منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   الأمثال في القرآن الكريم (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22705)

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:00 AM

الأمثال في القرآن الكريم
 
المثل الأول: المنافقون



المثل الاول هو ما ورد في الآيات 17 و 18 من سورة البقرة: ﴿مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ نَاراً فلمَّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَب الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكهُم في ظُلُمَات لا يُبْصُرون صُمٌ بُكُم عُميٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

تحدثت الاية عن المنافقين الذين تستروا بستار النفاق; الا ان التمزق كان عاقبة هذا الستار، والخزي هو عاقبة المنافقين انفسهم.


ان المنافق شُبّه هنا بانسان ضلّ وحيداً في صحراء يسعى للحصول على طريق لانقاذ نفسه من خلال استيقاد النار، إلاّ أنّ ذلك لم ينفعه ولا زال في حيرة من أمره.


تفسير الآية:
إنَّ مثل المنافقين مثل الذين يضلون في صحراء ظلماء ومخوفة. افرضوا أنّ مسافراً تخلف وحيداً عن قافلته في صحراء ظلماء، فهو لا يملك نوراً ولا ضوءاً ولا دليلا يرشده، ولا يعرف الطريق ولا يملك بوصلة. فهو يخاف قطاعي الطرق والحيوانات المفترسة من جهة، ويخاف الهلاك من الجوع والعطش من جهة أخرى. وهذا يدفعه للتفكير بجدية بطريق والسعي الأوفر للخلاص مما هو فيه. فيجد حطباً بعد البحث المتوالي فيستوقد ناراً ثم يأخذ بشعلة نار بيده، إلاّ أنّ الريح تطفئ الشعلة فيبادر إلى جمع حطب آخر ليوقد ناراً أخرى إلاّ ان بحثه هذا لا يؤدي به إلا إلى ضلال آخر وانحراف عن الطريق تارة اخرى.

إنَّ المنافقين كهذا المسافر فهم قد ضلوا الطريق. انهم يعيشون في ظلمات في حياة مضيئة. تخلفوا عن قافلة الانسانية والايمان. ولا دليل لهم على الطريق، لأنّ الله سلب عنهم نور الهداية، وتركهم في ظلمات.


للمنافقين شخصيات مزدوجة، ظاهرها مسلمة وباطنها كافرة; ظاهرها صادقة وباطنها كاذب; ظاهرها مخلص وباطنها مرائي، ظاهرها أمين وباطنها خائن، ظاهرها الصداقة وباطنها العداوة و.. انهم يصنعون من ظاهرهم إنارة خادعة. يتظاهرون بالاسلام وينتفعون بمزايا الإسلام; فذبيحتهم حلال واعتبارهم وعرضهم محفوظ وأموالهم محترمة، ويتمتعون بحق الزواج من المسلمين و.. انهم يتمتعون بمنافع مادية ودنيوية قليلة يحصلون عليها من خلال تلك النار التي استوقدوها، إلا ان هذه النار تخمد بعد الموت
﴿ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ويتركهم الله آنذاك في ظلمات القبر والبرزخ والقيامة وحينئذ يدركون ان لا فائدة في اسلامهم الظاهري وايمانهم الريائي.

والنتيجة هي:
أن في الآية أو المثل تشبيهاً، المنافقون هم المشبهون والمسافر المحتار في الصحراء هو المشبه به ووجه الشبه هو الحيرة والضلالة وأن لا أثر لسعيه الظاهري .1 1- الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي_المثل الأول.




أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:01 AM

المثل الثاني: تمثيل آخر للمنافقين




يقول الله في الايتين 19 و 20 من سورة البقرة: ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الآيات ماضية الذكر تحدثت عن المنافقين وخطر النفاق، وقد تكون آيات المثل الأول ناظرة إلى مجموعة خاصة من المنافقين; وهذه الآيات ناظرة إلى مجموعة أخرى من ذوي الوجهين.


http://www.almaaref.org/uploaded/maqpic/2.jpg


إنَّ مثل هؤلاء المنافقين حسب هذه الايات كمثل المسافر الذي يضل في صحراء ويتخلف عن قافلته في يوم ممطر ولا ملجأ يأويه ولا صديق يعينه ولا يعلم الطريق ولا ضوء ينير له الطريق، في وقت ملئت ظلمات الغيوم السماء بحيث لا يصله حتى نور النجوم الضعيف، والسماء ترتعد، والبرق لا يزيده الا خوفاً ودهشة، وذلك لشدة صوت ووقع الرعد والبرق في الصحاري، وكأنّ البرق يريد أن يخطف بصره ويعميه، وخوفه من الرعد يجره لوضع اصابعه في اذنيه وهو مرتجف خوف موت الصاعقة. ان المنافق بمثابة هذا المسافر.

﴿... واللهُ مُحِيطٌ بالْكَافِرِين لقد فسرت الاحاطة في الاية بتفسيرين: الاول: الاحاطة العلمية لله. الثاني: احاطة الله من حيث قدرته. فاذا كانت الاحاطة بمعناها الاول فالاية تعني أنَّ الله يعلم بالكافرين. واذا كانت الاحاطة بمعناها الثاني فالاية تعني ان الله قادر على كل شيء ولا يخرج شيء عن دائرة قدرته.
﴿يَكَادُ البَرْقُ يَخْطِفُ أبْصَارَهُم وذلك لأنَّ الإنسان إذا اعتاد على مكان مظلم، ثُمَّ يُسلِّط على عينه ضوءً قوياً، فانه سيكون حينئذ عرضة للعماء وفقدان البصر.

﴿كُلَّمَا أضَاءَ لَهُم مَشَوْا فِيه هذا المسافر عندما يشاهد البرق يفرح لأنّه اضاء له الطريق، لكن فرصته لم تدم; لأن الضوء سريعاً ما ينطفئ.

﴿وإذا أظْلِمَ عَلَيْهِم قَامُوا أي يتوقف المسافر بعد ان انطفئ نور البرق، ويرجع إلى حيرته السابقة.

﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِم. شأن المنافق شأن هذا المسافر حيث يفيد من نور الايمان، لكن بما أنّ ايمانه ظاهري لم يستمر الا لمدة محدودة وما يمضي زمن طويل حتى يفتضح ويغرق تارة أخرى في ظلمات ريائه وكفره ونفاقه 1.
1-الأمثال في القرأن / مكلرم الشيرازي _ المثل الثاني

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:03 AM

المثل الثالث: قسوة القلب

يقول الله في الاية المباركة 74 من سورة البقرة: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْد ذَلك فَهِيَ كالحِجَارَةِ أوْ أشَدُّ قُسْوَةً وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وإنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءَ وإنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وما اللهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ.

المفروض بهذه الاية العظيمة ان تزيد من ايمان القوم إلا أنَّ ذلك لم يحصل، بل الآية الشريفة حكت حالهم بعد ذلك بالقول:
﴿ فَهِيَ كالحِجَارَةِ أوْ أشَدُّ قُسْوَةً أي لم تزد هذه الاية الكبرى القوم الا لجاجة وقسوة وتمرداً وعصياناً وانتهاكاً لحرمات الانبياء و.. وذلك بسبب قسوة قلوبهم تحجّرها.

http://www.almaaref.org/uploaded/maqpic/3.jpg





ان مفردة (قلب) استخدمت مائة وثلاثين مرة في القرآن، لكن يا ترى هل يراد من هذه المفردة ذلك العضو الصنوبري الذي يدق في الدقيقة اكثر من سبعين مرة في الجسم ليضخ دم الإنسان إلى جميع اجزاء جسمه مرتين في الدقيقة؟ إنَّ هذا العضو من عجائب خلق الله حقاً وله في الجسم وظائف مهمة، لكن مراد الله من القلب في القرآن ليس ذلك العضو.

نشير هنا باقتضاب إلى مهام هذا العضو وذلك لايضاح اهميته:


أولا: تغذية جميع خلايا الجسم; إنَّ الاغذية التي تصل المعدة تمتزج مع ترشحات المعدة لتتهيّأ للذهاب إلى الأمعاء; وتتم عملية هضم وجذب الاغذية في الامعاء من خلال الدم، والأخير يوزعها على جميع خلايا الجسم وبذلك تتم عملية تغذية الجسم.

ثانيا: ارواء الإنسان; إنَّ الجزء الاكبر من جسم الإنسان عبارة عن الماء واذا ما قلت نسبة الماء في الجسم فانه قد يؤول ذلك الامر إلى الموت إذا ما بلغ مستوى الجفاف.

ثالثاً: ايصال الحرارة الموحدة للجسم; ان جسم الإنسان حار، لكن هل فكرتم من اين قدمت له هذه الحرارة ؟ ان الاوكسجين يدخل الجهاز التنفسي ومن خلال هذا الجهاز يدخل الدم ليصل من خلاله إلى جميع خلايا الجسم، واثر الاحتراق الذي يوجده الاوكسجين عند تركبه مع اغذية الخلايا تتولد حرارة تنتقل هذه الحرارة بشكل ثابت إلى جميع اجزاء الجسم بواسطة الدم.

رابعاً: جمع المواد الزائدة والسمية ودفعها. ان احتراق الاغذية في الجسم يولد مواد سمية

وزائدة يطرح جسم الإنسان بعضها من خلال الزفير وبعضها الاخر من خلال الكلية والادرار، وهذه العمليات كلها تتم من خلال الدم .
1
1- الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي _ المثل الثالث.

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:05 AM

المثل الرابع: تشبيه الكفار بالحيوانات
يقول الله في الآية 171 من سورة البقرة:﴿وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إلاّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ.

شُبِّه الكفار في هذا المثل القرآني بالحيوانات، ولاجل تبرير هذا التمثيل اكد على تقليدهم التام والأعمى لأسلافهم.

http://www.almaaref.org/uploaded/maq...l-7yawanat.jpg

يقول الله في الآية 170 من سورة البقرة:
﴿وَإذَا قِيْلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألفَيْنَا عَلَيْهِ آبائَنا أوَلَو كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون وكأنّه يَقول: يا جهّال! هل أنَّ اتباعكم للاسلاف الذين لا يعقلون شيئاً اتّباع عن بصيرة؟! ثم يمثل الرسول (عندما يقرأ الايات على هذا القوم المشرك) بالراعي الذي ينادي رعيته بالاصوات لتوجيه حركتها، إلاّ أنَّ هذه البهائم لا تعقل من كلامه شيئاً إلاَّ الأصوات التي تتأثر بها، فاذا كانت اصوات الراعي شديدة وذات ايقاع قوي اثرت في البهائم وإلاّ فلا. إنّ مثل المشركين كمثل هذه البهائم لا تفهم ما تقرأه عليهم من المعاني والمفاهيم الرفيعة لكنهم يفهمون الأصوات وموسيقى كلامك فحسب لذا يستمرون في تقليدهم الأعمى للاسلاف 1.
1-الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي _ المثل الرابع .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:07 AM

المثل الخامس: الإنفاق

يقول الله تعالى في الآية 261 من سورة البقرة ﴿ مَثَلُ الّذِيْنَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُم فِي سَبِيْلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّة أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَة مِئةُ حَبَّة وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ . تحدثت الآية الشريفة عن (الإنفاق) وذكرت مثالا رائعاً للانفاق في سبيل الله.

إنَّ الفقر معضلة، والبشر لا زال يعاني منها في مختلف مجتمعاته، وهي مشكلة ترجع في الحقيقة إلى عدم التوزيع العادل للثروة، الأمر الذي يؤدي إلى تقسيم البشر إلى فقير وغني. التاريخ يشهد بأنَّه كانت هناك شخصيات مثل قارون تمتلك ثروات عظيمة، بحيث حمل مفتاح مخازن ثروته يحتاج إلى طاقة عدة اشخاص أقوياء. وفي مقابل هؤلاء كان هناك اشخاص بحاجة إلى قرص من الخبز يقضوا بها ليلتهم. إنَّ هذه المشكلة اشتدت في عصرنا الحاضر.


كمثال على ما نقول: إن بعض الاحصائيات حكت عن أن نسبة 80% من ثروة الكرة الارضية يمتلكها نسبة 20% من الناس فاذا كان مجموع البشر في الكرة الارضية عبارة عن خمس مليارات، فان 80% من الثروة تحت تصرف مليار من البشر و20% من الثروة العالمية يتقاسمها اربعة مليارات. وبعبارة أخرى: إذا كان مجموع شعوب الدول الصناعية يقدر بمليار فهذا المليار يملك اربعة اخماس من ثروة الكرة الارضية وما تبقى من البشر فلهم خمس تلك الثروة. والمدهش هنا أنّ هذه النسبة وتلك المفارقات تزداد يوماً بعد آخر ولصالح الأغنياء.

(في سَبِيلِ اللهِ) إنَّ اصطلاح (فِي سَبِيْلِ اللهِ) استخدم اكثر من 45 مرة في القرآن، واصطلاح (عَنْ سَبِيْلِ اللهِ) استخدم 25 مرة. وقد أُريد من (سَبِيْلِ اللهِ) الجهاد في كثير من الموارد كما في الآية الشريفة 169 من سورة آل عمران التي جاءت لبيان المقام الرفيع للشهداء:
﴿وَلاَ تَحَسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أحْياء عِنْدَ رَبِهِمْ يُرْزَقُونَ فقد اريد من (سَبِيْلِ اللهِ) هنا الجهاد كما اريد منه هذا المعنى في موارد كثيرة أخرى.

إلاَّ أنَّ (سبيل الله) اختلف معناه في الآية 26 من سورة (ص):
﴿وَلاَ تَتَّبِع الهَوَى فَيضِلَّكَ عَنْ سِبِيلِ اللهِ.. فقد نهت الآية النبي داودعليه السلام عن اتباع الهوى في القضاء ودعته للقضاء في سبيل الله، أي القضاء العادل والذي يصل المحق إلى حقه من خلاله. وعلى هذ، فلا نصحح ما ادعاه البعض من أنَّ المراد من (فِي سَبِيْلِ اللهِ) هو الانفاق لاجل الجهاد فقط، وذلك لأنَّ المُراد منه مطلق سبيل الله سواء كان في الجهاد العسكري أو الجهاد الثقافي أو الجهاد العمراني أو تأسيس مكتبة أو اعانة المحتاجين أو بناء المستشفيات والمستوصفات أو تأسيس صندوق للقروض أو غير ذلك. بالطبع، إنَّ رعاية الأولوليات والضروريات أمر مهم وفي محله، كما أنَّ الابداع في هذا المجال سوف يؤدي إلى جذب الناس إلى هذه الاعمال بشكل واسع«الحبّة» في الآية الشريفة
هناك بحوث كثيرة قام بها المفسرون متناولين فيها موضوع الحبة والمراد منها.

قيل: معنى ذلك أنَّ الله يقوم بهذه المضاعفة لمن يشاء، وهي قد تصل إلى سبعمائة ضعف. إنّ هذا المثل قد لا يكون له وجود في الخارج لكن هذا لا يضر، فإنَّ شأن أكثر الأمثال هو هذا سواء كانت بالفارسية أو العربية أو باي لغة أخرى. فالعنقاء وغيرها من الحيوانات التي لا وجود لها في الخارج تستخدم في الامثال.


لكن بما أنَّ المثل صدر من الله الحكيم والعالم، فلابد وأن يكون له وجود خارجي. ولاجل ذلك قال البعض: المراد من الحبة في المثل هو حبة الدِّخن لا حبة القمح، لأنَّ حبة الدخن قد تنتج سبعمائة حبة. لكن بما أنَّ مزارعاً بوشهرياً (مدينة في جنوب إيران) استطاع في


السنوات الأخيرة ان ينتج 4000 حبة من حبة واحدة، لذلك فسرنا الحبة هنا بالقمح، وأمكننا القول بان لذلك وجوداً خارجياً. و المراد من عبارة (واللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) أنَّ الله يمنح للمحسن والمنفق ما يشاء من دون حساب بأن يمنح الشخص (أ) ضعفين من الثواب بينما يمنح الشخص (ب) ثلاثة أضعاف؟ أو أنَّ المضاعفة لها حساب خاص وقواعد خاصة؟


إنّ حكمة الله تقتضي بأن لا يكون منح الثواب بشكل اعتباطي ومن دون حساب، بل جعل الأمر مرتبطاً بمفارقات من قبيل درجة الاخلاص وكيفية الانفاق ومورده وشخصية المُنْفِق والمنفَق عليه، أي أنَّ ثواب الشخص الذي انفق خالصاً لوجه الله يختلف عن ثواب الشخص الذي لم يبلغ تلك الدرجة من الاخلاص، والشخص الذي ينفق سراً ومن دون منة واذى يختلف ثواباً عن الشخص الذي ينفق علناً، فهما يقعان في مرتبتين لا مرتبة واحدة. والمسلم الذي ينفق قرصاً من قرصي الخبز اللذين يمتلكهما يختلف عن المسلم الذي ينفق قرصاً وهو يملك عشرة أقراص من الخبز. كما أنَّ الشخص الذي يعين عائلة مسكينة لم يتفوهوا بحاجتهم لاحد يختلف عن الشخص الذي يعين عائلة طلبت الاعانة منه

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:09 AM

المثل السادس: الإنفاق مع المنِّ والأذى
يقول الله تعالى في الآية 264 من سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .

المثلان الخامس والسادس كلاهما حول الانفاق لكنهما غير مكررين، بل إنَّ المثل الخامس حكى فضل الانفاق وقيمته، أمّا في المثل السادس فالحديث عن الانفاق ذات الصبغة السلبية وأنَّ المؤمنين لا ينبغي أنْ يبطلوا صدقاتهم وانفاقهم بالمنّ وأذى الآخرين.


الآية بدأت حديثها بخطاب المؤمنين، ومعنى ذلك أنَّ ما ورد في الآية من اوامر فهي خاصة بالمؤمنين، وشرطها الاول هو الايمان وأن الذي خرج مصداقاً عن هذه الآية وكان غير عامل بها فهو ليس بمؤمن.


عبارة
﴿لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ والأذَى تفيد أنَّ شيئين يبطلان الصدقة، الأول: المنّ، والثاني: ايصال الاذى للاخرين; وذلك لأنَّه قد لوحظ أنَّ البعض يتصدق على آخرين لكن صدقته تتزامن مع اذى إلى آخر العمر، بأن يقول له: (لولاي لكنت محتاراً وما كان لك شأن واعتبار) أو (خذ هذا المبلغ ولا تريني وجهك بعد ذلك).

ليس المنّ والاذى هما الوحيدان اللذان يبطلان الصدقة، بل قطع كلام الفقير الذي يريد حكاية حاله ومشاكله أيضاً أمر غير صحيح


http://www.almaaref.org/uploaded/maq...k-ma3-lman.jpg

ومرفوض.لا بأس هنا ان نبتّ بتوضيح مفردة (المنّ). إنَّ أصل هذه المفردة هو (مَن) وهو وزن خاص، وقد استخدمت هذه المفردة للاشارة إلى المعنى المراد في الآية; لأجل أنَّ الشخص المانَّ يحمِّل الممنون عليه عبئاً وثقلا يشعر به ، فاحذر أيها المؤمن من تفقد الأجر على الإنفاق بسبب المنّ والآذى كالذي يفقدالأجر على الطاعات بسبب الرياء آعاذانا الله منه .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:10 AM




يقول الله الرازق في الآية 265 من سورة البقرة:﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

http://www.almaaref.org/uploaded/maq...k-al-la2ek.jpg









رغم أنَّ هذا المَثل كَسَابقه عن الإنفاق لكن يختلف عنه في أنه يعكس الجوانب الايجابية للانفاق والمناظر الجميلة له غير تلك المناظر التي تحدث عنها المثل السابق والتي تزامنت مع المنّ والأذى، لأنَّ الحديث هنا عن الانفاق المتزامن مع الاخلاص. يقول الله في هذه الآية: إنّ مثل الذين ينفقون باخلاص ومن دون رياء وأذى كمثل البستان في مكان مرتفع ذات تربة خصبة يسقيها الغيث، والشمس تسطع عليها من كل مكان، فكانت النتيجة هي محاصيل وافرة ومضاعفة، قياساً لمحاصيل الأراضي المماثلة، والذين ينفقون بمثابة البستان ويكون انفاقهم كمحاصيل هذا البستان وافراً ومتضاعفاً.

إنَّ دَوافِع الإنفاق عند هؤلاء وفقاً لهذه الآية هي كالتالي:

الاول:﴿ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وهذا اشارة إلى الحديث المعروف عن الامام علي عليه السلام : "ما عبدتك خوفاً من نارك" رغم أنَّ نَاره مخيف تصورها فضلا عن واقعها. "ولا طمعاً في جنتك" رغم أنَّ نعمها ثمينة وقيِّمة جداً ولا يمكنها أن تدخل في مخيلة الانسان، "لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك". أي أنَّ أهليته للعبادة هي التي دفعت الامام للعبادة لا الخوف والطمع.

إنَّ النوع الاول من العبادة هو عبادة العبيد، لأنَّ العبد يَمتثل الاوامر خوفاً من مولاه وسوطه. والنوع الثاني من العبادة هو عبادة التجار، لأنَّ العبادة هنا يُتوخَّى منها الثمن والعوض. والنوع الاخير من العبادة هو عبادة الاحرار، حيث إنَّ اطاعتهم لمولاهم لا خوفاً ولا طمعاً بل لله خالصة.


وقد تكون الآية الشريفة هنا ناظرة إلى النوع الاخير من العبادة، أي أنَّ الإنفاق هنا لم يتوخَّ منه إلاّ وجه الله ورضوانه.


الثاني:
الدافع الثاني للمنفقين في الآية الشريفة هو بلوغ الكمالات النفسانية والملكات الروحانية، حيث قالت الآية: (تَثْبِيتاً لأنْفُسِهِمْ)، وقد جاء في مفردات الراغب أنَّ التثبيت يعني التقوية والتحكيم

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:14 AM

المثل الثامن: عاقبة الاُمور

يقول الله تعالى في ثامن مثل من أمثال القرآن في الآية 266 من سورة البقرة: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.

كيف يكون أحدكم راغباً في ان يبتلى بمصير الشخص الذي له بستان فيه نخيل وأشجار مثمرة وفيه أنهار بعد ما بلغ هذا الشخص سن الكبر، وكان قد جمع حوله ذرية واطفالا ضعفاء، حينئذ يواجه البستان إعصاراً متزامناً مع نار ملتهبة تلتهم بستانه وما فيه ليصبح ذليلا بعد عمر من العز.

للمفسرين أقوال في هذه الآية:

يعتقد بعض المفسرين أنَّ هذا المثل يحكي عاقبة الإنسان الذي يحرق محاصيل انفاقه وبذله بنار الرياء، لتذهب بذلك أعماله الصالحة وعباداته سُدى.

قد يقوم البعض باعمال كثيرة من قبيل الحج والصلاة والصيام والجهاد واعانة المساجد وبناء المستشفيات واعانة الايتام، وقد يقضي عمراً طويلا في هذه الأعمال إلاَّ أنه قد يحرقها ويُذهب بها مع الريح ليمحو آثارها وذلك بأن يتراءى بها.

ويرى البعض أنَّ آية المثل لا تختص بالرياء، بل تشمل جميع الذنوب، فإنَّ الآية تحذّر المسلمين ليراقبوا أعمالهم وعباداتهم، ويحفظوها مما قد يدمرها ويحرقها من الذنوب.

وحسب هذه الاية، فانّ الإنسان إذا لم يراقب أعماله قد يبتلي بمصير هذا الشيخ الذي تضرر هو مع عياله وأولاده وأوقع مستقبل اطفاله بخطر. وبعبارة أخرى: يا إنسان! حافظ على أعمالك وعباداتك دائماً وبشكل مناسب وفكر بعاقبة امرك; وأنَّ حفظ العمل اصعب من اداء نفس العمل.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من قال لا إله الا الله، غرس الله بها شجرة في الجنة"، والحديث يعني أنَّ الإنسان كلما نطق بهذه الكلمة غرست له شجرة في الجنة. والمستفاد من هذه الرواية هو أنَّ الجنة وكذا جهنم تبنى بواسطة أعمالنا، فهي ليست مبنية من ذي قبل.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من قال: سبحان الله غرس الله بها شجرة في الجنة. ومن قال: الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة. ومن قال: لا اله الا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة. ومن قال: الله اكبر غرس الله له بها شجرة في الجنة". فقال رجل من قريش: يا رسول الله إنّ شجرنا في الجنة لكثير، قال: "نعم، ولكن إيَّاكم أنْ ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها1، وذلك أنَّ الله عزوجل يقول:
﴿يَا أيُّهَا الّذِيْنَ آمَنُوا أطِيْعُوا اللهَ وأطِيْعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أعْمَالَكُم.

﴿أيَوَدُّ أحَدَكُم أنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيْل وَأعْنَاب إنَّ الإشارة إلى فاكهة العنب والتمر دون غيرهما يفيد أنهما أهم أغذية للبشر، أما الأهم منها فمعدم أو قليل.

﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ فِيْهَا مِنْ كُلِّ الثَمَرَاتِ البستان قد يحتوي على بركة أو قنال يسقى منها، والأخير قد يستدعي بذل المال مقابل الماء. وفي كلا الحالتين، إنَّ السقي بهما يستلزم متاعب وزحمات جمة. إلاَّ أنَّ البستان الذي تحدثت عنه الآية يقع في مسير نهر، وهذا يعني أنَّ السقي لهذا البستان مريح جداً ولا يستدعي تحمل زحمات وافرة. اضافة إلى هذا; فإنَّ في هذا البستان فواكه من قبيل التمر والعنب.

﴿وأصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءٌ أي أنَّ صاحب هذا البستان أصبح شيخاً كبيراً. وضعف الذرية اشارة إلى عدم امكانهم اعانته على شؤون البستان، بل انَّ عبء هؤلاء الأطفال واقع جميعاً على عاتق هذا الشيخ، وهذا البستان لا يحتاج إلى عناية كبيرة ومستمرة فيمكنهم التمتع بمحاصيله وثماره.
http://www.almaaref.org/uploaded/maqpic/8.jpg
﴿فَأصَابَهَا إعْصَارٌ فِيْهِ نَارٌ فاحْتَرَقَتْ أي في الوقت الذي يكون فيه الشيخ بأمسِّ الحاجة إلى هذا البستان يأتي إعصار من نار يحرق هذا البستان






ويبدله إلى تل من الرماد ثم يذهب هذا الرماد مع الريح متناثراً بحيث لا يبقى أي اثر منه. الإعصار يحصل اثر اصطدام ريحين قادمين من اتجاهين مختلفين، وهو يحضى بقدرة عجيبة إذا حصل في مكان فانه يذهب معه كل ما يكون هناك من اشياء، فقد يذهب بماء حوض مع اسماكه ويسقطها في مكان اخر بحيث يتصور البعض انّ الاسماك جاءت من السماء، وقد يرفع انساناً من مكانه ويلقيه في مكان آخر.

﴿كَذَلك يُبَيِّن اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرُونَ يعتبر الله الهدف من هذا المثل هو التفكّر والتعقل. ووفقاً لهذه الآية الشريفة، فإنَّ على الإنسان أن يودع نفسه بيد الله ويعتقد أنَّ كل ما يقوم به من أعمال وطاعات وعبادات هي قليلة في حق الله وأنَّ ما يصله من الله تعالى من نعيم هو بلطفه وإحسانه لا لعمل وعبادة استحق بهما الإنسان تلك النعم. من المؤسف أنَّ هذا الإنسان الضعيف قد لا يفكر جيداً ويغتر بما جاء به من ركعات صلاة وأيام من الصوم فيعد نفسه - لأجل ذلك - من أصحاب الجنة. بل يعد الجنة، واجبة له، ونفس هذا الإنسان قد يرى نفسه ميتاً خلو الإيمان.

اللهم اجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:15 AM

المثل التاسع: أكل الربا



يقول الله تعالى في الآية 275 من سورة البقرة:
﴿الّذِيْنَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبَطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذلك بِأنَّهُم قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأمْرُهُ إلى اللهِ وَمَنْ عَادَ فأُولئِكَ أصْحَابُ النِّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ.

إنّ آكلي الربا على أساس هذه الآية عندما يدخلون المحشر يوم القيامة يدخلون كالسكارى أو المجانين أو المصروعين، لا يتمالكون على انفسهم ولا يستطيعون حفظ تعادلهم فيقعون ويقومون بين الحين والاخر. وهذا المنظر المرعب يلفت انظار اهل المحشر ويجعلهم يدركون أنَّ هؤلاء هم آكلو الربا.


﴿الّذينَ يأكُلُونَ الرِّبَا... أي أنَّ آكلي الربا سيبتلون يوم المحشر بعدم التعادل والتوازن في المشي ويبدون كأنهم مصروعون أو مجانين.

﴿ذَلك بِأنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَ إنّ سبب ابتلاء هؤلاء بهذا المصير هو أنَّهم إضافة إلى اكلهم الربا كانوا يسعون في تبرير عملهم بالقول: إنَّ البيع مثل الربا، كما الاول حلال كذلك الثاني.

﴿أحَلَّ اللهُ البيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ حلية البيع والمعاملة لأجل وجود مصلحة في ذلك عكس الربا، ففيه مفسدة اضافة إلى أنه يفقد المصلحة. ففي المعاملة تارة يكون ربح واخرى يكون خسارة إلاّ أنَّ الأمر في الربا يختلف، فآكل الربا يحصل على الربح دائماً ولا يتضرر ابداً والخسارة يتحملها المقترض فقط، ولذلك عدت امواله حاصلة بلا تعب.

اضافة إلى هذا، فإنَّ أكل الربا سبب في ايجاد الفجوة بين طبقات المجتمع، وذلك لأنَّ ظاهرة الربا إذا تفشت في المجتمع اجتمعت ثروات الناس وأموالهم عند آكلي الربا بعد فترة وجيزة من الزمن، أمّا الاخرون فتتردى اوضاعهم إلى أسوأ ما يمكن.


﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأمْرُهُ إلى اللهِ في بداية الاعلان عن هذا الحكم يصرح الله بشمول العفو والمغفرة لاولئك الذين كانوا يمارسون الربا قبل هذه الآية فلا خوف عليهم.

وعليه، فالذين كانت لهم اموال عند الناس وتعاقدوا معهم على ان يكون لهم فيها ربا، فإنَّ هذه المعاملة تبطل واصحاب الاموال من الان فما بعد باتوا لا يملكون الا رؤوس اموالهم فحسب ولاحق لهم في استلام اكثر من ذلك.


﴿وَمَنْ عَادَ فأُولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ
يهدد الله في هذه الآية اولئك الذين يعاودوا ممارسة هذا العمل بعد هذه الآية ويقول بأنَّهم إذا فعلوا هذا مرة أخرى - وهو عمل عد في بعض الروايات كممارسة الفاحشة مع المحارم1 - فإنَّ جهنم تنتظرهم وسيكونون مخلدين فيها.

سؤال: إنّ الخلود في جهنم خاص بالكفار فما يعني الخلود بالنسبة لآكلي الربا من المسلمين؟


الجواب: من التفاسير التي ذكرت في هذا المجال هو أنَّ آكلي الربا يموتون غير مؤمنين بسبب عملهم القبيح هذا، ومن الواضح أنَّ غير المؤمنين يخلدون في جهنم، وقد يراد من الخلود هنا الزمن الطويل لا معناه المتعارف .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:16 AM

المثل العاشر: الخَلْق المدهش لعيسى بن مريم

يقول الله تعالى في الآية 59 من سورة آل عمران: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.

http://www.almaaref.org/uploaded/maq...nabi-3issa.jpg









على هذه الآية، فإنَّ ولادة عيسى دون أب لا يدل على الوهيته. يقول الله في هذه الآية: إنَّ خَلْق عيسى عليه السلام يشبه خَلْقْ آدم عليه السلام في أنَّه خلق من تراب دون دخالة أب وأم في ذلك، بل وجد بمجرد ان قال له الله: كُن. تحدث القرآن المجيد في الايات 45 إلى 59 من سورة آل عمران عن عيسى بن مريم عليه السلام وحكى مراحل حياته المختلفة من قبيل كيفية الولادة والتربية ونموه وبعثته ورسالته وكراماته ومعاجزه وعروجه إلى السماء، وقد سعى القرآن خلال هذه الآيات أنْ يرفع الشبهة المثارة حوله.

سؤال:
كيف يمكن أنْ يولد انسان من أم فقط دون أب ؟ أو كيف يمكن أو يولد إنسان من دون تركيب بين الأسبرم والبويضة؟

هل الآية في صدد الاجابة على هذه الشبهة، بحيث تقول: ألم نخلق آدم دون دخالة أب؟ أي كأنها تريد القول بأنَّ خلق آدم اصعب من خلق عيسى، لأنَّ في خلق عيسى توسطت الام، أمّا في خلق آدم فلا واسطة، من قبيل أُم أو أب، فكان أصعب خلقاً من عيسى عليه السلام.


إنَّ أفعالا من هذا القبيل ليست صعبة بالنسبة لله; فإنَّ الله ما إن قال لشيء (كُنْ فَيَكُونُ) إنَّ الخلق عند الله لا يفرق فيه بين الصغير والكبير والصعب والسهل.


إنَّ الله إذا اراد أنْ يَخلق عالماً كعالمنا الحالي بمجراته ونجومه - الذي كشفت الاحصائيات والاكتشافات العلمية عن سعته وعظمته - فإنَّه سينخلق بمجرد أنْ يأمر بقوله كن فيكون.

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:18 AM

المثل الحادي عشر: إنفاق الكفار

يقول الله في الآية 117 من سورة آل عمران:﴿ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. في هذه الآية يمثّل القرآن بذل الكفار بزراعة كافر في أرض خصبة، فهو ينثر فيها البذر، إلاَّ أن مجيء ريح بارد وجاف يجفّف ما زرعه وأنبته هذا الكافر في هذه الأرض.

﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا يعتقد بعض المفسرين أنّ كلمة النية أو الدافع مقدرة هنا، وهي توضّح هذا الجزء من الآية. وبهذا التقدير يصبح معنى الآية كالتالي: أنّ نية هكذا إنفاق ودافعه كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم، فكما أنَّ هذا الريح يدمر الحرث، كذلك النية هذه فانّها تدّمر هذا الانفاق.

﴿كَمَثَلِ رِيْح فِيْهَا صِرٌّ أصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أنْفُسَهُم فأهْلَكَتْه إنَّ مفردة الصر بالعربية تعني ريحاً شديد البرد، أو ريحاً شديد الصوت ، على أي حال، المراد من هذه الكلمة هو الريح الشديد الذي يحرق حتى بعض الغابات الكبرى أحياناً.وسبب هذا الحريق - كما نسمع من المختصين - هو الصواعق والرعد والبرق، وقد يكون هناك إعصار شديد تحتك بسببه بعض الاشجار اليابسة - التي تدّخر في نفسها طاقة - فتتولد قدحة تشعل النار، فيحصل الحريق. وعلى هذا، فإنَّ مثل انفاق الكفّار كمثل المزرعة التي تواجه ريحاً شديدة تُضرم النار فيها.

﴿َمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ ولكِنْ أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وذلك لأنّ ما يترتب على فعلهم لم يكن ظلماً من الله بل كان ذلك كله بسبب سوء نواياهم وعدم صدقها. إنَّ المزارع الذي يتعمّد الزرع في أراض تقع في مسير الرياح الشديدة والباردة، إذا تلفت زراعته إثر هبوب الرياح فذلك ظلم أورده بنفسه على نفسه

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:19 AM

المثل الثاني عشر: الكفر والإيمان

http://www.almaaref.org/uploaded/maqpic/12.jpgيشير الله تعالى إلى هذا المثل في الآية 122 من سورة الأنعام، حيث يقول: ﴿أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي

النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا كَذَلك زُيِّنِ لِلْكَافِريِنَ مَا كَانُواَ يَعْمَلُونَ. في الآية مثلان كلاهما عن الكفر والايمان . شبّه القرآن الإيمان في المثل الأول بالحياة، والكفر بالموت. وفي المثل الثاني شبّه الله الايمان بالنور والكفر بالظلمات.

وذُكر شأنان لنزول الآية:

1- نزلت الآية في حمزة العم الجليل لرسول الله صلى الله عليه وآله وفي أبي جهل العدوّ اللدود للرسول صلى الله عليه وآله. إنّ حمزة لم يؤمن في صدر الإسلام، وقد يكون ذلك تأنياً منه لدراسة الدين الجديد بشكل افضل، فهو في صدر الإسلام سلك سبيل السكوت تجاه الدعوة. أما أبو جهل فكان يؤذي الرسول دائماً بشكل وآخر وكان يضع أمام الرسول العقبات لأجل إيذائه.

في يوم كان حمزة قد ذهب للصيد، وفي نفس اليوم كان أبو جهل قد آذى الرسول بشدة بحيث تأثر من جراء ذلك حتى عبدة الأصنام، وقد وصل خبر إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله لحمزة بعد أن قدم من الصيد، فذهب إلى أبي جهل وضربه على أنفه بحيث رعف أنفه دماً، ورغم ما كان لأبي جهل من قوم وأنصار، إلاّ أنه هاب حمزة، ولم يصدر منه أي ردّ فعل، وفي هذه الاثناء استسلم حمزة.

إنّ الآية نزلت هنا، وكأنها تريد القول: إنَّ حمزة حيى عندما أسلم، وبذلك تنوَّر قلبه، عكس ما كان عليه ابوجهل في تورّطه بالظلمات، وأنَّ تعصبه ولجّه حال دون الخروج منها.

الكفار يعتقدون بصحة أعمالهم ورفعة شأنها رغم أنهم يزدادون كل يوم غطساً في طين الشقاء والكفر.

2- الشأن الآخر هو أنَّها نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل. إنّ عمار من الشباب الشجعان ومن أوائل الذين أسلموا ونوروا قلوبهم بالايمان، فهو من أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله، وأصبح نصيراً للإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، وقد استشهد في صفين.

عندما أسلم هذا الشاب ذمّه الكثير من المشركين، منهم أبو جهل، وقد تعرّض آنذاك لأنواع من العذاب. ومن هنا قيل: إنَّ الآية نزلت في إيمان عمار وكفر أبي جهل، باعتبار أنَّ عمار قبل الإسلام كان ميتاً وحيى بعد الإسلام وتنوّر قلبه به، أما أبو جهل فظل في وادي الظلمات باصراره على الكفر ولجه في ذلك، ولا أمل له في النجاح والسعادة; لأنَّه كان يعتبر أعماله القبيحة حسنة.

ولا شك في أنَّ المراد من الحياة في الآية الشريفة هو الحياة الإنسانية، أي أنَّ حمزة أو عمار أو أي شخص آخر يحيى إذا ما أسلم، فتظهر فيه علائم الحياة الإنسانية، أي العلم والمعرفة والاخلاق والايمان والحب والارادة. ومن هنا كان امثال عمار وحمزة والشهداء في سبيل الله أحياء وأمّا أمثال أبي جهل فأموات غير أحياء .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:20 AM

المثل الثالث عشر: شرح الصدر
يقول الله تعالى في المثل الثالث عشر من أمثال القرآن في الآية 125 من سورة الأنعام: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْديَهُ يَشْرَحُ صَدْرَهُ لِلأسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجَاً كَأنّمَا يَصَّعَّدُ فِي السِّمَاء ....

إنَّ الآية الشريفة في صدد بيان الأرضيات الروحية للناس لقبول الحق. والمستفاد من هذه الآية، أنَّ الناس يختلفون من هذه الحيثية، فبعض من الناس بمجرد أن يواجه الإسلام يتلقاه ويحتضنه، وذلك لطهارة روحه و نورانية قلبه، ولأجل ذلك يشرح الله صدوره. وفي قبال هذا البعض، هناك البعض الذي لا يتأثر بالقرآن حتى لو قرأته كله عليه، وذلك لأنه يفقد الأرضية اللازمة لقبول الحق، فيجعل الله صدر هذا ضيّقاً ومظلماً.

﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَح صَدْرَهُ للأِسْلاَمِ والعبارة الاخرى لشرح الصدر هي توسيعه بحيث يجعله مؤهلا وقابلا لاستقطاب الحق والحقيقية.

﴿وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَج والعبارة الاخرى لضيق الصدر هي سلب القدرة والطاقة عن القلب بحيث يختل توازنه الفكري لأصغر مشكلة وأتفهها.

﴿كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ... أي أنَّ ضيق الصدر يصل إلى مستوى وكأنه يحلق إلى السماء بدون وسيلة، كما أنّ تحليقاً من هذا النوع محال بالنسبة إلى الإنسان، كذلك تحّمل الضيق والظلمة بالنسبة لهؤلاء، فهم لا يطيقون ذلك. إنَّ الله يجعل هكذا ظلمة وكفر في قلوب غير المؤمنين .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:21 AM

المثل الرابع عشر: المبدأ والمعاد

يقول الله تعالى في المثل الرابع عشر من امثال القرآن الجميلة في الآية 57 من سورة الأعراف:﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ َ.
جاءتنا الآية بخطابين مصيريين، هما صدر الآية الذي تضمّن التوحيد ومعرفة الخالق وببرهان مقنع على المبدأ، وذيل الآية الذي تضمّن مثلا جميلا أشار به إلى عالم الآخرة والمعاد.

أهمية المبدأ والمعاد

إن المبدأ والمعاد من المسائل المهمة جداً والتي طرحت في القرآن بشكل واسع بحيث اختص ما يقرب الالفين من الآيات (أي ثلثا القرآن) بالمعاد، كما أن ثلث الآيات اختصت بموضوع المبدأ. وهذا الأمر يكشف عن أهمية المبدأ والمعاد.

إنّ القضايا التي تناولتها الآيات هي من قبيل العدل الإلهي والجنة والنار، ودفتر الاعمال وتجسّم الأعمال والمعاد الجسماني وثمار الجنة وغير ذلك. وسر الاهتمام البالغ بالمعاد واضح، من حيث أنَّ الإنسان لا يمكنه أن يقع في طريق السعادة ولا يمكنه أن يخطو في هذا الطريق إلاَّ أنْ يكون معتقداً بالأصلين المهمين، الأول: هو المبدأ أو التوحيد والثاني: هو المعاد أو رجوع الإنسان إلى الله.


إنّ الإعتقاد بالله يعلِّم الإنسان أنَّ الله يراقبه في كل زمان ومكان .


والمعاد من وجهة نظر القرآن جسماني وروحاني، أي أنَّ جسم الإنسان يحشر يوم القيامة كما تحشر روحه. وبعبارة أُخرى: أنَّ روح الإنسان تكون مشمولة لنعم الله ونقمه، كما هو الحال بالنسبة إلى جسمه، وذلك هو مقتضى العدل الالهي، فكما أنَّ الإنسان بجسمه وروحه عمل خيراً أو شراً، ففي القيامة ينبغي أن ينال كلٌّ من الروح والجسم نصيبه وجزاءه من العمل الدنيوي من ثواب أو عقاب.


إنَّ ما أثار دهشة وإعجاب منكري المعاد في صدر الإسلام هو القول بالمعاد الجسماني لا الروحاني; وذلك لأنَّ عقل أكثر الناس في عيونهم فيصدقون ما يرون ويكذبون ما لم يروا. من هنا كان يسأل منكرو المعاد: كيف يمكن أن يحيى الإنسان بعد ما تبدل إلى تراب بعد الموت بحيث يتعذّب يوم القيامة؟ فأجابهم الله على شبهتهم هذه في الآيتين 7 و 8 من سورة سبأ حيث قال:
﴿قَالَ الَّذينَ كَفَرُوا هَلْ نُدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أمْ بِهِ جنّةٌ بَلِ الَّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ بالآخِرةِ فِي العَذَابِ والضَّلالِ البَعِيْدِ.

لقد تمسك القرآن المجيد بالمثل لاثبات المعاد الجسماني والروحاني، كما هي سيرته في تفهيم المطالب لمخاطبيه. وقد أفاد هنا من ثلاثة أمثال:

1 - التمثيل بالنباتات وتشبيه الحياة بعد الموت بإحياء النباتات بعد موتها.
2 - التمثيل بالمراحل الجنينية لخلق الإنسان حيث تبدأ حياته بنطفة صغيرة تنمو كل يوم، ويُعدُّ كل يوم من هذه المراحل حياة جديدة لهذا الجنين.
3 - التمثيل بنوم أصحاب الكهف، فإنَّ نومهم كان بمثابة الموت، ويقظتهم كانت بمثابة الحياة الجديدة بعد سنوات عديدة.

كيف يمكن لشخص أن يستيقظ من النوم سالماً بعد أكثر من ثلاثمأة سنة دون أن يأكل أو يشرب خلال هذه الفترة؟


حسب ما أقرته الآية، انَّ أصحاب الكهف ناموا مدّة مليون يوماً، وخلال هذه الفترة لم يتناولوا شيئاً من الطعام أو الماء رغم هذا استيقظوا سالمين، مع أنَّ الإنسان العادي لا يستطيع العيش لأكثر من يومين أو ثلاثة دون أكل وشرب.


من عجائب خلق الإنسان هو قلبه، فان ضرباته تصل إلى مأة الف ضربة في اليوم. وإذا اعتبرنا عمر الإنسان العادي سبعين عاماً، فإنَّ عدد ضربات قلبه ستصل إلى 250 مليون ضربة (عَجَباً لِحِكْمَةِ اللهِ)!

إنَّ قلب الإنسان كاف لأجل معرفة الله ولأن يقرّ الإنسان بعظمة الخالق ويخضع له ... وعليه، فاذا كانت أجسام أصحاب الكهف تعيش بالأغذية التي تناولتها قبل النوم ولمدة مليون يوماً، فإنَّ على قلوبهم أن لا تدق في اليوم الواحد أكثر من مرّة واحدة. وعلى هذا، فإنَّ أصحاب الكهف كانوا أشبه ما يكونون بالموتى، أحياهم الله بعد أكثر من ثلاث مأة عام. واذا كان الله قادراً على أن يوقظ أناساً بعد مليون يوم من النوم، فكيف لا يمكنه أن يُحيي الموتى!

لهذا يصرّح الله في ذيل آية أصحاب الكهف بالحديث التالي:

﴿
وَلِيَعْلَمُوا أنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ. وفي المثل الذي نحن بصدده قالت الآية: هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ...) أي أنَّ الله يُرْسِله كبشرى لنزول الغيث; وذلك لأن السماء تتهيّأ للمطر بواسطة الرياح.
﴿حتَّى إذَا أقَلّتْ سَحَاباً ثِقَالا... أي تستمر الرياح حتى تجتمع الغيوم ويتراكم فيها الماء. إنّ الله يُرسل الرياح ليجمع بها الغيوم الممطرة في المدن والبلاد الميتة فيحييها ويحيي أراضيها.
﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ... فإنَّ المَطر هو الذي يثمر الاشجار ويمنحها القدرة على انتاج الفواكه.
﴿كَذَلك نُخْرِجُ المَوْتَى لَعلَّكُم تَذكَّرُون أي أنَّ الله يحيي الموتى يوم القيامة مثلما يحيي الأشجار والاراضي الميتة. وفي نهاية الآية يعتبر الله التذكّر وتوعية الناس هو فلسفة المثل حيث قال: لَعَلَّكُم تَذَكّرُونَ

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:22 AM

المثل الخامس عشر: البلد الطيّب

يقول الله في مثله الخامس العشر، في الآية 58 من سورة الاعراف:﴿وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإذْنِ رَبِّهِ وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلاَّ نَكِداً كَذَلك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ. إنَّ هَذه الآية الشريفة التي جاءت مباشرة بعد المثل الرابع عشر هي في الواقع استمرار لبحث المعاد وجواب عن سؤال مقدّر قد تتداعى معانيه في أذهان البعض.

إنّ الآية الشريفة جواب لسؤال مقدّر يمكن أن يتداعى في ذهن الذي يلتفت إلى الآية السابقة، وهو: إذا كان الماء واحداً والهواء واحداً والتراب واحداً فلماذا تنبت الزهور والنباتات في بعض البقاع، وتنبت الأدغال والأشواك في البعض الآخر؟ وإذا كان وابل الرحمة الإلهية يصبُّ على القلوب جميعاً بشكل متساو، فكيف أنَّ بعض القلوب تهتدي وتكون مصداقاً للبلد الطيّب وبعضها الآخر يكون مصداقاً للبلد الخبيث، لأنها ظلّت ولم تهتدِ؟


إنّ الآية في صدد الأجابة على هذا السؤال، حيث تقول:


﴿
وَالبَلَدُ الطَّيِّبَ يَخرُجُ نَبَاتُهُ بإذنِ رَبِّه فإنَّ التربة الطاهرة وغير المالحة تكون مناسبة ولائقة وتُخرج باذن الله نباتات مناسبة وجيّدة، كذلك القلوب المستعدة والطاهرة ينمو فيها الثمار الحلو من الاخلاص والصفاء، ذلك كله بوحي من الله.

﴿والَّذي خَبُثَ لا يَخْرِجُ إلاَّ نَكِداً فإنَّ الأرض غير المناسبة لا تنبت إلاّ النكد. والنكد يعني الإنسان البخيل، ويُطلق على النباتات غير المفيدة التي تنمو في الأراضي المالحة. فكما أنَّ البخيل لا يصل نفعه إلى غيره، كذلك الأراضي المالحة لا يخرج منها الشيء المفيد ولا ينتفع بها أحد.

﴿كَذَلك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْم يَشْكُرُونَ أي أنا نبيّن آيات الله للناس بعبارات وأمثله بسيطة ليستفيدوا منها ويشكروا ربّهم عليها. وعلى هذا، فلا اشكال على وابل الرحمة الإلهيّة ولا على الوحي السماوي; وذلك لأنَّ هذين الرحمتين تنزلان على القلوب كلها بشكل متساو، واذا كان هناك قصور أو تقصير فمن نفس القلوب والأراضي ذاتها، فإنَّ بعض الأراضي غير مستعدة وغير مؤهّلة لنمّو النباتات فتنمو فيها الأشواك والأدغال فحسب، كذلك بعض القلوب فإنَّها غير مؤهلة للهداية وترى نفسها في غنى عن الوحي الإلهي.

ففي هذا المثل شُبِّه الوحي الإلهي هنا بالغيث، باعتباره ينزل على جميع القلوب، لكن لا يستفيد منه إلاّ ذلك البعض الذي يكون مصداقاً للبلد الطيّب، أي يحضى بقلب طاهر، وتكون ثمار هذه الاراضي الطاهرة هي الاخلاق الحسنة والايمان القوي والشوق إلى أولياء الله، والاخلاص في العمل، والعمل بما تستدعيه الوظيفة و... وفي مقابل هؤلاء هم الكفّار الذين قلوبهم تشبه الأراضي الملوّثة التي لا تستفيد من المطر شيئاً

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:23 AM

المثل السادس عشر: العالم المنحرف

يقول الله تعالى في الآيات 175 و 176 من سورة الأعراف في مثله السادس عشر: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذي آتَيْنَاهُ آياتِنَا فانْسَلَخَ مِنْهَا فأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلكنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ واتَّبَع هويَهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَث أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَلك مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآيَاتِنَا فاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ. الحديث في الآيات الثلاث عن العالم الذي كان في الطريق الصواب والصحيح وبلغ في هذا الطريق مقامات رفيعة، إلاّ أنّه تدريجياً انحرف وطُرد من الساحة الربانية، فيشبّه الله هذا العالم بالكلب ليعتبر الآخرين منه.

﴿واتْلُ عَلَيْهِم نَبَأ الَّذي آتَينَاهُ آياتِنَ
يطلب الله من الرسول أن يحكي للأصحاب قصة ذاك العالم.

المراد من الآيات هو أحكام التوراة ومواعظها، فإنَّ هذا العالم كان عالماً باحكام التوراة ومواعظها، كما كان عاملا بها. ويعتقد البعض أنَّ المراد من الآيات هو الاسم الأعظم، ولهذا كان بلعم بن باعورا مستجاب الدعوة وكان صاحب نفوذ وجاه رفيع في المجتمع.


﴿فانْسَلَخَ مِنْهَا فأتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِيْنَ إنَّ مادة السلخ تعني نزع جلد الحيوان، ولذلك قيل لمن ينزع جلد الخروف سلاّخاً. إلاّ أنَّ كلمة (فاتبعه) لها معنيان:

ألف- تعني تبع ولحق، أي أنَّ الشيطان جعل العالم تبعاً له.
باء- أنّ الشيطان اتّبع هذا العالم، بعبارة اخرى: أنّه سبق الشيطان في الضلالة، وتجاوزه مهارة في هذا المجال. مثله مثل ذلك الشخص الذي كان يفعل عملا قبيحاً جداً بطريقة جديدة وكان يلعن الشيطان دائماً على فعله هذا، فظهر له الشيطان وقال: اللعن عليك لا عليَّ، لأني رغم مهارتي في الشيطنة ما كنت أعلم بهذه الطريقة، بل انت الذي علمتني إياها.

وعلى هذا، فالآية تعني أنّ بلعم بن باعورا خُلِّي من آيات الله، وانسلخت هذه الآيات عنه رغم أنَّه كان يحيط بها جميعاً، لكنها انسلخت واتّبع الشيطان، أو أنَّ الشيطان اتّبعه، وكانت عاقبته الشر والشقاء فكان في عداد الاشقياء والضالين.


﴿وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أخْلَدَ إلَى الأرْضِ واتّبَعَ هَوَاهُ أي أنا لو أردنا إجباره على البقاء على الحق لفعلنا لكنّا تركناه لنرى ما يفعل باختياره وإرادته، وذلك لأنَّ في الإسلام الاختيار لا الاجبار، ﴿إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًاً وإمَّا كَفُورَ الإنسان/3.فالله يستطيع أن يجعل جميع الاعمال من قبيل الحج والصوم والصلاة جزءاً من غرائز الإنسان، كما جعل الأكل والشرب، لكنّه لم يفعل ذلك، بل خلق الإنسان حراً ومختاراً ليكون هناك هداية وتكامل وتقدّم واختبار وثواب وعقاب و... ولكي لا تفقد هذه المفاهيم معانيها.

وفي النهاية يكون معنى الآية هو: أنّا تركنا بلعم بن باعورا إلى نفسه، إلاّ أنَّ هذا العالم المنحرف - الذي سبق وأن كان مبلغاً قوياً لموسى عليه السلام - تبع الهوى والهوس حباً للدنيا وحسداً من موسى عليه السلام وانجذاباً بوعود فرعون، وكان عاقبته الطرد من الساحة الربانية. وعلى هذا، فإنَّ شيئين كانا سبباً لسقوط بلعم بن باعورا هما:

أوّلا: حبّ الدنيا والميل إلى فرعون.
وثانياً: الهوى واتباع الشيطان.

﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ، إنَّ الكلاب عادة ذات منفعة متعارفة يستفيد منها الإنسان ولذلك يصح اجراء معاملة عليها في الفقه الإسلامي، إلاّ أنَّ بعض الكلاب تكون مسعورة دائماً إثر ابتلائها بداء الكَلَب، وهو مرض يجعلها تلهث دائماً وتصيح، وتفرز سماً، وإذا عضت الإنسان يمكن أن تؤدي هذه العضة إلى موته أو ابتلاءه بالجنون. والكلاب تُعد حينئذ فاقدة للقيمة لا تُجرى معاملة عليها، لأنَّها تفقد الفائدة اضافة إلى ما فيها من مضايقة للآخرين. علائم هذا المرض في الكلاب هو أنَّها تفتح فمها وتحرك لسانها دائماً، وذلك لتخفِّف من الحرارة الداخلية التي تشعر بها، وحركة اللسان عندها بمثابة المروحة التي تدفع بالهواء لتبرّد الجسم. ومن علائمه أيضاً العطش الدائم... وعلى كل حال يكون هذا الكلب مهاجماً.

والقرآن بمثله الجميل هذا يشبِّه العالم المنحرف بالكلب الذي يفقد القيمة ويحمل أخطاراً كثيرة... فحب الدنيا والهوى والهوس يُحرف العالم ويفقده البصر والبصيرة بحيث يصبح لا يميز صديقه عن عدوّه.


﴿ذَلك مَثَلُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أي أنَّ هذا مثل المجتمعات التي كذّبت بآيات الله فاقصص - أيها النبيّ - على الناس وبخاصة اليهود والنصارى هذه القصص ليعتبروا منها، ولكي يعلموا أنَّهم إذا كذّبوا بايات الله فإنَّ مصيرهم سيكون كمصير بلعم بن باعورا.

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:25 AM




يقول الله تعالى في الآيات (107 - 109) من سورة التوبة: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فيه أبَدَاً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْم أحَقَُّ أنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

إنَّ الآيات الثلاث التي تعتبر المثل السابع عشر للقرآن تحدثت عن مسجد ضرار الذي اسّسه أعداء الدين لأجل مواجهة الدين الجديد واعتبروه متراساً ومرصداً محكماً لهم لمواجهة الدين بالدين.


﴿والّذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَارَاً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤمِنِينَ وإرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل. نعم إنّ جبرئيل عليه السلام نزل على الرسول مانعاً إياه عن الصلاة في هذا المسجد; وذلك رغم أنَّ ظاهره للعبادة، لكن واقعه معبد للأصنام ومركز للتآمر ضدّ المسلمين، فالآية هنا بيّنت أربعة أهداف من وراء بناء هذا المسجد.

1 -
﴿ضِرَارَاً إي أنَّ مؤسسي هذا المجسد كانوا يستهدفون الإضرار بالمسلمين من خلاله وذلك بجعله متراساً لأعداء الإسلام.

2 -
﴿كُفْر إنّ الهدف الآخر لهم من وراء بناء هذا المسجد هو تقوية أسس الكفر، والمسجد دوره هنا كمركز لدعم الشرك والكفر.

3 -
﴿تَفْرِيقَاً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ الهدف الآخر لهم وهو من أخطر الاهداف عبارة عن إيجاد الفرقة بين المسلمين، واستهلاك الطاقة الموحدة التي يمتلكونها، في النزاعات فيما بينهم، الأمر الذي يُضرّ بالاطراف الإسلامية المتنازعة أكثر من اضراره في شيء آخر، وهذا مبدأ يحكم جميع الاختلافات.

4 -
﴿إرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل إي إعداد مركز للاعداء في قلب الدولة الإسلامية، الأعداء الذين يكنون العداء لله ورسوله من ذي قبل. ﴿وَلاَ تَقُمْ فِيهِ أبَدَ والرسول (صلى الله عليه واله) لم يقم فيه ولم يصلّ فيه أبداً. ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أوَّلِ يَوْم أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيْهِ أي أنَّ مسجد ضرار ليس محلا مناسباً لعبادة الله الواحد، والمسجد المؤهل لذلك يتسم بالسمات التالية:

1 - أن يكون أساس تأسيسه هو الإيمان والتقوى، وهذا القسم من الآية يعلمنا أن يكون أساس تأسيس مراكز مثل الحسينيات والمدارس الدينية والسياسية والاقتصادية والادارية هو الايمان والتقوى، فهما روح الأعمال.


2 - السمة الاخرى هي أن يكون الحضور من المتقين والطاهرين; وذلك لأن المصلين في المسجد يعدون معرّفاً للمسجد.


إن السمتين حاصلتان في مسجد قبا، فقد كان أساس تأسيسه الإيمان والتقوى، كما أنّ مصليه كانوا من المؤمنين عكس ما كان في مسجد ضرار فلا أساسه كان يعتمد الإيمان والتقوى ولا حضوره كانوا من المؤمنين.
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوان خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرْف هَار.

(الشف
) يعني الطرف من كلّ شيء، واطلقت هذه المفردة على شفاه الفم لأجل ذلك.

(الجرف) يعني الجنب فجرف الشيء أي ما يجانبه ولذلك اطلق على شاطئ النهر جرف.


(هار) يطلق على الشيء الآخذ بالسقوط. إنَّ النهر قد يفرغ جرفه من الداخل ليصبح الجرف أجوف، والإنسان الذي لا يعلم بذلك قد يقدم على المشي على هذا الجرف فيسقط فيه ويغرق.


الله تعالى يشبّه بناء مسجد ضرار ببناء على جرف نهر، والجرف لا يشرف على ماء النهر، فانّ ذلك قد لا يؤدي بالإنسان إلى موته وهلاكه الحتمي لانه قد يكون عارفاً بالسباحة، بل إنَّ هذا الجرف مشرف على جهنّم ذاتها بحيث إذا سقط إنسان فيه فذلك يعني هلاكه الكامل وانتفاء احتمال نجاته.


وهل الإنسان إذا كان عاقلا يرضى باقامة بنيانه في أرض رخوة كهذا الجرف ويتحمل ما فيه من مخاطر؟


نعم; إنَّ المسجد الذي أساسه التقوى ورضاء الله فبناؤه يكون محكماً جداً ولا يؤدي بالإنسان إلاّ إلى النجاة، أمَّا المسجد الذي يؤسّس على أساس الكفر والشرك ويكون مقراً للأعداء فهو بدرجة كبيرة من الخطورة ويؤدي بالإنسان إلى السقوط. وحسب ما تذكر الآية إنه سقوط في جهنّم .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:26 AM

المثل الثامن عشر: الدنيا العابرة

يقول الله تعالى في الآية 24 من سورة يونس: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَالحديث في المثل عن الحياة الدنيا العابرة، والتذكير بها خوف أن يغتر الإنسان بظاهرها الخلاّب ويتعلّق بها، فإنَّ الإنسان قد يفقد كل شيء في وقت يتصوّر أنّ كل شيء قد تهيّأ وأُعد لصالحه. ويدعو الله في نهاية الآية الإنسان للتفكير لعلّه ينقذه ويجد لنفسه من خلاله مخرجاً.

﴿إنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَااستخدمت عبارة (الحياة الدنيا) ما يقرب السبعين مرة في القرآن، والدنيا قد تعني أحد المعنيين التاليين:

ألف -
أن تعني القرب، ودنيا مؤنث (أدنى)، وذلك باعتبار أن الحياة الدنيا أقرب قياساً للحياة الآخرة التي هي بعيدة نسبياً.
باء -
أن يراد منها السافلة أو التافهة، ومنها اطلاق (الدني) على الإنسان الساقط والسافل. وباعتبار أنَّ الحياة الدنيا حياة تافهة وتفقد القيمة الكافية فهي حياة دنيا عكس ما عليه الحياة الآخرة فإنَّها عليا وتمتاز بالقيمة المتفوّقة.

هذا، اضافة إلى أنَّه يستفاد من آيات قرآنية مثل الآية التالية:
﴿وإنّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَان. العنكبوت/ الآية 64. أنَّ الحياة هي الحياة الآخرة فحسب، أمّا الدنيا فهي لا تستحق من الحياة إلاّ الاسم، بل هي موت تدريجي! على كل حال، فإنَّ الحياة الدنيا إمّا أنّها حياة لا قيمة لها، أو أنّها ليست حياة بالكلية.

﴿كَمَاء أنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فاخْتَلَطَ بِهَ نَبَاتُ الأرْضِ
أي مثل هذه الحياة العابرة كمثل الماء الذي ينزل من السماء بقطراته الشفافة والفاقدة للون، وباختلاطه بالأرض تنمو نباتات ومحاصيل متنوّعه.
المراد من الاختلاط في الآية هو تنوّع النباتات.

إنّ النباتات على ثلاثة أقسام:

1 - القسم الذي يشكل الأغذية للإنسان مثل الفواكه والخضروات والحبوب
﴿مِمَّا يَأكُلُ النَّاس.

2 - القسم الذي يشكل أغذية للحيوانات
﴿مِمّا يَأكُلَ الأنْعَام وهي قد تشترك - نوعاً ما - بين الحيوان والإنسان كالاشجار التي يستفيد الإنسان من ثمارها، والحيوان يستفيد من أوراقها وغصونها. وقد تكون خاصة بالحيوانات مثل العلف.

3- القسم الآخر هو النباتات والأشجار التي تزيّن الطبيعة مثل الأزهار والحشائش الاخرى
﴿حَتَّى إذا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وازيَّنت وَظَنَّ أهلُهَا أنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيْها أي في الوقت الذي هطل فيه المطر وأثمرت الاشجار وحان الوقت لجني الثمار في هذا الوقت تحدث حادثة وتخلبط كل حسابات الإنسان وتحول دون جنيه ثمار ما زرع. وهذا أمر مؤلم لمن تعلّق بالدنيا.

﴿أتَيها أمْرُنَا لَيْلا أو نَهَارَاً نعم، في الوقت الذي يرى الإنسان أن الدنيا أقبلت عليه وكشفت عن وجهها الخلاب والخادع، ويجد أنَّ كل شيء حسب ما يرام، في هذا الوقت يصدر أمر الله بالعذاب ليلا أو نهاراً لتتدمر بذلك كل الآمال والزحمات، بحيث تبدو الدنيا لم تكن شيئاً مذكوراً. إنّ كلمة "أمْرُنَا" في الآية الشريفة تدعونا للدقة والتأمل الوافر من حيث إنّها تضمُّ موارد ومصاديق كثيرة وتشمل كل أنواع العذاب الذي يصدر من الله. نشير إلى بعض من تلك المصاديق.

1 - قد تؤمر مجموعة من الحيوانات تبدو كأنها ضعيفة مثل الجراد، فتؤمر الجراد لتهجم على مزرعة بشكل كتلة، لم تبقِ منها شيئاً إلاّ أكلته أو دمرته، كما يحصل ذلك بين الحين والآخر في بعض الدول.


2 - وقد يلقى هذا الأمر على عاتق السموم من الرياح، فيؤمر بتنفيذ مهمة العذاب الإلهي، وهو عندما يمرّ بشيء يسمّه ويجفّفه، بحيث إذا مرّ من مزرعة أبدلها إلى رماد يذهب مع الريح.


3 - وقد يتكفل بتنفيذ المهام الإلهية موجود هو أخطر من ريح السموم، مثل الصاعقةالتي تدمّر كل شيء تصطدم به مثل الجبال والاشجار والانعام والناس، أو مثل موجودات أخرى .


هناك نقطة مثيرة تضّمنتها عبارة
﴿لَيْلا أوْ نَهَارَاً وهي أنَّ الإنسان لا خيار له غير التسليم والخضوع للعذاب الإلهي. ولا يفرق في ذلك الليل والنهار ولا يتصّور أن الإنسان سوف يخضع للعذاب في الليل باعتباره مسلوب القدرة آنذاك، بل انَّ العذاب إذا نزل سيستسلم له الإنسان سواء كان نازلا في الليل أو في النهار.

﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدَاً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْس أي عندما يصدر أمر بالعذاب تتهدم ممتلكات الإنسان وتدمّر مزارعه في آن، بحيث لا تبدو الأرض وكأنها كانت مزروعة قبل لحظات، بل تبدّل إلى كومة من الرماد.
﴿كَذَلك نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ أي أنَّ اهداف هذا المثل لا يدركها إلاّ الذين يتفكّرون فيه، ولا يدرك غور هذه الآيات الإلهية إلاّ بالتفكّر والتأمل الذي لا توجد عبادة أرفع مستوى منه.

ففي الآية الشريفة شُبِّه الإنسان وحياته الدنيا بالمطر، وبذلك يشير القرآن إلى قابليته وأهليته العالية، فاذا فُعّلت هذه الأهلية لأمطرت عليه ثماراً من قبيل الابتكار والخلاقية المتنوّعة، ولاستخدم كل طاقته في سبيل الحياة الأفضل، ولنشط في مختلف المجالات، ولاستهلك طاقات جمة في سبيل بلوغ الأهداف الخاصة. إلاّ أنَّ حادثة تحصل فجأة تخيّب كل آماله وتدمّر كل ما جناه في حياته حتى هذه اللحظة ليبدو وكأنه لم يفعل شيئاً لحياته أبداً ولم يكن قد فعل وتحمّل لأجل ضمان المستقبل.


إنَّ هذه الحوادث هي (الأمر الالهي)، وقد تتبلور في داخل جسم الإنسان ويسلّم لها الإنسان رغم ضعتها وصغرها. وعلى سبيل المثال قد تحصل جلطة في دم الإنسان تسري في الشرايين لتصل إلى القلب فتحدث سكتة فيه، أو تصل إلى الدماغ فتحصل سكتة فيه أيضاً قد تتسبب في شل جزء من جسمه إذا لم تمته.


والأبسط من ذلك هو أن يأمر الله تعالى خلية من خلايا جسم الإنسان لتتكاثر بشكل غير متعارف وبتصاعد هندسي كأن تصبح الخلية خليتين والخليتان أربع خلايا والأربع ثمانية والثمانية ستة عشر وهكذا إلى أن تتبدّل فجأة إلى غدة سرطانية تنتشر في جميع بدنة شيئاً فشيئاً لتجعل من الإنسان قعيد البيت
﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ فيبدو وكأنه قد مات منذ سنوات وآماله قد اندثرت منذ ذلك الحين.

وقد يلقى الأمر الإلهي في عهدة حادثة خارجية مثل الزلزلة أو الطوفان أو الاعصار أو الشهاب السماوي او غير ذلك. هذا المثل وما شابهه من الحوادث التي شهدناها طوال عمرنا مرات عديدة بمثابة صافرة الانذار تحذرنا أن لا تغرّنا الحياة الدنيا ولا نتعلّق بها ولا نرتكب الجرائم لأجل بلوغ الأهداف الدنيوية الآنية. فمن المناسب أن نفكر بعمق في هذه الآية الشريفة وفي أمثالها، ونعدّها كالمصباح نستنير به الطريق.
﴿كَذَلك نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ فتفكّر أيها الإنسان بما سيحل بك بعد انقضاء عمرك واعمل بما يأمر به عقلك السليم

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:27 AM

المثل التاسع عشر والعشرون



المثل التاسع عشر: الكافر والمؤمن

يقول الله تعالى في الآية 24 من سورة هود: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ.

يقارن الله العظيم في هذا المثل بين الكافرين والمؤمنين، ويشبِّه أحد الفريقين بالأعمى والأصم والآخر بالبصير والسميع، وذلك لأنَّ الإيمان والتقوى يورثان السمع والبصر، أما اللجاجة والتعصب والكفر فيحجبان عن هذين الموهبتين الربانيتين.


﴿مَثَلُ الفَرِيْقَيْنِ كالأعْمَى والأصمِّ والبَصِيْرِ والسَّمِيع
نعت تعالى هنا كلا من الفريقين بصفات فقال: إن الكافر مثل الأعمى والأصمّ، والمؤمن مثل البصير والسميع.

﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أفَلاَ تَذَكَّرُونَ
والسؤال هنا استنكاري أي أنَّ الفريقين لا يستويان فالأعمى ليس كالبصير والأصم ليس كالسميع; كذلك المؤمن فهو غير الكافر وليس مثله.

المثل العشرون: الذين يدعون من دون الله

يقول الله في الآية 14 من سورة الرعد: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ.

إنّ آية المثل درست قضية الدعاء والتوسّل، وهي تسعى لتعليم الإنسان إلى مَن يمدّ يده ؟ ثم مثَّلت أولئك الذين يطرقون أبواب المخلوقات دون خالقهم طالبين حاجاتهم بمن بسط يديه إلى الماء....


﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ
يختلف المفسرون في المراد من هذه الجملة، فالبعض يرى أنها تعني التوحيد، والتوحيد خاص بذاته تعالى.

ويعتقد بعض آخر أنَّ المراد منها هو القرآن المجيد، فهي تشير إلى هذا الكتاب الإلهي.


وكثير من المفسرين فسَّرها بالدعاء، أي إذا أراد الإنسان أن يستجاب دعاؤه دعى الله خالصاً، فغيره لا يحلّ شيئاً من المشاكل بل الله هو الوحيد القادر على استجابة الدعاء وحل المشاكل.


والشاهد على هذا الرأي (الرأي الثالث) الذي نحن نذهب إليه هو ذيل الآية، حيث تقول:
﴿وَمَا دُعَاءُ الكَافِرينَ إلاّ فِي ضَلاَل.

إنَّ سبب كون دعاء الكافرين في ضلال هو أنَّهم يسألون من لا يقدر حتى على الدفاع عن نفسه، ولا يستطيع كسب منفعة لنفسه فضلا عن نفعه الآخرين.


﴿والّذِيْنَ يَدْعُونَ مِنْ دُوْنِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيء إلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ
إنّ شاهد حديثنا في المثل العشرين هو هذا الجزء من الآية.

إن الذين يدعون غير الله ويقصدون معابد الاصنام ويتوسلون بها لأجل حلّ مشاكلهم، فمشاكلهم سوف لا تُحل. ومثل إنسان كهذا مثل الذي يبسط يده ويمدها ليأخذ الماء ويشرب، وهو لا يستطيع من خلال هذا العمل شرب الماء أبداً.


اختلف المفسرون في تفسير
﴿كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى المَآءِ... نشير إلى أقوالهم هنا:

1 - المراد منها هو شخص عطشان يريد إرواء عطشه فيقصد بئراً ليس فيه حبل ولا دلو، وعمق البئر كثير جداً، فيبسط هذا الشخص يديه في البئر، لكن يديه لا تمتدان إلى أكثر من متر واحد. ولا شك أنَّ شخصاً مثل هذا سوف لا يبلغ هدفه ولا يروي عطشه.


2 - مراد الآية هو الشخص الذي يقف بجنب البئر ويشير للماء لكي يصعد ويشرب منه. ومن الواضح أن الماء هنا لا يُنال بالاشارة إليه، بل هناك حاجة واقعية لوسيلة ترفعه. نعم، دعاء الكافرين عند معبد الأصنام ضلال، وحالهم حال إنسان كهذا.


3 - إنَّ (باسط) تعني الذي يفتح يديه ولا يحنيهما بحيث يتمكن الاغتراف بهما. فإنَّ هذا الشخص يذهب إلى جنب الماء ويغترف منه بيديه حال كونه فاتح يديه وباسطهما، وهو أمر لا يوفّر له الماء فيضطر للابتعاد عن مصدر الماء، وهو عطشان.


نرى أنَّ التفسير الأوّل هو أنسب الثلاثة، رغم إمكانية القول بأنّ الثلاثة صحيحة وكلها تبيّن مراداً واحداً; وذلك لانَّا نعتقد بامكانية استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد.


وعلى ما تقدم علينا - لأجل حل المشاكل - أن لا نطرق غير باب الله، بل نقصد بابه منذ البداية، فهو الخالق والرازق والمحيي والمييت وهو حلاّل المشاكل وكل شيء بيده. اما غيره فلا شيء بيده; لأنّه ما من موجود إلاّ وهو يحتاج إلى الله الغني، فالكل يحتاج إليه فكل شيء عاجز، وهو القادر، وكل شيء ضعيف، وهو القوي والقادر المطلق، فلا يصح الذهاب لا لمعبد الأصنام فحسب بل لكل شيء غير الله،ومن يطلب من غير الله لا يصل الى مبتغاه وسيكون في ضلال كالكافرين .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:28 AM

المثل الحادي والعشرون والثاني والعشرون


المثل الحادي والعشرون: الحق والباطل

من أجمل امثال القرآن هو مثل الحق والباطل، يقول الله تعالى في بيان هذا المثل ذات المغزى العميق في الآية 17 من سورة الرعد:﴿
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ

إنَّ الحديث في هذا المثل عن الحقّ والباطل وسعتهما ومجاليهما وعلائمهما وآثارهما وتعريفهما، وفي النهاية المواجهة الطويلة والمتواصلة بينهما التي كانت على طول التاريخ.

﴿أنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً فسالَتْ أوْدِيةٌ بِقَدَرِهَا إنَّ نتيجة هطول الامطار على الجبال ونزوله منها هو تجمع المياه في الاودية حسب حجمها، وجريانه وصيرورته أنهاراً صغاراً، وإذا التقت صنعت نهراً كبيراً، واذا تجاوز الماء سعة النهر تبدّل إلى سيول عظيمة ومخرّبة.
﴿فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً هذه الانهار كثيراً ما يحصل فيها أمواج تضرب الاحجار والموانع التي تقع في طريقها، وهذه العملية توجد زبداً في الماء يشبه الزبد الذي يوجده مسحوق الغسيل، يتجمّع على سطح النهر يبدو ساكناً، أمّا النهر فيستمر في حركته تحت الزبد.

﴿ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِليَة أو مَتَاع زَبَدٌ مِثْلُهُ هذا الزبد الاجوف والمتكبّر لا يختص بالماء بل قد يحصل للفلزات عند الصهر والذوبان مثل الحديد والنحاس وغيرهما.

ما يلفت النظر هنا هو أنَّ عبارة
﴿مِمَّا يُوْقِدُونَ عَلَيْه أشارت بظاهرها إلى أنَّ النار تُسلّط من الفوق على هذه المعادن رغم أنَّ النار في السابق كانت توقد على الفلزات من تحت أمّا حالياً فمعامل الصهر المتطوّرة تسلّط النار من فوق ومن تحت أي لم تستغن عن تسليط النار على الفلز من الاعلى، وهو أمر أشار له القرآن منذ ذلك الحين.

﴿كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ والبَاطِل أي أنَّ الله لأجل إيضاح المواجهة بين الحق والباطل والتي يمتد عمرها إلى طول التاريخ يضرب هذا المثل، فيشبّه الحق بالماء والباطل بالزبد الأجوف.

﴿فأمّا الزّبدُ فيَذْهَبُ جُفَاء فإنَّ الزبد، رغم تفوقه على الماء ورغم علوه عليه، يذهب جفاء وكأنَّه لا شيء. إنّ الأمواج التي توجدها السيول هي السبب في ايجاد هذا الزبد، وبمجرد أن تصل المياه المتلاطمة إلى سهول تصبح آسنة وسرعان ما يذهب الزبد وتترسب الاوساخ العالقة في الماء ولا يبقى إلاَّ الماء الخالص; ذلك لأنّ عمر الباطل قصير، والهلاك هو نهايته.

﴿وأمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ فالذي يبقى هو ما ينفع الناس من الماء الصافي والفلزات الخالصة. فالماء، إمَّا أن يركد في مكان يستخدم للشرب والسقي وإمَّا أن ينفذ في الأرض ليلتحق بالمياه الجوفية ذخراً للمستقبل، يستخدم بعد ما يخرج كعيون تلقائياً أو من خلال حفر الآبار.

﴿كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ أي يبيّن الله هذه الأمور للناس في صورة أمثال لكي تدرك بشكل أفضل.

المثل الثاني والعشرون: التقوى جواز دخول الجنة

يقول الله تعالى في الآية 35 من سورة الرعد:
﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُُ. الآية ، رغم بساطة ظاهرها، تعدّ من أعقد الأمثال القرآنية، إنها بتّت بتشبيه الجنة - التي هي مأوى المتقين - وذكرت لها ثلاث خصال. إنَّ التشبيه المستخدم في الآية يبدو تشبيهاً بسيطاً، إلاّ أنَّه في الواقع من أعقد التشابيه المستخدمة في القرآن المجيد. وتفيد الآية التي هي في صدد عرض تشابيه للجنة، وبيان أو ترسيم موقع المتقين فيها أن ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ كجنة تََجْرِي... أي أنَّ في الجنة بساتين ليست مثل بساتين دنيانا; لأنّه: أولا: أن منابع المياه فيها ذاتية وتلقائية، وتوجد عين قرب كل شجرة ولا حاجة لتأمين المياه من الخارج.
ثانياً: أنَّ ثمار الجنة دائمية وفي جميع الفصول.
ثالثاً: أنَّ ظل الاشجار هناك دائمي وخالد، أي أنَّ أوراق الاشجار لا تتساقط أبداً. ﴿تلكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقوا وعُقبى الكَافِرِيْنَ النَّارُ فالجنة هذه هي دار المتقين وجهنم دار ومأوى الكافرين

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:29 AM

المثل الثالث والعشرون، الرابع والعشرون والخامس والعشرون

المثل الثالث والعشرون

يقول القرآن في الآية 18 من سورة إبراهيم:
﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ. تناولت الآية بيان أعمال الكفار الصالحة، وتلمّح بأنَّ أعمالهم بسبب كفرهم غير مقبولة. من هنا كان احتمال حساب أعمالهم الصالحة بمعزل عن كفرهم أمراً مرفوضاً.
﴿مَثَلُ الّذِيْنَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم إنَّ أمثال القرآن على قسمين: قسم يُضرب على أعمال الإنسان، وآية المثل هذه من هذا القسم حيث تناولت دراسة أعمال الكفار. القسم الآخر هو الامثال التي تضرب على الشخصيات ذاتها بأن يشبّه الاشخاص أنفسهم بشيء ما مثل ما مرّ في الآية الشريفة 261 من سورة البقرة، حيث شبّهت المنفق بحبة الحنطة التي تنتج سبعمائة حبّة.

على أي حال، الآية الشريفة تناولت اولئك الذين كفروا بربهم، لكن الملفت في الآية هنا هو أنَّها استخدمت مفردة (رب) بدل مفردة (الله)، وكأنها تريد الاشارة إلى الآثار الربوبية في كل مكان ورحمة الله وبركاته على جميع أعضاء جسم الإنسان وفي جميع اللحظات، فهي تريد القول للإنسان: إنَّك تستفيد من نعم الله - التي يكفي واحدة منها لشكر الله - كل يوم وعلى طول العمر، رغم ذلك تكفر وتجحد به، مع أنَّ على الإنسان أن يكون شاكراً لله على نعمه دائماً.


﴿أعْمَالُهُمْ كَرَمَاد الآية شبَّهت أعمال الكفار الصالحة بالرماد، ولم تتطرق الآية إلى أعمال الكفار السيئة، وذلك لأنَّها دون القيمة التي تستدعي التطرّق لها وبحثها.

﴿اشْتَدّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِي يَوْم عَاصِف لاَ يَقْدِرُونَ على شيء مِمّا كَسَبُو من الواضح أنَّ اليوم اذا كان عاصفاً أخذ الريح معه كل ما كان خفيفاً ودقيقاً، وكلما كان ذلك الشيء أدق كلّما صعب جمعه، أما اذا كان رماداً فاستحال الجمع; وذلك لصغر الأجزاء المكونة للرماد وتلوّنها بلون البيئة التي تسقط فيه. وإذا اجتمع اهالي المدينة كلهم - لا صاحب الرماد فحسب - ما استطاعوا أن يجمعوا شيئاً مما فقدوه من الرماد ولو بمقدار مثقال، إنّ عاصفة الكفر والجحود تعمل بأعمال الكافر كما تعمل العاصفة الطبيعية بالرماد، بحيث لا يبقى شيء من ذلك العمل للكافر يتمتع به ﴿ذَلك هُوَ الضّلاَلُ البَعِيْدُ إنَّ انحراف هؤلاء عن الصراط المستقيم كالانحراف والضلال البعيد عن الطريق الذي يصعب جبرانه والرجوع عنه نحو الطريق الصواب.

المثل الرابع والخامس والعشرون: الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

جاء في الآيات 24 و 25 و 26 من سورة إبراهيم ما يلي:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ.

هذه الآيات من أجمل الآيات ومن أبلغ الأمثال القرآنية. إنّ في الآيات الثلاث تمثيلا جميلا وبليغاً للكلمة الطيبة من جانب، وللكلمة الخبيثة من جانب آخر، وفيها يعدّ الله الفوائد والآثار المترتبة على كل واحدة منهما.


﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجرَة إنَّ هذه الشجرة التي ضرب الله بها مثلا ذات خصائص طَيِّبَةً. أول خصائصها أنها طيّبة أي طاهرة وذات رائحة مطلوبة. أصْلُهَا ثَابِتٌ الخاصية الاخرى لهذه الشجرة أن جذورها ثابتة ومحكمة في الأرض. من مظاهر قدرة الله تعالى أنه جعل تناسباً بين غصون الشجرة وجذورها فكلما كانت الغصون أعظم وأكثر، كانت الجذور عظيمة وكثيرة وعميقة بتلك النسبة التي لللغصون ، وهي تحفظ الشجرة وغصونها من العواصف والفيضانات كما يفعل الحبل بما شدّ به.

﴿فَرْعُهَا فِي السَّماء الخاصية الاخرى أنّ نموها صعودي وعمودي نحو السماء

﴿بإذْنِ رَبِّهَا
الخاصية الاخيرة لهذه الشجرة هي أنَّها رغم كون ثمارها تنضج في جميع الفصول، إلاّ أنَّها تنمو وتعمل حسب قوانين الطبيعة ولا تشذّ عنها، وهي مطيعة لهذه السنن التي جعلها الله تعالى. إن هذا الأمر لم يختص بأمثال هذه الشجرة، بل جميع ما في الطبيعة خاضع وخاشع له:﴿وَلَهُ أسْلَمَ من فِي السّمَاوَاتِ والأرْضِ.

فهذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي في الحقيقة شجرة سعادة الإنسان. إنّ هذه الشجرة التي هي حقيقة التوحيد، تحيي قلب الإنسان وتكسر كل ما فيه من أصنام، بحيث تجعله لا يسجد أمام أصنام المال والرشوة والربا والسرقة والاعتداء. ولا يكذب الآف الكذبات لأجل الحفاظ على مقامه، ولا يرتكب الجرائم لأجل الحفاظ على مال الدنيا; وذلك لأنّ أعمالا كهذه تعدّ شركاً ولذلك يُدعى المرائي في الاخرة منافقاً أو فاجراً.وعكس ذلك الكلمة الخبيثة التي لا تفيد إلا الفتن والإنشقاق والدمار والخراب كالشجرة الخبيثة التي لا فائدة للبشر من وجودها ..

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:30 AM

المثل السادس والعشرون، السابع والعشرون والثامن والعشرون

المثل السادس والعشرون

يقول الله تعالى في الآية الكريمة 60 من سورة النحل:
﴿لِلّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأعْلَى وَهُو العَزِيْزُ الحَكِيْم. غرض أمثال القرآن هو بيان المسائل العقلية المعقدة في صيغة مسائل حسية قابلة للاستيعاب من قبل الجميع، وذلك لأنَّ القرآن للجميع، فكما أنّه يخاطب النوابغ من العلماء، يخاطب ابسط الناس والاميين منهم كذلك.

إنَّ الذين لا يؤمنون بيوم القيامة والمعاد لا في العمل ولا في العقيدة، لهم مثل السوء كالامثال التي ذكرت لهم في القرآن المجيد.


و لله من الأمثال ما ليس لغيره، فلله المثل الأعلى، ويُعدُّ كل مثل في حقه ناقصاً مهما ارتفع شأنه، وذلك لأن أمثلتنا من عالم الموجودات الممكنة، وهي جميعاً ناقصة ومحدودة، ولا يمكن تصوير اللامحدود بالمحدود.


المثل السابع والعشرين: المؤمن (عبدالله) والمشرك (عابد الصنم)

يقول الله تعالى في المثل السابع والعشرين وفي الآية 75 من سورة النحل ما يلي:
﴿ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ .

تحدّثت الآية عن عبيد الأصنام والمؤمنين. ويشبّه الله عبدة الأصنام هنا بالعبد المملوك الذي لا يملك شيئاً من المال، كما أنّه غير حرّ في اتخاذ القرار. أمّا المؤمنون فإنّ الله هو رازقهم، كما أنهم يشركون الاخرين بأرزاقهم، وذلك بالانفاق سراً وجهراً.


فالآية سعت للتمييز بين المؤمن (عبد الله) والمشرك (عابد الصنم)، فشبّهت المشرك بالرق الذي لا إرادة له بل إرادته تابعة لمولاه، كما أنّه لا يملك شيئاً من المال ولا يملك قرار نفسه، بل إنَّ بعض المالكين يجيزون لأنفسهم قتل عبيدهم في حالة الغضب والضجر، فهم كانوا يعتقدون أنَّ المالك له الحق في التصرف بأمواله بأي شكل شاء. إنّ المشركين لهم شأن كهذا الرق الذي يفقد الارادة والاختيار.


أمّا المؤمن الموحّد فهو بمثابة الإنسان الحر الذي رزقه على الله هنيئاً مريئاً، ويشرك الاخرين في هذا الرزق الحسن بالانفاق إليهم في السر والعلانية.


هل يتساوى هذان الاثنان؟ طبعاً لا يتساوون،إنَّ الذي جرّ هؤلاء المشركين إلى هذا العمل هو جهلهم.


المثل الثامن والعشرون: المؤمن والمشرك

يقارن الله في الآية 76 من سورة النحل بين المشرك والمؤمن ويقول:
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.

عنت الآية بالمقارنة بين الإنسان المؤمن والإنسان المشرك، وقد قارنت الآية بين الاثنين بمثل جميل ودقيق بحيث لا يمكن إثره انكار الفوارق بين الإنسانين، وبخاصة إذا لاحظنا الصفات التي ذكرت للمشرك في الآية، فانَّ ملاحظتها يفرض علينا القول بعدم امكانية المقارنة بينهما لشدة الاختلاف في هذه الصفات.


﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ في هذا المثل قارن الله بين شخصين الأوّل وهو المشرك يحمل الصفات الخمس التالية:

1-
﴿أَحَدُهُمَا أبْكَمٌ أي أنّه أخرس. وأبكم مفردة اخرى للاخرس، والفرق بينهما أن الأخرس هو الذي عرضت له هذه الحالة أثناء حياته، ولم يكن أخرس منذ الولادة. أمّا الأبْكَم فهو الذي يلد على هذه الحالة.

2-
﴿لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيء الخصلة الثانية لهذا الإنسان هي أنّه غير قادر على عمل شيء، فهو ضعيف روحياً وجسمياً.

3-
﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَولَيهُ الخصيصة الاخرى لهذا الإنسان أنّه كلٌّ أو ثقل على الآخرين، أي أنّ هذا العبد ثقل على مولاه.

5-
﴿أيْنَمَا يُوجّههُ لاَ يَأتِ بِخَيْر آخر خصلة له أنه لا يتوفّق في أي عمل يقدم عليه، ويرجع منتكس الرأس كلّما اُرسل لقضاء حاجة.

وعلى هذا، فإنَّ المشرك يبدو شخصاً يحمل الصفات التالية:
1- عبد يفقد الارادة.
2- أبكم منذ الولادة.
3- لا يستطيع انجاز عمل ما.
4- كَلُّ على مولاه.
5- فاشل في جميع أعماله.

﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ... أي هل يستوي هذا الإنسان الحامل لهذه الصفات مع إنسان أخر

وهو: (المؤمن) الذي من صفاته:
1-
﴿يَأمُرُ بِالعَدْلِ أول خصائصه أنّه يأمر بالعدل والقسط، أي أنَّه عادل ويعمل طبقاً لما تستلزمه العدالة. وأمره بالعدالة يكشف عن شخصيته القيادية والادارية.
2-
﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فهذا الإنسان اضافة إلى عدالته وأمره بها، يحضى بخصيصة اُخرى، وهي أنَّه يخطو على الصراط المستقيم.

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:31 AM

المثل التاسع والعشرون: حديثو العهد بالإسلام

يقول الله في الآية 92 من سورة النحل: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.

كان المسلمون في صدر الإسلام أقلية والمشركون يشكلون الأكثرية. وتلك الثلة من الشباب، الذين عشقوا الرسول وآمنوا به، كانوا يواجهون ضغوطاً من قبل عوائلهم وأصدقائهم والمجتمع المشرك عموماً، فبعض منهم مثل أبي ذر وبلال وعمار قاوموا جميع الضغوط وثبتوا على عقيدتهم وضحّوا لأجلها وماتوا وهم مسلمون، إلاّ أنّ البعض الآخر لم يطق ملامة المحيطين به (وهم الاكثرية) واعتراضاتهم، وارتدّوا بعد ما اجتازوا مراحل الإسلام والايمان الصعبة، والآية هذه تعرضت للثلة الاخيرة من المسلمين المتزلزل إيمانهم.

﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة أنْكَاثَ يخاطب الله في هذه الآية حديثي العهد بالإسلام الذين تحمّلوا مشاق الإسلام والايمان وتخطّوا مشاكل هذه المرحلة وتتوجوا بالإسلام أفضل دين سماوي، ويحذّرهم دون أن يكونوا كتلك التي نقضت غزلها بعد أن تحملت مشاق ومتاعب الغزل والحياكة. فإنَّ مثل الذي يرتد عن الإسلام والايمان إلى الشرك كمثل تلك السفيهة أو البلهاء.

اختلف العلماء في اسم تلك السفيهة، فبعض قال: انها رائطة، وبعض قال: انها ربطة، وبعض آخر قال: إنّها رابطة. المهم أنها امرأة كانت تعيش في عهد الجاهلية ولشدة غبائها وبلهها كانوا يسمونها حمقاء.


إنَّ ما كانت تعمله هذه الحمقاء المتموّلة هو أنّها في صباح كل يوم كانت تعدُّ صوفاً وتأمر جارياتها بغزل الصوف، ثم تأمر الجاريات عصر ذلك اليوم بارجاع الغزل إلى الصوف، أي تأمر بنقض الغزل. وعملها هذا كان يتكرر كل يوم.


يحذّر القرآن الكريم حديثي العهد بالإسلام أن لا يعملوا بايمانهم واسلامهم كما كانت تعمل هذه المرأة الحمقاء بغزلها.


﴿تَتَّخِذُونَ أيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أي لا تتخذوا قسمكم ذريعة للخيانة والفساد ولا تتماطلوا في بيعتكم مع الله.

﴿أنْ تكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أمَّة أي لا تتخذوا قلتكم وكثرة المشركين ذريعة لنقض بيعتكم مع الله ورسوله، فإنَّ القلة والكثرة ليستا إلاّ ذرائع وتبريرات.

﴿إنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ أي أنَّ هذه القلة في العدد هي امتحان لكم، وما عليكم إلاّ السعي لأجل اجتيازه بنجاح.

﴿وَلَيُبَيِّننَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيْهِ تَخْتَلِفُونَ لا شك أنّ الله سيبّين للجميع يوم القيامة ما كان يختلف فيه الناس، وآنذاك سيندم الكفار والمشركون على عدم إيمانهم.

هذا المثل جميل وبليغ وجذّاب جداً، كما أنَّه تحذير للمسلمين على أن يغزلوا حبال إيمانهم باستحكام وقوة خوف النقض بعد هذه المشاق والمتاعب وخوف الوقوع في الشرك تارة اخرى.

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:32 AM

المثل الثلاثون: كفران النعمة

يقول الله تعالى في الآيتين 112 و 113 من سورة النحل:﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَوَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ تعرّضت الايتان إلى مصير اولئك الذين لا يشكرون نعمَ الله بل يكفرون بها، ولأجل ذلك استحقوا العذاب الشديد من الله.

﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَرْيَةً شبّه القرآن المجيد الكافرين بنعم الله والمنكرين لها بالقرية المعمورة التي تحضى- بسبب عمرانها المادي والمعنوي- بالمواصفات الأربع التالية:

1-
﴿آمنة، إنَّ الأمان هو أوّل صفة لهذه القرية، وباعتبار أنَّ نعمة الأمان أهم النعم الإلهية لذلك قدّمها على غيرها من النعم على ما يبدو. في الحقيقة، الامان إذا كان مفقوداً في مكان ما فإنَّ المكان سيفقد الإقتصاد السليم، كما أنَّه سيفقد امكانية التعليم والصناعة والتقنية الحديثة، وامكانية العبادة وأداء الشعائر الدينية، وخلاصة سوف لا يُنجز عمل بشكله الصحيح إذا لم يقترن بالأمان. فإنَّ قضية الأمن تحضى بأهمية كبيرة تؤثر حتى على العبادة وكيفية أدائها.

عندما وطأت قدما إبراهيم الخليل عليه السلام أرض مكة الجرداء، وبنى بين الجبال بيت الله الحرام، دعى لأهل تلك المدينة دعاءً ينقله الله في الآية 126 من سورة البقرة كما يلي:
﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدَاً آمِنَاً وارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخَر في هذه الآيات النورانية نقرأ أنَّ أوّل دعاء دعى به إبراهيم لأهل المدينة هو الأمن.

2-
﴿مُطْمَئِنَّةً قد تحضى المدينة بأمان، لكنَّ أمانها متزلزل وغير ثابت، وقد تحضى بأمان ثابت وغير متزلزل، والامان الذي أشارت إليه الآية هو الأمان المتواصل والثابت.

3-
﴿يَأتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدَاً مِنْ كُلِّ مَكَان كما مضى فإنَّ الأمان يجلب كل شيء حتى الإقتصاد السليم والقوي. في هذا البلد الذي أمن من السوء تأتي الناس أرزاقهم من كل مكان وصوب.

4-
﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُم أي أنَّ الله إلى جانب ما وفَّر لهم من نعم مادية (الأمان والإقتصاد السليم) منحهم نعمة معنوية وهي إرسال نبيّ معصوم وبصير منهم; لكي يتمَّ تعاليمهم ومعارفهم. إنَّ أهل هذه المدينة يتمتعون بهذه الخصال الأربع ويعيشون في رخاء، رغم ذلك لم يشكروا الله على نعمه. 5- ﴿فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فَأذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والخَوفِ إنّ أهالي هذه البلدة كفرت بدل أن تشكر نعم الله، وكانت النّعم سبباً لتكبرّهم وغرورهم وأنانيتهم، فظلموا بدل أن يستفيدوا من النعم بشكل صحيح، وكان نتيجة ذلك نزول العذاب الإلهي، وأذاقهم الله، إثر ذلك، الطعم المرَّ للجوع وسلب منهم الأمان، فكانت السرقات والغارات تهددهم في كل وقت، وتسلَّط أوباشهم عليهم، وتدمَّر اقتصادهم إثر تزلزل الأمان عندهم.

6- ﴿
بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ أي أنَّ صنيعة أهل القرية هو السبب في نزول هذا العذاب الإلهي، فانَّ الإنسان قد يقترف الذنوب التي ترجع عواقبها عليه، رغم صعوبة تحمّلها

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:33 AM

المثل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون
المثل الحادي والثلاثون: أمثال الكفَّار

يقول الله تعالى في الآية 48 من سورة الاسراء:
﴿اُنظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطيعُونَ سَبيلاً. هذا المثل يختلف عمَّا تقدَّم وعمَّا سيأتي من أمثال، لأنَّ الأمثال التي جاءت في القرآن أوضحت أموراً عقلية معقَّدة وغير حسية، أمَّا هذه الآية فحكت الأمثال التي جرت على ألسن الكفَّار في حق الرسول صلى الله عليه وآله، وهي أمثال استهدفوا بها الإضلال، عكس أمثال الله حيث استهدفت الهداية والإرشاد. ويستفاد من آية المثل الشريفة أنَّ المشركين كانوا قد ضربوا للرسول أكثر من مثل واحد عَدُّوه فيها مسحوراً أو مجنوناً أو كاهناً وساحراً وشاعراً.

المثل الثاني والثلاثون: المستكبرون والمستضعفون

إثنى عشر آية من سورة الكهف (وهي الآية 32 إلى 44) تشكِّل المثل الثاني والثلاثين يقول الله في هذه الآيات:
﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كلتا الجَنَّتَينِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظلِم مِنْهُ شَيئاً وفجَّرنَا خِلالهُمَا نَهَراً * وكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصَاحِبِه وهَوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكْثَرُ مِنكَ مَالاً وأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفسِه قَالَ مَا أُظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أحَداً * وَلَولاَ إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً *فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أوْ يُصِبحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَستَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُن لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ ومَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايةُ لله الحَقِّ هُوَ خيرٌ ثَوَاباً وَخيرٌ عُقْباً.

تضمَّنت الآيات الإثنى عشر مثلاً هو من أكبر أمثال القرآن، وهو مثل المؤمنين والكافرين أو المستكبرين والمستضعفين، فشبَّه الله الطائفتين بشخصين، أحدهما: ثري ومغرور بماله وثروته، والآخر: مستضعف لكنه موحِّد. ونهاية هذين الشخصين زوال ثروة الثري وفناءها، ممَّا أدى إلى استيقاظه من نوم الغفلة. والمثل يستبطن نكات ظريفة ولطيفة نعرض لها تدريجياً.


يطلب الله من الرسول أن يضرب لهم مثل رجلين أخوين أو صديقين.
﴿جَعَلْنا لأحَدِهمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعْنَاب وَحَفَفْنَاهُما بِنَخْل وَجَعَلْنا بَيْنهُما زَرْعَاً كِلْتا الجَنَّتَينِ آتَتْ اُكُلَهَا وَلَمْ تَظلِمْ مِنْهُ شَيئاً وَفجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً وَكَانَ لَهُ ثَمَر. المستفاد من عبارة ﴿وَفَجَّرْنَا خِلالَهُما نَهَراً أن البُستان كان يُسقى من الخارج، ثم اكتفى ذاتياً من حيث السقي بعد ما فُجرِّ النهر في داخل آرضه.

﴿فَقَالَ لِصَاحِبِه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً. عندما ينال ضيّقو الصدر والمغرورون شيئاً من مال الدنيا ويبلغون مستوى فيها يبدون وكأنَّ الزمان والمكان يدين لهم، فبعضهم عندما يبلغ شأناً في المجتمع ينسى صديقه الذي كان إلى جنبه مدَّة سنوات، وعندما يلتقيه يتصرَّف وكأنَّه لم يلتقِ به من قبل. إن صاحب البستان الثري الذي تحدَّثت عنه الآية كان من هذا القبيل، فقد اغترَّ بنفسه عندما شاهد بستانه والنهر الذي يجري فيه وما انتج من ثمار، فكان يتفاخر بما حصل وينظر إلى صديقه القديم والفقير نظرة تحقير ويقول: أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً من العمال والمزارعين والحشم والخدم.

﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لَنْفسِهِ قَالَ مَا أظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَدا أي أنه ما كان يظن أن بستانه سيفنى يوماً ما بل سيبقى دون أن يزول بآفة أو ما شابه.

عبارة
﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِه تشير إلى أن كل ظالم يبدأ بظلم نفسه في البداية ثم ظلم الآخرين، كما هو حال المحسنين حيث يفيدون أنفسهم بأعمالهم الصالحة ثمّ يفيد الآخرون بها. على أي حال، نسى هذا المغرور ذكر الله الذي خلق له هذه الجنَّة والذي يمكنه أن يفنيها في كل لحظة بحيث لا يبقى لها أثر مذكور.

﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمةً وَلئِنْ رُدِدْتُ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَبا. لقد أنكر هذا الرجل يوم القيامة بسبب تفاخره وغروره ونسيانه ربّ العالمين، وبلغ جحوده مستوى أن قال لصديقه: لا أظن أنَّ هناك قيامة، ولو كانت هناك قيامة كان ذلك يعني موتي وانفصالي عن أموالي وجنتي وزراعتي، وأنا لا اُريد الانفصال عن الدنيا لذلك أنكر يوم القيامة.

ثمّ قال: على فرض وجود قيامة فإنِّي سأكون من المقرّبين كذلك، ولو لم أكن من المقرّبين لما أعطاني الله هذا المقدار من المال والثروة، فكثرة الثروة دليل على قربي إلى الله في عالم الآخرة ـ على فرض وجوده ـ وسأكون هناك أقرب منك إلى ربِّ العالمين. هذا هو ظن كثير من الأثرياء، جهلاً منهم بأنَّ ذلك اختبار إلهي وقد يكون بلاءً.


﴿قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أكَفَرْتَ بالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمّ مِن نُطْفَة إلى أخر الآيات. صديقة الفقير صاحب الصدر المشروح يرى رفيقه مريضاً فيهمُّ في علاجه بأساليب نفسانية جميلة لعلاج مرض الغرور فيه، أي مرضه الأساس الذي سببته كثرة النعم، ولو عالج مرضه هذا تعالجت باقي أمراضه

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:33 AM

المثل الثالث والثلاثون: الحياة الدنيا

يقول الله تعالى في الآيات 45 و46 من سورة الكهف: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا .
شبَّه الله تعالى الحياة الدنيا في هذا المثل بماء الغيث. الخصوصية البارزة لهذا الماء أنَّه يضفي طراوة ونشاطاً على الزرع والنباتات مدّة أيام، لكن هذه الطراوة والنشاط تنتهي بحلول فصل الخريف، أي فصل الموت المؤقت للنباتات، وينتهي به شوط قصير من حياة النباتات. وهذا الشوط تحذير في الحقيقة إلى الانسان الغارق في الحياة الدنيوية بأنَّ حياته سيحلُّ فيها فصل الخريف حيث بداية الموت.


﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّني.
يخاطب الله بهذه الآية الرسول صلى الله عليه وآله بأن يضرب للناس الغارقين في الدنيا مثلاً على هذه الحياة ويشبّهها بما شببهها.

﴿كَمَاء أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ.
يسقط هذا الماء على أرجاء الأرض كلها سواء كانت خصبة أو سبخة، لكن الأراضي لم تستفد من هذا الماء بنحو واحد، فقد يكون هذا الماء سبباً للحياة في جزء وقد يكون سبباً للعذاب الإلهي في جزء آخر.


﴿
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ
.
عندما يسقط هذا الماء على الأراضي الخصبة يضفي عليها حياة وطراوة ونشاطاً وافراً، فتنبت من جراء ذلك نباتات مختلفة ومتنوّعة، كلٌّ منها تكشف عن قدرة الخالق، وتتشكل بذلك مناظر طبيعية خلابة ومحيّرة للعقول في فصلي الربيع والصيف، وتحرّض كل صاحب بصيرة لتمجيد الخالق وتحسينه.

﴿فَأصبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ.
لكن عمر الطراوة والنشاط، الذي منحه الماء للنباتات وجمَّل الارض، قصير; لأنّه بعد أيام حيث يحلُّ فصل الخريف والشتاء ويتبدَّل الخضار إلى صفار والنشاط إلى خمول وموت، وعندما تهبُّ الرياح حاملة معها رسالة الموت الظاهري للطبيعة تتساقط أوراق الأشجار التي كانت تجمّل الطبيعة وتجعلها خضراء خلابة، وبعدما ترقص في الهواء للحظات تقع على الأرض لتُدفن في باطنها.

﴿وَكَانَ اللهُ عَلى كُلِّ شىء مُقتدِرَ.
بالطبع، هذه التحولات والتغييرات التي تطرأ على الانسان وجميع الموجودات في العالم تحتاج إلى قدرة الله من حيث الوجود والبقاء، فهي فقيرة إلى قدرته تعالى، أمَّا ذات الحق فقادرة ومستطيعة دائماً، ولا يؤثّر فيها مرور الزمان وتحوّلات الفصول والمناخات وغير ذلك، بل الله بقدرته أوجد هذه التحوّلات، وكل شيء يتغيّر إلاَّ ذاته الطاهرة. نعم، الله قادر على كل شيء.

﴿المَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَ.
البنون كالمال بمثابة رأس مال في الحياة الدنيا، كما هو حال النباتات ففي برهة من الزمن تُعدُّ سبباً لجمال الأرض ويتباهى بها الانسان أحياناً، لكنها ممَّا لا ينبغي الوثوق بها، ولا ممَّا تسبب إنقاذ الانسان ونجاته في الدنيا وفي الآخرة.

﴿والبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ ربِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَل.
الرصيد الذي يمكن الاعتماد عليه والذي يُعد ذخراً حَسَناً عند الله تعالى هو الأعمال الصالحة الباقية التي عبَّر عنها الله في هذه الآية بالباقيات الصالحات.نعم، الأعمال الصالحة والقيم الثابتة تعدُّ رصيداً يعتمد عليه، فهي ذات صبغة خالدة ولا خريف فيها ولا موت .

أرب جمـال 2 - 3 - 2012 01:34 AM

آيات الأمثال الأخرى
http://www.almaaref.org/uploaded/maq...hal-l2o5ra.jpg

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا الكهف: 54.

الآية 31 من سورة الحج جاء فيه:
﴿وَمَنْ يُشرِكْ باللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَان سَحِيق.

جاء في الآية 73 من سورة الحج:
﴿يَا أيُّها النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبُهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ.

الآية 35 من سورة النور جاء فيه:
﴿اللهُ نُورُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَة مُبَارَكَة زَيتُونَة لاَّ شَرْقِيَّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُور يَهدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ للنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيء عَلِيمٌ.

في الآية 39 من سورة النور:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَة يَحْسَبُهُ الظَّمآنُ مَاءً حتى إذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حسابَهُ واللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ.

في الآية 40 من سورة النور:
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ.

في الآية 44 من سورة الفرقان:
﴿أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أو يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلاَّ كالأنعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبيل.

ا لآية 41 من سورة العنكبوت تشكّل المثل الحادي والأربعين من أمثال القرآن، حيث جاء فيه:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.

يقول الله تعالى في الآية 28 من سورة الروم:
﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

يقول الله تعالى في الآيات 13 ـ 30 من سورة يس:
﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا المُرسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ *قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ* قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُم مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَل أَنتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ * وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ* وَمَالِيَ لاَ أَعْبُدُ الذِي فَطَرَنِي وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ* إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون.

يقول الله تعالى في الآية 29 من سورة الزمر:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

الآيات 57 إلى 59 من سورة الزخرف تشكّل مثلنا الخامس والأربعين، حيث جاء فيه:
﴿ولَّما ضُرِبَ ابنُ مَرْيَم مَثلاً إذا قَومُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إنْ هُوَ إلاَّ عَبْدٌ أنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَني إسْرائِيلَ.

آخر آية من سورة الفتح تشكّل المثل السادس والأربعين من أمثالنا، يقول الله فيه:
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.

يقول الله في الآية الثانية عشر من سورة الحجرات:
﴿يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظنِّ إنَّ بَعْضَ الظنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يَأكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.

يقول الله تعالى في الآية 16 من سورة
ق: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ ما تُوسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أقرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ.

الآية 20 من سورة الحديد تعدُّ مثلاً آخر للحياة الدنيا، يقول الله فيه:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُر بَينَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيْث أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَراً ثُمَّ يكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ.

الآيات 14 ـ 17 من سورة الحشر تشتمل على مثلين، يقول الله فيه:
﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الذِينَ من قَبْلِهِم قَرِيباً ذاقُوا وَبَالَ أمْرِهِم وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ.

يقول الله تعالى في الآية 21 من سورة الحشر:
﴿لَوْ أنْزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَل لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ.

الآية الخامسة من سورة الجمعة تشكّل مثلاً آخر من أمثال القرآن الجميلة، يقول الله تعالى فيه:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلوا التّورَاة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتِ اللهِ واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ.

جاء في الآية الرابعة من سورة المنافقون:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.

يقول الله تعالى في الآية 10 من سورة التحريم:
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ.

يقول الله في الآية الحادية عشر من سورة التحريم:
﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً للَّذِينَ آمَنُوا امرأةَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ ونجِّني مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ونَجنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ.

يقول الله تعالى في الآية 12 من سورة التحريم:
﴿وَمَرْيمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنا فِيه مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ ربِّها وكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ.

يقول الله تعالى في الآية 22 من سورة الملك:
﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.

يقول الله تعالى في الآيات 17 ـ 33 من سورة القلم:
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَستَثنُونَ * فَطَافَ عَليها طائِفٌ مِن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادوا مُصبِحِينَ * أنِ اغذُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إن كُنتُم صَارِمِينَ * فانطَلَقُوا وَهُم يَتَخافتُونَ * أَن لا يدَخُلَنَّهَا اليومَ عَلَيكُم مِسكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأوهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُمُونَ * قَالَ أَوسَطُهُم أَلَمْ أَقُل لَكُم لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقبَلَ بَعْضُهُم عَلَى بَعْض يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا ياوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبدِلَنَا خَيراً مَنهَا إنَّا إلى رَبِّنَا راغِبُونَ * كَذَلِكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أكبَرُ لَو كَانُوا يَعْلمُونَ.

يقول الله في الآيات 49 ـ 51 من سورة المدثر:
﴿ فَمَا لَهُمْ عَن التذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأنَّهُم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ.

الامير الشهابي 2 - 3 - 2012 01:50 PM

الاخت الفاضله ارب
بارك الله فيك هذا الادراج الرائع لما ورد من حكمة ربانيه
في الامثال ..والمثال في النص القرءآني جزء مهم من الغاية
الالهيه المعلنه الصريحه . للمقاربة والمقارنه والتخصيص
ليتمحص المؤمن العدل الالهي في مدلوله .والامثال في القول
الألهي لاتلعب دور التشبيه كما يعتقد البعض .
بارك الله فيك وجزيت خير الجزاء .

منتصر أبوفرحة 2 - 3 - 2012 02:26 PM

موضوع رائع وقيم ومفيد
سنثبته حتى يكون مرجعا لنا
ولي عودة للقراءة بالتفصيل
بارك الله فيك استاذة ارب

Miss Jordan 21 - 3 - 2012 02:35 AM

بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك

شكرا على الإفادة والطرح

جمال جرار 21 - 3 - 2012 02:37 AM


ابو فداء 21 - 3 - 2012 02:48 AM

يسلموووو
بس بدوا قرائه بتعمق
لنااا عوده

أميرة الظلام 21 - 3 - 2012 10:33 AM

بارك الله بك وجزاك الله الخير

shreeata 21 - 3 - 2012 02:58 PM

جزاك الله عنا كل خير
سلمت الايادي
تحيات لك

B-happy 21 - 3 - 2012 04:43 PM

سلمت الايادي على نقل الموضوع
بارك الله بك
تحياتي لك

ناجي أبوشعيب 21 - 3 - 2012 05:49 PM

sha@
بارك الله فيك دوما وأبدا
وكلّما دخلنا هذه الصفحة
شكرا لك

sha@

بن زيدون 3 - 4 - 2012 10:04 PM

موضوع قيم بارك الله فيك..

قبلة الخليج 3 - 4 - 2012 10:48 PM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انتقاء طيب
بارك الله فيك ونفع بك
وجزاك الله خير الجزاء

بنت الأردن 3 - 4 - 2012 10:49 PM

جزاك الله من خيره

أبو جمال 3 - 4 - 2012 10:54 PM

بارك الله فيك وجزاك عنا كل خير
مشكورة sha@sha@sha@


الساعة الآن 05:34 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى