قراءة في الدستور المغربي المعدل
توصلت جريدة النهج الديمقراطي بمساهمة فقهية تدرس وتحلل الدستور المغربي الخامس المعدل أنجزها الأستاذ ريمون كولون وهو رجل قانون Juriste ولساني، يشتغل منذ سنة 1967 ببريطانيا كأستاذ محاضر بجامعة كانت بكانتربوري متخصص في القانون الدستوري. وعلاوة على ذلك فهو عنصر نشيط بمنظمة العفو الدولية وله العديد من المؤلفات نذكر من بينها،
- الكلمة، الأسطورة والمنطق في تكوين الوقائع القانونية والاجتماعية.
Indicatif Présent et socio-semiotique discou-Constitutionnel : Active de philosophie du droit.
- المجلس الدستوري لحقوق الانسان سيصدر قريبا.
1- الاطار العام
لكونه استلهم من الدستور الفرنسي لسنة 1958، فإن نص الدستور المغربي الجديد يرتكز على نفس الأهداف : وضع لعبة مفتوحة ظاهريا باعتبارها قواعد الديمقراطية البرلمانية التي ترتكز على الاقتراع العام، لكنها قواعد تحتفظ بالأوراق الحاسمة لا حد اللاعبين مع تسجيل فارق مع الدستور الفرنسي وهو كون القواعد المغربية تضع تلك الأوراق في يد لاعب واحد غير خاضع للتغيير.
إن التعديلات الدستورية الأخيرة التي تهدف جهارا إلى تقوية الطابع الديمقراطي للمؤسسة البرلمانية، في نفس الوقت الذي تؤكد فيه السلطات المخولة للملك عدم تغييرها للعبة القائمة ولا تسعى سوى إلى السويغ التشريعي الذي يمنحه الاستفتاء الشعبي لحكم مطلق. وذلك بواسطة دستور بلورته ثلة من خبراء القانون الدستوري وظل في طي الكتمان حتى اللحظات الأخيرة لكي يستحيل تنظيم نقاش عمومي حوله كفيل بتوضيح الرهانات الحقيقية لهذه الاستشارة.
من الواضح أن الدستور المغربي المعدل سيمكن المؤسسة الملكية دائما، عبر استعمال الوزير الأول لذلك الغرض، من إغلاق اللعبة البرلمانية بواسطة تطبيق قواعد " البرلمان المعقلنة " " Parlementarisme rationnalisé " " .
وهكذا وبتوظيف صراع المصالح الملازم لنظام الغرفتين سيظل البرلمان الجديد كما كان عليه البرلمان السابق مجرد غرفة لتسجيل مقترحات النظام وإطارا يصلح فقط لتقوية سلطة الحكم المطلقة، في ذات الوقت الذي تضفي عليها طلاءا ديمقراطيا كشرط لقبولها في منتظم الديمقراطيات الغربية.
2- نظام حكم لا يتغير
إن التعديلات الدستورية لا تمس المبادئ الأساسية ولا قاعدة السلطة لنظام الحكم حيث تشكل تلك المبادئ لباسا ديمقراطيا لنظام لا ديمقراطي تنص المادة 2 من الدستور على أن : " السيادة للأمة تمارسها مباشرة بواسطة الاستفتاء وبشكل غير مباشر بواسطة المؤسسات الدستورية ". لكن من هي هذه الأمة التي تظهر وكأنها تمتلك السلطو الأسمى ؟ هل تتماهى فقط مع المجموعة الملموسة المشكلة من المواطنين الناخبين ؟ أم هل يتعلق الأمر بفكرة مجردة بكيان واحد وغير قابل للتقسيم يتماثل مع " الرغبة في العيش الجماعي " التي كان يحبذها رينان RINAN والجنرال دوكول ؟
إن الدستور الذي يستعمل كلمتي أمة ومواطنين، لا يدقق ذلك، لكن لا بد من تسجيل اختلافين معبرين بالنسبة لنص المادة المقابلة في الدستور الفرنسي، الاختلاف الأول هو أن السيادة للأمة وليست للشعب الاختلاف الثاني هو أن لا المادة 2 ولا أية مادة أخرى من الدستور المغربي الجديد تشير إلى الفقرة الموجودة في الدستور الفرنسي والتي تخص الشعب وحده بممارسة السيادة حيث تنص على أن " لا أي جزء من الشعب ولا أي شخص يمكنه أن يمنح نفسه حق ممارستها " إذن لا شيء يمنع الملك من منح نفسه حق ممارسة السيادة، بل تسمح له بذلك المادة 19 التي تجعل منه " الممثل الأسمى للأمة ". إن القيمة الحقيقية والفعلية لهذين الاختلافين قد تكون طفيفة لو كان الملك، كما في الملكيات الدستورية الأخرى، يسود ولا يحكم فتمثيلية الملك للأمة وممارسته للسيادة ستكون في تلك الحالة شكلية فقط غير أن الأمر ليس كذلك حين يكون الملك يحكم فعليا كما هو الحال بالمغرب.
وبالفعل فالدستور المغربي لا يكتفي بمنح الملك كل صلاحيات " العاهل الجمهوري الفرنسي"، بل يضيف له صلاحيات أخرى تجعل من الحكم ذي سلطة مطلقة.
وهكذا يمكنه ليس فقط تعيين الوزير الأول بل أيضا وضع حد لمهامه ومهام الوزراء لأن الحكومة، حسب المادة 60 مسؤولة أمام الملك قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان كذلك فأن سلطة حل البرلمان والتي تم توسيعها الآن لتشمل الغرفتين ( المادة 71 ) تفسح أمامه المجال لممارسة السلطة التشريعية في الفترة ما بين حل البرلمان والانتخابات الجديدة، وهذه السلطة تنضاف لإعلان حالة الاستثناء، ( المادة 85 ) وهي سلطة غير محدودة حيث، خلافا للمادة 16 من الدستور الفرنسي، لا يحدد النص أن الأخطار التي تبرر حالة الاستثناء يجب أن تكتسي طابعا " جسيما ومباشرا " بشكل خاص كما لا ينص على أن سير المؤسسات يجب أن " يتوقف ". أما فيما يتعلق بتعديل الدستور، فإن الملك يتوفر على صلاحية لا يتمتع بها الرئيس الفرنسي، إذ يمكنه دائما، كما فعل ذلك مؤخرا وفي الشروط التي نعرفها، أن يقدم مباشرة مشروعا للاستفثاء ( المادة 103 ) غير أن الدستور المغربي لا يكتفي بالسماح للعاهل ببمارسة سلطة لا محدودة بل يضع سلطته المطلقة في مأمن من أي اعتراض، وهكذا فليس هناك أية مسطرة منصوص عليها في حالة الشطط في استعمال السلطة المطلقة. وكذلك فإن المادة 23 تضفي على شخص الملك طابعا " مقدسا لا تنتهك حرمته " وتنص المادة 39 أن الحصانة البرلمانية لا تشمل التعبير عن آراء تجادل في النظام أو تشكل مساسا بالاحترام الواجب للمؤسسة الملكية.
فأن يمنح دستور ما الحصانة القانونية والنقدية لعاهل يسود ولا يحكم، فلا تترتب عن ذلك نتائج تذكر، وذلك خاصة وأن الملكيات الدستورية لا تستعملها إلا نادرا. لكن أن يمنحها لملك يحكم فذلك يعني جعل سلطته المطلقة منزهة عن الخطأ وسوء التصرف.
إن إحياء جريمة القذف في شخص الملك CRIME DE LESE-MAJESTE يتعارض مع حق اعترفت به كل الديمقراطيات الحقيقية لمواطنيها – وهو الحق في انتقاد الشكل الذي يمارس به الحاكمون، كل الحاكمين، سلطتهم. وهو بذلك يدوس المواثيق الدولية التي تدعى ديباجة الدستور احترامها.
إن سيادة الأمة تخص إذن الملك في الحقيقة دون أن يضع لها الدستور حدوداوإذا كان من الغريب تصنيف النظام الحاكم بالديمقراطية، فإن مصادقة المواطنين على الدستور قد جعل منها، من الناحية القانونية، ملكية ديمقراطية. وهكذا وبالتصويت بنعم على الدستور، بعد 15 يوما من التفكير فقط، رهن المواطنون مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة.
فهل كان لأحزاب المعارضة التي دعت الناخبين إلى المصادقة على الدستور، ما يحملها على الاعتقاد بأن الترتيبات المتعلقة بالبرلمان الجديد ذي الغرفتين قد تسمح بتصحيح توازن السلط، ولو بعض الشيء، لصالح ممثلي الأمة المنتخبين؟
3- عودة إلى نظام الغرفتين وتغيير في ظل الاستمرارية
في الوهلة الأولى، يظهر وكان التعديلات الدستورية تعطي لتلك الأحزاب بعض الآمال، وبالفعل فإن الدستور الجديد لا يعيد احياء نظام الغرفتين الذي سنه دستور 1962وتخلى عنه دستور 1970 لفائدة غرفة واحدة تجمع ما بين الممثلين المنتخبين بالاقتراع المباشر والاقتراع الغير مباشر.
إنها تجعل من الغرفة الثانية، غرفة المستشارين، غرفة متساوية مع مجلس النواب بإعطائها سلطة التشاور، التي لم تكن تتوفر عليها سنة 1962. وكذا سلطة رقابة الحكومة وإن كانت مسطرتها أكثر تعقيدا.
فيما أن الغرفة الثانية تتوفر على سلطات أوسع من مثيلاتها الاجنبية ( بما في ذلك مجلس الشيوخ الفرنسي ) وان المستفيدين هم بنسبة الخمسين ( 5/2 ) الممثلون المهنيون ( ومن ضمنهم المأجورين )، فإن التقدم الديمقراطي قد يبدو بديهيا.
غير أن ما هو غير بديهي ولكن أكيد هو أن الحفاظ على قواعد " البرلمانية المعقلنة " ( المفترضة من الدستور الدوكولي ) وتطبيقها على برلمان ذي غرفتين سيؤدي إلى نفس النتائج وهي خضوع البرلمان لارادة السلطة التنفيدية.
I- بالنسبة لممارسة الوظيفة التشريعية:
لا يمكن للغرفتين أن تحددا جدول أعمالها بحيث أن المادة 56 تمنح الحكومة الأولوية لتحديده الشيء الذي يمكنها من إرجاء نقاش مشاريع القوانين التي لا تروقها إلى ما لا نهاية.
فبواسطة قوانين التأهيل Lois d’Habilitation في المادة 45 ومراسيم تدابير Decrets-Lois التي يتم اقرارها خلال فترات ما بين الدورات البرلمانية تطبيقا للمادة 55، يمكن سحب المبادرة من البرلمان مؤقتا في الميدان الذي من اختصاصه والمحدود جدا كما تنص على ذلك المادة 46.
وبواسطة مشاريع القوانين –الإطار المنصوص عليها في نفس المادة 46 يمكن للحكومة دائما أن توسع من سلطتها التنظيمية.
وعبر اللجوء لمسطرة الاستعجال المنصوص عليها في المادة 58 – 2 يمكن دائما للحكومة أن تقلص وقت نقاش القوانين من طرف البرلمان وأن تنحي، بواسطة التصويت دفعة واحدة VOTE Bloque المنصوص عليها في المادة 57 – 2 التعديلات البرلمانية التي لا ترغب فيها وبذلك تفرض على الغرفتين قانون كل شيء أو لا شيء.
كما أن نظام الغرفتين سيوفر للحكومة أساليب جديدة لاستغلال الخلافات التي لا مفر منها بين الغرفتين.
فالمادة 58 تنص على أن تدخل الحكومة وحده الكفيل بإخراج نص ما من المأزق ويستتبع ذلك أن الحكومة يمكنها إما أن تقضي على نص لا يروقها بعدم التدخل لصالحه وإما أن تلجأ إلى خبايا مساطر المادة 58 للحصول على قبول النص الذي يعجبها.
لكن وحتى في حالة اتفاق الغرفتين، يمكن أن يتم سحب نص ما نهائيا من البرلمان إذا أراد الملك ذلك فالمادتان 67 و 68 اللتان تعطيان للملك سلطة الطلب من البرلمان ، بواسطة قراءة جديدة الاتفاق على نص ما أو رفضه بأغلبية ثلثي كل غرفة على حدة، تسمحان له، إذا لم يتم الحصول على هذه الأغلبية، بأن يقدم النص للاستفتاء حسب المادة 69. لا يمكن إذن أن يتخيل المرء أسلوبا أكثر ذكاءا وضمانة لإغلاق اللعبة البرلمانية بحيث أنه إذا ما أصبحت المعارضة أغلبية، لا يمكنها إقرار قوانين ونصوص لا تروق الحكم كما لا يمكنها رفض نصوص مقبولة لديه كما يمكن للملك أن يلجأ للمادة 103 – 1 لتقديم مشروع تعديل دستوري يحد من سلطات البرلمان مثلا للاستقتاء.
أما بالنسبة لحل البرلمان، وهو سلاح الردع بامتياز، فسيظل سيفا مشهورا في وجه البرلمانيين لثنيهم عن أية محاولة للاستقلال، فالمادة 71 التي تسمح للملك " بحل غرفتي البرلمان أو إحداهما فقط " تعطيه إمكانية التخلص من غرفة تكون قد أصبحت معادية له والحفاظ على الغرفة التي تؤيده إضافة إلى ذلك، فإن سلاح الحل الذي يشكل سلاحا ذا حدين في حالة " عاهل " منتخب سلطته ستتضرر في حالة اندحاره في الانتخابات، إن ذلك السلاح يفقد مفعوله في حالة نظام سياسي لا يتغير.
نظرا لكل هذه العراقيل الدستورية فإن المعارضة البرلمانية لا يجب أن تكون لها اوهام حول السلطات التي ستتوفر عليها في حالة ما إذا أصبحت أغلبية كما لا يجب أن يتوهم المواطنون حول قيمة الضمانة التي تمنحها المادة 9 – 5 فيما يخص ممارسة حرياتهم الأساسية فما دام أن ما يريده الحكم أن يكون، فإن التنصيص، كما في هذه المادة، على أن ممارسة هذه الحريات لا يمكن أن يقيدها سوى القانون يعني السماح للحكم باقرار تلك القيود.
II- بالنسبة لممارسة وظيفة المراقبة
إن القيود التي وضعها الدستور الجديد لممارسة المراقبة البرلمانية جد قاسية فباستثناء الأسئلة للحكومة المنصوص عليها في المادة 57، يظل زعماء المعارضة محرومين من أية إمكانية للتحقيق والاستخبار، بحيث أن المادة 42 تمنع تشكيل لجان التحقيق الدائمة ولا تسمح بخلق لجان تحقيق إلا بطلب أغلبية أعضاء إحدى الغرفتين سننتظر إذن طويلا تشكيل لجنة تحقيق حول الاختفاءات القسرية في معتقل تازممارت.
وكذلك وكما سبق وأن ذكر أعلاه، فإن حرية التعبير تصطدم بالمادة 39 التي تضع كل كلام يمكن أن يشكل " مساسا بالاحترام للواجب الملكي" فالصبغة هنا ملتبسة بما فيه الكفاية للسماح بإسكات أي انتقاد للكيفية التي يمارس بها الملك صلاحياته الواسعة.
أما سلطة الرقابة، فإن شروط ممارستها التي تبقي جد قاسية كما في الماضي بالنسبة لمجلس النواب قد أصبحت أقسى فيما يخص مجلس المستشارين فعلاوة على ملتمس الانذار المسبق تفرض المادة 77 أن يوقع ملتمس الرقابة ثلثي أعضاء المجلس لتكون مقبولة وأن تحصل على ثلثي الأعضاء لكي يتم اقرارها وتؤدي إلى استقالة الحكومة. إن هذه الشروط ستحمي بكل نأكيد الحكومة من أية مفاجأة سيئة آتية من هذه الغرفة. سيكون من الأسهل طبعا الحصول على الأغلبية المطلقة المطلوبة في مجلس النواب، غير أن القوى المتفرقة للمعارضة إذا أصبحت أغلبية، عليها أن تتوحد ليس حول ماتمس الرقابة بل أيضا حول ما يجب القيام به بعد استقالة الحكومة.
4- حكومة تحت الإمرة
إن التعديل الدستوري لا يغير شيئا بالنسبة لترتيب السلطة التنفيذية التي تظل ذات رأسين، من الناحية الشكلية، وذات رأس واحد من الناحية العملية حيث أن الوزير الأول ليس سوى صنيعة رئيس الدولة الذي يعينه ويقيله كما يشاء ( الفصل 24 ) فالوزير الأول المغربي له سلطات أقل بكثير من نظيره الفرنسي: فوضعه واختصاصاته أقل كما أن لا شيء يمكنه من الافلات من وصاية رئيس الدولة.
أولا : إن الوزير الأول لا يتوفر على سلطة تحديد وتوجيه سياسة الأمة ولا حتى على سلطة قيادة عمل الحكومة، فهو إذن ليست له أية سلطة خاصة على وزرائه الذين هم، على غراره مسؤولين شخصيا وجماعيا أمام رئيس الدولة ( الفصل 60 ). وينجم عن ذلك أن المهمة الرئيسية للوزير الأول وللوزراء هي ترجمة ما يريده رئيس الدولة إلى قرارات حكومية. وبما أنهم مسؤولون جماعيا أمام البرلمان، فإن لهم مهمة ثانوية تتمثل في لعبهم دور " الصهيرة " FUSIBLE في حالة وقوع توتر حاد في البرلمان.
ثانيا : إن الشروط التي تسمح للوزير الأول الفرنسي بالافلات من وصاية رئيس الدولة لا يمكن توفيرها في الواقع الدستوري والسياسي المغربي. إذ لا يمكن نقل شروط النعايش COHABITATION والانقسام إلى قطبين BIPOLARISATION إلى الواقع المغربي.
إن التعايش بين رئيس دولة " إشتراكي " وحكومة يمينية على الطريقة الفرنسية يفترض إضعاف شرعية رئيس الدولة، الشيء الذي لا يمكن حدوثه حين تكون تلك الشرعية لا تنبثق من الاقتراع العام، وحده " عاهل جمهوري " يخضع إلى الاقتراع العام إلى حد أن انتخابات تشريعية في غير صالح مناصريه تحرمه ليس من وسائل فرض سياسته على الوزير الأول الجديد فحسب، بل أيضا من الشرعية الضرورية لمواجهته، علاوة على كون ذلك يتناقض مع الفصل 5 من الدستور الذي يفرض عليه ضمان السير العادي للسلطات العمومية. غير أن العاهل المغربي الذي لا يخضعه الدستور لالتزام مماثل لا يتعرض بالتالي للواقع الذي يؤدي إلى إضعاف رئيس دولة منتخب ( حين يفشل مناصروه في الانتخابات ) ويفرض عليه أن يترك وزيره الأول يمارس الحكم.
أما بالنسبة للانقسام إلى قطبين، فإنه يفترض أيضا أن يشمل التناوب كل المستويات. وحدها هذه الامكانية ( أي امكانية ممارسة السلطة الفعلية ) يمكنها أن تدفع قوى سياسية منقسمة إلى الالتفاف حول اسم أحد أعضائها بهدف الوصول إلى السلطة العليا. وحدها هذه الامكانية يمكن أن تدفع تلك القوى إلى التوحيد بشكل مستديم للحصول والحفاظ على الاغلبية المطلقة في البرلمان الضرورية للقوى المتحالفة لممارسة السلطة. إن هذه الامكانية غير واردة في حالة نظام ملكي وراثي ولذلك فالقوى السياسية المغربية ستظل منقسمة والتحالفات الانتخابية والحكومية ستبقى هشة ومؤقتة.
- استقلال جد نسبي للمجلس الدستوري والسلطة القضائية
إن الفصل 79 الخاص بتشكيلة المجلس الدستوري يمثل مثالا معبرا آخر عن إغلاق اللعبة الدستورية.
فالملك يعين نصف أعضاء هذا المجلس أي ستة أعضاء ويختار أيضا الرئيس، أما الستة البقون فيعينهم المجلسان ( ثلاثة يعينهم رئيس مجلس النواب وثلاثة يعينهم رئيس مجلس المستشارين )، ويجدد ثلث أعضاء كل فئة من هؤلاء الأعضاء كل ثلاث سنوات.
والنتيجة، أنه حتى ولو افترضنا أن رئيسا المجلسين ليسا من مناصري السلطة، يجب أن يستمر الواحد والآخر، وفي نفس الوقت، لمدة تسع سنوات في منصبهما لكي يكون مجموع الأعضاء المعينين من طرفهما يساوي عدد الأعضاء المعينين من طرف الملك، واعتبارا لكون مدة انتداب المستشارين لا يتعدى خمس سنوات، فإن ذلك الاحتمال ضعيف الوقوع إلى حد أن المشرع لم ير ضرورة للتدقيق بأن الرئيس المعين من طرف الملك له صوت مرجح في حالة تعادل الأصوات . إن إغفال ذلك يعبر عن المشرع متيقن من الاعضاء المعينين من طرف الملك لن تكون لهم الجرأة على المعارضة.
لذلك يستبعد كليا أن يتجرأ مثل هذا المجلس على معارضة قانون يحد أكثر من اللازم من ممارسة حريات يعترف بها الدستور.
ويستبعد أكثر أن يقوم مثل هذا المجلس بما رفضه دائما نظيره الفرنسي، ألا وهو إدماج حقوق وحريات معترف بها في المواثيق الدولية في الدستور الشيء الذي سيفرض احترامها أكثر من طرف المشرع على المستوى الوطني.
فهل، في غياب حماية هذه الحقوق والحريات من طرف المجلس الدستوري، يتم حمايتها من طرف سلطة قضائية مستقلة عن الجهاز التنفيذي ؟
إن الجواب، بالنسبة للدستور الفرنسي، هو بالإيجاب، على الأقل فيما يخص الجزء الأول من السؤال إن الفصل 66 يكلف السلطة القضائية دون غيرها بحماية الحرية الشخصية. إن هذا التدقيق له أهميته حين يتعلق الأمر بتحديد من يستطيع حسم نزاع يمس الحرية الشخصية : فلهذه المسألة أهمية أكبر نظرا للاستقلالية التي يتمتع بها القاضي بالنسبة للسلطة التنفيذية من جهة، وكذا لكونه يتوفر على معرفة أحسن بالقانون الدولي مما يجعله أكثر قابلية لتطبيق مقتضياته الضامنة والحامية للحقوق والحريات.
لا شيء من كل هذا يوجد في المغرب حيث أن الفصل 19 من الدستور يعهد للملك بحماية حقوق وحريات المواطنين والمجموعات الاجتماعية والجماعات. هكذا إذن فإن رئيس الجهاز التنفيذي هو الذي يسهر على حماية الحريات من الخروقات التي يمكن أن يرتكبها هذا الجهاز التنفيذي نفسه الذي يسرع دائما على غرار كل الاجهزة التنفيذية ، إلى الحد من ممارسة الحريات باسم النظام العام أو داعي المصلحة العليا RAISON D’ETAT لكن ماذا عن استقلالية السلطة القضائية المغربية ؟ تظهر تلك الاستقلالية وكانها مضمونة أحسن من نظيرتها الفرنسية التي هي أيضا، وعلى غرار الحريات في المغرب، تحت حماية رئيس الجهاز التنفيذي. إن الدستور المغربي لا يجعل من الملك الضامن لاستقلالية القضاء المنصوص عليه في الفصل 82، إنه يوفر نوعين من الضمانة لهذه الاستقلالية، الأول هو عدم قابلية قضاة المحاكم للعزل، وذلك على غرار الدستور الفرنسي ( الفصل 85 )، أما الثاني فيختلف بعض الشيء عن نظيره الفرنسي، وهو هيأة لحماية القضاة، أي المجلس الأعلى للقضاء الذي يتكلف بمهمتين : اقتراح قضاة لتعيينهم من طرف الملك ( الفصل 84 ) و " السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص ترقيتهم و Carrière ( الفصل 87).
غير أنه تجب الملاحظة أن المجلس يقترح فقط وأن الملك هو الذي يقرر كما أن تشكيلة المجلس، كما هي منصوص عليها في الفصل 86 تجعل منه هيأة خاضعة للسلطة.
يبدو وكأن هذه التشكيلة تعطي الامتياز للأعضاء المنتخبين من طرف القضاة ( وهم ستة ) بالنسبة للأعضاء المعينين ( وهم خمسة ) لكن يجب الأخذ بعين العتبار أن أحد الخمسة له صوت مرجح، علاوة على ذلك فإن إثنين من الخمسة، ومنهما الرئيس الذي له صوت مرجح، هما أعضاء في السلطة التنفيذية ويتعلق الأمر بالملك ووزير العدل، أما الثلاثة الآخرون، فهم قضاة يمارسون أعلى وظائف السلطة، ومن ضمنها تنقيط زملائهم المنتخبين، لذلك لا حاجة لكثير من العناء لقياس مدى استقلالية هؤلاء المستشارين المكلفين بالسهر على استقلالية زملائهم.
الخلاصة :
إن النظام خبير بما لا يدع مجالا للشك في ميدان " الهندسة الدستورية " حسب عبارة المستشار القانوني العميد VEDEL ، لقد استطاع إغلاق قواعد اللعبة الدستورية المغربية بحيث يستحيل لأية مؤسسة أن تعمل ضد رغبته أو أن تواجه ما يريده النظام، وقد استطاع أن يزين نظام الملكية المطلقة بالمشروعية الديمقراطية التي يمنحها الاستفتاء الشعبي وهو بذلك أبان عن مهارته الفائقة في هذا الميدان.
أستاذي الغالي شريف
================
إذا رغبت بالاطلاع سوف أزودك بما يلزم بحق عن الدساتير لتقرأ ونرى حجم المهانه والذل للانسان
العربي المستعبد منذ ولادته وحتى موته وهو يتنفس بأمر السلطان .
أيها العربي قم وقل أنا عربي أنا عربي
ما بت على ضيم ..