منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   عجائب القصص اخرجها لكم من تراجم الصحابة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22535)

ابو رضوان 21 - 2 - 2012 09:46 PM

عجائب القصص اخرجها لكم من تراجم الصحابة ( متجدد )
 
عجائب القصص اخرجها لكم من تراجم الصحابة

خبر عجيب في الكهانة

لهيب بن مالك اللهبي

لُهَيب: بالتصغير، ابن مالك، اللهبي. قاله ابْنُ مَنْدَه.
وحكى فيه أبو عمر لهب مكبَّرًا، وبه جزم الرشاطي.
قال ابْنُ مَنْدَه: له خبر رواه عبد الله بن محمد العدوي بإسنادٍ لا يثبت.

وقال أَبُو عُمَرَ: روى خبرًا عجيبًا في الكهانة وأعلام النبوة، وأورد العقيلي حديثَه؛ قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد البلوي، أخبرني عمارة بن زيد، حدثني عبد الله بن العلاء عن أبي الشعشاع زنباع بن الشعشاع. حدثني أبي عن لُهيب بن مالك اللهبي؛ قال: حضرتُ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرتُ عنده الكهانة؛ قال: فقلت له: بأبي أنت وأمي؛ ونحن أول مَنْ عرف حراسة السماء وخبَر الشياطين، ومنعهم استراق السمع عند قَذْف النجوم؛ وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك، وكان شيخًا كبيرًا قد أتَتْ عليه مائتا سنة وثمانون سنة، وكان مِنْ أعلم كهاننا فقلْنا له: يا خطر، هل عندك علمٌ من هذه النجوم التي يرمى بها، فإنا قد فزعنا وخِفنا سوءَ عاقبتنا؟ فقال:
عُودُوا إِلَى السَّحَرْ ائْتُونِي بِسَحَرْ
أُخْبِركُم الخَبَرْ ألخَيْرٍ أَمْ ضَرَرْ
أَمْ لأمْنٍ أَم حَذَرْ

قال فأتيناه في وَجْه السحر، فإذا هو قائم شاخص نحو السماء، فناديناه: يا خطر، يا خطر، فأومأ إلينا أنْ أمسكوا. فانقضَّ نجم عظيم من السماء، فصرخ الكاهن رافعًا صوته:
أَصَابَهُ أَصَابَهُ
خَامَرَه عِقَابُهُ
عَاجَلَهُ عَذَابُهُ
أحْرَقَهُ شِهَابُهُ
زَايَلَهُ جَوَابُهُ
الأبيات.
وذكر بقية رَجزه وسجعه، ومن جملته:

أَقْسَمْتُ بِالْكَعْبَةِ وَالأرْكَانِ
قَدْ مُنِعَ السَّمْعَ عُتَاةُ الجَانِ
بِثَاقِبٍ بِكَفِّ ذِي سُلْطَانِ
مِنْ أَجْلِ مَبْعُوثٍ عَظِيمِ الشَّانِ
يُبْعثُ بالتَّنْزِيلِ وَالفُرْقَانِ
وفيه قال: فقلنا له: وَيْحك يا خطر، إنك لتذكر أمرًا عظيمًا، فماذا ترى لقومك؟ قال:
أَرَى لِقَوْمِي مَا أَرَى لِنَفْسِي
أَنْ يَتْبَعُوا خَيْرَ بَنِي الإِنْسِ
شِهَابُهُ مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ

فذكر القصة؛ وفي آخرها فما أفاق خطر إلا بعد ثلاثة وهو يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَقَدْ نَطَقَ عَنْ مِثْلِ نُبُوَّة، وَإِنَّهُ لَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمةً وَحْدَهُ".

وأخرجه أَبُو سَعْدٍ في "شرف المصطفى" مِنْ هذا الوجه، قال أبو عمر: إسناده ضعيف، لو كان فيه حكم لما ذكرته؛ لأنّ رواته مجهولون، وعمارة بن زيد اتهموه بوَضْع الحديث، ولكنه في علم من أعلام النبوة، والأصول لا تدفعه، بل تشهد له وتصحّحه.

قلت: يستفاد من هذا أنه تجوزُ رواية الحديث الموضوع، إن كان بهذين الشرطين: ألا يكون فيه حكم، وأن تشهد له الأصول؛ وهو خلافُ ما نقلوه من الاتفاق على عدم جَوَاز ذلك، ويمكن أن يقال: ذكر هذا الشرط من جملة البيان
الاصابة في تمييز الصحابة جـ5/ص 510

***
لهيب بن مالك اللهبي
ويقال لهب. روى خبراً عجيباً في الكهانة وأعلام النبوة رأيت أن أذكره لما فيه من ذلك قال لهيب: حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده الكهانة فقلت: بأبي وأمي نحن أول من عرف حراسة السماء، وزجر الشياطين، ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك، وكان شيخاً كبيراً قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة وكان من أعلم كهاننا فقلنا: يا خطر: هل عندكم من علم هذه النجوم التي يرمى بها، فإنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها، فقال:
عودوا إلى السحر ... إيتوني بسحر
أخبركم الخبر ... ألخيرٍ أم ضرر
أو لأمنٍ أو حذر
قال: فانصرفنا يومنا، فلما كان في غد في وجه السحر أتيناه فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينه فناديناه يا خطر فأومى إلينا أن أمسكوا فأمسكنا فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعاً صوته:
أصابه أصابه ... خامره عقابه
عاجله عذابه ... أحرقه شهابه
زايله جوابه
يا ويله ... ما حاله
عاوده خباله ... فقطعت حباله
وغيرت أحواله
ثم أمسك طويلاً وهو يقول:
يا معشر بني قحطان ... أخبركم بالحق والبيان
أقسمت بالكعبة والأركان ... والبلد المؤمن السدان
قد منع السمع عتاة الجان ... بثاقب بكف ذي سلطان
من أجل مبعوث عظيم الشان ... يبعث بالتنزيل والقرآن
وبالهدى وفاصل الفرقان ... تبطل به عبادة الأوثان
قال: فقلت: ويحك يا خطر إنك لتذكر أمراً عظيماً فماذا ترى لقومك؟ فقال:
أرى لقومي ما أرى لنفسي ... إن تتبعوا خير نبي الإنس
برهانه مثل شعاع الشمس ... يبعث في مكة دار الحمس
بمحكم التنزيل غير اللبس
فقلنا له: يا خطر وممن هو؟

فقال: والحياة والعيش، إنه لمن قريش ما في حلمه طيش ولا في خلقه طيش يكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل أيش.
فقلنا: بين لنا من أي قريش هو؟ فقال: والبيت ذي الدعائم. والركن والأحائم. إنه لمن نجل هاشم. من معشر أكارم. يبعث بالملاحم. وقتل كل ظالم.
ثم قال: هذا هو البيان. أخبرني به رئيس الجان.
ثم قال: الله أكبر. جاء الحق وظهر. وانقطع عن الجن الخبر.
ثم سكت وأغمي عليه فما أفاق إلا بعد ثلاثة فقال: لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله، لقد نطق على مثل نبوة، وإنه ليبعث يوم القيامة أمةً وحده " .
وذكر هذا الخبر أبو جعفر العقيلي في كتاب الصحابة له، فقال: أخبرنا عبد الله ابن أحمد البلوي المدني قال: أخبرني عمارة بن يزيد قال: حدثني عبيد الله بن العلاء، عن أبي الشعشاع زنباع بن الشعشاع، قال: حدثني أبي عن لهيب بن مالك الليثي، قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت عنده الكهانة. وساق الحديث إلى آخره.
قال أبو عمر: إسناد هذا الحديث ضعيف ولو كان فيه حكم لم أذكره لأن رواته مجهولون وعمارة بن زيد متهم بوضع الحديث، ولكنه في معنى حسن من أعلام النبوة والأصول في مثله لا تدفعه بل تصححه وتشهد له، والحمد لله.


الكتاب : الإستيعاب في معرفة الأصحاب
المؤلف : ابن عبد البر




***
لهيب بن مالك اللهبي

((لُهَيب: بالتصغير، ابن مالك، اللهبي. قاله ابْنُ مَنْدَه. وحكى فيه أبو عمر لهب مكبَّرًا، وبه جزم الرشاطي.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((لُهَيْب بن مَالِك اللَّهَيَبيّ)) أسد الغابة.
((قال ابْنُ مَنْدَه: له خبر رواه عبد الله بن محمد العدوي بإسنادٍ لا يثبت. وقال أَبُو عُمَرَ: روى خبرًا عجيبًا في الكهانة وأعلام النبوة، وأورد العقيلي حديثَه؛ قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد البلوي، أخبرني عمارة بن زيد، حدثني عبد الله بن العلاء عن أبي الشعشاع زنباع بن الشعشاع. حدثني أبي عن لُهيب بن مالك اللهبي؛ قال: حضرتُ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرتُ عنده الكهانة؛ قال: فقلت له: بأبي أنت وأمي؛ ونحن أول مَنْ عرف حراسة السماء وخبَر الشياطين، ومنعهم استراق السمع عند قَذْف النجوم؛ وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك، وكان شيخًا كبيرًا قد أتَتْ عليه مائتا سنة وثمانون سنة، وكان مِنْ أعلم كهاننا فقلْنا له: يا خطر، هل عندك علمٌ من هذه النجوم التي يرمى بها، فإنا قد فزعنا وخِفنا سوءَ عاقبتنا؟ فقال:
عُودُوا إِلَى السَّحَرْ ائْتُونِي بِسَحَرْ
أُخْبِركُم الخَبَرْ ألخَيْرٍ أَمْ ضَرَرْ
أَمْ لأمْنٍ أَم حَذَرْ

قال فأتيناه في وَجْه السحر، فإذا هو قائم شاخص نحو السماء، فناديناه: يا خطر، يا خطر، فأومأ إلينا أنْ أمسكوا.
فانقضَّ نجم عظيم من السماء، فصرخ الكاهن رافعًا صوته:

أَصَابَهُ أَصَابَهُ
خَامَرَه عِقَابُهُ
عَاجَلَهُ عَذَابُهُ
أحْرَقَهُ شِهَابُهُ
زَايَلَهُ جَوَابُهُ

الأبيات.
وذكر بقية رَجزه وسجعه، ومن جملته:

أَقْسَمْتُ بِالْكَعْبَةِ وَالأرْكَانِ
قَدْ مُنِعَ السَّمْعَ عُتَاةُ الجَانِ
بِثَاقِبٍ بِكَفِّ ذِي سُلْطَانِ
مِنْ أَجْلِ مَبْعُوثٍ عَظِيمِ الشَّانِ
يُبْعثُ بالتَّنْزِيلِ وَالفُرْقَانِ
وفيه قال: فقلنا له: وَيْحك يا خطر، إنك لتذكر أمرًا عظيمًا، فماذا ترى لقومك؟ قال:

أَرَى لِقَوْمِي مَا أَرَى لِنَفْسِي
أَنْ يَتْبَعُوا خَيْرَ بَنِي الإِنْسِ
شِهَابُهُ مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ
فذكر القصة؛ وفي آخرها فما أفاق خطر إلا بعد ثلاثة وهو يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَقَدْ نَطَقَ عَنْ مِثْلِ نُبُوَّة، وَإِنَّهُ لَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمةً وَحْدَهُ".(*) وأخرجه أَبُو سَعْدٍ في "شرف المصطفى" مِنْ هذا الوجه، قال أبو عمر: إسناده ضعيف، لو كان فيه حكم لما ذكرته؛ لأنّ رواته مجهولون، وعمارة بن زيد اتهموه بوَضْع الحديث، ولكنه في علم من أعلام النبوة، والأصول لا تدفعه، بل تشهد له وتصحّحه. قلت: يستفاد من هذا أنه تجوزُ رواية الحديث الموضوع، إن كان بهذين الشرطين: ألا يكون فيه حكم، وأن تشهد له الأصول؛ وهو خلافُ ما نقلوه من الاتفاق على عدم جَوَاز ذلك، ويمكن أن يقال: ذكر هذا الشرط من جملة البيان)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((روى خبرًا عجيبًا في الكهانة وأعلام النّبوة، رأيت أن أذكره لما فيه من ذلك، قال لهيب:‏ حضرْتُ عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فذكرت عنده الكهانة، فقلت:‏ بأبي وأمي! نحن أوّل من عرف حراسة السّماء، وزجر الشيّاطين، ومنعهم من استراق السّمع عند قذف النّجوم، وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك، وكان شيخًا كبيرًا قد أتتْ عليه مائتا سنة وثمانون سنة، وكان من أعلم كهاننا،
فقلنا:‏ يا خطر‏:‏ هل عندكم من علم هذه النّجُوم التي يُرمى بها، فإنا قد فزعنا لها وخِفْنا سوء عاقبتها، فقال:
عُودُوا إِلَي السِّحَرْ إِيتُونِي
بِسَحَرْ
أُخْبِرْكُمْ الخَبَرْ أَلِخْيَرٍ أَمْ ضَرَرْ
أَوْ لأَمْنٍ أَوْ حَذَرْ
قال:‏ فانصرفنا يومنا، فلما كان في غَدٍ في وجه السحر أتيناه، فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السّماء بعينه، فناديناه يا خطر، فأوْمَأ إلينا أن أمسكوا، فأمسكنا فانقضَّ نجم عظيم من السّماء، وصرخ الكاهن رافعًا صوته‏:

أَصَابَهُ أَصَابَهُ خَامَرَهُ عِقَابُهُ
عَاجَلَهُ عَذَابُهُ أَحْرَقَهُ شِهَابُهُ
زَايَلَهُ جَوَابَهُ يَا وَيْلَهُ مَا حَالُهُ
عَاوَدَهُ خبَالُهُ فَقُطِّعَتْ حِبَالُهُ
وَغُيِّرَتْ أَحْوَالُهُ
ثم أمسك طويلًا، وهو يقول: ‏
يَا مَعْشَرَ بَنِي قْحْطَانِ
أُخْبِرُكُمْ بِالحَقِّ وَالبَيَانِ
أَقْسَمْتُ بِالكَعْبَةِ وَالأَرْكَانِ
وَالبَلَدِ المُؤمّنِ الـسّدَانِ
قَدْ مُنِعَ السَّمْعَ عُتَاةُ الجَانِ
بِثَاقِبٍ بِكَفِّ ذِي سُلْطَانِ
مِنْ أَجْلِ مَبْعُوثٍ عَظِيمِ الشَّانِ
يُبْعَثُ بالتَّنْزِيلِ وَالقُرْآنِ

وَبِالهُدَي وَفَاصِلِ الفُرْقَانِ تُبْطَلُ بِهْ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ
قال:‏ فقلت‏:‏ ويحك يا خطر، إنك لتذكُر أمرًا عظيمًا، فماذا ترى لقومك؟ فقال:
أَرَى لِقَومِي مَا أَرَى لِنَفْسِي إِنْ تَتْبَعُوا خَيْرَ نَبِيِّ الإِنْسِ

بُرْهَانُهُ مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ يُبْعَثُ فِي مَكَّةَ دَارِ الحُمْسِِ
بِمُحْكََمِ التَّنْزِيلِ غَيْرِ اللّبْسِ
فقلنا له‏:‏ يا خطر، وممن هو؟ فقال:‏ والحياة والعيش، إنه لمن قريش، ما في حلمه طيش، ولا في خلقه طيش، يكون في جيش، وأي جيش، من آل قحطان وآل أيش‏.‏ فقلنا:‏ بَيّن لنا من أي قريش هو؟ فقال:‏ والبيت ذي الدعائم.‏ والركن والأحائم.‏ إنه لمن نجل هاشم. من مَعْشَرٍ أكارم‏.‏ يبعث بالملاحم‏.‏ وقتل كلّ ظالم.
ثم قال:‏ هذا هو البيان.‏ أخبرني به رئيس الجان. ثم قال:‏ الله أكبر.‏ جاء الحق وظهر.‏ وانقطع عن الجن الخبر. ثم سكت وأغمي عليه، فما أفاق إلا بعد ثلاثة، فقال‏:‏ لا إله إلا الله! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏سُبْحَانَ اللَّهُ، لَقَدْ نَطَق عَلَى مِثْلِ نُبُوَّةٍ، وَإِنَّهُ لَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أمّةً وَحْدَهُ‏"‏‏.
وذكر هذا الخبر أبو جعفر العقيلي في كتاب الصّحابة له، فقال:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد البلويّ المدنيّ، قال‏:‏ أخبرني عمارة بن يزيد، قال:‏ حدّثني عبيد الله بن العلاء، عن أبي الشّعشاع زنباع بن الشّعشاع، قال:‏ حدّثني أبيّ، عن لهُيَب بن مالك الليّثي، قال:‏ حضرْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فذكرت عنده الكهانة... وساق الحديث إلى آخره.))

الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
أسد الغابة

الاصابة في تمييز الصحابة جـ5/ص 510

ابو رضوان 21 - 2 - 2012 09:47 PM

مع سعيد بن العاص
ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي ، والد عمرو بن سعيد الأشدق ، ووالد يحيى ، القرشي الأموي المدني الأمير . قتل أبوه يوم بدر مشركا ، وخلف سعيدا طفلا .
قال أبو حاتم : له صحبة .

قلت : لم يرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وروى عن عمر ; وعائشة ، وهو مقل .
حدث عنه : ابناه ، وعروة ، وسالم بن عبد الله .
وكان أميرا ، شريفا ، جوادا ، ممدحا ، حليما ، وقورا ، ذا حزم وعقل ، يصلح للخلافة .

ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية . وقد ولي إمرة الكوفة لعثمان بن عفان . وقد اعتزل الفتنة ، فأحسن ، ولم يقاتل مع معاوية . ولما صفا الأمر لمعاوية ، وفد سعيد إليه ، فاحترمه ، وأجازه بمال جزيل .

ولما كان على الكوفة ، غزا طبرستان ، فافتتحها ، وفيه يقول الفرزدق : تـرى الغـر الجحـاجح مـن قريش

إذا مــا الأمـر ذو الـحدثـان عالا قيامــا ينظــرون إلــى سـعيد

كـــأنهم يـــرون بـــه هلالا

قال ابن سعد : توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولسعيد تسع سنين أو نحوها . ولم يزل في صحابة عثمان لقرابته منه ، فولاه الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عقبة ، فقدمها وهو شاب مترف ، فأضر بأهلها ، فوليها خمس سنين إلا أشهرا . ثم قام عليه أهلها ، وطردوه ، وأمروا عليهم أبا موسى ، فأبى ، وجدد البيعة في أعناقهم لعثمان ، فولاه عثمان عليهم .

وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع المقاتلة عن عثمان . ولما سار طلحة والزبير ، فنزلوا بمر الظهران ، قام سعيد خطيبا ، وقال : أما بعد : فإن عثمان عاش حميدا ، وذهب فقيدا شهيدا ، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه ، فإن كنتم تريدون ذا ، فإن قتلته على هذه المطي ، فميلوا عليهم . فقال مروان : لا بل نضرب بعضهم ببعض . فقال المغيرة : الرأي ما رأى سعيد . ومضى إلى الطائف ، وانعزل سعيد بمن اتبعه بمكة ، حتى مضت الجمل وصفين .

قال قبيصة بن جابر : سألوا معاوية ; من ترى للأمر بعدك ؟ قال : أما كريمة قريش فسعيد بن العاص ، وذكر جماعة .

ابن سعد : حدثنا علي بن محمد ، عن يزيد بن عياض ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، قال : خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر ، وبعث إليها بمائة ألف ، فدخل عليها أخوها الحسين ، وقال : لا تزوجيه . فقال الحسن : أنا أزوجه . واتعدوا لذلك ، فحضروا ، فقال سعيد : وأين أبو عبد الله ؟ فقال الحسن : سأكفيك . قال : فلعل أبا عبد الله كره هذا . قال : نعم . قال : لا أدخل في شيء يكرهه . ورجع ، ولم يأخذ من المال شيئا .

قال سعيد بن عبد العزيز الدمشقي : إن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص ، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعن الواقدي : أن سعيدا أصيب بمأمومة يوم الدار ، فكان إذا سمع الرعد ، غشي عليه .

وقال هشيم : قدم الزبير الكوفة ، وعليها سعيد بن العاص ، فبعث إلى الزبير بسبع مائة ألف ، فقبلها .

وقال صالح بن كيسان : كان سعيد بن العاص يخف بعض الخفة من المأمومة التي أصابته ، وهو على ذلك من أوفر الرجال وأحلمه .

ابن عون : عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان يسب عليا رضي الله عنه في الجمع . فعزل بسعيد بن العاص ، فكان لا يسبه .

قال ابن عيينة : كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء ، قال : اكتب علي سجلا بمسألتك إلى الميسرة .

وذكر عبد الأعلى بن حماد : أن سعيد بن العاص استسقى من بيت ، فسقوه ، واتفق أن صاحب المنزل أراد بيعه لدين عليه ، فأدى عنه أربعة آلاف دينار . وقيل : إنه أطعم الناس في قحط حتى نفد ما في بيت المال ، وادان ، فعزله معاوية .

وقيل : مات وعليه ثمانون ألف دينار .

وعن سعيد ، قال : القلوب تتغير ، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم ذاما غدا .

قال الزبير بن بكار : توفي سعيد بن العاص بقصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة ، وحمل إلى البقيع في سنة تسع وخمسين . كذا أرخه خليفة وغيره .

وقال مسدد : مات مع أبي هريرة سنة سبع أو ثمان وخمسين وقال أبو معشر : سنة ثمان .

وقيل : إن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق سار بعد موت أبيه إلى معاوية ، فباعه منزله وبستانه الذي بالعرصة بثلاث مائة ألف درهم . ويقال : بألف ألف درهم . قاله الزبير . وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة : القصر ذو النخل والجمار فوقهما

أشهى إلى النفس من أبواب جيرون

وقد كان سعيد بن العاص أحد من ندبه عثمان لكتابة المصحف لفصاحته ، وشبه لهجته بلهجة الرسول -صلى الله عليه وسلم .


***


سعيد بن العاص( 2 ـ 59 هـ)


هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، كنيته أبو عبد الرحمن، مات أبوه يوم بدر مشركاً، صحابي صغير مات النبي صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين أو نحوها.


كان أحد أشراف قريش وأجوادها وفصحائها الممدّحين، له ذكر في كتب الحديث، روى الحديث عن عمر بن الخطاب وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وروى عنه الحديث بنوه عبد الرحمن وعثمان والأشدق، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله وغيرهم، عرض عليه القرآن الكريم في خلافة عثمان بن عفان حين جمع القرآن لأن قرائته كانت أشبه بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ولي الكوفة في عهد عثمان بن عفان ما يقارب من خمس سنين ، وغزا طبرستان فافتتحها، ولما وقعت فتنة الخلافة بين علي بن أبي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان اعتزل الفتنة، وأقام بمكة، وكان معاوية يقدمه من بين رجالات قريش، وولاه المدينة المنورة سنة 42 هـ لأكثر من مرة مناوبة مع مروان بن الحكم.


من مآثره أنه كف عن سب علي على المنابر، وكان يقول: "" لجليسي عليّ ثلاث خصال: إذا دنا رحبت به وإذا جلس أوسعت له وإذا حدث أقبلت عليه ""، ومن كرمه أنه استسقى ذات يوم من دار من دور المدينة فسقوه، ثم إن صاحب الدار عرضها للبيع بأربعة آلاف دينار كانت عليه، فقال سعيد إن له علينا ذماماً وأداها عنه، وقد أطعم الناس في سنة مجدبة حتى أنفق ما في بيت المال وأدان، فعزله معاوية لذلك.


مات سعيد في قصره بالعرصة على بعد ثلاثة أميال من المدينة ودفن في البقيع بناء على وصيته سنة 59هـ.


***
"قال رجل لسعيد بن العاص – وهو أمير الكوفة – يدي عندك بيضاء.
قال: وما هي؟
قال: كبت بك فرسك؛ فتقدمتُ إليك غلمانَك؛ فرفعت بضبعك، وهززتك مرارًا، ثم سقيتك ماءً، ثم أخذت بركابك حتى ركبت.
قال: فأين كنت ؟
قال: حجبت عنك .
قال: فقد أمرنا لك بمئتي ألف درهم، وبما يملكه الحاجب، تأديبًا له أن يجب مثلك، وهذه وسيلته".2)
2 ) ربيع الأبرار: 4/323. البصائر: 9/193

***

المروءة


- لما حضرتْ سعيدَ بن العاص الوفاةُ قال: يا بَنِيَّ، لا تفقدوا إخواني مني عندكم عين وجهي، أَجْرُوا عليهم ما كنتُ أُجْرِي، واصنعوا بهم ما كنت أصنع، ولا تُلْجِئُوهم للطلب؛ فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه، وارتعدت فرائصه، وَكَلَّ لسانه، وبدا الكلام في وجهه، اكفوهم مئونة الطلب بالعطية قبل المسألة؛ فإني لا أجد لوجه الرجل يأتي يتقلقل على فراشه ذاكرًا موضعًا لحاجته فعدا بها عليكم لا أرى قضى حاجته عوضًا من بذل وجهه، فبادروهم بقضاء حوائجهم قبل أن يسبقوكم إليها بالمسألة[1].


[1] ابن أبي الدنيا: الإخوان ص223.


****

سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، قتل أبوه يوم بدر كافرا، قتله علي بن أبي طالب، ونشأ سعيد في حجر عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وكان عمر سعيد يوم مات رسول الله تسع سنين، وكان من سادات المسلمين والأجواد المشهورين.
وكان جده سعيد بن العاص - ويكنى: بأبي أجنحة - رئيسا في قريش، يقال له: ذو التاج، لأنه كان إذا أعتم لا يعتم أحد يومئذٍ إعظاما له.
وكان سعيد هذا من عمال عمر على السواد، وجعله عثمان فيمن يكتب المصاحف لفصاحته، وكان أشبه الناس لحية برسول الله ، وكان في جملة الاثني عشر رجلا، الذين يستخرجون القرآن ويعلمونه ويكتبونه، منهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت.
واستنابه عثمان على الكوفة بعد عزله الوليد بن عقبة، فافتتح طبرستان وجرجان، ونقض العهد أهل أذربيجان فغزاهم ففتحها.
فلما مات عثمان اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفين، فلما استقر الأمر لمعاوية وفد إليه فعتب عليه فاعتذر إليه فعذره في كلام طويل جدا، وولاّه المدينة مرتين، وعزله عنها مرتين بمروان بن الحكم.
وكان سعيد هذا لا يسبُّ عليا، ومروان يسبّه.
وروى عن النبي ، وعن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعائشة، وعنه ابناه عمرو بن سعيد الأشدق، وأبو سعيد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير وغيرهم، وليس له في المسند ولا في الكتب الستة شيء.
وقد كان حسن السيرة، جيد السريرة، وكان كثيرا ما يجمع أصحابه في كل جمعة فيطعمهم ويكسوهم الحلل، ويرسل إلى بيوتهم بالهدايا والتحف والبر الكثير، وكان يصر الصرر فيضعها بين يدي المصلين من ذوي الحاجات في المسجد.
قال ابن عساكر: وقد كانت له دار بدمشق تعرف بعده بدار نعيم، وحمام نعيم، بنواحي الديماس، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات، وكان كريما جوادا ممدحا.
ثم أورد شيئا من حديثه من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو سعيد الجعفي، ثنا عبد الله بن الأجلح، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن سعيد بن العاص قال: إن رسول الله قال: «خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية».
وفي طريق الزبير بن بكار: حدثني رجل، عن عبد العزيز بن أبان، حدثني خالد بن سعيد، عن أبيه، عن ابن عمر قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ببرد.
فقالت: إني نذرت أن أعطي هذا الثوب أكرم العرب.
فقال: «أعطه هذا الغلام» يعني - سعيد بن العاص - وهو واقف، فلذلك سميت الثياب السعيدية.
وأنشد الفرزدق قوله فيه:
ترى الغُرَّ الجحاجح من قريشٍ * إذا ما الخطب في الحدثان عالا
قياما ينظرون إلى سعيد * كأنهم يرون به هلالا
وذكر أن عثمان عزل عن الكوفة المغيرة وولاها سعيد بن أبي وقاص، ثم عزله وولاها الوليد بن عتبة، ثم عزله وولى سعيد بن العاص، فأقام بها حينا، ولم تحمد سيرته فيهم ولم يحبوه.
ثم ركب مالك بن الحارث - وهو الأشتر النخعي - في جماعة إلى عثمان وسألوه أن يعزل عنهم سعيدا فلم يعزله، وكان عنده بالمدينة فبعثه إليهم، وسبق الأشتر إلى الكوفة فخطب الناس وحثهم على منعه من الدخول إليهم، وركب الأشتر في جيش يمنعوه من الدخول.
قيل: تلقوه إلى العذيب، - وقد نزل سعيد بالرعثة - فمنعوه من الدخول إليهم، ولم يزالوا به حتى ردّوه إلى عثمان، وولى الأشتر أبا موسى الأشعري على الصلاة والثغر وحذيفة بن اليمان على الفيء.
فأجاز ذلك أهل الكوفة وبعثوا إلى عثمان في ذلك فأمضاه وسره ذلك فيما أظهره، ولكن هذا كان أول وهن دخل على عثمان.
وأقام سعيد بن العاص بالمدينة حتى كان زمن حصر عثمان فكان عنده بالدار.
ثم لما ركب طلحة والزبير مع عائشة من مكة يريدون قتلة عثمان ركب معهم، ثم انفرد عنهم هو والمغيرة بن شعبة وغيرهما، فأقام بالطائف حتى انقضت تلك الحروب كلها.
ثم ولاه معاوية إمرة المدينة سنة تسع وأربعين، وعزل مروان فأقام سبعا ثم رد مروان.
وقال عبد الملك بن عمير: عن قبيضة بن جابر قال: بعثني زياد في شغل إلى معاوية، فلما فرغت من أموري قلت: يا أمير المؤمنين لمن يكون الأمر من بعدك؟
فسكت ساعة ثم قال: يكون بين جماعة، إما كريم قريش سعيد بن العاص، وإما فتى قريش حياء ودهاء وسخاء، عبد الله بن عامر، وإما الحسن بن علي فرجل سيد كريم.
وإما القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله مروان بن الحكم، وإما رجل فقيه عبد الله بن عمر، وإما رجل يتردد الشريعة مع دواهي السباع ويروغ روغان الثعلب فعبد الله بن الزبير.
وروينا أنه استسقى يوما في بعض طرق المدينة، فأخرج له رجل من دار ماء فشرب، ثم بعد حين رأى ذلك يعرض داره للبيع فسأل عنه لِمَ يبيع داره؟
فقالوا: عليه دين أربعة آلاف دينار، فبعث إلى غريمه فقال: هي لك عليّ، وأرسل إلى صاحب الدار فقال: استمتع بدارك.
وكان رجل من القراء الذين يجالسونه قد افتقر وأصابته فاقة شديدة.
فقالت له امرأته: إن أميرنا هذا يوصف بالكرم، فلو ذكرت له حالك فلعله يسمح لك بشيء.
فقال: ويحك! لا تحلقي وجهي، فألحت عليه في ذلك، فجاء فجلس إليه، فلما انصرف الناس عنه مكث الرجل جالسا في مكانه.
فقال له سعيد: أظن جلوسك لحاجة؟
فسكت الرجل، فقال سعيد لغلمانه: انصرفوا، ثم قال له سعيد: لم يبق غيري وغيرك، فسكت، فأطفأ المصباح ثم قال له: رحمك الله لست ترى وجهي فاذكر حاجتك.
فقال: أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة وحاجة فأحببت ذكرها لك فاستحييت.
فقال له: إذا أصبحت فالق وكيلي فلانا، فلما أصبح الرجل لقي الوكيل فقال له الوكيل: إن الأمير قد أمر لك بشيء فأت بمن يحمله معك.
فقال: ما عندي من يحمله.
ثم انصرف الرجل إلى امرأته فلامها وقال: حملتيني على بذل وجهي للأمير، فقد أمر لي بشيء يحتاج إلى من يحمله.
وما أراه أمر لي إلا بدقيق أو طعام، ولو كان مالا لما احتاج إلى من يحمله، ولأعطانيه.
فقالت له المرأة: فمهما أعطاك فإنه يقوتنا فخذه، فرجع الرجل إلى الوكيل، فقال له الوكيل: إني أخبرت الأمير أنه ليس لك أحد يحمله، وقد أرسل بهؤلاء الثلاثة السودان يحملونه معك، فذهب الرجل.
فلما وصل إلى منزله إذا على رأس كل واحد منهم عشرة آلاف درهم.
فقال للغلمان: ضعوا ما معكم وانصرفوا.
فقالوا: إن الأمير قد أطلقنا لك، فإنه ما بعث مع خادم هدية إلى أحد، إلا كان الخادم الذي يحملها من جملتها.
قال: فحسن حال ذلك الرجل.
وذكر ابن عساكر: أن زياد بن أبي سفيان بعث إلى سعيد بن العاص هدايا وأموالا وكتابا ذكر فيه أنه يخطب إليه ابنته أم عثمان من آمنة بنت جرير بن عبد الله البجلي.
فلما وصلت الهدايا والأموال والكتاب قرأه، ثم فرق الهدايا في جلسائه، ثم كتب إليه كتابا لطيفا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم! قال الله تعالى: { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } [العلق: 6- 7] والسلام.
وروينا: أن سعيدا خطب أم كلثوم بنت علي من فاطمة، التي كانت تحت عمر بن الخطاب، فأجابت إلى ذلك وشاورت أخويها فكرها ذلك.
وفي رواية: إنما كره ذلك الحسين وأجاب الحسن، فهيأت دارها ونصبت سريرا وتواعدوا للكتاب، وأمرت ابنها زيد بن عمر أن يزوجها منه، فبعث إليها بمائة ألف.
وفي رواية: بمائتي ألف مهرا، واجتمع عنده أصحابه ليذهبوا معه، فقال: إني أكره أن أخرج أمي فاطمة، فترك التزويج وأطلق جميع ذلك المال لها.
وقال ابن معين، وعبد الأعلى بن حماد: سأل أعرابي سعيد بن العاص فأمر له بخمسمائة.
فقال الخادم: خمسمائة درهم أو دينار؟.
فقال: إنما أمرتك بخمسمائة درهم، وإذ قد جاش في نفسك أنها دنانير فادفع إليه خمسمائة دينار.
فلما قبضها الأعرابي جلس يبكي.
فقال له: مالك؟ ألم تقبض نوالك؟
قال: بلى والله! ولكن أبكي على الأرض كيف تأكل مثلك.
وقال عبد الحميد بن جعفر: جاء رجل في حمالة أربع ديات سأل فيها أهل المدينة، فقيل: له عليك بالحسن بن علي، أو عبد الله بن جعفر، أو سعيد بن العاص، أو عبد الله بن عباس.
فانطلق إلى المسجد فإذا سعيد داخل إليه، فقال: من هذا؟
فقيل: سعيد بن العاص فقصده فذكر له ما أقدمه فتركه حتى انصرف من المسجد إلى المنزل فقال للأعرابي: ائت بمن يحمل معك.
فقال: رحمك الله! إنما سألتك مالا لا تمرا.
فقال: أعرف، ائت بمن يحمل معك؟ فأعطاه أربعين ألفا فأخذها الأعرابي وانصرف ولم يسأل غيره.
وقال سعيد بن العاص لابنه: يا بني أجر لله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة، فأما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه في وجهه، أوجاءك مخاطرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته.
وقال سعيد: لجليسي علي ثلاث، إذا دنا رحبت به، وإذا جلس أوسعت له، وإذا حدث أقبلت عليه.
وقال أيضا: يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فتهون عليه.
وفي رواية: فيجترئ عليك.
وخطب يوما فقال: من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس به، إنما يتركه لأحد رجلين، إما مصلح فيسعد بما جمعت له وتخيب أنت، والمصلح لا يقل عليه شيء، وإما مفسد فلا يبقى له شيء.
فقال أبو معاوية: جمع أبو عثمان طرف الكلام.
وروى الأصمعي: عن حكيم بن قيس.
قال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من رفقي فيهما والتأني عندهما، مخاطبتي جاهلا أو سفيها، وعند مسألتي حاجة لنفسي.
ودخلت عليه امرأة من العابدات وهو أمير الكوفة فأكرمها وأحسن إليها، فقالت: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولا زالت المنة لك في أعناق الكرام، وإذا أزال عن كريم نعمة جعلك سببا لردها عليه.
وقد كان له عشرة من الولد ذكورا وإناثا، وكانت إحدى زوجاته أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص - أخت مروان بن الحكم - ولما حضرت سعيدا الوفاة جمع بنيه.
وقال لهم: لا يفقدن أصحابي غير وجهي، وصلوهم بما كنت أصلهم به، وأجروا عليهم ما كنت أجري عليهم، واكفوهم مؤنة الطلب، فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه، وارتعدت فرائصه مخافة أن يرد، فوالله لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعا لحاجته أعظم منة عليكم مما تعطونه.
ثم أوصاهم بوصايا كثيرة منها: أن يوفوا ما عليه من الدين والوعود، وأن لا يزوجوا أخواتهم إلا من الأكفاء، وأن يسودوا أكبرهم.
فتكفل بذلك كله ابنه عمرو بن سعيد الأشدق.
فلما دفنه بالبقيع، ثم ركب عمرو إلى معاوية فعزاه فيه واسترجع معاوية وحزن عليه قال: هل ترك من دين عليه؟
قال: نعم!
قال: وكم هو؟
قال: ثلاثمائة ألف درهم، وفي رواية: ثلاث آلاف ألف درهم.
فقال معاوية: هي عليّ!
فقال ابنه: يا أمير المؤمنين، إنه أوصاني أن لا أقضي دينه إلا من ثمن أراضيه، فاشترى منه معاوية أراضي بمبلغ الدين، وسأل منه عمرو أن يحملها إلى المدينة فحملها له، ثم شرع عمرو يقضي ما على أبيه من الدين حتى لم يبق أحد، فكان من جملة من طالبه شاب معه رقعة من أديم فيها عشرون ألفا.
فقال له عمرو: كيف استحققت هذه على أبي؟
فقال الشاب: إنه كان يوما يمشي وحده، فأحببت أن أكون معه حتى يصل إلى منزله، فقال: أبغني رقعة من أدم، فذهبت إلى الجزارين فأتيته بهذه، فكتب لي فيها هذا المبلغ، واعتذر بأنه ليس عنده اليوم شيء.
فدفع إليه عمرو ذلك المال وزاده شيئا كثيرا، ويروى أن معاوية قال لعمرو بن سعيد: من ترك مثلك لم يمت.
ثم قال: رحم الله أبا عثمان، ثم قال: قد مات من هو أكبر مني ومن هو أصغر مني، وأنشد قول الشاعر:
إذا سار من دون امرئ وإمامه * وأوحش من إخوانه فهو سائر
وكانت وفاة سعيد بن العاص في هذه السنة.
وقيل: في التي قبلها وقيل: في التي بعدها.
وقال بعضهم: كانت وفاته قبل عبد الله بن عامر بجمعة.

البداية والنهاية/الجزء الثامن/توفي في هذا العام سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف


منتصر أبوفرحة 21 - 2 - 2012 11:33 PM

هل الموضوع مستمر ؟؟
يعني هل ستقوم بسرد سير كثير من الصحابة ؟؟
وفقك الله أخي

B-happy 22 - 2 - 2012 12:25 AM

جزاك الله الخير ابو رضوان وبارك بك
ننتظر بقية الصحابة
تحياتي

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:32 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منتصر أبوفرحة (المشاركة 226945)
هل الموضوع مستمر ؟؟
يعني هل ستقوم بسرد سير كثير من الصحابة ؟؟
وفقك الله أخي


نعم متجدد ان شاء الله
شكرا لمرورك العاطر بارك الله فيك

shreeata 22 - 2 - 2012 12:33 AM

سملت الايادي اخي الكريم
وحزاك الله عنا كل خير
تحيات لك

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة b-happy (المشاركة 226955)
جزاك الله الخير ابو رضوان وبارك بك
ننتظر بقية الصحابة
تحياتي

شكرا لك اخي لمرورك العاطر ومعكم وبكم بارك الله فيكم
مستمر مع عجائب قصص الصحابة ان شاء الله

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:38 AM

اليوم انقل لكم قصص عن صاحب المقالب وصاحب الدعابة الظريفة صاحب رسول الله
انه
نعيمان بن عمرو
بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك ابن النجار
شهد بدراً.
وكان من قدماء الصحابة وكبرائهم وكانت فيه دعابة زائدة وله أخبار ظريفة في دعابته منها

خبره مع سويبط بن حرملة.

أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا روح حدثنا زمعة بن صالح، سمعت ابن شهاب يحدث عن عبد الله ابن وهب بن زمعة عن أم سلمة أن أبا بكر خرج تاجراً إلى بصرى ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة وكلاهما بدري وكان سويبط على الزاد فجاءه نعيمان فقال: أطعمني فقال: لا حتى يجيء أبو بكر وكان نعيمان رجلاً مضحاكاً مزاحاً فقال: لأغيظنك فذهب إلى ناس جلبوا ظهراً فقال: ابتاعوا مني غلاماً عربياً فارهاً وهو ذو لسان ولعله يقول: أنا حر فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لا تفسدوا علي غلامي.
فقالوا: بل نبتاعه منك بعشرة قلائص فأقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلها ثم قال: دونكم هو هذا فجاء القوم فقالوا: قد اشتريناك فقال سويبط: هو كاذب أنا رجل حر قالوا: قد أخبرنا خبرك فطرحوا الحبل في رقبته فذهبوا به وجاء أبو بكر فأخبر فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك حولاً.

وروى عنها قالت: خرج أبو بكر الصديق قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعام في تجارة إلى بصرى، ومعه نعيمان بن عمرو الأنصاري وسليط بن حرملة، وهما ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
. وكان سليط بن حرملة على الزاد وكان نعيمان بن عمرو مزاحاً فقال لسليط: أطعمني فقال: لا أطعمك حتى يأتي أبو بكر فقال نعيمان: أنه سليط لأغيظنك فمروا بقوم فقال نعيمان لهم: تشترون مني عبداً، قالوا: نعم قال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم لست بعبد وأنا ابن عمه فإن كان إذا قال لكم هذا تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدوا علي عبدي قالوا: لا بل نشتريه ولا ننظر إلى قوله فاشتروه منه بعشر قلائص ثم جاءوا ليأخذوه فامتنع منهم فوضعوا في عنقه عمامة فقال لهم: إنه يتهزأ ولست بعبده فقالوا: قد أخبرنا خبرك ولم يسمعوا كلامه فجاء أبو بكر فأخبر خبره فاتبع القوم فأخبرهم أنه يمزح ورد عليهم القلائص وأخذ سليطاً منهم. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فضحك من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً. قال الزبير: وأكثر.
قال أبو عمر: هكذا في خبر الزبير هذا سليط بن حرملة وهذا خطأ إنما هو سويبط بن حرملة من بني عبد الدار بدري ثم قال بعد: سليط بن عمرو فأخطأ أيضاً.

ذبح ناقة الاعرابي

وبالإسناد عن الزبير قال: حدثني مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب عن ربيعة بن عثمان قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه فقال: بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنعيمان بن عمرو الأنصاري وكان يقال له: النعيمان لو نحرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمنها
قال: فنحرها النعيمان ثم خرج الأعرابي فرأى راحلته فصاح واعقراه يا محمد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من فعل هذا " ؟. قالوا: النعيمان. فاتبعه يسأل عنه فوجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد والسعف فأشار إليه رجل ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول الله وأشار بإصبعه حيث هو فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تغير وجهه بالسعف الذي سقط عليه فقال له: ما حملك على ما صنعت قال: الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن وجهه ويضحك. قال " ثم غرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اعمى يبول في المسجد
وضربه ل...؟!!

قال الزبير: وحدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي عبد الله بن مصعب قال: كان مخرمة بن نوفل بن أهيب الزهري شيخاً كبيراً بالمدينة أعمى وكان قد بلغ مائة وخمس عشرة سنة فقام يوماً في المسجد يريد أن يبول فصاح به الناس فأتاه نعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد النجاري فتنحى به ناحية من المسجد ثم قال: اجلس ها هنا فأجلسه يبول وتركه فبال وصاح به الناس فلما فرغ قال: من جاء بي؟ ويحكم في هذا الموضع قالوا له: النعيمان بن عمرو. قال: فعل الله به وفعل أما إن لله علي إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت فمكث ما شاء الله حتى نسي ذلك مخرمة

. ثم أتاه يوماً وعثمان قائم يصلي في ناحية المسجد وكان عثمان إذا صلى لم يلتفت فقال له: هل لك في نعيمان قال: نعم أين هو دلني عليه. فأتى به حتى أوقفه على عثمان فقال: دونك هذا هو فجمع مخرمة يديه بعصاه فضرب عثمان فشجه فقيل له: إنما ضربت أمير المؤمنين عثمان فسمعت بذلك بنو زهرة فاجتمعوا في ذلك فقال عثمان دعوا نعيمان لعن الله نعيمان فقد شهد بدراً.
" لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله "

قال الزبير: وحدثني يحيى بن محمد قال: حدثني يعقوب بن جعفر بن أبي كثير حدثنا أبو طوالة الأنصاري عن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبيه قال: كان بالمدينة رجل يقال له نعيمان يصيب الشراب فكان يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعله ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ويحثون عليه التراب فلما كثر ذلك منه قال له رجل: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لعنك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله "

هذا هدية لك !!!
. قال: وكان لا يدخل في المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذا هدية لك فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه من نعيمان جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعط هذا ثمن هذا فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو لم تهده لي " . فيقول يا رسول الله لم يكن عندي ثمنه وأحببت أن تأكله فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه.



قال أبو عمر: كان نعيمان رجلاً صالحاً على ما كان فيه من دعابة وكان له ابن قد انهمك في شرب الخمر فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات فلعنه رجل كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " . وفي جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه في الخمر أربع مرات نسخ لقوله عليه السلام: " فإن شربها الرابعة فاقتلوه " . يقال إنه مات في زمن معاوية ويقال: بل ابنه الذي مات في زمن معاوية.

الكتاب : الإستيعاب في معرفة الأصحاب
المؤلف : ابن عبد البر


ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:40 AM

أسيد بن حضير

تلك الملائكة دنوا لصوتك
كان أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ القرآن بصوت ندي، ذات ليلة كان يقرأ من سورة البقرة، وله فرس مربوط، وبجواره ابنه، يقول : كنت أقرأ القرآن فجالت الفرس فقمت، وليس لي هم إلا ابني ثم قرأت، فجالت الفرس مرة أخري فرفعت رأسي فإذا شيء كهيئة الظلة في مثل المصابيح مقبل من السماء، فهالني مارأيت، فلما غدوت على رسول الله صلي الله عليه وسلم أخبرته. فقال الرسول الكريم : "تلك الملائكة دنوا لصوتك ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم".
تعالوا لنعرفه عن قرب
هو أسيد بن الحضير ابن سماك بن عتيك بن نافع بن امريء القيس بن زيد بن عبد الأشهل
الإمام أبو يحيى وقيل أبو عتيك الأنصاري الأوسي الأشهلي أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة أسلم قديما وقال ما شهد بدرا وكان أبوه شريفا مطاعا يدعى حضير الكتائب وكان رئيس الأوس يوم بعاث فقتل يومئذ قبل عام الهجرة بست سنين وكان أسيد يعد من عقلاء الأشراف وذوي الرأي.
قال محمد بن سعد: آخى النبي بينه وبين زيد بن حارثة وله رواية أحاديث. روت عنه عائشة وكعب بن مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى ولم يلحقه. وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر وكان مقدما على ربع الأنصار وأنه ممن أسلم على يد مصعب بن عمير هو وسعد بن معاذ. قال أبو هريرة قال رسول الله ( نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أسيد بن حضير ) أخرجه الترمذي وإسناده جيد
وروي أن أسيدا كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن
ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهم.
قال ابن إسحاق: أسيد بن حضير نقيب لم يشهد بدرا يكنى أبا يحيى
ويقال كان في أسيد مزاح وطيب أخلاق.
إنما أردت هذا يا رسول الله!!

روى حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير وكان فيه مزاح أنه كان عند النبي فطعنه النبي بعود كان معه فقال أصبرني فقال اصطبر قال إن عليك قميصا وليس علي قميص قال فكشف النبي قميصه قال فجعل يقبل كشحه ويقول إنما أردت هذا يا رسول الله.

أبو صالح كاتب الليث حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم عن نافع عن ابن عمر قال لما هلك أسيد بن الحضير وقام غرماؤه بمالهم سأل عمر في كم يؤدى ثمرها ليوفى ما عليه من الدين فقيل له في أربع سنين فقال لغرمائه ما عليكم أن لا تباع قالوا احتكم وإنما نقتص في أربع سنين فرضوا بذلك فأقر المال لهم قال ولم يكن باع نخل أسيد أربع سنين من عبد الرحمن بن عوف ولكنه وضعه على يدي عبد الرحمن للغرماء.
عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال هلك أسيد وترك عليه أربعة آلاف وكانت أرضه تغل في العام ألفا فأرادوا بيعها فبعث عمر إلى غرمائه هل لكم أن تقبضوا كل عام ألفا قالوا نعم.
قال يحيى بن بكير مات أسيد سنة عشرين وحمله عمر بين العمودين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع ثم صلى عليه وفيها أرخ موته الواقدي وأبو عبيد وجماعة وندم على تخلفه عن بدر وقال ظننت أنها العير ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت وقد جرح يوم أحد سبع جراحات.

سير اعلام النبلاء

***
الكامل
هو أسيد بن الحضير بن سماك الأنصاري الأشهلي يكنى أبا يحيى وأبا عتيك وكان أبوه حضير فارس الأوس ورئيسهم يوم بُعاث.حاله في الجاهلية:كان يكتب بالعربية ويحسن السباحة والرمي، وكانوا في الجاهلية يسمون من كانت فيه هذه الخصال بالكامل...

إسلامه:
وكان أسيد من السابقين إلى الإسلام وهو أحد النقباء ليلة العقبة وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ

قصة إسلامه:
فلما انصرف القوم بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، وكان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة، ثم إن أسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي ولولا ذاك لكفيتكه وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدي قومهما من بني عبد الأشهل وهما مشركان فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إلى مصعب وأسعد وهما جالسان في الحائط فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق وأسعد وهما جالسان في الحائط فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه قال مصعب: إن يجلس أكلمه
قال: فوقف عليهما متشتما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ماتكره قال: أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا والله لقد عرفنا في وجهة الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ( ثم تصلي ركعتين فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ) ثم قام وركع ركعتين.
واختلف في شهوده بدرًا قال ابن سعد: كان شريفا كاملا، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، وكان ممن ثبت يوم أحد، وجرح حينئذ سبع جراحات، وقال ابن السكن: شهد بدرًا والعقبة وكان من النقباء.
من ملامح شخصيته ولعه بالقرآن:
عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ـ وفرسه مربوطة عنده ـ إذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها ـ فأشفق أن تصيبه فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ يا ابن حضير قال: قد أشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا فرفعت رأسي وانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال وتدري ما ذاك؟ قال لا قال تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم

عن أبي سعيد الخدري وابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقرأ يا أسيد فقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود عليه السلام.
شعوره بالمسلمين وعطفه وحرصه عليهم:
عن أنس قال: جاء أسيد بن حضير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قسم طعاما فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظفر فيهم حاجة وجل أهل ذلك البيت نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تركتنا يا أسيد حتى ذهب ما في أيدينا فإذا سمعت بشيء قد جاءنا فاذكر لي أهل ذلك البيت فجاءه بعد ذلك طعام من خيبر شعير أو تمر فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وقسم في الأنصار فأجزل وقسم في أهل البيت فأجزل فقال أسيد بن حضير متشكرا: جزاك الله أي نبي الله أطيب الجزاء - أو قال: خيرا - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنتم معشر الأنصار فجزاكم الله أطيب الجزاء - أو قال خيرا - فإنكم ما علمت أعفة صبر وسترون بعدي أثرة في الأمر والقسم فاصبروا حتى تلقوني على الحوض

مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
موقفه في غزوة بدر:
عن عبد الله بن أبي سفيان قال ولقيه أسيد بن حضير فقال يا رسول الله الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا ولكني ظننت أنها العير ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صدقت.
مزاحه مع النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود فقال أصبرني فقال "اصطبر" قال إن عليك قميصا وليس علي قميص فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ( الكشح وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي ) قال إنما أردت هذا يا رسول الله.
موقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مقالة لليهود:
روى الإمام مسلم بسنده عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض" إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما

(موقفه مع الرسول من الرجل الغادر):
كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرن؟ فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله وقال له: إن أنت وفيتني خرجت إليه حتى أغتاله فإني هاد بالطريق، خريت، معي خنجر مثل خافية النسر قال: أنت صاحبنا وأعطاه بعيرا ونفقة وقال: اطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه إلى محمد، قال: قال الأعرابي: لا يعلمه أحد
فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحي يوم سادسه ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى المصلى فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل، فخرج الأعرابي يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل فعقل راحلته ثم أقبل يؤم رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجده في جماعة في أصحابه يحدث في مسجده فلما دخل و رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريده فوقف وقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب فذهب ينحني على رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنه يساره فجبذه أسيد بن حضير وقال: تنح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجذب بداخل إزاره فإذا الخنجر فقال: يا رسول الله هذا غادر
فأسقط في يد الأعرابي وقال: دمي دمي يا محمد وأخذه أسيد بن حضير يلببه فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: اصدقني ما أنت وما أقدمك فإن صدقتني نفعك الصدق وإن كذبتني فقد اطلعت على ما هممت به قال الأعرابي: فأنا آمن؟ قال: وأنت آمن فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير ثم دعا به من الغد فقال: قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك؟ قال: وما هو؟ فقال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك أنت رسول الله والله يا محمد ما كنت أفرق ( اخاف ) من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت ثم اطلعت على ما هممت به فما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان.
فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يتبسم وأقام أياما ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده ولم يسمع له بذكر...

موقفه مع الرسول لما بلغه مقالة عبد الله بن أبي حين إقفاله من غزوة بني المصطلق:
قال ابن إسحاق: فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم(بالجيش) وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال: يا نبي الله والله لقد رحت في ساعة منكرة(وقت الظهيرة) ما كنت تروح في مثلها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال: و أي صاحب يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبي قال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال: فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت وهو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.

مواقف من حياته مع الصحابة:
موقفه رضي الله عنه مع سيدنا سعد بن عبادة في حادث الإفك:
قالت السيدة عائشة في حديثها الطويل: فقام رسول الله من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول فقال رسول الله: ( من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي فوالله فوالله فوالله - ثلاث مرات - ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك

موقفه رضي الله عنه مع قومه لما اشتكى من مرضه:
عن عبد الله بن هبيرة أن أسيد بن حضير كان يؤم بني عبد الأشهل وانه اشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فقالوا له تقدم قال لا أستطيع أن أصلي قالوا لا يؤمنا أحد غيرك ما دمت فقال اجلسوا فصلى بهم جلوسا.
موقفه مع سيدنا عمر رضي الله عنه:
عن أسيد بن حضير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستلقون بعدي أثرة فلما كان زمان عمر قسم حللا فبعث إلي منها بحلة فاستصغرتها فأعطيتها ابني فبينا أنا أصلي إذ مر بي شاب من قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستلقون أثرة بعدي فقلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق رجل إلى عمر فأخبره فجاء وأنا أصلي فقال: صل يا أسيد فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته قال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدري أحدي عقبي فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه فلبسها فظننت أن ذلك يكون في زماني قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذلك لا يكون في زمانك.
موقفه رضي الله عنه مع آل أبي بكر:
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري راقد أقبل أبي فلكزني لكزة ثم قال: حبست الناس! ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد ونزلت: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } الآية قال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة.
موقفه رضي الله عنه عند وفاة امرأته:
عن عائشة قالت قدمنا من حج أو عمرة فتلقينا بذي الحليفة وكان غلمان من الأنصار تلقوا أهليهم فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته فتقنع وجعل يبكي قالت فقلت له غفر الله لك أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك من السابقة والقدم ما لك تبكي على امرأة فكشف عن رأسه وقال صدقت لعمري حقي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال قالت قلت له ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ قالت وهو يسير بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.


أثره في الآخرين:
في لحظات إسلامه الأولى رضي الله عنه أصبح داعية إلى الله تعالى، وكان هو وسعد بن معاذ سيدا قومهما وبمجرد أن أسلم أسيد رضي الله عنه قال لسيدنا مصعب: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب من عندكم فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا: فافعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك فقام سعد ( مغضبا ) مبادرا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لأسعد بن زرارة: لولا مابيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني تغشانا في دارنا بما نكره وقد قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد قومه إن يتبعك لم يخالفك منهم أحد فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن: قالا: فعرفنا والله في وجهة الإسلام: قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله ثم تشهد شهادة الحق ثم صلي ركعتين فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين.
وممن روى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أسيد رضي الله عنه أم المؤمنين السيدة عائشة وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعكرمة بن خالد بن العاص...
بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري بسنده عن أسيد بن حضير رضي الله عنهم أن رجلا من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا قال: "ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض"
مناقبه وما قيل فيه:
في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس نعم الرجل معاذ بن جبل نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح"
وعن عائشة قالت ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل كلهم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر

أضاءت لهما عصا
وقال عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس (شديدة الظلمة) فتحدثا عنده حتى إذا خرجا أضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه فمشى في ضوئها انفرد بإخراجه البخاري.
روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة أنها كانت تقول كان أسيد بن حضير من أفاضل الناس وكان يقول لو أني أكون كما أكون على أحوال ثلاث من أحوالي لكنت حين أقرأ القرآن وحين أسمعه يقرأ وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهدت جنازة وما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه.
وفاته:
عن عروة أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم فبيعت أرضه فقال عمر لا أترك بني أخي عالة فرد الأرض وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف كل سنة ألف درهم، وقد توقي رضي الله عنه سنة 20 من الهجرة ودفن بالبقيع.
من مراجع البحث:
سيرة ابن هشام.............. ابن هشام
الإصابة.................... ابن حجر العسقلاني
صفة الصفوة............... ابن الجوزي

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:43 AM

رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء تطعمونا

من


سرية الخبط

من كتاب زاد المعاد



http://up.arab-x.com/Aug11/BoD68460.jpg


وكان أميرها أبا عبيدة بن الجراح وكانت في رجب سنة ثمان فيما أنبأنا به الحافظ أبو الفتح محمد بن سيد الناس في كتاب عيون الأثر له وهو عندي وهم كما سنذكره إن شاء الله تعالى قالوا بعث رسول الله أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار وفيهم عمر بن الخطاب إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وبينها وبين المدينة خمس ليال فأصابهم في الطريق جوع شديد فأكلوا الخبط وألقى إليهم البحر حوتا عظيما فأكلوا منه ثم انصرفوا ولم يلقوا كيدا وفي هذا نظر فإن في الصحيحين من حديث جابر قال بعثنا رسول الله في ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيرا لقريش فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي جيش الخبط فنحر رجل ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلات جزائر ثم إن أبا عبيدة نهاه فألقى إلينا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر وادهنا من ودكها حتى ثابت إلينا أجسامنا وصلحت وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمل عليه ومر تحته وتزودنا من لحمه وشائق فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله فذكرنا له ذلك فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء تطعمونا فأرسلنا إلى رسول الله منه فأكل قلت وهذا السياق يدل على أن هذه الغزوة كانت قبل الهدنة وقبل عمرة الحديبية فإنه من حين صالح أهل مكة بالحديبية لم يكن يرصد لهم عيرا بل كان زمن أمن وهدنة إلى حين الفتح ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه مرتين مرة قبل الصلح ومرة بعده والله أعلم

فصل في فقه هذه القصة

ففيها جواز القتال في الشهر الحرام إن كان ذكر التاريخ فيها برجب محفوظا والظاهر والله أعلم أنه وهم غير محفوظ إذ لم يحفظ عن النبي أنه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية وقد عير المشركون المسلمين بقتالهم في أول رجب في قصة العلاء بن الحضرمي فقالوا استحل محمد الشهر الحرام وأنزل الله في ذلك ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) الآية ( البقرة 217 ) ولم يثبت نسخ هذا بنص يجب المصير إليه ولا أجمعت الأمة على نسخه وقد استدل على تحريم القتال في الأشهر الحرم بقوله تعالى ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ( التوبة 5 ) ولا حجة في هذا لأن الأشهر الحرم هاهنا هي أشهر التسيير الأربعة التي سير الله فيها المشركين في الأرض يأمنون فيها وكان أولها يوم الحج الأكبر عاشر ذي الحجة وآخرها عاشر ربيع الآخر هذا هو الصحيح في الآية لوجوه عديدة ليس هذا موضعها وفيها جواز أكل ورق الشجر عند المخمصة وكذلك عشب الأرض وفيها جواز نهي الإمام وأمير الجيش للغزاة عن نحر ظهورهم وإن احتاجوا إليه خشية أن يحتاجوا إلى ظهرهم عند لقاء عدوهم ويجب عليهم الطاعة إذا نهاهم وفيها جواز أكل ميتة البحر وأنها لم تدخل في قوله عز وجل ( حرمت عليكم الميتة والدم) ( المائدة 3 ) وقد قال تعالى ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) ( المائدة 5 ) وقد صح عن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وجماعة من الصحابه أن صيد البحر ما صيد منه وطعامه ما مات فيه وفي السنن عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال حديث حسن وهذا الموقوف في حكم المرفوع لأن قول الصحابي أحل لنا كذا وحرم علينا ينصرف إلى إحلال النبي وتحريمه فإن قيل فالصحابة في هذه الواقعة كانوا مضطرين ولهذا لما هموا بأكلها قالوا إنها ميتة وقالوا نحن رسل رسول الله ونحن مضطرون فأكلوا
وهذا دليل على أنهم لو كانوا مستغنين عنها لما أكلوا منها قيل لا ريب أنهم كانوا مضطرين ولكن هيأ الله لهم من الرزق أطيبه وأحله وقد قال النبي لهم بعد أن قدموا هل بقي معكم من لحمه شيء قالوا نعم فأكل منه النبي وقال إنما هو رزق ساقه الله لكم ولو كان هذا رزق مضطر لم يأكل منه رسول الله في حال الاختيار ثم لو كان أكلهم منها للضرورة فكيف ساغ لهم أن يذهبوا من ودكها وينجسوا به ثيابهم وأبدانهم وأيضا فكثير من الفقهاء لا يجوز الشبع من الميتة إنما يجوزون منها سد الرمق والسرية أكلت منها حتى ثابت إليهم أجسامهم وسمنوا وتزودوا منها فإن قيل إنما يتم لكم الاستدلال بهذه القصة إذا كانت تلك الدابة قد ماتت في البحر ثم ألقاها ميتة ومن المعلوم أنه كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون البحر قد جزر عنها وهي حية فماتت بمفارقة الماء وذلك ذكاة حيوان البحر ولا سبيل إلى دفع هذا الاحتمال كيف وفي بعض طرق الحديث فجزر البحر عن حوت كالظرب قيل هذا الاحتمال مع بعده جدا فإنه يكاد يكون خرقا للعادة فإن مثل هذه الدابة إذا كانت حية إنما تكون في لجة البحر وثبجه دون ساحله وما رق منه ودنا من البر وأيضا فإنه لا يكفي ذلك في الحل لأنه إذا شك في السبب الذي مات به الحيوان هل هو سبب مبيح له أو غير مبيح لم يحل الحيوان كما قال النبي في الصيد يرمى بالسهم ثم يوجد في الماء وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فلو كان الحيوان البحري حراما إذا مات في البحر لم يبح وهذا مما لا يعلم فيه خلاف بين الأئمة وأيضا فلو لم تكن هذه النصوص مع المبيحين لكان القياس الصحيح معهم فإن المتية إنما حرمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها والذكاة لما كانت تزيل ذلك الدم والفضلات كانت سبب الحل وإلا فالموت لا يقتضي التحريم فإنه حاصل بالذكاة كما يحصل بغيرها وإذا لم يكن في الحيوان دم وفضلات تزيلها الذكاة لم يحزم بالموت ولم يشترط لحله ذكاة كالجراد ولهذا لا ينجس بالموت ما لا نفس له سائلة كالذباب والنحلة ونحوهما والسمك من هذا الضرب فإنه لو كان له دم وفضلات تحتقن بموته لم يحل لموته بغير ذكاة ولم يكن فرق بين موته في الماء وموته خارجه إذ من المعلوم أن موته في البر لا يذهب تلك الفضلات التي تحرمه عند المحرمين إذا مات في البحر ولو لم يكن في المسألة نصوص لكان هذا القياس كافيا والله أعلم


فصل

وفيها دليل على جواز الاجتهاد في الوقائع في حياة النبي وإقراره على ذلك لكن هذا كان في الحال الحاجة إلى الاجتهاد وعدم تمكنهم من مراجعة النص وقد اجتهد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بين يدي رسول الله في عدة من الوقائع وأقرهما على ذلك لكن في قضايا جزئية معينة لا في أحكام عامة وشرائع كلية فإن هذا لم يقع من أحد من الصحابة في حضوره ألبتة

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:53 AM

"فإنّ الملائكة وارَتْ جُثّتَه وأُنْزِلَ عِلّيّينَ"

صحابي كان من الرّهط الذين قُتلوا يوم بئر معونة، ولم يجدوا جسده ليدفنوه، وكان قد طعنه جبّار بن سُلْمَى الكِلابَيّ يومئذٍ فأنفذه، فقال الصحابي: فُزْتُ والله! ولما بلغ ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "فإنّ الملائكة وارَتْ جُثّتَه وأُنْزِلَ عِلّيّينَ". فمن هذا الصحابي؟
الاجابة
عامر بن فهيرة التيمي

((عامر بن فُهَيرة التيميّ)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((يكنى أَبا عمرو))
((كان مولدًا من مولَّدي الأَزد، أَسودَ اللون)) أسد الغابة.
((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني مَعْمَر عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة في حديث لها طويل قالت: وكان عامر بن فُهَيْرَة للطّفيل بن الحارث أخي عائشة لأمّها أمّ رومان، فأسلم عامر فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وكان يرعى عليه مَنيحة من غنم له.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن صالح عن يزيد بن رُومان قال: أسلم عامر بن فُهيرة قبل أن يدْخُلَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا معاوية بن عبد الرّحمن بن أبي مزرّد عن يزيد بن رُومان عن عروة بن الزُّبير قال: كان عامر بن فُهيرة من المستضعفين من المؤمنين، فكان ممّن يعذّب بمكّة ليرجع عن دينه.)) الطبقات الكبير.
((لما خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر إِلى الغار بثور مهاجِرَيْن، أَمر أَبو بكر مولاه عامر بن فُهيرة أَن يروح بغنم أَبي بكر عليهما، وكان يرعاها، فكان عامر يرعى في رعيان أَهل مكة، فإِذا أَمسى أَراح عليهما غَنَمَ أَبي بكر فاحتلباها، وإِذا غَدَا عبد اللّه بن أَبي بكر من عندهما اتّبع عامر بن فهيرة أَثره بالغنم حتى يُعَفِّيَ عليه، فلما سار النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر من الغار هاجر معهما، فأَردفه أَبو بكر خلفه، ومعهم دليلهم من بني الدِّيل، وهو مشرك)) أسد الغابة.
((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لمّا هاجر عامر بن فُهيرة إلى المدينة نزل على سعد بن خيثمة.)) الطبقات الكبير.
((شهد عامر بدرًا وأُحدًا)) أسد الغابة.
((مولى أبي بكر الصّديق، أحد السّابقين. وكان ممن يعذَّب في الله. له ذكر في الصّحيح، حديثه في الهجرة عن عائشة قالت: خرج معهم عامر بن فُهيرة. وعنها: لما قدمنا المدينةَ اشتكى أصحابُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر، وبلال، وعامر بن فهيرة... الحديث. وفيه: وكان عامر بن فُهيرة إذا أصابته الحمى يقول:


إِنِّي وَجَدْتُ المَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ

إِنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلُّ امْرِىءٍ مُجَاهدٌ بِطَوْقِهِ
كَالثَّورِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ في "المغازي"، عن عائشة: كان عامر بن فُهيرة مولدًا من الأزد، وكان للطّفيل بن عبد الله بن سَخْيَرة، فاشتراه أبو بكر منه فأعتقه، وكان حسنَ الإسلام. وذكره ابْنُ إِسْحَاقَ وجميع مَنْ صنف في المغازي فيمن استشهد ببئر معونة.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: حدّثني هشام بن عُروة، عن أبيه أنّ عامر بن الطفيل كان يقول مَنْ رجلٌ منكم لما قُتِل رأيته رفع بين السّماء والأرض؟ فقالوا: عامر بن فهيرة.
وروى البُخَارِيُّ، من طريق أبي أسامة، عن هشام ـ أنّ عامر بن الطّفيل سأل عَمْرو بن أميّة عن ذلك.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قالوا: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين عامر بن فُهيرة والحارث بن أوس بن معاذ)) الطبقات الكبير.
((أورد ابن مَنْدَه في ترجمته حديثًا مِنْ رواية جابر، عن عامر بن فهيرة، قال: تزوّد أبو بكر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جيش العُسْرة بنِحْيٍ من سَمْن وعُكَيْكَة من عسل على ما كنّا عليه من الجهد.
عن عامر بن فهيرة، قال: تزوّد أبو بكر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جيش العُسْرة بنِحْيٍ من سَمْن وعُكَيْكَة من عسل على ما كنّا عليه من الجهد.

هذا الحديث لم نجد له تخريجا في الكتب التسعة


وهذا منكر؛ فإن جيش العسرة هو غزوة تَبُوك باتفاق، وعامر قُتِل قبل ذلك بست سنين. وقد عاب أَبُو نُعَيْمٍ على ابن منده إخراجَه هذا الحديث، ونسبه إلى الغَفْلَة والجهالة فبالغ؛ وإنما اللّوم في سكوته عليه؛ فإن في الإسناد عمر بن إبراهيم الكرديّ، وهو متَّهم بالكذب؛ فالآفةُ منه، وكان ينبغي لابن منده أن ينَبّه على ذلك.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قتل يوم بئر معونة، سنة أَربع من الهجرة، وهو ابن أَربعين سنة، وقال عامر بن الطفيل لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لما قَدِم عليه: من الرجل الذي لما قتل رأَيتُه رُفِع بين السماءِ والأَرض حتى رأَيتُ السماءَ دونه، قال: "هو عامر بن فُهَيرة". أَخبرنا به أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بَكير، عن هشام بن عُرْوة، أَو محمد بن إِسحاق، عن هشام ـــ شك يونس ـــ عن أَبيه، قال: قَدِم عامر بن الطُّفيل على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مثله.
وروى ابن المبارك وعبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: طُلِب عامر يومئذ في القتلى فلم يوجد، فَيُرَوْنَ أَنَّ الملائكة دَفنته، ودعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أَصحابه ببئر معونة أَربعين صباحًا، حتى نزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران/ 128]
عن عروة قال: طُلِب عامر يومئذ في القتلى فلم يوجد، فَيُرَوْنَ أَنَّ الملائكة دَفنته، ودعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أَصحابه ببئر معونة أَربعين صباحًا، حتى نزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران/ 128] البخاري

وقيل: نزلت في غير هذا. وروى ابن منده بإِسناده، عن أَيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عامر بن فُهَيْرة، قال: تَزَوَّدَ أَبو بكر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جَيْش العُسْرة بِنِحْيٍ من سَمْن، وعُكَيْكَة من عسل، على ما كنا عليه من الجهد. قال أَبو نعيم: أَظهر، يعني ابن منده، في روايته هذا الحديث غفلته وجهالته؛ فإِن عامرًا لم يختلف أَحد من أَهل النقل أَنه استشهد يوم بئر معونة وأَجمعوا أَن جيش العسرة هو غزوة تبوك، وبينهما ست سنين، فمن استشهد ببئر معونة كيف يَشْهَدُ جيش العسرة. وصوابه أَنه تزود مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في مخرجه إِلى الهجرة، والحق مع أَبي نعيم.)) أسد الغابة.
((قال: أخبرنا محمّد بن عمر عمن سُمّي من رجاله في صدر هذا الكتاب أنّ جبّار بن سُلْمَى الكِلابَيّ طعن عامر بن فُهيرة يومئذٍ فأنفذه، فقال عامر: فُزْتُ والله! قال: وذُهِبَ بعامر عُلُوًّا في السماء حتّى ما أراه. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فإنّ الملائكة وارَتْ جُثّتَه وأُنْزِلَ عِلّيّينَ"، وسألَ جَبّارُ بن سُلْمى ما قوله فُزْتُ والله، قالوا: الجنّة. قال فأسلم جبّار لمِا رأى من أمر عامر بن فُهيرة فحَسُنَ إسلامه.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن عبد الله عن الزُّهريّ عن عروة عَن عائشة قالت: رُفع عامر بن فُهيرة إلى السماء فلم توجد جثّته، يرون أنّ الملائكة وارته‏.)) الطبقات الكبير.

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:55 AM

دعوته مستجابة
ادعت أَرْوَى بنت أُويس علي صحابي أنه ظلمها في أرضها، وشكته إلى مروان بن الحكم، فقال الصحابي:‏ كيف أظلمها؟ وقد سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏"‏مَنْ ظَلَمَ مَن الأَرْضِ شِبْرًا طُوّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة مَنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏"، وأوجب مروان عليه اليمين، فترك الصحابي لها ما ادّعَتْ، وقال:‏ اللهم إن كانت أروى كاذبةً فأعْمِ بصرَهَا، واجعل قَبْرَهَا في بئرِها، فعميت أروى، وجاء سيل فأبدى ضفيرتها، فرأوا حقَها خارجًا من حق الصحابي. ثم إن أروى خرجت في بعض حاجتها بعدما عميت، فوقعت في البئر فماتت، قال: ‏وكان أهلُ المدينة يَدْعُو بعضُهم على بعض يقولون:‏ أعماكَ الله كما أعمى أَرْوَى... فمن هذا الصحابي؟

الاجابة
سعيد بن زيد
((ذكر الزَّبير عن إبراهيم بن حمزة، عن المغيرة بن عبد الرَّحمن، عن العمريّ، عبد الله بن عمر بن حفص، عن نافع، عن ابن عمر أنّ مَرْوان أرسل إلى سعيد بن زيد ناسًا يكلّمونه في شأن أَرْوَى بنت أُويس، وكانت شكَتْه إلى مروان.‏ فقال سعيد‏:‏ تروني ظَلْمتُها وقد سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏"‏مَنْ ظَلَمَ مَن الأَرْضِ شِبْرًا طُوّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة مَنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏".‏ اللهم إن كانت كاذبة فلا تُمِتْها حتى تُعْمِي بصرها، وتجعل قبرها في بئر‏.‏ قال:‏ فوالله ما ماتت حتى ذهب بَصَرُها، وجعلت تمشي في دارها وهي حذرة فوقعت في بئرها فكانت قَبْرها.
قال الزبير:‏ وحدّثني إبراهيم بن حمزة، قال حدّثني عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه أنّ أَرْوَى بنت أُويس استعدت مروان بن الحكم على سعيد بن زيد في أرضه بالشّجرة، فقال سعيد‏:‏ كيف أظلمها؟ وذكر مثل ما تقدّم‏. وأوجب مروان عليه اليمين، فترك سعيد لها ما ادّعَتْ، وقال:‏ اللهم إن كانت أروى كاذبةً فأعْمِ بصرَهَا، واجعل قَبْرَهَا في بئرِها، فعميت أروى، وجاء سيل فأبدى ضفيرتها، فرأوا حقَها خارجًا من حق سعيد، فجاء سعيد إلى مروان، فقال:‏ أقسمت عليك لتركبنّ معي ولتنظرنّ إلى ضفيرتها، فركب معه مَرْوان، وركب أناسٌ معهما حتى نظروا إليها. ثم إن أروى خرجت في بعض حاجتها بعدما عميت، فوقعت في البئر فماتت‏.‏ قال: ‏وكان أهلُ المدينة يَدْعُو بعضُهم على بعض يقولون:‏ أعماكَ الله كما أعمى أَرْوَى، يريدونها، ثم صار أهلُ الجهل يقولون: أعماك الله كما أعمى الأروى، يريدون الأروى التي في الجبل يظنُّونَها، ويقولون:‏ إنها عمياء، وهذا جَهْلٌ منْهُم.
حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا المطلَّب بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، قال‏:‏ حدّثني الليث، قال:‏ حدّثني ابن الهادي، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال:‏ جاءت أروى بنت أويس إلى أبي محمد بن عمرو بن حازم فقالت له‏:‏ يا أبا عبد الملك؛ إن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرةً في حَقّي فأْتِه بكلمة فلينزع عن حقّي، فوالله لئن لم يفعل لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقال لها:‏ لا تؤذي صاحبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما كان ليظلمَك ولا ليأخذَ لك حقًّا‏.‏ فخرجت وجاءت عمارة بن عمرو، وعبد الله بن سلمة، فقالت لهما: ائتيا سعيد بن زيد فإنه قد ظلمني وبنَى ضفِيرةً في حقّي، فوالله لئن لم ينزع لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.‏ فخرجا حتى أتياه في أَرضِه بالعقيق، فقال لهما:‏ ما أتى بكما؟ قالا‏: جاءتنا أروى بنت أويس، فزعمت أنك بنيْتَ ضفيرة في حقَّها، وحلفَتْ بالله لئن لم تنزع لتصيحنّ بك في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ فأحببنا أن نأتيكَ، ونذكر ذلك لك. فقال لهما:‏ إني سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏"‏مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ يُطَوِّقهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِين‏َ"‏ أخرجه البخاري 6 / 293 رقم 3198 ومسلم 3 / 1231 في المساقاة 140 / 1610.‏ فلتأْتِ فلتأْخذ ما كان لها من حق، اللهم إن كانَتْ كاذبة فلا تمِتْها حتى تُعْمي بصرها وتجعل ميتتها فيها، فرجعوا فأخبروها ذلك فجاءت فهدمت الضَّفيرة، وبنتْ بنيانا، فلم تمكث إلا قليلًا حتى عميت، وكانت تقومُ بالليل ومعها جارية لها تقودها لتوقظ العمّال، فقامت ليلةً وتركت الجارية فلم توقظها، فخرجت تَمْشي حتى سقطت في البئر، فأصبحت ميتة‏.

**عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال:‏ جاءت أروى بنت أويس إلى أبي محمد بن عمرو بن حازم فقالت له‏:‏ يا أبا عبد الملك؛ إن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرةً في حَقّي فأْتِه بكلمة فلينزع عن حقّي، فوالله لئن لم يفعل لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقال لها:‏ لا تؤذي صاحبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما كان ليظلمَك ولا ليأخذَ لك حقًّا‏.‏ فخرجت وجاءت عمارة بن عمرو، وعبد الله بن سلمة، فقالت لهما: ائتيا سعيد بن زيد فإنه قد ظلمني وبنَى ضفِيرةً في حقّي، فوالله لئن لم ينزع لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.‏ فخرجا حتى أتياه في أَرضِه بالعقيق، فقال لهما:‏ ما أتى بكما؟ قالا‏: جاءتنا أروى بنت أويس، فزعمت أنك بنيْتَ ضفيرة في حقَّها، وحلفَتْ بالله لئن لم تنزع لتصيحنّ بك في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ فأحببناأن نأتيكَ، ونذكر ذلك لك.))
الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
سعيد بن زيد

سَعِيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ القُرَشِيُّ
أَحَدُ العَشَرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنَ الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ.
ابن عم عمر بن الخطاب و زوج أخته

والده زيد بن عمرو
كَانَ وَالِدُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشَّامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ القَيِّمِ، فَرَأَى النَّصَارَى وَاليَهُوْدَ، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ، وَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ، فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ: يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ
وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى بُعِثَ.
قَالَ سَعِيْدٌ:
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ، وَلَو أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ.
قَالَ: (نَعَم، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ).
أَسْلَمَ سَعِيْدٌ قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ.

دوره فى غزوة بدر
لَمَّا تَحَيَّنَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُصُوْلَ عِيْرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ، بَعَثَ طَلْحَةَ وَسَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ قَبْلَ خُرُوْجِهِ مِنَ المَدِيْنَةِ بِعَشْرٍ، يَتَحَسَّسَانِ خَبَرَ العِيْرِ، فَبَلَغَا الحَوْرَاءَ، فَلَمْ يَزَالاَ مُقِيْمَيْنِ هُنَاكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمُ العِيْرُ، فغير أبو سفيان طريقه
فَبَلَغَ نَبِيَّ اللهِ الخَبْرُ قَبْلَ مَجِيْئِهِمَا، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ يَطْلُبُ العِيْرَ ، وَسَارُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَرَجَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيْدٌ لِيُخْبِرَا، فَوَصَلاَ المَدِيْنَةَ يَوْمَ الوَقْعَةِ، فَخَرَجَا يَؤُمَّانِهِ.
وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَهْمِهِمَا وَأُجُوْرِهِمَا
وَشَهِدَ سَعِيْدٌ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَالمَشَاهِدَ.

بشرى بالشهادة و الجنة
عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ).
وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ.

روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )

دعوته المستجابة
روى أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ:
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ أَخَذَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِيْنَ).
قَالَ مَرْوَانُ: لاَ أَسَأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا.
فَمَا مَاتَتْ حَتَّى عَمِيَتْ، وَبَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي حَدِيْثِهِ: سَأَلَتْ أَرْوَى سَعِيْداً أَنْ يَدْعُوَ لَهَا، وَقَالَتْ: قَدْ ظَلَمْتُكَ.
فَقَالَ: لاَ أَرُدُّ عَلَى اللهِ شَيْئاً أَعْطَانِيْهِ.

دوره فى الشورى
لَمْ يَكُنْ سَعِيْداً مُتَأَخِّراً عَنْ رُتْبَةِ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي السَّابِقَةِ وَالجَلاَلَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِئَلاَّ يَبْقَى لَهُ فِيْهِ شَائِبَةُ حَظٍّ، لأَنَّهُ خَتَنُهُ وَابْنُ عَمِّهِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَهْلِ الشُّوْرَى لَقَالَ الرَّافِضِيُّ: حَابَى ابْنَ عَمِّهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَلَدَهُ وَعَصَبَتَهُ.
فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ العَمَلُ لِلِّهِ.

ولايته دمشق
َشَهِدَ سعيد بن زيد حِصَارَ دِمَشْقَ، وَفَتَحَهَا، فَوَلاَّهُ عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.
ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد :( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )

الخلافة و المبايعة
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالِي المَدِيْنَةِ لِيُبَايِعَ لابْنِهِ يَزِيْدَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِ الشَّامِ: مَا يَحْبِسُكَ؟
قَالَ: حَتَّى يَجِيْءُ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ فَيُبَايِعُ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ البَلَدِ، وَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ.
قَالَ: أَفَلاَ أَذْهَبُ فَآتِيْكَ بِهِ؟...
وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال :( انطلق فبايع )
قال :( انطلق فسأجيء فأبايع )
فقال :( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )
قال :( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )
فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان :( اسكت )
وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان :( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)
قال مروان :( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )
فقال الشامي :( أستغفر الله )

وفاته
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَذْرَبُ، فَقَالَتْ أُمُّ سَعِيْدٍ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: أَتُحَنِّطُهُ بِالمِسْكِ؟
فَقَالَ: وَأَيُّ طِيْبٍ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ؟
فَنَاوَلَتْهُ مِسْكاً.
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ:
مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ بِالعَقِيْقِ، فَغَسَّلَهُ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَفَّنَهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ.

سما 22 - 2 - 2012 01:16 AM

تسلم الايادي وبارك الله بك
جزاك الله خيرا
متابعة لك مع الشكر

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 01:29 AM

شهيد السماء
الذي اهتز له عرش الرحمن


سعد بن معاذ
بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل بن جشم بن...


مقامات سعد بن معاذ في الإِسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إِلا يوم بدر؛ فإِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر، وأَتاه خبر نَفِير قريش، استشار الناس، فقال المقداد فأَحسن، وكذلك أَبو بكر، وعمر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد الأَنصار؛ لأَنهم عَدَدُ الناس،
فقال سعد بن معاذ: واللّه لكأَنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ"،
قال سعد: فقد آمنّا بك وَصَدّقناك، وشهدنا أَن ما جئت به الحق، وأَعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أَردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضْت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أَن تَلْقَى بنا عدوَّنا غدًا، إِنا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعل اللّه يريك فينا ما تَقَرُّ به عينك، فسرْ بنا على بركة اللّه، فَسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لقوله، ونشطه ذلك للقاءِ الكفار، فكان ما هو مشهور.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنّ سعدًا كان قد تحجّر كَلْمُهُ للبُرء، قالت فدعا سعد فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهد فيك من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه، اللّهمّ فإنّي أظنّ أنّك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنتَ قد وضعت الحرب فيما بيننا وبينهم فافجرْها واجعلْ موتتي فيها. قال ففُجر من ليلته، قال فلم يَرُعْهُمْ، ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار، إلا الدم يسيل إليهم فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الدم الذي يأتينا من قِبَلكم؟ فإذا سعد جرحه يَغْذُو دمًا فمات منها.

روى عبد اللّه بن سهل، عن عائشة أَنها كانت في حِصْن بني حارثة يوم الخندق وكانت أُمُّ سَعْد بن معاذ معها في الحصن، وذلك قبل أَن يُضْرَبَ عليهن الحجاب، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَصحابه حين خرجوا إِلى الخندق قد رفعوا الذراري والنساء في الحصون؛ مخافَةً عليهم العدوّ، قالت عائشة: فَمَرَّ سعد بن مُعَاذ، عليه درع له مُقَصِّلَة قد خرجت منها ذراعه، وفي يده حَرْبة، وهو يقول:
لَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الهَيْجَا حَملْ لَا بَأْسَ بِالمَوْتِ إِذَا حَانَ الأَجَلْ
فقالت أَم سعد: الْحَقْ يا بني، قد واللّه أَخَّرت، فقالت عائشة: يا أَم سعد، لوِددْتُ أَنَّ دِرْع سعد أَسْبَغُ مما هي، فخافت عليه حيث أَصاب السهمُ منه، فرماه حِبَّان بُن العَرِقة، وهو من بن عامر بن لُؤَي، فقطع أَكْحَلَه، فلما رماه قال: خُذْها مِنِّي وأَنا ابن العَرِقة، فقال سعد: "عَرَّق اللّه وجهك في النار، اللهمّ إِن كنت أَبقيت من حرب قريشٍ شيئًا فأَبقني لها، فإِنه لا قوَم أَحبَّ إِليِّ أَن أَجاهد مِنْ قَوْمٍ آذَوا رسولك، وكذبوه، وأَخرجوه، وإِن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تُمتْني حتى تَقَرّ عيني في بني قريظة".
روى إسحاق بن راشد عن امرأة من الأنصار يقال لها أسماء بنت يزيد بن السّكَن أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأمّ سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعُك، ويذهب حزنُك بأنّ ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟"
(*).
روى ابن سعد بسنده عن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد بن معاذ يوم الخندق فَثَقُلَ حَوّلوه عند امرأة يقال لها: رُفيدة ــ وكانت تُداوي الجرحى ــ فكان النبيّ عليه السلام إذا مَرَّ به يقول: "كيفَ أمسيتَ؟"، وإذا أصبح قال: "كيفَ أصبحتَ؟" فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها، فثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كما كان يسأل عنه، وقالوا: قد انطلقوا به، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وخرجنا معه فأسرعَ المشيَ حتى تقطّعت شُسُوع نِعَالنا، وسقطتْ أرديتُنا عن أعناقنا، فشكا ذلك إليه أصحابه: يا رسول الله أتعبتنا في المشي، فقال:"إني أَخَافُ أَن تَسْبِقَنا المَلَائِكَةُ إِلَيه فَتُغَسِّله كما غَسَّلَت حَنْظَلَةَ"، فانتهى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يُغَسَّل وأمّه تبكيه وهي تقول‏:
وَيْلُ امّ سعدٍ سعدا حَزَامَةً وَجِدّا
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كلّ نائحة تكذب إلا أمّ سعد"، ثمّ خرج به، قال: يقول له القوم أو من شاء الله منهم: يا رسول الله ما حملنا ميّتًا أخفّ علينا من سعد، فقال: "وما يمنعه من أن يَخِفّ عليكم وقد هبط من الملائكة كذا وكذا، وقد سمّى عدّة كثيرة لم أحفظها، لم يهبطوا قطّ قبل يومهم قد حملوه معكم"
(*).
وقال سلمة بن أسلم بن حَرِيش: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ونحن على الباب نريد أن ندخل على أثره، فدخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وما في البيت أحد إلاّ سعد مسجّىً، قال: فرأيتُه يتخطّى، فلمّا رأيتُه وقفتُ، وأومأ إليّ: قف، فوقفتُ ورددتُ مَن ورائي، وجلس ساعةً ثمّ خرج فقلتُ: يا رسول الله ما رأيتُ أحدًا، وقد رأيتك تتخطّى، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما قدرتُ على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحدَ جناحَيْه فجلستُ"، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو"
(*).
وقال سعد بن إبراهيم: لما أُخْرِجَ سرير سعد قال ناس من المنافقين: ما أخفّ جنازةَ سعد، أو سرير سعد، فقال رسول الله: "لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، أو سرير سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم"
(*)،
وحضره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يُغسل، فقبض ركبته، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعتُ له".
وروت امرأةٌ من الأنصار يقال لها: أسماء بنت يزيد بن السّكَن أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال لأمّ سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعُك ويذهب حزنُك بأنّ ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟"
(*).
وروى الحسن أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لقد اهتزّ عرش الرحمن لوفاة سعد بن معاذ" فرحًا به قال: قوله فرحًا به تفسير من الحسن
(*).
وروى رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدري، عن أبيه، عن جدّه قال: كنتُ أنا ممّن حفر لسعد قبره بالبقيع وكان يفوح علينا المسك كلّما حفرنا قَترةً من تراب حتى انتهينا إلى اللّحد.

وقال رُبيح: ولقد أخبرني محمّد بن المنكدر عن محمّد بن شرحبيل بن حَسَنة قال: أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد فذهب بها ثمّ نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك.
ومعاذ مقاماته في الإِسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إِلا يوم بدر فإِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر، وأَتاه خبر نَفِير قريش، استشار الناس، فقال المقداد فأَحسن، وكذلك أَبو بكر، وعمر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد الأَنصار، لأَنهم عَدَدُ الناس، فقال سعد بن معاذ: واللّه لكأَنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ". قال سعد: فقد آمنّا بك وَصَدّقناك، وشهدنا أَن ما جئت به الحق، وأَعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أَردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضْت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أَن تَلْقَى بنا عدوَّنا غدًا، إِنا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعل اللّه يريك فينا ما تَقَرُّ به عينك، فسرْ بنا على بركة اللّه. فَسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لقوله، ونشطه ذلك للقاءِ الكفار، فكان ما هو مشهور، وكفى به فخرًا، دع ما سواه.

أخرجه أحمد في المسند 1/ 255، 284، 3/ 438، 5/ 276، 372..
وروى الزَّهري، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عبَّاس، قال قال سعد بن مُعاذ:‏ ثلاث أنا فيهن‏: رجل يعني كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من النَّاس، ما سمعتُ مِنْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا قط إلا علمْتُ أنه حقٌّ من الله عزّ وجل، ولا كنتُ في صلاة قط فشغلْتُ نَفسي بشيءٍ غيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فحدّثت نفسي بغيرما تقول، ويُقال لها، حتى أنصرف عنها‏.

قال سعيد بن المسيّب‏:‏ هذه الخصال ما كنت أحسِبُها إلا في نبيّ.

إسلام سعد بن معاذ
الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، سيد الأوس، أسلم بعد بيعة العقبة الأولى، وحضر بيعة العقبة الثانية.

ولإسلام سعد قصة طريفة، فقد بعث النبي ( مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ليدعو أهل المدينة إلى الإسلام، ويُعلِّم من أسلم منهم القرآن وأحكام الدين، وجلس مصعب ومعه الصحابي أسعد بن زرارة في حديقة
بالمدينة، وحضر معهما رجال ممن أسلموا، فلما سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وكانا سيديّ قومهما، ولم يكونا أسلما بعد، قال سعد لأسيد بن حضير: انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا ديارنا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما، وانههما عن أن يأتيا ديارنا، فأخذ أسيد حربته ثم أقبل عليهما، فلما رآه أسعد بن زراة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه.
ووقف أسيد يسبهما، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره، فجلس أسيد، واستمع إلى مصعب، واقتنع بإسلامه، فأسلم، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد
من قومه، وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ، ثم أخذ أسيد حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس، فقال له: إن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وكان أسعد ابن خالة سعد، فقام سعد غاضبًا فأسرع وأخذ الحربة في يده. فلما رآهما جالسين مطمئنين، عرف أن أسيدًا إنما قال له ذلك ليأتي به إلى هذا المكان، فأخذ يشتمهما، فقال أسعد لمصعب: أي مصعب، جاءك والله سيدٌ من ورائه قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم أحد.
فقال مصعب لسعد: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا، ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته، عزلنا عنك ما تكره. قال سعد: أنصفت، ثم وضع الحربة، وجلس. فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن كما فعل مع أسيد، فلمح مصعب وأسعد الإسلام في وجه سعد بن معاذ قبل أن يتكلم؛ فقد أشرق وجهه وتهلل، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قال: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ركعتين.
ففعل سعد ذلك، ثم أخذ حربته ورجع إلى قومه، فلما رآه قومه قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فقال لهم سعد: يا بني
عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًّا. قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام، حتى تؤمنوا بالله وبرسوله، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا ودخل في الإسلام. وبعد انتشار الإسلام في ربوع المدينة، أذن الله سبحانه لنبيه ( بالهجرة إلى المدينة، فكان سعد خير معين لإخوانه المهاجرين إلى المدينة.

ورمى يوم الخندق بسهم فعاش شهراً ثم انتفض جرحه فمات منه.
والذي رماه بالسهم حبان بن العرقة وقال: خذها وأنا ابن العرقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرق الله وجهه في النار " . والعرقة هي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص وهذا حبان ابنها هو ابن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.

وقيل: إن العرقة تكنى أم فاطمة وإنما قيل لها العرقة لطيب ريحها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بضرب فسطاط في المسجد لسعد بن معاذ وكان يعوده في كل يوم حتى توفي سنة خمس من الهجرة وكان موته بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليال كذلك رواه سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه وروى الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال: رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله فحسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتفخت يده ونزفه الدم فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني في بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه وكان حكمه فيهم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذريتهم فيستعين بها المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصبت حكم الله فيهم " . وكانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات.
وروى من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفاً ما وطئوا الأرض قبل " .
وروى من حديث أنس بن مالك قال: لما حملنا جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته وكان رجلاً طوالاً ضخماً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة حملته " . وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة قالت: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد من المسلمين أفضل منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " . وروى عرش الرحمن وهو حديث روي من وجوه عدة كثيرة متواترة رواها جماعة من الصحابة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة رآها تشتري: لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها. وهو حديث ثابت أيضاً.
وقال له صلى الله عليه وسلم: إذ حكم في بني قريظة بقتل المقاتلة وسبى النساء: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات " . وقال صلى الله عليه وسلم: " لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا منها سعد بن معاذ " .
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أبو قرة محمد ابن حميد حدثنا سعيد بن تليد حدثنا محمد بن فضالة عن أبي طاهر عبد الملك بن محمد ابن أبي بكر عن عمه عبد الله بن أبي بكر قال: مات سعد بن معاذ من جرح أصابه يوم الخندق شهيداً. قال: وبلغني أن جبرئيل عليه السلام نزل في جنازته معتجراً بعمامة من إستبرق وقال: يا نبي الله من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فوجد سعداً قد قبض، وقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
أخبرنا خلف بن قاسم قال: حدثنا الحسن بن رشيق قال: حدثنا أحمد ابن الحسن الصباحي حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن حسين الأشقر أبو بلال قال حدثنا زافر بن سليمان عن عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال قال سعد بن معاذ: ثلاث أنا فيهن: رجل يعني كما ينبغي وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً قط إلا علمت أنه حق من الله عز وجل ولا كنت في صلاة قط فشغلت نفسي بشيء غيرها حتى أقضيها ولا كنت في جنازة قط فحدثت نفسي بغيرما تقول ويقال لها حتى أنصرف عنها.
قال سعيد بن المسيب: هذه الخصال ما كنت أحسبها إلا في نبي.


الكتاب : الإستيعاب في معرفة الأصحاب
المؤلف : ابن عبد البر
وغيره


ابو رضوان 22 - 2 - 2012 01:37 AM

ردَّ الله عليه بصره

كان متعبدًا مجتهدًا يصلي الليل، فنظر مَرةً إلى امرأة، فدعا الله أن يُذهب بصرَه، فذهب بصره، فلم يحتمل العَمَى، فدعا الله أن يردّه عليه، فبينا هو يصلّي في المسجد، إذ رفع رأسَه، فنظر إلى القِنْدِيل، فدعا غلامه فقال: ماهذا؟ قال: القنديل، قال: وذاك؟ قال: وذاك، قال: وذاك؟ ـ يَعُدّ قناديل المسجد ـ فَخَر ساجدًا شكرًا لله إذ ردَّ عليه بصره، فكان بعد ذلك إذا رأى امرأة طأطأ رأسه..... فمن هو؟

الاجابة
عمرو بن حِمَاس الليثي

((أبو عَمْرو بن حِمَاس مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كِنانة.)) الطبقات الكبير.
((عَمْرُو بنُ حماس اللَّيْثِي. غير محفوظ.)) أسد الغابة.
((قال الواقدي: لم أسمع له باسم.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((أَخرجه ابن منده وأَبو نعيم، وقال أَبو نعيم: لا تصح له صحبة ـــ قال: وقيل: أَبو عمرو بن حماس، وهو المشهور.)) أسد الغابة.
((قد تقدم ذكر حِماس فيمن وُلد على عهد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وله قصة مع عمر)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبيه، قال: كان أبو عَمرو بن حِمَاس رجلًا من بني ليث، قليل الحديث، وكان متعبدًا مجتهدًا يصلي الليل، وكان شَدِيدَ النظر إلى النساء، فدعا الله أن يُذهب بصرَه، فذهب بصره، فلم يحتمل العَمَى، فدعا الله أن يردّه عليه. فبينا هو يصلّي في المسجد، إذ رفع رأسَه، فنظر إلى القِنْدِيل، فدعا غلامه فقال: ماهذا؟ قال: القنديل، قال: وذاك؟ قال: وذاك، قال: وذاك؟ ـ يَعُدّ قناديل المسجدـ فَخَر ساجدًا شكرًا لله إذ ردَّ عليه بصره. قال: فكان بعد ذلك إذا رأى المرأة طأطأ رأسه. قال: وكان يصوم الدهر. فإذا صلّى المغرب انصرف إلى منزله فأفطر، قال: فيفتر، قال: فتغلبه عيناه فينام، فكان أكثر ذلك تفوته صلاة العشاء الآخرة.)) الطبقات الكبير.
((تابعي معروف، أرسل حديثًا، فذكره ابن منده في الصحابة، وقال: عداده في أهل الحجاز، وله ذِكْرٌ في الصحابة.))
((أخرج من طريق ابن أبي ذئب، عن الحارث بن الحكم، عن أبي عمرو بن حِمَاس، عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "ليس للنساء سواء الطريق")) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبيه، قال: كان أبو عَمرو بن حِمَاس رجلًا من بني ليث، قليل الحديث)) الطبقات الكبير.
((قال خَلِيفَةُ: مات أبو عمرو بن حِماس سنة تسع وثلاثين ومائة.)) الإصابة في تمييز الصحابة.

ابو فداء 22 - 2 - 2012 01:57 AM

مشكوووور
يسلموووو
بأنتظار المزيد

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 02:38 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سما (المشاركة 226979)
تسلم الايادي وبارك الله بك
جزاك الله خيرا
متابعة لك مع الشكر

اشكرك على مرورك ومتابعتك بارك الله لك وعليك وفيك

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 02:40 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو فداء (المشاركة 227003)
مشكوووور
يسلموووو
بأنتظار المزيد

شكرا لك على مرورك ومتابعتك في حفظ الله

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 02:57 PM

أربعة مطعمون متتالون في بيت واحد

عندما هاجر الرسول ( وأصحابه إلى المدينة استقبلهم سعد خير استقبال، وسخر ماله لخدمتهم، وعرف سعد بالجود والكرم، وبلغت شهرته في ذلك الآفاق، وكان دائمًا يسأل الله المزيد من رزقه وخيره، فيقول:
اللهم هب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلُح عليه. [الحاكم].
وكان الرجل من الأنصار يستضيف واحدًا أو اثنين أو ثلاثة بينما هو يستضيف ثمانين، وكان مناديه يصعد أعلى داره وينادي: من كان يريد شحمًا ولحمًا فليأت. وقد دعا له النبي ( فقال: (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة) [أحمد].

وكان سعد يجيد الرمي، وكانت له فدائية وشجاعة فائقة، قال عنها ابن عباس
-رضي الله عنهما-: كان لرسول الله ( في المواطن كلها رايتان؛ مع علي راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار.
[عبد الرزاق وأحمد].
ووقف سعد بن عبادة موقفًا شجاعًا في بدر، حينما طلب النبي ( مشورة الأنصار، فقام سعد مشجعًا على القتال، فقال: يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
[أحمد ومسلم].
وفي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام، وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي ( أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول ( كلا من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في هذا الأمر، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله
به، ولابد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال رسول الله (: (إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة).
فقال سعد بن معاذ: والله يا رسول الله، ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله (: (فأنت وذاك)
[ابن هشام].


سعد بن عبادة بن دليم
بن أبي حليمة ويقال ابن أبي حزيمة بن ثعلبة ابن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي يكنى أبا ثابت وقد قيل أبو قيس والأول أصح وكان نقيباً شهد العقبة وبدراً في قول بعضهم ولم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين وذكره فيهم جماعة غيرهما منهم الواقدي والمدايني وابن الكلبي.
وذكره أبو أحمد الحافظ في كتابه في الكنى بعد أن نسب أباه وأمه فقال: شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويقال: لم يشهد بدراً وكان عقبياً نقيباً سيداً جواداً.
قال أبو عمر: كان سيداً في الأنصار مقدماً وجيهاً له رياسة وسيادة يعترف قومه له بها.
يقال: إنه لم يكن في الأوس والخزرج أربعة مطعمون متتالون في بيت واحد إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم ولا كان مثل ذلك في سائر العرب أيضاً إلا ما ذكرنا عن صفوان بن أمية في بابه من كتابنا هذا.
أخبرنا عبد الرحمن إجازة حدثنا ابن الأعرابي حدثنا ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن صالح القرشي أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه نافع قال: مر ابن عمر على أطم سعد فقال لي: يا نافع هذا أطم جده لقد كان مناديه ينادي يوماً في كل حول من أراد الشحم واللحم فليأت دار دليم فمات دليم فنادى منادي عبادة بمثل ذلك ثم مات عبادة فنادى منادي سعد بمثل ذلك ثم قد رأيت قيس بن سعد يفعل ذلك وكان قيس جواداً من أجواد الناس.
وبه عن محمد بن صالح قال: حدثني عبد الله بن محمد الظفري قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة أن دليما جدهم كان يهدي إلى مناة (صنم) كل عام عشر بدنات ثم كان عبادة يهديها كذلك ثم كان سعد يهديها كذلك إلى أن أسلم ثم أهداها قيس إلى الكعبة.
وبه عن محمد بن صالح قال: حدثني محمد بن عمر الأسلمي حدثني محمد بن يحيى بن سهل عن أبيه عن رافع بن خديج قال: أقبل أبو عبيدة ومعه عمر رضي الله عنه. فقالا لقيس بن سعد: عزمنا عليك ألا تنحر، فلم يلتفت إلى ذلك ونحر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: إنه من بيت جود.
وفي سعد بن عبادة وسعد بن معاذ جاء الخبر المأثور: إن قريشاً سمعوا صائحاً يصيح ليلاً على أبي قبيس: الطويل
فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف
قال: فظنت قريش أنهما سعد بن زيد مناة بن تميم وسعد بن هذيم من قضاعة فلما كان الليلة الثانية سمعوا صوتاً على أبي قبيس: الطويل
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدي وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله لطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف
قال فقالوا: هذان والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.

قال أبو عمر وإليهما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق يشاورهما فيما أراد أن يعطيه يومئذ عيينة بن حصن من تمر المدينة وذلك أنه اراد أن يعطيه يومئذ ثلث أثمار المدينة لينصرف بمن معه من غطفان ويخذل الأحزاب فأبى عيينة إلا أن يأخذ نصف التمر فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دون سائر الأنصار لأنهما كانا سيدي قومهما كان سعد بن معاذ سيداً لأوس وسعد بن عبادة سيداً لخرزج فشاورهما في ذلك فقالا: يا رسول الله، إن كنت أمرت بشيء فافعله وامض له وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم أومر بشيء ولو أمرت بشيء ما شاورتكما وإنما هو رأي أعرضه عليكما " . فقالا: والله يا رسول الله ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا. والله لا نعطيهم إلا السيف. فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهما، وقال لعيينة بن حصن ومن معه: ارجعوا فليس بيننا وبنيكم إلا السيف ورفع بها صوته.

الكتاب : الإستيعاب في معرفة الأصحاب
المؤلف : ابن عبد البر



ابو رضوان 22 - 2 - 2012 03:37 PM

زيارة خاصة إلى ...

سيد الحفاظ


أبو هريرة الدوسي


أبو هُريرة بن عامر بن عبد ذي الشَّري الدوسي:
أَخرجه أَبو نُعَيم، وأَبو موسى، وأَبو عمر، وهو صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَكثرهم حديثًا عنه، وهو دَوْسِيّ من دَوْسِ بن عُدْثان بن عبد اللَّه، وقد اختلف في اسمه كثيرًا، فقال النووي في مواضع من كتبه: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولًا،
وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولًا مذكورة في الكنى للحاكم، وفي "الاستيعاب"، وفي تاريخ ابن عساكر، وقال ابن حجر العسقلاني: "مجموعُ ما قيل في اسمه وحْدَه نحوا من عشرين قولًا: عبد شمس، وعبد نهم، وعبد تيم، وعبد غنم، وعبد العزى، وعبد ياليل؛ وهذه لا جائز أن تَبْقَى بعد أن أسلم كما أشار إليه ابن خزيمة، وقيل فيه أيضًا: عبيد بغير إضافة، وعبيد الله ــ بالإضافة ــ وسُكَين، وسكَنَ، وَعَمْرو، وعُمير، وعامر، وبرير، وبر، ويزيد، وسعد، وسعيد، وعبد الله، وعبد الرحمن، وجميعُها محتمل في الجاهلية والإسلام إلا الأخير؛ فإنه إسلامي جَزْمًا، والذي اجتمع في اسم أبيه خمسة عشر قولًا: عائذ، وعامر، وعمرو، وعمير، وغنم، ودومة، وهانئ، ومل، وعبد نهم، وعبد غنم، وعبد شمس، وعبد عمرو، والحارث، وعِشْرقة، وصخر؛ فهذا معنى قَوْل مَنْ قال: اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من ثلاثين قولًا"، وحكى ابْنُ مَنْدَه في أسمائه عَبْد بغير إضافة، وذكر ابن لَهِيعة أن اسمه كردوس بن عامر.
قال البخاري: "اسمه في الإِسلام عبد اللَّه، ولولا الاقتداءُ بهم لتركنا هذه الأَسماءَ فإِنها كالمعدوم لا تفيد تعريفًا، وإِنما هو مشهور بكنيته"

سبب كنيته
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: قال لي بعض أصحابنا، عن أبي هريرة كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صَخْر، فسماني رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكُنيت أبا هريرة؛ لأني وجدت هِرَّةً فحملتها في كمِّي، فقيل لي أبو هريرة، وأخرج الترمذي بسندٍ حسن، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: قلت لأبي هريرة: لِمَ كُنيت بأبي هريرة؟ قال: كُنتُ أرعى غَنَمَ أهلي، وكانت لي هرةٌ صغيرة، فكنتُ أضَعُها بالليل في شجرة، وإذا كان النهار ذهبتُ بها معي، فلعبتُ بها فكنوني أبا هريرة.
وفي صحيح البُخَارِيِّ أنّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال له: "يَا أَبَا هِرٍّ"(*)،
قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة فإن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كناني أبا هرّ والذَّكَرُ خير من الأنثى(*).
قصة إسلام امه

أمّه هي ابنة صُفَيح بن الحارث بن شَابِي، وكان سعد بن صُفَيح خال أبي هريرة من أشدّاء بني دوس فكان لا يأخذ أحدًا من قريش إلاّ قتله بأبي أُزَيهر الدَّوسِي، وقد ألقى الله محبة أبي هريرة وأمه في قلوب المؤمنين، فقد روى أبو كثير الغُبَري، عن أبي هريرة أنّه قال: والله لا يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلاّ أحبّني، قال قلتُ: وما يُعْلِمُك ذاك؟ قال فقال: إني كنتُ أدعو أمّي إلى الإسلام فَتأْبَى عَلَيَّ، قال فدعوتُها ذاتَ يوم إلى الإسلام فأسمعتني في رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما أكرَهُ فجئتُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلتُ: يا رسول الله إني كنتُ أدعو أمَّ أَبِي هريرة إلى الإسلام فتأبَى عليّ وإني دعوتُها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادْعُ الله أن يَهْدِيَ أمّ أبي هريرة إلى الإسلام، ففعل فجئتُ فإذا البابُ مُجافٌ وسمعتُ خَضْخَضَة الماء فلبستْ درعها وعَجلَتْ عن خمارها ثمّ قالت: ادخل يا أبا هريرة فدخلتُ فقالت: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله، فجئتُ أسعى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبكي من الفرح كما بكيتُ من الحزن، فقلتُ: أبْشِرْ يا رسول الله فقد أجاب الله دَعْوَتَك، قد هدى الله أمّ أبي هريرة إلى الإسلام، ثمّ قلتُ: يا رسول الله ادعُ الله أن يُحَبّبَني وأمّي إلى المؤمنين والمؤمنات وإلى كلّ مؤمن ومؤمنة، فقال: "اللهمّ حَبّبْ عُبيدك هذا وأمّه إلى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة"، فليس يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلاّ أحبّني(*)، روى ابن شهاب أنّ أبا هريرة لم يكن يحجّ حتى ماتت أمّه لصحبتها،


لم يُخْرِجْني إلاّ الجوع
وروى محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة أنّه قال: خرجتُ يومًا من بيتي إلى المسجد لم يُخْرِجْني إلاّ الجوع، فوجدتُ نَفَرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا هريرة ما أخْرَجَك هذه الساعة؟ فقلتُ: ما أخرجني إلاّ الجوع، فقالوا: نحن والله ما أخرجنا إلاّ الجوع، فقُمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "ما جاء بكم هذه الساعة؟" فقلنا: يا رسول الله جاء بنا الجوع، قال فدعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بطَبَقٍ فيه تمر فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين فقال: "كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء فإنّهما سَتَجْزِيانكم يومكم هذا"، قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرةً وجعلتُ تمرة في حُجْزَتي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة لِمَ رَفَعْتَ هذه التمرة؟" فقلتُ: رفعتُها لأمّي، فقال: "كُلْها فإنّا سَنُعْطيك لها تمرتين"، فأكلتها فأعطاني لها تمرتين(*).


كنتُ أجيرًا لبُسرَة بنت غَزوان بطعام بطني وعُقْبَةِ رِجْلي، فزوّجنيها الله

قال سَلِيم بن حَيَّان: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: نشأتُ يتيمًا وهاجرتُ مسكينًا وكنتُ أجيرًا لبُسرَة بنت غَزوان بطعام بطني وعُقْبَةِ رِجْلي، فكنتُ أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا فزوّجنيها الله فالحمد لله الذي جعل الدين قِوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا،
وفي رواية عن أبي هريرة قال: أكْرَيْتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعُقبة رجلي، قال فكانت تكلّفني أن أرْكَبَ قائمًا وأن أردي أو أورِدَ حافيًا، فلمّا كان بعد ذلك زَوّجنيها الله فكلّفتُها أن تَرْكَبَ قائمة وأن تَرِدَ أو تَرْدِيَ حافية، وفي رواية أخرجها ابْنُ خُزَيْمَةَ: وكانت إذا أتت على مكان سهلٍ نزلت، فقالت: لا أريم حتى تجعلي لي فيّ عصيدة، فهأَنَذَا أتيت على نحوٍ من مكانها، قلت: لا أريم حتى تجعل لي عصيدة،
وقال حُصَين بن عُرْفُطَةَ اليَرْبُوعي: كانت لأبي هريرة امرأة، فبقِيَتْ زمانًا لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم إنها اشتكت، فقال أبو هريرة: مَنَعَتْنَا هذه طلاقها بشكواها.

يَا بُنَيَّة، لا أحَلِّيك الذهب، إني أخشى عليك اللهب

جاء في ورعه ــ رضي الله عنه ــ أنه كان لا يحلي ابنته الذهب روى ذلك معاوية بن عبد الله بن بدر قال: دخلت على أبي هريرة وابنةٌ له تَنْزُو على ظهره وهو يقول: يَا بُنَيَّة، لا أحَلِّيك الذهب، إني أخشى عليك اللهب، كذلك فقد روى عمر بن سعيد، عن عبد الرحمن بن سابط وأبا الزبير قالا: لَقِيَتْ أبا هريرة ابْنَةٌ له فقالت: إن الجواري يُعَيِّرنَني يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب، فقال: قولي لهن: إنّ أَبَاي لا يُحَلِّيني الذهب، يخشى عَلَيَّ حَرّ اللهَب، وفي رواية عن أبي هريرة، أنه رأى على ابنةٍ له ذهبًا فقال: يا بنية لا تلبسي الذهب، فإني أخاف عليكِ اللهب،
ومن أقواله ــ رضي الله عنه ــ ما رواه معاوية المُزَنِيّ عنه أنه قال: لا تكونن أميرًا ولا جابيًا ولا عريفًا ولا نقيبًا.


وصفه ــ رضي الله عنه ــ

روى عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن عبد الرحمن بن لُبَيْنَة الطائفي أنّه قال: رأيتُ أبا هريرة وهو في المسجد، قال ابن خُثَيْم فقلتُ لعبد الرحمن: صِفْه لي، فقال: رجل آدم بعيد ما بين المنكبين، ذو ضَفَرَينِ، أفرق الثنيّتَينِ، كذلك فقد روى ضَمْضَم بن جَوْس قال: دخلتُ مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخ يضْفرُ رأسه برّاق الثنايا، قلتُ: مَن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو هريرة، وروى ابن أَبِي ذِئْب، عن عثمان بن عبيد الله قال: رأيتُ أبا هريرة يصفّر لحيته ونحن في الكُتَّاب،
وروى عمار بن أبي عمار أَن مروان بن الحكم أَتَتْه مَطَارِفُ من خزّ فكساها أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فكسا أبا هريرة مِطْرَفًا أغْبَرَ فكان يُثْنيه عليه ثلاثة أثناء من سَعَته، فأصابه شيء فتشبّكه تشبّكًا ولم يَرْفُه كما يرفون، فكأني أنظر إلى طرائفه من إِبْرَيْسَم،
وروى سعيد بن أبي سعيد قال: رأيتُ على أبي هريرة ساجًا مزرّرًا بديباج،

وقال خَبَّاب بن عروة: رأيتُ أبا هريرة عليه عمامة سوداء،
وقال محمد بن سِيرِين أنّ أبا هريرة كان يلبس الثياب الممشّقة،
وقال قُرَّة بن خالد: قلتُ لمحمد بن سِيرِين أكان أبو هريرة مُخْشَوْشِنًا؟ قال: لا بل كان ليّنًا، قلتُ: فما كان لونه؟ قال: أبيض، قلتُ: هل كان يخضب؟ قال: نعم نحو ما ترى، قال: وأهْوى محمد بيده إلى لحيته وهي حمراء، قلتُ: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى، قال: وعلى محمد ثوبان مُمَشَّقَان من كَتَّان، قال: وتمخّط يومًا فقال: بَخْ بَخْ، أبو هريرة يتمخّط في الكتّان؟!

وقال أبو هلال: حدّثنا شيخ أظنّه من أهل المدينة قال: رأيتُ أبا هريرة يُحْفِي عارضيْه يأخذ منهما، قال ورأيتُه أصفر اللحية،
وقال ثابت بن مِشْحَل مولى أبي هريرة: كنتُ رَدِيف أبي هريرة على دابته قال فتأتيني الريحُ بريحِ المسك من لحيته، قال: فأدنِي رأسي منه قال: فيقول: كأنك تحب ريح الطيب أو ريح المسك؟ قال فأقول: نعم، فيضحك،
وروى يحيَى بن أبي كَثِير أنّ أبا هريرة كان يكره أن ينتعل قائمًا وأن يأتَزِرَ فوق قميصه، وروى ذَكْوَان أن أبا هريرة كان لا يلبس قَميصًا ــ وأُرَاهُ ــ قال ثيابًا إلاّ بدأَ بميامِنِه.
إسلام أَبو هريرة
ــ رضي الله عنه ــ

اسلم عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وفي ذلك يروي خُثَيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن نفر من قومه أنّ أبا هريرة قدم المدينة في نفر من قومه وافدين وقد خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى خيبر واستخلف على المدينة رجلًا من بني غِفَار يقال له: سِباع بن عُرْفُطَةَ، فأتيناه وهو في صلاة الصبح فقرأ في الركعة الأولى: {كهيعص} [سورة مريم: 1] وقرأ في الركعة الثانية: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [سورة المطففين: 1]
قال أبو هريرة: فأقول في الصلاة ويل لأبي فلانٍ له مِكْيالان إذا اكتال اكتال بالوافي وإذا كال كال بالناقص، فلمّا فرغنا من صلاتنا أتَيْنا سِباعًا فزوّدنا شيئًا حتى قدمنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وقد افتتح خيبر فكلّم المسلمين فأشركونا في سُهْمانهم، وروى قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما قدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قلتُ في الطريق:
يا ليلةً من طولها وعنائها على أنّها منْ دارة الكُفْرِ نَجَّتِ
قال: وَأَبَقَ منِّي غلامٌ في الطريق فلمّا قدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فبايعتُه فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة هذا غلامك"، فقلتُ: هو لوجه الله، فأعْتَقْتُه(*)،
وروى عمّار بن أبي عمّار أنّ أبا هريرة قال: ما شهدتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مشهدًا قطّ إلاّ قَسَمَ لِي منه إلاّ ما كان مِنْ خيبر، فإنّها كانت لأهل الحُدّيْبِية خاصّة، وكان أبو هريرة وأبو موسى قَدِمَا بَيْنَ الحُديبية وخيبر، وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: وَعَدَنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم غَزْوَ الهِند فإن أدرِكها أنفق فيها مالي ونفسي فإن قتلتُ فأنا مِنْ أفضل الشهداء، وإن رجعتُ فأنا أبو هريرة المُحَرَّر(*).
وروى الحسن، عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صَلَّى الله عليه وسلم بثلاث لستُ بتاركهن حتى ألقاه: الوترَ قبل النوم، وصيام ثلاث من الشهر، والغسل يوم الجمعة(*)،


من أقواله
ــ رضي الله عنه ــ ما رواه عنه عَطَاء بن أَبِي رَبَاح أنه قال: ما وجع أحبّ إليَّ من الحُمَّى لأنها تُعْطي كلّ مَفْصِلٍ قِسْطَه من الوجع وإنّ الله يعطي كلّ مفصلٍ قسطه من الأجر،
وروى أبو يزيد المدني قال: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مقاما دون مقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعَتَبَةٍ، ثم قال: الحمد لله الذي هَدَى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي عَلَّمَ أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي مَنَّ على أبي هريرة بمحمد صَلَّى الله عليه وسلم، الحمد لله الذي أطعمني الخَمِيرَ وألبسني الحَبِيرَ، الحمد لله الذي زوَّجني ابنَةَ غَزوان بعدما كنت أجيرًا لها بطعام بطني وعُقبة رِجْلي، أَرْحَلَتني فَأَرْحَلتُها كما أرحلتني،
وروى أبو يونس، عن أبي هريرة أنه قال: والله يا أهل الإسلام إن كانت إِجَارَتي إلا على كِسرة يابسة أو عُقبة في ليلة مظلمة،
وروى أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة، قال: إني لأشحذ سيفي منذ خمس عشرة سنة للمسيح الدجال ــ وفي رواية قال: منذ أربع عشرة سنة، وإن عيسى بن مريم نازل، فمن أدركه منكم فَليُقْرِئْه مني السلام،
وقد روى أبي صالح، عن أبي هريرة قال: إني لأرجو أن آكل مع عيسى بن مريم بأصبعي هذه.


الصرع من الجوع

كان أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ من أهل الصفة روى عنه الوليد بن رَبَاح قال: إن كان ليُغْشَى عَلَيَّ فيما بين حجرة عائشة وأم سلمة من الجوع، وفي رواية محمد بن سِيرين، عن أبي هريرة قال: لقد رأيتُني أصرَع بين منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة فيقال: البائس مجنون وما بي إلا الجوع،
وروى داود بن فَرَاهيجِ، عن أبي هريرة قال: ما كان لنا طعام على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلاّ الأسْوَدَان التمرُ والماءُ،

يا بنتَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَطْوِي بطنكِ الليلة لله


روى مُسلم المكّي، أن أبا هريرة حدثه أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائمًا لا يقدر على شيء، قال: فانصرفتُ وراء أبي بكر، فسألني أبو بكر كيف أنت يا أبا هريرة؟ ثم انْصَرَفَ، قال: فَعرِفتُ أَنْ ليس عنده شيء، قال: ثم انصرفت وراء عُمر عِشَاءً قال: فسألني كيف أنت يا أبا هريرة؟ وانْصَرَفَ، فعرفتُ أن ليس عنده شيء، قال: ثم انصرفتُ وراء عَلِيٍّ عِشاءً بعد المغرب، فقال ادخل يا أبا هريرة، فأيُّ فَرَحٍ فَرِحْتُ، فقال: يا بنتَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَطْوِي بطنكِ الليلة لله، فإن عندنا ضيفًا، قال: فجاء بخُبْزَتَيْن مثل هَاتَيْن قال: وقام عَلِيٌّ إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، قال: وحرّكا أفواهَهما وليس يأكلان شيئا، قال: يا بنت رسول الله هل من شيء؟ قال: فتُخرِج من تحت فخذها مِزوَدًا مثل تيّه وقال بكفه كلها وفيه كفٌّ من سويق، فقال بنصف كفّهِ وخمس تمرات أو ستّ، قال: فأكلتهنّ ولم يَقَعْنَ منّي موقعًا.


ما أتبَعُه إلا ليُطعِمني
يروي عبد الرحمن بن عَبْد، عن أبي هريرة قال: إن كنت لأتبع الرجلَ أسأله عن الآية من كتاب الله لأنا أعلم بها منه ومن عشيرته، وما أتبَعُه إلا ليُطعِمني القبضةَ من التمر أو السُّفَّةَ من السَّوِيق أو الدّقيق أَسُدُّ بها جوعي، قال: فأقبلت أمشي مع عُمر بن الخطاب ذات يوم أُحدّثه حتى بلغ بابه، قال: فأسند ظهره إلى الباب واستقبلني بوجهه، وقال بيده على الباب كلما فرغت من حديث حدثته بآخر، حتى إذَا لَمْ أَرَ شيئًا انطلقتُ، فلما كان بعد ذلك لقيني
فقال: أبا هِرّ، أما إنه لو كان في البيت شيء لأطعمناك.
وروى أَبو رافع أن أبا هريرة قال: ما أحد من الناس يهدي إليَّ هدية إلا قبلتها فأما أن أسأل فلم أكن لأسأل، وعنه ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: لا خير في فضول الكلام.


وقد جاء في زهده
ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: ما أحِبّ أن لي سبعين راحلة وأنا بالمدينة لا أشهد الجمعة، ولأن أصلي بالحرم أحب إليّ من أن أَتَخَطَّى،

وروى هشام بن عروة، عمّن سمع أبا هريرة يقول: درهم يكون من هذا وكأنّه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحبُّ إليّ من مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف مِن مالِ فلان، وعنه ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: لَأَن أدع أربعمائة درهم دَينًا أحب إلي من أن أدَع أربعمائة درهم عَيْنًا،
وروى أَبو الزُّعَيْزِعَة كاتب مروان، أن مروان بعث معه إلى أبي هريرة بمائة دينار فلما كان من الغد قال له اذهب فقل له إني إنما أخطأت ليس إليك بَعَثَ بها فإنما أراد مروان أن يَعلَم أيمسكها أبو هريرة أو يُفَرِّقها قال فأتيته فقال ما عندي منها شيء ولكن إذا خَرج عطائي فاقبضُوها.
وفي فضله
ــ رضي الله عنه ــ روى غالب بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه كان يقول إِذَا ذَكَرَ عثمان وعليًّا، لا يقول للميت إلا خيرا، ولا يقول للحي إلا خيرا،
وروى مَعْمَر بن راشد قال: بلغني أن أبا هريرة مَرَّ على رجل فسلّم عليه فقيل له: إنه يهودي فرجع إليه فقال: رُدّ عليّ سلامي وأدعو، قال: قد رددته، قال: اللهم أكثر مالَه وولده، وروى الزُّهْرِيّ، عن أبي هريرة أنه كان إذا صلى على الميت قال: اللّهُم إن كانت هذه النفس زاكِيَةً فزكّها، وإن كانت خاطئة فاغفِر لها،
وقال أَبو المُهَزِّم: رَأَى أبو هريرة رجلًا راكبًا على دابة وغلامه يسعى خلفه فقال: يا عبد الله احمِلْهُ! فإنما هو أخوك رُوحُه مثل رُوحِكُ،

وروى الحكم بن الصَّلت، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه قال: لولا الحج والعمرة والغزوُ لأحببت أن أموت وأنا عبد مملوك، لأن المملوك إذا أدى فريضة الله عليه ونصح لمواليه كان له أجران، وإنّ للحُرِّ أجرًا واحدًا،
وروى أبو بكر بن أبي مريم، عن شيخ له قال: سألتُ أبا هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذَّبِّ عنهم،
وروى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أَبِي مَنْبُوذَة كان لأبي هريرة بِرْذَونٌ وَبَعير وكان من المدينة على خمسة أميال، فربما لم يَجِئ الجمعة كثيرًا.


سرعة الحفظ وقوة الذاكرة

ان أبطال الحروب من الصحابة كثيرون، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون، ولكن كان هناك قلة من الكتاب، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها، وإنما يملك موهبة تكمن في ذاكرته، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة، فعزم على تعويض ما فاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله إلى الأجيال القادمة...

فهو يقول: إنكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون ان المهاجرين الذين سبقوه إلى الإسلام لا يحدثون هذه الأحاديث، ألا إن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم، واني كنت امرءا مسكينا، أكثر مجالسة رسول الله، فأحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال: (من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني)...

فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إلي فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا، هي: {...إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}...


مقدرته على الحفظ

أراد مروان بن الحكم يوما أن يختبر مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعاه اليه ليحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجلس كاتبا له وراء حجاب ليكتب كل ما يسمع من أبي هريرة، وبعد مرور عام، دعاه ثانية، وأخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كتبت، فما نسي أبو هريرة منها شيئا...

وكان -رضي الله عنه- يقول: (ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص، فانه كان يكتب ولا أكتب)...
وقال عنه الإمام الشافعي: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره)... وقال البخاري: (روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم)...

وفي عبادته
ــ رضي الله عنه ــ قال أبو أيوب: كان لأبي هريرة مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد على باب دارِهِ، إِذَا خَرَج صلى فيها جميعا، وإذا دَخل صلى فيها جميعًا،
وروى أبو المُهَزِّم قال: كان لأبي هريرة مَكّوك يسبّح فيه بالنوى،
وروى محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدّثنا شيخ من أهل مكة أنه رأى أبا هريرة يُسَبِّح بالنَّوَى المُجزّع،
وروى عِكْرِمَة أن أبا هريرة كان يسبّح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة يقول أسبِّح بقدر دِيَتي،
وروى النَّخَعِيّ، أن أبا هريرة دخل الحمّام فقال: لا إله إلا الله،
وقال أبو عثمان النَّهْدِيّ: تضيفت أبا هريرة سبعًا، فكانوا يَعْتَقِبُون الليلَ أثلاثًا، ثُلُثًا هو، وثُلُثًا امرأته، وثلثا خادمه، قال: وقلت لأبي هريرة: كيف تصوم يا أبا هريرة؟ قال: أما أنا فإني أصوم من الشهر ثلاثًا، فإن حَدَثَ حَدَثٌ كنت قد قضيته، وروى شراحيل أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين والخميس وقال إنهما يومان تُرفع فيهما الأعمال.
يروي أبو عطاف، أن أبا هريرة كان يقول: أَي رَبِّ لا أَزْنِيّن، أي ربّ لا أَسْرِقَنّ، أَيْ رَبِّ لا أكفُرَنّ، قيل له أو تخاف؟ قال: أمنت بِمُحَرِّفِ القلوب ثلاثًا،
وروى أبو الربيع قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن هذه الكناسة مُهلِكةٌ دنياكم وآخرتكم.
روى سليمان بن أبي سليمان، عن أبيه قال: رأى أبو هريرة زِنجيّةً كأنها شيطان فقال: يا أبا سليمان، اشْتَرِ لي هذه الزنجية، فانطلقت فاشتريتها وهو على حمار معه ابنٌ له، فقال أبو هريرة لابنه: أَرْدِفْها خَلْفي، قال: فكره ابنه ذاك، فجعل ابنه يُزْجِيه ليخرجه من السوق، فقال: أَرْدِفها خلفي وَيْحَك، والله لَشُعْلَةٌ من نارٍ أجد مَسّها خلفي أحبّ إليّ من أن أرغب عن هذه ألاَّ أَحْمِلَها، إني لو انْتَسَبْتُ وانْتَسَبَتْ لم نُجاوز إلا قليلًا حتى نجتمع أردِفْها، فأردَفَها خلفَه، وأخرج البَيْهَقِيُّ في "المدخل" بسنده عن أبي هريرة قال: لقي كعبًا فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيتُ رجلًا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة.
وقد صحب أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أربع سنين، روى ذلك دَاوُدَ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن حميد الحِمْيَري قال: صحبت رجلًا صحبَ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة(*)،
وأخرج أَحْمَدُ، من حديث أبيّ بن كعب أن أبا هريرة كان جريئًا على أنْ يسألَ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره(*).
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في كتاب "المُزَاحِ"، والزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فيه، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رجلًا قال له: إني أصبحتُ صائمًا، فجئتُ أبي فوجدتُ عنده خبزًا ولحمًا، فأكلت حتى شبعت، ونسيتُ أني صائم، فقال أبو هريرة: الله أطعمك، قال: فخرجت حتى أتيتُ فلانًا فوجدتُ عنده لِقْحَة تحلب فشربتُ من لبنها حتى روِيت، قال: الله سقاك، قال: ثم رجعت إلى أهلي وثقلت فلما استيقظتُ دعوت بماء فشربته، فقال: يا ابن أخي، أنتَ لم تعود الصيام.
وكان أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ عاملًا علي البحرين في عهد عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ ثم عزله،
روى محمد بن سِيرين، عن أبي هريرة قال: قال لي عمر يا عدوّ الله وعدوّ كتابه أسَرَقْتَ مال الله؟ قال فقلتُ: ما أنا بعدوّ الله ولا عدوّ كتابه ولكني عدوّ مَن عاداهما، ولا سرقتُ مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قال قلتُ: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق، قال: فأمر بها أمير المؤمنين فقُبِضَتْ، قال فكان أبو هريرة يقول: اللهمّ اغفر لأمير المؤمنين،
وفي رواية أخرى لمحمد بن سِيرِين، عن أبي هريرة قال: فأخذ مني اثني عشر ألفًا، قال: ثمّ أرسل إليّ بعدُ أن لا تعمل؟ قلتُ: لا، قال: لِمَ؟ أليس قد عمل يوسف؟ قلتُ: يوسف نبيّ ابن نبيّ فأخشى من عَمَلكم ثلاثًا أو اثنتين، قال: أفلا تقول خمسًا؟ قلت: لا، أخاف أن يشتموا عرضي ويأخذوا مالي ويضربوا ظهري، وأخاف أن أقولَ بغير حِلْم وأقضي بغير علم،
وروى إسحاق بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب قال لأبي هريرة: كيف وجدتَ الإمارةَ يا أبا هريرة؟ قال: بعثتَني وأنا كاره ونزعتَني وقد أحببتُها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين فقال: أظَلَمْتَ أحدًا؟ قال: لا، قال: أخذتَ شيئًا بغير حقّه؟ قال: لا، قال: فما جئتَ به لنفسك؟ قال: عشرين ألفًا، قال: من أين أصبتَها؟ قال: كنتُ أتّجِرُ، قال: انظر رأسَ مالك ورِزْقَك فخذه واجعل الآخر في بيت المال.
وروى الحكم، عن أبي جعفر قال: كان يكون مروان على المدينة فإذا خرج منها استخلف أبا هريرة، وقال أبو رافع: كان مروان ربّما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حمارًا قد شَدّ عليه، قال عفّان: قُرْطاطًا، وقال عارم: بَرْذَعَةً، وفي رأسه خُلْبة من ليف، فيسير، فيلقى الرجل، فيقول: الطريقَ! قد جاءَ الأمير، وربّما أتَى الصبيانَ وهم يلعبون بالليل لعْبَةَ الغراب فلا يشعرون بشيء حتى يُلْقِي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيفرّون، وربمّا دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العُراق للأمير، فأنظر فإذا هو ثَرِيدَةٌ بزيت.

وروى عطاء بن أَبي مروان الأَسْلَمِيّ، عن أبي هريرة أنّه سمعه وهو في مجلس أسلم، ومجلسهم قريب من المنبر، وأبو هريرة يخطب الناس، ثمّ التفت إلى مجلس أسلم فيقول: موتوا سَرَوات أسلم، موتوا ثلاث مرّاتٍ، يا معشر أسلم موتوا ويموت أبو هريرة،
وروى عُبَيْد بن بَاب قال كنتُ أصبّ على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضّأ فَمَرّ به رجل فقال: أين تريد؟ قال: السّوق، فقال: إن استطعتَ أن تشتري الموتَ من قبل أن ترجع فافعل، ثمّ قال أبو هريرة: لقد خِفْتُ الله ممّا استعجل القَدَرَ، وروى حَبِيب بن أَبِي فَضَالة أنّ أبا هريرة ذكر الموت فكأنّه تَمنّاه فقال بعض أصحابه: وكيف تمنّى الموت بعد قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ليس لأحدٍ أن يتمنى الموت لا برّ ولا فاجر، أمّا برّ فيزداد بِرًّا وأمّا فاجر فيَسْتَعْتِب"، فقال: وكيف لا أتمنى الموت وأنا أخاف أن تُدْرِكَني ستّة: التهاون بالذّنْبِ، وإمْرة السفهاء، وبَيْع الحِكَم، وتقاطع الأرحام، وكثرة الشُّرَطِ، ونَشَأٌ يَتَّخِذُونَ القرآن مزاميرَ(*).
وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن أنّه دخل على أبي هريرة وهو مريض فقال: اللهمّ اشْفِ أبا هريرة، فقال أبو هريرة: اللهمّ لا تُرْجِعْني، قال: فأعادها مرّتين، فقال له أبو هريرة: يا أبا سلمة إن استطعتَ أن تموت فمُتْ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده لَيُوشِكَنّ أن يأتي على العلماء زمنٌ يكون الموت أحبّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر، أو ليوشكنّ أن يأتي على الناس زمانٌ يأتي الرجل قبرَ المسلم فيقول: وددتُ أني صاحب هذا القبر،

وروى أَبو المُهَزِّم، عن أبي هريرة أنّه كان إذا مرّت به جنازة قال: امضي فأنا على الأَثر، وروى عبد الرحمن بن مِهْران مولى أبي هريرة أنّ أبا هريرة لما حضرته الوفاةُ قال: لا تضربوا عليّ فُسطاطًا ولا تتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعًا فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إذا وُضِعَ الرجل الصالح أو المؤمن على سريره قال: قدّموني، وإذا وُضِعَ الكافر أو الفاجر على سريره قال: يا ويلتي أين تذهبون بي!"(*)،
وروى المَقْبُرِيّ عن أبي هريرة أن مروان دخل عليه في شَكْوِاه الذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة! فقال أبو هريرة: اللهمّ إني أحبّ لقاءك فأحِبّ لقائي، قال فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة،

أبكي لبُعْد سفري وقلّة زَادي
وروى سَلْم بن بشير بن جَحْل قال: بكى أبو هريرة في مرضه فقيل له: ما يُبْكيك يا أبا هريرة؟ قال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكنّي أبكي لبُعْد سفري وقلّة زَادي، أصْبَحْتُ في صَعُودٍ مَهْبِطُهُ على جَنّةٍ ونارٍ فلا أدري إلى أيّهما يُسْلَكُ بي،
وروى أَبو سَلَمَة قال: دخلتُ على أبي هريرة وهو يموت فقال لأهله: لا تُعَمّمُوني ولا تُقَمّصُوني كما صُنعَ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وروى ثابت بن مِشْحَل قال: نزل الناس من العوالي لأبي هريرة وكان الوليدُ بن عُتْبة أميرَ المدينة فأرسل إليهم لا تدفنوه حتى تُؤذِنُوني، ونام بعد الظهر فقال ابن عمر وأبو سعيد الخُدْري، وقد حضرا: اخرجوا به، فخرجوا به بعض الظهر فانتهوا به إلى موضع الجنائز وقد دنا أذان العصر، فقال القوم: صَلّوا عليه، فقال رسول الوليد: لا يصلّى عليه حتى يجيءَ الأمير، فخرج للعصر فصلّى بالناس ثمّ صلّى عليه وفي الناس ابن عمر وأبو سعيد الخُدْري، وفي رواية: صلّى عليه الوليد بن عتبة وهو أمير المدينة ومروان بن الحَكَم يوم شهد أبا هريرة معزولًا من عمل المدينة،
وروى محمد بن هلال، عن أبيه قال: شهدتُ أبا هريرة يوم مات وأبو سعيد الخُدْري ومروان يمشيان أمام الجنازة،
وروى عبد الله بن نافع، عن أبيه، قال: كنتُ مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها ويُكْثِرُ الترحّم عليه ويقول: كان مِمّن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على المسلمين،
وروى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان قال: لمّا مات أبو هريرة كان ولد عثمان يحملون سريره حتى بلغوا البقيع حفظًا بما كان من رأيه في عثمان،
وقال ثابت بن مِشْحَل: كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يُخْبرُه بموت أبي هريرة فكتب إليه: انظر من ترك فادفع إلى وَرَثَتِه عشرة آلاف درهم وأحْسِنْ جِوارَهم وافعل إليهم معروفًا فإنّه كان مِمّن نصر عثمان وكان معه في الدار فرحمه الله،
وقال محمد بن عمر: كان أبو هريرة ينزل ذا الحُليفة وله دار المدينة تصدّق بها على مواليه فباعوها بعد ذلك من عمر بن بَزِيع.

توفّي
ــ رضي الله عنه ــ سنة تسعٍ وخمسين في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان؛ قاله الواقدي، وأبو عبيد، وغيرهما، وكان له يومَ توفّي ثمان وسبعون سنة، وهو الذي صلّى على عائشة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثمانٍ وخمسين، وهو الذي صلّى على أمّ سَلَمة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في شوّال سنة تسعٍ وخمسين، وكان الوالي على المدينة حينئذٍ الوليد بن عُتبة، فركب إلى الغابة وأمر أبا هريرة يصلّى بالناس، فصلّى على أمّ سلمة في شوّال ثمّ توفي أبو هريرة بعد ذلك في هذه السنة،
وقال هشام بن عروة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وقد تردد البخاري فيه فقال: مات سنة سبع وخمسين، وكانت وفاته ــ رضي الله عنه ــ بقَصْره بالعقيق، فحُمِل إلى المدينة.



منقول بتصرف

lawanda 22 - 2 - 2012 04:28 PM

بارك الله بك على هذه القصص التي اخترتها عن الصحابة

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 04:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lawanda (المشاركة 227134)
بارك الله بك على هذه القصص التي اخترتها عن الصحابة

وبك بارك شكرا لك على المرور

منتصر أبوفرحة 22 - 2 - 2012 11:55 PM

حتى تعم الفائدة ويكون هذا الموضوع بمثابة مرجع
نثبته
وفقك الله اخي

ابو رضوان 26 - 2 - 2012 11:04 AM

اولا اشكر الاخ منتصر على تثبيت الموضوع جزيل الشكر

الشهيد الصادق

أنس بن النضر
رضي الله عنه


أنَسُ بن النَّضْر بن ضَمْضَم الأنصاري الخزرجي النجاري:
أَخرجه أَبو موسى. عم أنس بن مالك خادم النبي صَلَّى الله عليه وسلم. أمه هند بنت زيد بن سواد.


مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ
في "صحيح الْبُخَارِيِّ" عن أنس بن مالك أنَّ الربَيّع بنت النضر عمته لطمت إنسانًا فطلبوا العفو فأبوا، فطلبوا الأرْش فأبوا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ"، فقال أنس بن النضر: أيكسر سنّ الربيّع؟ لا، والذي بعثك بِالحقِ لا يكسِر سنُها، فرضوا بالأرْش، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ"
أخرجه مسلم 3/1302 كتاب القسامة باب 5 إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها حديث 24 ـــ 1675 وأحمد في المسند 3/128، 167، 584، والبيهقي في السنن الكبرى 8/25، 64، والبغوي في شرح السنة 1/147، والمتقي الهندي في كنز العمال 5932، 5952.

قال ابن حجر العسقلاني في "الإصابة في تمييز الصحابة":
وأما ما وقع في "صحيح مسلم" من وجهٍ آخر عن أنس أنَّ أخْتَ الربيّع جرَحت إنسانًا، فذكره؛ وفيه: فقالت أمُّ الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ فتلك قصة أخرى إن كان الراوي حفظ، وإلّا فهو وَهْم من بعض رواته، ويستفاد إن كان محفوظًا أنَّ لوالدة الربيع صحبة .

ما عرفت أخي إلا ببنَانِه

ولأنس عنها رواية في "صحيح مسلم" في قصةِ قَتْل أخيها أنس بن النضر لما استشهد بأحُد؛ قال أنس: فقالت أخته الربَيّع عمتي بنت النضر: ما عرفت أخي إلا ببنَانِه، وهذا صريح من روايته عن عمته. وليس لأنس بن النضر عَقِبٌ.

لَيَرَيَنَّ الله كيف أصنع

روى يزيد بن هارون، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، عن أنس بن مالك أن عَمَّه أنس بن النضر غاب عن قتال بدر فقال: غُيّبتُ عن أول قتال قاتله رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم المشركين، لئن الله أشهدني قتالًا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم للمشركين لَيَرَيَنَّ الله كيف أصنع، فلما كان يوم أُحُد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ـــ يعني المشركين ـــ وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـــ يعني أصحابَه المسلمين ـــ ثم مضى بسيفه، فلقيه سعدُ بن معاذ في أخراها فقال: أي سعد، وَاهًا لريح الجنة، والله إني لأجدها دون أحد، قال سعد: فقلت: أنا معك، فلم أستطع أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك: فَوُجِدَ قتيلًا فيه بضعٌ وثمانون بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وقد مثلوا به فما عرفناه حتى عرفته أخته بِبَنَانه.

(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)

قال أنس في حديث يزيد فكنا نقول: فيه وفي أصحابه نزلت: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} [سورة الأحزاب: 23].

قال محمد بن عمر في حديثه : لما جال المسلمون يوم أحد تلك الجولة ونادى إبليسُ قد قُتلَ محمد، فَمَرَّ أنسُ بن النضر يقاتل قدمًا، فرأى عمر بن الخطاب ومعه رهطٌ من المسلمين فقال: ما يُقعِدُكم؟ قالوا: قُتِل رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال أنس بن النضر: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم جَالدَ بسيفه حتى قُتِل،
فقال عمر بن الخطاب: إني لأرجو أن يبعثه الله أُمَّةً واحدة يوم القيامة.

روى أنس بن مالك: أن عَمَّه أنس بن النضر غاب عن قتال بدر فقال: غُيّبتُ عن أول قتال قاتله رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المشركين، لئن الله أشهدني قتالًا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، للمشركين لَيَرَيَنَّ الله كيف أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ــ يعني: المشركين ــ وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء ــ يعني: أصحابَه المسلمين ــ ثم مضى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ في أخراها قال فقال: أي سعد، وَاهًا لريح الجنة، والله إني لأجدها دون أحد، قال سعد: فقلت: أنا معك فلم أستطع أصنع ما صنع، قال أنس: فَوُجِدَ قتيلًا فيه بضع وثمانون بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وقد مثلوا به فما عرفناه حتى عرفته أخته بِبَنَانه، قال أنس في حديث يزيد فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} [سورة الأحزاب: 23].

قوموا فموتوا على ما مات عليه

وقال محمد بن عمر في حديثه: لما جال المسلمون يوم أحد تلك الجولة، ونادى إبليسُ قد قُتلَ محمد، فَمَرَّ أنسُ بن النضر بن ضَمْضَم يقاتل قدما، فرأى عمر بن الخطاب ومعه رهط من المسلمين فقال: ما يُقعِدُكم؟ قالوا: قُتِل رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال أنس ابن النضر: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم جَالدَ بسيفه حتى قُتِل فقال عمر بن الخطاب: إني لأرجو أن يبعثه الله أُمَّةً واحدة يوم القيامة.




من كتاب الاستيعاب والإصابة في تمييز الصحابة

ابو رضوان 26 - 2 - 2012 11:35 AM

صاحب العصابة الحمراء
أبو دجانة الأنصاري


((أَبو دُجَاَنةَ سِمَاك بن خَرَشة. وقيل: سماك بن أَوس بن خرشة بن لوذان بن عبد وُدّ بن زيد بن ثعلبة بن طَرِيف بن الخَزْرج بن سَاعِدَة بن كعب بن الخزرج الأَكبر الأَنصاري الخزرجي الساعدي، من رهط سعد بن عبادة، يجتمعان في طريف.))
((أَخرجه أَبو عمر، وأَبو نعَيم، وأَبو موسى.)) أسد الغابة.
((أبو دُجانة الأنصاريّ. هو مشهورٌ بكنيته)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((أمّه حَزمة بنت حَرْملة من بني زِعْب من بني سُليم بن منصور.))
((ولأبي دُجانة عقب اليوم بالمدينة وبغداد‏.)) ((كان لأبي دُجانة من الولد خالد وأُمّه آمنة بنت عمرو بن الأجشّ من بني بَهْز من بني سُليم بن منصور.)) الطبقات الكبير.
((شهد بَدْرًا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان بُهْمَةً من البُهَم الأبطال، دافع عن رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم أُحُد هو ومصعب بن عمير، فكثرت فيه الجراحات)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

((له مقامات محمودةٌ في مغازي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو من كبار الأنصار، استشهد يوم اليمامة.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((قال محمد بن عمر: وشهد أبو دُجانة اليمامة وهو فيمن شارك في قتل مُسيلمة الكذّاب، وقُتل أبو دُجانة يومئذٍ شهيدًا سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصّدّيق.)) الطبقات الكبير. ((شهد بدرًا وأُحُدًا وجميع المشاهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَعطاه رسول الله سيفه يوم أُحد، وقال: "من يأْخذ هذا السيف بحقِّه"، فأَحجم القوم، فقال أَبو دُجَانة: أَنا آخذه بحقه، فدفعه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِليه، ففلق به هَامَ المشركين
أخرجه أحمد 3/123، وابن أبي شيبة 12/ 206، 14/ 401، والحاكم 3/230 وذكره الهيثمي في الزوائد 6/112، 9/127.

وقال في ذلك: [الرجز]

أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِـي خَلِيلِـي وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيـــلِ

أَنْ لَا أَقومَ الدَّهْرَ فِي الكَيُول أَضْرِبْ بِسَيفِِ الله وَالرَّسُولِ

عن ابن عباس، قال: لما رجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من أُحُد أَعطى فاطمة ابنته سيفه، وقال: "يَا بُنَيَّةُ، اغْسِلِي عَنْ هَذَا الدَّمِ"، وأَعطاها علي رضي الله عنهما سيفه، وقال: وهذا، فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه سَهْلُ بن حُنِيف، وأَبو دُجَانَة"
أخرجه الحاكم 3/124..

صاحب العصابة الحمراء
عصابة الموت

(العصابة : العمامة )
وكان من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حَمْراءِ، يعلم بها في الحرب، فلما كان يوم أُحد أَعلم بها، واختال بين الصفين، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا الله، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا فِي هَذَا المَقَامِ".
عن أَنس أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَخذ سيفًا يوم أُحد، فقال: "مَنْ يَأْخُذُ هَذَا مِنِّي"؟ فبسطوا أَيديهم كُلُّ إِنسان منهم يقول: أَنا، أَنا، قال: "فمن يأْخذه بحقه"، فأَحجم القوم، فقال سماك أَبو دجانة: أَنا آخذه بِحَقِّه، فأَخذه، ففلق به هام المشركين .
أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة حديث 128 وأحمد 3/123، وابن أبي شيبة 12/206، 14/ 98، 401، والحاكم 3/230..

وهو من فضلاء الصحابة وأَكابرهم، استشهد يوم اليمامة بعدما أَبلى فيها بلاءً عظيمًا، وكان لبني حنيفة باليمامة حديقة يقاتلون من ورائها، فلم يقدر المسلمون على الدخول إليهم، فأَمرهم أَبو دجانة أَن يلقوه إِليها، ففعلوا، فانكسرت رجله، فقاتل على باب الحديقة، وأَزاح المشركين عنه، ودخلها المسلمون، وقتل يومئذ.
وقيل: بل عاش حتى شهد صِفين مع عليّ، والأَول أَصح وأَكثر، وأَما الحِرْز المنسوب إِليه فإِسناده ضعيف.))
وعن زيد بن أسلم قال: دخل على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل ما لوجهك يتهلل فقال ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين أما إحداهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.



وقد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان، وكان شديد الحب لله ولرسوله (، كثير العبادة، اشترك في غزوة بدر وحضر المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبلى فيها بلاء حسنًا.
وقف يوم أحد إلى جانب فرسان المسلمين، يستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض عليهم سيفه، قائلا: (من يأخذ مني هذا؟) فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا ..أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: (فمن يأخذه بحقه؟)، فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه أبو دجانة، ففلق به هام المشركين (أي شق رءوسهم) [رواه مسلم].
وأخذ أبو دجانة عصابته الحمراء وتعصب بها، فقال الأنصار من قومه: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، ثم نزل ساحة المعركة، وهو ينشد:
أَنَا الذي عَاهَدَنِي خَلِيــلِي وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيــلِ
أَنْ لا أُقِيمَ الدَّهرَ في الكبُولِ أَضــْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ
وأخذ يقتل المشركين، ويفلق رءوسهم بسيف الرسول صلى الله عليه وسلم
حتى بدأ النصر يلوح للمسلمين، فلما ترك الرماة أماكنهم، وانشغلوا بجمع الغنائم، عاود المشركون هجومهم مرة أخرى، ففر كثير من المسلمين، وثبت بعضهم يقاتل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم أبو دجانة الذي كان يدفع السهام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعدما رأى كتائب المشركين تريد الوصول إليه، فتصدى لهم بكل ما أوتى من قوة؛ أملا في الحصول على الشهادة.

كسرت قدمه

ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راض عنه، فواصل جهاده مع خليفته أبي بكر الصديق، وشارك في حروب الردة، وكان في مقدمة جيش المسلمين الذاهب إلى اليمامة لمحاربة مدعي النبوة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة، وقاتل قتال الأسد حتى انكشف المرتدون، وفروا إلى حديقة مسيلمة، واختفوا خلف أسوارها وحصونها المنيعة، فألقى المسلمون بأنفسهم داخل الحديقة وفي مقدمتهم أبو دجانة، ففتح الحصن، وحمى القتال، فكسرت قدمه، ولكنه لم يهتم، وواصل جهاده حتى امتلأ جسده بالجراح، فسقط شهيدًا على أرض المعركة، وانتصر المسلمون، وفرحوا بنصر الله، وشكروا لأبي دجانة صنيعه من تضحية وجهاد لإعلاء كلمة الله.

منقول بتصرف
من كتاب الاستيعاب
وموقع صحابة رسول الله

قال ابن إسحاق : وقال أبو دجانة سماك بن خرشة
: رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا ، فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة

والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته

قال ابن هشام : حدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة
وقلت : أنا ابن صفية عمته ، ومن قريش ، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله
فأعطاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته ، فأخرج عصابة له حمراء ، فعصب بها رأسه فقالت الأنصار : أخرج
أبو دجانة
عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها ، فخرج وهو يقول

أنا الذي عاهدني خليلي
ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول
أضرب بسيف الله والرسول

وقول
أبي دجانة
ألا أقوم الدهر في الكيول
قال أبو عبيد : الكيول آخر الصفوف قال ولم يسمع إلا في هذا الحديث

وقال الهروي مثل ما قال أبو عبيد ، وزاد في الشرح وقال سمي بكيول الزند وهي سواد ودخان يخرج منه آخرا ، بعد القدح إذا لم يور نارا ، وذلك شيء لا غناء فيه
يقال منه كال الزند يكول فالكيول فيعول من هذا ، وكذلك كيول الصفوف لا يوقد نار الحرب ولا يزكيها ، هذا معنى كلامه لا لفظه .

وقال أبو حنيفة نحوا من هذا إلا أنه قال كال الزند يكيل بالياء لا غير

وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
رَمَى
أَبُو دُجَانَةَ
بِنَفْسِهِ يَوْمَ اليَمَامَةِ إِلَى دَاخِلِ الحَدِيْقَةِ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ،
فَقَاتَلَ وَهُوَ مَكْسُوْرُ الرِّجْلِ حَتَّى قُتِلَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
لَمَّا وَضَعَتْ الحَرْب أَوْزَارَهَا، افْتَخَرَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَيَّامِهِم، وَطَلْحَةُ سَاكِتٌ لاَ
يَنْطِقُ، وَسِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ
أَبُو دُجَانَةَ
سَاكِتٌ لاَ يَنْطِقُ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ رَأَى
سُكُوْتَهُمَا: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا فِي الأَرْضِ
قُرْبِي مَخْلُوْقٌ غَيْرَ جِبْرِيْلَ عَنْ يَمِيْنِي، وَطَلْحَةَ عَنْ
يَسَارِي؛ وَكَانَ سَيْفُ
أَبِي دُجَانَةَ
غَيْرَ ذَمِيْمٍ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَ ذَلِكَ السَّيْفَ حَتَّى قَالَ: (مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟).
فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنْهُ. فَقَالَ
أَبُو دُجَانَةَ
: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (تُقَاتِلُ بِهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، أَوْ تُقْتَلَ).
فَأَخَذَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ. فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الهَزِيْمَة يَوْمَ أُحُدٍ، خَرَجَ بِسَيْفِهِ مُصْلَتاً وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ، مَا عَلَيْهِ إِلاَّ قَمِيْصٌ وَعِمَامَةٌ حَمْرَاءُ قَدْ عَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَإِنَّهُ لَيَرْتَجِزُ،
وَيَقُوْلُ:
إِنِّي امْرُؤٌ عَاهَدَنِي خَلِيْلِي * إِذْ نَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيْلِ
أَنْ لاَ أُقِيْمَ الدَّهْرَ فِي الكُبُوْلِ * أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللهِ وَالرَّسُوْلِ

(1/245)

قَالَ: يَقُوْلُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ وَرَسُوْلُهُ إِلاَّ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ).
وَحِرْزُ
أَبِي دُجَانَةَ
شَيْءٌ لَمْ يَصِحَّ مَا أَدْرِي مَنْ وَضَعَهُ. (1/246)

منقول

من كتاب سير اعلام النبلاء للامام الذهبي المجلد الاول كبار الصحابه



ابو رضوان 26 - 2 - 2012 11:59 AM

شهيد اليمامة
زيد بن الخطاب رضي الله عنه


إنه
زَيْد بن الخَطّاب بن نُفَيْل القرشي العدوي: يكنى أبا عبد الرحمن. وهو أخو عُمَر بْنُ الخَطَّابِ بن نُفَيل القرشي العدوي رضي الله عنه ،لأبيه، وكان أكبر منه سنًا، وأسلم قبله واستشهد قبله، وأمُّه أسماء بنت وهب، من بني أسد، وأُم أخيه عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزوميّ.
وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين معن بن عدي العجلاني، وظلا معًا حتى استشهدا في اليمامة، وكان إيمانه بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم إيمانًا قويًّا، فلم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أو مشهد، شهد بدرًا وأحدًا والخندق وشهد بيعة الرضوان بالحديبية، وفي كل مرة يقابل فيها أعداء الإسلام كان يبحث عن الشهادة.
خذ درعي يا زيد
رآه أخوه عمر -رضي الله عنه-
يوم أحد، وقد سقط الدِّرع عنه، وأصبح قريبًا من الأعداء، فصاح قائلا : خذ درعي يا زيد فقاتل به، فردَّ عليه زيد: إني أريد من الشهادة ما تريده يا عمر، وظل يقاتل بغير درع في فدائية، ولكن الله لم يكتب له الشهادة في تلك الغزوة.

نذر ألا يكلم أحدًا

وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ارتدت كثير من قبائل العرب، فرفع الصديق لواء الجهاد في وجوه المرتدين حتى يعودوا إلى الإسلام، وكانت حرب اليمامة من أشد حروب الردة، ودارت رحاها بين المسلمين وبين جيوش مسيلمة الكذاب، وكاد المسلمون أن ينهزموا بعد أن سقط منهم شهداء كثيرون، فلما رأى زيد ذلك، صعد على ربوة وصاح في إخوانه: يا أيها الناس، عضوا على أضراسكم، واضربوا عدوكم، وامضوا قدمًا، ثم رفع بصره إلى السماء وقال: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة وأصحابه. ثم نذر ألا يكلم أحدًا حتى يقضي الله بين المسلمين وأعدائهم فيما هم فيه مختلفون، ثم قال: والله لا أتكلم اليوم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله، فأكلمه بحجتي.
ثم أخذ سيفه، وقاتل قتالا شديدًا، وعمد إلى الرجَّال بن عنفوة قائد جيوش مسيلمة وقتله، وكانت أمنيته أن يقتل هذا المرتد، وظل يضرب في أعداء الله حتى رزقه الله الشهادة.

ما هبت الصبا إلا وجدت منها ريح زيد

فحزن المسلمون لموت زيد حزنًا شديدًا، وكان أشدهم حزنًا عليه أخوه عمر الذي قال حينما علم بموته : رحم الله زيدًا سبقني إلى الحسنيين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي.
وكان دائمًا يقول : ما هبت الصبا إلا وجدت منها ريح زيد، وها هو ذا يقول لمتمم بن نويرة : لو كنت أحسن الشعر لقلت في أخي زيد مثل ما قلت في أخيك مالك، وكان متمم قد رثى أخاه مالكًا بأبيات كثيرة، فقال متمم، ولو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ما حزنت عليه، فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به.

أكرمه الله بيدي ولم يُهِنّي بيده

روى محمد بن عمر قال: حدّثني كثير بن عبد الله المُزَني، عن أبيه، عن جدّه قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول لأبي مريم الحَنَفي: أَقَتَلْتَ زيدَ بن الخطاب؟ فقال: أكرمه الله بيدي ولم يُهِنّي بيده، فقال عمر: كم ترى المسلمين قتلوا منكم يومئذٍ؟ قال: ألفًا وأربعمائة يزيدون قليلًا، فقال عمر: بِئسَ القتلى! قال أبو مريم: الحمد لله الّذي أبقاني حتى رجعتُ إلى الدّين الذي رضي لنبيّه، عليه السلام، وللمسلمين، قال فسُرّ عمر بقوله، وكان أبو مريم قد قَضَى بعد ذلك على البصرة.

ما عزَّاني أَحدٌ بأحسن مما عزَّيْتَني به‏

روى محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون قال: وحدّثني عبد العزيز بن يعقوب الماجشون قالا: قال عمر بن الخطّاب لمتمّم بن نُويرة: ما أشَدَّ ما لقيت على أخيك من الحزن! فقال: كانت عيني هذه قد ذهبت، وأشار إليها، فبكيتُ بالصحيحة فأكثرتُ البكاء حتى أسعدتها العينُ الذاهبة، وجرت بالدمع، فقال عمر: إن هذا لَحُزْنٌ شديدٌ ما يحزن هكذا أحَدٌ على هالكه، ثمّ قال عمر: يرحم الله زيدَ بن الخطّاب! إني لأحسِبُ أني لو كنتُ أقدر على أن أقول الشعر لبكيته كما بكيتَ أخاك، فقال متمّم: يا أمير المؤمنين لو قُتل أخي يوم اليمامة كما قُتل أخوك ما بكيتُه أبدًا، فأبْصَرَ عُمر وتَعَزّى عن أخيه، وقال: ما عزَّاني أَحدٌ بأحسن مما عزَّيْتَني به‏، وكان قد حَزِنَ عليه حُزْنًا شديدًا، وكان عمر يقول: إن الصَّبا لَتَهُبّ فَتَأتيني بريح زيد بن الخطّاب،

قال ابن جعفر فقلتُ لابن أبي عون: أما كان عمر يقول الشعر؟ فقال: لا ولا بيتًا واحدًا،

قال محمّد بن عمر: وكان زيد بن الخطّاب قُتل يوم مسيلمة باليمامة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصّدّيق.

وكان لزيد من الولد عبدُ الرحمن وأمّه لُبابة بنت أبي لُبابة بن عبد المنذر، وأسماء بنت زيد وأمّها جميلة بنت أبي عامر بن صَـيْفي. وكان زيد أسنّ من عمر‏.

وكان زيد بن الخطّاب طويلًا بائن الطول أَسمر، شهد بَدرًا وأُحدًا والخندق وما بعدها من المشاهد، وشهد بَيْعَة الرَّضوان بالحديبية، ثم قُتل باليمامة شهيدًا سنة اثنتي عشرة .

وروى نافع عن ابن عمر قال‏: ‏ قال عمر لأخيه زيد يوم أُحد: خُذْ دِرْعِي، قال‏: إِني أُريد من الشّهادة ما تريد، فتركاها جميعًا، وكانت مع زيد رايةُ المسلمين يوم اليمامة، فلم يزَل يتقدم بها في نحْر العدو، ويضارب بسيفه حتى قُتل، ووقعَت الرّاية فأخذها سالم بن معقل، مولى أَبي حذيفة،

وذكر محمد بن عمر الواقديّ قال: حدّثني الحَجَّاف بن عبد الرّحمن من ولد زيد بن الخطّاب، عن أَبيه قال:‏ كان زيد بن الخطاب يحملُ رايةَ المسلمين يوم اليمامة، وقد انكشف المسلمون حتى غلبت حنيفةُ على الرَّجَّال، فجعل زيد يقول: أما الرّجال فلا رجال، وأما الرّجال فلا رجال ثم جعل يصيحُ بأعلى صوته‏ : اللّهُمّ إني أعتذرُ إليك من فرار أصحابي، وأبرأُ إليك مما جاء به مُسيلمة، ومُحَكِّم بن الطّفيل، وجعل يُشير بالرايّة يتقدم بها في نحْر العدوّ، ثم ضارب بسيفه حتى قُتِل، ووقعت الرَّاية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، فقال المسلمون‏: يا سالم، إنا نخاف أن تُؤْتَى من قِبَلك‏!‏ فقال: بئس حامل القرآن أنا إِن أُتيتم من قبلي، وزيد بن الخطّاب هو الذي قتل الرّجّال بن عُنفوة، وقيل: ابن عفوة، واسمه نهار بن عُنفوَة، وكان قد هاجر، وقرأ القرآن ثم سار إلى مسيلمة مرتدًا، وأخبره أنه سمِع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يشركه في الرّسالة؛ فكان أعظم فتنة على بني حنيفة،

وروى عن أبي هريرة، قال:‏ جلسْتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم
في رهْطٍ، ومعنا الرّجال بن عُنفوة فقال: "إنَّ فيكم لرجلًا ضِرسُه في النّار مثل أحد"‏

فهلك القومُ، وبقيتُ أنا والرّجال بن عنفوة، فكنت متخوّفًا لها حتى خرج الرجال مع مُسيلمة، وشَهِد له بالنّبوة،‏ وقُتل يوم اليمامة؛ قتله زيد بن الخطّاب،

وذكر قيس بن طَلق أن الذي قتل زيد بن الخطاب هو سلمة بن صبيح، ابن عم أبي مريم‏، وليس أبا مريم الحنفي،

وقال أبو عمر رحمه الله: "النفس أميلُ إلى هذا، لأن أبا مريم لو كان قاتِلَ زيد ما استقضاه عمر، والله أعلم".

ولما قُتل زيد بن الخطّاب، ونُعي إلى أخيه عمر قال: رحم الله أخي، سبقني إلى الحسَنَيَين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي.
أريد بنفسي ما تريد بنفسك

قال ابن عمر: قال عمر بن الخطّاب لأخيه زيد بن الخطّاب يوم أُحُد: أقْسَمْتُ عليك إلّا لبِسْتَ درعي، فلبسها، ثمّ نزعها، فقال له عمر: ما لك؟ قال: إني أريد بنفسي ما تريد بنفسك.
وروى نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال عمر لأخيه زيد يوم أُحد: خُذْ دِرْعِي، قال‏: إِني أُريد من الشّهادة ما تريد، فتركاها جميعًا.
وذكر ابن عبد البر في كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" أنه كانت مع زيد رايةُ المسلمين يوم اليمامة، فلم يزَل يتقدم بها في نحْر العدو، ويضارب بسيفه حتى قُتل، ووقعَت الرّاية فأخذها سالم بن معقل مولى أَبي حذيفة.

منقول

كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب وغيره

ابو فداء 26 - 2 - 2012 04:21 PM

بورك قلمك
مشكووور
جزاك الله كل خير

محمد عيسى موسى ابراهيم 26 - 2 - 2012 04:34 PM

جزاك الله الخير على هذه القصص الهادفة
بورك بك واثابك عن قارئها


الساعة الآن 10:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى