منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   صفحات من التاريخ وحضارات الأمم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=201)
-   -   معارك وحروب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12267)

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:04 PM

معارك وحروب
 
معارك وحروب




احبتي في منتديات المُنى والأرب
سأحاول جاهدا أن اجمع هنا نبذة عن المواقع والحروب التي حصلت عبر التاريخ لتكون مرجعا ان شاء الله لمن يريد الاستفادة منها ..

1. حرب طروادة

حرب طروادة، التي كانت بين الإغريق الذين حاصروا مدينة طروادة و أهلها ودامت عشر سنين، واحدة من أشهر الحروب في التاريخ وذلك لخلودها في ملحمتي هوميروس الإلياذة و الأوديسة اللتان تحدثتا عن بعض أحداث حرب طروادة، ففي الإلياذة رويت أحداث السنة التاسعة من الحرب وهي سنة غضب أخيل، و في الأوديسة حُكيت الكثير من الأحداث السابقة للحرب إبان رواية حكاية عودة أوديسيوس ملك إيثاكا وأحد القادة في حرب طروادة.

تقع مدينة طروادة Troy في آسيا الصغرى، وهي مدينة بحرية غنية تحكي الأسطورة أن بوسايدن إله البحر بناها برفقة أبولو إله الشعر و الفنون، فكانت مدينة منيعة وقوية.
تُعيد الأساطير أسباب حرب طروادة إلى مشاحنة إلهية بين آلهة الأوليمب الاثني عشر، و خلاف بين الربات الثلاث هيرا و أفروديت و أثينا حول الأجمل منهن، و قيام باريس بخطف هيلين ملكة إسبارطة، و زوجة منيلاوس شقيق أغاممنون بن أتريوس.

البدايات الأسطورية لحرب طروادة
في إلياذة هوميروس و بعض الأساطير الأخرى، تتنبأ العرافات لملك طروادة بريام بأنه سيولد له ابن يكون سبباً في دمار طروادة، ويولد هذا الابن الذي يُسمى باريس فيأمر أبوه أحد خدمه بالتخلص منه، ويضعه هذا الأخير في جبل لينشأ راعياً للأغنام.
و في جبل الأوليمب يكون الآلهة الاثني عشر مختلفين متناحرين لأسباب متعددة، ويزيد الخلاف فيما بينهم بسبب غنى طروادة، ثم تأتي حادثة التفاحة الناجمة عن مشادة بين الربات الثلاث هيرا و أفروديت و أثينا، حيث رأت كل ربة منهن أنها الأجمل، واتفقن على الإحتكام إلى أول غريب يرينه، وقد كان الراعي الشاب باريس، فسردن عليه أمرهن وطلبن إليه أن يحكم بينهن بإعطاء تفاحة للأجمل منهن، وأغرته هيرا بالسلطة إن هو وهبها إياها، و أثينا بالحكمة و المجد، وقالت له آفروديت أنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضلها عليهن وأعطاها التفاحة ليغضب بذلك الربتين الأخريين.

حققت أفروديت وعدها لباريس، فأخذته إلى طروادة من جديد، وقدمته إلى أهله الذين ابتهجوا بعودته أميراً بينهم، ولم تفلح نبوءات أخته كاساندرا في ثنيهم عن عزمهم قبوله بينهم من جديد، لأن الإله أبولو أحبها ذات مرة فلما صدته وهبها البصيرة وحرمها من أن يصدقها أحد، فظل الجميع يتعاملون معها على أنها مجنونة.
عاد باريس أميراً ولما تزل أفروديت تدين بوعدها له، ولتفك دينها أرسلته إلى إسبارطة، فاستغل غيبة منيلاوس وأغوى زوجته هيلين التي فاقت كل نساء الدنيا جمالاً، وجاءها كل ملوك الإغريق خاطبين، فاختارت منهم منيلاوس ملك إسبارطة، و طلب أبوها إليهم جميعاً أن يقسموا على حماية شرفها. وهرب بها إلى طروادة، فثار الإغريق لشرفهم، بينما لم يستطع الطرواديون تسليمها.

غضب أخيل و الإلياذة
تمثال أخيل يعود للعام 430 قبل الميلادقاد اخيل معركه طروادة لمده عشر سنوات حدثت خلالها و اقعة بينه و بين اغاممنون حيث وضع اغاممنون يده علي كيسيوس بنت ملك طروادة و رفض ان يعيدها الي والدها فغضب اخيل و اعتزل الحرب و بداءت الهزائم تتوالي علي الاغريق .راي باتروكلس صديق الوفي ماحل بالجيش من هزائم حاول ان يجعل اخيل يعود الي القتال و عندما رفض اخيل ان يعود الي القتال طلب باتروكلس من اخيل ان يعطيه درعه و عربته كي يجعل الجنود الاغريق متحمسين بعودته و دفعهم للقتال .و نجح باتروكلس في ذلك لكن الحماسه جرفته و تقاتل مع هكتور الذي قتله معتقدا انه قتل اخيل و عندما علم اخيل اقسم علي قتله و الثار لصديقه و بالفعل قتله و ربط جثته بحبل و ربطه في عربته و مضي بجثته امام جيشه \و هزم الطرواديين هزيمه نكراء.و في النهايه استطاع باريس ان يقتل اخيل بتسديد سهم الي وتر كعبه
تأكيد أو نفي وقوع الحرب
أعتقد قدماء اليونان بصحة الأحداث المروية عن الحرب، وعن وقوعها، وقد تم تقدير وقت حدوثها بأنه القرن الثالث عشر أو الثاني عشر قبل الميلاد. إلا أن العلماء في الوقت الحالي يشككون بصحة هذه الأسطورة رغم أنه في العام 1870 قام المنقب والمستكشف الألماني هنريك شيلمان بإكتشاف أثار مدينة في الموقع الذي كان يعتقد بوجود طروادة فيه، ويتفق معه بعض علماء الآثار بصحة إكتشافه، إلا أنه لم يتم تأكيد أو نفي صحة الأسطورة ووجود الحرب.

حصان طروادة
وتروي الأسطورة ان حصار الإغريق لطروادة دام عشرة سنوات. فإبتدع الإغريق حيلة جديدة ، حصان خشبي ضخم وأجوف. بناه إبيوس ومليء بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس. أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبيء وراء "تيندوس" ، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام.
جاسوس إغريقي، إسمه سينون ، أقنع الطرواديين بأن الحصان كان هدية ، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا.حتى ان هيلين وديفوبوس فحصا الحصان. إحتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا. وعندما خرج الإغريق من الحصان داخل المدينة ، كان السكان في حالة سكر. ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش دخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، فقتل كل الرجال ، واخذ كل النساء والاطفال كعبيد.

كانت مدينة طروادة تحت امرة الامير فيكتور والامير "باريس", يحكى ان الامير باريس كان سبب في دمار طروادة .. وخيانتها بسبب امرأة احبها من العدو.
كانت الاميرة كساندرا تتنبئ بالمستقبل , قبل ولادة الامير باريس تنبأت بان المولود الجديد سيكون سبب في دمار طروادة فأمر المكلك بقتل المولود بعد ولادته , لكن الحاجب الذي امر بقتل الامير الصغير تركه في العراء وذهب
.

يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:06 PM

2.
الحرب العالمية الأولى

مقدمة
ساهمت عوامل متعددة في اندلاع أول حرب عالمية ما بين28يوليو1914و11نونبر 1918،واعتبرها البعض حربا امبريالية بين الدول الأوربية،فما هي أسباب حدوثها؟وما هي مراحل ونتائج هذه الحرب؟

حدثت الحرب العالمية الأولى لأسباب مباشرة وغير مباشرة
يعتبر التسابق بين التسلح وتكوين الأحلاف العسكرية من أسباب حدوث الحرب العالمية الأولى-
التنافس الامبريالي:نتج عن التنافس الامبريالي خلال القون19تزايد التوتر بين دول أوربا،وأدى ذلك إلى زيادة النفقات العسكرية والتسابق نحو التسلح بين انجلترا وألمانيا(بحرا)وفرنسا وألمانيا(برا).وكان التوتر قويا بين فرنسا وألمانيا بسبب منطقتي الألزاس واللورين(منذ حرب 1870).وظهر أن ألمانيا تعمل على الرفع من عدد جنودها ودرجة تسلحها. - تكوين التحالفات:تكونت بأوربا أحلاف وتكتلات أهمها التحالف الثلاثي La Triple Alliance بين ألمانيا والنمسا-هنغاريا وإيطاليا سنة 1882(دول المركز)،وتم عقد اتفاقية عسكرية بين روسيا وفرنسيا سنة 1892،وتطور بتكوين وفاق ثلاثي La Triple Entente بانضمام انجلترا سنة 1907(دول الوفاق).
كان للأزمة البلقانية دور كبير في حدوث الحرب العالمية الأولى-
الأزمة البلقانية:نتج عن تراجع الدولة العثمانية في منطقة البلقان حدوث نزاع بين الدول الصغرى بالمنطقة،وحدوث صراع بين روسيا التي ترغب في الحصول على منفذ على البحر المتوسط(الدردنيل والبوسفور)ولذلك دعمت صربيا(العنصر السلافي)،وبين النمسا-المجر القوة السياسية الكبرى في أوربا الوسطى،والتي ترغب أيضا في الحصول على منفذ على البحر. - بدأ النزاع بقيام الإمبراطور النمساوي فرانسوا جوزيف بضم البوسنة والهرسك في 5أكتوبر 1908،وكذلك بمطالبة صرب البوسنة بالانضمام إلى صربيا.وفي سنة 1913حققت صربيا على امتيازات ترابية على حساب المناطق المجاورة(مقدونيا)،ولم تقبل بلغاريا والنمسا-المجر بذلك. - حادثة سراييفو:في 28يونيو1914تم مقتل ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند من طرف طالب بوسني( Princip)أثناء زيارته لمدينة سراييفو عاصمة البوسنة،وتعتبر السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى،ورأت النمسا-المجر الفرصة مناسبة حيث أرسلت إنذارا أعطت فيه مهلة 48ساعة لقبول شروط منها إشراف موظفين نمساويين في حادثة الاغتيال،ورفضت صربيا ذلك،فأعلنت النمسا الحرب عليها في 27يوليو،وأعلنت روسيا التعبئة العامة ومساندتها لصربيا،وقامت ألمانيا بتوجيه إنذار لروسيا (لإيقاف الاستعدادات)وفرنسا(لإعلان الحياد في حالة حدوث الحرب)،وأعلنت مساندتها للنمسا والحرب في1غشت،ودعمت فرنسا وإنجلترا روسيا.
شهدت الحرب العلمية الأولى تفوقا لدول المركز انقلب في نهايتها لتفوق دول الوفاق
المرحلة الأولى-
حرب الحركة:انطلقت الحرب باكتساح ألمانيا بلجيكا وهي دولة محايدة،وهجوم على فرنسا،وفي نفس الوقت تم إرسال قوات ألمانية إلى الجبهة الروسية،ووجدت القوات الألمانية نفسها في الجبهة الغربية أمام تحالف للجيوش الفرنسية والفرنسية وكانت المواجهة في هذه الجبهة عنيفة،ودخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا حيث أغلقت مضيق الدردنيل لمنع وصول الإمدادات إلى روسيا. - حرب المواقع:انتقلت القوات المتحاربة إلى حرب المواقع بسبب فشل الخطط الهجومية وذلك بحفر الخنادق ولذلك كان تقدم القوات بطيئا،وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى،وفي سنة 1915دخلت بلغاريا إلى جانب دول المركز،ودخلت إيطاليا مع دول الوفاق،واستمرت حرب الاستنزاف وخاصة في معركة فردان Verdun في فبراير 1916.وعرفت الحرب استخدام أسلحة جديدة و خاصة الدبابات والطائرات والغواصات والغازات الخانقة،وتم توجيه الاهتمام إلى إنتاج الأسلحة.
المرحلة الثانية-
اقتصرت مساندة الو.م.أ.لدول الوفاق على مدها بالأسلحة والمواد الغذائية،وأدى ضرب الغواصات الألمانية للسفن الأمريكية إلى إعلان الرئيس ولسون الحرب على دول المركز،في حين انسحبت روسيا بعد حدوث الثورة وتوقيع معاهدة بريست ليتوفسك بين ألمانيا وروسيا.وفي يوليو 1918حدثت معركة المارن حيث نتج عن الهجوم الألماني على باريس استنزاف القوات الألمانية التي بدأ تراجعها بوصول القوات الأمريكية،فانهارت بلغاريا(شتنبر)والدولة العثمانية(أكتوبر)والنمسا-المجر وألمانيا(نونبر).
كان للحرب العالمية الأولى عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية
ساهمت الحرب ع.أ. في حدوث تحولات اقتصادية واجتماعية-
النتائج البشرية والاجتماعية: •نتج عن الحرب سقوط الملايين من القتلى( 8مليون:ألمانيا1,8مليون،روسيا1,7مليون،النمسا-المجر1,4مليون، فرنسا1,3 مليون،بريطانيا750ألف،إيطاليا750ألف،الصرب365ألف،الو .م.أ.115ألف)والملايين من الجرحى،وانتشار الأوبئة وارتفاع نسبة الوفيات وأدى ذلك إلى تراجع الساكنة النشيطة وارتفاع نسبة الإناث والشيوخ. •وخلفت عن الحرب تحولات اجتماعية هامة كتوسع تشغيل النساء،وظهر أثرياء الحرب وتزايد عدد الفقراء. - النتائج الاقتصادية: •دمرت الحرب إضافة إلى الدور السكنية الطرق والسكك الحديدية والقناطر والمسالك النهرية والأراضي الفلاحية والمصانع والمناجم فانخفض الإنتاج الفلاحي والصناعي(التوجه نحو الإنتاج الحربي)واضطرت دول أوربا إلى الاستدانة من و.م.أ.التي أصبحت مزود دول أوربا بالمنتجات الفلاحية والصناعية خلال وبعد الحرب،وتضاعف فائضها التجاري واحتكرت نصف الاحتياطي العالمي للذهب،وأصبحت مركز القوة على المستوى الاقتصادي بدل بريطانيا. •وخلال الحرب استخدمت الدول الاستعمارية مستعمراتها بتجنيد الجنود واستغلال مواردها الاقتصادية.
تغيرت بسبب الحرب الخريطة السياسية لأوربا•انعقد مؤتمر السلام في باريس ما بين18يناير و28يونيو1919وشارك فيه32بلدا من بينها 27دولة شاركت في الحرب،ولم تشارك الدول المنهزمة،واستدعيت فقط للتوقيع على المعاهدات،وهيمنت فيه الدول الأربع الكبرى(الو.م.أ:ولسون، فرنسا: كليمونصو،إنجلترا:لويد جورج،إيطاليا:أورلاندو). •فرضت على الدول المنهزمة توقيع المعاهدات أبرزها: •معاهدة فرساي:وقعت مع ألمانيا في28يونيو1919،تضمنت تحميل ألمانيا مسؤولية حدوث الحرب وإلزامها بأداء التعويضات، وتحديد عدد جيشها،وإلغاء الخدمة العسكرية،وتجريد منطقة الراين من السلاح،وإرجاع الألزاس واللورين إلى فرنسا،وضع منطقة السار تحت إشراف عصبة الأمم وتنال فرنسا على مدى15سنة إلى غاية إجراء الاستفتاء الفحم المستخرج كتعويض عن الخسائر،وضم شمال شلزويك للدانمارك بعد إجراء الاستفتاء،وتأسيس بولونيا وإعطائها ممرا على البلطيق، وتجريد ألمانيا من المستعمرات ووضعها تحت انتداب فرنسا(القسم الأعظم من الطوغو والكاميرون)وجنوب إفريقيا(جنوب غرب إفريقيا)واليابان(الجزر الألمانية بالمحيط الهادي)واستراليا(غينيا الجديدة). •معاهدة سان جرمان:وقعت مع النمسا في10شتنبر1919،بفصل هنغاريا(المجر)عن النمسا،واقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد قواتها العسكرية. •معاهدة تريانون:وقعت مع المجر في4يونيو1920،باقتطاع مناطق من أراضيها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد الجنود. •معاهدة نويي:وقعت مع بلغاريا في 27نونبر1919،باقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد الجنود. •معاهدة سيفر:وقعت مع تركيا العثمانية في11غشت1920،التي تنازلت عن مناطقها لصالح فرنسا وإنجلترا(المناطق العربية)، والتنازل عن مناطقها بأوربا لصالح الدول المجاورة،ووضع مضيقي الدردنيل والبوسفور تحت الرقابة الدولية. •ونتج عن الحرب سقوط الإمبراطوريات(ألمانيا،النمسا-المجر،تركيا العثمانية،روسيا)وتغيرت الخريطة السياسية لأوربا لصالح الدول المنتصرة وظهرت دول جديدة(تشيكوسلوفاكيا،يوغوسلافيا،..)على حساب أقليات قومية. •وتم بضغط من الرئيس ولسون تأسيس عصبة الأمم يوم28أبريل1919،وتضم الجمعية العامة وتعقد دورة في السنة،ومجلس العصبة يتكون من خمس أعضاء دائمين:فرنسا،بريطانيا،إيطاليا،الو.م.أ.واليابان،وال أعضاء المؤقتين(4إلى8)ينتخبون كل ثلاث سنوات،ويجتمع ثلاث مرات في السنة،وتديرها كتابة عامة ولجان متخصصة.ولن تشارك فيها الو.م.أ.(رفض الكونغرس)وروسيا وألمانيا، ووظفت لصالح المصالح الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية.
خاتمة
كان للحرب العالمية الأولى نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة وكان لها آثارا بعيدة المدى ستؤثر على العالم وخاصة أوربا إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية.

برزت على الساحة الأوروبية ألمانيا وإيطاليا كدولتين قويتين
بعد تحقيق وحدتيهما سنة (1287هـ= 1870م)، وأخذتا تطالبان
بنصيبهما في المستعمرات، وتشاركان الدول الكبرى في التنافس
الاستعماري، وفي الوقت نفسه ازدادت التناقضات الأوروبية،
وازداد معها الشك وفقدان الثقة بين الدول الأوروبية، وكان مبدأ تحكيم القوة
بشكل مطلق في النزاع يسود ذلك العصر؛ فظهرت سياسة الأحلاف الأوروبية الكبرى
القائمة على مبدأ توازن القوى، وعرفت أوروبا سباق التسلح بين هذه التحالفات.

وكان الزعيم الألماني "بسمارك" قد ربط ألمانيا بمعاهدات تحالف ودفاع ضد كل من
روسيا وفرنسا، فأدى ذلك إلى حدوث تقارب روسي ـ فرنسي رغم اختلاف أنظمة الحكم
بهما، ووقِّع ميثاق عسكري بينهما سنة (1311هـ= 1893م) ضد ألمانيا عرف بالحلف
الثنائي، ليقف في مواجهة التحالف الثلاثي بزعامة ألمانيا، وهكذا انقسمت أوروبا
إلى معسكرين. وفي السنوات التالية لذلك بدأت الدول الأوروبية في تحالفات أخرى،
منها معاهدة التحالف البريطانية- اليابانية سنة (1320هـ= 1902م)، والاتفاق
الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة (1322هـ= 1904م).

والمعروف أن بريطانيا بدأت في تسوية خلافاتها مع فرنسا بسبب قلقها من تنامي
القوة الألمانية البحرية، وتقدمها الصناعي ونزعتها إلى الفتح والاستعمار،
وبذلك تخلت بريطانيا عن سياسة "العزلة المجيدة" عن دول أوروبا، ونتج عن
التقارب بين لندن وباريس تقارب مع موسكو، تحول سنة (1325هـ= 1907م) إلى وفاق
ثلاثي، وبهذا انقسمت أوروبا بين دول الوفاق الثلاثي -الذي يضم إنجلترا وفرنسا
وروسيا-، ودول الحلف الثلاثي الذي يضم ألمانيا والنمسا وإيطاليا، غير أن روابط
إيطاليا بالحلف الثلاثي كانت واهية، وأخذ الصراع في أوروبا يتخذ شكل تكتلات
بعد أن كان في الماضي يتخذ شكلا انفراديًا، وأصبح التهديد بين دولتين بالحرب
يتخذ شكل تهديد بالحرب بين كتلتين، أي حربا عالمية.

الأزمات

وقعت منذ عام (1324هـ= 1906م) أزمات في أوروبا بين دول الوفاق ودول الحلف،
وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، وكان أخطر هذه الأزمات في المغرب والبلقان،
ففي المغرب كانت سيطرة الفرنسيين الاقتصادية قد استفزت الإمبراطور الألماني
"وليم الثاني"؛ فدعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر دولي في الجزيرة الخضراء (1324هـ=
1906م) تحول إلى صراع دبلوماسي بين فرنسا وألمانيا، لقيت كل دولة منهما
التأييد من حليفاتها. وفي هذا المؤتمر ظهر احتمال قيام حرب بين ألمانيا وكل
من: فرنسا وبريطانيا وروسيا، وبحث العسكريون في هذه الدول الخطط المحتملة لهذه
الحرب.

وكانت الخطة الألمانية تقضي بأن يسحق الجيش الألماني فرنسا ويخرجها من ميدان
القتال بحركة التفاف واسعة النطاق عبر الأراضي البلجيكية، وحين ينتهي من ذلك
يقذف بكل قواته ضد الروس، وكان القيصر الألماني قد أصدر تعليمات بأن تقضي
الخطة العسكرية بدخول الألمان باريس خلال أسبوعين من الحرب.

أما الأزمة الثانية فقد وقعت في البلقان سنة (1326هـ= 1908م)، وكانت المشروعات
القومية في البلقان تمثل قنبلة موقوتة في قلب أوروبا؛ لأن كل دولة بلقانية لها
أحلامها القومية التي تتعارض مع الدول البلقانية الأخرى ومع مصالح الدول
الكبرى، وكانت إمبراطورية النمسا والمجر تقف في وجه كل الأماني القومية للصرب
والبلغار والرومانيين وغيرهم.

وقد انفجر الصراع عندما قررت النمسا ضم البوسنة والهرسك إليها، وكان هذا الأمر
يعني إبعاد مليون صربي عن وطنهم الأم إبعادًا أبديًا، وضمهم إلى الملايين
الخمسة من الصربيين الخاضعين لإمبراطورية النمسا، فأعلنت روسيا التي تعتبر
نفسها الأم لشعوب البلقان التعبئة العامة في (ذي الحجة 1326هـ= ديسمبر 1908م)؛
لكي تحتفظ بهيبتها.

فبدت الحرب وشيكة الوقوع، غير أن فرنسا لم تبد حماسًا لتأييد روسيا، ونصحت
بريطانيا النمسا بإعادة النظر في موقفها؛ فعرضت النمسا تقديم تعويض مالي
للسلطان العثماني عن ممتلكاته في البوسنة والهرسك، على أن تقبل الدول
الأوروبية الاعتراف بما حدث، إلا أن الروس راوغوا في قبول هذا الاقتراح، فهددت
ألمانيا روسيا التي رضخت لهذا التهديد.

وبالتالي لم يكن في وسع الصرب مواجهة النمسا، خاصة أن دعاة الحرب في النمسا
كان يروجون لفكرة ضرورة مواجهة الأفعى الصربية، وأن الحرب مع الصرب آتية لا
محالة ومن الأفضل التعجيل بها؛ فأقر الصرب بضم النمسا للبوسنة والهرسك، وبذلك
انتهت الأزمة التي هزت النظام القائم في أوروبا هزًا عنيفًا بانتصار التحالف
الألماني النمساوي، غير أن الطريقة التي هزم بها الوفاق الثلاثي (الروسي-
الفرنسي- الإنجليزي) قربت ساحة الحرب بدرجة كبيرة، فقد هزمت روسيا تحت تهديد
السلاح الألماني، وكان على دول الوفاق ألا تسمح بحدوث ذلك مرة أخرى.

أزمة أغادير

وجاءت أزمة أغادير في (شعبان 1336هـ= يوليو 1911) لتقرب الطريق إلى الحرب، فقد
انتهزت فرنسا الوضع الداخلي في المغرب، وأرسلت حملة بحرية لمساعدة سلطانها،
فأثار هذا العمل ألمانيا التي أرسلت إحدى مدمراتها إلى ميناء أغادير المغربي
بحجة حماية المصالح والرعايا الألمان؛ فأعلن رئيس الوزراء البريطاني "مانش
هاوس" أن بلاده لن تقف ساكنة إذا فُرضت الحرب على فرنسا، وأدرك الجميع بعد
خطاب هاوس أن ألمانيا أمام خيارين إما أن تقاتل أو تتراجع، إلا أن هذه الأزمة
انتهت باتفاقية أصبحت بمقتضاها المغرب فرنسية، مع احتفاظ ألمانيا بالحق في
التجارة بها، وتعويضها بشريطين كبيرين في الكونغو الفرنسي.

وقد تغيرت السياسة الفرنسية تغيرًا جذريًا بعد أزمة أغادير، فقد تولت السلطة
في باريس حكومة ذات نزعة وطنية متطرفة بزعامة بوانكاريه، حيث تبنت إستراتيجية
الدفاع الهجومي لمواجهة ألمانيا أو ما يعرف بالحرب الوقائية بدلا من
إستراتيجية الدفاع فقط، وأدى ذلك إلى قيام فرنسا بحمل روسيا على التخلص من
جميع ارتباطاتها مع ألمانيا، في مقابل حصولها على مساندة فرنسية للادعاءات
الروسية في البلقان، وأعلنت فرنسا أنه إذا تدخلت ألمانيا في حرب تنشب في
البلقان، فستدخل تلك الحرب إلى جانب روسيا في كل الأحوال.

أما إيطاليا فاستغلت أزمة أغادير لتحقيق أطماعها في شواطئ ليبيا وبحر إيجه،
وأعلنت الحرب على الدولة العثمانية، فوقفت ألمانيا إلى جانب الدولة العثمانية،
وهو الأمر الذي ساعد على خروج إيطاليا من الحلف الثلاثي وإعلانها الحرب على
ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى.

سباق التسلح

استعملت الدبابة لأول مرة في الحرب العالمية الأولى كان برنامج التسلح
الألماني البحري يقوم على أن يكون لألمانيا أسطول بحري مقاتل يكون أقوى من أي
قوة بحرية تملكها أعظم دولة بحرية معادية، وقد أقنعت أزمة أغادير بريطانيا
وألمانيا بأن الحرب ستكون السبيل الوحيد لحل أي خلاف بينهما في المستقبل؛ لذلك
تسابقت الدولتان في التسلح البحري، وكان المبدأ الذي تتمسك به بريطانيا
لامتلاكها ناصية البحار هو أن تكون قوة الأسطول الإنجليزي مساوية لجموع قوات
أقوى دولتين بحريتين في العالم؛ لذلك قلقت لندن من برنامج التسلح البحري
الألماني.

أزمة البلقان

كان الصرب والبلغار يأملون أن تساعدهم روسيا في المستقبل؛ لذلك تنصلوا من
وعودهم للنمسا في عدم القيام بدعاية للجامعة الصربية والدولة السلافية الكبرى
في داخل النمسا والمجر، وانتهى الأمر بتكوين العصبة البلقانية التي تضم
بلغاريا واليونان والصرب، وحذرت الدول الكبرى هذه العصبة من أي محاولة لتمزيق
ممتلكات الدولة العثمانية في البلقان، غير أن الصرب أعلنوا الحرب على
العثمانيين في (ذي القعدة 1330هـ= أكتوبر 1912م) فاشتعلت الحرب في البلقان،
وفي ستة أسابيع انتزعت العصبة البلقانية جميع أراضي العثمانيين في أوروبا ما
عدا القسطنطينية.

وأثارت هذه الانتصارات النمسا التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي، وكان أهم غرض
للنمسا هو حرمان الصرب من منفذ بحري مباشر على بحر الأدرياتيك، وأصبحت ألبانيا
مركزًا للصراع الدبلوماسي الشديد بين النمسا وروسيا، لكن المشكلة سويت بإقامة
دولة مستقلة في ألبانيا يحكمها ألماني، ووقعت معاهدة لندن التي حصرت الأملاك
العثمانية في أوروبا في القسطنطينية وشبه جزيرة غاليبولي.

ولم يكد مداد معاهدة لندن يجف حتى نشبت الحرب بين دول العصبة البلقانية الثلاث
على مغانم الحرب، وتدخلت الدولة العثمانية ورومانيا في تلك الحرب، وتدخلت
الدول الكبرى لتحقيق مصالحها خاصة روسيا والنمسا، وانتهت الحرب البلقانية
الثانية بهزيمة بلغاريا وضعفها، وتنامي قوة صربيا، وتزعزع مكانة النمسا
الدولية؛ لذلك فكرت النمسا في سحق صربيا عسكريًا لتفادي خطر تكوين دولة صربيا
الكبرى، وبالتالي تسببت الحروب البلقانية في زيادة التوتر داخل الكتلتين
الأوروبيتين المتصارعتين: الحلف الثلاثي، والوفاق الثلاثي، والاستعداد لمواجهة
عسكرية كبرى.

الحرب العالمية الأولى

وقد تهيأت الظروف لنشوب حرب عالمية كبرى بين الدول الأوربية عقب اغتيال طالب
صربي متطرف لولي عهد النمسا الأرشيدق "فرانز فيرديناد" وزوجته في سراييفو يوم
(4 شعبان 1332 هـ= 28 يونيه 1914م)، فانتهزت النمسا هذا الحادث وأعلنت الحرب
ضد صربيا، وسرعان ما انتشرت هذه الحرب المحلية لتشمل القارة الأوروبية كلها،
فقد شعرت روسيا بمسئوليتها عن حماية الصرب فأعلنت التعبئة العامة، ورفضت
الإنذار الألماني بوقف هذه التعبئة، فأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا.

ولما كانت فرنسا مرتبطة بتحالف مع روسيا، أعلنت ألمانيا عليها الحرب، وأخذت في
تنفيذ مشروعها الحربي في غزو فرنسا عن طريق اختراق بلجيكا ولوكسمبورج في (14
من رمضان 1332هـ= 14 من أغسطس 1914م)، وكانت تلك بداية الحرب العالمية الأولى،
التي شارك فيها ثلاثون دولة، واستمرت أربع سنوات ونصف السنة.

كان الحلفاء يتفوقون على ألمانيا والنمسا والمجر في القوة العسكرية، فقد كان
لديهم (30) مليون مقاتل، في مقابل (22) مليون مقاتل، وكان للبحرية الإنجليزية
السيطرة على البحار. أما الجيش الألماني فكان أفضل الجيوش الأوروبية وأقواها،
وبلغت قوته أربعة ملايين وثلاثمائة ألف مقاتل مدربين تدريبًا كاملا، ومليون
مقاتل مدربين تدريبًا جزئيًا.

وبدأت ألمانيا في تنفيذ خطتها لغزو فرنسا التي وضعت قبل تسع سنوات، غير أن
روسيا انتهزت فرصة انشغال القوات الألمانية في فرنسا، وأرسلت جيشين كبيرين
لتطويق القوات الألمانية في روسيا الشرقية، الأمر الذي اضطر ألمانيا إلى سحب
ثلثي القوات الألمانية بعد أن كانت على بعد (12) ميلا من باريس، وانتصر
الألمان على الروس في معارك تاننبرج الشهيرة، وفقدت روسيا ربع مليون من
جنودها، إلا أن هذا الانتصار أدى إلى هزيمة الألمان أمام الفرنسيين في معركة
المارن الأولى، وكتب الخلاص لباريس من السيطرة الألمانية، وتقهقر الألمان
وأقاموا المتاريس والخنادق، وتحولت الحرب منذ ذلك الحين إلى حرب خنادق احتفظ
خلالها الألمان بتفوق نسبي فكانوا على بعد (55) ميلا من باريس.

لم تمنع هزيمة روسيا أمام الألمان من قتال النمسا والانتصار عليها حيث أجبرتها
على الارتداد إلى مدينة كراكاو البولندية القديمة، وأصبح الروس في وضع يهددون
فيه ألمانيا تهديد خطيرًا؛ لأنهم لو تمكنوا من احتلال كراكاو لأمكنهم تدمير خط
الدفاع على الحدود الألمانية بأسره، ولم يجد الألمان وسيلة غير تهديد وارسو في
بولندا الخاضعة للسيادة الروسية، واشتبك الطرفان في معارك "لودز" التي انتهت
بحماية الحدود الألمانية.

الدولة العثمانية والحرب العالمية الأولى

وفي نهاية (ذي الحجة 1332هـ= أكتوبر 1914م) دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى
جانب ألمانيا ضد روسيا، فقام الحلفاء بحملة عسكرية ضخمة على شبه جزيرة
غاليبولي بهدف إنشاء ممر بين البحرين الأبيض والأسود، والاستيلاء على
القسطنطينية لإنقاذ روسيا من عزلتها، وتطويق ألمانيا، غير أن هذه الحملة فشلت
وانهزم الأسطول الإنجليزي وكانت كارثة كبيرة للحلفاء، فعمدوا إلى مهاجمة
الدولة العثمانية في ممتلكاتها في الشرق الأوسط فاستولوا على الممتلكات
الألمانية في الشرق الأقصى والمحيط الهادي.

إيطاليا والحرب العالمية الأولى

وفي (رجب 1333هـ= مايو 1915م) أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا بعد أن كانت
أعلنت حيادها عند نشوب الحرب، فقد أغراها الحلفاء بدخول الحرب لتخفيف الضغط عن
روسيا مقابل الحصول على أراض في أوروبا وإفريقيا، واستطاع الإيطاليون رغم
هامشية دورهم وضع الإمبراطورية النمساوية في أحرج المواقف؛ لذلك قامت الدول
المركزية بحملة عليها بقيادة القائد الألماني بيلوف، وألحقوا بإيطاليا هزيمة
ساحقة في كابوريتو في (المحرم 1336هـ= أكتوبر 1917م)، وأصبح ضعف إيطاليا هو
الشغل الشاغل للحلفاء طوال ذلك العام.

الحرب عام 1915

استطاع الألمان عام (1334هـ= 1915م) تحقيق مزيد من الانتصارات على الحلفاء،
فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة "جورليس تارناو" في (رجب 1333هـ= مايو
1915م)، واحتلوا بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين
الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها، إلا أن الروس حققوا بعض الانتصارات
الجزئية على الألمان، كلفتهم (325) ألف أسير روسي، الأمر الذي لم يتمكن بعده
الجيش الروسي من استرداد قواه.

وأدى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية
والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية.
واستطاع الألمان في ذلك العام أن يحققوا انتصارات رائعة على بعض الجبهات، في
حين وقفت الجبهة الألمانية ثابتة القدم أمام هجمات الجيشين الفرنسي
والبريطاني، رغم ظهور انزعاج في الرأي العام الإنجليزي من نقص ذخائر الجيش
البريطاني ومطالبته بتكوين وزارة ائتلافية، وحدثت تغييرات في القيادة العسكرية
الروسية.

الحرب عام 1916

تميز ذلك العام بمعركتين كبيرتين نشبتا على أرض فرنسا دامت إحداهما سبعة أشهر،
والأخرى أربعة أشهر، وهما معركة "فردان" و"السوم"، خسر الألمان في المعركة
الأولى (240) ألف قتيل وجريح، أما الفرنسيون فخسروا (275) ألفا. أما معركة
السوم فقد استطاع خلالها الحلفاء إجبار الألمان على التقهقر مائة ميل مربع،
وقضت هذه المعركة على الجيش الألماني القديم، وأصبح الاعتماد على المجندين من
صغار السن، وخسر الجيش البريطاني في هذه المعركة ستين ألف قتيل وجريح في اليوم
الأول.

وظهرت في هذه المعارك الدبابة لأول مرة في ميادين القتال، وقد استطاع الروس
خلال ذلك العام القيام بحملة على النمسا بقيادة الجنرال بروسيلوف، وأسروا
(450) ألف أسير من القوات النمساوية والمجرية؛ فشجع هذا الانتصار رومانيا على
إعلان الحرب على النمسا والمجر، فردت ألمانيا بإعلان الحرب عليها، واكتسح
الألمان الرومانيين في ستة أسابيع ودخلوا بوخارست.

حرب الغواصات والولايات المتحدة

وجرت في ذلك العام حرب بحرية بين الألمان والإنجليز عرفت باسم "جاتلاند"، خرج
خلالها الأسطول الألماني من موانيه لمقاتلة الأسطول الإنجليزي على أمل رفع
الحصار البحري المفروض على ألمانيا، وانتصر الألمان على الإنجليز وألحقوا
بالأسطول الإنجليزي خسائر فادحة، ولجأ الألمان في تلك الفترة إلى "حرب
الغواصات" بهدف إغراق أية سفينة تجارية دون سابق إنذار، لتجويع بريطانيا
وإجبارها على الاستسلام، غير أن هذه الحرب استفزت الولايات المتحدة، ودفعتها
لدخول الحرب في (رجب 1335هـ= إبريل 1917م)، خصوصًا بعد أن علمت أن الألمان
قاموا بمحاولة لإغراء المكسيك لكي تهاجم الولايات المتحدة في مقابل ضم ثلاث
ولايات أمريكية إليها.

وكانت الولايات المتحدة قبل دخولها الحرب تعتنق مذهب مونرو الذي يقوم على عزلة
أمريكا في سياستها الخارجية عن أوروبا، وعدم السماح لأية دولة أوروبية بالتدخل
في الشؤون الأمريكية، غير أن القادة الأمريكيين رأوا أن من مصلحة بلادهم
الاستفادة من الحرب عن طريق دخولها.
وقد استفاد الحلفاء من الإمكانات والإمدادات الأمريكية الهائلة في تقوية
مجهودهم الحربي، واستطاعوا تضييق الحصار على ألمانيا على نحو أدى إلى إضعافها.


الحرب عام 1917

ومن الأحداث الهامة التي شهدها عام (1336 هـ= 1917م) قيام ونجاح الثورة
البلشفية في روسيا، وتوقيع البلاشفة صلح برست ليتوفسك مع الألمان في (جمادى
الآخرة 1336هـ= 1918م)، وخروج روسيا من الحرب. وشهد ذلك العام ـ أيضًا ـ قيام
الفرنسيين بهجوم كبير على القوات الألمانية بمساعدة القوات الإنجليزية، غير أن
هذا الهجوم فشل وتكبد الفرنسيون خسائر مروعة سببت تمردًا في صفوفهم، فأجريت
تغييرات في صفوف القيادة الفرنسية.
ورأى البريطانيون تحويل اهتمام الألمان إلى الجبهة البريطانية، فجرت معركة
"باشنديل" التي خسر فيها البريطانيون (300) ألف جندي بين قتيل وجريح، ونزلت
نكبات متعددة في صفوف الحلفاء في الجبهات الروسية والفرنسية والإيطالية، رغم
ما حققه الحلفاء من انتصارات على الأتراك ودخولهم العراق وفلسطين.

الحرب عام 1918 ونهاية المأساة

شجع خروج روسيا من الحرب القيادة الألمانية على الاستفادة من (400) ألف جندي
ألماني كانوا على الجبهة الروسية وتوجيههم لقتال الإنجليز والفرنسيين، واستطاع
الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في (جمادى الأولى 1336هـ= مارس 1918م)،
وتوالت معارك الجانبين العنيفة التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح،
والأموال، وقدرت كلفة الحرب في ذلك العام بحوالي عشرة ملايين دولار كل ساعة.

وبدأ الحلفاء يستعيدون قوتهم وشن هجمات عظيمة على الألمان أنهت الحرب، وقد
عرفت باسم "معركة المارن الثانية" (شوال 1336هـ= يوليه 1918م) وكان يوم (1 من
ذي القعدة 1336 هـ = 8 أغسطس 1918 م) يومًا أسود في تاريخ الألمان؛ إذ تعرضوا
لهزائم شنيعة أمام البريطانيين والحلفاء، وبدأت ألمانيا في الانهيار وأُسر
حوالي ربع مليون ألماني في ثلاثة شهور، ودخلت القوات البريطانية كل خطوط
الألمان، ووصلت إلى شمال فرنسا، ووصلت بقية قوات الحلفاء إلى فرنسا.

واجتاحت ألمانيا أزمة سياسية عنيفة تصاعدت مع توالي الهزائم العسكرية في ساحات
القتال، فطلبت ألمانيا إبرام هدنة دون قيد أو شرط، فرفض الحلفاء التفاوض مع
الحكومة الإمبراطورية القائمة، وتسبب ذلك في قيام الجمهورية في ألمانيا بعد
استقالة الإمبراطور الألماني، ووقعت الهدنة التي أنهت الحرب في (6 من صفر
1337هـ= 11 نوفمبر 1918م) بعد أربع سنوات ونصف من القتال الذي راح ضحيته عشرة
ملايين من العسكريين، وجرح (21) مليون آخرين.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:08 PM

3.
معركة بدر الكبرى

لقد بدأت الأسباب الموضوعية تنضج لحدوث الصراع المباشر بين قريش والمسلمين، بعد أن حسمت قريش خيار المواجهة مع المسلمين في ظلّ إصرار من قبل الرسول (ص)، على اقتحام مواطن التأثير في الحياة القرشية والمكية، ولذلك لـم يبقَ إلاَّ السبب المباشر لحصول الانفجار بين الطرفين وكان في ذلك الوقت قد ترامت الأنباء إلى يثرب أنَّ قافلة كبيرة لقريش تضمّ ألف بعير قادمة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بما لا يزيد على الأربعين من الرجال.
إنَّ وقوع مثل هذه القافلة بأيدي المسلمين سيشكل لو حصل ضربة قاصمة لقريش من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ويجعل المسلمين يحقّقون أيضاً مكسباً سياسياً واقتصادياً، يجعل من قريش عاجزة عن التصدّي لمقوم حياتها الأساسي، ما يمكن أن يؤدي إلى زوال كيانها لو استمرت الحال هذه على نفس الوتيرة من النكسات، وما نلمسه من قول الرسول (ص) فإنَّ التركيز يتمّ على العامل الاقتصادي "هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعلّ اللّه ينفلكموها".
ولـم يعزم الرسول (ص) على أحد بالخروج ولـم يستحث متخلّفاً، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، ثُمَّ سار ـ بعد ـ بمن أمكنه الخروج، ونظراً لأنَّ أحداً لـم يكن يتوقع أنَّ لقاءً مسلحاً حاسماً سيتمخض عن التحدّي الجديد، وحسبوا أنَّ مضيهم في هذا الوجه لـم يختلف عمّا ألفوه في السرايا والغزوات السابقة، لذلك لـم يأخذوا أهبتهم الكاملة من السّلاح والتأهب.
وكانت همم المسلمين قد فترت عندما وردت إليهم أخباراً تفيد بأنَّ القافلة قد غيّرت طريقها، وغالب الرسول (ص) هذا الفتور العارض، وحذّر صحابته من عقبى العود السريع إلى المدينة إن فاتهم مال مكة وخرج إليهم رجالها، وأصرّ على ضرورة تعقب المشركين كيف كانوا، وذلك في قوله تعالى: ] كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنَّ فريقاً من المؤمنين لكارهون0 يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنَّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون[ (الأنفال:5 ـ 6).
والذين كرهوا لقاء قريش، ما كانوا ليهابوا الموت، ولكنَّهم لـم يعرفوا الحكمة في خوض معركة مباغتة دون إتقان ما ينبغي لها من عدّة وعدد، بيد أنَّ الرسول(ص) بحكمته قد استطاع أن يبـرّد هذه المخاوف واختفت على عجل من المسلمين مشاعر التردّد، وانطلق الجميع خفافاً إلى غايتهم.
أمّا أبو سفيان فإنَّه ما إن أحسّ بالخطر على قافلته، حتّى أرسل (ضمضم بن عمرو الغفاري) إلى مكة يستصرخ أهلها حتى يُسارعوا إلى استنقاذ أموالهم. وما إن وصل ضمضم إلى مكة حتّى صرع بعيره، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وراح يصرخ، يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمَّد مع أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث!
وسرعان ما استجاب النّاس لندائه، فهم إمّا خارج وإمّا باعث مكانه رجلاً، وتجمعت قريش كلّها في تسعمائة وخمسين رجلاً، معهم مائتا فرس يقودونها، ولـم يتخلّف من أشرافها أحد خلا أبو لهب الذي يبدو أنَّ مرضه وكبره أقعداه عن اللحاق بالمستنفرين.
لكنَّ أبا سفيان لـم ينتظر قدوم النجدة، بل بذل أقصى ما لديه من حذرٍ ودهاء لمخاتلة المسلمين والإفلات من قبضتهم، وقد كاد يسقط بالعير جمعاء في أيديهم وهم يشتدون في مسيرهم نحو بدر، غير أنَّ الحظ أسعفه، والتقى بمجدي بن عمرو فسأله إذا كان قد أحسّ بأحد، فقال له ما رأيت أحداً أنكره غير أنَّي رأيت راكبين أناخا في هذا التل ثُمَّ استقيا في شنّ لهما وانطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما، وتناول بعرات من فضلات الراحلتين ثُمَّ فتها فإذا فيها النوى، فقال: هذه واللّه علائف يثرب! وأدرك الرجلين من أصحاب محمَّد وأنَّ جيشه هنا قريب فرجع إلى العير يضرب وجهها عن الطريق شارداً نحو الساحل، تاركاً بدراً إلى يساره، وبذلك استطاع أبو سفيان أن يفلت من قبضة المسلمين.
ولما أحرز أبو سفيان القافلة أرسل إلى قريش يدعوهم إلى الرجوع إلى مكة "إنَّكم إن خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجّاها اللّه فارجعوا، ولكنَّ أبا جهل بن هشام رفض العودة وأصرّ على المضي إلى بدر حيث كان للعرب هناك سوق يجتمعون فيه كلّ عام ثلاثة أيام ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتفرّق علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وبجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها".
ولعلّ أبو جهل كان ينطق بما يختلج لدى قريش ويُعبّر عن الأزمة التي حلّت بها جراء ما حقّقه المسلمون من انتصار على المستويات السياسية والعسكرية والنفسية ولهذا كان لا بُدَّ لقريش من أن تعمل لكي تعيد الاعتبار إلى مكانتها، وهيمنتها على بقاع واسعة من الحجاز.
وفي المقابل كان الرسول (ص) قد انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً مستخلفاً على المدينة أبا لبابة ومقيماً عمرو بن أم مكتوم إماماً على الصلاة بالنّاس ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير، وأمّا الرايتان السوداوان فقد حمل عليّ إحداهما وتدعى العقاب، أمّا الأخرى فقد حملها بعض الأنصار.
أمّا العتاد فكان متواضعاً قياساً لما كان يمتلكه أهالي قريش فلم يكن لديهم سوى سبعين بعيراً كان كلّ ثلاثة يتناوبون واحداً منها، ومن الخيول اثنتين.
ولما وصل المسلمون قريباً من بدر حيث طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام بعث الرسول (ص) إلى هناك اثنين من أتباعه ليحتسب له الأخبار عن قافلة أبي سفيان التي كانوا يظنون أنَّها لا زالت في المنطقة، وانطلق هو وأصحابه في أعقابهما.
وما لبث الرسول (ص) أن عسكر بأصحابه قريباً من ماء بدر وعندما حلّ المساء بعث ثلاثة من رجاله الموثوقين، عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، على رأس جماعة من المسلمين ليتحسسوا الأحوال ويلتمسوا الأخبار، فألقوا القبض على غلامين لقريش كانا يمدانها بالماء، فجاؤوا بهما إلى الرسول (ص) ـ وهو قائم يصلي فسألوهما عن انتمائهما فاعترفا بانتمائهما للجيش القرشي "نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء".
وبعد أن أنهى (ص) صلاته سألهما عن أحوال قريش، فأخبراه: "هم واللّه وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهم: كم القوم؟ قالا: لا ندري، قال: كم تنحرون كلّ يوم؟ قالا يوماً تسعاً ويوماً عشراً، فقال (ص): القوم بين التسعمائة والألف، ثُمَّ سألهما: فمن فيها من أشراف قريش؟ فطفقا يستعرضان عدداً من قادة قريش فيهم عتبة وشيبة أبناء ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأميّة بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود، ونوفل بن خويلد... وحينذاك أقبل الرسول (ص) على أصحابه وقال: هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ أكبادها...".
وهنا أدرك الرسول (ص) أنَّه أمام وضع جديد، يقضي بمواجهة قريش بعدتها وعديدها، بالرغم من قلّة السّلاح، ونقص الاستعداد، ولكن يحدوه أمل كبير باللّه وبالمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، خاصة وأنَّه سيترتب على هذه الواقعة آثار مستقبلية على الإسلام فإن لـم يتصدَ لها في أول تحدٍّ حاسم فإنَّ نكسة خطيرة ستصيب الدعوة والدولة على السواء.
ولكن الرسول(ص) قبل أن يقدم على خوض المعركة أراد أن يستمزج آراء أصحابه، وأذاع عليهم تفاصيل ما ورد، وأحبّ أن يكونوا على علم من حقيقة الموقف ليكونوا على بصيرة من أمرهم، ووقف عمر بن الخطاب يحذره من قريش وخيلائها، وقال له رسول اللّه: "إنَّها قريش وغدرها واللّه ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، واللّه لا تسلم عزها أبداً ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته وأعدّ لذلك عدّته"، ولكنَّ المقداد بن عمرو من المهاجرين وقف وقال: يا رسول اللّه امضِ لما أراك اللّه فنحن معك واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ] اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون[ (المائدة:52)، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا فإنَّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحقّ لو سرت نبأ إلى برك العماد (موقع من وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر) ولجالدنا معك من دونها حتّى تبلغها".
وخاف أن لا يكون للأنصار رغبة في القتال، لأنَّهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم، فأخذ برأيهم في ذلك أيضاً، فقال سعد بن معاذ: "قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ، فامضِ يا رسول اللّه لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف عنك رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّ الصبر في الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعلّ اللّه يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة اللّه.
وعندما رأى الرسول (ص) عزم أصحابه على مواجهة قريش، سرّ بذلك وقال: "سيروا وأبشروا فإنَّ اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين واللّه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم".
وهنا يجب الإلفات إلى نقطة مهمة مما حصل في الاستعداد لمعركة بدر، حيثُ أخذ رسول اللّه (ص) برأي الحباب بن المنذر الذي سأله بعد أن نزل أدنى ماء من بدر، يا رسول اللّه أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلاً أنزلك اللّه ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول اللّه فإنَّ هذا ليس بمنزل فانهض بالنّاس حتّى نأتي ماء من القوم فننزله ثُمَّ نفوّر ما وراءه من الآبار ثُمَّ نبني عليها حوضاً فنملأه ماء، ثُمَّ نقاتل القوم فنشرب ولا يشربـون فقال الرسول (ص): لقد أشرت بالرأي ثُمَّ أمر بتنفيذ خطّته، فلم يجىء نصف الليل حتّى تحولوا كما رأى الحباب، وامتلكوا مواقع الماء".
وقضى المسلمون ليلاً هادئاً وغمرت الثقة قلوبهم، وتساقط عليهم مطر خفيف فلبدت أرض الصحراء بما يتيح للمسلمين حركة سريعة فوقها وقد تحدّث القرآن الكريـم عن هـذه الأجواء بقوله تعالى: ] إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزّل عليكم من السّماء ماء ليطهركم به ويُذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام[ (الأنفال:11).
وقد عبّر الرسول (ص) عن خطورة المواجهة مع قريش، وأنَّ الانتصار فيها سيحقّق للمسلمين مكاسب مهمة على كافة الصعد لا سيما على الصعيد الديني ما يشكل ديمومة واستمراراً للدين الإسلامي، وقد جاء في دعائه: "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض"، مدللاً على انقياده المطلق للّه وأنَّ النصر منه سبحانه: "اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ نصرك"، وجاء في موقع آخر في دعائه: "اللّهمّ هذي قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذّب رسولك، اللّهمّ فنصرك الذي وعدتني".
وعندما حلّ الفجر كان الرسول (ص) قد صلّى بالمسلمين وراح ينظمهم صفوفاً ويحرضهم على القتال، وأرسل عمّاراً بن ياسر وابن مسعود فطافا بالمشركين ثُمَّ رجعا إلى النبيّ (ص) يخبراه بأنَّ القوم مذعورون فزعون، كما أنَّ الخلاف حصل بين قادة قريش فرأى بعضهم التخلي عن القتال والعودة إلى مكة بعدما عرفوا نزول المسلمين قريباً منهم، وعلى رأس هؤلاء حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة، إلاَّ أنَّ أبا جهل أصرّ على الحرب واستثار عامر بن الحضرمي بتذكيره بمقتل أخيه عمرو في سرية عبد اللّه بن جحش الذي تفاعل مع هذه الاستثارة ما دفع قريشاً بدورها لأن تستفز وتصرّ على القتال.
وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان تقدم الأسود بن عبد الأسد المخزومي الذي عرف بشراسة الطبع وسوء الخلق، وقال: أعاهد اللّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه أو أموتن دونه، فتصدّى له حمزة بن عبد المطلب وتمكن من قتله في الحوض نفسه، وبرز عتبة بن ربيعة يحفّ به أخوه شيبة وابنه الوليد ودعا إلى المبارزة فخرج إليه ثلاثة من فتيان الأنصار، ولكنَّ القرشيين دعوا النبيّ (ص) أن ينازلهم أكفاء من قومهم، فاستجاب الرسول (ص) لهذا التحدّي وأمر عبيدة بن الحارث وحمزة عليّاً (ع) بالتصدّي لهم.
وسرعان ما تمكن حمزة من قتل شيبة وفعل عليّ ذلك بغريمه الوليد، أمّا عبيدة فقد جرح غريمه وأصابه هو الآخر بجرح مميت فانقض عليّ والحمزة عليه وأجهزا عليه وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين حيثُ توفي.
هذه الجولة أغاظت قريش ومن جانبها حفزت المسلمين على القتال خاصة بعد أن أمطرت قريش معسكر المسلمين بوابل من السهام، وزحف الجيشان نحو بعضهما وأصدر الرسول أوامره إلى أصحابه ألاّ يهاجموا حتّى يأذن لهم وأن يبعدوا مهاجميهم القرشيين بالنبال.
وعاد (ص) إلى العريش يراقب المعركة ويشرف عليها وهو يدعو ربّه ويقول: "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد".
ولما اتسع نطاق المعركة، واقتربت من قمتها كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم، وألحقوا بهم خسائر فادحة، وخرج الرسول (ص) من موقعه يحثهم على القتال، وهو يقول: "والذي نفس محمَّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر إلاَّ أدخله اللّه الجنّة"، وراح الرسول (ص) يجالد المشركين بنفسه ويتقدّم الصفوف حتّى أنَّ عليّاً (ع) قال عنه: "لما أن كان يوم بدر وحضر البأس التقينا برسول اللّه وكان أشدّ النّاس بأساً وما كان منّا أحد أقرب إلى العدو منه".
ووهت صفوف المشركين تحت وطأة الضغط الذي مارسه المسلمون عليهم، تدفعهم إلى ذلك موجة عارمة من الإيمان ورغبة عميقة بالاستشهاد، تؤازرهم ثلة من الملائكة المقربين، وهو قوله تعالى: ] إذ يوحي ربُّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان0ذلك بأنَّهم شاقوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنَّ اللّه شديد العقاب0ذلكم فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النّار[ (الأنفال:12ـ14).
وحاول أبو جهل أن يستنهض قومه وتلافي الهزيمة اللاحقة بهم، ودعاهم إلى الصمود فأحاطت به فلول المشركين، ولكن هذه الغابة من المشركين لـم تصمد أمام قوّة إيمان المسلمين ورباطة جأشهم، يعززهم الإيمان الراسخ، ووقع أبو جهل نفسه في مصيدة المؤمنين.
ولحقت بالمشركين هزيمة ساحقة، وفروا لا يلوون على شيء، مخلفين وراءهم ما يربو على سبعين قتيلاً ومثلهم أسرى، أمّا خسائر المسلمين فكانت أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وفي ذلك قال سبحانه وتعالى: ] ولقد نصركم ببدر وأنتم أذلة فاتقوا اللّه لعلّكم تشكرون[ (آل عمران:123).
ولـم يلبث أن بعث الرسول (ص) عبد اللّه بن رواحة وزيد بن الحارثة إلى المدينة ليبشروا أهلها بانتصار المسلمين وأقبل في أعقابهما بعد تسعة عشر يوماً من غيابه عنها مستصحباً معه أسرى المشركين بعد أن قسّم الغنائم على المسلمين على السواء، وعندما وصل إلى (الروحاء) قريباً من المدينة لقيه المسلمون الذين لـم يخرجوا للقتال يهنئونه بما فتح اللّه عليه ومن معه من المسلمين... وما إن وصل إلى المدينة حتى فرّق الأسارى بين أصحابه.
ومن اللافت أنَّ العديد من القضايا المتعلّقة بشؤون المجتمع، وخاصة في حالة الحرب، تدخل الوحي بعد معركة بدر للتشريع لها وحلّها، ومنها مسألة الخلاف حول حيازة الغنائم، ومحاولة كلّ فريق الاستئثار بها، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى: ] يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرسول فاتقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين[ (الأنفال:1) فقسّمها رسول اللّه بين المسلمين بعد أن أخرج خمسها كما نصّت الآية: ] واعلموا أنَّما غنمتم من شيء فإنَّ للّه خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيء قدير[ (الأنفال:41).
كما تطرق الوحي لقضية الأسرى الذين وقعوا في قبضة المسلمين، وشرّع لها، وكان(ص) قد وزعهم بين المسلمين وأمرهم أن يستوصوا بهم خيراً، فرأى البعض الإبقاء عليهم للانتفاع بثرواتهم، ورأى آخرون ضرورة الاقتصاص من مآثمهم السابقة وجاء في بعض المرويات أنَّه فرض على من يحسن القراءة والكتابة أن يعلّمها لأطفال المسلمين في مقابل فدائه، وكانت الفدية تتراوح ما بين ألفي درهم وأربعة آلاف درهم، وفي ذلك قوله تعالى: [وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا واللّه يريد الآخـرة واللّه عزيزٌ حكيم لولا كتاب من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتـم عذاب عظيم[ (الأنفال:68).
وجاء في آية أخرى:] فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا اللّه إنَّ اللّه غفورٌ رحيم0يا أيُّها النبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى أن يعلم اللّه في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفور رحيم0وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم واللّه عليم حكيم[ (الأنفال:69ـ71).
واختلف المفسرون في أنَّ الخطاب متجه في هذه الآيات إلى النبيّ (ص) أو إلى المسلمين والرأي الراجح أنَّ الخطاب في هذه الآيات موجه إلى المسلمين.
وفي ما يتعلّق بالأسرى، فإنَّ الآية الثانية التي وردت ليس فيها ما يدلّ على تحريـم الأسر، وتؤكد إباحة ما أخذوه من الغنائم التي تشمل فداء الأسرى.
أحدث انتصار المسلمين في موقعة بدر صدمة عنيفة أفقدت قريش توازنها، وخلخلت قوّتها العسكرية، ما أدّى إلى حرمانها من تفوقها في الحجاز، ما جعل أهل مكة ينطوون على أنفسهم، ويداوون جراحهم، ويستعيدون قواهم استعداداً لنيل ثأرهم.
وفي المقابل أظهرت المعركة المسلمين كقوّة لا يُستهان بها، ما فتح عيون القبائل العربية على واقع جديد جعلها تأخذ احتياطاتها اللازمة بشأن العلاقة مع قريش للحفاظ على مصالحها، كما أنَّه وسّع من دائرة الاستهداف الإسلامي لقريش، حيثُ أضحى الساحل الحجازي برمته منطقةً غير آمنة للقوافل التجارية، ما اضطر قريش إلى تغيير طرق القوافل، وهذا ما دلّت عليه السرايا والغزوات التي أنفذها المسلمون بعد موقعة بدر.
أمّا على صعيد المدينة، فقد شكلت أنباء انتصار المسلمين صدمة قوية لليهود المدعومين من المنافقين، فلم يصدقوا ما حصل، واتخذت العداوة للإسلام طريق الدسّ والنفاق والمخاتلة، فأسلم فريقٌ من المشركين واليهود ظاهراً وقلوبهم تغلي حقداً وكفراً وعلى رأس هؤلاء عبد اللّه بن أبي، وبعبارة أخرى كشفت ما كان يختزنه اليهود من حقدٍ وكراهية للمسلمين، فسخروا من هذا الانتصار، وحاولوا توصيف قوّة المسلمين ما جعل الأوضاع تتأزم بينهم وبين المسلمين، خاصة من جانب قبيلة بني القينقاع.
أمّا عن أسباب الانتصار في هذه الموقعة، فإنَّما يعود إلى عدّة عوامل:
ـ حكمة القيادة ووحدتها، حيث كان الرسول (ص) القائد العام للمسلمين، وكان المسلمون يعملون يداً واحدة، ينفذون أوامر الرسول (ص) بدقة متناهية، ومزودين بشجاعة نادرة. ووحدة الهدف الرسالي، أمّا المشركون فكانوا يشكلون تعدّد القيادة حيثُ لـم يكن عتبة بن ربيعة وأبو جهل على رأي واحد كما ظهر من سياق الأحداث، وليس لهم هدف واحد، لذلك طغت الأنانية والمصالح الشخصية على مصلحة قريش.
ـ الخطّة المحكمة التي أثبتها المسلمون في القتال، وهي خطّة مغايرة لما كان مألوفاً في الحروب السابقة، معتمداً في سبيل تحقيق الهدف تشكيلة لا تختلف بتاتاً عن الحرب الحديثة في الصحراء، كان لهم مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة كما استفادوا من دوريات الاستطلاع وكشف قوّة العدد، كما أنَّ المسلمين قاتلوا بأسلوب الصفوف في حين أنَّ المشركين قاتلوا على طريقة الكر والفر وهو أسلوب لا يتلاءم والأوضاع الجديدة.
ـ الحماس الشديد للتضحية وحبّ التفاني في سبيل نصرة الإسلام وأهدافه الرسالية، وهذا ما كشف عنه المسلمون أثناء استشارتهم، وكما أنَّه أعطى هامشاً للحرية يتحرّك أصحابه من خلاله، وهذا ما تبيّن في عدّة مواقع، في الوقت الذي كانت قريش قد جعلت غاية آمالها: أن تنحر الجزور وتطعم الطعام وتشرب الخمر وتعزف العيان.
ـ المعنويات العالية التي دخل فيها المسلمون المعركة وهم لا يكترثون بتفوق قريش عدّة وعدداً.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:10 PM

4.

الحرب الروسية اليابانية

الحرب الروسية اليابانية بدأت هذه الحرب في 8 فبراير 1904م عندما هاجم اليابانيون ليشون التي تعرف أيضًا باسم بورت آرثر في منشوريا، وانتهت في 5 سبتمبر عام 1905م بتوقيع معاهدة بورتسماوث. أكسبت هذه الحرب اليابان اعترافًا بأنها من كبرى القوى العالمية. وقد أججت هزيمة روسيا في الحرب تذمر الشعب الروسي إزاء فساد الإدارة الحكومية وسوء إدارتها، مما أدَّى إلى اندلاع الثورة الروسية عام 1905م.


الأسباب الضمنية. تكمن وراء تلك الحرب الطموحات المتصارعة للإمبراطوريتين الروسية واليابانية، إذ دأبت روسيا على توسيع ممتلكاتها ومصالحها في الشرق الأقصى خلال الشطر الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وفي عام 1891م بدأت روسيا في بناء سكة حديد سيبريا ليربط موسكو وفلاديفستوك، وفي عام 1896م وقَّعت روسيا معاهدة مع الصين أتاحت لروسيا بناء ماسُمِّي السكك الحديدية الصينية الشرقية عبر منشوريا، ومنحت روسيا سيطرة جزئية على تلك المقاطعة. وفي عام 1898م استأجرت روسيا من الصين شبه جزيرة لياودونغ، حيث بنت قاعدة ليشون البحرية وميناء ليدا التجاري. ووسعت روسيا نفوذها في كوريا خلال هذه السنوات، وأعطى تمرد لاعبي الملاكمة في الصين (1900-1901م) الفرصة لروسيا لزيادة نفوذها في منشوريا

أزعجت هذه التحركات اليابانيين الذين كانوا يريدون بسط سلطتهم على حساب الصين. وبعد أن هزموا الصينيين في الحرب (1894-1895م) حاولوا الاستيلاء على شبه جزيرة لياودونغ، لكن روسيا وألمانيا وفرنسا حالت دون هذا، مما أغضب اليابان.

كذلك تنافست هاتان الأمتان على السيطرة على كوريا، التي كان موقعها مهمًا لليابان وروسيا على حد سواء. وأرادت اليابان أن تسيطر على التجارة والصناعة الكورية، وكانت تمتلك بالفعل السكك الحديدية الكورية، كما كانت قد أرسلت ألوف اليابانيين للإقامة هناك.

وضع الدبلوماسيون الروس واليابانيون سلسلة من الاتفاقات بشأن كوريا ومنشوريا، لم يأخذوا بها، ومن ثم تحالف اليابانيون مع بريطانيا عام 1902م، وبدأوا في الاستعداد للحرب التي لم يتأهَّب لها الروس.



الأسطول الروسي حاصره اليابانيون في ميناء لوشون وهاجموه في 8 فبراير عام 1904م.
الهجوم على لوشون. قطعت اليابان العلاقات الدبلوماسية مع روسيا في 6 فبراير عام
1904م. وبعدها بيومين هاجم نائب الأدميرال هيها تشيرو توجو بأسطوله السفن الروسية في لوشون دون تحذير، وأعلنت اليابان الحرب على روسيا في 10 فبراير. وبدت روسيا وكأنها أقوى بكثير من اليابان حتى ظن الناس أنها سوف تكسب الحرب بسهولة، ولكن روسيا لم تكن تحتفظ في الشرق الأقصى إلا بثمانين ألف جندي عندما بدأت الحرب، وكان عليها أن تنقل إمدادات الجنود والمؤن مسافة 8,000كم من روسيا الغربية على سكة حديد سيبريا الذي لم يكن قد اكتمل بعد، كما أن روسيا قد أصابها الوهن والضعف من جرَّاء المشكلات الاجتماعية والسياسية، مما أدى إلى نشوب ثورة عام 1905م.


المعارك الأخيرة. كانت اليابان تحتفظ بمئتي ألف جندي في شمالي الصين، وبجيش ضخم آخر قريب، كما كانت أقرب إلى ميدان المعركة، وكان شعبها يؤيد حكومته.

وسرعان ماعزلت البوارج والألغام اليابانية أسطول المحيط الهادئ الروسي في لوشون. ودمَّر اليابانيون السفن القليلة التي حاولت الهرب من لوشون، ومن فلاديفستوك في معركة بحر اليابان. ومن ثم أمر الروس أسطول البلطيق بقيادة الأدميرال زينوفي روجستفنسكي بالإبحار إلى الشرق الأقصى، وأبحر هذا الأسطول التجاري من بحر البلطيق، ودار حول إفريقيا ثم عبر المحيط الهندي، ومر عبر المضيق الكوري، ولكن الأسطول الياباني القريب دمره في معركة مضيق تسوشيما عام 1905م.

لم يكن الوضع الحربي على البر أفضل منه في البحر بالنسبة للروس؛ نظرًا لضعف قيادتهم وافتقارهم للرجال والعتاد، إضافة إلى مهارة اليابانيين ودأبهم. وأخذت القوات اليابانية بقيادة المارشال أواو أوياما تدفع القوات الروسية تدريجيًا إلى التراجع في منشوريا، وهزمتها في معركة موكدن عام 1905م. ثم استسلمت لوشون لليابانيين بعد حصار دام شهرين. وكان كلا البلدين آنذاك قد بات مستعدًا لوقف الحرب، إذ كانت الحكومة الروسية تعاني من مشكلات داخلية، أما الحكومة اليابانية فقد بدأت تعجز عن مواجهة تكاليف الحرب.


معاهدة بورتسماوث. قام الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت بإيعاز من اليابان، بتنظيم مؤتمر للسلام في بورتسماوث بولاية نيو هامبشاير بالولايات المتحدة عام 1905م. وقد منحت معاهدة بورتسماوث جزيرة سخالين الجنوبية لليابان، وأرغمت روسيا على سحب قواتها من منشوريا. كان على روسيا أن تعطي اليابان لوشون وليدا، وتركت لها كوريا، وكانت هزيمة روسيا في هذه الحرب من الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 1905م في روسيا.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:12 PM

5.

الحروب الصينية اليابانية

حربان قامتا بين الصين واليابان، وهما حرب 1894 - 1895م، وحرب 1937- 1945م. نشبت الحرب الأولى بسبب كوريا تشوزون التي كانت ولاية تابعة للصين عدة مئات من السنين، حيث نشب تمرد في كوريا في عام 1894م فأرسلت الصين قواتها لتحمي مصالحها هناك. وأرسلت اليابان قواتها هي الأخرى للسبب نفسه. تم القضاء على التمرد لكن اليابان رفضت سحب قواتها من كوريا. اندلع القتال بين الصين واليابان في يوليو 1894م، فدمّرت القوات اليابانية الأسطول الصيني، واستولت على عدة مدن صينية. ثم انتهت الحرب بتوقيع اتفاقية شمونوزوكي في 17 أبريل 1895م. لم تسفر الاتفاقية عن نيل كوريا استقلالها فقط، بل ومنحت اليابان جزيرة تايوان، وشبه جزيرة ليادونج. وافق الصينيون أيضًا على دفع مبلغ 150 مليون دولار أمريكي لليابان، وعلى السماح لليابانيين بتشغيل مصانع في الصين أيضًا. بيد أن روسيا وألمانيا وفرنسا أجبرت اليابان على إعادة ليادونج للصين، مقابل مبلغ إضافي.

أضعفت الحرب اليابانية الصينية الأولى دولة الصين، ومهدت الطريق لزيادة نفوذ الاستعمار الأجنبي فيها. بذرت هذه الحرب أيضًا، بذرة الحرب الروسية اليابانية (1904 - 1905م)، التي كسبتها اليابان. وفي عام 1910م، ضمت اليابان كوريا وأعطتها اسم تشوزون.

بدأت اليابان عقب الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، توسيع نفوذها في الصين التي لم تقو على منع احتلال منشوريا في عام 1931م، ومقاطعة جيهول في عام 1933م. أنشأت اليابان دولة صورية باسم مانتشوكوو. إلا أن الصين كانت قد توحدت وتعاظمت قوتها عندما هاجمها اليابانيون ثانية في عام 1937م. خاضت الدولتان حربًا غير معلنة حتى عام 1941م، حينما أعلنت الصين الحرب على اليابان وألمانيا وإيطاليا. احتلت اليابان الكثير من الأراضي الصينية خلال المرحلة الأولى من الحرب رغم استماتة الجيوش الصينية في القتال. توقفت القوات الصينية التابعة للجنرال شيانج كاي شيك والقوات الشيوعية عن الاقتتال فيما بينهما بما يكفي لمحاربة اليابانيين. واحتل اليابانيون مدنًا صينية ساحلية مهمة، واحتلوا أكثر أقاليم الصين الصناعية تقدمًا. لكن الصينيين نقلوا عاصمتهم وصناعاتهم باتجاه الغرب، وقاتل رجال حرب العصابات الصينيون خلف القوات اليابانية.

لم يحرز أي من الطرفين مكاسب إقليمية ذات شأن خلال المرحلة الثانية من الحرب. وصارت الحرب جزءًا من الحرب العالمية الثانية، عندما هاجمت اليابان الولايات المتحدة ومجموعة الكومنولث عام 1941م. ومع استسلام اليابان للحلفاء في سبتمبر من عام 1945م توقفت الحرب الصينية ـ اليابانية الثانية.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:12 PM

6.

محاولة فتح بلاد الصين

لم تكن الصين مجهولة لدى العرب، فالصلات التجارية كانت قائمة
بين العرب والصين قديماً ، فكانت حاصلات الشرق التي تتلقاها
بلاد الشام وموانئ المتوسط تمر بنسبة كبيرة عن طريق بلاد العرب
.. وعندما توفي يزدجرد آخر ملوك آل ساسان في فارس استنجد ابنه
فيروز بالصين لتنصره على العرب وتعاونه في استعادة ملكه غير أن
امبراطور الصين اكتفى بإرسال مبعوث من قبله ليدافع عن ضية
الأمير الهارب.

في سنة 96هـ سار القائد العربي المشهور قتيبة بن مسلم على رأس جيش كثيف إلى
حدود الصين .. وبينما هو في طريقه إليها جاءه نبأ وفاة الوليد بن عبد الملك ،
فلم يثنه ذلك عن مواصلة الغزو، بل تابع سيره حتى اقترب من الصين .. فأرسل إلى
ملكها وفداً برئاسة هبيرة بن المشمرج الكلابي، ودارت بينه وبينهم عدة مراسلات
انتهت بأن قدم امبراطور الصين الجزية للعرب .. كما قدم للمبعوث صحافاً من ذهب
بها تراب من الصين ليطأها قتيبة ، حتى يبر بحلفه الذي قطعه ، وهو أن لا ينصرف
عن الصين حتى يطأ ترابها .. على أن العلاقات بين العرب والصين اكتسبت أهمية
عظيمة أبان حكم هشام بن عبد الملك الذي أرسل سفيراً له يدعى سليمان إلى
الأمبراطور (هزوان تسنغ )


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:14 PM

7.

فتح بلاد الأندلس

استأذن موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبدالملك في فتح بلاد
الأندلس، فأذن له على أن يختبر البلاد أولاً بجيش قليل العدد
.. فأرسل موسى طريف بن مالك، وكان بربرياً ، في سنة 91 هـ على
رأس خمسمائة مقاتل .. فعبر بهم البحر في سفن جوليان، وغزا بعض
الثغور الأندلسية الجنوبية بمساعدة جوليان،
وعاد محملاً بالغنائم، كما تحقق من ضعف وسائل الدفاع عن الأسبان .. ثم أرسل
موسى طارق بن زياد، قائد جيشه، في شهر شعبان سنة 92 هـ (711م) فعبر طارق
المضيق مع سبعة آلاف من المسلمين جلهم من البربر وألقت السفن مرساها قبالة
الجزيرة الخضراء، عند صخرة الأسد التى حملت اسم طارق إلى اليوم.

لما علم الملك لذريق بنزول العرب أرض أسبانيا، جمع جيشاً جراراً لمواجهة
المسلمين بينما أخذ طارق بفتح القلاع والمدن، بانتظار أن يصله المدد الذي طلبه
من موسى بن نصير، وقد أمده موسى بن نصير بعدة آلاف مقاتل، فبلغ عدد جيشه اثنى
عشر ألفاً، وثارت مخاوف المسلمين عندما علموا بدنو جيش لذريق، ولكن طارقاً لم
يزدد إلا حماسة واستبسالاً .. ويزعم المؤرخون أنه ألقى فيهم الخطبة المنسوبة
إلى طارق، قال: (أيها الناس ، أين المفر، البحر من ورائكم والعدو أمامكم،

وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، اعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من
الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة،
وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم،
وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً،

ذهب ريحكم، وتعودت القلوب من رعبها الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه
العاقبة بمناجزة هذه الطاغية…).
ثم التقى طارق بجيش لذريق على مقربة من نهر وادي (لكة)، أو وادي (بكة), ودارت
معركة حاسمة فاصلة تم فيها النصر لجيش المسلمين أما لذريق فقيل أنه فر من
المعركة واختفى أثره، وقد وجدت عربته وثيابه الحربية بعد أيام على ضفة نهر
الوادي الكبير ..

ويقول المؤرخون أن انتصار المسلمين ألقى بإسبانيا كلها في أيدي المسلمين ولم
يكن طارق بحاجة إلى الجهد الكبير ليقضي على المقاومة في بعض المدن، فكانت
المدن تستسلم والمعاقل تفتح دون مقاومة تذكر .. وكتب طارق إلى موسى بن نصير
يخبره بما أحرزه من نصر، وما استولى عليه من غنائم، فأمره موسى بأن لا يتجاوز
مكانه حتى يلحق به واستخلف موسى ابنه عبدالله على القيروان، وخرج في سنة 93 هـ
في عسكر ضخم إلى الأندلس.


استشار طارق رؤساء جيشه فأشاروا عليه بأن وقف القتال يعرض المسلمين للخطر،
ويتيح للعدو فرصة لجمع شمله وتوحيد كلمته فأخذ يزحف على المدن الإسلامية، وقسم
جنده ثلاث فرق، فأرسل مغيث بن الحارث على رأس سبعمائة فارس إلى قرطبة، فعبر
المسلمون النهر وباغتوا الحرس، واستطاعوا العثور على احدى الثغرات، فتسلقوا
الأسوار واستولوا على المدينة .

ثم فتح العرب كورة ريه ومدينتها مالقة، ثم كورة ألبيره حيث غرناطة وفي
النهاية فتحت مدينة طليطلة .. أما موسى بن نصير فقد دخل الأندلس وفتح مدينة
قرمونة الحصينة، ثم مضى إلى اشبيلية وفتحها وامتدت فتوحات موسى إلى برشلونة
شرقاً وأربونة في الداخل، وقادش في الجنوب الغربي.

وقصد موسى مدينة طليطلة فاستقبله طارق بحفاوة، ولكن موسى كان غاضباً فانتزع
منه المغانم وسجنه، ثم صفح عنه وتابعا الفتح معاً وسبب غضب موسى كون طارق لم
يتوقف عن الفتح كما أمره سيده وسار موسى وطارق لفتح شمالي البلاد، وتابعا
السير حتى بلغا جبال البرانس (البيرينه)، وتم بذلك فتح أسبانيا، وقد بقيت بعض
الأقاليم الجبيلية خارج سلطان العرب، ومنها الأقاليم الشمالية الغربية التي
لجأ إليها أشراف القوط وزعماؤهم.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:17 PM

8.

الحرب المكسيكية (1846 - 1848م). حرب اندلعت بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك نتيجة لخلافات تراكمت لمدة عقدين من الزمان.
غزت الولايات المتحدة الأمريكية المكسيك، وأثناء الحرب، احتلت مكسيكو سيتي العاصمة. حصلت الولايات المتحدة من المكسيك بموجب معاهدة جوادالوب هيدالجو على أقاليم كاليفورنيا ونيفادا، ويوتا، ومعظم أريزونا ونيومكسيكو وأجزاء من كولورادو وويومينج. ولكن كثيرًا من المؤرخين يعتقدون أن الحرب كانت هجومًا غير ضروري على دولة ضعيفة.

أسباب الحرب



الخلفية التاريخية للحرب. ثارت تكساس في عام 1835م على الحكومة المكسيكية التي كانت تسيطر وقتها على الإقليم. وأسس التكساسيون جمهورية تكساس في عام 1836م، ولكن المكسيك رفضت الاعتراف باستقلال تكساس.

حذرت الحكومة المكسيكية الولايات المتحدة بأنها ستعلن الحرب إذا أصبحت تكساس جزءًا من الولايات المتحدة. وفي عام 1844م، انتخب جيمس بوك رئيسًا للولايات المتحدة، وصرّح بأنه يؤيد ضم تكساس. وفي عام 1845م، أصبحت تكساس ولاية أمريكية، فقطعت المكسيك علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكنها لم تعلن الحرب، وكان يمكن تسوية مسألة ضم تكساس بطرق سلمية، ولكن ظهرت خلافات أخرى.

كان أحد هذه النزاعات مشكلة الحدود بين تكساس والمكسيك؛ فقد طالبت تكساس بريوجراند لتكون حدها الجنوبي الغربي. ولكن المكسيك ردّت بأن تكساس لم تمتد أبدًا لأبعد من نهر نيوسيس. بالإضافة إلى ذلك، كانت المكسيك مدينة لمواطني الولايات المتحدة بنحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي للتعويض عن الأرواح والممتلكات التي خسروها في المكسيك بسبب الثورات والسرقات والمصادرات منذ العشرينيات من القرن التاسع عشر.
بحلول الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، طالب كثير من الأمريكيين بأن تُحصِّل الولايات المتحدة هذه الديون بالقوة. وأهم من ذلك الشعور المتزايد في الولايات المتحدة بأنه يتحتم عليها أن تتوسع غربًا في الأراضي الجديدة.

أدخلت التحركات الحدودية الأمريكيين في الأراضي المكسيكية وبخاصة كاليفورنيا. وقد كانت المكسيك أضعف من أن تحكم أو تعمر أراضيها الشمالية بالسكان. وكان المقيمون من الأمريكيين والمكسيكيين مستائين من الحكم المكسيكي. وبدت كاليفورنيا مستعدة تقريبًا لأن تعلن استقلالها.

الأحداث التي أدت إلى قيام الحرب. في خريف عام 1845م، أُرسل الرئيس بوك جون سليدل إلى المكسيك وزيرًا أمريكيًا. وكان على سليدل أن يعرض على المكسيك دفع 25 مليون دولار أمريكي، ويلغي كل المطالبات بالتعويضات إذا قبلت المكسيك بريوجراند حدًا لأراضيها، وباعت نيومكسيكو وكاليفورنيا للولايات المتحدة.

أما إذا رفضت المكسيك بيع نيومكسيكو وكاليفورنيا، فعلى سليدل أن يعرض عليها إلغاء المطالبات بشرط أن تقبل المكسيك ريوجراند حدًا بينها وبين الولايات المتحدة. وعندما وصل سليدل كانت هناك ثورة في المكسيك. وقد خشي الرئيسان القديم والجديد معًا من أن يتهمهما أعداؤهما بالجُبن إذا قدّما تنازلات للولايات المتحدة. فرفضا مقابلة سليدل الذي عاد إلى بلده، وأخبر بوك بأن المكسيك تحتاج إلى تأديب.


في غضون ذلك، أمر بوك اللواء زكاري تيلور الذي كان متمركزًا مع 3,000 جندي على نهر نيوسيس بأن يتقدم نحو ريوجراند. بلغ تيلور النهر في أبريل 1846م وعبرت قوة مكسيكية النهر لملاقاته. وفي 25 أبريل، هزمت قوة كبيرة من المكسيكين قوة صغيرة من الفرسان الأمريكيين.
كان بوك قد قرر أن يطلب من الكونجرس إعلان الحرب على المكسيك. وقد أعطته أخبار المعركة الفرصة في أن يقول: ¸إن المكسيك قد غزت أراضينا وأراقت الدماء الأمريكية على التراب الأمريكي·. وفي الواقع، فإن للمكسيك حقًا مقنعًا كحق الولايات المتحدة في ذات الأرض التي أريقت فيها الدماء. ولكن في 13 مايو 1846م أعلن الكونجرس الحرب على المكسيك.

الحرب

كان للولايات المتحدة هدفان: أراد الأمريكيون احتلال الأراضي التي كانوا قد طلبوا من المكسيك بيعها، كما أرادوا أيضًا غزو المكسيك حتى يرغموا المكسيكيين على الموافقة على السلام.


احتلال نيومكسيكو وكاليفورنيا. خرج اللواء ستيفن كيرني في يونيو 1846م، ومعه نحو 1,700 جندي من حصن ليفنوروث وكنساس للاستيلاء على نيومكسيكو. وفي أغسطس، دخلت الحملة مدينة سانتافي في نيومكسيكو وسيطرت على نيومكسيكو. وفي الشهر التالي، شق كيرني طريقه عبر الصحراء إلى كاليفورنيا.

في غضون ذلك، وفي يونيو 1846م، تمردت جماعة من المستوطنين الأمريكيين في كاليفورنيا على الحكومة المكسيكية وأصبح هذا التمرد معروفًا بتمرد راية الدب، وذلك لوجود دب أبيض بنقط رمادية على راية المستوطنين. وفي يوليو، استولت قوات الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العميد بحري جون دي سلوت على مدينة مونتيري الكاليفورنية، واحتلت منطقة سان فرانسيسكو. وفي السادس من ديسمبر قاد كيرني نحو 100 جندي في معركة سان باسكال الدامية بالقرب من سان دييجو. وقد ساعدت الإمدادات العسكرية من سان دييجو في إنقاذ الجيش الأمريكي الصغير.
في يناير 1847م، انتصرت قوات الولايات المتحدة بقيادة كيرني والعميد بحري روبرت سكولتون من سلاح البحرية في معركة سان غبريال بالقرب من لوس أنجلوس. وقد أكمل هذا النصر السيطرة الأمريكية على كاليفورنيا.


حملة تيلور. قبل أن تبدأ الحرب رسميًا، كان اللواء زكاري تيلور قد ردَّ المكسيكين عبر ريوجراند الجنوبية إلى ماتاموروس في معركتي بالو ألتو وريساكا دي لا بالما.

وفي 18 مايو 1846م، عبر النهر واحتل ماتاموروس. وبعد أن انتظر وصول قوات جديدة، حرّك جيشه لأعالي النهر وسار نحو مدينة مونتيري المهمة. فسقطت مونتيري في 24 سبتمبر بعد معركة ضارية. وقبل نهاية العام نفسه، كان تيلور قد احتل سالتيلُّو وفكتوريا، وهما أهم مدينتين في شمال شرقي المكسيك. مع ذلك، استمرت المكسيك في رفض التفاوض مع الولايات المتحدة.

قرر بوك ومستشاروه أن ينزلوا جيشًا في فيراكروز على الساحل الشرقي، ويوجهوا ضربة لمكسيكو سيتي. وصدرت الأوامر لكثير من أفضل جنود تيلور بالانضمام إلى اللواء وينفيلد سكوت الذي تم تعيينه مسؤولاً عن الحملة الجديدة. وكان أنطونيو سانتا أَنّا رئيس المكسيك قائدًا للجيش المكسيكي. عَلِم سانتا أَنّا بالخطط الأمريكية فقاد في الحال جيشًا ضخمًا ضد تيلور بوينا فيستا في الجبال وراء سالتيلّو لكن المكسيكيين انهزموا هزيمة مُرّة. وأصبح اللواء تيلور بطلاً نتيجة لانتصاراته، وانتخب رئيسًا للولايات المتحدة في عام 1848م.


انتصارات دونيفان. في ديسمبر 1846م، قاد الكولونيل ألكسندر دونيفان نحو 850 جنديًا جنوبي سانتافي للاستيلاء على مدينة شيواهوا المكسيكية. وقد هزم الجنود الأمريكيون جيشًا مكسيكيًا في إلبرازيتو في يوم عيد الميلاد.

انتصر جيش دونيفان في معركة ساكرامنتو الحامية، والتي قاتل فيها خارج شيواهوا مباشرة في 28 فبراير 1847م. واحتل الأمريكيون المدينة في الأول من مارس.


حملة سكوت. كان اللواء سكوت في هذا الوقت الضابط الأعلى رتبة في جيش الولايات المتحدة. في التاسع من مارس 1847م، نزل بقوة قوامها نحو 10,000 رجل بالقرب من فيراكروز. وبعد عشرين يومًا، استولى على المدينة، وفي أبريل بدأ تقدمه نحو العاصمة المكسيكية. اقتحم الجيش الأمريكي موقعًا جبليًا في سرّو جوردو في 17 و18 أبريل ثم واصل سيره. وبالقرب من مكسيكو سيتي حارب الجنود الأمريكيون في معركة كونتريراس وشوروبوسكو في 19 و20 أغسطس وانتصروا. كان الجيش المكسيكي متفوقًا في العدد، ولكنه للمرة الثانية، كان سيئ الإعداد والقيادة.

بعد أسبوعين من الهدنة، كسب الأمريكيون معركة مولينو دل ري واقتحموا حصن شابولتبيك في أعلى الجبل واستولوا عليه. وفي اليوم التالي، دخل الأمريكيون مكسيكو سيتي.


معاهدة السلام. على الرغم من كل الانتصارات الأمريكية، فإن المكسيك رفضت أن تناقش أي معاهدة سلام. وفي أبريل 1847م، أرسل بوك نيكولاس تريست الوكيل الأول بوزارة الخارجية للانضمام لجيش سكوت في مكسيكو ولمحاولة فتح باب مفاوضات دبلوماسية مع سانتا أَنّا. وعندما فشلت هدنة أغسطس استدعى الرئيس تريست، ولكن سانتا أَنّا استقال بعد فترة قصيرة من دخول سكوت العاصمة المكسيكية.
شكلت المكسيك حكومة جديدة كانت مستعدة لقبول المطالب الأمريكية. وبطلب من القادة المكسيكيين واللواء سكوت، وافق تريست على أن يبقى في المسكيك ليصل إلى تسوية.

وقعت المعاهدة في الثاني من فبراير 1848م في قرية جوادالوب هيدالجو بالقرب من مكسيكو سيتي. في ذلك الوقت، كان كثير من الناس في الولايات المتحدة يريدون ضم كل المكسيك. ولكن المعاهدة اقتضت أن تتخلى المكسيك فقط عن الأرض التي كان قد طلبها أصلاً بوك؛ أي منطقة الريوجراند ونيومكسيكو وكاليفورنيا. ودفعت الولايات المتحدة للمكسيك 15 مليون دولار مقابل هذه الأرض التي عرفت بالتنازل المكسيكي.
وفي عام 1853م، منحت صفقة جادسدن 767،76كم² إضافيًّا من الأرض للولايات المتحدة.


نتائج الحرب. كسبت الولايات المتحدة أكثر من 1,360,000كم² من الأرض نتيجة للحرب، ولكن الحرب أحيت النزاعات حول الرق. فقد نشب الخلاف حول الأرض الجديدة أتكون مستعبدة أم حرة؟ جعلت تسوية عام 1850م كاليفورنيا حرة، ووضعت مبدأ السيادة الشعبية.

دربت الحرب المكسيكية كثيرًا من الضباط الذين حاربوا في الحرب الأمريكية الأهلية فيما بعد. ومن بين الذين حاربوا في الحملات المكسيكية يوليسيس جرانت، ووليم شيرمان، وجورج بي. مكليلان، وجورج جوردون ميد، وروبرت لي، وستون وول جاكسون، وجيفرسون ديفز.

المعارك الرئيسية

شملت المعارك الرئيسية في الحرب المكسيكية:



معركة بالو ألتو. وهي إحدى المعارك الأولى في الحرب. هزمت قوات اللواء تيلور القوات المكسيكية بقيادة اللواء ماريانو أريستا في الثامن من مايو 1846م في سهل شمال شرقي براونسفيل في تكساس.

معركة ريساكا دي لا بالما. سحق جيش مكوّن من2,3000رجل بقيادة تيلور 5,000 جندي مكسيكي بقيادة أريستا في مقاطعة كاميرون بالقرب من براونسفيل بتكساس في التاسع من مايو 1846م. سمح الانتصاران اللذان حققهما تيلور له بأن يعبر الريوجراند وأن يغزو المكسيك.

معركة بوينا فيستا. وكانت بالقرب من مزرعة ماشية في بوينا فيستا بالمكسيك، وقد دافعت قوة تيلور العسكرية المكونة من 5,000 رجل عن ممر جبلي ضيق لصد جيش سانتا أَنّا الذي يتراوح ما بين 16,000 و 20,000 رجل، وبهذه المعركة التي خاضتها القوات الأمريكية في 22 و23 فبراير 1847م، أحكم الأمريكيون قبضتهم على الشمال الشرقي للمكسيك.


معركة سيرو جوردو. تعد هذه المعركة من بين أهم المعارك التي خاضها الأمريكيون في طريقهم من فيراكروز إلى مكسيكو سيتي. وتقع سيرو جوردو، وهي موقع جبلي حصين بالقرب من جلابا، على مسافة 97كم شمال غربي فيراكروز.

هاجمت قوة اللواء سكوت العسكرية المكونة من 9,000 رجل، 13,000 مكسيكي بقيادة سانتا أَنّا وأجبرتهم على الفرار. أما الحرب التي جرت في 17 و18 أبريل 1847م، فقد مهدت الطريق لغزو مكسيكو سيتي.


معركة شوروبوسكو. دارت في قرية شوروبوسكو الصغيرة التي تقع على بعد 10كم جنوبي مكسيكو سيتي، وحقق فيها جيش سكوت في 20 أغسطس 1847م نصرًا كبيرًا آخر حيث اقتحم جنود سكوت معسكر كونتريراس المحصّن، ثم هاجموا القوة المكسيكية العسكرية في شوروبوسكو. وأخيرًا، هرب المكسيكيون ولاذوا بالفرار داخل أسوار العاصمة. وقد كان للأمريكيين نحو 9,000 رجل في المعركة مقابل نحو 30,000 مكسيكي.


معركة تشابولتيك. هي آخر معارك الحرب قبل الاستيلاء على مكسيكو سيتي. وفي 12 سبتمبر 1847م هاجم رجال سكوت تشابولتيك وهو تل محصن يحمي مداخل المدينة. استمرت الهجمات في اليوم التالي إلى أن تراجع المكسيكيون إلى مكسيكو سيتي. وفي 14 سبتمبر، دخلت قوات سكوت العاصمة المكسيكية.

يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:18 PM

9.

مصرع غرناطة
ظهر في أواخر عهد الموحدين ابن هود الذي سعى لتخليص الأندلس من الموحدين ، ومن النصارى أيضاَ ، وحكم قواعد شرقي الأندلس ، ودخلت في طاعته جيان وقرطبة وماردة وبطليوس ، وانتزع غرناطة من المأمون الموحدي سنة 628 هـ ، وحكم ابن الأحمر قواعد أخرى في الجنوب.


وخاض ابن هود مع فرديناند الثالث ملك قشتالة معركة انتهت بسقوط ماردة وبطليوس في يد الإسبان النصارى سنة 628هـ ، و هزم مرة أخرى فسقطت أبدة عام 631هـ ، ثم سار ابن هود لمحاربة خصمه ومنافسه ابن الأحمر في أحواز غرناطة فوجد النصارى الفرصة سانحة للزحف على قرطبة التي سقطت بيدهم سنة 633 هـ فكانت من أشد الضربات القاصمة .

وتوفي ابن هود سنة 635 هـ وبوفاته انهارت دولته ، فسقطت بلنسية في يد النصارى سنة 636 هـ ، ثم شاطبة ودانية ، وانضوت مرسية تحت حماية ملك قشتالة سنة 641هـ .

ومع انهيار دولة ابن هود سارع محمد بن يوسف ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها في أواخر رمضان سنة 635هـ فغدت مقر حكمه .

ورأى النصارى أن ابن الأحمر أصبح منافسهم الأول بعد موت ابن هود ، فكانت معركة صغيرة سنة 636 انتصر فيها ابن الأحمر ، فاغتاظ فرديناند الثالث فأرسل ابنه ألفونسو فاستولى على حصن أرجونة ، وحاصر غرناطة سنة 642 فردهم ابن الأحمر بخسائر فادحة .

ولمس ابن الأحمر تفوق النصارى عليه فهادن ملك قشتالة ورضي أن يحكم باسمه ، وأن يؤدي له الجزية سنوياً وقدرها مائة وخمسون ألف قطعة من الذهب ، وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه بتقديم عدد من الجند ، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي ، وسلم جيان وأرجونة وغيرها رهينة لحسن طاعته .

وسيطرت إسبانية بذلك على الولايات الشرقية وبقي التهام الولايات الغربية ، وفي عام 645 ضم النصارى طلبيرة وشلب والخزانة ومرشوشة والحرة ، وفتحت قرمونة بمعاونة ابن الأحمر ، وبدأ حصار أشبيلية ودام الحصار ثمانية أشهر ثم استسلمت المدينة للنصارى في 27 رمضان 646هـ ، ثم سقطت مدن أخرى تباعاً لهذا السقوط الكبير ، كل هذا بمعاونة ابن الأحمر .

وبدأ ابن الأحمر يواجه النصارى بعد أن رأى الخطر يحوم حوله فبدأ يخرج عن طاعتهم فغزوا أرضه عام 660هـ فردهم ، ثم شددوا الهجوم عليه بدءاً من عام 663 هـ وبدأت الهزائم تتوالى عليه فاضطر ثانية لمهادنة النصارى وتنازل لهم عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي الأندلس ، وفي عام 668 هـ ساءت العلاقة بينه وبين النصارى فطلب ابن الأحمر العون من دولة المرينيين حكام المغرب الأقصى ، وهنا مات ابن الأحمر وحكم ابنه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الذي كان شاعراً وفقيهاً وسمي محمد الفقيه ، ونهض أمير المرينيين أبو يوسف يعقوب المنصور المريني ابن عبد الحق لنجدة غرناطة ، وهزم النصارى في معركة قوية في 25 ربيع الأول سنة 674هـ ، ووطد لحكم بني الأحمر قرابة مدة مائتين وخمسين عاماً أخرى .

ومرت سنون طويلة كانت العلاقة تسوء بين بني الأحمر وبين ملك قشتالة ومرة تهدأ الأوضاع ، وكلما ساءت العلاقة وجاءت نذر الحرب استغاث بنو الأحمر بحلفائهم بني مرين الذين كانوا يجوزون البحر في كل مرة ليغيثوا إخوانهم من مجازر النصارى ، حتى سقطت دولة بني مرين وقامت على أنقاضها دولة بين وطاس الضعيفة التي لم تكن بقوة بني مرين ولا تستطيع جواز البحر لنجدة المسلمين هناك .

وتوحد الأسبان في مملكة واحدة بزواج فرديناند ملك أراغون بإيزابيلا وريثة عرش قشتالة ، واستقر العرش لهما ، وكانا ذوي نزعة صليبية حاقدة ، وكانت غرناطة غارقة في حرب أهلية بين أمير غرناطة أبي الحسن الملقب الغالب بالله وبين أخيه أبي عبد الله محمد المعروف بالزغل الذي طلب عون النصارى على أخيه أبي الحسن مراراً ، ثم اتفق الأخوان على الهدنة والصلح وأن يبقى أبو عبد الله بمالقة وأحوازها.

وحاول أبو الحسن أن يجدد الهدنة مع قشتالة ولكن الملكين الجديدين رفضا إلا بعد دفع جزية سنوية فرفض أبو الحسن طلبهما وزحف لقلعة الصخرة وفتح مدينة رندة .

وكان أبو الحسن قد تزوج من عائشة ابنة عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر وهي المعروفة بعائشة الحرة ، وكانت قوية الشخصية مع سمو في الروح مع رفيع القيم والمثل ، ورزقت من أبي الحسن بولدين هما : أبو عبد الله محمد ، وأبو الحجاج يوسف ، وكان أبو الحسن قد ترك الجهاد وعشق حياة الدعة وغرق في عشق رومية نصرانية اسمها ثريا ، وأصبح أبو الحسن أداة سهلة في يد زوجته ثريا التي كانت ذات دهاء وأطماع ، وتريد أن يكون ولدها يحي ولياً للعهد ، وتقدمه على أخيه الأكبر من عائشة الحرة أبي عبد الله ، وتمكنت ثريا من إقناع أبي الحسن بإقصاء عائشة وولديها حتى أقنعته باعتقالهم ، فتم ذلك في برج قمارش أمنع أبراج الحمراء ، وشدد الحجر عليهم ، وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين : فريق يؤيد السلطان وثريا ، وفريق يؤيد الأميرة الشرعية عائشة وولديها . ولم تستسلم عائشة الحرة فاتصلت بمؤيديها وتمكنت من الهرب من قصر الحمراء سنة 887 هـ وظهرت في وادي آش عند أنصارها .

وقرر فرديناند وإيزابيلا البدء بالحرب بعد أن رأوا أن الحرب الأهلية بدأت تؤتي ثمارها، واستولوا على مكان اسمه الحامة ، الذي يمهد لهم احتلال غرناطة ومالقة معاً ، وتم لهم ذلك ، ولم يستطع أبو الحسن استردادها ، ونشبت الثورة داخل غرناطة تعاطفاً مع عائشة وولديها ففر أبو الحسن إلى مالقة عند أخيه أبي عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزغل .

وجلس أبو عبد الله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة سنة 887 هـ ، وعمره 25 سنة ، وأراد أن يحذو حذو المجاهدين فخرج في قوات هزم بها النصارى في عدة معارك ، ولما عاد مثقلاً بالغنائم داهمه النصارى في ظاهر قلعة اللسانة ، فخسر المعركة وأسر على أثرها ، وعاد الجيش دون ملكه ، وحاولت غرناطة إعادة أبا الحسن إلى عرشه بدل ابنه الأسير ولكن الإعياء هدمه والمرض فتك به فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله الزغل حاكم مالقة .

عرضت أم عبد الله الصغير ووالده الذي خشي من مكر فرديناند وخبثه في التلاعب بابنه دفع فدية كبيرة للنصارى مقابل تسليمه لهم فرفض فرديناند ، واستغل فرديناند قلة خبرة أبي عبد الله الصغير وانعدام حزمه وضعف إرادته وطموحه للحكم ليس غير فاتخذه أداة رائعة يوجهها كيف يشاء ، فأقنع فرديناند أبا عبد الله الصغير أن الصلح مع قشتالة خير ، فأرسل أبو عبد الله الصغير من يقنع المسلمين بذلك ، وسير فرديناند في اللحظة ذاتها ينتزع ما يمكن انتزاعه من مملكة غرناطة ، فاحتل رندة سنة 890 هـ فهددوا بذلك مالقة من الغرب ، وحاولوا احتلال حصن مكلين على مقربة من غرناطة ولكن أبا عبد الله الزغل ردهم .

وفي هذه الأثناء قامت فتنة عاملها الرئيس أبو عبد الله الصغير وحزبه ، حيث دعاه حي البيازين ، فشغل أبو عبد الله الزغل بإخماد الفتنة عن مقاتلة الإسبان ، وفي أحرج المواقف أطلق فرديناند سراح أبي عبد الله الصغير بعد أن وقعه على معاهدة أعلن بها خضوعه وطاعته لملك قشتالة لمدة عامين ، وأن تطبق في جميع البلدان التي تدين بالطاعة لأبي عبد الله الصغير ، وأخذ يبث أبو عبد الله الصغير دعوته في شرق الأندلس ، والحرب الأهلية في غرناطة منذ بداية سنة 891 هـ .

وفي هذه الحروب ضرب القشتاليون الحصون الإسلامية بالأنفاط أي المدافع التي بها صخور من نار فتهلك كل من نزلت عليه وتحرقه ، وحينما نشبت الثورة في حي البيازين أمدوا فريقاً من الثوار بالرجال والأنفاط والبارود .

وفي شوال 891 هـ ظهر أبو عبد الله الصغير في حي البيازين ومن حوله أنصاره وأمده فرديناند بالرجال والذخائر والمؤن ، فزادت الفتنة اضطراباً ، واستغل فرديناند الفتنة القاتلة واحتل بلش مالقة على الرغم من استبسال أهلها في الدفاع عنها بمساعدة الزغل ، فعاد الزغل منها باتجاه غرناطة ليجدها قد خضعت لأبي عبد الله الصغير وتبوأ عرشها في 5 جمادى الأولى 892 هـ ، فارتد الزغل إلى وادي آش ، وبذلك انقسمت مملكة غرناطة إلى قسمين : غرناطة وأعمالها ويحكمها أبو عبد الله الصغير ، ووادي آش وأعماله ويحكمه عمه محمد بن سعد أبو عبد الله الزغل . وهذا ماكان يسعى إليه فرديناند.

وترك فرديناند أبا عبد الله الصغير الخاضع له وبدأ بالأنحاء الشرقية والجنوبية التي تخضع لعمه أبي عبد الله الزغل ، وزحف على مالقة وطوقها براً وبحرا ًفي جمادى الآخرة 892 هـ وخاف الزغل أن يسير إلى إنجادها من وادي آش أن يغدر به ابن أخيه ، فاستنجد بسلطان مصر الأشرف قايتباي ولكن مالقة سقطت في أواخر شعبان 892 هـ ونكث فرديناند بوعوده فغدر بأهل المدينة واسترقهم جميعاً .

ثم سقط ثغر المنكب والمرية عام 895 ، فلم يبق ثغر واحد يصل غرناطة بالمغرب ، وتطور سير الأحداث فانضوى الزغل تحت لواء النصارى فقد رأى أنه يغالب المستحيل ، ودخل النصارى وادي آش في صفر 895 هـ، وبقي الزغل يحكم وادي آش تحت حماية ملك قشتالة ، ولم يقبل بهذا الوضع المهين فجاز البحر إلى المغرب ونزل وهران ثم استقر في تلمسان حزيناً على ضياع الأندلس .

وبقيت غرناطة آخر القواعد الإسلامية وعلى عرشها أبو عبد الله الصغير تنتظر الضرب القاضية .

ثم أرسل الملكان الكاثوليكيان - فرديناند وإيزابيلا - وفداً يطلبان من أبي عبد الله الصغير تسليم غرناطة فثارت نفسه لهذا الغدر والخيانة وأدرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه في محالفة هذا الملك الغادر فرفض التسليم وقرر الدفاع .

اغتاظ فرديناند وسخط وعاث في بسائط غرناطة وخرب الضياع والقرى ، وجرت ملاحم دموية على أسوار غرناطة ذاتها ، وارتحل فرديناند على أثرها ليرمم القلاع ويشحن الأبراج القريبة من غرناطة استعداداً للمعركة القادمة .

ودبت روح المقاومة في غرناطة ، وثار أهل البشرات ، وفتح المسلمون بعض الحصون القريبة من غرناطة .

وسار فرديناند بجيش تراوح ما بين 50-80 ألفاً ، مع مدافع وعدد ضخمة ، وذخائر وأقوات ، وعسكر على مقربة من غرناطة في 12 جمادى الآخرة سنة 896 هـ ، وأتلف القرى والحقول والزروع حتى لا تمد غرناطة بأي طعام ، وحاصر غرناطة المدينة الوحيدة المتبقية من ملك تليد .

وكان دفاع غرناطة من أمجد ما عرف في تاريخ المدن المحصورة ، ولم يكن هذا الدفاع قاصراً على تحمل ويلات الحصار على مدى أشهر ، بل كان يتعداه إلى ضروب رائعة من الإقدام والبسالة ، فقد خرج المسلمون خلال الحصار لقتال العدو المحاصر مراراً عديدة ، يهاجمونه ويثخنونه في مواقعه ، ويفسدون عليه خططه وتدابيره .

وقرر فارس عربي شجاع المقاومة والجهاد إلى آخر رمق وهو موسى بن أبي غسان ، ومن أقواله : ليعلم ملك النصارى أن العربي قد ولد للجواد والرمح ، فإذا طمح إلى سيوفنا فليكسبها ، وليكسبها غالية ، أما أنا فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت فيه مدافعاً عنه ، من أفخر قصور نغنمها بالخضوع لأعداء الدين .

وتولى موسى قيادة الفرسان المسلمين ، يعاونه نعيم بن رضوان ومحمد بن زائدة ، وتولى آل الثغري حراسة الأسوار ، وتولى زعماء القصبة والحمراء حماية الحصون .

وقطعت غرناطة عما حولها تماماً باستثناء طريق البشرات الجنوبية من ناحية جبل شلير فجلبت منها بعض الأقوات والمؤن الضرورية ، وحل الشتاء وقلت المؤن والذخائر ، ودخل الوزير المسؤول عن غرناطة أبو القاسم عبد الملك مجلس أبي عبد الله الصغير وقال : إن المؤن الباقية لا تكفي إلا لأمد قصير ، وإن اليأس قد دبّ إلى قلوب الجند والعامة ، والدفاع عبث لا يجدي .

ولكن موسى بن أبي غسان قرر الدفاع ما أمكن ، فقال للفرسان : لم يبق لنا سوى الأرض التي نقف عليها ، فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن .

وزحف فرديناند على أسوار المدينة المحاصرة ، فخرج المسلمون إلى لقائه ، وكان القتال رائعاً ، ولكن مشاة المسلمين لم يصمدوا ، فأوصد المسلمون أبواب غرناطة ، وامتنعوا خلف أسوارها يلاقون قدر تمزقهم .

استمر الحصار سبعة أشهر ، واشتد الجوع والحرمان والمرض ، و أعيد تقويم الموقف في بهو الحمراء فأقر الملأ التسليم إلا موسى بن أبي غسان الذي قال بحزم : لم تنضب كل مواردنا بعد .. ولنقاتل العدو حتى آخر نسمة ، وإنه لخير لي أن أحصى بين الذي ماتوا دفاعاً عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها . وكانت هذه الكلمات تخاطب يائسين قرروا المفاوضة والتسليم ، وكلّف بهذه المهمة الوزير أبو القاسم عبد الملك في أواخر سنة 896 هـ .

وفاوض الوزير أبو القاسم فرناندو دي فافرا وجونز الفودي كردوفا ، فوضعوا معاهدة وافق عليها أبو عبد الله الصغير وفرديناند في 21 المحرم 798 هـ ، واشترط المسلمون أن يوافق البابا على الالتزام والوفاء بالشرط إذا مكنوا النصارى من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون ويحلف على عادة النصارى في العهود .

وفي ثاني ربيع الأول من السنة نفسها استولى النصارى على الحمراء ودخلوها بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهناً خوفاً من الغدر ، وكانت الشروط سبعاً وستين ، منها : تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال ، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم ، ومنها إقامة شريعتهم على ما كانت ، ولا يحكم على أحد منهم إلا بشريعتهم ، وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك ، وأن لا يدخل النصارى دار مسلم ، ولا يغصبوا أحداً ، وأن لا يولى على المسلمين نصراني ولا يهودي ممن يتولى عليهم من قِبل سلطانهم قَبل ، وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا ، وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم ويسير المسلم في بلاد النصارى آمناً في نفسه وماله ، ولا يمنع مؤذن و لا مصل ولا صائم ولا غيره من أمور دينه ، ومن ضحك منهم يعاقب ...

ولما أنس فرديناند وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسهم من عدم إخلاص النصارى في عهودهم أعلنا في يوم 29 نوفمبر مع قسم رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم ، أو حيث شاؤوا ، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا ، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب .

وأما فارس الأندلس موسى بن أبي غسان فرفض وقال للزعماء حينما اجتمعوا ليوقعوا على قرار التسليم : اتركوا العويل للنساء والأطفال ، فنحن رجال لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ، ولكن لتقطر الدماء ، وإني لأرى روح الشعب قد خبت حتى ليستحيل علينا أن ننقذ غرناطة ، وسوف تحتضن أمنا الغبراء أبناءها أحراراً من أغلال الفاتح وعسفه ، ولئن لم يظفر أحدنا بقبر يستر رفاته فإنه لن يعدم سماء تغطيه ، وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعا ًعنها .

وساد سكون الموت في ردهة قصر الحمراء ، واليأس ماثل في الوجوه ، عندئذ صاح أبو عبد الله الصغير : الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و لاراد لقضاء الله ، تالله لقد كتب لي أن أكون شقياً ، وأن يذهب الملك على يديّ .

ونهض موسى وصاح : لا تخدعوا أنفسكم ، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم ، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم ، إن الموت أقل ما نخشى ، فأمامنا نهب مدننا وتدميرها ، وتدنيس مساجدها ، وتخريب بيوتنا ، وهتك نسائنا وبناتنا ، وأمامنا الجور الفاحش ، والتعصب الوحشي ، والسياط والأغلال ، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق ، هذا ما سوف نعاني من مصائب الموت الشريف ، أما أنا فوالله لن أراه .

ثم غادر غرناطة واخترق بهو الأسود عابساً حزيناً ، فوصل داره ، ولبس سلاحه ، وسار على جواده مخترقاً شوارع غرناطة ، وعلى ضفة نهر شنيل قابل موسى سرية من الفرسان النصارى تبلغ نحو الخمسة عشر ، فطلبوا إليه أن يقف ، وأن يعرف بنفسه ، فلم يجب ، بل وثب إلى وسطهم وانقض يثخن فيهم طعاناً ، وكانت ضرباته قاتلة ، حتى أفنى معظمهم ، غير أنه أصيب في النهاية بجرح أسقطه عن جواده ، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره وأخذ يجاهد عن نفسه ، فلما رأى أن قواه قد نضبت ولم يرد أن يقع أسيراً في يد خصومه ارتد إلى الوراء بوثبة أخيرة فسقط في مياه نهر شنيل فدفعه سلاحه الثقيل إلى الأعماق .

وفي يوم 20 ديسمبر أرسل أبو عبد الله الصغير وزيره يوسف بن كماشة إلى فرديناند مع رهائن من الأعيان ووجوه القوم مع بعض الهدايا ، واتفق مع ملك قشتالة على تسليم المدينة في الثاني من ربيع الأول سنة 897 هـ ، وأرسل فرديناند المطران مندوسا ليحتل قصر الحمراء وليمهد الطريق لمقدم الموكب الملكي ، وما كاد النصارى يجوزون إلى داخل القصر حتى رفعوا فوق برجه الأعلى صليباً فضياً كبيراً ، وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكاً للملكين الكاثوليكيين ، ودخل فرديناند وإيزابيلا قصر الحمراء مع فرقة رهبان ترتل .

وهكذا انتهت آخر الحواضر الإسلامية في إسبانية ، أما أبو عبد الله الصغير فقد خرج وأسرته ليستقروا في البشرات حاكماً باسم فرديناند وتحت حمايته ، وغادر غرف القصر وأبهاءه وهو يحتبس الزفرات في صدره ، وسار بركب حزين ، وعلى ضفة نهر شنيل التقى مع فرديناند وقدم إليه أبو عبد الله مفاتيح الحمراء قائلاً : إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانية ، ولقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا ، وهكذا قضى الله ، فكن في ظفرك رحيماً عادلاً .

ثم سار مع فرديناند حيث إيزابيلا فقدم الطاعة والتحيات ، واتجه إلى طريق البشرات ، وفي شعب ( بل البذول أو بادول ) أشرف على غرناطة فأجهش بالبكاء فصاحت به أمه عائشة الحرة : أجل ، فلتبك كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال .

وبعد شهور من مصرع غرناطة غادر أبو عبد الله الصغير إلى المغرب مع أسرته وأمواله ونزل مدينة مليلة ، ثم استقر في فاس ، في دولة بني وطاس، بعد أن عجّل بوقوع مأساة غرناطة بالجنوح إلى الدعة والخمول والحرب الأهلية ، وترك شؤون الدفاع والعدو من ورائه متربص متوثب يرقب الفرص .

أما النصارى فقد نقضوا العهود ومنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس ، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها ، وحرق من بقي منهم ، وأمر الكردينال (كمينس ) بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية وأحرقها .

وأجبر المسلمون على اعتناق النصرانية ، ولما قاوموا التنصير وأبوه اعتبروا ثواراً متصلين بالمغرب والقاهرة ، وبدأ القتل فيهم ، فثاروا بالفعل في غرناطة والبيازين والبشرات ، فمزقوا بلا رأفة .

وفي 20 يوليه 1501 أصدر الملكان فرديناند وإيزابيلا أمراً خلاصته : إنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة فإنه يحظر وجود المسلمين فيها .. ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال . فهاجرت جموع المسلمين إلى المغرب ناجية بدينها ومن بقي من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع .
يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:19 PM

10.
معركة الزلاقة
سقطت طليطلة التي كان يحكمها بنو ذو النون – الذين حكموها في فترة ملوك الطوائف بالأندلس مدة 78سنة – في يد ألفونسو ملك قشتالة النصراني عام 478هـ بمعاونة المعتمد ابن عباد صاحب إشبيلية ، بعد أن حكمهـا المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً ، وأحدث سقوطها دوياً عنيفا.

واشتدت وطأة النصارى على المسلمين وتوحدت جهود ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي كان يحكم جليقية وجزءا ًمن البرتغال ، مع سانشو الأول ملك أراجون ونافارا ، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة وأورجل ، وساروا بجيش مشترك وحاصروا مدناً وقلاعاً واحتلوا قرى وأحرقوا أراضي كثيرة ، وانتبه ابن عباد لخطئه بمعاونة النصارى فاجتمع مع أمراء الأندلس الآخرين في إشبيلية ثم في قرطبة واتفقوا على أن يرسلوا سفيراً إلى يوسف بن تاشفين سلطان دولة المرابطين في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا يلتمسون عونه وغوثه .

وجاءت وفود شعبية كثيرة لمدينة مراكش لنفس الغرض ، فاستشار ابن تاشفين مجلسه الاستشاري فوافقوا شرط أن يعطيه الأندلسيون الجزيرة الخضراء يجعل فيها أثقاله وأجناده ، وتكون حصناً له ، وليكون بها على اتصال بإفريقية .

ومع شدة ضغط ألفونسو على المسلمين في الأندلس دفع الأمراء الجزية له ، أو سلموا حصوناً له ، وسلم ابن عباد الجزيرة الخضراء للمرابطين ، وقال لابنه : ( أي بني ، والله لا يسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى ، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري ) ، وقال : ( إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين – لقب المرابطين - ، ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير الفرنج ) ، وقال لبعض حاشيته لما خوفوه من ابن تاشفين : ( تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية ، إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير) .

وقبل ابن تاشفين الدعوة ، ولما أنهى استعدادته أمر بعبور الجمال ، وفي ربيع الأول من عام 479هـ سار ابن تاشفين بجيشه من سبتة ، وما كاد السفن تنشر قلاعها حتى هاج البحر فصعد إلى مقدمة السفينة ، ورفع يديه نحو السماء ، ودعا الله مخلصاً : ( اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرا ًوصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر ، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه ) ، فهدأ البحر ، وجازت السفن سراعاً ، ولما وصلت إلى شاطئ الأندلس سجد لله شكراً .

وتسلم ابن تاشفين الجزيرة الخضراء ، وأمر بتحصينها أتم تحصين ، ورتب بها حامية مختارة لتسهر عليها ، وشحنها بالأقوات والذخائر لتكون ملاذاً أميناً يلتجئ إليه إذا هزم .

ثم غادرها جيشه إلى إشبيلية ، وتعهد كل أمير من أمراء الأندلس أن يجمع كل ما في وسعه من الجند والمؤن ، وأن يسير إلى مكان محدد في وقت معين ، ولبث ابن تاشفين في إشبيلية ثمانية أيام حتى يرتب القوات وتتكامل الأعداد ، وكان صائم النهار قائم الليل ، مكثراً من أعمال البر والصدقات ، ثم غادر إشبيلية إلى بطليوس، في مقدمة الجيش الفرسان يقودهم أبو سليمان داود بن عائشة ، وعددهم عشرة آلاف ، ثم قوات الأندلس عليهم المعتمد بن عباد ، ثم سار بعدهم - بيوم واحد - جيش المرابطين ، ولما وصلوا إلى بطليوس أقام هناك ثلاثة أيام .

ولما سمع ألفونسو بمقدم المرابطين وكان محاصراً سرقسطة تحالف مع ملك أراجون ، والكونت ريموند ، فانضما إليه ، وانضم إليه كذلك فرسان من فرنسا ، وجاءته الإمدادات من كل صوب من ملوك أوروبا ، وعمل الباباوات دوراً كبيراً في توجيه النصارى وحثهم على القتال .

وكان جيش المسلمين ثمانية وأربعين ألفاً نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين ، أما جيش ألفونسو فقد كان مائة ألف من المشاة وثمانين ألفاً من الفرسان ، منهم أربعون ألفاً من ذوي العدد الثقيلة ، والباقون من ذوي العدد الخفيفة .

وعسكر الجيشان قرب بطليوس في سهل تتخلله الأحراش ، سماه العرب الزلاقة ، وفرق بين الجيشين نهر صغير ، وضرب ابن تاشفين معسكره وراء ربوة عالية ، منفصلاً عن مكان الأندلسيين ، وعسكر الأندلسيون أمام النصارى ، ولبث الجيشان أمام بعضهما ثلاثة أيام راسل فيها ابن تاشفين النصارى يدعوهم للإسلام أو الجزية أو القتال فاختاروا الثالثة .

وتكاتب القائدان ، ومما كتبه ألفونسو: ( إن غداً يوم الجمعة وهو يوم المسلمين ، ولست أراه يصلح للقتال ، ويوم الأحد يوم النصارى ، وعلى ذلك فإني أقترح اللقاء يوم الاثنين ، ففيه يستطيع كل منا أن يجاهد بكل قواه لإحراز النصر دون الإخلال بيوم ) ، فقبل ابن تاشفين الاقتراح ، ومع هذا تحوط المسلمون وارتابوا من نيات ملك قشتالة ، فبعث ابن عباد عيونه لترقب تحركات معسكر النصارى ، فوجدوهم يتأهبون للقتال ، فارتدوا مسرعين لابن عباد بالخبر ، فأرسل الخبر إلى ابن تاشفين يعرفه غدر ألفونسو ، فاستعد ، وأرسل كتيبة لتشاغل ألفونسو وجيشه .

خطط المرابطون تخطيطاً جيداً ، إذ اتخذوا الجزيرة الخضراء خطاً للرجعة ، وحينما احتفظوا بقوة احتياطية تحتوي أشجع الجنود للانقضاض في الوقت المناسب على الأعداء ، وحينما قاتل جيشهم بنظام متماسك أربك النصارى ، وهو نظام الصفوف المتراصة المتناسقة الثابتة ، وكان النصارى معتادين على القتال الفردي .

تهيأ الطرفان للمعركة ، وسير ألفونسو القسم الأول من جيشه بقيادة جارسيان ورودريك لينقض بمنتهى العنف على معسكر الأندلسيين الذي يقوده المعتمد ، آملاً في بث الرعب في صفوف المسلمين ، ولكنهم وجدوا أمامهم جيشاً من المرابطين قوامه عشرة آلاف فارس بقيادة داود بن عائشة أشجع قادة ابن تاشفين ، ولم يستطع ابن عائشة الصمود لكثرة النصارى وعنف الهجوم ، لكنه استطاع تحطيم عنف الهجمة ، وخسر كثيراُ من رجاله في صد هذا الهجوم .

ولما رأى الأندلسيون كثرة النصارى هرب بعض أمرائهم ، بيد أن فرسان إشبيلية بقيادة أميرهم الشجاع المعتمد بن عباد استطاعوا الصمود وقاتلوا قتال الأسود الضواري ، يؤازرهم ابن عائشة وفرسانه .

وأيقن ألفونسو بالنصر عندما رأى مقاومة المعتمد تضعف ، وفي هذه اللحظة الحرجة وثب الجيش المرابطي المظفر إلى الميدان ، وقد كان مختبأ خلف ربوة عالية لا يرى ، وأرسل ابن تاشفين عدة فرق لغوث المعتمد ، وبادر بالزحف في حرسه الضخم ، واستطاع أن يباغت معسكر ألفونسو الذي كان يطارد ابن عباد حتى بعد قدوم النجدات التي أرسلها ابن تاشفين .

وفي تلك اللحظة يرى ألفونسو جموعاً فارة من النصارى ، وعلم أن ابن تاشفين قد احتوى المعسكر النصراني ، وفتك بمعظم حرسه ، وغنم كل ما فيه ، وأحرق الخيام ، فتعالت النار في محالهم ، وما كاد ألفونسو يقف على هذا النبأ حتى ترك مطاردة الأندلسيين ، وارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك ، وليسترد معسكره ، وقاتلوا الجيش المرابطي بجلد ، وكان ابن تاشفين يحرض المؤمنين على الجهاد ، وكان بنفسه يقاتل في مقدمة الصفوف يخوض المعركة في ذروة لظاها ، وقد قتلت تحته أفراس ثلاث ، وقاتل المسلمون قتال من يطلب الشهادة ويتمنى الموت .

ودام القتال بضع ساعات ، وسقطت ألوف مؤلفة وقد حصدتهم سيوف المرابطين ، وبدأت طلائع الموقعة الحاسمة قبل حلول الظلام ، فقد لاحظ ابن عباد وابن عائشة عند ارتدادهما في اتجاه بطليوس أن ألفونسو قد كف عن المطاردة فجأة ، وسرعان ما علما أن النصر قد مال إلى جانب ابن تاشفين ، فجمعا قواتهما وهرولا إلى الميدان مرة أخرى ، و أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين .

وكانت الضربة الأخيرة أن دفع يوسف ابن تاشفين بحرسه وقوامه أربعة آلاف إلى قلب المعركة ، واستطاع أحدهم أن يصل إلى ملك قشتالة ألفونسو وأن يطعنه بخنجر في فخذه طعنة نافذة ، وكانت الشمس قد أشرفت على المغيب ، وأدرك ألفونسو وقادته أنهم يواجهون الموت ، ولما جن الليل بادر ألفونسو في قلة من صحبه إلى التراجع والاعتصام بتل قريب ، ولما حل الليل انحدر ومن معه تحت جنح الظلام إلى مدينة قورية .

ولم ينج من جيش القشتاليين مع ملكهم سوى أربعمائة أو خمسمائة فارس معظمهم جرحى ، ولم ينقذ البقية من جيش ألفونسو سوى حلول الظلام حيث أمر ابن تاشفين بوقف المطاردة ، ولم يصل إلى طليطلة فيما بعد من الفرسان سوى مائة فارس فقط .

كل ما سبق كان في 12 رجب من سنة 479هـ ، وقضى المسلمون ليلهم في ساحة القتال يرددون أناشيد النصر شكراً لله عز وجل ، فلما بزغ الفجر أدوا صلاة الصبح في سهل الزلاقة ، ثم حشدوا جموع الأسرى ، وجمعوا الأسلاب والغنائم ، وأمر ابن تاشفين برؤوس القتلى فصفت في سهل الزلاقة على شكل هرم ، ثم أمر فأذن للصلاة من فوق أحدها ، وكان عدد الرؤوس لا يقل عن عشرين ألف رأس .

وذاع خبر النصر وقرئت البشرى به في المساجد وعلى المنابر ، وغنم المسلمون حياة جديدة في الأندلس امتدت أربعة قرون أخرى .

يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:20 PM

11

معركة العقاب
مرت دولة الموحدين بأدوار ثلاثة هي :
- دور نشوء وتأسيس ، ويتمثل بالمهدي بن تومرت ، وعبد المؤمن بن علي .

- دور العظمة ، ويتمثل بأبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ، ويعقوب المنصور ، وبداية عهد محمد الناصر .


- دور الضعف والسقوط ، وبدأ بعد هزيمة العقاب ، وحكم فيه ثمانية حكام . فما هي معركة العقاب التي كانت أكبر سبب في سقوط دولة الموحدين ؟

عاون القشتاليون الفرنسيين على محاربة الانجليز سنة 1204 م ، وبعد أن عقد الفرنسيون والإنجليز الصلح بتدخل البابا ، وأخذ ملك قشتالة ألفونسو يتأهب لمحاربة المسلمين بكل ماله من قوى ، فحصن قلعة ( مورا ) الواقعة على الحدود مع الأندلس الإسلامية سنة 1209م، ثم سار في جيش من القشتاليين وفرسان قلعة رباح إلى الأندلس ، فأحرق زروع الحقول ، ونهب القرى ، وقتل السكان ، وسبى منهم جموعاً كبيرة ، ثم عاد إلى قشتالة ودعا ملكي نافار وأراغون ووثق معهما عهود الصلح ، وحصل منهما على وعد بتأييده ، كل ذلك ليمحو وصمة هزيمة معركة الأرك .

وفي عام 1210م سار ألفونسو ثانية إلى الأندلس ، وخرب أراضي جيان وبياسة وأندوجار ، ووصل إلى بساتين مرسية ، وعاد إلى عاصمة ملكه طليطلة مثقلاً بالغنائم .

وحين ذاك أعلن سلطان الموحدين أبو عبد الله محمد الناصر الجهاد ، فحشد قوات كبيرة أرسلها من المغرب ، وقسمها إلى خمسة جيوش :

- الجيش الأول : من قبائل البربر .
- الجيش الثاني : من الجنود المغاربة .
- الجيش الثالث : من الجنود الموحدية النظامية .
- الجيش الرابع : من المتطوعة من جميع أنحاء المملكة .
- الجيش الخامس : هو جند الأندلس .
وقدر جيش أبي عبد الله محمد الناصر بنصف مليون مجاهد .

وفي 25 ذي القعدة سنة 607هـ ، مايو 1211م جاز الناصر بنفسه إلى الأندلس ، ونزل في جزيرة طريف ، ثم سار بعد أيام إلى إشبيلية .

وارتكب الناصر هنا خطأ فادحاً إذ أرسل خيرة جنده إلى حصن سلبطرة فأنهك بذلك قواهم ، ولبث الجيش أمام الحصن ثمانية أشهر وهو ممتنع عليه ، وأصر الناصر نزولاً على نصح وزيره أبي سعيد عثمان بن عبد الله بن إبراهيم ابن جامع ، الإسباني الأصل !!!، الذي كان الموحدون يشكون في صدق نياته ، وكان الناصر يضع فيه كل ثقته ، وأصر الوزير أن لا يتقدم الجيش قبل الاستيلاء على حصن سلبطرة ، وهكذا استمر الحصار طوال الصيف حتى دخل الشتاء ، وعانى المغاربة في الجبال الوعرة من قسوة الطقس ، كما أودى المرض بحياة آلاف منهم ، وأخذت وسائل التموين لهذا الجيش الضخم تصعب وتتعثر .

وأرسل ألفونسو ولده فرديناند على رأس جيش نفذ إلى ولاية ( استراما دوره ) محاولاً أن يرغم الموحدين على رفع الحصار ، ولكن المحاولة لم تنجح ومات فرديناند الذي أودت بحياته مشاق الحرب ، وسقطت قلعة سلبطرة أخيراً بيد الموحدين ، بسبب الجوع الذي حل بها بعد انتهاء مخزونها من التموين ، ولكن صمودها الكبير كان سببا ً في إنقاذ إسبانية النصرانية .

وراع هذا السقوط ألفونسو وجموع النصارى فخرج إلى قاصية أسبانيا مستنفراً الأمراء والفرسان فاجتمعت له جموع عظيمة من إسبانية نفسها ومن أوروبا حتى بلغ النفير إلى القسطنطينية .

وبعث البابا أنوسان الثالث إلى الأساقفة في جنوبي فرنسا بأن يعظوا رعاياهم بأن يسيروا بأنفسهم وأموالهم لمؤازرة ملك قشتالة ، وأنه – أي البابا – يمنح كل من لبى الدعوة الغفران التام .

وعقد ألفونسو مؤتمراً عقد في ( قونقة ) شهده بيدرو ملك أراغون ، ومندوبون من قبل باقي ملوك النصارى ، وقبل انتهاء الشتاء من عام 1211م اجتمعت في طليطلة عاصمة قشتالة قوات عظيمة من الفرنسيين والقشتاليين ومن فرسان قلعة رباح و الاسبتارية والداودية ، وكانت رئاسة المحاربين بيد الأساقفة ، ووصلت الإمدادات من ليون وجليقية والبرتغال ، وأرسلت إيطاليا وفرنسا مقادير عظيمة من المال والسلاح والمؤن فتمكن بذلك ألفونسو من إمداد الجنود بالرواتب المالية المغرية والهدايا النفيسة .

وأمر البابا بالصوم ثلاثة أيام والاكتفاء بالخبز والماء التماساً للنصر ، وارتدى الرهبان السواد وساروا حفاة ، وأقيمت الصلوات الخاصة في الكنائس طلباً للنصر .

وتأهب الجيش النصراني للسير ، وتقسم الجنود في ثلاثة جيوش ، وسار في الطليعة جيش الوافدين، في ستين ومائة ألف محارب ، وكان الجيش الثاني مؤلفاً من الأراغونيين والقطلونيين مع فرسان الداوية ، أما الجيش الثالث فهو أضخم الجيوش الثلاثة ويقوده الأمير القشتالي سانشو فرنانديز ، ويقدر عدده بثلاثين ألفاً .

وهاجم الجيوش النصرانية حصن ( مجلون ) وأبادوا جميع من فيه ، ثم هاجموا قلعة رباح حتى سقطت المدينة في أيديهم واستسلم قائد الموحدين في القلعة أبو الحجاج يوسف بن قادس على أن تنسحب الحامية بدون سلاح فوافق الطرفان على هذا ، وانسحب خمسون ألفاً من الجيش النصراني إلى بلادهم لأن ملك قشتالة لم يقتل الحامية .

وسار الملوك الثلاثة : ملك قشتالة وملك نافار وملك أرغون إلى مدينة سلبطرة فوجدوها محصنة فتركوها .

أما أبو عبد الله الناصر فإنه لما وصله ابن قادس مع الحامية أمر بقتله اعتقاداً منه أنه قصر في ذلك ، استماعاً منه لنصيحة ابن جامع وزيره المشبوه ، مما أثر على معنويات الجيش المسلم ، وغادر أبو عبد الله مع جيشه مدينة جيان نحو بياسة ، بينما احتل النصارى قلعة ( فرال ) ثم غادروها فاحتلها المسلمون على الأثر ، واختار النصارى مكاناً مرتفعاً يمكن أن ينحدر منه جيشهم دون أن يستطيع الجيش المسلم إعاقته .


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:21 PM

12

معركة مارتيزا
تولى السلطان مراد الأول السلطة في الدولة العثمانية سنة 761 هـ وعمره ستة وثلاثون عاماً ، فكان بذلك ثالث سلاطين الدولة العثمانية ، وكان شجاعاً مجاهداً ، فتح مدينة أدرنة عام 762 هـ ، وجعلها عاصمة الدولة ليكون على مقربة من الجهاد في أوروبا ، ومضى في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم .


وخاف الأمراء الأوروبيون الذين أصبح العثمانيون على حدودهم فكتبوا إلى ملوك أوروبا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين ، حتى إمبراطور القسطنطينية ذهب إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه ورجاه الدعم رغم الخلاف المذهبي بينهما ، فلبى البابا النداء وكتب إلى ملوك أوروبا عامة يطلب منهم الاستعداد للقيام بحرب صليبية جديدة حفاظاً عل النصرانية من التقدم الإسلامي الجديد .

ولكن السلطان مراد انطلق يفتح مقدونيا ، فتكون تحالف أوروبي بلقاني صليبي سريع باركه البابا ، وضم الصربيين والبلغاريين والمجريين والبوسنيين ، وسكان إقليم والاشيا .

وقد استطاعت الدول الأعضاء في التحالف الصليبي أن تحشد جيشاً بلغ عدده ستين ألف جندي وسـار الجميع نحو أدرنـة ، غير أنه قد تصـدى لهم القائـد العثمـاني ( لالاشاهين ) بقوة تقل عدداً عن القوات المتحالفة ، وقابلهم على نهر مارتيزا – نهر صغير ينبع من غربي بلغاريا ويمر على أدرنة ثم يصب في بحر إيجه - ، حيث وقعت معركة مروعة وانهزم الجيش المتحالف ، وهرب الأميران الصربيان ، ولكنهما غرقا في نهر مارتيزا ، ونجا ملك المجر بأعجوبة من الموت ، أما السلطان مراد الأول فكان في هذه الأثناء مشتغلاً بالقتال في فتح آسيا الصغرى .

وكان من نتائج انتصار العثمانيين على نهر مارتيزا أمور مهمة منها :
1. تم لهم فتح تراقيا ومقدونيا ووصلوا إلى جنوب بلغارا وإلى شرقي صربيا .
2. أصبحت مدن وأملاك الدولة البيزنطية وبلغاريا وصربيا تتساقط في أيديهم كأوراق الخريف .


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:22 PM

13

معركة وادي المخازن ( القصر الكبير )
تربع ( سبستيان ) عام 1557م على عرش إمبراطورية البرتغال التي يمتد نفوذها على سواحل إفريقية وآسية وأمريكية ، فتطلع إلى استخلاص الأماكن المقدسة المسيحية في المشرق من يد المسلمين .

فاتصل بخاله ملك أسبانيا ( فيليب الثاني ) يدعوه للمشاركة بحملة صليبية جديدة على المغرب العربي كي لا تعيد الدولة السعدية بمعاونة العثمانيين الكرة على الأندلس .


أما حكام المغرب الأشراف السعديون فهم من نسل محمد بن انفس الزكية من آل البيت النبوي ، فبعد دولة المرابطين قامت دولة الموحدين ثم دولة بني مرين ثم دولة وطاس ، ثم قامت دولة الأشراف السعديين .

وكان من حكامهم محمد المتوكل على الله وكان فظاً مستبداً ظالماً قتل اثنين من إخوته عند وصوله إلى الحكم ، وأمر بسجن آخر ، فكرهته الرعية ، فرأى عمه عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه ، فأضمر المتوكل الفتك بعميه عبد الملك وأحمد ففرا منه مستنجدين بالعثمانيين ، الذين كتبوا إلى واليهم على الجزائر ليبعث مع عبد الملك خمسة آلاف من عسكر الترك يدخلون معه أرض المغرب الأقصى ليعيدوا له الحكم الذي سلبه منه المتوكل الظالم .

وعندما دخل عبد الملك المغرب مع الأتراك ، وانتصر في معركة قرب مدينة فاس ، وفر المتوكل من المعركة ، ودخل عبد الملك فاس سنة 983هـ وولى عيها أخاه أحمد ، ثم ضم مراكش ، ففر المتوكل إلى جبال السوس ، فلاحقته جيوش عمه حتى فر إلى سبتة ، ثم دخل طنجة مستصرخاً بملك البرتغال سبستيان ، بعد أن رفض ملك أسبانيا معونته .

أراد ملك البرتغال الشاب محو ما وصم به عرش البرتغال خلال فترة حكم أبيه من الضعف والتخاذل ، كما أراد أن يعلي شأنه بين ملوك أوروبا فجاءته الفرصة باستنصار المتوكل به على عميه وبن جلدته ، مقابل أن يتنازل له عن جميع شواطئ المغرب .

استعان سبستيان بخاله ملك أسبانيا فوعده أن يمده بالمراكب والعساكر ما يملك به مدينة العرائش لأنه يعتقد أنها تعدل سائر مراسي المغرب ، ثم أمده بعشرين ألفاً من عسكر الأسبان ، وكان سبستيان قد عبأ معه اثني عشر ألفاً من البرتغال ، كما أرسل إليه الطليان ثلاثة آلاف ، ومثلها من الألمان وغيرهم عددا ًكثيراً ، وبعث إليه البابا بأربعة آلاف أخرى ، وبألف وخمس مائة من الخيل ، واثني عشر مدفعا ً ، وجمع سبستيان نحو ألف مركب ليحمل هذه الجموع إلى العدوة المغربية . وقد حذر ملك أسبانيا ابن أخته عاقبة التوغل في أرض المغرب ولكنه لم يلتفت لذلك .

مسيرة الجيشين إلى وادي المخازن :

الجيش البرتغالي : أبحرت السفن الصليبية من ميناء لشبونة باتجاه المغرب يوم 24 يونيو 1578م ، وأقامت في لاكوس بضعة أيام ، ثم توجهت إلى قادس وأقامت أسبوعاً كاملاً ، ثم رست بطنجة ، وفيها لقي سبستيان حليفه المتوكل ، ثم تابعت السفن سيرها إلى أصيلا ، وأقام سبستيان بطنجة يوماً واحداً ، ثم لحق بجيشه .

الجيش المغربي : كانت الصرخة في كل أنحاء المغرب : ( أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله ) ، فتجمعت الجموع الشعبية وتشوقت للنصر أو الشهادة ، وكتب عبد الملك من مراكش إلى سبستيان : ( إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك ، وجوازك العدوة ، فإن ثبت إلى أن نقدم عليك ، فأنت نصراني حقيقي شجاع ، وإلا فأنت كلب بن كلب ) . فلما بلغه الكتاب غضب واستشار أصحابه فأشاروا عليه أن يتقدم ، ويملك تطاوين والعرائش والقصر ، ويجمع ما فيها من العدة ويتقوى بما فيها من الذخائر ، ولكن سبستيان تريث رغم إشارة رجاله ، وكتب عبد الملك إلى أخيه أحمد أن يخرج بجند فاس وما حولها ويتهيأ للقتال ، وهكذا سار أهل مراكش وجنوبي المغرب بقيادة عبد الملك وسار أخوه أحمد بأهل فاس وما حولها ، وكان اللقاء قرب محلة القصر الكبير .

قوى الطرفين :

الجيش البرتغالي : 125000 مقاتل وما يلزمهم من المعدات ، وأقل ما قيل في عددهم ثمانون ألفاً ، وكان منهم 20000 أسباني ،3000 ألماني ، 7000 إيطالي ، مع ألوف الخيل ، وأكثر من أربعين مدفعاً ، بقيادة الملك الشاب سبستيان ، وكان معهم المتوكل بشرذمة تتراوح ما بين 300-6000على الأكثر .
الجيش المغربي : بقيادة عبد الملك المعتصم بالله ، المغاربة المسلمون 40000مجاهد ، يملكون تفوقاً في الخيل ، مدافعهم أربعة وثلاثون مدفعاً فقط ، لكن معنوياتهم عالية ؛ لأنهم غلبوا البرتغاليين من قبل وانتزعوا منهم ثغوراً ، وهم يعلمون أن نتيجة المعركة يتوقف عليها مصير بلادهم ، ولأن القوى الشعبية كانت موجودة في المعركة وكان لها أثرها في شحذ الهمم ورفع المعنويات متمثلة في الشيوخ والعلماء .

قبيل المعركة :

اختار عبد الملك القصر الكبير مقراً لقيادته ، وخصص من يراقب سبستيان وجيشه بدقة ، ثم كتب إلى سبستيان مستدرجاً له : ( إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة ، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي ) فنصحه المتوكل ورجاله أن لا يترك أصيلا الساحلية ليبقى على اتصال بالمؤن والعتاد والبحر ، ولكنه رفض النصيحة فتحرك قاصدا ًالقصر الكبير حتى وصل جسر وادي المخازن حيث خيم قبالة الجيش المغربي ، وفي جنح الليل أمر عبد الملك أخاه أحمد المنصور في كتيبة من الجيش أن ينسف قنطرة جسر وادي المخازن ، فالوادي لا معبر له سوى هذه القنطرة .

وتواجه الجيشان بالمدفعيتين ، وبعدهما الرماة المشاة ، وعلى المجنبتين الفرسان ، ولدى الجيش المسلم قوى شعبية متطوعة بالإضافة لكوكبة احتياطية من الفرسان ستنقض في الوقت المناسب .

المعركة :

في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ الموافق 4 أغسطس 1578م وقف السلطان عبد الملك يحرض الجيش على القتال ، ولم يأل القسس والرهبان جهداً في إثارة حماس جند أوروبا مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحروب .

وانطلقت عشرات الطلقات النارية من الطرفين كليهما إيذاناً ببدء المعركة ، وبرغم تدهور صحة السلطان عبد الملك الذي رافقه المرض وهو في طريقه من مراكش إلى القصر الكبير خرج بنفسه ليرد الهجوم الأول ، ولكن المرض غالبه فغلبه فعاد إلى محفته، وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ، ومات وهو واضع سبابته على فمه مشيراً أن يكتموا الأمر حتى يتم النصر ، ولا يضطربوا ، وكذلك كان فلم يطلع على وفاته إلا حاجبه وأخوه أحمد المنصور ، وصار حاجبه يقول للجند : ( السلطان يأمر فلاناً أن يذهب إلى موضع كذا ، وفلاناً أن يلزم الراية ، وفلاناً يتقدم ، وفلاناً يتأخر ) ، وفي رواية : إن المتوكل دس السم لعمه عبد الملك قبل اللقاء ليموت في المعركة فتقنع الفتنة في معسكر المغاربة .

ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وأوقدت النار في بارود البرتغاليين ، واتجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم أيضاً فلم يقف البرتغاليون لقوة الصدمة ، فتهالك قسم منهم صرعى ، وولى الباقون الأدبار قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن ، فإذا هي أثر بعد عين ، نسفها المسلمون ، فارتموا بالنهر ، فغرق من غرق ، وأسر من أسر ، وقتل من قتل .

وصرع سبستيان وألوف من حوله بعد أن أبدى صموداً وشجاعة تذكر ، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن ، ووجدت جثته طافية على الماء ، فسلخ وملئ تبناً وطيف به في أرجاء المغرب حتى تمزق وتفسخ .

دامت المعركة أربع ساعات وثلث الساعة ، ولم يكن النصر فيها مصادفة ، بل لمعنويات عالية ، ونفوس شعرت بالمسؤولية ، ولخطة مدروسة مقررة محكمة .

وتنجلي المعركة عن نصر خالد في تاريخ الإسلام ، وعن موت ثلاثة ملوك : صليبي مجندل وهو سبستيان ملك أعظم إمبراطورية على الأرض آنذاك ، وخائن غريق مسلوخ وهو محمد المتوكل ، وشهيد بطل وهو عبد الملك المعتصم بالله فاضت روحه ، وسيذكره التاريخ يفخر بإخلاصه وحكمته وشجاعته وفروسيته .

أسباب النصر :

1- آلام المسلمين من سقوط غر ناطة وضياع الأندلس ومحاكم التفتيش جراح لم تندمل بعد ، وهي ماثلة أمامهم .

2- الخطة المحكمة المرسومة بدقة ، واستدراج الخصم لميدان تجول فيه الخيول وتصول ، مع قطع طرق تموينه وإمداده ، ثم نسف القنطرة الوحيدة على نهر وادي المخازن .

3- المشاركة الفعالة للقوى الشعبية بقيادة العلماء والشيوخ ، مليئة بالإيمان وحب الشهادة وبروح عالية لتحقيق النصر حتى قاتل البعض بالمناجل والعصي .

4- تفوق المدفعية المغربية على مدفعية الجيش البرتغالي مع مهارة في التصويب والدقة .

5- وكانت خيل المسلمين أكثر من خيل النصارى ويلائمها السهل الذي انتقاه السلطان للمعركة .

6- وكان سبستيان في جانب ومستشاروه وكبار رجالاته في جانب آخر .


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:23 PM

14

الحرب العالمية الثانية
أسباب الحرب

تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى التي غيرت رسم خريطة العالم وخاصة أوروبا.
إبرام معاهدات عقابية خاصة لألمانيا في معاهدة فرساي سنة 1919. (خسرت ألمانيا بموجب هذه المعاهدة 12.5% من مساحتها و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي و10% من صناعتها و74% من إنتاجها من خام الحديد). ونصت معاهدة فرساي على ألا يزيد الجيش الألماني على مائة ألف جندي، ودفع تعويضات كبيرة للحلفاء.
ظهور النازية بألمانيا في يناير/ كانون الثاني 1933، والفاشية بإيطاليا في أكتوبر/ تشرين الأول 1922.
قيام حلف جديد عرف بدول المحور يضم ألمانيا وإيطاليا ثم انضمت إليه بعد ذلك اليابان.

بداية الحرب :

كان احتلال هتلر للنمسا في مارس/ آذار 1938 ثم تشيكوسلوفاكيا في العام الموالي وبولندا في سبتمبر/ أيلول 1939 ثم تهديد إيطاليا بغزو ألبانيا، سببا مباشرا في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على دول المحور.

واشتعلت الحرب في أوروبا وكان الجيش الألماني متقدما على جميع الجبهات الأوروبية، فقد احتل أغلب الدول ودخلت قواته باريس. إلا أن مهاجمته للاتحاد السوفياتي في يونيو/ حزيران 1941 جعلته يترك ظهره للبريطانيين.

الولايات المتحدة والحرب

القضاء على مبدأ مونرو
قامت سياسة الولايات المتحدة منذ بداية عشرينيات القرن التاسع عشر على ما عرف حينها بمبدأ مونرو أو مبدأ الحياد، وهو إعلان أطلقه الرئيس الأميركي جيمس مونرو سنة 1823 وقد نص مبدأ مونرو الذي تم طرحه في خطاب أمام الكونغرس الأمريكي على:

ضرورة عدم مد الدول الأوروبية نفوذها الإستعماري نحو أميركا.
التزام الولايات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات الأوروبية.
إلا أن هذا المبدأ ما لبث أن تم التخلي عنه بعد قرن من إقراره حيث تبنى الرئيس وودرو ويلسون (1913-1921) الدعوة الى الحرب واستخدام القوة العسكرية، ومع أن أهمية التمسك بمدأ مونرو ظلت تتردد في الأوساط السياسية الاميركية، إلا أن مجيء فرانكلين روزفلت الى الرئاسة (1933 – 1845) قضى على هذا المبدأن ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أميركا تنتهج خطأ عسكرياً مؤثراً في الاحداث الدولية وتهدد أمن كل من يقف أمام المصالح الاميركية اعتماداً على الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة. وكان أبرز عملية عسكرية قامت بها أميركا في الحرب العالمية الثانية هي:

الإنزال بالنورماندي
في 6 يونيو /حزيران 1944 قامت قوات الحلفاء بقيادة الجنرال الأميركي دوايت أزنهاور الذي سيصبح فيما بعد رئيس الولايات المتحدة بإنزال عسكري في شمال فرنسا على شاطئ النورماندي. ود تم إنزال أكثر من 200 ألف جندي أغلبهم أميركيين والبقية بريطانيون وكنديون وفرنسيون.
وقد تم التخطيط للعملية التي تعد أكبر إنزال عسكري في القرن العشرين في بريطانيا وقد تم تحرير المنطقة من الجيش الألماني بعد أن كانت الخاسرئر في الطرفين تقدر بـ 3 آلاف قتيل و6 آلاف ما بين جريح وأسير ومفقود.

معركة بيرل هاربور
قامت أميركا في عهد فرانكلين روزفلت بفرض حظر بترولي على اليابان ومنع تصدير الحديد إليها تعاطفا مع حلفائها التقليديين البريطانيين والروس، فما كان من اليابان إلا أن هاجمت القطع البحرية الأميركية في ميناء بيرل هاربر بالمحيط الهادي في ديسمبر/ كانون الأول 1941 مغرقة أكثرها.
وقبل نهاية 1942 هزم الأميركيون الأسطول الياباني في معركة "ميداوي"، وهُزم القائد الألماني رومل في العلمين بمصر كما هزمت القوات الألمانية في ستالنغراد بالاتحاد السوفياتي، فبدأت هزيمة دول المحور تلوح في الأفق ودخل الحلفاء ألمانيا في ديسمبر/ كانون الأول 1944. كما أعدم الثوار الإيطاليون "موسوليني" وعلقوه من قدميه في أحد أعمدة الإنارة بميلانو. وانتحر هتلر يوم 30 أبريل/ نيسان 1945 فاستسلمت ألمانيا.

القنبلة الذرية ونهاية الحرب

كانت اليابان آخر دول المحور انهزاما، فلم توقف الحرب إلا بعد قصف مدينتيها هيروشيما وناغازاكي بأولى قنبلتين ذريتين في التاريخ، وإثر ذلك وقعت اليابان وثيقة الاستسلام بدون قيد أو شرط يوم 2 سبتمبر/ أيلول 1945، وبعدها بثلاثة أيام ارتفع العلم الأميركي فوق طوكيو.

خسائر الحرب العالمية الثانية

انتهت الحرب العالمية الثانية بعد ست سنوات من القتال الشرس، خسرت فيها البشرية حوالي 17 مليونا من العسكريين وأضعاف هذا العدد من المدنيين.

ومن أبرز نتائج تلك الحرب وخسائرها إسقاط قنبلتين ذريتين على اليابان، فالأولى كانت قنبلة يورانيوم تزن أكثر من 4.5 أطنان وتم إسقاطها في الساعة 8:15، وقد أخطأت الهدف قليلا وسقطت على بعد 800 قدم منه. وبعد ذلك بدقيقة واحدة قتل 66 ألف شخص وجرح 69 ألفا بسبب التفجير المتكون من 10 آلاف طن.

أما الثانية فكانت قنبلة بلوتونيوم وتم إسقاطها في وسط ناغازاكي، وفي لحظة واحدة انخفض عدد سكان المدينة من 422 ألفا إلى 383 ألفا لأن 39 ألفا قتلوا و25 ألفا جرحوا.

نتائج الحرب السياسية

كانت الولايات المتحدة وراء تشكيل كل من عصبة الأمم، ومن بعدها الأمم المتحدة. فالعصبة أنشئت برأي من الرئيس الأميركي الثاني والعشرين توماس ويلسون، بينما كانت الثانية بمبادرة من الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة هاري ترومان،
وقد حاولت الولايات المتحدة، من خلال الأمم المتحدة، مواجهة القوى الأوروبية الصاعدة التي يمتد نفوذها وراء البحار (بريطانيا وفرنسا تحديداً) والاتحاد السوفيتي الذي أخذ نفوذه يتسع. ومن خلال المنظمة الدولية ستملك أميركا -وفق هذا المنظور- آلية للمنافسة مع هذين العملاقين اللذين يجب احتواءهما داخل إطار المجتمع الدولي. ولتقليص نفوذ الدور الأوروبي، شجعت الولايات المتحدة تنفيذ حق تقرير المصير للمستعمرات ليس لأنها ضد الاستعمار. كما كان مشروع مارشال الذي وضعته الولايات المتحدة لإعادة بناء أوروبا المدمرة، مسهما في إبقاء هذه الدول مدينة للولايات المتحدة، إضافة إلى أن هذا المشروع البرنامجي أسهم في إشراك النفوذ الأميركي في صياغة النظم السياسية والتأثيرات الحربية المباشرة في أوروبا.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:23 PM

15

الحروب الروسية التركية
الحروب الروسية التركية نزاعٌ بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية (تركيا الآن) استمر نحو ثلاثة قرون دون انقطاع تقريبًا منذ القرن السابع عشر الميلادي.

أعلنت روسيا الحرب على تركيا المتداعية آنذاك في سبيل توسعها الكبير وتحقيق الهدف الأول لبطرس الأول الكبير وهو الوصول إلى البحر الأسود. كان الأتراك قد آزروا تتار القرم، الأعداء القدامى للروس. وظلت روسيا حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي تتجنب الدخول في حرب مباشرة مع الأتراك لأن الدولة العثمانية كانت هي الأقوى. لكن الضعف بدأ يدبّ في أوصال دولة العثمانيين، واشتدت قوة الروس وشرعوا في التوسع نحو البحر الأسود والبلقان، وكان الأتراك يسيطرون على هاتين المنطقتين. وتركَّزت محاولات الدولة العثمانية في المقام الأول على الدفاع عن نفسها.

شن بطرس الأكبر ـ ومن بعده كاثرين ملكة روسيا ـ حروبًا عنيفة على الأتراك، حيث أجبرهم بطرس الأكبر على التراجع عن معظم المنطقة التي تعرف الآن بأوكرانيا، بينما غزت جيوش كاثرين القرم وأكملت غزو الأراضي الجنوبية لإقامة المستعمرات الروسية، وأرغمت الأتراك أيضًا على السماح للسفن التجارية الروسية بالإبحار في البحر الأسود، وانتزعت امتيازات معينة للنصارى الأرثوذوكس الذين يعيشون في الدولة العثمانية. واستغلت روسيا هذا فيما بعد في الادعاء بأنها الحامية الرسمية لهؤلاء النصارى، مما أدى إلى وقوع الكثير من المتاعب، من بينها اندلاع حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

وتحالفت روسيا والنمسا ضد العثمانيين في جميع الحروب الثلاث التي وقعت خلال القرن الثامن عشر الميلادي (1736-1739، 1768- 1774، 1787- 1792). وتحالفت روسيا والدولة العثمانية، لفترة قصيرة، في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً. وفي القرن التاسع عشر الميلادي، نشبت بينهما أربع حروب (1806-1812م و 1828-829م و 1853- 1856م و 1877- 1878م)، وفي نهاية الحرب الأولى، غنمت روسيا منطقة بيساربيا، واكتسبت موقعًا خاصًا في البلقان، وخرجت من الحرب الثانية مسيطرة على الساحل الشرقي للبحر الأسود. أما الحرب الثالثة، وهي المعروفة بحرب القرم، فقد انتصر فيها الأتراك، وخسرت روسيا هيمنتها على البلقان ومنطقة البحر الأسود، ثم استعادت بعض ماخسرته في الحرب الرابعة حينما وقَّع البلدان معاهدة سان ستيفانو.

وأدى تحالف تركيا مع ألمانيا عام 1914م مباشرة، إلى حرب روسية تركية جديدة، كانت جزءًا من الحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا تأمل في الاستيلاء على القسطنطينية ومضيق الدردنيل. وفي الحرب العالمية الثانية؛ انضمت روسيا وتركيا إلى الحلفاء.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:24 PM

16

حرب البوير والإنجليز
حرب البوير والإنجليز حربان وقعتا في جنوب إفريقيا، بين البريطانيين والبوير (شعب ينحدر بصفة أساسية من الهولنديين).

نشبت الحرب الأولى بين البوير والإنجليز ما بين عامي 1880م و1881م. بينما وقعت الحرب الثانية بين عامي 1899 و1902م وتعرف هاتان الحربان في المملكة المتحدة بحرب البوير.


الحرب الأولى بين البوير والإنجليز


أسباب الحرب. اندلعت الحرب الأولى بين البوير والإنجليز عندما حاولت الحكومة البريطانية توحيد مستعمراتها في جنوب إفريقيا وهي: الكاب، وناتال مع جمهوريات البوير، وهي: الترانسفال وولاية أورانج الحرة، بغرض تشكيل اتحاد فيدرالي.

عندما صار اللورد كارنافون سكرتيرًا للمستعمرات عام 1874م، بدأ في التفاوض من أجل تحقيق هذه الغاية. انهارت المفاوضات عام 1877م. فأرسل اللورد كارنافون، السير ثيوفيلس شيستون لضم الترانسفال. سافر مندوبان من البوير إلى لندن للاحتجاج على الضم، ولكنهما لم يحرزا شيئًا. نتيجة لذلك، قرر البوير إجبار القوات البريطانية على الخروج بالقوة. وفي 1880م انتخب البوير كلا من باول كروجر وبييه جوبير وبريتوريوس قادة لهم لتحقيق هذه الغاية.


الحرب. حدث أول اشتباك في بوتشيفستروم في 16 ديسمبر 1880م، عندما اجتاح البوير حامية بريطانية. وبعد أربعة أيام، هزموا رتلاً بريطانيًا بقيادة الكولونيل فيليب أنستروتر عند برونهور ستسبرويت خارج بريتوريا.

وفي 27 فبراير 1881م هُزمت القوات البريطانية هزيمة نكراء في معركة ماجوبار. واعترف البريطانيون بالهزيمة، ومنحوا الترانسفال الاستقلال.


الحرب الثانية بين البوير والإنجليز

خريطة للحرب الثانية بين البوير والإنجليز بدأت الحرب الثانية بين البوير والإنجليز بحصار وغارات الفدائيين، ولكنها انتهت كحرب استنزاف.


أسباب الحرب. نشبت حرب البوير والإنجليز الثانية نتيجة لتجدد الجهود البريطانية لاستعادة السيطرة على الترانسفال التي كان قد أعيد تسميتها جمهورية جنوب إفريقيا. في عام 1886م اكتشف المنقبون الذهب في ويتواترزراند. وأخذت الثروة المتنامية في الترانسفال تهدد بقلب ميزان القوى في جنوب إفريقيا لغير صالح المستعمرات البريطانية، وكان البريطانيون ـ لأسباب اقتصادية ـ حريصين على السيطرة على القارة الإفريقية، وبدا أن السيطرة على جمهورية إفريقيا مفتاح ذلك.

نشأ التوتر في داخل الجمهورية بين حكومة البوير المحافظة برئاسة باول كروجر واليوتلاندرز (المهاجرون الذين يعملون في حقول الذهب). كان العديد من الرأسماليين الذين يعملون وسط اليوتلاندرز يعتقدون أن حكومة كروجر غير قادرة على مواجهة متطلبات التعدين على مستويات عميقة. وتشمل هذه المتطلبات: توفير الخدمات الضرورية، وإمداد العمال وإدارتهم. وكان اليوتلاندرز أيضًا غير راضين عن حق الاقتراع. وكانوا في الواقع قد وعدوا بحق الاقتراع بعد قضاء خمس سنوات في الجمهورية. وفي عام 1890م تم تمديد هذه المدة إلى 14عامًا.

وقد أجري هذا التعديل للحيلولة دون حصول اليوتلاندرز على نفوذ سياسي، ومن ثم تغيير السياسات المحافظة لحكومة جنوب إفريقيا الهولندية، التي كانت تؤيد بصفة تقليدية الاهتمامات الزراعية.

في عام 1895م حاول رئيس الوزراء، سيسل جون رودس، استغلال مظالم اليوتلاندرز من أجل ضم الجمهورية. وخططت مجموعة من اليوتلاندرز في ويتواترزراند عرفت باسم لجنة الإصلاح للقيام بانتفاضة في جوهانسبرج كان من المقرر أن تقوم مجموعة مسلحة من شرطة شركة رودس البريطانية بجنوب إفريقيا بدعم الثورة، وأن يقود هذه القوة ليندر ستار جيمسون من بتسوانالاند المجاورة. وقد تم هذا التخطيط بكامل علم وإذن سكرتير المستعمرات البريطانية جوزيف تشمبرلين، إلا أن انتفاضة اليوتلاندرز هذه لم تتم، إذ إن جيمسون الذي غزا الجمهورية على الرغم من هذه النكسة، هُزم وقبض عليه البوير. فأنهى ذلك حياة رودس السياسية، وغُض الطرف عن دور تشمبرلين في تلك المسألة.

أدت غارة جيمسون إلى زيادة التوتر بين البريطانيين والجمهورية. وأعاد كروجر تسليح مواطنيه ببنادق ألمانية الصنع، وأنشأ مدفعية صغيرة. وفي عام 1897م وقع تحالفًا عسكريًا دفاعيًا مع جمهورية البوير المجاورة لدولة أورانج الحرة. عززت غارة جيمسون أيضًا موقف القوى المحافظة في الأوساط السياسية في الجمهورية. نتيجة لذلك حقق كروجر نصرًا في الانتخابات الرئاسية في عام 1898م. منذ ذلك الحين لم يعد كروجر، يثق في الحكومة البريطانية، وبصفة خاصة في جوزيف تشمبرلين، وأصبح من الصعب على كلا الطرفين حل خلافاتهما بالتفاوض.

حفز فشل غارة جيمسون البريطانيين على تجديد محاولاتهم للسيطرة على الجمهورية. وفي مايو 1897م بعث تشمبرلين باللورد ألفريد ميلنر إلى جنوب إفريقيا مفوضًا ساميًا. كان مفتاح التدخل البريطاني في الجمهورية هو ما يسمى بمسألة اليوتلاندرز، التي عزم كل من تشمبرلين وميلنر على استغلالها إلى أقصى حد. أمل الاثنان على إحداث تغيير في الحكومة الجمهورية، حكومة تكون في صالح البريطانيين، وتقبل نوعًا من الاتحاد الفيدرالي مع جنوب إفريقيا ـ كان يساعدها على ذلك مجموعة من مواطني جنوب إفريقيا موالية للبريطانيين تسمي نفسها عصبة جنوب إفريقيا.

نظر تشمبرلين إلى التدخل في الجمهورية على أنه زيادة في الضغط على حكومتهم، ولكن ميلنر كان يفضل إجراءات أقوى. واعتمادًا على المعلومات والمطالب التي رفعتها عصبة جنوب إفريقيا، استخدم ميلنر مسألة اليوتلاندرز لإقناع تشمبرلين والرأي العام البريطاني أن اليوتلاندرز هم رعايا بريطانيون مضطهدون. وعرض صورة لهم، وهم يعانون من حكومة رجعية قمعية لا تعترف لهم بأي حقوق. ودعمت مقاومة كروجر للتدخل البريطاني ورفضه وتغيير قانون حق الاقتراع وجهة النظر هذه.

عندما ازدادت العلاقات سوءًا بين بريطانيا والجمهورية رتّب كل من اشتاين رئيس دولة أورانج الحرة، ووليم شراينر الذي كان رئيسًا لوزراء الكاب، مؤتمرًا بين ميلنر وكروجر، في بلومفونتين في مايو 1899م. عرض كروجر تخفيض مدة حق الاقتراع بالنسبة لليوتلاندرز إلى سبعة أعوام، ولكنه طالب مقابل ذلك بتنازلات من جانب البريطانيين. لم يكن ميلنر مستعدًا للمساومة، وأصر على منح غير مشروط لحق الاقتراع بعد خمسة أعوام.

جعل انهيار هذه المفاوضات؛ أمر قيام هذه الحرب أكثر احتمالاً. نتيجة لذلك طالب ميلنر بإرسال عشرة آلاف جندي إلى جنوب إفريقيا من بريطانيا. فأتت الجمهورية في اللحظات الأخيرة بمحاولات للتفاوض، إلا أنها فشلت. لم يكن ميلنر في الواقع راغبًا في المساومة، وكان يعتقد أن بإمكانه تحقيق الأفضل بالاحتلال. في التاسع من أكتوبر 1899م بعثت الجمهورية بإنذار إلى بريطانيا. ودعت إلى انسحاب القوات البريطانية وتسوية جميع الخلافات بالتحكيم. رفضت بريطانيا الإنذار، وأعلنت الحرب بعد يومين من ذلك.



الحرب الثانية بين البوير والإنجليز شهدت قتالاً شرسًا في معركة ماجرزفونتين في ديسمبر 1899م.
الحرب. بدأت الحرب كصراع تقليدي. وبحلول أكتوبر 1899م كان البوير قد حشدوا نحو 35 ألف مدني، وهاجموا الحاميات البريطانية الصغيرة في مستعمرتي الكاب وناتال. حدث التقدم الرئيسي للبوير بقيادة قائد الجمهورية الجنرال بييه جوبير، على طول خط السكك الحديدية صوب ناتال، وجرت بعض المناوشات الأولية بالقرب من دنُدي. تقهقرت القوات البريطانية بقيادة الجنرال هوايت نحو ليدي سميث في 30 أكتوبر، حيث تم حصارها هناك. إلى الغرب، كانت قوات البوير تحت قيادة الجنرال بييه كرونجي قد فرضت حصارًا على مدينة السكك الحديدية مافكينج (تسمى الآن مافيكنج) وحاصر الجنرال كوس دولاري مدينة كيمبرلي التعدينية، وعبرت فرق البوير العسكرية نهر الأورانج، واحتلت العديد من المدن مثل: أليوال نورث ودوردريخت. كسب البوير عمليات الحصار، إلا أن تقدمهم كان أبطأ، مما أتاح بعض الوقت للبريطانيين لطلب تعزيزات. في 31 أكتوبر وصل الجنرال ردفرز بولر إلى كيب تاون كقائد أعلى للقوات المسلحة البريطانية، فكر في محاولة وقف تقدم البوير في ناتال. وأرسل الجنرال اللورد ميثووين لإنقاذ كيمبرلي، وتوجّه اللواء السير وليم جات إلر مع الجنرال جون فرينش للدفاع عن الحدود الشمالية الشرقية للكاب.

وفي 11 ديسمبر صد دولاري هجوم ميثووين على أعقابه في معركة ماجرز فونتين. وبعد يومين أصبحت محاولة بولر لإنقاذ ليدي سميث كارثة عندما لقي هزيمة كبرى في كولنسو. وتعرض لخسائر فادحة في سبيوونكوب وفالكرانس في يناير وفبراير عام 1900م. وفي 20 ديسمبر، هُزم جات إيكر هزيمة نكراء عندما كان يحاول طرد البوير من تقاطع شتورمبيرج.

نتيجة لهذه الهزائم خسر بولر موقعه كقائد أعلى، ثم شغل المنصب المشير اللورد روبرتس الذي وصل في يناير
1900م مع اللورد كتشنر كرئيس لهيئة الأركان. ووصلت معهما آلاف التعزيزات من الرجال. أعد روبرتس العدة لغزو دولة أورانج الحرة واضعًا في تقديره نجدة كيمبرلي ومافيكنج في أثناء ذلك. سارت هذه الاستراتيجية كما ينبغي؛ ففي 15 فبراير قام الجنرال فرينش بنجدة كيمبرلي. وانقطع كرونجي في ماجرز فونتين فتقهقر إلى داخل دولة الأورانج الحرة، وتم حصاره في باردبيرج. وفي 27 فبراير استسلم لروبرتس الذي دخل بلومفونتين عاصمة دولة أورانج الحرة في 13 مارس.

في 28 فبراير حُررت ليدي سميث، بعد أن استخدم بولر المدفعية لفك الحصار. وفي 17 مارس اجتمع قادة البوير المندحرون في كرونشتاد لوضع استراتيجيتهم المستقبلية. كان العديد من أتباعهم قد استسلم أصلاً لروبرتس، ولكن على الرغم من ذلك قرر القادة الاستمرار في الحرب، واقترحوا الابتعاد عن أسلوب تحركات القوات بأعداد كبيرة، وتفادي المعارك الرسمية كلما أمكن ذلك. وبدلاً من ذلك خططوا لاستخدام الفرق العسكرية، (الكوماندوز) كوحدات عصابات صغيرة لإزعاج القوات البريطانية بغارات متكررة، وتعطيل خطوط الاتصالات والإمدادات.

تقدم روبرتس نحو بريتوريا، ودخلها في الخامس من يونيو. هربت الحكومة باتجاه خط السكك الحديدية إلى موزمبيق، وقام جيش البوير بقيادة قائده الجديد الجنرال لويس بوتا في أغسطس 1900م بمحاولة أخيرة للصمود في بيرج إندال بالقرب من بلفاست في أغسطس 1900م، وذلك قبل أن يتشتت شمله. أبحر الرئيس كروجر إلى هولندا في محاولة لكسب التأييد الأوروبي لقضية البوير.

وجد البريطانيون فكرة حرب العصابات أصعب من أن يُتغلب عليها؛ إذ كان البوير على معرفة تامة بطبيعة المنطقة، ولديهم قدرة فائقة على الحركة بل أنهم شنوا غارات على مستعمرة الكاب في عدة مناسبات، على أمل تحريك الثورة الأفريكانية (الهولندية في جنوب إفريقيا) في تلك المستعمرة. قامت إحدى وحدات الفرق العسكرية (الكوماندوز) بقيادة جان سمتس بعمليات في قلب مستعمرة الكاب حتى بعد نهاية الحرب.

لمواجهة مقاتلي العصابات بدأ اللورد روبرتس في حرق مزارعهم، ثم أقام مخيمات خاصة سميت بمعسكرات الاعتقال، بغرض إيواء اللاجئين الموالين للبريطانيين والعدد المتزايد من نساء وأطفال البوير، الذين تُركوا بدون مأوى نتيجة لحرق مزارعهم. بنهاية الحرب كان هناك أكثر من 40 مخيمًا من هذا النوع تؤوي نحو 116 ألف من البيض و60 مخيمًا آخر، تؤي نحو 115 ألف من السود. لذلك عانى الناس فيها من سوء التغذية والصحة والإهمال الإداري، نتيجة لذلك انتشرت الأمراض بسرعة عبر المخيمات، وتوفي أكثر من 27,900 من البوير، و 14 ألف من السود، وهذا أعلى معدل للوفيات خلال فترة الحرب.

في نوفمبر 1900م، تولى كتشنر القيادة العليا من روبرتس، وكثف مقاومته للعصابات، فأمر بتدمير محاصيل البوير وماشيتهم بالإضافة إلى حرق مزارعهم. وشيّد أيضًا سلسلة من المعاقل متصلة بأسلاك شائكة ومرتبطة بالهاتف. أدت هذه المعاقل إلى تقييد حرية حركة البوير. واستطاع البريطانيون حينئذ اجتياح المناطق الريفية دافعين فرق البوير العسكرية (الكوماندوز) نحو سلسلة المعاقل.

إلا أن بعض قادة العصابات مثل: بوتا ودولاري وكريستيان دي فيت حققوا انتصارات صغيرة على القوات البريطانية في عام 1902م. بيد أن خطط كتشنر أدت ـ تدريجيًا ـ إلى إنهاك البوير، وبدأت إمدادات الطعام والخيل في النفاد، كما بدأت أسرهم تعاني من حرمان شديد. وانقسم البوير على أنفسهم انقسامًا حادًا، ما بين الذين تخلوا عن المقاومة وأولئك الذين استمروا في القتال.


السلام. بدأت محادثات السلام بصفة رسمية في أبريل 1902م. وفي 31 مايو من العام نفسه أقر اجتماع لممثلي البوير في فيرينيغينغ على شروط معاهدة السلام التي أقرها البريطانيون مساء اليوم نفسه في بريتوريا. وبموجب بنود اتفاقية فيرينيغينغ استسلم البوير دون شروط، وقبلوا بالحكم البريطاني. ومع ذلك وعد البريطانيون بمنحهم الحكم الذاتي في وقت ما مستقبلاً. وما إن يتحصل البوير على الحكم الذاتي، عليهم أن يقرروا بأنفسهم بخصوص حق الاقتراع للسود. ووافق البريطانيون على منح مبلغ ثلاثة ملايين جنيه إسترليني للمساعدة في إعادة البناء.

كانت الحرب الثانية بين البوير والإنجليز حربًا مكلفة. وبالإضافة إلى المعدل العالي للوفيات في معسكرات الاعتقال، فقد لقي أكثر من 21,900 جندي بريطاني حتفهم، وغالبًا بسبب الأمراض. شملت الخسائر البريطانية 518 جنديًا أستراليًا. وكانت أستراليا قد أرسلت 16,175 جنديًا لمحاربة البوير. وفقد البوير نحو سبعة آلاف رجل، ولم يُسجل عدد الأفارقة الذين قتلوا في الحرب.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:25 PM

17

الحرب الإنجليزية الزولوية
الحرب الإنجليزية ـ الزولوية وقعت في جنوب إفريقيا عام 1879م. ويتفق معظم المؤرخين على أن البريطانين أشعلوا الحرب ليكسروا شوكة استقلال شعب الزولو

أراد وزير المستعمرات البريطاني، اللورد كارنارفون، أن يسحق قوة الزولو، حتى يتمكن البريطانيون من توحيد دويلات جنوب إفريقيا المنفصلة في اتحاد قوي.

كانت حربًا قصيرة ثانوية، إلا أنها كانت ذات آثار كبيرة على كل من جنوب إفريقيا وعبر الإمبراطورية البريطانية، لأن البريطانيين خسروا عدة معارك. تم تمحيص هذه الضربات التي تلقتها العسكرية البريطانية باهتمام متأن في أوروبا؛ حيث كانت بعض الدول تتطلع إلى تحدي قوة الإمبراطورية البريطانية.

في السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي أصبح سيتشوايو ملكًا على الزولو. وقد حاول أن يحافظ على علاقة سلمية مع جيرانه، إلا أنه كان عازمًا على حفظ احترام شعبه وكرامته. وكان يملك جيشًا قويًا قادرًا على حماية مملكته.

بعد أن احتل البريطانيون إقليم الترانسفال عام 1877م، أصبحوا قلقين من وجود مملكة مستقلة للزولو على حدودها. اعترض سيتشوايو على حدود الترانسفال الجديدة، ودعمت لجنة لحدود المستعمرات ادعاءاته. إلا أن الحاكم العام البريطاني، السير بارتل فرير، كان عازمًا على تدمير سلطان الزولو. في عام 1878م، بعد الشكاوي حول عادات وممارسات الزولو، أرسل فرير إنذارًا إلى سيتشوايو مطالبًا فيه بأن يوافق ملك الزولو على شروط تعني عمليًا تخلي الزولو عن استقلالهم. حاول سيتشوايو أن يلبي معظم المطالب قبل انقضاء الإنذار، لكن قبل انتهاء الإنذار تقدمت القوات البريطانية إلى حدود الزولو. فقد كانوا يعتزمون شن هجوم ثلاثي الاتجاهات على أولندي، عاصمة الزولو.

وفي مستعمرة ناتال البريطانية، حاول مناصرو سيتشوايو، بلا طائل، إيقاف الاشتباك الوشيك كما حذر الخبراء العسكريون من أن الغزو سيئ التوقيت بسبب الأمطار الصيفية. لكن في يناير من عام 1879م عبرت القوات البريطانية إلى زولو لاند، وتم إيقاف الطابور الشرقي عند إيشووي، وتعرض الطابور الأوسط لخسائر فادحة عند إيساندوانا، كما عجز الطابور الغربي عن التقدم عند كامبولا. لكن الصمود الباسل لقوة بريطانية صغيرة في مركز حدود روركس دريفت في مواجهة 4,000 من الزولو، ساعد جزئيًا على حفظ السمعة العسكرية البريطانية. وقد منحت الملكة فكتوريا 11ميدالية بسالة لهذا العمل.

تراجعت القوات البريطانية المدحورة إلى ناتال لإعادة التجمع، واستدعاء تعزيزات. وقام المستوطنون المصابون بالهلع في ناتال والترانسفال ببناء دفاعاتهم. عبّرت الحكومة البريطانية عن استيائها لغزو أرض الزولو وفقدان الرجال والمعدات، إلا أن قائد القوات البريطانية، اللورد تشلمسفورد، كان عازمًا على استعادة سمعته. فشن هجومًا ثانيًا عام 1879م. كان سيتشو ايو، يأمل في التفاوض للتوصل لاتفاقية سلام مع البريطانيين، خاصة وأن الزولو لم يتمكنوا من حصاد محاصيلهم. لكن في يونيو 1879م اندحر جيش الزولو في معركة أولندي، وفرّ سيتشوايو.

أُسر سيتشوايو فيما بعد، وخلع، ثم نفي من بلده. وجردت التسوية العائلة المالكة من مواشيهم وأرضهم وثروتهم، وقسمت أرض الزولو نفسها إلى 13 مشيخة. في عام 1883م انهارت التسوية واستحوذ سيتشوايو على سلطان محدود مرة أخرى. إلا أنه توفي في العام التالي، وقادت الحرب الأهلية بسرعة إلى دمار مملكة الزولو. وفي عام 1887م، وضعت بريطانيا المنطقة تحت الحماية، ثم ضمتها بعد عشر سنوات إلى ناتال.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:25 PM

18

الحرب الإيطالية الإثيوبية
الحرب الإيطالية الإثيوبية جرت بين إيطاليا والإمبراطورية الإثيوبية (الحبشة سابقًا) من عام 1935 إلى عام 1936م. وقد بدأ بنيتو موسوليني الحرب؛ لأنه كان يريد أن يحوّل اهتمام الإيطاليين بعيدًا عن مشاكل الوطن، كذلك كان يأمل في كسب مصدر للمواد الخام اللازمة للصناعة الإيطالية.

بدأ غزو إثيوبيا في أكتوبر عام 1935م، وما لبث الإيطاليون أن استولوا على كثير من المدن الإثيوبية وقد حوّلت القنابل الإيطالية المدن الواهية البناء إلى خرائب. وأحس الإمبراطور هيلاسيلاسي الأول أنه من المستحيل مواصلة الحرب ضد عدو مجهّز بمثل هذه الأسلحة الحديثة، ففرّ من البلاد، وفي 5 مايو عام 1936م استولى المارشال بيترو بادليو على أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، وأعلن موسوليني إثيوبيا أرضًا إيطالية. ولم يعد هيلاسيلاسي الأول إلى عرشه حتى عام 1941م. وكانت إيطاليا قد تصرفت بما يخالف مبادئ عصبة الأمم وحاولت العصبة إيقاف الحرب بمقاطعة كثير من التجارة الإيطالية؛ إلا أن جهود العصبة كانت غير مجدية.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:26 PM

19

حروب الهنود الحمر
حروب الهنود الحمر نزاعات عنيفة حدثت بسبب الصراع بين الهنود (الذين عرفوا باسم الهنود الحمر) والمستوطنين البيض على الأراضي الغنية الجديدة التي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

أسس المستوطنون الإنجليز مستعمراتهم الصغيرة على امتداد الساحل الأطلسي في مستهل القرن السابع عشر الميلادي. ونشأ الصراع عندما بدأوا ينتقلون نحو الأراضي الهندية بأعداد كانت تتزايد باستمرار، وقد أدى هذا النزاع إلى مقتل الكثيرين من الجانبين.

كان السبب الرئيسي للمعارك بين البيض والهنود الاختلاف في أسلوب المعيشة للمجموعتين؛ إذ كان الهنود يزرعون الذرة والخضراوات، ويعتمدون على صيد الحيوانات لتأمين الجانب الأكبر من طعامهم ولباسهم. أما المستوطنون فقد كانوا يعيشون على الزراعة، وقد قاموا في الشرق بقطع الغابات لتوفير الأراضي الزراعية. وبعد أن دمروا الغابات وما تحتها لم يعد في وسع الحيوانات البحرية أن تعيش في المنطقة. وقتل الصيادون البيض في الغرب ألوف الجواميس البرية لمجرد الحصول على جلودها، فكان على الهنود أن يختاروا بين الهجرة إلى أراضٍ جديدة تحتلها قبائل هندية أخرى معادية أو أن يحاربوا من أجل المحافظة على أراضيهم. وقد أدركوا أن البيض يهددون حياتهم وأمنهم عندما وجدوهم يتنافسون للحصول على الأراضي. وكان اللوم يقع على الطرفين؛ إذ أنكر البيض حقوق الهنود وكانوا يرون أنهم قوم متوحشون. وبالمقابل، فإن الهنود لم يكونوا يتفهمون طريقة المستعمرين في تنظيم بعض الأمور؛ فمثلاً، عندما كان الهنود يوقعون على صك لبيع أراضيهم فإنهم كانوا يعتقدون بأنهم يؤجرون تلك الأراضي ولا يبيعونها، لذلك كانوا يعودون إليها لأجل الصيد ولايعترفون ببيعها لمجرد أن زعيمهم وضع بعض الخطوط على قطعة من الورق.

كان الهنود أناسًا محاربين انشغلوا بالحروب فيما بينهم قرونًا طويلة، وكانوا يُقدِّرون الرجل المحارب ويحترمونه. فلما جاء البيض دخلوا معهم في حالة حرب لأجل البقاء.

وفد الأوروبيون بأعداد غفيرة، ومعهم عائلاتهم، وسرعان ما فاقوا الهنود عددًا، واغتصبوا أراضيهم، ودفعوهم غربًا. فلما جاء الأوروبيون إلى ما يعرف الآن بالولايات المتحدة كان بها نحو مليون هندي، ولكن الأمراض، والخمور القوية وما يقارب 300 عام من الحروب المستمرة قلّصت ذلك العدد إلى نحو 237,000 في عام 1900م.

وتقول عالمة الإنسانيات مرجريت هدجن إن أول كتاب إنجليزي عن الهنود نشر في عام 1511 'وصفهم بالوحوش التي لا تعقل ولا تفكر وتأكل بعضها، بل إنهم كانوا يأكلون أبناءهم وزوجاتهم'. وكان عامة الانجليز يؤمنون بوجود كائنات نصفها بشر ونصفها وحش. وكالعادة فقد سكنت هذه الكائنات معظم الأعمال الفلسفية الانجليزية والاوروبية في تلك الفترة وشاعت في الأعمال الأدبية. وكان اليسوعي جوزيف فرانسوا لافيتو في كتابه عن عادات الهنود الامريكيين قد تحدث عن وجود 'كائن هندي بدون رأس، لكن له وجها في صدره'.

وقد أطلق عليه اسما أسطوريا Acephal. لهذا لم يكن مستغربا إيمان عامة الانجليز في تلك الفترة بأن لكثير من هنود أمريكا أظلافا وأشكالا شيطانية. وهي أشكال نعثر عليها في كتابات معظم أنبياء الاستعمار الأوائل الذين اختلط عليهم شكل الكنعاني التاريخي الملعون بشكل الوحش الهندي المنحط في صورة أوفيدية ليس لها وجود إلا في مخيلاتهم. وكان أوليفر هولمز وهو من أشهر أطباء عصره قد لاحظ في عام 1855 أن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وأن اصطيادهم اصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقي الانسان فعلا علي صورة الله.

هكذا بدأت دعوات الإبادة الشاملة تعلو عندما لم يكن في كل الشمال الأمريكي سوي ألفي إنجليزي.



* * *



ثم ازدادت هذه الدعوة حدة وجنونا حين تأكد الإنجليز أن الهنود قد يرحبون بهم ضيوفا ويكرمونهم بما يكفيهم من الأرض والرزق. ويعيشون معهم بسلام لكنهم لن يتنازلوا طوعا عن أراضيهم، ولن يتقبلوا فكرة السخرة والاستعباد. وكانت كل بادرة لمقاومة هذا الجشع والتعصب المقدس برهانا إضافيا علي صدق أسطورة أمريكا وعلي صدق الدعوي بأن الهنود متوحشون عدوانيون لا تنفع معهم إلا الإبادة. إن التسامح مع الشر ليس إلا تشجيعا للشرير، وليس هناك خطيئة أعظم من هذا.

ومع تقدم الزمن صارت شيطانية الهندي الأحمر بديهية لا تحتاج إلي دليل مثلما أن انجليزية الله وتفوق شعبه من البديهيات التي لا تحتاج إلي دليل. لقد سكنت شيطانية الهنود أحلام الملائكة حتي إن المرأة ميرسي شورت التي زعمت أن الشيطان تلبسها وصفته علي شكل هندي له أظلاف شيطانية. إن هذا الشيطان الهندي هو الكابوس الذي يقض مضجع الزنابير.

قبل مذبحة 'ووندد ني' الشهيرة بأيام كتب فرانك باوم في صحيفة The Aberdeem Saturdy pionee ولم تكن عبقريته القصصية قد تفتحت بعد، يدعو إلي الإبادة الشاملة لمن تبقي من الهنود. 'إن أصحاب البشرة الحمراء قد أبيدوا، ولم يبق منهم إلا مجموعة صغيرة من الكلاب الهجينة التي تعض اليد التي تطعمها ولا تتوقف عن النباح. أما البيض فإنهم بحكم الغلبة وبقضاء الحضارة أسياد القارة الأمريكية، وإن أفضل أمن لمستوطنات الثغور يجب أن يتحقق بالإبادة الكاملة لهذه البقية الباقية من الهنود.. إن موت هؤلاء الأشقياء خير لهم من الحياة'.



* * *



وكانت هذه البارانويا العنصرية هي التعبير الصادق عن مزاج الزنابير في نهاية القرن التاسع عشر.

فبعد أيام قليلة ارتكبوا مذبحة 'ووندد ني' التي قتل فيها المئات من رجال لاكوتا ونسائهم وأطفالهم بالقصف العنيف. أما الناجون فقد تعقبوهم وقتلوهم واحدا فواحدا لا لشيء سوي أن بشرتهم حمراء ودمهم هندي وأرضهم كنعانية طيبة. وكتب شاهد عيان، وهو طبيب أديب نصف هندي يدعي شارل ايستمن : 'علي بعد ثلاثة أميال من مكان المذبحة وجدنا جثة امرأة مدفونة تحت الثلج.



* * *



وانطلاقا من تلك النقطة تناثرت الجثث علي طول الطريق وكأنها طوردت واصطيدت وذبحت بعزم وتصميم فيما كانت تحاول أن تنجو بأرواحها. بعض من معنا اكتشف بعض أهله أو أصدقائه بين القتلي، وكان هناك ندب ونواح يملأ الأرض. وحين وصلنا إلي حيث كان المخيم الهندي وجدنا بين بقايا الخيام والأمتعة المحترقة جثثا متجمدة تتلاصق هنا في صفوف أو تتراكم هناك فوق بعضها في أكوام.. ولم أستطع أن أحتفظ برباطة جأشي بسهولة أمام هذا المشهد الذي أتلف كل أعصابي وأمام ذلك الحزن العميق الذي طغي علي كل من معي من الرفاق بين من يجهش في بكائه أو يتلو نشيد موته' .

ويضيف جيمس موني: 'تحت ركام الثلج، كان هناك نساء علي قيد الحياة، لكنهم تركوهن للموت البطيء، وكذلك حال الأطفال الرضع المقمطين والمرميين إلي جانب أمهاتهم.. كانت جثث النساء متناثرة فوق محيط القرية. وتحت علم الهدنة كانت هناك امرأة صريعة ومعها طفلها. لم يكن الطفل يعرف أن أمه ميتة، ولهذا فقد كان يرضع من ثديها. وبعد أن قتل معظم من في القرية أعلن الجنود أنهم يضمنون سلامة الجرحي أو كل من بقي علي قيد الحياة إذا ظهروا. وخرج بعض الأطفال من مخابئهم، لكن الجنود أحاطوا بهم وذبحوهم. لقد كان واضحا أن تعمد قتل الأطفال والنساء هو لجعل مستقبل الهنود مستحيلا'.

في اليوم الرابع للمذبحة كتب باوم مزهوا بنشوة الانتصار: 'لقد فعلنا حسنا. ويجب علينا أن نتابع المسيرة لحماية حضارتنا.. إن علينا أن نقطع دابر هذه المخلوقات الوحشية ونمحو ذكرها من علي وجه الأرض'.



* * *



إن مقتل مائة هندي أو حرق قرية هندية كاملة بمن فيها قد تحيله هوليوود إلي مناسبة للضحك والتسلية فيما هي تنسج من تلويح الهندي بيده في وجه الرجل الأبيض دراما مخيفة تجعلها عنوانا للعنف والوحشية التي تؤهله للموت. 'وصورة الضحية علي الغالب فتاة جميلة شقراء مذعورة لا تختلف عن تلك التي يخطفها كنج كونج، وإن كانت هوليوود تضفي علي كنج كونج بعض المشاعر الإنسانية التي تضن بها علي الهندي'. إنهم قبل أن يسلبوا الهنود جهودهم في الحضارة الإنسانية ويعروهم من إنسانيتهم أسقطوا عليهم أشنع فظاعاتهم كالعنف وسلخ فروة الرأس والتمثيل بالجثث وغير ذلك مما يعتبر لازما لاعتبار إبادة 112 مليون إنسان من 'الأضرار الهامشية' التي تواكب انتشار الحضارة.



* * *



كل شهادات المستعمرين الأوائل كانت تسخر من مفهوم الحرب عند الهنود لافتقارها إلي عنصرين أساسيين في الثقافة الحربية الكلاسيكية: القتل، والتوسع في الأرض، ولأنها أشبه بمهرجانات لاستعراض الشجاعة والبطولة والمهارات وليس لاستعراض الجثث. أول ما لاحظه المستعمرون أن حروب الهنود 'كانت للتسلية والرياضة البدنية وليست لاخضاع الخصم. فقد يتحاربون سبع سنين دون أن يسقط بينهم سبعة قتلي. إنهم يقاتلون في السهول بالقفز والرقص، وعندما يجرح واحد منهم يتوقف الطرفان عن القتال وينكب المقاتلون جميعا علي إسعاف الجريح'. ولاشك في أن هذه الثقافة الحربية المختلفة التي لا تؤمن بالعنف المنظم كانت مقتلا من مقاتل الطالبيين الهنود وحجر زاوية في حرب الإبادة التي تنتمي إلي ثقافة وأخلاق مختلفتين تماما. عندما أعلن كورتيس للهنود أنه جاء إليهم في مهمة سلمية صدقوه ورحبوا بهذا الغازي الدموي وفتحوا له دورهم وقصورهم ومناجم ذهبهم. فمن قواعد الحرب بين الهنود أن إعلان السلام لا يعني شيئا غير السلام. ومن هذا المنطق اطمأن الهنود إلي أن كورتيس جاء فعلا في مهمة سلام. إنهم لم يستطيعوا أن يفهموا لماذا يعلن الأوروبي شيئا ولا يتقيد به، ولماذا يقول قولا ولا يفعله، ولماذا يوقع اتفاقية ثم يخرقها في أقرب فرصة ممكنة. ولعل هذا ما تعبر عنه هذه الكلمة البريئة التي ألقاها أحد هنود لونابه أمام أحد المستعمرين الانجليز : 'إننا نريد أن نعيش معكم بسلام كما عشنا مع غيركم من الشعوب. لو أننا فكرنا في أن نحاربكم يوما فإننا سنعلمكم بذلك سلفا، وسنبين لكم الأسباب التي نريد أن نحاربكم من أجلها. فإذا أبديتم ما يقنعنا أو يعوضنا عن الأضرار التي سنحاربكم من أجلها فإننا لن نحاربكم.

وإذا أردتم أن تحاربونا يوما فنرجو أن تعلمونا بذلك وتبينوا لنا الأسباب، فإذا لم نقنعكم أو نعوضكم عن الأضرار التي ستحاربون من أجلها فلكم الحق في محاربتنا.. وإلا فليس لكم أن تحاربونا' .



* * *



لم يستطع الهندي أن يفهم دوافع الحرب التي يشنها الاوروبي والعنف المميت الذي يمارسه والفظاعات التي تواكب حروبه. لم يستطع أن يفك ألغاز تقديسه للملكية وهوسه باغتصابها من الآخرين. إن نظام قيمه لا يعني بالتراكم المادي ولا تستهويه 'ثروة الأمم' التي ألهبت خيال الإنجليزي وبندقيته، وجعلت الملكية في عيني مارتن لوثر معيارا للتفريق بين الإنسان والحيوان! هلا رأي نبي وول ستريت بأي ماء تسيج الضباع أطيانها؟ الحرب الهندية علي ندرتها لا تعلن إلا بسبب إهانة شخصية أو حوادث فردية. ولطالما أمكن تفاديها بالتعويض أو الاعتذار أو الدية. أبدا لم يزعم الهنود احتكار الحقيقة المطلقة، هذا الوباء المقدس الذي ألهب طقس العنف في أتباع كل الديانات التوحيدية.

أبدا لم يعرف تاريخ الهنود سماء مركنتلية تتاجر بالعبيد وتعد هذا بأرض ذاك. أبدا لم يكن الغزو أو الاجتياح أو الاحتلال من أخلاقهم. 'كل هذا غريب عن ثقافتهم'

في دراسة ميدانية لهنود السهول الذين صورتهم هوليوود مثلا أعلي للعنف والعدوان يقول الانثروبولوجي جورج غرينل: 'بين هنود السهول الذين أعرفهم جيدا يعتبر لمس العدو من أشنع أنواع التعبير عن العدوانية، أن تقوم بضرب العدو دون أن تؤذيه عمل من أعمال الفروسية. إن من مظاهر الشجاعة وتقاليدها أن يمضي الرجل إلي الحرب وليس في يده سلاح يؤذي عدوه من بعيد، فحمل الرمح أكثر شجاعة وفروسية من حمل السهام، وحمل البلطة القصيرة أولي من حمل الرمح.

أما أعظم مظاهر الشجاعة فأن تسعي إلي الهيجا بدون سلاح'. ويروي ستانلي دايموند في دراسته المقارنة عن 'البدائية والحضارة' أن قتل الانسان عند الهنود كان حدثا تاريخيا، وأن حروبهم كانت تشبه الأعمال المسرحية. ومهما كانت طبيعة هذا الحدث التاريخي الذي يستوجب قتل الإنسان فإنه كان يخضع لطقس مشخصن شديد التعقيد. لقد كانوا يقدسون حياة النساء والأطفال ويعتبرون الاعتداء عليها وصمة عار في جبين المحارب. وهذا ما جعل حرب الإبادة الانجليزية نزهة في رياض الطبيعة الهندية المسالمة'.

خلال عودة القديسين من حملة إبادة هنود الناراجنستس في عام 1637 بقيادة الكابتن جون انديكوت كانوا في أوج النشوة فأرادوا التحرش بهنود البيكو والتسلي بقتلهم. ويروي شاهد عيان أن البيكو 'عندما رأونا علي شواطئهم، أسرعوا للترحيب بنا، وهم يهتفون: أهلا بالانجليز، أهلا بالانجليز، ولم يكن يخطر ببالهم ما نعده لهم. وعمٌ الترحيب والتهليل ومظاهر الفرح بوجودنا في كل مكان حتي وصلنا إلي نهر بكويت وهناك مع سقوط أول قتلاهم. أدرك الهنود باستغراب شديد سبب وجودنا فهجروا قراهم وفروٌا إلي الغابات القريبة. ونزل الاحباط بالجنود فراحوا يحرقون القري والحقول ويتلفون المحاصيل' . وما أن عاد الجنود إلي مستعمرتهم حتي ظهر الهنود من مخابئهم ونظموا أنفسهم وهاجموا حصن سايبروك فاقتحموه، ولكن دون أن يقتلوا أو يجرحوا أحدا. وظنوا أن هذه 'البطولة الاستعراضية' كافية لاسترداد كرامتهم، ولإقناع المستعمرين بالتعايش السلمي. وبكل ما أعطاهم الله من براءة سأل هنود البيكو قائد الحصن ليون غاردينر عن إمكانية هذا التعايش السلمي، فأجابهم: 'قد دمرتم بعدوانكم هذا كل إمكانية للسلام بيننا'.

وسأله الهنود أيضا ما إذا كان الانجليز سيقتلون الأطفال والنساء، فأجابهم 'ستعرفون ذلك في حينه'.

بعد أيام قليلة قاد الكابتن جون مايسون قبيل الفجر جيشا من الميليشيا قسمه إلي فرقتين تولي قيادة احداها بينما تولي جون أندرهيل الفرقة الثانية. وتحت جنح الظلام هاجموا الهنود النائمين من جبهتين. وكان ذلك بتعبير جون مايسون 'آخر نوم لهم..' ويصف مايسون تلك الليلة بقوله: 'لقد أنزل الرب في قلوب الهنود رعبا شديدا، فحاولوا أن يطيرونا بين أسلحتنا ويقفزوا في اللهب الذي التهم كثيرا منهم. كان الرب يضحك من أعدائه وأعداء شعبه المختار.. يضحك حتي الاستهزاء والاحتقار، ويجعل منهم وقودا لهذا الفرن الذي تحولت إليه قريتهم. هكذا ينتقم الله منهم ويملأ الأرض بجثثهم.. ليعطينا أرضهم'. كان الجنود يقتلون الجرحي من الرجال والنساء والأطفال ويشعلون النار في البيوت ويحرقون الهنود في أكواخهم أحياء أو موتي،. وكأنهم في حفلة شواء 'باربكيو' بتعبير كوتون ماذر أحد أقدس أنبياء الاستعمار الانجليزي للعالم الجديد.

استمرت حفلات الباربكيو طويلا قبل أن يتعلم الهنود أن البراءة مع شعب الله الانجليزي انتحار، وأن الدفاع عن أنفسهم يحتاج إلي معرفة طبيعة الحرب لدي أعدائهم وإلي عدم قياس نظام قيم وأخلاق الانجليز إلي نظام قيمهم وأخلاقهم. فالانجليزي لا يحب التمثيل المسرحي في ساحة القتال، وإذا أراد أن يرقص فإنه ينتظر حتي ينقشع غبار المعركة ليرقص علي أشلاء خصمه. لقد مضي وقت طويل قبل أن يتعلم الهنود كما يقول جننجز في 'اجتياح امريكا' 'أن وعد الانجليزي مهما كان صادقا مضمونا سوف يخلفه بمجرد أن يتعارض مع مصلحته التي لا تعرف حدودا، وأن أسلوب الحرب الانجليزية لا تعرف معني للرحمة أو للشرف أو للمواثيق أو للتردد.. ولقد حفظ الهنود ذلك الدرس غيبا، ولكن حين لا تنفع الدروس والعبر'.



* * *



تعرضت الثقافة الهندية المسالمة لحملة تشويه لازمت حرب الإبادة وكانت سلاحا من أسلحتها. لم يكتف التاريخ المنتصر بأن علي غزواته واجتياحاته وحملاته العسكرية اسم 'حروب الهنود' بل إنه أسقط كل عنفه وفظاعاته الدموية علي الهنود بدءا من سلخ فروة الرأس وانتهاء بالتمثيل بالجثث.

'ارتكب الانجليز جريمة سلخ فروة الرأس في معظم حروبهم' . وعلي نقيض ما تروج له هوليوود والرسميون والاعلاميون واكاديميو التاريخ المنتصر 'فإن الرجل الأبيض هو الذي خلق عادة السلخ' 'في العالم الجديد'. وإن أكثر جرائمها من صنع يديه' .

وكانت عادة سلخ فروة الرأس متبعة أيام الحروب الانجليزية الايرلندية، ففي أواخر القرن السادس عشر لجأ القائد الانجليزي همفري جلبرت إلي قطع الرؤوس وسلخ فروتها لإثارة الذعر في نفوس الايرلنديين وقمع انتفاضتهم '1567 * 1570' في فظاعات أقلها زرع جانبي الطريق إلي مقر زعيم الانتفاضة بالرؤوس المقطوعة. وقبل أن يتوجه إلي العالم الجديد. يحاول ملكا، خلع عليه البلاط لقب 'فارس' اعترافا ببلائه في نشر الحضارة. ومع أنه عاد خائبا ولم يفلح في تأسيس مستعمرته فإن مسيرته ظلت تتابع نشاطها وتمضي علي خطاه إلي يومنا هذا، حتي إن الجنرال الفرد سولي أعاد هذا المشهد بكل تفاصيله بعد حوالي ثلاثة قرون عندما أمر بنصب الرؤوس المقطوعة لهنود اللاكوتا علي عصي، كل رأس علي عصا، وزرعها علي جانبي الطريق المؤدية إلي مقره العام للاستئناس وفرض الهيبة.

ولقطف الرؤوس وظائف أخري غير الزينة أو فرض الهيبة كما كان الحال في ايرلندا والمستعمرات الامريكية الاولي. لقد استخدمت في البداية * بدلا من آلات الحساب الخرزية * للتأكد من عدد القتلي، ثم سرعان ما اكتشفت أخلاق السوق فيها وسيلة للرزق فاعتمدتها وطورتها وجعلت منها صناعة مستقلة. ويقول جننجز في 'اجتياح أمريكا' إن السلطات الاستعمارية رصدت مكافأة لمن يقتل هنديا ويأتي برأسه، ثم اكتفت بسلخ فروة الرأس إلا في بعض المناسبات التي تريد فيها التأكد من هوية الضحية. ولعل أقدم مكافأة انجليزية علي 'فروة الرأس'، بدلا من كامل الجمجمة تعود إلي عام .1694 في 12 أيلول/سبتمبر من ذلك العام رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماساشوستس مكافآت مختلفة لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو جنسه. وتختلف هذه المكافآت بحسب مقام الصياد: خمسون جنيها للمستوطن العادي، وعشرون جنيها لرجل الميليشيا، وعشرة جنيهات للجندي. ولم تمض عشرون سنة حتي رصدت كل المستعمرات الانجليزية جوائز مماثلة. ثم تغيرت 'التعرفة' في عام 1704 فأصبحت مائة جنيه لكل فروة رأس. ومن المفارقات أن المكافأة المتواضعة التي رصدت لفروة رأس الفرنسي في عام 1696، وهي ستة جنيهات فقط، لم تتغير في التعرفة الجديدة، بل ظلت في أسفل القائمة، وظل الفرنسي الأبيض * برغم عداوته الدموية للانجليزي * آخر المطلوبين.



* * *



كانت مكافأة المائة جنيه تعادل أربعة أضعاف متوسط الدخل السنوي للمزارع في مستعمرات نيوانجلند. وكان بامكان أي مستوطن عجوز أن يصطاد طفلين وثلاث نساء هنديات سنويا ويتنعم بما لم يتنعم به جلالة الملك جيمس. هذا ما جعل صيد الرؤوس الهندية وسلخها أسرع طريقة لبناء الثروة، وسرعان ما وجدت 'ثروة الأمم' المعادلة الاقتصادية المناسبة لاستثمار بونانزا الارواح تجاريا. لقد اكتشف شعب الله نفطه في عروق الهنود.

في فالموت، أو ما يعرف اليوم ببورتلاند أسس توماس سميث إحدي هذه الشركات التي تستأجر فرقة من المغامرين لقتل الهنود والعودة برؤوسهم أو فرواتها. كان سميث يزود الفرقة بالمعدات والذخائر ويتقاضي ثلث المكافأة. وتقول صفحة من يومياته إن حصته من مكافآت ذلك اليوم الكاسد '18 حزيران/ يونيو 1757' بلغت 165 جنيها. كان الصيادون يتعهدون قري معينة، يمشطونها قرية قرية ولا يبقون فيها فروة واحدة. حتي ان القري المكسيكية وراء الحدود صارت هدفا للصيادين.

ولأن فروة رأس الهندي 'الحليف' لا تختلف عن فروة الهندي العدو، ولأن صيدها أسهل ، ولأن أخلاق السوق لا تعنيها هذه التفاصيل التافهة فقد ركزت هذه التجارة جهودها علي صيد رؤوس الحلفاء، ولاسيما منهم اولئك الذين تطهرت أرواحهم واستعاروا لأنفسهم أسماء القديسين. ويروي أكستل في بحثه عن 'السلخ' أن فرقة من أربعة رجال من مستوطني نيوجرسي زعموا انهم يصطادون هنود فيلادلفيا، لكنه في ليلة 12 نيسان/ أبريل 1756 تبين أن كل ضحاياهم كانوا من هنود المنطقة الذين أنقذ المستعمرون أرواحهم واستخدموهم في أعمال السخرة. في منتصف تلك الليلة اقتحم المستوطنون بيت عائلة هندية آمنت فأمنت ونامت قريرة العين. أما الرجل 'جورج' فتمكن من الهرب، لكن الزوجة 'كاثرين' تلقت بضع طلقات في صدرها ثم قطعت رأسها بالفأس. الطفلة ذات الأحد عشر ربيعا تهشم رأسها بالبلطة وتلقت عدة طعنات في كتفها، وأما رأس الطفل الذي لم يبلغ السنة فما كان علي الله الانجليزي بعسير . ويروي بيتر شمالز في كتابه عن هنود أوجيبوا كيف أن الإخوة في الإيمان لم تكن أفضل من التحالف، وكيف إن الذين طلبوا خلاص أرواحهم في الآخرة وطمعوا في خلاص أجسادهم في الدنيا صاروا فريسة سهلة. ففي إحدي قري دولاوير حاصرت كتيبة مسلحة بقيادة دافيد وليامس أفرادا من الهنود المورافيين. وتمضي الشهادة فتقول إن الجنود طمأنوهم إلي أنهم جاءوا لمرافقتهم إلي حيث يصلون ويجدون طعامهم بأمان. وقالوا لهم إن هذه المهمة النبيلة لا تحتاج إلي حمل السلاح. ووافق الهنود مطمئنين إلي اخوة الإيمان. ثم إنهم أسرعوا إلي إحضار من تبقي من أهلهم وذويهم في البيوت حتي لا تفوتهم بركات الصلاة. ولم يكن لدي الهنود وقت ليكتشفوا الخدعة فقد عاجلهم الجنود بالقتل وحصدوا في تلك المذبحة رؤوس 29 رجلا و 27 امرأة و 34 طفلا..



* * *



ثم ازدهرت هذه التجارة مع الحرب الانجليزية الفرنسية في العالم الجديد، ومع تهافت الطرفين علي شراء 'الحلفاء' وتنافسهما علي دفع مكافآت مرتفعة لقاء فروات رؤوس أعدائهم. وفيما كانت الشركات التجارية الانجليزية والفرنسية توجه نشاطها الاكبر لصيد رؤوس الهنود 'الحلفاء' قبل الأعداء كانت الوعود السياسية والاقتصادية التي أمطرها البيض علي الهنود قد أوقعت بعضهم في الفخ. لم يتصور الهنود الذين أغرتهم الأطماع والوعود وقصر النظر أنهم سيموتون بنفس الطريقة عندما يدرك البيض غايتهم منهم. لقد أغروهم بارتكاب هذه الفظاعات التي كانوا فيها أكبر الخاسرين.

فخلال حرب السنوات الست '1754 * 1760' كان الانجليز والفرنسيون هم الذين يديرون هذا المسلخ الذي لم يذبح فيه إلا الخراف.

واضطر الانجليز إلي رفع مكافأة السلخ في السنة الثالثة للحرب بعد أن الحق الفرنسيون هزيمة ساحقة بالجنرال الانجليزي إدوارد برادوك وبحلفائه من الهنود. هكذا استغني كثير من المستوطنين عن البحث عن الذهب ليلتحقوا بركب 'العامل الطبيعي'، وصاروا يتنافسون فيما بينهم ويتباهون بسرعة الصيد وكثرة الغنائم. ويروي المغامر لويس وتز أن غنيمته من فروات رؤوس الهنود كانت لا تقل عن أربعين فروة في الطلعة الواحدة. ويعتبر 'وتزل' هو ابن مستوطنين مغامرين، من أبطال التاريخ الأمريكي وما يعرف بعمالقة الثغور. جرح صغيرا عندما كان أبواه يحاولان الاستيلاء علي أراض هندية بالقوة. في الرابعة عشرة دشن أول ضحاياه ونذر نفسه لقتل الهنود. لهذا لم يتزوج ولم يضع لحظة من حياته في عمل آخر. من بطولاته قتل زعيمين هنديين فيما كانا يجريان مفاوضات السلام مع المستعمرين، الأول زعيم الدولاوير عام 1871، والثاني زعيم السينيكا عام 1879، وبدءا من 'وتزل' صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات الانجليزية المحببة، بل كان الكثير منهم يتباهي بأن ملابس صيده وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود. ثم تغير الحال بعد عقد من الزمان عندما بدأ الانجليز الملكيون والانجليز الثوار يسلخون رؤوس بعضهم فيما يدعي كل منهم وصلا بالعناية الإلهية وينسب إليها جرائمه وفظائعه. وبالطبع فقد تنازع الطرفان علي صفة الاختيار والتفضيل وتمثيل 'شعب الله'. لكنهم جميعا ظلوا مخلصين لتقليد السلخ والتمثيل بالجثث طوال فترة ما يسمي بحرب الاستقلال. كانوا ينظمون لذلك حفلات خاصة ويدعون إليها علية القوم للتفرج والاستمتاع الشهواني بهذه المشاهد المثيرة حتي إن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة اقامها لسلخ 16 من الاسري الأحياء أثناء حصاره الاحتفالي لفانسين طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء، وأن يعطوا كل تفصيل حقه لتستمتع الحامية كلها بالمشاهد. وقد وصف الكولونيل هنري هاملتون في يومياته بهجة الحضور بأنهم خرجوا يختالون بنشوة انتصارهم ورائحة دم الضحايا تعبق منهم . ومايزال كلارك إلي الآن رمزا وطنيا أمريكيا وبطلا تاريخيا، و'مايزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي'.



* * *



وفي كولورادو تولت الشركات الخاصة، بتعاقد ضمني مع الدولة، مهمة الذبح والسلخ والقضاء علي الوجود الهندي. أما في كاليفورنيا فقد تأخرت حفلات السلخ قليلا لكنها سرعان ما اتبعت خطوات الولايات الاخري، ففي حادثة واحدة 'أيار/ مايو 1852' اشترك فيها 'شريف' ويفرفيل هوجم 148 هنديا من الرعاة فأصبحوا أثرا بعد عين. والغريب أن قطع الرؤوس صار خبرا عاديا في الصحافة البيضاء التي لم تعد تجد حرجا في الحديث عن أن هدف هذه المجازر هو 'الإبادة' وأن القتلة الذين ارتكبوا هذه البطولات تلقوا مكافآت من الحكومة بعد أن أبرزوا فروات رؤوس ضحاياهم .

مع تأسيس الجيش الامريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا رسميا. فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون 'الرئيس الامريكي لاحقا' بعد انتصار 1811 علي الهنود تم التمثيل ببعض الضحايا، ثم جاء دور الزعيم تيكومسه . وهنا تهافت صيادو التذكارات علي انتهاب ما يستطيعون من جلد الزعيم التاريخي أو فروة رأسه. ويروي جون سعدن في كتابه عن تيكومسه كيف شرط الجنود المنتشون جلد الزعيم من ظهره إلي فخذه، وكيف إن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط رفيعة لربط موسي الحلاقة، وكيف اقتتل الآخرون علي اقتسام فروة رأسه حتي إن بعضهم لم يحصل علي قطعة أكبر من السنت 'قطعة نقد معدنية لا يتجاوز قطرها السنتيمتر' مزينة بخصلة من شعر تيكومسه. وعندما أجريت مقابلة مع أحد هؤلاء المحظوظين في عام 1886 'أي بعد 75 سنة' تحدث عن تلك المناسبة التاريخية بافتخار وهو يحمل بين أصبعيه تذكاره البطولي . وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث، وكان يأمر بحساب عدد قتلاه باحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المقطوعة، وقد رعي بنفسه حفلة تمثيل بجثث 800 هندي يتقدمهم زعيمهم مسكوجي 'رد ستيكس'.

ففي 27 آذار/ مارس 1814، كما يروي دافيد ستانارد، احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره علي هنود الكريك وتولي جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، فقطعوا أنوفهم لإحصاء عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول.



* * *



بعد مذبحة ساند كريك التي ذهب ضحيتها أكثر من 800 هندي أعزل اضطر الكونجرس إلي إجراء تحقيق في الفظاعات التي ارتكبها الجنود وقائدهم جون شفنجتون . ويعتبر شفنجتون اليوم من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي، وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليدا لذكره ولشعاره الشهير: 'اقتلوا 'الهنود' واسلخوا جلودهم. لا تتركوا صغيرا ولا كبيرا ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل'. ولعل هذه هي العبارة التي ألهمت هملر تشبيه ما جري في معسكرات الإبادة النازية بأنه 'تنظيف قمل'. وكانت الحكومة قد أعلمت الكولونيل شفنجتون بأن القرية مسالمة، وأن معظم رجالها خرجوا لصيد الجواميس، لكن الكولونيل قال: 'حسنا، إنني متشوق للخوض في الدم' . وقد تحقق له ما يصبو إليه. فمع أول خيوط الفجر زحف رجاله إلي القرية.

وكان فيها رجلان من البيض حاولا إعلام الجنود بأن القرية مسالمة، لكنهما جوبها بإطلاق النار. ثم إن الزعيم بلاك كتل رفع العلم الأبيض فوق سارية أحد البيوت كما رفع علما أمريكيا كان قد تلقاه من مفوض الشئون الهندية. وراح يطمئن أهل القرية ويهديء روعهم قائلا: لا تخافوا.. لا تخافوا، نحن في سلام مع البيض! وسرعان ما بدأ الجنود بإطلاق النار علي أهل القرية المتراكضين في كل الاتجاهات بينما أعطي شفنجتون أوامره بالقصف المدفعي، ومطاردة الهاربين. ويقول روبرت بنت أحد مساعدي شفنجتون في شهادته أمام الكونجرس 'بعد القصف حاول رجال القرية أن يجمعوا الاطفال والنساء ويحيطوا بهم لحمايتهم. ولقد شاهدت خمس نساء مختبئات تحت مقعد طويل. وعندما وصل الجنود إليهن بدأن يتوسلن ويطلبن الرحمة لكن الجنود قتلوهن جميعا. وكان هناك أيضا ثلاثون أو أربعون امرأة متكومات فوق بعضهن في حفرة، وقد أرسلن إلينا طفلة في السادسة تحمل راية بيضاء مربوطة علي عصا، لكنها لم تتقدم بعض خطوات حتي أطلقنا عليها النار وقتلناها، ثم قتلنا النساء اللواتي لم يبدين أية مقاومة. ثم أنني رأيتهن بعد ذلك مسلوخات الرأس، بينما كانت إحداهن مبقورة البطن وجنينها في بطنها واضح للعين. وأخبرني الكابتن شاول انه رأي ما رأيت، ورأي مثلي عددا كبيرا من الأطفال بين أيدي أمهاتهم المذبوحات'.



* * *



ويقول شاهد آخر هو الجندي آشبري بيرد أن 'عدد الضحايا يتراوح بين 400 و 500، وأنهم جميعا تعرضوا لسلخ فروات رؤوسهم. لقد رأيت امرأة تعرٌض فرجها للتمثيل به، كما شاهدت جثثا مقطعة تقطيعا فظيعا وعددا من الجماجم المحطمة. وإنني لعلي ثقة بأنها تحطمت بعد موت أصحابها بإطلاق النار عليهم كما هو واضح، 'وهذا ما يشهد عليه أيضا لاسيرجنت لوسيان بالمر انني لم أر قتيلا واحدا لم يسلخ رأسه أو رأسها. لقد رأيت كذلك أصابع مقطوعة للسطو علي الخواتم. كما رأيت عددا من الجثث وقد قطعت أعضاؤها التناسلية' . وتقول شهادة عاموس ميلكش : 'رأيت طفلا مايزال حيا بين الجثث المرمية في الخندق. ورأيت جنديا من الفرقة الثالثة يستل مسدسه ويطلق النار علي رأس الطفل. رأيت ضحايا مقطعة الأصابع للسطو علي خواتمها، ومقطعة الآذان للسطو علي زينتها، ورأيت عددا من الجنود ينبشون جثثا تم دفنها ليلا. وذلك ليسلخوها وليأخذوا زينتها. ورأيت امرأة هندية مهشمة الرأس. وفي الصباح التالي، بعد أن تيبست الجثث، بدأ الجنود بسحب جثث النساء و'فتحهن' بطريقة مشينة . وشهد دافيد لودرباك أحد الفرسان أن 'جثث النساء والأطفال تم التمثيل بها بطريقة مخيفة. لقد رأيت ثمانية منها فقط، ولم أجد في نفسي الشجاعة لرؤية المزيد فقد كانت شديدة التقطيع، وكانت مسلوخة الرؤوس.

أما الزعيم وايت أنتولوب 'الظبي الأبيض' فإنه كان مقطوع الأنف والأذنين والأعضاء التناسلية'. ويقول المترجم جون سميث : 'لقد مارسوا كل أنواع السلب والنهب. لقد سلخوهم، واقتلعوا أدمغتهم،. واستخدم الجنود سكاكينهم لتمزيق أجساد النساء وشقهن، ولتعذيب الأطفال ودق رؤوسهم بأعقاب البنادق واقتلاع أدمغتهم والتمثيل بأجسادهم. وأسوأ تمثيل رأيته في حياتي هو تقطيع النساء إلي قطع صغيرة وتمزيق جثث الأطفال ذوي الشهرين أو ثلاثة أشهر. وعندما ذهبت إلي مكان المذبحة في اليوم التالي لم أر جسدا واحدا إلا وقد سلخ وقطعت أعضاؤه التناسلية.

ويقول الليوتننت جيمس كانون : 'سمعت جنديا يقول إنه اقتطع فرج امرأة وعلقه علي عود لعرضه. وسمعت آخر يقول إنه قطع أصابع هندية ليأخذ خواتمها. كما سمعت جنودا قالوا إنهم اقتطعوا فروج الهنديات وشدوها علي مقدمات سروج خيولهم أو عرضوها علي قبعاتهم أثناء الاستعراض العسكري. وسمعت جنديا يقول إنه شق قلب امرأة هندية ورفعه علي عود



* * *



بعد انتهاء 'المهمة' عقد الكولونيل شفنجتون مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه خاض مع رجاله 'إحدي أكثر المعارك دموية مع الهنود، حيث تم تدمير أعتي قري هنود الشايين'! فيما عمت النشوة بين الزنابير في طول البلاد وعرضها حتي إن افتتاحية إحدي الصحف شبهت فروات الرؤوس المقطوعة بالضفادع التي اجتاحت مصر قبل خروج بني اسرائيل منها، وأضافت 'ليس هناك أحد لم يتمتع بقطعة من فراء رؤوس الشايين، وهناك من بلغت به النشوة ان ارسلها 'إلي أصدقائه' في الشرق'.

أما الرئيس تيودور روزفلت فإنه تسامي بهذه البطولات فوصفها بقوله 'إن مذبحة ساند كريك كانت عملا أخلاقيا ومفيدا 'ذلك لأن' إبادة الأعراق المنحطة حتمية ضرورية لا مفر منها.

وفي عام المذبحة اكتشف أحد الصيادين امكانية استخدام الأعضاء الذكرية أكياسا للتبغ. ثم تطورت الفكرة المثيرة من هواية فردية للصيادين إلي صناعة رائجة بعد أن صار 'كيس التبغ' هذا، مثل الشاريين، من أبرز علامات الرجولة والفروسية والارستقراطية الاستعمارية، وصار الناس يتهادونه في أعيادهم وأفراحهم .

لكن هذه الصناعة لم تعمر طويلا في داخل أمريكا بعد أن انخفض عدد الهنود في عام 1900 إلي ربع مليون، وضاق وجه الأرض الامريكية بالسلخ وقطع الرؤوس ولم يعد أمام الحضارة إلا أن تبحث وراء المحيط عن مجاهل جديدة ووحوش طازجة في باناما والفيليبين واليابان وهايتي وكوريا وفيتنام وما بين الحجون إلي الصفا.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:27 PM

20

الثورة الأمريكية
الثورة الأمريكية (1775 - 1783م). هي الثورة التي قامت ضد بريطانيا، وأدت إلى ميلاد دولة جديدة باسم الولايات المتحدة. كانت الثورة أو الحرب الثورية قد اندلعت بين بريطانيا والولايات الثلاث عشرة الممتدة على الساحل الأطلسي في أمريكا الشمالية.

بدأت الحرب في 19 أبريل 1775م عندما اصطدم البريطانيون بالثوار الأمريكيين في مدينتي لكسنجتون وكونكورد في ماساشوسيتس، واستمرت ثماني سنوات وانتهت في 3 سبتمبر 1783م، عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة.



مذبحة بوسطن حدثت في 5 مارس عام 1770م، عندما أطلق جنود بريطانيون النار على بعض الأمريكيين وقتلوا خمسة منهم. هذه الدعاية الوطنية التي قام بحفرها الفنان بول ريفير لإثبات الحدث، سماها مذبحة بوسطن لتحريض المستوطنين ضد الحكم البريطاني.
أسباب الحرب وخلفياتها. كان النفوذ البريطاني في أمريكا الشمالية في أوجه قبل الثورة الأمريكية بسنوات قليلة. فقد تغلبت بريطانيا في حربها مع الفرنسيين والهنود، وكانت المعاهدة التي أنهت الحرب قد ضمنت لبريطانيا معظم الأراضي التي كانت بيد الفرنسيين في أمريكا الشمالية التي كانت تمتد من جبال الأبلاش في الشرق إلى نهر المسيسيبي، ومن ضمنها رقعة واسعة في كندا. كان معظم أهل المستعمرات الأمريكيين يفخرون بانتمائهم إلى الإمبراطورية البريطانية، في وقت كانت تُعتبر فيه أقوى الإمبراطوريات في العالم.

كان من حق المستعمرات أن تنتخب ممثليها لجمعية تشريعية تقوم بسن القوانين وفرض الضرائب، ولكن حاكم المستعمرة كان له حق نقض أي من تلك القوانين. وكانت بريطانيا تأمل من المستعمرات الأمريكية أن تخدم مصالحها الاقتصادية وقد رضيت المستعمرات بذلك بصورة عامة. والمثال على ذلك أنها امتنعت عن صنع المواد والسلع المنافسة لمثيلاتها البريطانية.


تغيُّر السياسة البريطانية. بدأت بريطانيا بتغيير سياستها بعد الحرب الفرنسية والهندية، وذلك بتشديد قبضتها على مستعمراتها الشاسعة في أمريكا، فصوت برلمانها على وجود جيش مرابط في أمريكا الشمالية. وصدر قانون يلزم المستعمرات بأن تؤمن لذلك الجيش الثكنات والتجهيزات كما صدر قرار بتخصيص أراضٍ واقعة غرب جبال الأبلاش لإسكان الهنود، ومنع البيض من إنشاء مستوطنات لهم في تلك الأراضي، وتعيين الحراس لإبعاد المستوطنين عنها. لقد اغتاظ المستوطنون من هذا القرار قائلين بأنه لا يحق لبريطانيا أن تمنعهم من الاستيطان، كما أن الكثيرين منهم كانوا يطمعون في تحقيق أرباح لهم في شراء الأراضي في الغرب.



دعاية بريطانية تُظهر اللوحة جماعة ثائرة من المستوطنين تنقض على جابي الضرائب، وتسكب عليه القطران وتجبره على شرب الشاي وهو يغلي. أما خلفية الصورة فتوضح بعض المستوطنين وهم يفرغون الشاي الإنجليزي في البحر.
قانون الطابع. رأت بريطانيا ضرورة مشاركة أهل المستعمرات في تحمل نفقات جيوشها في أمريكا، فأصدرت في سنة 1765م قانونًا عرف بقانون الطابع، بموجبه تُدفع رسوم على الصحف وورق اللعب والشهادات العلمية والعديد من المستندات الرسمية على غرار ما كان معمولاً به في بريطانيا.

اندلعت أعمال الشغب في المستعمرات احتجاجًا على هذا القانون، ورفض الناس السماح ببيع تلك الطوابع متعللين بأنه لا يحق لمجلس البرلمان البريطاني أن يفرض ضرائب على المستعمرات، لاعتقادهم بأن ذلك هو من حق هيئتهم التشريعية التي انتخبوها. وقرر التجار في جميع الموانئ أنهم سيقاطعون البضائع البريطانية مالم يقم مجلس البرلمان بإلغاء ذلك القانون. وقد ألغى مجلس البرلمان قانون رسم الطابع في السنة التالية مصدرًا قرارًا آخر يجعل للملك والبرلمان الحق التشريعي في إصدار القوانين الخاصة بالمستعمرات في كل المسائل.


قانونا تاونزهند. أصدر البرلمان البريطاني بعد ذلك قانوني تاونزهند، نسبة إلى وزير الخزانة آنذاك، فَرَض أحدهما ضريبة على الرصاص والأصباغ والورق والشاي كما فرض الآخر إنشاء مكتب للجمارك لجمع الضرائب في بوسطن. وتسبب القراران في تجدد الاحتجاجات التي ألغيت على أثرها تلك الضرائب باستثناء الضريبة المفروضة على الشاي. وخرجت المظاهرات ضد الضريبة مرة أخرى ولاسيما في مدينة بوسطن، فتصدى الجنود البريطانيون للمتظاهرين وقتلوا منهم خمسة أشخاص. وقد سمى الأمريكيون هذا الهجوم مذبحة بوسطن.


قانون الشاي. بدأ الأمريكيون يُهرِّبون الشاي من هولندا لتلافي دفع ضريبته، وكانت شركة الهند الشرقية البريطانية الممولة للشاي إلى المستعمرات، قد أصيبت بأضرار بسبب المقاطعة والتمست المساعدة من البرلمان، فقرر تخفيض الرسوم فاستطاعت الشركة أن تخفض سعر الشاي إلى مستوى أدنى من سعر الشاي المهَّرب، غير أن المستوطنين استمروا في المقاطعة، ورفض التجار بيعه وقام عدد من أهالي بوسطن متنكرين في أزياء هندية بالهجوم على السفن المحملة بالشاي في الميناء، وألقوا بشحناتها في الماء. وعرفت هذه العملية ببوسطن تي بارتي.


القوانين القسرية. غاظ ذلك الملك جورج ووزراءه فأصدروا عددًا من القوانين في 1774م سماها الأمريكيون القوانين غير المحتملة، من بينها قانون يأمر بإقفال ميناء بوسطن إلى أن يدفع الأهالي قيمة الشاي الذي أتلفوه، وقانون آخر أوقف فعاليات الهيئة التشريعية في ماساشوسيتس وتوسيع صلاحيات حاكمها البريطاني.


الكونجرس القاري الأول. عقد الكونجرس القاري الأول اجتماعًا في فيلادلفيا من 5 سبتمبر إلى 26 أكتوبر 1774م وصوت لصالح قطع العلاقات التجارية مع بريطانيا ما لم تقم بإبطال القوانين القسرية، كما وافق على اقتراح بقيام المستعمرات بتدريب رجالها على فنون الحرب. ولم يتطرق أي من الوفود إلى موضوع الاستقلال
.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:28 PM

21

الإمبريالية الأمريكية: تاريخ حافل بالجرائم
في عام 1833 قامت القوات الأمريكية بغزو نيكاراجوا .

وفي عام 1835 دخلت هذه القوات إلى بيرو .

وفي عام 1846 احتلت القوات الأمريكية أرضا طالبت به المكسيك وهي ما تعرف الآن بولاية تكساس .وبهذا أثيرت الحرب المكسيكية . وفي أعقاب انتصار سنة 1848 ضمت الولايات---- المتحدة تلك الأرض بالإضافة إلى كاليفورنيا ونيومكسيكو.

وفي عام 1854 دمرالمارينز الأمريكي ميناء جراي تاون في نيكاراجوا انتقاما من إبعاد الوزير الأمريكي الذي كان في تلك البلاد. وبعد ذلك بعام غزت القوات الأمريكية أوراجواي.ثم قامت بغزو قناة بنما .

وفي عام 1857 تدخلت القوات الأمريكية في نيكاراجوا لإفشال محاولات وليم روكز وهو مغامر من تنيسي حاول تولي السلطة في نيكارجوا .

قامت القوات الأمريكية بغزو كولومبيا عام 1873 بعدة إنزالات عسكرية تتابعت في الأعوام 1885 و1891 و1892 و1893 و1898 و1899 .

وفي عام 1888 تدخلت القوات الأمريكية في هايتي . وفي عام 1891 في تشيلي .

وفي عام 1894 تدخلت القوات الأمريكية مرة أخرى في نيكاراجوا .

وفي عام 1898 كانت الحرب الأمريكية الأسبانية حيث افتعلت الولايات المتحدة حادثة كوبا وقد حاصر على أثرها الأسطول الأمريكي الموانئ الكوبية بينما قام الجيش والمتطوعون بما فيهم تيودور روزفلت بسحق القوات الإسبانية عل الشواطئ.

وبعد ثلاثة أعوام جعلت الولايات المتحدة من كوبا وكرا أمريكيا للقمار كما ضمنت الحق في قاعدة بحرية في خليج جوانتانامو وما زالت تحتفظ بها حتى الوقت الحاضر.

وفي عام 1901 و1902 تدخلت القوات الأمريكية في كولومبيا . وفي 1902 تدخلت في هندوراس .

وفي 1906 خلال الحرب الأهلية في كوبا

انتظمت القوات الأمريكية في جيش التهدئة الكوبية لاستعادة النظام وإقامة حكومة مستقلة خلال ثلاث سنوات . وفي عام 1907 تدخلت القوات الأمريكية واستولت على ست مدن في هندوراس .

و في عام 1914 دخل المارينز الأمريكيون إلى هايتي في عملية إنزال حيث سرقوا البنك المركزي استردادا لأحد الديون.

وفي عام 1914 أمر الرئيس ولسون بحريته بقصف واحتلال فيركروز . وفي عام 1916 وبعد غارات مكسيكية على الأراضي الأمريكية أرسلت قوة بقيادة بير شنج حيث دخلت المكسيك لمطاردة زعيم الثوار بانكوفيلا .

وفي عام 1916 تدفقت القوات الأمريكية إلى الدومينكان لتهزم الثوار وتسيطر على البلاد بحكومة عسكرية حتى عام 1924 .

وفي عام 1932 تدخلت القوات الأمريكية في السلفادور بمساعدة السفن الكندية .

وفي عام 1954 أطاحت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة جواتيمالا.

وفي عام 1961 غزت أمريكا خليج الخنازير في كوبا بواسطة جيش من المبعدين الذين تبنتهم وانتهى هذا الغزو بالفشل .

وفي عام 1962 فرض الرئيس كيندي حصارا جويا وبحريا عل كوبا لإجبار السوفيات على إبعاد صواريخهم الذرية من الجزيرة.

وفي عام 1967 ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية سي .آي .إيه عسكر بوليفيا على جيفارا في بوليفيا .

وفي هذه الأثناء كانت هناك تدخلات أمريكية في فيتنام وكوريا .

وفي عام 1967 أمدت الولايات المتحدة الأمريكية الكيان الصهيوني بالمال والعتاد والأسلحة ونتج عن ذلك هزيمة العرب في نكسة 1967 .

وفي عام 1973 زعزعت الولايات المتحدة الأمريكية الاستقرار في تشيلي مما هيأ الطريق أمام قيام دكتاتورية عسكرية. وفي نفس العام تدخلت الولايات المتحدة عن طريق وزير خارجيتها هنري كيسنجر وأوقفت مد النصر العربي في حرب العاشر من رمضان .

وفي أبريل 1980 قامت قوات كوماندوز أمريكية في مهمة لإنقاذ 53 أمريكيا محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران تفقد في الصحراء، ومقتل ثمانية أمريكيين في حادث اصطدام طائرة هليكوبتر بطائرة حاملة للدبابات.

وفي عام 1981 و1982 بدأت امريكا بتعزيز أساطيلها العسكرية في الخليج ونشر الصواريخ في أوربا .

وفي أكتوبر 1983 تم انفجار سيارة ملغومة في ثكنات قوات المارينز الأمريكية التي أرسلها الرئيس رونالد ريجان إلى بيروت كجزء من قوات دولية لحفظ السلام. ومقتل 241 من المارينز والبحارة في الهجوم الأمر الذي أدى لانسحاب القوات الأمريكية من العملية.

وفي أبريل 1986: قامت القوات الأمريكية بمهاجمة قواعد ساحلية في ليبيا انتقاما مما يزعم أنها هجمات إرهابية دبرتها ليبيا ضد أهداف أمريكية. ومقتل طيارين أمريكيين بعد إسقاط البطاريات الليبية لطائرتهما من طراز اف 111 بي.

وفي ديسمبر 1989 أمر الرئيس جورج بوش يبشن ضربة أمريكية على بنما لمساندة القوات الأمريكية التي تتخذ من بنما
مقرا لها في محاولة للإطاحة بالزعيم البانامي الجنرال مانويل نورييجا واعتقاله. واعتقل نورييجا بالفعل في يناير كانون الثاني
1990 وسجن في الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالمخدرات.

وفي أغسطس 1990أمر الرئيس جورج بوش الأب بحشد عسكري للقوات الأمريكية في السعودية بعد غزو العراق للكويت وضمه لها. وبوش يأمر القوات بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تطالب القوات العراقية بالانسحاب غير المشروط من الكويت.

في يناير 1991 حشدت الولايات المتحدة 527 ألفا من القوات في الخليج وبدأ الائتلاف الدولي بقيادة أمريكا حملة قصف
مكثف للعراق. ولا تزال الطائرات الأمريكية والبريطانية تشن طلعات جوية على شمال العراق وجنوبه للتأكد من تنفيذ
حظر الطيران الذي فرضته الدولتان على المناطق الكردية في شمال العراق والمناطق الشيعية في جنوبه. وتشن الطائرات
الغربية بعض الهجمات أحيانا على هذه المناطق.

وفي يوليو 1992: واشنطن توافق باعتبارها عضو في حلف شمال الأطلسي على استخدام قواتها البحرية في البحر الأدرياتيكي
أثناء حرب البوسنة لمراقبة تنفيذ العقوبات الدولية المفروضة على جمهوريتي الصرب والجبل الأسود. . وفي أبريل 1993 بدأ حلف شمال الأطلسي دوريات قتال لتنفيذ الحظر المفروض من الأمم المتحدة على الرحلات الجوية.

وفي عام 1992-1994: الولايات المتحدة ترسل ما يصل إلى ثمانية وعشرين ألفا من قواتها إلى الصومال في إطار مهمة
إنسانية في الصومال، ومقتل ثمانية عشر فردا من القوات الأمريكية في أكتوبر تشرين الأول 1993 يدفع أمريكا لسحب قواتها في أوائل عام 1994.

وفي سبتمبر 1994: قوات متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة تحتل هاييتي لاستعادة الديمقراطية والقادة الأمريكيون يسلمون قيادة البلاد للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني 1995. وفي فبراير 1994-سبتمبر 1995: الولايات المتحدة، باعتبارها عضو في حلف شمال الأطلسي، تشارك في شن هجمات جوية على القوات الصربية.

وفي أغسطس 1998: الولايات المتحدة تشن هجمات بصواريخ كروز على أهداف في أفغانستان وعلى مصنع للدواء في السودان قائلة إن لها علاقة بهجمتين تفجيريتين استهدفتا سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا وأسفرتا عن مقتل أكثر من مئتي شخص.

وفي الرابع والعشرين من مارس آ1999: الطائرات والسفن الأمريكية تقود قوات حلف شمال الأطلسي في شن هجمات جوية على جمهورية الصرب لإرغام بلجراد على الموافقة على خطة سلام دولية لإنهاء الحرب في كوسوفو.

والحملة تنتهي في العاشر من يونيو حزيران بعد بدء انسحاب القوات الصربية من كوسوفو والسماح لقوات حفظ السلام
التابعة لحلف شمال الأطلسي بدخول الإقليم.

وفي السـابع من أكتـوبر 2001: الولايات المتحدة وبريطانيا تشنان أول هجمات جوية ضد أفغانستان، والرئيس الأمريكي جورج بوش يقول إن العملية هي بداية لحملة مستمرة وشاملة ضد الإرهاب في أعقاب الهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر أيلول والتي أسفرت عن مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:28 PM

22

الحرب الأسبانية الأمريكية
الحرب الأسبانية الأمريكية أدت إلى ظهور الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة عالمية. جرى هذا النزاع القصير بين الولايات المتحدة وأسبانيا ما بين شهري إبريل وأغسطس من عام 1898م حول قضية تحرير كوبا. وفي أثناء الحرب نالت الولايات المتحدة غوام وبورتوريكو وجزر الفلبين.


الخلفية التاريخية للحرب


سوء الحكم الأسباني. كان الأمريكيون يأملون ـ حتى نحو عام 1860م ـ في احتلال كوبا. وبعد الحرب الأهلية الأمريكية
(1861 - 1865م)، تضاءل الاهتمام بضمها، ولكن ظل الأمريكيون مستائين من سوء الحكم الأسباني. وحدثت انتفاضة منهكة وطويلة في السبعينيات من القرن التاسع عشر. وفي عام 1895م ـ أثناء كساد اقتصادي ـ زادت الأوضاع سوءًا باندلاع الثورة مرة ثانية مهددة بالاستمرار بلا نهاية. ولم تكن القوات الأسبانية بالقوة الكافية لقمع العصيان المسلح، كما أن الثوار لم يكونوا بالقوة الكافية لينتصروا.


التدخل الأمريكي. نشرت الصحف الأمريكية روايات مثيرة عن الاضطهاد الأسباني، وحاولت إثارة الشعور العام من أجل التدخل الأمريكي، وكان العديد من الأمريكيين يرون أن الأوضاع في كوبا تستوجب التدخل. وكانت القلة تشعر بأن الولايات المتحدة يجب أن تحصل على قواعد عسكرية وبحرية، وتصبح قوة إمبريالية.

في نوفمبر عام 1897م، ضغط رئيس الولايات المتحدة ماكينلي على أسبانيا لمنح كوبا حكمًا ذاتيًا محددًا في إطار الإمبراطورية الأسبانية، ولكن الثوار لم يكونوا يرغبون في أي شيء سوى الاستقلال، ولذلك استمروا في القتال. وفي تلك الأثناء، ثار المؤيدون للأسبان في هافانا، احتجاجًا على الحكم الذاتي. وتحت ذريعة حماية الأمريكيين من مثيري الشغب، وصلت السفينة الحربية ماين إلى ميناء هافانا في 25 يناير 1898م . وفي 15 فبراير نسف انفجار السفينة وقتل نحو 260 شخصًا كانوا على متنها. واعتبر الأمريكيون في الحال أسبانيا مسؤولة عن الانفجار.

أصبح شعار تذكروا الماين شعارًا محرضًا وحماسيًا. وقامت القوات التي كانت موجودة بعد العمليات العسكرية. وأرسل الرئيس ماكينلي ثلاث مذكرات في مارس لأسبانيا يطلب فيها الاستقلال الكامل لكوبا . ولكن أسبانيا وافقت على هدنة. وفي 19 إبريل أجاز الكونجرس بأغلبية ساحقة قرارًا مشتركًا يؤكّد أن كوبا مستقلة. ونفى القرار أي نوايا أمريكية لنيل الجزيرة وأجاز استخدام الجيش وسلاح البحرية لإجبار أسبانيا على الانسحاب وفي 25 أبريل، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا أنها في حالة حرب مع أسبانيا اعتبارًا من 21 أبريل.


الأحداث الرئيسية


خليج مانيلا. جرت أول معركة مهمة في الحرب ، في الفلبين، بالأسطول الآسيوي ، حيث أبحر الأسطول المكوّن من ست سفن بقيادة جورج ديوي من هونج كونج إلى خليج مانيلا. وفي 1 مايو 1898م دُمِر الأسطول الأسباني المكون من عشر سفن دون خسارة لحياة أي أمريكي أو إتلاف أي سفينة أمريكية. ثم حاصر ديوي ميناء مانيلا في انتظار وصول قوات الولايات المتحدة.


حصار كوبا. في تلك الأثناء، كان ما يسمى أسطول شمالي الأطلسي بقيادة العميد بحري وليم سامسون قد بدأ حصارًا جزئيًا لكوبا، بينما كان يبحث في البحر الكاريبي عن أسطول كان قد غادر أسبانيا بقيادة الأميرال باسكوال سيرفيرا توبيت. وأخيرًا، حددت السفن الأمريكية، في 28 مايو موقع أسطول سيرفيرا الذي كان قد رسا في ميناء سانتياجو في كوبا في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة.

وبينما وضع الأسطول قوة محاصرة خارج الميناء استعد الجيش سريعًا لإرسال حملة للهجوم على سانتياجو برًا.


المعارك البرية. بدأ اللواء وليم آر شافتر في إنزال 15,000 جندي في دايكويري وسيبوني بالقرب من سانتياجو، وأبدى الأسبانيون مقاومة لاتذكر أثناء إنزال الجنود وانتشارهم. وشن اللواء شافتر في الأول من يوليو هجومًا كاملاً من شعبتين ضد سانتياجو؛ فقد أرسل ما يقارب نصف رجاله إلى قوة أسبانية صغيرة تدافع ببسالة عن قلعة حجرية في مكان اسمه الكاني، أما بقية الرجال فقد قاموا بهجوم مباشر على الدفاعات الأسبانية الرئيسية في كتل هيل وسان جوان هيل. وبحلول الليل، كان الأمريكيون قد استولوا على سلسلة التلال المطلة على سانتياجو، ولكنهم فقدوا 1,600 جندي.

وعندما أصبحت سانتياجو محاصرة، أمر حاكم كوبا الأميرال سيرفيرا بأن يخترق الحصار البحري ويحاول أن ينقذ سفنه. قاد سيرفيرا السفن خارج الحصار في الثالث من يوليو، متجهًا غربًا، وكل سفينة تلو الأخرى على طول الساحل الكوبي. ولكن السفن البحرية الأمريكية المطاردة، التي يقودها القائد البحري وينفليد شلي أغرقت كل واحدة منها أو سحبتها إلى الشاطئ. ومرة ثانية لم يحدث أي دمار خطير لأي من السفن الأمريكية. استسلمت سانتياجو في 17 يوليو بعد أيام من المفاوضات. وفي 25 يوليو بدأ اللواء نيلسون مايلز غزو بورتوريكو، ولم يجد أي مقاومة تذكر تقريبًا. وصلت عدة فرق من قوات الولايات المتحدة إلى الفلبين. وفي 13 أغسطس دخلت مانيلا واحتلتها، وبذلك حالت دون دخول الفلبينيين الوطنيين إليها. وكانت أسلاك البرق قد قطعت، ولذلك لم يعرف ديوي بأن هدنة كانت قد وقعت في اليوم السابق.


نتائج الحرب


معاهدة السلام. نما الشعور داخل الولايات المتحدة بأن تحتفظ بغنائم الحرب ماعدا كوبا. منحت أسبانيا كوبا حريتها في معاهدة باتريس التي وقعت في العاشر من ديسمبر 1898م. وتخلت أسبانيا عن غوام وبورتوريكو والفلبين للولايات المتحدة. ودفعت الولايات المتحدة 20 مليون دولار أمريكي مقابل جزر الفلبين.


مناهضة الاستعمار. لم يوافق كثير من الأمريكيين على وضع أمتهم الجديد كقوة استعمارية. ولذلك عارض هؤلاء المناهضون الاستعمار وضم هذه البلاد. ولم يكونوا راغبين في إبقاء رعايا أي دولة بالقوة، والمخاطرة بالتورط مستقبلاً في حروب أخرى، أو مواجهة منافسة منتجات المستعمرات أو العاملين. كانت القوى المناهضة للاستعمار قوية في مجلس الشيوخ لدرجة أنه أقر معاهدة السلام بصوت واحد فقط في السادس من فبراير 1899م.


نتائج أخرى. كان على الولايات المتحدة أن تقمع عصيانًا طويلاً وداميًا في الفلبين، وأن تقوي دفاعاتها، وأن تبني مزيدًا من السفن الحربية وتعيد تنظيم جيشها؛ لتعالج نقاط الضعف الخطرة التي كشفتها الحرب.

أظهرت الحرب الحاجة إلى شق قناة عبر برزخ بنما الذي يفصل البحر الكاريبي عن المحيط الهادئ وهكذا كان من نتائج الحرب الأسبانية الأمريكية شق قناة بنما.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:29 PM

23

فتح الاندلس
امتطى ابو عبدالله الصغير صهوة فرسه مولياً ظهره لقصر الحمراء الشهير في يوم بارد من ايام كانون الثاني 1492م. علت وجه أبي عبدالله سحابة كثيرة من الحزن وخيم على الركب الصغير صمت طويل ينبئ عما يكتنف قلوب هذا الركب من غم شديد. سار ابو عبدالله تتبعه امه وبعض من اهله وصحبه في ذلك الطريق الملتوي الطويل الذي يمر بين شعاب غرناطه وجبالها متجهاً إلى منفاه ليفارق غرناطة إلى الابد.

كانت الشمس قد آذنت بالغروب واخذت تعكس باشعتها الذهبية على جدران قصر الحمراء لتكسي حجارته بصبغة حمراء باهتة فتضفي عليه سحراً وجاذبية.

توقف أبو عبدالله قليلاً عند تلة صغيرة تُشرف على وادي غرناطة المكتظ ببيوته البيضاء ليلقي نظرة وداع اخيرة على مدينته الحزينة التي يتوسطها قصره الشهير.. تسارعت في ذهن أبي عبدالله ذكريات الصبا وأيامه الجميلة التي قضاها في صالات وأروقة هذا القصر وفي حدائقه الفناء الواسعة كان ابو عبدالله يعرف ان تلك الوقفة سوف تكون الاخيرة وان تلك النظرة ستكون النهائية اذ ليس يأمل ابداً بأن يرى مدينته المحبوبة ثانية، تمنى ابو عبدالله لو تطول تلك الوقفة لعله يستطيع ان يملأ عينيه بتلك المناظر الساحرة التي تثير في نفسه ذكريات الصبا، إلاّ ان الحزن الذي يعتصر قلبه سرعان ما استحوذ على عينيه وإذا بهما تنهمران دمعاً ساخناً حاول جاهداً ان يخفيه عن نظرات امه الحادة التي عاجلته بلسانها الذرب.

إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً***لم تحافظ عليه مثل الرجال

نسيت عائشة الام انها كانت سبباً هاماً لسقوط غرناطة اخر معقل للاسلام في الديار الاندلسية بسبب غيرتها وتسلطها على ولدها أبي عبدالله واحابيل مكرها التي كانت تنسج شباكه في غرف القصر وصالاته.

وهكذا غادر ابو عبدالله آخر سلاطين بني الاحمر غرناطة تاركاً اهلها المسلمين لرحمة الاسبان الذين لم تعرف الرحمة يوماً إلى قلوبهم سبيلاً، ولتبدأ مرحلة بائسة طويلة مليئة بالاحزان والدموع، متسربلة بالدماء.. وليسدل الستار اخيراً على الاسلام في الاندلس بعد بضعة قرون من السنين.

كان رحيل أبي عبدالله آخر ملوك بني الاحمر بداية النهاية للحكم الاسلامي في تلك البقاع كما سنرى.

فتح الاندلس

كانت شبه الجزيرة الايبرية «اسبانيا» تحت حكم الملوك القوط الذين هاجروا اليها من داخل اوروبا وقد عانى الاسبان كثيرا من ظلمهم وسوء ادارتهم وقد كانوا يتحينون الفرص للتخلص منهم.

حانت الفرصة عندما جاء ملك القوط لذريق إلى الحكم بعد ان اغتصب الحكم من الملك الشرعي واغتياله. فقد طلب بعض الاسبان النجدة من موسى بن نصير الذي أرسل قائداً شاباً مع جيش صغير من المسلمين. كان هذا القائد هو طارق بن زياد الذي وطأت اقدامه هو وجيشه ارض الاندلس في شهر رجب 92 هـ «711م» عند المضيق المسمى باسمه لهذا اليوم «جبل طارق».

استطاع المسلمون من هزيمة لذريق وقتله وتشتيت جيشه بصورة تامة وبهذا بدأ الفتح الاسلامي لهذه البلاد وبدأ حقبة جديدة في تاريخ اسبانيا. لقد قابل الاسبان دخول الجيش الاسلامي بارتياح وترحيب ظاهرين اذ هم لاقوا الامرين من ظلم وتعسف ملوك القوط السابقين.. ولم تمض فترة قصيرة إلاّ وكان المسلمون يسيطرون على معظم البلاد الاسبانية واخترقوا جبال البايرينز إلى جنوب فرنسا إلاّ انهم خسروا معركة بلاط الشهداء مع شارل مارتل ملك الافرنج وبهذا توقف الزحف الاسلامي إلى قلب اوروبا بسبب فتنة عمياء لاقتسام الغنائم بين العرب والبربر حيث قتل في تلك المعركة القائد المسلم عبدالرحمن الغافقي عندما اضطرب الجيش الاسلامي وتقهقر امام ضربات الافرنج الذين استعادوا الهجوم واستغلوا الفرصة احسن استغلال.

لم تكن سيطرة المسلمين على اسبانيا كاملة تماماً اذ بقيت جيوب صغيرة للاسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجوم والتخريب. لم يدر في خلد المسلمين الفاتحين ان هذه الجيوب الصغيرة سوف تكون نواة لممالك الاسبان مستقبلاً لينطلقوا منها في التهام ممالك الاسلام في اسبانيا الواحدة تلو الاخرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الاسبان لينتهي إلاّ بطرد المسلمين بصورة نهائية كما سوف نرى.

على مرّ السنين دخل الكثير من الاسبان في الاسلام وكثر التزاوج بين الفاتحين والاسبان بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عروقهم دماء اسبانية اضافة إلى الدماء العربية والبربرية وقد ارتقى الكثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسي الذي اعتنق جده الاسلام.

لقد نشأت تركيبة اجتماعية وعرقية خاصة في الاندلس كانت سبباً في نشوء الفتن والاضطرابات التي كانت تؤججها سوء الادارة احيانا. فكان هناك العرب والبربر والاسبان، والعرب انقسموا بدورهم إلى قيسية ويمانية مع ما رافقها من فتن كبيرة وكان هناك البربر والتنافس التقليدين بينهم وبين العرب وكان الاسبان بقسميهم المسلم والمسيحي اضافة إلى المهجنين.

كانت هذه التركيبة العرقية والاجتماعية نواة فيما بعد لممالك الطوائف المتناصرة والتي انتهت بفنائها جميعاً كما سنرى خلال البحث.

الحكم الأموي المباشر في الأندلس

دخلت الاندلس المرحلة الثانية من تاريخها السياسي عندما فوّضت اركان الخلافة على بني امية في دمشق حيث هزم اخر خلفائهم مروان بن محمد امام جيوش العباسيين في معركة الزاب سنة 132 هـ.

وولى هائماً على وجهه وكأن الارض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتبدأ مرحلة دموية كان الامويون وقودها حيث أذاق بنو العباس الامويين حر الحديد وبأس السيف وجرعوهم مرارة الذل والهوان وشردوهم وراء كل حجر ومدر.. نجا من تلك المذابح شاب اموي اسمه عبدالرحمن استطاع عبور الفرات وهرب إلى شمال افريقيا، وبمساعدة اخواله البربر استطاع العبور إلى الاندلس. استطاع عبدالرحمن الملقب «الداخل» من تأليف القبائل اليمانية التي كانت ناقمة على هيمنة القبائل القيسية وبمساعدة البربر استطاع ان يخضع الاندلس لسيطرته وان يبايعوه أهل الاندلس اميراً عليها سنة 138 هـ «755م». حاول الخليفة ابو جعفر المنصور عبثاً اخضاع عبدالرحمن الداخل حيث استطاع عبدالرحمن هذا (الذي لقبه المنصور بلقب صقر قريش، ان يهزم جيش المنصور وأن يبرد برؤوس قادة الجيش إلى المنصور لتصله إلى مكة اثناء موسم الحج).

اتخذ عبدالرحمن قرطبة عاصمة له وبدأ ببناء وتوسعة مسجدها الشهير فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة اصبحت معها فيما بعد محط الانظار ومهد الحضارة.

استمرت السلالة الاموية في حكم الاندلس حيث بلغت اوج حكمها في زمن عبدالرحمن الثالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماً وامتد سلطانه إلى شمال افريقيا وليقهر الاسبان وليجعل من اسبانيا قبلة الامصار وعروس اوروبا. إليها تشدّ الرحال لطلب العلم والادب والفنون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في اوروبا.

بدأ حكم عبدالرحمن الثالث في سنة 300 هـ وانتهى عام 350 هـ واستطاع ان يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمى نفسه الناصر لدين الله وبهذا اصبحت دار الاسلام يحكمها ثلاثة خلفاء «الاموي والعباسي والفاطمي» في آن واحد.

وقد توسعت قرطبة في عصره ليبلغ عدد سكانها النصف مليون تقريباً، وقد بدأ الناصر ببناء مدينة الزهراء التي استمر بناؤها 17 عاما ليجعلها مدينته المفضلة وهي تبعد عن قرطبة عدة اميال ولكن لم يمهل الزمن مدينة الزهراء هذه طويلا اذ قد دمرت بعد خمسين سنة تقريباً في فتنة البربر الشهيرة.

توفي الخليفة الناصر سنة 350 هـ فخلفه ولده الحكم الثاني الذي حكم لغاية سنة 366 هـ والذي اشتهر بحبه للعدل والعلم والحكمة. وقد بلغت جامعة قرطبة في عصره منزلة علمية عالية جعلتها في مصاف جامعة الازهر في القاهرة والمدرسة النظامية في بغداد.

لما حضرت الحكم الوفاة نظر وهو على فراش الموت إلى ولده الصغيرة نظرة اسى وحزن وكأنه علم بما سيكتنف ارض الاندلس من فتن مضطربة بعده، كان ولده لا يجاوز احد عشر عاماً فأوصى له بالخلافة ولقبه «هشام الثاني» وجعل عليه وصياً وزيره الحاجب محمد بن أبي عامر الملقب بالمنصور والذي لم يكن عند حسن ظن سيده، اذ سرعان ما استحوذ على كل مراكز القوى وتخلص من منافسيه الواحد تلو الاخر بالقتل والاغتيال وقلص من نفوذ هشام الثاني الذي جعله لا يغادر القصر وصيّره خليفة بغير سلطان.

جمع المنصور هذا قدرة ادارية كبيرة وكفائة عسكرية عالية يخالطها الكثير من الحنكة السياسية وميل إلى البطش والتنكيل.. خاض المنصور مع النصارى الاسبان عدة معارك اثبت فيها نفسه شبحاً مرعباً للاسبان تتحدث به كتبهم لحد الآن وفي احدى المعارك استولى على كنيسة سنتياغو وجعل الاسرى الاسبان يحملون الاجراس على ظهورهم لمسافة 400 ميلاً إلى قرطبة..

وبموت الحاجب المنصور سنة 1002م بدأ الهبوط السريع لحكم الاسلام في الاندلس فلم يمض إلاّ وقت قصير حتى اندلعت فتنة البربر الذين دمروا مدينة الزهراء رائعة المدن في الاندلس وتعاقب على الخلافة الاموية خلفاء ضعفاء لم يتركوا اثرا يذكر إلاّ شيئاً ادبيا خالداً ألا وهو غرام الشاعر ابن زيدون «بالولادة» بنت الخليفة المستكفي التي عافت حياة الحريم وكانت على درجة كبيرة من الادب والعلم فأغرم بها الشاعر ابن زيدون الذي انتهى امره معها بالفراق فخلدها بقصيدته الرائعة:

أضحى التنائي بديلاً من تدانينا***وناب عن طيب لقيانا تجافينا

بنتم وبنا فما ابتلت جَوانحُنا***شوقاً إليكم ولا جفت ماقينا

بالأمس كنا وما يخشى تفرقُنا***والآن نحن وما يرجى تلاقينا

يا جنّة الخلد بدلنا بَسلسلِها***والكوثر العذب زقوماً وغسلينا

ملوك الطوائف

بعد الغاء الخلافة الاموية في قرطبة انفرط عقد دولة الاندلس الاسلامية وعادت الصراعات والاطماع القديمة إلى الظهور وانقسمت الدولة إلى عدد كبير من الممالك الصغيرة التي قد لا يتجاوز الواحدة منها مساحة المدينة الواحدة وما حواليها، وانحسرت عظمة قرطبة وصارت تابعة فيما بعد لسلطان اشبيلية التي ملكها بنو عاد.. كانت دويلات الطوائف هذه متحاربة فيما بينها لا يجمعها جامع من دين أو عصبية أو مصلحة مشتركة فكان من المستحيل على مثل هذه الدويلات الاتحاد ضد خطر الاسبان الزاحف من الشمال ولكن على الرغم من التفكك الاداري والعسكري الذي اصاب الاندلس فان هذه الفترة كانت من اخصب فترات الحضارة الاسلامية في تلك الربوع فقد ازدهر الادب والفن وترعرت الفلسفة ونشطت حركة الترجمة فلابد ان نذكر ان ابن رشد وابن طفيل وعبدالله بن ميمون والمعتمد بن عباد كانوا ابناء عصر الطوائف.. كان الكثير من ملوكها على قدر كبير من الادب والعلم كالشاعر بن عباد صاب اشبيلية والمظفر بن افطاس الذي الف كتاباً في التاريخ بخمسين جزءاً سماه كتاب المظفرى!

على ان ازدهار ممالك الطوائف لم يمنع سقوطها تجاه زحف الاسبان فكانت تلك الممالك كزهور الربيع الطرية التي هبت عليها الحصباء فصارت كالهشيم.

لقد تناسى اولئك الحكام المتصارعون التحذير القرآني (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وغاب عنهم ان من نام لم ينم عنه فكان املهم الوحيد تجاه قوة الاسبان في الشمال «مملكة قشتالة» هو الاستعانة باخوانهم في الشمال الافريقي.

كانت قد نشأت في المغرب العربي دولة قوية ناشئة من البربر الذين اسلموا حديثاً وسموا انفسهم بالمرابطين وكان ملكهم يوسف بن تاشفين الذي عبر المضيق المائي الفاصل لنجدة اخوانّه في الاندلس والحق بالاسبان هزيمة منكرة في معركة زلاقة الشهيرة حيث لم يعد من جيش الاسبان البالغ 60 الفاً سوى بضع مئات لاذوا بالفرار مع ملكهم الفرنسو السادس. وتنفست ممالك الطوائف الصعداء ولو لفترة قصيرة.. كانت اشبيلية يحكمها المعتمد بن عباد الشاعر المشهور والذي دبّ الخلاف بينه وبين يوسف بن تاشفين فنفاه يوسف هذا إلى المغرب في مدينة اغمات التي مات فيها فقيراً مأسوراً.

وقد رثى نفسه بقصيدة مؤثرة مطلعها..

فيما مضى كنتَ بالأيام مسرورا***فجاءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الاطمارِ عاريةً***يطأن في الدين ما يملكن قطميرا

رجع يوسف بن تاشفين إلى الشمال الافريقي وتوفي هناك فدب النزاع بين سلالته وسلالة اخرى انشأت لها دولة سميت بدولة الموحدين والذين كانت لهم الغلبة اخيراً واشتهر من ملوكهم السلطان يعقوب ابو يوسف الذي عبر إلى الاندلس بعد ان سمع بالتهديد الاسباني الجديد لنصارى قشتالة فاشتبك مع الاسبان في معركة دامية «معركة الاركوس» حيث خسر الاسبان معظم جيشهم وقد حاصر ابو يعقوب مدينة طليطلة حصاراً طويلاً فخرجت ملكة الاسبان وبناتها إلى السلطان ترجو منه فك الحصار وقد تحرك قلب ابي يعقوب لهذه الجرأة وملئت قلبه الاريحية فأرجعها معززة مكرمة ومحملة بالهدايا والنفائس.. وكان السلطان يعقوب هذا هو الذي بنى المأذنة وبرج المراقبة المسمى الجيرالدا «Giraldo» والذي مازال يطل شامخاً في سماء اشبيلية. كان هذا السلطان يحترم العلماء والمفكرين وقد ضم بلاطه ابن رشد وابن طفيل وغيرهم من الاطباء ابن زهر وابن باجة.

عزم السلطان يعقوب على الرحيل إلى الشمال الافريقي حيث قرر مغادرة الاندلس تاركا طوائفها لقسوة القدر وفتك الاسبان الذين سرعان ما اعادوا تنظيم جيوشهم وزادوا من عدتهم وعديدهم بينما زاد التناحر والتحارب ممالك الطوائف ضعفاً على ضعف.. ولم يكن هناك عبر الساحل الافريقي ابو يوسف يعقوب ليهب لنجدتهم فأصبحوا امام مصيرهم المحتوم. الذين هم سارعوا في تقريب ساعته اذ لا يعدم ان يرى المستطلع لتاريخ هذه الفترة استعانة المسلمين بالاسبان على اخوانهم المسلمين وبالتالي صار الاسبان يضربون بعض هذه الممالك ببعضها حتى إذا ابادوا احدها التفتوا إلى الاخرى فتساقطت هذه الدويلات تباعاً فسقطت قرطبة وبلقيسة ومرسية وحوصرت اشبيلية لمدة 15 شهراً من قبل الاسبان وكان ممن اشترك في الحصار ابن الاحمر مؤسس دولة بني الاحمر في غرناطة وسيأتي ذلك اليوم الذي يلتهم الاسبان مملكته ولو بعد حين (ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله) واخيراً فتحت اشبيلية ابوابها للاسبان فبدأت المجازر التي يعجز القلم عن وصفها ولم يستثنوا حتى الاطفال الرضع أو النساء أو الشيوخ.. وقد رثى الشعراء سقوط اشبيلية رثاء مبكياً كما في هذه الابيات للشاعر موسى بن هارون:

فكم اسارى غدت في القيد موثقةً***تشكو من الذل اقداماً لها حُطما

وكم صريع رضيع ظل مختطفاً***عن امه فهو بالامواج قد فُطِما

يدعو الوليد اباه وهو في شغل***عن الجوابِ بدمع سال وانسجما

فكم ترى والهاً فيهم ووالهةً***لا يرجع الطرف ان حاولته الكلما

في كل حين ترى صرعى مجدّلةً***وآخرين اسارى خطبهم عظما

لابد ان نذكر هنا ان السقوط المتسارع لممالك الطوائف هو نتيجة لمعركة العقاب التي دارت رحاها في سنة 609 هـ «1212م» بين الاسبان ومن ساندهم من الصليبيين العائدين من ارض الشام بعد طردهم من قبل صلاح الدين، وبين جيش السلطان محمد بن يعقوب ابي يوسف الذي عبر إلى الاندلس لتأديب الاسبان إلاّ ان تعسفه وسوء ادارته ادت إلى انفضاض مسلمي الاندلس عنه عند اول هجوم للاسبان في تلك المعركة فمنهم من هرب ومنهم من انضم إلى الاسبان.

وكانت هزيمة ساحقة للمسلمين كما واصبحت بالتالي بداية النهاية لدويلات الطوائف كما ذكرناه آنفاً.. ومرة اخرى تناسى المسلمون تعليم قرآنهم فكانت النتيجة وبالاً عليهم.

(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الادبار * ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير)«الانفال».

مملكة غرناطة وسلالة بني الاحمر

في تلك المرحلة الدامية العصيبة التي مرت بها دويلات الطوائف ظهر متنافسان قويان رئيسيان هما محمد بن الأحمر وابن هود وكان قد بلغ العداء بينهما على اشده بحيث استعان ابن الاحمر على خصمه بالاسبان وتنازل ابن هود بدوره عن ثلاثين من قلاع المسلمين للاسبان رغبة في مساندة الاسبان له ضد ابن الاحمر. كان حظ ابن هود اقل من حظ خصمه اذ استطاع ان يهزمه الاسبان ويموت اخيراً بالسم بينما استطاع ابن الاحمر هذا الذي اشترك في حصار اشبيلية كما ذكرنا، من بسط سلطانه ودعمه في جنوب الاندلس فاستولى على غرناطة عاصمة لملكه، التي قد تضخم عدد سكانها فبلغوا 200 الفا بسبب نزح الهاربين اليها من مجازر الاسبان وكانت تقع في موقع حصين في واد فسيح تحيد به الجبال وتتوفر فيها المياه العذبة وبسبب جهود الغرناطيين وخبرتهم تحول ذلك الوادي إلى حدائق غنّاء تنتج الغذاء الوفير مما جعلها موضع حسد من قبل النصارى الاسبان يتحينون الفرص للايقاع بها وابتلاعها كما سنرى فيما بعد. كان اسلاف ابن الاحمر ينتمون إلى سلالة بني نصر وهم من الانصار من الخزرج بالذات وكان اسلافه ممن خدموا السلالة الاموية في غرناطة وابلوا بلاء حسناً في الحروب.. بدأ محمد بن الاحمر ببناء قصره الحمراء على قمة تل كان موقعاً لحامية عسكرية مسلمة «القصبة» فجلب إلى هذا الموقع المياه بواسطة قنوات عميقة داخل الارض من الجبال المحيطة واتسع البناء ليستطيع ضم 000/40 الفاً وقد تعاقب سلاطين بني الاحمر على عمارة قصر الحمراء وتوسعته والعناية بحدائقه البهيجة حتى صار اعجوبة في الفن المعماري لهذا اليوم اصبحت غرناطة اخر معقل للاسلام في الاندلس وازدهرت فيها العلوم والفنون والاداب والفلسفة وكان سلاطينها يشجعون هذه النهضة ويرعونها ويجودون عليها بالغالي والنفيس.. وازدهرت الزراعة عبر موانئها الجنوبية الواقعة على البحر الابيض المتوسط ففيها عاش لسان الدين بن الخطيب وقضى ابن خلدون بعض الوقت من عمره في بلاط بني الاحمر.. واستطاعت غرناطة ان تصمد لقرنين آخرين من الزمان حتى سقوطها سنة 1492م.

سقوط غرناطة

ان صمود غرناطة لهذا الزمن الطويل يرجع لعدة اسباب منها منعة غرناطة وحنكة سلاطين بني الاحمر السياسية وصراعات الاسبان الداخلية.

كانت ممالك الاسبان الرئيسية هي قشتالة والاراكون «وليون التي ضمت إلى الاراكون» انّه لمن سوء طالع غرناطة ان يتم التصالح بين قشتالة والاراكون بزواج ملكة قشتالة ايزابيلا من ملك الاراكون فرديناند وبهذا توحدت ممالك الاسبان وبرزت اسبانيا المسيحية كدولة فتية قوية كان هدفاً مشتركا بينهما ان يقضي فرديناند وايزابيلا على غرناطة بصورة نهائية.. كانت ايزابيلا متعصبة لمسيحيها إلى حد الهوس وكانت ترى ان رسالتها ان تطهر ارض اسبانيا من الكفرة في نظرها وكان يساعدها على ذلك صرامة شديدة وقلب قاسي لا يلين. اما زوجها فرديناند فهو ضب لا يرى ضيراً ان يكتب عهداً بيمنيه لتنقضها شماله.

وبينما كان البلاط الاسباني سائراً في طريق الوحدة كان بلاط بني الاحمر مسرحاً للفتن والدسائس والمؤامرات التي ادت إلى ان يقتل بعضهم البعض.

اقترتب نهاية غرناطة عندما اعتلى السلطان علي ابو الحسن ابن الاحمر عرش غرناطة ـ كان ابو الحسن شجاعاً مقداماً ولكن يخالط شجاعته مزاج حاد وطبيعة نارية تبلغ درجة التهور والطيش غير عابي للعواقب ـ كان ابوه قد شخص ضعف غرناطة امام الاسبان فآثر السلامة ورضي ان يدفع لملك الاسبان ضريبة سنوية لارضائهم.. اما ابو الحسن هذا فعندما طولب بالضريبة. اجاب الاسبان ان ليس عنده إلاّ السيف واعقب كلامه بالفعل فهجم على حامية اسبانية قريبة واحتلها وطرد منها الاسبان.

وجد فرديناند وايزابيلا فرصتهم الذهبية لتحقيق حلم اسلافهم بالقضاء على هذا المعقل الحصين للاسلام.

وقد ساعدهم على ذلك حصول فتنة كبيرة في البلاط الملكي في غرناطة اذ ان ابا الحسن كان قد تزوج من ابنة عمه عائشة أو «فاطمة» التي ولدت له ابنه ابو عبدالله المقلب «الصغير» وكان لأبي الحسن زوجة اسبانية جميلة كانت المفضلة عنده حيث ولدت له طفلين واراد ان يجعل الملك لهما من بعده.. حدثت الفتنة داخل القصر بين أبي عبدالله الصغير مدفوعاً من امه عائشة وبين ابيه كان للاسبان يد فيها.. ويلف الغموض احداث هذه الفترة إلاّ ان المعروف ان ابا الحسن ترك غرناطة متجهاً إلى المرية عند اخيه الملقب «الزغال» لشجاعته وبأسه وهناك توفي ابو الحسن فاندلعت الفتنة بين الزغال وابن اخيه ابي عبدالله الصغير انتهت بأن يقسم الاثنان المملكة بينهما فيكون للزغال مالقة والمرية وجنوب غرناطة يكون الباقي لأبي عبدالله.

قرر فرديناند تصفية الخصمين كلاً على حدة وكان ابو عبدالله قد ارتبط بمعاهدة صداقة مع فرديناند.. فبعث فرديناند جيشاً كبيراً لمحاصرة مالقة لعدة شهور اصابت المجاعة اهلها ببلاء عظيم واستبسل سكانها في الدفاع عن مدينتهم.. وقد ارسل الزغال جيشاً من المرية لنجدة مالقة ولكن قطع الطريق عليه قوة عسكرية ارسلها ابو عبدالله.. انتصاراً للاسبان!! ولم يجد هذا الخسيس ضيراً ان يرسل رسالة تهنئة إلى فرديناند بسقوط مالقة فيما بعد.

اخيرا استسلمت مالقة للاسبان وبدأت المجازر التي راح ضحيتها الطفل والشيخ والمرأة على حد سواء.. لقد سجل الاسبان صفحة سوداء اخرى في تاريخهم في مالقة حفظتها كتب التاريخ.

ابدى الزغال شجاعة نادرة في مناوراته مع الاسبان وحقق انتصارات لا باس بها عليهم ولكن الكفة رجحت اخيراً لصالحهم فلم يجد بُداً من الاستسلام فأعطي بعض المال ونفي إلى ارض وهبها له فرديناند.

ولكن بقاءه في الاندلس لم يعد مرغوباً فيه فأمر اخيرا بالرحيل فعبر إلى فاس في مراكش وهناك اتهم بالخيانة والجبن وصودرت امواله وفقأت عيناه وسجن ثم اخرج من السجن ليبدأ بالتسول في شوارع فاس وليموت البطل اخيراً كسير القلب مجروح الفؤاد على الرغم من استماتته في الدفاع عن معقل الاسلام الاخير في الاندلس.

ودارت الايام على أبي عبدالله.. فلم يمض إلاّ وقت قصير حتى طلب فرديناند من أبي عبدالله تسليم غرناطة فوراً.. اسقط في يد ابي عبدالله ولم يجد الغرناطيون بداً من الدفاع عن مدينتهم والاستماتة في سبيلها.

وهكذا فقد بدأ حصار غرناطة في خريف سنة 1491م بعد ان سبقه تدمير الحقول والمروج والبساتين في وديان غرناطة الخضراء استمر الحصار لبضعة شهور كانت تكثر خلاله المناوشات والمبارزات بين فرسان المسلمين والاسبان كانت الغلبة في معظمها لفرسان الإسلام حتى خشي فرديناند على فرسانه من الابادة فأمر بايقاف المبارزة بين الطرفين وضيّق بدلها الحصار حتى تفشت المجاعة في داخل غرناطة.

وهناك بدأ ابو عبدالله الصغير مفاوضاته سراً لتسليم غرناطة وفك الحصار عنها على شروط عديدة.

وفى صباح يوم الثالث من كانون الثاني 1492 استيقظ الاسبانيون على اطلاقات المدافع من قصر غرناطة وإذا بهم يرون الصليب منتصباً على قصبته فها قد تم الاستسلام واعطيت المفاتيح لفرديناند وايزابيلا وبهذا انهزم هلال التوحيد امام صليب الشرك ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

كانت شروط تسليم غرناطة للاسبان تقضي للمسلمين بحرية الدين واللغة.. كما ان للمسلمين الحق في المحافظة على اموالهم وتقاليدهم وان تحسم قضاياهم من قبل قضاة مسلمين وكذلك السماح للمؤذنين بالاذان في أوقات الصلاة. ويُمنع المسيحيون من دخول بيوت المسلمين من غير اذن.. الخ، لقد استنام الغرناطيون لهذه العهود والمواثيق التي قطعها الاسبان لهم والتي كانت مخدعة الصبي عن اللبن أو الفطام.. فلم يعرف الاسبان ابداً انهم حافظوا على عهد سابق ابداً. كان هناك صوت رافض لهذه الشروط لفارس من فرسان غرناطة الشجعان واسمه موسى الذي خطب في قومه قبل الاستسلام محذراً اياهم من مغبة الاستنامة لوعود الاسبان ولما لم يجد اذناً صاغية غادر قومه قائلاً: «انّه يفضل الموت بالسيف على ان يموت صبراً بيد لئام الاسبان أو يُجرع الذل والهوان على يد الشرك». وعندما خرج موسى من غرناطة اعترضته قوة من فرسان الاسبان فدارت معركة غير متكافئة قتل فيها عدة منهم وسقط اخيراً من على فرسه مثخناً بالجراح فقاتل بسيفه قائماً على ركبتيه ولما تكاثر الاسبان عليه ليفتكوا به رمى بنفسه من علو إلى النهر ولما كان مثقلاً بالدروع غاص موسى إلى قاع النهر ولم يعثر عليه على اثر فضرب هذا الفارس المثل الأعلى في الاباء والعزة والكرامة والشجاعة.

وقد صدق حدس موسى رحمه الله فلم يمض وقت قصير إلاّ والعهود تنكث الواحد تلو الآخر من قبل الاسبان حتى لم يبق منها شيء يذكر وإذا بالمرحلة العصيبة الاخرى تمر على مسلمي الاندلس لتسدل الخاتمة على هذا التاريخ إلى يومنا هذا.

مرحلة ما بعد السقوط

بدأ التعسف والاضطهاد مباشرة بعد سقوط غرناطة وبدأت حملات التنصير الاجباري للمسلمين. ولكن الاسبان لاحظوا ان هؤلاء غالباً ما كانوا يظهرون المسيحية ويبطنون الاسلام وبدأت محاكم التفتيش بمحاكمة وحرق من يشتبه فيه التنصير الظاهري فراح الكثير ضحايا هذه المحاكم التي أمرت بأنشائها الملكة ايزابيلا لتلتهم اليهود والمسلمين وفيما بعد حتى النصارى الذين يشك في ولائهم المطلق للكنيسة الكاثوليكية فاقترنت ايزابيلا بمحاكم التفتيش هذه في التاريخ فكانت سنّة سيئة عليها وزرها ووزر من عمل بها.. ايزابيلا هذه التي سمّاها شكسبير شاعر الانكليز «ملكة ملكات الارض» وهي نفسها التي يبحث الفاتكان الآن في شأن رفعها إلى مستوى القديسة.. هذه هي التي كانت سبباً في ابادة شعبين مسلمين، المسلم في الاندلس والهنود الحمر في اميركا التي عبر اليها كولمبس مبحراً من اشبيلية بأموال الغنائم التي غنمها الاسبان من غرناطة وبأمر من ايزابيلا وزوجها فرديناند..

في سنة 1502م صدر مرسوم ملكي يقضي بأن يُمنح المسلمون شهرين فقط لا غير لاعتناق المسيحية أو الطرد النهائي فشهدت ساحات غرناطة احراق 000/80 من الكتب العربية والتنصير الاجباري للمسلمين من نزلاء حي البيازين المقابل لقصر الحمراء.

وفي سنة 1566م صدر مرسوم ملكي آخر يقضي بمصادرة الكتب العربية ومنع التكلم بالعربية ومنع الحجاب بالنسبة للمسلمات وغلق الحمامات العامة ومنع الزي الاسلامي والاستعاضة عنه بالزي الاسباني وتغيير الاسماء العربية إلى الاسبانية.

كان هذا فوق طاقة تحمل المسلمين فاندلعت ثورة عارمة في غرناطة وفي منطقة جبال إلبشارات التي التجأ اليها الالوف من المسلمين استمرت هذه الثورة لثلاث سنوات متتالية.. ارتكب فيها الاسبان ابشع الجرائم فاحرقت الكهوف على ساكنيها في جبال إلبشارات وقتل فيها الاطفال والشيوخ والنساء.. كان مدبر هذه الحملة على هؤلاء المقهورين البائسين هو (الامير دون جون) الابن اللقيط للامبراطور كارلوس الخامس، فلم تهز قلب هذا اللقيط انات الاطفال والنساء وهم يقتلون ويحرقون امام ناظريه بالالوف، فنال هذا اللقيط مكانة بجدارة في التاريخ بين سفاحي ومجرمي البشرية الجديرين بلعنة الله ولعنة اللاعنين!

تبكي الحنيفية البيضاء من اسف***كما بكى لفراق الالف هيمانُ

على ديار من الاسلام خالية***قد اقفرت ولها بالكفر عمرانُ

حتى المحاريب تبكي وهي جامدة***حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ

يا غافلاً وله في الدهر موعظة***ان كنت في سنة فالدهر يقظانُ

تلك المصيبة انست ما تقدمها***ومالها من طوال الدهر نسيانُ

يا راكبين عتاق الخيل ضامرةً***كأنها في مجال السبق عُقبانُ

وحاملين سيوف الهند مرهقةً***كأنها في ظلام النقع نيرانُ

وراتعين وراء البحر في دعة***لهم بأوطانهم عزٌ وسلطانُ

(ابو البقاء الرندي)

بالغ المسلمون في كتمان دينهم عن الاسبان، وقد اطلق عليهم الاسبان (المورسيكيون) في النصارى الذين ابطنوا الاسلام فكانت الوفود السرية تتوالى على المسلمين من شمال افريقيا ناقلة الفتاوى والتشريعات التي تعلمهم كيف يحافظون على دينهم في ظل هذا الكبت والكتمان.. إلاّ ان ذلك لم يكن ليستمر طويلاً.. ففي سنة 1612م كانت خاتمة الاسلام في الاندلس حيث اجبر المسلمون على الرحيل ومغادرة البلاد فغادر الكثير منهم ومات الكثير منهم في الطريق إلى شمال افريقيا وحمل بعضهم مفاتيح بيوتهم في غرناطة على امل العودة يوماً ما واستقر الكثير منهم في فاس والرباط وغيرها من مدن الشمال الافريقي.. كانت هذه الهجرة هي الاخيرة وقد قدر عدد النازحين بين نصف مليون والمليون وبعضهم يصل بالعدد إلى 3 ملايين وهكذا اسدل الستار على شعب مسلم عظيم عمّر ارض اسبانيا وارسى فيها حضارة عظيمة كان محط انظار العالم في القرون الوسطى.

(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير).

ولم تنج اسبانيا من العدالة الالهية فاذا امبراطوريتها التي امتدت في اوربا والامريكيتين تنهار سريعاً وتحولت اسبانيا إلى ارض جدباء وسارعت الخطى إلى عصور الظلام بينما دخلت مثيلاتها الاوربيات في عصور النهضة.. وبقيت اسبانيا تغط في نومها العميق إلى ان تململت اخيراً في اواخر القرن العشرين بعد ان دخلت واختها البرتغال السوق الاوربية المشتركة!!

خاتمة

لابد لنا ان نعرج ولو باختصار على الجانب الحضاري لمسلمي الاندلس. فقد ترعرت حضارة زاهية في ربوع الاندلس كان لسانها العربية ومادتها الاسلام.. وقد شملت هذه الحضارة مختلف الجوانب كالزراعة والصناعة والتجارة والادب والفن والمعمار والفلسفة وفن الحروب والفروسية.

فقد انشا المسلمون نظام ري متقن استطاع ان يحي الكثير من ارض الموات وتحولت بسببه ارض اسبانيا الى مروج خضراء وقد دخل العرب الفاتحون معهم المحاصيل الزراعية التي لم تكن معروفة في اسبانيا من قبل مثل النخيل والرز وقصب السكر.. كما برعوا في تربية دود القز وصناعة الانسجة الحريرية.

اما بالنسبة للفن المعماري فنظرة فاحصة إلى قصر الحمراء ومسجد قرطبة وقصر اشبيلية جديرة ان تثبت ما وصل إليه المسلمون من درجة عالية من الرقي في الفن المعماري والذي لا يزال محط انظار العالم إلى وقتنا الحاضر.

كما علينا ان لا ننسى التراث الفلسفي الكبير الذي خلفه لنا كبار الفلاسفة المسلمين مثل ابن رشد الذي كان له الاثر الكبير في نقل تراث الفلسفة اليوناني إلى اوربا عن طريق الاندلس وقد ذكر برتراند راسل انّه كانت مدرسة فلسفية في اوربا من اتباع ابن رشد.

وكذلك ابن الطفيل وكتابه الشهير في الفلسفة (قصة حي بن يقظان) وعبد الله بن ميمون والذي كان من يهود قرطبة الا انّه اثرى التراث الانساني بمؤلفاته التي الفها باللغة العربية، وابن عربي وفتوحاته المكية..

وقد برع الكثير من المسلمين في مجال الطب كابن زهر التي كانت مؤلفاته تدرس لفترة طويلة في حواضر اوربا وابن باجة..

ولا نريد ان نبخس النساء الاندلسيات حقهن فقد نبغت منهم الكثير من النساء في الادب والشعر والفنون كالولادة بنت المستكفي وحسانه التميمية وام العلا وغيرهن كثير.

ولابد ان نذكر هنا فن الفروسية التي برع فيه المسلمون وانتقلت تقاليده إلى داخل اوربا حتى اصبحت العصور الوسطى عصور الفروسية.. ان الفروسية هذه لم تكن نتاج غابات الماناي أو تربّت في صقيع دول اسنكندنافيا أو ضباب بريطانيا انها كانت وليدة ابناء الصحراء العرب المسلمين الذين جلبوا تقاليدها معهم اثناء الفتوحات، وقد تعلمها الاوربيون منهم عن طريق الاندلس والحروب الصليبية ولكن هيهات ان يكون الشبه بين الاصل والفرع وبين الابداع والتقليد..

ولا ننسى ايضاً في هذا المجال ما اثرى به الاندلسيون الشعر العربي من شعرهم الذي يتميز بالرقة والسهولة والعذوبة.

ولابد ان نذكر هنا ان اهل الاندلس اخترعوا الموشحات الاندلسية وهي الشعر المطبوع بطابع الاندلس ولعل بعض القراء يذكرون موشحات الوزير ابن الخيب المتميزة بشعره اللطيف..

جادك الغيثُ إذا الغيثُ همى***يا زمان الوصل بالاندلس

لم يكن وصلك إلاّ حُلُماً***في الكرى أو خلسة المختلس

اذ يقود الدهرُ اشتات المنى***ينقل الخطو على ما يرسمُ

زمراً بين فرادى وثنا***مثل ما يدعو الوفود الموسمُ

وروى النعمان عن ماء السما***كيف يروي مالك عن انس

فكساه الحسنُ ثوباً مُعلما***يزدهي منه بأبهى ملبس

اسباب السقوط

لابد واننا نستطلع تاريخ الاندلس ان ندرس عوامل سقوط هذه الدولة.. لانني اعتقد جازماً ان دراسة التاريخ ليست قصصاً مجرداً أو لترويج الفكر بقراءة دول الاقدمين وكأن حاضرنا مقطوع الجذور فان الدول تتشابه في نشوءها وهرمها وسقوطها فلو عرفنا العلل التي تصيب الدول فلعلنا نستطيع ان نصحح في حاضرنا ما اخطأ فيه الاقدمون في ماضيهم.

فاي دولة تقوم في التاريخ ولابد لها من عقيدة يؤمن بها افرادها لكي تخلق في نفوسهم حبها والاستماتة في الدفاع عنها ومن ثم قهر اعدائها وتوسعها.. هذا ما عبر عنه ابن خلدون في مقدمته بعنوان العصبية التي قد تكون ناشئة عن القبلية أو الدين وههذا ما نعبر عنه في الوقت الحاضر بالايدلوجية..

فلو اخذنا تاريخ العرب قبل الاسلام لرأينا مثلاً انهم كانوا قبائل مشتتة متحاربة يأكل قويها ضعيفها تفشت فيه العصبية ولكنها على مستوى القبيلة فكان الفكر القبلي قادراً ان يجمع القبيلة الواحدة أو حليفاتها ولكنه لم يستطع ان يخلق منها امة إلى ان جاء الاسلام وجمع العرب تحت راية التوحيد واستطاع ان يبعث في قلوبهم حب هذا الدين والذب عنه والجهاد في سبيله فخلق منهم امة متآلفة يجمعها هذا الدين.. اي بالتعبير الحديث.. خلق الاسلام لهم الايديولوجية التي استطاعت ان تجمعهم وتوحد جهودهم نحو الهدف وهو اعلاء كلمة الله ونشر كلمة التوحيد فكان ان فتح المسلمون البلاد وقضوا على امبراطورية فارس وشلوا امبراطورية الروم لزمن طويل وكانوا على ابواب فتح اوربا لولا الخلاف والفشل والتنازع الذي ادى بالتالي إلى اندحارهم وتلك سنن التاريخ التي تعم المجتمعات والدول والحضارات.

ولكن اصاب المسلمين ما اصاب غيرهم من الامم فضعفت الحمية الدينية في قلوبهم وركنوا إلى الدنيا وبالتدريج دب الوهن والخلاف والتنازع.

وهكذا نسي المسلمون احكام دينهم وتعاليم قرآنهم وتوصيات نبيهم الواحدة تلو الاخرى.. فتسلط حكام الجور عليهم.. وبالتدريج تحول الجهاد إلى صراع بين الدول والممالك لحفظ الملك فاختل نظام الدولة وبرزت الفتن في كل مكان وتقاتل المسلمون مع بعضهم البعض واستعانوا بالمشركين على المسلمين كما رأيناه في الاندلس مثلاً.

انهم بعبارة اخرى.. ذهبت من نفوسهم الحمية على الدين وركنوا إلى طموحاتهم الذاتية واهدافهم الصغيرة.. ولما لم يكن هناك عصبية اخرى غير الدين تجمعهم.. فقدوا الهدف وغامت عليهم السبل.

وبينما المسلمون في غفلتهم عن ضعفهم وما يكال لهم.. بدأت الامم الاخرى في الظهور والصعود وكانت عصبيتها من نوع اخرى (اي ايديولوجيتها بالتعبير الحديث) فالاسبان على سبيل المثال ظهرت فيهم الروحية القومية مدعومة بالحمية الدينية لتطهير اسبانيا من المسلمين الكفرة (بزعمهم) مضافاً اليها الطمع في الغنائم والاسلاب فاتفقت ممالك الاسبان رغم اختلافها.. جمعتهم عصبية الهدف المشترك والمصالح المشتركة فصاروا قوة كبيرة لم يستطع المسلمون الوقوف في وجهها لانهم فقدوا حيمتهم لدينهم الذي خلق منهم امة اولاً.. لم يكن كافياً انهم صاموا وصلوا وقرؤا القرآن.. اذ ان العقيدة وحدها عاجزة عن الصمود إذا لم يكن يساندها الحمية لهذا الدين ولهذا خسر معسكر الامام علي مثلاً بسبب فشل اهل العراق امام بغي معسكر معاوية.. وسقطت بغداد امام غزو المغول وخسر المسلمون الاندلس امام الاسبان وسقطت فلسطين بيد اليهود فى عصرنا الحالي.. كل ذلك لنفس السبب فالايمان والحمية لنصرة الدين هو الذي يخلق القوة لتذليل الصعاب ويبعث على تفجير الطاقات وتعثر على السبل لرفع الظلم والحيف ويجد الطريق للاخذ باسباب القوة والمنعة فالمسلمون باختلافاتهم العرقية والقومية والطائفية لا يمكن ان توحدهم عقيدة اخرى غير عقيدة الدين الذي يبعث في نفوسهم الايمان.. وانا اعني بالدين.. روح الدين التي تبث العقيدة في النفوس ولا اعني ديناً مؤطراً برأي المدارس الفقهية المختلفة.

لعل المسلمين بالرجوع إلى الايمان يستطيعون ان ينهضوا ويمنعوا ضياع اندلس اخرى واخرى بعد ان اضاعوا الكثير والله المستعان على لم الشعث وجمع الكلمة وتأليف القلوب وما النصر الا من عند الله.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:30 PM

24

الفتوح الإسلامية
الفتوح الإسلامية حركة نشر الإسلام عن طريق الدعوة والقدوة أو عن طريق القتال لمن صدَّ وأبى وأظهر العداوة. ويقصد بها أيضًا افتتاح دار الحرب، والانتصار على محاربيها. فطبيعة الإسلام تقتضي دخوله تلك الديار سلمًا عن طريق الدعوة والقدوة الحسنة. فإذا رفض أصحاب تلك البلاد الإسلام والتعايش مع النظام الإسلامي؛ أمر الخليفة المسلمين بفتحها. ولقد تكثفت هذه الفتوح في عصر صدر الإسلام. فقد جهّز أبو بكر الصديق الجيوش لفتح بلاد فارس والروم وأنفذ الحملة التي أعدّ لها الرسول ³ قبيل وفاته وعقد لواءها لأسامة بن زيد. وقد بدأت هذه الفتوحات بداية حقيقية على أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

كان من أهداف هذه الفتوحات حماية الدعوة من عدوان خصومها، سواء أكانوا من عرب الجزيرة نفسها، أم من خارجها، كالفرس والروم. كانت الفتوح الإسلامية في بدايتها حربًا دفاعية، حارب الرسول ³ فيها كفار قريش لأنهم رفضوا أن يتركوا له ولأصحابه حرية العبادة والدعوة، واعتدوا عليه وعلى أصحابه بشتى أنواع الاعتداء والتعذيب حتى استشهد عدد منهم تحت التعذيب، وتآمروا على قتل الرسول ³ ليلة الهجرة إلى المدينة. ثم كانت بعد ذلك حروب الردة في عهد الخليفة الأول، أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والتي لم تكن إلا دفاعًا عن كيان الدولة الإسلامية الذي هدده المرتدون. ثم جاءت بعد ذلك حروب فارس والروم، التي ترجع أسبابها إلى مبادرة هؤلاء القوم بإيذاء المسلمين، وتمثل ذلك في عدة وقائع وأحداث تاريخية، ومثال ذلك تهديد كسرى للرسول ³ عندما مزَّق الرسالة التي بعث بها إليه الرسول ³ يدعوه فيها إلى الإسلام، وأعان المرتدين في شرقي الدولة الإسلامية الناشئة، وحمى الفارين منهم من وجه الجيوش الإسلامية إلى سواد العراق، وألَّب الفرس والروم القبائل العربية المتاخمة لحدودهم على إخوانهم من المسلمين. ولذا نرى هذه القبائل (المناذرة والغساسنة) تحارب جنبًا إلى جنب مع الفرس والروم ضد المسلمين العرب. وأمر هرقل ـ ملك الروم ـ بقتل كل من أسلم من أهل الشام، وافتتح هجومه على الإسلام بقتل فروة بن عمرو الجذامي، عامل الروم على مَعَان (في الأردن حاليًا) لاعتناقه الإسلام ومراسلته لرسول الله ³. ومضى يُعد عدته لمجابهة دولة الإسلام بالمدينة. وكانت موقعة ذات السلاسل نتيجة لاعتداء جماعة من الفرس على بعثة نبوية يرأسها عمرو بن العاص، رضي الله عنه. ولم تكن سرية مؤتة إلا بسبب ما علمه الرسولص من تجمعات العدو الرومي وعَزْمه على غزو المدينة عاصمة الدولة الإسلامية. وكذلك كان من أسباب غزوة تبوك أن هرقل جمع جموعًا من الروم وقبائل العرب الموالية له، فعزم على قتالهم. وجهَّز جيش أسامة قُبيل وفاة النبي ³ لرد عدوان الروم وتأمين الحدود الشمالية للجزيرة العربية. وأصر أبو بكر على إنفاذ هذا الجيش بعد وفاة الرسول ³. وشارك العرب الذين يقعون تحت نفوذ الروم في الاعتداء على المسلمين. فقد قتل الحارث بن عمرو الأزدي الغسَّاني ـ صاحب دمشق ـ رسولَ رسولِ الله ³ إليه ـ شجاع بن وهب الأسدي، علمًا بأن الرسل لا تُقتل. وعندما أرسل النبي ³ خمسة عشر داعية إلى ذات الطلح، على حدود الشام، قُتلوا جميعًا، ولم ينج منهم إلا رئيسهم.

توخَّت تلك الفتوحات أيضًا تخليص الشعوب من طغاتها الظالمين ومن أوضاعها الدينية والاجتماعية السيئة. وقضت على الحق الذي كان يزعمه الملوك والرؤساء لأنفسهم من أن مشيئتهم هي مشيئة الله وأن الخضوع لهم خضوع لله. فعندما سأل رستم ـ قائد الفرس في معركة القادسية ـ ربعي بن عامر مبعوث سعد بن أبي وقاص إليه عن سبب مجيء المسلمين إلى العراق، قال ربعي: ¸الله جاء بنا، وهو بعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومن أبى قاتلناه حتى نُفضي إلى الجنة، أو الظفر

وعندما سأله رستم إن كان هو زعيم المسلمين، فردّ بقوله: ¸لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم·، وتعجب رستم من كلامه. وكرَّر حُذَيْفَةُ بن مُحْصِن مبعوث سعد إلى رستم في اليوم التالي ما قاله ربعي، وعندما سأله عن سبب تخلف ربعي هذه المرة قال له: ¸أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء، وهذه نوبتي·. وأرسل سعد المغيرة إلى رستم في اليوم الثالث، وجاءه فجلس معه على سريره، فاستنكر ذلك أعوان رستم، وأقبلوا عليه يجذبونه، فقال لهم: ¸قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قومًا أسفه منكم، إنا معشر العرب لا يستعْبد بعضنا بعضًا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، وأني لم آتكم، ولكنكم دعوتموني، اليوم علمت أنكم مغلوبون، وأن مُلْكًا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول زائل·. فقالت السوقة: ¸صدق والله العربي·، وقال الزعماء: ¸لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا تنزع إليه، قاتل الله سابقينا حيث كانوا يصغرون أمر هذه الأمة·.

أرادت الأمة الإسلامية أن تنقل مُثُلَها التحررية إلى الشعوب المضطهدة، تلك المثل التي نلمحها في قول واحد من عامة الناس لعمر بن الخطاب وعلى ملأ من الناس، ¸والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقَّومناه بسيوفنا·، وقيل مثل هذا لأبي بكر من قبل. وقال آخر لعمر: ¸لا نسمع ولا نطيع·، وذلك حين رأى عليه ثوبًا لم يعلم مصدره، بل ظن أنه من مال الدولة، ولم يترفع عمر عن بيان مصدر ثوبه الثاني. ولو كان حكام المسلمين مثل حكام الروم لما أمر عمر بأن يقتصّ ابن قبطي مصري من ولد واليه على مصر ـ عَمْرو بن العاص ـ وفي ملأ من الناس، وطلب من الغلام القبطي المظلوم أن يضرب عَمْرًا على صلعته، لأن ابنه تجرأ على الظلم لمكانة والده، وخاطب عمْرًا بكلمات خالدة: ¸متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟·. وكان الروم يسومون أهل مصر سوء العذاب، ولا يتجرأ أحد على رفع شكايته إلى رئيس الدولة.

ويعترف أحد المستشرقين وهو توماس آرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة حرة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين العرب يقولون لهم: ¸يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أرأف بنا وآنف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا·.

لقد كانت الفتوحات الإسلامية حروبًا أخلاقية تقيدت بمبادئ الحق والعدالة والرحمة مع المغلوبين والمحاربين. وتمثل شيء من ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه حين وُلِّيَ الخلافة، وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة ابن مسلم دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين بغير حق، فكتب عمر إلى عامله بأن ينصِّب لهم قاضيًا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين، أخرجوا، فنصَّب لهم جميع بن حاضر الباجي قاضيًا، فحكم بإخراج المسلمين، على أن ينذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك، وينابذهم وفقًا لمبادئ الحرب في الإسلام. ولكن أهل سمرقند كرهوا الحرب، وأقروا المسلمين للإقامة بين أظهرهم.

ولم يستغل الفاتحون سلطانهم لقهر الأمم التي غلبوها. وعندما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين بعهودهم معهم وحسن سيرتهم فيهم، أصبحوا عيونًا للمسلمين على أعدائهم. واعترفوا بالفارق بين الحضارتين الإسلامية والرومية، عندما أمر أبو عبيدة برد الجزية التي أخذها من أهل حمص حين أيقن بعجزه عن حمايتهم من الروم. ويقول المستشرق روبنسون: ¸إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة الحسنة أن انتشر الإسلام بسرعة، وعلا قدر رجاله الفاتحين بين الأمم المغلوبة، وأدت هذه المعاملة إلى انحسار ظل النصرانية عن شمالي إفريقيا·. ويقول دوابر: ¸إن العرب عاملوا اليهود في الأندلس أحسن معاملة. وعندما طرد النصارى العرب من الأندلس لم يطيقوا إبقاء اليهود، فدبروا لهم تهمًا، وأحرقوا عشرة آلاف يهودي في مدى عشر سنوات، واعترف البطريرك النسطوري إبشوياف الثالث إلى سيمون أسقف آردشير، بأن العرب لم يهاجموا العقيدة النصرانية، وأنهم يعطفون على دينهم، ويكرمون قِدِّيسيهم، ويساعدون الكنائس والأديرة·.

كما كانت الفتوحات الإسلامية أيضًا حروبًا تهدف إلى نشر الدين الإسلامي بالحسنى، ومن منطلق سامٍ، بعيدًا عن الماديات، وذلك بدلالة ما وقع في أحداث الفتح الإسلامي من قضايا التّعفّف عند الغنيمة وأداء الأمانات والإخلاص لله ما يعجز التاريخ البشري عن إبراز نظائره. جاء في تاريخ الطبري أنه لما هبط المسلمون المدائن عاصمة الفرس وجمعوا الغنائم، أقبل رجل بحُقٍ معه، فدفعه إلى المسؤول عن حصر الغنائم. فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولايقاربه، فسألوه إن كان قد أخذ منه شيئًا، فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به، ورفض أن يفصح عن اسمه، حتى لا يُعرف فيُحمد، لأنه يريد حمد الله وثوابه، وليس حَمْد الناس. وأرسلوا وراءه رجلاً خِلْسةً ليعرفه، فعرفه من أصحابه، فإذا هو عامر بن عبد قيس رضي الله عنه.

ورفض ربعيّ بن عامر أن يجلس على بساط رستم قائد الفرس في معركة القادسية، بل جلس على الأرض، وقال: إناَّ لا نقعد على زينتكم. وقال المثنى بن حارثة الشيباني لخالد بن الوليد، عندما أراد الانفصال بنصف جيش العراق ليلحق بأبي عبيدة بالشام: ¸يا خالد، إنك لم تقسم بالسَّويَّة، هؤلاء أصحاب رسول الله ³ وكيف تعرِّيني منهم، والله ما أرجو النصر إلا بهم·.

ودخل عمر ذات يوم على أبي عبيدة ـ أبرز قواد فتح الشام ـ فلم ير في منزله إلا لبَدًا (حشايا من شعر أو صوف) وإناء وقربة ماء بالية، وسأله طعامًا، فأخرج له من سلة منشأة بالجلْد صغيرة كُسَيْرات، فبكى عمر وقال: ¸غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة·. والذي يقف على سيرة عمر في الزهد يعرف دلالة عبارته لأبي عبيدة. وأرسل إليه عمر أربعمائة دينار، وسأل من أرسله أن يقف على ما يفعل بها، فجاءه الخبر بأنه وزعها كلها على المحتاجين، وأرسل مثلها إلى معاذ بن جبل، رضي الله عنه، فوزَّعها إلا القليل منها، أعطاه زوجته لحاجتها. فقال عمر لما أخبر بهذا: ¸الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا·.

وعندما أرسل المقوقس ـ حاكم مصر ـ بعض رجاله ليتعرفوا له على أحوال الجيش الإسلامي الذي يحاصر حصن بابليون، عادوا ليقولوا له: ¸رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرِّفْعة... ليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة. جلوسهم على التراب، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف كبيرهم من صغيرهم، ولا السيد فيهم من العبد·. بهرت مثل هذه المواقف والأحوال بعض المنصفين من المستشرقين، بل يقول بعض متعصّبيهم لغير الإسلام، وهو ستانلي في كتابه العرب في أسبانيا: ¸إنَّ تحمس العرب للفتوح كان يؤجِّجه عنصر قوي من الرغبة في نشر الدين·. وقد ذكرنا من قبل شهادة روبنسون من أن العرب كانوا يحبون نَشْر دينهم.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:31 PM

25

معركة القادسيه
القادسية، معركة. وقعت معركة القادسية في شهر المحرم سنة 14هـ الموافق 635م بين المسلمين والفرس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أدرك الفرس بعد معركة البويب المخاطرَ التي تهدّد دولتهم، فبدأوا بالإعداد لمعركة جديدة فاصلة، جنَّدوا لها من كان معهم من سكان المناطق التي أصبحت في ذمَّة المسلمين. وتجمعت قوات ضخمة من قبل الطرفين عند القادسية من بلاد العراق الفارسية. قاد الطرف الإسلامي سعد بن أبي وقاص. ودارت المفاوضات، ولكنها لم تصل إلى صلح، ووقعت الحرب الضَّروس، وانتهت بانتصار مؤزّر للمسلمين على الفرس، واستعادوا كل ما كانوا قد تخلوا عنه.

ولم يكن بالعراق وقعة أعجب من القادسية كما ذكر ابن كثير. وقد غنم المسلمون منها أموالاً وسلاحًا لا يحد ولا يوصف لكثرته؛ مما ساعد المسلمين في حربهم. وانهزم الفرس عن بكرة أبيهم ولحقهم المسلمون فقُتِل المقيدون بالسلاسل جميعًا، وكانوا ثلاثين ألفًا، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقُتِل قبل ذلك قريبًا من ذلك. وقتُلِ من المسلمين ألفان وخمسمائة، وقيل ثمانية آلاف. وفتح هذا الانتصار الباب أمام المسلمين للسير نحو القضاء على إمبراطورية الفرس، إذ خاض المسلمون في طريقهم إلى المدائن ـ عاصمة الفرس ـ عدة معارك، إلى أن وصلوا المدائن واحتلوها عام 16هـ الموافق 637م.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:31 PM

26

المعارك الحاسمة
المعارك الحاسمة تسمية تُطلق على المعارك التي تتسم بالقوة والتأثير والتي تُغيّر مجرى تاريخ العالم.

فهناك عديد من المعارك كان لها أثر بالغ في تغيير مجرى التاريخ العربي الإسلامي، على رأسها تلك المعارك التي خاضها الرسول ³ وخلفاؤه من بعده بجيوش المسلمين المجاهدين والتي أدت إلى انتشار الإسلام وتغيير تاريخ العالم.

من المعارك الإسلامية الحاسمة معركة بدر الكبرى؛ فهي أول انتصار للمسلمين وللإسلام. خاضتها قلة مؤمنة ضد كثرة مشركة في سنة 2هـ ، 624م.

ومن المعارك الحاسمة في تاريخ الإسلام أيضًا معركة اليرموك التي وقعت بين المسلمين والروم في خلافة عمر بن الخطاب سنة 15هـ، 636م وانتصر فيها المسلمون نصرًا حاسمًا. ومعركة ذات السلاسل التي انتصر فيها المسلمون على الفرس في سنة 12هـ. كذلك انتصر المسلمون على الفرس في معركة القادسية سنة 14هـ، 635م.

ومن المعارك الحاسمة التي سجلها التاريخ أيضًا معركة وادي لكة التي وقعت بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد والقوط بقيادة لذريق عام 92هـ، 711م وانتصر فيها المسلمون انتصارًا باهرًا ونتج عنها فتح الأندلس.

وخاض المسلمون أيضًا معركة بلاط الشهداء وتعرف أيضًا بمعركة بواتييه، وقد دارت بين المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقي والفرنجة بقيادة شارل مارتل قرب مدينة بواتييه في فرنسا عام 732م. وهي المعركة التي لم يحالف الحظُّ فيها المسلمين وهم على أبواب فرنسا، ولو انتصر فيها المسلمون، فربما غيرت تاريخ أوروبا كلها.

وفي تاريخ الأندلس أيضًا كانت موقعة الزلاقة بين ملوك الأندلس يقودهم يوسف بن تاشفين وبين ألفونسو ملك قشتالة وانتصر فيها المسلمون سنة 479هـ، 1086م بالزلاقة.

وقاد صلاح الدين الأيوبي جيش المسلمين في معركة حطين وهزم الصليبيين وطردهم من فلسطين والساحل الشامي سنة 583 هـ ، 1187م.

كما يشار إلى معركة عين جالوت بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز والظاهر بيبرس، والتي أوقف فيها المماليك الزحف المغولي الغاشم على الشرق كله 846هـ، 1442م، باعتبارها واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، وقبلها كانت معركة المنصورة في مصر بين آخر سلاطين الدولة الأيوبية الملك الصالح وبين قوات لويس التاسع قائد الحملة الصليبية على مصر.

ومن المعارك الحاسمة معركة فتح القسطنطينية التي وقعت بين المسلمين والروم في عهد السلطان العثماني محمد الفاتح سنة 857هـ، 1453م وانتصر فيها المسلمون وكان فتحها نهاية الدولة الرومانية الشرقية. ولكل معركة من المعارك السالفة الذكر وقُوَّادها مقالة خاصة في هذه الموسوعة.

وفي الغرب يرى السير إدوارد كريسي (1812 ـ 1878م) وهو مؤرخ إنجليزي ـ أنه كانت هنالك 15 معركة ينطبق عليها وصف المعارك الحاسمة التي غيَّرت مجرى التاريخ حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وقد وصفها وأوضحها في كتابه 15 معركة حاسمة في العالم الذي نُشِر في عام 1852م، وهي معارك:

أربلا (331ق.م) سيراقوسة (413ق.م)
الأرمادا الأسباني (1588م) غابة تويتوبورغ (9م)
أورلييان (1429م) فالمي (1792م)
بلنهيم (1704م) الماراثون (490ق.م)
بواتييه (بلاط الشهداء) (732م)
بولتافا (1709م) ميتاروس (207ق.م)
تشالونز ( 451م ) هيستنجز ( 1066م )
ساراتوجا (1777م) واترلو ( 1815م )

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:32 PM

27

الحرب الأهلية الإنجليزية
الحرب الأهلية الإنجليزية حرب نشبت بين قوات الملك تشارلز الأول والقوات الخاصة بالبرلمان الإنجليزي، ووقعت الحرب على مرحلتين. امتدت الأولى من عام 1642م حتى عام 1646م، والثانية من أبريل إلى نوفمبر عام 1648م. وأدت إلى إعدام الملك تشارلز الأول عام 1649م وإلى هزيمة ونفي ابنه، الذي سُمِّي فيما بعد الملك تشارلز الثاني، عام 1651م.


أسباب الحرب الأهلية
قبل الحرب الأهلية كان الملك يدير الحكومة القومية بمساعدة الوزراء بينما كان دور البرلمان في شؤون الدولة أقل مما هو عليه الآن. حكم جيمس الأول (أول ملك من عائلة ستيوارت) في الفترة مابين عام 1603م إلى 1625م. وقصد أن يكون حاكمًا مطلقًا، لكن البرلمان لم يشاركه الرأي. وجاء ابنه تشارلز الأول بثلاثة برلمانات بين عامي 1625م و 1628م، وكان له مع كل منها مشكلة. ثم حلّ البرلمان الثالث عام 1629م، وحكم دون وجود برلمان حتى عام 1640م.


الأسباب الاقتصادية. دفع التضخم المالي بالأسعار إلى الارتفاع في كل أنحاء أوروبا في الفترة ما بين عامي 1530م و 1640م. وتقلصت بشكل كبير مخصصات الملك المالية. وكان جيمس الأول ينفق المال ببذخ، مما دفع البرلمان إلى رفض منحه مالاً إضافيًا، وردّ الملك بفرض ضرائب جديدة على الواردات.

في عام 1625م رفض البرلمان منح الملك تشارلز الأول رسوم البرميل والجنيه.

(كانت عادة تمثل جزءًا كبيرًا من دخل الملك) وفرضت على كل برميل من النبيذ وكل جنيه من سعر أي سلعة مستوردة كما أجبر أصحاب الأملاك على إقراضه المال وسجن من رفض منهم ذلك.

في عام 1628م أجاز البرلمان قانون حق الالتماس، وبذلك حرم الملك من فرض أي ضرائب دون موافقة البرلمان. وقبل تشارلز القانون، لكنه أصر على أنه لا ينطبق على الرسوم الضريبية. وفي الثلاثينيات من القرن السابع عشر الميلادي تحاشى الملك هذا القانون وبدأ في جمع ضريبة السفن.


الأسباب الدينية. كانت هناك جماعة متطرفة داخل النصارى البروتستانت الإنجليز، عرفت بالبيوريتان (التطهيريون) ظلت لسنوات عديدة تعمل للتخلص من الأساقفة وتطالب بمراجعة كتاب الصلاة. وقد قاومهم جيمس الأول بينما شن الملك تشارلز الحرب عليهم متضامنًا مع مجموعة من رجال الكنيسة بقيادة وليم لود. وفي عام 1633م عين الملك تشارلز لود رئيسًا لأساقفة كانتربري. واتهم البيوريتان تشارلز ولود معًا بميلهما إلى الكاثوليكية الرومانية. وكانت هنريتا ماريا زوجة تشارلز شخصية غير مرغوبة لأنها كانت كاثوليكية، ولأنها كانت أخت لويس الثالث عشر ملك فرنسا. وكان لود غير محبوب أيضًا لأنه شجع تشارلز على التمسك بإيمانه بالحق المقدس للملوك (فكرة تزعم أن ولاية الملوك من عند الله سبحانه وأنهم إنما يحكمون باسمه).


الحرب مع الأسكتلنديين. في عام 1638م تمرد الأسكتلنديون ضد تشارلز عندما حاول أن يفرض كتاب صلاة الكنيسة الإنجليزية على الكنيسة المشيخية (البرسبيتيرية). وسيّر تشارلز حملة ضد الأسكتلنديين عام 1639م، كلفته الكثير وفشلت. ونصحه أقدر وزرائه إيرل ستراتفورد بدعوة البرلمان لجمع المال لحملة أخرى في أسكتلندا. واجتمع البرلمان في أبريل عام 1640م، لكنه رفض الموافقة على أي ضرائب إضافية حتى يقوم الملك بالنظر في شكاواه، وأشار ستراتفورد على تشارلز بحل البرلمان بعد ثلاثة أسابيع فقط، قام الأسكتلنديون بعدها بغزو شمالي إنجلترا وأجبروا تشارلز على القبول بهدنة. وكان عليه أن يدعو البرلمان للانعقاد لإقرارها، وامتدت الدورة الأولى للبرلمان الطويل من نوفمبر عام 1640م حتى سبتمبر 1641م. وتحت قيادة جون بيم أجاز البرلمان قوانين جعلت من ضريبة السفن أمرًا غير قانوني كما حل البرلمان أيضًا محكمة قاعة النجوم والمحكمة العليا، ووجه تهمة التقصير إلى ستراتفورد، فأُعدم عام 1641م. كما أُجبر تشارلز على الموافقة على دعوة البرلمان كل ثلاث سنوات مع شرط إضافي يمنع تشارلز من حل البرلمان إلا بموافقة البرلمان نفسه.


الأزمة الأخيرة. بدأت أزمة أخرى مع نشوب تمرد الرومان الكاثوليك في أيرلندا في نوفمبر عام 1641م. وأراد تشارلز أن يسيّر جيشًا جديدًا لإخضاع أيرلندا، لكن البرلمان لم يثق بقيادته له. وبدلاً من ذلك أجاز البرلمان ما عرف بالاحتجاج الأعظم مهاجمًا سياسات الملك خلال السنوات العشر التي خلت، وداعيًا إلى الإصلاح الجذري للأمور الدينية، ومطالبًا بحق السيطرة على تعيين الوزراء. وفي يناير عام 1642م أمر تشارلز بمحاكمة خمسة أعضاء برلمانيين، من ضمنهم جون بيم وجون هامدن. وعندما رفض البرلمان أن يسلّم الأعضاء الخمسة للمحاكمة غزا تشارلز قاعة مجلس العموم بنفسه ـ وهـو خرق للحصانة البرلمانية ـ ولكن الأعضاء الخمسة كانوا قد غادروا المكان قبل ذلك واحتموا في مدينة لندن.

غادر تشارلز العاصمة باحثًا عن الدعم في الأقاليم، وفي مارس، رفض أن يتنازل عن سيطرته على الجيش، وفي يونيو بدأ البرلمان في تكوين جيش خاص به. فأرسلوا إلى تشارلز العروض التسعة عشر، وهي وثيقة توشك بأن تكون شروطًا لاستسلامه.

ورفع تشارلز علمه في نوتنجهام في أغسطس، وكان الالتحام الأول قد حدث قبل ذلك في مانشستر في يوليو. وبحلول سبتمبر كان القتال قد اندلع بين الملكيين (المؤيدين للملك) ومؤيدي البرلمان في كل أنحاء البلاد.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:33 PM

28

حروب الردة


1- ردة أهل البحرين:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين المنذر بن ساوى فأسلم على يديه، وأقام العلاء فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي المنذر بعده بقليل فارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم المغرور، وهوالمنذر بن النعمان بن المنذر، وقال قائلهم: لوكان محمد نبياًمامات، ولم يبق في البحرين بلدة على الثبات سوى قرية:"جواثا"، وحاصر المرتدون مسلمي جواثا وضيقوا عليهم، حتى منعواعنهم الأقوات وجاع المسلمون جوعاً شديداً .

وكان قد قام في جواثا رجل من أشرافهم، وهو الجارود بن المعلى، خطيباً وقد جمعهم فقال: يامعشر عبدالقيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه، ولا تُجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا:سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا:نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمد صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.

وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة في البحرين، فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في حشد كبير، وجاء بعض أُمراء تلك النواحي رفداً إلى جيش العلاء، ولما اقترب من المرتدين وحشودهم الضخمة نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، ودنا من خندقهم فأخذوه، وكانت أمه عجلية، فجعل ينادي: يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: علام أُقتل وحولي عسكر من عجل وتيم اللات وغيرها؟ فخلصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني، فقد مت جوعاً، فقرب له طعاماً فأكل، ثم قال:زودني واحملني،يقول هذا والرجل قد غلب عليه السُكُر، فحمله على بعير وزوده وجوزه. وجد عبد الله بن حذف المرتدين سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إلى العلاء فأخبره، فركب العلاء من فوره بجيشه، وانقض على المرتدين فقتلوهم،إلا قسم استطاع الفرار والهرب.
وغنم المسلمون جميع أموالهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة.

2- ردة أهل عُمان:

ظهر في عُمان رجل يقال له: ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يُضاهي في الجاهلية الجُلندى، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عُمان، فقهر جيفراً وعبداً، وألجأهما إلى الجبال، فبعث جيفر إلى الصديق رضي الله عنه فأخبره الخبر، وطلب مدداً فبعث رضي الله عنه بأميرين: حذيفة بن محصن، وعرفجة البارقي الأزدي، حذيفة إلى عُمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعُمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.

ثم أمر الصديق رضي الله عنه - بعد قهر مسيلمة ومقتله - عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عُمان، ، ثم كتب الصديق إلى حذيفة وعرفجة أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من المسير من عُمان أو المقام بها.فلحق عكرمة بحذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عُمان، فساروا جميعاً فلما اقتربوا من عُمان راسلوا جيفراً من مكان يُسمى "رجاماً"، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فعسكر في جموعه بِدَبَا، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، واجتمع جيفر وعبد بمكان يقال له صُحار فعسكرا به، وبعثا إلى أُمراء الصديق فقدمواعلى المسلمين، قتقابل الجيشان هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وجاء المسلمين في الساعة المناسبة مَدَدٌ من بني ناجية وعبد القيس فقتل من المرتدين عشرة آلاف مقاتل، وتم النصر للمسلمين والقضاء على المرتدين في عُمان.

3- ردة أهل مَهْرَة:

سار عكرمة بالمسلمين إلى بلاد مهرة، فوجد أهلها جُندين، على أحدهما - وهم الكثرة - أمير يقال له: المصبح أحد بني محارب، وعلى الآخر الجند الآخرين أمير يقال له: شخريت، وهما مختلفان، وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين، فراسل عكرمة شخريتاً فأجابه، وانضاف بقواته إلى عكرمة، وتمادى المُصَبح على طغيانه، مغتراً بكثرة من معه ومخالفته لشخريت، فسار إليه عكرمة ومن معه، فاقتتلوا مع المصبَّح أشد من قتال دَبَا، وتم النصر للمسلمين، وقتل المصبح وفر من كان معه.

4- ردة أهل اليمامة :

قال مسيلمة لأتباعه وقومه قبيل المعركة الفاصلة بينه وبين المسلمين: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تُستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم وأمنعوا نسائكم.

وتقدم خالد رضي الله عنه بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يُشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب، وراية المُهاجرين مع سالم مولى أبي حُذيفة، وهو على الميمنة، وعلى الميسرة شجاع بن وهب، وعلى الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليهاأسامة بن زيد ، وقاتل البراء راجلاً، ثم أعاده خالد على قيادة الخيل فصنع الأعاجيب.وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها.

وكانت الصدمة الأولى في المعركة عنيفة قاسية، انهزم الأعراب خلالها، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد، وهموا بقتل أم تميم زوجته. وتنادى كبار الصحابة وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم، و نادوا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار، وصار البراء بن معرور كالأسد الثائر، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بَطُلَ السحر اليوم، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتاً حتى استشهد رضي الله عنه.

وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نُؤتي من قِبَلَك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس، عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قُدُماً،وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأُكلمه بحجتي، فقتل شهيداً رضي الله عنه.

وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى اخترق صفوف المرتدين ووصل قُبالة مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا للمبارزة،ثم نادى بِشعار المسلمين، وكان شعارهم يومئذ: يا محَّمداه، وجعل لا يبرز إليه أحد من المرتدين إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا صرعه،واقترب خالد رضي الله عنه من مسيلمة، وعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فأبى، فانصرف عنه خالد وعزل الأعراب عن المهاجرين والأنصار، وجعل كل قبيلة على رايتها يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يُؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى المرتدون الأدبار.

وتبع المسلمون المرتدين يقتلون منهم وهم مدبرون، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخلوها، فدخلوها وفيها مسيلمة، وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وقال قائل: يا أبا ثمامة، أين ما كنت وعدتنا؟ فقال أبو ثمامة - أي مسيلمة -: أما الدين فلا دين،ولكن قاتلواعن أحسابكم، فاستيقن القوم أنهم كانوا على غيرشيئ.وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة.

وقال البراء بن مالك:يامعشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة،فاحتملوه فوق التروس، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم،فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية لا محالة.

ووصل المسلمون في الحديقة إلى مسيلمة، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، يخرج الزبدُ من شدقيه من غيظه وحرج موقفه وانهيار بنيان زعامته، فتقدم وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة رضي الله عنه - فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من قصر مسيلمة: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود (أي وحشي).

يقول وحشي: فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، رأيت مسيلمة الكذاب قائماً في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يُريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري - عبد الله بن زيد - بالسيف فربُك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:33 PM

29

معركة اليرموك
بعد الانتهاء من حروب الردة وتسيير خالد من اليمامة إلى العراق في سنة 13هـ جهز الصديق الجيوش إلى الشام ، فبعث عمرو بن العاص إلى فلسطين ، وسير يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ، رضي الله عنهم أجمعين ، آمراً إياهم أن يسلكوا تبوك على البلقاء ، وكان عدد كل لواء من هذه الألوية الأربعة ثلاثة آلاف ، ثم توالت النجدات فيما بعد .


وصل الأمراء إلى الشام ، فنزل أبو عبيدة الجابية على طريق دمشق ، ونزل يزيد البلقاء مهدداً بصرى ، ونزل شرحبيل الأردن بأعلى الغور فوق طبرية ونهر الأردن ، وقيل نزل في بصرى ، أما عمرو فقد وصل إلى وادي عربة .

عين الصديق لكل منهم الولاية التي يتولاها بعد الفتح ، فجعل لعمرو فلسطين ، وليزيد دمشق ، ولأبي عبيدة حمص ، ولشرحبيل الأردن .

سار الأمراء إلى أهدافهم ، وعكرمة ردء للناس ، فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل، فجاء من حمص ، وأعد الجند ، وجمع العساكر ، وأراد أن يشغل قواد المسلمين بعضهم عن بعض لكثرة جنوده ، أراد أن يحاربهم متفرقين ، لكن عمراً تنبه للأمر ، خاصة بعد أن أرسل هرقل تذارق في تسعين ألفاً ، وبعث جرجة نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه ، وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة ، وبعث الفيقار في ستين ألفاً نحو أبي عبيدة ، فهابهم المسلمون وخاصة أن جميع ألويتهم تعد واحداً وعشرين ألفاً ، باستثناء عكرمة فهو في ستة آلاف أيضاً ، فالمجموع سبعة وعشرين ألفاً ، فسأل الجميع بكتب مستعجلة عمراً : ما الرأي ؟ فراسلهم أن الرأي الاجتماع ، كما كتب الأمراء إلى أبي بكر بمثل ما كاتبوا به عمراً فكتب إليهم : أن اجتمعوا فتكونوا عسكراً واحداً .


بلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم ، وانزلوا بالروم منزلاً فسيحاً فيه ماء ، ويكون ضيّق المهرب لجنوده ، وجعل على الناس التذارق ، وعلى المقدمة جرجة، وعلى مجنبتيه باهان والدراقص ، وعلى الحرب الفيقار ، ففعلوا فنزلوا الواقوصة - وهي على ضفة اليرموك - ، وصار الوادي خندقاً لهم ، وانتقل المسلمون من عسكرهم الذي اجتمعوا فيه فنزلوا عليهم بحذائهم على طريقهم ، فقال عمرو : أيها الناس أبشروا ، حصرت الروم وقلما جاء محصور بخير ، إذ أن الروم تتحرك في منبطح فسيح من الأرض تحيط به من ثلاث جهات الجبال المرتفعة ، فهم محصورون .

وبقي المسلمون أمامهم صفر من سنة ثلاث عشرة وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء ، ولا يخلصون إليهم ، الواقوصة من ورائهم ، والخندق من أمامهم ، ولا يخرجون خرجة إلا نصر المسلمون عليهم ، حتى إذا انقضى ربيع الأول كتب أبو بكر الصديق إلى خالد ليلحق بهم من العراق ، وقد قال في ذلك : خالد لها ، والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد .

وقطع خالد المسافة بجيشه في خمسة أيام ، وفرح المسلمون بخالد ، واشتد غضب الروم بمجيئه ، وقال هرقل لقواده : أرى من الرأي أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم ، وأن تصالحوهم ، فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجته الشام ، وتأخذوا نصفه ، وتقر لكم جبال الروم ، خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ، ويشاركوكم في جبال الروم ، ولكنهم أبوا .

واتخذ الطرفان استعداداتهما ، الروم في أربعين ومائتي ألف ، منهم ثمانون ألفاً مقيدين بالسلاسل كي لا يفروا من المعركة ، والمسلمون سبعة وعشرون ألفاً ممن كان مقيماً ، إلى أن قدم إليهم خالد في تسعة آلاف فبلغوا ستة وثلاثين ألفاً ، ومرض الصديق في هذه الأثناء وتوفي للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال .

وعرض خالد على الأمراء أن يكونوا جيشاً واحداً ويتداولوا الإمارة يوماً بعد يوم ، فوافقوا وأمّروه هو أولاً ، وعلم خالد أن القتال كل بفرقته سيطول ، وفيه إضعاف للجهود فعبأ الجيش وقسمه إلى أربعين كردوساً [ أي: كتائب كبيرة ] كل كردوس ينقسم إلى: قلب وميمنة وميسرة ، وجعل القاضي أبا الدرداء ، والقاص أبا سفيان ، وعلى الغنائم ابن مسعود ، وقارئ سورة الأنفال المقداد بن عمرو ، وشهد المعركة ألف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأمر خالد الكراديس كلها أن تنشب القتال ، وحينئذ وصل البريد إلى خالد بوفاة أبي بكر الصديق وتأمير أبي عبيدة فأخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إن أظهر الأمر أن يضعف معنويات الجند .

ونشب القتال بجد في اليوم الأول ، وزحف الروم بأعدادهم الكثيرة فردهم المسلمون ، وفي هذا اليوم كثرت الجراح من كثرة السهام ، واعورّ من المسلمين سبعمائة فارس ، فسمي ذلك اليوم يوم التعوير ، وفي اليوم الثاني وقف عكرمة وقال: من يبايع على الموت ؟ فبايعه أربعمائة من الرجال ، فقاتلوا حتى أصيبوا جميعاً بجراحات ، ودامت المعركة يوماً وبعض اليوم ، وكان الهجوم الأخير عاماً على الروم ، واقتحم خالد وجيشه خندق الروم فتساقطوا في الوادي ، وتهافت منهم في الوادي ثمانون ألفاً .

وانتهت المعركة باستشهاد ثلاثة الآف من المسلمين ، وقتل من الروم مائة وعشرون ألفاً ، وارتحل هرقل من حمص مودعاً سورية وداعه الأخير ، وقال : سلام عليك ياسورية ، سلاماً لا لقاء بعده .

وبعد المعركة أعلن خالد مضمون الكتاب ، واعتزل الإمارة ، وولاها مكانه أبا عبيدة رضي الله عن الجميع .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:34 PM

30

فتح دمشق
قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:35 PM

31

سقوط مرسية
10 شوال 640هـ ـ 2 أبريل 1243م

وهو السقوط الذي لم يأت بعد قتال ولا حصار، أو شدة ومعاناة وبذل جهد واستفراغ وسع، بل جاء سلمًا وطواعية من أهل مرسية الذين غلبهم الخور والجبن وحب الدنيا وإيثار السلامة، وكانت مرسية إحدى قواعد شرق الأندلس الكبرى، وكانت مرسية وبلنسية ودانية وجزر البليار تشكل في مجموعها الجزء الشرقي لدولة الإسلام بالأندلس.


وكانت ممالك الإسبان الثلاثة متفقة فيما بينها على الجزء الذي ستلتهمه من دولة الإسلام في الأندلس وذلك على الوجه التالي:

(1) مملكة آرجون؛ شرق الأندلس.

(2) مملكة قشتالة «أقوى الممالك»؛ وسط الأندلس.

(3) مملكة ليون «البرتغال بعد ذلك»؛ غرب الأندلس.

ومع ضعف دولة الموحدين في الأندلس بعد معركة العقاب سنة 609هـ، بدأت هذه الممالك الثلاثة في تنفيذ مخططاتها التي أسبغت عليهم صفة القداسة وعرفت باسم «حرب الاسترداد» وباركها بابا روما.


وكانت مرسية تقع في شرق الأندلس أي ضمن دائرة طموحات «خايمي الأول» ملك أرجوان وكان يضطرم بروح صليبية خالصة، وقد استطاع هذا الرجل أن يستولي على معظم قواعد شرق الأندلس، وقد توج ذلك بالاستيلاء على بلنسية الكبرى في صفر سنة 636هـ، وكان لسقوطها دوي كبير في الأندلس كلها، وكان أهل مرسية أشد الناس تأثرًا بذلك، فقد شعروا أن الدور عليهم، وأن المآسي المروعة التي حدثت لأهل بلنسية ستكرر عندهم، ففكروا في سبل النجاة من عدوان «خايمي» عليهم واضطربت أوضاعهم الداخلية، فتارة دخلوا في طاعة ابن هود، وتارة في طاعة الأمير الحفص في تونس، وتارة في طاعة ابن الأحمر، وكل مرة لا يرضون بمن يدخلون في طاعته ويشعرون أنه سوف لا يحميهم من عدوان الصليبيين، وفي النهاية قرروا القيام بأعجب صلح في تاريخ الأندلس، حيث طلبوا من ملك قشتالة «فرناندو الثالث» أن يدخلوا في طاعته نظير أن يدفعوا له الجزيرة على أن يقوم فرناندو الثالث بوضع حامية صليبية قوية داخل مرسية تحميهم من عدوان الأرجوانيين، وبالفعل تسلم ملك قشتالة مدينة مرسية العريقة في 10 شوال سنة 640 هـ، ومن رأى يومًا من يستجير بذئب ليحميه من ذئب آخر.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:35 PM

32

معركة خندق سمورة
11 شوال 327هـ ـ 1 أغسطس 939م
كان عهد الأمير عبد الرحمن الناصر في الأندلس (300هـ ـ 350هـ) من أزهى عصور الأندلس؛ حيث ازدهرت دولة الإسلام في عهده، وتفوقت في شتى الميادين على خصيمتها إسبانيا النصرانية خصوصًا في الميدان العسكري، حيث حقق المسلمون انتصارات كثيرة على نصارى إسبانيا، ذلك لأن عبد الرحمن الناصر كان يسلك طريق مبادرة الأعداء والهجوم عليهم قبل أن تقوى شوكتهم وتستفحل قوتهم، وهذه السياسة جعلت نصارى إسبانيا في حالة استنفار مستمر.



انشغل الناصر لفترة من الوقت ببعض الفتن والاضطرابات الداخلية في منطقة سرقسطة شمال شرق الأندلس، حيث حاول حاكمها «محمد بن هاشم التجيبي» الاستقلال بها عن حكومة قرطبة، وقد قضى الناصر مدة سنتين للقضاء على هذه الثورة الداخلية، وخلال هذه الفترة قام ملوك إسبانيا النصرانية بالاتحاد والتحالف فيما بينها، وقد قاد هذا التحالف الصليبي الخطير «راميرو الثاني» ملك ليون، وخصم عبد الرحمن الناصر العنيد، والذي خاض ضده الكثير من المعارك.



وبعد أن قضى الناصر على ثورة حاكم سرقسطة قرر التوجه إلى عقر دار الصليبيين ومركز تجمعهم بمملكة «ليون»، وحشد لذلك جيشًا ضخمًا يقدر بمائة ألف مقاتل، وجعل قيادته بيد قائده الصقلبي «نجدة بن حسين الصقلبي» وهذا ما أزعج القادة العرب وأوغر صدورهم، ذلك أن الناصر منذ بداية عهده قد اتبع سياسة استعمال الموالي خصوصًا الصقالبة وتقديمهم بعد أن واجهته المتاعب والثورات المتكررة من زعماء الأسر العربية العريقة بالأندلس، ولقد أسرف الناصر في هذه السياسة مما كان له أسوأ الأثر في نفوس الزعماء العرب، واتضح ذلك جليًا في أحداث هذه المعركة الحاسمة.



سار الناصر بجيشه الكبير حتى وصل إلى حدود مملكة ليون، فاقتحمها بقوة حتى وصل إلى مدينة «سمورة» عاصمة ليون، وهي مدينة في غاية المناعة ويحيط بها سبعة أسوار شاهقة البنيان، وبين الأسوار خنادق متسعة تفيض بالماء، فافتتح المسلمون منها سورين، فارتد النصارى بداخل المدينة، وحاول المسلمون اقتحام السور الثالث فهجم الصليبيون عليهم هجمة رجل واحد في 11 شوال سنة 327هـ، وعندها قام بعض زعماء العرب بخيانة عظمى؛ إذ أظهروا الفتور في القتال ثم فروا بالكلية من أرض القتال، واشتد القتال عند الخندق الثالث، وسقط الكثير من المسلمين صرعى في هذا الخندق عندما حاولوا الارتداد، وقتل نجدة الصقلبي قائد الجيش ووقع في الأسر كبار قادة الجيش الإسلامي، وقتل من المسلمين قرابة الأربعين ألفًا، وهي هزيمة لم يلق المسلمون مثلها من قبل أمام نصارى إسبانيا، والسبب الرئيس يرجع لخيانة بعض الزعماء العرب ونكولهم عن القتال، والجدير بالذكر أن الناصر قام بالقبض على نحو ثلاثمائة من الفرسان الذين فروا من القتال وأعدمهم جميعًا جزاءً وفاقًا لجريمتهم.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:36 PM

33

حرب البسوس
وقعت هذه الحرب بين بكر وتغلب ابني وائل ، وقد مكثت أربعين سنة ، وقعت فيها هذه الأيام : يوم النهى ، ويوم الذنائب ، ويوم واردات ، ويوم عنيزة ، ويوم القصيبات ، ويوم تحلاق اللمم ، وجميعها أسماء مواضع تمت فيها الحروب ، ماعدا تحلاق اللمم لأن بني بكر حلقوا فيه جميعاً رؤوسهم فسمي بذلك. وانتصرت تغلب في أربع حروب، وبكر في واحدة، وتكافأت القبيلتان في حرب واحدة.

لما فض كليب بن ربيعة – اسمه وائل وكليب لقبه ، ولد سنة 440م ، ونشأ في حجر أبيه ، ودرب على الحرب ، ثم تولى رئاسة الجيش : بكر وتغلب زمناً حتى قتله جساس بن مرة سنة 494 م - جموع اليمن في خزا زى وهزمهم اجتمعت عليه معد كلها ، وجعلوا له قسم الملك وتاجه وطاعته ، وغبر بذلك حيناً من دهره ، ثم دخله زهو شديد ، وبغى على قومه لما هو فيه من عزة وانقياد معدّ له ، حتى بلغ من بغيه ، أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه ، وإذا جلس لا يمر أحد بين يديه إجلالاً له ، لا يختبئ أحد في مجلسه غيره ، ولا يغير إلا بإذنه ، ولا تورد إبل أحد ، ولا توقد مع ناره ، ولم يكن بكرى ولا تغلبي يجير رجلا ولا بعيراً أو يحمى إلا بأمره ، وكان يجبر على الدهر فلا تخفر ذمته ، وكان يقول : وحش أرض في جواري ، فلا يهاج ! وكان هو الذي ينزل القوم منازلهم ويرحلهم ، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره ، وقد بلغ من عزته وبغيه أنه اتخذ جرو كلب ، فكان إذا نزل به كلأ قذف ذلك الجر وفيه فيعوى ، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه ، وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب ، فضرب به المثل في العز فقيل : أعز من كليب وائل ، وكان يحمى الصيد فيقول : صيد ناحية كذا وكذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئاً.

وتزوج كليب جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان، وكان لمرة عشرين بنين جساس أصغرهم ، وكانت بنو جشم ، وبنو شيبان تقيم في دار واحدة إرادة الجماعة ومخافة الفرقة.

وحدث أن كليباً دخل على امرأته جليلة يوماً فقال لها: هل تعلمين على الأرض أمنع مني ذمة ؟ فسكتت، ثم أعاد عليها الثانية فسكتت، ثم أعاد عليها الثالثة فقالت: نعم، أخي جساس – وهو جساس بن مرة ، كان فارساً شهماً أبياً ، وكان يلقب الحامي الجار ، المانع الذمار ، وهو الذي قتل كليباً ، مات سنة 534 م - وندمانه، ابن عمه عمرة المزدلف بن أبى ربيعة بن ذهل ابن شيبان.فسكت كليب ، ومضت مدة ، وبينما هي تغسل رأسه وتسرحه ذات يوم إذ قال لها : من أعز وائل ؟ قالت: أخواي جساس وهمام. فنزع رأسه من يدها وخرج.

وكانت لجساس خالة اسمها البسوس بنت منقذ، جاءت ونزلت على ابن أختها جساس، فكانت جارة لبنى مرة، ولها ناقة خوارة، ومعها فصيل لها، فلما خرج كليب غاضباً من قول زوجه جليلة رأى فصيل الناقة فرماه بقوسه فقتله. وعلمت بنو مرة بذلك، فأغمضوا على ما فيه وسكتوا، ثم لقي كليب ابن البسوس فقال له: ما فعل فصيل ناقتكم ؟ فقال: قتلته وأخليت لنا لبن أمه، وأغمضت بنو مرة على هذا أيضاً.

ثم أن كليباً أعاد القول على امرأته فقال: من أعز وائل ؟ فقالت: أخواي ! فأضمرها في نفسه وأسرها وسكت، حتى مرت به إبل جساس وفيها ناقة البسوس، فأنكر الناقة، ثم قال: ما هذه الناقة ؟ قالوا: لخالة جساس. فقال: أو بلغ من أمر ابن السعدية – أي جساس - أن يجير عليّ بغير إذني ؟ ارم ضرعها يا غلام، فأخذ القوس ورمى ضرع الناقة، فاختلط دمها بلبنها.

وراحت الرعاة على جساس فأخبروه بالأمر، وولت الناقة ولها عجيج حتى بركت بفناء البسوس، فلما رأتها صاحت: واذلاه ! فقال لها جساس: اسكتي فلك بناقتك ناقة أعظم منها، فأبت أن ترضى حتى صاروا لها إلى عشر، فلما كان الليل أنشأت تقول – بخطاب سعداً أخا جساس وترفع صوتها تسمع جساساً:

يا أبا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل.................... فإني في قوم عن الجار أموات
ودونك أذوادي إليك فإنني.................................. محاذرة أن يغدروا ببنياتي
لعمرك لو أصبحت في دار منقذ.........................لما ضم سعد وهو جار لأبياتي
ولكنني أصبحت في دار معشر..................متى يعد فيها الذئب يعدو وعلى شاتي

فلما سمعها جساس قال لها: اسكتي لا تراعي: إني سأقتل جملاً أعظم من هذه الناقة، سأقتل غلالاً - وهو فحل إبل كليب لم ير في زمانه مثله، وإنما أراد جساس بمقالته كليباً -.

ثم ظعن ابنا وائل بعد ذلك، فمرت بكر على نهى - أي غدير - يقال له شبيث ، فنفاه، كليب عنه وقال : لا يذوقون منه قطرة ، ثم مروا على نهى آخر يقال له الأحص ، فنفاهم عنه وقال : لا يذوقون منه قطرة ، ثم مروا على بطن الجريب - واد عظيم - فمنعهم إياه ، فمضوا حتى نزلوا الذنائب ، واتبّعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه ، فمر عليه جساس ومعه ابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل ، وهو واقف على غدير الذنائب ، فقال له : طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا ! فقال كليب : ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون. فقال له : هذا كفعلك بناقة خالتي ، فقال له : أوقد ذكرتها أما إني لو وجدتها في غير إبل مرة لا ستحللت تلك الإبل بها ، أتراك مانعي أن أذب عن حماي ، فعطف عليه جساس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضني – الحضن مادون الإبط إلى الكشح- .

فلما تداءمه الموت قال: يا جساس ، اسقني من الماء. فقال : ما علقت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه. فالتفت إلى عمرو وقال له: يا عمرو ، أغثني بشربة ماء ، فنزل إليه وأجهز عليه .

وأمال جساس يده بالفرس حتى انتهى إلى أهله على فرسه يركضه ، وقد بدت ركبتاه ، ولما رأته أخته قالت لأبيها : إن ذا لجساس آتى كاشفاً ركبتاه ، فقال : والله ما خرجت ركبتاه إلا لأمر عظيم.

فلما جاء جساس قال له : ما وراءك يا بني ؟ قال : ورائي أني قد طعنت طعنة لتشغلن بها شيوخ وائل زمنا. قال: وماهي ؟ لأمك الويل أقتلت كليبا؟ فقال : نعم ، فقال أبوه : إذن نسلمك بجريرتك ، ونريق دمك في صلاح العشيرة ، والله لبئس ما فعلت ! فرقت جماعتك، وأطلت حربها ، وقتلت سيدها في شارف من الإبل ، والله لا تجتمع وائل بعدها ، ولا يقوم لها عماد في العرب ، ولقد وددت أنك وإخوتك كنتم متم قبل هذا ، ما بي إلا أن تتشاءم بي أبناء وائل ، فأقبل قوم مرة عليه وقالوا : لا تقل هذا ولا نفعل فيخذلوه وإياك ، فأمسك مرة .

ولما قتل كليب اجتمع نساء الحي للمأتم، فقلن لأخت كليب: رحلي جليلة من مأتمك ، فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب ، فقالت لها : يا هذه ، اخرجي عن مأتمنا ، فأنت أخت واترنا وشقيقة قاتلنا ، فخرجت وهي تجر أعطافها ، فقالت لها أخت كليب : رحلة المعتدي وفراق الشامت ، ويل غداً لآل مرة ، من السكرة بعد السكرة، فبلغ قولها جليلة فقالت : وكيف تشمت الحرة بهتك سترها ، وترقب وترها ،أسعد الله جد أختي ، أفلا قالت : نفر الحياء ، وخوف الاعتداء .

ولما ذهبت إلى أبيها مرة قال لها: ما وراءك يا جليلة ؟ فقالت: ثكل العدد وحزن الأبد ، وفقد حليل ، وقتل أخ عن قليل ، وبين ذين غرس الأحقاد ، وتفتت الأكباد ، فقال لها : أو يكف ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات ؟ فقالت: أمنية مخدوع ورب الكعبة أبا لبدن تدع لك تغلب دم ربها.

وكان همام بن مرة ينادم المهلهل أخا كليب وعاقده ألا يكتمه شيئاً. فلما ظعن مره بأهله أرسل إلى ابنه همام فرسه مع جارية ، وأمره أن يظعن ويلحق بقومه. وكانا جالسين، فمر جساس يركض به فرسه مخرجاً فخذيه، فقال همام : إن له لأمراً ، والله ما رأيته كاشفاً فخذيه قط في ركض ، ولم يلبث إلا قليلاً حتى انتهت الجارية إليها ، وهما معتزلان في جانب الحي. فوثب همام إليها، فسارته أن جساساً قتل كليباً، وأن أباه قد ظعن مع قومه، فأخذ همام الفرس وربطه إلى خيمته ورجع ، فقال له المهلهل : ما شأن الجارية والفرس ؟ وما بالك ؟ فقال: اشرب ودع عنك الباطل، قال: وما ذاك ؟ فقال: زعمت أن جساساً قتل كليباً، فضحك المهلهل، وقال: همة أخيك أضعف من ذلك، فسكت. ثم أقبلا على شرابهما ، فجعل مهلهل يشرب شرب الآمن ، وهمام يشرب شرف الخائف ، ولم تلبث الخمر أن صرعت مهلهلا ، فانسل همام وأتى قومه من بنى شيبان ، وقد قوضوا الخيام ، وجمعوا الخيل والنعم ، ورحلوا حتى نزلوا بما يقال له النهى.

ورجع المهلهل إلى الحي سكران ، فرآهم يعقرون خيولهم ، ويكسرون رماحهم وسيوفهم ، فقال : ويحكم ما الذي دهاكم ؟ فلما أخبروه الخبر قال : لقد ذهبتم شر مذهب ، أتعقرون خيولكم حين احتجتم إليها ؟ وتكسرون سلاحكم حين افتقرتم إليه. فانتهوا عن ذلك، ورجع إلى النساء فنهاهن عن البكاء وقال: استبقين للبكاء عيوناً تبكى إلى آخر الأبد.

ولما أصبح غدا إلى أخيه فدفنه، وقام على قبره يرثيه ، وما زال المهلهل بيكي أخاه ويندبه ، ويرثيه بالأشعار ، وهو يجتزئ بالوعيد لبنى مرة ، حتى يئس قومه ، وقالوا : إنه زير نساء ، وسخرت منه بكر ، وهمت بنو مرة بالرجوع إلى الحمى ، وبلغ ذلك المهلهل فانتبه للحرب ، وشمر ذراعيه ، وجمع أطراف قومه ، ثم جز شعره ، وقصر ثوبه ، وآلى على نفسه ألا يهتم بلهو ولا يشم طيباً ، ولا يشرب خمراً ، ولا يدهن بدهن حتى يقتل بكل عضو من كليب رجلاً من بنى بكر بن وائل.

وحث بنى تغلب على الأخذ بالثأر ، فقال له أكابر قومه : إننا نرى ألا تعجل بالحرب حتى نعذز إلى إخواننا ، فبالله ما تجدع بحرب قومك إلا أنفك ، ولا تقطع إلا كفك ! فقال: جدعه الله أنفاً ، وقطعها كفاً ، والله لا تحدثت نساء تغلب أني أكلت لكليب ثمناً ولا أخذت له دية ، فقالوا : لا بد أن تغض طرفك وتخفض جناحك لنا ولهم ، فكره المهلهل أن يخالفهم فينفضوا من حوله ، فقال: دونكم ما أردتم.

وانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل فعظموا ما بينهم وبينه، وقالوا له: إنكم أتيتم أمراً عظيماً بقتلكم كليباً بناب من الإبل، وقطعتم الرحم، ونحن نكره العجلة عليكم دون الإعذار، وإننا نعرض عليكم إحدى ثلاث، لكم فيها مخرج ولنا مرضاة.

إما أن تدفعوا إلينا جساساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله ، وإما أن تدفعوا إلينا هماماً فإنه ند لكليب ، وإما أن تقيدنا من نفسك يا مرة ، فإن فيك رضا القوم.

فسكت وقد حضرته وجوه بنى بكر بن وائل فقالوا: تكلم غير مخذول ، فقال: أما جساس فغلام حديث السن ركب رأسه ، فهرب حين خاف ، فوالله ما أدري أي البلاد انطوت عليه . وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة، ولو دفعته إليكم لصيح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره. وأما أنا فلا أتعجل الموت ، وهل تزيد الخيل على أن تجول جولة فأكون أول قتيل ! لكن هل لكم في غير ذلك ؟ هؤلاء بنيّ فدونكم أحدهم فاقتلوه ، وإن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها لكم بكر بن وائل. فغضبوا وقالوا : إنا لم نأتك لترذل لنا بنيك ، ولا لتسومنا اللبن. ورجعوا فأخبروا المهلهل، فقال: والله ما كان كليب بجزور نأكل له ثمناً.

واعتزلت قبائل من بكر الحرب ، وكرهوا مساعدة بني شيبان ومجامعتهم على قتال إخوتهم ، وأعظموا قتل جساس كليباً بناب من الإبل ، فظعنت عجل عنهم ، وكفت يشكر على نصرتهم ، ودعت تغلب النمر من قاسط فانضمت إليها ، وصاروا يداً معهم على بكر ، ولحقت بهم عقيل بنت ساقط.

وكان الحارث بن عباد بن ضبيعة من قيس بن ثعلبة من حكام بكر وفرسانها المعدودين، فلما علم بمقتل كليب أعظمه ، واعتزل بأهله وولد إخوته وأقاربه ، وحل وتر قوسه ، ونزع سنان رمحه.

ووقعت الحرب بين الحيين، وكانت وقعات مزاحفات يتخللها مغاورات، وكان الرجل يلقى الرجل والرجلان والرجلين هكذا ، وأول وقعة كانت على ماء لهم يقال له النهى كان بنو شيبان نازلين عليه ، ورئيس تغلب المهلهل ورئيس شيبان الحارث بن مرة فكانت الدائرة لتغلب ، وكانت الشوكة في شيبان ، واستحر القتال فيهم ، إلا أنه لم يقتل ذلك اليوم أحد من بني مرة.

ثم التقوا بالذنائب فظفرت بنو تغلب ، وقتلت بكر مقتلة عظيمة ، ثم التقوا بواردات فظفرت بنو تغلب ، وكان جساس بن مرة وغيره طلائع قومهم وأبو نويرة التغلبي طلائع قومهم أيضاً ، فالتقوا بعض الليالي فقال له أبو نويرة : اختر إما الصراع أو الطعان ، أو المسايفة – أي التضارب بالسيوف- ، فاختار جساس الصراع فاصطرعا ، وأبطأ كل واحد منهما على أصحاب حيه ، وطلبوهما فأصابوهما وهما يصطرعان ، وقد كاد جساس يصرعه ففرقوا بينهما.

ثم التقوا بعنيزة فتكافأ الحيان، ثم التقوا بالقصيبات وكانت الدائرة على بكر ، وقتل في ذلك اليوم همام بن مرة أخو جساس ، فمر به مهلهل مقتولاً فقال له : والله ما قتل بعد كليب قتيل أعز عليّ فقداً منك.

ثم كانت بينهم معاودة ووقائع كثيرة، كل ذلك كانت الدائرة فيها لبنى تغلب، ثم إن تغلب جعلت جساساً أشد الطلب، فقال له أبوه مرة: الحق بأخوالك بالشام، فامتنع، فألح عليه أبوه فسيره سراً في خمسة نفر ، وبلغ الخبر مهلهل ، فندب أبا نويرة ومعه ثلاثون رجلاً من شجعان أصحابه ، فساروا مجدين، فأدركوا جساساً فقاتلهم ، فقتل أبو نويرة وأصحابه ولم يبق منهم غير رجلين ، وجرح جساس جرحاً شديداً مات منه ، وقتل أصحابه فلم يسلم غير رجلين أيضاً، فعاد كل واحد من السالمين إلى أصحابه.

فلما سمع مرة بقتل ابنه جساس قال: إنما يحزنني أن كان لم يقتل منهم أحداً، فقيل له: إنه قتل بيده أبا نويرة رئيس القوم، وقتل معه خمسة عشر رجلاً ما شركه أحد منا في قتلهم، وقتلنا نحن الباقين، فقال: ذلك مما يسكن قلبي عن جساس.

فلما قتل جساس أرسل أبوه مرة إلى مهلهل: إنك قد أدركت ثأرك وقتلت جساساً فاكفف عن الحرب، ودع اللجاج والإسراف، فهو أصلح للحيين وأنكأ لعدوهم، فلم يجب إلى ذلك.

ثم إن بنى بكر اجتمعوا إلى الحارث بن عباد، وقالوا له: قد فني قومك ! فأرسل بجيراً ابن أخيه إلى مهلهل وقال له: قل له: إني قد اعتزلت قومي لأنهم ظلموك، وخليتك وإياهم ، وقد أدركت ثأرك وقتلت قومك. فأتاه بجبر فهمّ المهلهل بقتله ، فقال له امرؤ القيس بن أبان – وكان من أشراف بنى تغلب وكان على مقدمتهم زمناً - : لا تفعل ، فوالله لئن قتله ليقتلن به منكم كبش ، لا يسأل عن خاله من هو ؟ وإياك أن تحقر البغي ، فإن عاقبته وخيمة ، وقد اعتزلنا عمه وأبوه وأهل بيته. فأبى مهلهل إلا قتله، فطعنه بالرمح وقتله وقال له: (بؤ بشسع نعل كليب)! فلما بلغ قتله الحارث – وكان من أحلم أهل زمانه وأشدهم بأساً- قال: نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل ! فقيل له: إنما قتله بشسع نعل كليب، فلم يقبل ذلك.

وأرسل الحارث إلى مهلهل: إن كنت قتلت بجير بكليب، وانقطعت الحرب بينكم وبين إخوانكم فقد طابت نفسي بذلك. فأرسل إليه مهلهل: إنما قتلته بشسع نعل كليب ! فغضب الحارث ودعا بفرسه – وكانت تسمى النعامة – فجز ناصيتها وهلب ذنبها- الهلب: الشعر كله وقيل في الذنب وحده -.

ثم ارتحل الحارث مع قومه، حتى نزل مع جماعة بكر بن وائل، وعليهم يومئذ الحارث بن همام، فقال الحارث بن عباد له : إن القوم مستقلون قومك ، وذلك زادهم جرأة عليكم ، فقاتلهم بالنساء ، قال له الحارث بن همام : وكيف قتال النساء ؟ فقال : قلد كل امرأة إداوة من ماء ، وأعطها هراوة ، واجعل جمعهن من ورائكم ، فإن ذلكم يزيدكم اجتهاداً ، وعلموا قومكم بعلامات يعرفنها ، فإذا مرت امرأة على صريع منكم عرفته بعلامته فسقته من الماء ونعشته ، وإذا مرت على رجل من غيركم ضربته بالهراوة فقتلته ، وأتت عليه.

فأطاعوه، وحلقت بنو بكر يومئذ رؤوسها، استبسالاً للموت ، وجعلوا ذلك علامة بينهم وبين نسائهم ، وقال جحدر بن ضبيعة- وإنما سمي جحدراً لقصره - : لا تحلقوا رأسي ، فإني رجل قصير ، ولا تشينوني ، ولكن أشتريه منكم بأول فارس. يطلع عليكم من القوم، فطلع ابن عناق فشد عليه فقتله.

واقتتل الفرسان قتالا شديداً ، وانهزمت بنو ثغلب ، ولحقت بالظعن بقية يومها وليلتها ، واتبعهم سرعان بكر بن وائل ، وتخلف الحارث بن عباد ، فقال لسعد بن مالك : أتراني ممن وضعته الحرب ! فقال : لا ، ولكن لا مخبأ لعطر بعد عروس.

وأسر الحارث مهلهلاً بعد انهزام الناس وهو لا يعرفه، فقال له: دلني على المهلهل. قال: ولي دمي ؟ فقال: ولك دمك، قال: ولى ذمتك وذمة أبيك ؟ قال: نعم ، ذلك لك. قال المهلهل- وكان ذا رأي ومكيدة- : فأنا مهلهل خدعتك عن نفسي ، والحرب خدعة، فقال : كافئني بما صنعت لك بعد جرمك ودلني على كفء لبجير ، فقال : لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان ، هذاك علمه. فجز ناصيته وأطلقه ، وقصد امرئ القيس فشد عليه فقتله .

فلما رجع مهلهل بعد الوقعة والأسر إلى أهله جعل النساء والوالدان يستخبرونه: تسأل المرأة عن زوجها وابنها وأخيها، والغلام عن أبيه وأخيه ،ثم إن مهلهلاً قال لقومه : قد رأيت أن تبقوا على قومكم ، فإنهم يحبون صلاحكم ، وقد أتت على حربكم أربعون سنة ، وما لمتكم على ما كان من طلبكم ، فلو مرت هذه السنون في رفاهية عيش لكانت تمل من طولها ، فكيف وقد فني الحيان وثكلت الأمهات ويتم الأولاد ، ورب نائحة لا تزال تصرخ في النواحي ، ودموع لا ترفأ ، وأجساد لا تدفن ، وسيوف مشهورة ، ورماح مشرعة ، وإن القوم سيرجعون إليكم غداً بمودتهم ومواصلتهم ، وتتعطف الأرحام حتى تتواصوا ، أما أنا فما تطيب نفسي أن أقيم فيكم، ولا أستطيع أن أنظر إلى قاتل كليب، وأخاف أن أحملكم على الاستئصال ، وأنا سائر عنكم إلى اليمن.

ثم خرج حتى لحق بأرض اليمن، فخطب إليه أحدهم ابنته فأبى أن يفعل، فأكرهوه وساقوا إليه أدَماً في صداقها فأنكحها إياه ، وكان قد بلغ قبائل بكر وتغلب زواج سليمى في مذحج ، وكان بين القومين منافسة ونفور، فغضبوا وأنفوا، وقصدوا بلاد القوم فأخذوا المرأة وأرجعوها إلى أبيها بعد أن أسروا زوجها.

وملت جموع تغلب الحرب فصالحوا بكراً، ورجعوا إلى بلادهم ، وتركوا الفتنة ، ولم يحضر المهلهل صلحهم ، ثم اشتاق إلى أهله وقومه ، ولجت عليه ابنته سليمي بالمسير إلى الديار ، فأجابها إلى ذلك ، ورجع نحو قومه ، حتى قرب من قبر أخيه كليب ، وكانت عليه قبة رفيعة ، فلما رآه خنقته العبرة ، وكان تحت بغل نجيب، فلما رأى البغل القبر في غلس الصبح نفر منه هارباً ، فوثب عنه المهلهل ، وضرب عرقوبيه بالسيف ، وسار بعد ذلك حتى نزل في قومه زماناً ، وما وكده – أي قصده - إلا الحرب ، ولا يهم بصلح ، ولا يشرب خمراً ، ولا يلهو بلهو ، ولا يحل لأمته ، ولا يغتسل بماء ، حتى كان جليسه يتأذى منه من رائحة صدأ الحديد.

فلما كان ذات يوم دخل عليه رجل من تغلب اسمه ربيعة بن الطفيل، وكان له نديماً، فلما رأى ما به قال : أقسمت عليك أيها الرجل لتغتسلن بالماء البارد ، ولتبلن ذوائبك بالطيب ! فقال المهلهل: هيهات ! هيهات ! يا بن الطفيل ، هبلتني إذا يميني ، وكيف باليمين التي آليت ! كلاً أو أقضي من بكر أربى ، ثم تأوه وزفر .

ونقض الصلح، وعادت الحرب، ثم إن المهلهل أغار غارة على بنى بكر، فظفر به عمرو بن مالك أحد بنى قيس بن ثعلبة، فأسره وأحسن إساره، فمر عليه تاجر يبيع الخمر - وكان صديقاً للمهلهل- فأهدى إليه وهو أسير زقاً من خمر، فاجتمع شبان من قيس بن ثعلبة ونحروا عنده بكراً، وشربوا عند مهلهل في بيته الذي أفرد له ، فلما أخذ فيهم الشراب تغنى مهلهل بشعر ناح فيه على أخيه.

فلما سمع عوف ذلك غاظه وقال: لا جرم إن الله على نذراً، إن شرب عندي قطرة ماء ولا خمر حتى يورد الخضير – أي لا يشرب شيئاً قبل خمسة أيام -، فقال له أناس من قومه: بئس ما حلفت ! فبعثوا الخيول في طلب البعير فأتوا به بعد ثلاث أيام، وكان المهلهل مات عطشاً.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:37 PM

34

معركة ملاذكرد

مدينة القسطنطينية

تعد معركة "ملاذكرد" من أيام المسلمين الخالدة، مثلها مثل بدر، واليرموك، والقادسية، وحطين، وعين جالوت، والزلاقة، وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مسيرته، وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى وأضعفت قوتها، ولم تعد كما كانت من قبل شوكة في حلق المسلمين، حتى سقطت في النهاية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.

كما أنها مهدت للحروب الصليبية بعد ازدياد قوة السلاجقة المسلمين وعجز دولة الروم عن الوقوف في وجه الدولة الفتية، وترتب على ذلك أن الغرب الأوروبي لم يعد يعتمد عليها في حراسة الباب الشرقي لأوروبا ضد هجمات المسلمين، وبدأ يفكر هو في الغزو بنفسه، وأثمر ذلك عن الحملة الصليبية الأولى.

ألب أرسلان

تولى ألب أرسلان حكم دولة السلاجقة سنة (455 هـ= 1063م) خلفًا لعمه طغرل بك الذي أسس الدولة ومد سلطانها تحت بصره حتى غدت أكبر قوة في العالم الإسلامي، وقضى ألب أرسلان السنوات الأولى من حكمه في المحافظة على ممتلكات دولته وتوسيع رقعتها، وتأمين حدودها من غارات الروم.

ثم تطلع إلى ضم المناطق المسيحية المجاورة لدولته؛ فاتجه صوب الغرب لفتح بلاد الأرمن وجورجيا والأجزاء المجاورة لها من بلاد الروم، وكان أهل هذه البلاد يكثرون من الإغارة على إقليم أذربيجان حتى صاروا مصدر إزعاج وقلق لسكانه، وهو ما دفع بالسلطان السلجوقي إلى ضرورة كبح جماح هؤلاء الغزاة.


وأزعج ذلك إمبراطور الروم رومانوس ديوجينس، وأدرك أن التوسع السلجوقي لا يقف عند هذا الحد، وأن خطره سيهدد بلاده، فعزم على تحويل أنظار السلاجقة عن بلاده بالإغارة على بلاد الشام الشمالية، فهاجم مدينة "منبج" ونهبها وقتل أهلها، غير أن ذلك لم يكن كافيًا لدفع خطر السلاجقة على بلاده، فأعد جيشًا كبيرًا لضرب السلاجقة، وتحجيم قوتها وإضعافها.

غرور القوة

جهّز الإمبراطور البيزنطي رومانوس جيشًا ضخمًا يتكون من مائتي ألف مقاتل من الروم والفرنجة والروس والبلغاريين واليونانيين والفرنسيين وغيرهم، وتحرك بهم من القسطنطينية عاصمة دولته، ممنيًا نفسه بنصر حاسم يقضي على خطر السلاجقة، فقد أطمعته قواته الغفيرة وعتاده الكثيف بأن النصر آتٍ لا ريب فيه، واتجه إلى ملاذكرد حيث يعسكر الجيش السلجوقي.

أدرك ألب أرسلان حرج موقفه؛ فهو أمام جيش بالغ الضخامة كثير العتاد، في حين أن قواته لا تتجاوز أربعين ألفا، فبادر بالهجوم على مقدمة جيش الروم، ونجح في تحقيق نصر خاطف يحقق له التفاوض العادل مع إمبراطور الروم؛ لأنه كان يدرك صعوبة أن يدخل معركة ضد جيش الروم؛ فقواته الصغيرة لا قبل لها بمواجهة غير مضمونة العواقب، فأرسل إلى الإمبراطور مبعوثًا من قبله ليعرض عليه الصلح والهدنة؛ فأساء الإمبراطور استقبال المبعوث ورفض عرض السلطان، وأشاح بوجهه في غطرسة وكبرياء مطمئنًا من الفوز والظفر، ولم ينتظر سماع كلام مبعوث السلطان، وطالبه أن يبلغه بأن الصلح لن يتم إلا في مدينة الري عاصمة السلاجقة.

الاستعداد للقاء

أيقن السلطان ألا مفر من القتال بعد أن فشل الصلح والمهادنة في دفع شبح الحرب؛ فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد، وأوقد في قلوبهم جذوة الصبر والثبات، ووقف فقيه السلطان وإمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري يقول للسلطان مقويًا من عزمه: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.

وحين دانت ساعة اللقاء في (آخر ذي القعدة 463 هـ= أغسطس 1071م) صلّى بهم الإمام أبو نصر البخاري، وبكى السلطان فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنط، وقال: إن قتلت فهذا كفني.

ساعة اللقاء في ملاذكرد

أحسن السلطان ألب أرسلان خطة المعركة، وأوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده، حتى إذا بدأت المعركة أقدموا كالأسود الضواري تفتك بما يقابلها، وهاجموا أعداءهم في جرأة وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلا وتجريحًا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى تحقق النصر، وانقشع غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال.

ووقع الإمبراطور البيزنطي أسيرًا في أيدي السلاجقة، وسيق إلى معسكر السلطان ألب أرسلان الذي قال له: ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني، فقال: أفعل القبيح. فقال له السلطان: فما تظن أنني أفعل بك، قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلاد الشام، والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبا عنك. فقال السلطان: ما عزمت على غير هذا.

إطلاق سراح الإمبراطور

أطلق السلطان ألب أرسلان سراح الإمبراطور البيزنطي بعد أن تعهد بدفع فدية كبيرة قدرها مليون ونصف دينار، وأن يطلق كل أسير مسلم في أرض الروم، وأن تعقد معاهدة صلح مدتها خمسون عامًا، يلتزم الروم خلالها بدفع الجزية السنوية، وأن يعترف الروم بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلادهم، وأن يتعهدوا بعدم الاعتداء على ممتلكات السلاجقة.

ثم أعاد السلطان غريمه وأسيره الإمبراطور البيزنطي إلى بلاده، وخلع عليه خلعه جليلة، وخصص له سرادقًا كبيرًا، وأعطاه قدرًا كبيرًا من المال لينفق منه في سفره ثم أفرج عن عدد من ضباطه ليقوموا بخدمته، وأمر عددا من رجاله بصحبته حتى يصل إلى دياره سالمًا.

ولم تكد تصل أخبار الهزيمة إلى القسطنطينية حتى أزال رعاياه "اسمه من سجلات الملك"، وقالوا إنه سقط من عداد الملوك، وعُيِّن ميخائيل السابع إمبراطورا؛ فألقى القبض على رومانوس الرابع الإمبراطور السابق، وسمل عينيه.

نتائج معركة ملاذكرد

بعد انتصار المسلمين في هذه المعركة تغيّرت صورة الحياة والحضارة في هذه المنطقة؛ فاصطبغت بالصبغة الإسلامية بعد انحسار النفوذ البيزنطي تدريجيًا عن هذه المنطقة، ودخول سكانها في الإسلام، والتزامهم به في حياتهم وسلوكهم.

وواصل الأتراك السلاجقة، غزوهم لمناطق أخرى بعد ملاذكرد، حتى توغلوا في قلب آسيا الصغرى، ففتحوا قونية وآق، ووصلوا إلى كوتاهية، وأسسوا فرعًا لدولة السلاجقة في هذه المنطقة عرف باسم سلاجقة الروم، ظل حكامه يتناوبون الحكم أكثر من قرنين من الزمان بعد انتصار السلاجقة في ملاذكرد، وأصبحت هذه المنطقة جزءًا من بلاد المسلمين إلى يومنا هذا.

وكان من ثمار دخول هذه المنطقة في حوزة السلاجقة انتشار اللغتين العربية والفارسية، وهو ما كان له أثره في مظاهر الحضارة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، غير أن هزيمة الروم في موقعة ملاذكرد جعلتهم ينصرفون عن هذا الجزء من آسيا الصغرى، ثم عجزوا عن الاحتفاظ ببقية الأجزاء الأخرى أمام غزوات المسلمين الأتراك من السلاجقة والعثمانيين، وقد توالت هذه الغزوات في القرون الثلاثة التالية لموقعة ملاذكرد، وانتهت بالإطاحة بدولة الروم، والاستيلاء على القسطنطينية عاصمتها، واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية، وتسميتها بإسلامبول أو إستانبول.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:37 PM

35

فتح المدائن
المعركة التى دمرت عروش فارس... فتح المدائن



(فتحت فى 14 من صفر 16 هـ)



بعد أن فتح المسلمون دمشق، وقضت الجيوش الإسلامية على جحافل الروم في الشام، اتجه أبو عبيدة بن الجراح على رأس جيشه الذي يضم خيرة أبطال المسلمين وفيهم سيف الله خالد بن الوليد إلى حمص لفتحها؛ إحكامًا لسيطرة قبضة المسلمين على الشام.

وأراد الخليفة عمر بن الخطاب أن يوجه جيشًا آخر إلى العراق ليقضي على نفوذ الفرس بها، بعد أن بدأت بوادر الضعف والانهيار تدب في إمبراطوريتهم العتيقة، وكان عمر بن الخطاب يريد أن يخرج على رأس هذا الجيش، ولكنه بعد أن استشار أصحابه، أشاروا عليه أن يبقى في المدينة، ويؤمّر على الجيش رجلا غيره، فنزل على رأي الجماعة، وبدأ عمر يبحث عن الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة الخطيرة فأشار عليه أصحابه بأن يؤمّر "سعد بن أبي وقاص".
وخرج سعد من المدينة إلى العراق في أربعة آلاف فارس، واستطاع سعد وجنوده أن يحققوا أعظم الأمجاد، وسطّروا أروع البطولات، وتوالت انتصارات المسلمين على الفرس في القادسية ثم بُهْرَسِير التي كانت ضاحية للمدائن على الضفة الغربية لدجلة، لا يفصلها عن المدائن سوى النهر، ولا تبعد عن بغداد بأكثر من عشرين ميلا إلى الجنوب.

القرار الصعب....
بعد فتح بهرسير أراد سعد أن يعبر بجنوده إلى المدائن، ولكنه وجد أن الفرس قد أخذوا السفن كلها حتى يمنعوهم من العبور إليهم.
جمع سعد جنوده وأخبرهم بعزمه على عبور دجلة إلى المدائن، فوجد منهم حماسًا شديدًا ورغبة أكيدة في السير إلى الفرس وفتح عاصمتهم المدائن، وقسم سعد جيشه إلى عدة كتائب، وجعل على رأس كل منها قائدًا من أمهر رجاله، وأكثرهم حنكة وكفاءة، فجعل على الكتيبة الأولى "كتيبة الأهوال" عاصم بن عمرو الملقب بذي البأس، وجعل على الكتيبة الثانية "الكتيبة الخرساء" القعقاع بن عمرو، ثم سار هو على بقية الجيش.

كتيبة الأهوال ....
وتقدمت الكتيبتان في إيمان وشجاعة؛ فلا البحر يخيفهم ولا الفرسان المتربصون بهم على الشاطئ الآخر يرهبونهم.. وأسرع المسلمون يعبرون النهر بخيولهم حتى امتلأت صفحة النهر بالخيل والفرسان والدواب، فلا يرى أحد الماء من الشاطئ لكثرة الخيل والفرسان؛ فلما رأى الفرس المسلمين وقد خاضوا النهر إليهم راحوا يجمعون فرسانهم للتصدي لهم، ومنعهم من الخروج من الماء، واجتمع عدد كبير من فرسانهم حول الشاطئ مدججين بالسلاح يترقبون وصول المسلمين ليرشقوهم بالسهام والرماح، ويقضوا عليهم قبل أن يصلوا إلى الشاطئ.

ولكن قائد الأهوال عمرو بن عاصم يدرك بسرعة ما ينتظرهم، فيأمر رجاله أن يشرعوا رماحهم، ويصوبوها إلى عيون خيل الفرس، وتنطلق الرماح وكأنها البرق الخاطف إلى عيون الخيول، فتعم الفوضى بين صفوف الفرس، وتضطرب صفوفهم، ويفرون أمام المسلمين، وقد امتلأت نفوسهم رعبًا وفزعًا، وهم لا يملكون كف خيولهم، يطاردهم فرسان كيبة الأهوال.

المسلمون في المدائن .....
وانطلق المسلمون نحو الشاطئ بخيولهم القوية، وهي تصهل في حماس، وتنفض الماء عن أعرافها في قوة، فلما رآهم القوم أخذهم الفزع، وانطلقوا لا يلوون على شيء.

ودخل المسلمون المدائن فاتحين منتصرين، وغنموا ما تحويه من نفائس وذخائر، بعد أن فر كسرى وجنوده حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والنفائس والأمتعة، وتركوا ما عجزوا عن حمله.

ووجد المسلمون خزائن كسرى مليئة بالأموال والنفائس، ولكن هذه الكنوز لم تُغرِ أيًّا منهم بالاستيلاء عليها لنفسه، ولم تراود أحدًا منهم نفسه على أخذ شيء منها، ودخل سعد القصر الأبيض بالمدائن، وانتهى إلى إيوان كسرى، وهو يقرأ قوله تعالى: "كم تركوا من جنات وعيون *وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قومًا آخرين" (الدخان: 25-28).

ثم صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن، كما صلى من قبلُ في قصر كسرى الآخر في بهرسير.

يد تقاتل وأخرى تحمل السلام ....
وعرض المسلمون على أهل المدائن ما عرضوه من قبل على إخوانهم في بهرسير:

"إما الإسلام؛ فإن أسلمتم فلكم ما لنا، وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فمناجزتكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم". فأجابوهم إلى الجزية، وقالوا: "لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة.. ولكن الوسطى". وأرسل سعد السرايا في إثر كسرى، فلحق بهم بعض المسلمين، فقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وفر الباقون، واستولى المسلمون على ما معهم من الغنائم والأسلاب، وكان فيها ملابس كسرى وتاجه وسيفه وحليه.

وانتشر المسلمون في المدائن تلك المدينة الساحرة التي طالما داعبت أحلامهم، وتمنوا فتحها، وأخذوا يجمعون المغانم الكثيرة التي ظفروا بها من الذهب والفضة والسلاح والثياب والأمتعة والعطور والأدهان، فأرسلوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، وكان فيما أرسلوه سيف كسرى وأساوره؛ فلما وضعت بين يديه نظر إليها متعجبًا وهو يقول: إن أقوامًا أدّوا هذا لَذَوو أمانة".. فرد عليه علي بن أبي طالب: إنك تعففتَ فعفّت الرعية.

سراقة يلبس سواري كسرى ....
وكان في القوم سراقة بن مالك الذي وعده النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم الهجرة أنه سيلبس سواري كسرى، فتناول عمر السوارين وألقاهما إليه، فوضعهما سراقة في يديه، لتتحقق بشارة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووعده لسراقة، حيث كان النبي مهاجرًا خارجًا من بلده، فارًا بدينه مطاردًا من قومه، ضعيفًا إلا من إيمانه بالله، وثقته في نصره إياه.

فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال: "الحمد لله.. سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك".

ثم أطرق عمر قليلا، وكسا الحزن والأسى صوته وهو يقول: "اللهم إنك منعتَ هذا رسولك ونبيك، وكان أحب إليك منّي، وأكرمَ عليك مني، ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي".. ثم بكى حتى أشفق عليه المسلمون من حوله.

وهكذا سقطت المدائن عاصمة الفرس العريقة في أيدي المسلمين فكان سقوطها إيذانا بانهيار إمبراطورية الفرس كلها، وبداية صفحة جديدة من تاريخ فارس، بعد أن بادر كثير من أهالي تلك البلاد إلى الدخول في الإسلام؛ لما وجدوه من الحرية والعدل وحسن المعاملة في ظل الإسلام، بعدما قاسوا طويلاً من ظلم دهاقين الفرس وجور حكامهم، مما ساعد على المزيد من الفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:38 PM

36

فتح مصر
كانت مصر قبيل الفتح إحدى الولايات التابعة للدولة الرومانية ، استولى عليها الروم سنة 40 قبل الميلاد ، فجعلوها تمدهم بما يحتاجون إليه من الغلال ، وأغلقت أمام سكان مصر الأصليين أبواب المناصب العالية ، وزادت عليهم الضرائب زيادة كبيرة شملت كل إنسان في مصر حتى وصل الظلم إلى إلزام الشعب بأن يقوم بغذاء الجنود الروم المارين والمستقرين بمصر كلهم ، حتى تمنى المصريون الخلاص من الروم .

ولما وصل عمربن الخطاب إلى الجابية قرب دمشق سنة 18هـ قال له عمرو بن العاص : ائذن لي في المسير إلى مصر ؛ إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم .

وتردد عمر في الأمر خوفاً على المسلمين أن يصيبهم الإرهاق من كثرة الحروب المتواصلة وقد فرغوا قريباً من فتوحات الشام ، وخشية من التوسع في الفتح دون أن ترسخ أقدام المسلمين وينشروا دينهم في البلاد المفتوحة ، لكن عَمرو هون الأمر على الخليفة ، فقال له عمر حينذ : إني مرسل إليك كتاباً وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر ، فإن أدركك قبل أن تدخلها أو شيئاً من أرضها فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره .

وسار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها ، وفي رفح وصله كتاب أمير المؤمنين ، فلم يتسلمه من حامله ، حتى شارف العريش ، فأخذ الكتاب ، وقرأه على أصحابه ، فإذا عمر يأمره فيه بالانصراف إن لم يكن قد دخل أرض مصر ، ولكن عَمْراً الآن في أرض مصر ، فأمر الجيش بالمسير على بركة الله .

اخترق الجيش سيناء سنة : 18هـ ، ففتح العريش من غير مقاومة تذكر ؛ لأن حصونها لم تكن من المتانة لتصمد في وجه المسلمين المجاهدين زمناً طويلاً، ولعدم وجود حامية رومية بها . ثم غادر عمرو العريش ، سالكاً الطريق الذي سلكه في تجارته الى مصر .

ولم يشتبك عمرو مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية ، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر ، وتم الفتح في أول شهر المحرم 19للهجرة ، وسار عمرو بعد ذلك حتى وصل بلبيس فوجدها محصنة ، وفيها أرطبون الروم ، وقد فرّ من فلسطين قبيل تسليم بيت المقدس ، وخلال شهر من الحصار والاشتباكات فتحت المدينة ، وكان بها ابنة المقوقس أرمانوسة ، فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة .

وطلب عمرو المدد من أمير المؤمنين ، فأرسل أربعة آلآف مجاهد ، وعلى رأسهم : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وكتب إليه : ( إني قد أمددتك بأربعة آلآف ، على كل ألف رجل منهم مقام الألف .. ) .

وصل هذا المدد بقيادة الزبير إلى عين شمس فسار عمرو لاستقباله ، ولكن تيودور قائد الروم تقدم في عشرين ألفاً ليضرب المسلمين ضربة قاصمة قبل وصول المدد ، ولكن عمراً تنبه للأمر فوضع كميناً في الجبل الأحمر وآخر على النيل ، ولاقاه ببقية الجيش ، ولما نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي كان في الجبل الأحمر وانقض على الروم ، فاختل نظامهم ، واضطرب تيودور فتراجع لينظم قواته ، فقابله الكمين الذي كان بقرب النيل ، فأصبح تيودور وجيشه بين جيوش المسلمين من ثلاث جهات ، فحلت به الهزيمة ، فركب بعضهم في النيل وفر إلى حيث لايرى ، وفر قسم كبير منهم إلى حصن بابليون فقويت الحامية في هذا الحصن .

لم يبق أمام عمرو إلا حصن بابليون ،فإن فتح فتحت مصركلها ، ولكن الحصار طال وتأخر الفتح سنتين ، وما ذاك إلا بسبب : قلة عدد المسلمين (8004 رجل ) ، ومتانة أسوار حصن بابليون ، وتجمع الآلآف من جند الروم به ، وقلة معدات الحصار مع الجند المسلمين ، مع فيضان النيل .

وطلب المقوقس من عمرو رجالاً يتحادث معهم من المسلمين فأرسل إليه وفداً بقيادة عبادة بن الصامت ، وأبقى عمرو رسل المقوقس عنده يومين وليلتين حتى يطلعوا على أحوال جند المسلمين فيخبروا بذلك من وراءهم ، ثم ردهم عارضاً عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال .

أما الزبير بن العوام فقال للمسلمين : إني أهب نفسي لله تعالى ، وأرجو أن يفتح الله بذلك للمسلمين . فوضع سلما ً إلى جانب الحصن ثم صعد ، وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة يجيبونه جميعاً ، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ، ومعه السيف ، وقد عصب رأسه بعمامة صفراء علامة حب الموت أوالنصر .

وقفز الزبير داخل الحصن ، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر السلم ، ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة ، وأجابه المسلمون بالتكبير بصوت واحد ، فارتبك أهل الحصن وظنوا أن المسلمين قد دخلوا ، واستطاع الزبير أن يفتح الباب ، واقتحم المسلمون الحصن ، وامتلكوا بذلك مفتاح مصر .

ولما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه ، فأجابه عمرو إلى ذلك .

وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة ؛ والذي بسببه انتشر الإسلام في شمال إفريقيا .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:39 PM

37

معركة ذات الصواري
لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام ألح على عمر الفاروق في غزو البحر ، وكتب له معاوية : ( إن قرية من قرى حمص ليسمعُ بنباح كلابهم ، وصياح دجاجاتهم ) . فاحتار عمر وكتب إلى عمرو بن العاص واليه على مصر : ( صف لي البحر وراكبه ؛ فإن نفسي تنازعني عليه ) . فكتب عمرو : ( إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلقٌ صغير ، ليس إلا السماء والماء ، إن ركد خرق القلوب ، وإن تحرك أزاغ العقول ، يزداد فيه اليقين – بالنجاة – قلة ، والشك كثرة ، هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق ، وإن نجا برق ) .

قرأ عمر الكتاب ثم كتب إلى معاوية : ( والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ، وبالله لمسلمٌ واحدُ أحب إلي مما حوت الروم ) .

ولما ولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، وذلك بعد أن بدأ معاوية باستكمال الاستعدادت ، فوافق عثمان على طلبه ، وكتب إليه : ( لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ) .

فبنى معاوية أسطولاً إسلامياً ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي فاستطاع فتح قبرص .

وولى عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح ولاية مصر فبدأ بغزو جنوب ليبيا ، ثم غزا بلاد النوبة ، بالإضافة إلى أن معاوية سيطر على الشواطىء في بلاد الشام وآسيا الصغرى ، فلما رأى الروم خسائرهم المتوالية في البر جمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً رومياً به ألف سفينة لضرب المسلمين ، فأرسل معاوية - بعد إذن عثمان - مراكب الشام بقيادة بُسر بن أرطاة ، واجتمع مع بن أبي سرح في مراكب مصر ، ومجموعها مائتا سفينة فقط ، وكانت المعركة التي يترجح أنها وقعت على شواطىء الاسكندرية ، سنة 32 للهجرة .

والتقى الجيشان في عرض البحر ، وطلب المسلمون من الروم : إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل ، حتى يكتب لأحدنا النصر ، وإن شئتم فالبحر ، فأبى الروم إلا الماء ، وبات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وقام المسلمون الليل يصلون ويدعون ويذكرون ، وبات الروم يضربون النواقيس .

ولما صلى المسلمون الفجر أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامسوها ، ونزل الفدائيون إلى الماء وربطوا السفن العربية بسفن الروم بحبال متينة ، وبدأ الروم القتال ، وصار قاسياً ، وسالت الدماء حتى احمرت صفحة المياه ، وترامت الجثث في الماء ، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وقتل من المسلمين الكثير ، وقتل من الروم ما لا يحصى ، وصمد المسلمون ، فكتب الله لهم النصر بما صبروا ، واندحر الروم ، وكاد قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين ، لكنه فر مدبراً والجراحات في جسمه حتى وصل جزيرة صقلية ، فسأله أهلها عن أمره ، فأخبرهم فقتلوه حنقاً عليه.

والصواري جمع صار ، وهي الخشبة المعترضة وسط السفينة ، وسميت المعركة كذلك لكثرة صواري المراكب واجتماعتها ، أو لكثرة ساريات السفن التي التحمت في القتال في ذلك اليوم (1200 سفينة عربية ورومية ) .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:39 PM

38

فتح قبرص
كتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والي الشام إلى الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه يستأذنه في غزو البحر أكثر من مرة ، فأجابه عثمان إلى ذلك ، وكتب إليه : لا تنتخب الناس ولاتقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ، ففعل معاوية ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الفزاري .


واتجه الأسطول الإسلامي عام 28 للهجرة نحو قبرص وهي الجزيرة الهامة لموقعها في البحر المتوسط ، فهي المحطة البحرية الاستراتيجية للتجارة والملاحة ، كما أن موقعها مهم لحماية فتوح المسلمين في بلاد الشام وإفريقية .

اتجه الأسطول الإسلامي من سواحل بلاد الشام بقيادة عبد الله بن قيس إلى قبرص وسار إليها أيضاً أسطول إسلامي آخر من مصر بقيادة عبد الله بن سعد فانتزعها المسلمون عام 28هـ من البيزنطيين وامبراطورهم آنذاك قنسطانس الثاني .
وقد صالح أهل قبرص المسلمين على :

1- ألا يقوموا بغزو المسلمين .
2- وعليهم أن يؤذنوا المسلمين بمسير عدوهم من الروم .
3- مع جزية قدرها سبعة آلاف دينار كل سنة .
4- وأن يختار المسلمون بطريق قبرص .

قال جبير بن نفير : ولما فتحت قبرص وأخذ منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي ، فقلت : ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ، وأذل الكفر وأهله ، قال : فضرب منكبي بيده ، وقال : ثكلتك أمك ياجبير ، ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره ، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك ، إذ تركوا أمر الله فصاروا إلى ماترى ، فسلط الله عليهم السباء ، وإذا سلط الله السباء على قوم فليس له فيهم حاجة .

وفي هذه الغزوة توفيت أم حرام بنت ملحان الأنصارية تحقيقاً لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أنه نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها ، فاستيقظ وهو يضحك ، وقال : عرض عليّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة ، قالت أم حرام : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال صلى الله عليه وسلم : إنك منهم ، ثم نام فاستيقظ وهو يضحك ، فقالت أم حرام : يارسول الله ما يضحكك ؟ فقال : عرض عليّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة ، قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال صلى الله عليه وسلم : أنت من الأولين . وقد صحبها زوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنه في غزو قبرص ، فلما جاز البحر بها ركبت دابة فصرعتها فقتلتها ، ودفنت هناك ، وقبرها يزار حتى يومنا هذا .

نتائج فتح قبرص :

1- تهديم جدار الوهم عند المسلمين بركوب البحر وبدء الصراع بين المسلمين والروم فيه .
2- تأمين حدود بلاد الشام ومصر بجعل قبرص قاعدة إنذار متقدمة .
3- وجّه الأسطول البيزنطي ثقله إلى غرب البحر المتوسط حيث كانت الفتوحات الإسلامية لا تزال بعيدة عن الوصول هناك .
4- تطوير الأعمال البحرية بتنسيق تام مع الأعمال البرية ، فكانت الجزر هي هامش الحيطة البحري للدفاع عن الأقاليم التي يفتحها المسلمون في المغرب الإسلامي .

تكررت الغزوات على قبرص في الأعوام : 130 ، 158 ، 184 ، 190 هـ ، وقبيل البدء بالحركة الصليبية وجه ملك القسطنطينية ( نقفور ) أسطولاً إلى قبرص عام 965م ، فاحتلها فأصبحت سنداً بالغ الأهمية للصليبيين ، وبعد استرجاع بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي اتجه ريتشارد قلب الأسد إلى قبرص وجعلها قاعدة له عام 1191م ، وفي عام 1198م أصبحت مملكة ، وأصبح ملكها موجهاً للمغول للقضاء على المسلمين ، وأصبحت عام 1248م قاعدة للملك لويس التاسع عند غزوة مصر .

وفي عام 1263 وحّد ملك قبرص ( هيو ) قبرص وعكا التي كانت ما تزال بيد الصليبيين ، فأصبح مسؤولاً عن حماية عكا آخر معاقل الصليبيين في الشرق .
وفي عام 1291م حرر المسلمون عكا ، وأضحت قبرص بعدها مركز تهديد للشواطئ الإسلامية ؛ لذلك كان الملك الأشرف خليل محرر عكا ينادي دوماً : قبرص .. قبرص .. قبرص ، غير أن تهديدات المغول أعاقته عن تنفيذ أهدافه .

ولما أخذ العثمانيون على عاتقهم حماية العالم الإسلامي فتحوا قبرص عام 1573م ، ثم احتلها البريطانيون عام 1878م ، ثم أصبحت مستقلة عام 1945م .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:40 PM

39

فتح بلاد ماوراء النهر
يمكن تقسيم بلاد ماوراء النهر إلى خمسة أقاليم : الصغد وفيه بخارى وسمرقند ، وخوارزم ويختلف عن إقليم خراسان الذي يقع جنوبه ، والصغانيان وبذخشان والختّل وفيه مدينة ترمذ ، وفرغانة ، والشاش .


وبلاد ماوراء النهر جزء من تركستان الغربية التي تضم في الوقت الحاضر: جمهورية أوزبكستــان وطاجكستــان ، وقد سكنها الترك ، وكان لهـم فيها إمبراطورية عظيمة قبل الميلاد ، وقد سكن المنطقة أيضاً الإيرانيون أيضاً ويبدو أنهم اغتصبوا تلك الأصقاع من الترك ، وكانت عقائد أهل المنطقة الزرادشتية وهي ديانة الإيرانيين والبوذية القادمة من الشرق .

وكان لملوكهم ألقاب منها : خاقان : وهو لقب من ألقاب السيادة التي تطلق على أباطرة المغول والترك العظام ومعناه ملك الملوك . وأما الخان فهو الحاكم الإقليمي لبعض الولايات التي كانت تتكون منها الإمبراطورية المغولية في تركستان . أما طرخان فكان يطلق على الأشراف من الرجال الذين يمنحهم الخاقان امتيازات خاصة تشمل الإعفاء من الضرائب مع الحق في أخذ نصيب من غنائم المعركة ، ومنها الدخول إلى أرض الخاقان بدون استئذان . وطرخون صيغة أخرى من طرخان وله امتيازات الإعفاء من الضرائب والامتيازات الأخرى ، فهما لفظان بمعنى واحد .

وكان ملوك بلاد ماوراء النهر مستقلين استقلالاً ذاتياً ولكنهم كانوا جميعاً يدينون بالولاء للخاقان عملياً أو نظرياً ، ولكن الحرب كانت تجمعهم ليصبحوا صفاً واحداً على عدوهم المشترك في الدفاع عن مصالحهم المشتركة .

وأما عن قصة الفتح الإسلامي لها زمن قتيبة فقد وصل قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 86هـ خراسان والياً ، فخطب الناس وحثهم على الجهاد ، وانطلق قتيبة ، فلما كان ب( الطالقان ) تلقاه دهاقين بلخ وبعض عظمائها وساروا معه ، فلما قطع نهر جيحون - النهر الفاصل بين الأقوام الناطقة بالفارسية والتركية - تلقاه ملك ( الصغانيان ) بهدايا ومفتاح من ذهب ودعاه إلى بلاده فمضى معه وسلمه بلاده ، ثم سار إلى ملك (أخرون وشومان ) فصالحه ملكها على فدية أداها إليه .

وفي سنة 87هـ قدم نيزك طرخان فصالح قتيبة عن أهل ( باذغيس ) على أن لا يدخلها ، وأطلق الأسرى المسلمين الذي كانوا في يديه وبعثهم إلى قتيبة ثم قدم إليه نيزك بنفسه .

ثم سار قتيبة من ( مرو) إلى ( آمل ) ثم مضى إلى ( زم ) ، ثم اجتاز نهر جيحون وسار إلى ( بيكند ) ، من بلاد ( بخارى ) فاستنصروا ( الصغد )على قتيبة فأتوهم في جمع كثير ، وتأهب المسلمون للقتال ثم تزاحفوا والتقوا ، واعتصم من بالمدينة بالمدينة ، فركز سلاح الفعلة ( المهندسين ) على سورها لهدمه فسألوا الصلح فصالحهم ، وأمر عليهم رجلاً من بني قتيبة ، وارتحل عنهم فلما سار مرحلة أو مرحلتين [ المرحلة = 90 كم تقريباً ] نقضوا عهودهم فقتلوا العامل وأصحابه ومثلوا به ، وبلغه الخبر فرجع إليهم ، وقد تحصنوا فحاصرهم وقاتلهم شهراً ، واستطاع خرق التحصينات ، فطلبوا الصـلح فأبى وقاتلهم ؛ لأن النصر قد تحقق فظفر بهم عنوة فقتل من كان فيها من المقاتلة ، وعمر أهل (بيكند ) مدينتهم ثانية بإذن قتيبة .
ثم قفل يريد مرو فإذا ب( طرخان ملك الصغد ) و ( كوربغانون ملك الترك ) في مائتي ألف يريدون قتاله فهزمهما.

وفي سنة 88هـ فتح ( نومشكت) و( رامثينة ) من بخارى وصالح الأهالي ، وفيها غزا ملك الترك ( كوربغانون ) قتيبة في مائتي ألف مقاتل من أهل الصغد وفرغانة فكسرهم قتيبة وغنم منهم كثيراً .

وفي سنة 98هـ سار قتيبة إلى ملك بخارى ( وردان خذاه ) فلقيه في طريقـه ( الصغد ) وأهل ( كش ) فقاتلوه فظفـر بهم ، ومضى إلى بخارى ولكنه لم يحقق نصراً حاسماً فرجع إلى مرو .

وفي سنة 90هـ جدد قتيبة الصلح بينه وبين ( طرخون ملك الصغد ) وسار إلى ( بخارى ) ففتحها ، وفي السنة نفسها غدر ( نيزك طرخان ) ونقض الصلح وامتنع بقلعته ، وأرسل له قتيبة من استدرجه حتى جاء بنفسه مستسلماً، واستشار الأمراء في قتله فاختلفوا فقال : والله إن لم يبق من عمري إلا ما يسع ثلاث كلمات لأقتلنه ، ثم قال : اقتلوه اقتلوه اقتلوه ، فقتل .

وفي سنة 91هـ فتح مدينة ( شومان ) بعد الحصار بالمنجنيقات ، وفي السنة التي تليها فتح مدينتي ( كش ) و( نسف ) .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:41 PM

40

فتـح الديبل والسند
في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي

حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .

فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم .

فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره .

واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .

ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .

وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .

ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .

وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .

ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .

ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .

ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .

وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .

ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .

وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .

لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .


الساعة الآن 03:15 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى