منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   ادب واشعار العودة واللاجئين الفلسطينين (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=16046)

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:29 AM

ادب واشعار العودة واللاجئين الفلسطينين
 
لقــاء فــي مطــار محايــد

شعــر: طــه محمــد علــي



سألتني..

وكنا من ضُحى النبعِ

مرة...

عائديْْنْ

"ماذا تكره..

ومن تُحِب؟!”

فأجبتُكِ

من خَلفِ أهدابِ الفُجاءة

ودمي

يُسرعُ ويُسرعْ

كظل سحابِة الزُرْزُورْ:

"اكرهُ الرحيلَ...

أحبُّ النبعَ والدربَ

واعبُدُ الضُحى!”

فَضَحِكْتِ..

فأزهرَ لوز

وشدَتْ في الايكِ أسرابُ العنادِلْ!





سؤآلٌ!:

عُمرُه الآن عقودٌ أربعةْ

يا للْجواب من السؤالْ

وجوابٌ:

عُمرُه عُمرُ رحيلك

يا لَلْسؤآلِ من الجوابْ.

واليومَ:

يا للْمُحالْ!

ها نحن في مطارٍ مُحايِِدْ..

على شفا صُدفةٍ

نَلتَقي!

وّيحيْ...؟!

نلتقي...؟!

وها أنتِ

تُعيدين السؤالْ؟!

يا لَلْمُحالِ من المُحالِْ!



عَرَفْتُكِ!

ولم تعرفيني.

"أهذا أنتَ؟!”

ولم تُصَدِّقي.

وفجأة..

انفجرتِ تسألين:

"إن كنتَ أنتَ أنتَ

فماذا تكره

ومن تُحبْ؟!”

فأجتبكِ

ودمي

يغادرُ الشُرفةْ..

يُسْرعُ ويُسْرعُ

كظلِّ سحابةِ الزُرْوُرْ:

"أكره الرحيلَ..

أُحبُّ النبعَ والدربَ

وأعبُدُ الضحى"

فبكيتِ..

فاطرقت ورُودً.

وتعثرتْ بحرير حُرقتِها حَمائِمْ!


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:29 AM

حيفا في سواد العيون
شعر: حسن البحيري


ما أَشرقتْ عينــاكِ إلاَّ خْاننـــي
بصَبابتي .. صبري .. وحُسْنُ تجملي
وتَحسَّستْ كفّـايَ من أَلـَم الجــوى
سهماً مغارسُ نَصْلـهِ في مقتلـــي
وتسارعتْ من مُهْجَتــي في وجنتـي
حُمْر المــدامع جــَدولاَ في جَدولِ
فَلقد رأيـتُ بلحظ عينـــكِ إذ رَنـــَتْ
والِتّيهُ يَكْحَلُهـا بمِيـــل تَـــدلُّلِ
(( حيفا )) وشاطئـها الحبيبَ، وسَفحـهَا
وذُرىً تعـالتْ للسِّـاكِ الأَعْـــزَلِ
ومُنىً تقَضــتْ في فَسيـح رِحابـها
وهوىً تولَّــى في الشبــاب الأولِ
ورأيتُ هَيْمَنــَة الأَمــانِ مُطَمـأَنَ
اللهفــاتِ من غَدْرِ الصُّروفِ الحُوَّلِ
بِظِلالِ أهـدابٍ تــَرِفُّ غَضــارةً
كظلالِ أَهْـدابِ الغمــام المثْقَــلِ
وذكرتُ من عُمــر النعيم مَضـاءه
بِصِبىً على رُودِ الليــالي مُعْجَــلِ
والعيْشُ بُسْتـانٌ وبَسْمــَةُ ســعدهِ
فجرٌ بأفراحِ المشــارق يَنجلــي ..
والنجــم يَسحبُ من مَشارفِ اُفْقـِهِ
ذيلَ الإباءِ إلى مَشــارِفِ مَنــْزلي
عينٌ رأيـتُ بِسْحــرِها وفُتونــها
أحلامَ عَهْـدٍ بالصَّفــاءِ مُظـــلّلِ
ولمحـتُ بين سوادِهـا وبياضــِها
ظِلَّ الصَّنَوْبَرِ في أعالي (( الكَرْمـلِ ))
فعلى جفــونكِ لاحَ طَـيفُ ربيعـه
والحُسْنُ يوطئه بســاطَ المُخمَــلِ
والسَّوْسَنُ المطلــولُ بَيْن صخـوره
خَفِــقُ العِطافِ على أغاني البُلْبـلِ
ومَضاجعُ الأحبــابِ في أحضـانه
بَيْنَ الخَمَائلِ من حَريـرٍ مَوصْــلي
والرّيح ُ تَشْــدو في مَلاعبِ دَوْحـهِ
نَغَمــاً تنـام له عيونُ العُـــذَّلِ
جَبَلُ أَطــَلَّ على مرابــع أُنْســهِ
قَمَري . . وغـابَ وَتِمُّه لم يكُمــلِ
وغَرَســْتُ بين شعافــِهِ وشِعابِــهِ
زَهـْر الصِّـبا وَرَوَيْتُه من سَلْسَلـي
ورعيتــه بالرُّوح من لَفــحٍ .. ومن
نَفْحٍ ومن غِيَـر الزمــانِ النُّــزَّلِ
فنَما على جُهــْدِ الضَّنى .. وعَنائــِه
وزكا على جُرحٍ عَسيـرِ المَحْمَــلِ
حتى استوى سُوقاً .. وَهَدْهَدَ خاطــري
مَجْنىً .. وأكمامُ الرًّجـاءِ بَسَمْنَ لـي
قَطَفـَتهْ كـفٌ غيـرُ كفّــى عَنْــوَةُ
وجَناهُ من أرضي غريـبُ المِنْجــلِ
فإذا رنــوتُ إلى لحــاظـكِ تائـهاً
من سِرِّها في جُنـْح ليْــلٍ أَلْيَــلِ
مُتَــعَثِّرَ اللحظَاتِ ، مَشْدُوهَ الأســى
أَهْفـو لِحَــظٍ مُدْبِــرٍ أو مُقبــِل
وأنــا أَرُودُ بِلَهَفْتــي وصَبابتــي
أَلَقَ السَّنى من وَجْهــكِ المتهــلِّلِ
فَتَلَفَّتــي ، لا تَعْطِفــي جِيدَ الحَـيا
عنّي ، ففي عينيكِ غايةُ مأْمَلـي


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:30 AM

مـع لاجئــة فـي العيـــد

شعر: فدوى طوقان




أختاه، هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ


وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ


وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا

متهالكاً، يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا


يرنو إلى اللاشيء.. منسرحاً مع الأفق البعيدْ



أختاه، مالك إن نظرت إلى جموع العابرينْ


ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفينْ


من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطيرُ


العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرورُ


أطرقتِ واجمة كأنك صورة الألم الدفينْ؟



أختاه، أيّ الذكريات طغت عليك بفيضها


وتدفّعت صوراً تثيرك في تلاحق نبضها


حتى طفا منها سحاب مظلم في مقلتيكِ


يهمي دموعاً أومضت وترجرجت في وجنتيكِ


يا للدموع البيض! ماذا خلف رعشة ومضها؟



أترى ذكرتِ مباهج الأعياد في "يافا" الجميلهْ؟


أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولهْ؟


إذ أنت كالحسون تنطلقين في زهوٍ غريرِ


والعقدة الحمراء قد رفّتْ على الرأس الصغير


والشعر منسدلٌ على الكتفين، محلول الجديلهْ؟



إذ أنت تنطلقين بين ملاعب البلد الحبيبِ


تتراكضين مع اللّدات بموكب فرح طروبِ


طوراً إلى أرجوحة نُصبت هناك على الرمالِ


طوراً إلى ظل المغارس في كنوز البرتقالِ


والعيد يملأ جوّكن بروحه المرح اللعوبِ؟



واليوم؛ ماذا اليوم غير الذكريات ونارها؟


واليوم، ماذا غير قصة بؤسكنَّ وعارها


لا الدار دارٌ، لا، ولا كالأمس، هذا العيد عيدُ


هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طريدُ


عان، تقلّبه الحياة على جحيم قفارها؟



أختاه، هذا العيد عيد المترفين الهانئِين


عيد الألى بقصورهم وبروجهم متنعمين


عيد الألى لا العار حرّكهم، ولا ذلّ المصيرْ


فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعورْ


أختاه، لا تبكي، فهذا العيد عيد الميّتين!




......


الشاعرة فدوى طوقان (1917-2003) من مواليد مدينة نابلس. التحقت بدورات في اللغة والأدب الانكليزيين، وشغلت منصب عضو مجلس أمناء جامعة النجاح بنابلس. من دواوينها الشعرية، "وحدي مع الأيام" (1952)، و"تموز والشيء الآخر" (1989) و"اللحن الأخير" (2000).


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:31 AM


القــدس قدســي..
شعر: عبد الرحمن الأبنودي

القدس قـُدسي.. يمامة صيف.. في غيتِّهـا
تطير.. تجيني.. بأشواقها.. وغيتّهــــا
فاكرانى.. من يدّ صيادها.. أنا اغيتهـــا

فاكرانى صوت الأدان الحـىّ في ((حطين))
ومخبِّى في ضلوعي قلبك يا ((صلاح الدين))
شايل صُراخ اليتامى ولوعة المســاكـين
فاكراني كفن الشهيـد وخيمـة اللاجئين
وأول الأتـقيا.. وآخـر الــهاربيـن.

تجيني.. وتوسني.. وتملّـِس على خـدودى
هاربة بحدودها القُدام تتحامـى في حدودي
تبكى على صدري دَبكـة حزن على عودى

تبكى وفاكـره حاهدهدها واسكِّتـــها
أنا ياللى من يموت شراييـنى اتنـسج موتها
وصوتى يوم الغنا الباطل بلع صوتـــها
ما فيش في قلبـي ولا آهة.. أموتـــها

كل الآهات ميِّـتة.. أنا حبيـس همــس.
نزعـت صورتـها من بُكـرايا.. من أمس.
حطين.. لا حطينى.. ولا قُدس الهموم قدسى.
ولا عارفة تنسـاني زى ما تُهـت ونسيـتها.

القدس تيـجي يمـامة نـور مـطفيـة
طالعة للى م البرد.. للصيف الجديد تسعى.
فاكره في كفى طعام وف قلبـي أخـوَّية
هيّة اللي مش واعية والا أنـفا مش باوعى.
لا دمـع يسقـى عطـش عينى ولا مَية..
يا حُزن لا تترجِمه آهــة.. ولا دمعـة.

ما كنـا فاكريننـا أطفالك يـا ست الكُلّ
الكدب ما يجيش هَمُّه إحنا مـش أطفـال
وكنا فاكريننا ابطالك.. أيادي السيــف
سيوفنا من قش ودى ما هيش إيدين أبطال
ضيّعنـا ع القهـوة نصّ العُمر نتــاوب
نِنتظروا مـن ربّنا تتحسـّن الأحــوال.

يا قدس لِمىّ جناحـِك وارجعـي تانـي
لا تصدّقي قولي ولا تئتمنـى أحضــاني
نأمى في حضـن العدو.. هُو العدُو الأوَّل
يا قدس خافـى قوى من العـدو التـاني
الخنجـر المختفـى وإنتى فاكراه ضِلـع
الأفعى ورا ضحكتي والموت فى أسنانـي
وصفحتـى في النضـال
بيضا بيـاض التلــج

لِمىّ الجناح.. البَنَانى ف قلبى مسكونـة
بَيَمام غريب الوطـن
حبّيته.. يوم ما رطـن
يوم ما التهم خضرتِـك
فدان ورا فـدان
يوم ما طرد أسرتــك
إنسان ورا إنسان.
يوم ما هدم مادنتك
وَكَسَّر الصُّلبان

يا قدس قولى لحيطانك إثبتي بقوّة
حيخلًّصك إبنك اللى أنا مانيش هوه
لا تبحثي عن حلول..
الحل من جوّه
الحل من جوّه
الحل من جوّه

الفجر صَعب المرَاس يا قبضِـة الخَيـّال
يا ثورة لا ليها عَمّ.. ولا أخوة.. ولا خال
قدرَك وطن يشترى الوطنيـة بالأمـوال
وانا قدرى أحلم بصوتك.. وبدوام دمـّك
وبيوم يِمِلّوا الكبار الفُرجة ع الأطفـال

أنا حلو في الشاشة في الجورنان لكن ظلى
تقيل.. يا أمـه بمأساتـي.. بتتسـلى
للسادة شاى سادة وانا دمّى اللى بيحلَّى
وكل يوم قطرة قطرة الدم بيسرسـب
مستنى إيه يا وطن؟ لمـا أغيب كُلى؟

بتدفعوا المال خلاص ذمَّة ده والآ ذكاه؟
معاكوا أموال تنسِّى الباكى طعـم بُكاه
وتقتلوا في ضميـر الفجـر أىّ حياه
أبرد من التلاجات يا دمنـا العربـي
مأساتى مش من عدوى.. أنتم المأساه.

لكن فلسطيـن اهِـه في القلب والقبضـة
لكنت فلسطين أهـه جوَّه العروق نابضـة
عارفة القديم والجديد. قاريه قوى وحافضة
طاهرة في ساعة الأدان.. وتصلى في الشارع
يا وطنى آدمى الدّما،، لو عُزت تتوضى.

يا قدس يامّ الشهيد في العتمـة عانقينـي
أنا متِّصل بيكى من وطنـى ومن دينـى
يا مسجد الأقصى أقصى ما في الدموع عيني
وأقصـى ما في وريدي الدم بعـد الهـم
وإخوتـى مش هنا.. يا قدس سامحينـي



الشاعر عبد الرحمن الأبنودي من مواليد محافظة قنا بصعيد مصر، يكتب الشعر العامي. ومن دواوينه، "الأرض والعيال" و"أحمد سماعين" و"أنا والناس" و"الموت على الأسفلت". لحنت وغنيت العشرات من قصائده، على يد كبار الملحنين والفنانين العرب.



المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:32 AM

سنرجــع يومـــا


شعر: هارون هاشم رشيد

سنرجع يوماً إلى حينا
ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمر الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلاً
ولا ترتمي على درب عودتنا
يعز علينا غداً
أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا.

هنالك عند التلال تلال
تنام وتصحو على عهدنا
وناس هم الحب أيامهم
هدوء انتظار شجي الغنا.
ربوع مدى العين صفصافها
على كل ماء وها فانحنى
تعب الزهيرات في ظله
عبير الهدوء وصفو الهنا.

سنرجع خبرني العندليب
غداة التقينا على منحنى
بأن البلابل لما تزل
هناك تعيش بأشعارنا
وما زال بين تلال الحنين
وناس الحنين, مكان لنا
فيا قلب كم شردتنا الريح

سنرجع يوماً إلى حينا


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:32 AM

صــفــد
شعر: سالم جبران

غريب أنا يا صفد
وأنت غريبة
تقول البيوت: هلا!
ويأمرني سكانها: ابتعد
علام تجوب الشوارع
يا عربي، علاما؟
إذا ما طرحت السلام
فلا من يرد السلاما
لقد كان أهلك يوماً هنا
وراحوا
فلم يبق منهم أحد
على شفتي جنازة "صبح"
وفي مقلتي
مرارة ذل الأسد
فوداعاً.
وداعاً صفد!
____________________
الشاعر والكاتب سالم جبران من مواليد 1941في قرية البقيعة (الجليل). رأس تحرير مجلة "الغد" وجريدة "الاتحاد" ومجلة "الثقافة"، وصدرت له عدد من الدواوين الشعرية "كلمات من القلب" (1971)، "قصائد ليست محددة الاقامة" (1972) ورفاق الشمس" (1975).


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:34 AM

صــفـــد (حضور الغياب)


شعر: عبد الكريم عبد الرحيم

لم تكوني غير أمّي
تُسْبلُ الغرّةَ أعلى ما يكونُ "الجبلُ" المرميّ صوبَ القلبِ
حتى "حارة الأكرادِ" قد طارت حمامات البياض ِ
حمرةُ الوجنةِ تُملا من ينابيع الرياض ِ

والأباريق شهودُ النور في زاوية "الشيخ"
تُروّي ندهةَ "البرقوقِ" والصبح ِ
خذيني لذراعين من التين وتوت الحقل صبّي لي نهارَه
قهوة الشوق ِ لنهدين أفاقا مزّقا خوفاً إزارَه
من هنا يبتدئ "السوقُ":
بيوتٌ من دم الرحمة في عرس لياليها المُنارَةْ
لم تكوني غير أمّي
و أنا في حانة العشق أسوّي مرمرَ القلبِ حجارَةْ
مرّةً أ قْبـِلُ نحوي،
لأراني، في ملاءات من الصفرة و الأسودِ
ألقين مساحاتِ صبايَ،
الفهدُ في نافورة الوجدِ،
وعيناي الطريقْ
هل تعودين هلالَ القوس ِفي العتمةِ
أم تمضين أعلام بشارَةْ
أيّها الحاضرُ ما غاب دمي بعد الحضور
قادماً أبعد وجهي عن مراياك لألقاك وحيداً وجميلاً و طهور ْ
حينما ألقيت كفي قرب عينيها تراءى الدرب أعمى
وعلى بُعد هلالين ِ
أرى فاتحة الحبِّ،
وأعلى قامةِ الزنبق ِ عصفورُ اشتعالي
لم تكوني غير أمّي ساعةَ انفضّ النُّدامى
وأبي حرّان في الزحمةِ
يسقيني شراب الشعر مسكوناً بمهباج الليالي
وأباح العطرُ من أرجوزةِ الماءِ خيالي
عَبَثَ الوقتُ بزنار الصبايا
مقلتاك الآن في الشارع ِ،
كفاك خمير التربة الحمراءِ
هل جاء حديثُ الوردِ
أم ينْفَخُ بالصور ِ
سلاماً يا عصافيرُ من الماءِ إلى الماءِ سلاما
ادخلوا الآن من القلبِ،
وذوقوا في بحيراتٍ من الفضةِ مائي
ادخلوا المحرابَ : لا تمرَ نسوّيهِ إلهاً،
لا فتاةً تدخل الموت على ساقين ِ
من لؤلؤةِ الخمر ِ أو الوأدِ،
دعوا فانية الألوانِ للطين ِ،
فإنّ الساعةَ عرجونُ ضياءِ
لم تكوني امرأةَ السوءِ ولا كنتِ ترابا
كِسَفٌ من حالق ِ الخلق ِ،
أراجيحُ من النور على مِشكاةِ قلبي،
فضّ أيقونتها الشعرُ
ففاضت وطناَ كفاه سحْبٌ غارقاتٌ
في دمي تسقي السحابا
وعلى منتصف الفقد عيوني ونساء الأرض أمي
وبقايا ذكريات مزّقت مني الشبابا
خجلاً أخرج طفلاً
أغلقوا أوراقيَ الخضرَ،
امنحوني من حضوري ما تشهيت الغيابا.
____________________
الشاعر عبد الكريم عبد الرحيم هو شاعر فلسطيني مقيم في سورية منذ نكبة 1948. عمل في التعليم و الصحافة، في عدد من المجلات والصحف ويشكل منصب سكرتير تحرير مجلة "فارس العرب" حاليا وعضو أمانة اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين "فرع سورية". له العديد من الاصدارات الشعرية والأدبية والبحثية، ومنها، المجموعة الشعرية "بين موتين" (1985).

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:35 AM

العندليـــب المهــــاجر
شعر: يوسف الخطيب


أترك مثلي يا رفيق تمر بالزمن
عبر الليالي السود والمحن
لا صاحب يرخي عليك غلالة الكفن
بي لهفة يا صاحبي مشبوبة بالنار
هل بعض أخبار تحدثها وأسرار
للظامئين على متاهة الوحشة العاري.
كيف الحقول تركتها في عرس آذار
ومتى لويت جناحك الزاهي عن الدار
عجباً.. تراك أتيتنا من غير تذكار
لو قشة مما يرف ببيدر البلد
خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد
لو رملة من المثلث أو ربا صفد
لو عشبة بيد ومزقة سوسن بيد
أين الهدايا مذ برحت مرابع الرغد
أم جئت مثلي بالحنين وسورة الكمد
ماذا رحيلك أيها المتشرد الباكي
عن أرض غابات الخيال وفوحها الزاكي
أم أن مرج الزهر أصبح قفر أشواك
وتلوّنت أنهارها بنجيع سفاك
داري وفي عيني والشفتين نجواك
لا كنت نسل عروبتي إن كنت أنساك.
___________________
الشاعر والكاتب يوسف الخطيب من مواليد 1931 في مدينة دورة (الخليل)، عضو المجلس الوطني الفلسطيني. نال شهادة الحقوق من جامعة دمشق في العام 1955، وعمل في مناصب مختلفة في عدد من الإذاعات. وشغل منصب المدير العام لهيئة الاذاعة والتلفزيون في سورية عام 1965، وانتخب نائباً للأمين العام للاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. من اصداراته الشعرية، "العيون الظلماء للنور" (1955)، "عائدون" (1958)، "دبوان الوطن المحتل" (1965)، "مجنون فلسطين" (1983).

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:36 AM


سنعود
شعر: سليمان سلمان

شعبي أمامكم.. كما شئتم أبيدوا
لا تتركوا منا صغيراً أو كبيراً..
تنجيه بالأمل المجازر والوعود
البيض من أبنائنا.. والسود
والسمر أبناء الأوالي الصيد
زيدوا بهم قتلاً وزيدوا
ماذا سينجيكم
من الموت الذي في أصلكم
فهو المؤجّل والمعجّل والأكيد
إن ظلّ منّا عشرة سنعود
ونقولها ونقولها ونعيد
إن ظل منا واحد سنعود
لو طفلة نزلت
بقافلة الغياب
من الضباب
من المجازر والمذابح والخراب
ستظل مثل الكوكب الدريّ
مشرقة الرؤى
وعلى مسيل دمائها
سنعود.
__________________
الشاعر سليمان السلمان من مواليد 1943 بمدينة يافا، ونال الاجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق. عضو جمعية الشعر، وعضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. من اصداراته، "جزر النار" (1977)، "أعلم أني احترق" (1979)، و "الحلم على جبين الصبح" (1992).


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:37 AM

أين أشعار الغزل؟

شعر: سمير عطية

قالوا انتهيتَ صديقنا ولقد دنا منك الأجلُ
لم نقرأ السَّطر المحببَ من غرامٍ أو غزلْ
أو نسمع الشِّعرَ الذي سيذوبُ في تلكَ المُقَلْ
حتَى متى يا حاملَ الأحزانِ نتنهجُ المُثُلْ؟
وَتُميتُ شِعركَ في صحارى العُربِ بَحثاً عن بطلْ؟

أوَاهُ يا أحبابُ لوْ تدرون ما تُخفي القلوبْ
كيف الفؤادُ بعشقِها أبداً وربِّ لا يَتُوبْ
حتَى أتى ذاك الزَّمانُ وقُطَعتْ فينا الدروبْ
العِلْجُ ضامَ حبيبتي ورمى بها وسطَ الكُرُوبْ
أمَا أنا يا إخوتي فنفيتُ عنْ وطني السَّليبْ


كنَّا نُسافرُ دائماً في جوف أصدافِ المحارْ
كُنّا نطير مع النّوارس ، فوقَ هاتيكَ البِحَارْ
كَنَّا نشيداً للبلابل والنّسائم والصِّغارْ
كُنَّا نُقسِّمُ يومَنا بين اللَقا والانتظارْ
كُنَّا وكان الحُبُّ ، جاء الليل وارتحل النَّهارْ


سُرقتْ سَعادَتُنا ومُزِّقت الأماني بالحرابْ
وتهدَّمَ العشُّ الذي صنعتْهُ أطيارُ الهضابْ
خُنِقَ الصباحُ على المشانِق مثلَ آلاف الشبابْ
ورأيتُ دمعَ حبيبتي يجري إلى الأرضِ اليبابْ
دمعٌ على مهدِ الصِّبا وعلى حبيبٍ باغترابْ


وأنا هُنا في غُربَتي ، أهفو إلى وطنِ الجُدُودْ
يجتاحُني شوقُ كنيرانِ وليسَ لها حُدودْ
ويلُقُّني همُّ وحزنٌ عندما ألقى السُّدُودْ
لكن قلبي رغم ذلك يظلُّ مُلْتاعاُ ودودْ
يرْنو إلى زمنٍ مضى بالحبِّ والعهْدِ السعيدْ

أو بعد هذا تسألوني أينِ أشعارُ الغزلْ ؟
أم قدْ حزمتُمْ أمْرَكُم لتُكَفْكفوا دمع المقلْ؟
وتُحَرِّرُوا محْبُوبتي من ذُلِّ ذاك المعْتَقَلْ
لكن إذا ظل الدعاءُ لديْكُمُ هُبَلٌ هبلْ
فالموت خيرٌ للورى وليقتربْ منِّي الأجلْ

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:38 AM

عائــــــــــدون


شعر: أحمد مطر
هَـرِمَ الناسُ..وكانـوا يرضعـونْ

عندما قال المُغنّي: عائـدون.
يا فلسطينُ ومازالَ المُغنّي يتغنّى
وملايينُ اللحـونْ
في فضـاءِ الجُـرحِ تفنى
واليتامـى..مِن يتامى يولـدونْ.
يا فلسطينُ وأربابُ النضالِ المدمنـونْ
سـاءَهمْ ما يشهـدونْ
فَمَضـوا يستنكِرونْ
ويخوضـونَ النّضالاتِ
على هَـزِّ القناني
وعلى هَـزِّ البطـونْ!
عائـدونْ
ولقـدْ عادَ الأسـى للمـرّةِ الألفِ
فلا عُـدنا..
ولا هُـم يحزنـونْ!



المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:39 AM

طفلي يسأل
شعر: حسن الثقمي
طفلي يسأل أبتي أبتي
هل للاقصى يوما يأتي
دوما أحفظ في ذاكرتي
هذا حقي لا أتعجل
هذا عدوي وغدا يرحل
طفلي يسأل أبتي أبتي
كيف العزة تأتي إلينا
ونحن ننعم لا نستشهد
كيف نطالب عودة حق
يشجب هذا وهذا يندد
طفلي يسأل أبتي أبتي
كيف أحفظ هذا حقي
وهذا شعبي وهذا وطني
وهذا ملجأ وهذه خيمي
أنظر حولي قصص تروى
طفل يصرخ أم ثكلى
شيخ يهذي يشكوا همه
فوق ركام بيت ظمه
يشكوا عدوا دوما ظلمه
طفلي يسأل أبتي أبتي
أين المعتصم لا يأتي
شرقت شمس شرقت شمس
وأنا بهم العودة أحلم
ذهبوا قومي رجعوا قومي
لكن لا سيف ولا علم
لا مؤتمر يرجع حقي
دون حجارة لن تنتصروا
طفلي يسأل أبتي أبتي
أين النصر تأخر يأتي
من حقك يا طفلي تسأل
لكن لجوابي لا تعجل

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:40 AM

سنـرجـع يومـــاً
سنـرجـع يومـــاً
سنرجع يوما الى فلسطين لأن منزلنا ما زال بالانتظار …

ما زال ينتظر أهله للعودة الى الأرض والاهتمام بها …
نعم سنعود! فبيتنا الكبير هناك ما زال موجوداً أستطيع أن أراه
ومازالت الزيتونة مغروسة في الأرض الطيبة يسقيها الحنين …

هناك في منزلنا الحقيقي يقول والدي:
"سنكون أحراراً ولن يسألنا أحد من نحن؟ ومن نكون؟
ولن يسألنا أحد من أين أتينا؟ ومتى سنعود؟"

سنرجع يوماً، يؤكد والدي: "وسننسى كل الحروب
والإهانات التي تعرضنا لها في المنافي، فالاجتماع
بالأرض كفيل بمساعدتنا على نسيان آهات الماضي
والعمل من أجل المستقبل!!"

قال والدي هذا الكلام لأختي حين كانت تعود دائماً خائبة بعد البحث عن عمل مع أنها مجازة بالفلسفة بدرجة جيدة من الجامعة اللبنانية.

وقال والدي هذا الكلام لأخي قبل وداعه الأخير واعداً إياه أنه سينقل زمانه الى فلسطين حيث سيشعر بالراحة.

وقاله لأمي حين أصيبت بمرض القلب بعد موت أخي ولم تستقبلها أي من المستشفيات لعدم توفر المال لدينا.

ويقوله لي دائماً حين أشعر بالخيبة لعدم قدرته على توفير حاجياتي. كنت مثل أبي وأخوتي أود العودة الى فلسطين كي تحصل أختي على عمل، ولكي تشفى أمي ولكي نعش عيشة كريمة.

ولكني الآن أريد العودة … لأنه يحق لي أن أعود. فالقرار 194 ينص على حقي هذا. والقانون الدولي يعترف بحقنا في تقرير مصيرنا … ونحن نريد أن نعود.

اكتمال شعبان، 12 عام، مخيم شاتيلا

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:40 AM

الـى أيـن بعـد؟

مللت من الترحال، وأصبحت أخاف من التعلق بالأصدقاء…أخاف من التعلق بالأماكن. من شاتيلا الى المزرعة الى الأوزاعي الى شاتيلا الى الروشة وبعدها الى شاتيلا من جديد، فإلى أين بـعـد؟!

في مخيم شاتيلا ولدت لتندلع حرب المخيمات بعد سنة، فيقتل والدي وأختي، ونرحل أنا وأمي وأخوتي الى المزرعة الى بناية كان يسكنها مهجرون فلسطينيون ولبنانيون.

في بيت المزرعة المؤلف من غرفة ومنافعها كانت طفولتي. فبيتي الأول في شاتيلا لم يكن يعني لي شيئاً. كنت صغيرة عندما تركته ولم أمن بعد قد تعلقت به، ولم تكن الأمكنة تعني لي شيئاً ربما حينها.
في المزرعة بدأت أكتشف العالم. أربع سنوات في المزرعة علمتني أشياء كثيرة. عرفت جمانة، سامية، بلال، نضال، نهال وآمال. عرفت معنى التعاون من خلال تقاسم السكاكر التي كنا نشتريها معاً أو من خلال جمع عيديتنا والذهاب معاً الى مدينة الملاهي.

في الخامسة من عمري، يأخذ صاحب البناية أمراً بإخلاء البناية. ذهب نضال ونهال الى الحرش وسامية الى الحمرا وجمانة الى شاتيلا. أما نحن فذهبنا الى الأوزاعي حيث استأجرت أمي بيتاً صغيراً.

قضيت اليوم الأول في الأوزاعي وأنا أبكي حتى جفت أعيني من الدمع. خفت من هذا المكان وافتقدت فيه أصدقائي وجيراني في المزرعة. لم أسكت حتى وعدتني أمي بأننا سنقوم بزيارتهم في القريب العاجل...وتحت التينة في الأوزاعي ومع منال وزينب وحيث كان يغني لنا والدهما "مبارح تحت التينة قلتيلي بتحبيني" بدأت أحب المكان وأصدقائي الجدد. ولكن ما أن بدأت أشعر بالأمان في بيتي الجديد حتى قررت أمي الرحيل الى شاتيلا الى منزلنا!! الى المنزل الذي ولدت فيه ولم يعني لي الكثير. دارين، حليمة، سهيلة، رشا، إنصاف، محمد، إيهاب، صبحي وعثمان أصدقائي الجدد، أحبوني وأحببتهم ولعبت معهم الغريتة والشدة. وأم محمد "أمي الثانية" كانت تغنجني كثيراً وكنت في معظم الأحيان أصحو لأجد نفسي قد قضيت الليل بقربها.

في شاتيلا تعلمت أني فلسطينية، كصبحي وعثمان ورشا وآن ونهال ومنال وأصدقائي في المزرعة كانوا لبنانيين…تتزوج أمي وتسلمنا الى بيت جدي الذي يقطنون في الروشة في بناية العطار للمهجرين...مكان جديد…هل سأحبه ويكون لي فيه أصدقاء…هل سأجد هناك أم محمد ثانية أو نهال أو أحمد وآخرين؟! ولكن ماذا لو أحببتهم واضطررت بعدها الى تركهم من جديد. لا لن أدع نفسي أحب المكان ولا أهله…لكن بائع "الآيس كريم" وتجمع أهالي البناية حول سيارته عند الغرب، البحر والمشي على الكرنيش وضجة الروشة علّقاني بالمكان وبأهله وفي ليلة بينما كنت عائدة مع اكتمال ونسرين من كزدورة المغربية نقرأ على حائط البناية "يجب إخلاء البناية من السكان خلال عشرين يوماً تحت طائلة المسؤولية".

حزم الأمتعة ووداع المكان الى شاتيلا مرّة ثالثة. الى حيث اسكن في شاتيلا أعرف الكثير من الصغار والكبار ولكني أحاول دائماً أن لا أحبهم كثيراً…ولهذا فالكل يتهمني بأني قاسية! ربما، ولكني لا أريد أن احب أشخاصاً ربما سأفترق عنهم بعد حين. فبين شاتيلا والمزرعة والاوزاعي وشاتيلا والروشة وشاتيلا تعلمت معاني كلمات وعشتها، تعلمت وعشت الفراق والوداع واللا استقرار. ولكن هذه الأمكنة لم تعطني أبداً الشعور بالأمان…لم يدعني رحيلي المستمر أن أتعلق بها.

أنا الآن في شاتيلا، ولكن من يدري أين سيصبح مصيري بعد حين…لا أريد أن أترك شاتيلا إلا الى فلسطين حيث أنتمي…أليس من حقي الاستقرار ككل البشر في مكان ما. في مكان يكون لي فيه بيت يشعرني بالأمان ويحتضنني. وهذا المكان لن يكون إلا هناك في فلسطين.

سمر شعبان، 14 عاماً، مخيم شاتيلا


المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:42 AM

الـمـنـفـى الـمـتــدرج
بقلم: محمود درويش

لم تنته الطريق لاقول، مجازا، ان الرحلة ابتدأت. فقد نفضي بي نهاية الطريق الى بداية طريق اخر. وهكذا تبقى ثنائية الخروج والدخول مفتوحة على المجهول.

كنت في السادسة من عمري حين خرجت الى ما لا اعرف، حين انتصر جيش حديث على الطفولة لم يكن ياتيها من جهة الغرب الا رائحة البحر المالحة، وغروب شمس الذهب على حقول القمح والذرة. لم تتحول السيوف الى محاريث الا في وصايا الانبياء. وانكسرت محاريثنا في الدفاع عن طمأنينة العلاقة الابدية بين ريفيين طيبين وارض لم يعرفوا غيرها ولم يولدوا خارجها، امام حرب الغرباء المدججين بطائرات ودبابات وفرت لرواية حنينهم البعيد الى "ارض الميعاد" شرعية القوة. كان الكتاب يتغذى من القوة، وكانت القوة في حاجة اتلى كتاب.

منذ البداية، صاحب الصراع على الارض صراع على الماضي والرموز. ومنذ البداية، كانت صورة داود هي التي ترتدي دروع جوليات، وكانت صورة جوليات هي التي تحمل حجر داود.

ولكن ابن السادسة لم يكن في حاجة الى من يؤرخ له، ليعرف طريق المصائر الغامضة التي يفتحها هذا الليل الواسع الممتد من قرية على احد تلال الجليل، الى شمال يضيئه قمر بدوي معلق فوق الجبال: كان شعب باسره يقتلع من خبزه الساخن، ومن حاضره الطازج ليزج به في ماض قادم.هناك … في جنوب لبنان، نصبت خيام سريعة العطب لنا. ومنذ الان، ستتغير اسماؤنا. منذ الان سنصير شيئا واحدا، بلا فروق. منذ الان، سندمغ بختم واحد لاجئون.
- ما اللاجئ يا ابي؟
- لا شيء، لا شيء لن تفهم.
- ما اللاجئ ياجدي، اريد ان افهم.
- ان لا تكون طفلا منذ الان!

لم اعد طفلا، منذ صرت اميز بين الواقع والخيال، بين ما ان فيه الان وما كان قبل ساعات. فهل ينكسر الزمان كل الزجاج؟ لم اعد طفلا منذ ادركت ان مخيمات لبنان هي الواقع وان فلسطين هي الخيال. لم اعد طفلا منذ مسني ناي الحنين. فكلما كبر القمر على اغصان الشجر حضرت في رسائل مبهمة الى: دار مربعة الشكل، تتوسطها نوتة عالية، وحصان متوتر، وبرج حمام، وبئر. على سياجها قفير نحل يجرحني مذاق عسله، وطريقان معشوشبان الى مدرسة وكنيسة، واسترسال يفيض عن لغت…
هل سيطول هذا الامر يا جدي؟
انها رحلة قصيرة. وعما قليل نعود.

لم اعرف كلمة "المنفى" الا عندما ازدادت مفرداتي. كانت كلمة "العودة" هي خبزنا اللغوي الجاف. العودة الى المكان، العودة الى الزمان، العودة من المؤقت الى الدائم، العودة من الحاضر الى الماضي والغد معا، العودة من الشاذ الى الطبيعي، العودة من علب الصفيح الى بيت من حجر. وهكذا صارت فلسطين هي عكس ما عداها. وصارت هي الفردوس المفقود الى حين…

حين تسللنا، عبر الحدود، لم نجد شيئا من اثارنا وعالمنا السابق. كانت الجرافات الاسرائيلية قد اعادت تشكيل المكان، بما يوحي بان وجودنا كان جزا من اثار رومانية، لا يسمح لنا بزيارتهم. وهكذا لم يجد العائد الصغير الى "الفردوس المفقود" غير ما بسر الى ادوات الغياب الصلبة، والطريق المفتوحة الى باب الجحيم.

لم اكن بحاجة الى من يؤرخني، انا الحاضر الغائب. ولكن المخرجة السينمائية سيمون بيطون ستذهب بعد خمسين عاما الى مسقط رأسي لتصوير بئري الاولى وماء لغتي الاول، وستصطدم بمقاومة من سكان المكان الجدد، وتسجل هذا الحوار مع المسؤول عن المستوطنة الاسرائيلية:
- لقد ولد الشاعر هنا
- وانا ايضا. حين وصل ابي الى هنا لم يلق سوى الاطلال. اعطونا خياما ثم اكواخا. انفقت عشرين عاما في بناء بيت لي، وتريدني ان اعطيه اياه؟
- ما اريده هو ان اصور هذه الاطلال، اطلال ما تبقى من بيته. انه في عمر والد الا نخجل؟
- لا تكوني ساذجة، انهم يريدون حق العودة.
- أتخاف من ان يحصلوا عليه؟
- نعم.
- وان يطردوك كما طردناهم؟
- انا لم اطرد احدا. انزلونا من الشاحنات وقالوا لنا: ههنا تدبروا امركم. لكن من هو درويش هذا؟
- انه يكتب عن هذا المكان، عن شجرات الصبار هذه. عن هذه الاشجار، وعن البئر.
- اية بئر. هنالك ثماني ابار. كم كان عمره؟
- ست سنوات.
- وعن الكنيسة؟ هل يكتب عن الكنيسة.
- كانت هنالك كنيسة لكن دمرت. ابقوا على المدرسة من اجل البقرات الحلوبات والعجول.
- حولتهم المدرسة الى اسطبل؟
- لم لا؟
- صحيح لما لا بالنهاية؟ هم كان عندهم حصان؟ هل ما زال هنالك بعض اشجار الفاكهة؟
- طبعا، حين كنا لا نزال اولادا اعتشنا على ثمارها: تين وتوت وكل ما خلق الله. انها كل طفولتي تلك الاشجار.
- وطفولته ايضا.
- لم تكن صحراء اذا، زلا خالية من السكان. يولد طفل في سرير طفل اخر. يشرب حليبه. ياكل توته وتينه، ويواصل عمره، بلا منه، خائفا من عودته، وخاليا ايضا من الاحساس بالاثم، لان الجريمة من صنع ايد اخرى ومن صناعة القدر. فهل يتسع المكان الواحد لحياة مشتركة؟ وهل يقوى حلمان على الحركة الحرة تحت سماء واحدة، ام ان على الطفل الاول ان يكبر بعيدا وحيدا بلا وطن وبلا منفى، لا هو هنا وهوهو هنالك.

سيموت جدي كمدا، وهو يطل على حياته التي يعيشها الآخرون، وعلى ارضه التي سقاها بدموع جلده ليورثها ابنائه. ستقتله راحة الجغرافيا المنكسرة على اطلال الزمان. لا حق العودة من رصيف الشارع الى الرصيف الاخر، لا يتحقق الا مع مرور الفي عام على غياب يكفي لتطابق الخرافة مع الحداثة. اما انا، فسأبحث عن ((اخوة الشعوب)) في حوار لا ينتهي، عبر باب الزنزانة، مع سجان لا يكف عن الايمان باني غائب.
- من تحرس اذا؟
- نفسي القلقة
- مم انت قلق يا سيدي؟
- من شبح يطاردني. كلما انتصرت عليه ازداد ظهورا.
- ربما لان الشبح هو اثر الضحية على الارض؟
- لا ضحية سواي. انا الضحية.
- ولكنك القوي، القادر، السجان، فلماذا تنازع الضحية على مكانتها؟
- لابرر افعالي، لاكون على حق دائما، لاصل الى مرتبة القداسة، ولانجو من داء الندم.
- ولماذا تحتجزني هنا. هل تظنني شبحا.
- ليس تماما. بيد انك تحفظ اسم الشبح.

لعل الشعر هو حافظ الاسم بجنوحه الدائم الى تسمية العناصر والاشياء الاولى في لعبة لا تبدو بريئة لمن يسيج وجوده بالاستحواذ المطلق على المكان وذاكرته، على التاريخي والغيبي معا. لعل الشعر لا يكذب ولا يقول الحقيقة ايضا شانه شان الحلم. ولكن تجربة الاعتقال المتكررة اضاءت لي الوعي بجمالية الشعر وجدواه او فاعليته. لا، لم يكن الشعر لعبة بريئة ما دام يدل على كائن كان ينبغي له الا يكون.

لكن المنفى مرة اخرى كالحشائش. البرية تحت ظلال الزيتون. وعلى الطائر وحده ان يوفر للسماء البعيدة نقطة العلاقة بارض اخرجت من خصالها السماوية.

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:43 AM

لا تتمتع جغرافيات كثيرة بوفرة التعدد الجمالي الذي تمتاز به ارضنا العاجزة عن اجراء الانفصال الضروري عليها بين الواقع والاسطورة. كل حجر هنا يروي، وكل شجرة تحكي عن الصراع بين المكان والزمان. كلما ازدادت وطأة الجمال ازداد احساسي بخفة الغريب: انا حاضر وغائب وسجين. نصف مواطن لاجئ كامل الحرمان. اذرع شوارع حيفا، على سفح الكرمل الموزع بين البحر والبر، وبي عطش الى توسيع رقعة الارض بحرية لا اجدها الا في قصيدة تاخذني الى الزنزانة. منذ عشر سنين لا يؤذن لي بمغادرة غرفتي منذ غروب الشمس حتى شروقها. وعلي ايضا ان اثبت وجودي في مركز الشرطة في الساعة الرابعة من بعد ظهر كل يوم. اما ليلي الخاص، ليلي الشخصي فلم يعد لي: من حق رجال الامن ان يطرقوا بابي في أي ساعة شاءوا، للتأكد من انني موجود!

لم اكن موجودا، كنت ارغم على العودة الى المنفى تدريجيا، منذ اختلطت حدود الوطن والمنفى في ضباب المعنى. وكنت أحدس ان في وسع اللغة ان ترمم ما انكسر، وان توحد ما تشتت. ولعل(هنا) ي الشعرية، المتحولة من افق الى قيد، كانت في حاجة الى توسيع منطق البعيد.

لكن المسافة بين المنفى الداخلي والخارجي لم تكن مرئية اماما. كانت مجازية ما دامت هذه البلاد، معنى، اصغر من مكانها. وفي المنفى الخارجي ادركت كم انا قريب من بعيد معاكس، كم ان هنالك كانت هنا. لم يعد أي شيء شخصيا من فرط ما يحيل الى العالم. ولم يعد أي شيء شخصيا من فرط ما يحيل الى العالم. ولم يعد أي شيء عاما من فرط ما يسمى الشخصي. ستطول الرحلة على اكثر من طريق غالبا ما يحمل على كتفين. ستتأزم هوية محرمة تستعصي على التلخيص ب:هجرة و عودة. ولا نعرف اينا هو المهاجر: نحن، ام الوطن. والوطن فينا بتفاصيل مشهده الطبيعي، تتطور صورته بمفهوم نقيضه. وسيفسر كل شيء بضده. سينمو كثير من النرجس الجريح على ارض الهامش المؤقت. ستحل اللغة محل الواقع، وتبحث القصيدة عن اسطورتها في مجمل التجربة الانسانية، وسيصدر المنفي ادبا، او جزا من ادب الضياع الانساني، لا تبرد نار التراجيديا الخاصة بل لتدخل في تاريخها البشر العام. لكن الاسرائيليين سيطاردون هذه المكانة. سيقولون انهم المنفيون. هم المنفيون الذين عادوا، وان الفلسطينيين ليسوا منفيين، بعدما عادوا الى العيش في مجالهم العربي!.ستجرد الضحية مرة اخرى من اسمها. فكما ان من حق الضحية الخاصة ان تخلق ضحيتها، كذلك من حق المنفي الخاص ان يخلق منفيه!

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:44 AM

سيتاح لي، بعدما يزيد عن ربع قرن، ان ارى جزءا من بلادي، غزة التي لم ارها من قبل الا في قصائد شاعرها الراحل معين بسيسو التي جعلها جنته الخاصة. الطريق اليها عبر صحراء سيناء موحش، يسامره نبت صحراوي هنا وهنالك، نخيل حار ودبابة تذكارية، وبحر على الشمال. اما مشاعري فقد كانت مرتبة بعقلانية باردة حينا، ونهبا لحيرة من يعرف الفارق بين الطريق والهدف حينا اخر. تكاثر النخيل فجأة العريش. ها أنذا اقترب من المجهول الذي تمنيت لو يطول. ولكن سلطة الوعي على القلب تتراخى تتدريجيا: هيا بنا قبل ان يهبط المساء. انتظر، قال لي صاحبي وزير الثقافة، فالوطن في متناول اليد. والوطن هو ما تحس به الان. هو هذا التوجس وهذا الاضطراب. قلت: لعله هو هذا المساء الذي يتأهب فيه الحلم ليصبح اكثر واقعية.

لا احلم الان بشيء. من هنا تبدأ فلسطين الجديدة: من هذا الحاجز الاسرائيلي. سيارة جيب عسكرية، علم وجندي يسال المرافق بعربية رخوة: شو معك؟ فيقول له: معي وزير، اتحاشى النظر الى الكاميرات المصورين الباحثة عن فرح العائدين الى الجنة. وتلسعني اضواء المستوطنات وحواجز الجيش الاسرائيلي على جانب الطريق. ولعل اول ما يفاجئني هو انكسار القوائم الجغرافي وتشوه الخارطة. ولكن للمفاجأة جوابها الجاهز هذه هي البداية. غزة واريحا اولا، فنحن في اول الطريق، في اول الامل.

لم اتكن من الوصول الى اريحا. فكيف اصل الى الجليل، وطني الشخصي؟ كان ذلك مشروط بشروط قال لي اميل حبيبي ولزيارة بيت امي. وهنالك احترقت بلهفة العودة، فمن هنا حرجت والى هنا اعود. ورأيت كيف يستطيع المرء ان يولد من جديد: كان المكان قصيدتي.

لم ينقصني شيء لاحقق موتي المشتهي في ذروة هذه الولادة. وانا احرم من اكتمال الدائرة، كنت ادرك ان انسلاخ الاسطورة عن الواقع ما زال في حاجة الى مزيد من الماضي، وان تحرر الواقع من الاسطورة ما زال في حاجة الى المستقبل. واما الحاضر فلم يكن اكثر من زيارة يعود الزائرة بعدها الى توازنه الصعب بين منفى لا بد منه وبين وطن لا بد منه. فلا يعرف هذا العكس ذاك، ولاذاك بنقيض هذا. ففي كل وطن منفى، وفي منفى بيت من الشعر.

ولم اعد بعد. لم تنته الطريق لاقول مجازا ان الرحلة ابتدأت.


عن "الكرمل"، عدد 60، صيف 1999

المفتش كرمبو 18 - 5 - 2011 11:44 AM

عندمـا كنـت صغيـرة
عندما كنت صغيرة، كنت أشعر أني عصفورة اطير من مكان الى مكان وأحط أينما أحببت. وكنت أقف أمام المرآة وأغني كما تغني العصافير وكنت أصنع جناحين من ورق. كنت أرسم على وجهي وجه عصفورة، وأقف على السرير وأحاول الطيران من والى الأرض. وكان جدي يشعر كأنه شجرة مغروسة في الأرض لأن الأرض هي كل شيء عن الإنسان ومن ليس له أرض ليس إنسان. فلو كنت شجرة لكنت قد بقيت في فلسطين. كنت أريد أن أبقى عصفورة وأحط على كتفيه فيصرخ بوجهي قائلاً إنزلي عني فسوف تكسري أغصاني فأنت طفلة ولست عصفورة. توفي جدي ولكني بقيت أشعر كأنني عصفورة. وعندما بدأت أكبر بدأت أعي أنه لا يمكن أن أكون عصفورة لأنني فلسطينية لاجئة، وهذا يعني أني لا أستطيع الطيران حين أريد، لأنه ليس لي أرض وبالتالي ليس لي هوية. وبدأت أشعر بأهمية أن يكون للإنسان أرض مغروس فيها. ولكن أرضي هناك وأنا أريد أن أعود الى أرضي هناك في فلسطين.أريد أن أعود إليها كي تكون لي هوية كما كان لجدي قبل الرحيل. أريد أن أعود لكي أختار بين أن أكون عصفورة كما أحببت دائماً أو أكون شجرة كما كان جدي يجبني أن أكون.
منى زعرورة، 12 سنة



الساعة الآن 09:45 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى