر لها (ادعوهم لآبائهم) والآية ليست خاصة بالرسول وزيد بن حارثة. الإلاسم لم يحرّم التبني أبداً وإنما حرّم النسب لنفسك لأن التبني تفعّل والرسول قال أنا وكافل اليتيم في الجنة وكافل اليتيم هو متبنّي فيجب أن نفهم الألفاظ قبل أن نطلقها. الإسلام حرّم النسب إلى المتبنّي ولكن ادعوهم لآبائهم فإذا لم تعرفوا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ولو كان يجوز النسب للأم لكان من باب أولى أن يذكرها تعالى في هذه القضية. وهذه الآية تحتاج إلى درس كنه التبني وما هو التبني وما هو النسب وما معنى ادعوهم ومعنى آباؤهم وسنعرض لهذا إن شاء الله تعالى في حلقة خاصة.
هنالك فرق بين أن تتولى فكأنك تبتعد ولكنك لست بمعرض وبين التولي مع الإعراض ولذلك جاء التأكيد لحالهم في الآية أنهم تولوا وهم معرضون فهؤلاء الناس توليهم سيكون تولي بواقع حال التولي لأن واقع حال التولي الإعراض فأنت قد تتولى وأنت متذبذب فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ولكن الله سبحانه وتعالى يؤكد في قوله (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ولو حرف امتناع لامتناع لأن هذا الأمر لن يحدث لخبرة الله تبارك وتعالى ولأن علمه هكذا ولكنه يضرب مثال بأنه حتى إذا أسمعهم لن تكون هنالك أي نتيجة ولذلك لم يسمعهم لأته سبق في علمه سبحانه وتعالى أنه لا طائل منهم وهذا في علم الله تبارك وتعالى والحقيقة هو لم يظلمهم بدليل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) فهم قد كفروا منذ البداية قبل أن يقول المولى عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لا فائدة منهم.
سؤال: فيما يتعلق بمعنى التولي هناك آيات متشابهة منها قال الله تعالى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 يونس) (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ 44 الكهف)، فقد توحي بعضها بالتولي أي الإعراض وبعضها الولاية فما الفرق بين الألفاظ بأن تكون ولياً أو يتولاك الله أو تتولى عن منهج الله؟ فما الفرق بين الولاية والتولي؟
لو جرّدت الكلمتين ستجد (ولي) و (ولى) أحياناً نكتب حرف الياء وهي ألف (ى) لكن لما نجرّج سنجد في الكلمتين-التولي والولاية-واو ولام وألف ولكن هناك فرق في النطق فالتشكيل يخلف المعنى ولي أو ولَى؟ ولي تكون من الولاية واقترب واستفاد ،أما ولى فبمعنى بعد، الحروف الثلاثة شكل بعض لكن وقوع التشكيل على الكلمات صحيح أن الكلمتين واو ولام وألف لكن واحدة تكتب واو ولام وألف والأخرى واو ولام وياء (ولي) بالياء وولي من الولاية أو الوِلاية (ولي لله) وولّى تكتب بالأف القصر. ولّى يعني بعِد وولي أخذ واقترب واستفاد (ولّى مدبراً) أي بعُد). الولاية في قوله تعالى (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) فالولاية هنا ليست بمعناها ولكن بلازم معناها فالولاية هنا أي النصرة أي نتيجة الولاية أي هنالك النصرة لله الحق فلس هنالك غيره يستطيع أن ينصر فهذا نتيجة الولاية والتي تسمى لازم المعنى.
سؤال: قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فهل كنا أمواتاً والرسالة السمواية التي جاء بها الرسول هي التي تحيينا؟ الذين في الجنة أحياء فهل الذين في النار أحياء أيضاً؟ فما معنى لما يحييكم؟
قبل أن نعرف معنى يحييكم يجب أن نعرف معنى الإستجابة . في الآيات السابقة قلنا أن التولي لا يكون إلا عن الرسول لأن التولي عن الله غير منطقي حتى لو كان الإنسان كافراً. في الآية يقول الله عز وجل استجيبوا لله وللرسول ثم يقول إذا دعاكم (بالإفراد) ولم يقل إذا دعواكم فواقع الحال استجيبوا لله وللرسول فكان هناك استجابة لله ولرسوله (مثنى) ثم قال إذا دعاكم فكان من منطق اللفظ واللغة في إنشائنا وتعبيرنا أن يقول إذا دعواكم ولكن من يقول هذا الكلام ليس لديه فهم في اللغة ولا فهم واقع الحال في لأمر اللغوي ,استجيبوا فعل أمر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) يجب أن ننتبه إلى الخطاب: يا أيها الذين آمنوا،آمنوا هنا أي أعلنوا التصديق بالله ورسوله مع أن الواقع كان من المفروض أن يقول يا أيها الناس (استجيبوا). باعتبار أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة ولكن هنا تنبيه إلى أن الاستجابة متعلق بأمر غير مفهوم وهو لما يحييكم، فلو كانت يا أيها الناس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) لكان الإحياء هنا كأن الرسول سيأتي ويعطي الروح التي هي قوام الحياة لكل شخص وهذا غير منطقي، ولكن عند قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، فلو سألنا السؤال هل هو ينادي ميتاً؟ لا لأن القرآن نفسه نفى إسماع من في القبور فالميت غير الحيّ (ولا يستوي الأحياء ولا الأموات) فكلمة الذين آمنوا تدل على أنهم أحياء ولكن الحياة المقصودة في الآية حياة من نوع آخر. ففي قوله تعالى استجيبوا لله أي تشريعاً وللرسول بلاغاً عن هذا التشريع فلو فرضنا فرضاً جدلياً أن شرع الله قائم وموجود ولكن لا يوجد رسول فلن يعرفه أحد لأنه يحتاج إلى رسول، فكلمة الله تعني تشريع وكلمة الرسول لا تعني إلا البلاغ فاستجيبوا لله تشريعاً وللرسول بلاغاً لهذا التشريع. لو قال في الآية إذا دعواكم فهذا يدل على أن هنالك فرق بينهما وأنه ربما يقوم الرسول بتبليغ أمر ما من عنده، وما على الرسول إلا البلاغ لما يأتيه من السماء فلما توحّدت غاية التشريع والبلاغ وحّد الضمير فقال إذا دعاكم لأنه لا يدعوكم صلى الله عليه وسلم منفصلاً عن الله، فدعاكم هنا عائدة على الاثنين متوحّدة-الله والرسول- لوحدة الغاية فالتشريع والبلاغ لا ينفصلان وقد يسأل سائل لماذا أفرد البلاغ في الآية (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟ في قوله وللرسول لكي يبين الله لنا أنه حتى ولو قال الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ما لم يأتي في التشريع الإلهي فلن يقوله إلا بوحي فتعود مرة أخرى لله (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 النجم) فعندما يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن صلاة الظهر أربع ركعات هذا لن نجده في القرآن لكنها عن الله تبارك وتعالى وليست من عنده بدليل أن الصبح اثنتان والظهر والعصر أربعة والعشاء أربعة ولكن المغرب ثلاثة فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها كان قد جعلها جميعاً ثلاث أو أربعة أو اثنان ولكن هذا الاختلاف وقوله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه بوحي من السماء ولذلك لوحدة الغاية في الآية وحّد الضمير في (إذا دعاكم) .
سؤال: هنالك من يقول في التفسير إبن كثير والشوكاني فمنهم من قال أن النداء في يا أيها الذين آمنوا في الآية للمؤمنين ويعني أن تكونوا مستمرين على المنهج ومنهم من يقول أن النداء مقصود بهم لبعض المنافقين وكأن الآية معناها يا أيها الذين آمنوا فقط بألسنتهم ظاهرياً من غير الإيمان بالقلب وبما أنك منافق ستكون في النار ولكي تخرج من حظيرة المنافقين وتعود لحظيرة المؤمنين استجيبوا لله وللرسول،وهناك أيضاً من يقول أن يا أيها الذين آمنوا مقصود بهم أهل الكتاب الذين آمنوا من قبل وبالتحديد اليهود الذي كان منوط بهم في مرحلة بأن يكونون-كما يقولون- شعب الله المختار- فضلّوا فغضب الله عليهم وأنزل عليهم عقوبات وأغلال فبالدعوة المحمدية لو أن أهل الكتاب استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم فكأنه أحيا أمة اليهود المغضوب عليهم فما رأيك بهذا الكلام؟
كل هذه الأقوال تعتبر تأويل فيه تكلف خارج عن واقع التعبير الإلهي. الرأي الأول(عن المؤمنين) وهو الصحيح وهو أن النداء موجه للمؤمنين. أما الذين يقولون أن يا أيها الذين آمنوا نفاقاَ أي ظاهرياً استجيبوا لله لكي تعودوا إلى حظيرة الإيمان الحق، يرد على قوله هذا بأن هذه الآيات يتبعها توصيف الفئات في القرآن فأطلق الله على الإيمان التقوى فهو فبذلك يوصف ولمزيد من التوضيح نأخذ سورة البقرة كمثال فهي ترتيبها في النزول 87 فكونها في أول المصحف هذا ليس صدفة ولا فعل بشر ولهذا أرفض من يقول أن أبو بكر أو عثمان جمعوا القرآن فهما جمعا عن جمع لأنه تعالى قال (إن علينا جمعه وقرآنه) فالذي جمعه هو الله وهذا الجمع الذي حصل من الله كان جمع مسبق لأن الكتاب نزل إلى السماء الدنيا لكي يؤخذ منه القرآن حسب الأحداث-القرآن يقرأ ويتلى- ولذلم فرّقنا بين كلمة القرآن وكلمة الكتاب. ولذلك في القرآن نجد تنزيلين تنزيل بالهمزة و تنزيل من غير الهمزة (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ 105 الإسراء) أي وبالحق أنزلناه كتاباً وبالحق نزل قرآناً، فهو إنزال أولاً إلى السماء الدنيا بالكتاب مجموعاً كما بين أيدينا وبالترتيب نفسه ثم يؤخذ منه على حسب الأحداث فيكون تنزيلاً فيحدث أمر ما فيؤخذ من الجزء 28 بدليل أن أول ما نزل اقرأ وهي موجودة في الجزء الثلاثين في الكتاب فاقرأ هي أول القرآن نزولاً فالقرآن تعني النزول والكتاب يعني المصحف الذي بين يديك بترتيبه الحالي. سورة اقرأ أول القرآن والفاتحة أول الكتاب، فوجود سورة البقرة في أول الكتاب ليس صدفة ولا هو جمع من بشر والحكمة من هذا الترتيب وكونها ثاني سور القرآن (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5 البقرة) فنجد أول الحروف المقطعة بحيث أنه عندما تصادفك الحروف المقطعة مرة أخرى وأنت تفسر القرآن سوف تبين للناس ما هي الحروف المقطعة وما لازم معناها وما هي ولماذا قطعت والحكمة والمراد ولازم المعنى فبذلك تحيل الحروف المقطعة التي تأتي في السور التي بعدها إلى هذا الأمر. ثم ذكر الكتاب وليس القرآن لأن القرآن أصبح كتاباً ثم يقول (لا ريب فيه) ثم يذكر في تعبير عجيب أنه هدىً لفئة معينة من فئات كثيرة القرآن تكلم عنها ولكن في مطلع الكتاب يذكر هذه الفئة وهم المتقين. ولو رأينا أيضاُ في سورة البقرة قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 185 البقرة) وذكر هنا الناس فالدائرة شديدة الوسع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يزال يعيش بين الناس والقرآن كان لا يزال ينزل وقد أستخدم كلمة القرآن وليس الكتاب فكلمة قرآن تفيد أنه لا يزال ينزل والرسول بينهم لم يمت فهنالك هدايتين ولذلك كان استخدام كلمة الناس التي تناسب كلمة القرآن، ولكن عندما أصبح القرآن كتاب أصبح (هدًى للمتقين) من هم المتقين؟ في قوله(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 البقرة) فالصيام يؤدي إلى التقوى وهذه التقوى هي التي تجعلك تفهم الكتاب وتأخذ هدي الكتاب. وكأن الانشغال الدائم بالشهوات سبب في منع أخذ هدي الكتاب. والصيام هنا في رمضان ليس فقط أن تمسك عن الحرام بل أنت تمسك عن الحلال عن الأكل الحلال والشرب الحلال والزوجة الحلال وذلك يعطيك مناعة في غير رمضان بأن تمسك عن الحرام عندما توسوس لك نفسك أو الشيطان تذكر فضل الله عليك بأنك استطعت أن تمسك عن الحلال في رمضان فمن باب أولى أن تمسك عن الحرام وذلك يستمر أيضاً في الاثنين والخميس و 13 و 14 و15 فمن يفعل هذا يأخذ هدي الكتاب فيجد الإنسان نفسه وهو يقرأ يفهم وكأن هذا الصيام ممتد طوال السنة فيكون الإنسان صائماً واقعياً عن الحرام وعن المعاصي وهو في حالة تقوى وهذا في قوله تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 31 الروم)منيبين إليه ثم قال بعدها واتقوه ثم وأقيموا الصلاة نحن للأسف لا نقيم الصلاة ولو أقام الناس الصلاة حقاً لأتقوا وأنابوا بحيث أن الإنسان يروح ويرجع. والأخطر (ولا تكونوا من المشركين) وهذا أمر في شدة الخطورة، هناك مؤمن مؤمن يدخل المسجد ويصلي ومشرك من غير أن يشعر وهذه تحتاج إلى وقفة.
أما الرأي الثالث الذين قالوا أن المقصود بـ يا أيها الذين آمنوا هم أهل الكتاب فنقول لهم أن هذا تفسير مردود: نجد في آية سورة البقرة توصيف للمتقين في سورة البقرة (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هذه تختلف عن النفاق كلياً فالنفاق تظهر الإيمان وإذا خلوا إلى شياطينهم كفروا فهم يؤمنون بالغيب وذلك يختلف مع النفاق، (وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وهذا هو نفسه تعريف الإيمان الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل، ثم يذكر الله سبحانه وتعالى فئة أخرى غير المؤمنين وهم الكافرين وتوصيفهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 7 البقرة) إذن هناك مؤمن وكافر. ثم يأتي بعد ذلك بذكر المنافقين وتوصيفهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 8 البقرة) وهذا لا يدع مجالاً لأي شخص بأن يقول أن المقصود في يا أيها الذين آمنوا استجيبوا..هم المنافقين لأن لو كان هذا صحيحاً لأستخدم توصيف المنافقين المذكور في سورة البقرة لأنه وصفهم فالمؤمن مؤمن والكافر كافر والمنافق منافق. وهذا نجده في قوله تعالى(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 14 الحجرات) في الآية يقول الله لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا لأن الإيمان له توصيف ولا يقع توصيفه عليكم ولكي يعطيهم صيانة الاحتمال لم يقل ولم يدخل أو ولن يدخل الإيمان ولكن استخدم لمّا، لم أي لم يدخل إلى الآن ولن تعني لن يدخل ولكن لمّا تعني أنه لم يدخل إلى الآن ولكن متوقع دخوله وهذا التعبير الإلهي أتى في إطار التحبيب والتشجيع. وطالما عرّف القرآن الفئات كلها لا نحتاج إلى أن نقول المقصود كذا.لذا فمن يقول أن الخطاب في يا أيها الذين آمنوا مقصود به أهل الكتاب فهذا غير مقبول أيضاً لأن لدينا في القرآن لفظ أهل الكتاب وبني إسرائيل فلو كان الخطاب موجه لهم لاستخدم لفظ يا أهل الكتاب أو يا بني إسرائيل والمنافقين وصفوا أيضاً (وما هم بمؤمنين يخادعون الله) فهذه الأقوال إذن تأويل متكلف أو تفسير متكلف يرده معاني القرآن وظاهر الآيات. فالخطاب يقيناً للمؤمنين وقوله استجيبوا لأن من المؤمنين الذي جاء إلى حظيرة الإيمان لكن لا يستجيب. من لا يستجيب فهو قد آمن وسلم وطبق ويصلي ويصوم ولكن لم يستجب لأن حالة الإنابة وحالة التوبة غائبة عنه فمنهم من يخطئ ولا يتوب لأنه لم يقرأ القرآن ولم يقرأ قصة آدم عليه السلام ولم يعش الآية (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37 البقرة) هذا الفضل الإلهي بالتوبة. فقد أخطأ آدم عليه السلام ولم يعرف كيف يتوب لكن منذ تلك اللحظة شرعت التوبة فليس هناك عذر لأي شخص بأنه لا يعرف كيف يتوب لأنها قد شرعت من عهد آدم وباب التوبة مفتوح ولكن عليك العودة والتوبة إلى الله الذي يفرح بتوبة العبد ويغفر له وليس هذا فقط بل يبدل سيئاته حسنات.وهذا هو الكلام الواضح ولذلك في قوله يا أيها الذين آمنوا تنبيه للمؤمنين من أن يركنوا إلى إيمانهم ويتكلوا عليه ويفرحوا به ولكن استجيبوا لله ولرسوله إذا دعاكم.
(إذا) هنا شرطية لكي عندما تسمعها هي واقع حالك ولكن إذا فرحت بها يرد عليك السؤال لينبّهك هل هو دعاك أم لا (ألم يأتكم نذير)؟ فدعاكم موحدة الاستجابة للشرع وللبلاغ لأن الغاية واحدة.
(لما يحييكم): كل ما جاء من السماء شرعاً ومن الرسول بلاغاً فيه حياة تختلف عن الروح التي دخلت في آدم وأنتم تأخذونها عندما تولدون بدليل أن الولد يخرج من بطن أمه يبكي ويصرخ وهذا دليل أنه حيّ وهذه حياة عامة يأخذها المؤمن والكافر، كل البشريأخذها. ولكن عندما تبلغ سن الرشد لديك حياة ثانية وهناك من يعيش ويعمل لحياته الثالثة (هي الثانية والحياة الثالثة والثانية واحدة) قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 97 النحل) وهو مؤمن تدل على الحياة الثانية فيقول (فلنحيينه حياة طيبة) طيبة في الآية أي في الدنيا والآخرة أي تحيا حياة طيبة في الدنيا وتأخذ جزاء حسن في الآخرة لأنه دعاني بمنهج ومقابل هذا قوله تعالى إعراضك عن ذكر الله بالمنهج (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 طه) معيشة ضنكا في الدنيا حتى لو كان غنياً ويوم القيامة يحشر أعمى. فإتباع المنهج يعطيك حياتين في الدنيا حياة طيبة وإن بدت فقراً وابتلاءات كثيرة ويوم القيامة تأخذ أحسن الجزاء وإعراضك عن المنهج يعطيك تعبين ضنك في الدنيا ونار يوم القيامة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/6/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:27 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 11
تقديم علاء بسيوني
التوبة ليست كلمات يقولها الإنسان "استغفر الله" وإنما التوبة حالة يكون الإنسان فيها منيباً إلى الله تعالى دائماً وتوبته تكون عن توبة لأن هذا أفضل. ما علاقة القلب بموضوع التوبة والاستغفار؟ هل التوبة فقط كلام يقال باللسان أم له علاقة بالقلب؟ والقلب ذُكِر في القرآن في مواضع متعددة وصياغات لغوية عديدة وقد ذكرت كلمة القلب بتصريفاته المختلفة في القرآن 98 مرة، وفي كل مرة يتكلم المولى سبحانه وتعالى عن ملمح مهم جداً فكيف نُفعِّل هذه القلوب بحيث تكون لها علاقة بحالة التوبة وحالة الإنابة؟ هذا ما سيتم تناوله في هذا اللقاء.
سؤال: ما دلالة تكرار النداءات في القرآن وبالأخص في سورة الأنفال؟ وقد تكرر كثيراً في سورة الأنفال قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا وهذا يدل على التكليف قال الله تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿20﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿21﴾ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿22﴾ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿23﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) تكرار مستمر ونداء مستمر.
وردنا اتصال حول ما ورد في حلقة 9/5 حول ما ذكرناه في موضوع التولي وعدت إلى الحلقة فوجدت أن الملاحظة في محلها وقد قلنا في بداية شرحنا للآية (ولا تولوا عنه) أن التولي عنه الضمير هنا عائد على الله وعلى المنهج. وهنالك فرق بين التوصيف والتوقيع وبين الواقع والحقيقة وقد وصلنا في الحقيقة أنه لا يجوز التولي عن الله حتى من الكافر وإن بدا للكافر أنه يتولى عن الله سبحانه وتعالى ولكن التولي عن الله مستحيل لأنه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا 83 آل عمران) وفرّقنا بين إسلام الطواعية وإسلام الكراهية. الآيات في سورة الأنفال تحتاج لشغل في التوصيف والتوقيع. في بداية الآيات (يا أيها الذين آمنوا) النداء يا أيها الذين آمنوا نداء جاء في القرآن حصراً 87 مرة على مدار آيات الكتاب وجاء النداء في سورة الأنفال ست مرات وهذا النداء له واقع وخصوصاً في قول الحق تبارك وتعالى (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فلو قال يا أيها الناس لا يصح أن يأتي معها استجيبوا لأن الاستجابة لا تكون إلا ممن أعلن الإيمان فلا يجوز أن آمر كافراً أن يستجيب للرسول لأنه كفر وأعلن كفره. فكلمة يا أيها الذين آمنوا تؤخذ بعين الاعتبار بأنها تحبيب لتوقيع النداء كما في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 البقرة) رغم أن الصيام مكتوب على المسلم ولو أنك تدبرت أكثر لوجدت أن الإنسان لكي يكون مسلماً يجب أن يصوم. فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إقام الصلاة إيتاء الزكاة حج البيت وصوم رمضان" وهؤلاء الخمسة ليسوا الإسلام ولكن هؤلاء هم الأركان لجعلك مسلماً فلكي تكون مسلماً يجب العمل بالأركان الخمسة لكي تقيم عليهم بناء اسمه الإسلام. فعندما تتدبر الحديث وتتدبر الآيات تجد جزءاً يسقط من مفهومك يجب أن تقف عليه وهو أن الإسلام يكلِّف من دخل فيه بالصيام لأنه ركن من أركان الإسلام وليس الإيمان والرسول r يقولها في منتهى الإبداع "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إقام الصلاة إيتاء الزكاة حج البيت وصوم رمضان". فمن يدخل في الإسلام يجب عليه أن يقوم بهذه الأركان الخمسة لكي يكون مسلماً فقط، فعندما يناديك الحق تبارك وتعالى وهو يفرض عليك أول تكليف في الإسلام، فلو تخيلنا المجتمع قبل فرض الصيام وينادي المنادي من قِبَل الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه مرحلة كأنك تنقل الشخص الذي يريد أن يسلم مع الذي أسلم منذ زمن فإذا بهما الاثنين يتم مناداتهم نداء الإيمان. ففي الوقت الذي نزلت هذه الآية كان هنالك مسلمين ولكن لم يكلّفوا بعد بالصيام، والذي يريد أن يدخل في الإسلام إلى قيام الساعة فالاثنان يتم مناداتهم عندما يأتي رمضان: "يا أيها الذين آمنوا" فهذا تحبيب لحديثي العهد بالإسلام أو لدعوة شخص للإسلام فأنت بأدائك ركناً من أركان الإسلام سوف تنتقل من الإسلام إلى الإيمان وتكون مع المؤمنين.
سؤال: هل من باب الحب النداء للمؤمنين لتذكير بأن لهم خصوصية في العلاقة بين المؤمنين والله تعالى فهل هذا صحيح؟
نعم هو تذكير بهذه العلاقة. فكلمة آمن تعني أعلن وثوقه مما تدبر أو مما اعتقد فقام بالتطبيق فليس هنالك أدل على خوف المرء من الله ووثوقه من الاعتقاد إلا صيامه في يوم شديد الحر ونحن نتعجب ممن لا يصوم بحجج غير منطقية. وآيات الصيام فيها تخفيف غريب للغاية فلكي يجعلك تقتنع وتعتقد وتعلن تطبيقك بوثوقك بما اعتقدت قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) ولم يقل أسلموا، قال(كُتِبَ عَلَيْكُمُ) ولم يقل كتب الله عليكم لأن كلمة الله تحدث في النفس رهبة وهو عز وجل يريدك أن تصوم وأنت محب للصيام وليس خوفاً. ثم بعد ذلك مثل لك (كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي الذين هم ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فما بالكم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم خفف مرة أخرى في قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فالغاية أسمى من أي تعب فأنت بصيامك تنتقل من إسلام إلى إيمان إلى تقوى يبكي عليها العارفون. وهناك من يعكس هذا الأمر ويتعذر بعدم صيامه لرمضان بمرض لا يمنعه من الصيام أو تعب أو طول الفترة - من الفجر إلى المغرب- وكل هذه أعذار واهية لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن أحد هذه الأعذار من باب الاستثناء لجعلها من بين الاستثناءات التي ذكرها المولى عز وجل في كتابه الكريم. وحتى ولو وجدت مشقة عند بعض الناس لاختلاف ظروفهم هذا ليس مبرراً لعدم الصيام. ففي الوقت الذي المولى يقربك عز وجل له بالنداء هنالك من يريد أن يخرج نفسه من هذا الأمر وهذا الفضل وقد نسي أن هذا الأمر وإن طال في الدنيا آخره حساب وبعد الحساب جزاء. فلو تخيلنا أن المنهج ليس بصياغة هذا القرآن وكان عبارة عن افعل ولا تفعل وكانت الأوامر عبارة عن واحد اثنين ثلاثة أربعة..الخ، قد يأتي شخص ما ويقول أنا أخذت الأمر التكليفي لكن لم أفهمه لم أستوعبه أو غير ذلك من أعذار ولكن توقيع آيات القرآن وهي تتكلم في نقطة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) فعندما تكلمنا عن توحيد الضمائر وكلمة عنه كل هذا التدبر لكي عندما تكون في دنياك تقوم بالعمل على يقين غير اليقين الذي اعتقدته. فيقين الاعتقاد شيء ويقين التدبر شيء آخر. مثال ذلك وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وغيابه بعد موته عن المسلمين هذا الأمر يعطيك حالتين حالة إيمان في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم وحالة إيمان في عدم وجوده صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر وقال "اشتقت إلى أحبابي فقال الصحابة: أولسنا أحبابك يا رسول الله قال:لا أنتم أصحابي" ثم قال أن أحبابه هم أناس سيأتون بعد الصحابة يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم لم يرونه، صحابته هم الذين صاحبوه وتأثير القرآن والرسول موجود غير تأثيره وهو غير موجود. وفي القرآن نجد هذا في مطلع البقرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ 3 البقرة) فكلمة الغيب تتحقق في حق الذي عاش في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغيب لديه أربع نقاط وتزيد واحدة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة الجنة درجات وكل يكون في درجته المناسبة لإيمانه في الدنيا (فأما من ثقلت موازينه، وأما من خفت موازينه) وكل شيء له ميزان.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ) كلمة عنه: عن حرف جر والهاء ضمير عائد على أمر ما، هناك تعلّق: عنه متعلقة بالتولي فعنه قد يكون عن المنهج الذي أنت تتولى عنه أو عن الله أو عن الرسول والآيات التي تليها وضحت الأمر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) من الذي يدعو؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بمنهج الله. الحقيقة أن المنهج لله والتشريع لله والرسول ما عليه إلا البلاغ فالذي يتولى هل يتولى عن الرسول أو عن المنهج أو عن الله ؟ هناك فرق بين الواقع والحقيقة فالذي كفر بالله يعلن كفره بالله فيضع بينه وبين الله ساتراً أو حاجزاً بكفره وهذا تصور خاطئ لأنه في تصوره أنه تولى عن الله وإنما في الحقيقة لا أحد يستطيع أن يتولى عن الله. يستطيع الإنسان أن يتولى عن منهج الله ولكن ليس عن الله بدليل أن المولى عز وجل أمره واقع عليك سواء كنت مؤمناً أو كافراً. وهنالك فرق بين الإسلام والتسليم فيوجد شخص مسلم رغماً عنه وآخر مسلم بإرادته. ففي التولي النتائج واحدة فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتي ليدعو لنفسه ولكن جاء صلى الله عليه وسلم يدعو لله ففي الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أي استجيبوا لله تشريعاً وللرسول بلاغاً لهذا التشريع فلما كانت غاية التشريع وغاية البلاغ واحدة وحّد الضمير في قوله (إِذَا دَعَاكُمْ) ولم يقل دعواكم. في الحقيقة الرسول r يبلّغ عن الله تعالى فما أراده الرسول هو عين ما أراده الحق تبارك وتعالى ومثال ذلك قصة تبني الرسول صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة فلو كان الرسول هو الذي يقول القرآن ما كان ليظهر نفسه على خطأ ولكن هذه الحادثة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يتصرف ببشريته ويأتي المنهج ليعدل له فيعلن هذا التعديل.
سؤال: ما الحكمة من اختيار بشر لتكليفه بالرسالة؟ ولماذا لا ينزل الوحي على كل البشر أو يكون الرسول ملكاً وليس بشراً؟
سبق وتكلمنا في هذا الأمر وسألنا هل جبريل عليه السلام لو نزل وتكلم مع مجموعة من البشر هل سيكون فهم كل شخص منهم لما يقوله مثل فهم الآخر؟ هذه نقطة والنقطة الثانية إسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعب عندما يأتيه الملك ويحصل له إجهاد كلما يأتيه الوحي، فكل هذا رحمة من المولى عز وجل فالجهد يكون على شخص واحد وليس على مجموعة من البشر ودرجة التفاهم تكون محكومة بشخص واحد وليس في البشر كلهم، فالرسول عندما يتلقى الوحي هو كبشر مثلنا يستطيع أن يوصله لنا ولكن درجة التفاهم بين الإنسان والملك تحتاج إلى إجهاد فلو أن الملك سيبلِّغ البشرية كلها سيحصل إجهاد للبشرية كلها وتعب. فالبشرية كلها لا تستطيع أن تكون مستعدة لتلقي الوحي ولذلك المولى عز وجل يصطفي. فالاصطفاء يعني أنه يجب على جبريل عليه السلام أنه ينزل لدرجة قريبة من البشرية والبشر الذي سوف يتلقى منه يترقّى لدرجة قريبة من الملائكية فجبريل على صورته الحقيقية لا يستطيع أن يوصل ما لديه حتى لمحمد عليه الصلاة والسلام ولا محمد صلى الله عليه وسلم ببشريته يستطيع أن يستوعب ما يقوله جبريل. ولذلك يحدث هذا الأمر من اقتراب جبريل للبشرية وارتقاء النبي للملائكية وليس من المنطق أن يحدث هذا للبشرية كلها ولكن يكفي واحد يكون مصطفى. إصطفاء الرسول r بالطريقة التي جاي بها الرسول عل تنفع أن تُعمل لكمّ من البشر؟ ينفع لكن علينا أن ننتبه إلى أن الصفاء النفسي الذي يكون فيه الرسول ساعة الوحي يختلف عن وجوده مع الصحابة يتحدثون عن موضوع أرضي أو بشري فحتى هذا الاصطفاء يحتاج لتغيير في الطبيعة البيولوجية والفسيولوجية للشخص نفسه وهذا قد يحدث لبعض الناس دون أن يشعروا به. مثال ذلك أنك تصلي دائماً ولكن أحياناً في أحد الصلوات تشعر بتجليات غير طبيعية وتشعر أن هذا اليوم مختلف في أدائك الإيماني والذي حدث هو عملية ترقّي، أنت نفس الضخص لكن حصل لك ارتقاء وأحياناً تستمع إلى نفس الشيخ يقرأ القرآن لكن هناك أحيان تتأثر به أكثر وتقول صوته أجمل اليوم لكن في الحقيقة صوت الشيخ هو نفسه لكن تلقيك إختلف. فالتلقي لديك حصل له عملية صفاء وجداني، وهذا الأمر كان يحدث للرسول في كل التقاء بجبريل عليه السلام ولذلك (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا 75 الحج) فليس أي ملك يحمل تبعات إيصال الرسالة للرسول وليس أي شخص من البشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ 110 الكهف) (يوحى إليه) تدل على أن هناك تغييراً يحصل. وفي وصف السيدة عائشة والصحابة للرسول r عندما كان ينزل عليه الوحي كان يتصبب عرقاً وتظهر عليه علامات الشدة وكان يبلغ منه الجهد كما قال صلى الله عليه وسلم. ولو لاحظنا أن القرآن لم يذكر الحوار الذي دار بين جبريل وبين رسول الله في الغار عند نزول سورة العلق (إقرأ، ما أنا بقاريئ، إقرأ، ما أنا بقارئ) ولكنه أعطاك نتيجة اللقاء لأن توقيع اللقاء أنت كمتلقي للمنهج وللرسالة لست مكلفاً بأن تعيشه. وهذا الأمر من رغبة الناس في معرفة ما لا يفيدهم في دينهم شيئاً هو الذي أدخل الإسرائيليات لأن النفس البشرية تريد أن تعرف التفاضيل. فأي شيء لم يُذكر في القرآن ولا السنة لا يعنيك بشيء لأنه لن يزيد أو ينقص من إيمانك معرفة أشياء لم يذكرها الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما علينا أن نأخذ العبر والدروس من قصص القرآن بدون الحاجة لمعرفة تفاصيل غير هامة كما ذكرنا سابقاً عن الذين يريدون معرفة أسماء إخوة يوسف، ما الذي يهمنا أو يفيدنا معرفة أسمائهم؟
سؤال: هل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿20﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)تعطي ملمحاً كأن الله تعالى يذكرهم بعهدهم السابق؟
إياكم أن تقولوا آمنتم وأنتم لست بمؤمنين. إسمع جيداً لأن المولى تعالى يريدنا أن نطبق بعد أن نستمع بتركيز. ومن أسباب تكرر النداء في الآيات بـ يا أيها الذين آمنوا تحذير من أن تقولوا آمنتم وأنتم لستم مؤمنين، ولا تكونوا وأنتم مؤمنين كالذين قالوا سمعنا أي آمنا وهم لم يؤمنوا. فالسمع هنا ليس مجرد استعمال آلة السمع ولقد أطلق عليه المولى عز وجل (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) فهم ليسوا صماً ولا بكماً فعندما تنادي الكافر فيرد بنعم المولى تعالى اعتبره أصم، فهو لا يختلف عن الذي لا يسمع لأنه سمع التوجيه وأعرض عنه فهناك من هو أصم ومؤمن. ففقدان هذه الحاسة لم يمنعه من توقيع الإيمان وإعلانه وتطبيق المنهج والعمل به وعملوا لغة الإشارة فالرجل الذي لا يسمع ومؤمن سيكون حجة على الذين سمعوا ولم يطبقوا. وقد أطلق المولى عز وجل أموراً في تحديدات معينه في القرآن أصحابها لم يستطيعوا أن ينسحبوا من تحتها (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿1﴾ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿2﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿3﴾ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴿4﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿5﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴿6﴾ الكافرون) لم يعرف أحد منهم أن يُسلم، ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿1﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿2﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿3﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿4﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿5﴾ المسد) فلم يستطع أبو لهب أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولو نفاقاً.
سؤال: من الخطورة بمكان أن تكون مؤمناً مشركاً، قال تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ 106 يوسف) فكيف يكون الإنسان مؤمن ومشرك؟
لو سألنا سؤالاً لماذا أرسل الله عز وجل رسوله؟ لكي يوصل المنهج للناس ويهديهم وفي القرآن توقيعات لهذه الرسالة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33 التوبة) فكما في الدنيا هناك خطابات تكليف للحكومات هناك تكليف من الله تعالى للرسل. وجاء تكليف الله للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ 107 الأنبياء) فالرسول مهمته أنه جاء لكي يرحمني من ضلال الكفر والشرك والوثنية فهو جاء لكي يبذل أقصى ما عنده لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "وأنا آخذ بحُجَزِكم وأنتم تتفلتون من يدي" وكأن الرسول r يدفعنا عن النار دفعاً ويبذل جهده ولكن هناك من يتفلت في النار. وتوقيع كلام الرسول في القرآن (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ 185 آل عمران) زحزح جاءت بفعل الرسول: إرجع، إفعل، حتى وهو في المسجد أمر الرجل أن يعيد صلاته: إرجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ. فتوجيهاته للمسلمين مستمرة حرصاً عليهم. ثم يقول الله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ 103 يوسف) وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم له حدود في هدايته للناس: وفي القرآن توقيعان يبدوان مثل بعضهما لكنمها مختلفان: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 56 القصص) وفي موقع آخر (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 52 الشورى) فالهداية نوعان هداية دلالة وهداية معونة فالرسول صلى الله عليه وسلم يدلُّك ويُريك المنهج ولكنه لا يستطيع أن يجبرك على الإيمان لأن الإجبار على الإيمان مسألة غير متصورة لأنه (لا إكراه في الدين) ولهذا توقيع القرآن: (لست عليهم بمسيطر) (وما على الرسول إلا البلاغ). فالرسول ليس عليه إلا البلاغ. وقوله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يدل على أن النبي سيبذل كل جهده ويشرح لجميع الناس ولكن الغالبية ستكون: مشرك منافق كافر وتحت هذه العناوين أسماء كثيرة. ولو أخذنا مثالاً أن الرسول بعث في ألف فستمائة منهم سيكونون غير مؤمنين من كافر إلى منافق ومشرك (الإيمان يكون أقل لأنه تعالى قال: وأكثرهم مشركين فالأكثرية تكون غير مؤمنة) والبقية وهم الأربعمائة المؤمنين، ولكن يأتي بعد ذلك توقيع أصعب ففي قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فسيبقى من الأربعمائة مائة وخمسين هم المؤمنين الحق. وهذا الأمر يوصلك إلى حقيقة هذه النداءات وأنها منطقية لأنه ليس لأنهم أصبحوا مؤمنين فهذا يعني أنهم ليسوا في حاجة للنداء أو الدعاء. والنداءات في القرآن بـ يا أيها الذين آمنوا 87 مرة وفي الأنفال 6 مرات وكلها نداءات في منتهى الإبداع كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ) فالمؤمن أصبح مؤمناً بطاعته ولكن النداء المتكرر لهم في الآيات لمداومة الطاعة ومداومة التذكير بالطاعة، كثير من المسلمين لا يؤدون الزكاة لأن حبه للمال طغى على إجابته للزكاة، حبه لشهواته طغى على الصيام لهذا (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) لذا قلنا أن هناك فرق بين الحقيقة والواقع الحقيقة ثابتة والواقع مؤلم يحصل فيه أشياء لا يتصورها عقل لذا النداءات: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا، استجيبوا... ولكن هذا المؤمن يصبح مشركاً لو أطاع هوى نفسه بعيداً عن المنهج رغم أنه يقول أنه مؤمن. فالفيصل في هذا الأمر في عمل الإنسان وليس في قوله قال الله تعالى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ 43 الفرقان) فالمشكلة أننا نجيد الكلام ولا نجيد العمل ولا الفعل. فالأعذار والمبررات التي كثيراً ما يستخدمها الناس لن تنفع يوم القيامة (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿14﴾ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴿15﴾ القيامة) ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا 111 النحل) وهذا الذي سوف يحدث ولكن هذا غير متصور في حضرة إله قال عن نفسه أنه خبير وعليم. وتوقيع الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) في منتهى الإبداع البلاغي من حيث الحقيقة والواقع. فإن من يقرأ الآية بتجرد وبسرعة أول خاطر سيأتي على باله أن هذا المؤمن لو لم يستجب لله لم يكن مؤمناً. فالحقيقة أنه لو لم يستجب لم يكن من المؤمنين ولكن في الآية دعوة للمؤمنين لكي يستجيبوا لله وللرسول، لأن المؤمن يمكن أن يكون في حالة استجابة دائمة ولكن يقف عند أمر ما يُحكِّم فيه هواه وبذلك لا يستجيب.
وكلمة لما يحييكم توقع هذه النقطة في ملمح واحد فقط. مثال ذلك عندما يكون هنالك قتال نجد الألف مؤمن ليسوا سواء في إقبالهم على التضحية بالنفس ونستدل على ذلك من غزوة بدر وأحد والثلاثة الذن خُلِّفوا .ومن وقائع الأمور.( إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) إذا هنا ليست شرطاً كما يفهمها البعض بل تعني كُلّما أي كلما دعاكم. وهو صلى الله عليه وسلم لا يدعوكم إلا بما يحييكم. فـ إذا هنا ليست للشرط ولكن ظرف للمستقبل بمعنى كلما دعاكم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدعوكم إلا لما فيه حياتكم في الدنيا والآخرة حتى ولو كان يدعوكم للقتال الذي فيه موت كما قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿169﴾آل عمران) الموت فيه حياة وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة. وذلك ينطبق على جميع توجيهاته صلى الله عليه وسلم لأن من فهم كُنه الإله الحق وكُنه الرسول الحق وكُنه المنهج الحق يعلم أنه لا يكون في دعوته صلى الله عليه وسلم لكم آناء الليل وأطراف النهار إلا ما يحييكم. ولذلك يوقع المولى عز وجل هذا المعنى في آية في منتهى الإبداع في قوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿23﴾ الأحزاب).
(واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) فلماذا القلب وما دلالة ذكر القلب في كل ذكر للتقوى أو الفقه أو التعلق الذي قد نفهم أنه متعلق بالعقل؟ والرسول r يشير إلى قلبه ويقول : التقوى هاهنا التقوى هاهنا. هل القلب هو الذي يفهم ويتدبر ويؤمن ويوصل الإنسان إلى حالة المعية الإلهية؟ وكيف نفهم دور القلب في هذه الحالة؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/6/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:29 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 12
تقديم علاء بسيوني
لماذا المولى عز وجل إختصّ القلوب بالتفقه والتدبر والإيمان والتقوى بعكس ما قد يبدو منطقياً لنا كبشر أن هذا عمل القلب ونحن عادة ما نستخدم ألفاظ للدلالة على ذكاء شخص ما أو أنه مستنير الفكر والعقل ولكن القصة ليست في العقل ولا في التفكير ولكن في القلب. القلب ليس فقط مضخة تضخ الدم في الجسد وإنما القلب هو مكان الاطمئنان والتفقه والتدبر وهذا ما يقوله المولى عز وجل وتكلم عنه في كتابه الكريم والله عز وجل يخاطب القلوب ويقول أن الاطمئنان في القلب والتقوى في القلب وأن هنالك قلوب تفقه وقلوب لا تفقه. وقد ورد ذكر القلب ومشتقاته في القرآن أكثر من 98 مرة.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 الأنفال). بعض الناس عندما يقرأون هذه الآية يقولون أن الله سبحانه وتعالى أحياناً هو الذي يعمل ساتر أو حجاب أو حاجز ما بين الإنسان وبين أن يفقه أو يهتدي أو يفهم أو يؤمن وبذلك هم ليسوا مسؤولين عن أعمالهم أو سيئاتهم أو ذنوبهم.
هذا واقع، لكن التدبر بالعقل هذا واقع ولكن أين العقل هذا موضوع آخر؟ فكلمة يعقل أي يفهم بعقله ولكن أين العقل؟ هل هو في الدماغ أم في القلب؟ فالعقل أو التدبر أو التعقل ليس في الدماغ كما يتصور معظم الناس فالقرآن أرسى هذه القاعدة منذ 14 قرن أو يزيد ولكن معظم الناس يجهلون هذا الأمر، وهذا واقع في القرآن ذكره ولكن هنالك فرق بين النتيجة وسبب النتيجة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) فهذا قضاء من الله تبارك وتعالى ولكن (لا يؤمنون) أتت بعد قوله (إن الذين كفروا) فهم كفروا أولاً وفي قوله (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ 7 البقرة) ولكن الختم لم يكن إلا بعد أن كفروا فهم الذين بدأوا بالكفر ولكن هذا لا يعني انه كتب عليه أن يظل على كفره أبداً فلا يزال لديه فرصة للرجوع للإيمان بدليل الحديث (لله أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم وقع على ضالته في الفلاء وقد فقدها في الفلاء). ما هو دور القلب؟ القلب دوره التعقل والتدبر وقد شرح الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر في قوله ( التقوى ها هنا) وأشار إلى قلبه. فالقلب هو الذي يعقل ولذلك يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الشرح) فالشرح هنا للقلب وليس للصدر. وفي قوله تعالى (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46 الحج) والبعض منا يقول لآخر إذا أراد أن يشتمه: يا أعمى القلب، فكم من مُبصرٍ ما آمن وكم من أعمى فاقد البصر وقد آمن بل بالعكس من يفقد بصر ويصبر صبره بقلبه. ويقول تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا 179 الأعراف) توصيف الإنس والجن أنهم لهم قلوب وأعين وآذان ولكن قلوب لا يفقهون بها- وهذا يدل على أن القلب هو الذي يفقه، الفقه في العقل لكن أين العقل؟- وأعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها لأن السماع الحقيقي ليس مجرد السمع لكن في طاعة الله والاستجابة للرسول ولا يسمعون هنا أي أنهم لم يستفيدوا مما سمعوه فهم سمعوا ولكن لم يطبقوا فهم سمعوا وما سمعوا، ماسمعوا الثانية لا تنفي عنهم واقع السماع ولكن تنفي عنهم واقع الاستفادة مثل قوله تعالى (اسْتَجِيبُواْ) لم يقل أجيبوا لأن السين والتاء في الكلمة تقوم بعملية نتيجة الإجابة وهي الطاعة.فأجاب يعني قال نعم واستجاب يعني نفّذ. بعض الناس يقولون ندعو ولا يستجاب لنا والناس لا تفرق بين الإستجابة والتلبية، هذه نفسها لما قال تعالى (استجيبوا لله وللرسول) لم يقصد قولوا للرسول نعم يا محمد ولكن إستجابة أي لماا تسمع كلام الرسول طبقه ونفّذه. كذلك ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا) هؤلاء دخلوا النار لأنهم لم يستخدموا ولم يستفيدوا من معطيات الله تبارك وتعالى لهم. ( لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) كلمة الفقه كلمة لم تُفهم. الفقه لها معنى لغوي واصطلاحي تطبق الآن على العبادات وقصرناها على علم أصول الفقه وقد غابت هذه الكلمة عن معناها اللغوي. كلمة يفقهون أي يفهمون ويتدبرون وليس مقصوداً بها الفقه كعلم ويقول تعالى أن الذي سيدخلهم النار أن لهم قلوب لا يفقهون بها (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46 الحج) (أفلم يسيروا في الأرض) أي أنه كان من المفروض أنهم عندما ينظرون إلى الكون يتعقلون ولكن بقلبهم (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ) فالتعقل يكون بالقلب فبذلك يكون العقل في القلب.
سؤال:البعض من أهل التشريح والطب يقول حللنا العقل البشري وفيه نبضات كهربائية في الخلايا المخية وهناك أجزاء مسؤولة عن الذاكرة وغيرها فهل هذا يتنافى مع ما يقوله المولى أن القلوب هي التي تفقه؟
العلم لا يتناقض مع القرآن وإذا قال تعالى أن القلوب تفقه أقول صدق الله تعالى. فساعة أنزل الله تبارك وتعالى قرآنه على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم هل قال نزل به الروح الأمين على عقلك أم قال على قلبك؟ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ 194 الشعراء).
سؤال:هل مسألة شق الصدر للرسول r لها علاقة بـ (ألم نشرح لك صدرك) ومسألة إستعداد الرسول r لتلقي الوحي وتلقي القرآن؟
ما يهم الناس من مسألة شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم العبرة منها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم شرح الله صدره سواء صدّقوا الواقعة أو لم يصدقوها فهنالك خلاف بين العلماء فيها، لكن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله فلما يشرح صدره كان الهدف من شق صدره مرة وهو طفل ومرة قبل الإسراء دليل أن هناك شيء كبير سيحصل وهذا كلام خاص به r ولكن باقي المسلمين لن يشق عن صدرهم فمحمد r له من يشق أما المسلمين فلن يحدث لهم هذا. نحن نصدق هذه الواقعة لأن لها رصيد في صحيح السند. نحن لنا يشق عن صدرنا وهنا يأتي دور كل مسلم فتوصيف أهل الجنة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ 43 الأعراف) ولكن هذا بفعل خارج عن إرادتهم ولكن أنت في الدنيا مطالب بأن تنزع الغل من صدرك فلا تحسد ولا تحقد ولا تغل بتوقيعات مختلفة في القرآن. فدور المؤمن أن يحمد الله في السراء والضراء، فالمؤمن له توصيف وتوقيع في القرآن في منتهى الإبداع. لدينا أكثر من آية كما في قوله (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 الفلق) ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 الناس) التوقيعات هذه خطيرة أن المؤمن يكون حاسداً أو حاقداً أو يغل أو يحقد وكل هذا في القلب لأن العقل في القلب ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ 194 الشعراء) فهل ينذر الرسول صلى الله عليه وسلم أو يقوم بالرسالة قبل اقتناعه هو بها؟ هذا مستحيل. والقناعة في القلب. ويعيّب القرآن الذي لا يفهم ولا يستفيد فيقول (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) كان المفروض لو كنت متدبراً في الكون أن تكون ممن قال تعالى فيهم (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ 190 آل عمران) وهذا في القلب بدليل قوله في سورة الحج (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) ثم لم يقل أعين بل (أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)ثم وقّع هذا على العمى وقال (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وهذا دليل على أن القلب له وظيفة غريبة فهو يسمع ويرى ولكن رؤية مختلفة عن رؤية البصر ولذلك الذي يفقد البصر ويصبر له جزاء عند المولى عز وجل لأنه يحمد الله أنه أخذ بصره ولم يأخذ إيمانه وبصيرته ولذلك يجب أن يفرق بين العمى والعمه. فالعمه هو القضية لذلك قال تعالى (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 15 البقرة) فهم كانوا يبصرون بأعينهم ولكن ليس بقلوبهم أبصروا ولم يبصروا فهم رأوا رؤية المشاهدة ولم يروا رؤية التعقل. فالبصيرة هذه عليها يبكي العارف. كم من حكيم تكلم في هذا الموضوع: أين الحكمة وأين العقل؟ القلب هو الذي يعقل فالإدراك بالعقل ولكن محل العقل في القلب ولذلك (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ) لأنك يا محمد أنت ستعقل بقلبك وستنذر بعد عقلك لأنه ليس من المنطقي أنني أكلفك برسالة تقوم بها وأنت لست مقتنعاً بها وهذا سر توقف الوحي فترة. فبعد اقرأ إنقطع الوحي فترة فنجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أنه كلما كان يمشي يجد جبريل على كرسي بين السموات والأرض ويقول له أنا جبريل وأنت رسول الله لكي يقتنع بهذا هو أولاً لأنه إن لم يقتنع هو فلا يمكنه إقناع الآخرين وبعد ذلك لم يؤمر الرسول بإبلاغ الناس أجمعين ولكن بدأ بعشيرته الأقربين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ 214 الشعراء) وفي نطاق ضيق ثم (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ 2 المدثر) ولكن في البداية كان الأمر أن يبدأ بقومه وعشيرته رغم إن عمه أبو لهب كذبه وأبو بكر الصديق الغريب عنه صدّقه. فالمولى يريد أن يرينا حكمة أنه ليس من المفترض أن تكون من أهل الرسول أو قبيلته لكي تنصره لأن الأمر لم يعد فيه قبلية أو جاهلية ليس شرطاً أن أكون من بيت النبوة لأصدّق دعوة الرسول rوهذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم (اعملوا فما أغني عنكم من الله شيئاً لن تأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) فالنسب شيء والانتساب شيء آخر فقد نجد شخص ليس قريباً للرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه معه في الجنة.
سؤال:لماذا تتقلب القلوب طالما المفروض أن يستقر فيها الإيمان وتعقل وتطمئن؟
إذن التعقل والفهم والوعي في القلب وليس في الدماغ وربنا سبحانه وتعالى يقول على لسان المؤمنين (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا 8 آل عمران) فالقلب ممكن أن يزيغ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) فالقلوب تتقلب لأن درجة التعقل لا تكون 100% هناك نسبة للتعقل: مثال ذلك الطالب الذي فهم الدرس بنسبة 100% أي مسألة تأتيه فيه سيكون قادراً على حلها وعكسه من لم يفهم الدرس لن يستطيع حل أي مسألة وإن كانت في غاية السهولة ولذلك لا يوجد امتحان صعب فكلمة صعب ليس لها محل أمام كلمة امتحان. فالامتحان أنت تقوم به لكي تقيس درجات الفهم فتجد شخصاً أجاب على الامتحان كله وأخر أجاب على النصف وآخر لم يستطع أن يجيب على أي سؤال فكلمة صعب ليس لها محل لأنك قد تجد شخص حصل على 100% وآخر 0% وبينهما درجات. فأي امتحان يكون صعباً على الذي لم يدرس وسهلاً على الذي درس وهذه قاعدة. فيوم القيامة كيف سيكون على المؤمن مع أنه يوم كان له إنذاره وله وعيده وله تهديده لكن الإنسان عاش غائب عن هذا الموضوع وهكذا ينجح الشيطان أنه يغيّبك عن العقوبة فيزيّن لك الشهوة وينسيك العقوبة وغضب ربنا عليك وينسيك أنك تختبئ من الناس لكي ترتكب المعصية ولا تختبئ عن الله عز وجل. وقد تكلم القرآن كثيراً عن يوم القيامة والآية التي نتكلم عنها تتحدث عن هذا أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهل إيمانهم كان من غير علم؟ هذا غير منطقي. فالمفروض أن المؤمن علِم بدليل أنه آمن أي اقتنع وأعلن إيمانه وطبق من غير علم؟ لا ولكن هذه جزئية علم قد تغيب حتى عن المؤمن وهي (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) واختلفوا بين يحول وقلبه ولكن لا أحد إنتبه إلى وظيفة القلب. القلب الذي فيه الفقه والتعقل يغيبك عن الحقيقة بالشهوات.
فكلمة (يحول) أصلها حول فالحول- بال ضمة- الحول سنة والحوْل إما للتغيير أو الانفصال فتقول حال الشيء إلى كذا أي غيره أو حال بين الشيء وكلا المعنيين صحيح. وفي الآية (يحول بين) فكلمة (بين) بيّنت أنها للانفصال وليست للتغيير. فإذا حال الله بين الإنسان وقلبه أي دخل بينهما حائل. حائل إسم فاعل. الحائل هذا أصبح أقرب للإنسان من قلبه وأقرب للقلب من الإنسان لأنه في النصف وفي القرآن نجد هذا التوقيع في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ 16 ق) وحبل الوريد ليس توصيفاً وإنما يقصد به الوريد نفسه أي بمعنى ونحن أقرب إليه من حبلٍ هو الوريد الذي إذا قطع يموت الإنسان فالله تعالى أقرب إلى الإنسان من روحه التي بين جنبيه والمعنى المجازي أنه هو سبحانه وتعالى سبب الروح (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي 29 الحجر) فهو سبحانه وتعالى الذي أعطاك الروح وهو أقرب إليك من الروح فكلمة (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ماذا يفعل القلب؟ القلب ينشغل بالأمنيات والأماني وسوف سأتحجب عندما أتزوج، سأحج عندما أكبر.... فالقلب يمنيك بطول العمر فالله يحول بينك وبين قلبك بسرعة الموت فالموت أقرب شيء يوقع هذا الأمر، فالإنسان يتمنى (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ 96 البقرة) حتى لو عمّر الألف سنة أو الألفين سنة ثم ماذا؟ فالإنسان لم يُخلق إلا على الموت أهل اللغة عندما عرفوا الموت قالوا هو نقض الحياة. ولذلك ما أنزل تبارك وتعالى في القرآن آية من آيات الحياة إلا ويذكر بعدها الموت أو الفناء أو الهلاك وإذا ذكر أحد هؤلاء الثلاثة وهم الموت وفروعه أوجب الوجود لعظمة ذاته (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ 8 الجمعة) (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ 27 الرحمن) ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ 88 القصص) فما ذكر الله تعالى الموت أو الفناء أو الهلاك على بني آدم إلا وأوجب الوجود لعظمة ذاته بعدها لكي يبقى هو الحي الذي لا يموت ولا يفنى ولا يهلك وكل مخلوق إما أن يموت إذا كان بشر أو يفنى أو يهلك إذا كان جماد أو نبات (وتوكل على الحي الذي لا يموت).
(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالله تعالى يحول بين أماني القلب ودعاوى القلب بطول العمر وطول الأمد والأماني الزائفة التي يملأها الغرور والشيطان يمنيك بطول العمر والأجل وبرحمة الله وغفرته والله تعالى يحول بينط وبين معطياتك وأمانيك. ثم يقول الله تعالى بعد ذلك (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والعطف هنا على اعلموا، إعلم هذه وإعلم هذه. أولاً ناداك بالإستجابة (استجيبوا لله وللرسول) ثم طالبك بعلم أمرين: فالمفروض أنك تعلم كمسلم كمؤمن أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنك سوف تعود إليه وتحشر إليه وهنالك سوف تسأل وإذا كنت سوف تسأل فيجب أن تستعد لهذا اليوم. ولهذا قال تبارك وتعالى واعلموا فيجب أن تفكر في الحشر والأسئلة في القبر وهي أربعة أسئلة وليست ثلاثة كما يظن معظم الناس وهي من ربك؟ وما دينك؟ وما قولك في هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ فإذا كان موسى تقول موسى وإن كان عيسى تقول عيسى وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم تقول محمد، ثم ما علمك؟ والعلم هنا ليس المقصود به التحصيل الأكاديمي ولكن علمك هنا هو كتابك ماذا فعلت به؟ فالمسلم يقول قرأت القرآن واليهودي الذي على عهد موسى يقول قرأت التوراة والنصراني يقول قرأت الإنجيل هؤلاء الذين ماتوا قبل أن يشهدوا رسالتين فكفر بواحدة أو ضل واحدة. فالعلم موضوع مهم فكلمة اعلموا جاءت في القرآن 27 مرة وخمسة فقط في سورة الأنفال سورة الأنفال فيها 6 نداءات بيا أيها الذين آمنوا من أصل 87 وخمسة من 27 واعلموا. هذا يدل على أنك حتى ولو آمنت يبقى هناك دائماً جزء من العلم غائب. والعلم هنا جاء في أمرين (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
سؤال:قال الله تعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ 32 الأحزاب) فبما أن الفقه والفهم والتقوى والإيمان في القلب ومناطه القلب فمن الطبيعي أن الذي يمرض أيضاً هو القلب فكيف يمرض القلب وأين يكون العلاج؟
الدواء والعلاج يكون في المنهج والمرض يكون بالبعد عن المنهج ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا إن في الجسد مضغة لو صلحت صلح سائر الجسد) إذا كان القلب هذا قلب واعي يسمع القرآن فيتدبره عندنا آيات نوقّعها توقيعاً واحداً لكن لا نستحضر كل المعاني ونتركها للناس لتعيش هذه المعاني كلها، ففي قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ 5 الماعون) قال العلماء الحمد لله الذي قال (عن) ولم يقل (في) وهذا معنى واحد لها وكأنك تقول للناس إسرحوا في الصلاة. و(عن صلاتهم) لها عدة معاني ومنها أنه يصلي ولا يعمل بصلاته (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ 45 العنكبوت) فهو يصلي ثم يأتي الفحشاء والمنكر فهو بذلك يكون ساهياً عن صلاته فصلاته لم تنفعه وهذا معنى من المعاني فلماذا نغيّبه. و(عن) من حروف الجر وهنالك بعض حروف الجر في القرآن تأتي بمعنى بعضها البعض فعن هنا تأتي بمعنى في وبذلك يجب أن يتجنب الإنسان أن يسرح ويسهى في الصلاة. والصلاة هي أول ما يسأل عنه المرء ولو صلحت يصلح العمل ومن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا إن في الجسد مضغة لو صلحت صلح سائر الجسد) ويقول عن الصلاة أنها أول ما يسأل عنه المرء فإذا صلحت صلح سائر عمله فنجد أن علاج السهو في الصلاة والوصول إلى الخشوع يقتضي الصلاة بالقلب. والناس عموماً يسرحون في الصلاة لأنهم لا يتدبرون القراءة التي يقرأها الإمام (الفرض) أو التي يقرأونها هم سراً في صلاتهم المنفردة (السنة) فالذي يتدبر لا يسرح في الصلاة. يمكن أن تتدبر وتسرح في معاني الآيات وهذا جيد ويمكنك أن تشرح في استحضارك لعظمة الله تعالى فلا مشكلة إذا سرحت في الصلاة بالصلاة لكن أن تسرح عنها بأمور الدنيا فهذه يجب أن نبتعد عنها. علينا أن نخوّف أنفسنا لأن من عرف الله خافه. والذي يستعد للصلاة ويقرر السور التي سوف يقرأها في كل ركعة لا يسرح في صلاته لأنه خاشع ومستعد للصلاة. ولذلك توصيف المؤمنين في البداية (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 المؤمنون) الذين هم في صلاتهم خاشعون وليس (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ 9 المؤمنون) المحافظة أتت بعد الخشوع لأن المحافظة على الصلاة تحدث ولكن الذي لا يحدث الخشوع فهو قليل ونادر وهو الذي يجب أن نهتم به. وكل هذا محله في القلب ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (التقوى ها هنا) وأشار إلى صدره، فالتقوى تبدأ من القلب فالمتقي تدبر القرآن ففهمه فخاف فاتقى ولذلك يقول الله تبارك وتعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 28 الرعد). الذكر يكون في القلب أولاً (نزل به الروح الأمين على قلبك).
سؤال: يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ 37 ق) هل هناك من ليس عنده قلب؟
هذا لديه قلب ولكن لم يستفد منه ومعنى أن يكون لديه قلب أي لديه مراحل الإدراك ولكن لم يستفد منها ولم يدرك بقلبه. مثال ذلك أن الإنسان كل يوم يرى غيره يموت ولكن هذا لم يجعله يعمل ليوم مماته هو، فهو بذلك لم يستفد من قلبه فالذي يعمل حساب الموت لا يطغى ولا يتكبر ولا يحقد. ثم يقول الله (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) الشهادة درجة ما حققت من العلماء، فالشهيد عند غالبية الناس هو الذي مات في الحرب رغم أن القرآن مليء بمعاني الشهادة والتي ما سحبت مرة على من مات في سبيل الله وهذا دليل أننا لم نفهم معنى الشهادة. الذي مات في سبيل الله قيل في حقه ما هو أعلى من ذلك من وجهة نظر أهل العلم واختلفوا فيها (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 169 آل عمران) لم يقال عنهم شهداء بل أحياء في حين أنها أطلقت إطلاقاً على الله تبارك وتعالى (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا 28 الفتح) فهل الله تعالى مات في الحرب سبحانه وتعالى؟ فالمعاني اختلطت عند الناس فالشهادة منزلة يصل إليها من قتل في سبيل الله رفعت عليه كتكريم له إنما أصلها (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) شهيد أي واعي وفاهم وعالم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ 143 البقرة) فالشهداء إطلاقاً هم علماء الأمة والشهيد من الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم فكل نبي شهيد على أمته ولكن كل الأنبياء ستحتاج إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لتشهد على أممهم بواقع القرآن (لتكونوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا 143 البقرة) أما المسلمون فلا يشهد عليهم غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم. القرآن فيه كنوز غابت عنا لأننا لا نتدبر في آياته ولو أننا نخاف يوم القيامة نتدبر ونفكر ولا نطغى ولا نظلم وأسأل الله تعالى أن يجلّي لنا القرآن قبل أن نصطدم بواقع مرير (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)، نحن قصرنا ولذا علينا أن نلزم التوبة والاستغفار.
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/7/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:30 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 13
تقديم علاء بسيوني
التوبة والاستغفار ليست كلمات تقال باللسان فقط تبت إلى الله ولكن التوبة حالة وتحتاج من الإنسان للندم وأنه لن يعود إلى هذا الذنب ويظل الإنسان يتذكر العهد مع الله تعالى وإن كان هذا الذنب متعلقاً بحق من حقوق الناس فلا بد أن يعود الحق لأصحابه قبل أن يتقبل الله تعالى التوبة. والتوبة والإستغفار ليست عن ذنب فقط بل هي حالة ومطلوب أن الإنسان يعود من توبة وليس من معصية وهذا يكون أجمل وأرقى وأعلى، وهناك أسلحة وأسرار في القرآن الكريم توصلك لهذه الحالة من الإنابة لأن القرآن الكريم يوصف لنا هذه الحالات كلها بأنها كلٌ متكامل لا يتجزأ متعلق بالتقوى وباليقين وبقوة الإيمان فهي حالة متكاملة من شيمة الإنسان المسلم المؤمن الحق الذي يستعين بالقرآن الكريم كمنهج يوصله لهذه الحالة في المعية الإلهية. نحن وقفنا في آيات سورة الأنفال ووقفنا عند قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 الأنفال) في قوله لما يحييكم فهو في الآية يخاطب الأحياء وذلك بقوله يا أيها الذين آمنوا والإيمان يعني أنهم على قيد الحياة فما هي هذه الحياة؟
نقف أمام قوله تعالى (لما يحييكم) ومعنى الإيمان. المشكلة أننا لا نعلم حقيقة معنى الإيمان، فما حقيقة معنى الإيمان؟ فاليوم الذي يريد أن يسلم يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله والشائع عند الناس أنه اسلم أو أعلن إسلامه أو بدأ على مرحلة الإيمان وفي الحقيقة هذه ليست بداية فساعة ما يتحول من أي ديانة إلى الإسلام أو ساعة ولادة المسلم مسلماً ويعيش في لهو ثم يستيقظ من غفلته فيبدأ بالصلاة والصوم والالتزام كل هذا ليس إعلاناً أو بداية إنما هو تجديد لأن الإنسان فُطِر ووُلِد على الإسلام وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فتحدث عملية تغيير عن الفطرة فعندما يعود ويسلم مرة أخرى فهو بذلك عاد إلى الأصل فهو لا يبدأ ولكن يجدد وهذه نقطة يجب أن نفهنها لنفهم معنى النداء: يا أيها الذين آمنوا. ففي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) النداء يخاطب به جماعة منهم من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله والافتراض المنطقي أنهم ليسوا جميعاً مؤمنين، فأمة الإسلام ليسوا جميعاً مؤمنين والقرآن وضح مراحل معينة في هذه النقطة وذلك في قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا 14 الحجرات) استوقفهم (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا 14 الحجرات) فهذه الآية تعلمنا أن هنالك مراحل،أما في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ 183 البقرة) فالجميع يفهم أن الصيام مكلف به الذي دخل في الإسلام للتو بدليل الرجل الذي ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال علمني ما الإسلام فقال الرسول:أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، تقيم الصلاة، تؤتي الزكاة، تصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) هذه مسألة ليس مطالباً بها المؤمن ولكن مطالب بها المسلم. وهناك فرق بين إسلام العقيدة أو الرسالة أو إسلام الوجه وهذه درجة عليها يبكي العارفون وقد يموت الإنسان وهو لم يصل إليها ولذلك جاء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 102 آل عمران) فالخوف هنا أن يموت الشخص وهو ليس مسلم ولكنه مسلم إسلام الرسالة فقط فتتم الصلاة عليه وهذا يبين أنه من جماعة لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكن هل هو آمن؟ هل هو اتقى؟ هل هو أحسن؟ هل هو أسلم إسلام الوجه؟
فالنداء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) معناه أوسع بكثير من جماعة المسلمين فهو نداء لكل نسل آدم، ولو افترضنا أن من هو ليس مسلم وليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويسمع الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) هذه الآية ترقق القلب، وهنالك كثير من الناس يعرفون القرآن ولكن من منهم يفهمه؟ فهنالك فرق بين المعرفة والفهم وهذا يتضح في قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ 82 النساء) وكأنهم فعلوا شيئاً قبل التدبر ولكنه لا يكفي ولن يعطيك قيمة هذا الكتاب. هذا الموضوع يظهر أننا كثيراً ما نستخدم كلمات وتكون شائعة ولكنها لا تؤدي المعنى مثل القراءات القرآنية المعروفة لدى الناس لكن من هذه القراءات مثلاً قراءة شاذة وكلمة قراءة شاذة كلمة مقبولة ولكن عندما نجد عنواناً في بعض المكاتب الإسلامية "شواذ القرآن" كلمة لا تصح وغير مقبولة ولا تؤدي المعنى لصاحبه فالكتاب يتكلم عن القراءات الشاذة فمن الأصح أن يكون عنوانه "شواذ القراءات" لأنه لا يصح أن يقال شواذ القرآن.
جبريل لما نزل بالوحي على الرسول r هل أقرأه بالقراءات المتعددة؟ الرسول ليس مطلق اليد فيها لأن الله تعالى قال (فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه). هذا موضوع سنفرد له حلقات متعددة لأنه يثير بلبلة بين كثير من الناس وسنحتاج إلى عالم قراءات لأن هذا الموضوع يحتاج لمن هو متخصص في القرآءات.
من واجب الإنسان وهو يقرأ القرآن أن يعيش التدبر. فالنداء بـ يا أيها الذين آمنوا مطلق فلو افترضنا أنه لعشرة منهم اثنان مؤمنين والبقية ليسوا مؤمنين فالنداء هذا سيجعل ثمانية منهم مؤمنين فجأة فيدخل ستة تحت طائلة النداء وهذا كان سر التخفيف بالنداء في موضوع الصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) كأن الذي سيصوم سيرتفع درجة ويكون من طائفة هو ليس منها إلى الآن وهذا هو مراد القرآن ولكن عندما نسمع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا) ففي الآية المولى يسألك - إن صح التعبير- الاستجابة ثم يقول (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وإذا هنا لا تأتي بمعنى لو ولكن تعني كلما دعاكم لما يحييكم وهو لا يدعو صلى الله عليه وسلم إلا بما يحييكم. فـإذا هنا تقف وتشرح وتوقف الإنسان على حقيقة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن.
النداء بـ يا أيها الذين آمنوا يمتد إلى جميع الناس وحتى أصل بالناس إلى ما أريده يجب أن نشرح لما يحييكم. قال الله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 الأعراف) هذه الآية متعلقة بقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 27 الأنفال) فهذه هي الخيانة خيانة عهد أنت قطعته على نفسك عندما قلت بلى في عالم الذر(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) ثم يقول (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) فحتى يوم القيامة الذي يدّعون عدم الفهم الآن لن يقول لم نكن فاهمين ولكن سيقولون كنا غافلين. والغافل هو من فهِم ولم ينفذ وهذا سيكون حجة عليه يوم القيامة. فيوم القيامة المشرك أو المنافق في النار لن يقول أنا لم أفهم ولكن سيقول أنا غفلت، والغافل فهِم الأمر ولكن لم يؤديه.اللاهي غير الغافل لذلك (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) لم يتكلم عن الغفلة لكن هنا يقول تعالى يوم القيامة (إنا كنا عن هذا غافلين) وهناك فر ق بين هذا التوقيع وبين قولهم (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير) هذه تأخذك إلى منطقة ثانية وأنا معلّق هذا الموضوع على الخيانة. هناك عدد من الخيانات: فالخيانة هنا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم وللأمانات (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) جمع أماناتكم يحتاج إلى شرح طويل. عندنا آية ظلمت كثيراً في التفسير (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) سمعت تفسيراً يقول ظلوم لأنه حملها هذه الكلمات يجب أن نقف عليها ونفتح اقلب لها لأن لدينا مفهوماً مغلوطاً للآيات والمعاني وسنترك هذه الآيات لحلقة قادمة.
(إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الخطاب هنا للأحياء فإما أنه يحيينا حياة غير هذه الحياة التي قطعنا بها أو أنه يتكلم عن حياة الآخرة طالما أنا حي هنا في الدنيا، ولو كان هذا هو المعنى وحده لن يكون للآية قيمة فلو كان سيتكلم عن حياة في المستقبل فقط لم يكن ليقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) واستجابتك ليست متعلقة بالآخرة ولكن متعلقة بالدنيا للآخرة، فالمعنى أنك حي ولكن الرسالة ستعطيك حياة جديدة تجعلك مختلف في الحياة مع حي آخر وتعطيك حياة ممتدة في الآخرة والذي لم يحيا هذه الحياة التي تخصك في الدنيا لن يستطيع أن يصل لها في الآخرة، فالناس على وجه الأرض جميعهم مشتركين في الحياة (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي 72 ص) فجميع الناس يولدون بنفس الطريقة فالجميع مشترك في هذه الحياة (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) وهي التي بين جنبيك وتعطيك قوام الحياة بالحس والحركة. الإستجابة تعطيك معنى آخر للحياة، ولو ضربنا مثال شخصان يتنفسان ويأكلان ويشربان ثم جاءت الرسالة احدهما أخذها والآخر رفض فالذي أخذها سيصبح لديه منهج افعل كذا ولا تفعل كذا فيتميز في حياته ويعيش حياة مختلفة عن الآخر وهذا المنهج سيسعده في حياته وإن بدا شقياً بالتكليف وحياته هذه التي سيتميز فيها في الدنيا سوف تمتد لحياة في الآخرة الشخص الآخر لن يستطيع أن يصل لها إذا مات على حالته من الرفض،فمن حيا هذه الحياة بهذا المنهج في الدنيا سيكون يوم القيامة حي بعكس الذي رفض المنهج. (لِمَا يُحْيِيكُمْ) تتضمن مناط أنها ستعطيك حياة متميزة بالدنيا وهذا المنهج له خاصية أنه يمتد بهذه الحياة بك من الدنيا إلى الآخرة بل إن الحياة التي سيوصلك لها في الآخرة هي التي كان يجب أن تسمى عندكم في الدنيا حياة وأي شيء غيرها ليس بحياة فعبر عنها سبحانه وتعالى بلفظ يميزها بصيغة الامتلاء في قوله (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 64 العنكبوت) أي الحياة الحقيقية. والذي حيا بالمنهج في الدنيا هو الذي نقول عنه أنه حي، فمن رفض المنهج يوم القيامة سيكون في النار ولا يكون ميتاً فهو يتمنى لو كان ميتاً (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا 40 النبأ) فهو يقول هذا في الحساب لأنه رأى مشقة حسابه فهو يريد أن يكون شيئاً من الاثنين إما أن يكون تراباً لم يخلق أساساً أو تراباً بعد الموت أي لم يبعث. في القرآن إذا بحثنا ترابين تراب خلق منه آدم أو يا ليتني كنت تراباً ولم أُبعث رغم أنه لم يذق العذاب بعد ولكن لأنه رأى مصيره من القبر فانتظار العذاب هو عين العذاب والآخر إنتظار النعيم هو عين النعيم.
يقول الله تعالى عن الناس الذين دخلوا النار فعلاً: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿74﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿75﴾ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴿76﴾ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴿77﴾ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴿78﴾ الزخرف) يقض هنا بمعنى يميتنا. هذا الموقف مع الموقف الأول الذي يتمنى فيه الإنسان لو أنه لم يُخلق أو لم يبعث حتى لا يتعرض لهذا الموقف فهل هذا هو التوصيف الحقيقي لفرق الحياة التي تكلم عنها المولى في سورة الأنفال أن هنالك ناس على وجه الأرض حية ولكنها في نفس الوقت كأنها ليست حية لأنه مهما يخلد الإنسان الكافر 100 أو 200 سنة فمصيره في النهاية إلى النار والعذاب؟ ويقول سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا 124 طه) بعض الناس يظنون أن الضنك هو أن تعيش في بؤس وشقاء وفقر وضيق حال بينما تجد أناساً كثر معرضين عن ذكر الله من الكفرة والملحدين والمشركين في قصور ونعيم ومستمتعين بالدنيا في أحسن درجاتها كما يظن ويرى الناس، ولكن هذه ليست الحقيقة فالضنك توصيفها لغوياً لا يكون ظاهراً فلا تستطيع أن تحكم على شخص بالنظر إليه بأنه في ضنك أو لا لأنه هو فقط الذي يشعر بهذا الضنك كما قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ) له هو فهو وحده الذي يشعر بالضنك، فالضنك هو أن تعيش في عطاءات كثيرة جداً لكنك غير سعيد، الضنك أن يكون عنده مال وبنون وهو في ضنك بدليل أن بعض الأثرياء ينتحرون لأنهم كانوا يعيشون في ضنك لا يشعر به إلا هم. فمن كان له معيشة ضنكاً فبذلك هو لم يحيا لأن الضنك ليست حياة ولكن لو أخذ بالمنهج ولما يحييكم لكان قد حيا وغير هذا كله سيحشر يوم القيامة أعمى وهذا أيضا ليست حياة،فهو لم يحيا في الدنيا رغم أنه كان حياً ولن يحيا في يوم القيامة رغم أنه المفروض أن الحياة هناك حيوان، حيوان بالنسبة للمؤمن والكافر لها توصيفان: حيوان تأتي بمعنى أنها دائمة أبدية والتي كانت تسمى حياة وللآخر ستأخذ فقط الإقامة والدوام ولكن من داخلها هي بمنتهى السوء لأنها تبنى على الذي عمله في (لما يحييكم) بالنسبة للدنيا فهل أخذت المنهج أو لا؟ نفذته أو لا؟ غفلت أم لم تغفل؟ نسيت أم لم تنسى؟.فهو خلود واحد له وجهان فالخلود في الجنة نعيم مقيم أبداً والخلود في النار كأنه ليس بحياة فالذي في الجنة حياة ولكن الذي في النار عبّر عنه المولى عز وجل كما كان يقول العرب لمن أصيب بمرض أتعبه وأقعده وأجهده من عظمة القرآن أنه نزل بلغة العرب الذين كانوا يفهون القرآن ولم يعترضوا وكفرهم مثلاً وتكذيبهم لقصة الإسراء والمعراج كان فقط لأنهم فهموا أنه كان بالروح والبدن وإلا ما اعترضوا. فكونهم يفهموا ولم يسلموا تبين عظمة الخالق (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) ولم يأت أحد منهم يقول أنا أسلمت وينقض القرآن. توصيف العرب لهذه المسألة فكانوا يقولون:لا هو حي فيرجى ولا ميت فينعى. فأنت لست بقادر أن تتعامل معه كحي مع أنه حي ولا أن تعتبره ميت فتنعيه وينتهي الأمر، فيقول الله تعالى (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴿10﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿11﴾ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴿12﴾ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴿13﴾ الأعلى) (سيتجنبها: ضمير القصة) فهو لا يموت ولا يحيا وهذا أصعب موقف لأهل النار لأنه وهو في الموقف هذا الموت كان أرحم له كما نادوا (يا مالك ليقض علينا ربك) لأنه ذاقه فهو وهو نائم في القبر لم يكن هنالك عذاب مادي فعذابه الحقيقي في القبر أنه منتظر العذاب فليس هنالك عذاب مادي في القبر بدليل أنه لم يكن ليطلب الموت، فالحال في النار هو العذاب المادي بالتنفيذ أما العذاب داخل القبر فهو معنوي، ومطلق النعيم في القبر هو كما قال صلى الله عليه وسلم (ألبسوه من الجنة وافرشوا له من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة) فيرى مكانه في الجنة، أما الآخر (ألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار) وفتح الباب إلى النار هو أشد العذاب فانتظار العذاب هو أشد العذاب ولكنه يوم القيامة عندما بعد دخوله النار سيطلب هذا الأمر وسيطلب لازم معنى الموت أي أنه لم يكن يشعر بالعذاب المادي فالعذاب كان معنوياً فقط وإحساس بالذي سيحدث ولذلك (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا) فأنت تستطيع أن تصف الذي في الجنة بأنه يحيا حياة كريمة طيبة سعيدة منعمة (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ21 الحاقة) إذا كانت العيشة راضية فما بالك بالذي يعيشون هذه العيشة؟ العيشة هي التي راضية وليس هم وهذا من المجاز، العيشة راضية وأهل الجنة في رضى والله تعالى راض عنهم فهي حالة رضى متكاملة. حتى التعبير (رضي الله عنهم ورضوا عنه) والبعض يقول هذا الكلام غير منطقي وهذا كفر والعياذ بالله كالذي قال ما معنى (كيد الشيطان ضعيف). نقول لهؤلاء إذا كنت لا تعلم المعنى فدعه ولا تتكلم فيه. أن تكون العيشة راضية هذا مفهوم وأن يرضى الله تعالى عن أهل الجنة فهذا مفهوم لكن أن ترضى أنت عن الله هذا أمر نحتاج إلى كلام طويل فيه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/7/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:32 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 14
تقديم علاء بسيوني
اختص الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بحياة خاصة وهذه منة من الله على عباده المؤمنين الذين استجابوا للهدى وطريق الهداية فأعطاهم نوع من الحياة الخاصة في الدنيا وفي الآخرة حياة متفردة وأعطى الذي أعرض عن الذكر معيشة ضنك حتى وإن بدت للأعين لأول وهلة أنها مليئة بالمتع وبالنعيم ولكنها من داخل النفس البشرية محرومة من السعادة. ويتأكد هذا المعنى في فهمنا لكلمة حياة في آية يخاطب بها المولى عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿80﴾ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴿81﴾ النمل)الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) وقد ينصرف ذهن بعض الناس أنك يا محمد صلى الله عليه وسلم لن تكلم الذين ماتوا والذين في القبور لكن هذا المعنى مع (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) مسألة فيها لازم المعنى، هذا المعنى مع المعاني التي شرحناها سابقاً عن الحياة الحقيقية نريد أن نوضحها ثم ندخل على معنى القلب.
هذا من متشابه القرآن فنفس الآيات في سورة الروم والفرق في الفاء (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿52﴾ الروم) والمجاز في هذه الآيات فتح الأذهان إلى واقع الأمر بالنسبة للميت (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أو (إنك لا تسمع الموتى) فالمجاز هنا جاء بصورة مركبة لأنه من العبث أنت تتكلم مع ميت والكافر وإن بدا حياً إلا أنه ميت من حيث الواقع فهو ميت. فما هو الفرق بين شخص أدرك رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يفِد منها وآخر لم يدركها فالنتيجة في النهاية واحدة بل بالعكس الذي لم يدركها قد يكون في الجنة بسبب أنه آمن بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم. ( وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) هم في الحقيقة ليسوا صُماً ولكن تساوى الذي يسمع بالذي ولد أصم لأنه ما أفاد من سمعه ومن يقرأ الآيات كثيراً قد يستفيق من غفلته فيحس بنفسه كمن وصفهم الله في الآيات فمن المسلمين من يسمع القرآن ولا يتأثر به ولا ينفعل به وإذا انفعل يكون انفعاله لصوت الشيخ وليس لمعاني القرآن فإذا لم ننفعل بالآيات فبماذا ننفعل؟ (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) فالإنسان الحي حياة حقيقية تستطيع أن تكلمه وتذكره ولكن إذا كان الإنسان كالميت فلا فائدة من الكلام معه فعندما يقول القرآن (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) فقد تعمل يا رسول الله يا محمد صلى الله عليه وسلم مع الأحياء ولكن الحي الميت فلن تستطيع أن تعمل معه شيء فالقرآن يوقع مدلول هذا المعنى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ 22 الغاشية)، لأنك الذي لا يستجيب لك ويسألك يا محمد r أن تعلمه لذلك نقول لبعض الأخوة غير المسلمين المنطق يقول أنه من ادّعى شيئاً جديداً إسمعوه لكنهم قالوا ( قلبونا غلف) هذه الآية حجة عليهم فإذا كانت قلوبهم مغلقة فليفتحوها لأن بداية العلاج فتح القلوب. وعندما يقول تبارك وتعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) التوقيعات كثيرة في القرآن على هذا المعنى لأن المعنى ولازم المعنى والمدلول أهميتهم في أنه عندما تقول أن الشخص الذي لا يريد أن يسمع ليس منه فائدة فتعتبره كأنه ميت ولو أخذنا شخص لا يسمع ويناقش ولم يهتد فيقول القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 56 القصص) وهكذا هو توقيعها فأنت تحبه وتريد أن تهديه ولكن الله لم يكتب له الهداية (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ 29 الروم) الله تعالى وحده فإن لم تكن الهداية من الله تبارك وتعالى فلن تكون وهذا لا يعني كما يقول بعض الناس أنه بما أن ربنا قد كتب عليه الضلال فإنه لن يحاسبه وجاء الرد على هذا الكلام في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿6﴾ البقرة) فهم الذين كفروا فالفعل الأولي والمبادأة كانت من الإنسان وظهر هذا جلياً في توصيف النفاق (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا 10 البقرة) فهم الذين بدأوا. الكفر قضية توقيعها في القرآن غريبة، فالكفر ويعني الستر فأول ناس أثبتوا وجود الله من كفروا بالله تبارك وتعالى لأن المنطق يقول أنك لا تستر إلا من له وجود والله تبارك وتعالى واجب الوجود فطالما أنك كفرت به وسترته فأنت بذلك اعترفت بوجوده من غير أن تشعر بهذا. الكفر أول جنود الإيمان. وعلى المؤمن الحق أن يفهم هذه القضية ودرجة الإيمان في قول الحق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا 24 الأنفال) تبين هذه القضية فمع جماعة الإيمان هناك من يسمع ولكن لم يفده سمعه. كالذي يحدث في آذان الفجر فأين الناس من المساجد إما نائمون أو منشغلون بلهوهم ومنهم من يفلسف موضوع الصلاة بحجة أن الله في غنى عن صلاته وقلبي نظيف ولله. وكل هذا يوقع قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ 24 الأنفال) أليس الآذان بدعوة إلى الله تبارك وتعالى؟ فمن يسمع الآذان ويتدبر كلامه نجده يقوم بصيانة احتمال للذي لن يصلي. فعندما يقول المؤذن حيّ على الصلاة أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله لماذا؟ لأنه من يكون في طريقه للصلاة ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله كأنك قلت بلازم المعنى والمدلول: "الحمد لله الذي جعلني أذهب للصلاة" فذهابك بفضل من الله تعالى والذي لم يقم للصلاة لسبب ما أو لأن شيء خارج عن إرادته منعه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله كأنه يبرئ نفسه بأنه الذي منعه ليس منه، فالأول يقولها لأنه ذاهب للصلاة فكأنه يحمد الله تبارك وتعالى أن يسّر له الذهاب والثاني لأنه ممنوع والثالث الذي لم يقم كان من الأولى أن يقوم لأنه لا عذر له.
ما هو مرض القلوب؟ وإذا كان مرضاً فهو المفروض أن يكون ابتلاء من الله تعالى لكن لما نسمع قول الله تبارك وتعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) هل يعاقبهم ربنا لأنهم مبتلين أو يعاقبهم لسبب آخر؟
سبب أن الله زادهم مرضاً بسبب العقد الفطري الذي قمنا به مع الحق تبارك وتعالى ونحن في عالم الذر (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 الأعراف) وهذه القضية معقدة في فهمها وليس في أصلها، فهناك من يقول هل سوف أسأل عن شيء وأنا في عالم الذر؟ فأنا لم يكن لي إرادة ولا سيطرة فتسأله عندما أصبح لديك إرادة ماذا فعلت؟ جئت من أبوين مسلمين فماذا فعلت؟ وطوال قراءتك للقرآن تجد أنه يضعك في مناطق التحسين ولذلك يوم القيامة يقال لك اقرأ وارتقِ بكل شيء أنت قرأته وعملت به فهمته أو لم تفهمه لأن هناك من يتصور أنه لا ينفذّ إلا إذا فهم واقتنع وفهِم الحكمة من وراء التكليف وهذا ليس إيمان لأنه هكذا يعبد المصلحة أو يعبد الحكمة أو قناعته الشخصية أو المصلحة التي تأتيه من وراء التكليف أو عبد التكليف لكي تأتيه منه المصلحة. بمعنى آيات الصيام وآيات الصلاة فبعض الدعاة لكي يحبب الناس في الصلاة يقول لهم عن فوائدها وما أثبته العلم من ذلك أن الذي يصلي لا يأتيه إنزلاق غضروفي، وفي الصيام يتكلمون عن الصحة وفوائد الصيام لصحة الإنسان وأن الصيام لكي يحس الغني بالفقير فهل يعني هذا أن الفقير لا يصوم؟ كل هذا الكلام تبرير لا يصح لأن الله تبارك وتعالى لا يحتاج- إن صح التعبير- لمن يبرر له الأوامر إنما عباد الله في حاجة إلى من يدبر لهم الأمر ويشرح لهم الحكمة. هل هناك صيام لا يُتعِب؟ إذا أتى رمضان في شهر أغسطس شدة الحر ومع هذا سنصوم. فالمؤمن يصلي ويصوم ليس للفوائد ولكن طاعة لله حتى وإن كان فيه مشقة وسواء فهمت الأمر أم لم تفهمه. فالإيمان هو أن تنفذ الأمر سواء فهمت أو لم تفهم فالعقد الإيماني أن تنفذ التكليف دون الحاجة إلى شرح الهدف والحكمة والمصلحة التي سوف تعود عليك من العبادة فهي بذلك لن تكون عبادة. فأول تكليف لآدم عليه السلام لم يكن له تبرير ولكن كان اختبار طاعة مجرد فأمره الله أن لا يأكل من الشجرة بدون أي تبرير لأن ذلك كان بداية التكليف. وأيضاً من رحمة لله تبارك وتعالى ما حدث في هذا التكليف المبتدأ لأن آدم نسي فعصى فشرعت التوبة ولو تخيلنا الحياة من غير توبة لأصبح العاصي مخلداً في النار. ولهذا كل هذه الحكم تجعل المؤمن الحق يستمع بطريقة تختلف وهي الاستجابة ولهذا في الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ 20 الأنفال) الطاعة أولاً، والطاعة تتمثل بأنك تستجيب فمناط الطاعة الاستجابة ومناط الاستجابة قوله (لَا تَخُونُوا اللَّهَ 27 الأنفال). فالنداءات المتتالية في سورة الأنفال جميعها مبنية ولها مناط (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) فجميعها مبنية على بعضها فالطاعة أروع تمثيل لها الاستجابة، والاستجابة أنك لا تخون لأن الخيانة عكس الأمانة.
يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) هذه هي المنطقة التي نتمنى بالخروج منها تحيا الحياة التي تعطيك في الدنيا حياة تختلف عن غيرك من الذين لم يسلموا وتستمر بك وتمدك للحياة التي في الآخرة النعيم الأبدي الذي في الجنة إن شاء الله. فتختلف حياتك في الدنيا عن غيرك وتختلف حياتك أيضاً في الآخرة عن غيرك.
هل عدم لجوء الإنسان وطلبه للعلاج من هذا المرض يعتبر بحد ذاته معصية من الله تعالى فيزيذه مرضاً. هذا يستعمله الغربيون لتبرير حالات الشذوذ عندهم؟ البعض يقول هؤلاء عندهم خطأ في الجينات وهم مرضى وحقهم أن يعيشوا كما يشاؤون؟ فكيف يرد القرآن الكريم على هؤلاء؟
لو كلامهم صح لم يكن هناك منافق عاد إلى الإيمان ولم يكن هناك غير مسلم أسلم. إذا تصرفتم في أمراض الأعضاء كان يجب أن تتصرفوا في أمراض القلوب. ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) كل زمان له آفة هذه الآفة تحارب بداية الدعاة. وآفة هذا العصر العلاج بالقرآن وما يقال فيه وما انتشر من نسبة محتالين زادت للغاية لأن المغفلين منتشرين أيضاً والدعاة مقصرين بلا شك ولم نبحث القضية برمتها ونصدر قول صادق فيها. فالعلاج بالقرآن الآن أصبح له أماكن وكروت وهناك من يقول أنه يعالج بالقرآن رغم أن القرآن لم ينزل ليعالج أمراض الأعضاء كالكلى والمثانة وغيرها والبعض عمل خريطة لكل مرض والسور التي تقرأ لعلاجها وكم مرة تقرأ هذه الآيات. وهذا يعتبر اتهاماً للرسول صلى الله عليه وسلم أنه قصّر فلو أن القرآن جاء لعلاج الأمراض فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم مقصر- وحاشاه- لأنه لم يعلمنا ولو أن القرآن يعالج هذه الأمراض لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول شخص يتخذ هذا الأمر ويعلمه للأمة كلها، إنما الغفلة أن هناك من يقول أن القرآن يقول (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ 82 الإسراء) دون أن يكمل الآية (مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) فلم يقل أمراضاً فالشفاء المقصود به في الآية هو شفاء ما في الصدور، شفاء أمراض العقيدة وليس شفاء أمراض الأعضاء. رغم أن النفس يجب أن تعتبر عضو ويجب أن تعالج لأن علاج النفس هو أقرب طريق لتصحيح المسار في الهداية. فالرجل الذي لا يصلي نفسه مصابة، الذي يكذب والمنافق نفسه مصابة، دليل على أن النفس مصابة وتحتاج للعلاج. سألنا هؤلاء المشعوذين ما هي آلية هذا العمل الذي يقومون به فلم يجيبوا. الحجامة يقولون أنها سنة عن الرسول r وهذا لا ينفع لأنه كان دواء لبعض الأمراض في عصره والآن يريدون أن يعملوها علاجاً لكل الأمراض. الرسول r احتجم وأبو جهل إحتجم فهل فعلها سنة عن الرسول r؟ سنحاول أن نرتب حلقة نستضيف فيها أحد هؤلاء الذين يعملون الحجامة والمعالجين بالقرآن مع طبيب مختص. لذا أدعو أهل الدعوة بأن يتقوا الله تعالى إما لأنهم سكتوا وإما لأنهم يغضوا الطرف عما يحصل.
الآيات فيها إشارة للقلب: قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) ما معنى يحول بين المرء وقلبه؟
هذا الموضوع سيبين جزءاً كبيراً من الذي نعاني منه في قضية أنني أريد أن تطول الحياة إلأى أبعد مدى لكن مهما طالت ثم ماذا؟ لو تخيلنا أن الآية تنتهي عند قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) سيكون الحديث عن يحول وكلمة يحول لغوياً لها معنيان والبديع في الأمر أن المعنيان يتحققا في الآية بمنتهى الإبداع. يحول من الحَوْل والحول توقيعه في اللغة على أحد أمرين: إما تغير الشيء لشيء آخر بمعنى يحوّل أو يغيّر، وإما بمعنى أنك تفصل بين هذا الشيء وبين أمر ما فتضع بينهما حائل. المعنى الأول لا يتحقق في الآية بكلمة بين . فكلمة بين أعطتنا المعنى الآخر وهو الحائل والذي حال بين الإنسان وبين قلبه. وقد تكلم القرآن في معاني كثيرة جداً حول هذه المنطقة. الإنسان يتمنى أشياء بقلبه والتمني مسألة مشروعة ولكن كان المفروض أن تجعل لكل أمنية مناط لكي تحققه. فلو افترضنا أن أمنيتك أن تدخل الجنة فهل يحدث هذا وأنت نائم أو وأنت تعمل لأن هذا الأمر يحتاج إلى سعي كما قال تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا 19 الإسراء) والنتيجة (كان سعيهم مشكورا). فالآخرة بنتيجتها تحتاج إلى سعي مع أن الآية التي قبلها (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا 18 الإسراء) فلم يقل يسعى لأن طلبك للدنيا ممكن أن يأتي إليك من دون مجهود، إنما الآخرة تحتاج إلى مجهود. من عدالة القرآن أن الله تبارك وتعالى يقول (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴿40﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴿41﴾ النجم)، فمن تمنى وأطلق العنان للتمني وفجأة تموت الصبح فالله تبارك وتعالى حال بينك وبين ما تمنى قلبك بالموت. ثم نقرأ قوله تعالى (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهو لم يقل يحول بماذا ولكن أعطاك الحشر الذي يأتي بعد الموت. حال يحول فالله حال بين غير المسلم فالمسلم لا يتمنى ولكن يرجو والرجاء عمل والعمل ليس أمنيات والعمل يكون في حدود التكليف الذي يكون من المنهج ولذلك قال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهو يحول بين غير المسلم وبين قلبه بالموت، فالموت سيعطل على الإنسان أماني أطلقها من ضمنها سوف أتوب، سوف أصلي، سوف أصوم، فاقطع الأماني بالعمل لأنك لا تعرف متى تموت وأن الله تبارك وتعالى بهذه الآية يوقع (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿16﴾ ق) لأن الحائل بين أمرين الحائل نفسه يكون أقرب للأمرين من بعضهما لبعض. فإذا قلت أن الله (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فالله تبارك وتعالى حال بين المرء وقلبه فهو أقرب إليك من الأماني فإذا كنت تحتاجه في الدعاء ادعوه وإذا كنت تحتاجه في الاستعانة اطلبها واستعن به فالمهم ألا تذهب للأماني ولكن اذهب للمنهج الله فتوقيع الآية توضح أن الله أقرب إليك من الأماني إما أنه أقرب إليك بالتكليف فتأخذه أو أن التكليف صعب بالنسبة لك فتستعين بالله تبارك وتعالى فكل شيء تفعله يجب أن يكون مع الله تبارك وتعالى لأنه أقرب إليك من الأماني لأنه حال بينك وبين القلب. والحول سيكون بالموت (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالمؤمن الحق لا يتمنى ولكن يرجو (لمن كان يرجو الله) لم يقل يرجو من الله تحول الرجاء من طلب من الله إلى الرجاء أصبح اللهَ تبارك وتعالى، أرجو الله واليوم الآخر. أعجبني التوقيع (وأنه إليه تحشرون) الحول بالموت وتوصيفها: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته فلما يأتي الموت يقول: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ 100 المؤمنون) انظر ماذا تفعل الأماني بصاحبها. لو قال (سأعمل صالحاً) لكانت منطقية لكنه قال (لعلي أعمل صالحاً) لكن هذه الحقيقة ويقول هنا لعل وليس فأعمل أو سأعمل لأن هذه هي حقيقتهم لأن المتمني هذه هي حياته يعيش على الأماني لكن المسلم الحق يأخذ التكليف وإن شق عليه يقول يا رب ويطلب العون من الله ولذلك ليس من الصدفة أبداً (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5 الفاتحة) فأنا لا أستطيع أن أعبد الله تبارك وتعالى إلا بعون من الله عز وجل إذا كنت أريد أن أعبده على مراد الله وليس على هواي لأنه لكي أصل إلى مراد الله يجب أن أستعين بالله عز وجل. ولذلك ليس من المصادفة أن تكون سورة الفاتحة رقم واحد في الكتاب وفيها إياك نعبد وإياك نستعين.
يقول الله تبارك وتعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿27﴾ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿28﴾ الأنعام) ومنهم من يفعل هذا في الدنيا فإذا سئل أحدهم إذا رجع بك الزمن ماذا تفعل؟ من الأدب مع الله تبارك وتعالى أن يقول لو أخطأت أصحح ولكنهم من الكِبر بحيث يقولون أفعل مثل ما فعلت بالضبط. الشاعر قال:
ولو تبيّن ما في الغيب من حدث لكان يعلم ما يأتي ويُجتنب
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) لأن الكبر تعالي والتعالي ليس وصف مسلم أو مؤمن إنما وصف كافر، مشرك، منافق وعلى رأسهم إبليس وقد أخذوا هذا الكِبر من إبليس وقد أعطى المولى عز وجل معطيات التوبة لآدم وقبلها منه قبل أن يعملها (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿37﴾ البقرة) فهو تواب قبل أن يخلق آدم. في حين أن إبليس لم تقبل توبته لأنه رفض ورد الأمر على الآمر ومناقشة الإله الحق بالطريقة التي فعلها إبليس ليست من سمات أهل الجنة أبداً ولذلك يقول r بصدق: "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
الأمراض موجودة في القلب، ما هي الأمانات وكيف نخون الله تعالى وكيف نخون الرسول r وما الفرق بينهما؟ وكيف نتعامل مع مرضى القلوب؟ هل نتركهم؟ ما المرض الموجود في القلب وكيف نصل إلى علاج نافع؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/7/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:33 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 15
تقديم علاء بسيوني
ما زلنا نبحث عن حالة الإنابة التي تحتاج أولاً وأخيراً إلى القلب السليم فما القلب السليم؟ وكيف نتخلص من أمراض القلوب لنحصل على حالة الإنابة لله تعالى؟. قال الله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿23﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿25﴾ الأنفال) من حيث التوصيف اللغوي كلمة يحول في الآيات تأتي بمعنى يغيّر أي يغير من شيء إلى شيء آخر، يحوّله ويغيّر حاله أو بمعنى الحائل أي الذي يفصل بين شيئين وهذا هو المعنى الأقرب من حيث التوقيع هنا. فالله يحول بين المرء وقلبه فالله تبارك وتعالى بينهما والحائل بين شيئين – ولله المثل الأعلى - يعتبر أقرب لهما من بعضهما فالإنسان وقلبه بينهما فاصل إن صح التعبير وهذا الفاصل يعتبر أقرب للإنسان من القلب وأقرب للقلب من الإنسان فأصبح الإنسان وما يتمناه قلبه بعيدان عن بعض. وتوقيع القرآن دائماً ما يخدم الفكرة اللغوية التي يحاول أهل اللغة أن يقفوا عليها في القرآن وهذا ما نراه في قوله (وَاعْلَمُوا) كأن هذه المسألة مجهولة فكلمة اعلموا تعطيك إشارة إلى أن هذا الأمر مجهول رغم أنه من المفروض أن يكون مفهوماً أو معروفاً لو كان الإنسان مؤمناً بمعنى الكلمة فسيعلم أنه صدق الله تعالى فيما قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿16﴾ ق) فالحبل هنا هو الوريد وهذا الوريد الذي إذا قُطِع يموت الإنسان، فالوريد يمثل روح الإنسان. فالله تبارك وتعالى أقرب إليك من روحك التي بين جنبيك، الروح هي قوام الحياة والله تعالى أقرب إليك من روحك لأن الله تبارك وتعالى هو صاحب الروح. البعض لا يفهم معنى (ونفخت فيه من روحي) فهو الذي نفخ الروح في الإنسان وسنشرحها لاحقاً إن شاء الله تعالى. ففي قوله (واعلموا) المفروض أنك مؤمن وتعلم هذا الأمر وإلا فأين إيمانك إذا كنت مشككاً في أن الله أقرب إليك من أمانيك؟ لكن الدنيا تأخذنا وتلتبس الأمور ونسينا فلا يصلي البعض ولا يصوموا وهكذا. فاعلموا هنا بمثابة التنبيه لأن الإنسان غفل عن شيء ما كان يجب أن يغفل عنه. ويأتي المجاز بأن الله تبارك وتعالى أقرب إليك من حياتك وأقرب إليك مما تتصور أنت في دنياك ومما يزينه لك القلب بدليل (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). ففي لحظة ستجد نفسك أمام الله تبارك وتعالى في (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء). القلب يمنّي الإنسان ويجعله يسوّف ويقول لك ما زال أمامك وقت لكن ما الذي يدرينا كم سنعيش؟ فقد يموت الإنسان صغيراً وقد يموت كبيراً وعلينا أن نستعد للموت دائماً ونعتبر منه. فالله تبارك وتعالى في قوله (واعلموا) ينبه لغفلة طرأت على الإنسان ما كان يجب أن تكون وإن كانت لا يجب أن تكون في عامة الناس. ففي المسلمين والمؤمنين والمتقين والمحسنين فهم أولى أن لا تكون فيهم.
كيف لا نجعل الناس تقع في الغفلة بحيث لا يقعوا في أماني القلب كما قال الله تعالى (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾ لقمان)؟ الغَرور هو الشيطان والدنيا والشيطان يغرران الإنسان ببعده عن المنهج وكثرة قراءة القرآن تقوم هذا الأمر فلو أخذنا مثالاً على هذا الأمر أن شخصاً ما إنساق مع الدنيا فبدأ يترك الصلاة في المسجد وبدأ يبعد عن المنهج والبعد لا يكون دفعة واحدة ولكن شيئاً فشيئاً وهذا هو المرض الذي يصيب القلوب فالمرض لا يأتي دفعة واحدة 100% مرض ولكن يأتي على دفعات فالشيطان لا يدخله في القلب 100% لأن ذلك سيؤدي إلى صدمة تجعل الإنسان يفيق ولكنه يقوم بهذا الأمر على دفعات صغيرة بحيث إذا وصل المرض إلى 100% ستتذكر فقط آخر درجة دخلت إلى قلبك فلا تشعر بأنك وصلت إلى 100%. وهذا ينطبق تماماً على موضوع الإدمان وكيف يعالج المدمن منه فإذا كانت آخر جرعة أخذها 20 ملم فيبدأ بتخفيض الجرعات له ففي البداية يعطى 18 ملم فالـ 2 ملم لن تشعره بالفرق وسيشعر كأنه أخذ الـ 20 ملم لأن الـ 18 قريبة من الـ 20 رغم أنك بدأت بسحب الـ 2 ملم منه فلو أنك سحبت من جسده الـ 20 ملم لفقد القدرة على نفسه وربما حتى يحاول قتل نفسه وأذية الآخرين وهذا نتيجة الألم الذي في جسده. فالشيطان يدخل مقلوب هذا الأمر، ولذلك في حالة المدمن يبدأ بتخفيض الجرعات من 18 ملم ويبقى يومين على هذه الجرعة ثم تخفض إلى 17 ملم وهكذا إلى أن يأتي اليوم الذي لن يحتاج فيها إلى الجرعة لأن جسمه استجاب مع فكرة تخفيف الجرعة. وهذا هو ما يفعله الشيطان ولكن بالمقلوب فيأخذك خطوة خطوة فهو لن يأمرك بترك الصلاة أو معصية الله هكذا ولكنه يزين لك الأمر فكأن لسان حال الشيطان يقول للذي يريد أن يقوم لصلاة الفجر أنت متعب من العمل وهو لوجه الله فأنت تخدم الأمة ولكنك متعب وهذا بدنك وله عليك حق وأنت لست ملك نفسك ولكن ملك الأمة وأنت تقدم برامج دينية وهذا أمر جيد تفيد منه الأمة، فالأمة بحاجة لك- وهذا كلام الشيطان ولن يقول لك لا تصلي الفجر ولكن - لا تنزل للصلاة في المسجد، توضأ وصلي في البيت، وبزوجتك وأولادك وبذلك تأخذ ثواباً وهكذا تصلي في البيت. اليوم الثاني تريد أن تنزل للصلاة يوسوس لك الشيطان قائلاً: أنت صليت بالأمس بالأولاد والولد لم يكن يصلي وأصبح يصلي لأنه صلّى معك وهكذا، ثالث يوم يقول لك الفجر إلى الساعة السادسة فاضبط المنبه على قبل السادسة بقليل لكي تكسب وقتاً لترتاح فيه وهكذا فهو في بداية الأمر أخذك من المسجد ثم صليت في البيت ثم يؤخر وقت الصلاة في البيت ثم يزين لك أن تصلي صلاة الصبح الساعة التاسعة وهكذا خطوة خطوة حتى تصبح لا تناقش نفسك أنك لا تصلي، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فجميع الأماني تأتي من القلب ولو أن العلم أُدرِك في القلب لأقفلت بذلك حلقة شغل الشيطان. فالقلب هو الفيصل في كل الإدراك بدليل قوله تعالى مخاطباً رسوله r(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿193﴾ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴿194﴾ الشعراء) ولم يقل على عقلك مع أن هنالك آيات تثبت أن العقل في القلب ولكن هذا من باب الاحتياط جاءت صريحة. القلب هو الذي يعقل ويتدبر ويفقه والعقل في القلب.
الإنسان قلبه يمنّيه بأشياء كثيرة ولكنه فجأة يأتيه الموت وهو ما زال يسوّف. في قوله تعالى (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يتأكد معنى المجاز الذي في قول الحق تبارك وتعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فالقلب يمني المرء بطول الأجل والتسويفات كأن يقول الإنسان سوف أصلي، سوف أصوم، سوف أتحجب لما أتزوج لكم من قال لها أنها ستتزوج ولا يجوز للمسلم أن يقول عندما يحصل لي كذا لأنه لا أحد يعلم الغيب وكأن هذه التي تؤجل الحجاب قطعت أنها ستتزوج أو أنها ستعيش لتتزوج وهكذا وكل هذا أماني القلب. والمولى عز وجل يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) وهذا مجاز مهم جداً يحتاج لتوكيد (وأنه إليه تحشرون). بم يحول الله تعالى بين المرء وقلبه؟ الله يحول بين المرء وقلبه بالموت وهذا هو توقيع الحائل وكان المفروض أن الإنسان يرجع للمنهج قبل هذا الحشر (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالذي يجعلك لا تستجيب لأماني القلب ووسوسة الشيطان هو قراءة القرآن فكثير ممن يداومون على قراءة القرآن بالترتيب من الفاتحة للفاتحة (قراءة الحالّ المرتحل) إن يحدث لأحدهم مشكلة ما صباحاً ثم يجد حلها - في وقت قراءته للقرآن - في القرآن أو ملمح أو إجابة أو توجيه لذلك يجب أن تكون قراءة الناس للقرآن بتدبر وبإتصال لكي يحدث له هذا الأمر وأن يخصص من يومه وقتاً خاصاً لقراءة القرآن ولو بصفحة واحدة في اليوم ولا يترك هذا الأمر للظروف وسيرى نتيجة هذه الساعة المخصصة لقراءة القرآن في باقي ساعات اليوم، يجب على المسلم أن يقيم حياته على أوقات الصلوات الخمسة وصلاة الجمعة فيبني حياته على المواقيت وهي معروفة مسبقاً ولا حجة لأحد أنه إنشغل أو لم يعرف. فكم نضيع من الأوقات بدون إستغلالها في قراءة القرآن بأوقات مخصصة ولا تتركها للصدفة لأن هذا أول طريق الوسوسة ولن تحصل. أخصص لنفسي وقتاً بعد صلاة الصبح مثلاً أو بعد العشاء أو أي وقت وأقرأ فيه القرآن بشكل منتظم والقراءة تكون بتدبر وفهم لأن البعض يقرأ ولا يفهم معاني القرآن وعلينا أن نفهم اللغة العربية التي تفسّر القرآن الكريم. ويجب على الإنسان أن يستعد لهذا اليوم (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فجميعنا ميتون ولا ناجي في هذا اليوم (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) والقلب السليم هو الذي تلقى المنهج واستوعبه وطبقه ونفذه في عباداته وفي معاملاته فلم يفصلهما عن بعض.
الناس الذين في قلوبهم مرض الناس يعتقد أن المرض من عند الله تعالى وليس على المريض حرج. لو هو مرض ألا يكون إبتلاء؟ إذن ما هو ذنبي؟ أم أنك إذا أصابك المرض لم تعالجه فزادك الله مرضاً؟
المرض الذين يكون في قلوب بعض الناس نتيجة تخليهم عن القرآن. فلو أخذنا مثالاً شخصاً أصيب بوعكة سيذهب إلى الطبيب ليكشف عليه ثم يعطيه وصفة دواء للعلاج فهل سيتخلى هذا الشخص عن هذه الوصفة؟ كذلك من بقلبه مرض ولكن الفرق أن الآخر تخلى عن القرآن الذي هو الشفاء فأمراض القلب - والتي تكون في العقائد - القرآن عالجها (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴿82﴾ الإسراء) شفاء القرآن هنا لأمراض العقيدة لأن توصيف الكفر مرض والشرك أعظم وأخطر من الكفر لأن الكافر لم يعرف ربنا لكن المشرك عرفه وبعد أن عرفه جعل له نداً ولذلك يقول الله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿103﴾ يوسف) ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴿106﴾ يوسف) وهو مؤمن عرف الله تعالى ومشرك وهذا ما نجده بكثرة في حياتنا من الذين يلجأون من دون الله للبشر وللأولياء وللأضرحة. النفس يجب أن تعالج كأي عضو ولا يقال هذا مريض نفسي أي مجنون للأن هذا جعل موضوع العلاج بالقرآن والسحر وكل ما يتبعها منتشراً بين الناس لدرجة أن الناس تقول أنا أفضل أن أكون مسحوراً على أن أكون مجنوناً إذا ذهب لطبيب نفسي. أمراض القلوب أمراض عقائدية تحتاج لعلاج وعلاجها في المنهج وهو كبير وكثير وصعب ولذلك يحتاج لقراءة يومية كحبة الدواء التي تأخذها كل يوم صباحاً على الريق وهكذا يكون قراءة القرآن بعد صلاة الصبح نافعة لأن عقل الإنسان لم يشتغل بعد في أمور الدنيا والشغل ومشاكله وغيره.
أمراض القلوب هي السبب المباشر بأن يعيش الإنسان بعيداً عن المنهج وتكون سبباً في تطبيق قوله تعالى عليه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). فالله سبحانه وتعالى يحول بينه وبين أماني القلب وأحلام القلب وتأجيلات القلب بطول الأمد وطول العمر فيأتي الموت بغتة والإنسان غير مستعد. وهناك من قد يقول أن هنالك من يموتون ولهم تسعون سنة فلم يحول بينهم وبين قلوبهم ولكن السؤال ماذا فعلوا في حياتهم؟ إن كانوا من أهل العلم يقومون بتحقيق أشياء فهؤلاء لا ينطبق عليهم معنى الآية فالقلب هنا لم يمنيهم أماني تافهة إنما كل الذي تكلم القلب معهم فيه هو رجاء طبقوه. فالأماني والأحلام تتحول إلى رجاء في الله تبارك وتعالى وهم يعلمون أن تحقق الرجاء يكون بالعمل والسعي والعلم والتلقي والبحث وهؤلاء أمثالهم كثر مثل الشيخ الشعراوي رحمه الله عاش طويلاً لكن حياته كانت مثمرة ولا تنطبق عليهم الآية. والمقصود (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالله تعالى يحول بين المرء وقلبه حتى وإن طال عمره ولو بعد حين، فالذين طال عمرهم ولم يفعلوا شيئاً فالقلب مناهم وسوف وحتى دون أي نتيجة.
بعض الناس يؤجل أشيءا حتى يكبر في السن لكن قد يعطيه الله تعالى العمر لكن ظروفه ستختلف ولن يستطيع تحقيق ما أراده. فالفيصل ماذا فعل في حياته؟ فهناك من يموت وعمره 30 سنة ولكنه عمل في حياته وآخر يموت وعمره 90 سنة ولم يعمل شيئاً. فالله تبارك وتعالى يحول بين المرء وبين أماني القلب سواء إذا طال عمره أو قصر عمره لأنه في النهاية (وأنه إليه تحشرون). ولكن إذا أعطاك القلب الرجاء فهذا هو المطلوب والرجاء يتحقق بالعمل والبحث والدراسة والتعب فمن غير الممكن أن تحقق شيئاً من غير تعب ومن غير مجهود، لا يمكن أن أكون عالماً وأنا نائم وإنما هذا يحتاج إلى جهد وتعب ودراسة، والصحابة مانوا أهل علم وتجارة وكانوا ورعين متقين يقيمون الليل وعندما تستنفر الأمة يكونوا مقاتلين ومجاهدين ولا تتأثر لا عباداتهم ولا معاملاتهم لأنهم اتبعوا منهج القرآن. وأقل شيء يعلمك إياه القرآن هو المنهجية: أن تجعل لحياتك منهجاً وهذا ما نتعلمه من مسألة نزول القرآن وجمعه في الكتاب بطريقة معينة تعجز أي شيء ونقف مبهورين ومشدوهين أمامها ونجد المولى عز وجل قد طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الأمة بقوله (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿16﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴿17﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴿18﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾القيامة) بيانه لا يكون لكل الناس ولكن فقط لمن يعمل ويتعب. فالقرآن يعلمك المنهجية إذا اتبعته. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والآية التي تأتي بعدها (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) البعض يسأل لماذا جاءت هذه الآية بعد الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)؟ التقوى المطلوبة ليست للفتنة بحد ذاتها ولكن لنتائجها أي احذروا نتائج الفتنة لأن الفتنة بحد ذاتها قد ينجوا منها ناس ولكن كل الناس تبتلى وتفتن فلو قال (اتقوا فتنة) لأصبحت الجملة مطلقة وتفيد من يفتن لوحده ولكن يؤكدها المولى عز وجل بتوقيع جميل (لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) أي أنك لا تجلس وتشاهد شخصاً واحداً يفتن معتقداً أن نتيجة الفتنة لن تصيبك بل ستصيبك حتى ولم تفتن لأنك لم تردّه عن هذا الأمر. فكأننا مطالبين بأن نكون واعين لما يحصل في الكون لنأخذ على يد الظالم. وكذلك المظلوم الذي قد نتصور أنه لا يُعاقب تصيبه نتيجة الفتنة لأنه سكت على ظلم الظالم لأنه أقل شيء كان من المفروض أن يفعله هو أن يوجهه. يقول تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ 41 الروم) هل أيدي الناس كلها؟ فهل المنطق يقول أن أيدي الناس كلها كسبت بنسبة 100% ولكن هنالك 70 % -30% و80%-20% لكنهم سكتوا فالفساد سيعمهم.
هل الفتنة المرتبطة بهذه الآية مرتبطة بالفتنة يوم القيامة؟ (على النار يفتنون) بما كانوا يستمتعون بالفتنة في الدنيا سيفتنون على النار يوم القيامة (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴿13﴾ الذاريات). القرآن يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) فإذا كان هنالك من يتفرج على الظالم منتظرين فيه يوم فإن هذا اليوم قد يعمّ الظالم والمظلوم وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً على ذلك في موضوع السفينة قال (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها..) فالذي يريد أن يشرب من النهر يجب أن يكون على ظهر المركب لكي يستطيع أن يصل للماء والناس الذين في أسفل السفينة اقترحوا أنه ليس من اللائق الصعود إلى سطح السفينة كلما أردنا الشرب فلماذا لا نخرق السفينة خرقاً صغيراً بحيث نستطيع أن نشرب. ساعة ما يقومون بهذا الخرق ستغرق السفينة بسبب عدم إتزانها ودخول الماء إليها، وهكذا الناس الذين على ظهر السفينة أمامهم أمران إما أن يأخذوا على أيديهم (فلو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً ولو تركوهم لما قالوا لغرقوا وغرقوا جميعاً) فيجب على الإنسان المسلم الواعي عندما يسمع عن شيء غير مألوف يريد أن يقوم به شخص ما عليه أن يأخذ على يديه ويمنعه لأن في منعه نجاة لهما نجاة للقريب عن المصيبة والبعيد عنها لأن المصيبة عندما تعم ستعم على الكل. (كانوا لا يتناهوا عن منكر فعلوه) يقالبها قوله تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿3﴾ العصر) ويأتي الصبر في الآيات لأن ليس كل شيء يأتي على مراد الإنسان، فالصبر هنا يكون على التواصي نفسه والصبر على انتظار الأمر فأنت عليك أن تسعى لكن إدراك النجاح هذا موضوع مؤقت في علم الله وليس كل الناس تستجيب من أول مرة والصبر هنا للموصي وللموصي له.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/8/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:34 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 16
تقديم علاء بسيوني
تكلمنا في الحلقة الماضية عن الفتنة وهنالك كثير من الناس من يعتقدون أنهم إذا لم يظلموا فبذلك هم غير معنيين بما يحدث واكتشفنا أن هذه فكرة خاطئة وخادعة وأنه إذا لم نأخذ على أيدي الناس الذين يخطئون وننبههم وننصحهم وأصلحنا سنشترك معهم في الوزر والمجتمع كله يتحمل النتائج والأوزار. فمسألة الفتنة ستصيب الجميع ووزرها سيصيب الجميع دون التفريق بين الصالح والطالح لأن الكل سيشترك في الوزر قال الله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿25﴾ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿26﴾ الأنفال) الفتنة لا تصيب الظالم فقط ولكن تصيب الظالم ومن سكت عن ظلمه وتصيب الطالح وتصيب الصالح الذي بخل عن نفسه وعن غيره بالنصيحة والتواصي بالحق والصبر على ذلك الصبر على دوام النصيحة والصبر على انتظار النتيجة المرجوة، فهل هذه الفتنة مرتبطة بالدنيا فقط أم أن هنالك نتيجة لفتنة أخرى يوم القيامة فتنة على النار؟
لكن أولاً يجب أن نعرف ما هي الفتنة؟ فاللفظ أحياناً يأتي بمعنى وفي آية أخرى يأتي بمعنىً آخر. وأصل كلمة الفتنة أي اختبار الذهب بتسليط النار عليه لكي تستطيع أن تميز بين الذهب الخالص والذهب المخلوط فأصل كلمة الفتنة هو وضع الذهب على النار لاختباره، لتجريده لتخليصه. ويقول الله تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت) إذن أنت معرض للفتنة بواقع هذه الآية فأنت ستفتن ولا يمكن أن تدخل الجنة أو تأخذ الجزاء الحسن بدون اختبار وهذا الاختبار مرتبط بأنك قلت أنك آمنت فلا بد أن يختبر هذا الإيمان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا) إثبات الإيمان ليس بالقول فلا يكفي أن تقول أنك مؤمن فما حقيقة هذا الإيمان ومقوماته ودعائمه وأسسه ومظاهره؟ كالذي يقول أنا مؤمن ولا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يتعامل مع الناس بالحسنى فكيف ستحكم عليه أنه مؤمن؟ ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا) هل يكفي القول أنك آمنت؟ (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) فالفتنة هي الابتلاء، الامتحان، الاختبار الذي يتعرض له الناس فالفتنة مسألة قضى بها الله سبحانه وتعالى. وعندما يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) الإصابة هنا ليست بمعنى التوقيع أو بمعنى الاختبار فالفتنة هنا غير الفتنة التي هنا غير الفتنة التي ذكرتها الحلقة الماضية: فالفتنة التي في النار (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات) هذه قضية تعذيب فأخذنا من الفتنة النار، وفي سورة العنكبوت الاختبار والامتحان والابتلاء الواقع في الناس كلها، أما هنا في سورة الأنفال (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) نتيجة الفتنة العقاب على الفتنة، العقاب على الابتلاء. وهذا يدل على توقيع القرآن البديع. والتقوى مرحلة من مراحل حياة المؤمن الحق أو المسلم الحق وهي تجديد للإيمان الفطري فهنا عندما يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ) الإصابة هنا ستكون في عقابهم تكون في عقاب ينزل فيهم، وأقل الظلم ظلم النفس وأبشع الظلم ظلم النفس لأنه سيكون في النار وقد يبدو أنه أقل أنواع الظلم ولكنه أبشع أنواع الظلم لأنك لو ظلمت غيرك فإنه سيجد من يدافع عنه ولكن إن ظلمت نفسك فمن سيدافع عنها؟ لأنك لا تدري أنك تضر نفسك فظلم النفس أقل أنواع الظلم في التوقيع لكنه أقسى أنواع الظلم على النفس، فالعقاب في الآية سيعم والفتنة هنا ليست في الابتلاء ولكن وقوعك في الخطأ، وقوعك في المعصية، فأنت تمتحن بمعصية ولو قسنا هذا على فتنة الذهب فالذهب يدخل النار لكي ينقى من الشوائب أو كأني أفصل المعدن النفيس الأصيل النقي لوحده والشوائب لوحدها وكأنني أقول للإنسان من أي نوع أنت؟ من المعدن النقي النفيس الأصيل أم من الشوائب؟ وهذا هو السبب في استخدام كلمة فتنة وليس ابتلاء لأن الابتلاء أخف من الفتنة لأنه ليس معه كلمة نار ولكن كلمة فتنة معها كلمة عذاب في حين أن الذهب لا يتأثر بالنار الذي يتأثر بالنار ما دون الذهب وما هو أقل منه فكأننا باللغة تقول إن المعدن الأصيل المسلم الواعي لا يؤثر فيه الابتلاء بل بالعكس يخرج منه رابحاً ولذلك (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) إذا أنتم سكتم. كأني باللفظ أن الفتنة ستصيب الذين ظلموا والذين لم يظلموا ما ذنبهم؟ كأننا بالفتنة ستصيب الذين ظلموا لكنها أيضاً تكون امتحاناً لغير الظالم هل سيسكت؟ موافق بقلبه؟ رافض بقلبه؟ ولذلك (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿19﴾ غافر) لأنه ربما يكون هناك من يستنكر فعلاً ما ولكنه من داخله موافق عليه والعكس بالعكس فهنالك من لا يتكلم ولكن من داخله غير موافق ورافض لهذا الأمر فالمولى عز وجل مطلع وهو الخبير المحيط العليم العلام فله سبحانه وتعالى صفات إياك أن يتسرب إلى نفسك أن هنالك شيء سيمر دون علمه ولذلك هم يقولون (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) فهذه القضية يجب أن تكون في ذهن الناس وهذه القضية ستغيب على غير المؤمن فيظن أنه يستطيع أن يستتر وأنه غير مراقب وأنه غير مدرك وكثير من الناس يقعون في هذا الأمر. وهنالك من يرى الخطأ يصدر من جيرانه أو زملائه في العمل أو حتى من رؤسائه وهذه تكون أصعب لأنه لو كان رئيسه في العمل مرتشي أو غير منضبط أو يقوم بأعمال ضد مصلحة المؤسسة التي يعمل فيها يتراجع هذا الموظف من نصحه خوفاً من نتائج هذا النصح سواءً كان طرداً أو اضطهاداً أو سوء معاملة وهذه هي القضية. وهذه الإصابة ستكون على الظالم بعقاب في النار ولغير الظالم تكون تكفير له من السيئات ثم يكون في الجنة لكن بواقع أمره برفضه للظلم ولو حتى بقلبه وهذا أضعف الإيمان ثم يكون في الجنة وتقول الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وفي الآية التي تسبقها (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) ففي الآية التي تلي (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) قوله (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) اذكروا هنا أي اذكروا أيام مكة المكرمة عندما بدأ الإسلام، كيف بدأ الإسلام؟ وفي قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) عمر بن الخطاب أقرب مثال فالذي نظر إلى عمر في الجاهلية لا يصدق أنه ممكن أن يكون مسلماً في يوم من الأيام ولكنه يسلم ويصبح مؤمناً ومتقياً والثاني في الصحابة بعد أبو بكر الصديق وفي الخلافة ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعز الإسلام به وفي هجرته رضي الله عنه إلى المدينة كان الناس يخرجون مستترين وبالخفاء وهو رضي الله عنه وقف ممسكاً سيفه وأعلن لأهل مكة أنه من يريد عمر فليظهر نفسه، ورغم أنه عمر فالرسول صلى الله عليه وسلم أمسكه من مجامع ثوبه قبل أن يسلم ويقول له ماذا تريد؟ لماذا أتيت؟ فهناك شجاعة عند الرسول صلى الله عليه وسلم غفل عنها الكثيرون. فأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في الدار عندما علموا أن عمر هو الذي بالباب ذهبوا ليختبئوا إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ففتح له وأمسكه من مجامع ثوبه وقال له ماذا تريد يا عمر؟ فهذا الأمر أخفض نبرة صوت عمر رضي الله عنه وقال جئت أسمع القرآن. فهذه استجابة المولى لدعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
يقول المولى عز وجل (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذه الآيات تتكلم عن العقاب للذي سيتقاعس عن قول كلمة الحق أو النصح أو كلمة الإصلاح إذا رأى ظلماً وفي آخر الآية الله سبحانه وتعالى يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فهذا يعني أن هذه العقوبة هي نتيجة السقوط في الامتحان. جاء في الآية كلمة (واعلموا) لأن غالبية الناس ليس معلوماً لديهم هذه الصفة لأنهم أخذوا صفات الكمال فالإنسان فرح أنه الرحمن الرحيم ونسي قوله (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿49﴾ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴿50﴾ الحجر) لكن نحن نأخذ الآية الأولى ونسينا الثانية لأن الناس يجب أن تعرف عن الله تبارك وتعالى أنه لو يبقى رحمن فقط الرحمة لا تتحقق، لا مذاق لها إنما عندما يكون رحماناً وهو شديد العقاب فتكون الرحمة منه على أشدها لأنك تعرف العقاب ومقدار شدته فيكون للرحمة قيمة عالية ومثال ذلك- ولله المثل الأعلى- دون تشبيه أو تمثيل أن هنالك حيّ وفيه رجل أحمق فلا أحد في الحيّ يحب أن يصاحبه ويوجد آخر فتوة فيحترمونه الناس ويقدمونه في كل شيء خوفاً منه والسلام منه شيء عظيم ولو أن الأحمق قال لك أنني سامحتك سيكون ردك وهل بيدك شيء لتفعله غير أن تسامحني ولكن عندما يسامحك الفتوة أمر آخر ويكون وقعه عظيم لأنه قادر على أذيتك. وبدون تشبيه هذه هي صفات الجلال والكمال في الله. بدأ الكتاب بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) لأن الله لوحدها ترعبك ولكن الرحمن الرحيم تهون عليك الأمر وتأخذ المنهج وخلال تتبعك للمنهج ستجد صفات جلال وكمال أو صفات كمال وصفات جلال فتفهم أن الاثنان لا ينفصلان. فالله تعالى واحد والذات واحدة وقد كتب في كتاب عنده سبحانه وتعالى إن رحمتي سبقت غضبي هذا قضاء الله فساعة خلق الخلق كتب في كتاب عنده أن الرحمة سابقة للغضب لأنه قوي، قادر، قدير، مقتدر، فهو ليس ضعيفاً أو له حاجة أو له شهوة فهو سبحانه وتعالى منزّه عن كل هذا. ولكن يجب أن نفهم كلمة (واعلموا) كأن الأمر فيه تناسي حتى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99﴾ المؤمنون) وهذا لا يحدث ولو أنك قرأت المنهج لعرفت أنه لا يوجد رجوع. ولذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) كان من المفروض أن شديد العقاب تكون معروفة قبل الرحمن لأنه هو عندما يقول (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿49﴾ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴿50﴾) والمتلقي الواعي يجب أن يحذر العذاب لكي يحصل على المغفرة والرحمة فيتجنب المعاصي ويتجنب السيئات لكي يمشي في الطريق الذي رسمه المنهج لأن الرسالة عبارة عن رسالة برسول: محمد صلى الله عليه وسلم، بموصِّل: وهو جبريل عليه السلام، بإلهٍ حق. وكل هذا تم لأجلك لأنه لو أن التكليف كان من الله لكل شخص لتعب الإنسان ولن يقدر أن يأخذه فهل أنا فهمت هذا الأمر؟ وعملت به؟ وشكرت عليه؟ أن يصطفي الله من الملائكة ملكاً وأن يصطفي من البشر رسولاً وأن يختار رسالة لأجلي أنا رغم أنني لا شيء فمن أنا؟ ألا يستحق هذا الشكر والحمد آناء الليل وأطراف النهار؟ ولذلك (واعلموا) كأنك تعلم شيئاً آخراً أو أنك مشغول بأمر آخر ثم يقول (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) هنا سيأتيك من الحالة التي أنت فيها بعيداً عن علمك بأنه شديد العقاب إلى ما كان عليه المسلمين الأوائل. فعندما يجد الإنسان نفسه في عزة بمال أو جاه أو علم أو أي شيء آخر فليحمد الله ولا ينسى الماضي وكيف بدأ ولا الاحتمال بأنه كان من الممكن أن يظل حاله على ما هو عليه أو حتى ينزل.
فكلمة (اذكروا) تدل على أنه حصل نسيان للقيمة والعبرة فلما قال (واعلموا) كأنك أنت ذاهب في طريق التناسي فأنت تعلم شيئاً ما ولكن اعلم معه أنه لا يجب أن تتمسك في الرحمن وتنسى أنه شديد العقاب فإذا أخذت الرحمن لوحدها وأنت تعمل حسنات لا بأس ولكن أن تتمسك بها وأنت مستمر في المعاصي هذا خطأ. وإذا كنت كذلك ولا نية عندك للرجوع عن المعاصي لأن كل ابن آدم خطاء فاعلم أن الله شديد العقاب والفيصل بين المولى عز وجل وبيننا أنه أرسل رسولاً (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15﴾ الإسراء) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ الأعراف) فلا يستطيعون أن يحتجوا بالغفلة لأنه كانت هنالك رسالة ورسل والرسل تنبّه فتزول الغفلة لكن نحن إلى الآن مستمرين في الغفلة فقال (وَاذْكُرُوا) حتى ولو لم تكونوا أنتم فوقفة التدبر هنا مهمة جداً بالذات في الأزمة التي فيها الأمة الآن (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) فهل ضعفنا الآن كان أكثر من ضعف أهل مكة ساعة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بالطبع لا فنحن الآن أفضل بكثير ولكن الأمر تحول بطريقة حتى في التلقي اختلف (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) فأنتم هذه ليس أنتم ولكن يقصد بها أصولكم جذوركم وقارنوا أنفسكم بالذين كانوا قبلكم. يجب على كل مسلم أن يعرف كيف بدأ الإسلام وإلى أين وصل وإلى أين انتهى؟ ويعيش هذه المراحل فعندما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ مستتراً وكان أتباعه ينكرون إسلامهم إذا سئلوا. أما اليوم ومن يقول أن الكفر أقوى وغير هذا من الكلام فهو على الأقل يعلن إسلامه وحتى في بلد الكفر فليقارن بين هذا وبين حالهم فلقد كانوا ينكرون ويخفون إسلامهم وهم في بلدهم، في مكة. فالمرحلة مختلفة ولذلك يقول الله تبارك وتعالى (وَاذْكُرُوا) واستفيدوا، اذكروا واعملوا، فهذه قضية تم عكسها إلى درجة أن في آية في القرآن عندما تذكر وأسأل الذي يشرحها ما الذي تقصده أجد أنه يقصد جانباً واحداً فقط (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم (11) الرعد) فالشارح يشتغل على أنه يجب أن نصلح أحوالنا حتى نكون صالحين مثل ما كانوا هم في السابق صالحين. ولكنه غاب عنه أن يأتي بالمقابل فما الذي جعل الحال ينقلب من الأحسن إلى الأسوأ؟ فإذا لم تعرف هذه فلن تستطيع أن تأتي به من الأسوأ إلى الأحسن أبداً لأنك لم تعرف أن تشخص المرض فلن تستطيع أن تأخذ الدواء المناسب. فهو يشتغل في كيف ولكنه لن يصل إلى كيف أبداً طالما أنك لم تعرف أن تشخص ما الذي جاء به من حسن إلى سيء. ومثال بسيط لذلك أن مرض السرطان (cancer) لم يوجد له علاج إلى الآن لأنه لم تعرف مسبباته. ومثل ذلك شرح الآية فهم يتحدثون كيف نصلح وكيف نصل؟ ولكنهم لن يصلوا أبداً. وإذا كانوا يريدون أن ينتقلوا من سيء إلى حسن يجب أن يفكروا أولاً ما الذي جاء به من حسن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين إلى هذا السوء الذي نحن فيه؟ طبعاً سنين كثيرة وأمراض كثيرة وأخطاء كثيرة ولكن إن لم يعالجها فلن يستطيع أن ينتقل من سيء إلى حسن ولذلك يجب أن نعرف ما الذي جاء به من حسن إلى سيء لكي أستطيع أن أعالج. فالآية تقول (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ) وهنا لم يقل إذ كنتم فالكلام ليس لك ولكن لجذورك ولذلك استخدم إذ أنتم. (قَلِيلٌ) ونحن الآن كثير ولكن كغثاء السيل. الكم والكيف القضية الأزلية والكيف هي حجر الزاوية في أي موضوع وكثيراً ما نصلي ولكن أحياناً ما تشعر بأربع ركعات مختلفين هم أربع دائماً فالكم واحد ولكن الكيف اختلف لأنك وأنت داخل توضأت جيداً، ركزت في الوضوء، وقفت وقلت أنني سأقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة الليل وفي الثانية الضحى وكنت مركزاً في الصلاة وهذه نقطة غابت عن المصلين فنحن ندخل الصلاة ونكبر ولا ندري ما الذي سنقرؤه وهذا الذي يؤدي إلى النسيان والسهو في الصلاة.
الآية (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) واضحة وصريحة بأن العقاب سيعم الجميع الظالم ومن سكت عن الظلم ولأجل هذا قال (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ) أي أن الفتنة ستصيب ستصيب فإذا كنت من أهل التقوى أنت لن تتقي الفتنة ولكن ستتقي عقابها لأن الفتنة أنت ليس من المفروض أن تتقيها ولكن المفروض أن تنجح فيها. فيجب أن تتقي عقاب الفتنة، أن تتقي عقاب الامتحان، مثل الذي يدرس للامتحان والامتحان الكل سيدخله ولكن هنالك شخص سينجح فهو قد اتقى ليس الامتحان ولكن النتيجة. اتقى يوم النتيجة وبالمثل يوم الحساب اليوم الذي حذرنا الله منه. في هذا اليوم ستعلن نتيجة الفتنة (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) أي أنها ستعم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) شديد العقاب ليس بالفتنة ولكن نتيجة الفتنة فيسأل أنت الدنيا كانت بالنسبة لك امتحان فمرة كان لديك مال فما الذي فعلت به؟ ومرة لم يكن لديك فما الذي فعلته؟ هل سرقت وأخذت من هذا ذريعة لكي تسرق؟ فهنالك من يبرر السرقة وفرحون للغاية أن عمر رضي الله عنه عطّل حدّ السرقة في عام الرمادة وتركوا كل الذي حصل في عام الرمادة وقالوا أن عمر عطّل حدّ السرقة في عام الرمادة وهذا ليس عذراً لكي تسرق فهل لديك عام رمادة؟ وكل من لا يملك مال يسرق؟ هنالك أمور الشيطان والنفس تسول إليك فعلها، فالله تعالى يقول اتقي هذا الأمر واتقي كل هذه المراحل (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فهو شديد العقاب ليس بالفتنة ولكن بعقاب الفتنة في يوم العقاب والعقاب هنا قمة العدل (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿14﴾ الإسراء) فأنت الذي ستقول إما جنة وإما نار لذلك هناك قناعة تامة بما سيحدث في ذلك اليوم لأنك أنت الذي ستقرأ. فالسلبية مرض خطير في المجتمعات الإسلامية وهو يتكلم في هذه النقطة عن سلبيتك في لأنك لا تأخذ بيد الظالم. وهذا هو الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة فلو أنهم أخذوا على أيديهم ومنعوهم ومن أن يفعلوا الخرق لأنهم يظنون أنه سيسمح بدخول الماء ولكن الذي سيحدث هو أنه سيؤدي إلى غرق السفينة كلها بالناس الذين هم تحت والذين على ظهر السفينة وذنب هؤلاء- الذين على ظهر السفينة- أنهم لم يأخذوا على أيديهم ولم يمنعوهم فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم واضح فلو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً ولو سكتوا لغرقوا وغرقوا جميعاً. فالغرق سيعم وكذلك النجاة. فمقابل أن الرجل الظالم الذي ترك أصاب الكل والنجاة للمظلوم لن تكون إلا يوم القيامة على قدر نيته وعمله لأن الله يتعامل مع خائنة الأعين وما تخفي الصدور على قدر أنك لو أخذت على يده كنت نقلته من إطار الظلم إلى إطار العدل فعظمة أنك تتدخل مع الظالم لمنع وقوع ظلم عليك وجهة قاصرة فأنت منعت وقوع ظلم عليك وحولته من ظالم وقد يكون الظلم حتى بالجهل إلى متقي وواعي ومتدبر فأنت لم تمنع شراً فقط بل حولت طاقة شر إلى طاقة خير ولذلك جاءت ألفاظ القرآن للجماعة: اعلموا، اعملوا، أقيموا، فلا يوجد تكليف فردي.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) في مرحلة في هذا الأمر لست أنت من بلغت ولكن شخص آخر ولكن عن بلاغك أنت فالبلاغ متواصل ومستمر من شخص إلى آخر والأجر مستمر بفضل الله ثم بفضلك. وهنالك من الناس من يريد أن يفعل شيئاً للميت ولكن هل هذا الميت عمل سنة جارية أو صدقة جارية قال الرسول صلى الله عليه وسلم (انقطع عمل أبن آدم إلا من ثلاث ) فمهما فعلت للميت هل ستفعل له شيئاً أكثر من شيء هو فعله لنفسه؟ ولذلك بدل من أن يفعلوا للميت افعلوا لأنفسكم (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ النجم). ولو أخذنا المقابل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فمن سن سنة سيئة والناس اتبعته وفعلت مثله سيحمل وزرها إلى يوم القيامة. فهناك من يبني مسرحاً والآخر يبني مسجداً ومن يبني سينما والآخر يبني مدرسة أو مستشفى وهكذا وهنا يظهر الوعي أنت ماذا تفعل؟ ولذلك عندما تسمع الآيات: واعلموا، واذكروا أي أن هنالك شيء يحدث وأنت متجاهل ومتغافل عنه، فالمنهج يعيدك ويحثك على مقارنة نفسك في زمانك هذا بمعطيات الزمن الأول. قال الرسول صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) وعندما سئل صلى الله عليه وسلم هل يكون المؤمن بخيلاً؟ قال نعم، وهل يكون جباناً؟ قال نعم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ممكن وليس مستحباً أو الأفضل وعليه أن يغير هذا. وعندما سئل أيكذب المؤمن؟ قال:لا أي أنه مرفوض عند الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يكون كذاباً. وهنالك من يكذب ويقول سئل أيسرق؟ أيزني؟ وهذا كذب. فالكذب مرفوض تماماً عند المؤمن لأنه لو أن شخصاً كذب فسيسرق فإذا سئل سيكذب، وسيزني فإذا سئل سيكذب، فالكذب سيكون مدخلاً لكل المعاصي لأنه سيكذب عندما يسأل لكن لو كان صادقاً فإنه لن يزني لأنه لن يستطيع أن يكذب إذا سئل. فالكذب ليس لديه ولا يعرف أن يكذب وسينتهي في النهاية على الموقف الذي تكلم عنه القرآن بأنه سيكذب على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسيكون التحريف والتأليف الذي حصل للتوراة والإنجيل وكل هذه القضية برمتها ولكن هذا لا يوجد في الإسلام لأن هناك خطوطاً حمراء فالكذب في الإسلام خط أحمر.
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/8/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:36 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 17
تقديم علاء بسيوني
نحن في رحلة البحث عن حالة من المعية الإلهية، ولن ينفع الإنسان أن يصل إلى الضالة المنشودة، حالة المعية، حالة التوبة المستمرة والإنابة المستمرة إلى الله إلا بقلب سليم. وقد اشرنا أن القلب تصيبه أمراض عدة وأن خطورة الإنسان المسلم في المجتمع أن يكون مسلماً سلبياً، مسلماً صامتاً عن الحق يرى ظلماً ويرى ظالمين ولا يحرك ساكناً. وكما ورد في الآية أن الفتنة لا تصيب الظالمين فقط ولكن غير الظالمين أيضاً لسكوتهم عن الظلم ولم يقدموا النصح والنصيحة لله. فالوقوع في الفتنة خطر يعم المجتمع المسلم كله وليس خطأ فردياً؟.
يقول الله تعالى (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا (40) طه) كلام من المولى سبحانه وتعالى إلى موسى لما وكز المصري فقتله، واستخدم فتوناً وليس فتنة فالمفعول المطلق هنا جاء فتوناً وليس فتنة. وهذه الآية من الآيات الجامعة بدلالة المعنى وهو كلام من الله سبحانه وتعالى لموسى يستعرض فيه بعض المواقف في بداية الآية. وجملة (فتناك فتوناً) تشمل من أول إلقائه في اليم وتشمل كل فتنة تعرّض إليها موسى عليه السلام من أول فتنة إلى آخر موقف. وهذه الجملة (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) من الجمل الجامعة بدلالة المعنى وليس بالمعنى لأن المعنى لا يعبر(وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) معناها لن يعطيك لازم المعنى الذي شمل كل موقف وكل فتنة تعرض لها موسى منذ ألقي في اليم إلى أن يلقى الله تبارك وتعالى. وكلمة فتنة جاءت في القرآن 30 مرة ولكن بمشتقاتها تتجاوز الـ 40 والمعنى يختلف من آية لآية. فمرة تكون الفتنة الابتلاء، ومرة التعذيب، ومرة العذاب، ومرة الخبرة، وهكذا ففي كل آية حسب وقعها لكن - وسبحان الله - لن تجد آية تبتعد عن واقع الفتن لأن كلمة فتنة أتت من الفَتْن. والمولى عز وجل في الآية من سورة طه لم يقل وفتناك فتنة ولا فتناً ولكن فتوناً فهو عز وجل لم يجمع الفتنة فالفتنة واقعة فعندما تقول فتنة أي مرة، وعندما تقول فتن تعني مرات، لكن الفتون من مصدر الفتن نفسه وليس مصدر الفتنة. وسبحان الله هذه القضية عندما تقرأها في القرآن تجد أن القرآن لم ينزل معجزاً لهم فقط بل نزل لتعجيزهم لأن ما معنى كلمة فتنة؟ الصائغ الذي يصفي الذهب والفضة من أي شوائب كانت بهما يسمونه العرب فتّان - وهو غير المعنى الدارج لدينا الآن وهو أن الفتنة تعني النميمة والغيبة وهذا معنى شائع على سبيل الخطأ والقرآن لم يأتي بهذا المعنى مطلقاً ونحن المفروض نأخذ لغتنا من القرآن على كل المسلمين أن يكون مصدرهم الرئيسي القرآن -ورغم تعدد معاني الفتنة في القرآن وأن كل فتنة مختلفة عن التي قبلها إلا أنها ترجع للمعنى الأصلي من الفتن. فهذا الصائغ يُدخِل الذهب وما علق به من شوائب ويُدخِل الفضة وما علق بها من شوائب لكي يخرج الاثنان- الذهب والفضة - لأنهما أغلى عنصرين هو يبحث عنهما. عندما يدخل الذهب مع شيء ما النار هذه العملية تسمى فتنة أو فتن. فأنت هكذا تفتن، فالفتان يفتن النار: عرض عليها الذهب والشوائب، فنجد أن الذهب لم يتأثر بالنار فهو لم يفقد خصائصه ولم يلوث ولكن بالعكس نقي وأصبح ذهباً خالصاً وهؤلاء هم أهل الجنة من الفتن كأنك بالذهب والشوائب أنت أدخلت الناس كلها الفتنة، الذهب هم أهل الجنة، المؤمنين، المتقين، المفلحين، هؤلاء نجحوا في الفتنة. والشوائب التي لم تنجح في الفتنة سيبقى لها النار أبداً. فالذي يدخل نار الابتلاء في الدنيا وينجح فيها فلن يدخل ناراً أخرى وسيدخل الجنة وتبقى الشوائب وهم الكفر والشرك والنفاق هؤلاء هم الذين لم ينجحوا في الفتنة. فالفتنة ابتلاء، امتحنت هذا وامتحنت هذا، فالذهب ذهب والفضة فضة والباقي لم ينجح. فالفتان هو الذي يقوم بالاختبار وكأن باب الفتّان هو المختبر ويمتحنون الناس في داخله. الذهب نجح والشوائب ليس لها قيمة هذه ستأخذ فتنة أخرى بلازم معنى الفتنة وهي (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات) هنا يفتنون بمعنى يعذّبون لأنهم لم ينجحوا في الفتنة الأولى المطلقة وذلك في قوله تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت) والفتنة هنا بمعنى الامتحان، فقول الحق تبارك وتعالى لموسى (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) أي عرّضناك لابتلاءات كثيرة جداً جعلتك ناجحاً وخبيراً وأكسبتك خبرة وقدرة في التعامل. (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) فكأن كل ابتلاء لك يا موسى كان في صالحك جعل منك شيئاً. فالله رب العالمين يعرض الأنبياء المصطفين المختارين لهذه الابتلاءات والمحن ولذلك لا يجب على المسلمين أن يعترضوا على هذه الابتلاءات بل بالعكس يجب أن يحمدوا الله عليها فلو أخذنا قوله (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) وهذا نبي والمفترض أنه مصطفى من الله تبارك وتعالى لكن من اصطفائه له أنه يعرّضه لكي يكون لك عبرة وعظة وهذا أيضاً سبب وجود قصة موسى ونوح وأي نبي آخر في القرآن الكريم. وفي قوله (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) دليل على أن جميع البشر معرضون للفتنة فالمؤمن الواعي يبحث عن الفتنة لكي ينجح. فالمولى عز وجل أخبرنا أننا سنُمتَحن وأعطانا الامتحان. هنالك مواضع كثيرة في القرآن تكلمت عن الفتنة:
في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه (7) آل عمران) الفتنة شاملة هنا. الآيات في القرآن نوعين محكم ومتشابه. هم لا يقدرون أن يتكلموا في المُحكم لأنه شارح لنفسه أما المتشابه تجد فيه كلمات الناس يختلفون عليها مثل التأويل والتفسير وكل شخص يفسرها كما يريد ويختلفون حول الضمير وعائد على ماذا؟ وتوحيد الضمير وهكذا. فهم يقعون في هذه الأمور ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. فالفتنة هنا جاءت بمعنيين: ابتغاء الفتنة لهم فيه ابتغاءين أول أمر يزينوا لك كلمات في القرآن لكي يوقعوك في المعصية فيكون لك الفتنة بلازم معناها أي يفتنوك بأصل المعنى لكي يبقى لك لازم المعنى وهو العذاب. لأن الفتنة لها معنيين الامتحان والاختبار وما يصقلك وما يجعل لك خبرة وكذا وكذا فإذا لم تأخذ هذا الكلام بنجاح ستبقى (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي يعذبون فتكون الفتنة هنا بمعنى العذاب بلازم معنى الفتنة وليس بمعناها المطابق. فابتغاء الفتنة بمعنييها لأن الكافر يريد الناس جميعاً أن يكفروا كما اللص يريد أن يكون الناس جميعاً لصوصاً فلا يريد أن يكون لوحده ولذلك هنالك من يشعر بالانزعاج والضيق إذا رأى شخصاً ملتزماً يصلي ويصوم وذو خلق حسن ولذلك يبدأ يزين لك المعاصي. فتنة بمعنى أنه يفتنك أي يزيّن لك، يغرّك، يخدعك، وهذه فتنة لكي تفتن وتقع فتكون بلازم المعنى فهم يبتغون الاثنين: أن يوقعوا فلاناً لكي يكون العذاب مضموناً فهو كأنه يقول لا أدخل النار لوحدي فإذا كانت لي النار فلنكن جميعاً فيها وهذه هي ابتغاء الفتنة، فهو يتمنى أن يقع فلان ولو في معصية. فالصائغ يسمى الفتّان والشيطان يسمى الفتّان لأن الشيطان يبحث عن هذه الفتنة. وأول من يحاول إيقاعك في هذا الموضوع هو الشيطان، وعندما نذكر الشيطان هنا فهنالك تعبير في القرآن وهو كلمة "شياطين" وهي لا تعني ذرية إبليس فقط بل تطلق في القرآن أحياناً على منحرفي الإنس، شيطان الإنس. وأول إطلاق لها في الكتاب جاءت بهذا المعنى (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ البقرة) وهذا كلام المنافقين وشياطينهم هنا ليسوا جنّاً وإنما إنس والعياذ بالله. فنرى أن في القرآن أول إطلاق للفظ كان عن الجن ثم عندما بعث القرآن كتاباً والبقرة هي السورة رقم 2 بعد الفاتحة كان أول استخدام للكلمة في الكتاب شياطين لم تأتي عن الجن (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى (16) البقرة) فهؤلاء ليسوا شياطين جن فهنالك فتانين ليسوا جناً ولكن إنس وشيطان الإنس أصعب من شيطان الجن لأن شيطان الجن عندما يوسوس لك وتقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتهى الأمر ويهرب ولكن شيطان الإنس لا ينفع هذا معه وسيظل يحاول فيك إلى أن يأخذك معه لأنه إنس والاستعاذة لا تجدي معه فهو له أساليب أخرى. (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) فهم عندما يكونون مع المسلمين يقولون إننا مسلمون وعندما يتقابلون مع شياطينهم من الإنس دون أن يشاهدهم أحد من المسلمين يقولون (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) لأنهم (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا (9) البقرة).
في قوله تعالى(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) الفتنة هنا بمعنيين بمعنى التزيين أنهم يوقعوا الناس ويستخفونهم بالمتشابه بالقرآن وهذا يحدث الآن. ونحن المسلمون يجب أن يكون الكتاب في قلوبنا لأن كل أمر متعلق بفتنة سنجد أنها متعلقة بالقلب إما أن يكون زائغاً أو غلف أو مرض. إذن الفتنة في الآية بالتزيين ولازم المعنى بالعذاب يوم القيامة.
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (7) آل عمران) والواو في (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ليست واو عطف إنما واو استئناف، واو استئناف الكلام. فنحن نجد في المكتبات كثيراً من كتب التفسير ولكن الصدمة الكبرى أنك تجد 70% إلى 80% من كتب التفسير فيها نفس المضمون فأغلبهم كتبوا كتبهم نقلاً من بعض وهذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها وهنالك تفسير مليء بالإسرائيليات وآخر كله مردود وهكذا ولذلك يجب عليك أن تشتغل لكي تسترد اللغة وترى استخدام الكلمة وإذا كان لديك حديث في الموضوع وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في الآية أو أحد من فحول الصحابة وهذا الكلام كله محاولات باجتهاد لفهم النص لكن المعنى الحقيقي والمراد المطلق لن نعرفه إلا يوم القيامة. فأنت كبشر ممكن أن تدرك معنى أو اثنان والنص يحتمل أكثر من ذلك، وأنا لدي رأيان نستطيع أن نقول أن النص حمّال للمعنيين فلا ترجح واحداً على الآخر إلا إذا كان واحد منهم مرجوحاً والآخر كلام لا يُقبل مثل قضية الفتنة. فالفتنة فيها كلام حتى في المعجم اختلفوا فيها كثيراً وناس نقلوا من ناس وأخذوا برأيهم ومنهم من لا ينسب الكلام لأصحابه. القضية أن التأويل هو حقيقة المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى لا يعلمه إلا الله فأنت قد تقول لفظاً أو كلمة تصادف هذه الحقيقة ولكن أنت كمجتهد لا تعرف أنه الحقيقة ولذلك تقول الرأي وتقول والله أعلم. وهذا القرآن حمّال أوجه فهو يحتمل أوجه كثيرة في التفسير. ونحن لدينا قراءات يقولون عليها قراءات شاذة وهي تعتبر شاذة بالنسبة للثابت من القراءة ولكن الذي أطلقها من أهلها كان له وجه في هذه القراءة فعندما تبحث لماذا هو يقرأ هذه الآية هكذا أو هذه الكلمة هكذا تجد أن لها وجه في معنى الكلمة فتعطيك معنى آخر. فأنت تقول عن قراءته شاذة وترفضها ولكن لو أنك فتحت قلبك له سيعطيك معنى جديداً تستطيع أن تستخدمه على قراءتك فيجب ألا تقفل أذنك ولا قلبك لعلم أو لمتكلم.
موضع آخر للفتنة في سورة النساء في قوله تعالى (سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا(91)) أنه كلما تعرض الإنسان للفتنة يفشل في الامتحان مرة أخرى رغم أنه قد تعرض لها من قبل فمن المفروض أنه ينجح لأنه أصبح لديه خبرة ولكنه يسقط في الامتحان مرة أخرى لأننا لم نأخذ بعين الاعتبار ماهية تكوين الإنسان، ما هي الجِبِلّة؟ فالشيطان يقول في قوله تعالى (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴿12﴾الأعراف) هذا الكلام كان من المفروض أن نقف عنده، فمن أنا وأنا من ماذا؟ وما هي الفتنة؟ لماذا أتوب إلى الله وأعود مرة أخرى للذنوب؟ وهذا ليس من سمات الإيمان فالمؤمن الحق يخطئ مرة أو اثنتان في الباب الواحد ولو كان من أهل الإحسان يخطئ مرة ولا يكررها والمتقي يخطئ مرتين وسنتكلم عن الدرجات لاحقاً لكن أنت يجب أن تكون واعياً فهل هذه الآية- في سورة النساء- أطلقت على المتقين المحسنين أو لا؟ لأن إركاسك في الفتنة مرة أخرى وأن تمر في هذه الفتنة مرة أخرى وتفشل مرة أخرى ثم ماذا؟ فافترض أنك فشلت في هذه المرة ثم قبضت؟ فالفتنة هي عبارة عن امتحان تمر فيه فالشاطر يبحث عن الامتحان لكي ينجح فيه لأنه مستعد ولكن الذي يبحث عن الامتحان فيفشل فيه كأنه لم يصنع شيئاً فهؤلاء لأنهم كفروا بالله تبارك وتعالى كلما تعرضوا لابتلاء أركسوا فيه، لا ينجحون فيه، يفشلون فأصبحوا فريقاً راسباً فلهم لازم المعنى بالعذاب يوم القيامة. هنا المعنى الابتلاء المتكرر الذي لا ينجحون فيه مع أنه بالوعي ومطلق اللفظ أن الابتلاء المتكرر يجب أن أنجح فيه لأنني تبت مرة وقلت أستغفر الله وتبت إلى الله فمن ضمن معاني الفتنة في المعجم الخبرة فأنت إذا امتحنت مرة أصبح لديك خبرة من أول مرة ولذلك معنى كلمة فتنة مهم فهي تفتنك وتمتحنك وتعطيك خبرة مع الامتحان ولذلك قال له (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) أي عرّضناك فصقلناك، عرّضناك لابتلاءات كثيرة ومحن منها فتنة لم تكن مدركاً لها وهي إلقاؤه في اليم (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) ولا يمكن لأي أم أن تفعل هذا إلا إذا كان هذا وحياً فهذه فتنة نجحت فيها أم موسى ولم تكن أنت موجود يا موسى. (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) عندما عرّضناك لهذه الابتلاءات أصقلناك وجعلنا لك خبرة جعلتك نبياً. ولغير الأنبياء من البشر الفتنة تأتيك مرة تأخذ منها الخبرة والعظة ولا تكررها. وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴿119﴾ التوبة) قال مع الصادقين وليس من الصادقين لأن المنيّة ليست بيدك ولكن المعيّة تكون بيدك ويجب على الناس أن ينتبهوا أنه لا أحد يستطيع أن يحتج يوم القيامة بأن الفتنة كانت أكبر منه فلو أن الله تبارك وتعالى يعلم أنها أكبر منك ما عرّضك لها إنما هو سبحانه وتعالى عندما عرضك لها فهو يعرف أنه إذا لم تنجح فإن الذي مثلك كان سينجح (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا7 الطلاق) فإذا تعرض المرء لفتنة ما يجب أن يعلم أنه يستطيع أن ينجح فيها.
في سورة التوبة يقول المولى عز وجل ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿47﴾ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿48﴾ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿49﴾ التوبة) وكما قلنا في البداية أن كل شخص على حال يريد كل الناس في نفس حاله لكي لا يكون أحد أفضل من الآخر. في الآية المنافقين لم يخرجوا (وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ) وأصل الإيضاع سير الجمل أو الإبل فوق طاقته. فالإيضاع كلمة تعني أنك تجري الجمل فوق طاقته لكي تنجز مسألة في وقت أقل من الوقت المفروض لها. والإسراع يكون في كل شيء، في اللفظ عند العرب: أوضع الجمل أي جعله يجري أسرع من احتماله. وهكذا الشيء الذي ينجز عادة في ساعة ينجز في نصف ساعة. ( وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ) خلالكم أي بينكم أي أنهم سيدخلوا بينكم بسرعة لكي يوقعوا بينكم ويزينون لكم لكي يجعلوكم مثلهم أي يفتنوكم لكي تتساوى الرؤوس فيعرّضوكم لفتنة قد تنجحوا وقد تفشلوا لأنكم في حرب ولاشيء مضمون. (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) فهم يريدونكم أن تقعوا في الفتنة وأيضاً بالمعنيين في الدنيا تفشلوا في الامتحان وفي الآخرة يكون العقاب والعذاب.( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ) فأنتم جربتم الفتنة من قبل وبفضل الله سبحانه وتعالى من أول مرة يحصل الأمر المفروض ألا تقع فيه مرة أخرى فكون القرآن يحذرك ويقول لك ويوضح لك ويشرح لك. وهذا الكلام عن أمور حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا زلنا نتعرض لها إلى اليوم لأننا لم نقرأ القرآن ولم نأخذ الخبرة من القرآن ولم نأخذ الفتنة من القرآن ولم نفهم ما معنى كلمة فتنة في القرآن ولذلك يجب أن نقرأ القرآن لكي نعيش الآيات فلا نقع في التكرار. ففي الآية المولى يقول هم فعلوا هذا الأمر من قبل فكان من المفروض أن الفتنة السابقة تعطيكم خبرة فالفتنة امتحان والامتحان يعطيك خبرة. والعتاب في قوله (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (43) التوبة) ليس بمعنى الكلمة المجرد إنما العتاب من الحبيب للمحبوب صلى الله عليه وسلم. ولتوقيع الشرح ولتوقيع الخبرة أيضاً. ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ألّف القرآن ما كان ليقول هذه الآيات ويُظهر نفسه في صورة المخطئ. وهذه الآيات ترد على الذين يقولون أن القرآن من تأليفه صلى الله عليه وسلم حاشاه فهذه مسألة تبين لك أن هذا وحي من الله تبارك وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يتصرف ببشريته والقرآن يصوب له فإذا كان القرآن يصوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى أن نأخذ نحن العظة والعبرة والخبرة. ففي هذه الآية المولى عز وجل كان يريد أن يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم من هم المنافقين ولكي تتعامل أنت مع الناس مثل ما تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم فالقرآن منهج فكل ما يحدث لك أمر إعرضه على القرآن.
وفي قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي) وهنا المنافقون تحججوا بالنساء بأن نساء الروم جميلات وأنهن سيفتنّهم وكل هذا كلام غير منطقي وكان الرد في القرآن (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) فهم هكذا لم ينجحوا في الامتحان. فالفتنة ابتلاء لك فلا ينفع التماس الإذن أو الأعذار أو أن تأخذ استثناءات في مسألة فيها قاعدة شرعية. وهناك من يقول للمرأة الجميلة فاتنة ومن يسمي الفتيات فاتن وهذا خطأ لأن فاتن مذكر والمفروض أن تسمى فاتنة بعكس لو قلنا امرأة عجوز وهذا يصح في اللغة لأن لا يوجد مؤنث لهذا اللفظ فالمؤنث منه غير صحيح.
وموضع آخر للفتنة في سورة الأحزاب في قوله تعالى (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿14﴾ الأحزاب) والفتنة هنا بمعنى الامتحان والاختبار.
وفي سورة البقرة المولى عز وجل تكلم عن الفتنة في قوله (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (217) البقرة) وفي قوله (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191) البقرة) فلو كان الخطاب موجهاً لك يكون اللفظ أشد (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) لأن الخطاب موجه لك فأنت لديك التوقيع يكون شديداً لكن (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) الفتنة هنا-في الحالتين واحد-هي ما حدث للمسلمين في بداية أمر الدعوة.
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا (10) البروج) هنا فتنوهم لدرجة أنهم لم يأخذوا لازم المعنى بل أخذوا المعنى الأصيل فقد عذبوهم بالنار في الأخدود فالفتنة هنا كأني أقول لك أقتل فتقول أنت القتل هذا شيء كبير أو شيء شديد فأقول لك لا (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) فما حدث للمسلمين في العهد الأول أشد من القتل فكونك تقتل هنا لكي تخلّص المسلمين من الذي هم فيه هذا شيء عادي للغاية لأن (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) فما حدث لهم من فتنة ولا تعني الابتلاء ولكن تعني التعذيب ما تعرض له المسلمون من تعذيب في بداية الأمر فالفتنة أشد من القتل وتوقيعها عند الله أنها أكبر من القتل ولذلك سمح بقتل المشركين فإذا حاربك تحاربهم وتقاتلهم مع أنك مسلم فالمفروض هذا الأمر تؤديه وأنت مضطر ومع ذلك إذا أضطر يقتل لأن الفتنة اشد من القتل وتوقيعها أكبر عند الله من القتل..إذن وكأن الفتنة دائماً هي تمحيص إيمان وتكفير سيئات لكي عندما تدخل الجنة تدخل ذهباً صافياً، فالجنة درجات من حيث النعيم الداخلي فكونك تدخل الجنة أو لا فهذا بفضل الله سبحانه وتعالى فكلام أهل الجنة داخل الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ (43) الأعراف) لكن الدرجات داخل الجنة تكون بالأعمال، بنتائج الامتحانات والابتلاءات التي حصلت في الدنيا، إنما الدخول أو عدم الدخول هذا لا يد لك فيه. ولذلك المسلمون الذين ولدوا من أبوين مسلمين يجب أن يؤدوا ركعتين شكر كل يوم على الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. فهذه نعمة لا تعد ولا تحصى في الحقيقة إنما أن يظن المسلم أنه سيدخل الجنة فقط لأنه من أبوين مسلمين ولا يعمل فهو مخطئ فهو هكذا أقرب إلى الجنة ولكن عمله هو الذي سيرقّيه داخل الجنة. فما عملك؟ وما إيمانك وتقواك وإحسانك؟ كل هذه هي الدرجات. كما أنه هنالك درجات في الذهب هنالك درجات في المسلمين. أما المنافقين فهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء فهم يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ولو لاحظنا عدد آياتهم في سورة البقرة عدد آيات صفات المؤمنين والمتقين ثلاثة وعدد آيات الكفار اثنان وعددهم قريب من بعض لأن الإيمان والكفر ضدين واضحين لكن عدد آيات المنافقين 13 آية تشرح في أوصافهم وفي صفاتهم وهذا العدد يبيّن أن صفاتهم ثقيلة وتحتاج إلى وعي من المتلقي وتأثيرهم خطير. فعمل المنافقين كله ليس خدع ولكن خداع حتى وهم يضحكون على المسلمين فهذا تمثيل أيضاً وليس واقعاً (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ البقرة) فالخدع الحقيقي لهم هم ولكن الذي يفعله معك إنما هو خداع. كأني بالله تبارك وتعالى يُطمئن المؤمنين فيقول لك لو أنت من المؤمنين لا تقلق لأنك أنت المولى تبارك وتعالى وضعك معه في الدفاع عنهم أو ضدهم (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) فالذين آمنوا هنا مع الله. (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) أي أنهم في الحقيقة حتى النفاق جاء عليهم فكلمة (وَمَا يَشْعُرُونَ) هم يظنون أنهم ضحكوا على فلان ولكن إذا كان هذا الشخص من أهل الإيمان صحيح فهو يعلم أنهم من المنافقين ويتعامل معهم على هذا الأساس فلا يأمنهم لأن هذا المؤمن في معية الله تبارك وتعالى وربنا هو الذي جمع هذا الأمر في قوله (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) فالخدع الحقيقي عليهم.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) المؤمن الحق هو الذي يبحث عن الفتنة لكي ينجح لأنه لا يوجد شخص لن يفتن فليس من المنطق أن يقول لك اتقي الفتنة. إذن فالفتنة هنا ليست الفتنة المطلقة ولكن الفتنة هنا نتيجة الفتنة أي اتقوا العذاب الذي يستحق بسبب الفشل في الامتحان لأن الذي ستأخذونه المظلوم سيأخذه مع الظالم لأنه لم يضرب على يد الظالم ومنعه عن الظالم فهي (لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ولكن ستعم حتى المظلوم لأنه لم يمنع الظالم. فالفتنة هنا لازم معنى الفتن وهو العذاب وقد يكون في الدنيا أو الآخرة ولكن الآية واضحة أنها ستكون في الدنيا نتيجة أنكم لم تمنعوا الظالم عن ظلمه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/8/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:39 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 18
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾ الأنفال) كيف يخون الإنسان الله تعالى؟ وكيف يخون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يخون الأمانة؟ وما هي الأمانة؟ الآيات تتكلم أيضاً عن الفتنة فكيف ننجح في الفتنة ولا نرسب؟
أولاً ما دليل العطف (لا تخونوا الله والرسول) ثم لماذا التكرار في (تخونوا)؟
أولاً يجب أن نقف مع كلمة الخيانة (لا تخونوا الله والرسول) وأنا أريد أن أتكلم عن نقطتين لا أعرف كيف سأتكلم فيهما لأن النقطتان واحدة منهما ظُلمت الآية فيها ظلم بيّن في الفهم، والثانية خطأ شاع. ومشكلة الأخطاء الشائعة أنها تُرسِّب في النفس حقائق ما كان يجب أن تكون. فعندما تأتي وتستخدم استخداماً خاطئاً لكلمة أو لفعل أو غير هذا فالخطأ الشائع هذا يترك شيئاً في داخل النفس. وكثير من الناس لا يعرف كيف تتكون النفس؟ وكثير من علماء النفس تكلموا كيف أن البيئة تؤثر على الإنسان؟ عندما يأتي شخص ويعطي آخر مبلغاً على سبيل الأمانة أو عندما يأتي شخص ويخلص مع آخر موضوع كان فيه حقوق تسمع لفظاً ""أعطني إيصال أمانة وهذا اللفظ نسمعه كثيراً ولم نتوقف عليه والمُشرِّع الوضعي عمل بنداً في القانون عن خيانة الأمانة. وأنا كنت أفهم لو أنهم وضعوا هكذا في القانون "خيانة الأمانة" أنه لا يبقى أي وسيلة إثبات لخيانة الأمانة أو عدمها إلا توجيه اليمين الحاسمة للخائن أو المدّعى خيانته. فأنت تحلّفه لأن الأمانة لا يؤخذ عليها إيصال، فلا سند للأمانة. فالأمانة شيء ليس عليه أي مستند فهي المفترض أنها لدى كل الناس إلا إذا ثبت العكس. يمكن أن تسميه إيصال أو توثيق أو شيك أو كمبيالة لكن لا أسميه إيصال أمانة. فالأمانة في اللغة ليس عليها سند فأنا أستأمن فلاناً على أمر ما لا آخذ عليه ورقة إنما أتركه لأمانته وهذا الذي حصل في أول الفطرة في أول الأمر.
(لَا تَخُونُوا اللَّهَ) فالخيانة هنا خيانة أمانة على عهد الفطرة الأول هذا ليس له مستند وهذا بعكس الدين الذي فيه مستند. فالأمانة إذا قلت للشخص أن هذا الأمر أمانة فبهذا لا يكون عليها سند، لكن تعامل مادي وتجاري وديون تكتب عليها مستند. لكن خطأ شائع خطير أن تقول إيصال أمانة فهي ليس لها توصيف في اللغة. لو قلت لك هذا الموضوع أمانة في عنقك فهل ستعطيني إيصال أمانة؟ أنا كنت أفهم أن لو أن المشرع الوضعي واع كان السبيل الوحيد لإظهار الحق في خيانة الأمانة توجيه اليمين الحاسمة لأحد الطرفين وأنا لست ضد المستند على العكس خذ مستنداً ولكن التسمية خطأ لأنها سترسب شيئاً في النفس تجعلك تنسى عهد الفطرة الأول. ولذلك قال (لَا تَخُونُوا) لأنك أصبحت رجلاً لا تخاف إلا من المستند لأنه لا توجد أمانة. فالأمانة انعدمت بوجود هذه الأخطاء الشائعة فالناس أصبحوا لا يخافون من الله سبحانه وتعالى لما استأمن أحدهم الآخر رغم أن الموضوع أصبح أصعب عليك لأنه عندما يقول لك هذه أمانة في عنقك لأن ليس القاضي هو الذي سيأخذ حقه منك ولكن الذي سيأخذ حقه هو القدير المقتدر الجبار القهار. وطالما قال (لَا تَخُونُوا) فالخيانة أمامها كلمة أمانة. وليس الغريب أن النداء في أول الآية للذين آمنوا بل على العكس كان يجب أن تكون للذين آمنوا فهي لا تنفع أن تكون أيها الناس.
وفي قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿173﴾ الأعراف) هنا بني آدم كلهم وليس الذين آمنوا، ولكن ساعة آخذ أصبحوا (الذي آمنوا) فتوصيفه الذي مضى. بداية الأمر بنو آدم وليس يا أيها الناس أو يا أيها الذين آمنوا. وهذه الآية هي واقع حال الناس بين شرك وكفر ونفاق وإيمان وأول ما قاله الذي وقع هي: هذا ما وجدنا عليه آباءنا مع أن التحذير في الآية كان من هذا الكلام. هذه الآية يفرح بها المؤمن لأن لازم معنى الآيات يطمئن الإنسان على حاله في الدنيا. لازم معنى الآيات أن كل إنسان يولد تكون فطرته مستعدة تلقائياً للوصول إلى الحق ولذلك تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد إلا على الفطرة) وهي الفطرة السليمة التي تجعله مستعداً للوصول إلى الحق والحق من أسماء الله تبارك وتعالى.
سؤال: هناك كثير من الناس من يرى أن هناك بعض الناس الذين ظلموا- وهذا بمفهومهم - لأنهم نشأوا في بيئة فقيرة معدمة وبالتالي ليس هنالك وعي ثقافي ووعي ديني ووعي قيمي وأخلاقي وليس هنالك مرجعية ولا خوف من الله تبارك وتعالى وهنالك تبرير أن ظروفهم سيئة جداً والأغنياء ليس جميعهم يتصدقون ويؤدون الزكاة ولذلك نضطر للسرقة، وبذلك يبررون لأنفسهم ما يفعلونه من أعمال لا ترضي الله عز وجل فمنهم من يقول هذه ظروفنا فأبي وأمي علماني النشل ولم يدخلاني المدرسة فبذلك أنا مظلوم فما الحكاية؟
هذه الآية تأخذك إلى أول الأمر للأصل، لآدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿173﴾) تتكلم من قبل أي بيئة ممكن أن تكون موجودة ومؤثرة فالآية أخذتك من يوم القيامة ذرية متعاقبة وأرجعتك للأصل لما قبل الخلق لآدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من أصلابهم لأن كلمة ظهر تعطيك معنى غير الصلب ومعنى آخر أن هنالك من ولد ولكن ليس في صلبه ذرية كالعقيم أو العاقر. فأنت جئت من يوم القيامة بذرية متعاقبة بتسلسل منطقي إلى أن تصل إلى آدم وكما قلنا سابقاً أن لازم معنى الآية أن الإنسان بفطرته السليمة وبدون تأثير الأب أو الأم أو البيئة أو المجتمع يولد جاهزاً على الفطرة وهي الاستعداد لمعرفة الحق والحق هو الله تبارك وتعالى. فبالمنطق يجب أن يكون للكون إله والمنطق يقول أن هذا الإله لا يكون مثل أي مخلوق..الخ، الطفل المولود يكون متأثراً من ناحية الجينات بأبيه أو أمه ولكن عندما تصل إلى آدم يجب أن نقف ففي كل ذرية أب وأم، حيوانات منوية وبويضات وأمشاج..والخ ولكن آدم؟ نقف هنا ولذلك التعبير (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من أصلابهم لأن هنالك من لا ينجب ولكن من ظهورهم أي أن له أب ولكن لن يكون له ابن فالنسل سيقف في هذا الفرع وهذا كثيراً ما يحدث. فكلمة من ظهورهم تدل حتى الذي لا ينجب أو لم ينجب لابد أن يكون له أب إلى أن تصل إلى آدم وقد قلنا أن كل ابن أو بنت يشبه أباه أو أمه وهكذا لغاية آدم وهو ليس لديه أب أو أم لكن آدم من تراب فهو بذلك يشبه الأرض، فيم يشبهها؟ هنا يجب أن نتوقف عند الآية التي ظلمها الناس كثيراً:.
يقول الله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب) هذه الآية ظلمت كثيراً و90% من الذين فسروا قالوا أنه ظلوم وجهول لأنه حمل الأمانة، رغم أن الأمانة مكتوبة عليه وأنتم تنسون أن كل شيء يحصل في الدنيا ليس خارج إرادة الله فمعنى (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) لأنه حمله ولكن لأنه لم يوفّها حقها والإنسان هنا ليس مطلقاً ولكن الغالبية التي هي كفر وشرك ونفاق. و(كان) هنا ليست بمعنى الماضي إنما بمعنى الكينونة بمعنى الوقوع هو الإنسان بوضعه، بكنهه ظلوم، جهول وليس لأنه حملها ولكن لأنه لم يوف الأمانة وهي بذلك اختبار حقيقي دون أي دخل لك فساعة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) وأنت لا تزال في الذرية لم تكن قد أتيت أو حصل منك شيء ومع ذلك أعلن إيمانه بالله تبارك وتعالى وإسلامه لله تبارك وتعالى ولذلك الآية (إن الدين عند الله الإسلام) من هذه الساعة ودين الله لا يتغير، إنما الذي يتغير رسالاته لكن الدين واحد وهو الإسلام فالإسلام وقع في الساعة هذه ساعة الأخذ. وهناك من يقول إن الإنسان ظلوم جهول لأنه حمل الأمانة وفي المقابل قالوا أن الأمانة هي الاختيار رغم أن الآية تقول (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا) وهذا اختيار أن السماوات والأرض والجبال لم ترضى أن تأخذ الأمانة أي أنها اختارت فالأمانة ليست هي الاختيار فساعة تقول أنها الاختيار وتقول أن السماء رفضت والأرض رفضت فهذا أيضاً اختيار، إذن الأمانة ليست الاختيار. ولو لاحظنا أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملن الأمانة وقالوا لا يا ربي نحن طائعين لك (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿11﴾ فصلت) فالسموات والأرض (أتينا طائعين) فهم فطرتهم سليمة لأنهم طائعين لله في كل شيء فالقمر لا يمكن أن يرفض أن يظهر في ليلة أو أن لا تغيب الشمس لأنهم طائعين في أنهم مسخرين لخدمة الإنسان. لكن لو فكرنا أن الأرض طائعة وآدم من الأرض فهذه هي الفطرة السليمة. إذن أول جزء فيك يا إنسان فطرة سليمة لأن أصلك من الأرض والأرض طائعة فأنت طائع وأنت لا تنقلب على عقبك وتصبح عاصي إلا عندما يدخل معك جزء الروح والنفس ويشتغل الشيطان لكن أصلك الأرض والأرض طائعة ولا تنقلب إلا إذا دخلت النفس ويعمل الشيطان معك ولذلك (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) فعندما أوصلك لآدم إرجع لأول الأمر قبل المعصية عندما نسمع أول تكليف لم يقل لا يا ربي لماذا هذه الشجرة بالذات؟ ولكن قال حاضر سمعنا وأطعنا هو نسي بعد هذا وعصى ولكن هذه قضية أخرى ولكنه في البداية لم يعترض ولم يفعل مثل إبليس ولم يناقش ويعارض لأن كان لا يزال في داخله الفطرة التي هي من الأرض الطائعة. ولذلك في الآية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) أي من آخر شخص سوف يولد وتقوم عليه الساعة إرجع إلى آدم وعمل التوقيع في آدم لأن الفطرة سليمة ولذلك أنا بدأت بلازم معنى الآية وهو أن المولود يولد وهو فيه جزئية طاعة وجزئية فطرة سليمة للإيمان بهذا الإله والآيات توقع توقيعاً مجازياً (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وهذه ليست شهادة على النفس كأن النفس هنا آمنت قبل أن تصبح نفساً، هي شهادة لله على النفس التي آمنت قبل أن تصبح محمد وعلي وحسين. لما نقرأ الآية بتجرد ليس لها وقع وإنما (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) كأن هذه النفس قد أعطت هذا الميثاق والعهد قبل أن تصبح نفس لأنها ذرية ولأنها من الفطرة فالعهد أخذ من الفطرة السليمة من عهد آدم وآدم لا يزال متأثراً بالتراب. وهذا يرد على الناس الذين يقولون نحن لا نذكر هذه المرحلة فكلامهم هذا لا صحة له لأن الكلام في الآية كلام مجازي ولازم المعنى أن أي إنسان يولد يكون مولود بفطرة سليمة مستعدة للوصول للحق إلى أن يهودانه أبواه أو ينصرانه أو يمجسانه. هناك مرحلة توبة مفروضة على كل شخص فلن يتم حسابك وأنت في 15 أو 16 بلغت سن الرشك وصرت مسؤولاً ولكنه سيتركك إلى أن يصبح عمرك 40 سنة (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿15﴾ الأحقاف) قال أوزعني ولم يقل تبت إليك في البداية، لجأ إلى الله وهو في موقف، فقد فتن واختبر وابتلي وتركك إلى عمر الأربعين سنة ولذلك النبوة لا تأتي إلا بعد الأربعين، بعد اكتمال الخبرات، فهو نبي رسول سيوصل للناس. كل هذا يجب أن يفهمه المسلم أنه لدي ميثاق قديم وأمانة قديمة ليست بحاجة إلى إيصال لأنها بذلك لن تصبح أمانة بل ستصبح دين، سند، لكن الأمانة أن تتركها لي كما تركها لنا المولى عز وجل بالفطر السليمة سابقاً ولذلك آيات الفتنة يجب أن تطبق على هذا الكلام فمتى تكون الفتنة وهل هي في مصلحتنا أو لا؟ وهل تقترب من الفتنة أو لا إذا كنت واعياً؟ يجب أن تدخل الفتنة إن كنت واعياً رغم أنك ستدخل الفتنة رغم إرادتك (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) حتى الذي لم يفعل شيئاً ستصيبه هذه الفتنة لأنه ظلم بسكوته عن الظالم.
سؤال: هناك من يحتج من الملحدين وغيرهم ممن يقولون أننا لا نذكر هذا الكلام ولم نحضره ولا يوجد دليل على ذلك، ولو كنا منضبطين لما فعلنا هذا. فهل هذا دليل؟
الدليل أنت في غنى عنه بالفطرة السليمة فأنت مولود مستعد للوصول إلى الحق بفطرتك. فتأثير البيئة والمجتمع ليس له علاقة في توقيع الأمر لكن له علاقة في التوصيف وهذه مسألة بعيدة بمعنى أن من يقول البيئة سآتيك بإمام مسجد ويكون بهائياً فهل هنالك بيئة أقوى من إمام مسجد؟ اثنان يكونون في بيئة واحدة أحدهما يكون ملتزماً والآخر منحرفاً. فهذا الكلام ليس مطلقاً وصحيح أن البيئة تؤثر ولكن ليس التأثير الذي يحول من يمين إلى شمال أو من شمال إلى يمين بدليل أن هنالك من أباه يهودي أو نصراني وهو الوحيد الذي يُسلم في العائلة وأحياناً تكون عائلة كاملة، فليس لها قاعدة لأن تقعيد الأمور في هذه المسائل ليس منطقياً لأن الفطرة أساساً سليمة وفسدت بالبيئة. فإذا قلت أن هناك شخص فاسد فهو ليس فاسداً بطبيعته لأن طبيعته سليمة ولكنه فسد بالبيئة. فالبيئة عندما تؤثر تؤثر بالسلب وليس بالإيجاب، لأن الإيجاب موجود داخل الإنسان فترى عائلة كلها منحرفة يخرج منها شخص واحد ليس له في الانحراف على الإطلاق بل أنه عاد لفطرته السليمة ولأصله وهم جميعهم انحرفوا بواقع بيئة أو بواقع ظروف أو..الخ لكن الأصل في الإنسان الفطرة السليمة بدليل أنه ونحن في عالم الذر أسلمنا، فعندما قال المولى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) والذي حذرنا منه المولى عز وجل حصل بحذافيره فالناس نوعان هناك من يقول أنا مثل أبي (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا (104) المائدة) والنوع الثاني غافلين (إنا كنا عن هذا غافلين). ولذلك التحذير الآية ليس لوقوع أمر نقصّه ولكن هذا لازم معنى لكي تفهم أن الإنسان يولد على فطرة سليمة وأن هذه الفطرة أسلمت ساعة ما أسلمت الأرض، ساعة ما قالت الأرض: أنا طائعة من غير تكليف، وكذلك السماوات طائعة من غير تكليف. ولذلك الآية بتوقيعها بديعة جداً (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) وأبين هنا ليس بمعنى رفضن مثل ما رفض إبليس السجود بل بمعنى أنهم أطوع من هذا الأمر لأنهم لو حملوها سوف يتعبن في تأديتها لذلك هم سيؤدونها من دون أن يحملنها وهم سيطيعون بدون تفكير. فالآيات تتماشى مع بعضها (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) إلى أن تصل إلى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) فنأتي إلى التوقيع.
خلال الحديث عن الفتنة أن الإنسان يبدأ يتعرض للفتنة بعد بلوغه ولو مات قبل أن يبلغ لن تحاسبه ولكن إذا كبر ولم يأتيه رسول لن تحاسبه أيضاً (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15﴾ الإسراء) فجماع هذه الآيات أن الإنسان يولد على فطرة سليمة وأن هذه الفطرة السليمة مستعدة للوصول إلى الحق بطبيعتها فلو استمر هكذا سينتهي في الجنة ولأنه تعدى سن البلوغ وتعرض للفتن سأبعث له رسول يذكره بالمنهج القديم- ولله المثل الأعلى وأنا أتكلم دون تمثيل أو تشبيه- لن نعذبه إلا إذا وصل له الرسول وإذا بلغ الرشد ولم يصله الرسول لن يكون له حساب لأن هذه قاعدة أصولية من الله تبارك وتعالى. ولذلك وهو داخل إلى النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿8﴾ قَالُوا بَلَى (9) الملك) وبذلك لا يوجد هنالك حجة لأحد. وهذه القضية كلها نجد أن موضوع الفتنة تعمل شيئاً في النفس السليمة بديعة جداً كأن الإنسان لو حافظ على فطرته السليمة ينجح مرتين وإن لم يحافظ على فطرته السليمة يتعذب مرتين، الذهب عندما دخل النار مع الشوائب لم يحصل شيء للذهب رغم أنه تعرّض للنار ولكن تعرضه للنار ميّزته، أصقلته، وهذا مثل الألم الذي يشعر به الإنسان ساعة الابتلاء من مرض، حزن، فقر، ضيق عيش، وهذا الأمر يجعله في الجنة يوم القيامة بدليل عندما يموت الولد هل سيصبر الأب أو لا؟ والمولى عز وجل يسأل الملائكة وهو يعلم ولكن لأن الملائكة كان لها وقع مع الإنسان زمان قالت له (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا (30) البقرة) فالمولى يسألهم ماذا فعلتم؟ قبضتم ولد عبدي؟ قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم يا رب- كأنه يقول لهم هو هذا الذي قلتم أنه سيفسد ويسفك الدماء- فما الذي فعله يقولون: حمدك واسترجع فيقول المولى عز وجل: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سموه بيت الحمد، فهو بالألم الذي صبر عليه دخل الجنة. وعندما نأتي للشوائب نجد أنها احترقت مرتين فمرة بفشلها فالنار أثرت فيها ويوم القيامة خالدة في النار وهي الكفر والشرك والنفاق فبذلك الشوائب حتى النار أتعبتها في الدنيا ولذلك أهل التقوى وأهل الإيمان يقولون كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيّن، فكل مصيبة في الدنيا هيّنة طالما أنها ليست نار الآخرة أي يا ربي أنا بفطرتي مستعد أتحمل أي ابتلاء ولكن أسألك التثبيت، ثبتني يا رب. ولا يكون الصبر إلا عند الصدمة الأولى وهذا هو الابتلاء، وقت زمن الإجابة مثل دخولك لامتحان دنيوي في مادة من المواد ويقول لك الزمن ساعتان فلو الإجابة جاءتك بعدما خرجت من اللجنة ليس لها قيمة فأنت تذكرت الإجابة في طريقك إلى البيت ولكن لا فائدة منها وقد تكون قد درست جيداً للامتحان ولكنك تذكرت الإجابة بعد فوات الأوان، غفلة أو نسيان وهذا هو التحذير فإما نقول (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) وهذا ليس من صفات التقوى أو الإيمان أو الإحسان أو الإسلام، أو نقول: الآباء، وذكر ذلك المولى عز وجل أنهم سيقولون هذا يوم القيامة (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم يقلبون الموضوع وباعوا آبائهم (أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) فإذا كنت تريد أن تعذب فعذب هؤلاء، وهذه المسألة منتهية وليس هنالك احتجاج بها يوم القيامة ولا يوجد هناك غير عملك وليس لك علاقة بأمك ولا أبيك ولا غيرهم ولذلك يقول المولى عز وجل (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿37﴾ عبس) فلا ينفع عمل شخص لآخر فلا ينفع الإنسان إلا عمله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ النجم) إعمل لنفسك وادعُ لأبيك وأمك لأن العمل يخص صاحبه فقط، فالقضية تحتاج إلى وقفة. ولذلك يقول الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (185) آل عمران) ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الأمر فنحن نراه بأعيننا آناء الليل وأطراف النهار وابتلاؤكم بالشر والخير فتنة (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء) الشر قد يكون خيراً من غير أن تدري والخير قد يكون فابتلاءك بالشر لتصبر وابتلاءك بالخير لتشكر، فالنجاح عند الشر صبر والنجاح عند الخير شكر. وأتت كلمة فتنة بعد كلمة الموت كأن الموت ابتلاء للحي وليس للميت فهو قد ابتلي وأخذ حظه من الامتحان وانتهى زمن الإجابة وسحبت الورقة عندما مات. والابتلاء لا يكون فقط في موت الابن أو الأم أو الأب ولكن الابتلاء الحقيقي أن جارك يموت فهل ستتوقف وتقول سبحان الله لقد كان بالأمس على ظهر الدنيا فيجب أن أتدارك نفسي إذن فهذا هو الابتلاء ولذلك قصرها بعد (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) لمعنيين معنى أي انتبه لهذا الأمر فالكل سوف يموت فليس هنالك خلود في الدنيا فأنت ترى الموت وتسمعه كل يوم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) فالله يحول بين المرء وقلبه بالموت. (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) أي أنك ميت ميت وأنت ترى هذا بعينك فكان من المفروض أنها تكون بالنسبة لك الخير والشر فتوقعهم فإن حصل لك شر في الدنيا اصبر عليه لأنه سيتحول لخير وإن حصل لك خير اشكر ولا تقل أنا وأنا فعلت (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي (78) القصص) ولكن قل الحمد لله ولو أنت شكرت يزيدك (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) إبراهيم) فهناك من يقول أنا أشكر عندما الموت فماذا سيزيدني؟ نقول له سيزيدك لازم معنى الذي فعلته، يزيدك في الجنة، فالحمد لله كلمة غريبة جداً كلمة مزدوجة الأداء تقال عند الكرب فتفرّجه وتقال عند الخير فتزيده، فلو أنت قلتها عند الكرب لا يزيدك كرباً ولكن يزيدك من النعيم الذي حصلت عليه. والواعي لا يبحث عن نعيم الدنيا ولكن يبحث عن الامتحان والفتن لكي تأخذ درجات أكثر لنعيم أبدي ولذلك قال (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿64﴾ العنكبوت) فهم لا يعلمون فتوقيعها يا رب كل الذي نحن قلناه حاصل لنا منه واحد من اثنان: إما عدم علم أو غفلة. هناك من يقول كيف (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) هناك من ينفذ أوامر الله لأنه فهم الحكمة منها وهو بذلك عبد الحكمة ولم يعبد الرب فهو كان المفروض أن ينفذ الأمر لأن الله أمره فقط فعِلّة الإيمان التطبيق دون الوصول إلى الحكمة. فالمؤمن الحق هو الذي يقول سمعنا وأطعنا من دون أن يسأل عن الحكمة من العبادة، فهناك من يقول من يصلي لا يصيبه انزلاق غضروفي وأنا أصلي طول عمري وأصبت بانزلاق غضروفي فهل ذلك يجعلني أترك الصلاة؟ فأنت المفروض أن كل مراحل الإيمان تطبقها من غير أن تعرف السبب أو العلة لأنك أنت عابد رب الأمر وليس للأمر وعلته. إذن الإنسان كان له اختيار قبل أن يقول أنه آمن وأنه سلم لله وللأوامر والنواهي فإذا اختار الإسلام والإيمان والتوحيد لله فيجب أن تتذكر هذه الآية دائماً (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴿36﴾ الأحزاب). هناك إختياران: الاختيار الأول في عالم الذر سببه العقل والرُشد وهذا سنبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/8/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:41 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 19
تقديم علاء بسيوني
تكلمنا في الحلقات السابقة عن الدروس والمعاني المتعلقة بالتوبة والاستغفار التي أوضحنا أن على المسلم الحق والواعي أن يراها حالة إنابة مستمرة إلى الله تعالى. كل هذه الملامح هي أسس ودعائم لتوصلك إلى التوبة الحقيقية.
ما هي الأمانة وما هي خيانة الأمانة وكيف يخون الإنسان الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم.
سؤال: نتكلم أولاً عن نوع من الأمانة يجعلنا نعلق على تصاعد نبرة الهجوم على الإسلام والمسلمين في الفترة الأخيرة لكن الذي استوقفني في الفترة الأخيرة أن هذا الهجوم يأتي من الفاتيكان بعد سنوات طويلة من الحوار والاتفاق على أسس للحوار والتفاهم والأرضيات المشتركة بين الديانات والشرائع السماوية. فهل هذا التغير في السياسة بالهجوم على الإسلام بسبب عدم قراءة جيدة للتاريخ أم قراءة للتاريخ ولسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يُهدر ذلك كله ويتم الهجوم على الإسلام لأغراض أخرى قد تكون لها أبعاد سياسية ؟ وأنا أتفق مع كل المسلمين أنه من حقنا أن نغضب لكن أنا شخصياً أتصور أن الغضب يجب أن يكون غضباً إيجابياً وفاعلاً لتغيير هذه الصورة والرد على هذه الإساءات وتوصيلها للآخرين خصوصاً لمن لم يقرأوا التاريخ قراءة منصفة.
في البداية أنت سألت سؤالين الإجابة عنهما تظهر من واقع الحال في ما يفعله بعض أهل الغرب في محاولات مستميتة على مر العصور لتشويه صورة الإسلام فهي ليست نتيجة عدم قراءة للتاريخ بل على العكس هي قراءة جيدة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وواقع الحال يدل على أن الناس في الغرب وفي كل بلاد العالم فهموا الإسلام وكل محاولة لتشويه صورة الإسلام يعقبها زيادة مضطردة في دخول الناس في الإسلام. فهم جربوا أكثر من شيء وعدد الذين يسلموا في ازدياد ولذلك هم الآن يجربون شيئاً جديداً وهو أن الإسلام لا ينتشر إلا بحد السيف والرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلاً دموياً وكل هذا الكلام محاولة جديدة من محاولات الإساءة وتشويه الإسلام. والذي أريد أن أقوله أنني أطمئن جداً بفضل الله تبارك وتعالى لمثل هذا التصريحات، وأنا أذكركم أنني قلت عندما أساء الدنمركي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لن تكون الأخيرة ومحاولات الإساءة ومحاولات تشويه الإسلام مستمرة إلى يوم الدين. وأنا قلت هذا من قبل ومحاولتهم هذه لكي يبينوا أن الذي دخل في الإسلام إما أنه قد تعرض للخديعة أو أنه أُجبِر على الإسلام أو أنه قد ضلل ونرد عليهم بأنه هذا غير صحيح ولا يُقبل إسلام من هو مكره عليه، وقد أعلناها من قبل أن القاعدة الأصولية الثابتة في الإسلام أنه لا إكراه في الدين لأن ما هو الإسلام؟ الإسلام هو أن تعلن مطلق عبوديتك لله بينك وبينه من غير تدخل أي شخص أو أي تدخل خارجي. ومن هو المنافق؟ هو الذي يُبطن شيئاً ويظهر شيئاً وهذا في الدرك الأسفل من النار، وأهل الإسلام الذين في الجنة لهم مواصفات وأوصاف لم ولن تُفهم حتى الآن. وأنا أريد أن أقول آية وأنا أوجه كلامي للمسلمين لما نسمع قوله تعالى ونداءه للذين آمنوا (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (16) الحديد) ففي الآية شهادة أنهم آمنوا وأنت لديك من ضمن المؤمنين أناس قد يكونوا غير مسلمين فهم في فترة آمنوا لكن بعدما آمنوا حدث شيء جعلهم يخرجون من الإيمان - وهم مؤمنين - ونحن بالنسبة لنا كلمة الإيمان كلمة يرتاح له القلب أن فلان مؤمن وليس مسلم فعندما تسمع الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا) فهم قد آمنوا لكن بقي عليهم درجة من درجات العبودية. ودرجات العبودية ليست مفهومة حتى للمؤمنين فنحن لن نفرح بإسلام شخص أُجبِر على الإسلام أو حتى ضُلِّل ولو حدث وحصل هذا وضلل لكي يسلم هل هو سيسلم لنا؟ فالتسليم لله سبحانه وتعالى ولهذا نحن لا ننفعل إزاء هذه التصريحات لأن أنا مسبقاً عرفت بأن هذا سيحصل وهذه المحاولة لن تكون الأخيرة والمحاولات كثيرة. وأنا أريد أن أقول أن هذا يدل على أمور طيبة جداً وتدل على حيرة هؤلاء الذين يتكلمون في حق الإسلام وفي حق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وفي حق القرآن وفي حق الله تبارك وتعالى فهو في تصريحه تطاول على الله وليس على الرسول والإسلام فقط في قوله- أن إرادة الله في المعتقد الإسلامي لا تخضع لعقل ولا منطق ولا مسآءلة-فليسأل هو الله تعالى إذن، لكن كيف يريد هو أن يخضعها للسؤال؟ لأن تصورهم عن الإله تصور فاشل فنريد أن نقول له أن يجلس مع نفسه لأنه يستطيع أن يضلل، أن يخدع الدنيا كلها لكنه لن يخدع نفسه، فهو إذا جلس مع نفسه سيعرف أنه بكل المقاييس بعيد عن الحق وأن الحق أوضح من الشمس في كبد السماء. وأنا أطمئن كل المسلمين أن كل محاولة من هذه المحاولات- وهذه إحصائية ظهرت في فجر هذا اليوم- تؤدي إلى زيادة عدد الذين يدخلون في الإسلام. أعلناها سابقاً أنه من يجبر على الإسلام إسلامه غير مقبول. القضية تكمن أننا لدينا إشكالية في تلقي القرآن فنحن طوال عمرنا لم نفرق بين قراءة القرآن، فهم القرآن وتدبر القرآن. الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا فقط بقراءة القرآن ولكن الأوامر التي لدينا بديعة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿204﴾ الأعراف) (أي إذا قُريء عليكم) ولم يستخدم كلمة فاسمعوا ولكن فاستمعوا ثم قال لعلكم و (لعل) هنا قضية في اللغة فهي لا تعني لعل للتعليل أو لعل للتمني إنما هي غاية. وسؤالي هنا الذي يدل على أننا مقصرين في فهمنا (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بسماعكم أو حتى باستماعكم أو حتى بإنصاتكم؟ لا إنما بتطبيقكم. فالرحمة لن تأتي لمجرد أنني سمعت القرآن ونحن في أيامنا هذه القرآن أصبح للبركة كالذي يخرج من منزله ويترك القرآن يشتغل في بيته للبركة دون أن يعلم أنه يستدعي الجن إلى البيت لأنه لا يوجد أحد في البيت والجن يأتي لكي يستمع للقرآن. فالقرآن ليس كتاب بركة أو كتاب يحفظ المكان أو كتاب تمائم وأحجبة وهم بهذه الأفكار أضاعوا الأمة ولكن انظر إلى الآية وأنت تفهم أن قضيتك هي التدبر، الااستماع والإنصات (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ (82) النساء) نحن مطالبون بالتدبر وليس بالفهم ولكن بالتدبر.
سؤال: آية أخرى فيها نوع من خيانة الأمانة وخيانة العهد، قال الله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴿187﴾ آل عمران) وهنا كان في عهد وأمانة.
في الآية ثلاث إشكاليات: أولاً أنهم نبذوه ليس جانباً ولا أمامهم ولكن وراء ظهورهم والنبذ وراء الظهر يعني أنهم لن يلتفتوا إليه ولن يأتي عليهم اليوم الذي يقدروا فيه أن يرجعوا مرة أخرى للإيمان وهذا بلازم المعنى والمدلول. والقضية الثانية والأخطر أنهم اشتروا به ثمناً قليلاً، وأن تقلب الوضع الطبيعي في الاقتصاد أنك عندما تشتري تشتري سلعة فهم اشتروا ثمناً وهذا الأمر يحتاج إلى شرح كبير في القرآن ولم تأت في أي كتاب سماوي. فالمفروض أن الإنسان يشتري سلعة ويُخرِج ثمناً للسلعة لكن عندما تشتري الثمن وليس السلعة فهم بذلك قلبوا أيضاً الصفقة الإيمانية الطبيعية (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (61) البقرة) وهذه الآية مدلول الآية (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) لأنهم عندما اشتروا الثمن قلبوا الصفقة فأضاعوا كل مجهودهم وكل ما كان لديهم من الهدى في الدنيا فليس لهم في الآخرة من نصيب، إنتهى الأمر. فالآية فيها أكثر من نقطة لو فهمت بشكل صحيح قد يعود بعضهم وهذا الذي يحصل أن أحدهم يأتيك يريد أن يسلم لأنه حصل تخبط بين واقع يعيشه وكلام يسمعه وبين أشياء منطقية يراها، ولو نظرنا أعداد الذين يدخلون في الإسلام من غير المسلمين بعد كل محاولة لتشويه الإسلام لوجدنا أنها في تزايد وحتى في الدنمرك عندما أُسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم دخل كثير من الناس في الإسلام هناك لمجرد عرض الإسلام وبمجرد أن الناس سمعوا من هو محمد عليه الصلاة والسلام ما هو الإسلام ما القرآن؟
إقتراح: علينا أن نتبنى مشروعاً لعمل كتيبات تشرح عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والاسلام وتترجم للغات عديدة وتوزّع لكي يفهم الناس حقيقة هذا الدين وتكون من الصدقات الجارية، ولكن يجب أولاً أن نعي لأنفسنا لأننا مقصرين في فهم ديننا ولكي نستطيع بعد ذلك أن نعرض ديننا للآخرين.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾ الأنفال ) كيف نخون الله؟ وكيف نخون الرسول؟ وما هي الأمانة؟ وما معنى هذا النهي والتحذير من الله سبحانه وتعالى؟ ما علاقة الأموال والأولاد بالخيانة؟ وما علاقة التقوى بالخيانة؟
أولاً أريد أن ألفت الأنظار إلى أن النداء في الآية لـ (الذين آمنوا) فالمتصور عند كثير منا أننا عندما نقول يا أيها الذين آمنوا أننا ننقلهم نقلة من الإيمان إلى التقوى وهذا مقبول عند الكثير أن تقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) لأنك أتيت من إسلام الرسالة إلى الإيمان فالمفروض أنك تنتقل للتقوى ثم للإحسان ثم لإسلام الوجه وهذه أعلى الدرجات من العبودية، فمقبول عند كثير جداً من العلماء ومن المفسرين ومن الناس العامة أن أقول (يا أيها الذين آمنوا أحسنوا أو اتقوا) لكن الذي أريد أن ألفت الأنظار له - وهذه قضيتنا التي نريد نخرج بها من حلقات التوبة والاستغفار - وكل هذا الذي نقوم به لكي نثبت ما هي التوبة؟ وما هو الاستغفار الحق؟ وأن هذه حالة يجب أن يعيش عليها المسلم آناء الليل وأطراف النهار. أن النداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) فهل متصور أن المؤمن يخون؟ متصور أن الكافر يخون والمنافق يخون والمشرك يخون والمسلم على حرف يخون، لكن الذين آمنوا فهؤلاء انتقلوا من مرحلة الكلام، من نطق الشهادتين إلى مرحلة التطبيق فليس متصوراً أنهم يخونوا. واستدعاء هذه الآية في موضوع التوبة والاستغفار لكي نثبت للناس أنه لا يوجد شخص كبير على المعصية وأي شخص يغترّ بإيمانه هو أول شخص يقع في المعصية. وبحثت عن توصيف لهذه الواقعة فوجدتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي نبين للناس قيمة هذا الرسول الحق كيف كان يشرح ويأخذ بأيدينا لأعلى الدرجات فنسمع له حديثاً في منتهى الإبداع يقول فيه- وأنت سألت في بداية الحلقة كيف أخون؟ وكيف أخون الله سبحانه وتعالى؟ وكيف أخون الرسول؟ - (لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن) فالمؤمن إذا دُعي إلى الزنا فزنا، ساعة زنا لم يعد مؤمناً لأن الإيمان خرج من قلبه. هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولو أخذنا بعين الاعتبار توصيف حالة التوبة من أكبر ثلاث كبائر استعرضهم المولى عز وجل سبحانه وتعالى لنا في أواخر سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿68﴾) وهذا مثال لأكبر الكبائر، التعليق جاء في قوله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿68﴾ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴿69﴾) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ (70)) ولم يقل أسلم بل آمن فهو مسلم وكان مؤمناً ولكن عندما أشرك أو قتل أو زنا خرج من الإيمان أو خرج الإيمان منه فلكي يتوب وتُقبل توبته (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ) يجب أن يجدد الإيمان مرة أخرى. فالرسول عندما يقول أنك عندما تزني لم تعد مؤمناً، كنت مؤمناً ولكن ساعة ارتكابك للزنا لم تعد مؤمناً والتوقف هنا لكي تتوب على قدر ما تتوقف على قدر ما تكون توبتك. فهناك من يزني أو يسرق أو يرتكب معصية فيقول استغفر الله العظيم أنا لن أفعل ذلك مرة أخرى وهو بذلك يظن أنه تاب وهذا سوف يعود لارتكاب الذنب. لكن الذي يتوقف ويسأل نفسه كيف عمل هكذا؟ ويندم كثيراً على فعلته ويجلس يكبر مع نفسه أنا فعلت هذا تحت سماء الله؟ ماذا كنت أظن عندما ارتكبت هذه المعصية هل كنت أظن أن الله لا يراني؟ أين تصور الإله الحق في ذهني عندما ارتكبت هذه المعصية؟ أين صفة الرقيب؟ فأنت اختبأت من الناس كلها وغفلت عن صفة الرقيب ونسيت أن الله سميع بصير، غابت عنك صفات الله فارتكبت المعصية فبذلك أنت لم تعد مؤمناً لأن غياب صفات الله عنك هي أول خطوة على طريق الكفر، الشرك، النفاق. وهذه الصفات الثلاثة بعيدة كل البعد عن الإيمان لأن المؤمن هو الذي يعرف الله ويعرف كُنه الإله فبالتالي كل عمل يقوم به سواء مع الناس أو مع الله يقوم به وهو أمام عينيه من هو الله؟ وهؤلاء الذين إذا نظرت إليهم تجدهم يعيشون في حالة خوف لكن بانطلاق فخوفه من المولى عز وجل لم يجعله يبقى في منزله لأنه يخاف أن يسرق أو يزني أو يقتل أو يرتكب أي معصية. هو خائف فيتعامل بانطلاق ولكن مع هذا الخوف ولذلك من عرف الله خافه ومن خاف الله امتثل أوامره ومن امتثل أوامره اجتنب نواهيه. فهذا الخوف سيصنع له حالة وقاية من محارم الله وهي التقوى. والتقوى جاءت في القرآن بطريقة غاية في الجمال فمرة يقول: اتقوا الله ومرة اتقوا النار. وبعقل متجرد تجد أنك إذا اتقيت الله أو اتقيت النار النتيجة واحدة وهي الجنة. لكن إذا اخترت اتقي الله لأن في اتقائي لله أي معرفته ومن معرفة الإله الحق سأتقي النار، فعندما يقول الحق تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ) أولاً ما هي الخيانة؟ الخيانة أن يكون هنالك عهد وأنا لا أوفي به أو أمانة عهد المولى سبحانه وتعالى بها إلي وأنا فرطت بها أو أن يكون هناك اتفاق أو عقد وتتم خيانته. الناس للأسف عندها حصيلة مفاهيم خطأ يجب أن نصححها. ولو عرّفنا الخيانة ما هي؟ كيف تكون خيانة الله؟ وسوف أضرب لكم مثال هذا الرجل الذي يذهب إلى ساحر ويقول له اعمل لي عملاً لفلان، أين الله في هذه الجملة؟ - وهذه الحالة منتشرة في المجتمع بطريقة مرعبة- عندما أذهب لشخص وأطلب من أن يؤذي فلاناً أين الله في هذه الجملة؟ هذا الأخير سمع أن هناك من عمل له عملاً فيقوم ويذهب لساحر آخر ويقول له فك لي العمل، أين الله؟ أليس هذا كلها خيانة؟ وأنت عندما تخون فلاناً فمن هو المتضرر من هذه الخيانة؟ فلان الذي خنته، لكن عندما تقوم بنظرة مستقبلية لواقع الأمر يوم القيامة بينهما، المتضرر سيكون الذي خان، عندما أقول لك لا تخون فلاناً فهذا مقبول ولكن عندما أقول لك لا تخون الله هل أنت تستطيع أن تضر الله؟ بالطبع لا فالخيانة كلمة تختلف باختلاف المؤدّي. فلان يخون فلاناً لها مفهوم وفلان يخون الله لها مفهوم آخر لأنه: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء) فيجب أن أفهم أن كلمة الخيانة مفهومها مختلف عن واقعها في المعنى وفي لازم المعنى وفي المدلول فعندما أقول (لا تخونوا الله) قد يخطر ببال أحد الناس أن خيانتك له ستضره، لكن هل خيانتك له ستضره؟لا فكلمة الله أي الاسم الجامع لكل صفات الجلال والكمال والذي هو لا يمكن أن يستطيع أحد خيانته لكن في الحقيقة أنت عندما تخون تكون قد خنت نفسك فالذي يخون الله سبحانه وتعالى أضاع نفسه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) ولم يقل يا أيها الناس الناس لأن لو أحد من الناس خان لا عهد لتوقيع عقوبة في الخيانة ولكن الذي آمن؟ وأضرب مثالاً على ذلك الذي لا يصلي أبداً لو أردت أن تعطيه عقاباً في القرآن عن تارك الصلاة لن تجد ولكن تجد في قوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾الماعون) وكان عقابهم (ويل) لأنه عندما صلى أعلن إيمانه كأنه وقع على العقد بعكس الذي لا يصلي. ومثل ذلك الكافر والمنافق والكافر أفضل من المنافق لأن الكافر أعلن كفره وقال لك أنه ليس مؤمن بإلهك وبذلك عرفت أنه كافر فتأمنه بعكس الذي يأتي إليك ويقول لك أنا معك ثم يذهب ويجلس مع اليهود والنصارى ويقول أنه لا يؤمن بالإله وأنت لا تأمنه ظناً منك أنه مؤمن (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ البقرة) وشياطينهم هنا ليس المقصود منهم الجن ولكن شياطين الإنس وهؤلاء أخطر. وكلمة شيطان قد تطلق على الإنس والجن على حد سواء بل هي إطلاقها على الإنس أخطر. وشياطينهم في الآية تعني زعماء الكفر.
سؤال: لو شخص أحس أن أحداً عمل له عملاً هل يكون هذا الشخص آثم إذا ذهب لأحد يفك له هذا العمل؟
نحن لدينا كلام كثير في موضوع السحر والعمل وكثير من الناس من يدّعون أنهم يعملون ويفكون وتحل وتربط ولدينا إشكالية عندما قلنا لو في شخص يعمل هذه الأعمال فليعمل عملاً لشارون وبوش وأنا مستعد أن أدفع فقط يرينا شيئاً. كل هذا الكلام بحاجة لإعادة نظر فما هو السحر أساساً؟ نحن لا ننكره ولكن ما هو؟ وهل هذا الذي أذهب إليه لكي يؤذي شخصاً ما سيغير قدر الله سبحانه وتعالى؟ هل الساحر الذي يعمل العمل لشخص هل سيغير قدر؟ فهل كان مكتوباً أن فلاناً هذا لن يحدث له شيء أو أنه سيستمر مع زوجته ولكنه هذا الساحر أذاه أو جعله يطلق زوجته بسبب طلبي أنا؟ لا لأنه أزلاً وقدراً فلان وفلانة في يوم كذا سيفترقون ويحدث بينهم طلاق. والفرق الوحيد الذي سيحدث هو أنني سأأثم وهو سيأثم. الذي يسخّر الجن يكفر بالله سبحانه وتعالى. ومن خيانة الله سبحانه وتعالى أن أقول لشخص ما اعمل لي، فأين الله؟ والله تبارك وتعالى هو الذي قال في محكم التنزيل (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) ولم يقل ادعوا غيري أو اسألوا غيري فساعة ما ذهبت إلى الساحر اعتقاداً أنه يستطيع أن يفعل شيئاً فقد خنت الله كمن يسأل عن شخص يعرف الغيب رغم أن لدينا آية أوضح من الشمس في كبد السماء (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿26﴾ الجن) وعالم الغيب هو الله سبحانه وتعالى. ونرد بهذا الكلام على من يذهب لقراءة الفنجان والذي يقول أنه سيحدث كذا كفر بالله سبحانه وتعالى قولاً واحداً. وقد سألتهم مرة لماذا بالبن وليس بالكاكاو؟ رغم أن الكاكاو يعطيك نفس النتيجة في الفنجان فلماذا البن أو القهوة بالذات؟ كل هذا يدل على أننا مخدوعين بطريقة كبيرة وغياب الحق تبارك وتعالى عنا وغياب القرآن وقراءة القرآن بالطريقة التي طلبها الحق تبارك وتعالى هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) ما هي الخيانة؟ عندما أرادوا أن يعرّفوها قالوا هي عكس الأمانة رغم أن الخيانة واقع فعل والأمانة صفة. الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يُبعث كان صفته الصادق الأمين عند قريش وعند أهله وعند أصحابه وعند جيرانه، وهم حتى بعد كفرهم به صلوات ربي وسلامه عليه كانوا لا يستأمنون غيره فالرجل الكافر بمحمد صلى الله عليه وسلم يمر ببيت أبي جهل حبيبه وصديقه ومعه في كفر واحد ولا يترك ماله عنده ويذهب إلى رسول الله صلى عليه وسلم ويترك عنده أمواله كأمانة لأن أبو جهل سكير عربيد ممكن لأن يأخذ المال وينفي ذلك لأنه غير متزن لكن محمد صلى اله عليه وسلم كان عندهم شيء كبير فهو الصادق الأمين وانظر إلى العظمة يكفرون به ولا يأتمنون غيره. فالأمانة صفة واقعة والخيانة تقابلها. فهناك إنسان لا يمكن أن يخون فهو لا يعرف أن يخون وآخر هو بطبيعته خائن فعندما يقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) هذا التحذير معناه أنك أنت بإيمانك إياك أن تقع في هذه الصفة وهي الخيانة. والذي يرتكب معصية يكون بذلك قد خان الله وخان الرسول لأن الذي أنزل القرآن هو الله والذي أتى إليك بالقرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم فالمنهج منهج الله والذي بلّغه هو محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله وأنت عاهدت الاثنان الله ورسوله وقلت آمين، فإذا خنت الله تكون تلقائياً خنت الرسول وإذا خنت الرسول تكون تلقائياً خنت الله. (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) هناك من قد يخون في أمر جاء في القرآن فيكون قد خان الله وبالتالي خان الرسول الذي جاء بالقرآن. وإذا خان أمراً جاء في الحديث ولم يأت في القرآن ونحن لدينا الآية (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء) فالذي يخون الله تلقائي قد خان الرسول لأن الرسول هو الذي جاء بالمنهج، والذي يخون الرسول في شيء قاله ولم يأتي في القرآن يكون قد خان الله لأن طاعة الرسول هي طاعة لله وخيانة الرسول هي خيانة الله ولذلك (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ).
(وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) أنه ربما أخون فلاناً في شيء قد يكون ليس في المنهج ولا في الرسالة، قد تكون في المعاملة. مثال ذلك أن اثنان اتفقا على شيء مخالف للمنهج كأن يتفقا على السرقة وهذه لا تكون أمانة وإذا جاء أحدهما وقال أنه لن يسرق لن يكون بذلك قد خان أمانة لأنها لا تدخل في مفهوم الآية. ولكن (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) هي الشيء الذي بين بعضنا البعض في المعاملات. ولو أخذنا سوق الذهب كمثال ففي سوق الذهب لا توجد عقود ولكن هناك كلمة، فشيء بديع جداً أن يكون بيننا هذا التعامل ولكن الغريب جداً أيضاً أنني أكون هكذا في البيع والشراء ولكن لا أصلي ولا أصوم ولا أحج وأكذب فأنا قمت بشيء عظيم للغاية في بند واحد وتركت كل البنود التي جاءت في منهج الله وفي حديث رسول الله. فالتوقيع الإلهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) كأني بالله تبارك وتعالى يقول: يا من وقعتم على العقد الإيماني بعبوديتكم لله تبارك وتعالى لا يجب أن تخونوا الله لأن ارتكاب المعصية هي الخيانة بعينها. فالخيانة هي وقوعك في أي معصية صغيرة أو كبيرة لأنك ساعة ارتكبت هذه المعصية لم تقدّر الله حق قدره.
سؤال: عندما عرضت الأمانة على السموات والأرض وقالتا أنهما طائعين ولن يخالفوا المنهج لأنها مسخرة، فما هي الأمانة في هذه الآية (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب)؟
يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب) ما معنى كلمة عرضنا؟ كلمة عرضنا تدل على التخيير رغم أن السموات والأرض ليستا مخيرة كما في قوله (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿11﴾ فصلت).
ومن قالوا أن الأمانة هي الاختيار أليس قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ) ألس هذا اختيار؟ وهم رفضوا حملها وبذلك لا يمكن أن تكون الأمانة هي الاختيار لأنني خيرتهم.
(فأبين أن يحملنها) أبين هنا ليست بمعنى رفضت لأنه كيف ترفض وهي في قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فهل تستطيع أن ترفض؟ لا فأبين هنا ليست الرفض مطلقاً. هذه الآية بما لها تجري مجرى الاستعارة التمثيلية في اللغة العربية لا واقع لها إلا في التمثيل وفي ضرب المثل أي بمعنى لو كنا عرضنا الأمانة.هذا هو المعنى. وعلينا أن نفهم ما معنى عرضنا، إستعارة تمثيلية، الفرق بين التمثيل والاستعارة.لأن البعض أن الله سبحانه وتعالى أخذ رأي السموات والأرض وأن الإنسان كان ظلوماً جهولاً لأنه حملها فكيف يكون هذا وربنا عز وجل هو الذي كتب عليه أن يحملها؟ يجب أن نوضح الفرق بين معنى الكلمة وتوقيعها في آية أخرى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/9/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:43 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 20

الهدف من حلقات التوبة أن يتعلم الناس كيف يكونوا في معية الله وفي حالة إنابة إلى الله تعالى وليس مجرد توبة باللسان فقط. ونعود إلى آيات سورة الأنفال، ما هي الخيانة وكيف يخون الإنسان الله تعالى والرسول؟
لاحظنا في هذا الشهر في هذا العام وفي الأعوام السابقة أن الناس يجتهدون قليلاً في شهر رمضان ويتقربون من الله وتبدأ بالصلاة في المساجد والمحافظة عليها وقيام الليل والتهجد ولكن كل هذا يتوقف عندما يقترب العيد ويعود الناس لللهو والسهو والمنهج الذي لا يرضي الله وأنا أذكركم وأذكر نفسي أن كل الشهور هي شهور الله وليس شهر رمضان فقط. قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾الأنفال) النداء لناس مؤمنين فإذا كانوا مؤمنين كيف سيخونوا؟ هذا النداء يؤكد أنه لا يوجد من البشر باستثناء الأنبياء في حالات خاصة وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم العصمة فلا إنسان معصوم حتى وإن كان من عداد عباد الرحمن أو المؤمنين المتقين المحسنين المسلمين بالتوصيف الذي قد شرحناه. النداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ) إذاً الأمر يجب أن يكون بمفهوم الواعي أنه لا يوجد أحد فوق المعصية أو كبير على الخطأ وأن الخطأ وارد في كل بني البشر، الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا (كل ابن آدم خطّاء) وليس مخطئاً خطّاء أي كثير الخطأ ولكن (خير الخطاءين التوابون) ونحن لا نبحث عن توبة في دقيقتين ثم أرجع مرة أخرى للمعصية فكما تبت سريعاً أعود سريعاً ولكننا نبحث عن حالة من حالات الإنابة وقد قلنا أن التوبة حالة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم التزامها فقال (يا أيها الناس) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا أو الذين أسلموا ولكن خاطب الناس لأنه أرسل للعالمين فقال "يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني استغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" أو "أكثر من سبعين مرة" على اختلاف الروايات، ومعنى الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يجعل الأمة المسلمة التي لها شرف الانتساب إليه عليه الصلاة والسلام تعيش حالة اسمها التوبة أي حالة معيّة وليست حالة تردد فكثير من الناس يخطئون ويتوبون ثم يخطئون ويتوبون فهذا تردد بين الصواب والخطأ لكن الرسول يريدك أن تعيش حالة توبة في معية الله تبارك تعالى كما قلنا في آية (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (31) الروم) أتى بعدها كلمة (وَاتَّقُوهُ) أي إياك أن تنيب حتى وتبقى على حالة الإنابة بمجرد العودة لا ولكن تعود وعندما تعود تبقى في معيته سبحانه وتعالى وتداوم على التقوى حتى لا تقع مرة أخرى في معصية من المعاصي الكبيرة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) أي من يقع في اللم لا بأس ولكن لا نريد أن نتعود وهنالك شيء يسمى لذة المعصية عند بعض الناس فهو يعصي ولكنه يعلم أنه سوف يتوب ويعيش حالة من حالات التوبة ثم يعود مرة أخرى إلى معاصي ويبقى فيها ثم يعود إلى التوبة وأنا أخشى ما أخشاه أن يموت وهو على المعصية، وهذا من تزيين الشيطان بأنه سوف يتوب وهنالك من يعصي وهو يعلم وفي الآية (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وهذه قضية كبرى في الوقوع في الخطأ هل أنت تعلم أو لا تعلم؟ وأنا سعيد جداً للتوقيت الذي نتحدث فيه ونشرح فيه الآية لأننا الآن في حالة من حالات الخيانة عقب رمضان للأسف الشديد، نحن فعلاً في حالة من حالات الخيانة بعد رمضان أننا قمنا بعقد غريب جداً ووقعناه في رمضان، التزمنا المساجد في الخمس فروض وبعد رمضان عدنا لما كنا عليه في شعبان كأن المتميز بالأداء هو رمضان وإياك ثم إياك أن يكون الدافع للعمل الفائدة العائدة عليك من العمل لا الإيمان برب العمل وهذه هي القضية. ومثال على ذلك أن شخص في رمضان كان يفكر أن الصيام ثقيل على نفسه وفجأة التقى بطبيب وقال له أن الصيام مهم جداً للصحة فهو فرح بهذه الفائدة وصام لأن الصيام سيساعده صحياً فبذلك هو لا يعبد الله ولكنه صام فقط من أجل الصحة وكان من المفروض أن يقول لنفسه: وإن كنت على ما تبدينه سأتعب وسيكون فيه مشقة ولكن أنا صائم إرضاءً لله وطاعة لله، وبذلك يكون يعبد رب الفرض وليس الفرض، وهناك من يصوم طمعاً ورغبة بأن يدخل من باب الريان وفرحاً بالأجر الكبير وبأن الله عز وجل قال (إلا الصيام فهو لي- أو فإنه لي- وأنا أجزي به) وبذلك هو لا يحسب الحسنة بعشرة فهو فاتح على قدر الكريم سبحانه وتعالى وهو فرح بكل هذا على شرط أن يكون تابع لتوقيع العبودية فهو ليس الأصل في الصيام. فأنا لست صائماً لكي أدخل من باب الريان ولا لأخذ الأجر الكبير ولكن أنا آخذ بهذه الأشياء بعد أن أكون صائماً طاعة لله تبارك وتعالى لأنه أمر. وأنت لو لاحظت العبادات لوجدت كل عمل أنت تقوم به يجب أن لا يكون لهدف مثلاً الصلاة لا تكون لأنها نشاط للجسم وبمثابة التمرينات وهنالك من يقول أنك لو صليت ركعتين الصبح كأنك قمت بتمرين وأنا لا يعنيني هذا الكلام أبداً فأنا أصلي لأن ربنا أمرني بالصلاة وأصوم لأن ربنا أمرنا بالصيام وأزكي لأن ربنا أمرنا بالزكاة وأحج لأن ربنا أمرنا بالحج دون النظر للفوائد التي تعود عليّ من هذه الأعمال. فأنت لا تعمل للأجر ولكن تعمل لربّ الأجر وكونك مثلاً تفكر في رمضان أنك فعلاً ستدخل من باب الريان مع جماعة الصائمين والذين لم يصوموا واستهزأوا لن يدخلوا؟ لا بأس أنك تفكر هذا الفكر ولكن ليس هذا هدفك، ساعة قلت نويت الصيام فالأولوية للعبادة وإن كنت سأتعب والصيام لابد أن يتعب لأنه مشقة بدليل التكليف وطريقته في القرآن كيف أتت؟ الصلاة كذلك والحج بما له من مشقة ربنا يكلف ويقول (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (97) آل عمران) ثم يقول (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) آل عمران) وهذه المشقة الدنيوية يقابلها يسرٌ عند الحساب والخلود والراحة الأبدية والنعيم ويكفيك أن تسمع (أن فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) حتى وأنت تسرح بخيالك لن تستطيع أن تفكر بالذي فيها (ولا خطر على قلب بشر) والقرآن عندما يوقع (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا (25) البقرة) وهذه في حد ذاتها قضية من قضايا القرآن الكبرى أنك ترى ما يشبه ما كان في الدنيا ولكن الفرق كبير في التوقيع.
وفي قوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿107﴾هود) والاستثناء (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) للحالة وليس للنوع، فكثير من الناس من يعتقد أن الخلود في الجنة سيكون مرتبطاً فقط بدوام السموات والأرض فهذا الاستثناء يقول أن الخلود سينقطع وبعد هذا هنالك مشيئة لله في الآخر، ولكن يجب أن نفهم أن السموات والأرض بما تقل وتظل باقية حتى في الآخرة والاستثناء هنا لحالة وليس لفرقة أو لوقت أو لمدة. ونسف الجبال يكون يوم تبدل الأرض غير الأرض ولكن في لحظة عدم وجود الأرض سيكون هنالك أرض وإلا كيف تقلّ وتظل وكيف تقف للحساب إلا على أرض؟ وهذه الأرض غير الأرض والسموات غير السموات ولكن هنالك سموات وأرض فكلمة (ما دامت مستمرة) حتى مع الاستثناء في الانقطاع كلمة ما دامت أي ما بقيت وهي باقية فعلاً وحتى بالمنطق لحظة ما أبدل الأرض أين ستقف؟ على أرض، فالأرض باقية. سنشرح هذا لاحقاً لأنه حصل تشويش عند الناس من أحاديث الخروج من النار.
ونعود لجزئية الطاعة أنني أطيع وأؤدي الفروض بعيداً عن الفائدة ومن الأفضل للجميع أن يتركوا المسألة مثل الصيام فهل هنالك من استطاع أن يحسب الصيام؟ لا أحد، فالله سبحانه وتعالى يقول (كل عمل ابن آدم له) وفي بعض الروايات (الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء إلا الصيام) إستثناه من هذا الحساب فالذي يحسب بعشرة خسر وضيق على نفسه فاتركها مفتوحة واجعلوا كل الأعمال هكذا. لنفرض أنك صليت ركعتين بإجادة تامة لن تستطيع أن تحسبها لأنك إذا أخلصت في هذه الركعتين ثم أردت حسابهما ستستخسر أن تحسبهم لكن اتركها مفتوحة للكريم ولا يعلم ما بيد الكريم إلا الكريم سبحانه وتعالى فأنت اتركها وخلص كل عمل من الخيانة لأن الآية حكمتنا حكم جميل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ) ثم عطف على الله الرسول (وَالرَّسُولَ) لكن في توقيع بديع قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ولم يقل (ولا تخونوا)، فـ(لا) الأولى مستمرة في كل الحالات حتى أن بعض النحاة اختلفوا في الإعراب واعتبروا الواو في (وَتَخُونُوا) أنها واو المعية ويكون الفعل هذا منصوباً فالفعل الذي يأتي بعد واو المعية يشتغل على (مع) وبذلك يشتغل على النصب وهذا كلام غير منضبط لأن لا الأولى نهتنا عن أي نهي آخر حتى التكرار لم يعد له قيمة لأنك أنت عندما لا تخون الله سبحانه وتعالى بالتالي لن تخون الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يكرر اللام فلم يقل ولا تخونوا. المعنى ولا تخونوا أماناتكم لكن الواقع لم يقلها فالصياغة القرآنية (وَتَخُونُوا) لأن لا الأولى فيها الكفاية في النهي.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) هناك نهي عن الخيانة لله وللرسول ثم خيانة للأمانات و(لا) الأولى ممتدة ولهذا القرآن لم يكررها ولم يقل ولا تخونوا لسبب أن في قوله (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) يوجد هنا تقدير هل أنت تخون الأمانة أم تخون صاحب الأمانة؟ أنت تخون صاحب الأمانة وهنالك كلمة محذوفة وليست محذوفة حذف في القرآن ولكنه تقدير أي (لا تخونوا أصحاب الأمانات) و(لا) لم تتكرر لأنك في الأصل منهي عن خيانة الله فالأولى تكفيك عن الثانية والثالثة فلو أنك لم تخن الله فلن تخون الرسول ولن تخون أصحاب الأمانات لأنك سوف تخلص مع الله سبحانه وتعالى، إخلاصك مع الله سبحانه وتعالى والعمل بعقد الأمانة إن صح هذا التعبير والأمانة هذه- التي نتكلم عنها الآن- مختلفة تماماً عن الأمانة في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴿72﴾ الأحزاب). والأمانة التي نتحدث عنها اليوم أمانة بديعة وجميلة أمانة حصلت بيدك أنت ساعة توقيعك عقد الإيمان وشهدت بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما يترتب على هذه الشهادة من صلاة وصوم الخ، ولذلك هناك آيات في القرآن تحتاج إلى وقوف وفكر ووعي كما في قوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾ الماعون) أثبت لهم الصلاة (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾ الماعون) هم الذين دخلوا الصلاة برضاهم ولم يجبرهم أحد فهم وقعوا العقد ثم نقضوه ولذلك كان لهم الويل لأن صلوا ثم تركوا الصلاة وهذه خيانة لأنك كأنك وقعت على عقد برغبتك ثم ترفضه وهذا ينطبق على الرِدّة. فأنت عندما تدخل الإسلام لابد أن تدخل بحرية مطلقة ليس فيها درجة واحدة من درجات القيد (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) لكن أن تخرج من الدين هذا أمر غير مقبول لأن دخولك الدين عقد موقع منك والتزامات أنت ألزمت نفسك بها، ولذلك من يأتي مجبراً على الإسلام لا إسلام له، ولكن إذا دخل الدين برضاه هنا الخروج لا يكون متى أراد فالردة عليها كلام وفيها أمور وأحوال كثيرة جداً.
والخيانة جاءت من مادة الخون. والخون هذا كله ينبني على النقص، عكسه التمام والكمال التي هي الأمانة والأمانة ليست كقضية ولكن كحالة يجب أن يكون المسلم أو المؤمن عليها. الخون في المعاجم هو النفص في أي شيء، فالذي يخون قبل أن يخون شخصاً في معاملة أو تجارة أو مبلغ أو سلفه هو يخون المنهج لأنه يخون الله وهناك من يقول كيف أخون الله؟ وهل أستطيع أن أخون الله؟ لأنه معتقد أن الخيانة أن تضر الذي أمامك ولكنك قبل أن تضره وقبل أن يتسرب إلى ذهنك ضرر الله سبحانه وتعالى وهو شيء غير واقع ومستحيل أن يقع فأنت تضر نفسك بداية لأنك خنت الأمر الإلهي فالذي يحدث لك من الله سبحانه وتعالى تتحمله لأنك أنت الذي خنت نفسك. ولذلك بدأ في الآية (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) وأنا أريد أن أضرب مثال واحد على خيانة الله، كيف أخون الله؟ وكيف أخون الرسول؟ ولماذا لم يقل وتخونوا الرسول رغم أنه قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ)؟ لأن الرسول أبداً لا يأتي بتشريع من عنده إنما أساساً هو ناقل للمنهج أو للتشريع الإلهي وإذا الرسول شرع شيء فهو لديه تفويض إلهي في القرآن (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (59) النساء) وتفويض آخر (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) الحشر) وصحيح أن بعض الشراح حملت الآية على أنه ناقل أي ما أتاكم الرسول نقلاً عن الله وهذا رأي ولكن الرأي الآخر له احترامه أن الرسول له حق التشريع منفرداً بدليل قول الله تبارك وتعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ) ولم يقل والرسول ولكن (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ). بعض الشراح قالوا في أسباب نزول هذه الآية (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) كانت عن واقعة معينة بعد توزيع الغنائم في غزوة من الغزوات وبعض الناس أرادوا أن يأخذوا فضل زيادة أو غنائم زيادة فالرسول نهاهم عن هذا وأن الآية مرتبطة بهذه الواقعة،ونرد عليهم ونقول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والقرآن كله هكذا وعلى سبيل المثال هل حالة المجادلة عندما نزل القرآن نزل في المجادلة أم نزل في كل الظهار؟ في الظهار كله، فقال الله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ (2)المجادلة) تكلم على عموم اللفظ لا خصوص السبب هي نزلت في خوله بنت ثعلبة وأوس بن الصامت لكن هم العلة والسبب لكن هل الآية نزلت فيهم فقط في حالتهم أو إطلاقاً؟ إطلاقاً. وهذا هو القرآن فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن ثم فقول الحق تبارك وتعالى (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) لأنك أنت إذا خنت الله فبذلك تكون قد خنت الرسول وسوف تخون الأمانات وإذا خنت الرسول تكون قد خنت الله سبحانه وتعالى بلا شك لأنه لا يمكن أن تخون الرسول لوحده فخيانة الرسول تأتي من أنه الرسول وهو رسول الله سبحانه وتعالى فلا هو أتى من تلقاء ذاته ولا المنهج من عنده هو ناقل لكن له أن يشرِّع ولهذا أتى باللفظ لكن لم يكرر كلمة الخيانة فقال ( وَالرَّسُولَ) أي ولا تخونوا الرسول واستثنى عن الـ (لا) وقال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) أي ولا تخونوا أماناتكم لأن لا الأولى التي التصقت بالله سبحانه وتعالى كافية لأن لو أن شخص فكر وقال أنا لن أخون الله فبالتالي لن أخون الرسول ولا أي أمانة لأن لو خنت هذه الأمانة أولاً أنا خنت الله الذي أمرني بأداء الأمانات ورد الأمانات والرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقول لك "أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك" أي لا ترد على الخيانة بخيانة لأنك بذلك ستكون مثله وتخون الله أيضاً فلا يجوز أن أرد الخيانة بخيانة ولا السرقة بسرقة لأني ساعة ما أرد الخيانة بخيانة أكون بذلك قد خنت الله. والآية تقول (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) فالمؤمن الحق يقول وكيف أخون الله؟ أنا لا يمكن أن أخون الله؟ هنا نسأله ونرى كيف نخون الله؟ أنت وقعت في رمضان عقد مع الله تبارك وتعالى بأنك صليت كل الفروض في المسجد فما الذي منعك بعد رمضان؟ أتعبد رمضان أم تعبد رب رمضان؟ إن كنت تعبد رب رمضان فرب رمضان هو رب شوال، رب ذو القعدة ورب كل الشهور ومن ثم أنت يمكن أن تجوّد في رمضان لكن عليك أن تبقى على حالة التقوى وحالة الإنابة وحالة الإيمان التي كانت معك في رمضان فنحن نريد الطاعة الدائمة حتى وإن قلّت، فالطاعة الموسمية هذه ليست في الإسلام فهذه التصرفات التي يقوم بها الناس بعد رمضان نوع من الخيانة. وهو لم يبدأ بخيانة ولكن بدأ بأمانة فهو ساعة صلى الظهر في المسجد في رمضان هذه أمانة أدّاها وهي الأمانة التي كان يجب أن تكون قبل رمضان لكن نحمد الله أنها أتت في رمضان- وهذا فضل يجب المحافظة عليه- لأن أيضاً هناك أناس لا تأتيهم في رمضان لكن الحمد لله أنك بدأتها في رمضان فأكملها واستمر بها بعد رمضان لأنك كأنك أنبت إلى أمانة أو رجعت إلى صحيح فعليك أن تداوم عليه وإلا تكون موسمياً فأنت تعبد الموسم، تعبد الشهر لا تعبد رب الشهر.
وهنالك نوع آخر من الخيانة الذي يحدث بعد الإفطار فيكون طول النهار ملتزم ويأتي بعد الإفطار يفكر أين سيسهر؟ هو بذلك يكون قد ضيّع ما قام به قبل الإفطار وقام بخيانة. والخيانة لفظ ثقيل على القلب المؤمن ولذلك التوقيع في القرآن (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) ولذلك لو لاحظت عندما قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) انتهى بالآية بقوله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأنه قد تحدث الخيانة زلة أو خطأ غير مقصود، حتى لو حصلت بقصد فهنا التوبة وهنا ميزة التوبة، فمن خان متعمداً له توبة لكن من يدريك أنك لن تموت على هذه الخيانة فإياك أن تبدأ وإذا بدأت فعليك أن تعود.
هل التوب قاصرة على الذي يقع في المعصية بجهالة ثم يتوب من قريب؟ ما هي الجهالة أولاً؟ الجهالة في قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿17﴾ النساء) لا تعني الجهل (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) وليس بجهل والجهالة هي السفه والحمق فالجهالة أنه يعرف العقوبة ويعمل الذنب فانظر إلى أي حد يطمئنك القرآن فالتوبة لهذا أيضاً. فالتوبة للأحمق- إن صح تعبيري- أولى من غير الأحمق لكن هي للاثنين مقبولة لكن افترض أن شخصاً يعلم أن عقوبة الزنا الرجم والطرد من رحمة الله وفعلها ومات هذا أمر خطير، ولو أن الله أمهله للتوبة - وإمهالك للتوبة علامة من علامات قبولها – كما قال تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) التوبة) فإمهالك للتوبة فرصة من ربنا وعلامة من علامات القبول وأنك عندما تتوب توبة نصوحة وبنيّة عدم العودة للمعاصي، وهذه مصيبة عند بعض المسلمين أنه يتوب وهو ينوي العودة للذنب وهذا أخطر شيء لأن هذا يعتبر استهزاء.
وهذه من الخطورة أن يعتبر الإنسان التوبة كلام يقوله بلسانه وهو عاقد النية على العودة للذنب مرة أخرى وهو لا ينوي أن يندم ندماً أكيداً على الذي قام به وقصره في حق نفسه فهو لا ينوي أن يراجع نفسه أو يكبح شهواته التي تسوقه للوقوع في هذه المعاصي ولكن هو يقول أنا قمت بمعصية الآن سأتوب الآن حتى إذا ما متأكون مت على توبة إذا قبضت الآن ولكن في نيته أنه سيقوم في صباح الغد ويذهب إلى مكان عمله ويرتشي ويسرق والخ وإذا عاد في الليل يتوب إلى الله وهكذا وهذا يسمى استهزاء. ولذلك أنا فرح بكلمتين (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا) وانظر إلى التوقيع أي لا تخونوا وأنتم تعلمون. فالعلم نفسه فيه كلام فهل أنا أعلم أن ما أفعله خيانة وإن كنت أعلم هل لي توبة؟ هذا أولاً. ثانياً إن كنت لا أعلم هل هذه درجة أقل من الأخرى؟ بلا شك نعم، فإن كنت لا أعلم أنها خيانة فأنا في حالة أفضل وإن حدثت مني على سبيل الخطأ أو النسيان أو الزلل أو السهو أو الخ هذا أرحم بكثير ومع ذلك حتى وإن كنت أعلم فباب التوبة لا يغلق وإمهالك للتوبة علامة من علامات قبول التوبة إن شاء الله بشرط ألا تعود لأن في العودة استهزاء ويا ويلي لو مت على معصية مستهزأً. فالذي ارتكب ذنباً ومات مصيره يعلمه الله ولكن لو مات على ذنب مكرراً للذنب بعد توبة فهو عاصي مستهزئ فهذا كيف تكون حالته يوم القيامة؟ هنالك حديث قدسي يقول فيه الله تبارك وتعالى (أذنب عبدي ذنب فعلم أن له رباً يغفر الذنوب فاستغفرني فغفرت له ثم عاد وأذنب....) ثلاث مرات، ماذا قال له في آخر الحديث؟- ولاحظ أن كلام الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي وفي القرآن وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام من باب المجاز- قال له (عبدي افعل ما شئت فقد غفرت لك) غفرت لك أتت متعلقة بأمر شرطي (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) لكن أنت توقع الأول الاستغفار أو التوبة أو الدعوة قبل أن يغفر لك لأنه سبحانه تعالى لن يغفر لك من غير أن تطلب يعني أن (افعل ما شئت فقد غفرت لك) إذا ما تبت إلي وعدت إلي واستغفرتني لأن هناك بعض الناس فهموا قوله (افعل ما شئت) أي ازني واسرق والخ وهذا خطأ (افعل ما شئت) أي لا تدع الذنب يقيدك طالما أنك تبت إلى الله تحرك ولا تخشى الخطأ حتى وإن أخطأت ارجع إلى الله سبحانه وتعالى فيغفر لك لكن ارجع والسؤال هل أنت تضمن أنك سوف ترجع إلى الله قبل الموت افعل ما شئت ولكن إذا كنت غير ضامن فلا تفعل. فمن يضمن ويعرف متى سيموت يفعل الذي يريده ويأتي قبل الموت بساعة أو بساعتين ويتوب ويستغفر وينيب وهذا لن يحصل. وهذا فضل من الله علينا أنه أخفى ساعة الموت لأن لو أن كل شخص يعلم متى سيموت سيفجر لأنه يعلم متى سيموت وسيتحول المجتمع لغابة وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴿5﴾ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿6﴾ القيامة) فلو عرف يوم الوفاة كانت تصبح الدنيا في غابة حتى عندما تأتي أنت لكي تتوب لوحدك لن تقدر لأنك واقع بين فكي الرحى في الظلم لأنك على سبيل المثال ستموت غداً لكن الآخر لديه مدة طويلة قبل وفاته فهو يذيقك أنواع الظلم ولن يتركك فلن تقدر أن تتوب فهذه حكمة وكل ما هو على مراد لله فبفضل من الله ونعمة ويجب أن نحمد الله عليه أناء الليل وأطراف النهار والذي يشعر بالانزعاج من الأوامر كعدم السرقة أو الزنا أو غيرها فهو لم يأمره لوحده فهو ساعة قال لك لا تزني قال وأضمن لك بأن لا يزني ببناتك وأبنائك وأهلك غيرك فأنا الذي قلت لا تزني وقلتها للكل ولم أضيقها عليك أنت فقط. وكان من قمة ذكاء الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أتاه الشاب وقال أنا أحب الزنا فعامله الرسول صلى الله عليه وسلم بمنتهى المنطقية فسأله هل أنت كشخص ترضاه لأمك؟ لأبنتك؟ لعمتك؟ لخالتك؟ فأقنعه ويقول الشاب (دخلت عليه وهو أبغض الناس إلي وخرجت من عنده وهو أحب الناس إلي) لأن الرسول صلى الله عليه سلم وضّح له المسألة. فأنا ساعة أنهاك عن الزنا بذلك أكون قد ضمنت لك زوجتك وابنتك أن يكونوا في أمان فمثل ما أنني أؤمن الناس منك في نفس الوقت أؤمنك أنت من الناس فهذا حكم الله تبارك وتعالى ولذلك اللفظ عام (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) جميعكم (وَالرَّسُولَ) جميعكم (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) بينكم لا تخونوها (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وأنتم تعلمون أن ما فعلتموه خيانة هذا هو المعنى أو لازم المعنى لكن أيضاً تأتي بمعنى وأنتم تعلمون المنهج فكيف تخون الله وأنت تعلم منهج الله؟، لكن الأولى أفضل لأن هناك من يظن أنه لا يدخل ضمن هذه الخيانة لكونه لا يعرف شيئاً في المنهج وهذا خطأ لأن هنالك أمور معلومة من الدين بالضرورة فإذا قلت لي أنك زنيت وأنت لم تكن تعلم أن الزنا شيء مذموم تكون بذلك تتحايل وتتغابى لأنه لو كان صادقاً لماذا إذاً قام به في الخفاء؟ فهل ساعة ما قمت بالزنا فعلته أما الناس أو فعلته في الخفاء ودون علم أحد؟ فهذا التخفي والتستر يدل على أنه يعلم أن هذا الشيء مذموم وانظر إلى التوقيع (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لن يستطيع أي أحد أن يقول لم أكن أعلم لأنك قمت بهذا الأمر مستتراً فأنت تعلم أن هذا الأمر مذموم وقبيح ومرفوض من المجتمع ومن الشرع ومن القانون، ولذلك القانون الوضعي قصّر في هذه المسألة ولم يعرف كيف يقيسها على الشرع الحنيف ففي القانون هناك ما يسمى بإيصال أمانة وهذه الكلمة ليست مستقيمة لغوياً لأن الأمانة ليس لها ورقة، الأمانة هي التي بيني وبين فلان من غير ورقة أو شهود لأنه لو كان هناك شهود فبذلك لم تعد أمانة لأن كلمة أمانة أتت من الوفاء والكمال التمام التي أنا رميتها عند فلان وليس هناك أمين عليها إلا ذِمّته ولو أنني أخذت منه كمبيالة أو شيك أو إيصال يسمى إيصال حق وليس إيصال أمانة لأن كلمة أمانة أي ليس عليها شاهد أو قلم إلا الشهيد سبحانه وتعالى، فلا رقيب بعد الله إلا ذمة الإنسان فإذا أنكرت أمانة شخص ما ولم أؤديها له فبذلك أكون قد خنت الله والرسول وصاحب الأمانة لأنه ليس هناك رقيب لكن هنالك الرقيب الذي لا يغفل ولا ينام. ولو نظرنا إلى يوم القيامة لو كان لدي حسنات يأتي الذي خنته ولم أؤدي أمانته له سيأخذ حسناتي وإن لم يكن لدي حسنات ستعطى سيئات من عنده بقدر الكم الذي كان سيخصم من حسناتي ويضاف إلى سيئاتي. فمن تعرض للخيانة في الدنيا يكون رابحاً يوم القيامة فالظلم ظلمات يوم القيامة على الظالم ونور للمظلوم ولذلك (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿44﴾ غافر) لو أن الله سبحانه وتعالى لم يكن بصيراً بالعباد كان من الممكن ألا يعود لي حقي لكن الواقعة التي أخفاها فلان ولم يكن هناك شهود يشهدوا في الدنيا يوم القيامة سوف تشرح ليس بالحرف ولكن بجزء الحرف ولن أستطيع أن أنكر لأن كل الأعضاء ستشهد (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿24﴾ النور) فلست أنا الذي سيتكلم ولكن أعضائي فأين ستجد أفضل من هؤلاء شهوداً؟ الدنيا لم تنفع ولذلك الأمانة لا تحتاج إلى ورقة أو إيصال ولا كمبيالة أو شيك هذه أشياء تأتيك بحقك لكن الأمانة التي ضدها الخيانة لا صك عليها، لا سند عليها، لا ورقة عليها ولا شاهد إلا ذمة المؤتمن ولو أن الناس يتخيلوا ذلك المشهد الصعب يوم القيامة يوم تشهد علينا أعضاؤنا لن يخون أحد والناس تنسى والذي ينسينا هما الشيطان والنفس. ونعود مرة أخرى للتوبة ولا تكون التوبة إلا من خطأ وقعت فيه إما بوسوسة شيطان أو وسوسة نفس وأعيد وأكرر أن الشيطان لو لم يجد نفساً طائعة لما كان وسوس، فالشيطان ليس له مكان مع المتقين والمحسنين وعندما جاء القرآن ليصف الشيطان قال (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴿76﴾ النساء) بعض الناس يقولون أن هذا غير صحيح معتقداً بأن الشيطان له قوة ولكن الحقيقة أن الإنسان الذي يوسوس له الشيطان فيستجيب ذلك ليس من قوة الشيطان ولكن من ضعف الإنسان و سوء نفسه لأن حتى الشيطان استثنى وقال (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾ الحجر) فاجعل نفسك منهم، فكيد الشيطان فعلاً ضعيف فأنت عندما تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم تذهب الوسوسة إذا كانت وسوسة شيطان (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (22) إبراهيم) فالشيطان لا يجب أن يكون الشماعة لمعاصينا فالنفس ألعن من الشيطان والنفس العاصية هي مفتاح الشيطان ومدخل الشيطان وهي التي تتقبل الوسوسة وترحب بها وتزينها ولهذا اعصموا أنفسكم وكونوا مع الذين استثناهم (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ولهذا اجعلوا هذه دعوتكم: اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، اللهم ثبتنا على الإيمان، اللهم لا تجعلنا من عبادك المتقلبين بين طاعة ومعصية، يجب أن تلتزموا الطاعات وهذا ليس بالأمر الصعب فمن إلتزم المساجد في رمضان فمن السهل جداً أن يلتزم المساجد في غير رمضان لأنك استطعت أن تقوم بها في رمضان وجربتها ثلاثين يوماً وهذا يحتاج من الإنسان أن يكون في حالة يقظة تامة على طاعة الله تبارك وتعالى وعلى قول الله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأنها واقعة وتأتي بعدها قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) لأنه من الممكن أن تكون غير معلومة لكن الأولى معلومة. فالخيانة معلومة لأنك استترت وانظر إلى توقيع القرآن (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فهو إذاً معلوم. ثم قال (وَاعْلَمُوا) أي أن الذي سيأتي بعد هذه الكلمة قد يكون غير معلوم ففلان يقوم به من غير قصد أو حباً في المال أو حباً في الأولاد، فالذي سيأتي بعد كلمة (واعلموا) قد يستعصى عليك علمها لكن الأولى أنت تعلمها بدليل أنك استترت وأنت تخون فلو أن شخصاً حلف بأنه لم يأخذ من فلان شيئاً وهو قد أخذ هو بذلك يعلم ولذلك في القرآن (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وفي قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) المعنى التوقيعي لهذه الآية في القرآن أن هذان الأمران بالذات-المال والبنون- هما سبب الخيانة ولهذا جاءت هذه الآية بعد آية الحديث عن الخيانة لأن أكثر شيئين ممكن أن يكونا سبباً في أن تخون هو المال والأولاد إما لكي تثمر المال أو ترضي الأولاد وهذان الاثنان لن ينفعاك وانظر إلى التوقيع (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ الشعراء) وقد أتت بنفس الترتيب (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء). أسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً أصحاب قلوب سليمة في الدنيا قبل الآخرة لأن الآية تقول (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي من الدنيا فالقلب لن يكون سليماً يوم القيامة أبداً إن لم يكن سليماً في الدنيا.
ُبثّت الحلقة بتاريخ 7/11/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:26 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 21

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾الأنفال)
كيف نُشعِر الناس أن بعض تصرفاتهم التي يرونها بسيطة فيها خيانة لله تعالى؟ لن ننال هذا الفضل العظيم في الدنيا والآخرة إلا إذا كانت تصرفاتنا حتى البسيطة منها بعيدة عن خيانة الله سبحانه وتعالى. كيف يتصرف الإنسان إذا عمل عملاً بسيطاً فيه خيانة للناس وهو في جوهره خيانة لله تعالى؟
قوله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم خيانة لله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم مبلّغ عن الله تعالى وخيانة الناس خيانة لله وللرسول لأنه خيانة للمنهج الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلموفي قلب المنهج الذي أمر به الله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء) فساعة تخون أهلها فأنت تخون الله والرسول لأن الذي جاء لك بالآية هو الرسول صلى الله عليه وسلم نقلاً عن الله تبارك وتعالى. هي سلسلة تبدأ الخيانة أن يخون الإنسان أحد الناس هذه مبدئياً خيانة للرسول صلى الله عليه وسلمولله تبارك وتعالى أو خيانة لله وللرسول لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بالمنهج من الله تبارك وتعالى الذي شرّع المنهج وأمر به وفي المنهج يقول لنا تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، وقلنا أن هذه الأمانة لا صك فيها ولا ورقة. المؤتَمَن يجب أن يؤدي وإلا يكون قد خان الله تعالى وخان رسوله وخان الأمانة وخان نفسه أنه ضيّعها ودخل النار. الذي يطلق نفسه في الخيانة فلا مردّ له. والبعض قد يكون عليه إيصال وتوقيع ومع ذلك يخون الأمانة. في القانون الوضعي يحاسب المجرم على الجريمة الظاهرة لكن نسينا أن هذه الجريمة الظاهرة وراءها جرائم صغيرة لا يعاقب عليها القانون وإنما يعاقب عليها الله تعالى. القتل بعيار ناري مثلاً جريمة يحاسبه القانون على الجريمة الظاهرة وهي القتل ولكن يكون تحتها جرائم أخرى لا ينظر إليها القانون ولا يعاقب عليها مثل من أين اشترى القاتل المسدس؟ وهل إشتراه أم سرقه؟ إن سرقه فخي جريمة وإن اشتراه بدون ترخيص فهي جريمة، وهل اشتراه بترخيص أو بدون ترخيص؟ وهل المال الذي اشترى به مسروق أصلاً؟ لكن يوم القيامة الله تعالى يحاسبه لا على جريمة القتل العام فقط على كل الجرائم لأن الذي يحاسبك الذي لا يغفل ولا ينام. والقانون الوضعي قاصر لأنه لا يحساب إلا على الجرائم الظاهرة وأقصى الحالات أن يعاقب القانون على جريمة القتل وجريمة حوزة سلاح بدون ترخيص. الدنيا كلها قصور أما في الآخرة فلا قصور فيها ومهما كان القانون الوضعي فهو لم ولن يكون كقانون رب السماء ساعة يحكم.
كيف تكون خيانة الناس خيانة لله تعالى؟ لأن الله تعالى هو الذي أنزل المنهج (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إن الله يأمركم فهذا أمر فلما تخونها أي أنك خنت صاحب الأمر قبل صاحب الحق وتكون قد خنت نفسك أيضاً لأن الخيانة ليست جزئية واحدة ولكنها جزئيات كثيرة تتفرع لكنها في النهاية تكون قد خنت الله تعالى وهذه أكبر كلمة نعرفها وخنت الرسول صلى الله عليه وسلم وخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة لكنها تبقى أقل من خيانة الله تعالى وخنت الرجل والرجل يقول حسبي الله ونعم الوكيل فوّض أمره إلى الله. قد تخون شخصاً فلا يستمر في القضاء ويقول لك حسبي الله ونعم الوكيل فالذي يخاف الله عليه أن يخاف من هذا المظلوم الذي خانه ويعود إلى ربه ويتوب لأن هذا المظلوم فوّض الأمر إلى الله والثاني خاف من الله فعاد لذا من عرف الله خافه. ونحن بحاجة لأصناف البشر الذي يعتقدون فعلاً أن يلجأوا إلى الله تعالى ويفوضوا أمرهم له ونحتاج لصنف البشر الذي يخاف عندما يُذكَّر بالله تعالى فيتوب ويعود إلى الله تعالى. فإذا خانك أحدهم أو ظلمك فقل: وأفوّض أمري إلى الله ولا تعبأ بما في الدنيا فالدنيا ممر بالنسبة للمسلم المؤمن المفوض أمره إلى الله تعالى والناس للأسف تستبعد يوم القيامة مع أنه ومنذ أربعة عشر قرناً والرسول صلى الله عليه وسلمويقول أن الساعة اقتربت ويقول تعالى (إنهم يرونه بعيداً ونراه قريبا) لذا نجح وربح من فوّض أمره إلى الله تعالى. الخيانة ظلمة على الظالم ونور على المظلوم ويوم الحساب تأخذ حسنات الذي خانك وظلمك وإن لم تبق لديه حسنات تطرح عليه من سيئاتك لذا علينا أن نصلح ما بيننا وبين الله تعالى حتى يصلح ما بيننا وبين الناس. نحن في حالة توبة وليس في عملية توبة لأن عملية التوبة لحظية أقول تبت إلى الله وسرعان ما يعود إلى المعصية أما حالة التوبة فهي أدوم (منيبين إليه واتقوه) منيبين لا تعني فقط رجعت وإنما رجعت وعدت ووصلت وحالة الإنابة تحتاج للتقوى. وقد جاء في مطلع الكتاب (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فشرط هداية الكتاب التقوى بدليل أنه تعالى وصّف لنا حال المتقين حتى نلزمه لأنه لو لم يوصّفه ما كنا سنعرف كيف نكون من المتقين. وتوصيفهم مرتب بشكل متميز، قال تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) ولم يقل يؤدّونها، (ومما رزقناهم ينفقون)، (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وأنزل من قبلك) إيمانهم سابق ولاحق (وبالآخرة هم يوقنون) إنتبه ولا تخون، (أولئك على هدى من ربهم) على هدى فيها إستعلاء للهدى كأن الهدى مطيّة للمتقين تذهب بها للجنة كما أن الشيطان والضلال مطيّة للعاصين ليكونوا على ضلال فيدخلوا النار. (وأولئك هم المفلحون) الفلاح ضد الضلال.
سؤال: (لا تخونوا الله وأنت تعلمون، واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لماذا بدأت الآية الثانية بـ (إعلموا) بعدما قيل في الأولى وأنتم تعلمون؟ ولماذا جاء ذكر الأموال قبل الأولاد؟ وكيف أن الأموال والأولاد يتحولون إلى فتنة؟
وأنت تعلمون لأنه لا توجد خيانة بجهل وإنما قد توجد خيانة بجهالة وهناك فرق كبير بين الجهل والجهالة. الجهل هو عدم العلم لا أعرف أن هذا حرام وهذا مستحيل لأنه كون الخائن أو العاصي يختبئ عند خيانته أو معصيته فهو يعلم أنها خيانة. أما الجهالة فهي السفه والحمق الذي مع العلم يأتي الجريمة التي عليها عقوبة. لو أن أحدهم سرق فمعروف أن السرقة حرام لكن البعض لا يفرق بين السرقة والرشوة والعمولة والإكرامية ويلتبس عليه الأمر ويقول أنا آخذ لأنهي العمل وهي إكرامية أو عملوة فهل لو كانت ملتبسة تدخل في الجهالة؟ وهؤلاء نقول لهم إذا كانت الرشوة ملتبسة عليك تدخل في بند الجهل لا تحت بند الجهالة قد يلتبس عليه تسويفاً أو تزييناً. لكن الرشوة ليست ملتبسة عليه لكنه يريد أن يلبّسها عليك أنه ساعة عملها لم تكن رشوة. الرسول صلى الله عليه وسلم قال جملة لو لم يكن لها وقع ما قالها وهي: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات" وإذا إلتبس عليك الأمرٌ في المتشابه فاسمع قوله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" هذا منهج ومبدأ. هناك رأيين فقهيان لا تأخذ بالسهل وإنما خذ بالأحوط وقد نفتي لشخص بأمر وأعمل أنا بالأحوط وقد تفتي لشخص بأمر ويأخذ هو بالأحوط لييسر على نفسه يوم القيامة. الرسول صلى الله عليه وسلم كان ما خُيّر بين أمرين إلا إختار أيسرهما، الناس فهمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الأيسر له والأيسر هنا هو الأيسر إلى الجنة وهو ميسر على الأمة ولا تعني أنه كان يختار الأسهل هو ييسر على الأمة وإلا لما تورمت قدماه صلى الله عليه وسلممن قيام الليل فمن منا تورمت قدماه من القيام؟ ومعلوم أن تورم القدمين لا يتأتى من قيام ليلة واحدة أو شهر وإنما قيام مستمر ليالي متواصلة قيام بجهد وبحب ورضى وتعبد ومشقة. وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم واضح لما يقول "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات" البعض يأخذ بالأمور المتشابهات لكن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه قال في الحديث الآخر " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". فإذا كنت تشك أنها رشوة أو إكرامية إحتاط واعتبرها رشوة وارفضها لأن المال فتنة لأنه عندما تسأل المرتشي لماذا إرتشى يقول لك من أين أحضر المال والمعيشة صعبة؟ ولكن هذا كله لا يجيز الغش والرشوة والسرقة لكن إبحث عن عمل آخر والله تعالى ييسر على من يشاء فقد ترى موظفاً بسيطاً لكن الله تعالى يبارك له في ماله ورزقه وييسر له عملاً آخر إضافياً. البعض يشتكي ويعترض على مسألة المدرسين الخصوصيين وأنا لا أدافع عنهم وإنما أقول لم تضيقون على الناس فهو يقوم بمهنته ليحصل على مزيد من المال فهل تريدونه أن يعمل عملاً آخر في غير مهنته؟ المدرس كالطبيب والمهندس، مسألة المال هي مسألة بني عليها فساد الأمة وهذه قضية كبيرة وعملية الإصلاح يجب أن تبدأ من الأسفل، من القاعدة. مدير المدرسة مثلاً عليه أن يحسن إختار المدرسين لأنه لم يفعل تكون خيانة لله والرسول ولولي الأمر ولو أن المدرس شرح بطريقة غير صحيحة لكي يجبر الطلاب الذين لا يفهمون الدرس أن يأخذوا لديه دروساً خصوصية فهذه خيانة أيضاً. الأفضل أن يعطي المدرس دروساً خصوصية بدل أن يفعل شيئاً آخر ليحصل على المال أو يعمل عملاً لآخر غير مهنته. الخيانة خيانة في كل أمر وفي كل فعل والخائن سيحاسب إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة ولا يمكن ضبط العقاب على الدروس الخصوصية لأن العلاج غير صحيح.
عليك أن تتحرى الحلال بقدر إمكانك ولذلك قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) المولى تعالى هو وحده القادر على تحديد مدى استطاعتك وصدقك. البعض يقول أن هذه الآية تخفيف لقوله تعالى (واتقوا الله حق تقاته) لكني شخصياً لا أعتقد أن هذه الآية تخفيف كما قال بعض العلماء. من يعلم (حق تقاته) كيف أعرفه وكيف أعلم أني بذلت حق تقاته؟ الآية الثانية في ظاهرها تخفيف للآية الأولى لكنها في الحقيقة توريط لي فقوله تعالى (ما استطعتم) لا تعني على قدر استطاعتك وإنما تعني كلما استطعت. (ما استطعت) تفتح أبواباً أكثر ولا يمكن أن تقول لله تعالى عملت ما استطعت لأنه تعالى وحده يعلم صدقك وقدر استطاعتك. هناك شهود علينا يوم القيامة فلا يمكن أن نقول كاذبين عملنا قدر استطاعتنا. قضية البشر أن تحتج بالآيات في غير مواضعها. الذي يخرج قبل الدوام خيانة والموظف الذي يوقّع عن غيره خيانة والكاذب خائن وقلنا أن الخيانة من خون مبنية على النقض والأمانة ضدها الخيانة لذا بدأ تعالى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأنه مستحيل أن الخيانة غير معروفة. أما قوله تعالى (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) قد تكون غير معروفة لذا نحتاج إلى لفت نظر للعلم. واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وإن كنت استشعرت غير ذلك أو بدا لك غير ذلك أو غرتك الدنيا أو أنستك الأحداث لذا قال تعالى (واعلموا).
سؤال: ينبه الله تبارك وتعالى أن الرزق المفروض أنه حلال ويكون في ظاهره نعيم لكن لو أسأت استعماله يتحول الأموال والأولاد إلى فتنة وإلى سبب يجعلنا نخون الله أو الرسول أو الأمانة بسبب شهوة الأموال والأولاد. فلماذا الأولاد فتنة؟
لأنها تدفع للخيانة. البعض يسرق ويقول أنا سرقت لأترك مالاً لأولادي لما أموت وأساس المال فتنة لك ولهم. لكن نسأله: هل تترك لأولادك وأسرتك مالاً حراماً؟ الأفضل أن لا تترك لهم شيئاً لأنك ستأثم والله تعالى لا يقبل حراماً ولا يمكن للحرام أن يُصرف في حلال ولا الحلال يصرف في حرام "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً". إذا تركت لأولادك مالاً حراماً لن يستفيدوا منه معرفتهم أنه حرام وعدم معرفتهم تؤثر في حق استخدامه، وإذا عرفوا أنه حرام لا يجب عليهم استخدامه. يذكر في الأثر أن الميت وهو خارج من بيته ينادي بأعلى صوته من عالم البرزخ : يا أهل بيتي، يا أولادي، لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت لكم المال من حلِّه وحرامه تركته لكم تستمتعون به بعدي وسأُسأل عنه وحدي أمام الله يوم القيامة. جمع المال على أنه يسعد أولاده لكنه في الحقيقة يتعبهم ويتعب نفسه لأنه خان الأمانة وخان الله والرسول ليأتي بمال لأولاده. القرآن يقول (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ذكرنا سابقاً أن معنى الفتنة هو عرض بعض المعادن على النار ليظهر الخبيث من الطيب فصاحب المعدن الطيب يدخل الفتنة ويخرج طيّباً ناجحاً بالمال والأولاد لأن الفتنة عاقبتها سيئة على المعدن الرخيص أما المعدن الثمين فيخرج من النار ثميناً فالذهب ذهب والفضة فضة. لذا يجب أن يتحرى الإنسان المال الحلال وكل إنسان يحاسب عن نفسه (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل ولا تزر وازرة وزر أخرى) (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) حتى تعلموا ولذا قال تعالى (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون). فإذا شك أحدنا في نص من النصوص عندما نحقق نصاً يشك في نفسه أنه لم يفهم النص قبل أن تشك في النص حتى لا تشوهه، فما بالنا بالقرآن الكريم فإيانا أن يتسرب لأنفسنا أن هناك شيء غير منضبط في القرآن لأن القرآن كله ككتاب متنسج متوافق منضبط مترابط متناسق فإن بدا لك شيء فهو من سوء فهمنا له. لكن عندما يقول (وأنتم تعلمون) يقول أحدهم هناك خيانة تتم ونحن لا نعلم لكن الذي يدّعي عدم العلم يعلم والذي يدّعي العلم يعلم. لا أحد يذنب على الملأ فلا يسرق أحدهم جهاراً وإنما يسرق خفية لأنه يعلم أنها خيانة والذي يقتل يخون الله تعالى لأن الله تعالى قال (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) هذه خيانة لله والرسول وخيانة للأمانة. حتى إذا سلّم القاتل نفسه يبقى خائناً لأنه خان الله تعالى الذي أمرك بعد قتل النفس بغير حق. (إلا بالحق) البعض يفهمها أنه يمكن لشخص أن يقتل القاتل لكنها تعني أن الذي يقتص هو ولي الأمر وليس كل إنسان يأخذ حقه بيده وإلا نكون في غابة. قد يقتل شخص ما قريبي هذه حقيقة أنه قاتل وليس حقاً أن أقتله هناك فرق بين الحقيقة والحق هو قاتل وله عقاب والمشكلة أن البعض لا يبلّغ عن الجريمة إلا بعد أن يثأر بنفسه للمقتول. (إلا بالحق) هو الحق بعينه فالذي يأخذ الحق هو ولي الأمر والبعض يتهم الشرطة والقضاء بالتقصير فيخرج القاتل براءة أو يأخذ حكماً مخففاً لا يعجب أهل القتيل فيدخل أهل المقتول أحداً للسجن فيقتل القاتل وهذا خطأ فالقاضي يحكم بما لديه من أدلة وقد تعرض نفس القضية على أكثر من قاضي وكل منهم يقضي بعقوبة تختلف عن الآخر والمشكلة لا تكون في القاضي وإنما في القوانين الوضعية فكل منهم حكم بما أراه الله تعالى وبما لديه من أدلة حكم الدنيا ليس عليه شيء لكن يجب أن نتقي الله تعالى في حكم الآخرة. ليس لي الحق أن آخذ حقي من القاتل وإنما علي أن آخذ حقي كما أمر الله تبارك وتعالى بالعودة لولي الأمر ولو لم آخذ حقي في الدنيا سآخذه في الآخرة. والقانون الوضعي قاصر والقضاة يحكمون ببشريتهم لكن في الآخرة الله تعالى هو الرقيب (لا ظلم اليوم).
تقديم الأموال على الأولاد في الآية لأنه لا يمكن أن يأتي الأولاد بدون أموال لكنك بدون أموال لن تتزوج وقد يكون عندك أموال ولكنك لا تنجب. المال مقدم لأنه واقع تحت بند الضرورة والباءة التي يقام بها الزواج الذي منه يأتي الأولاد.
في آية أخرى قال تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) آل عمران) هذا اعتراض بعض المفسرين على تقديم الأولاد في الآية السابقة لكن نقول لهم أن الله تعالى هنا لا يتكلم عن المال وإنما يتكلم عن التزيين بالمال. وتقدم ذكر النساء لأنه لولا النساء ما كان البنين، والقناطير المقنطرة لا تعني مالاً فالمال موجود وإنما تزوّد من المال وهو لا يريد مالاً فقط وإنما يريد قناطير مقنطرة من المال ويزيد. الرسول r قال: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج" كل واحد على قدر استطاعته. فآية سورة آل عمران تتحدث عن التزيين حب الزيادة في المال فالمال موجود قبل النساء والذي عنده مال وأولاد يحذرهم. أما في آية الأنفال فالأموال مقدمة على الأولاد ويجب أن أحذره والقرآن الكريم ليس فيه تعارض لكن بعض المفسرين اعتبر أن القناطير المقنطرة مالاً ولكن الآية تتكلم عن القناطير المقنطرة من المال، يريد الملايين تصل إلى مليارات فهو يتزيد من داخل المال لكن المال ضرورة للنساء ليفتح بيتاً ولو على الأقل صغيراً. المال مقدم بدليل أنه قال النساء وهنا يتكلم على شهوة المال موجود افتراضاً. المال والأولاد أخص فتنة تؤدي إلى الخيانة لأن بسببهما تتم الخيانة. والخيانة إذا وقعت تحتاج إلى توبة وإنابة وتقوى ولذا نحن نتكلم عن كل الآيات الدافعة إلى المعاصي التي يجب أن نتوب منها وإذا تبنا يجب أن نبقى على حالة الإنابة وقلنا أن الذي ينيب يتقي فأعطانا نتيجة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا).
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/11/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:32 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 22
تقديم علاء بسيوني
علاقة التقوى بالتوبة:
ما هي أهمية التقوى في قوله تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ)؟ ولماذا التقوى مهمة بعد عملية التوبة والإنابة؟ وكيف نصل إلى التقوى؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الأنفال)
أسلوب الشرط في الآية (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ما معنى الفرقان هنا؟ وإذا كان الفرقان بمعنى القرآن فلماذا استخدم الفعل (ويجعل) ولم يقل (وينزّل)؟
الفرقان كلمة تستخدم في أكثر من معنى وعلى رأس هذه المعاني القرآن. (سُميت التوراة والقرآن فرقاناً) الفرقان معناه بإطلاق هو التفريق بين أمرين، التفريق العادي تقول فرّق لكن إذا كان التفريق لا يحصل بعده أي إتصال بين الأمرين يسمى فرقان. في قوله تعالى (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) بعض المفسرين قالوا يوم الفرقان أي يوم بدر لكن أهل اللغة قالوا لا لأنه لو كان كذلك لما انهزم المسلمون بعده لأنه لا يحصل بعد الفرقان إنتكاسة. يوم الفرقان هو يوم القرآن يوم التقى الجمعان اليوم واحد وإن اختلفت السنون. الفرقان لما يتم لا يحصل إتصال في التفريق بين الأمرين. فهو الكتاب سواء كان التوراة أو القرآن (أطلق القرآن على التوراة والقرآن إسم الفرقان ولم يطلق على الإنجيل لأنه ليس كتاباً مستقلاً وإنما جاء ليتمم التوراة). أخصّ الفرقان هو القرآن يليه التوراة ثم بعض إطلاقات التفريق.
لم يقل (ينزّل) مع كلمة الفرقان لأنه نزل وانتهى. استخدم الفعل (يجعل) كأن الفرقان يحتاج إلى فرقان إستخدام. قلنا أن القرآن لما نزل إتبعه أناس ولم يتبعه آخرون. فالفرقان بحاجة إلى فرقان يهدي إلى الفرقان. الآية تقول (إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الشيء المعلّق عليه الشرط فيه ظن أو شك وهذا يستحيل في حق الله تعالى. ليس المعنى لو إتقيتم سيجعل الله لكم فرقاناً وإنما العفل المضارع في حق الله تعالى من حيث المتلقي وليس من حيث الوقوع لأنه سبحانه جعل وانتهى، ليس هناك شيء في حق الله حادث وإنما أزلي، هو حادث بالنسبة لنا نحن البشر. الآية في منتهى الإبداع: إستخدم فعل (جعل) لأن الفرقان في هذه الآية لا يعني الكتاب فالكتاب نزل من قبل. (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) يا أيها الذين آمنوا بالفرقان الأول إتقوا الله، الفرقان هنا في الآية هو الهداية التي تفرق في قلبك بين الحق والباطل فتأخذ الفرقان. النداء بـ يا أيها الذين آمنوا أي أن الله تعالى أثبت لهم الإيمان ومع ذلك يقول لهم يمكن أن يحصل إنتكاسة فإلزم المعيّة إذا تبت وأنبت إبقَ في حالة إنابة بشرط الوقاية. البعض يقول أُذنبت وتبت ولكني عدت إلى الذنب فنقول له أنت ما تبت، وأكبر دليل على أنه لم يتب أنه يرجع للذنوب. كلمة التوبة وردت في القرآن من غير إضافة ووردت (توبة نصوحا) كأنها هي التوبة التي يجب أن نفعلها وهي التي عليها الأجر. يمكن أن يكون هناك مؤمنين غير متّقين. أن تتقي أي أن تطلب الوقاية وتسعى أنت إليها فالهداية لا تأتي إليك وأنت جالس وإنما أنت تبحث عنها والله تعالى يوفقك ويعينك وطالما أنك فكرت بالتوبة يتوب الله تعالى عليك (ثم تاب عليهم ليتوبوا) طالما تاب الله تعالى عليهم سيتوبوا.
نفكر في الآية من حيث معنى الفرقان. لماذا كلمة الفرقان؟ لأن الآية قبلها فيها أمور متشابهة، فتنة، مسائل إختلطت علينا، أمور غير معلومة لذا قال (واعلموا). إذن هناك أمران يحتاجان إلى هداية وتفريق فقال فرقان. وفرقان على وزن فعلان وهي صيغة إمتلاء. وطالما سيفرق إذا تبت بالتقوى لن تعود ثانية وإذا إستجبت للأمر تضيع. في الحديث الشريف يضع الرسول r لنا مذكرة إيضاحية للآية في سورة الأنفال: " الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لعرضه ودينه. ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه. ألا، وإن لكل ملك حمى. ألا، وإن حمى الله محارمه. ألا، وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا، وهي القلب " على الإنسان أن لا يجازف ويتقي الله في كل شيء وكلما عرض عليه أمرين لا يجازف وإنما يتقي الله ويأخذ بـ (دع ما يريبك لما لا يريبك). الشيطان يوسوس لك أن تعمل الذنب ومن ثم تتوب وكثير ما يسمع الإنسان كلام الشيطان ثم يموت على الذنب قبل أن يتوب. فمن اتقى الشبهات أي الأعراض والأموال والأولاد كما وردت في الآية في سورة الأنفال والحديث الشريف كأنه مذكرة إيضاحية للآيتين من سورة الأنفال، حتى لو جاءه أولاد يدفعهم للحرام. "فمن اتقى الشبهات" كأنه r يوصينا أن لا نذهب للشبهات وأن نبعد عنها ونبقى في الحلال المضمون وكلما أسرعت في التوبة كلما كان أفضل.
(إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الشرط معلّق على ثلاثة أمور: يجعل لكم فرقاناً، يكفر عنكم سيئاتكم، يغفر لكم. تكفير ومغفرة، فعلان يجب أن نفهم استخدامهما وكلام الرسول r في الحديث واضح. "ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" لا تقترب من الشبهات. هناك صنوف من الناس صنف لا يريد أن يسمع الموضوع الذي فيه إختلاف وصنف يريد أن يسمع فإذا إستحب الأمر وقع في الحرام. الرسول r يخبرنا من يقع في الشبهات وأول من يقع فيها يقع في الحرام "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" إذا اقتربت سترتع. "ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" كل ملك من الملوك المملَّكة من البشر له حمى فمن بالك بالملك المملِّك سبحانه وتعالى. "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" الذي يقترب من الشبهات يرتع فيها. يذهب مرة للمعصية فيصبح من أهلها. "من إتقى الشبهات إستبرأ لدينه وعرضه" لذا قال الرسول rإبق في الحلال لأنك لو اقتربت من الحمى ستقع. القلب مناط العملية كلها كما قال r "التقوى هاهنا، التقوى هاهنا". الفرقان كتبه الله تعالى على قلبك حتى إذا عرضت عليك قضية تقول أعوذ بالله لن أفعل هذا وتترقى إلى "إن الحلال بيّن" و "من اتقى الشبهات" أي هناك عملية تعرض عليك فالتقوى هي السلاح والوقاية هي سبيل البعد عن طريق الذنوب. (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله) النداء في الآية للذين آمنوا كأنه من المؤمنين من لم يتقي الله مع أنه يصلي ويصوم.
منطقة الثبات الوحيدة هي الموت أما درجات العبودية (الإسلام، الإيمان، الإحسان، التقوى، إسلام الوجه لله) هي درجات إرتحال يترقى فيها الإنسان. إتقوا الله في كل فكرة وكل عمل وكل خطوة. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أنظر للنتائج: (يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الله تعالى هو الذي يجعل وانظر إلى عبدٍ جعل الله تعالى له فرقاناً في الدنيا فإنه سيجعل له في الآخرة فرقاناً أعلى. (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الفضل العظيم هو الخلود في الجنة هذا هو الفضل الذي ليس أعظم منه. لما تسمع قوله تعالى (يجعل لكم فرقاناً) الكتاب موجود والجميع يقرأونه لكن من يعمل بالكتاب؟ لن يعمل بالكتاب إلا من تدبّر الكتاب لكن للأسف قد يتدبر الكتاب ولا يعمل به لذلك أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه علمه. إستخدمت كلمة فرقان ليبقى الفرقان ينقلك من مرحلة إلى مرحلة إلى أن يوصلك إلى مرتبة (والله ذو الفضل العظيم) ومرتبة إسلام الوجه لله الذي جاء من مرتبة الإحسان الذي جاء من مرتبة التقوى الذي جاء من مرتبة الإيمان الذي جاء من مرتبة إسلام العقيدة، كل مرحلة تترقى. الرجل الذي يصلي الفرائض فقط ولا يصلي النوافل انظروا إلى حاله إن بقي على صلاة الفرض دون النوافل ستجده يترك الفرض والذي صلّى وبدأ بالنوافل فإذا ترك يترك النوافل ويبقى على الفرائض فالنوافل كأنها عملت له وقاية. إذا أراد أن يداوم على النوافل نقول له زوّدها كيفاً وليس كمّاً. بعض الناس تقيم الفروض وتؤدي النوافل وهذا في منتهى الخطورة لأنه إن أساء في النوافل سيتركها. ويجب تجويد الكل الفرض والنافلة لأن السُنّة أنت تعملها تقرباً إلى الله تعالى فإياك أن تؤديها بشكل منقوص والسُنّة هي السياج حول الفرض حتى لا تتركه ولذلك الرسول r عندما سنّ سنّ قبل وبعد الفرض فوجود هذه السنن هي وقاية حول الفرض. الذي يصلي الفروض والنوافل لا يترك أبداً وإذا ترك يترك السُنّة لا الفرض.
الآية فيها شرط: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً وإن لم تتقوا تذهبوا للشبهات وتقعوا فيها وفي الحرام. إن لم تتقي ليس هناك فرقان وتكون في المتشابه فيكون في الحرام ولو استخدمت روح التقوى لن تقع في المتشابه.
ما الفرق بين السيئات والذنوب؟ وما معنى تكفير؟ ولماذا أطلق المغفرة؟
يكفّر ويغفر المادتين بمعنى واحد، كفر وغفر بمعنى الستر ولهذا في فعل كفر، الفلاح يسمى الكافر هذا المعنى اللغوي والقرآن الكريم ذكرها يبين إستخدام العرب للكلمة وأنه ينزل يعجزهم بما عندهم (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (29) الفتح) الكفار هنا بمعتى الزُرّاع أعجبهم أن هذا عملهم. الكفار في هذه الآية فقط جاءت بمعنى الزُرّاع. كل مادة في القرآن لها معنى ولازم معنى. كفر جاءت بمعنى ستر والفلاح يكفر البذرة تحت الأرض. هذا أصل الكلمة أُخِذ منها مفر العقيدة (ستر الإله). الكافر أول من يثبت وجود الله لأنك لا تستر إلا شيئاً موجوداً فأول جنود الإيمان الكفر، يقول أنا كافر بالله يعني الإله موجود بدليل أنه كفره.
غفر لها نفس المعنى يعني ستر لكن كفر أي جعل البذرة تحت الأرض، خبّأها أما غفر فسترها على وجه الأرض وهي ظاهرة. الكفر تغطيه وتستره وغفر ستر ظاهراً أما الكفر لا تبيّن الذي ستره. والمغفرة من غفر تطلبها من الله تعالى. نقول استغفر ولا نقول استكفر لأنه لما يكون السيئة من حيث التكفير يجب أن يدفع كفارة أما المغفرة فأنت تطلبها من الله تعالى أن يعملها لك. الألف والسين والتاء لما تدخل على الفعل الثلاثي تعني الطلب، غفر لأنه ذنب ليس بإمكاني أن أكفّره. يكفّر عنك سيئات محتاجة لتكفير وأنت لك دخل فيها يكون فيها كفارة من صيام أو إعتاق رقبة أو إطعام مساكين. والذي لا يمكنه دفع الكفارة فرحمة الله تعالى أوسع من كل شيء بدليل حديث الذي وقع على امرأته في رمضان وجاء إلى النبي r فقال له: أعتق رقبة فقال لا أستطيع، فقال له r صم شهرين فقال لا أستطيع فقال أطعم ستين مسكيناً فقال لا أستطيع فأعطاه الرسول r طبقاً فيه تمر فقال له تصدق بها على الفقراء فقال له ليس هناك أفقر مني فضحك النبي r حتى بدت نواجذه وقال أطعمه لأهلك. ضحك الرسول r تدل على أن رحمة الله واسعة وكأنه r يقول له: عفا الله عنك. والعفو مرحلة أعلى من التكفير والمغفرة.
يكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم: ساعة أتقي الله تعالى بعد أن كان لدي ذنوب كثيرة كالذي كان كافراً وأسلم وسمع الآية (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) عنده ذنوب قبلية فإذا قال أتقي منذ اليوم فذنوبه السابقة تحتاج إلى تكفير فيما مضى والمغفرة تكون لما في المستقبل ولم تقل الآية يغفر الذنوب لأنه قد يكون ذنباً وقد يكون لمماً لذا أطلقها تعالى وقال (ويغفر لكم). هذا معنى والمعنى الآخر يكفّر عنك في الدنيا ويغفر لك في الآخرة. في الآيات في ختام سورة الفرقان لم يقل بعد التوبة يغفر وإنما قال (يبدّل الله سيئاتهم حسنات) وليس من قبيل الصدفة أن إستعراض التوبة جاءت في سورة الفرقان والفرقان ذكر في سورة التوبة. في آيات سورة الفرقان ذكر تعالى أكبر ثلاث كبائر وقال بعدها (يبدل الله سيئاتهم حسنات) لن يقل يغفر لهم، أين مرحلة الغفران هنا؟ البديع أنه تعالى قال (وكان الله غفوراً رحيماً) هذه تحقق المعنى الذي نقوله كأن الغفران تم قبل أن يتوبوا أي أن الغفران هو الذي دفعهم للتوبة. الغفور هو الذي جعل الفرقان الذي جعلهم تابوا ولما تابوا بدّل سيئاتهم حسنات. آدم u لما عصى الله تعالى لم يتب من تلقاء نفسه وإنما الله تعالى شرّع التوبة وإلا لما تاب عبدٌ إلى الله. (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) هو التواب من قبل آدم لذا كان آدم يجب أن يُخطئ حتى تعمل صفة التواب. إذن التكفير تأتي مع السيئات والمغفرة مع الذنوب.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/11/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:34 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 23
تقديم علاء بسيوني
هل الأفضل للإنسان أن يمحو الله تبارك وتعالى الخطايا والسيئات أو أن يغفرها ويسترها؟
المعنى ولازم المعنى متقارب لكن في سورة الفرقان وجدنا ما يرد على هذا السؤال. ساعة يرضى الله تبارك وتعالى عن العبد ويوجهه للتوبة ويكون دليلاً على التوبة والنتائج تختلف بإختلاف المتلقّي. لما نسمع قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) نجد أنه من الأفضل أن تستر الذنوب لكي تُبدّل حسنات. لو عندي مليون سيئة وتبت إلى الله تبارك وتعالى بقلب واعٍ وبلسان صادق وبالجوارح وكنت في حالة توبة وإنابة (أتوب بعد كل صلاة وبعد كل فعل) في هذه الحالة وأنا أتوب وعندي مليون سيئة في هذه اللحظة التي يقبل الله تبارك وتعالى فيها التوبة يصبح عندي عشرة مليون حسنة على الأقل. عملية التوبة ليست كلمة (أستغفر الله) وإنما عملية متكاملة لذا يقول تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) منطقة المتاب هذه يبكي عليها العارفون وكأنها مكان آمن محاصر بالتقوى والوقاية ومخافة الله تعالى وأنا منطلق في حياتي بما أحلّ الله تبارك وتعالى.
هل العمل الصالح بعد التوبة دليل على قبولها كما تدل الآية (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا)؟
أحد آراء المفسرين للآية أن الله تعالى يخرجهم من نطاق أهل السيئات إلى نطاق أهل الحسنات (يبدل الله سيئاتهم حسنات) إذا تاب فلان من السرقة أو الزنا أو الكذب كانت أعماله كلها سيئة فلما تاب وخرج إلى الأعمال الصالحة صارت أعماله حسنات، هو توقف عند مرحلة التوبة وذهب مع أهل الصالحات. غيّر طبيعة حياته بقبوله التوبة فلم يعد يعمل السيئات. كان في السابق يستيقظ مثلاً ويذهب للحرام والآن أصبح يستيقظ ليصلي الفجر في المسجد وفي السابق كان معه شلة سوء والآن أصبحت معه شلة صالحة وجلسات علم، هو ينطلق ويعمل في إطار العمل الصالح فيما أحلّ الله تبارك وتعالى. إذا كان الإنسان من أهل التقوى والصلاح لن يكون له سيئات والتقوى تمنعه من الذنوب لكن وارد أن يزِلّ والله تبارك وتعالى يطمئنه بأن الله تعالى غفور رحيم (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق) هو يتقي لكنه قد يقع في أمر محتاج فيه للمخرج.
الفرقان هو الهداية التي تقينا السيئات والنور الذي يوضح الحق من الباطل والمخرج الذي يخرجنا من الظلمات إلى النور قد تأتي فتنة للمتّقي حتى يمحّص الله تبارك وتعالى إيمانه، والابتلاء يخبر المؤمن. بعض العلماء يقول أنه ليس للعاجر توبة وهذا أمر لا نوافق عليه ونرد على هؤلاء أنهم يتعاملون مع ضيق الفكر فالعاجز عاجز بالنسبة لهم لكن بالنسبة للإله الحق بعلمه الواسع يعلم أن هذا العاجز لو كان غير عاجز ماذا سيعمل؟ علم الله تعالى لو نظرنا إليه بوعي أنه علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، لذا لا نستطيع أن نقول ليس للعاجز توبة لأنه يتوب إلى العليم العلاّم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. التوبة قائمة وواجبة حتى على العاجز والتوبة آكد على فراش الموت وأن تحسن الظن بالله تبارك وتعالى وتتقرب إليه. والذي يمنع من التوبة هو الكِبر. وأنت على التقوى قد تحدث لك أمور تحتاج إلى من يعينك (يجعل له مخرجا)، (ويرزقه) الناس تحصر الرزق بالمال فقط ولكن الرزق قد يكون صحة أو علماً وليس متوقفاً على المال فقط وقد يكون الرزق فكرة تحتاجها وأنت في ورطة أو في وقف معين يخرجك من هذه الضائقة، فكل شيء يستعان به في الدنيا على الدنيا للآخرة فهو رزق.
التقوى مرتبطة بالتوبة، كيف نستخدم المنهج في حياتنا؟
الله تبارك وتعالى لا يترك من أراد التوبة والعمل الصالح (من يتق الله يجعل له مخرجا) يجعل فعل مضارع بالنسبة لنا لكن بالنسبة لله تبارك وتعالى ما أراده الله قبل خلق آدم لأنه سبحانه كتب مقادير الخلق قبل خلق آدم بخمسين ألف سنة. يجعل أي جعله الله تبارك وتعالى. المخرج مقدّر أزلياً لكن على الإنسان أن يخطو الخطوة ولا ينفع أن تجرّب مع الله تعالى وتقول إتقيت ولم يجعل الله لي مخرجاً لأنه من يفعل ذلك لا يكون إتقى ولكن نوى فقط. والإيمان ليس كلمة وهذا الشخص الذي يجرّب مع الله تعالى لم يتّقِ الله.
الرسول r أخبرنا أنه من وقع في الشبهات وقع في الحرام والرسول r قالها بيقين وهو r الذي قال " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" فلو كان عندك مجرد شك في أمر ما - والشك قلنا سابقاً هو تساوي طرفي القضية – بمجرد الشك في أمر إبتعد عنه. الجنة غالية فيجب أن يكون الطريق لها صعب، انظروا إلى مواطن الذدة: صيام في يوم حار أو صلاة في يوم شتاء، وفي توقيع القرآن الكريم (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) لا يستوون لا في الدنيا والآخرة. لو بدت الشدة في الدنيا فهي بسيطة لأنها تكون في فترة زمنية بسيطة مقارنة بالآخرة. قبل دخول النار يُسأل الناس (ألم يأتكم نذير) ليس لديهم حجة أن المنهج كان معهم. ثم يقول تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر) لو نزل هذا القرآن على جبل بكل قوته كما في قصة موسى u(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف) لمجرد تجلّي الله تعالى للجبل خرّ، لرأيت الجبل خاشعاً من خشية الله وأنت لم تتصدع ولم تخشع! كلمة النار عندما كان يسمعها بعض الصجابة كان يغمى عليه ونحن للأسف لا نفهم معناها. أسأله تبارك وتعالى أن يبصّرنا بعيوبنا الآن قبل فوات الأوان لأنه سيأتي يوم لا ينفع فيه شيء (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31) إبراهيم) فلو طرق الموت باب أحدنا لن ينفع أن يفعل ساعتها شيئاً. وحتى ونحن على قيد الحياة علينا أن نحمد الله تبارك وتعالى أن هدانا إلى التوبة وقد تكون هذه الحلقات التي نقدمها هي الفرقان فيبصّرنا بعيوبنا فنتوب إلى الله تعالى ونصلي ولو كان عندي مليون سيئة سيكون لي على الأقل عشرة مليون حسنة وقد يضاعفها الله تعالى إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء لكن هذه المضاعفات تعتمد على كيفية التوبة. فالدرجات من عشرة أضعاف إلى سبعمائة والله يضاعف لمن يشاء حسب نوع التوبة. وفي حديث رسول الله r "الندم توبة" فالبعض ممن تاب يحاول أن يطيع الله تعالى في أماكن عصاه فيها أو أن يذهب إلى هذه الأماكن ليأخذ بيد عاصٍ آخر ولكني أنصح هؤلاء الذين تابوا أن لا يعودوا إلى هذه الأماكن حتى لا يقعوا من جديد وإنما عليهم بالنصح للعاصين بعيداً عن أماكن المعصية والله تعالى يعلم صدق توبته والحديث يخبرنا أنه "من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيها".
الآية في سورة الحديد (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) هذه الآية ضربت النفاق في مقابل الإيمان لأن المنافق أخطر على نفسه وعلى المجتمع من الكافر لذا النفاق مرفوض تماماً وفي مطلع سورة البقرة إستعرض الله تعالى صفات المؤمنين في ثلاث آيات وصفات الكفار في آيتين وصفات المنافقين في ثلاث عشرة آية لبيان خطورته. الإيمان ما جاء قولاً إلا في مرحلة النفاق (قالوا آمنا) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا (76) البقرة) (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ (119) آل عمران) (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ (41) المائدة)، النفاق مرحلة في منتهى الخطورة عن الكفر على نفس المنافق والمجتمع كله وهو في الدرك الأسفل من النار ونتيجته أسوأ من الكافر. آيات سورة البقرة التي تصف المنافقين تحذر من النفاق لأنه موجود في معظم الأفعال فهناك مؤمن يرائي وينافق بفعلٍ أو عملٍ وعليه أن يُخلِص العمل لأن أشد الآثار يوم القيامة آثار النفاق.
هل التقوى عملية أم هي متلازمة بحياة الإنسان وأفعاله؟
في آية سورة المائدة (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)) تكرر ذكر التقوى. هذه الآية تتكلم فيما مضى فقوله تعالى (طعموا) دليل على أنهم كانوا يأكلون ويشربون الحرام قبل التحريم واستخدام كلمة (طعموا) تشمل الأكل والشرب فهم كانوا قبل الإسلام طعِموا هذا الذي حُرِّم فيما بعد فليس عليهم إثم لكن لما إنتهوا هناك مراحل ثانية مطلوبة منهم. هناك من لا يشرب الخمر ولا يأكل لحم الخنزير لكنه لا يصلي ولا يصوم لكن الإيمان كلٌ لا يتجزأ. والحلال بيّن والحرام بيّن وللأسف نحن نقع في المشتبهات ويجب أن نخرج لدائرة التقوى التي ستعمل وقاية. تقوى وإيمان وعمل صالح ثم تقوى وإيمان ثم تقوى وإحسان وفي ختام الآية قال تعالى (والله يحب المحسنين) ولو جاء ذكر التقوى وحدها كانت الآية تختم بالمتقين لمن ورود التقوى والإحسان تختم بالمحسنين.الإحسان هو المرحلة الأخيرة قبل مرحلة إسلام الوجه التي هي أعلى الدرجات (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة) من إسلام العقيدة إلى الإيمان إلى التقوى إلى الإحسان إلى إسلام الوجه لله وهذا أعلى من الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) أي مسلمين الوجه لله تعالى. جاء في مرحلة الإحسان إتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم إتقوا وآمنوا ثم إتقوا وأحسنوا، درجة واحدة هي التي تتكرر (التقوى) كأنها هي التي ترقّي الإنسان من درجة إلى درجة. التقوى الأولى هي الحالة والثانية مرحلة تكون فيها وتأخذك للإحسان ثم لإسلام الوجه لله.
وجود (ثم) للتراخي لأنه سيكون هناك مدة للترقي من مرحلة إلى مرحلة ولو أخذت وقتاً (ثم) للتراخي لبقائك داخل كل مرحلة. التقوى هي التي تنقل الإنسان بين درجات العبودية وهي الإسلام الأبدي والسلاح الأقوى للتخلص من الشيطان ومن النفس الأمارة ومن شياطين الإنس والجن.
فيجب أن تدرب النفس على حجة العبادة لأن العبادة شاقة على النفس والحبّ وتذكّر المقابل وإرضاء الله تبارك وتعالى ومحبة الرسول r والطمع بالجنة (والطمع بالجنة طمع مشروع) هو الذي يجعل العبادة محببة إلى النفس. في صفات عباد الرحمن يقول تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) الغرفة هي أحسن مكان في الجنة يجزونها بما صبروا لأنهم صبّروا أنفسهم على ما قدّموا وكأن كل ما فات في الآية كان عليهم مشقة لكن الحب لله تبارك وتعالى والجنة ينسيهم (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) في المقابل (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) الجزاء ينسيك التعب داخل العمل نفسه والجزاء ليس متساوياً لذا الجنة درجات. الرسول r يخبرنا " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وكأني بالرسول r يقول لم يكتب له الصيام من أمسك عن الطعام والشراب فقط ولم يمسك عن قول الزور والعمل به وهذا لن يدخل الجنة من باب الريان لأنه صام وما صام. وهذا يحدث في مجتمعاتنا بيقين ونحن الآن مقبلون على الحج وكلنا يعلم ماذا يحدث في الحج وكيف يتصرف البعض هناك. يجب علينا أن نخلص العبادات من الشرك والنفاق نعمل العمل ونشرك مع الله أحداً ولا نبتغي به وجه الله تعالى كما يقول تعالى في آيات سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)).
من أخص الصفات في القرآن الكريم صفات عباد الرحمن وهي السبيل للإنابة والتقوى من قوله (يمشون على الأرض هونا) إلى الجنة (حسنت مستقراً ومقاما) والمشوار كله مشوار يدلك على الطريق. ومن ضمن هذه الصفات ضرب الله تبارك وتعالى لنا فيها أروع آيات عن التوبة واستعرض ثلاث أكبر كبائر حتى لا يقال يوجد ذنب لا توبة منه وهي الشرك والقتل والزنا لكن الله تعالى تقبل منهم وعرض أن يبدل سيئاتهم حسنات حتى لا يتقاعس أحد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/11/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:35 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 24

"التائب حبيب الرحمن" من أين جاء هذا الحب؟ المفترض أنني كبشر خطّاء قصّر في العبادة ما عبدنا الله تعالى حق عبادته ولا عرفناه حق قدره، المفروض أن أكون أنا الفرحان بمغفرة الله تعالى لي لكن العجب أنه رغم هذا التقصير إلا أن فرحة الله تبارك وتعالى برجوع العبد العاصي إليه أكبر مما نتصور.
الله تعالى يفرح بتوبة العبد وكثيراً ما سألنا كيف يفرح الله تبارك وتعالى؟ وهل المولى محتاج – حاشاه – لهذه التوبة؟ إذا بحثنا في كُنه الإله الحق نجد أنه هو سبحانه يحب العبد الطائع، العبد الذي يعود إليه وسرّ هذا الحب في إعمال صفتين لله تعالى، فهو سبخانه ما خلق الإنسان ليكون كالملائكة التي لا تستطيع أن تعصي، عظمة الأمر أنك كبشر تستطيع المعصية لكنك إما لا تعملها وإما تعملها وتذوق لذتها وتعود عنها إلى الله تعالى. ساعة يقول تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) هذه مكافأة فوق المكافأة لأن الذي لم يسرق لم يذق لذة وطعم المال الحرام السهل لأن للمعصية لذة لا ينكرها أحد. في صفات عباد الرحمن جزئية الإنفاق والإسراف والتقتير وعباد الرحمن هم في الوسط (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان) يعيشون على المنهج الوسط إذا أخطأوا يرجعوا وهذا مفهوم لم يكن متصوراً عند التلقّي: عندما نسمع عباد الرحمن نتصورهم ملائكة لكن المولى تعالى يخبرنا أنهم يخطئون لأنه مستحيل أن لا يخطئوا فهم بشر.
البشر التائب العائد المنيب المتقي أفضل عند الله تعالى من الملك. أنت كبشر لا تقبل كل معصية تعرض عليك فإذا لم تقع فيها يكون لك درجة وإذا وقعت فيها ورجعت فلك درجتان لأنك تعرضت لفتنة. والفتنة ليست في المعصية وإنما في الرجوع والإصرار على التوبة والبقاء في حالة الإنابة والذي حماك من الوقوع ثانية هي التقوى (وعمل عملاً صالحاً) وأخصّ العمل الصالح أن لا تعود للذنب نفسه. وسنقف في هذه الحلقة عند حقائق تلقي القرآن عندما نعمل على صفات عباد الرحمن فالقرآن لا يمكن أن يكون سورة أفضل من سورة أو أن أقرأ سورة مخصصة كل يوم وأترك الباقي فالقرآن كلٌ لا يتجزأ ويجب أن تقرأه كله من الفاتحة إلى الفاتحة وبداية البقرة ولو بخمس آيات (خيركم الحالّ المرتحل).
سؤال: آيات وصفات عباد الرحمن موجودة في سورة إسمها الفرقان وقلنا أن الفرقان سيجعل الله تعالى لنا فرقاناً يفرق بين الحق والباطل أليس لهذا دلالة؟
قبل أن نعمل في صفات عباد الرحمن علينا أن نتدبر أن هذه الصفات جاءت في سورة الفرقان وهذا أول ملمح، والملمح الثاني ما هي (وعباد الرحمن)؟ ما هذه الواو؟ ولماذا إستأنف الكلام؟ يجب أن نعود إلى الوراء بضع آيات. ولماذا لم يقل الله تعالى (عباد الله) بدل عباد الرحمن؟ إذن رجعنا قبلها بآيات نجد قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (61)) في هذه الآية جائت صفات غير عباد الرحمن واعتراضهم على كلمة الرحمن. ومن كلمة الفرقان يجب أن نذهب لأول السورة (تبارك الذي نزّل) لم يقل أنزل. وفي حلقة سابقة ذكرنا لماذا قال تعالى (يجعل لكم) ولم يقل (أنزل لكم). هناك ما يسمى بالإشتراك اللفظي فمثلاً كلمة الروح ذكرنا سابقاً أن لها ستة معاني في القرآن الكريم وهذا دأب القرآن.
نجد إعجازاً في فعل البداية في سورة الفرقان ورسمه في كلمة (تبارك) كلمة تشذ عن أصل اللغة في أن مسألة كل فعل يأتي منه الماضي والأمر والمضارع وإشتقاق إسم الفاعل لكن كلمة تبارك لا تأتي إلا بهذه الصيغة، هذا من حيث الكنه اللغوي ومن حيث الرسم جاءت في القرآن الكريم 9 مرات سبع مرات رسمت بالألف (تبارك) ومرتين بغير الألف (تبـرك) لأن القرآن الكريم توقيفي في قراءته وفي رسمه. في سورتي الرحمن والملك وردت كلمة تبارك بغير الألف فالرسم توقيفي والقراءة توقيفية. لما نقول (تبارك الذي نزل الفرقان) في سورة الفرقان قبلها سورة النور وقبلها المؤمنون وهكذا حتى نصل إلى الفاتحة.
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان): تبارك أي نتزّه وهي مثل سبحان (يسبّح، سبّح) لكن سبحان تقال لما يعجز أحد عن تسبيح الله تعالى مثل قصة الإسراء قال (يسبح لله ) ولم يقل سبِّح الله لأنه لا يوجد أحد يمكن أن ينزهه حق تنزيهه. في قصة الإسراء هناك أناس ناقشوا ورفضوا وأناس ناقشوا وصدّقوا أما أبو بكر فصدّق دون مناقشة لأن الرسول r قد قالها وكلامه r فوق المناقشة.
لماذا (تبارك)؟ لو جاءت مرسومة بالألف ثمان مرات ومرة واحدة بدون الألف لكان يظن أنها قد تكون وردت خطأ لكن ورودها مرتين تعني أنها مقصودة وليست خطأ وإنما هذا رسم توقيفي لله تبارك وتعالى. والقراءتان بالألف وبدون الألف نفس القراءة فهي أيضاً توقيفية. القراءة واحدة والرسم مختلف وهي تقرأ بالمدّ في الحالتين. هذا يؤكد على أن الذي جمع القرآن هو الله تعالى والذي رسم هو الله تعالى والذي علّم هو الله تعالى وليس من اجتهاد الرسول r(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة) و قوله تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) نحن لا نرد أي تفسير ونسمع لكل العلماء ونأخذ جزئية من كل واحد ونسمع جميع الآراء والله تعالى يفتح برأي تسنده اللغة والبلاغة وقواعد العربية التي استنبطت من القرآن الكريم.
لم يقل تعالى أنزل وإنما قال (نزّل الفرقان) الفرقان إما متفرّق وإما أنه يفرق بين الحق والباطل وفي الآية شملت كلمة الفرقان المعنيين لذا قال تعالى نزّل ولو كان المقصود الفرق بين الحق والباطل فقط لقال أنزل وتكون أقوى. وفي سورة الأنفال قوله تعالى (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)) الفرقان هنا ليس التفريق لذا استعمل أنزل. في سورة الفرقان يقول تعالى أنه سينزل مرات عديدة لكل حادثة فجاء بالفعل (نزّل).
(تبارك) أي لما تقرأ القرآن تنزّه الذي أنزله أولاً هناك إنزال ثم هناك تنزيل ولذا قلنا أن هناك فرق بين القرآن والكتاب. (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) الإسراء) بالحق أنزلناه كتاباً وبالحق نزل قرآناً يتعلم منه الرسول r والمسلمون. لما نزل الكتاب نزل بهذا الجمع الذي بين أيدينا ولما نأخذ القرآن نأخذه من جمع مجموع (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة) ولا توجد صدفة عند الله تعالى فكلّه عنده قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر). ساعة أنزل تعالى القرآن أنزله على هذا الجمع وكلما نزّل آية يوحى إلى الرسول r أين يضعها وكان r يراجع القرآن مع جبريل مرة في كل عام على مدى 22 عاماً وفي السنة 23 راجعه معه مرتين مرة عن السنة 23 ومرة كأنها مراجعة عامة شاملة قبل أن يقبض r, كلما نتذكر قرآن، كتاب، تنزيل نقول تباكر الله.
لماذا لم يقل (سبحان) لأن سبحان للتنزيه وتبارك للتنزيه مع إثبات عجزي عن أن يكون أحد من البشر يمكنه أن يعمل هذا. (تبارك الذي بيده الملك) كلما وجدت شيئاً خارجاً عن قدرة البشر، العلماء الذين تلقوا القرآن بوعي يقولون: سبحانك ولا تقال إلا لك. فرعون وجبروته لم يقل لقومه قولوا سبحانك أو تبارك أو الله، وكذلك النمرود لم يجرؤ ولم يفكر أن يقول هذا مع أنهم أحبوا التعظيم والتفخيم لكن لم يقل أحدهم الله أو سبحانك أو تبارك عن نفسه. ولما نسمع رسول الله r في الحمد يقول: "اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهد ولعظيك سلطانك سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك وعزّ جاهك وتقدّست أسماؤك ولا إله غيرك" لا يستطيع مخلوق لله أن يقول في الله الحق كلّ الحق حتى إن صادف قوله الحق لا يدري هو إنه صدق الحق.
(تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده) عبده وعباد الرحمن كأنه في مطلع السورة يخبرنا تعالى أن العبودية أمر عالٍ جداً. لو قال تعالى نزّل الفرقان على نبيّه أو رسوله لاعترض أحدهم لكن إذا كانت الرسالة شرف في محمد أو غيره فالعبودية أشرف ما يتصف به العبد الواعي الفاهم لأنها لله تبارك وتعالى (تبارك الذي نزّل على عبده) وفي سورة الإسراء قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) وإذا خيّرت النبي بين النبوءة والرسالة يختار الرسالة وإذا خيرته بين النبوءة والرسالة والعبودية يختار العبودية لأنه شرف كبير لأي مخلوق.
لا يمكن لمخلوق أن يحيط بعلم الله تعالى وقدره (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر) لكن كثيراً من الناس لا يفهمون معني العبودية، فما هو مفهوم العبودية؟
الناس لا تفهم معنى العبودية لأنهم ما زال منهم من لا يقوم لصلاة الفجر ومن لا يصلي أو من يقطع الصلاة. ولكمة العبادات مأخوذة من العبودية وإن كان المسلم الذي يدخل للصلاة يعلم أنه يقف بين يدي الله تعالى وأنه داخلٌ على الإله الحق سيخاف ولا يعرف أن يدخل ولو فهم العبودية لا يريد أن ينهي الصلاة أنه في معيّة الله تعالى، تخيل ملكٌ يسمح لك أن تدخل عليه خمس مرات في اليوم الليلة وتنهي الزيارة متى شئت أنت ثم يمكنك أن تعود للزيارة أي وقت تشاء، عندها لن تحب أن تنهي الصلاة بل تدعو وتطيل الدعاء وتدعو قبل السلام اتباعاً لسنة الرسول r (الإستعاذة من فتنة القبر وفتنة النار وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال) وبعد أن تسلّم تدعو أيضاً لأنها فرصة أنك في معيّة الله تبارك وتعالى.
قول الحق في بداية سورة الفرقان التي فيها صفات عباد الرحمن أنه قال (عبده) كأن الرسول r يأخذ الرسالة ولا يناقش فيها ولا يمكن له إلا أن ينشرها على الناس فهو نبي رسول سُمي من قبل البعثة الصادق الأمين فحقق تعالى قولهم أنه لا يوجد مخلوق فيه هذه الصفة (الصادق الأمين) إلا للرسول r ولا يوجد مثله في هذه الصفة. الله تعالى ليس كمثله شيء وفي البشر لا يمكن لنا أن نقول في الرسول قول الحق فهو ليس كالبشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (110) الكهف) طالما يوحى إليه فهو ليس كالبشر. في قصة يوسف u الصياغة في قصة الهمّ كثير من الناس من يقول لماذا لم يقل القرآن أن يوسف لم يهم بها؟ ولماذا صاغها بهذا الأسلوب (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف)؟ فنقول أنه لو كان هناك أحد غير يوسف لفعلها لكن يوسف لا يفعلها لأنه من المخلَصين برّاه القرآن وبرّأته امرأة العزيز وبرّأه الشاهد. لولا أن يوسف رسول الله كان همّ لكنه لم يهمّ ولـ (لولا) سابقة على الواقعة (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)) هذا التمكين ليس فقط الملك والجاه وإنما هو تمليك الصدق والإخلاص والعمل الصالح.
لماذا قال (الذي) ولم يقل (من)؟ الذي تعطي التعظيم والتوقير على غير ما هو شائع عندنا في استعمال الذي. مثل الإستعمال الشائع لـ (قد) في قوله تعالى (قد يعلم) التي يقولون أنها تفيد الإحتمال أي أنه سبحانه وحاشاه قد يعلم وقد لا يعلم لكنها في الحقيقة تفيد التحقيق (قد يعلم) أي يعلم بيقين فهي من مؤكدات الفعل المضارع، قد يعلم الله أي أن الله تعالى يعلم بيقين. (قد سمع) مع الفعل الماضي هنا أيضاُ (قد) للتحقيق لكنها مع الفعل المضارع أقوى واحتمالها في شأن الله تعالى واحد لأن الماضي يستعمل للتعبير عما حصل كما في حديث الرسول r (جاء رجل يوم القيامة) جاء فعل ماضي ويوم القيامة مستقبل لم يأت بعد، توقيع إستخدام القرآن للفعل الماضي أنه سيأتي سيأتي كما في قوله تعالى (إقتربت الساعة) كله إستخدام لغوي يبيّن أن ما قال الله تعالى أنه سيحدث إعتبره أنه وقع وحدث.
(ليكون للعالمين نذيرا) لماذا لم يستعمل بشيرا؟ أصل النبوة والرسالة الإنذار والتبشير أمر فرعي منه. الإنذار أصل إرسال الرسل ولذلك في القرآن (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) ثم يوم القيامة تسأل الملائكة الذين يدخلون النار (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) الرسول ينذر وكونه مبشراً فهذا فضل من الله تعالى.
في العصر الجاهلي كانت قريش تعبد الأوثان التي يصنعونها بأيديهم وفي بعض الأحيات يأكلونها ويئدون البنات لذا قال تعالى (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير) ليس بأي دين. هذا قبل الدين لأن المنطق البشري بعيداً عن الدين والديانة يحرّم هذا القتل فلما يأتي الرسول rيقول لهم أنا رسول رب العالمين فهذا فيه إنذار لهم وقال (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ). في أول خطبة لرسول الله r في قومه كانت كلها إنذار "إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبتُ الناس جميعاً ما كذبتكم، ولو غررتُ الناس جميعاً ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتُنَّ كما تنامون، ولتُبعثُنَّ كما تستيقظون، ولتُحَاسبنّ بما تعملون، ولتجزوُنّ بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً، وإنّها لجنّة أبداً أو لنار أبداً " توقيع القرآن أن الله تعالى لا يعذب قوماً إلا إذا كان فيهم نبي والملائكة لا تسأل أهل النار ألم يأتكم رسول؟ وإنما تسأل: ألم يأتكم نذير؟ فأصل إرسال الرسل الإنذار والبشارة أمر فرعي والإنذار فيه مصلحة للإنسان حين يخرج عن إلف المعتاد كما يحصل في مباراة كرة القدم هناك إنذار لأي لاعب يخالف ثم بعد تكرر الإنذار يأتي الطرد. فأول عمل للرسول الإنذار وكونه يبشركم بعذ ذلك فهذا فضل من الله تعالى والإنذار هو ليخبركم أنكم خرجتم عن إلف المعتاد. وجاءت كلمة النذير باستعمال لفظ عبده لأن العبودية أساس العلاقة بينك وبين الله تعالى ولا تنصرف عن كونك عبداً لله فإذا كان الرسول r عبد لله وهذا شرف له ودائماً تأتي كلمة عبد في مواطن الإعجاز (سبحان الذي أسرى بعبده، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده).
(هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) النجم) هذه أصل الحكاية، من المسائل البديهية أن يكون لك إله. وفي العودية إلى إبراهيم u حينما خرج يبحث عن الإله الحق ورفض عبادة الأصنام فلما فشل قال أعبد خالق كل هذا (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام).
كأن الذي نزل الفرقان على عبده هو الرحمن الذي علم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان ليكون فرقاناً له في الحياة وفرقاناً على الصراط.
بُثّت الحلقة بتاريخ 5/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:37 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 25
تقديم علاء بسيوني
ليس من قبيل الصدف أن تأتي صفات عباد الرحمن في سورة إسمها الفرقان الذي فرق الله تعالى به بين الحق والباطل. فما هي صفات عباد الرحمن التي وردت في أواخر سورة الفرقان؟ وكيف نكون من عباد الرحمن؟ ولماذا لم يقل عباد الله أو إسم آخر من أسماء الله تعالى؟
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا {س}(60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64))
الآية قبل صفات عباد الرحمن هي سرُ إختيار إسم الله الرحمن لإضافته لكلمة عباد (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا).
الفعل (قيل) مبني للمجهول، لما لم يسمى فاعله فهل المقصود هو الرسول r أو كل الرسل؟
المقصود هنا بالذات رسول الله r ولم يحدد القرآن إسمه حتى عندما يأتي الردّ بهذا الشكل (أنسجد لما تأمرنا) لا يكون رداً له مباشرة إحتراماً له. الربط بين الآيتين هو كلمة الرحمن وفي الربط بينها وبين بداية السورة (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن) هذا إنذار، ربط في إبداع كلمة الفرقان. القرآن فرقان في أن القرآن يعمل في إتجاهات ثلاثة بالنسبة لمسألة العبودية. العبودية عبارة عن عبدٍ وإله ولا تنفع هذه العبودية بدون رسول يأتي بالمنهج حتى يعرِّف عباد الله بالمنهج. الفرقان كلمة عملت في الإتجاهات الثلاثة: في الإله، في الرسول وفي الخلق. بالنسبة للإله القرآن كان فرقاناً لأن كلمة الله بمعنى الخالق الأعظم إنقسم فيها الناس ثلاث فرق: أناس قالوا لا يوجد إله، وفريق قال هناك آلهة، فجاء القرآن فرقاناً ليجعل فريقاً وسطاً بين الإفراط والتفريط أنه إله واحد، بين الإله والآلهة. القرآن كله جاء فارقاً ليس تفريقاً وإنما فارق فرقان وضح هذه القضية بما لا يدع مجالاً لأدنى شك أنه لا آلهة وأنه إنكار على المنكرين بأنه إله واحد. فرق قالت لا إله وآخرون قالوا آلهة.
في إستطراد للمقدم سأل: أتكلم على الفترة قبل الرسل من الناحية المنطقية أيهما أقرب للصواب من قال لا إله أو من قال آلهة؟ هذا إفتراض جدلي من المقدم والأقرب إلى الصواب قمة الخطأ فما بالك بالأبعد؟ الأقرب للصواب أن تكون آلهة لأن الكون لا بد أن يكون له خالق لكن قمة الخطأ في أن تعدد الآلهة يعطي تنازعاً ولا يعطي إستقراراً والكون مستقر (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) الأنبياء) الله تعالى يعمل هذه القضية فرقاناً في محكم التنزيل يكلِّم أمة التوحيد (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (12) الشورى) أن أقيموا الدين على أن الدين واحد فلا تتفرقوا فيه، كبُر على المشركين ما تدعوهم إليه، عقولهم لأنهم أشركوا لم تستوعب مسألة التوحيد فتعاملوا معهم برفق فالمسألة غصباً عنهم وبدل أن تهاجموهم خذوهم بالرفق واحمدوا ربكم أن هداكم للتوحيد وإياكم أن تتكبروا على من أشرك بالتوحيد لأنه لولا أن هداكم الله تعالى لوحدانيته ما وحّدتم ونذكر قول أهل الجنة بعد أن دخلوها قالوا (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف).
الفرقان جاء بأن الذين قالوا لا آلهة والذين قالوا لا إله جاء فريق بين الإثنين بالفرقان على أن المسألة لا إنكار لله ولا تعدد للآلهة وإنما إله واحد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون). لو كان هناك آلهة يحصل تنازع والكون مستقر لا البحر يعترض ولا الشمس ولا القمر ولا غيرهم بتسخير إله واحد، لو كان هناك عدة آلهة لكان أحدهم أمر الشمس أن تشرق والآخر أمرها أن لا تشرق فما استقر الكون ولهذا نكرر هنا ما أوردناه سابقاً عندما أنكرنا كلمة خليفة الله في الأرض لأنه لو كان ذلك صحيحاً سيكون هناك خليفة في الأرض وخليفة في السماء لأن الله تبارك وتعالى لا يخلفه أحد وإنما نتعامل على أساس ليس كمثله شيء، القرآن قال (إني جاعل في الأرض خليفة) لم يقل خليفة لي وقلنا لو الملائكة فهمت أنه خليفة عن الله لم تقل الملائكة أتجعل فيها من يفسد لأن خليفة الله لا يفسد.
الله، الرسول، الخلق، الفرقان إشتغل في الرسول فهناك أناس قالوا نريد أن يكون الرسول ملكاً فردّ عليهم القرآن أنكم لن تعرفوا أن تتعاملوا معه والمسألة ليست على مزاجكم وإنما يجب أن تنصاعوا لأوامر الله تعالى (الحق عند أهل المنطق واحد لذا سمى الله تعالى نفسه الحق والحق دينه واحد) الدين لا أديان وسبق أن قلنا يجب أن نقول ديانات سماوية وليس أديان لأن الدين واحد لذا في سورة الكافرون قال تعالى (لكم دينكم ولي دين) يتوقع السامع أن يكون لديهم عدة آلهة لكن القرآن لم يقل أديانكم، جمع الله تعالى الكفر والشرك والنفاق على دين واحد وإن تعددوا ليضعه في مواجهة الدين الحق. الدين الحق هو العلاقة بين الخالق والمخلوقات. أهل هذا الفريق يريدون رسولاً على مزاجهم ودين على مزاجهم والذي ضيّع الأمة أن كل واحد يريد ديناً على هواه وعلى مزاجه (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان). سبق وذكرت عندما حصلت مسألة الاستهزاء برسول الله r وقلت أن هذا الأمر لن يتوقف ولذا أقول أن المسلمين عليهم أن يكونوا أقوياء حتى لا يتجرأ عليهم أحد.
وهناك أناس آخرون قالوا يريدون الرسول بشراً لكن غير محمد r(لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) يريدون رجلاً على هواهم لكن الرسول بُعِث على مراد الله تعالى أنه محمد r.
وفي مسألة الخلق، الخلق بعضهم يقول آلهة وبعضهم يقول لا إله وبعضهم يريد الرسول ملكاً أو بشراً غير الرسول r. الكتاب والقرآن والرسالة على مراد الله تعالى فالقرآن كان فرقاناً في هذه النقاط الثلاث: التوحيد واختيار الرسول وانصياع البشر لما أراده الله سبحانه وتعالى.
سؤال: هناك أناس ما زالوا يقولون لو كان الرسول ملكاً لأمكننا أن نرى المعجزات وكنا صدّقنا به، فما معنى قوله تعالى (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) فلماذا وردت قضي الأمر؟
يقول تعالى (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) أنتم طلبتم رسولاً ملكاً، لو أنزلناه ملكاً ولم تؤمنوا لقضي الأمر في وقتها ولا يُنظَرون لأنه ساعة ما يأتي ملك سينقسم الناس أيضاً إلى فريقين فريق يقول لا نفهمه لأنه ملك وآخرون يقولون لو كان بشراً لتفاهمنا معه أكثر. لو نزل على مرادكم وطلبكم يقضى الأمر فوراً فلا تُنظَرون وإنما نزل على مراد الله بشر لأنه يمكن أن يعودوا أو يتوبوا ومن البشر الذين آمنوا به كرسول ورسالة يخطئوا لذا جاء الإنظار لأنهم قد يرجعوا. أُنزل على مراد الله تعالى ولهذا هناك إنظار وإنما تعطيهم فرصة لعلهم يرجعون. في القواعد الإلهية لا ينفع أن نرى الملائكة أو الجن (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (9) الأنعام) رجلاً لتعرف أن تتفاهم معه. ساعة جاء جبريل u يعلّم المسلمين أمور دينهم جاء على صورة بشر ولو رآه الصحابة على هيئة الملائكة لخافوا وهربوا. اترك الأمر لله تعالى على مراده ترتاح. والله تعالى أرسل لنا رسولاً منا يعرفون صفاته وقالوا عليه الصادق الأمين، عندما جاء جبريل u يعلّم الصحابة أمور دينهم تعجّب عمر بن الخطاب من الرجل يسأله ويصدِّقه فهذا إختبار، وسألهم الرسول r أتعلمون من الرجل؟ قالوا لا، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم. هذه دليل على أن جبريل كان يصدّق على إجابات الرسول rوتثبت أنه r أجاب بشكل صادق ولم يخطيء فكان جبريل يقول له: صدقت. وهذه الكلمة (صدقت) مرتبطة بالصدق لأن محمد r لا يقول من عنده وإنما يقوله وحي (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر).
ولو كنتم ملائكة كنا أرسلنا لكم ملكاً رسولاً حتى تفهموهم وأرسلنا لكم بشراً لأنكم بشر (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) إبراهيم) ليس من جنسهم فقط وإنما بلسانهم لأنهم اتهموا الرسول r أنه كان يعلمه ولد رومي والولد الرومي أعجمي والقرآن عربياً (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل) والله تعالى يقول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف). أنا أعتقد باجتهادي أن أشد الناس حساباً يوم القيامة هم العرب لأن القرآن نزل بلغتهم فالذي تعلم اللغات الأجنبية للدراسة كان أولى به أن يتعلم العربية التي نزل بها القرآن الكريم فهذه حجة على العرب يوم القيامة (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (113) طه) (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) الشورى) أول من يتقبل الإنذار هي أم القرى مكة لأنها عربية تتكلم العربية والرسول عربي فالرسول لم يأتي فقط من جنسهم بل بلسانهم. (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) الشعراء) واضح لم يكن يحتاج إلى شرح. نحن في نعمة وامتحان، الله تعالى يقول لرسوله (نحن نقص عليك أحسن القصص) ثم قص عليه قصة يوسف فلو كان الرسول علّمه الولد الرومي من أين لهذا الرومي أن يعرف قصص الأنبياء؟ إنما نزل القرآن عربياً بوحي من الله تبارك وتعالى لنبيه r.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) عدنا إلى قضية الرحمن وقضية الرسول وهذا الأمر بهذه الطريقة وذلك الغباء زادهم كفوراً. هم قضيتهم ليست مع الرسول rأو مع القرآن إنما قضيتهم في أنفسهم فلو أحضرنا لهم رسولاً ملكاً لطلبوا غيره ولو جاءهم فقير لقالوا نريده عظيماً (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا). لو قال لهم اسجدوا لله لخافوا لكنه استعمل صفة الرحمن، منتهى الرحمة لتقرّبهم ويطمئنهم فالمفروض أن يسجدوا لكنهم قالوا أنسجد للرحمن، لم يقل لهم اسجدوا للقدير، للعزيز، للمتكبر، للبارئ، لله، للقوي، للمتين لخافوا. لكنهم أجابوا: وما الرحمن؟ هم يعرفون رحمان اليمامة، يقولون الرحمن الذي نعرفه أم الرحمن الذي تعنيه، هم يعرفون رحمان اليمامة الذي إدّعى الألوهية، والرحمن صفة لا تطلق إلا على الله سبحانه وتعالى قولهم وما الرحمن إستهزاء بصفة هي أحب الصفات لذا عندما تكلم عن الكفر والشرك والنفاق تركهم ووصف لهم عباد الرحمن الذين عبدوا الرحمن لأنهم حتى لو أخطأوا أرحمهم ولهذا في الآيات قال (إلا من تاب). وهو يصف عباد الرحمن قال لأنه رحمن أرحم عبادي وإن أخطأوا في مسألة القتل وإن أخطأوا في مسألة الزنا وإن أخطأوا في مسألة الشرك يقبل الله تعالى توبتهم لأنه رحمن.
(تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) تبارك هنا تذكرنا بـ تبارك التي في بداية السورة والتي جاءت بنفس الرسم بالألف. الحوار الذي دار بين الرسول r وبين الكافرين قال لهم اسجدوا للرحمن قالوا أنسجد لما تأمرنا، الأمر يأتي منك يا محمد. عدم تلقيهم للأمر التلقي الحق جعلهم يبتعدون عن الأمر وهم لا يطيقونه. النفور هو أن تبتعد عن الأمر وأنت لا تطيقه ولا تحبه.
ما السبب للإنتقال من آية السجود إلى التي بعدها (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً)؟
هذه آيات الملكوت والسورة من بدايتها تعطينا آيات إنذار وآيات ملكوت، فالذي أنذرك أن تعبده ولا تكفره يعطيك صفاته سبحانه الذي خلق السموات والأرض والبروج كأن الرحمن الذي تسألون عنه هو الذي خلق السموات والأرض والبروج (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) العرب كانت تعرف الأبراج الـ 12 ووصفهم الشاعر وكل برج يبدأ من اليوم 21 من شهر ويمتد إلى 20 يوم من الشهر التالي، وصفهم في شعره قائلاً:
حمل الثور جوزة السرطان ورعى الليث سنبلة الميزان
عقرب القوس جدي دلو وحوتٍ ما عرفنا من أمة السريان
هذه الأبراج في اعتقاد أمة السريان وهم يعرفونها وأنت أخذتموهم منهم لذا قال (بروجاً).
سؤال: الناس تقول القرآن يتحدث عن البروج وهذا أمر خطير في مجتمعاتنا.
الآية تقول (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) أي تنزّه، ما هي وظيفة كل واحد منها؟. لو كانت البروج وظيفتها كما يفعلون الآن لكن الرسول r أولى بأن يعلمها لو كان لها علم وما تكلم r في هذا المدار إلا أن هذه البروج مواقع. والشمس والقمر لكل واحد وظيفته (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) كل ما سبق لمن أراد أن يذكِّر (البروج والشمس والقمر). (أو أراد شكوراً) يذكِّر، الآيات الكونية تذكِّر بقوة الله سبحانه وتعالى والشكور على تسخير كل هذا لخدمة الإنسان، على وظيفتهم. فالذي شغله النوم عن العبادة في الليل يعبد في النهار والذي شغله العمل عن العبادة في النهار يعبد بالليل هذا معنى (خِلفة) خلفة لها وقع في القرآن والليل والنهار وراء بعض، هناك من يعمل بالليل ومن يعمل بالنهار. لو انتبهنا إلى صفات عباد الرحمن قال تعالى بعد ما وصفهم قال (الذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) لما وصفهم قال: (كانوا قليلاً ما يهجعون) الناس كلها تنام وهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً ولم يذكر يبيتون إلا بعدما ذكر الليل والنهار أولاً فلو انشغلت في الليل إعبد في النهار ولو انشغلت في النهار اعبد في الليل. ذكاء الرسول r ووقوفه على معاني الآيات يظهر لما قال في الحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" الليل يأتي وراء النهار (لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا) الله تعالى باسط يديه آناء الليل وأطراف النهار فلو أخطأت الصبح تب الصبح وإن نسيت أن تتوب تُب في الليل وإذا إنشغلت في الليل تعبد في النهار المهم أن تجعل في الأربع وعشرين ساعة وقت للعبادة. حديث الرسول r وحي من الله تبارك وتعالى يصيغه بتوقيعه بذكائه وما أوتيه من جوامع الكلم. ومن ذكائهr أنه كان r يصلي الليل حتى تتورم قدماه ولما تسأله السيدة عائشة رضي الله عنها يقول: أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا؟، هو تأكد أن الله تبارك وتعالى قد غفر له لكنه r حوّل الطاعة من عبادة إلى طاعة وشكر. العشرة المبشرون بالجنة زادوا عملهم ولم يركنوا لأن إن كانت الأولى عبادة وطاعة فالثانية عبادة وطاعة وشكر.
شكورا: دليل الزيادة وساعة يفعلها يفعلها طمعاً والعبادة الأولى كانت خوفاً والثانية طمعاً في الجنة وطمعاً في الثواب لذا جمع الله تعالى بين الطمه والخوف. ونحن نتعامل مع اللطيف الخبير الذي يعلم دقائق الأمور وقد يجزيني بأكثر مما توقعت.
(وعباد الرحمن) الواو تدل على إستئناف أي أما عباد الرحمن فهذه أوصافهم حتى تسيروا عليها وتعملوها إلى أن تصلوا يوم القيامة إلى (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا). المشوار في رحلة حياتك يبدأ من مشيك وينتهي بالجنة. الأب الناصح يوجه ولده كما فعل لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وعندما يصل إلى سن التكليف يسأله أن يعلن الشهادة لأنه أصبح مكلفاً (يمشون على الأرض هوناً) لا يصف مشيتهم وإنما يصف لازم معنى المشية. هوناً لا تعني أنهم يشمون على مهل وإنما لما يمشوا يمشوا بأدب وسكينة ووقار بعيداً عن الكِبر وبعيداً عن احتقار الناس والرسول r يقول في الحديث: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" لأن إبليس تكبّر ورفض السجود. وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: "الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما عذّبته"، فقال الصحابة لرسول الله r بعد أن سمع حديث الكِبر: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً فقال r إن الله جميل يحب الجمال، إذن هذا ليس من الكِبر لأن الله تعالى يحب أن يراك جميلاً وثوبك حسن ونعلك حسن. لازم معنى إن الله جميل يحب الجمال يعني أن الذي ذكره الصحابة من الملبس والنعال ليس كبراً والله تعالى يوصينا (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ثم قال r: الكِبر بطر الحق وغمط الناس" غمط الناس أي أن تحتقرهم ولا تعتذر إن أخطأت لا لشيء إلا للكِبر ولا يمكن أن تقبل نصيحة أو تنبيه من أحد لأنك تعتبر نفسك أفضل منه من باب الكِبر، المسلم الحق ليس عنده مسألة الكِبر ولا شيء يمنعه من الخطأ لأن المعصوم هو الرسول r فقط. فاحتقار الناس كِبر وغمط الناس كِبر.
يجب أن ننظر في حياتنا وفي تصرفاتنا وأن نحترم بعضنا وخاصة موظفي المرور الذين يتعامل الناس معهم بكِبر لأن رتبته متواضعة ويتعاملون مع الأعلى مرتبة منه بشكل آخر. حتى الضابط يجب أن يتعامل مع الناس بشكل حضاري محترم ويحترم بشرية الناس ويجب أن يكون رسول الله r قدوة وأسوة لنا في حياتنا. لو فهمنا معنى قوله تعالى (الذين يمشون على الأرض هونا) لحّلُت الكثير من مشاكلنا الاجتماعية.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:39 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 26

التوصيف الحقيقي لعباد الرحمن وكيف نكون منهم؟
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66))
صفات عباد الرحمن كثيرة لكن الآيات ذكرت في البداية المشي (يمشون على الأرض هوناً) فما دلالة البدء بصفة المشي ثم جاء بعدها التطبيقات في الآداب والسلوكيات والإيمان والاسلام؟
هذه وقفة المتدبر بحق في آيات القرآن، لكن ما ذكرته من حيث الوقع الإيماني أو الإسلام أو التقوى أو الإحسان بكل الدرجات كلها جاءت ضمنياً في كلمة (عباد) التي أنهت القضية كلها وجمعت حقيقة التلقي للقرآن وحقيقة العلاقة مع الله سبحانه وتعالى الخالق الأعظم. عندما نسمع القرآن يحصل حالة من حالات التلقي وهذا التلقي له مراحل من حيث الإدراك والوجدان والنزوع، وهذه قضية مهمة جداً أن نعرف كيف تحصل مع العباد والعبيد وحتى العباد مختلفين فيها. تخيل أن عشرة أشخاص جالسين في مكان وقُريء عليهم القرآن هل يمكن أن يقول أحد أن العشرة مثل بعضهم في التلقي؟ بالطبع لا لأن منهم من يسمع نصف سماع لأنه مشغول بقضية ما وآخر يتفرّغ كلياً ليسمع آيات الله ومنهم من يتفرغ لتطبيقها ومنهم من يتفرغ ليفهمها فكل واحد يتلقى بشكل مختلف عن الآخر، فالعباد مختلفين في التلقي عن العبيد لذا قلنا كلمة (وعباد الرحمن) وهاتين الكلمتين تحتاجان إلى شغل طويل لو اشتغلناهم على وقع التدبر. الكل عبيد والعباد خرجوا من مسألة العبودية إضطرارياً أو إجبارياً إلى العبودية بفهم صافٍ لله تعالى وإخلاص ورضى وقناعة لله تعالى لم يجبرهم أحد على الإسلام كاليهود والنصارى مثلاً لأنهم مجبرين وإنما نحن والحمد لله جئنا طائعين. قلنا أن مراحل العبادة: الإسلام، الإيمان، التقوى، الإحسان وإسلام الوجه لله تعالى كل مرحلة من هذه المراحل مختلفة عند الناس والذي يرضى الله تعالى عنه كلما يرقى في درجة أو في مرحلة لا يثبت عندها وإنما يحاول الصعود إلى الدرجة التالية فكل درجة فيها إرتحال، فيها بداية ونهاية كما ذكر rفي مسألة القرآن "خيركم الحالّ المرتحل" لأن القرآن ليس فيه كلمة تفسّر لوحدها خارج سياقها وإنما هي مرتبطة بالآيات قبلها وبعدها وبالمفاهيم في السور المختلفة وهذه من عظمة هذا الكتاب.
لماذا كلمة عباد الرحمن؟ بحثت في القرآن فوجدت أن العبودية تمشي على الدرجات التي تكلمنا عنها: الإسلام، الإيمان، التقوى، الإحسان وإسلام الوجه لله، نسأل سؤالاً: عباد الرحمن أليس من التدبر أن أعرف أيُّ درجة هم؟ هل هم مؤمنين؟ متقين؟ أم محسنين؟ هل هم المؤمنون الذين وصفهم القرآن الكريم في آيات مختلفة وأفرد لهم سورة سماها سورة المؤمنون بدأها بـداية في منتهى الإبداع (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)). عباد الرحمن في سورة الفرقان بدأت صفاتهم بالمشي على الأرض هوناً والمؤمنون بدأت صفاتهم بالخشوع في الصلاة، وعند المؤمنين صفات قريبة من صفات عباد الرحمن فوصفهم الله تعالى في سورة المؤمنون (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)) ووصف عباد الرحمن في سورة الفرقان (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) لأنه في سورة المؤمنون يوصّف المؤمن غير العبد الذي يمشي في حياته، هذا توصيف أدائي وهذا توصيف توقيعي. عباد الرحمن ليسوا منفصلين عن الدنيا عندما ترتقي في مراحل العبودية تتوقع أن هؤلاء لا يخطئوا لكنهم فقد يمروا باللغو لكن يمرون كراماً أما في سورة المؤمنون فهم يبعدون عن اللغو ويعرضون عنه لذا عليك أن تحاول أن لا تتعرض للغو في حياتك كلها سواء كنت لوحدك أو مع الناس ولكن أصبحت الحياة الآن مليئة باللغو والمؤمنون للأسف لا يُعرضون عنه. معرِضين أي أنهم يحاولون عدم الذهاب لأماكن الشبهات ويبدأون بإعراض العين وينتهون بإعراض القلب، لو رأيت وردة مجرد ما وقعت عينك عليها صار عندك إدراك ثم انتقلت من عينك إلى إدراكك إلى الوجدان وتمنيت لو كانت الوردة لك ثم تبدأ مرحلة النزوع تريد أن تمد يدك لتقطفها، بين الوجدان والنزوع العملية الإيمانية إذا كانت الوردة في حديقة غيري لا تكون من حقي وإذا أخذتها أكون سارقاً، في هذه المرحلة قد يحدث النزوع والذي يمنع النزوع العملية الإيمانية. الرؤية تنتقل من الإدراك إلى الوجدان إلى النزوع وبينهما العملية الإيمانية فإذا كانت حراماً يخرج عن حقيقة الإيمان وقد يحدث النزع ويمنعه من ذلك المسألة الإيمانية لذا قال تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) لأنهم بدأوا يطبقون لو قلت لهم يغضوا من أبصارهم وغضوا أبصارهم يكونوا متقين ساعة ما غضوا أبصارهم أولاً ثم يرتقون إلى مرتبة الإحسان. يجب أن نصل إلى وقع بديع في القرآن، الآيات مترابطة وليس صدفة أن قال تعالى (وعباد الرحمن).
بحثت بعد العبودية عن كلمة الرحمن فوجدت أنها وردت في القرآن 57 مرة، خمسة منها وردت في سورة الفرقان واختلف عدد ورودها في سور القرآن لكن ما نلاحظه أنها وردت في سورة مريم وحدها 16 مرة وهذا رقم يلفت النظر فبحثت في سورة مريم عن صفات مشابهة لصفات عباد الرحمن لأنه طالما ورد ذكر الرحمن كثيراً في سورة مريم فلا بد أن لهذا دلالة.
قال تعالى في سورة مريم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)) بعد أن ذكر الله تعالى في السورة معظم الأنبياء: زكريا وعيسى ونوح وابراهيم وموسى وهارون وادريس واسرائيل أي يعقوب قال أولئك أي كل الذين ذُكِروا ويجب على المسلم الحق أن يدخل تحت هذا التوصيف لأنه فتح لنا الخط ولم يقل تعالى (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) فقط وحصرها بالأنبياء فقط وإنما قال (مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ) لو وقفت الآية هنا لقفلت الطريق في وجههنا لأنهم كلهم أنبياء الذين أنعم الله تعالى عليهم في الاصطفاء ولكنه تعالى قال سبحانه وتعالى (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) نكون نحن دخلنا معهم هذه فرصة لنا نحن أن ندخل في هذا التوصيف. وعلى المؤمن الحق أن يسمع هذه الآيات بملء السمع والبصر وأن يتدبر هذه الآيات التدبر اللائق كمسلم لله أسلم طواعية دون إجبار وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يجب أن يعلم ما هو المطلوب منه. الذي يأخذ هذه الصفات لما يسمع آيات الله عز وجل فيأتي له بصفة من أعلى صفات الله تعالى (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن) الرحمن تعمل مع العبودية بطريقة أنه لا يأتي بك على صفة من صفات الجلال فتخاف وإنما يأتي بأخص صفة من صفات الجمال وهي (الرحمن).
(خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) لم يقل تعالى (سجدوا) هم خروا سجدوا وكان يمكن أن تكون سجدوا أحسن توصيف لو أن العملية تسير في مراحل الإدراك المختلفة: إدراك، وجدان، نزوع لكن لأنهم عبادٌ حق ينزعون فوراً للسجود. عندما نسمع (خروا سجداً) في سورة مريم نجد في سورة الإسراء نفس الكلمة (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)) كلمة خرّوا تعطي سرعة في الحركة وفي الأداء، فعل نزوعي دون مرحلة الإدراك. السجود هو مطلق الخضوع والخشوع والبكاء دليل على أن القرآن يتغلغل داخل أعضائهم وقلبهم.البعض يقولون نقرأ القرآن ولا نبكي (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) الإنسان اليهودي مثلاً إذا أسمعته القرآن أولاً ليُسلِم ثم يسمعه ثانية وثالثة فيحصل البكاء لكن البكاء لا يحصل في غير إدراك ووجدان ولا يدخل الكلام في القلب الذي لا يبكي لا يُدرك ولا يدخل الكلام إلى قلبه. البكاء ليس هدفاً بذاته وإنما – إذا جاز لي التعبير بهذا اللفظ - هو وسيلة من وسائل إستعطاف المولى عز وجلّ أني أصبحت ممن هدينا واجتبينا، عندما سمعوا خروا سجداً وبكياً والآخرون في سورة الفرقان يمضون الليل ساجدين. عباد الرحمن يستحقون العطف من المولى سبحانه وتعالى ويستحقون الجزاء (أولئك يجزون الغرفة) بما صبروا لأن الذي لا يبكي لا يصبر على القرآن.
حديث الرسول r عن التباكي عند قراءة القرآن " إن هذا القرآن نزل بحزن. فإذا قرأتموه فابكوا. فإن لم تبكوا فتباكوا." البعض يحتجون أنه كيف نتباكى؟ يعني كيف نمثّل البكاء؟ المقصود بالتباكي هنا ليس التظاهر بالبكاء لكن أن تدخل نفسك في الخشوع وللأسف في بعض الأحيان نسمع الشيخ يقرأ القرآن فنبكي لصوت الشيخ وليس لكلام الله تعالى. قلنا أن الإدراك والوجدان والنزوع مختلفين بحسب الأشخاص وهذا الاختلاف يجعل الأقل درجة يُقلِّد ويتأسى فلما نسمع قوله تعالى (خروا سجداً وبكيا) يجب أن أذهب لسورة الإسراء لأنه نفهم من الآية في سورة مريم أنهم سجدوا أي وضعوا الأنف والجبهة على الأرض، وفي سورة الإسراء (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الإسراء) أي يسجدون بالوجه كله وليس بمقدمة الوجه فقط بحيث أصبحت أذقانهم ملامسة للأرض وهذه تحتاج لوقفة. وفي سورة الفرقان (يبيتون لربهم سجداً وقياما) توصيف عباد الرحمن جاءت بعد مراحل خمسة: إسلام، إيمان، تقوى، إحسان، إسلام الوجه لله تبارك وتعالى.
وقبل أن نكمل سورة مريم يجب أن نأخذ جزئية تقوى ونذهب لأول سورة البقرة وليس من قبيل الصدفة أن ترتيبها في النزول 87 أول سورة في المدينة تكون على رأس الكتاب بعد الفاتحة لنسمع أول توصيف على وجه الإطلاق الذي لولاه ما وصلنا لتوصيف عباد الرحمن (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فقط. إن لم تكن على التقوى فلا هداية لك عن طريق هذا الكتاب وهذا دليل أن البعض يسمع القرآن ولا يبكي. أول توصيف للمتقين (الذين يؤمنون بالغيب) هنا الترتيب حسب العملية المنطقية أن التقوى أولها إيمان لكن لما جاء بالإيمان جاء بالإيمان في القمة وهو الإيمان بالغيب كلّه وهذا توصيف عظيم ولم يقل يؤمنون بالله أو ملائكته لأن القيامة غيب والجنة غيب والملائكة غيب. ثم ذكر القيمة (ويقيمون الصلاة) لأنه إن لم تكن مؤمناً بالغيب لا تصلي ولو لم يقف عند هذه الآية يصلي ويتوقف لأنه ليس لديه مرحلة كاملة وإنما سقطت المرحلة منه. (ومما رزقناهم ينفقون) لا يسرق ولا يغش ولا يكذب والبعض يقول ما دخل الكذب هنا؟ نقول أنه للأسف مفهوم الرزق عند الناس غير واضح فهم يحصرونه فقط بالأموال ولكن الذي يكذب لماذا يكذب؟ يكذب لأنه يريد أن يغطي شيئاً ليس من حقه (ومما رزقناهم ينفقون) وملخص هذه الآية هو القناعة، يجب أن يُفهم الرزق أنه إذا قل المال فعندك صحة وإذا قلت الصحة عندك مال أو علم أو فكر أو إيمان أو نزوع للآخرة يعني هناك رزق والرزق قد يكون هداية من رب العالمين ليكون من المحسنين.
ما الفرق بين علم الله تبارك وتعالى وبين القضاء والقدر؟
الذي يسرق يحتج بأن الله تعالى حاشاه كتب عليه هذا ولكن نسأل هذا السارق الذي يقول هذا قضاء الله هل الناس كلها سرقت؟ وهل كل الناس التي سرقت لم تتوب أم أن منهم من تاب؟ وهل جاء ملكٌ وأجبرك على السرقة تحقيقاً لقضاء الله كما يقول؟ أنت سرقت وأخطأت وأنت بشر والمولى عز وجل يحبك إذا تبت. فهل فكرنا يوماً ما معنى أن الله تعالى يحبك؟ ولو فكرنا فيها لن نتركها حتى ندخل تحتها (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) فما هو الحب؟
إذا بحثنا في المعاجم وكتب اللغة عن كلمة الحب نجدها نقيض البغض ثم نبحث عن كلمة البغض فنجدها نقيض الحب. الله تعالى يحب هذه كلمة عظيمة جداً يجب أن نعرفها لندخل تحتها، لكن ما معنى الحب؟ قبل أن نعرف المعنى نوصف لما الله تعالى يحب شخصاً ماذا يحصل؟ جاءت القضية في حديث قدسي صحيح عند الإمام البخاري في منهتى الإبداع في العرض " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)" وقد بدأ الحديث بطريقة في منتهى الإبداع " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" فلو كان الذي يسمع واعياً يجب أن يكون من أولياء الله وفي معية الله. سبق أن قلنا أن الولاية تكون إما ولاية الله تبارك وتعالى أو ولاية الشيطان ولا ثالث لهما لذا الآيات تحث على عدم الشرك هل يمكن لأحد أن يقول عندما يصف عباد الرحمن (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) هم لم يصبحوا عباداً إلا لأنهم أسلموا ولم يشركوا لكن هذه قضية مهمة جداً يجب أن يعرضها القرآن لأنه لو أحد من عباد الرحمن أشرك يضيّع نفسه لو مات عليه، فإياك أن لا تكون في ولاية الله تعالى.
نثبت عدم تلقينا بوعي: في السابق كانوا يقولون "توكلت على الله وعليك" ثم لما حسّنوها وعدّلوها لم يضبطوها فقالوا "توكلت على الله ثم عليك" تعني أني متوكل على الله وعلى أحد آخر لأن (ثم) تفيد التراخي، لكن الأصل أن تقول توكلت على الله وأقصدك لتقوم لي بخدمة ولا تقول (ثم) لأنه لو كان لدينا تلقي بوعي نفهم الكلام. مع صفات عباد الرحمن ومع صفات المتقين يدخل قصة عدم الشرك (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) أي أنهم يدعون إلهاً واحداً يتوكلوا عليه لوحده ليس معه أحد.
(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحربً) لو أنت إنسان واعي ادخل في ولاية الله وكله سيكون مسخراً لك. ثم يلتفت المولى ليصحح لنا مفاهيم العبودية، أنت تريد أن تتقرب إلى الله فتصلي مثلاً عشر ركعات لكن نسألك هل صلّيت الفرض في وقته مثلاً؟ " وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه" يعني تقربك إلى الله تعالى يكون تلقائياً من حيث الفرائض، تقرّب صح في الفرائض وليس في الصلاة فقط وإنما في الصلاة والصوم والزكاة والحج كلها فرائض تتقرب بها إلى الله عز وجل فأفضل ما تتقرب إلى الله تعالى به هو الفرائض. لكن أنا أريد أن أحب أكثر وأريد أن أكون محبوباً من الله تعالى " وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها " إستخدام كلمة (عبدي) تكرر في الحديث وتتناسب مع كلمة عباد. واستعمال الفعل المضارع في (وما يزال) يدل على الحال والاستقبال أي أن هذا الرجل دائماً هكذا، هنا يحصل الحب ولما يحبك المولى تعالى؟. الصحابة قالوا للرسول r إننا نحب الله عز وجل حباً عظيماً إلى درجة التشبع، فنزل القرآن أنه لا يهم أن تحبوا الله لكن القضية أن يحببكم الله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) آل عمران) القضية إذن أن الله تعالى يحبك وهو يحبك بأن تسمع كلام محمد r سماع تطبيق واتّباع. البعض يقول هناك نصارى ويهود يعملون أعمالاً جيدة فهل يدخل النار؟ نقول لهم أن رأس القضية وسبيلها إتّباع محمد rوالذي يعمل خيراً من غير المسلمين يأخذ أجره في الدنيا ولا يظلم الله تعالى أحداً (وما ربك بظلام للعبيد) والله تعالى يعطيهم الشهرة والمال في الدنيا، لكن هل هذا يجيز للمسلمين أن يتراخوا ويتركوا الدنيا ويقولوا لنا الآخرة والدنيا لغير المسلمين؟ كلا لأن الله تعالى تبارك وتعالى قال (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) التوبة) هناك آيات كثيرة تدعو إلى العمل في القرآن وليس هناك تراخي في العمل في القرآن والإيمان مقترن بالعمل الذي ينفع العباد يجب أن تشتغل إلى درجة أن ينتفع غيرك بعملك.
والحديث القدسي يوضح مرحلة الحب ماذا يحصل بعدها؟ " فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه ". هل هناك أجمل من هذا الحديث في درجة العبودية لله تبارك وتعالى؟ تخيل عندما يكون الله تبارك وتعالى سمعك وبصرك ويدك ستستحي أن تعمل السيئات بعد أن فهمت الحديث أن الله تبارك وتعالى سمعي وبصري ويدي. والتوقيع في الحديث جميل جداً " كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها " عندما يكون الله تعالى سمعي سأسمع بتدبر وسأتوقف عن سماع ما لا يجب سماعه طالما تيقنت أن الله تعالى سماعي وإذا خاف الناس إستقر المجتمع ولكن الناس بعيدين عن التدبر وهناك إستهتار لحالة التدبر. عندنا غفلة حدثت بيقين الآية بدأت (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم) الذين أنعم عليهم ربنا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ثم يأتي بعدها قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)) وفي سورة الفرقان (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) ولخّص (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) لخصها بـ (إتبعوا الشهوات) والخَلْف أي خلف سيء طالح والخَلَف الصالح. ثم جاءت (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً) كما جاء في سورة الفرقان. هل نريد أن تكون خَلْفاً أو من الذين أنعم الله عليهم؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:41 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 27

إضاعة الصلاة وإتّباع الشهوات يُخرِجان من عباد الرحمن.
إذا تأملنا في ترتيب الآيات في سورة مريم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)) نجده مشابهاً للترتيب في سورة الفرقان في صفات عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) بعد أن يذكر الشهوات يذكر إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فكيف الربط بينهما؟
الخطورة بدأت من الخَلْف (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) وقفة مع توقيع الفعل (فخَلَف) أي جاء بعدهم ذرية سُوُّوا بالخَلْف وذكرنا في الحلقة السابقة الفرق بين الخَلْف (الطالح) والخَلَف (الصالح). الصلاة هنا في الآية مجاز أو كناية عن أركان الإسلام كلها، فلما أضاعوا الصلاة أضاعوا بقية الأركان. فالصلاة إذن كناية عن أركان الإسلام والرسول r يقول في الحديث الشريف: "بُني الإسلام على خمس شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاء وحج البيت وصوم رمضان" وسبق أن قلنا أن الإسلام بُني على هذه الأركان وليس محصوراً فيها فقط وكلما قوّيت هذه الأركان يقوى البناء. وعندنا حديث آخر "الصلاة عماد الدين" فإذن عندما نضيّع الصلاة نضيّع بقية الأركان ونضيّع الدين. (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) جاءا في الترتيب وراء بعض لأنهم لما أضاعوا الصلاة لم يعد عندهم دين ولم يعد عندهم عبادة ولم يعد عندهم عبودية وللأسف لم يعد عندهم إله والعياذ بالله. (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) هنا وقفة أن إتباع الشهوات قد يكون في ذات وفي صُلب الدين فبعض الناس تعمل أشياء على أنها تتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى وظنّاُ منها أن هذا تديّن أو زيادة في الدين. نضرب مثالاً على ذلك: المرأة الحائض تريد أن تقرأ القرآن وهي حائض والبعض للأسف أفتى لها أن تلبس قفازاً لتقرأ القرآن لكن نسأل هل يدها وسخة حتى تغطيها وتقرأ القرآن؟ هناك آداب فرضها ربُّ الناس. المرأة الحائض في تركها للقرآن في هذه الفترة عبادة وطاعة لله تبارك وتعالى لأن الله تعالى أمرها بأن تقطع الصلاة في فترة الحيض فعليها أن تقطع. المرأة الحائض التي سيتركها الركب في الحج في مكة نقول لها تحفّظي وطوفي وإسعي عند الضرورة لكن لا تصلّي ولا تدخلي المسجد، هي لا تصلي وهي حائض. الجُنُب الذي إنقطعت الماء عنه نقول له تيمم وصلِّ. لكن المرأة الحائض لا نقول لها تيممي وصلّي. والمرأة الحائض قيل لها توقفي عن الصلاة فترة الحيض لأن الصلاة كلها قرآن: الفاتحة وما تيسر، وسبحان الله العظيم وسبحان ربي الأعلى توقيع لما في القرآن (فسبح باسم ربك العظيم، سبح اسم ربك الأعلى) فالتسبيح توقيع القرآن. فمن تعظيم القرآن إذن أن لا تقرأ الحائض القرآن وهذا الحرمان هو طاعة لله تبارك وتعالى وعبادة لأنها تسير على مراد الله تبارك وتعالى لا على مرادها هي.
إتباع الشهوات والهوى في مسألة دينية وإياكم إتباعها لأن الله تعالى يرفضها وفي صفات عباد الرحمن يقول تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان). البعض سألنا في إحدى المحاضرات هل هناك قتل بالحق؟ نعم هناك قتلٌ بالحق مثل رجم الزاني وقتل المرتد والقصاص كلها قتلٌ بالحق. في صفات عباد الرحمن قال تعالى (ولا يزنون) وفي صفات المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)) يوضح القرآن لنا الحرام (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) هذه آية واضحة.
(أضاعوا الصلاة) نقطة خطيرة، البعض يسأل كيف نضيع الصلاة؟ يمكن أن يكون صلّى ولم يعمل بها فيكون أضاعها لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فلو صلّى وأتى الفحشاء والمنكر يكزون أضاع الصلاة كالذي يأخذ دواءً منتهي الصلاحية فهو لا ينفعه ولا يضره فهو كأنه أخذ ولم يأخذ وصلّى ولم يصلِّ. الرجل المسيئ صلاته صلّى ورآه المسلمون في المسجد يصلي لكن الرسول r لما رآه قال له: إرجع فصلِّ فإنك لم تصلي. فإذا أخذنا هذا الكلام بمفهوم الآية في الكناية والمجاز يكون أضاع الصلاة والزكاة والصيام والحج. حجّ على هواه وزكّى من حرام وصام صيام قال فيه r:" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". صلى ولم يصلي وزكى ولم يزكي وحج ولم يحج. كلمة أضاعوا الصلاة تُبيّن أنهم عملوها لكن ضيّعوها ولم يستفيدوا منها ولم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر.
سؤال: "ضيّعك الله كما ضيّعتني" هذا ما تقوله الصلاة يوم القيامة لمن صلّى ولم يصلي؟ أو لمن صلّى ولم يستشعر عظمة الله تبارك وتعالى؟ أو الذي لم يصلِّها في وقتها؟ أو غير المنتظم فيها؟
هذا ينطبق عليها بيقين لأنه عندنا حديث لا ننتبه له في الصلاة " صلّوا كما رأيتموني أصلّي" وحديث آخر في الحج " خذوا عني مناسككم" لكن للأسف نحن لا نصلي مثله r ولا نحج مثله. والنتيجة يستوي عندنا إن صلينا في موعد الصلاة أو بعده، إن قرأت بسرعة أو أسرعت في الحركات. المفروض أن أقوم بالشيء على مراد الله تبارك وتعالى ورسوله r. في الآية قال تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) مريم) الغيّ هو الشِرك والضلال، أي يلقون جزاء الغيّ مثل قوله تعالى (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان) جزاء الإثم واستثنى أي أنه يمكن أن يكون أحدهم قد أضاع الصلاة واتّبع الشهوات لكنه تاب وصلى لكنه عليه أن يؤدي (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) لما نسمع هذه الآية كأن الإيمان حصل له شيء وكأن الذي أضاع الصلاة خُدِش إيمانه ولم يعد الإيمان كما يجب. (وَعَمِلَ صَالِحًا) الذي فعل هذا رغم أنه كان أضاع الصلاة واتبع الشهوات هناك قال (فسوف يلقون غيّا) لكن في هؤلاء التائبين قال (فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) هنا أيضاً تكررت لفطة (الرحمن) ولفظة (عباد) أي عباد الرحمن وُعِدوا بجنات عدن التي هي الغُرفة التي هي أعلى مكان في الجنة. الغُرفة يطلقها العرب على أحسن مكان في البيت ويجب أن يكون عالياً، الغرف تكون عالية. (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) يقابلها في سورة الفرقان (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) ويقابلها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) الفرقان) يؤكد الله تبارك وتعالى (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان).
سؤال: هل مسألة إتباع الهوى نوع من إتباع الشهوات؟
الشهوة تتضمن الهوى، إرضاءً للهوى وكلها على مراد غير مراد الله تبارك وتعالى. لو عدنا إلى سورة الإسراء نجد قوله تعالى (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)) (على مكث) تعني أن هذا القرآن إذا قُريء بسرعة لن يدخل إلى مراحل تلقي القرآن: مرحلة الإدراك والوجدان والنزوع التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة والذي يقرأ القرآن بسرعة لن يُطبِّق. قال تعالى (نزلناه تنزيلا) أي متفرقاً على عكس الإنزال (وبالحق أنزلناه).
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا {س}(109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111))
الناس تقول نقرأ القرآن ولا نبكي فنسألهم متى بكى هؤلاء؟ الآيات ذكرت (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) في البداية لم يكن هناك بكاء لكنهم لما سبّحوا ربهم خرّوا يبكون (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) إذن لما حصلت عملية التسبيح والتنزيه لله تعالى وأدخلوا القرآن ضمن نطاق الإدراك والوجدان والنزوع خروا للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا. لكن طالما أنت جاعل القرآن خارج الإدراك والوجدان والنزوع لن تبكي. أما في سورة مريم فهؤلاء خروا سجداً وبكياً لأن الله تعالى أنعم عليهم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم).
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) ذكر لفظة الرحمن وهي الصفة الوحيدة التي جاءت مقابل إسم الجلالة الله لأنه بالرحمن يرحم المؤمن والكافر والمتفي والعاصي أما لفظة الرحيم فلا تكون إلا للمؤمنين فقط ولفظة الرحمن جاءت هنا في الآية لأن الكافر الذي قد يأتي إلى الإيمان يأتي بهذه الرحمة الواسعة.
بعض الناس لا يتمالك نفسه أو يضبطها فيزني ويتبع هواه والبعض يتبع الهوى في الدين فيختار الدين على مراده هو وليس على مراد الله سبحانه وتعالى فيرفض مثلاً كل ما لا يفهم الحكمة منه والبعض يسأل فهمنا سبب تحريم الخمر لكن لما حُرِّم الخنزير؟ هذا بمجرد إبداء رأيه في مسألة هو يوافق عليها يكون قد إتبع هواه. نقول لهذا الإنسان أن جرعة الخمر الواحدة لا تُسكِر لكنها حرام على مراد الله تبارك وتعالى وليس على مرادي أنا، ما أسكر كثيره فقليله حرام.. أنا لا أترك الحرام لأني اقتنعت بحرمته لكن أتركه دون أن أناقش لأن الله تبارك وتعالى حرّمه. أمتنع عن الذي حرّمه الله تعالى لأنه هو سبحانه حرّمها. فالميسر مثلاً حتى لو لم تخسر فيه فهو حرام سواء خسرت أو ربحت إذا خسرت تكون ضيعت المال وإن ربحت يكون كسباً حراماً وتكون قد خسّرت مسلماً آخر وأنت تمتنع عنه لأن الله تبارك وتعالى أمر بالابتعاد عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) المائدة) القضية هي أمر طاعة مجرّد، أنت عبد لله تعالى فهمته أو لم تفهمه. الأمور الدينية في الحلال والحرام لا فلسفة فيها ولا إختيار بشري. المولى عز وجل ضرب لنا أخصّ موضع العبودية في أشرف المواقف فقال تعالى في الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) وقال في الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) تنزيل القرآن أعظم ما يحدث ومع هذا قال (على عبده). القصة قصة طاعة مجردة فإذا إعترفت أنك عبدٌ لله تعالى لا تناقش تكاليف الله تبارك وتعالى وإلا صرت ممن اتبع هواه وتخرج من طاعة الله تعالى وتخرج عن نطاق العبودية وهذا يحدث كثيراً للأسف في مجتمعاتنا الذين يرون في بعض التكاليف رجعية ولا تصلح لزماننا لكن غاب عن هؤلاء قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) الأحزاب) إذا قال الله وقال الرسول r علينا الإتّباع وإلا خرجنا من نطاق العبودية.
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء) المكث أي الهدوء والروية والتؤدة والاستعداد للتلقي. نحن للأسف نقرأ القرآن ونسابق لنقول إنتهيت من كذا جزء ولا نقرأه على أساس أنه منهج. فالمطلوب أن أقرأ القرآن لأنه منهج وليس مجرد قراءة صفحاته. وللأسف نحن نضيع أبناءنا لأننا نهتم بدراستهم للمواد العلمية وندعهم يتركون القرآن فنتابع معه الدراسة في كل المواد العلمية وعندما يصل إلى مادة القرآن نقول له ادخل نم فهذا غير مهم لأننا للأسف لا نملك نزعة التلقي الحق للقرآن ولو علّمنا أولادنا كيف يتلقى بشكل صحيح تنتظم حياته ولو علّمناه كيف ينتظم في صلاته فسوف ينتظم في حياته وفي مواعيده. سعيد بن المسيب عندما سمع الحديث الضعيف أنه لو صلّى الإنسان في المسجد أربعين صلاة يُشهد له بالإيمان ويدخل الجنة وغيره فبقي 40 سنة يؤذّن المؤذن وهو على وضوء داخل المسجد ينتظر الصلاة ومن ينتظر الصلاة كأنه يصلي، كأنه في صلاة، هذا الإلتزام بحد ذاته هو بداية إقامة الصلاة فالذي يفعل هذا لا يمكن أن يقرأ الفاتحة بسرعة أو يصلي بسرعة. يجب أن نصحح أنفسنا وصلاتنا، نحن علّمونا منذ الصغر في المدارس أن نقرأ الفاتحة وسورة قصيرة في الصلاة وهذا خطأ فالمطلوب أن نقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن لا سورة قصيرة ونحن للأسف كبرنا وما زلنا نصلي بالفاتحة وسورة قصيرة فما المانع أن نقرأ ما تيسر من آيات من سورة البقرة أو غيرها؟ ولكن الحمد لله تعالى أنه توجد مدارس الآن إسلامية تهتم بالمنهج العلمي وتهتم بالمنهج الديني من قرآن وفهم وتفسير وتطبيق.
الآيات التي نتدبرها في هذه الحلقة هي مجموعة آيات لها معنى واحد (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء) فرقناه أي نزلناه على مدى 23 سنة ونحن للأسف نريد أن نقرأه في أسبوع وهذا لن يؤدي إلى فهمه، صحيح أنه نحتاج لقراءته كل أسبوع لكن لمراجعة الحفظ وتداخل الآيات لكن علينا أن نتدبر. والتدبر لا يكون في أسبوع أو شهر أو سنة. التدبر يكون كما نزل على مدى 23 سنة. لما قال تعالى (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ) الآيات بعدها توضح معناها (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) أي نزلناه تنزيلاً متفرقاً يناسب الأحداث والظروف والتشريع. فمن قراءة الإنسان للقرآن يبدأ العمل. الذي يقرأ (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) يبدأ يأخذ كل كلمة في الآية ويتدبر لم نزلت ولم قال يمشون ولم قال عباد ولم قال الرحمن ويأخذ كل كلمة ويطبقها في حياته لكن المشكلة أن كثيرين يقرأون القرآن وهم على الكِبر وعليه أن يستغفر الله ويطلب منه أن يخلّصه من الكِبر لأن الرسول r قال " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" وقال r" الكِبر بطَر الحق وغمط الناس". المسألة ليست مسألة كم قرأت من القرآن؟ وإنما ماذا فهمت؟ وماذا طبّقت؟
نحن بدأنا في صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان وتدبرنا للفظة (الرحمن) جعلتنا نذهب لبداية سورة الفرقان (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) ثم إنتقلنا إلى سورة مريم ووقفنا عندها ثم انتقلنا إلى سورة الإسراء (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الرحمن صفة وحيدة تأتي بمقابل إسم الجلالة الجامع (الله). كل هذا تدبّر لنصل في النهاية أن نخرج من صفات عباد الرحمن بهذه الصفات التي يجب أن نكون عليها في الدنيا حتى نسمع قول الحق تبارك وتعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا). آخر آيات سورة الفرقان آية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) لو وقعت في قلب مؤمن حق يسجد لله تعالى ويطلب من الله تعالى أن يحفظه ويعافيه من هذه الصفة ومن هذا التوصيف، يجب أن نسأل أنفسنا لمن هذا الكلام في الآية؟ للمشرك؟ أو للمنافق؟ أو لأي شخص دون عبد الرحمن؟ الخطاب لكل من ليس من عباد الرحمن. (فسوف يكون لزاما) ما معنى لزاما؟ ولو كنت من أهل هذا التوصيف في الآية ماذا أفعل وكيف أخرج منه؟ الله تعالى لا يُلزمه شيء سبحانه ولكنه ألزم نفسه تبارك وتعالى باشياء (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ). كم من المسلمين هم غير مسلمين؟ وكم تائب يتوب كل لحظة؟ هذا كله من فضل الله تبارك وتعالى ورحمته التي وسعت كل شيء. هذه الرحمة الواسعة من الله تبارك وتعالى تُدخِل في الإسلام كل يوم عدداً من المنافقين والمشركين والمسلمين الذين كانوا مسلمين بالإسم فقط. كل آيات التوبة (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) مريم) تدل على أن التوبة عملية متكاملة فيها توبة وأوبة وإنابة واستغفار ورد حقوق ومظالم فهي إذن عملية وليست مجرد كلمة. فالمسألة ليست صعبة وليست سهلة ورحمة الله تبارك وتعالى أوسع مما نظن وأن الله تعالى لا يغلق بابه أبدأ لأي طارق أو لأي من يلجأ إليه. هناك قال (أولئك يدخلون الجنة) وهنا يقول (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هذه مكافأة لعباد الرحمن أن الذي تاب صح وآمن صح وعمل صالحاً صح يبدل الله سيئاتهم حسنات كأن هذا ضمان أنه لن يعمل سيئات مرة ثانية. عند كثير من المفسرين أنه إستبدال لما كان متوقعاً منهم على الضلال سيكون على الهدى. ثم قال تعالى (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) تأكيد. (متابا) كأنه ذهب إلى مكان لا يريد أن يخرج منه من جمالها (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وأقيموا الصلاة (31) الروم) المكان متاب، عمل سياج تقوى فيه وجلس يصلي ويصوم ويتعامل مع الناس بصدق وبحق وبأمانة وبتقوى وبإحسان، يمهل المُعسِر ويسرع في أداء ما عليه، هذا جلس في (متاب). ماذا يحصل له؟ (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) الغرفة هي أعلى مكان في الجنة وهي متميزة داخل الفردوس. بعد التحقيق وجدنا أن الغرفة هي التميز داخل التميز, الغرفة تظهر مع هول المطلع عند أول سكرات الموت كما ذكرنا في حديث خروج الروح حينما يعلم الميت مكانه في الجنة وتأتيه الملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس بحنوط وكفن من الجنة لا علاقة له بكفن الدنيا وحنوطها وبعد أن يجيب على الأسئلة الأربعة في القبر ينادي الله عز وجل أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة فيقول العبد حينها: اللهم أقِم الساعة لأنه أمِن والعكس في حال أهل النار الذي يرى مقعده في النار يقول رب لا تقم الساعة والعياذ بالله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:43 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 28

نبدأ من أول توصيف عباد الرحمن للتثبيت: الكلام بدأ بحرف الواو كأن الكلام مسترسل والمفروض لو أنه موضوع جديد يبدأ بجملة جديدة لكن الواو الناس تفهم أنها حرف عطف في أغلب الأحيان فهل هي هنا حرف عطف أو إسترسال؟
في الحقيقة الواو هي واو إستئناف لكلام مبني على ما قبله من الآيات. ولقد اتفقنا أن قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)) بدأت تصف كل من أنكر أو كفر بالله تبارك وتعالى. فكأننا بالله تبارك وتعالى أما عباد الرحمن. عندما نأخذ عباد الرحمن يجب أن نفكر في شيء: نحن كمسلمين ماذا ننوي فعله في المستقبل وقد تردّى الوضع العام للأمة بنا وهذا شيء يقلق الإنسان؟ لكن الإنسان الواعي يجب أن يفهم أنه لن يحاسب على ما حوله من الأحداث ولكن سيحاسب عن عقيدته وعن إيمانه ويستطيع من هو في قلب هذه الأحداث المتردية أن يكون من عباد الرحمن وهذا سر وصف المولى عز وجل لهؤلاء العباد في هذه الآية بالذات بهذا الترتيب. نحن اتفقنا أن كلمة الله هي الإسم الجامع لكل صفات الجمال والجلال، قد يسأل أحدهم كان يمكن أن يقول وعباد الله (الإسم الجامع) ويقول قد تكون أولى، لكن نقول له هذا توصيفك أنت والقرآن كلام الله على مراد الله ولو تدبرنا لوجدنا أن عباد الرحمن أفضل من عباد الله هنا في الآيات.
سؤال: لماذا جاء الأمر بالسجود بإسم الله تعالى الرحمن (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ (60)) وليس الله؟
كأني بالله تبارك وتعالى يهوّن عليك المسألة. لو قال اسجد لله، الله فيها الرحمن وفيها المتكبر وفيها المقتدر وفيها صفات ترهبك وهي صفات الجلال كلها صفات مرهبة ترهب العبد فاختار تعالى أخص صفة. لو قال مثلاً اسجدوا للرحيم لا تكون كالرحمن لأن الرحيم - بعد دراسات كثيرة - ثبت أنها تكون للمؤمنين فقط لا يرحم الله برحمته من الرحيم إلا من آمن به بدليل يوم القيامة لن تجد كلمة الرحمن ولكن تجد كلمة الرحيم. لأن الرحمن صفة من صفات الإمتلاء والكمال التي تعمل في الدنيا حتى يطعم الكافر. لو أن الله تعالى ليس رحماناً لم يطعم الكافر " لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" إلا أنه رحمن لأن الصفة ممتلئة فحتى الكافر يطعم ويعيش في نعيم لعله يفيق ويرجع. لما قيل لهم اسجدوا للرحمن لأنه رحمن فتكون استجابتهم أسرع ومع ذلك لم يستجيبوا. ولما جاء إلى التوصيف (يجب أن نعيش السجود لأن المفسرين اختلفوا في معنى السجود هنا). السجود في الآية ليس بمعنى الصلاة وليس سجود الصلاة وإنما السجود بمعناه اللغوي الذي هو شامل للصلاة أي أن الصلاة تكون مرتبة فيه، لأن كلمة سجد معناها خضع وخشع، فاسجدوا للرحمن أي اخضعوا للرحمن وانصاعوا لأوامره واجتنبوا نواهيه، هذه هنا عملية العبادة التسليم لله وتستسلم لأوامره وتصدق رسله بدليل أن إسلامنا بمحمد r لا يصح بكفرنا بعيسى u والقضية ليست في عيسى u ولكن في رب عيسى لأن رب محمد r هو رب عيسى uفإنكارك لعيسى إنكار لمن أرسله سبحانه وتعالى لذا العبودية لا تتجزأ ومن أصل العبودية عندنا ومن صحيح الإسلام عندنا أن تؤمن بحميع الملائكة وبجميع الرسل وبجميع الكتب الصحيحة التي أنزلها الله تبارك وتعالى قبل تحريفها، إيماننا بالتوراة قبل التحريف وبالإنجيل قبل التأليف، هذه هي عقيدتنا. لذا صفات عباد الرحمن هي الصفات الفارقة بين العبادات السليمة والعبادات غير السليمة.
الحق لا يتعدد والآيات هذه مبنية على هذه الفكرة، قوله تعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) الفرقان) الجاهل هذا بماذا سيتكلم؟ بمنطق مجافي للحق. لأن الحق لا يتعدد فعباد الرحمن عندهم الحق والجاهل ليس عنده فسيكون هناك مشكلة في الحوار فالمولى عز وجل يعلمك وأنت عبدٌ له عليك أن تتعامل بطريقة أعطاها الله لك وأمرك بها حتى تكون أنت في حد ذاتك كعبدٍ لله رسول. هذه الآيات يجب أن نتوقف عندها كلمة كلمة بالمعنى ولازم المعنى والمراد منها. فكلمة (سلاماً) في حد ذاتها كلمة، لوسألنا ما معنى سلاماً ستقول معناها قولاً هيناً وهذا ليس المعنى ولكن لازم المعنى، ما المراد منها؟ المراد هنا أن يكون الحوار بينك أنت كعبد للرحمن وبين الجاهل (الجاهل ليس الأمي)، فرق كبير بين الجاهل والأمي. الأمي لا يتعبني، وقد سبق وذكرنا معنى الأمية وقلنا أن الأمي هو الذي يكتب ولا يحسب إنما يقرأ لأن القراءة تكون عن سماع وليس عن كتابة. وأنت تكلم الأمي ليس عنده خلفية ولا عوامل تعليم فسيسمع كلامك ويأخذه أما الجاهل فهو يحتاج لمسح ما عنده ثم تدخِل ما عندك، لذا اختار تعالى كلمة (الجاهلون) في لغة الحوار، الذي يخاطب هو الجاهل ويعطيك عكس كل كلمة تقولها ويستهزئ بها، تقول له الحج يقول لك وثنية ولماذا تلفّ سبع مرات حول الكعبة ولماذا سبعة ولماذا تصلي ركعتين بعدها؟ ويسفّه كل ما تفعله، الصلاة، يقول لك أن المولى لا يحتاج لصلاتك.
واضح أن هذا الكلام يقع تحت بند الضلال أنه طالما هذا الجاهل جهل الحق المبين فهو واقع تحت الضلال المبين لذا يقول تعالى (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ (32) يونس) لأن الحق لا يتعدد إما حقٌ وإما باطل ومن عين اللغة البيان العربي أن من أسماء الله تبارك وتعالى الواحد ومن أسمائه الحق لأن الحق واحد لا يتعدد ومن أسمائه الأحد لأن الواحد قد يكون بعده ثاني أما الأحد فليس معه ثاني (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) يونس).
سؤال: أول توصيف لعباد الرحمن هو المشي، فهل هناك دلالة خاصة للبدء بصفة المشي في توصيف عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) الفرقان)؟ كأن مشوارهم في الحياة يبتدئ بالمشي؟
الآيات ليست بالمعنى أو بلازم المعنى وإنما بالمعنى ولازم المعنى والمراد من المعنى. لو تكبر الإنسان لن يكون من عباد الرحمن. بدأ الله تعالى بوصف المشي (يمشون) ولم ننتبه إلى أن كلمة عباد الرحمن فيها وصف لذواتهم هم اختاروا أن يكونوا عباداً وليس عبيداً. كلمة (وعباد الرحمن) فيها وصف بدون أن نشعر، كلمة (يمشون) واضح أن فيها وصف لكننا لم ننتبه إلى الوصف الضمني في (عباد الرحمن). هل الكافر من عباد الرحمن؟ لا هو من العبيد وليس من العباد فيجب أن نفهم أولاً نحن كمسلمين ونحدد منهجاً لنا كمسلمين وإلا سنصطدم بواقع مؤلم جداً طلب عباد الرحمن من الله تعالى أن لا يقعوا فيه (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان) فالذي لن يفيق ويضع نفسه في مصاف عباد الرحمن سيصطدم بواقع لا تبديل له ولا فرار منه. ومن هنا هذه الآية يجب أن تبدأ بحمد الله أن أبقانا على قيد الحياة حتى نفيق إلى توصيف أنفسنا، فكلمة عباد الرحمن فيها توصيف هم اختاروا وتنازلوا عن اختيار أعطاهم الله تعالى إياه، هذا الاختيار هو: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) ما أعظم هذا الإله؟ وما أعدله! هل يوجد حاكم في الدنيا يضع قانوناً أو منهجاً ثم يقول للناس هذا القانون ولكم حرية الإختيار؟ الذي اختار المولى أعطاه صفة الرحمن وأعطاه صفة العباد وليس العبيد.
سؤال: يصدر قانون من قوانين الحياة كقانون حزام الأمان في السيارة فتجد المجتمع من اليوم التالي يتقيد بهذا القانون ويلتزم به حتى لا يدفع الغرامة المالية مهما كانت بسيطة، نفس الشخص يعرف أن الرشوة حرام وخطأ ويعرف أن عليه غرامة ورب العالمين سيحاسبه عليها يوم القيامة ومع هذا لا يتقيد بالقوانين الإلهية فهل السبب في هذا أنه لم ير أحد الله تعالى ولأن العقاب مؤجل إلى يوم القيامة وهل لأن الناس تقول إن الله غفور رحيم ويغفلون عن أنه سبحانه شديد العذاب؟
هذه تجعل الشخص يسوّف ويماري لكن لا تجعله يفلت من العذاب. هي تجعله يؤجل ويسوف ويماري لكنه لا يفلت من العذاب. عندنا قاعدة في منتهى الإبداع: الرجل في أوروبا وأميركا والذي وصل لدرجة عالية من العلوم وتجده كافراً تقول له عرفت أن تبحث في كل هذه العلوم الصعبة ولم تعرف أن هناك إله واحد؟ هذا غير ممكن هذه حجة مدحوضة يوم القيامة لأن الإيمان فطرة أزلية أنت بفطرتك السليمة قبل الخلق في عالم الذر شهدت بأن الله واحد وأنه هو الحق (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) أشهدهم ولم يسألهم وهم قالوا كلمة لغوية بحتة (قالوا بلى) لم يقولوا نعم إذن نحن علماء بالفطرة السليمة. الفطرة السليمة هي التي تجعل بعض العلماء يؤمنوا. هذا السبب والحيثية هي نظرة رضى من الله تبارك وتعالى، قطرة من فيض جود الله تملأ الأرض ريّاً ونظرة بعين رضى الله تجعل الكافر وليّاً لذا علينا أن نتمسك بهذا الإله الحق ونعتصم به ونلجأ إليه بالعبودية.
(وعباد الرحمن) يجب كمسلمين أن نفهم معنى العبودية والعبادية والعبيدية. نضرب مثالاً بأي مسلم وأي مشرك أو يهودي أو منافق كل هؤلاء زمرة واحدة التي هي تحت بند الجهل. تعريف الجاهل عند أهل اللغة هو السفيه والسفيه هو الذي يقلب المستحيل ممكناً ويكلمك فيه، ولذلك وصفهم تعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) الفرقان) لأن السفه أقل مرتبة من الجهل. (عباد) فيها توصيف تعني أنهم تنازلوا عن إختيار فرضه الله تعالى على الخلق جميعاً (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف)، رفضوا اختيارهم وألجأوه إلى اختيار الله تعالى لتكون عبادتهم على مراد الله عز وجل لأن الذي لن يفعل هذا من مشرك أو كافر أو منافق لن يمكنه أن يستيقظ صباحاً ويفعل شيئاً لم يرده الله تعالى ولم يكتبه عليه لذا فهو عبد. أنت عبد من العباد الذين تحرروا من عبودية الناس إلى عبودية رب الناس لكنه هو من العبيد الذين ارهقوا أنفسهم بالعبودية لغير الله تبارك وتعالى، اليهودي مثلاً أقل ما يقال أنه عبدٌ لهواه وضيّع نفسه واتخذ إلهه هواه هذا أقل شيء. كلمة (وعباد الرحمن) تبين أنهم تحرروا من عبودية القهر إلى عبودية العِزّ ولتأكيد الفكرة في أدق المواقف في القرآن الكريم مثل موقف الإسراء والمعراج قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) الإسراء) ليبيّن أن العبودية عز وشرف ولو أنك خيّرت الرسول r أن يكون في هذه الآية نبياً أو رسولاً أو عبداً لاختار أن يكون عبداً لأنه على مراد الله والقرآن كلام الله تعالى. فلما يقول: (سبحان الذي أسرى بعبده) يجب أن نفهم ما هي أسباب الإسراء؟ لنريه من آياتنا كما جاء في الآية. لكن ما هي حيثياتها؟ فرق كبير بين الحيثية والسبب، الحيثية يعني ما الذي جعل محمداً r يكرّم هذا التكريم؟ ما هي حيثية اختيار محمد r لهذه الرحلة؟ لأنه أحسن من عَبَد الله تعالى في العبودية بالعبادية بدليل أن المولى عز وجل اختارها (بعبده) فالتكريم للرسول r لأنه عَبَد صح. لو نظرنا إلى الخلق من عهد آدم إلى يوم القيامة سنجد 124 ألف نبي من عهد آدم منهم 314 رسول منهم 5 أولي العزم أصحاب الرسالات الكبيرة على رأسهم وأفضلهم محمد r. الكون من عهد آدم إلى يوم القيامة فيه إصطفاءات تضيق شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى محمد r. 124 ألف نبي منهم 314 رسول منهم 5 أولي العزم على رأس أولي العزم الخمسة محمد r، إيماني برسول الله r على قدم المساواة مع إيماني بعيسى u وبموسى ونوح وابراهيم وهود ولوط وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام لا نفرق بين أحد من رسله. لكن عندما يفضل المولى تعالى هذا موضوع آخر. كل نبي جاء بنبوءة فالرسول أفضل لأنه جاء برسالة وأولي العزم أفضل من الباقي ومحمد r الذي جاء ليكون خاتم الأنبياء وليس المرسلين، خاتم النبيين أي ليس بعده نبي لا بهائي ولا غيره (هذا من أنواع الكفر الغبي) هناك كفر واعي وكفر أهبل عبيط، هذا الكفر أن تقول أنه من 100 سنة كان هناك نبي وتقول أنت مؤمن بالقرآن، هذا كلام يتناقض كيف ذلك وفي القرآن قوله تعالى (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) هذه أقفلت على الناس أن يكون بعده نبي أو رسول، لو قال خاتم المرسلين كان يمكن أن يأتي نبي بعده، كل رسول نبي وليس كل نبي رسول، لو قال (وخاتم المرسلين) لكان يمكن أن يأتي بعده نبي ومحمد r رسول نبي لا يأتي بعده نبي وبالتالي لا يأتي بعده رسول لأنه هو رسول.
سؤال: تثار قضايا في المجتمع الإسلامي وكثير من المسلمين إلا من رحم ربي ليس عندهم أدوات الحوار والخطاب والنقاش فكيف أعرف أن أناقش هؤلاء لأن ترك هذه الأفكار الأمور التي تستجد دون حوار واضح وحسم للقضية يثير البلبلة والبعض ليس لديهم ثقافة دينية تجعله ينجو من هذه الأفخاخ التي يزينها الشيطان للإنسان تحت مسميات مثل حرية الإعتقاد وحقوق الإنسان وكلمات حق يراد بها باطل ويقال (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) ليس من حق أي إنسان أن يفرض على المجتمع ما يشاء من معتقدات. قضية البهائية يقولون أن هناك رسول اسمه البهاء دخل السجن من مائة عام ثم جاءه وحي وأصبح نبياً وسينزل عليه كتاب وهناك عدة أسئلة: أولاً مسألة هل تؤمن بالرسالات أو لا؟ إذا كان الجواب نعم فماذا تفعل بقوله تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب)؟ إذا كذبت بها فأنت كافر، ثانياً: البهاء رجل يدعو لإله جديد أو لإله واحد الذي تعبده الناس؟ فإذا كان يدعو لإله جديد فما موقفه من الإله الواحد؟ وإذا كان هو الإله الواحد فماذا يقول في (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)؟ ثالثاً: أين كان البهاء؟
لأنا لن أجيب على الأسئلة لأنهم هم المفروض أن يجيبوا عليها. هذا الموضوع لم يعالج على مفهوم الآية (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وأنا أعجبت ببعض علمائنا الذين تكلموا في الموضوع لكن للأسف لم يأخذوا وقتهم ولا الوقت الكافي ولا فرصة الكلام حول الموضوع بشكل كافٍ ومنهم الدكتور عبد الله بركات والدكتور عبد الله سمك والشيخ خالد الجندي وغيرهم تكلموا في الموضع بشكل ممتاز لكنهم لم يأخذوا وقتهم في الكلام على هذا الموضوع ولذا يجب عمل مناظرة بيننا وبينهم على الهواء لنسألهم أسئلة كثيرة وقد دعوناهم إلى مناظرة فلم يلبي أحد. الآية (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) غير مفهومة، (سلاماً) ليست استسلاماً وليس سلام ترك أو سلام وداع، سلاماً أي إظهاراً للحق بطريقة هيّنة، على تؤدة، بطريقة طبقوا في شرح الآية ما قاله تعالى لنبيه r(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) لما تفعل هذا يتحقق (سلاماً) (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت)، حتى مع عدوك أو مع الجاهل أنت تريد أن تحقق سلاماً. والإمام الشافعي يقول مخالفاً لهذه القاعدة لكنها صحيحة من وجهة نظره:
إني لهجري الصديق تجنياً فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا ابتُليت بجاهلٍ متغافل يدعو المحال من الأمور صوابا
ولّيته مني السكوت وربما كان السكوت عن السكوت جوابا
الأولى أره الحق لكن إذا جهل لا تكلّمه، السكوت قد يكون أبلغ من الكلام، هذه وجهة لكن في الحقيقة المولى تبارك وتعالى يقول (قالوا سلاما) قالوا، تكلموا وأظهروا الحق لكن بلين وبتؤدة وهوادة. وحتى نحسم هذه القضية يجب أن نطبق في (سلاما) ما أمر الله تعالى رسوله r(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل)، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) قبلها قال تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ (34) فصلت) وبعدها قال (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) الصبر في الجدال مهم جداً. بعدما شرح كل صفات عباد الرحمن قال تعالى (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) ساعة ما قالوا سلاماً كان يعني هناك صبر وكلمة (عباد الرحمن) فيها صبر، صبروا على اسنهزاء وإيذاء الكفار لهم والصبر ممتد في كل زمان ولكل زمان له عباد الرحمن، فالقرآن يُصلِح كل زمان ومكان وليس كما يقولون صالح لكل زمان ومكان. فلما يقول تعالى (وعباد الرحمن) هم اختاروا العبادية عن العبيدية، تنازلوا لمشيئة الله تبارك وتعالى واختياره عن مشئيتهم في قوله لهم (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) هم صبروا من أول الموضوع وليكونوا عباد الرحمن هذا فيه صبر. مخاطبتهم الجاهلين فيه صبر، خطاب الجاهلين يختلف عند الناس ونحن نسمع من خلال بعض اللقاءات أنهم يحضرون مسلماً ونصرانياً يقولون دخلوا في البهائية لكن نقول الإسلام لا يُجبر أحداً على الإسلام ولا يصح إسلام من جاء مجبراً إلينا ولا نقبله، هذا إسلام مرفوض. الإسلام ظاهر فوق الجميع ولا يستطيع مخلوق أن يجبر مخلوقاً على الإسلام أما الذي جاء طواعية فلن ينفع أن يخرج منه وهنا الردة فإذا إرتد يحاسبه المسلمون وحسابه عند الله تعالى أكبر. كل المجتمعات لها قوانين ومن يخرج عنها يعاقب. هناك بعض الأسئلة لو سئلت هؤلاء البهائيين ينتهي الموضوع بلسان هؤلاء أنفسهم. اعلماء الذين ذكرتهم تكلموا وأجادوا في هذا الموضوع لأنهم متخصصون في مقارنة الديانات لكنهم لم يأخذوا الوقت الكافي للكلام. الموضوع (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) سلاماً ليست معنى ولا لازم معنى وإنما يجب أن تتحقق بشرح المراد: سلاماً أي لا تجرحهم ولا تحقّرهم وإنما توضح الحجة بالحُجة والحق بالحق بهوادة ولين ودون هجوم ولا خطأ لأن هذا هو المسلم وهذا هو منهجه وأدواته. يجب أن لا نستغرب عندما تصدر هذه الأصوات وعلى رغم من الحرية لكن لكل شيء ضوابطه وليس من حق أي إنسان أن يؤذي مجتمعه. المولى تعالى أخبر أن هذا الكلام سيحصل وأننا سنسمع هذا الكلام كثيراً (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران) تصبروا على الجدال والنقاش لأني أنا كمسلم أنا داعية في حد ذاتي. وأنت تحاور هذا البهائي لا أحاوره لأظهر شطارتي وإنما أحاوره لمصلحته ولإظهار الحق فإن عاد فالحمد لله وإن لم يعد فالمناقشة ستجعل غيره على الأقل يتوقف ولا يذهب إليه أو يفكر في الموضوع. نتيجة حوارك إما أن ترجعه وإما على الأقل أن تمنع غيره من الناس من التفلّت. المسلمون ليس كلهم يصلوا أو يصوموا فالمسألة مسألة فعل، البهائي الذي لم يعلن أنه بهائي ماذا نفعل معه؟ هذا لم يظهر بجهالته على المجتمع وفي مقابل هذا عندنا عباد الرحمن لا يعلنون أنهم عباد الرحمن فالعبودية والعبادية مسألة بين الإنسان والمولى عز وجل.
بُثّت الحلقة بتاريخ 16/1/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:44 PM

عنوان الحلقة: التوبة والاستغفار 29

موضوع المشي في صفات عباد الرحمن والهَوْن وخطاب الجاهلين وسلاما:
قول الحق تبارك وتعالى (وعباد الرحمن) استئناف واختيار من الله تبارك وتعالى لصفوة من عبيده – إن صح التعبير – بكونهم عباد تنازلوا عن اختيارهم إلى اختيار الله تعالى ومراده وتفننوا في إرضاء الله تبارك وتعالى آناء الليل وأطراف النهار. وهم لما فعلوا هذا أخذوا ملمحاً من التكليف والأمانة التي عرضها على السماء والأرض (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت). أنا كمسلم يجب علي أن أسأل نفسي: ما هو ديني؟ ما هي عقيدتي؟ من ربي؟ من إلهي؟ من نبيّ؟ من رسولي؟ ما علاقتي بالله تعالى؟ الإنسان قد يكذب على كل الناس لكنه لا يمكنه أن يكذب على نفسه فإذا حصل وكذب على نفسه تكون نهايته لأنه يكذب ويصدق نفسه. علينا أن نرى أنه ساعة يؤذن المؤذن هناك أناس يدخلون المسجد وأناس لم يتحركوا من مكانهم ونحن عندنا تعليمات من الرسول r " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ" كم واحد في الأمة يفعل هذا؟ وكم واحد يتوقف عما يفعله ويردد مع المؤذن؟ غرض الرسول r ليس مجرد الترديد مع المؤذن وإنما أن توقّع الأذان في نفسك، المؤذن يقول لا إله إلا الله وأنت تقولها بدليل لما يقول حيّ على الصلاة لا نردد خلفه حي على الصلاة وإنما نقول لا حول ولا قوة إلا بالله. إذا كنا ممن دخل المسجد فبفضل من الله تعالى وإن كنا ممن لم يدخل المسجد فبأمر من الله تعالى وأسأل الله المغفرة في حالات الاستثناء كأن يكون طبيباً يجري عملية ولا يمكنه أن يتركه ليصلي. وأنا أتحدى أن كل من يردد مع المؤذن لا بد أنه يقوم للصلاة. وللأسف نشهد في عصرنا أموراً غريبة فمثلاً في وقت المباريات الرياضية ظهر ما يسمى بالأذان السريع الذي ينتهي بسرعة وبدون توقف بين جمل الأذان حتى يعودوا للمباراة بسرعة ومنهم على القنوات الفضائية من يضع شريطاً يظهر فيه أنه حان وقت الأذان بدون أن يضعوا الأذان ومنهم من لا يذكره نهائياً. كم واحد سمع الأذان وردد معه؟ هذا أمر من الرسول r والله تعالى يأمرنا بذلك في قوله (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) قد يقول البعض ما كنا نعلم هذا من قبل فنقول لهم الآن تعلمتم فقولوا الحمد لله الذي أحياني حتى تعلمت هذا الأمر أو غيره.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) البعض يقول هل تريدون أن تردونا إلى عصر الرسول r؟ ومنهم من يقول هل يمكننا أن نكون مثل الرسول؟ الله تعالى لم يقل كونوا مثله ولكن قلّدوه واجتهدوا في ذلك قدر الإمكان ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولكن الله سبحانه وتعالى ما هو وسعك فلا تأخذ الآية بمفهومك أنت ولكن خذها على نطاق علم الله تعالى فيك. وجهادنا في هذا العصر الحاضر له أجره أيضاً وكنا نتمنى لو عشنا في عصر الرسول r.
لو سألنا أنفسنا هذه الأسئلة التي ذكرناها ولو مرة في العمر سنضع أساساً تمشي عليه وهي تشبه أسئلة القبر. أنا كوني جئت من أبوين مسلمين فضل من الله تبارك وتعالى لا أعرف أن أشكر الله تعالى عليه ولو شكرت ليل نهار لا أوفّيه. وهذه النعمة لا نعرفها إلا عندما نرى معاناة من يُسلم من غير المسلمين والصراع الذي يعيشه فكرياً وعقائدياً وعقلياً وقلبياً وصراعه مع أهله ونحن وُلِدنا ونحن نقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ونحن لا نشعر بهذه النعمة. وهذه الأسئلة التس ذكرناها والتي يجب علينا أن نسألها لأنفسنا ولو مرة واحدة في العمر هذه التي تجعل بعض الغربيين وغير المسلمين يستفيقون ويدخلون الإسلام والبعض من غير المسلمين ينتحر لأنه عجز أن يجيب على أسئلة ألحّت عليه، وإذا ضاع الشخص بين الواقع المؤلم والمفروض ينتحر إما من كِبر وإما لأنه لا يمكن أن يواجه الواقع. وأول صفة من صفات عباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هوناً وهذه ضد الكِبر والمشي هوناً يشمل كل أعمالهم حتى لو كانوا في طائرة وليس المشي هو المشي المعروف فقط. جاء بـ (يمشون) لأن حالة الإنسان إما أن يكون واقفاً أو قاعداً ـو ماشياً، الواقف والقاعد لا يظهر عنده الكبر لكن المشي له لازم معنى وهو كيف يتعامل مع الناس. المشي في توصيفه عند بعض المفسرين يضايقك لأنهم يصلون بالمعنى إلى معنى الإختيال وهذا لا ينفع. ننظر في مشية الرسول r لأن مشيته r قضية كبيرة ولما ننظر إلى الرسول r وهو يمشي " كان يمشي هوناً" مثل (يمشون على الأرض هونا) لكنه r كانت خطوته واسعة وهذه تنفي التبختر والاختيال. كلمة هوناً لا تعني على مهل وإنما خطوة واسعة ولكن فيها هِمّة وهي ضد التبختر. كان r وهو يمشي كأنه لا يريد أن يؤذي الساكن تحت ولا يتبختر حتى لا يضايق الذي تحت لكن مشيته فيها هِمّة. والمشي في الآية ليس مقصوداً به المشي فقط وإنما التعامل والتصرفات.
الرسول r ذكر في الحديث " لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذكرة من كِبر" لأنه لا ينفع أن يكون هناك متكبر على الله تعالى لأننا نكون بذلك قد قلّدنا إبليس فتكون العقوبة اللعن والطرد من رحمة الله والنار والعياذ بالله. كيف نصلح المشية؟ ننظر إلى الرسول r كيف كلن يتعامل مع الناس: إبن عباس رضي الله عنهما وهو يشرح صفات عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، لخّصها فقال: علماء حُلماء لا يتكبرون، يمشون بسكينة ووقار يتعاملون مع الناس في بِرٍ وتؤدة على مهل. هذا الشخص لو فيه هذه الصفات يعيش هو في راحة قبل أن يريح الناس. الرسول r كان إذا اشتد عليه جهل الجاهل ازداد حِلماً فكان أحلم ما يكون مع أجهل شخص بدليل الشاب الذي جاءه يستأذنه في الزنا ماذا قال له r؟ وكيف تصرف معه؟ لم يعنّفه وإنما قال له: أرتضاه لأمك؟ فقال الشاب لا، أترضاه لأختك فقال الشاب لا وكرر عليه السؤال عن كل النسوة في رقبته فقال الشاب لا فقال له r الناس أيضاً لا ترضاه لنسائها فقال الشاب: دخلت عليه وهو أبغض الناس إليّ وخرجت من عنده وهو أحبّ الناس إليّ. لماذا؟ لأنه فهّمه مع أنه لم يورد له لا آية ولا حديثاً. وأعجب لمن يذهب لنصراني أو يهودي يريد أن يُسلم ويكلّمه في القرآن وهو غير مؤمن به! علينا أن نأخذ الرسول r أسوة فهو لم يتكلم مع الشاب بقرآن ولا بحديث لكن حدثه بمنطق العرب الذي استثار الشهامة والرجولة فيه. هذا كلام منطق حليم ثم أجلسه r وناقشه فخرج الشاب من عند رسول الله r وهو أحب الناس إليه بعد كان أبغضهم عليه لأن كان يتوقع أن الرسول r الذي جاء بالتكليف سينهره ليمنعه من الزنا. نحن للأسق نحي الرسول r بالحناجر فقط وإلا لما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه الآن. لكن وسط كل هذه الأهواء ما زال بإمكاني مفرد في هذه الأمة أن أكون من عباد الرحمن الذين جاء في وصفهم آية في منتهى الإبداع (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) لم يذكر أنهم يؤدون الفروض الخمسة وإنما قال أنهم يبيتون لربهم سجداً وقياما. الناس كلها تبيت إما لفكرٍ عندهم أو لمشكلة لكن هؤلاء يبيتون لربهم علماً أن لهم مشاكل لكنهم يأتون لربهم لأنهم شعروا بتقصير في النهار. وصف حالهم في النهار (يمشون في الأرض هونا) وفي الليل حالهم (يبيتون لربهم سجداً وقياما) يجب أن نبيت لربنا مرة واحدة ولو جربناها مرة واحدة ما تركناها ونحن لا نقول للناس قوموا في الليل بـ 16 ركعة أو عشرين ولكن نقول صلّي ولو ركعتين بعد العشاء تدخل في هذه الآية.
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما): عباد الرحمن في توصيفهم لا يذهبوا هم ليخاطبوا الجاهل لأنهم بطبيعتهم يعرضون عن الجاهلين ويتفادونهم كما قال تعالى (وأعرض عن الجاهلين) وهذه توجيهات للرسول r في منتهى الإبداع (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) هو عدوك ولكن من طريقتك معه سيكون كأنه ولي حميم والذي جعله يتحول من العداوة إلى الحميمية هي طريقة تعاملك. عباد الرحمن بطريقتهم حولوه من عدو إلى ولي حميم. لكن ننتبه إلى استعمال (إذا) أي أن عباد الرحمن بطبيعتهم لا يتكلمون مع الجاهلين.
(سلاما): سبق أن قلنا أنها لا تعني أن تتركه وتمشي لكن لا تقف وتناقش وتجادل. يمكنك أن تجادله لكن بالتي هي أحسن لكن هذا إذا خاطبك الجاهلون. الجاهل بطبيعته أنت لا تحب أن تكلمه كما أمر الله تعالى رسوله (وأعرض عن الجاهلين) والقرآن لا يمكن أن تتعارض آياته. (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) هناك إعراض (وأعرض عن الجاهلين) لكن إذا خاطبهم الجاهل قالوا سلاما. وللأسف بعض الناس إذا ترك الجدال مع الجاهل يقولون تركه لأنه ليس لديه حجة. لا، هي سلاماً وليست استسلاماً لكن سلاماً بمعناها والمراد منها.
البعض يقول لِمَ أُعرِض عنه والمفروض أن الساكت عن الحق شيطان أخرس والمفروض أن أنصح الجاهل؟ هذا لو بدأ هو بالكلام لكن لو لم يبدو منه كلام فلا أبدأ وإنما أُعرِض عنه فإذا كنت في مجلس وتعرف أن فيه جاهل أو سفيه لا يتكلم بمنطق الأمور لا تتكلم معه بل حتى لو لمّح بعض الكلام عليك أن لا ترد لأن الآية تقول (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). لكن نقول لا بأس أن تتكلم بشكل دعوة عامة حتى يسمع الجاهلون. الأداء القرآني في (وأعرض عن الجاهلين) توقيعها في عباد الرحمن (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). (إذا) يجب أن نرد على الذين يخاطِب لكن بمنتهى الإحترام والإسلام. والإسلام دين وديانة من أعظم الأمور التي حدثت في الكون منذ عهد آدم إلى يوم القيامة لأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين ودين كل من خلقه الله تبارك وتعالى.
الإسلام كدين وديانة دين كل البشر والمخلوقات وهناك بعض المخلوقات تسبح وتعبد الله أكثر من بعض البشر. اليهودية والنصرانية ديانات فاليهودية ليست ديناً وإنما ديانة والنصرانية هي ديانة وليست ديناً. وقد صدق الشخص الذي كتب في بطاقات الأحوال الشخصية (الديانة) ولم يكتب الدين لأنها كانت ستكون كارثة. الدين أساس كل الديانات وعقيدتها. موسى u يقال عنه مسلم جاء باليهودية كرسالة لكنه هو مسلم لله تعالى وكل الأنبياء والمرسلين مسلمين وكذلك أممهم. أمة موسى u مسلمة الدين يهودية الديانة وأمة عيسى u مسلمة الدين نصرانية الديانة وأمة محمد r مسلمة الدين مسلمة الديانة ومن عظمة هذا الدين أن الله تعالى لما أراد أن يختم الديانات سماها بإسم الشرع العام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران) أي أن الشرع عند الله الإسلام. الله تعالى هو الذي أرسل موسى u باليهودية أي أنه موافق عليها كديانة وليست كدين، عيسى جاء بالنصرانية كديانة ودينه الإسلام. الإسلام إذن هو شرع الله تعالى من عهد آدم ونوح وابراهيم وهود ولوط كلهم مسلمون وأولي العزم مسلمين لكنهم جاءوا بديانات ويجب أن لا نقول كلمة أديان سماوية ولكن ديانات سماوية. أرسل الله تعالى 124 ألف نبي منهم 314 رسول ومنهم 5 من أولي العزم وعندما كلم الله تعالى أمة محمد r قال له (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى) وذكر أولي العزم الخمس (مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) إذن أنت مكلف كمسلم أن تكون مؤمناً بالأنبياء والمرسلين من عهد آدم. أولي العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، هؤلاء الرسالات الكبيرة التي ظهرت بين الأمم. يوم القيامة سنتفاجأ بأمم لم تذكر في القرآن (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) غافر) وسنشهد بعقيدتنا وإسلامنا الحق وديننا الصحيح على جميع الأمم حتى التي لم نعرفها.
(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48) المائدة) الشِرعة غير الشرع. الشريعة الإسلامية كديانة غير شريعة النصارى. في حياتنا إذا جاء رئيس بعد رئيس يحاول أن يظهر أن الأول قد ترك له إرثاً من المشاكل والأزمات ويحمّله المسؤولية لكن في شرع السماء لما يأتي رسول بعد رسول فإنه يصدق ما جاء به من قبله كما قال عيسى u(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (6) الصف) فعيسى u وافق على كل ما جاء به موسى u قبله وليس هذا فقط وإنما بشر بمن سيأتي بعده بمئات السنين (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) جاء (أحمد) بمعنى أحمد مني لرب العالمين وليس هذا اسمه. الإسم في العربية يمكن أن يكون إسماً أو صفة. (أحمد) أي أحمد مني لرب الناس والرسول الذي يأتي بعد رسول يكون فيه نقطة تفضيل على من قبله. وصفه عيسى u أنه أحمد المرسلين لرب الناس وهذه مسألة طبيعية. البعض من الذين لم يؤمنوا قالوا نحن ننتظر رسولاً اسمه أحمد والذي جاء اسمه محمد لذا لم يؤمنوا بمحمد r. في التوراة موجود ذكر لمحمد r وقد نجد في بعض الأناجيل الموجودة مواقف مصدقة لما ورد في القرآن لكنهم غيروا وحرفوا في بعض الصفات ونقول أن الأناجيل الموجودة ليست كلام الله وإنما هي صياغة البشر فهناك إنجيل لوقا وانجيل متى وغيرها. لو جاء في القرآن على لسان عيسى u: ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه محمد لكان خطأ لأنه محمد لا يُطلق إلا على موجود. ومن عظمة هذا الرسول r الذس كان أحمد قبل ولادته أن اسمه مشتق من صفة الحمد التي لا تكون إلا لله تعالى وأول آية في القرآن بعد البسملة (الحمد لله رب العالمين) فاشتق من هذا الحمد الذي هو لله إسماً للرسول r ليناسب زمن المتكلم في كل زمان ومكان فهو قبل مجيئه بأكثر من 600 عام أحمد وبعد ولادته محمد وإن قام بالحمد وقد قام فهو في الأداء التوقيعي هو حامد ويوم القيامة محمود المنقلب والمرجع أمام الله تعالى. الإسم من الحمد أنه يُحمد قبل ولادته بكلام عيسى u (اسمه أحمد) وبعد ولادته بتوقيع القرآن (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) وبالأداء حامد ويوم القيامة سيُبعث في المقام المحمود. فكلها أسماء للرسول r وتختلف باختلاف زمن المتكلم. فلو قال عيسى u محمد لتوقفوا عند الإسم لكن عيسى من أدبه في الأداء القرآني تكلم عنه في زمن لم يولد فيه فاشتق له إسم ينفع في كل زمان ومكان. قبل ولادته أحمد، بعد ولادته محمد، في الأداء حامد ويوم القيامة محمود المنقلب أمام الله تبارك وتعالى.
العقيدة لا تتغير فالذي عاش في زمن موسى u وأسلم وعندما جاء عيسى أسلم إذا مات دخل الجنة والذي أسلم في زمن موسى u ومات دخل الجنة والذي أسلم في زمن موسى u وكفر بعيسى فهو في النار وهذا كلام لا يقبل المناقشة ومن يناقش به فهو مكابر. لذا أكرر أنه على كل واحد منا أن يسأل نفسه الأسئلة التي ذكرناها سابقاً: من ربك؟ من رسولك؟ ممن أخذت الرسالة؟ لذا نقول هذا البهاء الذي يدعي أنه رسول أين كان؟ هل تُرِك الكون سنوات بلا نبي حتى يأتي هذا البهاء؟ هذا لا يكون منطق دين أو ديانة.
الله تعالى في صفات عباد الرحمن تدرج في الوصف من مسألة العقيدة من ساعة قوله (وعباد الرحمن) هذه العقيدة السليمة التي يجب أن نطبقها. أنت عبد لله الذي هو الرحمن. سورة الفرقان ترتيبها في النزول قبل سورة الإسراء وفي ترتيب المصحف بعد الإسراء. نجد في سورة الإسراء أمراً بديعاً: يقول تعالى (قل الله أو ادعو الرحمن) فنسأل هل هذا تعقيب أو توضيح؟ لما نزلت سورة الفرقان قبل سورة الإسراء وقال تعالى (وعباد الرحمن) فكأني بالناس يتساءلون أليس الرحمن هو الله؟ لِمَ لم يقل وعباد الله؟ فوضّح لهم في سورة الإسراء أن الرحمن صفة تساوي الإسم الجامع لكل صفات الجلال فقال تعالى (قل الله أو ادعو الرحمن) بعد آية الفرقان لكن في ترتيب المصحف نقرأ الإسراء قبل الفرقان فتقول في نفسك في عصرنا الحديث الآن: الرحمن تساوي الله؟ أي لما نقول عبد الرحمن كما لو قلنا عبد الله؟ فيقول تعالى في الفرقان (وعباد الرحمن) لذا جاءت واو الإستئناف.
(والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما): هل هو صاحي أو نائم؟ وإذا كان صاحياً كيف يبيت ساجداً؟ وإذا كان نائماً فهل ينفع أن يكون ساجداً وهو نائم؟ وهل يستطيع الذي يطبق عباد الرحمن أن يتحكم في قلبه وهل المقصود بالقلب هذه العضلة التي تضخ الدم أو الوعي والعقيدة؟ وكيف أكون نائماً وقلبي ساجد لله تبارك وتعالى؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 23/1/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:45 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 30

سؤال: تعليقاً على ما ذكرناه في الحلقة الماضية عن الجدال قوله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) هذا الكلام مأمور به الرسول r إذا تعرض لأي إيذاء من أهل الكتاب يكون هناك ضوابط للحوار وليس كما يحدث الآن في الإعلام والصحف وحتى في المجالس الخاصة في مناقشة أي أمر في العقيدة أو الرياضة أو غيرها، فالكل الآن يصرخ ويهاجم الطرف الآخر وكأنه يريد أن ينتصر عليه وليس لأحد القدرة على سماع الطرف الآخر. فما الذي جعل مجتمعاتنا تصل إلى هذا مع أن الرسول r مأمور بطريقة مختلفة في الجدال ونحن يجب أن يكون الرسول r قدوة لنا؟
نحن للأسف لم نتعود أن نوقِّع القرآن وبعض آيات القرآن تأتي توقيعاً لبعضها البعض. ولا يفرّق بين التوصيف والتوقيع إلا من قرأ القرآن كله ففهم توقيع كل آية. (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) نجدهم موقّعين في فصلت بتوجيهات للرسول r ولكل الدعاة لكن لا نغفل في وسط هذا التوقيع ما قاله لقمان لابنه (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان) واقصد في مشيك تقابل الذين يمشون على الأرض هونا، واغضض من صوتك تقابل وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. نحن لم نتعود أن نقيم حواراً وأن نوقّع القرآن. كيف أكون مسلماً وأصرخ بصوت عالي والله تعالى يقول في القرآن (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)؟ لا يجب أن يكون صوت المسلم المؤمن الموحد العارف الواعي قارئ القرآن أن يعلو صوته في كل مناقشة لأنه يخرج الحق عن مضمونه. المثل يقول صاحب صوت الحق صوته عالي لكن هنا صوته لا تعني الصوت بمعناه المعروف وإنما نتكلم عن المراد من لازم المعنى أي حجته أقوى، لذا نقول أن القرآن لا يمكن أن يُفهم بغير لغة فقوله تعالى (واقصد في مشيك واغضض من صوتك) هل تتنافى هذه الآية مع قولنا " صاحب الحق صوته عالي" ؟ كلا لأن صوته هنا بالمراد من لازم المعنى أي حجته بالغة، صاحب الحق يتكلم بمنتهى الهدوء لكن كل كلمة يقولها تكون على درجة من الإقناع والهدوء لا يستطيع المجادل أمامه أن يصل إلى جزء منها. لما يقول تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) إن كان سيكون هناك جدال وقد لا تصل إلى جدال. في سورة الفرقان قال تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون) أي أن المسلم الواعي لا يبدأ بتوجيه الخطاب للجاهلين، إلى السفهاء. لذا يجب أن نركز على (إذا) في (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ولذلك قال تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) لما فسر هذه الآية بهذه فلا يمكن أن يجادل الرسول r إلا إذا عُرض عليه الجدال أو سأل أحدهم عن قضية طرحها الرسول r، ليس هناك تناقض. المسلم العادي حتى لو لم يكن داعية يجب أن يطبق الأمر الإلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (وإذا خاطبهم الجاهلون) الجاهل هو الذي يبدأ المناقشة. الناس أصناف تجد بعضهم يسمع لك وهو ساكت ولا تعلم هل سكوته عدم فهم أو أنه مقتنع بما تقول؟ فإذا وجدته سفيهاً لا تجادله لكن لو حاورك في الموضوع تحاوره بكل راحة. توقيع (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) توقيعها عندنا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت). هناك للرسول r(وجادلهم بالتي هي أحسن) وهنا قال (إدفع بالتي هي أحسن) إدفع تعني كأن المجادِل سيعرض عليك كمّاً من القضايا قد لا تستطيع أنت أن تناقشه فيها فإدفع تعني كأن حتى حدّ المجادلة منه ثقيل لذا في الفرقان قال تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون) يعني لما تفهمها جيداً تعني أن عباد الرحمن لا يبدأون بمخاطبة الجاهلين لكن إذا خاطبوهم نوقع القرآن (جادلهم بالتي هي أحسن) و(إدفع بالتي هي أحسن) ووصل في النهاية وهذه نتيجة تطمئنك (كأنه ولي حميم) إذا جادلت بالتي هي أحسن وإذا دفعت بالتي هي أحسن سيكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. ننتبه إلى (كأنه) والشطارة أن (كأنه) تنتهي إلى أن يكون ولي حميم. لا يجب أن نقف هنا فقط وإنما نحن نريد أن نستمر معه لأنها فرصة للنقاش وأنا أريد أو أصل به إلى أن يكون ولي حميم وسيكون صديقاً من الأصدقاء المقربين. لذا يجب أن نفهم أن (جادلهم بالتي هي أحسن) أو (إدفع بالتي هي أحسن) نتيجتها (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) سلاماً تتضمن جادلهم أو ادفع بالتي هي أحسن. ويجب أن ننتبه لأن البعض يقول أول ما يكلمني الجاهل أقول له سلاماً سلاماً سلاماً، هذا لا يصح لأن سلاماً ليست قولاً وإنما توقيع وإذا قلت لأحد سلاماً فأنت تصنّفه من الجاهلين وتتسبب بمشكلة أكبر فسلاماً ليست قولاً يقال وإنما نتيجة وتوقيع أو كلمة المراد منها إدفع أو جادلهم بالتي هي أحسن. ولمعالجة الكِبر في بعض النفوس التي لا تتقبل النصيحة بأن لا تشدد عليه. لا يصح أن يقول أحدهم إذا رأى فتاة بملابس غير محتشمة أن يصرخ في وجهها ويعنفها ويصفها بالفاجرة والفاسقة. البعض يغضب إذا قلت له إتق الله ويعتقد أنك تحقره وغاب عن باله أن (يا أيها النبي إتق الله) قالها تعالى للرسول rأي دُم على تقواك لأن كلمة النبي تدل على أنه نبي يختلف عن البشر وإتق الله أي إستمر على مراد الأمر أو دُم على التقوى. وكذلك البعض يغضب إذا قلت له ربنا يهدينا ويهديك.
الإمام الشافعي يقول:
إني لهجري الصديق تجنياً فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا ابتُليت بجاهلٍ متغافل يدعو المحال من الأمور صوابا
ولّيته مني السكوت وربما كان السكوت عن السكوت جوابا
العتاب هو أن لا تعاتبه، في البداية يوضح له أسباب الخلاف فإذا وجده سفيهاً يصمت لأن في بعض الحالات الكلام لا يجدي. أعرض عن الجاهلين تخدمنا في (وإذا خاطبهم الجاهلون) فإذن أنت معرض عنهم ولو خاطبوك توح القضية في حدود وقد يكون في هذا التوضيح حظ له أن يهديه الله تعالى وإلا فالتزم الصمت.
سؤال: ذكر تعالى أولى صفات عباد الرحمن (الذين يمشون على الأرض هونا) وهناك صفات أخرى وردت لكنها جاءت متأخرة مثل (والذين لا يشهدون الزور) فالإنسان لو صاغ الصفات لوضع بمنطق الصياغة هذه الصفة بعد صفة المشي لكن المولى تعالى في ترتيب الآيات جاء بصفة (يبيتون لربهم سجداً وقياماً) بعد ذكر صفة المشي، فكأنما المولى عز وجل ذكر صفات عباد الرحمن أول النهار وهم يخرجون من بيوتهم (يمشون على الأرض هونا) ثم جاء بصفاتهم عندما يعودون إلى بيوتهم (يبيتون لربهم سجداً وقياما) فكأنما اختصر الرحلة ما بين أول النهار وآخره فلماذا اختصر المرحلة؟
عندنا 13 صفة في صفات عباد الرحمن منها (والذين لا يشهدون الزور) وهذا يعتبر من المشي لأننا قلنا أنه لما قال تعالى (واقصد في مشيك) المشي لا يقصد به الخطوات وإنما التعامل وطريقة الكلام وغيره فقد يكون أحدهم جالساً وليس ماشياً وإنما هو في منتهى الكِبر. المشي مقصود به كل ما يحدث في الليل والنهار من تعاملات لكن ننتبه إلى أن النص القرآني يختلف عن الإنشاء فلو أنت تكتب ستكون حريصاً على وضع التعاملات أولاً مع بعض ثم العبادات لكن النص القرآني يختلف لأن الله تعالى أراد أن يبين لنا طريقة العرض القرآني الذي يتكلم عن مجموعة من الناس- من هم عباد الرحمن؟ هل هم المتقين، المحسنين، المسلمين، عباد الله؟ هذه سنشرحها لاحقاً بعد أن نشرح كل الصفات -. نحن نتكلم عن فئة ومن جميل العرض البياني القرآني أنه يتكلم عن ذواتهم تظهر في كلمة (وعباد الرحمن) هذه تتكلم عن ذواتهم ثم يبدأ يتكلم عن صفاتهم الشخصية في التعامل مع الناس ثم أراد أن يبين لنا صفات تعاملهم مع الله تعالى الذي سيدفعهم إلى عدم شهادتهم الزور لأن شهادة الزور من الخطورة بمكان أن يبدأ بها قبل توصيف تعاملهم مع الله لأن الذي سيمنعهم من شهادة الزور عبادتهم لله ولما جاء يستعرض العبادة في صفاتهم مع الله لم يتحدث عن صلواتهم في النهار وإنما قال (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) فالعاقل يسأل: هؤلاء إذا كانت يبيتون لله سجداً وقياماً فكيف هي صلاتهم وحالهم في النهار؟ هم يصلون لكن كيف هي صلاتهم؟ لا يمكن أن يكونوا يبيتون لربهم سجداً وقياماً وهم يصلون الظهر الساعة 2 والعصر الساعة 4.30 ولوحده ولا يصلي الجماعة هذا التوصيف لن تجده إلا في رجل يصلي الفروض في الجماعات ويحرص على جني الثمرات من الحسنات بشتى السبل وكل عمل يقرّبه. أتعجب من رجل وامرأة يصلي كل واحد منهم لوحده في البيت كيف لا يصلون جماعة فإذا كان الرجل لم يصلي في المسجد مع الجماعة فعلى الأقل يصلي مع أهله جماعة في البيت وفي القرآن قوله تعالى (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين). إذن أخّر (والذين لا يشهدون الزور) لأن عدم شهادة الزور تأتي من بيبتون لربهم سجداً وقياماً ولا يدعون مع الله إلهاً آخر، لا يزنون. عدم شهادتهم الزور تأتي بداية من (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) ثم قال تعالى (يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) هذه سبب في لا يشهدون الزور لأنهم يخافون من النار فلو جعل (لا يشهدون الزور) قبل (يبيتون لربهم) فلا يمكن أن تكون هذه سبباً في الأولى. خوفهم من النار يجعلهم لا يشهدون الزور ودعاؤهم لله وحده هو الذي يجعلهم إذا مروا باللغو مروا كراماً ونجد كل توصيف مبني على توصيف سابق فلولا هذا التوصيف ما كان هذا التوصيف.
ما معنى يبيتون؟
يبيتون أي أدركهم الليل ناموا أو لم يناموا. وجاءت من البيتوتة التي لا تأتي إلا من بيت يتاح فيه النوم. لو قلنا بات فلان قلقاً مضطرباً خائفاً لأن النوم لا يأتي إلا مع الإطمئنان يشرح المعنى يعني أنه لم ينام وشرحت أن البيات لا يعني النوم وإنما يعني أدركهم الليل ناموا أو لم يناموا. من عظمة اللغة أن الوقت من المغرب إلى قبل الفجر يقال له بات، الوقت من العصر إلى المغرب يقال له أمسى ومن بعد الفجر أصبح ومن الساعة 11 نقول أضحى، بات (أدركه الليل نام أو لم ينام)، أمسى (أدركه المساء) ، أضحى (أدركه الضحى)، أصبح (أدركه الصبح) كلها من أخوات إن وكلها أفعال ناقصة لا تدخل على الجملة الفعلية وإنما تدخل على الجملة الإسمية تجعل المبتدأ إسمها والخبر خبرها. (والذين يبيتون) يبيتون تعني أنهم تتجتفى جنوبهم عن المضاجع، تتجافى يعني لا يأتيه نوم، لا يريد أن يرتاح يخاف أن يمر الوقت وهو لا يذكر الله تعالى لذا (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) بعض الناس أعربوا (سجداً) حال ولكنها هي خبر بات، ولا تنفع أن تكون مفعولاً لأجله لأن المفعول لأجله يجيب على سؤال لم؟ إذا قلنا قمت إحتراماً لوالدي، نسأل لمَ قمت؟ إحتراماً لوالدي تكون عندها إحتراماً مفعول لأجله. سجداً حالهم سجداً لكن فعل يبيت خبره (سجداً) وإسمه (واو الجماعة) هي الفاعل والنون علامة إعراب لأن الأفعال الخمسة (أحدهم أرسل لي أنه يجب أن نقول ناموا أو لم ينموا فأقول له أن الأفعال الخمسة إذا دخل عليها ألف الإثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة تشذ عن القاعدة الأصلية فتُرفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذف النون، لذا فالجزم هنا بحذف النون وليس بحذف الألف). خبر بات سجداً وقياماً أي هذه أي حالهم. فالذي تعوّد أن يقوم الليل كل يوم فإذا مرت ليلة لم يقم يبقى حاله سجداً وقياماً وإن نام. وفي بحث علمي نشرته مجلة ألمانية أوضح أن الوقت التي تعوّد نفسك عليه لفترة طويلة القلب يعملها حتى لو أنت غيّرت. لو تعودت أن تصلي من الساعة 1 إلى 3 كل يوم ثم في يوم جاءته ظروف لم يتمكن من ذلك فالقلب يفعلها ويذكر الله من نفسه لأنك تعودت على هذا الفعل.
سؤال: في القرآن حوار عن سدس الليل وثلثه ونصفه والناس لا تعرف أن تقسّم الليل فهل يبيتون تعني كلّ الليل أو جزء من الليل وهل قيام الليل في الثلث الأخير الذي له ميزة كبيرة أو يمكن أن نصلي بعد العشاء وتعتبر قيام ليل؟
الأفضل هو ما يناسبك، عمر بن الخطاب قال: من صلى العشاء وبعده ركعتين فهذا قيام ليل، أقل القيام ركعتين وأكثره مفتوح. يمكن أن تصلي العشاء والسنة ثم تصلي ركعتين بعدهما ثم الوتر فهذا قيام ليل. إذا صليت العشاء وأتبعته بالسنة والشفع والوتر ثم قمت في الثلث الأخير لتصلي فصلي مثنى مثنى لأنه لا وتران في ليلة واحدة، وأنت عندما تصلي مثنى مثنى حتى لو جمعتها على الوتر سيبقى العدد وتراً. الرسول r أجاز لعمر وأبو بكر فقال لأبي بكر أصبت الحزم وقال لعمر أصبت القوة لكني أخشى أن ننام عن القيام في آخر الليل ونضيّع الوتر. في عهد الرسول r كان عندهم أذان الفجر الأول والفجر الثاني فالفجر الأول كان يقوم المسلمون ليصلوا القيام وينتظروا الفجر الثاني. من الناحية السيكولوجية الطالب الذي عنده إمتحان في اليوم التالي لا يأتيه النوم وفي الإجازة ينام. نحن نقول صلوا العشاء والسنة والشفع والوتر فإذا استيقظت في الليل يكون تهجداً وإذا لم أستيقظ أكون على الأقل صليت القيام بعد العشاء ويجب أن نقلل الخسارة وعلينا أن نعلم أولادنا على صلاة الفجر في المساجد ولا نتهاون فيها.
سؤال: البعض يقول هل صلاة الفجر في المسجد هي التي ستجعل الأمة متقدمة؟ أليس الدين يسر؟
اليسر في إقامة الشعائر أنك لو كنت متعباً تخفف ما تيسر لأنه لا يُسر مع قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) ولو لم يشأ الله تبارك وتعالى أن يجعلنا نستيقظ لصلاة الفجر لما جعل الصلاة في هذا الوقت. أقول للناس لو استدعاك رئيس الجمهورية في الساعة 4 صباحاً ستستيقظ ولو كان لديك موعد طائرة ستضبط عدة منبهات وتطلب من الجميع إيقاظك. الصلاة كتاب موقوت والتزامك بالصلاة في مواعيدها يجعلك تضبط مواعيدك على مواعيد الصلاة فلا يمكن أن تواعد أحد في وقت صلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء وعند بعض العلماء أنك لو أخذت موعداً في وقت صلاة تكون آثماً لأنك فضلت الدنيا على الآخرة إلا إذا كان بإمكانك أن تصلي في المكان الذي أنت فيه. (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ما دام كلّفك الله تعالى إذن ما كلفك به هو في وسعك. ونقترح على إتحاد كرة القدم أن يجعل مواعيد المباريات ما بين مواعيد الصلوات وهذا هو المفروض وليي في الكرة فقط وإنما في كل التجمعات. حديث الرسول "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشبهات" وأنا أرى أن هذه ليست من الأمور المشتبهات ولا نقول هذه من الشيطان لأن الشيطان لا يقوى على نفس واعية بدليل أنه بنفسه استثنى (إلا عبادك منهم المخلَصين) إذن هناك عباد مخلَصين. علينا أن ننتبه إلى كلمة يبيتون لربهم سجداً وقياماً هؤلاء نموذج للعباد الحقّ.
سؤال: القيام لصلاة الفجر فيه قهر للنفس فهل هو تدريب نفسي لتكون رجلاً بحق حتى نتقدم ونبحث ونكون قوة علمية واقتصادية وسياسية؟
من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله تبارك وتعالى له ما بينه وبين الناس. ما تقوله الرسول r فعلها لأنه شجعنا على الجماعة فقال r: من صلى العشاء في جماعة فكأنه قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" وفي حديث آخر " من صلى البردين دخل الجنة" ذكر لنا صلاة الليل وصلاة العصر والصبح يبقى المغرب والظهر فهذه أوقات الناس مستيقظة فيها وليس فيها تقصير وإنما جاء الحديث بأوقات تكشف المنافق فالفجر وقت كاشف للنفاق، كيف تصليه؟ في جماعة؟ وكيف تصلي الظهر أمام الناس؟ نحن سنحاسب على كل شيء.
(يبيتون لربهم) هل الناس تبيت لربهم أو لنفسهم؟ هناك من يبيت لربه ويتعامل مع الناس لربه (لربهم) تبين أنه يوجد غير لربهم مثلاً لشهواتهم. لو قضيت الليل في خدمة أحد الناس هذه ضمن (لربهم). (لربهم) لا تعني فقط أنك تصلي فيمكن أن تقوم على خدمة أحد وتكون أيضاً (لربهم) وما أجمل أن نأخذ كل عمل نعمله بنية (لله) لأنه لو عشنا لفظة (لربهم) وقارن بين أخوين أحدهما صلى العشاء والسنة والشفع والوتر ونام ثم قام يصلي التهجد وأخوه في غرفة ثانية قضى الليل على الإنترنت والأفلام وغيرها فهل يمكن أن نقول عن هذا الأخير أنه بات لربه؟ هذا بات لشيطانه ولهواه ولنفسه العاصية وبات لغير الله. لذا (والذي يبيتون لربهم) الصفة التالية (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) هم باتوا لربهم سجداً وقياما فلم يدعون بهذا الدعاء؟ عباد الرحمن لهم صفات تختلف عن الصفات النمطية لأن الذي يبيت لربه ساجداً قائماً لماذا يدعو ربنا اصرف عنا عذاب جهنم؟ هؤلاء لأنهم عباد الرحمن (لم يقل عباد الله) كأنما يستقلّون عبادتهم ويتصورون أن النار تزحف إليهم لأن كلمة (إصرف) تبين أن النار زاحفة باتجاههم. البديع في توقيع الآية أن هناك آية (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) كأن الإنسان مهما عمل هو قريب إلى النار عن الجنة بتقصيره. عباد الرحمن رغم كل الصفات أنهم بعد بياتهم لربهم يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم فهم فهموا العبادة بحق وهم خائفون مع كثرة أعمالهم وهذه هي العبادة والعبودية الحقة. سبحانك ما عبدناك حق عبادته هذا ما يجب أن يكون في قلب كل مسلم واعي.
في الترتيب المنطقي البيات ساجد وقائم والسجود عادة بعد القيام فلماذا قدّم السجود على القيام؟ وكيف بيت الإنسان لربه ساجداً وقائماً؟
بثّت الحلقة بتاريخ 30/1/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:47 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 31

سؤال: صفات عباد الرحمن كثيرة وكلها أدوات نستخدمها لنصل إلى حالة المعية وينتهي المشوار في الرحلة الأبدية إلى الجنة، هذا هو الفوز العظيم وهو الهدف العظيم. ما الفرق بين السجود والقيام؟ ولماذا جاء السجود قبل القيام؟ دلالة إسم السورة الفرقان أنها تفرق بين الحق والباطل، وتبين صفات عباد الرحمن ونحن نريد أن نكون منهم. إذا عاد الرجل إلى بيته في الظهر أو في المساء هل إذا نوى عند دخوله أنها لله تعالى وهل تكون (لربهم)؟
هذه القضية تجعلنا نتكلم عن قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) ونعود للوراء قليلاً (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64))، إذا كانوا يبيتون لربهم فيكون لما يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون أيضاً لربهم (لربهم) هنا ليست خاصة بالبيتوتة إنما هي توصيف حال، هم يبيتون لربهم ويشمون على الأرض هوناً لربهم وتعاملوا مع الجاهلين لربهم فتواضعوا لهم لأنه كلما يجهل الشخص المقابل كلما يزداد المسلم الذي تأسى بالرسول r حِلماً. عباد الرحمن يعملون كل شيء لله فإذن البيتوتة لله أيضاً، (لربهم) أي أنهم يعملون كل أفعالهم لله. يمكن أن تكون اللام في (لله) إلى (مع) فكأنهم يعيشون في معية الله تبارك وتعالى وهذا هدف ويعطي نتيجة جيدة فتخيل أنك تصلي لله وعلينا أن نجربها بركعتين لله، نحن لا نريد أن نبدأ الصلاة ونسرح حتى نسلّم ولم نشعر فيها إلا عند التسليم هذه لا تعني أني صليت. (اللام) في (لله)) تجعل كل عملك خالصاً لوجه الله تعالى وتكون أنت في معية الله تعالى. عندنا حديث بديع يقول فيه الحق سبحانه وتعالى عن عبده " وأنا معه إذا ذكرني فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي (إذا كنت في مجلس ليس لله فقال في نفسه سبحان اللخ والحمد ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعلينا أن ننتبه إلى أن نفس العبد غير نفس الله تبارك وتعالى) وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ غير من ملئه (ولو تمكنت في مجلس أن تحوله إلى مجلس علم يذكرك الله تعالى تبارك وتعالى في ملأ غير منهم وهم الملائكة)، وإذا تقرب إليّ عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً- الذراع ضعف الشبر أي شبرين - والحديث كله في المضاعفة، وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً والباع ضعف الذراع، ذراعين، والأجمل: وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة. الهرولة أسرع يعني كلما تقدم عملاً لله، أي إذا بِتَّ الليل ساجداً لله فانظر بماذا يكافئك الله سبحانه وتعالى؟ هذا شمل الذكر في النفس وفيها تقرب شبر أو ذراع أو باع وأتيت الله ماشياً أو أتيته بكل ما فيك من جوارح، وكل عمل تعمله يتقرب إليه الله تعالى أكثر. لذا نقول للمشاهدين عليهم أن يجربوا بركعتين خالصين لوجه الله يركزون فيهما في قراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن وأفكر في الركوع فأسبح بكل قلبي: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء وليدعو بما شاءوا من الأدعية لكن بكل اطمئنان ويفكروا في معناه حتى يخرج الكلام من القلب مروراً على اللسان من كل الوجدان والتدبر، بعد أن يسلم لماذا نقول سبحان ربي العظيم؟ لأن الرسول rأمرنا لما نزل قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) الواقعة) هذا أمر إلهي أن نجعلها في ركوعنا. ولما نسجد (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) لماذا السجود قبل القيام؟ لأن سجداً هنا ليس سجود الصلاة وإنما إطلاق اللفظ بالمعنى اللغوي أي الخشوع والخضوع ولهذا الصلاة ترجمة لهذا الخشوع أنك لما تنزع لركعتي القيام فأنت سجدت قبل أن تركع وقبل أن تسجد قبل أن تقوم، هذا سجود توصيف وحالة، خشوعاً لله وخضوعاً لربهم. نحن نصلي القيام (سجداً) أي خضوعاً وخشوعاً لله تبارك وتعالى وإتباعاً لمحمد r لأنه r لما صلى وقام لله تبارك وتعالى صلى وقام بأمر من ربه ونهانا r عن قيام الليل كله وأمرنا أن نترك وقتاً للنوم (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات) هناك وقت للهجوع لكنه قليلاً لذا ننظر في (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) هؤلاء صلّوا اتباعاً للرسول r والأمر للرسول r جاء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) المزمل) ثم وصّف له (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)) زد عليه واترك قليلاً للراحة لأنه يريد أن تكون صلاة الفجر مع الجماعة بتركيز لأن البعض قد يأتي لصلاة الصبح وهو نائم فلا يركز في صلاته وهذا غير مقبول لذا القرآن عمل لنا صيانة إحتمال لكل فعل، قُم بوعي وصلّ الصبح بوعي لذا عليك أن تهجع قليلاً. (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) الذي يجعلهم يفيقون معرفة ذات الله وعندما تعرف الله تخافه ولما تخافه تعمل بحق هذا الخوف ثم تطمع فيه بوعي ولذا لما وصّف هؤلاء العباد وصفهم بعباد الرحمن ولم يقل عباد الله، (طمعاً) أنت تحتاج لصفة تخفف من حدة الخوف (خوفاً وطمعا) الخوف قد يقضي على البعض وهذا غير متصور في ذهن الناس لأن الناس ابتعدت عن الله. في بحث عن حالات الإكتئاب يقول أن كثيراً من حالات الاكتئاب عند المسلمين تأتي من الخوف من الله، ويخاف من ذنوبه والشيطان يسول له أن ذنوبه كثيرة وأن الله تعالى لن يغفر له فيكتئب ويخاف ويبتعد عن الناس ولا يتعامل معهم فكأن الشيطان ألغى له حالة (طمعاً) ويخرجه من معية الله تبارك وتعالى.
سؤال: مسألة يبيتون لربهم سجداً وقياماً ومسألة الأمر للرسول r بقيام الليل في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20) المزمل) ما هي هذه التقسيمات؟ وهي هي تطوعية أو فرض؟ وهل هي للرسول r أو للمسلمين؟ وهل هي سنة مؤكدة؟ ولماذا يتوب الله تعالى عليهم إذا علم أنهم لن يحصوا الليل؟
هذه الأسئلة منطقية نفهم من الآية (عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أنه تاب لما علم فعلم الله تعالى أزلي، توبة الله تبارك وتعالى سابقة على فعلنا، هو علِم أن لن نحصيه فتاب علينا وهذا فضل من الله تعالى فالتوبة سابقة على التقصير المتصور. هناك لازم معنى ومراد في الآية (عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ) دليل أن هناك تقصير، قد يقوم أحدنا الليل كله لكن هل يمكن أن يقوم كل ليلة الليل كله؟ بالطبع لا. هل تناقض الآية في الخطاب للرسول r(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79) الإسراء) قوله تعالى (يبيتون لربهم سجداً وقياماً)؟ وهل أقوم الليل لنفسي أو لربي؟ المفترض أني أقوم لربي لكن من عظمة توصيف العلاقة بين الخالق ومخلوقاته أن كل تكليف يؤديه العابد له فضل وثواب يعود بالنفع على العابد نفسه لأن الله تعالى غني عن العالمين، أي أن نتيجة هذه العبادة له. في حياتنا العملية أنت تقوم بالعمل لرئيسك فنتيجة هذا العمل إن لم يعود على رئيس العمل فلن يشكره لكن ما هكذا الحال مع الله تبارك وتعالى أنت تفعل لله وكلما تجوّد الحسنة ترجع لك أنت فلا تعارض بين قوله تعالى (يبيتون لربهم) و (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) الاثنين واحد أنت تبيت لله والنتيجة لك لأن يوم القيامة الذين كانوا يستهزؤون على قائم الليل سيكون في موقف يتحسرون عليه. عمر بن الخطاب يقول: الشتاء ربيع المؤمن المؤمن الواعي يمكن أن يأخذ كل شيء لله وتكون النتيجة له. أي يمكن أن يستغله والربيع كلمة عند العرب تبين الاستفادة لأن أجمل الفصول الربيع فيقول عمر أنت يمكن أن تستغل البرد القارس في الشتاء فيكون ربيع عمرك فيقول: "ليل طويل يقمه (طول الليل لم قمت فيه ساعة ستعمل عملاً طيباً فيه ولا يقصد الليل كله) ونهار قصير تصمه" النهار قصير فلا تعطش ولا تجوع، وليل. في الشتاء يكون الليل 12 ساعة وفي الصيف يكون النهار أحياناً 18 ساعة، النهار قصير والجو جميل فلا تعطش ولا تجوع "ونهار قصير تصمه"، "ليل طويل تقمه" طويل تقمه أي إستغل بعضه لا تقمه كله إذا كنت متعوداً أن تنام عشر ساعات نم ثماني ساعات وإجعل ساعتين منهم لله،. الليل يبدأ من بعد صلاة المغرب خذ من بعد العشاء مثلاً ساعة لله تعالى، أقصى ساعات نوم للصبي ثماني ساعات ويجب أن تقل ساعات النمو كلما كبرنا في العمر فأنت على أقصى تقدير خذ ساعتين لله بين قراءة قرآن وصلاة فأنت بهذا تكون بت لله تعالى والنتيجة لك (نافلة).
البعض يقول هذا الأمر للرسول r(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا). الرسول r قال أن الذي يدعو له بعد الأذان بالوسيلة تحل له الشفاعة لكن نسأل هل الرسول كان متوقفاً على الدعاء أم أنه كان يعمل؟ الرسول r قال: فمن سأل الله لي الوسيلة وجبت له مني الشفاعة" ولكنه مع هذا صلّى وأخذ بالأسباب، هل ما يوصله للمقام المحمود دعاء الناس أو عمله؟ بالطبع عمله لذا نقول للناس الذين يقولون أنحج عن الميت؟ أنصوم عن الميت؟ نسألهم ماذا عمل الميت في حياته؟ العمل هو أساس النتيجة والدعاء شيء مكمّل. لو أن الأمة لم تدعو للرسول الوسيلة ولم تسأل الله له الوسيلة هل سيأخذها؟ سيأخذها بإذن الله لكن تواضع من الرسول r أن يطلب منا أن نسأل له الوسيلة، هو عمل ولم يتكل على الدعاء ولم يركن وإنما قام الليل والله تعالى طلب منه أن يخفف والسيدة عائشة تقول له: هون عليك يا رسول ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيجيبها r: أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا؟. إذا كان يعملها طاعة وعبادة قبل أن يغفر فهو يزدها شكراً على ما تم وعلى المغفرة. لذا علينا أن لا نغفل عن معنى ولازم معنى والمراد من قوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى (41) النجم) سنشرحها لاحقاً بإذن الله. هذا أسلوب يسمى أسلوب القصر، ليس أي سعي سيقبل ثم يجزاه الجزاء الأوفى إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ وحتى نكمل الخطة التي سنمشي عليها في العمل نذكر بآية أخرى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف) هنا سعي وهنا سعي، هناك سعي ضالّ والناس لا تريد أن يعرف الأخسرين أعمالاً لذا قال تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (104)) والمصيبة (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). إذا حللنا هذا اللغز نفهم قول عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) الفرقان) هذه آية حاكمة، عباد الرحمن لا يطمئنوا برغم كل ما عملوه، ثم بعدها يقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (68)). هذا توصيف القرآن وتوقيعه في منتهى الإبداع.
علينا أن لا نتواكل أن الرسول سيشفع لنا يوم القيامة فلا تركنوا على شفاعة الرسول وإن كانت هي مبتغانا ولكن إفطنوا إلى ما فعله الرسول لما قال له تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا) لم يركن إلى دعائنا ولكن عمل. للأسف نحن حتى أهملنا الدعاء الذي علمنا إياه الرسول r وكلفنا فيه وهذه قمة التشريف أن يكلفنا الرسول r بالدعاء وهذه نحن مقصرون فيها فكثير منا لا يردد مع الأذان ولا يصلي على النبي بعده ولا يسأل الله تعالى له الوسيلة وعلينا العودة إلى أصل ما كلفنا به الرسول r وهذه قمة التشريف أن يطلب منا نحن العباد الفقراء أن ندعو له ونسأل له الوسيلة. العمل لله والنتيجة لك، على الإنسان أن يعمل ولا يقول أحسن الظن بالله ولا يحسن العمل لأنه لو أحسن الظن بالله لأحسن العمل، هؤلاء تكاسلوا وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو أنهم أحسنوا الظن لأحسنوا العمل لأن الظن بالله أن تعرفه وإذا عرفته تخافه وقمة حسن الظن بالله حسن العمل.
سؤال: ترتيب صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان، المشي ثم البيات لله سجداً وقياماً ثم فجأة ذكر دعاؤهم بصرفهم عن عذاب جهنم لأنهم لم يغتروا بعبادتهم ولم يطمئنوا حتى لا يوقعهم الشيطان ويعتقدوا أن العذاب ليس لهم، هؤلاء العباد يقولون أن عذاب جهنم كان غراماً والمعروف عند الناس أن الغرام هو الحب والإنسان لا يحب إلا الأشياء الجميلة ولا يأتي الغرام مع شيء سيء فكيف يستقيم هذا المنطق مع غرام النار؟ فالإنسان لو أحرقته شمعة يصرخ منها أياماً فما بالك بالنار؟
الناس عندما تسمع غراماً تفهم ما ذكرته في السؤال، علينا أن نفهم المعنى ولازم المعنى والمراد. إذا أحب إنساناً امرأة نقول أنه يحبها، إذا ذكرها دائماً في كل موضوع نقول يعشقها وهي حالة أعلى من الحب وجاء منها ما يفعله النجارون في الخشب إذا أرادوا توصيل قطعتي خشب يسموها عاشق ومعشوق فيجعل فراغات في إحدى القطع لتدخل فيها القطعة الثانية بحيث لا تنفك أبداً، عاشق ومعشوق أي لن يتركوا بعض. لما يبدأ الإنسان يحب يكون سرحاناً فيقال عنه أنه يحبّ، هيمان، الهيام أول درجات التعلق، بعد الهيام يحصل عملية ولع هذه كله في نطاق درجات الحب، ثم عشق يكرر ذكر التي يحبها في كل مكان، لو لم يفارقها نقول عنه غراماً. أخذ العرب هذه الكلمة وقالوا إذا كانت المداوة على الإتصال في الحب تسمى غراماً وإذا كان في مقابل الحب أي الكره يسمى الغريم فالغريم لا يغادر غريمه حتى تستمر المطالبة بالحق، يداوم على المطالبة كأنه ملاصق بغريمه لا يرضى أن يبعد عنه. فإذا أخذناها في الحب والكره، إذا كان غراماً يكون جالساً بمزاجه ويكون سعيداً ولا يريد أن يفارق لكن الغريم صحيح أنه لا يفارق غريمه لكن إذا جاء من يأخذ بحقه يترك غريمه, فالغريم قد يترك الشخص الذي يلازمه لكن في الغرام لا يفترقا. لذا استخدم القرآن لفظ الغرام لأنهم لن يتركوا بعض فالعلاقة بين الكفار والمشركين والنار علاقة ليس فيها مفارقة. الغريم قد يترك غريمه إذا جاء من يعطيه حقه لكن الغرام لن يترك الذي هو مغرم به. القرآن لا يختار لفظة فيها شك أبداً لذا اختار كلمة غرام. هذه تحتاج لوقفة واعية: عباد الرحمن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) هل هذا كلامهم أو كلام الله عز وجل؟ وهنا خلاف كبير بين العلماء فالبعض قال أنه كلام عباد الرحمن والبعض قال هي كلام الله تعالى تعقيباً على كلامهم، يجب أن نفهم أن القرآن كله كلام الله تبارك وتعالى، لما نقول (والذين يقولون) عباد الرحمن لكن قبلها نقول: قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) هذا قول عباد الرحمن لكن قبلها نقول: قال تعالى في كتابه (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ).
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) هل المنطق أن أقول (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) أو أن يقولها الله تعالى؟ أنا لو كنت من عباد الرحمن لا أعرف توصيف النار والمنطق يقول أن هذه الآية كلام العليم بحالها الذي خلقها وهو أدرى بها مني وأنا كعبد من عباد الرحمن أخاف منها ولا أريد أن ألفظها ونحن للأسف الآن نشرب النار (بالسجائر والشيشة) والصحابة كانوا يرتعدون إذا سمعوا كلمة النار فقط. لذا علينا أن نذكر أن هذه الآيات قبل أن تكون وصفاً لعباد الرحمن هي من قبيل التحذير - وفي رأيي المتواضع - البشارة فمن أراد أن يكون من عباد الرحمن فهذه أوصافهم والذي سيكون منهم (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) هنا حسنت مستقراً ولا يعرف وصف الجنة إلا الله تعالى وعندما وصفها الرسول r "فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" إذن (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) على الجنة كلام الله ومن باب أولى (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) على النار كلام الله تعالى، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق).
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) أخذنا من كلمة الغرام هنا لازم معنى الغرام الذي هو الملازمة والدوام وعدم المفارقة ونأخذ كلام الرسول r في أول خطبة عندما جمع قومه فقال: " والله إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثنّ كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نارٌ أبداً" غراماً لا تعني حب وعشق وهيام وإنما أخذنا لازم معنى الغرام أي عدم المفارقة والذي يدخل لا يخرج منها وأيّد ذلك قوله تعالى (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) لو جلست فيها لحظة تكون ساءت مستقراً ولو بقيت فيها إقامة أبدية تكون ساءت مقاماً، هي ساءت من أول دقيقة فالمستقر سيء والمقام سيء. موقفنا من الجنة والنار في القبر سنأخذها بتفصيل لاحقاً، النعيم في القبر يتلخص في انتظار النعيم والعذاب في القبر يتلخص في إنتظار العذاب وهذا لا يعني أننا ننكر عذاب القبر، القبر فيه عذاب كونه إنتظار للعذاب وهذا أخص العذاب إذا كان العبد مؤمناً يقال: "أفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة فيقول العبد" رب أقم الساعة، والآخر يقول: أفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيقول: رب لا تقم الساعة" لأنه خائف من العذاب، فانتظار العذاب أشد أنواع العذاب. وفي يوم القيامة عندما يطول إنتظار الناس لبدء الحساب فالناس تتمنى أن تنصرف من هذا الموقف ولو إلى النار. إنتظار النعيم أخصّ النعيم وأجمل شيء أن أقول لشخص موقفك بعد قليل سيكون في الجنة فيجلس الشخص مستمتعاً ويبدأ يتخيل ما وصفه الله تعالى في القرآن وما ذكره لنا الرسول rفيكون في القبر مسروراً بانتظار النعيم أما والعياذ بالله إذا قلت للشخص أنه سيكون في النار بعد قليل سيكون خائفاً لأنه يتخيل ما ورد في القرآن والسنة عن أوصاف النار فيكون في عذاب بإنتظار العذاب ولو عذبته الآن لكان أفضل بالنسبة له.
وإذا ضربنا مثلاً على هذا أنه عندما يكون هناك امتحان فالطالب الذي لم يدرس يتمنى أن يحصل أي شيء بحيث لا يجري الإختبار لأنه لم يستعد أما الطالب المجتهد المتفوق فهو يحزن إذا حصل شيء عطل الإختبار أو أخره لأنه مستعد تماماً له وقد يضيق صدره ويغتم لأن الإختبار تعطل. توقيع هذا الكلام في قوله تعالى (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) وهناك نقطة أخطر يجب أن نفهمها على مراد الله، انتظار العذاب يوم القيامة هناك آية في كتاب الله (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) ق) اختلف العلماء في شرحها والبعض يفهمها أنها تطلب المزيد ولكن السؤال هنا سؤال استنكاري، هل من مزيد يعني لا مزيد، هل من مزيد قد يفهم أنها أن جهنم واسعة لكن من أخص أنواع العذاب يوم القيامة الحشر والضيق لكن في الكلام عن الجنة تجد فيها سعة لكن لما يقول (هَلْ مِن مَّزِيدٍ) يعني لا مكان فالذي يدخل يدخل حشراً في النار، عباد الرحمن فهموها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) فهموا من القرآن أن عذابها ملازم ليس فيه مفارقة وقالوا هذا الكلام ليثبتوا أنهم من عباد الله وعباد الله سيدخلون الجنة، والمقابل لها أنهم ليسوا من عباد الشيطان أو عباد غير الله فيكون مصيرهم إلى النار.
علينا أن ننتبه إلى وصف الرسول r للجنة " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" القلب يتكرر في كلام الرسول r ليؤكد لنا أن القلب هو الأساس في حياة الإنسان والقرآن الكريم (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) الشعراء) والناس صنفين إما قلب مؤمن ذاكر (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد) ولم يقل العقول ولم يقل أن الفقه في العقل وإنما قال التعقل والفقه في القلب فمن الطبيعي أن الذي يحنّ للجنة ويتخيلها ويطمع فيها ويحلم بها أن يكون هذا الطمع والحلم والتخيل من هذا القلب المؤمن الذاكر المتقي حتى يصل إلى هذا النعيم وإن كان القلب غير ذلك فيكون جهنم والعياذ بالله مستقره.
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/2/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:49 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 32

ما زلنا نتحدث في توصيف المولى لأوصاف عباد الرحمن لأنها أدوات وآليات يجب أن نستخدمها لنصل إلى مرحلة التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله والمعيّة لأن التوبة والاستغفار ليست كلمة تقال باللسان وإنما هي عملية متكاملة وحالة وجدانية متكاملة لن نصل إليها إلا بهذه الآليات. وذكرنا في الحلقات السابقة بعض الصفات أنهم يمشون على الأرض هوناً وعدم مخاطبة الجاهلين والبيات لله تعالى سجداً وقياماً ونقف هنا لنسأل هل الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً هل هم صاحون أو نائمون؟ وما الفرق بين السجود والقيام وما دلالة السجود قبل القيام؟ نعيد إيضاح بعض المفاهيم قبل الدخول إلى مسألة الإنفاق.
سؤال: ما معنى يبيتون؟
قلنا أن بات في اللغة تعني أدركه الليل نام أو لم ينام، يبيتون أي أدركهم الليل سواء ناموا أو لم يناموا بدليل لما نقول بات فلان قلقاً، قلقاً تبين أنه لم ينام وقضى الليل وهو قلق مضطرب فلم ينام. عباد الرحمن سواء ناموا أو لم يناموا فهم سجداً لأن سجداً هنا لا تتعلق بسجود الصلاة وإنما تتعلق بسجود الصلاة وبالخشوع والخضوع في غير الصلاة لله تبارك وتعالى. بمعنى أن الذي يبيت لله تعالى ساجداً خاضعاً خاشعاً لا يمكن أن يرتكب إثماً، يبيتون خاشعين لله تعالى متذكرين الله تعالى والليل عند أهل اللغة والمفسرين غالباً ما تتم فيه الفواحش والمعاصي كالسرقات والزنا وغيرها. عباد الرحمن يبيتون لربهم وأكّد تعالى بكلمة (سجداً) أي خاضعين خائعين لا يرتكبون إثماً ولا فاحشة ولا معصية. لذا نأخذ كلمة (سجداً) بالمعنى العام لها بالخضوع والخشوع ثم (قياما) حددت أنها للصلاة أنهم كانوا (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات) (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) السجدة) كل هذه الآيات تبين توصيفهم.
سؤال: هل من معاني كلمة (يبيتون لربهم) أن الإنسان يفعّل النية وهو داخل لينام يقول أنا أريد أن أنام بعد أن أنهيت عباداتي لأحصل على قسط من الراحة لأبدأ يومي التالي بنشاط وأقوم لصلاة الفجر وأسعى وأكدّ لرزقي؟
يمكن لنا أن نعرف عقيدة شخص من كلامه لكن لا يمكن أن نحسب هذه العقيدة بالتحديد لأن هذا أمر خاص بالله تبارك وتعالى هو القادر أن يحسبها. ما هي العقيدة؟ أنت تدخل لتنام وأنت متوكل على الله تعالى أنا صليت القيام وعقيدتي أن الرزق والعمل من الله تعالى. الذي يدخل لينام بعد صلاة العشاء والقيام لأنه يريد أن يقوم الصبح ويصلي في وقته ويقوم الليل على مراد الله تعالى لا على مراده هو ولا يصحو ليصلي الفجر الساعة التاسعة لأنه (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103) النساء)، البعض يسأل أصلي القيام ولا أستطيع أن أقوم لصلاة الصبح فنقول له أن الفرض أولاً، هذه المسألة لا يمكن أن أحسبها لأن النوافل طريقة التقرب إلى الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي (وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل). صلِّ الصبح أولاً وقم الليل ولو بركعتين بعد العشاء مباشرة لأن الليل يبدأ من بعد صلاة المغرب، فإذا صليت العشاء وركعتي سنة العشاء ثم صليت ركعتي قيام ثم الشفع والوتر تكون قد قمت الليل. والذي يريد درجة القرب فعليه بالسجود فقد قال تعالى في القرآن الكريم (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق) السجود يجعلك في معية الله تبارك وتعالى وكما قال r: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، والقرآن الكريم يقول (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) إذا سجدت اقتربت قُرب منزلة لا قرب مكانة. المسلم الواعي لا يفرط في ركعتين في جوف الليل والرسول r يقول " ركعتان في جوف الليل خير لك من الدنيا وما فيها" هاتان الركعتان تكونان خالصتان لله تبارك وتعالى لا رياء فيها لأن جوف الليل لا أحد يراك فيه إلا الله تعالى فلا مجال للرياء فيها. نقول للناس صلوا العشاء والسنة ثم ركعتين القيام والشفع والوتر فإذا قلقت في الليل قم وصلِّ ركعتين واشعر بحلاوتهما وأديّهما بإخلاصه لله تعالى.
(يبيتون لربهم) هم وحتى وهم نائمون يبيتون سجداً. هناك من تُعرض عليه المعصية عليه لكنه إما أن يقوم للصلاة أو ينام وكأنه يقول ويُشهد الله تبارك وتعالى أنه لما عرضت عليه المعصية تركها من أجل الله تعالى وتقرباً لله تعالى ولم يتركها وجلس وإنما تركها وصلّى لله تعالى. الآيات في القرآن توضح هذه الأمور (كَلَّا لَا تُطِعْهُ) ولم يكتف فقط بهذا وإنما قال (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) لم يقل لا تطعه فقط وكأنما هذه الآية توصف حال هذا الذي يريد أن ينهى الرسول r عن الصلاة فيقول له (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق). إذا ابتعدت عن المعصية لا تكتف بهذا فقط وإنما إعمل عملاً يقربك إلى الله تعالى أكثر وأشهِد الله تعالى أنك تركت المعصية وصلّيت أو نمت ونومك هذا أفضل من المعصية لأنه بهذا يبيت لربه. إذن عباد الرحمن سواء ناموا أو لم يناموا فهم في طاعة الله تعالى، قارن هذا بمن يقضي ليله كله أمام الكمبيوتر في المحادثات واللعب والدردشة وترك قيام الليل هذا لن يتمكن من الذهاب إلى عمله في اليوم التالي، ومن العبادة أن تعمل ويأكل المسلمون من سعيك، وهناك أناس للأسف أدمنت الإنترنت للتسلية فقط لا للمنفعة وخربت بيوت بسبب هذا. والقرآن لما يعرض لنا صفات عباد الرحمن فهو يتحدث عن فئة متميزة جداً في العبودية لله تعالى.
سؤال: ما دلالة إختراق ذكر جهنم للترتيب العام في توصيف عباد الرحمن؟
لأن عباد الرحمن يفعلون ما يفعلون وهم خائفون. نحن نتصور أن عباد الرحمن صفاتهم كلها إيجابية ولا يمكن لأي كان أن يصل إليها، كلا، الصفات في متناول كل إنسان فالمولى أثبت لهم صفات ونفى عنهم صفات. الذين يدعون مع الله إلهاً آخر ليسوا من عباد الرحمن وإنما عباد الرحمن هم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر (68)) هذا النفي أثبت لهم الإيمان المطلق والمعيّة المطلقة. (يبيتون لربهم) حددت أنهم هم يفعلونها بالنهار لكن القرآن ما ذكرها فإذا كانوا يبيتون لربهم في الليل سجداً وقياماً فما هي حالهم في النهار؟ هذه الحالة من العودية لله أو للرحمن هم عليها ليل نهار.
سؤال: لماذا جاءت سجداً قبل قياما؟
كلمة (سجداً) مطلقة وليست سجود الصلاة وإنما الخضوع آناء الليل وأطراف النهار (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) إذا كان هذا في الليل فما بالك بالنهار؟ هم سجداً أيضاً في خضوع وخشوع وهذا الخشوع والخضوع يأتي من أول سُلّم العبادات. الرسول r يعلمنا الوضوء والصلاة وكيف تسمع الأذان لتردد خلف المؤذن وعندنا ثلاث تعلميات من الرسول r فيقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ" كل الناس تسمع الأذان كل يوم لكن كم منهم من يردد خلف المؤذن؟ هذه أوامر من الرسول r عندما نسمع المؤذن علينا أن نقول مثلما يقول فإذا قال الله أكبر الله أكبر نقول الله أكبر الله أكبر وإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله نقول أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال حي على الصلاة نقول لا حول ولا قوة إلا بالله ثم عندك تعليمات وهي أن نصلي على الرسول r لأنه من صلّى عليه مرة واحدة صلى الله تعالى بها عليه عشرة ثم تسأل الله تعالى له الوسيلة فإذا صليت عليه وسألت له الوسيلة حلّت لك الشفاعة يوم القيامة، هذا حديث وهناك حديث آخر عندما ينتهي الأذان فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد r رسولاً وبالاسلام ديناً، غفر الله ذنبك، مع الأذان تقول شيئاً وبعد الأذان تقول كلاماً آخر. وحديث آخر تقول " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم المقام المحمود" وفي رواية (الذي وعدته) فقط هذه ولا نزيد عليه "إنك لا تخلف الميعاد" كما يقول البعض لأن فيها تطاول على المولى تبارك وتعالى وفيه إدخال للقرآن مع الحديث لأن الرسول r لم يقلها وهي ليست موجودة في أية رواية من روايات الحديث. وعلينا أن لا نخلط القرآن بالحديث، الله تعالى لن يخلف ميعاده مع الرسول r والرسول r لم يقلها أصلاً. كل هذا يبين أنك لما تطبق هذا الكلام أنت تكون من الساجدين أي الخاشعين الخاضعين لأن السجود له منزلة ترفع العبد. هذا يذكرني بما قاله خادم الرسول r ربيعة الأسلمي وكان من أهل الصُفّة الفقراء وكان يخدم الرسول rويروي في الحديث أنه كان يبيت عند الرسول r يأتيه بحاجته ووَضوئه (أي ماء الوضوء) وفي مرة من المرات قال له الرسول r: سلني، فكان الرجل من الذكاء بمكان وفرصة لا تعوض بأن اختار شيئاً عظيماً فقال: أسألك مرافقتك في الجنة ( وعندنا حديث " أنا وكافل اليتيمين في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه)، فيقول r: أوغير ذلك؟ (يعني اطلب شيئاً أسهل لأن هذه مسألة صعبة) لكن الرجل أصرّ فقال: هوذاك، فقال له r: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود" يجب أن نتوقف عند هذه الجملة جيداً: السجود هنا كناية عن الصلاة لكن اختار السجود لدرجة القرب. الجملة (فأعني على نفسك) هل يعين الرسول أو يعين نفسه؟ كأن طلب الرجل من الصعوبة بمكان فإذا أردت أن تسهّل على الرسول r الأمر فأكثِر من السجود. ثم قال (على نفسك) كأن السجود يهذِّب النفس. القضية في هذا الجملة (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ليست بكثرة السجود بحد ذاته ولكن كثرة السجود تربي النفس وتؤدبها وتمنعها عن المعاصي والآثام والأوزار فتكون نفساً طائعة فيكون من السهل أن يقول الرسول rهذا معي. فكأن كثرة السجود تهذب النفس وتمنعها عن المعاصي وتجعلك تستحي من إرتكاب المعاصي. الذي نفسه صعبة عليه فهناك أناس تسمع النداء ولا تفعل شيئاً ولا تعيش معنى الخضوع والخشوع في السجود، هذه نفس عاصية. العاصي في اللغة هو الذي يصعب تطويعه وتشكيله. النفس أنواع كما ذكرنا في حلقات سابقة. النفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (28) الفجر) هي النفس اللوامة التي تؤنب صاحبها على كل شيء: تسمع نهياً تنتهي عنه، تسمع جملة فتسأل عنها لتستوضح أمور دينها وللأسف كثير من الشباب ضاعوا لأنهم محرجون من السؤال أو لم تُعرض عليهم المسألة من قبل وقد سبق أن سمعنا رجلاً مضى عليه خمسين عاماً لا يعرف ما هو الغسل من الجنابة! هذه قضايا مهمة يجب أن تُعرف وعلينا أن نتعلم كل شيء. الرسول r حسدنا عليه اليهود لأنه علّمنا كيف ندخل الخلاء وكيف نتوضأ وكيف نصلي ويشرحها بالتفصيل. النفس العاصية تحتاج لعلاج لتطويعها والشاعر قال:
والنفس تعلم أني لا أصادقها ولست أُرشد إلا حين أعصيها
إذا أطاع الإنسان نفسه ضاع والرجل الواعي لا يطيع نفسه دائماً كالأب الواعي الذي يربي ابنه لا يعطي ابنه كل شيء يطلبه. هذه تربية والنفس تحتاج لتربية لتتحول من نفس أمارة إلى نفس لوامة وتحتاج إلى تدريب. وفي علم النفس أنت يمكن أن تعالج نفسك قبل أن تمرض من غير طبيب بأن لا تعطي نفسك كل ما تشتهيها أو تعطيها القليل مما تشتهيه وتربيها. عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما اشتهت زوجته بعض الحلوى وكانت قد ادخرت مالاً لتشتريها أمرها بأن تعيد المال لبيت المال وقال لابنه: "كُل نصف بطنك ولا تخلع الثوب إلا إذا بلي" وكان عمر رضي الله عنه يتميز بمسألة التقشف والتزهد:
جوع الخليفة والدنيا بقبضته في الزهد منزلة سبحان موليها
يوم اشتهت زوجته الحلوى فقال لها من اين لي ثمن الحلوى فأشريها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى قومي لبيت المال ردّيها
تقوى عمر بن الخطاب هي التي بها قرّبه الله تعالى من معيّته.
آيات الإنفاق التي تلي حاكمة وفاصلة في الموضوع أنها لا تتكلم عن النقود وإنما تعني الإنفاق بشكل عام.
من أراد مرافقة النبي r فيه الجنة فعليه باثنتين: إما كفالة يتيم وإما كثرة السجود وللاحتياط يمكن أن يقوم بهما معاً.
سؤال: نتكلم عن السجود والخضوع والخشوع، ونتكلم عن النفس التي لها هوى ويجب أن تمنعها وقال تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) هذه من الآيات الفارقة، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) واضحة وكان يمكن أن تكفي لكن هناك من المؤمنين من يأت المعاصي بسبب هوى النفس لذا جاء الأمران مع بعضهما في الآية، خوف مقام ربك قد لا ينهاك تلقائياً عن الهوى فعليك مع خوفك من مقام ربك أن تنهى نفسك عن الهوى ويجب أن يكون الإثنين مع بعض في وقت واحد وفي عمل واحد.
سؤال: البعض يقول أننا محتاجون لبعض التقشف والتزهد حتى نربي أنفسنا لأن الرسول r قال: "إخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم" والبعض يقول ألم يقل الله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32) الأعراف) فكيف نوفق بينهما في ظل قوله تعالى في صفات عباد الرحمن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)؟
الآية جميلة جداً (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ثم قال (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) هذه جملة مهمة جداً. أولاً نؤكد أن هذا الإنفاق لا يتعلق بالنقود فقط لأن الناس عادة ينصرف ذهنها إلى النقود وحتى كلمة مال لما تطلق لا تعني نقود فقط وإنما كلمة مالك تعني كل ما هو لك من نقود وأعيان وصحة. الإسراف قد يكون في كل شيء فهناك إسراف في القرآن بعيد عن المال والنقود تماماً ففي سورة الأعراف قال تعالى في الكلام عن قوم لوط (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) الأعراف) هذا إسراف شهوة، الشهوة لها منطق فالشهوة في النساء منطقية لكن أن تكون الشهوة في الرجال فهذا إسراف في الشهوة وحتى مع النساء وإن كانت شهوة منطقية فقد يكون فيها إسراف إذا تجاوزت الحدود. والمسرف في أي شيء سيأتي وقت ويتوقف عن هذا الإسراف رغماً عنه، فالذي يشرب ملعقة واحدة من السكر في الشاي يبقى عليها كل عمره لكن الذي يأخذ سبع ملاعق مع الشاي سيأتي وقت ويتوقف عنه رغماً عنه، والشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى كان يقول أنت مكتوب لك أن تستهلك في حياتك شوالاً من السكر فأنت استهلكته خلال فترة معينة ستتوقف عنه رغماً عنك في بقية حياتك لأنها استنفذت نصيبك منه.
(وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) كأنه في النفقة لديك طرفين وكل طرف يشد الآخر، طرف يريدك أن تكون مسرفاً وطرف يريدك أن تكون مقتراً ولكن خير الأمور في الإسلام الوسط. نحلل القضية من القرآن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان) نتكلم عن الاعتدال ونسأل هل الإعتدال أصل أو تهذيب؟ وهل أصل النفس بطبيعتها معتدلة أو مسرفة أو مقترة؟ أصل النفس الشحّ كما جاء في القرآن الكريم (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ). كلمة الشح وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات: مرة في سورة النساء (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء) ومرتين بتعبير واحد (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) و (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) التغابن)، الأصل (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) هذا تركيب، ولو وضعنا التركيبان لنشرحهما نجد أن الجملتين مبنيتان لما لم يسمى فاعله (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) و (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)، (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) النفس ليس لها علاقة بأصل العملية لكن عليها أن تتهذب من هذا الذي جُبِلأت عليه. (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) أي خلقها الله تعالى على جِبِلّة الشح وفي الآيتين الأخريين (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) مبني للمجهول لكن أنت عليك أن تهذب النفس هنا بمسألة بعيدة عن تهذيب النفس وهي التقوى (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) كيف يوق شح نفسه؟ بأن يتقي الله تعالى فالمولى يقيه شح نفسه الذي جبلت عليه الأنفس جميعاً. هذا التركيب اللغوي لازم معناه أن الله تعالى خلق النفس عند الشح (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) وهو يخلق تعالى النفس خلقها على الشح، طبيعة النفس الشح الذي هو أشد من البخل وهو الحرص الشديد على ما عندك لا تنفق لا في سبيل الله ولا في غيره هذه الجبلة. والذي يتقي الله تعالى يعلّمه المولى كيف ينفق في سبيل الله ويرتقي حتى يصير من عباد الرحمن الذين إذا أنفقوا في كل شيء في المال والطعلم والشهوات لم يسرفوا (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) الإسراء) ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما أي بين الإفراط والتفريط.
البخل غير الشح. في اللغة البخل فرع من فروع الشح، فالشح في كل شيء والبخل في النقود، في المال، في الأعيان فلا يقال بخيل في مشاعره وإنما شحيح في مشاعره. البخل يأتي في المال كله النقود وغيرها والشح يكون في المشاعر والأحاسيس فالبخل أحد فروع الشح. البخيل بخيل مال والشحيح شحيح عواطف فالشح عام والبخل خاص. النفس جُبِلت على الشح وعلى المنع والذي رضي الله تعالى عنه يتقرب إلى الله تعالى ببذل المال في سبيل الله ويُنفق. المسألة في الشح نسبية فيقول القرآن (إذا أنفقوا) لم يقل عندما ينفقوا لأن (إذا) تعطي معنى الظرفية أي كلما فعلوا هذا طبيعتهم واحدة يمشون قواماً لا إفراط ولا تفريط، (إذا) للظرف المستقبل كأنهم رتبوا عقيدتهم على هذا، على عدم إسراف وعدم تقتير ويمشي على العهد الذي ربّى نفسه عليه. ما هو الإسراف وما هو التقيتر؟ الإسراف قد يكون جنيهاً واحداً تصرفه في معصية ومليار جنيه في طاعة ليس إسرافاً، ما يصرف في حرام مهما كان قليلاً فهو إسراف وما يصرف في حلال فهو ليس بإسراف مهما كان كثيراً فالمسألة ليست بالكمّ. هذا ليس إسرافاً وإنما قواما لأنه لا إسراف في الطاعات أو الصدقات. عباد الرحمن في حقيقة التوقيع قواماً ولو ظهر أنه ينفق كثيراً. نظرة الناس دائماً غير صحيحة لأنهم ينظرون إلى العملية التي تتم ولا يعرفون الغرض منها أو الهدف منها حتى في رسول الله r نسمع من يقول أنه كان فقيراً ويتيماً والقرآن قال (ألم يجدك يتيماً فآوى) (ووجدك عائلاً فأغنى) كان r يتيماً فآواه الله تعالى وكان r فقيراً فأغناه الله تعالى فكيف أصف الرسول r أنه فقير ويتيم وقد آواه الله تعالى وأغناه؟ كيف أصنف من أعناه الله أنه فقير؟ وكيف أصف من آواه الله أنه يتيم؟ الرسول r كان ينفق ماله في طاعة الله فيبدو وكأنه فقير لكنه كان r يتزهّد لأنهم فهم الأمر. وعمر بن الخطاب وأبو بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً تعلموا من معين رسول الله r. إذا قلنا عمر في الشجاعة لا حدود له فهو أخذها من الرسول rيوم التزمه من مجامع ثوبه وقال له إن جئت للخير فأنا لك وإن جئت للشر فأنا لك، فلا نقدم أحداً من الصحابة على رسول الله r فكلهم أخذوا منه r، تقشف عمر بن الخطاب وتزهده كان أستاذه الرسول r، كل الصحابة أخذوا من الرسول r. لذا يجب أن لا نعتمد على نظرتنا نحن وإنما نأخذ من القرآن.
في سورة الإسراء قال تعالى (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) هل التقتير أعلى من الشح؟ التقتير هو الشح وهو الأصل (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء). كيف نواجه الشح والبخل والتقتير طالما هو شائع في كل الأنفس هناك كثير من الناس تصوم وتصلي ولكن يدها ممسكة في الصدقات؟.والبعض يوفر ماله للزمن وللأولاد، ويتساءل هل أوفر أم أصرف وكيف الضمان ضد الزمن؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/2/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:54 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 33

تكلمنا في الحلقة السابقة عن الإنفاق وعن الإسراف والتقتير وسألنا هل هناك ضمان للزمن؟ وعدد من الأسئلة تتعلق بالإنفاق. الآية (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان) لا يقصد به الإنفاق المادي وإنما تشمل كل ما لَكَ، الشهوة، الوقت، المال، الطعام، الشراب، المجهود وكل شيء. في تفسير الشوكاني لهذه الآية أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام وقال يزيد إبن أبي حبيب: أولئك أصحاب محمد r كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة الله ومن اللباس ما يستر عوراتهم ويقيهم الحر والبرد وقال أبو عبيدة: لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا كقوله (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) الإسراء). نحن قلنا أن المسألة ليست إنفاق مال وإنما أكل وشرب وملبس، وهؤلاء قالوا أن أصحاب محمد r كانوا يأكلون لا لشهوة وإنما يأكلون ما يسد رمقهم ويقويهم على العبادة ويلبسون ما يستر عوراتهم فأين نحن منهم؟ ومن منا على صواب ومن منا على خطأ.
الجهة منفكة في التوقيع. هم كانوا لم يسرفوا ولم يقتروا مما عندهم وكل عصر له نِعَمه، ومن ثم الآية (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) تُصلِح كل زمان ومكان والقرآن الكريم منهج ينطبق في عهد الرسول r إلى يوم القيامة مروراً بصور التقدم والرخاء، وفي عصر الرخاء يجب أن يعي المؤمن أن لا يتنعم بطريقة فاحشة ولكن يتنعم بطريقة وسط وبطريقة تتفق مع الإسلام لأن خير الأمور أوسطها. هكذا يجب أن يكون المؤمن المتقي يدّخر جزءاً من شهوته في الدنيا للآخرة سواء في التنعم، في الزواج، في كل شيء. يعرف أن الدنيا ممر للآخرة، هذا الممر كما قال نوح u عندما قيل له عشت 950 سنة فماذا رأيت؟ قال كأن الدنيا بابان دخلت من واحد وخرجت من الآخر. لذا يجب أن يكون الإنسان واعياً لا يسرف ولا يقتر وإنما عليه أن يكون قواماً بين الطرفين، بين الإفراط والتفريط. البعض يعتقد أن الشهوات مرتبطة بالدنيا فقط، يجب عليك كمسلم متقي أن تدخر بعض شهوتك إلى الآخرة. مثلاً أنت تتنازل عن خمر الدنيا إبتغاء خمر الآخرة، كبحت شهوة لشهوة طاعةً الله تعالى، لم تسرف في الدنيا ولم تذقها حتى تأخذها في الآخرة. الشهوة الباقية ألذ من الشهوة الفانية (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) ق) يجب أن أعمل ليكون الخلود في الجنة. لما أعرف أن الذي يذوق خمر الدنيا وأسرف فيها دون توبة لا خمر له في الآخرة ولا جنة له فأوقفها طاعة لله وتربية للنفس. عيب النفس أنه لو أن الطبيب قال للشخص لا تشرب الخمر لأنها تضرك وتركها يتركها ليس طاعة لله تعالى وإنما ابتغاء دنيا لكن الذي تركها طاعة لله وهو قادر عليها هذا ادّخر شهوته للآخرة. تربية النفس تجعل الإنسان قبل أن يذكره الشيطان بالمعصية عليه أن يذكّر نفسه بشهوته في الآخرة لا تقدر بخمر الدنيا. الذي يشرب الخمر في الدنيا شربها وطعمها ليس حلواً وإنما قبيح سيئ ولكن شربها طاعة لشهواته ولنفسه ولشيطانه. لما يتركها طاعة لله تبارك وتعالى يصدق فيه قوله تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان). على الإنسان أن يتدبر: هل الله أمرني؟ إذا أمرني أتوقف عن المعصية. ساعة المعصية يُنسي الشيطان الإنسان خوفه من الله تعالى وينسيه درجة العقوبة على المعصية فيرتكبها لذا الإنسان الواعي يقف عند قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) لم يسرفوا ولم يقتروا في الشهوات والمال وفي كل شيء آخر هؤلاء قواما. إدّخر بعض شهواتك للآخرة. والمسلم هو المسلم في كل زمان ومكان يتقي الله تبارك وتعالى والحلال بيّن والحرام بيّن. أن تدخر أنت للآخرة هذه قضية غائبة، أنت تدخر للآخرة بترك الشهوات إدخاراً للآخرة، وبالمال فعندما يأتيك سائل يطلب منك مالاً والشيطان يوسوس لك أن هذا مثلاً يدخن فسيصرف المال على التدخين حتى لا تعطيه المال تذكر أن أداء القرآن في إعطاء السائلين والفقراء والمساكين ومن ذكرهم المولى في الآية لم يقل تعالى أعطهم وإنما أساسها وتوصيفها (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245) البقرة) لم يقل أقرض الرجل المسكين أو السائل، إذن وأنت تدخر مالاً تدخر عند من لا تضيع عنده الودائع فأنت لا تعطي الفقير ولا المسكين ولكن تعطي الله تبارك وتعالى. هو مال الله تبارك وتعالى واستخدم لفظ الإقراض لله تعالى وهذا قمة العدالة الإلهية. الله تعالى أعطاك المال فهو لك وأنت مستخلف فيه فأرِ الله تبارك وتعالى ماذا تفعل به؟ (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) المضاعفة يوم القيامة أضعافاً كثيرة ولم يقل ضعفين لأن عطاء الله تعالى بلا حدود وهذا نوع من الإدخار غائب عن الأمة. ادّخر عند الله تبارك وتعالى باطمئنان وبثقة لأن الآية واضحة. توقيع الآية (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) أي من ذا الذي يفهم لدرجة أنه لو أعطى الفقير كأنه أقرض الله تعالى. السيدة عائشة رضي الله عنها هي بعد رسول الله rأكثر من عرف معنى هذه الآية وكانت تسمى بأم الطيب لأنه كانت تعطّر دراهم الصدقة فلما سألوها قالت: لأن الصدقة تقع أول ما تقع في يد الله تعالى وأحبها أن تقع في يد الله معطرة. السيدة عائشة رضي الله عنها فهمت الآية بكل ما فيها (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) الإدخار ليس في الدنيا للدنيا لكن في الدنيا للآخرة والادخار عند الله تعالى يعود عليك أنت بالنفع أضعافاً كثيرة.
كذلك مفهوم الرسول r في الشاة التي ذبحت عندما سأل عائشة رضي الله عنها ماذا بقي منها قالت ذهبت كلها وبقي الكتف قال بل بقيت كلها وذهب الكتف لأن (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ (96) النحل) الذي أعطيناه للفقراء هو الباقي والذي أكلناه هو الذي نفذ. هذا المفهوم غائب عن الناس لأنه (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء) ولم ندرب أنفسنا. ماذا نفعل مع أولادنا لنعلمهم؟ علينا أن نفهم (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) (ومن يوق ) أي ومن وقاه الله تعالى بتقواه، درّب أبناءك على التقوى فيقي نفسه شح نفسه لأن الأنفس جُبِلت على الشح إلا من رحم الله تعالى. عندك ولدين تأخذهما معك لتوزيع الصدقات أحدهما يكون كريماً والآخر بخيلاً هذه قضية من عند الله تعالى لأن أحدهما كان يفخر بوالده وهو يعطي والآخر كان يسخر ويتأفف من هذا العطاء. الصلاة والصيام وكل شيء إذا صلّى الإنسان وصام وهو صغير يصلي وهو كبير والذي لم يصلي وهو صغير يستثقل الصلاة وهو كبير وتكون شاقة عليه لأنه لم يتعود عليها وكذلك الزكاة. السائل يقول لك: لله، أنت لا تقرضه وإنما تقرض الله تبارك وتعالى. كل موسم من مواسم دخول المدارس ورمضان يكون عندنا أزمة سيولة ولو توكلت على الله يأتيك مبلغ من المال يسد عنك المسألة وأنت تعلم أن هذا لله تعالى فأنت تجتهد لتقرض مال الله فإذا توكلت على الله تعالى يسد عنك وإذا قلت طلبات الناس كثيرة تجد الأمور لا تسير بشطل جيد فعليك أن تتركها بتوقيع (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً).
سؤال: البعض يخطط استراتيجياً لسنوات طويلة وهم يطبقون هذا للدنيا وليس للآخرة فتجد شاباً في مقتبل العمر تزوج وتأتيه فرصة للعمل بالخارج وفيذهب والمرتب أفضل ويبدأ بحساب ماذا سيدخر هو وزوجته وماذا سيشترون لبيتهم في بلدهم وفي كل إجازة يأخذون شيئاً من الأغراض للشقة التي يجهزها في بلده. هل هذا التخطيط والادخار مطلوب؟ ولم كل الناس ينصرف ذهنها لادخار الدنيا ولا يطبقونها على الآخرة؟
(وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هؤلاء الذين فلحوا. إعمل للدنيا واهمل بجانبها للآخرة. ولو سمعنا لسان حال الميت وهو خارج من بيته محمولاً على الأعناق، الرسول r له توقيع في منتهى الإبداع في هذه المسألة، يقول الرسول r أن الإنسان له في الدنيا ثلاثة رفقاء مال وأهل وعمل، المال لا يخرج من بيتك وأنت محمول على الأعناق، الأهل يحملوك إلى القبر ولا يدخلون معك والعمل هو الوحيد الذي يدخل معك القبر. المال يصاحبنا في الدنيا فقط والأهل أيضاً وكأن لسان حال الميت يقول: يا أهلي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حِلّه وحرامه تركته لكم تتمتعون به بعدي وسأُسأل عنه يوم القيامة وحدي. فهم ساعة يناديهم ربما يسمعون وهذا يكون لسان حاله لأن رأى الحقائق (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق) لذلك (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) التغابن) جمعتُ المال وسأتركه لكم تتمتعون به، وسيسأل عن المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ فلو كسبه من حرام لا يُصرف يف حلال وإذا كسبت من حلال يُصرف في حلال إلا إذا انفكت الجهة أي إذا ترك المال لأولاده وكان ولده فاسداً يترك له المال الحلال لكن الولد يصرفه في حرام.
سؤال: بعض الناس تقوم بأعمال مسفّة ثم تبني بالمال مسجداً لله تعالى وبعض الناس يرفضون الصلاة في هذا المسجد لأنه من مال حرام فما رأيكم؟
إذا جاءني وسألني أنه جاء بالمال من مصدر حرام هل أبني مسجداً أقول له لا. لكن طالما بناه فلا يعود المسجد له، هو طالما كان يبنيه كان له لكن مع أول أذان في المسجد صار المسجد لله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) الجن) لذا نقول لا تقولوا مسجد فلان وإنما قولوا مسجد الرحمن، مسجد التقوى أو ما شابه لأن المساجد لله. هل نعكي قراراً بهدم المسجد؟ كلا. لو قال بنيت مسجداً من حرام نقول له سمّه مسجد التقوى ويصلى فيه هذا من وجهة نظري. وهذه قضية يجب أن تفهم لذا نقول للناس إسألوا قبل أن تفعلوا شيئاً ولا تسألوا بعد أن تفعلوا لأنه سيكون قد وقع الذي وقع. نحن لن نتحرى عن الإمام نقول صلّ خلفه وامش وصلاتك صحيحة. الصلاة في هذا المسجد حلال ولو سألنا قبل بناء المسجد لكان أفضل. لو تاب الشخص الذي بنى المسجد قد يكون بناء هذا المسجد مشروع توبة لهذا الشخص لأنه كان بإمكانه أن يبني سينما أو مسرحاً أو غيره ولكنه بنى مسجداً استشعاراً بشيء فلا نمنعه لأننا لسنا بوابين جنة ونار ولا أحد يعرف من في الجنة ومن في النار إلا محمد r بوحي من الله تبارك وتعالى. لو جاءني هذا الرجل أقول له أحسنت بفعلك لكن أين التوبة؟ هو ربما استشعر أنه مقصر والله تعالى وحده عالم بنيته.
الآية واضحة لكن علينا أن نطبقها على كل ما لك من أعيان وعقارات ونقود (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) وضّحها الله تعالى (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) باتفاق العلماء أنه إذا أنفقت مثل جبل أبي قبيس ذهباً لله فهذا ليس إسرافاً وإن أنفقت جنيهاً في الحرام هذا إسراف، فما كان لله تبارك وتعالى أو في سبيل الله فهذا لا يمكن أن يكون إسرافاً والذي كان في غير طاعة الله تبارك وتعالى فهو إسراف. المسلم الواعي هو الذي يدخر للدنيا والآخرة. البعض يقول أدّخر لأولادي فنقول له إدّخر لنفسك وذكرنا لسان حال الميت. هذه قضية محلولة " إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" فالمسلم الحق لا يكون مسرفاً فيندم ولا يُقتِّر فيندم. تأمين الأولاد يكون بالتقوى والتربية وحسن الخلق والصفات لا بالمال، تأمين الأولاد يكون بالعلم أن تتركه متعلماً هذا العلم والثقافة ستأتيه بمال حلال لأنه سيعمل وأنا لا أرزق وإنما الروق من الله تبارك وتعالى. أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يأتي بكل ماله في سبيل الله تعالى ولما يسأله r ما تركت لأهلك؟ يقول: تركت لهم الله ورسوله. قمة الوعي أنه ترك لهم رب المال وليس المال. عمر بن الخطاب رضي الله عنه ترك نصف ماله هذا حسن وما فعله أبو بكر أحسن (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين). عمر رضي الله عنه بوعي ترك نصف ماله هذا منطقي والأفضل أبو بكر. أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في مسألة القيام قال r لأبي بكر أصبت الحزم وقال لعمر أصبت القوة. في الهجرة أحدهم ترك ماله كله والآخر ترك نصف ماله ولك أنت أن تختار وأنت تعرف نفسك فالعقيدة عليها ينبني العمل والذي نسأل عليه.
سؤال: التوصيف التالي لعباد الرحمن (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) تحدث سابقاً عن صفات إيجابية فلماذا جاءت هذه التوصيفات بهذا الترتيب؟
عباد الرحمن لا يدعون مع الله إلهاً آخر فالذي يدعو مع الله إلهاً آخر ليس من عباد الرحمن إلا إذا تاب، الذي يزني ليس من عباد الرحمن إلا إذا تاب لذا حديث الرسول r:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" الإيمان يخرج منه. نسأل هل عباد الرحمن بدأوا عباد رحمن من أول ما خلقوا لم يخطئوا؟ أو دخلوا عباد الرحمن وسط الطريق؟ منهم من بدأ أولاً ومنهم من بدأ وسط الطريق ومنهم من دخل معهم ثم أذنب ثم دخل هذا الذي يخطئ ويتوب وأنا أخشى على هؤلاء أن يخطئ ويموت فمن يضمن أن يعيش ليتوب؟ إذا قال سأفعل هذه المعصية أو العملية الأخيرة ثم أتوب هذا كفر لأنه ادّعى أنه مالك لرزقه وأجله. إذا تحققت هذه الجملة وعمل العملية ومات عليها كان من أهل النار فمن يضمن نفسه؟ إذا عملها وتاب فالمال من هذه العملية الأخيرة سيكون مشكلة. هذا المال حرام وكل ما بُني عليه حرام وهذا ما يسمونه شؤم المعصية أنها تطارد صاحبها لذا لا بد من التوقف والعودة إلى حظيرة عباد الرحمن بسرعة وإلا لا أطمئن.
إختار تعالى في الآية أكبر ثلاث كبائر (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) كأن الذي سيكون من عباد الرحمن يمكن أن يشرك لكن لا يمكن أن يكفر، لم يقل تعالى والذين لا يكفرون بالله لأنه ليس متوقعاً من الذي سيكون من عباد الرحمن أن يكفر. إختيار الألفاظ كانت على المنطق الأكثر بعيدٌ أن يكون كفراً ويكون من عباد الرحمن، الأقرب أن يشرك. ممكن أن يكون واحداً من عباد الرحمن ويقول: توكلت على الله وعليك، وللأسف لما حسنوها قالوا توكلت على الله ثم عليك وهذه لا تنفع وهي أيضاً خطأ ولا تنفع وعليك أو ثم عليك ولكن أقول توكلت على الله وحده لأن الآية تقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) وأسأله أن يجعلك سبباً لتحقيق هذا الأمر لي. كم من آلهة تعبد من دون الله تعالى بغير حق في هذه الأيام! حب المال والشهوات... الآية لا تتكلم عن الأصنام فقط، نحن قلنا أن الإنفاق بصفته العامة ولا يدعون مع الله إلهاً آخر، البعض يقول أنه يهوى النساء ويحبهم هذا حب عبادة. (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) عبد الله الحق أو عبد الرحمن الحق لا يمكن أن يتطرق لا إلى كفر ولا إلى شرك. الضعف البشري والهوى تجاه شيء معين يكون نوع من الشرك لأنها تأمره وهو يستجيب لها (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه). سُئل الرسول r أي الذنب أعظم؟ قال: الشرك أن تتخذ مع الله إلهاً، قيل ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل ثم أيّ؟ قال أن تزني بحليلة جارك" هذا الحديث توقيع للآية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الأولى الشرك والثانية قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والثالثة الزنا، الآية تكلمت في الكبائر الثلاث والرسول r تكلم في الكبائر الثلاث.
سؤال: هل يندرج قتل الأولاد ومسألة أن لا ينجب الزوجان كثيراً أو أن تجهض الزوجة مخافة الفقر؟
الذي يجهض امرأته هذا قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وليس قتلاً خطأ. البعض يحاولون منع الحمل لكن تحمل المرأة مع هذا، هذا ليس غلطة كما يقولون ولكنها قدر الله تعالى أن يحصل الحمل (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) ولهذا أقول يجب مراجعة الفتوى لأن هذا قتل عمد وليس قتلاً خطأ إلا إذا قال طبيب مسلم واعي أن هناك خطر على الأم أو الولد وأنا أقول يجب أن يكون ثلاثة أطباء لا طبيب واحد، نحتاج لرأي ثلاثة أطباء حاذقين مسلمين يخافون الله تعالى فإذا كنت تعيش في الغرب وليس هناك طبيب مسلم آخذ برأي طبيب مؤتمن. حديث الرسول r أن الرجل يقتل ولده مخافة أن يطعم معه أنت لا ترزق نفسك ولا ترزقه لذا الرسول r لخّص الحديث على الآية تعقيباً وشرحاً لها: أكبر الذنب الشِرك يليه قتل النفس وخصّ rالولد لأن الذي يتجرأ على قتل ولده يتجرأ على قتل غيره ثم الزنا وأخص الزنا بحليلة الجار لأن هذا أخص الزنا ولا يفعله أحد عنده شيء من أخلاق العرب.
العقاب وتوصيفه ولماذا ورد الخلود ثم استثنى الله تعالى العقوبات بالتوبة والتوبة سنربطها بحلقات التوبة والاستغفار أن التوبة توبة وإيمان وعمل صالح وليست مجرد كلمات تقال باللسان فإذا أردت أن ترجع إلى موضوع الإيمان لا بد من عملية التوبة وهي عملية متكاملة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/2/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:04 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 34

تكلمنا في الحلقة السابقة عن كون الإنسان مسيراً أو مخيراً وأوضحنا فيها مناطق التسيير ومناطق التخيير لكن الإنسان هو الذي يختار طريق الخير ليمشي به إلى الجنة وهو الذي يختار طريق الشر الذي يمشي به إلى النار فالقضية في منتهى البساطة. الطريق إلى الجنة سهل الوصول له إذا خلصت النية فما هي الأسلحة التي نحتاجها للوصول إلى معية الله هذا ما نتحدث عنه منذ حلقات ومن ضمن هذه الوسائل صفات عباد الرحمن. ونستكمل في هذه الحلقة بقية صفات عباد الرحمن.
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) ِإلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71))
وقفنا عند مسألة الإنفاق وكيف يمتلك الإنسان الميزان الحساس ليكون قواماً حتى يكون القرش الذي يصرفه في حلال ليس تبذيراً والقرش الذي يصرفه في حرام يكون إسرافاً. وننتقل إلى الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون فلماذا جاء هذا الترتيب هنا في صفات عباد الرحمن طالما هذه ليست صفاتهم فما دلالة هذا الترتيب؟
هذا السؤال توقف عنده كثير من المفسرين وقالوا كيف يذكر الله تعالى صفات الرحمن ثم ينتقل إلى مثل هذه الكبائر وهذا توقف واعي لمن أراد أن يتدبر القرآن لكن ألفت النظر إلى أنه حينما تصف أنت عباد الرحمن يجب أن تكون الصفات بهذه الطريقة التي وصفهم الله تعالى بها من حيث أنه تعالى بدأ بطبيعة الحياة (وعباد الرحمن الذين يمشون) وبصفاتهم في العلاقة مع الله تبارك وتعالى (والذين يبيتون لربهم) ثم ذكر أكبر الكبائر نافياً صفاتها عنهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) هذه كلمة يجب التوقف عليها لنرد على الذين توقفوا في هذا الشأن. أنت تعلم أنه تعالى يذكر الشرك والقتل والزنا، بعيني رأسنا نرى في مسألة الثأر مثلاً من يصلي لله تبارك وتعالى ويقيم الليل لكن عند القتل يقتل فيفصل بين عباداته ومعاملاته فإذا فصل فلن يكون من عباد الرحمن، هذا يجب أن نتوقف عنده جيداً ونحن نسمع في مسألة الثأر أن الذي قتل رجل يصلي ويخاف الله ومن الصالحين لكنه انفعل عند مسألة الثأر. وعادة النساء تحث المقتول له على الأخذ بالثأر. ترتيب الصفات نرجعه لله تعالى ولا نناقش فيه ولا نتوقف عنده ونرجعه لمراد الله تعالى ونخضع أنفسنا لمراد الله تعالى. إذا تابعنا الصفات نجد أنه سبحانه وتعالى رتبها بشكل إبداعي (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) لو أخذنا هذه الصفات بهذا الترتيب تأتي المسألة الأخرى وهي أن الزنا والقتل لا يفعلهما إلا من هو مشرك بالله، هناك مقدمات ونتائج. نقف عند معنى الشرك وهذه المسألة قضية خلافية والبعض وصف الشرك خطأ فمنهم من قال الشرك هو أن تعبد غير الله وهذا غير صحيح لأن الكفر هو أن تعبد غير الله لكن الشرك هو أن تعبد مع الله إلهاً آخر.
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) هذه الصيغة يتكلم عن المشركين ولم تتكلم عن الكافرين لأن عباد الرحمن لا يمكن أن يكفروا ويمكن أن يشركوا فالترتيب منطقي وعباد الرحمن لا يمكن أن يكفروا أبداً (وعباد الرحمن) قلنا أن معناه وأما عباد الرحمن. وقد وصفهم الله تعالى بصفات ولا يمكن أن يكفروا ولكن قد يشركوا بالضغوط التي عليهم بحيث يفصلوا عباداتهم عن معاملاتهم فالذي يأخذ بالثأر ولا يلجأ إلى الشرطة أو القضاء أو ولي الأمر كأنه يجعل هذه الضغوط التي تدفعه للثأر إله فوق الإله أو إله مع الإله. الشرك والقتل سنتكلم عنهما باستفاضة: الشرك هو أن تعبد مع الله أحداً وعبادة غير الله مستحيلة عند عباد الرحمن لذا لم يذكر الكفر في الآية ولكن ذكر الشرك لأنه يمكن غلطة واحدة توقعهم في الشرك. الشرك هو أن يدعو مع الله أحد أياً كان إلهاً أو غيره من تعلق قلبي بشخص أو غيره. هناك قرب بين مفهومي النفاق والشرك وقد تحدث عن صفات المنافقين في بداية سورة البقرة في 13 آية. الشرك أن يدعو مع الله أحد كأن يأمره أحدهم بمعصية فينفذها والبعض يقول أنا عبد مأمور أو رئيسي في العمل طلب مني أو حرّضوني أو ما شابه كما يحصل في مسألة الثأر يحرضوه أن يأخذ بثأر أبيه إذن أن يطيع غير الله حين يأمره بمعصية. إذن أن يدعو مع الله إله آخر وأن يطيع غير الله في معصية والثالثة عامة وشاملة وخطيرة جداً أنه ينصب نفسه إلهاً ويتدخل بنفسه فيما قضى الله ظناً منه أن سيغير ما قضاه الله تعالى وهذه تظهر في ترتيب الآية.
مسألة الكفر غير واردة عند المسلم الواعي لكن مسألة الشرك قد ينزلق إليها دون أن يشعر. والشرك ثلاثة أنواع: أولاً أن يدعو مع الله إلهاً آخر والثانية أن يطيع أحداً من البشر بما يخالف شرع الله والثالثة أن ينصب نفسه إلهاً وهذه تظهر جيداً في مسألة القتل وسنشرحها بالتفصيل وأنا أعطيها عنوان أن يعمل لغير وجه الله تعالى. الشرك خطير جداً لأن من المؤمنين من يأتيه وعندنا الشرك الظاهر والشرك الخفي. البعض يذهب إلى ضريح ليقضي حاجة ومهما كان هذا الضريح لا يمكن أن يذهب إليه إلا حالة خاصة وهي ضريح رسول الله r لأن الآية واضحة (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) النساء) هذه الآية تُصلِ؛ كل زمان ومكان وهذه مسألة لا يمكن أن نتكلم فيها فالرسول r مستثنى من هذه القاعدة ومع ذلك لا نقعل هذه مباشرة نقول الرسول سيغفر لكن استغفر الله لكن ذهابك لضريح الرسول r قد يعظم أجرك عند الله تبارك وتعالى لكن أن أذهب لضريح ولي أو أحداً من آل البيت هذا شرك ظاهر مع تعظيمنا لآل البيت. ونذكر ما علّمه الرسول r لابن عباس يعلمه قاعدة أصولية فقال: يا غلام إني معلّمك كلمات إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك"
وفي رواية الترمذي يقول واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن النصر مع الصبر واعلم أن مع العسر يسراً رفعت الأقلام وجفت الصحف" وهذه تطبيق للآية (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ (23) الحديد) هذا الحديث يعجبني في قوله وإذا سألت فاسأل الله أي أول ما تفكر فكّر بالله وخذ بالأسباب لكن الغاية هي الله تبارك وتعالى لذا العنوان الأكبر في صفات عباد الرحمن (لا يدعون مع الله إلهاً آخر) لا يدعون هنا ليست الدعاء وإنما لا يلجأون ولا يشاركون مع الله أحد في مشاكلهم ولا في أفراحهم ولا سواها ولا يضعون في مداره أحد سبحانه. الله تبارك وتعالى أحد من الوحدانية لا يكون معه ولا تحته ولا في مداره أحد سبحانه. لذا قال r : إذا سألت فاستعن بالله ونحن في 17 مرة في الفروض عدا النوافل نقول (إياك نعبد وإياك نستعين) فعلينا أن نعي معناها فلنجرب التعامل مع الله تبارك وتعالى الواحد الذي على مداره أحد سبحانه فلنسأل الله ولنتوجه إلى الله تبارك وتعالى. الزمان يدور وينقلب والرسول r كان يتعامل مع اليهود والنصارى وفق الضوابط لكن شرع الله تعالى هو النافذ.
بداية حديث الرسول r لابن عباس (إني أعلمك كلمات) كلمات جمع مؤنث سالم يدل على القلة مثل معدودات. إذا حفظت الله لن تسأله لأنه سيحفظك ولست بحاجة لسؤاله فهو يحفظك ولن يدعك تلجأ لأحد (إحفظ الله يحفظك) هذا لا ينفي حصول مشكلة لهذا الشخص لكن الله تعالى يجعله يرضى ويحعله يتقبل المشاكل والابتلاءات وهو راضي. (إحفظ الله تجده تجاهك) في أي مكان أنت فيه تتعرض فيه لمشكلة فالله تعالى معك وفي حديث آخر (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وأقول أن إتجاه الإنسان لله تعالى وقت المصائب دليل على قناعته الداخلية بوجود الله تعالى لأنه حتى الكافر إذا لم يعد له سبيل أو كان في ورطة يلجأ إلى الله ويقول يا الله كما في الآية (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ (62) النمل) والله تعالى أرحم من أن لا يجيب المضطر لأن الكافر عندما يضطر يلجأ إلى الله تعالى واجب الوجود وإنما الأصل ويقول يا رب.
يغيب عن مفهوم الناس أن مسألة الحفظ معناه أنه يحفظك من أن تزل مع المصيبة أو الفتنة أو الامتحان فلا تزل وتدخل النار. الحديث جاء بعد قاعدتين "إحفظ الله يحفظك إحفظ الله تجده تجاهك" لو حفظت الله تعالى سيقيك ولن يدعك تسأله لأنه سيربيك ويقيك كما قال (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق). لذلك قال تعالى (والذين لا يدعون مع الله) من عباد الرحمن من يقع في خطأ ويعمل شرك أو قتل أو زنا وهو من عباد الرحمن وقد يكون من غيرهم. هذه الثلاثية في ذر أكبر ثلاث كبائر. إبن مسعود سأل الرسول r: أي الذنب أعظم؟ قال أن تشرك بالله أحداً فقال إبن مشعود والله إن هذا لكبير ثم قال: ثم أيّ؟ قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، فقال ثم أي؟ قال أن تزاني حليلة جارك" هذه الثلاث هي نفسها التي وردت في الآية. في حديث آخر يقول r: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال: الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وقول الزور وكان الرسول متكئاً فاعتدل وقال ألا وقول الزور وكررها حتى قال الصحابة ليته سكت وهذا ليس اعتراضاً على الرسول r وإنما لتوقيع أهمية وخطورة شهادة الزور على الإنسان. والرسول r تكلم عن شهادة الزور وقول الزور والبعض حصر الشهادة بالقول ولكن الشهادة هنا الحضور (لا يشهدون) ليس معناها باللسان فقط وإنما هذه جزئية وفرع من الشهادة. (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (72)) أي لا يحضرونه كله لا يسمعونه ولا يقولونه لأنهم من عباد الرحمن. فالشرك خطير جداً ويتحقق في كثير من الأفعال وخاصة القتل والزنا.
سؤال: يقول تعالى في الآية (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) هذا الإستثناء (إلا بالحق) فما هو هذا الحق وما هي ضوابطه ومَنْ مِن حقه أن يقتل بالحق؟ وهل يمكن لمن رأى شخصاً يقتل أن يقتله؟
نتكلم على القتل أولاً: القتل والموت وحتى علماء اللغة لم يتمكنوا من وضع تفسير للموت غير أنه نقض الحياة. الموت هو فصل الحياة، الإنسان جسد وروح في الموت بقضاء الله تبارك وتعالى (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) الرعد) ولن نتكلم اليوم عن الموت. الموت أن تغادر الروح البدن فلا يعود للبدن قوام حياة مثل السيارة التي فيها موتور وليس فيها بنزين، الروح تغادر البدن فيبلى الجسد ويفني. القتل عكس الموت الجسد يبلى فتخرج الروح لأن الجسد لا يمكن أن يتحملها لأن لا أحد من الذين يقتلون يمكنه أن يمد يده ويأخذ روح الذي يريد قتله لأن الروح سر من أسرار الله تبارك وتعالى وليس من أمر الله فالذي من أمر الله هو القرآن (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء) أسأل الناس أن تراجع هذه الآية في سورة الإسراء حتى لا يعترض علينا الناس (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) ومن عظمة القرآن أن الروح جاءت فيه بستة معاني الروح: قوام الحياة، جبريل، القرآن، الوحي كله، عيسى، والسكينة وهذا من المشترك اللفظي وبعض المفسرين خلطوا في آية سورة الإسراء أن الروح هي قوام الحياة في الآية (ويسألونك عن الروح). عندما نفسر القرآن بالقرآن كما فعل الشيخ الشنقيطي ونذهب إلى سورة الشورى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (15) غافر) الوحي كله فالذي من أمر الله تعالى القرآن والوحي أما قوام الحياة فهي من أسرار الله. لماذا يقتل الإنسان إذا كان قادراً أن يخرج الروح؟ لا أحد يمكن أن يعرف مكانها ولا سرها لأنها من أسرار الله تعالى. لذلك القتل أدعى قضية في الشرك لأن القاتل نصب نفسه إلهاً لأن الروح سراً من أسرار الله تبارك وتعالى ولا يعرف سرها إلا الله تعالى لا يقترب منها إلا خالقها لذا كلمة (إلا بالحق) القتل بالحق يتساوى مع الموت أما القتل بغير الحق تدخّل. حصلت قضية مؤخراً في الولد الذي اتُهم بقتل عدد من العائلات، الشرطة قالت أن الولد قتل فقدمته النيابة متهماً للمحكمة بناء على بيان الشرطة فقالت المحكمة جملة هي عنوان للحقيقة وجملة تتسق مع مفهوم القرآن في الموت والقتل وقالت الدلائل الموجودة أمامها لا تكفي أن تحكم عليه بالإعدام وقالت لأن أخطيء بالعفو أرحم من أن أخطيء في العقوبة وهذه المحكمة يجب أن ننحي أمامها وندعو لهؤلاء القضاة والمستشارين أن يثبتهم الله تعالى مدى حياتهم. لا يمكن أن يرى أحد قاتلاً يقتل فيقتله وحتى العدالة يجب أن تتأكد لأن الشاهد قد يكون شاهد زور. أخطر قضية أن تحكم بالإعدام ولذلك حكم الإعدام لا يكون إلا بحكم الدائرة الثلاثية والمفتي رأيه إستشاري وقد تقف المحكمة عند رأيه والمفتى يقرأ القضية من الناحية الشرعية لا القانونية ولا يتدخل إلا إذا أحيلت له الأوراق فيقرأه كله وقد يكون هناك مانع شرعي فيشير إليه المفتي فيرجعون في حكمهم. محامي القتل يجب أن يكون محامي عدل لأن التلاعب بالإجراءات تكون في قضايا المخدرات والتلبس أما في القتل فليس فيه خطأ في الإجراءات هناك قتيل وليس هناك خطأ في الإجراءات ونادر ما يحصل خطأ في الإجراءات. لا يمكن لقاضي أن يقضي بقتل شخص إلا بعد أن يمحص ولذلك يحيل القضية للمفتي حتى لا يكون هناك مانع شرعي لم ينتبه هو له. قد يفلت المجرم من قضية لكن لا يتحمل القاضي أو المفتي وزر قتل أحد وهو مظلوم ولذلك (إلا بالحق). ولذلك القاضي يراجع قضايا الإعدام كثيراً وهناك محكمة ثانية للنقض التي هي درجة مراقبة القانون للتأكد أن حكم الإعدام ليس ظلماً وأن المتهم لن يقتل ظلماً لأنه ليس من السهل أن ينصب أحدهم نفسه إلهاً فيقرر قتل متهم إذا لم يكن متأكداً لأنه (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) المائدة) لذا القصاص مقلوب هذا المفهوم. هذه الآية نزلت لبني إسرائيل وهذه نزلت في التوراة لأنهم أول كتاب سماوي والغريب أن هؤلاء الذين نزلت عليهم هذه التعليمات هم الذين يشيعون القتل في العالم ويحرضون على القتل. قتل النفس من أخطر الأمور على وجه الإطلاق لذا نقول أن القتل فيه شرك والذي يقترب من القتل فكأنه يقترب من الشرك والزنا كذلك ولكن الزنا من الشهوة لأنه جعل الشهوة وهواه إلهه لكن القتل أخطر لذا قدمه الله تعالى على الزنا. وجاء بالشرك أولاً لأن قتل النفس والزنا يتضمنون الشرك وعباد الرحمن لا يمكن أن يفعلوا أياً من هذه الكبائر الثلاثة لذا جاءت آية التوبة مباشرة بعد هذه الكبائر الثلاثة (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) جاء الإستثناء، لذا القتل من أخطر الأمور على وجه الأرض أن تزهق روحاً صنعها الله تبارك وتعالى وهي سر من أسراره. مناقشوة إبراهيم مع النمرود لما قال له (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة) فقال له (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) واحد حكمت عليه بالإعدام ثم عفوت عنه فهذا إحياء وآخر حكمت عليه بالإعدام فأعدمته فهذه إماتة، هذه سخافة فجاءه إبراهيم u بقضية واقعية (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أما في الآية السابقة النمرود كفر بالله وليس شركاً لأنه عمل نفسه هو إلهاً وعند ذلك يكون كفر بالإله الحق لكن الذي يقتل يكون قد أشرك وقد يكون من الناس من يصلي ويصوم ومن الصالحين ويقوم الليل ويتصدق لكن غلبه الثأر والعادات والتحريض فأنسوه عباداته وأشرك مع الله تبارك وتعالى هواه وعائلته فأقدم على القتل.
في الفرق بين القتل والموت يقول تعالى في سورة آل عمران (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)) برز القتل إلى مضاجعهم فيموتوا. وقال القتل وليس الموت لأن الواقعة واقعة حرب وقتال لا تجد من فقد الروح موتاً في الحروب وإنما قتلاً. حتى لو خاف أحد السيف في وجه آخر فمات من الخوف فهذا قتل أيضاً. في الآية هم مكتوب عليهم القتل فحتى لو كانوا في بيوتهم سيأتي من يقتلهم لأنه كتب عليهم القتل حتى لو لم يخرجوا للقتال لأن أمر الله تعالى لا بد أن ينفذ.
بُثّت الحلقة بتاريخ 27/2/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:05 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 35

وقفنا في الحلقة السابقة عند الكبائر الثلاثة التي تحدث عنها الله تعالى وهو يتكلم عن صفات عباد الرحمن وقال أن عباد الرحمن لا يفعلون هذه: الشرك بالله والقتل بغير الحق والزنا وتحدثنا عن الفرق بين الكفر والشرك وبين الموت والقتل ونتطلم في هذه الحلقة عن الزنا. هناك أشياء تتعلق بالرحمة والقتل ما يسمونه القتل الرحيم إذا كان المريض في غيبوبة والأطباء لا يعرفون متى سيفيق هذا المريض من الغيبوبة وهو يعيش على الأجهزة فإذا سحبنا الأجهزة يموت فيسألون أهل المريض ليسحبوا الأجهزة وهذه يسمونها القتل الرحيم فهل هذه رحمة أم أنه نوع من القتل؟
طالما الأجهزة تسهم في حياة المريض فرأيي أن نبقيه على الأجهزة، وأهل الطب أقدر على أن يتكلموا في هذه المسألة. لكن السؤال هل يمكن أن يعود إلى الحياة؟ إذا كان ممكناً وهناك أمل في شفائه تبقى الأجهزة وإذا كان لن يعود إلى الحياة فيؤخذ رأي أقرب أهله إليه وهذا يجب توخي الحذر. هناك حالات بقي المريض خمس سنوات في الغيبوبة ثم أفاق. نسأل الله تعالى أن تكون هذه من باب الرحمة الحقيقة ليس الرحمة المدّعاة كما يطلقون عليها في الغرب. القول الفصل لأهل الطب ورأينا إستشاري أنه طالما هناك إحتمال العودة إلى الحياة تبقى الأجهزة وإلا يسأل أهل الخبرة ونحن لا نفقد الأمل بالله تعالى وهذه مسألة عند الله تعالى ولكل أجل كتاب.
أحياناً يكون هناك سيناريو آخر فيقولون لو عاش المريض سيعيش مشلولاً أو معاقاً هذه الحالة نقول أن الإختيارات صعبة لكن الأمل في الله تعالى دائماً. والبعض في الغرب يتعرض أحد الحيوانات لحادث فيقتله صاحبه رأفة به لأنه يتألم، هذه الحالة يرجع فيها إلى الطب البيطري لأن كل حالة تؤخذ على حدة. الحيوان فيه قوام روح وليس روحاً وهذه مسألة يتكلم فيها أهل الطب وبعض الحيوانات يتعالج ويشفى. لو كان بالإمكان إعطاؤه علاج أعطيه وإلا لا أقتله بنفسي. وعند البشر قد يكون أصيب أحدهم بورم يصيب النخاع أو العمود الفقري ويتعذب المريض والأطباء يقولون أن حالته ميؤوس منها ولن تنفع معه أدوية ولا يمكننا سوى إعطاؤه مهدئات فيطلب هذا المريض من الطبيب أن يعطيه حقنة هواء ليرتاح هذه لا تجوز لأنها انتحار وهذا طلب حرام وليس من باب الرحمة وهذا انتحار وتعجّل.
في حالات الثأر نقول أنه لا يجوز ويقدم المتهم إلى العدالة ويسلم أهل المقتول لقضاء الله ولا يتدخلون في القتل. والبعض ينتظر حكم الإعدام ويقتلوا القتيل قبل تنفيذ حكم الإعدام وقد يدخلوا أحد معه السجن ليقتله إن لم تحكم عليه المحكمة بالإعدام وهذا حرام لأن القتل ليست وظيفتي أنا ولكن وظيفتي أن أقدمه للمحاكمة والمحكمة تأخذ مجراها ولا يحق لي أن آخذ حقي حتى لو المحكمة أخطأت لأن الحق لا يضيع يوم القيامة. الموت من خصائص الله تعالى لذا الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه. أما القتل دفاعاً عن النفس فموضوع آخر وفي القانون الوضعي حالات الدفاع عن النفس محصورة في القانون وهناك حالات تتجاوز الدفاع عن النفس كأن يدخل عليك أحد معه سلاح فتتمكن من أخذ سلاحه لكن لا تقتله به ما دمت منعته عن القتل فإذا قتلته يعتبر تجاوزاً ويحكم عليه، هذا القانون الوضعي وهذا من الحرص على حياة الناس. كل واحد يأخذ حقه والكلمة الفصل يوم القيامة (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) غافر) إذا حصل ظلم في الدنيا فيوم القيامة يوم العدل المطلق وعلى الإنسان أن يفوض أمره إلى الله تعالى ويأخذ حقه يوم القيامة.
سؤال: القتل في حالات الزنا: شخص دخل على زوجته فوجدها مع رجل آخر تخونه فيقتل الإثنين دفاعاً عن شرفه، هل من حق هذا الرجل مهما كانت ظروفه أن يطبق العقوبة بيده وكيف يعامله الشرع؟
بالنسبة للشرع الحكيم أنه يحال إلى ولي الأمر. في القانون الوضعي تبحث القضية من جميع جوانبها وفي الثمانيات شهدنا على حالة رجل أجبر زوجته على خلع ملابسها هي ورجل آخر إفتراء عليها ليقتلها لأنه وراءها إرثاً كبيراً. ومن المستحيل أن تلم بالأمر كله وجمع الأدلة والمعلومات لكن لا أحد يعرف خبايا النفوس إلا الله تعالى. في الحكم الشرعي من حقه عندما يفقد عقله أو أعصابه أن يتصرف إن كانت الواقعة حقّ ولا يحاكم على مثل هذا الأمر لأنه فقد وعيه ويعتبر في حالة جنون مؤقت وحالة دفاع عن عرضه. هذه المسائل الله تعالى يقضي بيننا يوم القيامة لأن هذه القضايا شائكة وكلها مرتبطة بما قلناه عن العقيدة والعبودية لله تعالى، هل هو صادق؟ هل هي خائنة؟ العقل هو الذي يحكم القضية هنا فإذا كانت عنده رباطة جأش واستطاع أن يسيطر على نفسه في اللحظة الأولى ثم يطلقها أو يعفو عنها. ومهما كان الإنسان سليم التدبر وسليم العقل يفوض أمره إلى الله فإن الله تعالى لا يضيع عنده شيئ وهذه قضية المؤمن بها يعيش مرتاحاً. والله تعالى أمر من يتهم زوجته بالزنا عليه أن يحضر أربعة شهود لذا نوصي بضبط النفس والكلام النظري غير العملي. رأينا حالة أن شخصاً حُكم عليه بالإعدام مع أنه بريء لكن الله تعالى أظهر القاتل الحقيق يوماً واحداً قبل تنفيذ الحكم. مهما حكمنا فنحن نحكم بالظاهر لكن الله تعالى هو الذي يعلم الظاهر والباطن سبحانه.
البعض يفترض أن الرجل إذا رأى زوجته تخونه فحقه أن يقتلها لكن إذا الزوجة رأت زوجها يخونها فلا يحق لها أن تعترض كأن الرجل له شرف والمرأة لا، وهذه مسألة تنافي الإسلام لأن الإسلام يتعامل بالمثل والزاني والزانية لهما حكم واحد ومن حقها أن تطلب الطلاق وتأخذ حقوقها كاملة والبعض تسكت وتصبر وكل لن يضيع حقه عند الله تعالى.
حتى الأهل في البيت إذا تأخر ولده في الخارج لا يقلق ويقول هذا رجل وعندما يكبر سيعقل وإذا تأخرت البنت قامت الدنيا. العيب ليس في الإسلام ولكن العيب تطبيق الناس له وكل عرض امرأة هو عرض محمد r وعلينا أن نحافظ عليها ويبقى الإسلام هو الإسلام.
سؤال: ما هو الزنا؟ هل هي العملية الجنسية كاملة أم هي النظرة واللقاء والموعد وغيرها من مقدمات الزنا؟
عندما يقول تعالى (ولا يزنون) أي لا يأتون حتى مقدمات الزنا. لذا في التوبة من هذه الكبائر قال تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ثم قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا) هذه نحتاج لوقت طويل لشرحها حتى نصحح المفاهيم. إذا فعلت المقدمات قد لا تضمن تجنب الزنا نفسه. إجتناب القتل أن لا تحمل سلاحاً خاصة إذا كنت عصبياً ولا تملك نفسك فإذا عاد هذا الرجل إلى الصواب والحكمة يترك السلاح. وكذلك الزنا فالمسلم الواعي يجتنب مقدمات الزنا. هذه مسألة خطيرة والبعض يستغرب من أحكام الإسلام لأنهم ينظرون إلى القضية الكبيرة ويقول هل معقول أن أزني؟ ويخفى عليه أن مقدمات الزنا قد تدفعه في لحظة إلى ارتكاب الزنا، فإذا اجتنب المقدمات ضمنت اجتناب الكبيرة فإذا اجتنب اللقاء والنظرة والموعد يجتنب الكبيرة. (ولا يزنون) أي لا يقربون حتى مقدمات الزنا إرضاء لله تعالى واجتناب الكبيرة يأتي توثيقاً من اجتناب مقدمات الزنا والمسلم الواعي لا يأتي مقدمات الكبيرة والله تعالى حرّم حتى المقدمات والرسول r نهى حتى عن مقدمات الزنا ونذكر الشاب الذي جاء الرسول r يستأذنه في الزنا أنت كمسلم يجب أن تحافظ على عرض أي مسلمة وكل امرأة وكل فتاة هي عرض رسول الله r. والذي يقول أنه لن يقترب من المسلمات ولكن من الأجانب وهذا مرفوض فالزنا هو الزنا وحتى غير المسلمات هي لها عرض أيضاً والإسلام هو الإسلام.
مسألة أن البنت إذا كان لها إبن عم أو ابن خال أو غيره فيسمحون له بأن يوصلها المدرسة أو غيره وقد يتحول الكلام بينهما إلى علاقة وزنا ثم يقولن لمذا حصل هذا؟ الله تعالى أمرنا في القرآن أن نجتنب مقدمات الزنا، وفي حالة النساء حدد الله تعالى أن المرأة لا تظهر إلا على المحارم التي ذكرها الله تعالى في القرآن. وهذا كلام الله تعالى وهذه العائلات بتفويتها للصغائر تقع في مصائب كبيرة لأن معظم النار من مستصغر الشرر والرسول r قال: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وهذه أمور واضحة وعندما يقول تعالى (ولا يزنون) لا يقصد بها فقط عدم الزنا وإنما اجتناب مقدمات الزنا والمسلم الواعي الحق يحاول أن يجتنب كل ما يدفعه للقيام بهذه الجريمة البشعة التي تهتز لها السموات السبع.
سؤال: هنا من يجد أن الضغوط الإجتماعية تدفع الشباب للزنا فهل هذا مبرر؟
كلا هذا ليس مبرراً ولكن حجة يستخدمها الناس ليلقوا باللائمة على الظروف ليبرروا خطاياهم. لكن سيكون دائماً هناك من لم تضغط عليه الظروف لارتكاب هذه الكبيرة ولو أن الكل قد فعل هذا لكان ممكن أن تقول انها الظروف لكن مجرد أن هناك من لم يرضخ للظروف وتمسكت بدينها فهو حجة على الباقين. لذا يوم القيامة اسمه يوم الدين أي يوم الحساب الحق حيث لا ظلم اليوم فالصغائر محاسب عليها (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (32) النجم) هذه ليست لمماً حتى لو اعتبره الناس هكذا لأن الحلال بين والحرام بين. اللمم هي الأمور التي لا يحاسب عليها وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) يجب أن تجتنب كل ما يدفع إلى الكبيرة. البعض يضع مقدمات الزنا لمم والسيجارة لمم وغيرها لمم. هناك فرق بين المعصية بتصميم والبعض يضع لنفسه حداً أنه لن يصل إلى الزنا الكامل ولكن يقوم بمقدمات الزنا وهذا كله حرام وهذا كله من الزنا. (وَلَا يَزْنُونَ) التفسير الواضح فيه أن تجتنب حتى المقدمات لهذه الجريمة البشعة. يجب على الإنسان أن يدرأ الشبهات ويجتنب هذا لأن هذه القضية عاقبتها خلود في النار. كل شيء في الإسلام يحتاج إلى تدريب سابق أن يدرب نفسه على عدم الوقوع في صغيرة كما يدرب نفسه على أن لا يقع في كبيرة كما يدرب نفسه على تحمل المصائب.
قال تعالى (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) هذا تأكيد على أن عباد الرحمن لا يفعلون هذه الكبائر لهذا بدأ الآية بنفي الصفة عنهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) وسابقاً سألنا هل عباد الرحمن هؤلاء بدأوا عباد رحمن أم دخلوا في وسط الطريق أم أنهم وقعوا في واحدة من هذه الكبائر ثم تابوا؟ كل هذه الاحتمالات واردة. ويجب على كل واحد منا أن يقف عند هذه الآية لأنه من يفعل واحدة من ههذ الكبائر أو أكثر يلق أثاماً وهذه الكلمة (أثاماً) تحتاج لوقفة طويلة. الأثام لها تعريف عند اللغويين، (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) هذا بدل اشتمال. الأثام هو مضاعفة العذاب له لأنه ارتكب إحدى هذه الكبائر فما بالك لو ارتكبها كلها؟ لو عمل واحدة يضاعف له العذاب مرة وإذا عمل اثنتين يضاعف العذاب مرتين وإذا عمل الثلاثة يضاعف له العذاب ثلاثة مرات لأن كل شيء يوم القيامة له ميزان وحساب. هذه الآية خطيرة تقشعر لها الأبدان (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) كأن الذي يفعل ذلك ليس عنده عقيدة ولا دين ولم يكرر المولى تعالى ذكر الكبائر أو قال ومن يفعل واحدة منها وإنما قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) لأن هذه الكبائر الثلاث خطيرة فالشرك موضوع خطير وللأسف يقع فيه كثير من المسلمين وعلينا أن نضع آيتين في كتاب الله نصب أعيننا وهما في سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) و(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) فالشرك موضوع خطير وعلى كل منا كلما عمل عملاً أن يراعي هذه المسألة. (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الأثام في اللغة هو كالوبال والنكال وزناً ومعنى، والبعض قالوا الأثام إسم للنار، والبعض قالوا وادي في جهنم، وأنا أرى أن الأثام ما ذكره الله تعالى في الآية وهو مضاعفة العذاب (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا). هذه الكبائر أكبر من أن تكون السيئة بسيئة لأنه من أشرك بالله لم يشرك وحده وإنما دعا الناس إلى الشرك والذي يزني لم يزن وحده وإنما دها الناس إليه وعلى الأقل التي يزني بها.
في السابق كان إذا تأخر الأولاد خارج البيت فالموضوع خطير والآن الناس تمشي في الشارع شبه عارية ولا يعترض أحد بل يقولون حرية شخصية مع أنه فيه أذى للمجتمع ويجب أن يضرب على يد هؤلاء لأنهم قدوة سيئة في المجتمع. هذا سر مضاعفة العذاب، وتوقيع الرسول r يأتي من القرآن فقال r: "من سنّ في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". مضاعفة الجزاء أو العذاب نحن لا نعرف كم درجة سيضاعف؟ كلمة يضاعف لا تعني ضعفين وإنما سيضاعف لكن كم مرة ضعف؟ الضعف الواحد مرتين والاثنين أربعة والثلاثة مضاعفة فالذي يُشرك يشرك وراءه ناس والذي يزني زنى على الأقل بواحدة والقتل بغير حق تبدأ ولكن لا تقف مثل موضوع الثأر فترى عائلتين قتلوا بالثأر فأول واحد قتل بغير حق عليه وزر كل من قتل بعده بسبب الثأر. (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) المائدة) لو أحد الأشخاص في عائلة توقف وقال أنا لن آخذ بالثأر فهذا كأنما أحيا نفساً فالذي سيتبع الشرع ويتوقف عن القتل لا يدري ما هو جزاؤه يوم القيامة؟ شياطين الإنس للأسف تدفع الناس دفعاً للثأر والقتل، وبعضهم يحمل لآخر الكفن حتى يدفعه للقتل دفعاً.
الكبائر الثلاث في الآية بدأت بالشرك لكن الزنا والقتل من الشرك أيضاً. علينا أن نتسامح ونسعى لإيقاف الجرائم بين عائلتين في موضوع الثأر لأنه هذا يضاعف أجره يوم القيامة لأنه يكون أحيا بها الأنفس.
في الآية والتي بعدها توبتان (إلا من تاب) و (ومن تاب) تاب وتاب، الأولى تعني أنه رجع للحق فقط فلما كررها مرة ثانية هذا ليس تكراراً بلا سبب وإنما نوع من أنواع الشرح من الله تعالى، (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) ثم قال (ومن تاب وعمل صالحاً) إذن عندنا توبة إلى الحق وتوبة إلى الله، التوبة إلى الحق جاءت من أن الذي سيفعل هذا كانت توبته سليمة لدرجة أن الله هداه إلى التوبة والتوبة الثانية إلى الله (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) فتاب الأولى إلى الحق، إلى الرشد لذا قال وحتى الذي فعل هذا يتوب إلى الله (ومن تاب). بعض المفسرين قالوا أن التوبة الأولى لغير المؤمن والثانية للمؤمن لكن نقول أن توبة غير المؤمن توصيفها إيمان وليس توبة لأنه لم يكن مؤمناً؟ لو جاءك غير مسلم هل نعتبره تائباً أو جاء يعلن إيمانه؟ هذه لا يقال عليها توبة لا عند أهل اللغة ولا أهل التفسير لذا نص الآية ينفي هذا التفسير. الآية تقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الذي يدعو مع الله إلهاً آخر هذا مؤمن لكنه أشرك هذا ليس كافراً وإنما مشركاً والقاتل ليس كافراً والزاني ليس كافراً (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) ذلك تعود على الكبائر الثلاث أو واحدة منهم. فالزاني أو القاتل كافر فعل أو كافر تطبيق وحديث الرسول r المبدع قال: " لا يزني الزاني وهو مؤمن" لم يقل لا يزني المؤمن لأنه ساعة وقع في الزنا خرج الإيمان منه أو هو خرج من الإيمان، يكون مصلياً ويزني، الكافر لا يؤدي تعلميات الله عز وجل أما الزاني فلم يكفر بالله وقد يزني بين الظهر والعصر ويصلي العصر ويندم ويتوب ثم قد يعود. قال r " لا يزني الزاني وهو مؤمن" يعني ساعة فكر بالزنا خرج من الإيمان قليلاً قليلاً حتى إذا وقع في الزنا يكون قد خرج من الإيمان لذا قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) يجب أن يعود الإيمان ثانية. لذا كلمة (متابا) جميلة وقلنا أنه ساعة يذهب للإيمان لا يعود منه أبداً.
لو تاب متاباً: يعني لن يعود لذا قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) وفي الأولى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا). (ومن تاب وعمل صالحاً) كأن هذا المتاب مكان آمن اثبت فيه تكن مطمئناً ومهما دعاك الشرك أو القتل أو الزنا لن تجيب. ولهذا إعراب (متابا) مفعول مطلق من المصدر الميمي أي تاب ليس توبة وإنما متاباً كأنك أدخلت إنساناً تخاف عليه لتحميه وتكون مطمئناً عليه. كلما زادت مدة مكوثه في المتاب كلما كان أسهل البقاء في المتاب. أسأل الله تعالى أن نطبق هذه الآيات وأن نثبت في التوبة.
الشرك موضوع خطير فقد وصفه الله تعالى في القرآن بأن ظلم عظيم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان) وفي سورة مريم قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) مريم).
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/3/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:06 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 36

وقفنا عند الحديث عن الكبائر الثلاث: الشرك بالله والقتل والزنا والآيات في سورة الفرقان تتكلم عن هذه الكبائر وأن الذي سيرتكب هذه الكبائر سيتعرض لعذاب ومهانة. لكن نقف عند نقطة وهي أن الذي سيرتكب واحدة من هذه الكبائر أو كلها سيضاعف له العذاب فلماذا المضاعفة في العذاب ولدينا قاعدة أن السيئة بسيئة (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا (40) الشورى) وأن الحسنة بعشرة أمثالها؟ وما هو نوع العذاب؟ سنقف عند هذه المسألة في مضاعفة العذاب في هذه الكبائر الثلاث بالتحديد؟
الأسئلة وردت كثيراً في هذه المسألة لكن نقول للناس أن عليهم أن يفرقوا بين السيئة ككتابة والعذاب كتوقيع وليس هناك تعارض والقاعدة الأصولية في الحديث القدسي في كلام الله تعالى لملائكته الكتّبة: إذا همّ عبدي بحسنة " يجب أن نفرق بين الألفاظ في هذا الحديث وبين الآية، بين كتابة الحسنات والسيئات وبين توقيع العذاب، فالقرآن الكريم تكلم عن توقيع العذاب وفي الحديث القدسي يتكلم عن كتابة السيئة ومن مطلق العدالة الإلهية هذا الحديث "إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها" مجرد الهمّ تكتب حسنة وما زلت لم تشرع في الفعل " فإن عملها فاكتبوها عشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء" مجرد أن أهمّ بحسنة تكتب مباشرة حسنة فإذا شرعت فيها تكتب من عشرة إلى سبعمائة ضعف وفي بعض الروايات الله تعالى يضاعف فوق ذلك. الفرق بين الحسنة بمثلها والمضاعفات تعتمد على نية الشخص وهو يقوم بالحسنة، هذه النية هي التي تحدد الدرجات. الفرق من عشرة إلى سبعمائة ضعف وهناك رواية "والله يضاعف لمن يشاء" أي هذا بدون تحديد هذا في الحسنة. المقابل في السيئة فمن رحمة الله تعالى وعظمته أن الحسنة تكتب بمجرد الهم فيها أما السيئة فلا تكتب " إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها" الهمّ في السيئة هي الوسوسة لكن هل استجبت أم لم أستجب؟ "إن عاد عنها خوفاً من الله تبارك وتعالى تكتب حسنة" هذه كلها مرحلة شروع، همّ بالسيئة، مخافة الله عز وجل تكتب له حسنة وحسب القاعدة الحسنة بعشرة إلى سبعمائة ضعف ورجوعه عنها يختلف إن رجع مخافة الشرطة أو مخافة الناس أو مخافة الله تعالى لكن مجرد رجوعه سيأخذ حسنة وإن عملها تكتب سيئة واحدة وإن تاب تبدل السيئة حسنة على قاعدة سورة الفرقان. هذا الكلام كله في كتابة العمل في تسجيل العمل لكن صاحب السيئة في بعض الجرائم يضاعف له العذاب هذا في التوقيع. السيئة لا تكون واحدة أبداً لأن الذي يعمل سيئة يوقع غيره معه فالذي يزني على الأقل يوقع معه واحدة هذا إذا لم يقلّده أحد وقلنا أنه من سنّ في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها. السيئة دائماً معها سيئات ملحقة أقلها الكذب والمال الذي وضع في الحرام وهذا سر مضاعفة العذاب في التوقيع. هي سيئة تكتب سيئة بعدالة الله تعالى لكن جزاؤها يضاعف. في القانون الوضعي إذا ارتكب أحدهم جنحة لأول مرة يختلف جزاؤه عن الذي عاد إلى الجريمة مراراً. لكن هذه لا تقارن بعذاب الآخرة لأنها في الدنيا. أن يعترف الإنسان بذنبه في الدنيا ويأخذ عقابه أفضل من عذاب الآخرة إلا إذا تاب توبة نصوح نقول له لا تعترف على نفسك. المضاعفة لها أساس أن الذي عمل معصية كقاعدة لم يعملها لوحدها وإنما كان معه من شاركه في السيئة أو شجع غيره لفعله أو أباح الفاحشة في المجتمع. في سورة الأعراف عندنا توقيع الجريمة وتوقيع العذاب ونسمع الحوار بين الضالّ والذي أضلّ غيره وهناك فرق بين أن تضل لوحدك أو تضل وتضل غيرك، هذا الكلام يدور يوم القيامة بينهم والمثال في سورة الفرقان قوي جداً ونحن حريصون على كل المسلمين من هذه الكبائر الثلاث: الشرك بالله بما له وما عليه والقتل والزنا والله تعالى أعطانا بها أمثلة ولكنها تقاس عليهم جميع الجرائم والسيئات التي تخرد الناس من صفات عباد الرحمن. الناس خافوا من مضاعفة العذاب. الآيات في سورة الأعراف تشرح الموقف يوم القيامة وتشرح مطلب الذي أضلّه غيره (فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ (38) الأعراف) وسنشرح لاحقاً فلسفة الوقوع في المعصية.
آيات سورة الأعراف (يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40))
مشهد عظيم وحوار نتمنى أن لا نسمعه لأن كل أمة تدخل في تشريفة وهناك من يستقبل أهل النار ويتمنون لهم ضعفاً من العذاب. هذا مكلب الذي أُضِلوا والغريب أنهم لما طلبوا الضعف أجابهم الله تعالى أن لكل منهم ضعف لأنه لما تتبع الذي أضلك فأنت تشجعه على الإضلال. فهذا الضعف. لو أوقفوهم عن الإضلال لكان توقف لكنهم شجعوهم على الإضلال.
سؤال: البعض تعتقد أنهم لن يحاسبوا لأنهم كانوا مستضعفين في الأرض أو مأمورين من قبل رؤوسائهم أو من هم أعلى منهم في السلطة فهل هذه حجة لهم؟ وهل يُعفي هذا من العذاب يوم القيامة؟
(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)) قال تعالى (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) أول مشهد اللعنة لأنهم أضلوهم، (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا) دخلوا جميعاً وتساووا. موقف بديع يبين قيمة التعبير القرآني (جميعاً) بداية الرد وقد قال تعالى (لكل ضعف)، (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) أخراهم أي الذين اتّبعوا وأولاهم هم الذي اتُّبِعوا وهذا منتهى العدل لأن الذي أضلّ دخل أولاً. هذا أسلوب جديد من أساليب القرآن المبدعة (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا) تحول الخطاب لله تعالى والمتوقع أن تقول أخراهم لأولاهم أنتم أضللتمونا مثلاً لكن لجأوا إلى الله تعالى (ربنا) نتوقف عندها: حروف الجر تحل محل بعضها في القرآن، اللام في (لأولاهم) أي قالت أخراهم عن أولاهم كأنهم يشيرون إليهم. البعض يقول قد يقال في غير القرآن: قالت أخراهم لربها ربنا هؤلاء أضلونا". الآية تبين حلول حروف الجر محل بعضها في القرآن (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الماعون) فيقولون الحمد لله الذي قال (عن) ولم يقل (في) لكن هنا (عن) بمعنى (فيه) لكن استخدام (عن) ليظهر أنك لم تكن تصلي وأنت ساه عنها منذ البداية.
لم يستطيعوا أن يوجهوا الخطاب لله تعالى من هول الموقف فهو يوجهون الخطاب لله على استحياء لأن هذا الموقف موقف ندم واستحياء ويومها لا وقت للتوبة لأن التوبة لا تنفع إلا قبل فوات الأوان. ثم هم مستاؤون ممن أضلهم فيلجأون إلى من يمكنه أن ينتقم منهم ويشفي غليلهم لكن هنا لا ينفع الندم، هم يقولون لله تعالى هؤلاء يستحقون ضعف العذاب وكأنهم هم يستحقون عذاباً واحداً والذين أضلوهم يستحقون ضعفين والرد من الله تعالى عليهم مبدع (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) لم يقل لكل منكم ولكن لكل من ضلّ أو أضلّ فالذي ضلّ أضلّ من غير أن يشعر "ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" فكل من ضلّ بإضلال غيره هو أيضاً سيضل غيره من دون أن يشعر وهذا تسلسل منطقي لأن كل من يضيّ يُضل غيره.
(وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) لا تعلمون الحقيقة وتغافلتم عنها ولا تعلمون الواقع الذي كان المفروض أن تعملوه. الآية الأولى في منتهى العدالة تظهر عظمة الإله الحق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) توقيعها في القرآن أنهم لما يدخلوا النار يُسألون (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) فيردون ويعترفون (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) الملك) هذا اعتراف كامل منهم (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) الملك) على باب النار لن يدخل أحد النار قبل أن يُسأل هذا السؤال، في الحديث: "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا ويعلم أنها أولى به من الجنة" يدخل النار وهو مقتنع بأنها أولى به لأنه هو الذي اعترف وهو حكم على نفسه (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) لأنهم يعترفون أنهم هم أوقعوا أنفسهم. لذا قال تعالى (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) لأنهم لو كانوا يعلمون ما فعلوا هذا والرسول r لم يترك لنا أمراً إلا ودلنا عليه حتى أن اليهود حسدونا على هذا الرسول قالوا أن هذا الرجل يعلم أصحابه حتى دخول الخلاء، لم يترك القرآن أو الرسول شيئاً إلا ودلنا عليه. حتى في القانون الوضعي إذا قتل أحدهم لا يمكن أن يقول للمحكمة لم أكن أعرف أن عقوبة القتل الإعدام هذه الحجة بالاعتذار بالجهل مرفوض وكذلك الإعتذار بالجهل بآيات الله تعالى وسنة نبيه r مرفوض. الذي سبّ الرسول r لا يمكن أن يقول أنا لا أعرفه!
الذين سبوا الرسول r مؤخراً في الدول الأوروبية وقال لو أن محمداً على قيد الحياة في هولندا لطاردته حتى أخرجه من بلدي لأنه يدعو لقيم العنف والكراهية والقتل. لو افترضنا هذا الرجل جاهلاً ولم يقرأ عن الرسول r أو قرأ معلومات مغلوطة أو أنه يعرف ويكابر من الحقد والغِلّ. أخشى أن يأتي يوم القيامة ويُسأل ونُسأل نحن معه لم لم نفعل شيئاً؟ نحن نفعل ما علينا في حدودنا لكن هذا الذي سبّ يُسأل أنه كما تعلم التقنيات والاختراعات ألم يعرفوا أن يتعلموا عن الرسول r؟ لكن لو كان هناك من المسلمين من فعل شيئاً مسيئاً للإسلام وللرسول r سيحاسب عليه. (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) الهمسة التي تخرج من فمك تحاسب عليها، العمل، الحركة، الإشارة، كل شيء يعمه اللطيف الخبير والكتاب فيه كل شيء لذا يلقاه منشوراً (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) الإسراء) كلمة (طائره) تحتاج إلى تدبر ولهذا قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) لم يقل أفلا تفقهون القرآن.
سؤال: الشخص الأوروبي الذي كان على ديانة أخرى بعد أن شرح الله صدره للإسلام يسأل المسلمين أين كنتم ولماذا لم تفلحوا بإيصال الدين لنا؟ هذه تشعرنا أننا نقصرون لكن علينا أن لا نجلد ذاتنا فهناك العديد من الجاليات في أوروبا وأميركا يعملون بجد وإذا كنا قصرنا سنتحمل المسؤولية لكن حتى لو لم نقصر هذا لن يعفي الذين لم يتبعوا هذا الدين.
نحن نحتاج لمخاطبة المجتمع المسلم والعربي وبالأخص رجال الأعمال المقتدرين ورجال الأعمال وأهل الشريعة ليكون لنا تواجد في قنوات غربية تتحدث بلغات أجنبية وبمنطق يخاطب العقلية الغربية لأنه لا بد من الوصول للآخر بطريقة منهجه وفكره وهذا مجال نظنه في مجال الجهاد والصدقات الجارية.
سؤال: (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39)) هنا الحجة عليهم. لما تكلمت أخراهم تكلمت مع الله عز وجل ولما تكلمت أولاهم تكلموا مع أخراهم أنتم استجبتم لنا. أخراهم لا تريد الضعف لكن أولاهم قضت عليهم الحجة بأنهم جاءوا بمجرد أن نادوهم ولو أرادوا لامتنعوا فلماذا جاءوا؟ طالما جاءوا فهما يستحقان الضعف من العذاب. ونفس الكلام موجود في كلام الشيطان (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم) والكلام في الأعراف مصدّر بالكلام للإنس والجن.
أسأل الله تعالى أن يمد في عمري لأني أريد أن أشرح لاحقاً قضية السحر ومفهوم السلطان لأن مصر كلها الآن مسحورة وكأن الشياطين تركوا العالم كله وجاءوا فقط لمصر. فالشيطان يوسوس فقط فقل له لا، لهذا الحجج مقطوعة يوم القيامة والذين غضب الله تعالى عليهم في الدنيا لن يشم رائحة الجنة (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء (40) الأعراف) وهناك من يقول سندخل النار قليلاً ثم نخرج وهذا أيضاً من وساوس الشيطان كي يوقعك في المعاصي لكن هل أنت تتحمل أن تدخل النار ولو قليلاً؟ اليهود قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) المسلم الواعي يبتعد عن مجرد كلمة النار. (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) مريم) الورود من المشترك اللفظي والرسول r منكم فهل يرد النار؟ الورود يعني المرور لأن الصراط مضروب على النار، شريط مضروب على متن جهنم الذي يمشي على الصراط إما يصل إلى الجنة أو يقع في النار فالذي وصل الجنة مرّ أو ورد على النار (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) هنا بمعنى وصل. ورد تأتي بأكثر من معنى. ننتبه إلى الآية (واردها) أي يمر عليها.
(وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) الأعراف) الجمل ليس الجمل الحيوان وإنما الحبل الغليظ الذي يستعمل في السفن، فإذا كان الحبل الغليظ المكون من أحبال تمكن من دخول الإبرة فالذين عملوا هذا العمل يدخلون الجنة. الجمل كحيوان لم ترد في القرآن وإنما عبر عنه بالإبل. فالجمل في الآية يعني الحبل الغليظ وكأن هذا الأمر مستحيل لأن الجمل لن يدخل الإبرة العادية وكذلك هؤلاء القوم لن يدخلوا الجنة وكذلك قال في الفرقان (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) الفرقان) ونقيس (مهانا) بـ (متابا) واحدة من الهوان وواحدة من التوبة فإما أن تفعل متابا في الدنيا أو تكون يوم القيامة في مهانا. وكل كلمة في القرآن يحتاج لوقفة.
القرآن أداء عظيم يحتاج لنفهمه على مراد الله تعالى فيه.
في سورة الفرقان لما نوقع قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) يضاعف لم يذكر كم ضعف؟ تاب يعني عاد إلى رشده أو إلى الحق أي رجع عن الذي كان فيه سواء كان الشرك أو القتل أو الزنا. نحن عندنا شرح كثير في التفاسير عن هذا الموضوع لكن لم ننتبه أن درجات العبودية لله تنقسم إلى خمسة أقسام: أولا ً: إسلام العقيدة أو الرسالة وهو قول (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ثانياً الإيمان وهو التطبيق لما جاء به الرسول r في كتاب الله، ثالثاً التقوى وهي أن تجتنب أي شيء يقربك من أي معصية رابعاً الإحسان وهي أعلى درجات العبودية وخامساً إسلام الوجه لله. كلام المفسرين كلام بديع لكن يجب أن ننتبه إلى أمر وهو أنهم علقوا الإيمان في الآية (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) أنه لا يزني الزاني وهو مؤمن، وقعوها أنه كان مؤمناً ووقع في المعصية فعليه أن يجدد إيمانه هذا كلام على العين والرأس ولكن يجب أن ننتبه إلى أن هذه حالة وعلينا أن ننتبه إلى قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) كأن الذي يعمل واحدة من هذه الكبائر أنه لم يكن مؤمناً أصلاً وتوقيعها (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) الحجرات) أنتم مسلمون فقط وانقدتم ظاهراً لمحمد r وتوقيع القرآن بديع في أنه قال (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) تنفي دخول الإيمان إلى الآن مع توقع دخوله بعد الآن وإذا دخل الإيمان لا تشرك ولا تقتل ولا تزني. إسلامهم إسلام ظاهري لأنهم ارتكبوا واحدة من هذه الكبائر فالمؤمن الحق لا يشرك بالله والمؤمن الحق لا يقتل بغير حق والمؤمن الحق لا يزني فإن فعل إحدى هذه الكبائر إما أن يكون مسلم الوجه لله وهو أول درجات العبودية وإما مؤمن فعلاً وضُحِك عليه. أول واحدة يجب أن يدخل في الإيمان حتى لا يقع في إحدى هذه الكبائر والثانية يجدد إيمانه لكن يجب أن نعمل حسابنا على الإحتمال الأول لأن كثيراً من المفسرين لم يحسب له حساباً (إلا من تاب وآمن) كأن القرآن يقول لك أن الذي يفعل واحدة من هذه الكبائر لم يؤمن بدليل قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) ثم قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) الحجرات) المؤمنون لهم أوصاف وشروط لا تنطبق على ما قالته الأعراب. (إلا من تاب وآمن) هذا مسلم وليس مؤمناً هو مسلم لكن لم يطبق بدليل أنه وقع في كبيرة من هذه الكبائر الثلاث وهذه الكبائر ليست على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال وكل كبيرة معها أشياء ثانية. فالشرك يدخل معه الشرك والنفاق وجاء بالشرك ليحذر أنه قد يكون هناك مسلم يُشرك، يعني أحدهم يقول لك أنا مسلم ثم يقول أنا بهائي لو أحدهم فعل هذا تقول له لست مؤمناً ولو كنت مؤمناً لما قلت هذا. لذا يجب أن نُخرج الأمة من هذه التفريقات من جماعات وفرق وهذا لا يجوز لأن الأمة يجب أن تكون فرقة واحدة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ولا تأتي يوم القيامة وتقول الشيخ الفلاني أضلني لأن هذا لن ينفع وبإمكانك أن لا تستجيب له ونتذكر قوله تعالى (قالت أخراهم لأولاهم) الإيمان جزء لا يتجزأ والعقيدة واحدة والمنطق يقول أن الحق لا يتعدد، لا يمكن أن يكون لدينا سبعين فرقة وكلهم على الحق الحق واحد ولذا من أسماء الله تعالى الحق لأنه واحد لا يتعدد (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ (32) يونس) طالما تجاوزت الحق لن تجد إلا الضلال لذا الآية (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لم يحدد العمل وإنما تركه بالتنكير وأطلقه.
الرسول r لم يطلق مدرسة معينة أو طريقة محمدية وكذلك الصحابة لم يصنع منهم طريقة عمرية أو أبو بكرية لذا علينا أن نتجنب الإختلاف والتفرقة لأن الدين واحد والحق واحد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/3/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:08 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 37

ما زلنا مع أوصاف عباد الرحمن وعلينا أن نتدبر جميع ألفاظ القرآن الكريم لنفهم المعاني المرادة. تكلمنا عن الكبائر التي ذكرها تعالى في سورة الفرقان: الشرك بالله والقتل بغير حق والزنا إلا (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) وجاء العمل في الآية منكّراً وهذا ما سنشرحه في هذه الحلقة. تكلمنا عن القتل والزنا وقبلهما الشرك وقلنا أن الاستثناء في الآية يفتح الباب للتوبة (إِلَّا مَن تَابَ) وقلنا أن (وَآمَنَ) في الآية تعني أنه لم يكن مؤمناً أصلاً أو خرج الإيمان منه، (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) هل الأعمال الصالحة في مطلق الأعمال أم يجب أن يكون جزء منها يتعلق بالضرر الذي عملته فإذا كان التقصير في عبادة مثلاً كالصيام والصلاة والزكاة معروف كيف يجبر تقصيره أما إذا كان الذنب في القتل والزنا يكون هناك طرف آخر مع المذنب تضرر فهل العمل الصالح في هذه الحالة أن أصحح الخطأ أو أرد الحقوق إلى أصحابها؟
العمل الصالح طالما أن الله تبارك وتعالى نكّره فهو يشكل كل ما ذكرته وسر تنكير كلمة عمل أنه يجب أن نفهم ما هي المعصية؟ المعصية هي واحدة من اثنتين: إما فعل محظور أو ترك مأمور. إذا الإنسان فعل المحظور فهناك نوع من أنواع السعي، الحركة، لا يمكن أن يكون مقابل هذه الحركة سكون فكأني بالقرآن يقابل الحركة بحركة وكأن القرآن يحذر بالفراغ وكثير ما وقع الناس في المعاصي بالفراغ. هو يريدك أن تعمل عملاً يمنعك عن ارتكاب معصية وأخص العمل الصالح تصليح ما تم إفساده بالمعصية ثم ينطلق صاحب هذه التوبة إلى الأعمال الصالحة بحيث لا يقع في فراغ يؤدي به إلى المعصية مرة أخرى كأن القرآن يقول لنا أن المعصية حركة فخذ حركة مقابل حركة وفي علم النفس لما نسأل عاصياً لم عملت هذه المعصية يقول لم أجد ما أفعله فوقعت في المعصية ولو شغل نفسه بالعمل الصالح من مجالس علم وصحبة الصالحين لما وقع في المعصية. تنكير العمل تدل على أن الله تعالى خبير بطبائع النفوس ويعرف أن النفس البشرية إذا ركنت إلى السكون تقع في المعصية ويوسوس لها الشيطان لذا الذي يخاف أن يقع في المعاصي عليه أن يشغل نفسه ولا يجلس وحيداً وهذه خلاصة أبحاث علم النفس أن الذي عنده فراغ عاطفي أو نفسي أو شخصي يقع في المعاصي. هذه الآية تعالج المشكلة من جذورها (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لما استثنى الباقي بعد الآية (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) متى تبدلت السيئة حسنة؟ بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح ليبين أن التوبة ليست كلاماً باللسان أو باللسان والجوارح فقط وإنما باللسان والجوارح والعمل الصالح وقد ذكرها الإمام أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين في شرحه للتوبة وفيها فلسفة منطقية يقول فيها أن التوبة علم وحال وعمل. العلم هو أن صاحب الذنب يجب أن يقتنع أنه ارتكب ذنباً وأنه ما عمله خطأ فيجب أن يدرك أنه أذنب وأن هذه غلطة يجب أن يستحي منها ولا يمكن أن يواجه غيره بها بدليل أنه يستتر من الناس لما يفعلها لكنه لا يستتر من الله تعالى لذا قلنا أن الذي يفعل المعصية يغيب عن باله في وقتها صفة الرقيب لكن لو أعمل صفة الرقيب فهذا هو العلم ويعرف أن المعصية التي قام بها ذنب كبير. الحال يتقلب بين ماضي عملت فيه معصية وحال مطلوب مني التوبة الآن ومستقبل يجب أن لا أعود إلى هذا الذنب. بعد العلم يجب أن أقلب نفسي بين هذه الأوقات ماضي أنا عملت فيه الذنب وحال أنا أتوب فيه ومستقبل يجب وأنا أتوب من الماضي في هذا الحال أنوية مستقبلاً أن لا أعود وعلى قدر نيتك في المستقبل يكون تبديل السيئة حسنة. السؤال هل تبدل السيئة حسنة مطلقاً؟ إذا رجع إلى المعصية تأكد أنه لم تتم التوبة والسيئة ما زالت سيئة، (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) يعني هؤلاء لن يعودوا ثانية فإذا عدت هذا يعني أن التوبة لم تتم، وهذه لا تكون توبة من معصية اليوم وإنما توبة من التي ادعيت أنك تبت عنها. والكثيرين يخافون ويقولون أنا تبت ولكن لا أشعر أن الله تعالى قبل توبتي فنسأله هل تعود إلى الذنب؟ إذا قال نعم فهذا يعني أنه لم يتب بشكل صحيح وإن قال لا فهذا يعني أن توبته صحيحة بدليل أنه لم يعد إلى الذنب. لا يمكن أن تبدل السيئات حسنات ثم تبدل سيئات؟!. يجب أن أقلب نفسي على الأزمنة الثلاثة: ماضي الذي حصل حصل ولا أبكي على اللبن المسكوب فأتوب الآن لكن أتوب بنية عدم العودة ثانية. وإذا رجعت ثانية هذه تحتاج توبة عن كل الذي فات وكلما عدت إلى نفس المعصية كلما احتجت توبة عن كل ما سبق وإذا لم يعد إلى نفس المعصية تكون توبته من تلك المعصية قد قبلت، وكأن الإنسان يجب أن يعيش في معية الله حتى لا يعصي لذا (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لأن لو أدخل العمل الصالح مع التوبة والإيمان لا يقع في المعاصي.
سؤال: البعض يحتج بالحديث القدسي: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنوب
إذا عاد وأذنب ومات تكون مصيبة، الآيات وقعها (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) أدخل العمل الصالح لأن العلم والحال حّلت لكن وهو يتوب لم ينو أن لا يعود وهذا شرط من شروط التوبة عند جميع العلماء: الندم على الذي فات وتقلع عن الذنب وتنوي نية صادقة أن لا تعود بدليل أنك تقول: تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت عزماً صادقاً أن لا أعصي الله إن شاء الله. قد يقول هذه الجملة باللسان فقط ولكن إذا خرجت من القلب لا يقع في المعصية. فالمقياس هو أنك إذا وقعت في نفس المعصية لا تكون توبتك صادقة. الخطاب في الآية (يا أيها الذين آمنوا) ولم يقل يا أيها الذين أذنبوا، يسأل أحدهم هؤلاء آمنوا فلم يحتاجون إلى توبة نصوح؟ كأن الله تعالى يقول أنت آمنت فتب توبة نصوح. التوبة النصوح هي ما قاله المفسرون منهم قالوا توبة نصحت صاحبها بحيث لم يعد إلى الذنب والبعض قال التوبة النصوح من نصُح العسل يعني خلا من الغش، التوبة النصوح لما نجمع كل التفسيرات أن صاحبها لا يرجع إلى نفس الذنب ثانية، نحن بشر ولسنا ملائكة وسنقع في الذنوب لكن علينا التوبة في كل بند توبة نصوحة وإياك أن تتكل على الحديث "أذنب عبدي ذنباً" لأنه قد يموت الإنسان من مرحلة (أذنب عبدي) فيموت قبل أن يتوب.
سؤال: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هل إبدال السيئات يعني أن السيئة كانت مكتوبة سيئة ثم مسحت وصارت حسنة وتضاعف أو أنها تعني إبدال المستقبل بمعنى أن الله تعالى سيبعد التائبين عن الطريق الذي كانوا فيه ويجعل مستقبل حياتك حسنات.
الآية تحتمل المعنيين. الذي قال أن السيئات تبدل حسنات نسأله والمستقبل يدخل ضمناً؟ إذا أجاب بنعم نأخذ رأيه وإذا أجاب بالنفي نقول له أنا يهمني المستقبل لأنه كما قال الغزالي أن كلمة الحال تعني الماضي والحاضر والمستقبل، المستقبل العمل الصالح وهل العمل الصالح إصلاح ما حصل فقط أو الإنطلاق بالعمل الصالح والإنشغال به عن المعصية؟ نأخذ الإثنين. لو عندي مليون سيئة وتبت توبة نصوح بفضل الله ستبدل إلى مليون حسنة وتضاعف لكن ماذا يحصل في المستقبل؟ السيئة بدلت حسنة وأنا أريد الحسنة أن تكون سبعمائة ضعف لذا علينا أن نأخذ الرأيين أن الله تعالى بفضله ضمن لنا وإن كان سبحانه لا يلزمه شيء أنه يبدل سيئاتهم حسنات سواء السيئات السابقة التي بدلت حسنات الأن فيها معنى مهم جداً، الرجل تاب توبة نصوحة فهل سيجد نفسه في النار؟ بالطبع لا لأن التوبة النصوحة إن قبلت ستكون في الجنة وإن كنت في الجنة يكون ليس لديك سيئات. ومن باب تشجيع الناس على التوبة أنك لو مت على معصية سيقال لك (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) ستقرأ سيئات فتقول (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) الحاقة) ولكن لو بدلت السيئات حسنات تقول (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) وتكون من أهل اليمين فتكون تبديل السيئات حسنات مشجعة ومطمئنة. وقلنا أن (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر) قلنا أن صاحب هذه النفس يطمئن ساعة الموت عندما تأتيه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ولو لم تبدل سيئاته حسنات لن تأتيه ملائكة بيض الوجوه. فلو تاب توبة نصوح وعمل صالحاً وقبلت توبته تبدل سيئاته حسنات لذا قال (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) الفجر) لا يمكن أن يكون فيها سيئات ولن يكون هناك من لم يعمل سيئات لكنه تاب منها لذا في توقيع حديث الموت الصحيح ملك الموت يقول "اخرجي إلى رحمة من الله" بعكس الكافر تقول له الملائكة " اخرجي إلى سخط من الله" فتتفرق روحه في جسده ولا تخرج إلا كما يخرج السفود من الصوف المبلول أما روح المؤمن فتخرج كما تسيل القطرة من فيّ السقاء وهذا دليل أنه تاب توبة نصوح لأنه لا يمكن أن لا يكون قد عمل سيئات مطلقاً لأنه بشر وليس ملائكة. (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) فالمؤمن يقلب نفسه بين العلم والحال الذي هو ماضي وحال واستقبال وبين عمل أصلح ما فات ولم يعد للذنب ثانية وانطلق في الأعمال التي تشغله عن المعصية لذا قال تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) على المعنيين اللذين ذكرناهما: إما أن السيئات القديمة صارت حسنات وإما أنها أصحبت كذلك وفي المستقبل هذا الشخص يتوقف ويفكر عند كل معصية ولا يقع في أي معصية يتكون أعماله كلها بإذن الله حسنات.
سؤال: هناك من عمل السيئات طوال حياته وجاء عليه وقت تاب توبة نصوح وقبل أن يبدأ بالعمل مات؟
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. نعود لمسألة توبة العاجز أنه ليس له توبة هذا كلام جهل قد تقوله للعاجز لكن لا تقوله لمن يعلم السر وأخفى سبحانه وسبق أن قلنا أن الله تبارك وتعالى علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون. لو سرق أحدهم فقطعوا يديه الإثنين ويقول أنه تاب إلى الله توبة نصوح فيقال له وهل تملك أن تسرق أنت؟ فنقول له الله تعالى أعلم به أنه لو كان قادراً على السرقة فهل سيفعله؟ الذي مات قبل أن يعمل الله تعالى يحاسبه لو كان بقي حياً كيف كان سيعمل. الذي يقول مثلاً أنا مهاجر إلى الله ورسوله لا نعلم نيّته والله تعالى هو الذي سيحاسبه على نيته فهو سبحانه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر). هو أحس بالذنب وندم عليه وتاب ونوى أن لا يعود ثم مات لو كانت نيته صادقة سيأخذ الأجر كاملاً تماماً كالحي الذي عرضت عليه سيئة فرفضها لأننا نتعامل مع الحسيب الرقيب سبحانه وهو سبحانه أعظم مما نظن لذا نخاف منه أنه رحيم وأنه جبار وأنه قدير ومقتدر لأننا ذكرنا أن صفات الجلال والكمال كل صفة جلال تقابلها صفة كمال فهو رحيم ليس عن ضعف لا توجد صفة ليس لها مقابل عنده سبحانه فهو رحيم وذو انتقام وعزيز صفات الجلال يقابلها صفات كمال وعلينا أن نعمل حساب الإثنين فلا نأخذ صفة الرحمن وننسى أنه الجبار حتى لا نقع في معصية لذا قال تعالى (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) الحجر). عليك أن ترفض أي معصية حتى لا تكون الأخيرة وتموت عليها لأن الشيطان يريد أن يوقعك في معصية أياً كانت وهو لا يعرف أجلك ولذا يتمنى أن تكون معصيتك هي الأخيرة فتموت عليها.
سؤال: لو أحدهم عاش ستين عاماً يعيش في الحلال متقي وفجأة طرأ عليه شيء في عمله قبل أن يحال على المعاش وفي الشهر الأخير قرر أن يأخذ رشوة أو ما شابه فوقع في المحظور واستلم المال ثم مات. هل هذا الرجل الذي أخطأ هذا الخطأ تحت ظرف معين ذهبت كل سنوات طاعته وعبادته؟
نسأل أولاً: ساعة كان يرفض الرشوة هل كان يرفضها عن يقين في الله أو مجرد صدفة؟ لو كان عن يقين بالله لا يأخذ الرشوة لأن الرزق بيد الله وكأن طاعته لله خلال الستين سنة ضيّعها باستهزاء في لحظة وأشركت بالله. فلا تقع في المعصية نتيجة ضيق في التفكير. اليقين كلٌ لا يتجزأ. الذي يقول سأفعل هذه المعصية ثم أتوب هذا من وجهة نظري كفر لأنه كأنه يعتقد أن لن يموت والله تعالى أخبرنا أن الموت يأتي فجأة. لماذا يأتي الموت فجأة؟ لأنه لو قلنا أن ملك الموت ينتظر خارجاً فمن يخرج له؟ لن يخرج أحداً لأن العاصي لن يخرج وحتى غير العاصي يقول لا أخرج وإنما أستعد أكثر. فهذا الشخص الذي سألت عنه لو كان فعلاً متقياً لله فعلاً صادقاً خلال الستين عاماً لن يقع في المعصية إلا إذا كان يدّعي الأمانة فالذي اتقاه ستين عاماً سيكون على يقين أنه سيرزقه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق) وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) ما أراده الله واقع لا محالة فكن فطناً واعتصم بالله الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون تعني أن الشيء موجود ولكن كلمة (كُن) تعني إظهاره لي. والذي يعيش على يقين بالله ومتوكل عليه حق التوكل لا يتعب أبداً حتى لو وقعت له مصيبة يقول الحمد لله رب العالمين (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ويرزقه من حيث لا يحتسب.
سؤال: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ما الفرق بينها وبين إن الله غفور رحيم؟ وما الفرق في الاستعمالين؟
عندما نسمع كلمة الله أو رب العالمين أو أي كلمة تدل على الإله الحق نأخذه على محمل أنه ليس كمثله شيء. لما نقول كان فلان صادقاً هذا في اللغة يحتمل أنه كان صادقاً والآن ليس صادقاً لكن الفعل (كان) مع الله لا يعني الماضي وإنما تعني الكينونة بما شرعه الله بالتوبة كأني بالقرآن تعالى يقول وكان الله غفوراً رحيماً ساعة شرع التوبة مع أول معصية من البشر وذكرنا أن آدم لما عصى لم يعرف أن يتوب إلى الله وهذا دأب البشر نحن نعرف كيف نخطئ لكن لا نعرف أن نتوب وحتى بعد آدم قال تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) ما كانت توبتهم إلا بعد أن تاب الله عليهم بأن هداهم الله إلى التوبة لذا قلنا أن التوبة توبتان توبة من الله عليك فيهديك بها للتوبة التي تتوب بها فيقبل الله توبتك. (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) أي ساعة شرع التوبة لأنه كونه شرع التوبة إن صح التعبير كأني بالله يقول أنه يجب أن نخطئ وعندنا في الحديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم" حتى تعمل صفة التواب لكن لا يمكن أن نقول أنا لا أخطيء لأن هذا مستحيل والذي يقول هذه الكلمة يحتاج إلى توبة لأنه يدّعي شيئاً غير منطقي. كلمة بشر تدل على المعصية ونتذكر آدم عندما أخطأ وقف حتى تلقى من ربه كلمات وساعة تلقى هذه توبة ونزلنا إلى الأرض من الجنة التي هي في الأرض على توبة بفضل من الله تعالى وهذا معنى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم قبل أن تخطئ وقبل أن يولد البشر ليخطئوا. لما عصى آدم تاب الله عليه فهداه للتوبة وتوقيعها (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) أنت بدأت حياتك على التوبة وبدأ الكون من المعصية التي بها شرع التوبة وأنت بدأت حياتك على توبة التي شرعها الله تعالى.
الآية (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا):
المتاب لن يأتي إلا من شيئين: التوبة والعمل الصالح. لم يذكر في الآية (وآمن) كما في الآية السابقة وإنما قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) أين الإيمان؟ لم يذكر الإيمان هنا يدل على أنه أول إيمان والذي أخطأ لم يكن مؤمناً وإنما كان مسلماً. هناك قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) وهنا قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) كأنه لما آمن لن يفعل خطأ تستوجب توبة من معصية التوبة الثانية توبة عن توبة فالإيمان فيها واقع لا يحتاج لذكره. ذكرنا سابقاً أن التوبة توبتان توبة عن معصية وتوبة عن توبة. التوبة عن معصية معنا كلنا والتوبة عن توبة تظهر من خلال رسول الله r " يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" توبة الرسول r توبة عن توبة لأنه ماذا كان يفعل الرسول r ليستوجب توبة مثل توبتنا؟ توبته هو r عن توبة. التوبة الثانية في سورة الفرقان هي توبة عن توبة لأن السيئات تبدلت حسنات بيقين وهو مؤمن فتوبته إلى الله متاباً لأنه كان صادقاً في التوبة الأولى وآمن الإيمان الذي لن يدعه يكرر المعصية وسيتوب ولكن توبة عن توبة (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (31) الروم). ثم قال بعدها (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) الروم) لأنهم مؤمنين. لما كرر التوبة قال تعالى ومن تاب لم يقل إلى الله لأن الذي يتوب ويعمل عملاً صالحاً ولم يعد يحتاج إلى إيمان لأن غلطته لم تكن عن إيمان وإنما عن إسلام فإنه يتوب إلى الله متاباً. كلمة (متاب) مفعول مطلق من المصدر الميمي نقيسها على (مهانا) في (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) لا هذا أي خلود في النار وليست هذه أية توبة وإنما هذه توبة في مكان آمن ولن يخطئ ثانية بإذن الله ولن يجتنب الكبائر (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ومع هذا سيبقى يستغفر ويتوب. ما أجمل أن تتوب عن توبة، ابق في معية الله ولا ترجع ثانية ولا تخطئ وتب توبة عن توبة كما كان يفعل رسول الله r "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً" توبته كانت شكراً لله وقرب من الله وليست عن معصية فهو المعصوم r. ما أجمل أن يمر عليك أياماً وأسابيع لا تخطئ فيها ومع هذا تتوب عن توبة وتحمد الله على عدم وقوعك في معصية أو كبائر وقد تكون وقعت في لمم هذه تتوب منها ولذا قال الرسول r يا أيها الناس ولم يقل يا أيها الذين آمنوا لأن عند بعض أهل العلم توبة الكافر رجوعه عن كفره لأن التوب هو الرجوع. لذا قال تعالى (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) ظهرت كلمة الله مع العمل الصالح كأن التوبة لن تكون إلى الله إلا إذا أتبعتها بالعمل الصالح الذي يدل على عدم المعصية.
سؤال: هناك أناس لما تسمع الآية (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (32) النجم) يقولون نحن لسنا ملائكة ويضعون لأنفسهم حدوداً ويقولون سنعمل اللمم ثم أتوب.
هذا إصرار على المعصية. اللمم هو الوقوع في صغيرة بدون قصد لأن في القانون الوضعي هناك فرق بين الجريمة المفاجئة وجريمة مع سبق الإصرار والترصد. لذا عند العلماء هناك معصية مفاجئة ومعصية بتخطيط وهذه عذابها شديد إلا بالتوبة. لكن المعصية المفاجئة صاحبها يرجع لوحده عندما يفيق منها كأن يكون خراجاً من بيته ليحضر درس علم فأخذه أحدهم إلى معصية هذه معصية مفاجئة لم يخطط لها. هذه سيتوب عنها بدون أن يطلب منه أحد ذلك لأنه ليس معتاداً على المعصية أما المعصية مع سبق الإصرار والتوصد يكون مخططاً لها. القرآن تكلم عن التوبة عامة. حتى لو ارتكبت كبيرة فالله غفور رحيم شرع لك التوبة فتُب إلى الله متاباً.
(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) عودة إلى صفات عباد الرحمن والتوبة دخلت بين آيات وصف عباد الرحمن. ونحن نعمل عملية التوبة هل يكون رجوعي أسهل إذا كانت المعصية مفاجئة من لو أنني عملت المعصية بتخطيط؟ بالتأكيد الذي يخطط يعود سعيداً بمعصيته. وسبق أن قلنا أن موعد التوبة من قريب أي في مجلس المعصية نفسه (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء) يعني يا ليتك تبت في مجلس المعصية وتخرج منه ناقماً عليه ولن تعود له ثانية. حتى يتحقق فينا قول الحق (من قريب). نسأل الله تعالى أن يمهلنا لنتوب، وقبل أن نتوب علينا أن نشكر الله أن أمهلنا لنتوب.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/3/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:09 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 38

ما زلنا نعمل مع توصيف عباد الرحمن لكن المشكلة أننا لن نعرف أن نطبق هذه الأوصاف أو لم نفهمها لأننا لم نفهم معاني القرآن الكريم. وقفنا عند مرحلة معينة من التوصيف وهي متعلقة بالكبائر الثلاث الشرك بالله والقتل والزنا وفسرنا هذه الجرائم وأخذنا بعض الأمثلة. نحتاج لنقف ثانية لأنه وردنا أسئلة من المشاهدين تحتاج إلى توضيح وإزالة لبس. مسألة الشرك غير واضحة، الكفر معروف وكلامنا أن بعض المسلمين قد يقع في الشرك استغربت له الناس وهل أن القرآن الكريم تكلم عن إمكانية وقوع المسلم في الشرك؟
الأمثلة التطبيقة التي يمكن أن تفهم الناس الواقع المعاش والأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الناس سنعرضها على المشاهدين. بعض الناس تستغرب من القتل لكن كثيرين قد يكونوا مسالمين يقعوا تحت ضغوط نفسية في مسألة ثأر أو غيره فيقع في القتل وغيره. ونبدأ بقضية الشرك ونعرض أمثلة تطبيقية لنربط التطبيق بالواقع المعاش.
التكبيق يجب أن يكون من القرآن لأنه منهجنا كمسلمين مبني على هذا الكتاب. القضية في الشرك هذه مسألة منفية عن عباد الرحمن، المنطق يقول أن أساس العقيدة في دين الإسلام مبني على التوحيد من آدم إلى أن تقوم الساعة لا يمكن أن تشرك مع الله أحداً. البعض يسأل كيف يعرض عليه الزنا ولا يزني أو الشرك ولا يشرك ونضرب مثلاً من القرآن إبراهيم u تعرف على الإله الحق قبل أن تأتيه الرسالة، توصيف القصة التي حدثت من إبراهيم u وعلينا أن نتوقف مع الآيات كيف توصل إلى الإله الحق وكيف ناقش أهل الكفر ورسول الله r فعل ما فعله إبراهيم بالحرف الواحد: إعتراضه على عبادة الأصنام ووجوه في غار حراء يبحث عن الإله الحق. إبراهيم ناقشهم في كل ما يعتقدونه إلهاً وهو لم يكن يسألأهم هذه الأسئلة إلا لينفي هذه الحقيقة وهي ليست من باب التقرير (هذا ربي) لا تعني أنه موافق على هذا. في سورة الأنعان والأنبياء والشعراء، الكلام قاله إبراهيم قبل البعثة أو بعدها؟ إبراهيم هداه الله تعالى قبل البعثة بدليل أن وقف بين هؤلاء القوم الذين كانوا يعبدون الأصنام هم قالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا أنا إبراهيم فلم يقل هذا الكلام ولو كان التطبيق متسحيلاً في حق البشر لم يقل الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. من يقرأ ما فعله الأنبياء جميعاً يأخذ الإنسان منه عبرة.
كلام قوم إبراهيم ينافي المنطق (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) هل يحمل المنطق رسالة إلى البشر أنه يجب على الإنسان أن يتعرض لهذا المنطق البشري ليعرض عقيدته ويرى إن كانت عقيدته مشوهة حتى لو لم يكن نبياً؟ قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) آل عمران) أنت تعبد إلهاً يخلق ويحيي ويميت وفي مناقشة إبراهيم مع النمرود قال أنا أحيي وأميت فقال له إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من الشمرق فإت بها من المغرب فبهت الذي كفر، يجب أن تسحبه إلى منطقة القدرة حتى يستسلم. يجب أن يتدبر الإنسان فالذي يترك نفسه أنه أتى من أبوين مسلمين قد يقع في الشرك وقد يزني فالله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران) لما أراد إبراهيم أن يثبت لهم وجود الإله الحق أخذهم للطبيعة، للشمس والقمر وتالناس لم تعبد الشمس وإنما جعلوها رمزاً للإله على الأرض وهذه الأصنام لم تكلف الإنسان شيئاً ولم تنفع الذي عبدها ولم تضر الذي لم يعبدها فهي ليست الإله الحق لأن الإله الحق (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران). ذكرنا سابقاً الفرق بين الدين والديانة وقلنا أن الإسلام هو الشرع العام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) هذا ليس دين محمد r فقط لأنه آخر حلقة في حلقات الأنبياء (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب) وهذا آخر وحي من السماء إلى الأرض ومحمد r جاء بديانه مبنية على دين وعيسى وموسى كذلك فالاختلاف ليس في الدين وإنما في الديانة فالذي آمن بموسى في عهد موسى مسلم والذي آمن بعيسى على عهد عيسى مسلم وإيمان المسلم في عهد محمد r لا يصح إلا إذا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعاً فالذي يؤمن برسالة فيها إفعل ولا تفعل سمعنا وأطعنا فالله تعالى له أوامر يجب أن تنفذها ونواهي يجب أن تنتهي عنها. الله تعالى مالك يوم الدين أي يوم الجزاء وقلنا يجب أن لا نقلو أديان سماوية ولكن ديانات وكل ديانة لها شريععة مختلفة ولكن الشرع واحد لأن الدين عند الله تعالى واحد. الدين واحد من رسالة إلى أخرى أما الديانة والشرع فيختلف باحتلاف الرسل.
الله سبحانه وتعالى يخاطب العقل البشري الذي ميز به بني البشر ليمكنوا من عرض الأشياء وهناك آيات كثيرة تتكلم عن أن الإنسان يجب أن يعرض الأمور على عقله حتى قبل وجود الأنبياء. لو نظرنا إلى سورة الأنعام والحوار الذي دار بين إبراهيم u وأبيه آزر (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)). ختم إبراهيم الآيات بنفي الشرك عن نفسه (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80)) الكلام كله عن فكرة الشرك. آدم u نبي واختلفوا هل هو نبي أو رسول. لما عصى آدم ربه فلماذا لم يعصمه الله تعالى
أعظمهم جميعاً محمد r وهو أفضل من خلق الله تبارك وتعالى. القرآن أعطانا توجيهاً واضحاً ولو لم يكن الرسول لما قال لنا رب العالمين أن نتخذه قدوة وأسوة. إبراهيم u قال: هل ينفع أن أصنع تمثالاً وأعبده؟ هذا أمر اعترض عليه الرسول r قبل بعثته والثابت عنه أنه لم يعبد صنماً ولم يجلس أمام صنم ولم يحتفل بصنم فما حدث مع الرسول r حدث مع إبراهيم u مع أبيه آزر والمفسرون قالوا هل هو عمه أو أبوه؟ وقف بعض المفسرين وقالوا أن استخدام العرب لكلمة أب متعدد لكن كلام القرآن يجب أن يكون فوق الكلام القرآن يقول لأبيه آزر يعني لا يوجد خلاف. (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)) سؤالي كيف حكم إبراهيم على الذي يفعل بأنه ضلال؟ لأن المطق المجرد يقول أن الإله قادر علي ولست أنا قادراً عليه فالذي نحت التمثال قادر عليه فالذي قُدِر عليه لا يمكن أن يكون معبوداً. الذي أتحكم فيه لا يمكن أن أعبده وإبراهيم قال إنه ضلال لأن الضلال ضد الحق والحق عند الفلاسفة قبل الإسلام عند أهل المنطق واحد لا يتعدد ولذا من اسماء الله تعالى الحق لأنه لا يتعدد. الباطل والضلال يتعدد لكن الحق لا يتعدد. المنطق يقول أنه لا يمكن لكل هؤلاء أن يكونوا آلهة ويوسف u ضرب لصاحبيه في السجن مثالاً بديعاً (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف) بمنطق قبل الرسالة، يكلمهم بالمنطق: أتعبدون عشرة أو سبعة أم واحد؟ الواحد أفضل لأنه لن يختلف عليّ. لا يوجد إجابة وهو أقنع الإثنين بكلامه بدليل لم يردوا عليه لأنه منطق.
في سورة الأنبياء (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)) هذا منطق قبل الرسالة والتكليف. الأمثال الشعبية تأتي إما من القرآن أو الحديث فيقول أحدها المركب التي فيها رئيسين تغرق ولو كان في الكون إلهين سيحصل نزاع لأن كل إله له شرع لذا التوحيد هو ما بنيت عليه العقيدة. ونذكر حادثة حصلت في عهد الرسول r أبو طالب عم النبي والكل يعلم كم نصر الله الإسلام على يده وقلنا أن بقاء هذا الرجل على الكفر كانت حكمة لأنه الكفار كانوا يجاملون الرسول فيه. وهو على فراش الموت ذهب إليه الرسول r وكان يحبه جداً ونزلت فيه آية يطمئن بها الرسول أنه ليست في يده وإنما بسابق علم الله فقال يا عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند ربي ولم يقل له قل وأن محمداً رسول الله وهذا من ذكاء الرسول r الداعية في هذا الموقف يعمل كما أمره الله تعالى ولا يريد لنفسه إثبات صفة. هذا المثال يوضح في ضلال مبين التي قالها إبراهيم. محمد يقول أنه جاء برسالة فأبو جهل وأبن أمية يقولون أتترك ملة عبد المطلب؟ عبد المطلب نفسه قال إن للبيت رب يحميه ولكن الضلال في كل عصر له جنود. وظل الرسول يرددها إلى أن كان آخر كلام أبو طالب أنه على ملة آبائه فنزلت الآية (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص) ونزلت الآية تنهى الرسول r عن الاستغفار له (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) التوبة) نفهم منها أنه لن يجدي الإستغفار حتى إبراهيم قال عنه تعالى (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة). المسلم الحق عليه أن يجدد التوحيد في كل مرحلة تمر عليه. الآية في سورة يوسف للنهي وليست للإثبات (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) هذا تحذير فقد تكون مؤمناً ولكن تدخل الشرك مع الإيمان.
المنطق المجرد يعرضه القرآن في أكثر من موضع لأصحاب العقول السليمة ليكتشف الناس أن المنطق السليم يرفض الشرك والوثنية والكفر وأن يكون مع الله إلهاً آخر. عند الإغريق كان هناك آلهة متعددة في الأساطير. لكن عندما يكون هناك شركاء ستحصل نزاعات. الوزاعق المعاش الآن هناك أناس تعبد الأصنام لكنهم يعتقدون أن الأصنام هي فقط عبارة عن صخرة أو غريه لكن الصنم قد يكون حب المال أو شخص أو الهوى أو الشهوات بمختلف أنواعها صنم يعبد من دون الله وهذا ما أشرا إليه القرآن (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) مع إيماتهم بالإله الواحد عنده حب المال وحب الشهوات مع أنه يؤمن ويصلي ويهرب الأموال ويشرب الخمر ويعاشر النساء (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ (23) الجاثية).
البعض يعتقد أن الشرك متعلق بالأقوام السابقين فقط. هناك طوائف وملل انقسمت وتفرقت على أشياء معينة في العبادة واحتفوا بأشخاص، عمر بن الخطاب قطع شجرة البيعة حتى لا يتعلق بها الناس وللأسف الخرافة أصبح الناس يعتقدون بها اليوم حتى يخرجوا من موقع الإلتزام فالكل يقول أنه مسحور ليبرر عدم عمله. هناك شرك في أن يذهب البعض للساحر أو الكاهن ليفك السحر. (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) لذا قال تعالى أن أهل الجنة قلة. التوحيد هو العاصم من النار بدليل إبراهيم دخل النار وقال لها الإله الواحد (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) شاهِدُنا أن العاصم من النار هو التوحيد.
الحوار الذي دار في بداية إلقاء إبراهيم في النار وكيف أرسل الله تعالى جبريل ليسأل إبراهيم ماذا يريد في تلك اللحظة هذه سنقف عندها لاحقاً. قلنا أن المنطق المجرد أن تؤمن بالإله الواحد بعيداً عن إرسال الرسل وفوق المنطق لن يعذب الله تعالى إلا إذا أرسل رسولاً مع أن الفطرة السليمة والمنطق الحق أنه حتى بدون رسول يجب أن يؤمن بالإله الواحد. الرسول r كان يتفكر ويتحنث ويبحث في وجود الإله الحق ولا نقول أنه كان يتعبد. المنطق يقول الإله الحق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) وسؤال خزنة النار للذين يدخلون النار (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا (9) الملك) لذا نتمسك بالآية (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) كأننا بأفكارنا وأعمالنا منا من يفهم ولا يعمل ومنا من يعمل ولا يستمر. الجنة صعبة لكنها بكلمة واحدة بمجرد العودة إلى الله تكون من أهل الجنة حتى لو ارتكبت الكبائر الثلاث (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان). الذي يفلت من شياطين الإنس يكون حجة على الذين وقعوا لأنه لم يستسلم وتمسك بالفطرة والتوحيد. لو قال لك أبوك إرم نفسك في البحر تقول له لا أعرف أن أعوم ولا تفعل والمنطق يقول أن الإله واحد لذا لما خرج إبراهيم u ليبحث عن الإله الحق قال (هذا ربي) هذا تنفي الشرك مطلقاً وإنما كأني به يقول: هذا الذي تعبدونه؟! هو نفى عبادة الأصنام وخرج يبحث عن الإله وأول ما رأى كوكباً وهم عملوا لكل كوكب إله يعبد فهذا هو السر الذي قال لهم إبراهيم (هذا ربي) فلما أفل قال لا أحب الآفلين ليست مسألة حب وإنما الإله الحق لا يتغير فإذا تغير الذي ادعى الألوهية فالذي غيّره أولى بالعبودية. إن بدا أن الإله يظهر فلا يظهر دائماً من منا رأى الله؟ لا أحد والقرآن شرح كل هذا وقلنا عندما تكلمنا عن العروج (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم) واختلف فيها المفسرون فإن كان رآه هذا شأن الله وإن لم يره فهذا شأن الله لكن المهم نحن هل نرى الله ومتى؟ هذه قضية يبكي عليها العارفون. موسى قال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) فقال تعالى (قَالَ لَن تَرَانِي (142) الأعراف) أي الآن لن تراني. إبراهيم قال (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)) (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي (77)) المنطق في اختياركم يتغير وطالما يتغير لن ينفع فقال (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) الأنعام) يهدين ربي إليه يعني أنه لم يبعث بعج لكنه يفعل هذا بفطرته السليمة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم) الفطرة السليمة تقول الإله واحد ولا يتغير لأنه لو تغيّر فمغيّره أولى بالعبادة. إبراهيم يتفكر وستأتي لحظة إذا لم يهديه فيها ربه سيكون من الضالين. نأتي إلى يوسف عندما اعتمد على عفته وقدرته أنه لا يواجه النساء كلا ولكنه قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) يوسف) لا تعتمد على الفطرة فقط ولكن عندك رسول ومنهج إقرأه وتدبره بوعي والفيصل (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء).
المنهج الإبراهيمي ليس خاصاً به وحده وإنما خاص بكل الأنبياء وكل أصحاب الفطرة السليمة وعلينا أن ننتبه أن الصنم ليس فقط ما صنع من الحجارة ولكن قد يكون من البشر أو هوى النفس أو الشهوات. علينا أن نعرض اختلافاتنا على المنطق السليم. ليس المهم أن ننتصر فقط لكن يجب أن نبحث عن المنطق الحق والحقيقة فعلينا أن نسلم بها فالحساب لن يفرق بين شخص وآخر إلا في العقيدة إن كانت سليمة أو غير سليمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 27/3/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:10 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 39

ألا سلعة الله غالية ألا سلعة الله الجنة ولكي نصل إلى الجنة علينا أن نجتنب الكبائر وكل ما قد يؤدي بنا إلى الشرك دون أن نعلم.
موقف إبراهيم وهو يتفكر أمام قوم يعبدوا الأصنام وفي كل مرة يجيب بنفسه فماذا نستقريء من منهج إبراهيم u؟
الذي حصل بين إبراهيم وقومه قد يحدث مع الإنسان ونفسه فنأخذ إجابة إبراهيم على ما يدور في تفكير الإنسان: هو بدأ من النجم ثم القمر والشمس ففي أول مرة قال (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) (أفل يعني غاب) وفي الثانية قال (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فلما أفلت الشمس تبرأ من الشرك أياً كان فقال (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) فأنت عندما تفكر بينك وبين نفسك وتجادلك نفسك بشيء قد يخرجك من منطق العبودية قِف وقل يا ربي إني بريء من هذا. إبراهيم u قال مما تشركون ولم يقل مما تعبدون. في سورة الأنعام وفي سورة الشعراء ذكر إبراهيم وذكر قبله موسى ليقول لنا أن القرآن ليس سرداً تاريخياً وإلا لكان جاء سرد إبراهيم قبل موسى وهذا ليس صدفة ولكن ننظر لمن ذهب كل واحد منهما. موسى uكان ذاهباً لفرعون الذي ادّعى الألوهية فالمناقشة معه في كفر أما إبراهيم فقومه قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى لا نعبدها عبادة مطلقة وليست الأصنام الله وإنما يقبوهم إلى الله فقضية الكفر أكبر من الشرك لكن الشرك ينتشر أكثر من الكفر. كم من الناس من يقول هو مؤمن ولكنه مشرك، ليس عندنا مؤمن كافر ولكن عندنا مؤمن مشرك وهذا يعتقد أنه يفعل حسناً وقال تعالى عنهم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) لديهم عمل وسعي ويعتقدون أنهم على صواب وهذه الخطورة. القرآن يعكي عبرة وعظة وليس مجرد سرد تاريخي. إبراهيم جارى قومه مرة وثانية وفي الثالثة تبرأ منهم فكأنه يرد على تساؤلات قومه أنه لا يعجبه أياً مما يعبدون (إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كل إنسان يولد على الفطرة السليمة الإسلام. إبراهيم قالو لقومه أنا سأعبد خالق كل هذه ويغيّر ولا يتغيّر (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) حنيفاً وحدها تعني مائلاً وإبراهيم u مائلاً عن المائل المعوج فهو قمة الاستقامة. هكذا الدين دين الوسطية لا إفراط ولا تفريط وعندما نتدبر الشيوعية والرأسمالية حاولوا تقليد الإسلام فالشيوعية منعوا الربا وهذا من الإسلام والرأسمالية يأخذوا من الإسلام لكنهم لا ينجحوا لأنهم مع الإسلام يوجد شرك لكن الإسلاك لا يعرف إلا إلهاً واحداً يغيّر ولا يتغيّر.
البعض يحاول أن يثبت أن القرآن ليس كلام الله تعالى ويعتقدون أن هناك تناقض في القرآن فيقولون ما معنى (كل يوم هو في شأن)؟ اليوم أولاً ليس 24 ساعة وإنما يوم هنا مدة زمنية تعني اللحظة فهو سبحانه وتعالى في كل لحظة في شأن. أحدهم ذهب لعليّ ابن أبي طالب فقال: كيف يحاسبنا الله في وقت واحد؟ قال له عليّ رضي الله عنه كما يرزقكم في وقت واحد. كل واحد فينا حالته متغيره ولكن الذات الإلهية لا تغير بذاتها ولكنه تعالى يغيّر فمثلاً يمكن أن يكون غير مسلم ويدخل الإسلام أو مسلم يخرج من الإسلام. عقيدتنا جميلة جداً (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). إبراهيم حاججهم فقال (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) الشعراء).
وسنخصص حلقات للرد على الشبهات التي يثيرها البعض عن القرآن بعد الانتهاء من حلقات التوبة والاستغفار وشرح الأمانة التي وعدنا بها.
إبراهيم يتبرأ من منهج المشركين ومن الشرك فقال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عندنا إيمان بعيد عن الشرك وعندنا إيمان معه شرك (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف). لو قال إبراهيم (وجهت وجهي) لكنه أكمل (وما أنا من المشركين) فلو تدبرنا هذا القول يعني أنه لن يكون مع إيمانه بالله تعالى أدنى شرك.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء) حوار إبراهيم مع المشركين وقد أخذ شكلاً مختلفاً عن الآيات السابقة وفيه حديث عن القلب السليم وقلنا أن العقل مكانه القلب، أولي الألباب أي عقل يتدبر بدليل (نزل به الروح الأمين على قلبك) في فترة انقطاع الوحي عن الرسول r فترة لكي يصدق هو أنه نبي ثم جاءت (وأنذر عشيرتك الأقربين) فأولاً هو يصدق أنه نبي ثم عشيرته والفيصل هداية المولى للشخص فمن أعمام الرسول r من نصره ولم يؤمن ومنهم من آمن به ومنهم من كفر. الحجة من القرآن داحضة قاطعة. العناد والكبر أخرجهم عن إلف العادة. عندما أرسل الرسول r الرسائل إلى الملوك منهم من عرف أنه نبي ولكنه من كبره لم يؤمن به ولم يصدقه لأنه لا يريد أن يكون تابعاً بعد أن كان متبوعاً.
مضاعفة العذاب يوم القيامة لمن ضلّ وأضلّ. قضية العقيدة تبدأ بجنتين للمتقي وبنارين لغير المتقي وقد تكون أكثر لأنه تعالى قال (يضاعف له العذاب) لكنه لم يحدد كم ضعفاً. منطقية إبراهيم u في الكلام (هل يسمعونكم) لكنهم لم يجيبوا عليه وإنما قالوا (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) الشعراء) وهذا يحصل الآن في البدع الذي يبتدعه بعض الناس.
للأسف في البرامج التلفزيونية التاريخية هناك أخطاء كثيرة ففي مسلسل خالد بن الوليد في مشهد من معركة استشهد فيها ثلاثة من المسلمين فقال خالد لأصحابه لنقرأ الفاتحة عن أرواحهم وهذا غير صحيح فلم يحدث أن الرسول r قرأ الفاتحة عند موت أحد وإنما كان يستغفر له ويطلب ممن حوله الدعاء للميت. خالد بن الوليد آية من آيات الله فيما حدث في عهد إبراهيم u وفي عهد محمد r. إبراهيم كسّر الأصنام إلا كبيرهم أما محمد r فترك عُبّاد الأصنام يكسرون الأصنام التي كانوا يعبدونها، خالد بن الوليد كان يسجد للات والعزى وأدرك الرسول r أن الحل الذي قام إبراهيم u لن يجدي نفعاً لأن القوم نكسوا بعد أن كسر لهم الأصنام فجعل خالداً يكسر الأصنام وبدل أن كان يسجد لها ويسبحها فكسرها بيده وقال إني رأيت الله قد أهانك. فخالد بن الوليد دليل واضح على صدق مدرسة رسول الله r في الهداية وهذا لا عين أن إبراهيم u أخطأ ولكن لكل مقام مقال وقد بذل مجهوداً فوق الوصف. الرسول r مكلف من الله تعالى فيضع منهجاً ملائماً لهذا العصر وإذا بحثنا نجد أن هذا المنهج هو الذي يصلح كل زمان ومكان أن تعمل في قلب الرجل ولا تفرض عليه والآية واضحة (لا إكراه في الدين) والله تعالى يريد عباده أن يأتوا إليه بحب وإيمان.
الدعوة إلى هذا المنهج يدب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وعندما نسمع أي توجيه إلهي يجب أن ندعو إليه بكل حكمة ولين لذا قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) النحل) وقوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران) ليس من الإسلام أن ننفر الناس أو نتكلم فقط عن النار وعذاب النار وهذا منهج لم يثبت نجاحه على مر العصور. القضية تحتاج إلى عرض بطريقة معينة لأن الإسلام دين الله تبارك وتعالى ونحن ندعو إلى سبيل الله وليس لأنفسنا والإمام الشافعي قال: رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
منهج إبراهيم يعتمد على نفي الشرك ثم مخاطبة العقل (هل يسمعونكم) وإبراهيم أخذهم لتوصيف الإله الحق وكيف تكون العبودية للإله الحق؟ على منهج من الله تعالى يكون واضحاً موضوح الشمس، وكل ما عبدوا هم وآباؤهم الأقدمون وتصل إلى آدم (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) إستثنى رب العالمين لأنه عمل صيانه إحتمال أنه قد يكون هناك أحد من السابقين عبد الله تعالى فلم يُطلق اللفظ.
هناك من يجادل ويقول نحن أبناء الطبيعة فما هي الشروط التي يجب أن تنطبق ويعمل الإنسان عقله فيها وهل لو طبقناها نعلم أن هناك إله؟
هناك صفات أثبت إبراهيم u أنه لا تكون إلا لله تعالى فقال (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)) قال والذي يميتني ولم يقل هو يميتني؟ قال هو في الهداية والطعام والسقيا والشفاء ولم يقلها لا في الموت ولا في الإحياء لأن هذا الضمير هو للتأكيد (هو) ضمير منفصل قال هو يهديني وقال يميتني ثم يحيين لأنه قد يدّعي أحد أنه يطعمك أو يهديك أو يسقيك أو يشفيك ولكن لا يمكن ولم نر من ادّعى أنه خلق أو يحيي أو يميت. هل هناك من ادّعى أنه يخلق؟ لا. من خيبة الناس أنهم لم يتدبروا هذا فالبعض يقول أبي يطعمني وهذا شرك خفي والأصح أن يقول أبي يطعمني من رزق الله تعالى وكذلك الطبيب لا يشفيك إلا بإذن الله تعالى.
لماذا لك يقل أمرضني؟ فعل مرض فعل غريب. نقول أكل فلان أي فلان فاعل، لكن عندما نقول مرض فلان فهل فلان أمرض نفسه؟ كلا ولكن توصيف الفاعل في اللغة أحد أمرين إما من فعل الفعل أو من وقعت عليه صفة الفعل لذا قال (فهو يشفين) الطبيب وسيلة وهو لا يشفي وقد يُخطء بعض الأطباء فقد يعطيك دواء ولكن لا تشفى. فالطبيب يعالج
إن الطبيب لديه علم يظن به إن كان للمرء في الأيام تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته حار الطبيب وخانت العقاقير
نفس الدواء الذي أعطاه لمريض وشفي مات به مريضاً آخر لكن الذي أمات هو الله والذي شفى هو الله تعالى.
إبراهيم u عندما عرض عرض بطريقة بديعة فلما ذكر الخلق قال (الذي خلقني) لم يقل هو لأنه لم يحدث أن قال أحد أنه خلق. في سورة الأنعام قال (لئن لم يهدني ربي) فهو متأكد أن هدايته لن تكون إلا من الله تعالى (قل إن هدى الله هو الهدى) لذا قال (فهو يهدين) وقال (الذي هو يطعمني) وقال ثم يحييني لأنه لما يموت الإنسان يكون هناك تراخي إلى أن يُبعث (ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره) فأقبره مباشرة بعد الموت لكن يوم القيامة فيها تراخي فجاء بـ (ثم). هنا أيضاً قال (ثم يحيين) كأنه شرح لنا أنه بعد الموت هناك فترة زمنية ثم القيامة.
الذي يقول هذا الكلام لا بد أن تكون درجة عقيدتة ملئة في المائة وهو مع ذلك لا يغتر بإيمانه فقال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) وهذا توصيف قوله r لن يدخل الجنة أحد بعمله فقالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. فمع كل إيمان إبراهيم u قال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ليس أحد فوق الخطيئة وهي واردة لكل البشر. ثم قال (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الحكمة أن تبحث عن الصواب والحُكم أن لا تضلّ، مهما أعملت الفطرة السليمة فلا أضمن أن لا أخطيء وإبراهيم u يعتبر نفسه رغم كل ما عنده ليس من الصالحين. قال الإمام الشافعي
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سوياً في البضاعة
فقال له الإمام ابن حنبل:
تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم سوف يلقون الشفاعة
وتكره من تجارته المعاصي وقاك الله من شر البضاعة
هذا من تواضع المؤمن الحق أن يضع نفسه تحت أمر الله تعالى فإن اهتدى فمن الله وإن ضل فردّني إلى السبيل. والرسول r رغم أنه غفر الله تعالى له ما تقدم وتأخر من ذنبه زاد في الطاعات شكراً لله تعالى.
إبراهيم قال (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) اليهود نسبوه لهم والنصارى نسبوه لهم والمسلمون نسبوه لهم فهو فعلاً له ذكر في الآخرين وصار له ذكر في العالمين ولذا في التشهد نصلي عليه الصلاة الإبراهيمية:
الله تعالى صلى عليه وبارك عليه وهذه دعوة استجاب لها الله تعالى.
الآية (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) هذه ترد على من قال أن آزر ليس أباه.
ثم قال (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) هذا اليوم له توصيف (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ) والذي ينفع (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) القلب السليم الذي عندماعرض عليه الأمر تقبله بالفطرة ولم يجادل ولم يتكبر ولم يعاند كما فعل كفار قريش مع أبو طالب (أتترك ملة عبد المطلب؟). إبراهيم يتكلم في العقيدة لكن عينه على يوم يبعثون وهذا اليوم لا ينفع فيه إلا حالة واحدة (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ولا يأخذها الناس على أن قلبه سليم فقط وإنما يجب أن يصدقه العمل الذي يترجم العقيدة السليمة. والشرع العام هو الإسلام وجوهر عقيدة كل الأنبياء الإسلام. والاسلام هو الحجة القاطعة على كل إنسان إلى يوم الدين.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/4/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:12 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 40

وقفنا عند توصيف عباد الرحمن في سورة الفرقان عند سؤال هل من المسلمين المؤمنين من يقع في هذه الكبائر الثلاثة القتل والشرك والزنا؟ تناولنا موضوع الشرك والقتل وسنعطي أمثلة حتى لا نقع في الشرك الخفي أو الصغائر التي قد تؤدي إلى الشرك. تناولنا موضوع الشرك في الحلقات السابقة ونتكلم اليوم عن كيفية النجاة من الشرك الأصغر. ننتقل إلى آيات سورة الروم (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) الروم) الآيات تحدثت عن أن الناس إذا مسهم الضر يدعوا الله تعالى وإذا تعرضوا لرحمة من الله يشركوا والإنسان ينحدر من الشرك إلى الكفر.
تكلمنا عن الشرك وعرضنا لقصة إبراهيم u وهو يصل إلى الإله الحق بفطرته السليمة والآيات في سورة الروم تتكلم عن فطرة الله التي فطر الناس عليها. الفطرة السليمة عند إبراهيم uهي التي دعته إلى رفض عبادة الأصنام بعيداً عن النبوءة والرسالة. هذه الآيات في سورة الروم توضح كيف يتقي الإنسان الشرك الذي هو سبيل إلى الكفر. لا يمكن أن يشرك الإنسان بالله ويبقى على الشرك وإنما يشرك ويستمر حتى يؤدي به إلى الكفر والعياذ بالله. الآيات توضح السبيل للنجاة من الشرك والكفر على حد سواء (فأقم وجهك للدين حنيفاً) هذه تحتاج لوقفة هل قال أقم وجهك لله أو للدين؟ ووقفة عند حنيفاً. في المعاجم اللغوية حنيفاً أي مائلاً وإبراهيم u قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام) لما سئل من المشركين أو الكفار من ستيعبد؟ قال سأعبد خالق كل من تعبدون أنتم، الذي خلق كل هذا سأعبده ورفض أن يشرك بالله في أي قضية من القضايا التي طرحناها في الحلقة السابقة. وقال (للذي فطر السموات والأرض حنيفاً) لم يقل خلق السموات والأرض فكأن كلمة فطر لها علاقة بالفطرة. الخلق أثبته الله تعالى لنفسه ولغيره (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون) أما فطر أو برأ لم ترد إلا لله تعالى ولم ترد أحسن الفاطرين. الخلق قد يكون من لا شيء أو من شيء فإذا كان في حق الله تعالى فهو يخلق بلا أسباب وبلا أدوات أما مع الآخرين فهو الخلق من شيء والخلق من الصنعة (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل). النجار مثلاً يحتاج لأدوات حتى يصنع خزانة أو ما شابه، هذا خالق لكن من أسباب وأدوات أما الله تبارك وتعالى فيخلق من دون أسباب وبدون مقدمات أو أدوات أو مساعدة أو شريك ولذلك في الحديث القدسي: أنا أغنى الشركاء عن الشرك" وفيه نقطة خطيرة "أنا أغنى الشركاء" كأن الناس عملوا شركاء ولم يعرفوا أن يعبدوا الله تبارك وتعالى إلا من رحم الله تبارك وتعالى ونحن نكرر دائماً أنه يجب أن نعود دائماً إلى آيات سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) وهذا هو التحذير لأنه قد يؤمن أحدهم بالله ولكن قد يأتيه شرك مرة بعد مرة فيكفر وهذا الذي تحذر منه آيات سورة الروم.
كلمة (حنيفاً) تعني مائلاً أي أعوجاً لكن وإبراهيم uأول من نطق بهذه الكلمة وهو كان مائلاً عن المشرك فأصبح للكلمة بعد إبراهيم معنى اصطلاحي وتعني غاية الإستقامة. أبقى الله تعالى الكلمة وصار لها معنى إصطلاحياً بعيداً عن المعنى اللغوي. (فأقم وجهك للدين حنيفاً) أي مستقيماً وأقم وجهك للدين تعني إجعل قبلتك هذا الدين واقبل منه كل ما يصلح أي اعوجاج عندك بأن تنحرف فطرتك بإدخال معتقدات أو عقيدة تخالف التي فطره الله تعالى عليها. كأن الآية الخطاب فيها موجه للرسول r بأن دع الكافرين والمشركين وتوجه أنت إلى الله تعالى حنيفاً ولما تفعل هذا تكون هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" الفطرة السليمة أن تكون متجهاً للإله الحق وهذه تذكرنا بإبراهيم u عندما إتجه إلى الإله الحق وتذكرنا بمحمد r الذي كان يبحث عن الإله الحق. الفطرة السليمة أن تفكر أن للكون إلهاً وهذا الإله يجب أن يُعبَد على مراده هو وليس على مرادنا نحن. أنت تعبد الله تعالى على منهج العبودية من الله تعالى. وذكرنا أنه لا يجب أن نقول كان محمد r يتعبد في الغار لأنه لم يكن لديه منهجاً يتبعه وإنما كان يتحنث وإنما بعد الرسالة صار يتعبد بالمنهج الذي أعطاه إياه الله تعالى. وإذا جاء المنهج من الله تعالى فلا يجب أن تدخل فيه معتقداتك ولا تعمل فيه فكرك أو هواك. ولذلك قال بعدها (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) تبديل الخلق هنا ليس له علاقة بنمص الحواجب والعمليات ولكن معناها لا تبديل لخلق الله أنك إذا بدلت الفطرة السليمة اعوجّت وصار الإعوجاج عن المنهج والبعد عن المنهج يؤدي إلى الشرك والكفر. (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فالدين القيم هو أن تعبد إلهاً واحدة وهذه وقّعها يوسف u في قوله (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف) كأنه يقول ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لا يعلمون أن الحق من الله، لا يعلمون أن الفطرة السليمة من الله ولو أدخلت أقل القليل في العقيدة أو المعتقد فسدت.
ماذا نفعل كي يعلم الناس أن كل ما يخالف الفطرة مثل الشذوذ الجنسي وغيره مما يحتج به البعض هي ليست من خلق الله تعالى ويقولون أن هؤلاء فطرتهم هكذا؟
توقيع هذه الآية لما نسمع قوله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفاً) نسأل كيف؟ يعطينا الله تعالى الطريقة بطريقة تبين أن المنهج نزل إلى الرسول r يطبقه هو أولاً ثم يكلّف به الأمة وهذا جاء في الانتقال من الإفراد إلى الجمع (فأقم وجهك للدين حنيفاً) البعض يقول الخطاب للنبي فقط وكيف لنا أن نفعل مثله وهو نبي؟ ولو كان هذه الحجة صحيحة لقال منيباً إليه لكنه قال تعالى (منيبين إليه) فهذا يعني أن الكلام منسحب على الأمة وهذه الكلمة أعطتنا الطريقة والعلاج وأثبتت أن الكلام موجه للرسول باعتباره نبي هذه الأمة فكأن قوله تعالى (فأقم وجهك) تعني فأقيموا وجوهكم. البعض قد يسأل لم لم يقل فأقيموا وجوهكم؟ لأننا يجب أن نقيم وجوهنا كما أقام الرسول r وجهه لله تعالى فالله سبحانه وتعالى أفرد التوجيه وجمع التوقيع فالذي يقيم وجهه سيفعل مثل النبي r ولذلك (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) أي من يريد أن يقف وقفة مشرفة بين يدي الله تعالى. كيف أقيم وجهي؟ كلما أردت أن تقيم وجهك إرجع إلى الله تعالى وإلى منهج الله تعالى وطبّقه. نحن عندنا منهج لا نخالفه. لذلك قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) كيف أقيم وجهي؟ منيبين إليه، رجعنا إلى الله تعالى لأن منيباً يعني رجع إلى الله. قلنا تاب يعني رجع إلى الله وأناب ماذا تعني؟ تاب الأولى تعني رجع إلى الله وأناب؟ كلمة ناب سمي ناباً لأنه يقطع كأن التائب عاد إلى الله مرة واحدة من غير أن يقطع ما هو فيه لكن المنيب كأنه يقطع الذي يفعله ورجع إلى الله تعالى. منيبين يعني أنه افترض أنهم سيقعوا في مصيبة وما أجمل من يقطع الشرك ويتوجه إلى الله تعالى لذا قال منيبين إليه هو لم يتوقفوا عما يفعلوه وإنما قطعوه. فالذي يصل إلى الشرك من الصعب أن يرجع لكنه ممكناً أن يعود بالتوبة لكن لو ترك ما في يديه وعاد إلى الله يكون عاد بالإنابة. لو توقف فوراً وعاد إلى الله يكون أناب. منيبين وضحت نهاية الكفر الشرك (ليكفروا) تحتاج لتوضيح واللام فيها ليست للتعليل. منيبين إليه أي من فوركم اقطعوا ما أنتم فيه ولا تكملوا لأنه لو استمروا سينتقلوا من سيئ إلى أسوأ. وهذا سر استخدام كلمة (منيبين إليه) ولا تنتظر إلى غد لأنك لن تضمن عمرك ولو متب لك العمر أنت لا تضمن أن لا تنتقل إلى الشرك.
أنت عدت إلى الله وعندما تعود إلى الله وتتوب تغتر بإيمانك وتظن أنك فوق التكليف فالبعض من كثرة ما يصلي يؤجل صلاة العشاء مثلاً لأنه اطمئن إلى عبادته وإيمانه، فإياك أن تغتر بإنابتك إلى الله لذا قال (واتقوه) لأن عليك أن تحافظ على تقوى الله حتى بعد الإنابة. لا يوجد أحد فوق التكليف، منيبين إليه بقطع العمل السيء واتقوه أي حافظوا على تقوى الله لأن فعل التقوى يحتاج إلى مداومة والله تعالى قال لرسوله r(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ (1) الأحزاب) أي دُم على التقوى فإياك أن تغرك الإنابة فلا تتقي لأنك إن لم تتقي ستقع لأن التقوى صناعة وقاية وحاجز بينك وبين محارم الله. مرة يقول تعالى (إتقوا الله) ومرة (إتقوا النار) وفي الحالين تدخل الجنة لكن الله تعالى يريدك أن تعمل وقاية بينك وبين محارم الله والتي نتيجتها أنك لما تتقي الله كأنك اتقيت النار.
(واتقوه) مرة قال منيبين إليه بطريقة الإقامة (فأقم وجهك) ومرة بطريقة الإنابة بالتقوى (واتقوه) ومرة بإقامة الصلاة (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) منيبين إليه هي كيف أقيم وجهي لله والإنابة طريقتها أن تتقي الله وتقوى الله تتم بإقامة الصلاة. ولما تفعل كل هذا إياكم والشرك (ولا تكونوا من المشركين) وفي سورة يوسف (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فكأن الشرك حالة قد تلازم الإنسان حتى وهو في الإيمان فقال (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) من هم؟ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وفرقاً وجماعات لذا نقول لا يصح في الإسلام أن يقول الواحد أن سلفي، أنا مالكي، أنا شافعي، أنا صوفي، هذا كلام فارغ. الذين فرقوا دينهم وهو دين واحد والمشكلة فيما بعد (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) الكل يعتقد أنه هو صح فقط وننسى أن الأئمة كلهم لم يعملوا منهجاً فوق المنهج الذي جاء به محمد rوإنما فسروا السُنّة، هم قد يكونوا اختلفوا لكن ليس في الأصل وإنما في الفروع، نحن نصلي كما صلى الرسول r وليس كما قال فلان أو غيره. (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) لو وقّعنا هذه الآية على حالنا اليوم للأسف نجد ما في الآية حصل. المفروض أن يكون هناك دين واحد وإمام واحد وسُنّة واحدة لا اختلاف فيها ومن عظمة الرسول r أنه لم يأت بها على منهج واحد وأداء واحد فسُنّة الظهر مثلاً هناك ثلاث احتمالات: إما ركعتين قبل وركعتين بعد وإما أربع ركعات قبل وركعتان بعد وإما أربع ركعات قبل وأربع ركعات بعد والرسول r ترك لنا حرية الاختيار المهم أننا نأخذ مما فعله الرسول r ولم نأت بمنهج من عندنا لأننا بذلك نكون تدخلنا في المنهج الذي وضعه واضع المنهج. أفضل شيء في توصيف المنهج إقامة الصلاة لذا في الحديث الصحيح أن الصلاة عماد الدين وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة فسبيل الإنابة التقوى وسبيل التقوى إقامة الصلاة على مراد الله تعالى.
(وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم) الرحمة مطلقة من عند الله (رحمة) وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم لأن السيئة لا تأتي إلا بما قدمت أيدي الناس فلا عقوبة في السيئة إلا بذنب ولا يُرفع إلا بالإنابة (منيبين إليه). نوقّعها بقوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) الروم) لماذا؟ (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لم يقل كل الذي عملوا وإنما قال بعض، (لعلّهم) ليست للتمني ولكن الغاية أن يتنبهوا ويرجعوا. والتوقيع في غاية الإبداع قال تعالى (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) ولم يقل الإنسان كأنها تفضح الإنسان فالناس تفضح بعضها أمام بعض. الناس لا تلجأ للإله الحق إلا لما تقع في ورطة التي لا يعرف البشر أن يحلّها. والآية تقول (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) لم يقل نزل بهم الضر وإنما مجرد مسّ لكنه لجأ إلى الله وهو مشرك أي أنه يعرف أن يقول يا طبيب في المرض ويا محامي في قضية، لكن لما جاء ضّر وهو الشيء الذي لا يقوى عليه البشر قال يا رب فكأن المشرك يلجأ إلى الله في الورطة الشديدة ولو كانت ورطة خفيفة يلجأ إلى الناس. قضية الضرّ لا تُحلّ إلا من عند الله تعالى ولجوء المشرك إلى الله تعالى عند الشدائد أكبر دليل على صدق وجود الإله الحق من قِبَل هذا المشرك أو الكافر. كلمة (مسّ) مجرد مسّ. مثلاً عندما تحدث حرب تقول لو كنا تحضرنا واستعددنا لكن لما يأتي زلزال تقول يا رب لأنه مسّك الضرّ. (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ) إذا مسهم الضر يلجأون إلى الله تعالى بعد أن يقطعوا ما هم فيه. هذه مثل رجل يسهر كل يوم وفي اليوم التالي عنده قضية فليلة القضية لا يسهر ولا يعصي فأناب عندما مسّه الضر فقط لأنه يريد أم يري الله تعالى أنه منيب إليه. إذا مس الناس ضر دعوا ربهم ليس مجرد دعوة وإنما منيبين إليه وهذا دليل على أنهم يعرفون فعلاً معنى الإنابة. لم يدعوا فقط وإنما أخذوا الوسيلة (منيبين إليه). (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) لم يقل فأذاقهم دليل على أن الموضوع سيأخذ وقتاً لذا تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة أي ينقذك في الشدة لكن إذا توجهت إليه فقط في الشدة قال تعالى (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) التذوق غير الأكل فالتذوق يكون بطرف اللسان أي بمجرد أن ينكشف الغمة يعود ثانية للمعصية ومن صيانة احتمال القرآن قال (إذا فريق منهم بربهم يشركون) وليس كلهم، البعض عندما يمرض ولده يحتار ويدعو الله تعالى أن يوفقه بطبيب جيد فيأتي الطبيب ويُشفى الولد المريض فيقوم الأب بشكر الطبيب قبل أن يشكر الله تعالى لذا قال تعالى (إذا فريق منهم بربهم يشركون) مرة ثانية.
قال تعالى (ليكفروا) المفسرون قالوا أنها لام التعليل أو جواب الشرط وفعل الشرط لكن فطن أهل اللغة إلى أنها لام العاقبة، هؤلاء كانوا مشركين والله تعالى أذاقهم رحمة أشركوا ثانية فقالوا: شرك وإنابة وشرك إذن هم معتادون على هذا لذا سينتهي بهم الأمر إلى الكفر (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ) من رحمة ومنهج الذي كان واضحاً أمامهم ثم لما اذاقهم الله رحمة أشركوا مع الله. (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) إذا كنت تريد هذه المتعة فتمتع بها لأنه سوف تعلمون في يوم لا ينفع فيه الندم ونوقّعها في آية في أواخر سورة الفجر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)) ما قيمة التذكر في ذلك اليوم؟ وهذا كلام قول الرسول r إعملوا، وقول الله تعالى (وقل اعملوا) لا تنتظر أن فلاناً سيحج عنك أو يعتمر عنك أو يقرأ لك القرآن. (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) الحياة الحقيقية هي الحيوان (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) هذه التي يبكى عليه وليست الحياة الدنيا. النتيجة (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) الفجر) لن يحمل عنك أحد شيئاً. والذي يبكي عليه العارفون في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) يعني أن التي قبلها ليست في جنته (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) لا فائدة من الذكرى الآن لأنه طالما رأى ملائكة الموت يكون الأمر قد انتهى لذلك يجب أن يعي الإنسان هذا التوقيع في القرآن (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) وقد قال تعالى (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) الأعلى) لكن الذكرى تنفع الإنسان في حياته. توقيع آخر (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) لم يقل حتى سأعمل صالحاً لكنه يتكلم حقيقة، سيفكر لو عاد إذا كان سيعمل أو لا لذا الله تعالى لا يظلم أحداً فأنت الذي أشركت وأنبت ثم أشركت ثانية وكان يجب أن تنيب إليه وتتقيه وتقيم الصلاة لكن لما أشرك ثانية (ليكفروا بما آتيناهم تعلمون) العلم أن تعلم فتعمل لا على مرادك وهواك وإنما على مراد الله تعالى إنابة وتقوى وإقامة الصلاة. لماذا قال إقامة الصلاة دون الصيام أو الحج أو الزكاة مثلاً؟ هذه أركان الإيمان فقد يصوم الإنسان وقد لا يصوم، الحج قد يحج الإنسان وقد لا يحج والفقير لا يزكي لكن الشهادة والصلاة هي من أركان المسلم ولا تسقط عن أي مسلم مهما كان لذا قال (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة) لأنها لا تسقط عن أي مسلم كأن إقامة الصلاة والتقوى والإنابة هي المنحية من عذاب يوم القيامة ولو أحسنا هذه الثلاثة لا يكون هناك شرك. علينا جميعاً أن نسعى لأن نكون عباد إحسان لا عباد إمتحان فليكن لساننا رطباً بذكر الله تعالى في كل حال في السراء والضراء، في الرخاء وفي الشدة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/4/2007م


الساعة الآن 11:25 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى