![]() |
شاعرة العراق نازك الملائكة
شاعرة العراق نازك الملائكة
نازك الملائكة شاعرة وناقدة من العراق، ولدت ببغداد عام 1923، ونشأت في بيئة أدبية خالصة من أم شاعرة "سلمى عبد الرزاق" وأب شاعر وخال شاعر.. وقد صدر لأمها ديوان "أنشودة المجد" انتسبت الى دار المعلمين العالية "كلية التربية" حالياً فتخرجت بشهادة الليسانس بدرجة امتياز عام 1944، ثم يممت وجهها شطر الولايات المتحدة الأميركية، وتخرجت في جامعة وسكونس بشهادة الماجستير في الأدب المقارن عام 1950. اجادت اللغة الانكليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، وعملت فيما بعد استاذة مساعدة في كلية التربية بجامعة البصرة. من دواوينها: "عاشقة الليل" 1947، و "شظايا ورماد" 1949، و "قرارة الموجة" 1957، و "شجرة القمر" 1968، و "مأساة الحياة وأغنية للانسان"1970. ولها في النقد "قضايا الشعر المعاصر" 1962، و "علي محمود طه". جمعت أشعارها في مجلدين بعنوا "ديوان نازك الملائكة" ونشرته دار العودة – بيروت 1971م. في وادي العبيد ضاع عُمْري في دياجيرِ الحياة وخَبَتْ أحلامُ قلبــي المُغْرَقِ ها أنا وحدي على شطِّ المماتِ والأعاصيــرُ تُنادي زورقي ليس في عينيّ غيـرُ العَبَراتِ والظلالُ السودُ تحمي مفرقي ليس في سَمْعيَ غيرُ الصَرَخاتِ أسفاً للعُمْـــرِ، ماذا قد بَقِي ؟ * * * سَنَواتُ العُمْر مرّت بي سِراعا وتوارتْ في دُجَى الماضي البعيدْ وتبقَّيْتُ على البحْر شِراعـــا مُغرَقاً في الدمْع والحزنِ المُبيدْ وحدتـي تقتلُني والعُمْرُ ضاعا والأَسى لم يُبْقِ لي حُلماً "جديدْ" وظلامُ العيْش لم يُبْقِ شُعَاعـا والشَّبابُ الغَضُّ يَذْوي ويَبِيـدْ * * * أيُّ مأساةٍ حياتي وصِبايــا أيّ نارٍ خلفَ صَمْتي وشَكاتي كتمتْ روحي وباحتْ مُقْلتايا ليتها ضنّتْ بأسرار حياتـي ولمن أشكو عذابي وأسَايا ؟ ولمن أُرْسلُ هذي الأغنياتِ ؟ وحوالــيَّ عبيــــدٌ وضحايــا ووجـودٌ مُغْــرَقٌ فــي الظُلُماتِ * * * أيُّ معنــىً لطُموحـي ورجائــي شَهِدَ الموتُ بضَعْفــــي البَشريِّ ليس في الأرض لُحزْني مـن عزاءِ فاحتدامُ الشرِّ طبْعُ الآدمـــــيِّ مُثُلي العُلْيا وحُلْمـــي وسَمَائـي كلُّها أوهامُ قلبٍ شاعـــــريِّ هكذا قالوا ... فما مَعْنـى بَقائـي ؟ رحمةَ الأقدارِ بالقلب الشقــــيِّ لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيـــدِ بين أَمواتٍ ... وإِن لم يُدْفَنـــوا ... جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيـــــودِ وتماثيلُ اجتــوتْها الأَْعيُــــنُ آدميّونَ ولكـــنْ كالقُــــرودِ وضِبَاعٌ شَرْســــةٌ لا تُؤمَــنُ أبداً أُسْمعُهـم عذْبَ نشيــــدي وهُمُ نومٌ عميـقٌ مُحْـــــزنُ * * * قلبيَ الحُرُّ الــذي لم يَفْهمــوهُ سوف يلْقَى في أغانيــه العَزَاءَ لا يَظُنّوا أَنَّهم قــد سحقــوهُ فهو ما زالَ جَمَالاً ونَقَــاءَ سوف تمضي في التسابيح سِنوهُ وهمُ في الشرِّ فجراً ومســاءَ في حَضيضٍ من أَذاهْم ألفـوهُ مُظْلمٍ لا حُسْنَ فيه ، لا ضياءَ * * * إِن أَكنْ عاشقةَ الليلِ فكأســي مُشْرِقٌ بالضوءِ والحُبِّ الوَريقِ وجَمَالُ الليلِ قد طهّرَ نفســي بالدُجَى والهمس والصمْتِ العميقِ أبداً يملأ أوهامــي وحسِّــي بمعاني الرّوحِ والشِعْرِ الرقيـقِ فدعوا لي ليلَ أحلامي ويأسي ولكم أنتم تباشيرُ الشُــروقِ نازك الملائكة |
من أنا الليلُ يسألُ مَن أنا أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ أنا صمتُهُ المتمرِّدُ قنّعتُ كنهي بالسكونْ ولففتُ قلبي بالظنونْ وبقيتُ ساهمةً هنا أرنو وتسألني القرونْ أنا من أكون ؟ الريحُ تسألُ مَنْ أنا أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ أنا مثلها في لا مكان نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ نبقى نمرُّ ولا بقاءْ فإذا بلغنا المُنْحَنَى خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ فإذا فضاءْ ! والدهرُ يسألُ مَنْ أنا أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ وأعودُ أمنحُها النشورْ أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ من فتنةِ الأملِ الرغيدْ وأعودُ أدفنُهُ أنا لأصوغَ لي أمساً جديدْ غَدُهُ جليد والذاتُ تسألُ مَنْ أنا أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام لا شيءَ يمنحُني السلامْ أبقى أسائلُ والجوابْ سيظَلّ يحجُبُه سرابْ وأظلّ أحسبُهُ دَنَا فإذا وصلتُ إليه ذابْ وخبا وغابْ نازك الملائكة |
صور من زقاق بغدادي
ذهبت ولم يشحب لها خد ولم ترجف شفاه لم تسمع الابواب قصة موتها تُروى وتروى لم ترتفع أستار نافذةٍ تسيلُ أسىً وشجواً لتتابع التابوت بالتحديقِ حتى لا تراه الا بقية هيكلٍ في الدربِ تُرعشه الذكر نبأ تعثر في الدروب فلم يجد مأوى صداه فأوى الى النسيانِ في بعض الحُفر يرثي كآبته القمر والليلُ أسلم نفسهُ دون أهتمامٍ، للصباح واتى الضياءُ بصوت بائعةِ الحليبِ وبالصيام بمُواء قط جائعٍ لم تبق منه سوى عظام، بمُشاجرات البائعين، وبالمرارة والكفاحُ، بتراشق الصبيان بالاحجار في عُرض الطريقُ بمسارب الماء الملوثٍ في الازقةِ، بالرياح، تلهو بابواب السطوح بلا رفيق في شبه نسيانٍ عميق نازك الملائكة |
سوسنة اسمها القدس
اذا نحن مُتنا وحاسبنا اللهُ: قال: ألم أعطكم موطنا؟ أما كنت رقرقتُ فيه المياه مرايا؟ وحليته بالكواكب؟ زينتُهُ بالصبايا؟ وعرشت فيه العناقيد ، بعثرت فيه الثمر؟ ولونت حتى الحجر؟ اما كنتُ انهضت فيه الذُرى والجبال؟ فرشت الظلال؟ وغلفتُ وديانهُ بالشجر؟ أما كنتُ فجرتُ فيه الينابيع، كللتُهُ سوسنا؟ سكبتُ التآلق والاخضرار على المنحنى؟ جعلتُ الثرى عابقاً ليناً؟ أما كنت ضوأت بالأنجم المُنحدر؟ وفي ظلماتٍ لياليكمو ، أما قد زرعتُ القمر؟ فماذا صنعتم به؟ بالروابي؟ بذاك الجنى ؟ بما فيه من سكرٍ وسنا ؟ سيسألنا اللهُ يوماً ، فماذا نقولُ؟ نعم ! قد مُنحنا الذُرى السواقي ومجد التلول وهُدب النجوم ، وشعر الحقول ولكننا لم نصُنها ولم ندفع الريح والموت عنها فباتت كزنبقةٍ في هدير السيول نعم ! ودفعنا بأقمارها للأفول وقامر جُهالنا بالضحى بالربى بالسهول بسوسنةٍ اسمها القدسُ ، نامت على ساقية الى جانب الرابية وتُمطر فيها السماءُ خُشُوعاً ، تُصلي الفصول ويركعُ سُنبلها، تتهجدُ فيها الحقول وعبر مساجدها العنبرية أسرى الرسول فماذا صنعنا بوردتنا الناصعة؟ الهي تعلم أنت ، ونعلمُ، ماذا صنعنا بوردتنا ، قد نزعنا، نزهنا وُريقاتها ودلقنا شذاها الخجول وهبنا صباها لأذرع عول لأشداع عقربةٍ جائعة فكيف اليها الوصول؟ ونخشى غداّ ان يجيء الضبابُ وليلُ الضباب يطول ويفصل ما بين أقدامنا والوصول وقد تتمطى عصور الضباب بنا ، وتزول كواكبُنا ثم تأتي السيول وتجرف شتلاتنا، وتطول ظلالُ الكآبةْ تغرقُ في غمرات الذُهُول وتأتي الرياح وتمسحُ جنتنا الضائعة وتخبو امانينا ، وأمتداداتها الشاسعة ويطوي الذبول سنابلنا رب عفوك ، ماذا نقول وفي عتباتك كيف تُرى سيكون المثول؟ فأنت منحت الجناح الطليق ، ونحن اخترعنا القيود وهبت لنا القُدس ، ونحنُ دفعنا بها لليهود.. نازك الملائكة |
إلى زائر لم يجئ
ومرَّ المساء ، وكاد يغيب جبينُ القمر وكدنا نشيع ساعاتِ امسيةٍ ثانية ونشهد كيف تسير السعادةُ للهاوية ولم تأتِ انت.. وضعت مع الامنياتِ الاخر وأبقيت كرسيك الخاويا يُشاغل مجلسنا الذاويا ويبقى يضج ويسأل عن زائرٍ لم يجيء * * * وما كنت أعلم انك ان غبت خلف السنين تخلف ظلك في كل لفظٍ وفي كل معنى وفي كل زاوية من رؤاي وفي كل منحنى وما كنت اعلمُ انك أقوى من الحاضرين وان مئاتٍ من الزائرين يضيعون في لحظةٍ من حنين يمُدُ ويجزُرُ شوقاً الى زائرٍ لم يجيء * * * ولو كنت جئت ... وكنا جلسنا مع الآخرين ودار الحديث دوائر وانشعب الاصدقاء أما كنت تصبح كالحاضرين وكان المساء يمر ونحن نقلب اعيننا حائرين ونسأل حتى فراغ الكراسي عن الغائبين وراء الاماسي ونصرخ ان لنا بينهم زائراً لم يجيء * * * ولو جئت يوماً – وما زلت أوثر الا تجيء لجف عبيرُ الفراغ الملون في ذكرياتي وقُص جناح التخيل واكتابت اغنياتي وامسكت في راحتي حطام خيالي البريء وادركت اني احبك حلما وما دمت قد جئت لحماً وعظماً ساحلم بالزائر المستحيل الذي لم يجيء نازك الملائكة |
مأساة الحياة
عبثاً تَحْلُمين شاعرتي ما من صباحٍ لليلِ هذا الوجود عبثاً تسألين لن يُكْشف السرُ ولن تَنْعمي بفكِ القيودِ في ظلال الصفصافِ قَضَيتِ ساعاتكِ حَيْرى تُمضُك الأسرارُ تسألين الظلالَ و الظلُ لا يعلم شيــــــئاً.... أبداً تنظرين للأُفق المجهول حَيْرى فهل تجلّى الخفيُّ؟ أبداً تسأليـــــن... ...صمتٌ مُسْتغلِقٌ أبديُّ فيمَ لا تيأسينَ؟ ما أدركَ الأسرارَ قلبٌ من قبلُ كي تدركيها أسفاً يا فتاةُ لن تفهمي الأيامَ فلتقنعي بأن تجهليها أُتركي الزورق الكليل تسِّيرْه أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ ما الذي نلتِ من مصارعة الموجِ؟ وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ؟ آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحلامِ ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ؟ لم يَزَلْ سرُّها دفينا فيا ضياعهَ عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفهامِ حتى ضاقت به الحكماءُ فيأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ؟ جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْيا ملايينُ ثم زالوا و بادوا ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليهمْ؟ وأينَ الأفراحُ و الأعيادُ؟ ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزيناتٌ أقيمت على ضفاف الحياةِ رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا في سكونٍ بعالم الأمواتِ كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو وكم أذعنت له الأكوانُ شهد الليلُ أنّه مثلما كان فأينَ الذينَ بالأمس كانوا؟ كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيك الأماني وتخمد الأحلامُ؟ كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ ويعيشُ الظلام ُوهو ظلام نازك الملائكة |
أنـــــا
الليلُ يسألُ مَن أنا أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ أنا صمتُهُ المتمرِّدُ قنّعتُ كنهي بالسكونْ ولففتُ قلبي بالظنونْ وبقيتُ ساهمةً هنا أرنو وتسألني القرونْ أنا من أكون ؟ الريحُ تسألُ مَنْ أنا أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ أنا مثلها في لا مكان نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ نبقى نمرُّ ولا بقاءْ فإذا بلغنا المُنْحَنَى خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ فإذا فضاءْ ! والدهرُ يسألُ مَنْ أنا أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ وأعودُ أمنحُها النشورْ أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ من فتنةِ الأملِ الرغيدْ وأعودُ أدفنُهُ أنا لأصوغَ لي أمساً جديدْ غَدُهُ جليد والذاتُ تسألُ مَنْ أنا أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام لا شيءَ يمنحُني السلامْ أبقى أسائلُ والجوابْ سيظَلّ يحجُبُه سرابْ وأظلّ أحسبُهُ دَنَا فإذا وصلتُ إليه ذابْ وخبا وغابْ نازك الملائكة |
دكان القرائين الصغيرة
في ضباب الحُلْم طوّفتُ مع السارين في سوق عتيقِ غارق في عطر ماء الورد, وامتدّ طريقي وسّع الحُلْم عيوني, رش سُكْرًا في عروقي ثملت روحي بأشذاء التوابلْ وصناديق العقيقِ وبألوان السجاجيد, بعطر الهيل والحنّاء, بالآنية الغَرْقى الغلائلْ سرقت روحي المرايا, واستداراتْ المكاحلْ كنتُ نَشْوى, في ازرقاق الحُلْم أمشي وأسائلْ أين دكّان القرائين الصغيرهْ أشتري من عنده في الحلم قرآنًا جميلاً لحبيبي يقتنيه لحن حبٍّ, قَمرًا في ليلةٍ ظلماء, خبزًا وخميرهْ عندما في الغد يَرْحَلْ من مطار الأمس والذكرى حبيبي يتوارى وجهه خلف التواءات الدروبِ **** سرتُ في السوق, إذا مرّ بقربي عابرٌ ما, أتمهّل ثم أسألْ: سيّدي في أي دكّان ترى ألقى القرائين الصغيرهْ أيّ قرآن, سواءٌ أحواشيه حروف ذهبيّهْ أم نقوش فارسيّهْ أي قرآن؟..... وفي حلمي يقول العابرُ لحظة يا أختُ, قرآنكِ في آخر هذا المنحنى, في (مندلي) اسألي عن (مندلي) فهو دكان القرائين الصغيرهْ ويغيب العابرُ... وجهه في الحُلْم لونٌ فاترُ... ثم أمضى في الكرى باحثةً عن (مندلي) حيث أبتاعُ بما أملك قرآنًا وأهديه حبيبي حينما يرحلُ عني في غدٍ وجه حبيبي وتغطيه المسافاتُ وأبعاد الدروبِ حيث أبتاع من الدكان قرآنًا صغيرًا لحبيبي ثم أهديه له عند الوداعْ ليخبّي ضوءه في صدره بُرْعَم طيبِ وليؤويه إليه حرز حبي وعصافيري المشوقاتِ, وتلويح ذراعي واختلاجاتِ شراعي **** سرتُ في حلميَ في السوق قريرهْ أسرتْ روحي السجاجيدُ الوثيرهْ وأواني عطرِ ماء الورد, والكعبةُ صورهْ نعستْ ألوانها في حضن حانوتٍ, وفي حلمي مضيتُ في دمي شوقٌ لدكان القرائين الصغيرهْ وحلمتُ وحلمتُ بقرائينَ كثيراتٍ, وأختارُ أنا منها, وأهدي لحبيبي في صباح الغد قرآنًا, ويؤويه حبيبي صدرَهُ تعويذةً تدرأ عنه الليلَ والسَّعْلاة في أسْفَارِهِ تزرع اسم الله في رحلته, تسقيه من أسرارِه **** كان كلّ الناس لي يبتسمون وعلى لهفة أشواق سؤالي ينحنونْ زرعوا حلمي ورودا وسّعوا السوقَ زوايا وحدودا كلهم كانوا يشيرون إلى بعض مكانٍ غامض إذ يعبرونْ يهمسون: اسألي عن (مندلي) ابحثي عن (مندلي) دكّة في آخر السوق وتُلْفين القرائين الصغيرهْ أطعموا قلبيَ من نكهة كُتْبٍ عنبريّاتِ كثيرهْ بينها ألقى عصافيري القرائين الصغيرهْ حيث أختارُ وأهدي لحبيبي واحدًا يحميه من ليل الدروبِ ووشايات المغيبِ واحدًا يحمله في الطائرهْ باقةً من زنبق الله, وسُحْبًا ماطرهْ **** سرتُ طول الليل في حلمي, ولكن أين ألقى (مندلي)؟ شَعَّب السوق حناياه, ترامَى, وتَمدّدْ صار عشرين, دوربًا وزوايا وفروعًا وخبايا وتعدّدْ وتعدّدْ حيرتي أبصرتها طالعة من قعر آلاف المرايا قذفتني الامتداداتُ ومصتني الحنايا وأنا أشرب كوبًا فارغًا, والسوق مُجْهَدْ تحت خطوي, ودمي يلهث شوقًا وأنا أعطش في أرض الرؤى, أذرعها غربًا وشرقًا لستُ أُسْقى, لست أُسْقَى ضاع مني (مندلي) ضاعَ, لا القرآنُ, لا الأشذاء لي ما الذي بعد عطوري, وقرائيني تَبَقَّى **** مرَّ بي في سوق حلمي ألفُ عابرْ كلهم قالوا: - وراء المنحنى التاسع يحيا (مندلي) حيث قرآني وعطري المتناثر حيث أَلْقَى (مندلي) (مندلي) يا أنهرا من عَسَلِ يا ندًى منتثرًا فوق بيادرْ يا شظايا قمر مغتسلِ في دموعي, يا أزاهيرُ من الياقوت نامت في غدائرْ يا هتافاتِ أذان الفجر من فوق منائر (مندلي) يا (مندلي) اسمه فوق الشفاهْ فلّة غامضة اللون, وشمعٌ, وتراتيلُ صلاهْ وزروع ومياهْ وأنا مأخوذة الأشواق أدعوه ولكن لا أراهْ وأنا من دون قرآن حبيبي ومع الفجر سيرحَلْ في انبلاج الغَسَق القاني حبيبي وشفاهي صلواتٌ تترسَّل وعناقيد دموع تتهدّلْ انبثق يا عطش السوق انبثق يا (مندلي) يا قرائين حبيبي يا ارتعاش السنبلِ في حقول الحلم من ليلى العصيبِ **** أين مني (مندلي)؟ والبائع المصروع من عطر القرائينْ؟ ذاهلاً مستغرقًا في حُلُمِ؟ ضائعًا هيمان مأخوذًا بأفق مبهمِ يتشاجى, وجدُهُ سُكْرٌ وتلوينْ صاعدًا من ولهٍ في عالم من عنبر مضطرمِ تائهًا من شوقه عَبْرَ بساتينْ عطشات النخل, والقرآن في تمُّوزها أمطار تشرينْ (مندلي) يا ظمأى يا جرح سكّينْ في خدود وشرايينْ **** وطريقي نحو دكان القرائين الصغيرهْ فيه أوراد لها عطر عجيبُ كل من ذاق شذاها تائهٌ, منسرق الروح, شريدٌ لا يؤوبُ مندلي يا حقل نسرينْ ذقتُ أسرارَكَ واستبعدتُ كوبي لم أعد أعرف فجري من غروبي وتواجدْتُ وضيّعتُ دروبي وتشوقت لقرآنٍ, على رفّكَ غافٍ, أشتريه لحبيبي **** وسمعتُ العابرينْ يصفون المخزن المنشود: تسري فيه أصداءْ وتلاوين, وموسيقى وأضواءْ تصرع السامع صرعًا باختلاجاتِ حنينْ وشموعٍ ودوالي ياسمينْ آه لو أني وصلتُ آه حتى لو تمزقْتُ, تبعثرتُ, اكتويتْ لو تذوقتُ العطورَ السارباتِ حول دكان القرائين الصغيرهْ آه لو أمسكتُ في كفّي قرآنًا, كدوريّ حنون القَسَماتِ واحد من ألف قرآن حواليه ضبابٌ, وشذى وردٍ, وموسيقى مثيرهْ ليس يقوَى قَطُّ إنسانٌ بأن يصغي إليها يسقط الصاحي صريعًا, غير واعٍ, ضائعًا في شاطئيها آه لو أني أطبقتُ عليه شفتَيّا هو قرآنُ حبيبي آه لو لامستُ رياهُ بأطراف يديّا هو وِرْدى, وامتلائي, ونضوبي والنشيد المحرق المخبوء في قعر دمي, في مقلتيّا **** وانتهى السوقُ وفي حلمي يَئستُ وعلى دكّة آمالي الطعينات جلستُ وانتحبتُ لم يَعُدْ في السوق من ركن قصيِّ لم أقلّبْهُ... وتاهتْ (مندلي)... غرقَتْ في عمق بحر من ضبابٍ سندسيِّ واختفت في ظل غابات سكونٍ أبديِّ لم يدع يأسيَ حتى سحبة القوس على الأوتار لي ضاع حتى الظلّ مني, وتبقّتْ لي روًى من طَللِ أين أبوابكِ يا ترتيلتي, يا (مندلي) يا عطور الهَيْل والقرآنِ يا وجه نبيِّ يا شراعًا أبيضًا تحت مساء عنبيِّ **** وإذن ماذا سأهدي لحبيبي في غد حينَ يسافر؟ فرغتْ كفّي من القرآنِ غاضتْ في صَحَارايَ المعاصِر وخوى خدّايَ إلاّ من غلالات شحوبي وحبيبي سيغادرْ دون قرآنٍ, هديّه... غضة تلمس خدّيهِ كما يلمس عصفورٌ مُهَاجرْ جبهة الأفق برشّات غناءٍ عسليّهْ وحبيبي سيسافر خاوى الكف من القرآن, من عطر البيادرْ وحكايات المنائر وأنا أبقى شجيه كظهيرات من الحزن عرايا غيهبيّهْ ضاع قرآني, وضاعت (مندلي) واختفى وجهُ حبيبي خلف غيم مُسْدَلِ وامتدادات سهوبٍ وسهوبِ فوداعًا يا قرائيني, وداعًا (مندلي) وإلى أن نتلاقى يا حبيبي وإلى أن نتلاقى يا حبيبي نازك الملائكة |
عاشقة الليل
يا ظلام الليل يا طاوي أحزان القلوبِ أنظرُ الآن فهذا شبحٌ بادي الشُحوبِ جاء يسعى، تحت استارك، كالطيف الغريب حاملاً في كفه العود يُغني للغيوبِ ليس يعنيه سُكونُ الليلِ في الوادي الكئيبِ * * * هو ، ياليلُ، فتاة شهد الوادي سُراها أقبل الليل عليها فأفاقت مقلتاها ومضت تستقبلُ الوادي بألحان أساها ليت آفاقك تدري ما تُغني شفتاها آه يا ليلُ ويا ليتك تدري ما مُناها * * * جنها الليلُ فأغرتها الدياجي، والسكونُ وتصباها جمالُ الصمتِ، والصمتُ فنونُ فنضت برد نهارٍ لف مسراهُ الحنينُ وسرت طيفاً حزيناً فاذا الكونُ حزينُ فمن العودِ نشيجٌ ومن الليلِ أنينُ * * * أيهِ يا عاشقة الليلِ وواديه الأغن هو ذا الليلُ صدى وحيٍ ورؤيا مُتمنى تضحكُ الدنُيا وما أنتٍ سوى آهةِ حزنِ فخذي العود عن العُشبِ وضميه وغني وصفي ما في المساءِ الحُلوِ من سحر وفنِّ * * * ما الذي، شاعرة الحيرةِ، يُغري بالسماءِ؟ أهي أحلامُ الصبايا أم خيالُ الشعراءِ؟ أم هو الاغرام بالمجهولِ أم ليلُ الشقاءِ؟ أم ترى الآفاق تستهويك أم سحرُ الضياءِ؟ عجباً شاعرةً الصمتِ وقيثار المساءِ طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغموضُ لم يزل يسري خيالاً لفه الليل العريضُ فهو يا عاشقة الظُلمة أسرارٌ تفيضُ آه يا شاعرتي لن يرحم القلبُ المهيضً فارجعي لا تسألي البرق فما يدري الوميضُ * * * عجباً، شاعرة الحيرةِ، ما سرُ الذهولِ؟ ما الذ ي ساقكِ طيفاً حالماً تحت النخيلِ؟ مُسند الرأسِ الى الكفين في الظل الظليلِ مُغرقاً في الفكر والأحزان والصمتِ الطويلِ ذاهلاً عن فتنة الظُلمة في الحقلِ الجميلِ * * * أنصتي هذا صُراخُ الرعدِ، هذي العاصفاتُ فأرجعي لن تُدركي سراً طوتهُ الكائناتُ قد جهلناه وضنت بخفاياهُ الحياةُ ليس يدري العاصف المجنون شيئاً يا فتاةُ فارحمي قلبكِ، لن تنطق هذي الظُلماتُ نازك الملائكة |
دعوة إلى الحياة
أغضب، أحبك غاضباً متمردا في ثورة مشبوبةٍ وتمزقِ أبغضت نوم النار فيك فكن لظى كن عرق شوقٍ صارخٍ متحرقِ * * * أغضب، تكاد تموت روحك، لا تكن صمتاً ، اضيعُ عندهُ اعصاري حسبي رماد الناس، كن انت اللظى كن حرقة الابداع في اشعاري * * * أغضب، كفاك وداعة، انا لا احب الوادعين النار شرعي لا الجمود ولا مهادنة السنين اني ضجرت من الوقار ووجهه الجهم الرصين وصرخت لا كان الرماد وعاش عاش لظى الحنين اغضب على الصمت المهين انا لا احب الساكنين * * * اني احبك نابضاً ، متحركاً كالطفل، كالريح العنيفةِ كالقدر عطشان للمجد العظيم فلا شذى يروى رؤاك الظامئات ولا زهر * * * الصبرُ؟ تلك فضيلة الاموات، في برد المقابر تحت حكم الدود رقدوا واعطينا الحياة حرارةً نشوى وحُرقة أعينٍ وخدود * * * انا لا احبك واعظاً بل شاعراً قلق النشيد تشدو ولو عطشان دامي الحلق محترق الوريد اني احبك صرخة الاعصار في الافق المديد وفماً تصباه اللهيب فبات يحتقر الجليد اني التحرق والحنين انا لا اطيق الراكدين * * * قطب، سئمتك ضاحكاً، ان الربى بردٌ ودفء لا ربيعٌ خالدُ العبقرية، يا فتاي، كئيبةُ والضاحكون رواسبٌ وزوائدُ * * * أني أحبك غصةً لا ترتوي يفنى الوجود وانت روحٌ عاصفُ ضحكٌ جنوني ودمعٌ محرِق وهدوء قديسٍ وحسٌ جارف * * * اني احبُ تعطش البركان فيك الى انفجار وتشوق الليل العميق الى ملاقاة النهار وتحرق النبع السخي الى معانقة الجرار اني اريدك نهر نارٍ ما للجته قرار * * * فاغضب على الموت اللعين اني مللت الميتين نازك الملائكة |
الكوليرا
سكن الليل اصغِ الى وقع صدى الانات في عُمق الظلمةِ، تحت الصمت، على الاموات صرخاتٌ تعلو، تضطرب حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ يتعثر فيه صدى الآهات في كل فؤادٍ غليان في الكوخٍ الساكنِ احزان في كل مكان روحٌ تصرع في الظلمات في كل مكان يبكي صوت هذا ما قد مزقه الموت الموتُ الموتُ الموتُ يا حزن النيلِ الصارخ مما فعل الموت * * * طلع الفجرُ أصغِ الى وقع خُطى الماشين في صمتِ الفجرِ، أصخ، انظُر ركب الباكين عشرة امواتـ عشرونا لا تُحصِ ، اصخ للباكينا اسمع صوت الطفل المسكين موتى، موتى، ضاع العددُ موتى، موتى، لم يبق غدُ في كل مكانٍ جسدٌ يندبه محزون لا لحظة اخلادٍ لا صمت هذا ما فعلت كف الموت تشكو البشرية تشكو ما يرتكبُ الموت * * * الكوليرا في كهفِ الرُعب مع الأشلاء في صمت الابدِ القاسي حيثُ الموتُ دواء استيقظ داءُ الكوليرا حقداً يتدفق موتوراً هبط الوادي المرح الوضاء يصرخُ مضطرباً مجنوناً لا يسمع صوت الباكينا في كل مكانٍ خلف مخلبُهُ أصداء في كوخ الفلاحة في البيت لا شيء سوى صرخات الموت الموت الموت الموت في شخص الكوليرا القاسي ينتقم الموت * * * الصمت مرير لا شيء سوى رجع التكبير حتى حفار القبر ثوى لم يبق نصير الجامعُ مات مؤذنهُ الميت من سيؤبنه لم يبق سوى نوحٍ وزفير الطفلُ بلا أمٍ وأبٍ بيكي من قلبٍ ملتهبٍ وغداً لا شك سيلقفه الداءُ الشرير * * * يا شبح الهيضة ما أبقيت لا شيء سوى احزان الموت الموتُ، الموتُ ، الموتُ يا مصر شعوري مزقه ما فعل الموت.. نازك الملائكة |
أقوى من القبر
أنبعث صوت أمي مسجلاً على شريط وهي تلقي شعرها، بعد ان فقدنا صوتها عشرين عاماً، منذ وفاتها شهيدة سنة 1953 ودفنها في لندن.. صوت أمي أتى دافئاً كأريج التراب في مروج فلسطين، صوت أنسياب لجداول مغمي عليها من العطر. صوتُ انسكاب لرحيق كواكب فجرية بيضاء بضة الاشذاء * * * كل يوم تموتين في القُدس، كل صباح يقتلونك، تنقل أخبار موتك سودُ الرياح تسقطين شهيدة في الشعاب القريبة والطُرقات البعيده ترقدين مُخضبة بدماء العقيدة تقعين بنابلس مُثخنة بالجراح وتهيمين ظمأى شريده في دروب الظلام وحيده تسكنين جراح القصيدة فالخيامُ البريئة يُقصف سكانُها وتُباح والجراحُ التي نشفت حفرتها جراح والدموعُ القديمةُ تغسلُها كل يومٍ دموعٌ جديدة خسيء الدمعُ، ان الخيام عنيده وأماني العدو بليدة والنجوم بعيدة * * * كثُر القتل يا أمي وتعدد موتُك حين رأيت حمانا يُستباح ونُرمى ولا نرمي والعدو يصادر حتى تسابيحنا وكرانا وطفولتنا ودُمانا ويعشش ملء بساتيننا وقُرانا يسكن منا مزق الدم والعظمِ وترين عدوكِ يا أمي يتبادل أرضكِ، أرض الجدودِ، هدايا وله النصر في كل حربٍ، ونحن الضحايا والمآذنُ والعتباتُ تُساق سبايا والقرآئينُ حول نحور الصبايا يقطعون سلاسلها بالسكاكين يا أمي وتثورين في القبر يا أمي تستحيلين جُرحاً ينابيعُهُ القانية تصبغُ الحُلم والموت، أمطارُهُ تهمي وقصائُدك الدامية ملحُها يُشعل الحزن والنار في عظمي وأحسُ لظى غليانك في جسمي وأضيع كياني وأغنيتي وأسمي * * * وأحسُكِ، أمي، في قبرك العربي الحزين تدفعين الردى في عنادٍ، وتنتصبين يستحيل تُرابُك عاصفةً، يُصبحُ الياسمين فوق قبرك لغماً يُقاتل وعظامُك تُصبح تكبيرة وقنابل وقصائُدكِ المُحرقات تهز كرى الحالمين تنهضين من القبر غاضبةً تنهضين من دمائك ينطلق الصاروخ وتنتفض السكين من شفاهكِ تنمو المروجُ، وتعلو السنابِل، وعلى رجع شعركٍ يورق غُصن الجليل تنهض القُدسُ، تزحف أنهارُنا، يستحيل صمتنا خنجراً، مدفعاً، ويصيرُ النخيل لهباً زاحفا ويُقاتل وتُحاربُ أعداءنا شُرفاتُ المنازل والشبابيك، والبحر، والمُنحنى، والمناجل ويحاربُ حتى النسيم البليل وعلى رجع شعرك ينهض كل قتيل يتحدى صواريخهم، يتحدى المقاصل وعلى رجع شعرك سوف تسيلُ الجداول وتحن الحقول لوقع المعاول ويصير الظلام نهار مشاعل آهِ، أمي، وتستقبلين يوم نصرْ، وخضبٍ وضيء الجبين عربي الجدائل عربي الجدائل.. نازك الملائكة |
إلى ميسون
إن خبَتْ أعينُ النجوم وسجَتْ بسمةُ القمرْ واختفتْ خُضرةُ الكروم وذوى الوردُ وانتثرْ كنتِ لي أنتِ كوكبًا مخمليّ ال لمسِ ينثالُ نبعَ عطرٍ وضوءِ كان لي من بريقِ عينيكِ لونُ ال ـقمرِ اللَّـدْنِ في ليالي الدفءِ كان وحْيي حكايةٌ منكِ فيها من شذى الوردِ ألف شيءٍ وشيءِ كنتِ لي أنت يا بنفسجتي فجـ رَ جمالٍ مُطلْسمٍ غيرِ مَرْئي * * * وإذا أطفأ الزمان ْ كلّ حبٍ حملتهُ وطوتْ ظُلمةُ المكان كلّ ضوءٍ شربتهُ كان لي من صفاءِ وجهكِ بدءٌ لأغاني حُبٍ وحُبٍ وحُبِ ومن الكوكبينِ عينيكِ تنشقُّ لعمري آثارُ ألْفَيْ درْبِ من بريقِ الجبينِ من ملمسِ الخدِّ الحريريِّ من سوادِ الهدبِ معبَرٌ للجمالِ من شاطيءِ المجْـ ـهولِ يُرسي ائتلاقُهُ عند قَلبيْ نازك الملائكة |
(من أكون؟)..
أنا من أكون الليلُ يسألُ مَن أنا أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ أنا صمتُهُ المتمرِّدُ قنّعتُ كنهي بالسكونْ ولففتُ قلبي بالظنونْ وبقيتُ ساهمةً هنا أرنو وتسألني القرونْ أنا من أكون ؟ الريحُ تسألُ مَنْ أنا أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ أنا مثلها في لا مكان نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ نبقى نمرُّ ولا بقاءْ فإذا بلغنا المُنْحَنَى خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ فإذا فضاءْ ! والدهرُ يسألُ مَنْ أنا أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ وأعودُ أمنحُها النشورْ أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ من فتنةِ الأملِ الرغيدْ وأعودُ أدفنُهُ أنا لأصوغَ لي أمساً جديدْ غَدُهُ جليد والذاتُ تسألُ مَنْ أنا أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام لا شيءَ يمنحُني السلامْ أبقى أسائلُ والجوابْ سيظَلّ يحجُبُه سرابْ وأظلّ أحسبُهُ دَنَا فإذا وصلتُ إليه ذابْ وخبا وغابْ... |
الشخص الثاني لو جئتَ غدًا وعبرتَ حدودَ الأمسِ إلى غديَ الموعودْ وشدا فرحًا بمجيئكَ حتى المعْبَرُ والبابُ المسدودْ ولقيتُكَ أبحثُ فيكَ عن المتبقّي من أمسي المفقودْ لو جئتَ ولم أجدِ الماثلَ في ألحاني وأطلَّ على روحي منك الشخص الثاني * * * الشخص الثاني،من أعماقِ شُهورِ التيهِ المطموره حــاكتهُ دقائق تلك الأيامِ الجانيةِ المغروره وترسّـبَ في عينيهِ تَثاقُلُها ورؤاها المذعوره وسأبحثُ فيك عن الماضي في اطمئنانِ فيفاجيءُ لهفتيَ الحرَّى الشخصُ الثاني * * * وهناكَ على الوجهِ الحسّاسِ الحيِّ الصمْتِ أرى ظلَّينْ ومكانَ الواحدِ في عينيكَ المُرهفتينِ أحس اثنينْ ويقابلني الشخصانِ معًا وسُدًى أرجو فصْل الضدَّينْ وسأسألُ عمَّـا خلفهُ لي عامانِ من وجهكِ،والردُّ جبينُ الشخصِ الثاني * * * وسيسْكنُ هذا الشخصُ الثاني الأحمقُ حتى في البسماتْ سيمُدُّ برودتَهُ في رقَّةِ صوتكَ ، في لينِ النبراتْ وسيرمُقُني في خُبْثٍ ، مختبئًا حتى خلفَ الكلماتْ ولمنْ أشكو هذا المخلوقَ الشيطاني؟ والأولُ فيكَ محتهُ يدُ الشخصِ الثاني نازك الملائكة |
نازك الملائكه ، عاشقة القمـــــر
نشأتها نشأت الشاعرة العراقية "نازك الملائكة" في بيئة أدبية، كان لها تأثيرها في نزوعها نحـو الشعر، والتعلق بالأدب واللغـة والتراث، فأبوهــا صـادق جعفر الملائـكة (1892ـ1969) الذي درَّس اللغة العربية في المدارس الثانوية الرسمية أكثر من ربع قرن، وأمها الشاعرة أم نزار(سلمى عبدالرزَّاق) من مواليد ببغداد سنة 1908م وكان زواجها في سن مبكرة، وتوفيت سنة 1953م، وقد طبع ديوان شعــرها بعــنوان "أنشودة المجد" (1968م). ثقافتها ولدت "نازك" في بغداد في 23 أغسطس سنة 1923م، وتخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1944م، ثم واصلت دراستها في جامعة "وسكونسن" الأمريكية (1954م). وعن تكوينها الثقافي في بواكير حياتها الأدبية تقول: في عامي 1939 – 1940 اتجهت اتجاهاً شديداً مبالغاً فيه إلى دراسة الأدب القديم، وخاصة النحو، فأعطاني أبي كتباً مثل "شرح شواهد ابن عقيل" للجرجاوي، و"فقه اللغة" للثعالبي و"خزانة الأدب" للبغدادي، وعشرات من الكتب مثلها. وقد كتبت في يومياتي يوم 26 شباط 1940 أشكو من فداحة المجادلات بين الكوفيين والبصريين وأقول: "على أيهم أعقد؟! أعلى سيبويه أم على الكسائي؟! ثم هنالك ابن هشام وأبو حيان والسيوطي والسهيلي وابن خروف والزجاج والأصمعي. ثم كتبت صفحات طويلة حول نقاط تفصيلية في معركة نحوية لم أعد الآن أطيق قراءتها، وكنت في تلك الأيام ألتهمها التهاماً. وقد قرأت من كتب النحو إذ ذاك "شذور الذهب" لابن هشام" و"حاشية الشيخ عبادة على شذور الذهب" قراءة ودراسة، كما استظهرت جانباً كبيراً من شواهد ابن عقيل مع شروحها وإعرابها اعتماداً على ابن عقيل والشيخ قطة العدوي، وقد قفزت بي هذه الدراسة إلى مستوى عالٍ جداً في النحو حتى برزت بروزاً مرموقاً في المدرسة. وفي حقل الأدب واللغة قرأت عمدة ابن رشيق، والمثل السائر، وأدب الكاتب، وخزانة الأدب للبغدادي. ومما أذكر أنني قرأت "البيان والتبيين" في ثمانية أيام، كدت خلالها أوذي عيني إيذاءً شديداً. ولا أذكر الآن أي جنون هو الذي دفعني إلى هذا؟! إلا أنني أرجح أنها بداية عادتي المتأصلة في القراءة الكثيرة وقياس الحياة بها، فمنذ تلك الفترة بدأت أشعر بالرعب كلما مر بي يوم لم أقرأ فيه ثماني ساعات! لم تكن قراءة "البيان والتبيين" في ثمانية أيام هينة، بل كانت تلك الأيام أيام محنة فظيعة انتهت بمرضٍ كان لابد منه اضطررت معه إلى ترك المطالعة لالتهاب عيني. ومما قرأت "رسالة الغفران"، و"الضرائر"، و"ما يسوغ للشاعر دون الناثر" للآلوسي، وقد أحببته حباً كبيراً، و"شعراء النصرانية" للويس شيخو. وقد حفظت منه مئات من الأبيات الجاهلية وحفظت أخبار حرب البسوس غيباً، وكان أشد ما يمتعني أن أحفظ الأبيات التي من أجلها سمي النابغة، وأفنون التغلبي، والمرقش، وغيرهم، بأسمائهم، والواقع أني بتّ بواسطة هذا الكتاب واسعة الاطلاع على الشعر الجاهليّ، وكانت ثقافتي تعادل ثقافة المتخرجات من الكليات.. ومن بين ما قرأت كتاب "الساق على الساق في ما هو الفرياق" وكنت أستمتع استمتاعاً كبيراً بلغته. وفي الشعر قرأت ديوان البحتري، وابن زيدون، والبهاء زهير، وابن خفاجة، وابن سهل، مفصلاً، وحفظت لهم كثيراً، كما قرأت كتباً حديثة كثيرة، بينها "عبقرية الشريف الرضي" لزكي مبارك، و"تاريخ حياة معدة" لتوفيق الحكيم، و"مع أبي العلاء في سجنه" لطه حسين، و "أميرة الأندلس" و"عنترة" لشوقي.. و"بلوغ الإرب" للآلوسي.. ومن الدواوين الحديثة بعض الدواوين العراقية، وديوان "الملاح التائه" لعلي محمود طه. زواجها بعدما أنهت دراستها في أمريكا عادت إلى بغداد فعينت أستاذة مساعدة في جامعتها، وانتقلت بعد ذلك إلى التدريس بجامعــة البصــــرة، وأصدرت دواوين شعــــرية: عاشـقة الليل (1947م)، شظــايا ورمــــاد (1949م)، قــــــرارة الموجـــة (1957م)، شجـــرة القمـــر (1968م)، ودراسة نقدية بعنوان (قضايا الشعر المعاصر 1962)، ولها أيضاً: الأدب والغزو الفكري (1965)، محاضرات في شعر علي محمود طه (1965). تزوجت نازك الملائكة سنة 1962م بالدكتور "عبدالهادي محبوبة" (1912م) وكان أستاذاً بجامعة بغداد، ثم أصبح رئيساً لجامعة البصرة. وقد أصدرت ديوان شعر بعنوان "مأساة الحياة وأغنية للإنسان" (1970)، ولها أيضاً: التجزئة في المجتمع العربي (1974)، وللصلاة والثورة (1977) ثم ديوان "يغيِّر ألوانه البحر". نحِّي زوجها عن رئاسة جامعة البصرة، كما نُحِّيت هي أيضاً عن تدريس الأدب العربي، فمضيا إلى الكويت ودرَّسا في جامعتها. ومنحتها كلية الآداب بجامعة الكويت سنة 1985م إجازة تفرّغ للعلاج بعد أن عانت وضعاً صحياً ونفسياً متدهوراً. شاعرة الحزن! قال "عبداللطيف شرارة" في نازك الملائكة، في نقده ديوانها "عاشقة الليل" (مجلة الأديب البيروتية، مارس 1948م): "أما عند الآنسة نازك فإنَّ بواعث الكآبة التي تتجلَّى في كل بيت من أبيات ديوانها هذا، ليست في الحرمان ولا في الحبّ الضائع ولا في فكرة الموت، وإنما هو "حزن فكريّ" نشأ عن تفكير في الحياة والموت من جهة، وتأمُّل في أحوال الإنسانية من جهة أخرى، ثمَّ انتقلت هذه الملاحظات والتأملات إلى صعيد الحسّ، فحفرت في "القلب" جروحاً لا تندمل، وأخذت من بعد ذاك تتدفَّق آهات وأحزاناً. وتلك هي رواية شاعريتها.....". ويلمح القارئ روحها حائرة حزينة مضطربة مكفهرة في كل قصيدة من قصائد ديوان "عاشقة الليل". وهذه التسمية وحدها كافية للدلالة على رغبتها في السكينة والعزلة والانطواء لكي تطالع في كتاب روحها سطور الألم وعلامات الأسى! وعندما سئلت الشاعرة عن روح الحزن والكآبة التي تغلب على شعرها، أجابت قائلة: "لعلَّ سبب ذلك أنني أتطلَّب الكمال في الحياة والأشياء وأبحث عن كمال لا حدود له. وحين لا أجد ما أريد؛ أشعر بالخيبة وأعدّ القضية قضيتي الشخصية. يضاف إلى هذا أنني كنت إلى سنوات خلت أتخذ الكآبة موقفاً إزاء الحياة، وكنت أصدر في هذا عن عقيدة لم أعد أؤمن بها، مضمونها أنَّ الحزن أجمل وأنبل من الفرح"! إلى القاهرة وبعد رحلة طويلة مع الشعر والأدب والتدريس في الجامعات اختارت نازك الملائكة أن تقضي ما بقي من عمرها في القاهرة برفقة ابنها الوحيد وزوجها الذي رحل عن عالمنا قبل مدة، وهي الآن تعاني حياة صحية سيئة حيث تعاني من مرض عضال. شفى الله الشاعرة العراقية نازك الملائكة، ورزقها الخاتمة الحسنة. |
اني احبك نابضاً ، متحركاً
كالطفل، كالريح العنيفةِ كالقدر عطشان للمجد العظيم فلا شذى يروى رؤاك الظامئات ولا زهر رائع ما نقلته لنا عن الشاعرة نازك .. كنت اقرأ لها واعجبني اسلوبها جدا تقديري لك هابي |
مجهود رائع وموضوع قيّم استمتعت بتواجدي بصفحتك بانتظار المزيد من هذا العطاء لك مني ارقّ تحية وأعذبها دمت بخير |
الساعة الآن 11:36 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |