![]() |
حـكايـات عـربـيـة
ظلمتنـي وظلمتـه يُروى أن المأمون انحرف عن سهل بن هارون المشهور بالبلاغة والحكمة. فدخل عليه سهلٌ يوماً فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ظلمتني وظلمتَ فلاناً الكاتب. فقال: ويلك! وكيف؟ قال: رفعتَه فوق قدره، ووضعتني دون قدري، إلا أنك له في ذلك أشد ظلماً. قال المأمون: كيف؟ قال: لأنك أقمتَه مقام هُزْء، وأقمتني مقام رحمة. من كتاب "سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون" لابن نباتة. |
عبـد الله بـن الزبيـر
مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بصبية يلعبون. فلما رأوه فروا جميعاً، إلا غلاماً صغيراً بقي مكانه لم يبرحه. فأقبل عليه عمر وسأله: يا غلام، لـِمَ لـَمْ تفر كما فرَّ زملاؤك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أرتكب ذنباً فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسعها لك. |
عبد الملك بن مروان وامرأته
غَضِبَتْ عاتكة بنت يزيد على زوجها الخليفة عبد الملك بن مروان، وكانت أحبَّ خلق الله إليه. فَحَجَبَتْهُ وأغلقتْ بابها دونه. فشقّ ذلك عليه، وشكاه إلى خاصّته، وأعيته الحِيَل فيها، ولم يدر كيف يسترجع رضاها عنه. فقال له عمرو بن هلال: ما لي عندك إن رَضِيتْ عنك؟ قال عبد الملك: ما تشاء. فأتى عمرو بابها واستأذن. فلما أذنت له قال: قد عَرَفْتِ مكاني من أمير المؤمنين، وقد وقع لي أمرٌ شنيع، فقد قَتَل أَحَدُ ابْنَيَّ الآخر، ويريد الخليفة أن يقتل الآخر به. وقد استعطفتُه وتوسَّلتُ إليه أن يعفو عنه حتى لا أفقد بموته ابنيّ معاً فلم يسمع قولي. وقد رجوتُ أن يُحْيي الله ابني على يديك. فقومي إلى أمير المؤمنين كلميه فيه وإلا قتله الساعة. فاضطربتْ وقالت: إني غَضْبَى عليه ولا أكلمه. فبكى عمرو وقال: أفيموت ابني إذن؟! أفيموت ابنيَّ معاً؟! ولم يزل بها حتى أشفقت عليه وقامت معه إلى عبد الملك، فأخذت برجله وقبّلتها، ورجته أن يعفو عن ابن عمرو. قال عبد الملك: هو لك وقد عفوت عنه. ولم يبرحا حتى اصطلحا. فلما خرجت قال الخليفة لعمرو: حُكمُك؟ قال: مزرعة بعبيدها وما فيها، وألف دينار. قال: ذلك لك. من كتاب "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" للزمخشري. |
عجـائبُ طـبِّ الإفرنـج من عجائب طب الإفرنج أن صاحب المُنَيْطِرَة (وهو منهم) كتب إلى عمّي يطلب منه إنفاذَ طبيبٍ يداوي مرضى من أصحابه. فأرسل إليه طبيبًا نصرانيًا يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد. فقلنا له: ما أسرعَ ما داويتَ المرضى! قال: أَحْضَروا عندي فارسا قد طلعتْ في رجله دُمّلة، وامرأةً قد لحقها نشاف (مرض عقلي) فعملت للفارس لُبيخة. ففتحتُ الدّمّلة وصَلُحَت. وحميتُ المرأةَ ورطبتُ مزاجَها. فجاءهم طبيبٌ إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئًا، يداويهم؟ وقال للفارس: أيّما أحبُّ إليك: تعيشُ برجلٍ واحدة، أو تموتُ برجلين؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: أحضروا لي فارسًا قويًا وفأسًا قاطعًا. فحضر الفارسُ والفأسُ وأنا حاضر. فحطّ ساقه على قرمة خشب، وقال للفارس: أضرِب رجلَه بالفأس ضربةً واحدة تقطعُها. فضربه، وأنا أراه، ضربًة واحدة. فما انقطعت. فضربه ضربةً ثانية فسال مخُّ الساق ومات من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطانٌ قد عشقها. احلقوا شعرَها! فحلقوه. وعادت تأكل من مآكلهم الثومَ والخَرْدَل، فزاد بها النّشاف. فقال: الشيطانُ قد دخل في رأسها. فأخذ الموسى، وشق رأسها صليبًا وسلخ وسطَه حتى ظهر عظمُ الرأس، وحكّه بالمِلح فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليّ حاجة؟ قالوا: لا. فجئتُ وقد تعلمتُ من طبّهم ما لم أكن أعرفُه! من "كتاب الاعتبار" لأسامة بن منقذ. |
عَـدْلُ الوزيـر من كتاب "الفخري" لابن طباطبا. كان أبو شجاع الهمذاني، وزيرُ الخليفة المقتدي، رجلاً ديِّنا كثير الخيرَ والبرّ والصدقة. ومن مناقبه أنه لما وقعت الفتنُ بين السُّنَّة والشيعة بحيّ الكَرْخ ببغداد، تغاضى عن إراقة الدماء غاية التغاضي، حتى قال له المقتدي: إن الأمور لا تمشي بهذا اللين الذي تستعمله، وقد أطمعت الناس بحلمك وتجاوزك. ولا بد من هدم دور عشرة من كبار أهل الكرخ حتى تقوم السياسة وتسكن هذه الفتن. فأرسل الوزير إلى المحتسب، وقال له: قد أمر الخليفة بهدم دور عشرة من كبار أهل الكرخ، ولا تمكنني مراجعته فيهم. وما آمن أن يكون فيهم بريء من إثارة الفتنة غير مستحق للمؤاخذة، أو أن تكون الدار ليست ملكاً له. فأريد أن تبعث رجالك إلى الحيّ وتشتري دور عشرة من كبار قاطنيه. فإذا صارت هذه الدور لي هدمتُها، وأسلم بذلك من الإثم ومن سخط الخليفة. ونَقَدَه الثمن في الحال، ففعل المحتسب ذلك، ثم أرسل بعد ذلك مَنْ هدمها. |
عظـــات قال حكيم أديب، وناصح أمين: إِياك وصحبة الملوك، فإنك إن لازمتهم ملوك، وإن تركتهم أذلوك، يستعظمون في الثواب رد الجواب، ويستصغرون في العتاب ضرب الرقاب. وقيل لحكيم من الذي لا يخاف أحداً؟ فقال: الذي لا يخافه أحد، فمن عدل في حكمه، وكفَّ عن ظلمه، نصره الحق، وحسنت لديه النـُّعمى، وأقبلت عليه الدنيا، فتهنـَّى بالعيش، واستغنى عن الجيش، وملك القلوب، وأمن الحروب، وصارت طاعته فرضاً، وظلت رعيته جنداً، وإن أول العدل أن يبدأ الرجل بنفسه، فيلزمها كل خلة زكية، وخصلة رضية، في مذهب سديد، ومكسب حميد، ليسلم عاجلاً، ويسعد آجلاً. وأول الجور، أن يعمد إليها فيجنبها الخير، ويعوِّدها الشر، ويـُلبسها الآثام، ويغبغبها المدام، ليعظم وزرها، ويقبح ذكرها. |
عقـل راجــح تحدث أحدهم، وكان يتلقى الأدب على "المبرد" فقال: خرجت ذات مساء بعد أن انتهى الدرس من بيت المبرد فرأيت إنساناً أشعث، في أسمال بالية، ولما أن كدت أتجاوزه، أومأ إليَّ وبادرني بقوله.. "أنت تلميذ المبرد، وإنني أعلم أنه عقب إلقاء درسه اليومي، يختتم حديثه ببيتين من الشعر... فماذا كانا اليوم؟ فقلت بسرعة لأتخلص منه. لقد ختم حديثه بهذين البيتين: أعــار الغيـثَ نائلــه إذا مـا مــاؤه نَفِــدا وإن أسـد شكـا جُبنـا أعـار فـؤاده الأسـدا وما إن انتهيت، حتى أسرع هذا بقوله: لو أعار نائله للغيث، لأصبح بلا نائل، أي بخيل، ولو أعار الأسد فؤاده، لأصبح بلا فؤاد، فهل هذا مديح أم هجاء؟؟ فدهشت وقلت: "إذاً ماذا كان يقول؟" وكنت أريد إحراجه، فأجاب بعد تمعن وببطء: علم الغيث الندى حتى إذا ما وعاه علم البأس الأسد فـإذا الغيـث مقـرٌّ بالكرم وإذا الليــث مقـرٌّ بالجلــد وتركني مشدوهاً ومشى.. |
عـلاج الرمــد من كتاب "أخبار الأذكياء" لابن الجوزي.أخبرنا الجمـّاز قال: سمعتُ رجلاً يقول لآخر قد أصاب الرمدُ عينيه. بأي شيء تـُداوي عينيك؟ قال: بالقرآن ودعاء الوالدة. فقال: اجعل معهما شيئا من الدواء. |
علاج لسعة الزنبور
خبـّرني ثمامةُ عن أمير المؤمنين المأمون أنه قال: قال لي بختيشوع بن جبريل الطبيب: إن الذباب إذا دُلـِك به موضعُ لـَسـْعةِ الزنبور سـَكـَن. فلسعني زنبور، فـَحـَكـَكـْتُ على موضعه أكثر من عشرين ذبابةً فما سـَكـَن إلا في قـَدْر الزمان الذي كان يسكـُنُ فيه من غير علاج. فلم يبق إلا أن يقول بختيشوع: كان هذا الزنبور حتفـًا قاضيـًا، ولولا هذا العلاج لقتلك! وكذلك الأطباء: إذا سقـَوا دواء فضرّ، أو قطعوا عـِرْقـًا فضرّ، قالوا: أنت مع هذا العلاج الصـَّوابِ تجـِدُ ما تجد، فلولا ذلك العلاجُ كنتَ الساعةَ في نار جهنم! من كتاب "الحيوان" للجاحظ |
عِلـَّةُ خَلـْق الذّبـاب
قال معمر بن شبيب: سمعتُ المأمون يقول للإمام الشافعي: يا محمد، لأي علَّة خَلَق الله الذباب؟ فأطرق الشافعي ثم قال: مَذَلَّةً للملوك يا أمير المؤمنين. فضحك المأمون وقال: رأيتَ الذّباب يسقط على خدّي؟ فقال : نعم ياأمير المؤمنين، ولقد سألتني وما عندي جواب، فلما رأيت الذبابة قد سقطت منك بموضع لا يناله من معه عشرة آلاف سيف وعشرة آلاف رُمح انفتح لي فيها الجواب! من كتاب "مناقب الشافعي" لأحمد بن الحسين البيهقي. |
علم الفلك، ما فائدتـه؟
كان نصيرالدين الطوسي الفيلسوف وعالم الأرصاد، ذا منزلة عالية عند هولاكو، وكان هولاكو يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه. فابتنى نصير الدين بمراغة قبة ومرصداً عظيماً، واتخذ في ذلك خزانة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نُهبت من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمّع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد. حكى أنه لما أراد بناء المرصد، رأى هولاكو أنه سيكلفه الكثير من الأموال. فقال لنصير الدين: هذا العلم المتعلق بالنجوم، ما فائدته؟ أيدفع ما قُدِّر أن يكون؟ فقال: أنا أضرب لك مثلاً: يأمر مولاي من يطلع إلى هذا المكان، ويرمي من أعلاه طشت نحاس كبير من غير أن يعلم به أحد. ففعل ذلك. فلما وقع الطشت كانت له وقعة عظيمة هائلة روّعت كلَّ من هناك، وكاد بعضهم يصعق. وأما هو وهولاكو فإنهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأن ذلك سيحدث. فقال له نصير الدين: هذا العلم النجومي له هذه الفائدة: يعلم الخبير به ما يحدث فلا يحصل له من الرّوْعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه. فأمر هولاكو بالشروع فيه. من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي. |
عـِلمك هذا، من أيـن جئت بـه؟
قال أبو عبد الله الخواص (وكان من أصحاب الزاهد حاتم الأصمّ): دخلنا مع حاتم إلى الريّ فنزلنا على رجل من التجار فأضافنا تلك الليلة. فلما كان من الغد، قال لحاتم: أريد أن أعود فقيهـاً لنا هو عليل. فقال حاتم: إن كان لكم فقيه عليل فعيادة الفقيه لها فضل كبير، والنظر إلى الفقيه عبادة. وأنا أجيء معك. وكان العليل محمد بن مقاتل. فلما جاءوا إلى باب داره، إذا أمامه بواب. فبقي حاتم متفكراً يقول: يا رب، دار عالمٍ على هذه الحال؟! فلما أذن لهم، دخلوا، فإذا بدار واسعة، وآلة حسنة، وفرش وستور. فبقي حاتم متفكراً ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل، فإذا بفراش وثير وهو عليه راقد، وعند رأسه مذبـّة وناس وقوف. فقعد الخواص والتاجر وبقي حاتم قائمـاً. فأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده أن اجلس، فقال حاتم: لا أجلس: قال ابن مقاتل: فلك حاجة؟ قال: نعم، مسألة أسألك عنها. قال: فاسألني. قال حاتم: قم فاستوِ جالسـاً حتى أسألك عنها. فأمر غلمانه فأسندوه. فقال حاتم: علمـُك هذا، من أين جئت به؟ قال: حدثني الثقات عن الثقات من الأئمة. قال حاتم: عمن أخذوه؟ قال: عن التابعين. قال: والتابعون عمن أخذوه؟ قال: عن أصحاب رسول الله. قال: وأصحاب رسول الله عمن أخذوه؟ قال: عن رسول الله. قال: ورسول الله من أين جاء به؟ قال:عن جبريل عن الله عز وجل. فقال حاتم: ففيم أدّاه جبريل عن الله عز وجل إلى رسول الله، وأدّاه رسول الله إلى الصحابة، وأدّاه الصحابة إلى تابعيهم، وأداه التابعون إلى الأئمة، وأدّاه الأئمة إلى الثقات، وأدّاه الثقات إليك، هل سمعت في هذا العلم مـَن كانت داره في الدنيا أحسن، وفراشه ألين، وزينته أكثر، كان له منزلة عند الله أكبر؟ قال: لا. قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت أن من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحبّ المساكين وقدّم لآخرته كان عند الله له المنزلة أكبر، وإليه أقرب. فقال حاتم: فبمن اقتديت أنت؟ أبالنبي وأصحابه والتابعين والصالحين، أو بفرعون ونمرود؟ ثم خرج من عنده. من كتاب "تلبيس إبليس" لابن الجوزي |
عُمر وامرأة من قريش
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويده على المُعَلـَّى بن الجارود العبدي، فلقيته امرأة من قريش فقالت له: يا عمر، فوقف لها. فقالت: كنا نعرفك مدّةً عُمَيْرا، ثم صرت من بعد عُمَيْرٍ عُمَرَ، ثم صرتَ من بعدِ عمر أميرَ المؤمنين. فاتق الله يا بن الخطاب وانظر في أمور الناس، فإنه من خاف الوعيدَ قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خَشِي الفوْت. فقال المعلى: إيهاً يا أمة الله! لقد أبكيتِ أمير المؤمنين. فقال له عمر: اسكت. أتدري من هذه ويحك؟ هذه خَوْلة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، فَعُمَر أحْرَى أن يسمع قولها ويقتديَ به. |
عمـرو بـن عـُبيــد
ذكر إسحق بن المفضل الهاشمي قال: إني لعلى باب أمير المؤمنين "أبو جعفر المنصور"، في زحمة من الناس، وإلى جانبي عمارة بن حمزة، إذ طلع علينا عمرو بن عبيد على حمار، فنزل عن حماره، ثم رفع البساط برجله، وجلس دونه، فاستنكر ذلك عمارة، والتفت إليَّ وقال: لا تزال بصـْرتكم (يريد مدينة البصرة) ترمينا منها بأحمق، فما فصل كلامه من فيه، حتى خرج الربيع "صاحب المنصور" وهو ينادي، أبو عثمان عمرو بن عبيد، فوالله ما دلَّ على نفسه، حتى أرشدناه إليه، فأخذ بيده وقال: أجب أمير المؤمنين جـُعلت فداك، فمرَّ متوكئاً عليه، فالتفت إليَّ عمارة، فقلت: إن الرجل الذي استحمقته، قد أدخل وتـُركنا، فقال: كثيراً ما يكون ذلك، فأطال اللبث، ثم خرج الربيع وهو متوكئ عليه، والربيع يقول: يا غلام، حمار أبي عثمان عمرو بن عبيد، فما برح حتى أتى بالحمار فأقرَّه على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه، واستودعه الله، فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم بهذا الرجل، ما لو فعلتموه بولي عهدكم، لقضيتم ذمامه، قال الربيع فما غاب عنك مما فـُعل به أكثر وأعجب، قال عمارة: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا. فقال الربيع: لما دخل عمرو على المنصور، أمر أن تـُفرش له لـُبـُود بقربه، وأجلسه إليه بعدما سلـَّمَ عليه، ثم قال: يا أبا عثمان عظني بموعظة، فوعظه بمواعظ، منها، اعلم يا أمير المؤمنين، أن هذا الأمر الذي أصبح في يدك "يقصد الخلافة" لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك، لم يصل إليك، فاحذر ليلة تمخض بيوم لا ليلة بعده. ولما أراد النهوض، قال له المنصور: قد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم، قال: لا حاجة لي فيها، قال: والله تأخذها، قال: لا والله، لا آخذها، وكان المهدي ولد المنصور حاضراً، فقال: يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت، فالتفت عمرو إلى المنصور وقال: من هذا الفتى؟ قال: هو ولي العهد ابني المهدي، فقال: أما والله لقد ألبسته لباساً ما هو من لباس الأبرار، وسميته باسم ما استحقه، ثم التفت عمرو إلى المهدي وقال: نعم يا ابن أخي، إذا حلف أبوك أحنثه عمك، لأن أباك أقوى على الكفارات من عمك، فقال المنصور: هل من حاجة؟ قال: لا تبعث إليّ حتى آتيك، قال: إذن لا تلقاني، قال: هي حاجتي، ومضى، فأتبعه المنصور طرفه وقال: كلكــــم يطلـــب صيـــــد كلكــــم يمشــــي رُوَيْـــد غيـــــر عمـــرو بــن عبيـــد |
عن الحـوت وبحـر الظلمـات
قد ركبتُ عدة من البحار، كبحر الصين والروم والقلزم واليمن، وأصابني فيها من الأهوال ما لا أحصيه كثرة، فلم أشاهد أهول من بحر الزنج، وفيه السمك المعروف بالأوال، طول السمكة نحو من أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع، والأغلب من هذا السمك طوله مائة ذراع. وربما يهزّ البحر فيـُظهر شيئـاً من جناحه فيكون كالقلع العظيم.وربما يـُظهر رأسه وينفخ الصـُّعـَداء بالماء فيذهب الماء في الجو أكثر من ممر السهم. والمراكب تفزع منه في الليل والنهار، وتضرب له بالدبادب والخشب لينفر من ذلك. وهو يحشر بأجنحته وذنبه السمك إلى فمه وقد فغر فاه. فإذا بـَغـَت هذه السمكة بعث الله عليها سمكة نحو الذراع تـُدعى اللـَّشك، فتلصق بأصل أذنها فلا يكون لها منها خلاص، فتطلب قعر البحر، وتضرب بنفسها حتى تموت، فتطفو فوق الماء فتكون كالجبل العظيم. وربما تلتصق هذه السمكة المعروفة باللشك بالمركب فلا يدنو الأوال مع عظمتها من المركب، ويهرب إذا رأى هذه السمكة الصغيرة إذ كانت آفة له وقاتـِلتـَه. وعلى الحدّ بين بحر الروم وبحر أوقيانوس المنارةُ النحاس والحجارة التي بناها هرقل الجبار، على أعلاها الكتابة والتماثيل مشيرة بأيديها أن لا طريق ورائي لجميع الداخلين إلى ذلك البحر. فهو بحر لا تجري فيه جارية، ولا حيوان ناطق يسكنه، ولا يحاط بمقداره، ولا تـُدرَى غايته، ولا يـُعلم منتهاه. وهو بحر الظلمات، أو الأخضر، أو المحيط. وقد ذهب قوم إلى أن هذا البحر أصل ماء سائر البحار، وله أخبار عجيبة قد أتينا على ذكرها في كتابنا "أخبار الزمان" في أخبار مـَن خاطر بنفسه في ركوبه، ومن نجا منهم ومن تلف، وما شاهدوا منه. وذكرتُ أن منهم رجلاً من أهل الأندلس يقال له خشخاش، وكان من فتيان قرطبة وأحداثها، فجمع جماعة من أحداثها، وركب بهم مراكب أعدّها في هذا البحر المحيط، فغاب فيه مدة، ثم انثنى بغنائم واسعة. وخبره مشهور عند أهل الأندلس. من كتاب "مروج الذهـب" للمسعـودي |
عن مـالك بن أنـس
قال حسن بن نعمان: كنت بالمدينة، فخلا بي الطريقُ نصفَ النهار، فجعلتُ أتغنّى بشِعر ذي يزن وأقول: ما بالُ قومِك يا ربابُ خُزرًا كأنهمُ غِضابُ فإذا كُوّة قد فُتحت، ووجْهٌ قد بدا منها تتبعه لحية حمراء، وإذا به الإمام مالك رضي اللّه عنه. فقال لي: يا فاسق، أسأت التأدية ومنعتَ القائلة. ثم اندفع فغنّى الصوت غناء لم أسمع بمثله. فقلت: أصلحك اللّه! من أين لك هذا الغناء؟ قال: نشأتُ وأنا غلام، فأعجبني الأخذُ عن المغنين. فقالت أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتَفت إلى غنائه، فدع الغناء واطلب الفقه! فتركت المغنين وتبعت الفقهاء، فبلغ اللّه بي إلى ما ترى. فقلت: أعِد الصوتَ، جُعلت فداك! فقال، لا ولا كرامة! تريد أن تقول: أخذتُه عن مالك بن أنس؟ من كتاب "سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون" لابن نباتة المصري |
عيوب إياس بن معاوية
قيل لإياس بن معاوية القاضي: إن فيك عيوبـًا: دمامة الشكل، وإعجابك بقولك، وعَجَلتك بالحُكم فقال: أما الدمامة فليس أمرُها إليّ. وأما الإعجاب بالقول، أفليس يعجبكم ما أقول؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أحقّ بالإعجاب بقولي. وأما العجلة بالحكم، فكم هذه؟ ومدّ أصابع يده. قالوا: خمس. فقال: أَعْجَلـْتم بالجواب ولم تَعـُدُّوها إصبعـًا إصبعـًا. قالوا: كيف نعدّ ما نعلمه؟! فقال: وأنا، كيف أؤخر حُكم ما أعلمه؟! من كتاب "شرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون" لابن نـُباتة. |
غليـوم الثـاني مـلك صقليـة
شأن ملك صقلية هذا عجيب في حسن السيرة، واستعمال المسلمين الذين يكتم كلهم أو أكثرهم إيمانه مع تمسكهم بشريعة الإسلام. وهو كثير الثقة بالمسلمين، وساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله، حتى إن الناظر في مطبخه رجل من المسلمين. وله جملة من العبيد السود المسلمين، وعليهم قائد منهم. ومن عجيب شأنه أنه يقرأ ويكتب العربية، وعلامتـُه: "الحمد لله حقّ حمده". وأما جواريه وحظاياه في قصره فمسلمات كلهن، فإن وقعت الإفرنجية من النصرانيات في قصره تحوّلت إلى الإسلام بفضل الجواري المذكورات. وهنّ على تكتـّم من ملكهن في ذلك كله، ولهن في فعل الخير أمور عجيبة. وقد أُخبرنا أنه حدث في هذه الجزيرة زلازل مـُرجفة ذُعـِر لها هذا المشرك، فكان يتطلـّع في قصره فلا يسمع إلا ذاكراً لله ولرسوله من نسائه وفتيانه. وربما لحقتهم دهشة عند رؤيته، فكان يقول لهم ليطمئن خاطرهم: ليذكرْ كل أحد منكم معبوده ومن يدين به. وأما فتيانه الذين هم عيون دولته وأهل عـِمالته في ملكه فهم مسلمون، وما منهم إلا من يصوم الأشهر تطوّعـاً، ويتصدّقُ تقرّبـاً إلى الله، ويفكّ الأسرى ويفعل الخير ما استطاع. ومن عجيب شأن هؤلاء الفتيان أنـّهم يحضرون عند مولاهم، فيحين وقت الصلاة، فيخرجون متسللين من مجلسه فيقضون صلاتهم. وقد لقينا منهم في مسـّينا (عاصمة صقلية) فتى اسمه عبد المسيح، من وجوههم وكبرائهم. فاحتفل في كرامتنا وبرّنا، وباح لنا بسرّه المكنون بعد أن أخرج من مجلسه من يتـّهمه من خـُدّامه محافظة على نفسه. فسألنا عن مكة والمدينة وعن مشاهدهما، فأخبرناه وهو يذوب شوقـاً وتحرّقـاً. من "رحلة ابـن جبيــر". |
فأنى يُستجـاب له؟
من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يأَيُّها الرُّسُلُ كلوا من الطيباتِ واعملوا صالحاً". وقال: "يأَيُّها الذين آمنوا كلوا من طيباتِ ما رزقناكم"، ثم ذَكَرَ الرجل يُرى أشعثَ أغبَرَ يَمُد يديه إلى السماء يقول: ياربِّ ياربِّ، ومطعمُه حرام ومشربُه حرام وملبسه حرام، فأنَّى يُستجابُ له؟ |
فأيّ عذرٍ لك اليـوم؟
كان الخليفة المهدي قد أكره شريكـاً النـّخعي على أن يليَ القضاء بالكوفة، وبعث معه جماعةً من الشـُّرط يحفظونه حتى لا يهرب. ثم طابت نفسُ شريك بالمنصب فصار يقعد للقضاء من نفسه دون شـُرط يحفظونه. فلما بلغ سفيانَ الثوري أن شريكـاً قعد من نفسه، جاء إليه. فلما رآه شريك قام إليه فعظـّمه وأكرمه. ثم قال: يا أبا عبد الله، هل من حاجة أقضيها لك؟ قال سفيان: نعم. مسألة. قال: أو ليس عندك من العلم ما يكفيك؟ قال: أحببتُ أن أذكـّرك بها. قال: قل. قال سفيان: ما تقول في امرأة جاءت فجلست على باب رجل فاحتملها ففجر بها. لمن تحدُّ منهما؟ قال شريك: الرجلُ دونها لأنها مغصوبة. قال سفيان: فلما كان من الغد جاءت فتزيـّنت وتبخـّرت وجلست على ذلك الباب، ففتح الرجل فرآها، فاحتملها ففجر بها. لمن تحدّ؟ قال: أحدّهما جميعـاً لأنها جاءت من نفسها بعد ما علمت الخبر بالأمس. قال سفيان: وأنت، كان عذرك بالأمس أن الشرط يحفظونك، فأيّ عذر لك اليوم؟ قال: يا أبا عبد الله، أكلـّمك. قال: ما كان الله ليراني أكلـّمك حتى تتوب. ووثب خارجـاً فلم يكلمه حتى مات. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان |
فالُوذَجـة بلا عَسـَل
أهدى رجلٌ من ولد عامر بن لؤي إلى إسماعيل الأعرج فالوذجةَ وأَشْعَبُ حاضر. فقال إسماعيل: كُلْ يا أشعب. فأكل منها فوجدها بلا عسل. قال إسماعيل: كيف تراها؟ فقال: عليّ الطلاق إن لم تكن هذه الفالوذجة قد عُمِلت قبل أن يُوحي ربُّك إلى النَّحل! من كتاب "زهر الآداب" للحُصْرِي. |
فخر الدِّين الرازي وتلميذه العلويّ
حدّث النسّابة إسماعيل بن الحسين العلوي، قال: ورد فخر الدين الرازي إلى مَرْو. وكان من جلالة القدر، وعِظَم الذِّكر، وضخامة الهيبة، بحيث لا يُراجَع في كلامه، ولا يتنفّس أحد بين يديه. فتردّدتُ للقراءة عليه. فقال لي يومًا: أُحبُّ أن تُصنِّفَ لي كتابًا لطيفًا في أنساب الطالبين لأنظر فيه وأحفظَه. فصنّفتُ له المصنَّف الفَخْري. فلما ناولته إياه، نزل عن مقعده وجلس على الحصير، وقال لي: اجلس على هذا المقعد! فأعظمتُ ذلك وأبيت، فانتهرني نهرةً عظيمة مزعجة، وزعق عليّ وقال: اجلس حيث أقول لك! فتداخلني من هيبته ما لم أتمالك إلا أن جلست حيث أمرني. ثم أخذ يقرأ في كتابي وهو جالس بين يديّ، ويستفهمني عما استغلق عليه، إلى أن أنهاه قراءة. فلما فرغ منه قال: اجلس الآن حيث شئت، فإن هذا عِلمٌ أنت أستاذي فيه، وأنا أستفيد منك وأُتلمذ لك. وليس من الأدب إلا أن يجلس التلميذ بين يدي الأستاذ. من كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي. |
فراسـة المنصـور
جلس الخليفة المنصور في إحدى قباب بغداد، فرأى رجلا ملهوفا يجول في الطرقات. فأرسل إليه من أتاه به. فلما سأله عن حاله أخبره أنه خرج في تجارة فكسب مالا، وأنه رجع بالمال إلى منزله فدفعه إلى أهله، ثم ذكرت امرأته أن المال سرق من بيتها، ولم ير نقبا بالدار ولا أثرا للص. فقال المنصور: منذ كم تزوجتَها؟ قال: منذ سنة. قال: أبِكرا تزوجتها أم ثيبا؟ قال: ثيبا. قال: أفلها ولد من سواك؟ قال: لا. قال : فشابة هي أم مُسنّة؟ قال: بل شابة. فدعا المنصور بقارورة طِيب كان يُعمل له، حادّ الرائحة، غريب النوع، فدفعها إلى الرجل وقال له: تطيّب من هذا الطيب فإنه يُذْهِبُ همَّك. فلما خرج الرجل من عند المنصور قال المنصور لأربعة من ثقاته: ليقعد كل واحد منكم على باب من أبواب المدينة الأربعة، فمن مر به أحد فشم منه هذا الطيب فليأتيني به. وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته، وقال لها: وهبه لي أمير المؤمنين. فشمّته فأعجبها، فبعثت ببعضه إلى رجل كانت تحبه، وهو الذي دفعت إليه مال زوجها، وقالت له: تطيّب من هذا الطيب فإن أمير المؤمنين وهبه لزوجي. فتطيّب منه الرجل. ثم إنه مرّ مجتازا ببعض أبواب المدينة فشمّ المُوكَل بالباب رائحة الطيب منه، فأخذه فأتى به المنصور. فقال له المنصور: من أين حصلت على هذا الطيب فإن رائحته غريبة مُعجِبة؟ قال: اشتريته. قال: من أين اشتريته؟ فتلجلج الرجل واختلط كلامه. فدعا المنصور صاحب شرطته وقال له: خذ هذا الرجل إليك فإن أحضر كذا وكذا من الدنانير فخلِّه يذهب حيث شاء، وإن امتنع فاضربه ألف سوط. فخرج به صاحب الشرطة وجرده ودعا بالسياط ليضربه، فأذعن الرجل وردّ الدنانير. ودعا المنصور زوج المرأة وقال له: لو رددتُ عليك الدنانير التي سُرقت منك، أتحكّمني في امرأتك؟ قال: نعم. قال المنصور: فهذه دنانيرك، وامرأتُك طالق منك. ثم أخبره بخبرها. من كتاب "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن قيم الجوزية. |
فطـانــة
روى الحسن بن إدريس الحلواني قال: سمعت الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول: الشحم لا ينعقد مع الغم، ثم قال: وكان بعض ملوك الأرض قديماً، كثير الشحم لا ينتفع بنفسه، فجمع الأطباء وقال لهم: احتالوا بحيلة يخف بها لحمي هذا قليلاً، فما قدروا على شيء فجاءه رجل عاقل متطبب، فقال له: عالجني ولك الغنى. قال: أصلح الله الملك، أنا طبيب منجم، فدعني حتى أنظر الليلة في طالعك، لأرى أي دواء يوافقك. فلما أصبح، قال له: أيها الملك، أعطني الأمان. فلما أمـَّنه قال: رأيت طالعك يدل على أنه لم يبق من عمرك غير شهر واحد، فإن اخترت عالجتك، وإن أردت أن تستوثق من ذلك، فاحبسني عندك، فإن كان لقولي حقيقة فحلّ عني، وإلا فاقتص مني، قال: فحبسه، ثم رفع الملاهي، واحتجب عن الناس، وخلا وحده مغتماً كئيباً حزيناً وكلما انسلخ يوم ازداد هماً وغماً وكمداً، حتى هزل وخف لحمه، وبعد ثمانية وعشرين يوماً بعث إليه وأخرجه، وقال: ما ترى؟ فقال: أعز الله الملك، أنا أهون على الله من علم الغيب، والله إني لا أعلم عمري، فكيف أعلم عمرك؟ ولكن لم يكن عندي دواء إلا الغم، فلم أقدر أجلب إليك الغم إلا بهذه الحيلة، فإن الغم يذيب الشحم، فأجازه على ذلك وأحسن إليه الإحسان كله، وذاق حلاوة الفرح، وانتفع بحياته الانتفاع كله. |
فكيـف لـو أرى الفيـل
كان ـ منكه الطبيب الهندي ـ صحيح الإسلام وكان إسلامه بعد المناظرة والاستقصاء والتثبت، سمع مرة من رجل وهو يقرأ ـ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وسمع آخر يقول له فكيف لو رأى الفيل؟ فوبخه الحاضرون، فقال منكه: لا توبخوه فإنه لا شك أن خلق الفيل أعجب. قيل له: فكيف لم يضرب الله تعالى المثل دون البعير؟ قال: إنما خاطب القرآن العرب، ثم تصير تلك المخاطبة لجميع الأمم بعد الترجمة من لسان هؤلاء العرب الذين بدأت بهم المخاطبة. من كتاب "الحيوان" للجاحظ. |
فما جوابك إلا السكـوت
قال أبو الحسن المدائني: دخل محمد بن واسع على قُتيبة بن مسلم والي خُراسان في مِدْرعَةِ صوف، فقال له: ما يَدْعُوك إلى لباس هذه؟ فسكت، فقال له قتيبة: أُكلِّمُك فلا تُجيبني؟ قال: أكرهُ أن أقول زُهْداً فأزكِّيَ نفسي، أو أقول فقراً فأشكو ربي، فما جوابك إلا السكوت. |
فما قُعُودُكُم هنـا؟
وقف شحاذ على باب دارٍ وقال: تصدّقوا عليّ فإني جائع. قالوا: إلى الآن لم نخبز. قال: فكَفٌّ من الشعير. قالوا: ليس عندنا شعير. قال: فشربة ماء فإني عطشان. قالوا: ما أتانا السقّاء. قال: فَنَعْلٌ قديمٌ ألبسه. قالوا: ما في البيت نعل قديم. قال: يا أولاد الخنازير، فما قعودُكم هنا؟ قوموا واشحتوا معي! من كتاب "نهاية الأرب" للنُّويري. |
فـهذا مثـل ذاك
قال رجل لإياس بن معاوية: هل ترى عليَّ من بأس إن أكلتُ تمرًا؟ قال: لا. قال: فهل ترى عليَّ من بأس إن أكلتُ معه كَيْسُومًا؟ قال: لا. قال: فإن شربتُ عليهما ماء؟ قال: جائز. قال: فلم تُحَرِّم السـُّكْر وإنما هو ما ذكرتُ لك؟ فقال إياس: لو صَبَبْتُ عليك ماء هل كان يضرّك؟ قال: لا. قال: فلو نثرتُ عليك ترابًا هل كان يؤذيك؟ قال: لا. قال: فإن أخذتُ ذلك فخلطتُه وعجنتُه وجعلت منه لَبِنَةً عظيمة فضربتُ بها رأسك؟ قال: كنتَ تقتلني. قال: فهذا مثل ذاك! من كتاب "نهاية الأرب" للنويري. |
فـي رقـة الأدب
قال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: قال لي رجاء بن حَيْوَة: ما رأيت أكرم أدباً، ولا أكرم عِشْرَة من أبيك، سَمَرْت عنده ليلة، فبينما نحن كذلك إذ عَشى المصباح ونام الغلام. فقلت: يا أمير المؤمنين، قد عَشى المصباح ونام الغلام، فلو أذنت لي أصلحتُه! فقال: إنه ليس من مروءة الرجل أن يَستخدم ضيْفَه. ثم حط رداءه عن منكبيه، وقام إلى الدَبَّة فصبّ من الزيت في المصباح، وأشخص الفتيلة. ثم رجع وأخذ رداءه وقال: قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر. |
في قريـة طَهْيَاثَا
قال دعبل الخزاعي: اجتمعنا ثلاثة من الشعراء في قرية تُسمّى (طَهْيَاثا)، فشربنا يومَنا، ثم قلنا: ليقل كلُّ واحدٍ منا بيتا من الشعر في وصف يومنا. وبدأتُ فقلتُ: نِلنا لَذِيذَ العَيْشِ في طَهْيَاثَا فقال الثاني: لَمَّا حَثَثْنا القَدَحَ اسْتِحْثَاثَا وأُرْيجَ على الثالث فلم يدر ما يقول، فلما أَعْجَلْناه قال: وامرأتي طالِقَةٌ ثلاثا! ثم قعد يبكي وينتحب على تطليقه لزوجته، ويصف لنا حُبَّه لها، وقعدنا نضحك منه ونتعجب مما وقع له. من كتاب "المحاسن والأضداد" المنسوب للجاحظ. |
في ليلة النصف من شعبان
قال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت نائمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة النصف من شعبان، فلما ألصق جلدي بجلده، أغفيت ثم انتبهت، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عندي، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة، فلففت مـُرْطـِي، أما والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا ديباجاً ولا قطناً ولا كتاناً، قيل فما كان يا أم المؤمنين، قالت: كان سداه من شعر، ولحمته من أوبار الإبل، قالت: فحنوت إليه أطلبه، حتى ألفيته كالثوب الساقط على وجهه في الأرض، وهو ساجد يقول: سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، هذه يدي وما جنيت بها على نفسي، يا عظيم تـُرجى لكل عظيم، فاغفر لي الذنب العظيم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنك لفي شأن، وإني لفي شأن، فرفع رأسه ثم عاد ساجداً فقال: "أعوذ بوجهك الذي أضاءت له السموات السبع، والأرضون السبع، من فجاة نـِقمتك، وتحوّل عافيتك، ومن شرّ كتاب قد سبق، وأعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" فلما انصرف من صلاته، تقدمت أمامه، حتى دخلت البيت، ولي نـَفـَسٌ عال، فقال: ما لك يا عائشة؟ فأخبرته الخبر فقال: "ويح هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة، ومسح عليهما، ثم قال: أتدرين أي ليلة هذه يا عائشة، فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: هذه الليلة، ليلة النصف من شعبان، فيها تؤقت الآجال، وتثبت الأعمال". |
في هذه الدنيا مَن هو أجود منك
قال معن بن زائدة: لما انتقلت الدولة إلى بني العباس، جَدَّ المنصورُ في طلبي، وجعل لمن يحملني إليه مالاً. فاضطررت لشدّة الطلب إلى أن تعرّضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخَفَّـفتُ عارضي، ولبست جبـّة صوف، وركبت جملاً، وخرجت متوجهًا إلى البادية لأقيم بها. فلما خرجتُ من باب حرب، وهو أحد أبواب بغداد، تبعني أَسود متقلـِّد بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس، قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض على يدي. فقلت له: ما بك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين. فقلت: ومن أنا حتى أُطلب. قال: أنت معن بن زائدة. فقلت له: يا هذا، اتّق اللّه، وأين أنا من معن؟ فقال: دع هذا، فواللّه إني لأَعـْرَفُ بك منك. فلما رأيت منه الجد، قلت له: هذا جوهر قد حملته معي بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي. فخذه ولا تكن سببًا في سفك دمي. قال: هاته. فأخرجته إليه، فنظر فيه ساعة وقال: صدقتَ في قيمته، ولستُ قابلَه حتى أسألك عن شيء، فإن صَدَقتني أطلقتك. فقلت: قل. قال: إن الناس قد وصفوك بالجود. فأخبرني: هل وهبتَ مالك كله قط؟ قلت: لا. قال: فنصفه؟ قلت: لا. قال: فثلثه؟ قلت: لا. حتى بلغ العُشر، فاستحييت وقلت: أظن أني فعلتُ هذا. قال: وما ذاك بعظيم. أما عني فرزقي من الخليفة كل شهر عشرون درهمًا. وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير. وقد وهبتـُه لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أن في هذه الدنيا من هو أجود منك. فلا تُعجبك نفسك، ولتحقر بعد هذا كلَّ جود فعلتَه، ولا تتوقَّف عن مكرمة. ثم رمى العقد في حِجري، وترك خطام الجمل، وولّى منصرفًا. فقلت: يا هذا، قد واللّه فضحتني، ولَسَفْكُ دمي أهونُ عليّ مما فعلتَ. فخذ ما دفعتُه لك فإني غنيّ عنه. فضحك وقال: أردتَ أن تكذبني في مقالي هذا؟ واللّه لا أخذتُه ولا آخذ لمعروف ثمنًا أبدًا. ومضى سبيله. فواللّه لقد طلبتُه بعد أن أمنت ووليت بلاد اليمن، وبذلت لمن يجيء به ما شاء، فما عرفتُ له خبرًا، وكأنّ الأرضَ ابتلعته. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. |
فيه شفـاء للناس
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً بأن يسقي أخاه العسلَ لإسهالٍ كان به. فتزيّد الإسهال به لما سقاه العسل، فشكا ذلك إلى النبي، فقال عليه الصلاة والسلام: صدق الله، وكَذَبَ بطْنُ أخيك. من كتاب "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" لابن رشد. |
قاطـع الطريـق
حدّث أبو أحمد الحارثي قال: كنت مسافرا في بعض الجبال مع جماعة من التجار، فخرج علينا ابن سيار الكردي قاطع الطريق، فقطع علينا. وكان بزيّ الأمراء لا بزيّ القطّاع. فقربت منه لأنظر إليه وأسمع كلامه، فوجدته يدلّ على فهم وأدب. فحادثته، فإذا هو رجل فاضل يروي الشعر ويفهم النحو. فطمعتُ فيه، وعملتُ في الحال أبياتا أمدحه بها. فقال لي: كيف أعرف إن كان هذا من شعرك؟ اعمل لي على قافية هذا البيت ووزنه شعرا الساعة لأعلم أنك قلته. وأنشد لي بيتا. فعملت له في الحال ثلاثة أبيات على قافيته ووزنه. فقال لي: أي شيء أخذ منك لأرده إليك؟ فذكرت له ما أخذ مني وما أخذ من رفيقين كانا معي. فرد لي جميع ذلك، ثم أخذ من أكياس التجار التي نهبها كيسا فيه ألف درهم، فوهبه لي. فجزيته خيرا ورَدَدْتُ عليه الكيس. فقال: لم لا تأخذه؟ فلما لم أُجِبه، قال: أحبُّ أن تصْدُقني. قلت: وأنا آمن. قال: وأنت آمن. فقلت: لأنك لا تملكه، وهو من أموال التجّار الذين أخذتها منهم الساعة ظُلما. فكيف يحل لي أن آخذه. قال: أما قرأت ما ذكره الجاحظ في "كتاب اللصوص" عن بعضهم؟ قال الجاحظ: "إن هؤلاء التجار خانوا أماناتهم، ومنعوا زكاة أموالهم، فصارت أموالهم مستهلكة بها، واللصوص فقراء إليها. فإذا أخذ اللصوص أموالهم كان ذلك مباحا لهم، لأن عين المال مستهلكة بالزكاة، وهؤلاء يستحقون أخذ الزكاة بالفقر، شاء أرباب الأموال أم كرهوا". قلت: بلى قد ذكر الجاحظ هذا. ولكن من أين يُعْلَم أن هؤلاء ممن استهلكت أموالهم الزكاة؟ فقال: لا عليك. أنا أحضر هؤلاء التجار وأُريك بالدليل الصحيح أن أموالهم لنا حلال. ثم قال لأصحابه: هاتوا التجار! فجاءوا. فقال لأحدهم: منذ كم أنت تتجر في هذا المال الذي أخذناه منك؟ قال: من كذا وكذا سنة. قال: فكيف كنت تُخْرِجُ زكاته؟ فتلجلج التاجر وتكلم بكلام من لا يعرف الزكاة على حقيقتها فضلا عن أن يُخرجها. ثم دعا آخر، وقال له: إذا كان معك ثلاثمائة درهم وعشرة دنانير، وحالت عليها السنة، فكم تُخرج منها للزكاة؟ فلم يحسن أن يجيب. ثم قال لآخر: إذا كان معك متاع للتجارة، ولك دَيْن على رجلين أحدهما ثري والآخر فقير، ومعك دراهم. وقد حالت السنة على الجميع، كيف تخرج زكاة مالك؟ فما فهم السؤال فضلا عن أن يجيب. فصرفهم، ثم قال لي: بان لك صدق حكاية الجاحظ، وأن هؤلاء التجار ما زكّوا قط؟ خذ الآن الكيس فأنت أَوْلَى به. فأخذتُه. وساق هو القافلة فانصرف بها. من كتاب "الفرج بعد الشدة" للتنوخي. |
قبـول الهديـة
بلغ الخليفةَ عبد الملك بن مروان أن بعض كُتّابه قَبِل هدية، فقال له: أَقَبِلْتَ هديةً منذ ولّيتك؟ فقال: أمورُك يا أمير المؤمنين مستقيمة، والأموال دارّة، والعمّال محمودون، وخَراجك مُوَفّر. قال عبد الملك: أَجِب عما سألتُك عنه. فقال: نعم، قد قبِلت. فقال: والله إن كنتَ قبلتَ هديةً لا تنوي مكافأةَ المُهْدِي لها، إنك لئيم دنيء؛ وإن كنت قبلتها تستكفي رجلا لم تكن تستكفيه لولاها، إنك لخائن؛ وإن كنت نويتَ تعويض المُهدِي عن هديته، وألا تخون أمانة، فلقد قبلتَ ما بسط عليك لسانَ مُعامِليك، وأطمع فيك سائر مُجاوريك، وسلَبك هيبة سلطانِك. وما في مَن أَتَى أمراً لم يخْلُ فيه من لوم أو دناءة أو خيانة أو جهل، مُصْطَنَع وصرفه عن عمله. من "كتاب الوزراء والكُتّاب" للجَهْشِياري. |
قصة أبي حسان الزيادي
حدّث أبو حسان الزيادي قال: ألمت بي ضائقةٌ بلغت الغاية، حتى ألحّ عليّ القصّاب والبقّال والخبّاز وسائر المعاملين ولم تبق لي حيلة لسداد الدين. فإني ليوما على هذا الحال، وأنا مفكر في الحيلة، إذ دخل عليّ الغلام فقال: رجل خراساني بالباب يستأذن. فقلت له: ائذن له. فدخل الخراساني فسلّم، ثم قال: ألست أبا حسان؟ قلت: نعم، فما حاجتُك؟ قال: أنا رجل غريب وأريد الحج، ومعي عشرة آلاف درهم، وأريد أن أودعها عندك إلى أن أقضي حجي وأرجع. فقلت: هاتها. فأحضرها وخرج بعد أن وزنها وخَتَمها. فلما خرج فككت الخاتم، ثم أحضرت المعاملين فقضيتُ كل ما كان له عليّ دين، واتسعتُ وأنفقتُ، وقلت: أضمن هذا المال للخراساني، وإلى أن يجيء يكون الله قد أتى بفرج من عنده. فلما أصبحتُ من غد ذلك اليوم، دخل إليّ الغلام فقال : الخراساني بالباب يستأذن. فقلت ائذن له. فدخل فقال: كنتُ عازما على ما أعلمتُك، ثم وَرَدَ عليّ الخبر بوفاة والدي، وقد عزمت على الرجوع إلى بلدي. فتأمر لي بالمال الذي أعطيتُك أمس! فَوَرَدَ عليّ أمرٌ لم يرد عليّ مثله قط، وتحيّرتُ فلم أدر بما أجيبه، وفكّرت: ماذا أقول للرجل؟ ثم قلت له: نعم، عافاك الله، ولكن منزلي هذا ليس بالحريز، ولما أخذتُ مالك أودعته في مكان آخر. فعُدْ إليّ في غدٍ لتأخذه. فانصرف، وبقيت متحيرا لا أدري ما أعمل. إن جَحَدْتُه وأنكرت أخذ المال كانت الفضيحة في الدنيا والآخرة. وأدركني الليل فلم يأخذني النوم ولا قدرت على الغمض لتفكيري في بكور الخرساني إليّ. فقمت إلى الغلام فقلت: أسرج البغلة. فقال: يامولاي، هذه العتمةُ بعد، وما مضى من الليل شيء ، فإلى أين تمضي؟ فرجعت إلى فراشي فإذا النوم ممتنع. فلم أزل أقوم إلى الغلام وهو يردّني إلى الفراش حتى فعلت ذلك ثلاث مرات وأنا لا يأخذني القرار. وطلع الفجر، وأسرج البغلة وركبت، وأنا لا أدري أين أتوجه. وطرحتُ عنان البغلة وأقبلتُ أفكر وهي تسير، حتى بلغتُ الجسر، فإذا البغلة تعدل إليه فتعبُرُه. قلت في نفسي إلى أين أعبر؟ وإلى أين أمضي؟ ولكن إن رجعتُ وجدتُ الخراساني على بابي. فلأدعها تمضي حيث شاءت! ومضت البغلة، فلما عَبَرَتْ الجسر أخَذَتْ بي يُمْنَةً ناحية دار المأمون، فلما قاربتْ دار المأمون والدنيا بعد مظلمة، إذا فارسٌ يقابلني، ثم إذا هو ينظر في وجهي، ثم يسير ويتركني، ثم يرجع إليّ ويقول: ألست بأبي حسان الزيادي؟ قلت: بلى. قال: الأمير الحسن بن سهل يطلبك. قلت في نفسي: وما يريد الحسن بن سهل مني ؟ فسرت معه حتى صرنا إلى بابه، واستأذن لي عليه فدخلت فقال لي: أبا حسان! ما خبرك؟ ولم انقطعت عنا؟ ومضيتُ أعتذر فقال: دع هذا فإني أراك في لوثة أو في أمر عسير، فما هو؟ فشرحت له قصتي من أولها إلى أن لقيني الفارس وأدخلني عليه. فقال: لا يغُمُّك الله يا أبا حسان. قد فرّج الله عنك. هذه بدرة للخراساني في مكان بدرته، وبدرة أخرى لك تتسع بها، وإذا نَفَذَتْ أعْلِمْنا! من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي. |
قصة الشيعـيّ مـع الأمـويّ
عـُرِض على الخليفة المنصور، وهو في مكة للحج، جوهرٌ فاخر، فعرفه، وقال: هذا الجوهر كان لهشام بن عبد الملك ثم صار إلى ابنه محمد الذي لم يبق من أهل هشام أحد غيره. ثم قال للربيع: إذا كان غداً وصلـّيتُ بالناس في المسجد الحرام واجتمع الناس فيه فأَغلـِق الأبواب ووكـّل بها ثقاتك من الشيعة، وافتح للناس بابـاً واحداً منها وقـِفْ عليه أنت فلا يخرج أحد إلا من قد عرفتـَه. فلما كان من غد فعل الربيع ذلك. وتبيـّن محمد بن هشام القصة وعلم أنه هو المطلوب، فتحيـّر. وأقبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فرأى محمد بن هشام متحيـّراً وهو لا يعرفه، فأنكر أمره، وقال له: يا هذا، أراك متحيـّراً تتلفـّت يمينـاً وشمالاً. فمن أنت؟ قال: أنا محمد بن هشام بن عبد الملك. فمن أنت؟ قال: أنا محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين. قال: فعند الله أحتسب نفسي. قال: لا بأس عليك يا ابن عم، فإنك لست قاتل أبي ولا في قتلك إدراك ثأره، وأنا الآن بإنقاذك أَوْلـَى مني بإسلامك إليهم، ولكن تعذرني فيما أتناولك به من مكروه وقبيح خطاب أخاطبك به يكون فيه خلاصـُك بمشيئة الله. فقال: يا سيدي أنت وذاك. فطرح ابن زيد رداءه على رأس ابن هشام ووجهه، وأقبل يسحبه وهو يلطمه حتى جاء به إلى الربيع، فقال له: يا أبا الفضل، إن هذا الخبيث جمـّال من أهل الكوفة هرب مني دون أن يؤدّي إليّ حقي، ولي عليه بذلك شهود. فابعث معنا حـَرَسيـَّين يصيران بي معه إلي القاضي. فضمّ إليه الربيع حرسيـّين وقال: إمضيا به معه. فلما بعدوا من المسجد، قال ابن زيد لابن هشام. يا خبيث، أتؤدّى إليّ حقي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله. فقال ابن زيد للحرسيـّين: انصرفا في حفظ الله. فانصرفا. فلما بعـُدا أطلقه، فقبـّل ابن هشام رأسه، ثم أخرج جوهراً له قدر عظيم فدفعه إليه وقال: تشرّفني يا سيدي بقبول هذا مني. فقال ابن زيد: اذهب بمتاعك يا ابن عم، فلستُ ممن يقبل على المعروف مكافأة. من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي |
قطـر النـدى
كانت قطر الندى بنت خمارويه أكمل نساء عصرها في الجمال والأدب. وقد اتفق لها مع زوجها الخليفة المعتضد حكايات يجب أن تؤرّخ: وضع رأسه يوماً في حجرها فنام حتى غطّ في نومه. فتلطّفت في ميل رأسه من حجرها، ووضعته على مخدة، وقامت. وانتبه المعتضد من نومه فوجد رأسه على مخدة ولم يجد قطر الندى معه. فاشتد غيظه واستدعاها وقال لها: ما هذا الذي صنعت؟ أضع رأسي في حجرك فتتركيني؟ فقالت: إن فيما أوصاني به أبي ألا أجلس بين النيام، ولا أنام بين الجلوس فأعجب ذلك المعتضد وقال: نِعم ما أوصاك به أبوك. وصارت الأمثال في قصر الخليفة تُضرب بأدب قطر الندى. وناولها المعتضد يوما قدح خمر لتشربه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ما شربتُه قط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن النساء: ناقصات عقل ودين، والرجال إن شربوا الخمر ففي عقولهم وأديانهم ما يحتمل حيفها، والنساء بضدّ ذلك. فاشتد ولعه بما سمع منها وأعفاها. ولما قُتل أبوها خمارويه، اتصل خبرُ ذبحه بالمعتضد قبل أن يتصل بقطر الندى. واتفق أن دخل المعتضد على قطر الندى في أثر ذلك، فأحست فتوراً منه في معاملته إياها. فقالت: أحسن الله عزاءك يا أمير المؤمنين في خمارويه، وجعل من غلمانك خير خلف منه. فقال لها: أبلغك قتلُه؟ قالت: لا والله. ما يدخل إليّ خبر من غير جهتك. قال: فمن أين عرفت ذلك؟ قالت: يعفيني أمير المؤمنين من هذا. قال: لا بد من ذكر ذلك. قالت: كان أمير المؤمنين طول حياة أبي يُبدي لي برّاً وتلطفاً، فأعلم باتصال ذلك رعية لمكان أبي. فلما رأيتك اليوم قد عاملتني بفتور ولم أعلم لي ذنباً أستوجب به ذلك، خطر بخاطري أن أبي مات. فاستحيا المعتضد واعتذر. ثم قال لها: فما بالك لا يظهر عليك أثر الحزن عليه؟ قالت: فرحي بك يغلب على حزني عليه، والرضا بحياتك يقهر السخط بموته. فقبّل رأسها وحلف لها أنه يرعاها في موت أبيها أكثر من رعيه لها في حياته. من كتاب "المُغْرِب في حُلى المغرب" لابن سعيد الأندلسي. |
قطـِّعوا الورقــة
كان ابن العلقمي وزير المستعصم آخر الخلفاء العباسيين ببغداد. وَلي الوزارة أربع عشرة سنة، فلما ضعف جانبه وقويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة، سعى في دمار الإسلام وخراب بغداد، وأخذ يكاتب التتار، إلى أن جرّ هولاكو وجرّأه على أخذ بغداد، وقرّر مع هولاكو أموراً انعكست عليه، وندم حيث لا ينفعه الندم، وكان كثيراً ما يقول عند ذلك: وجرى القضاءُ بعكس ما أَمـَّلـْتـُه. لأنه عومل بأنواع الهوان من أراذل التتار. حـُكي أنه كان في الديوان جالسـاً فدخله بعض التتار ممن لا وجاهة له، راكبـاً فرسه، فساق إلى أن وقف بفرسه على بساط الوزير، وخاطبه بما أراد، وبال الفرس على البساط، وأصاب الرشاش ثياب الوزير وهو صابر لهذا الهوان يتظاهر بقوة النفس وبأنه بلغ مراده.. ولم تطل مدته حتى مات غمـّا. ويحكى أنه لما كان يكاتب التتار، تحيـّل مرّة إلى أن أخذ رجلاً وحلق رأسه حلقـاً بليغـاً، وكتب ما أراد عليه بوخز الإبر كما يـُفعل بالوشم، ونفض عليه الكحل، وتركه عنده إلى أن طلع شعره وغطى ما كتب، فجهـّزه وقال له: إذا وصلت مـُرْهم بحلق رأسك ودعهم يقرءون ما فيه. وكان في آخر الكلام: "قطـّعوا الورقة". فضرب التتار عنقه. من كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي |
قميص القاضي وقميص الوزير
كان الوزير علي بن عيسى متزمّتًا متخشـِّـنًا. وكان يحب أن يَبِينَ فضلُه في هذا على كل أحد. دخل إليه يومًا أبو عمر القاضي، وعَلَى أبي عمر قميص فاخر. فأراد الوزيرُ أن يُخْجله، فقال له: يا أبا عمر، بكم اشتريتَ هذا القميص؟ فقال: بمائتي دينار. فقال الوزير: ولكني اشْتُرِيَت لي هذه الدّراعة وهذا القميص الذي تحتها بعشرين دينارًا. فقال له أبو عمر مسرعًا كأنه قد أعدّ له الجواب: الوزير أعزّه اللّه يُجَمِّل الثياب، ولا يحتاج إلى المبالغة فيها، والكل يعلم أنه يدع هذا عن قدرة. ونحن نتجمّل بالثياب فنحتاج إلى المبالغة فيها، لأنّا نلابس العوام ومن نحتاج إلى التفخيم عليه، وإقامة الهيبة في نفسه بها. فكأنما ألْقَم الوزير حجرًا، فسكت عنه. من كتاب "نشوار المحاضرة" للتنوخي. |
الساعة الآن 10:50 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |