![]() |
سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
مسألة: الجزء الأول التحليل الموضوعي [ ص: 5 ] أبو عبيدة بن الجراح ( م ، ق )
عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، القرشي الفهري المكي . أحد السابقين الأولين ، ومن عزم الصديق على توليته الخلافة ، وأشار به يوم [ ص: 6 ] السقيفة ، لكمال أهليته عند أبي بكر يجتمع في النسب هو والنبي - صلى الله عليه وسلم - في فهر ، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وسماه أمين الأمة ، ومناقبه شهيرة جمة . روى أحاديث معدودة وغزا غزوات مشهودة . حدث عنه العرباض بن سارية ، وجابر بن عبد الله ، وأبو أمامة الباهلي ، وسمرة بن جندب ، وأسلم مولى عمر ، وعبد الرحمن بن غنم ، وآخرون . له في " صحيح مسلم " حديث واحد ، وله في " جامع أبي عيسى " حديث ، وفي " مسند بقي " له خمسة عشر حديثا . الرواية عنه : أخبرنا أبو المعالي محمد بن عبد السلام التميمي ، قراءة عليه في سنة أربع وتسعين وست مائة ، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد البزاز ، أنبأنا تميم بن أبي سعيد أبو القاسم المعري ، في رجب سنة تسع وعشرين وخمس مائة بهراة ، أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي ، حدثنا عبد الله بن معاوية القرشي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عبد الله بن سراقة ، عن أبي عبيدة بن الجراح : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : " إنه لم [ ص: 7 ] يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وإني أنذركموه " . فوصفه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : " لعله سيدركه بعض من رآني أو سمع كلامي . قالوا : يا رسول الله ، كيف قلوبنا يومئذ ؟ أمثلها اليوم ؟ قال : أو خير " . أخرجه الترمذي عن عبد الله الجمحي فوافقناه بعلو . وقال : وفي الباب عن عبد الله بن بسر وغيره . وهذا حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة - رضي الله عنه . قال ابن سعد في " الطبقات " : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن مالك بن يخامر أنه وصف أبا عبيدة فقال : كان رجلا نحيفا ، معروق الوجه ، خفيف اللحية ، طوالا ، أحنى أثرم الثنيتين . وأخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا محمد بن صالح ، عن يزيد بن رومان قال : انطلق ابن مظعون ، وعبيدة بن الحارث ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة [ ص: 8 ] بن عبد الأسد ، وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعرض عليهم الإسلام ، وأنبأهم بشرائعه ، فأسلموا في ساعة واحدة ، وذلك قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم . وقد شهد أبو عبيدة بدرا ، فقتل يومئذ أباه ، وأبلى يوم أحد بلاء حسنا ، ونزع يومئذ الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ضربة أصابته ، فانقلعت ثنيتاه ، فحسن ثغره بذهابهما ، حتى قيل : ما رئي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة . وقال أبو بكر الصديق وقت وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسقيفة بني ساعدة : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر ، وأبا عبيدة . قال الزبير بن بكار : قد انقرض نسل أبي عبيدة ، وولد إخوته جميعا ، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة . قاله ابن إسحاق ، والواقدي . قلت : إن كان هاجر إليها ، فإنه لم يطل بها اللبث . وكان أبو عبيدة معدودا فيمن جمع القرآن العظيم . قال موسى بن عقبة في " مغازيه " : غزوة عمرو بن العاص هي غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام ، فخاف عمرو من جانبه ذلك ، فاستمد رسول [ ص: 9 ] الله - صلى الله عليه وسلم - ، فانتدب أبا بكر وعمر في سراة من المهاجرين ، فأمر نبي الله عليهم أبا عبيدة ، فلما قدموا على عمرو بن العاص قال : أنا أميركم ، فقال المهاجرون : بل أنت أمير أصحابك ، وأميرنا أبو عبيدة . فقال عمرو : إنما أنتم مدد أمددت بكم . فلما رأى ذلك أبو عبيدة بن الجراح ، وكان رجلا حسن الخلق ، لين الشيمة ، متبعا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده ، فسلم الإمارة لعمرو . وثبت من وجوه عن أنس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه وغيره ، إجازة ، قالوا : أخبرنا حنبل بن عبد الله ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا أبو علي بن المذهب ، أخبرنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، عن شريح بن عبيد ، وراشد بن سعد ، وغيرهما قالوا : لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ حدث أن بالشام وباء شديدا ، فقال : إن أدركني [ ص: 10 ] أجلي وأبو عبيدة حي ، استخلفته ، فإن سألني الله - عز وجل - : لم استخلفته على أمة محمد ؟ قلت : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . قال : فأنكر القوم ذلك ، وقالوا : ما بال علياء قريش ؟ يعنون بني فهر . ثم قال : وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة ، أستخلف معاذ بن جبل ، فإن سألني ربي ، قلت : إني سمعت نبيك يقول : " إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة " . وروى حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عمرو بن العاص قال : قيل : يا رسول الله ، أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قيل من الرجال ؟ قال : أبو بكر ، قيل : ثم من ؟ قال : ثم أبو عبيدة بن الجراح . كذا يرويه حماد ، وخالفه جماعة . فرووه عن الجريري ، عن عبد الله قال : سألت عائشة : أي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إليه ؟ قالت : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم أبو عبيدة بن الجراح . [ ص: 11 ] أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل ، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه ، أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون ، أنبأنا أحمد بن محمد بن غالب ، بقراءته على أبي العباس بن حمدان ، حدثكم محمد بن أيوب ، أنبأنا أبو الوليد ، أنبأنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت صلة بن زفر . عن حذيفة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إني أبعث إليكم رجلا أمينا " ، فاستشرف لها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبعث أبا عبيدة بن الجراح . اتفقا عليه من حديث شعبة . واتفقا من حديث خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . أخبرنا أحمد بن محمد المعلم ، أنبأنا أبو القاسم بن رواحة ، أنبأنا أبو طاهر الحافظ ، أنبأنا أحمد بن علي الصوفي ، وأبو غالب الباقلاني ، وجماعة ، قالوا : أنبأنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأنا أبو محمد الفاكهي بمكة ، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى الواسطي ، أنبأنا يحيى بن أبي زكريا ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : كنت [ ص: 12 ] في الجيش الذين مع خالد ، الذين أمد بهم أبا عبيدة وهو محاصر دمشق ، فلما قدمنا عليهم ، قال لخالد : تقدم فصل; فأنت أحق بالإمامة ؛ لأنك جئت تمدني . فقال خالد : ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . أبو بكر بن أبي شيبة : أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن صلة ، عن حذيفة قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقفا نجران : العاقب والسيد ، فقالا : ابعث معنا أمينا حق أمين . فقال : " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين " ، فاستشرف لها الناس ، فقال : قم يا أبا عبيدة ، فأرسله معهم . قال : وحدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق نحوه . الترقفي في " جزئه " حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثنا أبو حسبة مسلم بن أكيس مولى ابن كريز ، عن أبي عبيدة قال : ذكر لي من [ ص: 13 ] دخل عليه فوجده يبكي ، فقال : ما يبكيك يا أبا عبيدة ؟ قال : يبكيني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوما ما يفتح الله على المسلمين ، حتى ذكر الشام فقال : " إن نسأ الله في أجلك فحسبك من الخدم ثلاثة : خادم يخدمك ، وخادم يسافر معك ، وخادم يخدم أهلك ، وحسبك من الدواب ثلاثة : دابة لرحلك ، ودابة لثقلك ، ودابة لغلامك " . ثم هأنذا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا ، وإلى مربطي قد امتلأ خيلا ، فكيف ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها ؟ وقد أوصانا : " إن أحبكم إلي ، وأقربكم مني ، من لقيني على مثل الحال التي فارقتكم عليها " . حديث غريب رواه أيضا أحمد في " مسنده " عن أبي المغيرة . وكيع بن الجراح ، حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد إلا لو شئت لأخذت عليه بعض خلقه ، إلا أبا عبيدة " . هذا مرسل . وكان أبو عبيدة موصوفا بحسن الخلق ، وبالحلم الزائد والتواضع . قال محمد بن سعد : حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن [ ص: 14 ] أبي نجيح ، قال عمر لجلسائه : تمنوا ، فتمنوا ، فقال عمر : لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح . وقال ابن أبي شيبة : قال [ ابن ] علية ، عن يونس ، عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من أصحابي أحد إلا لو شئت أخذت عليه ، إلا أبا عبيدة " . وسفيان الثوري : عن أبي إسحاق; عن أبي عبيدة قال : قال ابن مسعود : " أخلائي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة " . خالفه غيره ففي " الجعديات " : أنبأنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي [ ص: 15 ] الأحوص ، عن عبد الله فذكره . قال خليفة بن خياط : وقد كان أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت المال . قلت : يعني أموال المسلمين; فلم يكن بعد عمل بيت مال ، فأول من اتخذه عمر . قال خليفة : ثم وجهه أبو بكر إلى الشام سنة ثلاث عشرة أميرا ، وفيها استخلف عمر ، فعزل خالد بن الوليد ، وولى أبا عبيدة . قال القاسم بن يزيد : حدثنا سفيان ، عن زياد بن فياض ، عن تميم بن سلمة ، أن عمر لقي أبا عبيدة ، فصافحه ، وقبل يده ، وتنحيا يبكيان . |
وقال ابن المبارك في " الجهاد " له : عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : بلغ عمر أن أبا عبيدة حصر بالشام ، ونال منه العدو ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة ، إلا جعل الله بعدها فرجا ، وإنه لا يغلب عسر يسرين يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا الآية . قال : فكتب إليه أبو عبيدة : أما بعد ، فإن الله يقول : إنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله : متاع الغرور قال : فخرج عمر [ ص: 16 ] بكتابه ، فقرأه على المنبر فقال : يا أهل المدينة ، إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي ، ارغبوا في الجهاد . ابن أبي فديك; عن هشام بن سعد ، عن زيد ، عن أبيه قال : بلغني أن معاذا سمع رجلا يقول : لو كان خالد بن الوليد ، ما كان بالناس دوك وذلك في حصر أبي عبيدة . فقال معاذ : فإلى أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبا لك! والله إنه لخير من بقي على الأرض . رواه البخاري في " تاريخه " ، وابن سعد . وفي " الزهد " لابن المبارك : حدثنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قدم عمر الشام ، فتلقاه الأمراء والعظماء ، فقال : أين أخي أبو عبيدة ؟ قالوا : يأتيك الآن . قال : فجاء على ناقة مخطومة بحبل ، فسلم عليه ، ثم قال للناس : انصرفوا عنا . فسار معه حتى أتى منزله ، فنزل عليه ، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال له عمر : لو اتخذت متاعا ، أو قال شيئا ، فقال : يا [ ص: 17 ] أمير المؤمنين ، إن هذا سيبلغنا المقيل . ابن وهب : حدثني عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن عمر حين قدم الشام ، قال لأبي عبيدة : اذهب بنا إلى منزلك ، قال : وما تصنع عندي ؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي . قال : فدخل ، فلم ير شيئا ، قال : أين متاعك ؟ لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا ، وأنت أمير ، أعندك طعام ؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة ، فأخذ منها كسيرات ، فبكى عمر ، فقال له أبو عبيدة : قد قلت لك : إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين ، يكفيك ما يبلغك المقيل . قال عمر : غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة . أخرجه أبو داود في " سننه " من طريق ابن الأعرابي . وهذا والله هو الزهد الخالص ، لا زهد من كان فقيرا معدما . معن بن عيسى ، عن مالك : أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف ، أو بأربع مائة دينار ، وقال للرسول : انظر ما يصنع بها ، قال : فقسمها أبو عبيدة ، ثم أرسل إلى معاذ بمثلها ، قال : فقسمها ، إلا شيئا قالت له امرأته نحتاج إليه ، فلما أخبر الرسول عمر ، قال : الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع [ ص: 18 ] هذا . الفسوي حدثنا أبو اليمان ، عن جرير بن عثمان ، عن أبي الحسن عمران بن نمران ، أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر فيقول : ألا رب مبيض لثيابه ، مدنس لدينه! ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات . وقال ثابت البناني : قال أبو عبيدة : يا أيها الناس ، إني امرؤ من قريش ، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى ، إلا وددت أني في مسلاخه . معمر : عن قتادة ، قال أبو عبيدة بن الجراح : وددت أني كنت كبشا ، فيذبحني أهلي ، فيأكلون لحمي ، ويحسون مرقي . وقال عمران بن حصين : وددت أني رماد تسفيني الريح . شعبة : عن قيس بن مسلم عن طارق ، أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون : إنه قد عرضت لي حاجة ، ولا غنى بي عنك فيها ، فعجل إلي . فلما قرأ الكتاب ، قال : عرفت حاجة أمير المؤمنين ، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق ، فكتب : إني قد عرفت حاجتك ، فحللني من عزيمتك; فإني في جند [ ص: 19 ] من أجناد المسلمين ، لا أرغب بنفسي عنهم . فلما قرأ عمر الكتاب بكى ، فقيل له : مات أبو عبيدة ؟ قال : لا . وكأن قد . قال : فتوفي أبو عبيدة ، وانكشف الطاعون . قال أبو الموجه محمد بن عمرو المروزي : زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند ، فلم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل . أخبرنا محمد بن عبد السلام ، عن أبي روح ، أنبأنا أبو سعد ، أنبأنا ابن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، حدثنا مهدي بن ميمون ، حدثنا واصل مولى أبي عيينة ، عن ابن أبي سيف المخزومي ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، شامي فقيه ، عن عياض بن غطيف ، قال : دخلت على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه ، وامرأته تحيفة جالسة عند رأسه ، وهو مقبل بوجهه على الجدار ، فقلت : كيف بات أبو عبيدة ؟ قالت : بات بأجر . فقال : إني والله ما بت بأجر! فكأن القوم ساءهم ، فقال : ألا تسألوني عما قلت ؟ قالوا : إنا لم يعجبنا ما قلت ، فكيف نسألك ؟ قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله ، فبسبع مائة ، ومن أنفق على عياله ، أو عاد مريضا ، أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها ، والصوم [ ص: 20 ] جنة ما لم يخرقها ، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده ، فهو له حطة " . أنبأنا جماعة قالوا : أنبأنا ابن طبرزد ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن غيلان ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن أبان الواسطي ، حدثني جرير بن حازم ، حدثني بشار بن أبي سيف ، حدثني الوليد بن عبد الرحمن ، عن عياض بن غطيف ، قال : مرض أبو عبيدة ، فدخلنا عليه نعوده ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الصيام جنة ما لم يخرقها " . وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة غير مرة ، منها المرة التي جاع فيها عسكره ، وكانوا ثلاث مائة ، فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له العنبر ، فقال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : لا ، نحن رسل رسول الله ، وفي سبيل الله ، فكلوا ، وذكر الحديث ، وهو في " الصحيحين " . [ ص: 21 ] ولما تفرغ الصديق من حرب أهل الردة ، وحرب مسيلمة الكذاب ، جهز أمراء الأجناد لفتح الشام ، فبعث أبا عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة ، فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة ، ونصر الله المؤمنين ، فجاءت البشرى ، والصديق في مرض الموت ، ثم كانت وقعة فحل ووقعة مرج الصفر وكان قد سير أبو بكر خالدا لغزو العراق ، ثم بعث إليه لينجد من بالشام ، فقطع المفاوز على برية السماوة ، فأمره الصديق على الأمراء كلهم ، وحاصروا دمشق ، وتوفي أبو بكر ، فبادر عمر بعزل خالد ، واستعمل على الكل أبا عبيدة ، فجاءه التقليد ، فكتمه مدة ، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه ، فكان فتح دمشق على يده ، فعند ذلك أظهر التقليد ؛ ليعقد [ ص: 22 ] الصلح للروم ، ففتحوا له باب الجابية صلحا ، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي ، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح . فعن المغيرة : أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم ، ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك ، التي استأصل الله فيها جيوش الروم ، وقتل منهم خلق عظيم . روى ابن المبارك في " الزهد " له ، قال : أنبأنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن غنم ، عن حديث الحارث بن عميرة قال : أخذ بيدي معاذ بن جبل ، فأرسله إلى أبي عبيدة ، فسأله كيف هو ؟ وقد طعنا ، فأراه أبو عبيدة طعنة ، خرجت في كفه ، فتكاثر شأنها في نفس الحارث ، وفرق منها حين رآها ، فأقسم أبو عبيدة بالله : ما يحب أن له مكانها حمر النعم . وعن الأسود : عن عروة : أن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله ، فقال : اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة . قال : فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة ، فجعل ينظر إليها ، فقيل له : إنها ليست بشيء . فقال : أرجو أن يبارك الله فيها; فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرا . الوليد بن مسلم : حدثني أبو بكر بن أبي مريم ، عن صالح بن أبي المخارق قال : انطلق أبو عبيدة من الجابية إلى بيت المقدس للصلاة ، [ ص: 23 ] فاستخلف على الناس معاذ بن جبل . قال الوليد : فحدثني من سمع عروة بن رويم قال : فأدركه أجله بفحل ، فتوفي بها بقرب بيسان . طاعون عمواس منسوب إلى قرية عمواس ، وهي بين الرملة وبين بيت المقدس ، وأما الأصمعي فقال هو من قولهم زمن الطاعون : عم وآسى . قال أبو حفص الفلاس : توفي أبو عبيدة في سنة ثمان عشرة ، وله ثمان وخمسون سنة ، وكان يخضب بالحناء ، والكتم وكان له عقيصتان . وقال كذلك في وفاته جماعة ، وانفرد ابن عائذ ، عن أبي مسهر أنه قرأ في كتاب يزيد بن عبيدة ، أن أبا عبيدة توفي سنة سبع عشرة . |
طلحة بن عبيد الله ( ع )
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، القرشي التيمي المكي ، أبو محمد [ ص: 24 ] أحد العشرة المشهود لهم بالجنة له عدة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وله في " مسند بقي بن مخلد " بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثا . له حديثان متفق عليهما ، وانفرد له البخاري بحديثين ، ومسلم بثلاثة أحاديث . حدث عنه بنوه : يحيى ، وموسى ، وعيسى ، والسائب بن يزيد ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، وأبو عثمان النهدي ، وقيس بن أبي حازم ، ومالك بن أبي عامر الأصبحي ، والأحنف بن قيس التميمي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وآخرون . قال أبو عبد الله بن منده : كان رجلا آدم ، كثير الشعر ، ليس بالجعد القطط ولا بالسبط ، حسن الوجه ، إذا مشى أسرع ، ولا يغير شعره . وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي ، عن عبد العزيز بن عمران ، حدثني [ ص: 25 ] إسحاق بن يحيى ، حدثني موسى بن طلحة قال : كان أبي أبيض يضرب إلى الحمرة ، مربوعا ، إلى القصر هو أقرب ، رحب الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم القدمين ، إذا التفت التفت جميعا . قلت : كان ممن سبق إلى الإسلام وأوذي في الله ، ثم هاجر ، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته ، فضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره . قال أبو القاسم بن عساكر الحافظ في ترجمته : كان مع عمر لما قدم الجابية ، وجعله على المهاجرين . وقال غيره : كانت يده شلاء مما وقى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد . الصلت بن دينار : عن أبي نضرة ، عن جابر قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 26 ] " من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه ، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " . أخبرنيه الأبرقوهي ، أنبأنا ابن أبي الجود ، أنبأنا ابن الطلابة ، أنبأنا عبد العزيز الأنماطي ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا البغوي ، حدثنا داود بن رشيد حدثنا مكي ، حدثنا الصلت . وفي جامع أبي عيسى بإسناد حسن ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد : " أوجب طلحة " . قال ابن أبي خالد عن قيس قال : رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد شلاء . أخرجه البخاري . [ ص: 27 ] وأخرج النسائي من حديث يحيى بن أيوب وآخر ، عن عمارة بن غزية ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما كان يوم أحد ، وولى الناس ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية في اثني عشر رجلا ، منهم طلحة ، فأدركهم المشركون ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من للقوم ؟ قال طلحة : أنا ، قال : كما أنت . فقال رجل : أنا . قال : أنت ، فقاتل حتى قتل ، ثم التفت فإذا المشركون ، فقال : من لهم ؟ قالطلحة : أنا . قال : كما أنت ، فقال ، رجل من الأنصار : أنا ، قال : أنت . فقاتل حتى قتل ، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة ، فقال : من للقوم ؟ قال طلحة : أنا ، فقاتل طلحة ، قتال الأحد عشر ، حتى قطعت أصابعه ، فقال : حس ، فقال ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو قلت : باسم الله لرفعتك الملائكة ، والناس ينظرون " . ثم رد الله المشركين رواته ثقات . أخبرنا أبو المعالي بن أبي عصرون الشافعي ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، في كتابه ، أنبأنا تميم بن أبي سعيد ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا محمد بن أحمد ، أنبأنا أحمد بن علي التميمي ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، وعبد الأعلى ، قالا : حدثنا المعتمر ، سمعت أبي ، حدثنا أبو عثمان [ ص: 28 ] قال : لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأيام التي كان يقاتل بها رسول الله غير طلحة وسعد عن حديثهما . أخرجه الشيخان عن المقدمي . وبه إلى التميمي : حدثنا أبو كريب ، حدثنا يونس بن بكير ، عن طلحة بن يحيى ، عن موسى وعيسى ابني طلحة ، عن أبيهما أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاء يسأله عمن قضى نحبه : من هو ، وكانوا لا يجترأون على مسألته - صلى الله عليه وسلم - ، يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي ، فأعرض عنه ، ثم سأله ، فأعرض عنه ، ثم إني اطلعت من باب المسجد - وعلي ثياب خضر - فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي : أنا . قال : هذا ممن قضى نحبه " . وأخرجه الطيالسي في مسنده من حديث معاوية ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " . [ ص: 29 ] وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء ، هو ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، فتحركت الصخرة ، فقال رسول الله : " اهدأ ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " . سويد بن سعيد : حدثنا صالح بن موسى ، عن معاوية بن إسحاق ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه ، فلينظر إلى طلحة " . قال الترمذي : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو عبد الرحمن نضر بن منصور ، حدثنا عقبة بن علقمة اليشكري ، سمعت عليا يوم الجمل يقول : سمعت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " طلحة والزبير جاراي في الجنة " . وهكذا رواه ابن زيدان البجلي ، وأبو بكر الجارودي ، عن الأشج ، وشذ أبو يعلى الموصلي ، فقال عن نضر ، عن أبيه ، عن عقبة . [ ص: 30 ] دحيم : حدثنا محمد بن طلحة ، عن موسى بن محمد ، عن أبيه ، عن سلمة بن الأكوع قال : ابتاع طلحة بئرا بناحية الجبل ، ونحر جزورا ، فأطعم الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنت طلحة الفياض " . سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة : حدثني أبي عن جدي ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه قال : لما كان يوم أحد ، سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - طلحة الخير . وفي غزوة ذي العشيرة طلحة الفياض ويوم خيبر ، طلحة الجود . إسناده لين . قال مجالد ، عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر قال : صحبت طلحة ، فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه . أبو إسماعيل الترمذي : حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن موسى ، عن أبيه ، أنه أتاه مال من [ ص: 31 ] حضرموت سبع مائة ألف ، فبات ليلته يتململ . فقالت له زوجته : ما لك ؟ قال : تفكرت منذ الليلة ، فقلت : ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته ؟ قالت : فأين أنت عن بعض أخلائك فإذا أصبحت ، فادع بجفان وقصاع فقسمه . فقال لها : رحمك الله ، إنك موفقة بنت موفق ، وهي أم كلثوم بنت الصديق ، فلما أصبح دعا بجفان ، فقسمها بين المهاجرين والأنصار ، فبعث إلى علي منها بجفنة ، فقالت له زوجته : أبا محمد ، أما كان لنا في هذا المال من نصيب ؟ قال : فأين كنت منذ اليوم ؟ فشأنك بما بقي . قالت : فكانت صرة فيها نحو ألف درهم . أخبرنا المسلم بن علان ، وجماعة ، كتابة ، قالوا : أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله بن الحصين ، أنبأنا ابن غيلان ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا إبراهيم الحربي ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا محمد بن يعلى ، حدثنا الحسن بن دينار ، عن علي بن زيد قال : جاء أعرابي إلى طلحة يسأله ، فتقرب إليه برحم فقال : إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك ، إن لي أرضا قد أعطاني بها عثمان ثلاث مائة ألف ، فاقبضها ، وإن شئت بعتها من عثمان ، ودفعت إليك الثمن ، فقال : الثمن . فأعطاه . الكديمي حدثنا الأصمعي ، حدثنا ابن عمران قاضي المدينة ، أن طلحة فدى عشرة من أسارى بدر بماله ، وسئل مرة برحم ، فقال : قد بعت لي حائطا بسبع مائة ألف ، وأنا فيه بالخيار . فإن شئت ، خذه ، وإن شئت ، ثمنه . إسناده منقطع مع ضعف الكديمي . |
[ ص: 32 ] قال ابن سعد : أنبأنا سعيد بن منصور ، حدثنا صالح بن موسى ، عن معاوية بن إسحاق ، عن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا : جرح أبونا يوم أحد أربعا وعشرين جراحة ، وقع منها في رأسه شجة مربعة ، وقطع نساه - يعني العرق - ، وشلت أصبعه ، وكان سائر الجراح في جسده ، وغلبه الغشي ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكسورة رباعيته ، مشجوج في وجهه ، قد علاه الغشي ، وطلحة محتمله ، يرجع به القهقرى ، كلما أدركه أحد من المشركين ، قاتل دونه ، حتى أسنده إلى الشعب .
ابن عيينة ، عن طلحة بن يحيى ، حدثتني جدتي سعدى بنت عوف المرية قالت : دخلت على طلحة يوما وهو خاثر فقلت : ما لك ؟ لعل رابك من أهلك شيء ؟ قال : لا والله ، ونعم حليلة المسلم أنت ، ولكن مال عندي قد غمني . فقلت : ما يغمك ؟ عليك بقومك ، قال : يا غلام ، ادع لي قومي . فقسمه فيهم ، فسألت الخازن : كم أعطى ؟ قال : أربع مائة ألف . هشام وعوف ، عن الحسن البصري أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له بسبع مائة ألف . فبات أرقا من مخافة ذلك المال ، حتى أصبح ففرقه . محمد بن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : كان طلحة يغل بالعراق أربع مائة ألف ، ويغل بالسراة [ ص: 33 ] عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر ، [ وبالأعراض له غلات ] وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه ، وقضى دينه ، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف ، ولقد قضى عن فلان التيمي ثلاثين ألفا . قال الزبير بن بكار : حدثني عثمان بن عبد الرحمن أن طلحة بن عبيد الله قضى عن عبيد الله بن معمر ، وعبد الله بن عامر بن كريز ثمانين ألف درهم . قال الحميدي : حدثنا ابن عيينة ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني مولى لطلحة قال : كانت غلة طلحة كل يوم ألف واف . قال الواقدي : حدثنا إسحاق بن يحيى ، عن موسى بن طلحة أن معاوية سأله : كم ترك أبو محمد من العين ، قال : ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم ، ومن الذهب مائتي ألف دينار ، فقال معاوية : عاش حميدا سخيا [ ص: 34 ] شريفا ، وقتل فقيدا رحمه الله . وأنشد الرياشي لرجل من قريش : أيا سائلي عن خيار العباد صادفت ذا العلم والخبره خيار العباد جميعا قريش يحيى بن معين : حدثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الله بن مصعب ، أخبرني موسى بن عقبة ، سمعت علقمة بن وقاص الليثي قال : لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان ، عرجوا عن منصرفهم بذات عرق ، فاستصغروا عروة بن الزبير ، وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما ، قال : ورأيت طلحة ، وأحب المجالس إليه أخلاها ، وهو ضارب بلحيته على زوره ، فقلت : يا أبا محمد ، إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها ، إن كنت تكره هذا الأمر ، فدعه ، فقال : يا علقمة ، لا تلمني ، كنا أمس يدا واحدة على من سوانا ، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد ، يزحف أحدنا إلى صاحبه ، ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان ، مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي ، وطلب دمه . [ ص: 35 ] وخير قريش ذوو الهجره وخير ذوي الهجرة السابقون ثمانية وحدهم نصره علي وعثمان ثم الزبير وطلحة واثنان من زهره وبران قد جاورا أحمدا وجاور قبرهما قبره فمن كان بعدهم فاخرا فلا يذكرن بعدهم فخره قلت : الذي كان منه في حق عثمان تمغفل وتأليب ، فعله باجتهاد ، ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان ، فندم على ترك نصرته رضي الله عنهما ، وكان طلحة أول من بايع عليا ، أرهقه قتلة عثمان ، وأحضروه حتى بايع . قال البخاري : حدثنا موسى بن أعين ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين في حديث عمرو بن جاوان ، قال : التقى القوم يوم الجمل ، فقام كعب بن سور معه المصحف ، فنشره بين الفريقين ، وناشدهم الله والإسلام في دمائهم ، فما زال حتى قتل . وكان طلحة من أول قتيل . وذهب الزبير ليلحق ببنيه ، فقتل . يحيى القطان : عن عوف ، حدثني أبو رجاء قال : رأيت طلحة على دابته وهو يقول : أيها الناس أنصتوا ، فجعلوا يركبونه ولا ينصتون ، فقال : أف ! فراش النار ، وذباب طمع . قال ابن سعد : أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر قال : قال طلحة : إنا داهنا في أمر عثمان ، فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه ، اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى . وكيع : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم ، فوقع في ركبته ، فما زال ينسح حتى [ ص: 36 ] مات . رواه جماعة عنه ، ولفظ عبد الحميد بن صالح عنه : هذا أعان على عثمان ولا أطلب بثأري بعد اليوم . قلت : قاتل طلحة في الوزر ، بمنزلة قاتل علي . قال خليفة بن خياط : حدثنا من سمع جويرية بن أسماء ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمه ، أن مروان رمى طلحة بسهم ، فقتله ، ثم التفت إلى أبان ، فقال : قد كفيناك بعض قتلة أبيك . هشيم : عن مجالد ، عن الشعبي قال : رأى علي طلحة في واد ملقى ، فنزل ، فمسح التراب عن وجهه ، وقال : عزيز علي أبا محمد بأن أراك مجدلا في الأودية تحت نجوم السماء ، إلى الله أشكو عجري وبجري . قال الأصمعي : معناه : سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي . عبد الله بن إدريس : عن ليث ، عن طلحة بن مصرف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات ، فنزل عن دابته وأجلسه ، ومسح الغبار عن وجهه ولحيته ، [ ص: 37 ] وهو يترحم عليه ، وقال : ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . مرسل . وروى زيد بن أبي أنيسة ، عن محمد بن عبد الله من الأنصار ، عن أبيه أن عليا قال : بشروا قاتل طلحة بالنار . أخبرنا ابن أبي عصرون ، عن أبي روح ، أنبأنا تميم ، حدثنا أبو سعد ، أنبأنا ابن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا الخضر بن محمد الحراني ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي . عن مالك بن أبي عامر ، قال : جاء رجل إلى طلحة فقال : أرأيتك هذا اليماني هو أعلم بحديث رسول الله منكم - يعني أبا هريرة - نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم ، قال : أما أن قد سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم نسمع ، فلا أشك ، وسأخبرك : إنا كنا أهل بيوت ، وكنا إنما نأتي رسول الله غدوة وعشية ، وكان مسكينا لا مال له ، إنما هو على باب رسول الله ، فلا أشك أنه قد سمع ما لم نسمع ، وهل تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل ؟ . وروى مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة : ما لي [ ص: 38 ] أراك شعثت واغبررت مذ توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ لعله أن ما بك إمارة ابن عمك - يعني أبا بكر - قال : معاذ الله ، إني سمعته يقول : " إني لأعلم كلمة لا يقولها رجل يحضره الموت ، إلا وجد روحه لها روحا حين تخرج من جسده ، وكانت له نورا يوم القيامة " . فلم أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها ، ولم يخبرني بها فذاك الذي دخلني . قال عمر : فأنا أعلمها . قال : فلله الحمد ، فما هي ؟ قال : الكلمة التي قالها لعمه ، قال : صدقت . أبو معاوية وغيره : حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حبيبة مولى لطلحة ، قال : دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد وقعة الجمل ، فرحب به وأدناه ، ثم قال : إني لأرجو أن يجعلني الله [ ص: 39 ] وأباك ممن قال فيهم : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين فقال رجلان جالسان ، أحدهما الحارث الأعور : الله أعدل من ذلك أن يقبلهم ويكونوا إخواننا في الجنة ، قال : قوما أبعد أرض وأسحقها . فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة ! يا ابن أخي : إذا كانت لك حاجة ، فأتنا . وعن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد رأيتني يوم أحد ، وما قربي أحد غير جبريل عن يميني ، وطلحة عن يساري " فقيل في ذلك : وطلحة يوم الشعب آسى محمدا لدى ساعة ضاقت عليه وسدت وعن طلحة قال : عقرت يوم أحد في جميع جسدي حتى في ذكري . وقاه بكفيه الرماح فقطعت أصابعه تحت الرماح فشلت وكان إمام الناس بعد محمد أقر رحا الإسلام حتى استقرت قال ابن سعد حدثنا محمد بن عمر ، حدثني إسحاق بن يحيى ، عن جدته سعدى بنت عوف ، قالت : قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومائتا [ ص: 40 ] ألف درهم ، وقومت أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم . أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال : وقد خلف طلحة ثلاث مائة حمل من الذهب . وروى سعيد بن عامر الضبعي ، عن المثنى بن سعيد قال : أتى رجل عائشة بنت طلحة فقال : رأيت طلحة في المنام ، فقال : قل لعائشة تحولني من هذا المكان ; فإن النز قد آذاني . فركبت في حشمها ، فضربوا عليه بناء واستثاروه . قال : فلم يتغير منه إلا شعيرات في إحدى شقي لحيته ، أو قال رأسه ، وكان بينهما بضع وثلاثون سنة . وحكى المسعودي أن عائشة بنته هي التي رأت المنام . وكان قتله في سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة ، وقيل في رجب ، وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها ، وقبره بظاهر البصرة . قال يحيى بن بكير ، وخليفة بن خياط ، وأبو نصر الكلاباذي : إن الذي قتل طلحة ، مروان بن الحكم . ولطلحة أولاد نجباء ، أفضلهم محمد السجاد . كان شابا ، خيرا ، عابدا ، قانتا لله . ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قتل يوم الجمل أيضا ، فحزن عليه علي ، وقال : صرعه بره بأبيه . |
[ ص: 41 ] الزبير بن العوام ( ع )
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب . حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أهل الشورى ، وأول من سل سيفه في سبيل الله ، أبو عبد الله - رضي الله عنه - ، أسلم وهو حدث ، له ست عشرة سنة . وروى الليث ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : أسلم الزبير ، ابن ثمان سنين ، ونفحت نفحة من الشيطان أن رسول الله أخذ بأعلى مكة ، فخرج الزبير وهو غلام ، ابن اثنتي عشرة سنة ، بيده السيف ، فمن رآه عجب ، وقال : [ ص: 42 ] الغلام معه السيف ، حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " ما لك يا زبير " ؟ فأخبره وقال : أتيت أضرب بسيفي من أخذك . وقد ورد أن الزبير كان رجلا طويلا إذا ركب خطت رجلاه الأرض ، وكان خفيف اللحية والعارضين . روى أحاديث يسيرة . حدث عنه بنوه : عبد الله ، ومصعب ، وعروة ، وجعفر ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، والأحنف بن قيس ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، ومسلم بن جندب ، وأبو حكيم مولاه ، وآخرون . اتفقا له على حديثين ، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث ، ومسلم بحديث . أخبرنا المسلم بن محمد وجماعة ، إذنا ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، حدثنا ابن المذهب . أنبأنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ( ح ) وأنبأنا محمد بن عبد السلام ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، أنبأنا تميم ، أنبأنا أبو سعد الطبيب ، أنبأنا أبو عمرو الحيري ، أنبأنا أبو يعلى ، [ ص: 43 ] حدثنا زهير ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة ، عن جامع بن شداد عن عامر ولفظ أبي يعلى : سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي : ما لك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يحدث عنه فلان وفلان ؟ قال : ما فارقته منذ أسلمت ، ولكن سمعت منه كلمة ، سمعته يقول : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " لم يقل أبو يعلى متعمدا . [ ص: 44 ] أخبرنا أبو سعيد سنقر بن عبد الله الحلبي ، أنبأنا عبد اللطيف بن يوسف ، أنبأنا عبد الحق اليوسفي ، أنبأنا علي بن محمد ، أنبأنا علي بن أحمد المقرئ ، حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا أحمد بن علي بن مسلم ، حدثنا أبو الوليد ( ح ) وحدثنا بشر ، حدثنا عمرو بن حكام ، قالا : حدثنا شعبة ، عن جامع بن شداد ، عن عامر بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي : ما لك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يحدث ابن مسعود ؟ قال : أما إني لم أفارقه منذ أسلمت ، ولكن سمعته يقول : " من كذب علي متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار " . رواه خالد بن عبد الله الطحان ، عن بيان بن بشر عن وبرة ، عن عامر بن عبد الله نحوه . أخرج طريق شعبة البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، والقزويني . قال إسحاق بن يحيى : عن موسى بن طلحة قال : كان علي ، والزبير ، وطلحة ، وسعد ، عذار عام واحد ، يعني ولدوا في سنة . وقال المدائني : كان طلحة ، والزبير ، وعلي ، أترابا . وقال يتيم عروة : هاجر الزبير وهو ابن ثمان عشرة سنة ، وكان عمه يعلقه ويدخن عليه ، وهو يقول : لا أرجع إلى الكفر أبدا . [ ص: 45 ] قال عروة : جاء الزبير بسيفه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما لك ؟ قال : أخبرت أنك أخذت . قال : فكنت صانعا ماذا ؟ قال : كنت أضرب به من أخذك . فدعا له ولسيفه " . وروى هشام عن أبيه عروة ، أن الزبير كان طويلا تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة ، أشعر ، وكانت أمه صفية تضربه ضربا شديدا وهو يتيم ، فقيل لها : قتلته ، أهلكته ، قالت : إنما أضربه لكي يدب ويجر الجيش ذا الجلب قال : وكسر يد غلام ذات يوم ، فجيء بالغلام إلى صفية ، فقيل لها ذلك ، فقالت : كيف وجدت وبرا أأقطا أم تمرا أم مشمعلا صقرا قال ابن إسحاق : وأسلم - على ما بلغني - على يد أبي بكر : الزبير ، وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن ، وسعد . وعن عمر بن مصعب بن الزبير قال : قاتل الزبير مع نبي الله ، وله سبع [ ص: 46 ] عشرة . أسد بن موسى ، حدثنا جامع أبو سلمة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن البهي قال : كان يوم بدر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسان : الزبير على فرس على الميمنة ، والمقداد بن الأسود على فرس على الميسرة . وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء ، فنزل جبريل على سيماء الزبير . الزبير بن بكار : عن عقبة بن مكرم ، حدثنا مصعب بن سلام ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر الباقر ، قال : كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء ، فنزلت الملائكة كذلك . [ ص: 47 ] وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير : جدي ابن عمة أحمد ووزيره عند البلاء وفارس الشقراء وهو ممن هاجر إلى الحبشة - فيما نقله موسى بن عقبة وابن إسحاق - ولم يطول الإقامة بها . وغداة بدر كان أول فارس شهد الوغى في اللامة الصفراء نزلت بسيماه الملائك نصرة بالحوض يوم تألب الأعداء |
أبو معاوية ، عن هشام عن أبيه ، قالت عائشة : يا ابن أختي كان أبواك - يعني الزبير وأبا بكر - من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح .
لما انصرف المشركون من أحد ، وأصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما أصابهم ، خاف أن يرجعوا ، فقال : " من ينتدب لهؤلاء في آثارهم ، حتى يعلموا أن بنا قوة " ، فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين ، فخرجوا في آثار المشركين ، فسمعوا بهم ، فانصرفوا ، قال تعالى : فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء الآية لم يلقوا عدوا . وقال البخاري ، ومسلم : جابر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق : " من يأتينا بخبر بني قريظة ؟ فقال الزبير : أنا ، فذهب على فرس ، فجاء بخبرهم . ثم [ ص: 48 ] قال الثانية ، فقال الزبير : أنا ، فذهب ، ثم الثالثة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لكل نبي حواري ، وحواري الزبير " . رواه جماعة عن ابن المنكدر عنه . وروى جماعة ، عن هشام عن أبيه ، عن ابن الزبير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لكل نبي حواريا ، وإن حواري الزبير " . أبو معاوية : عن هشام بن عروة ، عن ابن المنكدر ، عن جابر ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الزبير ابن عمتي ، وحواري من أمتي " . يونس بن بكير : عن هشام ، عن أبيه عن الزبير قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال : " لكل نبي حواري وحواري الزبير وابن عمتي " . وبإسنادي في المسند إلى أحمد بن حنبل ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا [ ص: 49 ] زائدة ، عن عاصم ، عن زر قال : استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده ، فقال علي : بشر قاتل ابن صفية بالنار ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لكل نبي حواري وحواري الزبير " تابعه شيبان ، وحماد بن سلمة . وروى جرير الضبي ، عن مغيرة ، عن أم موسى قالت : استأذن قاتل الزبير ، فذكره . وروى يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد اليزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " وحواري من الرجال الزبير ، ومن النساء عائشة " . ابن أبي عروبة : عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه سمع رجلا يقول : يا ابن حواري رسول الله ، فقال ابن عمر : إن كنت من آل الزبير ، وإلا فلا . رواه ثقتان عنه ، والحواري : الناصر . وقال مصعب الزبيري : الحواري : الخالص من كل شيء . وقال الكلبي : الحواري : الخليل . [ ص: 50 ] هشام بن عروة : عن أبيه ، عن ابن الزبير عن أبيه قال : جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه . أخبرنا ابن أبي عصرون ، أنبأنا أبو روح ، أنبأنا تميم المقرئ ، أنبأنا أبو سعد الأديب ، أنبأنا أبو عمرو الحيري ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن ابن الزبير قال له : يا أبة ، قد رأيتك تحمل على فرسك الأشقر يوم الخندق ، قال : يا بني ، رأيتني ؟ قال : نعم ، قال : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ليجمع لأبيك أبويه ، يقول : " ارم فداك أبي وأمي " . أحمد في " مسنده " : حدثنا أبو أسامة ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : لما كان يوم الخندق ، كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أطم حسان ، فكان عمر يرفعني وأرفعه ، فإذا رفعني ، عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة ، فيقاتلهم . [ ص: 51 ] الرياشي ، حدثنا الأصمعي ، حدثنا ابن أبي الزناد قال : ضرب الزبير يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره ، فقطعه إلى القربوس فقالوا : ما أجود سيفك ! فغضب الزبير ، يريد أن العمل ليده لا للسيف . أبو خيثمة : حدثنا محمد بن الحسن المديني ، حدثتني أم عروة بنت جعفر ، عن أختها عائشة ، عن أبيها عن جدها الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة ، فدخل الزبير مكة بلواءين . وعن أسماء قالت : عندي للزبير ساعدان من ديباج ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهما إياه ، فقاتل فيهما . رواه أحمد في " مسنده " من طريق ابن لهيعة . [ ص: 52 ] علي بن حرب : حدثنا ابن وهب ، عن ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير يلمق حرير محشو بالقز ، يقاتل فيه . وروى يحيى بن يحيى الغساني ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قال الزبير : ما تخلفت عن غزوة غزاها المسلمون إلا أن أقبل فألقى ناسا يعقبون . وعن الثوري قال : هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة : حمزة ، وعلي ، والزبير . حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، أخبرني من رأى الزبير وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي . معمر ، عن هشام عن عروة قال : كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف : إحداهن في عاتقه ، إن كنت لأدخل أصابعي فيها ، ضرب ثنتين يوم بدر ، وواحدة يوم اليرموك . قال عروة : قال عبد الملك بن مروان ، حين قتل ابن الزبير : يا عروة ، هل تعرف سيف الزبير ؟ قلت : نعم . قال : فما فيه ؟ قلت : فلة فلها يوم بدر ، فاستله فرآها فيه ، فقال : [ ص: 53 ] بهن فلول من قراع الكتائب ثم أغمده ورده علي ، فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف ، فأخذه بعضنا ، ولوددت أني كنت أخذته . يحيى بن سعيد الأنصاري : عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء ، فتحرك . فقال : " اسكن حراء ; فما عليك إلا نبي ، أو صديق ، أو شهيد " . وكان عليه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير . الحديث رواه معاوية بن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، وذكر منهم عليا . وقد مر في تراجم الراشدين أن العشرة في الجنة ، ومر في ترجمة طلحة [ ص: 54 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " طلحة والزبير جاراي في الجنة " . أبو جعفر الرازي : عن حصين ، عن عمرو بن ميمون قال : قال عمر : إنهم يقولون : استخلف علينا ، فإن حدث بي حدث ، فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو عنهم راض ، ثم سماهم . أحمد في " مسنده " : حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن مروان ، ولا إخاله متهما علينا ، قال : أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف ، حتى تخلف عن الحج وأوصى ، فدخل عليه رجل من قريش ، فقال : استخلف ، قال : وقالوه ؟ قال : نعم . قال : من هو ؟ فسكت ، قال : ثم دخل عليه رجل آخر ، فقال له مثل ذلك ، ورد عليه نحو ذلك . قال : فقال عثمان : قالوا الزبير ؟ قالوا : نعم . قال : أما والذي نفسي بيده ، إن كان لأخيرهم ما علمت ، وأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم . رواه أبو مروان الغساني عن هشام نحوه . وقال هشام ، عن أبيه ، قال عمر : لو عهدت أو تركت تركة ، كان أحبهم إلي [ ص: 55 ] الزبير ; إنه ركن من أركان الدين . ابن عيينة : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة ، منهم عثمان ، وابن مسعود ، وعبد الرحمن ، فكان ينفق على الورثة من ماله ، ويحفظ أموالهم . ابن وهب : حدثنا عمرو بن الحارث ، حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن الزبير خرج غازيا نحو مصر ، فكتب إليه أمير مصر : إن الأرض قد وقع بها الطاعون ، فلا تدخلها ، فقال : إنما خرجت للطعن والطاعون ، فدخلها ، فلقي طعنة في جبهته فأفرق . عوف : عن أبي رجاء العطاردي ، قال : شهدت الزبير يوما ، وأتاه رجل ، فقال : ما شأنكم أصحاب رسول الله ؟ أراكم أخف الناس صلاة ! قال : نبادر الوسواس . الأوزاعي : حدثني نهيك ابن مريم ، حدثنا مغيث بن سمي ، قال : كان [ ص: 56 ] للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج ، فلا يدخل بيته من خراجهم شيئا . رواه سعيد بن عبد العزيز نحوه ، وزاد : بل يتصدق بها كلها . وقال الزبير بن بكار : حدثني أبو غزية محمد بن موسى ، حدثنا عبد الله بن مصعب ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت : مر الزبير بمجلس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسان ينشدهم من شعره ، وهم غير نشاط لما يسمعون منه ، فجلس معهم الزبير ، ثم قال : ما لي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة ! فلقد كان يعرض به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحسن استماعه ، ويجزل عليه ثوابه ، ولا يشتغل عنه ، فقال حسان يمدح الزبير : أقام على عهد النبي وهديه حواريه والقول بالفعل يعدل أقام على منهاجه وطريقه يوالي ولي الحق والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذي يصول إذا ما كان يوم محجل إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها بأبيض سباق إلى الموت يرقل وإن امرأ كانت صفية أمه ومن أسد في بيتها لمؤثل له من رسول الله قربى قريبة ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل فكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي فيجزل [ ص: 57 ] ثناؤك خير من فعال معاشر وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل |
قال جويرية بن أسماء : باع الزبير دارا له بست مائة ألف ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، غبنت ! قال : كلا ، هي في سبيل الله .
الليث : عن هشام بن عروة ، أن الزبير لما قتل عمر ، محا نفسه من الديوان ، وأن ابنه عبد الله لما قتل عثمان ، محا نفسه من الديوان . أحمد في " المسند " : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم : حدثنا شداد بن سعيد ، حدثنا غيلان بن جرير : عن مطرف : قلت للزبير : ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل ، ثم جئتم تطلبون بدمه ؟ قال : إنا قرأنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة لم نكن نحسب أنا أهلها ، حتى وقعت منا حيث وقعت . مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، أن رجلا أتى الزبير وهو بالبصرة فقال : ألا أقتل عليا ؟ قال : كيف تقتله ومعه الجنود ؟ قال : ألحق به ، فأكون معك ، ثم أفتك به ، قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك [ ص: 58 ] مؤمن " . هذا في " المسند " ، وفي " الجعديات " . الدولابي في " الذرية الطاهرة " : حدثنا الدقيقي ، حدثنا يزيد ، سمعت شريكا ، عن الأسود بن قيس ، حدثني من رأى الزبير يقتفي آثار الخيل قعصا بالرمح ، فناداه علي : يا أبا عبد الله ، فأقبل عليه ، حتى التقت أعناق دوابهما ، فقال : أنشدك بالله ، أتذكر يوم كنت أناجيك ، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " تناجيه ! فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم " قال : فلم يعد أن سمع الحديث ، فضرب وجه دابته ، وذهب . قال أبو شهاب الحناط وغيره : عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال للزبير يوم الجمل : يا ابن صفية ، هذه عائشة تملك الملك [ ص: 59 ] طلحة ، فأنت علام تقاتل قريبك عليا ؟ زاد فيه غير أبي شهاب : فرجع الزبير ، فلقيه ابن جرموز فقتله . قتيبة : حدثنا الليث عن ابن أبي فروة أخي إسحاق ، قال : قال علي : حاربني خمسة : أطوع الناس في الناس : عائشة ، وأشجع الناس : الزبير ، وأمكر الناس : طلحة لم يدركه مكر قط ، وأعطى الناس : يعلى بن منية وأعبد الناس : محمد بن طلحة ، كان محمودا حتى استزله أبوه ، وكان يعلى يعطي الرجل الواحد ثلاثين دينارا والسلاح والفرس على أن يحاربني . قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي : عن جده ، عن أبي جرو المازني ، قال : شهدت عليا والزبير حين تواقفا ، فقال علي : يا زبير ، أنشدك الله ، أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنك تقاتلني وأنت لي ظالم ؟ " قال : نعم ولم أذكره إلا في موقفي هذا ، ثم انصرف . [ ص: 60 ] رواه أبو يعلى في " مسنده " وقد روي نحوه من وجوه سقنا كثيرا منها في كتاب " فتح المطالب " . قال يزيد بن أبي زياد : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : انصرف الزبير يوم الجمل عن علي ، فلقيه ابنه عبد الله ، فقال : جبنا ، جبنا ! قال : قد علم الناس أني لست بجبان ، ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحلفت أن لا أقاتله ، ثم قال : ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين وقيل : إنه أنشد : ولقد علمت لو ان علمي نافعي أن الحياة من الممات قريب فلم ينشب أن قتله ابن جرموز . وروى حصين بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن جاوان قال : قتل طلحة وانهزموا ، فأتى الزبير سفوان فلقيه النعر المجاشعي ، فقال : يا حواري رسول الله ، أين تذهب ؟ تعال ، فأنت في ذمتي ، فسار معه ، وجاء رجل إلى الأحنف فقال : إن الزبير بسفوان ، فما تأمر إن كان جاء ، فحمل بين المسلمين ، حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف ، أراد أن يلحق ببنيه ؟ قال : فسمعها [ ص: 61 ] عمير بن جرموز ، وفضالة بن حابس ، ورجل يقال له نفيع ، فانطلقوا حتى لقوه مقبلا مع النعر وهم في طلبه ، فأتاه عمير من خلفه ، وطعنه طعنة ضعيفة ، فحمل عليه الزبير ، فلما استلحمه وظن أنه قاتله ، قال : يا فضالة ، يا نفيع ، قال : فحملوا على الزبير حتى قتلوه . عبيد الله بن موسى : حدثنا فضيل بن مرزوق ، حدثني شقيق بن عقبة عن قرة بن الحارث ، عن جون بن قتادة قال : كنت مع الزبير يوم الجمل ، وكانوا يسلمون عليه بالإمرة ، إلى أن قال : فطعنه ابن جرموز ثانيا ، فأثبته ، فوقع ، ودفن بوادي السباع ، وجلس علي - رضي الله عنه - ، يبكي عليه هو وأصحابه . قرة بن حبيب : حدثنا الفضل بن أبي الحكم ، عن أبي نضرة قال : جيء برأس الزبير إلى علي ، فقال علي : تبوأ يا أعرابي مقعدك من النار ، حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أن قاتل الزبير في النار " . [ ص: 62 ] شعبة ، عن منصور بن عبد الرحمن ، سمعت الشعبي يقول : أدركت خمس مائة أو أكثر من الصحابة يقولون : علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير في الجنة . قلت : لأنهم من العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن البدريين ، ومن أهل بيعة الرضوان ، ومن السابقين الأولين الذين أخبر - تعالى - أنه رضي عنهم ورضوا عنه ؛ ولأن الأربعة قتلوا ، ورزقوا الشهادة ، فنحن محبون لهم ، باغضون للأربعة الذين قتلوا الأربعة . أبو أسامة ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير قال : لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص ، وهو مدجج لا يرى إلا عيناه ، وكان يكنى أبا ذات الكرش ، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه ، فمات ، فأخبرت أن الزبير قال : لقد وضعت رجلي عليه ، ثم تمطيت ، فكان الجهد أن نزعتها ، يعني الحربة ، فلقد انثنى طرفها . قال عروة : فسأله إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأعطاه إياها ، فلما قبض ، أخذها ، ثم طلبها أبو بكر ، فأعطاه إياها ، فلما قبض أبو بكر ، سألها عمر ، فأعطاه إياها ، فلما قبض عمر أخذها ، ثم طلبها عثمان منه ، فأعطاه إياها ، فلما قبض وقعت عند آل علي ، فطلبها عبد الله بن الزبير ، فكانت عنده حتى قتل . غريب ، تفرد به البخاري . ابن المبارك : أنبأنا هشام ، عن أبيه أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 63 ] قالوا للزبير : ألا تشد فنشد معك ؟ قال : إني إن شددت ، كذبتم . فقالوا : لا نفعل . فحمل عليهم حتى شق صفوفهم ، فجاوزهم وما معه أحد ، ثم رجع مقبلا ، فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين ، ضربة على عاتقه بينهما ضربة ضربها يومبدر . قال عروة : فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير ، قال : وكان معه عبد الله بن الزبير وهو ابن عشر سنين ، فحمله على فرس ، ووكل به رجلا . قلت : هذه الوقعة هي يوم اليمامة إن شاء الله ; فإن عبد الله كان إذ ذاك ابن عشر سنين . أبو بكر بن عياش : حدثنا سليمان ، عن الحسن قال : لما ظفر علي بالجمل ، دخل الدار والناس معه ، فقال علي : إني لأعلم قائد فتنة دخل الجنة ، وأتباعه إلى النار ! فقال الأحنف : من هو ؟ قال : الزبير . في إسناده إرسال ، وفي لفظه نكارة ، فمعاذ الله أن نشهد على أتباع الزبير ، أو جند معاوية أو علي بأنهم في النار ، بل نفوض أمرهم إلى الله ، ونستغفر لهم . بلى : الخوارج كلاب النار ، وشر قتلى تحت أديم السماء ؛ لأنهم مرقوا من الإسلام ، ثم لا ندري مصيرهم إلى ماذا ، ولا نحكم عليهم بخلود النار ، بل نقف . ولبعضهم : إن الرزية من تضمن قبره وادي السباع لكل جنب مصرع قال البخاري وغيره : قتل في رجب سنة ست وثلاثين . [ ص: 64 ] لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع وادي السباع : على سبعة فراسخ من البصرة . قال الواقدي وابن نمير : قتل وله أربع وستون سنة . وقال غيرهما : قيل وله بضع وخمسون سنة ، وهو أشبه . قال القحذمي : كانت تحته أسماء بنت أبي بكر ، وعاتكة أخت سعيد بن زيد ، وأم خالد بنت خالد بن سعيد ، وأم مصعب الكلبية . قال ابن المديني : سمعت سفيان يقول : جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزبير - يعني لما ولي إمرة العراق لأخيه الخليفة عبد الله بن الزبير - فقال : أقدني بالزبير ، فكتب في ذلك يشاور ابن الزبير ، فجاءه الخبر : أنا أقتل ابن جرموز بالزبير ؟ ولا بشسع نعله . قلت : أكل المعثر يديه ندما على قتله ، واستغفر ، لا كقاتل طلحة ، وقاتل عثمان ، وقاتل علي . الزبير : حدثني علي بن صالح ، عن عامر بن صالح ، عن مسالم بن عبد الله بن عروة ، عن أبيه أن عمير بن جرموز أتى ، حتى وضع يده في يد مصعب ، فسجنه ، وكتب إلى أخيه في أمره ، فكتب إليه أن بئس ما صنعت ، أظننت أني قاتل أعرابيا بالزبير ؟ خل سبيله ، فخلاه فلحق بقصر بالسواد عليه [ ص: 65 ] أزج ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه ، فطرحه عليه ، فقتله ، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه ويرى في منامه . قال ابن قتيبة : حدثنا محمد بن عتبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه أن الزبير ترك من العروض بخمسين ألف ألف درهم ، ومن العين خمسين ألف ألف درهم . كذا هذه الرواية . وقال ابن عيينة : عن هشام ، عن أبيه قال : اقتسم مال الزبير على أربعين ألف ألف . أبو أسامة : أخبرني هشام بن عروة ، عن أبيه عن ابن الزبير قال : لما وقف الزبير يوم الجمل ، دعاني ، فقمت إلى جنبه ، فقال : يا بني ، إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همي لديني ، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئا ؟ يا بني ، بع ما لنا ، فاقض ديني ، فأوصي بالثلث وثلث الثلث إلى عبد الله ، فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيء ، فثلث لولدك . قال هشام : وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وعباد ، وله يومئذ تسع بنات ، قال عبد الله : فجعل يوصيني بدينه ، ويقول : يا بني ، إن عجزت عن شيء منه ، فاستعن بمولاي ، قال : فوالله ما دريت ما عنى [ ص: 66 ] حتى قلت : يا أبة ، من مولاك ؟ قال : الله عز وجل . قال : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير ، اقض عنه ; فيقضيه . قال : وقتل الزبير ، ولم يدع دينارا ولا درهما ، إلا أرضين بالغابة ، ودارا بالمدينة ، ودارا بالبصرة ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر . قال : وإنما كان الذي عليه أن الرجل يجيء بالمال ، فيستودعه ، فيقول الزبير : لا ولكن هو سلف ، إني أخشى عليه الضيعة . وما ولي إمارة قط ، ولا جباية ، ولا خراجا ، ولا شيئا ، إلا أن يكون في غزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو مع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فحسبت دينه ، فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف ، فلقي حكيم بن حزام الأسدي عبد الله ، فقال : يا ابن أخي ، كم على أخي من الدين ؟ فكتمه ، وقال : مائة ألف ، فقال حكيم : ما أرى أموالكم تتسع لهذه ؟ فقال عبد الله : أفرأيت إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف ؟ قال : ما أراكم تطيقون هذا ، فإن عجزتم عن شيء ، فاستعينوا بي . وكانالزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألف وست مائة ألف ، وقال : من كان له على الزبير دين ، فليأتنا بالغابة . فأتاه عبد الله بن جعفر ، وكان له على الزبير أربع مائة ألف ، فقال لابن الزبير : إن شئت ، تركتها لكم ، قال : لا ، قال : فاقطعوا لي قطعة ، قال : لك من هاهنا إلى هاهنا ، قال : فباعه بقضاء دينه ، قال : وبقي منها أربعة أسهم ونصف ، فقال المنذر بن الزبير : قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال ابن ربيعة : قد أخذت سهما بمائة ألف ، فقال معاوية : كم بقي ؟ قال سهم ونصف ، قال : قد أخذته بمائة وخمسين ألفا ، قال : وباع ابن جعفر نصيبه من معاوية بست مائة ألف ، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه ، قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا ، قال : لا والله ، [ ص: 67 ] حتى أنادي بالموسم أربع سنين : ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه ، فجعل كل سنة ينادي بالموسم ، فلما مضت أربع سنين قسم بينهم . فكان للزبير أربع نسوة . قال : فرفع الثلث ، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف ، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف . للزبير في " مسند بقي بن مخلد " ثمانية وثلاثون حديثا ، منها في " الصحيحين " حديثان ، وانفرد البخاري بسبعة أحاديث . قال هشام : عن أبيه ، قال : بلغ حصة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل زوجة الزبير من ميراثه ثمانين ألف درهم . وقالت ترثيه : غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشا رعش البنان ولا اليد ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله فيما مضى مما تروح وتغتدي كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا ابن فقع الفدفد والله ربك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد |
[ ص: 68 ] عبد الرحمن بن عوف ( ع )
ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، أبو محمد . أحد العشرة ، وأحد الستة أهل الشورى ، وأحد السابقين البدريين ، القرشي الزهري . وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام . له عدة أحاديث . روى عنه ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وبنوه : إبراهيم ، وحميد ، وأبو سلمة ، وعمرو ، ومصعب بنو عبد الرحمن ، ومالك بن أوس ، وطائفة سواهم . له في " الصحيحين " حديثان . وانفرد له البخاري بخمسة [ ص: 69 ] أحاديث . ومجموع ما له في " مسند بقي " خمسة وستون حديثا . وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو ، وقيل عبد الكعبة ، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن . وحدث عنه أيضا من الصحابة : جبير بن مطعم ، وجابر بن عبد الله ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة . وقدم الجابية مع عمر فكان على الميمنة ، وكان في نوبة سرغ على الميسرة . أخبرنا محمد بن حازم بن حامد ، ومحمد بن علي بن فضل ، قالا : أنبأنا أبو القاسم بن صصرى ، أنبأنا أبو القاسم بن البن الأسدي ( ح ) وأنبأنا محمد بن علي السلمي ، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري ، قالا : أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله التغلبي ، أنبأنا أبو القاسم بن البن ، ونصر بن أحمد السوسي ، قالا : أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه ، أنبأنا أبو منصور محمد ، وأبو عبد الله أحمد ، أنبأنا الحسين بن سهل بن الصباح ، ببلد في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وأربع مائة ، قالا : حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الإمام ، حدثنا علي بن حرب الطائي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، سمع بجالة يقول : كنت كاتبا لجزء بن معاوية ، عم الأحنف بن قيس ، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة ، أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وفرقوا [ ص: 70 ] بين كل ذي محرم من المجوس ، وانهوهم عن الزمزمة . فقتلنا ثلاث سواحر ، وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمته في كتاب الله . وصنع لهم طعاما كثيرا ، ودعا المجوس ، وعرض السيف على فخذه ، وألقى وقر بغل أو بغلين من ورق ، وأكلوا بغير زمزمة . ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس ، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر . هذا حديث غريب مخرج في صحيح البخاري ، وسنن أبي داود ، والنسائي ، والترمذي من طريق سفيان ، فوقع لنا بدلا . ورواه حجاج بن أرطاة عن عمرو مختصرا ، وروى منه أخذ الجزية من المجوس أبو داود عن الثقة ، عن يحيى بن حسان ، عن هشيم ، عن داود بن أبي هند ، عن قشير بن عمرو ، عن بجالة بن عبدة ، عن ابن عباس ، عن ابن عوف . أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي ، أنبأنا محمد بن أحمد القطيعي ، أنبأنا محمد بن عبيد الله المجلد ( ح ) وأنبأنا أحمد بن إسحاق الزاهد ، أنبأنا أبو نصر عمر بن محمد التيمي ، أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي ، قالا : أنبأنا محمد بن محمد الهاشمي أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله البغوي ، حدثنا أبو نصر التمار ، حدثنا القاسم بن فضل الحداني عن النضر بن شيبان قال : قلت لأبي سلمة : حدثني بشيء سمعته من أبيك يحدث به عن [ ص: 71 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : حدثني أبي في شهر رمضان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فرض الله عليكم شهر رمضان ، وسننت لكم قيامه ، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا ، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه " . هذا حديث حسن غريب . أخرجه النسائي ، عن ابن راهويه ، عن النضر بن شميل . وابن ماجه ، عن يحيى بن حكيم ، عن أبي داود الطيالسي . جميعا عن الحداني . قال النسائي : الصواب حديث الزهري عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة . أخبرنا محمد بن عبد السلام العصروني أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي ، أنبأنا تميم الجرجاني ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن النيسابوري ، أنبأنا محمد بن أحمد الحيري ، أنبأنا أحمد بن علي الموصلي ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني مكحول ، عن كريب ، عن ابن عباس قال : جلسنا مع عمر ، فقال : هل [ ص: 72 ] سمعت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أمر به المرء المسلم إذا سها في صلاته ، كيف يصنع ؟ فقلت : لا والله ، أوما سمعت أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله في ذلك شيئا ؟ فقال : لا والله . فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما ؟ فقال عمر : سألته ، فأخبره . فقال له عبد الرحمن : لكني قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في ذلك . فقال له عمر : فأنت عندنا عدل ، فماذا سمعت ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سها أحدكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص ، فإن كان شك في الواحدة والثنتين ، فليجعلها واحدة ، وإذا شك في الثنتين أو الثلاث ، فليجعلها ثنتين ، وإذا شك في الثلاث والأربع ، فليجعلها ثلاثا حتى يكون الوهم في الزيادة ، ثم يسجد سجدتين ، وهو جالس ، قبل أن يسلم ، ثم يسلم " . هذا حديث حسن ، صححه الترمذي ، ورواه عن بندار عن محمد بن خالد بن عثمة ، عن إبراهيم بن سعد ، فطريقنا أعلى بدرجة . ورواه الحافظ ابن عساكر في صدر ترجمة ابن عوف وفيه : فقال : فحدثنا ، فأنت عندنا العدل الرضا . [ ص: 73 ] فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانوا عدولا فبعضهم أعدل من بعض وأثبت . فهنا عمر قنع بخبر عبد الرحمن ، وفي قصة الاستئذان يقول : ائت بمن يشهد معك ، وعلي بن أبي طالب يقول : كان إذا حدثني رجل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استحلفته ، وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر . فلم يحتج على أن يستحلف الصديق ، والله أعلم . [ ص: 74 ] قال المدائني : ولد عبد الرحمن بعد عام الفيل بعشر سنين . وقال الزبير : ولد الحارث بن زهرة عبدا ، وعبد الله ، وأمهما قيلة . ومن ولد عبد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد . وكذا نسبه ابن إسحاق ، وابن سعد ، وأسقط البخاري والفسوي عبدا من نسبه ، وقاله قبلهما عروة ، والزهري . وقال الهيثم الشاشي وأبو نصر الكلاباذي وغيرهما : عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة . وأم عبد الرحمن هي الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة . قاله جماعة . وقال أبو أحمد الحاكم : أمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب . ويقال : الشفاء بنت عوف . إبراهيم بن سعد : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : كان اسمي عبد عمرو ، فلما أسلمت ، سماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن . إبراهيم بن المنذر : حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت ، عن سعيد بن زياد ، [ ص: 75 ] عن حسن بن عمر ، عن سهلة بنت عاصم قالت : كان عبد الرحمن بن عوف أبيض ، أعين ، أهدب الأشفار ، أقنى ، طويل النابين الأعليين ، ربما أدمى نابه شفته ، له جمة أسفل من أذنيه ، أعنق ، ضخم الكتفين . وروى زياد البكائي عن ابن إسحاق قال : كان ساقط الثنيتين ، أهتم ، أعسر ، أعرج . كان أصيب يوم أحد فهتم ، وجرح عشرين جراحة ، بعضها في رجله ، فعرج . الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن يعقوب بن عتبة قال : وكان عبد الرحمن رجلا طوالا ، حسن الوجه ، رقيق البشرة ، فيه جنأ ، أبيض ، مشربا حمرة ، لا يغير شيبه . |
وقال ابن إسحاق : حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه قال : كنا نسير مع عثمان في طريق مكة ، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف ، فقال عثمان : ما يستطيع أحد أن يعتد على هذا الشيخ فضلا في الهجرتين جميعا .
روى نحوه العقدي عن عبد الله بن جعفر ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن المسور بن مخرمة ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ، وجماعة ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن عمر ، أنبأنا أبو الوقت ، أنبأنا أبو الحسن الداودي ، أنبأنا أبو محمد بن حمويه ، أنبأنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا [ ص: 76 ] عبد بن حميد أنبأنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا عمارة بن زاذان ، عن ثابت ، عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بينه وبين عثمان ، كذا هذا ، فقال : إن لي حائطين ، فاختر أيهما شئت . قال : بل دلني على السوق ، إلى أن قال : فكثر ماله ، حتى قدمت له سبع مائة راحلة تحمل البر والدقيق والطعام ، فلما دخلت سمع لأهل المدينة رجة ، فبلع عائشة فقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " عبد الرحمن لا يدخل الجنة إلا حبوا " فلما بلغه قال : يا أمه ، إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله . أخرجه أحمد في " مسنده " عن عبد الصمد بن حسان ، عن عمارة وقال : حديث منكر . قلت : وفي لفظ أحمد : فقالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قد رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا " فقال : إن استطعت لأدخلنها قائما . فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله . أخبرنا جماعة ، كتابة ، عن أبي الفرج بن الجوزي ، وأجاز لنا ابن علان وغيره ، أنبأنا الكندي ، قالا : أنبأنا أبو منصور القزاز ، أنبأنا أبو بكر الخطيب أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا هذيل بن ميمون ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، [ ص: 77 ] عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دخلت الجنة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذا ؟ قيل : بلال . إلى أن قال : فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف ، ثم جاء بعد الإياس . فقلت : عبد الرحمن ؟ فقال : بأبي وأمي يا رسول الله ، ما خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك أبدا . قال : وما ذاك ؟ قال : من كثرة مالي أحاسب ، وأمحص " . إسناده واه . وأما الذي قبله فتفرد به عمارة ، وفيه لين ، قال أبو حاتم : يكتب حديثه وقال ابن معين : صالح . وقال ابن عدي : عندي لا بأس به . قلت : لم يحتج به النسائي . وبكل حال فلو تأخر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب ، ودخل الجنة حبوا على سبيل الاستعارة ، وضرب المثل ، فإن منزلته في الجنة ليست بدون منزلة [ ص: 78 ] علي والزبير ، رضي الله عن الكل . ومن مناقبه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد له بالجنة ، وأنه من أهل بدر الذين قيل لهم اعملوا ما شئتم ومن أهل هذه الآية : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه . [ ص: 79 ] أحمد في " المسند " : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن عمرو بن وهب الثقفي قال : كنا مع المغيرة بن شعبة ، فسئل : هل أم النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد من هذه الأمة غير أبي بكر ؟ فقال : نعم . فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ، ومسح على خفيه وعمامته ، وأنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ، وأنا معه ، ركعة من الصبح ، وقضينا الركعة التي سبقنا . ولحميد الطويل نحوه عن بكر بن عبد الله ، عن حمزة بن المغيرة ، عن أبيه . إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي بالناس ، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر ، فأومأ إليه : أن مكانك ، فصلى وصلى رسول الله بصلاة عبد الرحمن . [ ص: 80 ] وروى الإمام أحمد في " المسند " عن الهيثم بن خارجة ، عن رشدين ، عن عبد الله بن الوليد ، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه بنحوه . هشام : عن قتادة ، عن الحسن ، عن المغيرة بن شعبة ، بمثل هذا . ورواه زرارة بن أوفى ، عن المغيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ، وجاء عن خليد بن دعلج ، عن الحسن ، عن المغيرة . والحسن مدلس لم يسمع من المغيرة . عيسى بن يونس : عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الرحمن بن عوف في سرية وعقد له اللواء بيده . عثمان ضعيف ، لكن روى نحوه أبو ضمرة ، عن نافع بن عبد الله ، عن فروة بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر . معمر : عن قتادة : الذين يلمزون المطوعين قال : تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف دينار . فقال أناس من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء . |
ص: 81 ] وقال ابن المبارك : أنبأنا معمر ، عن الزهري قال : تصدق ابن عوف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشطر ماله أربعة آلاف ، ثم تصدق بأربعين ألف دينار ، وحمل على خمس مائة فرس في سبيل الله ، ثم حمل على خمس مائة راحلة في سبيل الله . وكان عامة ماله من التجارة . أخرجه في " الزهد " له .
سليمان بن بنت شرحبيل : أنبأنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا ابن عوف ، إنك من الأغنياء ، ولن تدخل الجنة إلا زحفا ، فأقرض الله تعالى ، يطلق لك قدميك . قال : فما أقرض يا رسول الله ؟ فأرسل إليه : أتاني جبريل فقال : مره ، فليضف الضيف ، وليعط في النائبة ، وليطعم المسكين " . خالد بن الحارث وغيره : قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبيه قال : رأيت الجنة ، وأني دخلتها حبوا ، ورأيت أنه لا يدخلها إلا الفقراء . قلت : إسناده حسن فهو وغيره منام ، والمنام له تأويل . وقد انتفع ابن عوف - رضي الله عنه - بما رأى ، وبما بلغه ، حتى تصدق بأموال عظيمة ، أطلقت [ ص: 82 ] له - ولله الحمد - قدميه ، وصار من ورثة الفردوس ، فلا ضير . أنبأنا ابن أبي عمر ، أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، حدثنا ابن المذهب حدثنا أبو بكر ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق قال : دخل عبد الرحمن على أم سلمة ، فقال : يا أم المؤمنين ، إني أخشى أن أكون قد هلكت ، إني من أكثر قريش مالا ، بعت أرضا لي بأربعين ألف دينار . قالت : يا بني ، أنفق ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه " فأتيت عمر فأخبرته . فأتاها ، فقال : بالله ، أنا منهم ؟ قالت : اللهم لا ، ولن أبرئ أحدا بعدك . رواه أيضا أحمد ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش فقال : عن شقيق ، عن أم سلمة . زائدة : عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دعوا لي أصحابي أو أصيحابي ; فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه " . [ ص: 83 ] وأما الأعمش فرواه عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري وفي الباب حديث زهير بن معاوية عن حميد ، عن أنس . أبو إسماعيل المؤدب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي عن ابن أبي أوفى قال : شكا عبد الرحمن بن عوف خالدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا خالد ، لا تؤذ رجلا من أهل بدر ; فلو أنفقت مثل أحد ذهبا ، لم تدرك عمله " . قال : يقعون في فأرد عليهم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تؤذوا خالدا ; فإنه سيف من سيوف الله ، صبه الله على الكفار " . لم يروه عن المؤدب سوى الربيع بن ثعلب . وقد روى نحوه جرير بن حازم ، عن الحسن مرسلا . شعبة : أنبأنا حصين ، سمعت هلال بن يساف يحدث عن عبد الله بن ظالم المازني ، عن سعيد بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف [ ص: 84 ] فقال : " اثبت حراء; فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد " . وذكر سعيد أنه كان معهم . وكذا رواه جرير ، وهشيم ، وأبو الأحوص ، والأبار ، عن حصين . وأخرجه أرباب السنن الأربعة من طريق شعبة وجماعة كذلك ، ورواه ابن إدريس ووكيع ، عن سفيان ، عن منصور عن هلال بن يساف . قال أبو داود : ورواه الأشجعي عن سفيان ، عن منصور ، فقال : عن هلال عن ابن حيان ، عن عبد الله بن ظالم ، عن سعيد ، تابعه قاسم الجرمي عن سفيان ، وصححه الترمذي . وجاء عن سفيان ، عن منصور وحصين ، عن هلال عن سعيد نفسه . أبو قلابة الرقاشي : حدثنا عمر بن أيوب ، حدثنا محمد بن معن الغفاري ، حدثنا مجمع بن يعقوب ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مجمع أن عمر قال لأم كلثوم بنت عقبة ، امرأة عبد الرحمن بن عوف : أقال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انكحي سيد المسلمين عبد الرحمن بن عوف ؟ " قالت : نعم . [ ص: 85 ] علي بن المديني : حدثني سفيان ، عن ابن أبي نجيح أن عمر سأل أم كلثوم بنحوه . ويروى من وجهين عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أمه أم كلثوم نحوه . معمر : عن الزهري : حدثني عبيد الله بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى رهطا فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فلم يعطه . فخرج يبكي . فلقيه عمر فقال : ما يبكيك ؟ فذكر له ، وقال : أخشى أن يكون منعه موجدة وجدها علي . فأبلغ عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " لكني وكلته إلى إيمانه " . قريش بن أنس : عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " خياركم خياركم لنسائي " فأوصى لهن عبد الرحمن بحديقة ، قومت بأربع مائة ألف . قال عبد الله بن جعفر الزهري : حدثتنا أم بكر بنت المسور ، أن عبد الرحمن باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار ، فقسمه في فقراء بني زهرة ، [ ص: 86 ] وفي المهاجرين ، وأمهات المؤمنين . قال المسور : فأتيت عائشة بنصيبها ، فقالت : من أرسل بهذا ؟ قلت : عبد الرحمن . قالت : أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون " ، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة . أخرجه أحمد في " مسنده " . علي بن ثابت الجزري : عن الوازع ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه في مرضه ، فقال : " سيحفظني فيكن الصابرون الصادقون " . ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من الأمر وقت الشورى ، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد ، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان ، ولو كان محابيا فيها ، لأخذها لنفسه ، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص . ويروى عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن أبيه قال : كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر بما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 87 ] قال يزيد بن هارون : حدثنا أبو المعلى الجزري ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، أن عبد الرحمن قال لأهل الشورى : هل لكم أن أختار لكم وأنفصل منها ؟ قال علي : نعم . أنا أول من رضي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنك أمين في أهل السماء ، أمين في أهل الأرض " . أخرجه الشاشي في " مسنده " ، وأبو المعلى ضعيف . ذكر مجالد ، عن الشعبي أن عبد الرحمن بن عوف حج بالمسلمين في سنة ثلاث عشرة . جويرية بن أسماء : عن مالك ، عن الزهري ، عن سعيد أن سعيد بن أبي وقاص أرسل إلى عبد الرحمن رجلا وهو قائم يخطب : أن ارفع رأسك إلى أمر الناس . أي ادع إلى نفسك . فقال عبد الرحمن : ثكلتك أمك! إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس . تابعه أبو أويس عبد الله ، عن الزهري . ابن سعد : أنبأنا عبد العزيز الأويسي ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن أم بكر ، عن أبيها المسور قال : لما [ ص: 88 ] ولي عبد الرحمن بن عوف الشورى كان أحب الناس إلي أن يليه ، فإن ترك ، فسعد . فلحقني عمرو بن العاص فقال : ما ظن خالك عبد الرحمن بالله ، إن ولى هذا الأمر أحدا ، وهو يعلم أنه خير منه ؟ فأتيت عبد الرحمن فذكرت ذلك له . فقال : والله لأن تؤخذ مدية ، فتوضع في حلقي ، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر أحب إلي من ذلك . ابن وهب : حدثنا ابن لهيعة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي عبيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر ، عن أبيه ، عن جده أن عثمان اشتكى رعافا ، فدعا حمران ، فقال : اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي ، فكتب له ، وانطلق حمران إلى عبد الرحمن ، فقال : البشرى ! قال : وما ذاك ؟ قال : إن عثمان قد كتب لك العهد من بعده . فقام بين القبر والمنبر ، فدعا ، فقال : اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر ، فأمتني قبله . فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى قبضه الله . يعقوب بن محمد الزهري : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز ، عن رجل ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف : ثلث يقرضهم ماله ، وثلث يقضي دينهم ، ويصل ثلثا . مبارك بن فضالة : عن علي بن زيد ، عن ابن المسيب قال : كان بين طلحة وابن عوف تباعد . فمرض طلحة ، فجاء عبد الرحمن يعوده ، فقال طلحة : [ ص: 89 ] أنت والله يا أخي خير مني . قال : لا تفعل يا أخي ، قال : بلى والله ؛ لأنك لو مرضت ما عدتك . ضمرة بن ربيعة : عن سعد بن الحسن قال : كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده . شعيب بن أبي حمزة : عن الزهري ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه ، حتى قاموا من عنده ، وجللوه . فأفاق يكبر ، فكبر أهل البيت ، ثم قال لهم : غشي علي آنفا ؟ قالوا : نعم . قال : صدقتم ، انطلق بي في غشيتي رجلان أجد فيهما شدة وفظاظة ، فقالا : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين ، فانطلقا بي حتى لقيا رجلا ، قال : أين تذهبان بهذا ؟ قالا : نحاكمه إلى العزيز الأمين . فقال : ارجعا ، فإنه من الذين كتب الله لهم السعادة والمغفرة وهم في بطون أمهاتهم ، وإنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله ، فعاش بعد ذلك شهرا . [ ص: 90 ] رواه الزبيدي وجماعة عن الزهري ، ورواه سعد بن إبراهيم عن أبيه . ابن لهيعة : عن أبي الأسود ، عن عروة أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، فكان الرجل يعطى منها ألف دينار . وعن الزهري أن عبد الرحمن أوصى للبدريين ، فوجدوا مائة ، فأعطى كل واحد منهم أربع مائة دينار ، فكان منهم عثمان ، فأخذها . وبإسناد آخر ، عن الزهري : أن عبد الرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله . قال إبراهيم بن سعد : عن أبيه عن جده : سمع عليا يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف : اذهب يا ابن عوف ، فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها . الرنق : الكدر . قال سعد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : رأيت سعدا في جنازة عبد الرحمن بن عوف ، وهو بين يدي السرير ، وهو يقول : واجبلاه ! . رواه جماعة عن سعد . معمر : عن ثابت ، عن أنس قال : رأيت عبد الرحمن بن عوف ، قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف . [ ص: 91 ] وروى هشام عن ابن سيرين قال : اقتسمن ثمنهن ثلاث مائة ألف وعشرين ألفا . وروى نحوه ليث بن أبي مسلم ، عن مجاهد ، وقد استوفى صاحب " تاريخ دمشق " أخبار عبد الرحمن في أربعة كراريس . ولما هاجر إلى المدينة كان فقيرا لا شيء له ، فآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع أحد النقباء ، فعرض عليه أن يشاطره نعمته ، وأن يطلق له أحسن زوجتيه ، فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالك ، ولكن دلني على السوق . فذهب ، فباع واشترى ، وربح ، ثم لم ينشب أن صار معه دراهم ، فتزوج امرأة على زنة نواة من ذهب ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رأى عليه أثرا من صفرة : " أولم ولو بشاة " ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل . [ ص: 92 ] أرخ المدائني ، والهيثم بن عدي وجماعة وفاته في سنة اثنتين وثلاثين ، وقال المدائني : ودفن بالبقيع ، وقال يعقوب بن المغيرة : عاش خمسا وسبعين سنة . قال ، أبو عمر بن عبد البر : كان مجدودا في التجارة . خلف ألف بعير ، وثلاثة آلاف شاة ، ومائة فرس . وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا . قلت : هذا هو الغني الشاكر ، وأويس فقير صابر ، وأبو ذر أو أبو عبيدة زاهد عفيف . حسين الجعفي : عن جعفر بن برقان قال : بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت . |
سعد بن أبي وقاص ( ع )
واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . [ ص: 93 ] الأمير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي . أحد العشرة ، وأحد السابقين الأولين ، وأحد من شهد بدرا والحديبية ، وأحد الستة أهل الشورى . روى جملة صالحة من الحديث ، وله في " الصحيحين " خمسة عشر حديثا ، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث ، ومسلم بثمانية عشر حديثا . حدث عنه ابن عمر ، وعائشة ، وابن عباس ، والسائب بن يزيد ، وبنوه : عامر ، وعمر ، ومحمد ومصعب ، وإبراهيم ، وعائشة ، وقيس بن أبي حازم ، وسعيد بن المسيب ، وأبو عثمان النهدي ، وعمرو بن ميمون ، والأحنف بن قيس ، وعلقمة بن قيس ، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، ومجاهد ، وشريح بن عبيد الحمصي ، وأيمن المكي ، وبشر بن سعيد ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو صالح ذكوان ، وعروة بن الزبير ، وخلق سواهم . أخبرنا محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، في كتابه ، أنبأنا تميم بن أبي سعيد ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن أبي عون : سمعت جابر بن سمرة قال : قال عمر لسعد : قد [ ص: 94 ] شكوك في كل شيء حتى في الصلاة . قال : أما أنا ، فإني أمد في الأوليين وأحذف في الأخريين ، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ذاك الظن بك ، أو كذاك الظن بك . أبو عون الثقفي . هو محمد بن عبيد الله ، متفق عليه . وبه إلى أبي يعلى ، حدثنا زهير ، حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد ، حدثني والدي ، عن أبيه قال : مررت بعثمان في المسجد ، فسلمت عليه ، فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام . فأتيت عمر ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هل حدث في الإسلام شيء ؟ قال : وما ذاك ؟ قلت : إني مررت بعثمان آنفا ، فسلمت ، فلم يرد علي . فأرسل عمر إلى عثمان ، فأتاه ، فقال : ما يمنعك أن تكون رددت على أخيك السلام ؟ قال : ما فعلت . قلت : بلى ، حتى حلف وحلفت ، ثم إنه ذكر فقال : بلى ، فأستغفر الله وأتوب إليه ، إنك مررت بي آنفا ، وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا والله ما ذكرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوة . فقال سعد : فأنا أنبئك بها . إن رسول الله ، ذكر لنا أول دعوة ، ثم جاءه أعرابي فشغله ، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعته ، فلما [ ص: 95 ] أشفقت أن يسبقني إلى منزله ، ضربت بقدمي الأرض ، فالتفت إلي ، فالتفت ، فقال : " أبو إسحاق ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فمه ؟ قلت لا والله ، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابي . فقال : نعم ، دعوة ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنها لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له " . أخرجه الترمذي من طريق الفريابي ، عن يونس . ابن وهب : حدثني أسامة بن زيد الليثي ، حدثني ابن شهاب أن عبد الرحمن بن المسور قال : خرجت مع أبي ، وسعد ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عام أذرح . فوقع الوجع بالشام ، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة ، ودخل علينا رمضان ، فصام المسور وعبد الرحمن ، وأفطر سعد وأبى أن يصوم ، فقلت له : يا أبا إسحاق ، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشهدت بدرا ، وأنت تفطر وهما صائمان ؟ قال : أنا أفقه منهما . ابن جريج : حدثني زكريا بن عمرو أن سعد بن أبي وقاص وفد على [ ص: 96 ] معاوية ، فأقام عنده شهرا يقصر الصلاة ، وجاء شهر رمضان ، فأفطره . منقطع . شعبة وغيره : عن حبيب بن أبي ثابت سمعت عبد الرحمن بن المسور قال : كنا في قرية من قرى الشام يقال لها عمان ، ويصلي سعد ركعتين ، فسألناه ، فقال : إنا نحن أعلم . ابن عيينة ، عن عمرو قال : شهد سعد وابن عمر الحكمين . ابن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد : قلت : يا رسول الله ، من أنا ؟ قال : سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، من قال غير هذا ، فعليه لعنة الله . قال ابن سعد : وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . قال ابن منده : أسلم سعد ابن سبع عشرة سنة . وكان قصيرا ، دحداحا ، [ ص: 97 ] شثن الأصابع ، غليظا ، ذا هامة . توفي بالعقيق في قصره ، على سبعة أميال من المدينة . وحمل إليها سنة خمس وخمسين . الواقدي : عن بكير بن مسمار عن عائشة بنت سعد قالت : كان أبي رجلا قصيرا ، دحداحا ، غليظا ، ذا هامة ، شثن الأصابع ، أشعر ، يخضب بالسواد . وعن إسماعيل بن محمد بن سعد قال : كان سعد جعد الشعر ، أشعر الجسد ، آدم ، أفطس ، طويلا . يعقوب بن محمد الزهري : أنبأنا إسحاق بن جعفر ، وعبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن جعفر بن المسور ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمير بن أبي وقاص عن بدر ، استصغره ، فبكى عمير ، فأجازه ، فعقدت عليه حمالة سيفه ، ولقد شهدت بدرا وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي . جماعة : عن هاشم بن هاشم ، عن سعيد بن المسيب ، سمعت سعدا [ ص: 98 ] يقول : ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت ، ولقد مكثت سبع ليال وإني لثلث الإسلام . وقال يوسف بن الماجشون : سمعت عائشة بنت سعد تقول : مكث أبي يوما إلى الليل وإنه لثلث الإسلام . إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس قال : قال سعد بن مالك : ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه لأحد قبلي . ولقد رأيته ليقول لي : " يا سعد ، ارم فداك أبي وأمي " . وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم . ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، لقد خبت إذا وضل سعيي . متفق عليه ، رواه جماعة عن إسماعيل . وروى المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن : أول من رمى بسهم في [ ص: 99 ] سبيل الله سعد ، وإنه من أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم . حاتم بن إسماعيل : عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه . قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين . فقال رسول الله : " ارم فداك أبي وأمي " . فنزعت بسهم ليس فيه نصل ، فأصبت جبهته ، فوقع وانكشفت عورته ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه . عبد الله بن مصعب : حدثنا موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به ، فقتل ، فرد عليهم فرموا به ، فأخذه سعد ، فرمى به الثانية ، فقتل ، فرد عليهم ، فرمى به الثالثة ، فقتل ، فعجب الناس مما فعل . إسناده منقطع . ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان ، عن بعض آل سعد ، عن سعد : أنه رمى يوم أحد ، قال : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يناولني النبل ويقول : " ارم فداك أبي وأمي " . حتى إنه ليناولني السهم ما له من نصل ، فأرمي به . [ ص: 100 ] قال ابن المسيب : كان جيد الرمي ، سمعته يقول : جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد . أخرجه البخاري . وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من بضعة عشر وجها . وساق حديث ابن أبي خالد عن قيس من سبعة عشر طريقا بألفاظها ، وبمثل هذا كبر تاريخه . وساق حديث عبد الله بن شداد عن علي : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد غير سعد ، من ستة عشر وجها . رواه مسعر وشعبة وسفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عنه . ابن عيينة : عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب قال : قال علي : ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع أبويه لأحد غير سعد . تفرد به ابن عيينة ، وقد رواه شعبة وزائدة ، وغيرهما عن يحيى بن سعيد ، عن سعد ، وهو أصح . [ ص: 101 ] ابن زنجويه : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن أيوب ، عن عائشة بنت سعد ، سمعتها تقول : أنا ابنة المهاجر الذي فداه رسول الله يوم أحد بالأبوين . الأعمش : عن إبراهيم ، قال : عبد الله بن مسعود : لقد رأيت سعدا يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال . رواه بعضهم عن الأعمش فقال : عن إبراهيم ، عن علقمة . يونس بن بكير : عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن الزهري قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ ، وهو من جانب الجحفة . فانكفأ المشركون على المسلمين ، فحماهم سعد يومئذ بسهامه ، فكان هذا أول قتال في الإسلام ، فقال سعد : ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رام في عدو وفي البخاري لمروان بن معاوية : أخبرني هاشم بن هاشم ، سمعت سعيد بن المسيب ، سمعت سعدا يقول : نثل لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد وقال : " ارم ، فداك أبي وأمي " . [ ص: 102 ] أنبأنا به أحمد بن سلامة ، عن ابن كليب ، أنبأنا ابن بيان ، أنبأنا ابن مخلد ، أخبرنا إسماعيل الصفار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان فذكره . بسهم يا رسول الله قبلي القعنبي وخالد بن مخلد قالا : حدثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن عائشة قالت : أرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، فقال : " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة " . قالت : فسمعنا صوت السلاح ، فقال رسول الله : من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص : أنا يا رسول الله جئت أحرسك ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعت غطيطه . |
أبو بكر الحنفي عبد الكبير : حدثنا بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد أن أباه سعدا ، كان في غنم له ، فجاء ابنه عمر ، فلما رآه قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فلما انتهى إليه ، قال : يا أبة أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك ، والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ، فضرب صدر عمر ، وقال : اسكت ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله - عز وجل - يحب العبد التقي الغني الخفي " .
روح والأنصاري ، واللفظ له : أنبأنا ابن عون ، عن محمد بن محمد بن الأسود ، عن عامر بن سعد قال : قال سعد : لقد رأيت رسول الله [ ص: 103 ] - صلى الله عليه وسلم - ضحك يوم الخندق ، حتى بدت نواجذه . كان رجل معه ترس ، وكان سعد راميا ، فجعل يقول كذا يحوي بالترس ، ويغطي جبهته . فنزع له سعد بسهم ، فلما رفع رأسه ، رماه فلم يخط هذه منه - يعني جبهته - فانقلب وأشال برجله ، فضحك رسول الله من فعله حتى بدت نواجذه . يحيى القطان وجماعة : عن صدقة بن المثنى ، حدثني جدي رياح بن الحارث ، أن المغيرة كان في المسجد الأكبر ، وعنده أهل الكوفة ، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة ، فسب ، وسب ، فقال سعيد بن زيد : من يسب هذا يا مغيرة ؟ قال : يسب علي بن أبي طالب ، قال : يا مغير بن شعيب ، يا مغير بن شعيب ، ألا تسمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسبون عندك ، ولا تنكر ولا تغير ؟ فأنا أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما سمعت أذناي ، ووعاه قلبي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني لم أكن أروي عنه كذبا ، إنه قال : " أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعلي في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة . وتاسع المؤمنين في الجنة " ، ولو شئت أن أسميه لسميته ، فضج أهل المسجد يناشدونه : يا صاحب رسول الله ، من التاسع ؟ قال : ناشدتموني بالله والله عظيم ، أنا هو ، والعاشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والله لمشهد شهده رجل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من عمل أحدكم ، ولو عمر ما عمر نوح . [ ص: 104 ] أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من طريق صدقة . شعبة : عن الحر : سمعت رجلا يقال له عبد الرحمن بن الأخنس قال : خطب المغيرة بن شعبة فنال من علي ، فقام سعيد بن زيد فقال : ما تريد إلى هذا . أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقال : " عشرة في الجنة : رسول الله في الجنة ، وأبو بكر في الجنة " . . . الحديث . الحر هو ابن الصياح . عبد الواحد بن زياد : عن الحسن بن عبيد الله ، حدثنا الحر ، بنحوه . ابن أبي فديك : حدثنا موسى بن يعقوب . عن عمر بن سعيد بن سريج أن عبد الرحمن بن حميد حدثه ، عن أبيه حميد بن عبد الرحمن ، حدثني سعيد بن زيد في نفر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " عشرة في الجنة : أبو بكر في الجنة ، وسمى فيهم أبا عبيدة " . [ ص: 105 ] ابن عيينة : عن سعير بن الخمس عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر : قال رسول الله : عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، ثم سمى العشرة . أخبرنا ابن أبي عمر وجماعة ، إذنا ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا هبة الله ، أنبأنا ابن المذهب ، حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن عبد الله بن ظالم قال : خطب المغيرة فنال من علي ، فخرج سعيد بن زيد فقال : ألا تعجب من هذا يسب عليا ، أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا كنا على حراء أو أحد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اثبت حراء أو أحد فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد " . فسمى النبي وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، وطلحة ، والزبير ، وسعدا ، وعبد الرحمن ، وسمى سعيد نفسه ، رضوان الله عليهم . وله طرق . ومنها : عاصم بن علي : حدثنا محمد بن طلحة ، عن أبيه ، عن هلال بن [ ص: 106 ] يساف ، عن سعيد نفسه ، وقال : اسكن حراء . أخبرنا ابن أبي الخير ، أنبأنا عبد الغني الحافظ ، في كتابه إلينا ، أنبأنا المبارك بن المبارك السمسار ، أنبأنا النعالي ، أنبأنا أبو القاسم بن المنذر ، أنبأنا إسماعيل الصفار ، حدثنا الدقيقي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن أبي بكر بن حزم قال : جاءت أروى بنت أويس إلى محمد بن عمرو بن حزم فقالت : إن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرة في حقي ، فأته ، فكلمه ، فوالله لإن لم يفعل ، لأصيحن به في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لها : لا تؤذي صاحب رسول الله ; ما كان ليظلمك ، ما كان ليأخذ لك حقا . فخرجت . فجاءت عمارة بن عمرو وعبد الله بن سلمة ، فقالت لهما : ائتيا سعيد بن زيد ، فإنه قد ظلمني ، وبنى ضفيرة في حقي ، فوالله لإن لم ينزع ، لأصيحن به في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فخرجا حتى أتياه في أرضه بالعقيق ، فقال لهما : ما أتى بكما ؟ قالا : جاء بنا أروى ، زعمت أنك بنيت ضفيرة في حقها ، وحلفت بالله لإن لم تنزع لتصيحن بك في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأحببنا أن نأتيك ، ونذكرك بذلك . فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أخذ شبرا من الأرض بغير حق ، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين " لتأتين ، فلتأخذ ما كان لها من حق ، اللهم إن كانت كذبت علي ، فلا تمتها حتى تعمي بصرها ، وتجعل منيتها فيها . ارجعوا فأخبروها بذلك ، فجاءت ، فهدمت الضفيرة ، وبنت بيتا ، فلم تمكث إلا قليلا حتى [ ص: 107 ] عميت ، وكانت تقوم من الليل ، ومعها جارية تقودها ، فقامت ليلة ، ولم توقظ الجارية ، فسقطت في البئر ، فماتت . هذا يؤخر إلى ترجمة سعيد بن زيد . أحمد في " مسنده " حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده ، عن سعد قال : رأيت رجلين عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويساره يوم أحد ، عليهما ثياب بيض ، يقاتلان عنه كأشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد . الثوري : عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود قال : اشتركت أنا ، وسعد ، وعمار ، يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة ، فجاء [ ص: 108 ] سعد بأسيرين ، ولم أجئ أنا وعمار بشيء . شريك : عن أبي إسحاق قال : أشد الصحابة أربعة : عمر ، وعلي ، والزبير ، وسعد . أبو يعلى في " مسنده " حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الله بن قيس الرقاشي ، حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة " . فطلع سعد بن أبي وقاص . رشدين بن سعد عن الحجاج بن شداد ، عن أبي صالح الغفاري ، عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة " . فدخل سعد بن أبي وقاص . [ ص: 109 ] ابن وهب : أخبرني حيوة ، أخبرنا عقيل ، عن ابن شهاب ، حدثني من لا أتهم ، عن أنس قال : بينا نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فاطلع سعد . الثوري ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد ولا تطرد الذين يدعون ربهم قال : نزلت في ستة أنا وابن مسعود منهم . مسلمة بن علقمة : حدثنا داود بن أبي هند ، عن أبي عثمان أن سعدا قال : نزلت هذه الآية في وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما قال : كنت برا بأمي ، فلما أسلمت ، قالت : يا سعد ، ما هذا الدين الذي قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا ، أو لا آكل ، ولا أشرب ، حتى أموت ، فتعير بي ، فيقال : يا قاتل أمه ، قلت : لا تفعلي يا أمه ، إني لا أدع ديني هذا لشيء ، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة ، وأصبحت وقد جهدت ، فلما رأيت ذلك ، قلت : يا أمه ، تعلمين والله لو كان لك مائة نفس ، فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت ديني . إن شئت فكلي أو لا تأكلي . [ ص: 110 ] فلما رأت ذلك أكلت . رواه أبو يعلى في " مسنده . " مجالد : عن الشعبي ، عن جابر قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل سعد بن مالك فقال رسول الله : " هذا خالي ، فليرني امرؤ خاله " . قلت : لأن أم النبي - صلى الله عليه وسلم - زهرية ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، ابنة عم أبي وقاص . يحيى القطان عن الجعد بن أوس ، حدثتني عائشة بنت سعد قالت : قال سعد : اشتكيت بمكة ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني ، فمسح وجهي وصدري وبطني ، وقال : " اللهم اشف سعدا " فما زلت يخيل إلي أني أجد برد يده - صلى الله عليه وسلم - على كبدي حتى الساعة . [ ص: 111 ] أخرجه البخاري والنسائي . أحمد في " مسنده " : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : جلسنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ، ورققنا . فبكى سعد بن أبي وقاص ، فأكثر البكاء . فقال : يا ليتني مت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا سعد ، أتتمنى الموت عندي ؟ " فردد ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : " يا سعد ، إن كنت خلقت للجنة ، فما طال عمرك أو حسن من عملك ، فهو خير لك " . محمد بن الوليد البسري ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل ، عن قيس أخبرني سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم استجب لسعد إذا دعاك " . رواه جعفر بن عون ، عن إسماعيل ، عن قيس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله . [ ص: 112 ] عبد الرحمن بن مغراء : عن سعيد بن المرزبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد : " اللهم استجب لسعد " ثلاث مرات . ابن وهب : حدثني أبو صخر ، عن يزيد بن قسيط ، عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص ، حدثني أبي : أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد : ألا تأتي ندعو الله تعالى ، فخلوا في ناحية ، فدعا سعد ، فقال : يا رب ، إذا لقينا العدو غدا ، فلقني رجلا شديدا بأسه ، شديدا حرده ، أقاتله ، ويقاتلني ، ثم ارزقني الظفر عليه ، حتى أقتله وآخذ سلبه . فأمن عبد الله ، ثم قال : اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه ، شديدا حرده ، فأقاتله ، ويقاتلني ، ثم يأخذني ، فيجدع أنفي وأذني ، فإذا لقيتك غدا قلت لي : يا عبد الله ، فيم جدع أنفك وأذناك ؟ فأقول : فيك وفي رسولك ، فتقول : صدقت . قال سعد : كانت دعوته خيرا من دعوتي ، فلقد رأيته آخر النهار ، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط . أبو عوانة وجماعة ، حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة قال : [ ص: 113 ] شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر ، فقالوا : إنه لا يحسن أن يصلي . فقال سعد : أما أنا ، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ، صلاتي العشي لا أخرم منها ، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين . فقال عمر : ذاك الظن بك يا أبا إسحاق . فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة ، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة ، إلا قالوا خيرا ، حتى أتوا مسجدا لبني عبس ، فقال رجل يقال له أبو سعدة : أما إذ نشدتمونا بالله ، فإنه كان لا يعدل في القضية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يسير بالسرية ، فقال سعد : اللهم إن كان كاذبا ، فأعم بصره ، وأطل عمره ، وعرضه للفتن . قال عبد الملك : فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك . فإذا سئل كيف أنت ؟ يقول : كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد . متفق عليه . |
محمد بن جحادة : حدثنا الزبير بن عدي ، عن مصعب بن سعد أن سعدا خطبهم بالكوفة فقال : يا أهل الكوفة ، أي أمير كنت لكم ؟ فقام رجل فقال : اللهم ، إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية ، ولا تقسم بالسوية ، ولا تغزو في السرية ، فقال سعد : اللهم إن كان كاذبا ، فأعم بصره ، وعجل فقره ، وأطل عمره ، وعرضه للفتن . [ ص: 114 ] قال : فما مات حتى عمي ، فكان يلتمس الجدرات ، وافتقر حتى سأل ، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها .
عمرو بن مرزوق : حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن سعيد بن المسيب قال : خرجت جارية لسعد عليها قميص جديد ، فكشفتها الريح ، فشد عمر عليها بالدرة ، وجاء سعد ليمنعه ، فتناوله بالدرة ، فذهب سعد يدعو على عمر ، فناوله الدرة وقال : اقتص . فعفا عن عمر . أسد بن موسى : حدثنا يحيى بن زكريا ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس قال : كان لابن مسعود على سعد مال : فقال له ابن مسعود : أد المال . قال : ويحك مالي ، ولك ؟ قال : أد المال الذي قبلك . فقال سعد : والله إني لأراك لاق مني شرا ، هل أنت إلا ابن مسعود وعبد بني هذيل . قال : أجل والله ، وإنك لابن حمنة . فقال لهما هاشم بن عتبة : إنكما صاحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليكما الناس . فطرح سعد عودا كان في يده ، ثم رفع يده ، فقال : اللهم رب السماوات . فقال له عبد الله : قل قولا ولا تلعن ، فسكت ، ثم قال سعد : أما والله لولا اتقاء الله ، لدعوت عليك دعوة لا تخطئك . [ ص: 115 ] رواه ابن المديني ، عن سفيان ، عن إسماعيل وكان قد أقرضه شيئا من بيت المال . ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد ، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية ونصر الله دينه . ونزل سعد بالمدائن ، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء فكان النصر على يده ، واستأصل الله الأكاسرة . فروى زياد البكائي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : قال ابن عم لنا يوم القادسية : ألم تر أن الله أنزل نصره وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة فلما بلغ سعدا قال : اللهم اقطع عني لسانه ويده . فجاءت نشابة أصابت فاه ، فخرس ، ثم قطعت يده في القتال . وكان في جسد سعد قروح ، فأخبر الناس بعذره عن شهود القتال . ونسوة سعد ليس فيهن أيم وروى نحوه سيف بن عمر ، عن عبد الملك . هشيم : عن أبي مسلم ، عن مصعب بن سعد ، أن رجلا نال من علي ، [ ص: 116 ] فنهاه سعد ، فلم ينته ، فدعا عليه . فما برح حتى جاء بعير ناد فخبطه حتى مات . ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " وروى نحوها الزبير بن بكار ، عن إبراهيم بن حمزة ، عن أبي أسامة ، عن ابن عون ، عن محمد بن محمد الزهري ، عن عامر بن سعد . وحدث بها أبو كريب عن أبي أسامة . ورواها ابن حميد ، عن ابن المبارك ، عن ابن عون ، عن محمد بن محمد بن الأسود . وقرأتها على عمر بن القواس ، عن الكندي ، أنبأنا أبو بكر القاضي ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، حضورا ، أنبأنا ابن ماسي أنبأنا أبو مسلم ، حدثنا الأنصاري ، حدثنا ابن عون ، وحدث بها ابن علية ، عن محمد بن محمد . ورواها ابن جدعان : عن ابن المسيب أن رجلا كان يقع في علي وطلحة والزبير ، فجعل سعد ينهاه ويقول : لا تقع في إخواني ، فأبى ، فقام سعد ، وصلى ركعتين ودعا ، فجاء بختي يشق الناس ، فأخذه بالبلاط ، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه ، فأنا رأيت الناس يتبعون سعدا يقولون : هنيئا لك يا أبا إسحاق ، استجيبت دعوتك . [ ص: 117 ] قلت : في هذا كرامة مشتركة بين الداعي والذين نيل منهم . جرير الضبي : عن مغيرة ، عن أمه قالت : زرنا آل سعد ، فرأينا جارية كأن طولها شبر . قلت : من هذه ؟ قالوا : ما تعرفينها ؟ هذه بنت سعد ، غمست يدها في طهوره ، فقال : قطع الله قرنك ، فما شبت بعد . وروى عبد الرزاق : عن أبيه ، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، أن امرأة كانت تطلع على سعد ، فينهاها ، فلم تنته ، فاطلعت يوما وهو يتوضأ ، فقال : شاه وجهك ، فعاد وجهها في قفاها . مينا : متروك . حاتم بن إسماعيل : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال : دعا سعد بن أبي وقاص فقال : يا رب ، بني صغار ، فأخر عني الموت حتى يبلغوا ، فأخر عنه الموت عشرين سنة . قال خليفة بن خياط : وفي سنة خمس عشرة وقعة القادسية ، وعلى المسلمين سعد ، وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا أميرهم إلى عمر ، فعزله . [ ص: 118 ] وقال الليث بن سعد : كان فتح جلولاء سنة تسع عشرة ، افتتحها سعد بن أبي وقاص . قلت : قتل المجوس يوم جلولاء قتلا ذريعا ، فيقال : بلغت الغنيمة ثلاثين ألف ألف درهم . وعن أبي وائل قال : سميت جلولاء فتح الفتوح . قال الزهري : لما استخلف عثمان ، عزل عن الكوفة المغيرة ، وأمر عليها سعدا . وروى حصين ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر أنه لما أصيب ، جعل الأمر شورى في الستة وقال : من استخلفوه فهو الخليفة بعدي ، وإن أصابت سعدا ، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي ، فإنني لم أنزعه ، يعني عن الكوفة ، من ضعف ولا خيانة . ابن علية : حدثنا أيوب ، عن محمد قال : نبئت أن سعدا قال : ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة ، جاهدت وأنا أعرف بالجهاد ، ولا أبخع نفسي إن كان رجلا خيرا مني ، لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان ، فيقول : هذا مؤمن وهذا كافر . [ ص: 119 ] وتابعه معمر ، عن أيوب . أخبرنا أبو الغنائم القيسي ، وجماعة ، كتابة ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا هبة الله ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا كثير بن زيد ، عن المطلب ، عن عمر بن سعد ، عن أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال : أي بني ، أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا ؟ لا والله ، حتى أعطى سيفا ، إن ضربت به مسلما ، نبا عنه ، وإن ضربت كافرا قتله ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله يحب الغني الخفي التقي " . الزبير : حدثنا محمد بن الضحاك الحزامي ، عن أبيه قال : قام علي على منبر الكوفة ، فقال حين اختلف الحكمان : لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة ، فعصيتموني . فقام إليه فتى آدم ، فقال : إنك والله ما نهيتنا ، بل أمرتنا وذمرتنا فلما كان منها ما تكره ، برأت نفسك ، ونحلتنا ذنبك . فقال علي - رضي الله عنه - : ما أنت وهذا الكلام قبحك الله ! والله لقد كانت الجماعة ، فكنت فيها خاملا ، فلما ظهرت الفتنة ، نجمت فيها نجوم [ ص: 120 ] قرن الماعز . ثم التفت إلى الناس فقال : لله منزل نزله سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، والله لإن كان ذنبا ، إنه لصغير مغفور ، ولإن كان حسنا ، إنه لعظيم مشكور . أبو نعيم : حدثنا أبو أحمد الحاكم ، حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا محمد بن جحادة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن حسين بن خارجة الأشجعي قال : لما قتل عثمان ، أشكلت علي الفتنة ، فقلت : اللهم أرني من الحق أمرا أتمسك به ، فرأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما حائط ، فهبطت الحائط ، فإذا بنفر ، فقالوا : نحن الملائكة ، قلت : فأين الشهداء ؟ قالوا : اصعد الدرجات ، فصعدت درجة ثم أخرى ، فإذا محمد وإبراهيم - صلى الله عليهما - وإذا محمد يقول لإبراهيم : استغفر لأمتي ، قال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم أهراقوا دماءهم ، وقتلوا إمامهم ، ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد ؟ قال : قلت : لقد رأيت رؤيا ، فأتيت سعدا ، فقصصتها عليه ، فما أكثر فرحا ، وقال : قد خاب من لم يكن إبراهيم - عليه السلام - خليله ، قلت : مع أي الطائفتين أنت ؟ قال : ما أنا مع واحد منهما ، قلت : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قلت : لا ، قال : فاشتر غنما ، فكن فيها حتى تنجلي . أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو محمد بن قدامة ، أنبأنا هبة الله [ ص: 121 ] ابن الحسن ، أنبأنا عبد الله بن علي الدقاق ، أخبرنا علي بن محمد ، أنبأنا محمد بن عمرو ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه ، فأتاني رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، يعودني ، فقلت : " يا رسول الله ، إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثني إلا ابنة ، أفأوصي بمالي كله ؟ قال : لا ، قلت : فالشطر ، قال : لا ، قلت : فالثلث ، قال : والثلث كثير ، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ، لعلك تؤخر على جميع أصحابك ، وإنك لن تنفق نفقة تريد بها وجه الله ، إلا أجرت فيها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك ، قلت : يا رسول الله إني أرهب أن أموت بأرض هاجرت منها ، قال : لعلك أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة " ، يرثي له أنه مات بمكة . متفق عليه من طرق عن الزهري . [ ص: 122 ] وعن علي بن زيد : عن الحسن قال : لما كان الهيج في الناس ، جعل رجل يسأل عن أفاضل الصحابة ، فكان لا يسأل أحدا إلا دله على سعد بن مالك . وروى عمر بن الحكم : عن عوانة قال : دخل سعد على معاوية ، فلم يسلم عليه بالإمرة ، فقال معاوية : لو شئت أن تقول غيرها لقلت ، قال : فنحن المؤمنون ولم نؤمرك ، فإنك معجب بما أنت فيه ، والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه وأني هرقت محجمة دم . قلت : اعتزل سعد الفتنة ، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم ، ولقد كان أهلا للإمامة ، كبير الشأن ، رضي الله عنه . روى نعيم بن حماد ، حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين أن سعد بن أبي وقاص طاف على تسع جوار في ليلة ، ثم استيقظت العاشرة لما أيقظها ، فنام هو ، فاستحيت أن توقظه . حماد بن سلمة : عن سماك ، عن مصعب بن سعد أنه قال : كان رأس أبي في حجري ، وهو يقضي ، فبكيت ، فرفع رأسه إلي ، فقال : أي بني ما يبكيك ؟ قلت : لمكانك وما أرى بك . قال : لا تبك ; فإن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة . قلت : صدق والله ، فهنيئا له . الليث ، عن عقيل ، عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما احتضر ، دعا بخلق جبة صوف ، فقال : كفنوني فيها ; فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر ، [ ص: 123 ] وإنما خبأتها لهذا اليوم . ابن سعد : أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا فروة بن زبيد عن عائشة بنت سعد قالت : أرسل أبي إلى مروان بزكاته خمسة آلاف ، وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفا . قال الزبير بن بكار : كان سعد قد اعتزل في آخر عمره ، في قصر بناه بطرف حمراء الأسد . وعن أم سلمة أنها قالت : لما مات سعد ، وجيء بسريره ، فأدخل عليها ، جعلت تبكي وتقول : بقية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم . النعمان بن راشد : عن الزهري ، عن عامر بن سعد قال : كان سعد آخر المهاجرين وفاة . قال المدائني ، وأبو عبيدة ، وجماعة : توفي سنة خمس وخمسين [ ص: 124 ] وروى نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد أن سعدا مات وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ، في سنة ست وخمسين ، وقيل : سنة سبع . وقال أبو نعيم الملائي : سنة ثمان وخمسين وتبعه قعنب بن المحرز . والأول هو الصحيح . وقع له في " مسند بقي بن مخلد " مائتان وسبعون حديثا . فمن ذاك في الصحيح ثمانية وثلاثون حديثا . |
سعيد بن زيد ( ع )
ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب ، أبو الأعور القرشي العدوي . أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن السابقين الأولين البدريين ، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه . شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشهد حصار دمشق وفتحها ، فولاه [ ص: 125 ] عليها أبو عبيدة بن الجراح ، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة . وله أحاديث يسيرة . فله حديثان في الصحيحين . وانفرد البخاري له بحديث . روى عنه ابن عمر ، وأبو الطفيل ، وعمرو بن حريث ، وزر بن حبيش ، وأبو عثمان النهدي ، وعروة بن الزبير ، وعبد الله بن ظالم ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وطائفة . قرأت على أحمد بن عبد الحميد ، أخبركم الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ثمان عشرة وست مائة ، أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة ، بقراءتي ، أنبأنا طراد بن محمد الزينبي ، أنبأنا ابن رزقويه ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى الطائي ، سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عمرو بن حريث ، عن سعيد بن زيد بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل ، وماؤها شفاء للعين " . أخرجه البخاري من طريق ابن عيينة ، فوقع لنا بدلا عاليا . [ ص: 126 ] قرأت على علي بن عيسى التغلبي ، أخبركم محمد بن إبراهيم الصوفي سنة عشرين وست مائة ، أنبأنا أبو طاهر السلفي ، أنبأنا عبد الله الثقفي ، أنبأنا أحمد بن الحسن ، أنبأنا حاجب بن أحمد ، حدثنا عبد الرحيم ، هو ابن منيب ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن طلحة عن سعيد بن زيد يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد " . هذا حديث صالح الإسناد ، لكنه فيه انقطاع ; لأن طلحة بن عبد الله بن عوف لم يسمعه من سعيد . رواه مالك ، ويونس ، وجماعة ، عن الزهري فأدخلوا بين طلحة وسعيد : عبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري . أخرجه البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري . كان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام ، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم ، فرأى النصارى واليهود ، فكره دينهم ، [ ص: 127 ] وقال : اللهم إني على دين إبراهيم ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم - عليه السلام - كما ينبغي ، ولا رأى من يوقفه عليها ، وهو من أهل النجاة ، فقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يبعث أمة وحده وهو ابن عم الإمام عمر بن الخطاب ، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعش حتى بعث . فنقل يونس بن بكير ، وهو من أوعية العلم بالسير ، عن محمد بن إسحاق قال : قد كان نفر من قريش : زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وعثمان بن الحارث بن أسد ، وعبيد الله بن جحش ، وأميمة ابنة عبد المطلب حضروا قريشا عند وثن لهم ، كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم ، فلما اجتمعوا ، خلا أولئك النفر بعضهم إلى بعض ، وقالوا : تصادقوا وتكاتموا ، فقال قائلهم : تعلمن والله ما قومكم على شيء ، لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه ، فما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع ، فابتغوا لأنفسكم . قال : فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض ، يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتطلبون الحنيفية ، فأما ورقة فتنصر ، واستحكم في النصرانية ، وحصل الكتب ، وعلم علما كثيرا ، ولم يكن فيهم أعدل شأنا من زيد ; اعتزل الأوثان والملل إلا دين إبراهيم ، يوحد الله - تعالى - ولا يأكل من ذبائح قومه ، وكان الخطاب عمه قد آذاه ، فنزح عنه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء ، فوكل به الخطاب شبابا سفهاء لا يدعونه يدخل مكة ، فكان لا يدخلها إلا سرا . وكان الخطاب أخاه أيضا من أمه ، فكان يلومه على فراق دينه . فسار زيد إلى الشام والجزيرة والموصل يسأل عن الدين . [ ص: 128 ] أخبرنا يوسف بن أحمد بن أبي بكر الحجار ، أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البنا ، ( ح ) وأنبأنا أحمد بن المؤيد ، أنبأنا الحسن بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني . وقرأت على عمر بن المنعم ، في سنة ثلاث وتسعين ، عن أبي اليمن الكندي ، إجازة في سنة ثمان وست مائة ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله ، قالوا : أنبأنا محمد بن محمد الزينبي ، أنبأنا محمد بن عمر الوراق ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا عيسى بن حماد ، أنبأنا الليث بن سعد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش ، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري . وكان يحيي الموءودة ، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : مه ! لا تقتلها . أنا أكفيك مؤنتها ، فيأخذها ، فإذا ترعرعت ، قال لأبيها : إن شئت ، دفعتها إليك ، وإن شئت ، كفيتك مؤنتها . هذا حديث صحيح غريب ، تفرد به الليث ; وإنما يرويه عن هشام كتابة ، وقد علقه البخاري في " صحيحه " فقال : وقال الليث : كتب إلي هشام ، فذكره . وقد سمعه ابن إسحاق من هشام . [ ص: 129 ] وعندي بالإسناد المذكور إلى الليث ، عن هشام نسخة ، فمن أنكر ما فيها : عن أبيه عروة أنه قال : مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب ، يلصق ظهره بالرمضاء وهو يقول : أحد أحد ، فقال ورقة : أحد أحد يا بلال ، صبرا يا بلال . لم تعذبونه ؟ فوالذي نفسي بيده ، لإن قتلتموه ، لأتخذنه حنانا . يقول : لأتمسحن به . هذا مرسل . وورقة لو أدرك هذا ، لعد من الصحابة ، وإنما مات الرجل في فترة الوحي بعد النبوة وقبل الرسالة كما في الصحيح . يونس بن بكير : عن ابن إسحاق ، حدثني هشام ، عن أبيه ، عن أسماء أن ورقة كان يقول : اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك ، عبدتك به ، ولكني لا أعلم ، ثم يسجد على راحته . يونس بن بكير ، وعدة : عن المسعودي ، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : مر زيد بن عمرو على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وزيد بن حارثة ، فدعواه إلى سفرة لهما ، فقال : يا ابن أخي ، إني لا آكل مما ذبح على النصب ، فما رئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك اليوم يأكل مما ذبح على النصب المسعودي ليس بحجة . أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ، عن يزيد ، عن المسعودي ، ثم زاد في آخره : قال سعيد فقلت : يا رسول الله ، إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له . قال : " نعم ، فأستغفر له ، فإنه [ ص: 130 ] يبعث أمة وحده " . وقد رواه إبراهيم الحربي قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو قطن ، عن المسعودي ، عن نفيل ، عن أبيه ، عن جده قال : مر زيد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبابن حارثة وهما يأكلان في سفرة فدعواه ، فقال : إني لا آكل مما ذبح على النصب . قال : وما رئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، آكلا مما ذبح على النصب . فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله ، وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل جواز ذلك ، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح [ ص: 131 ] قريش قبل الوحي ، وكان ذلك على الإباحة ; وإنما توصف ذبائحهم بالتحريم بعد نزول الآية ، كما أن الخمرة كانت على الإباحة ، إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد ، والذي لا ريب فيه أنه كان معصوما قبل الوحي ، وبعده وقبل التشريع من الزنا قطعا ، ومن الخيانة ، والغدر ، والكذب ، والسكر ، والسجود لوثن ، والاستقسام بالأزلام ، ومن الرذائل ، والسفه ، وبذاء اللسان ، وكشف العورة ، فلم يكن يطوف عريانا ، ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة ، بل كان يقف بعرفة . وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة ; لأنه كان لا يعرف ، ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - تسليما . أبو معاوية : عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دخلت الجنة ، فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين " . غريب . رواه الباغندي عن الأشج ، عنه . عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء قالت : رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول : [ ص: 132 ] ويحكم يا معشر قريش ، إياكم والزنا ; فإنه يورث الفقر . أبو الحسن المدائني : عن إسماعيل بن مجالد ، عن أبيه ، عن الشعبي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال : قال زيد بن عمرو : شاممت النصرانية واليهودية ، فكرهتهما ، فكنت بالشام ، فأتيت راهبا ، فقصصت عليه أمري ، فقال : أراك تريد دين إبراهيم - عليه السلام - يا أخا أهل مكة ، إنك لتطلب دينا ما يوجد اليوم ، فالحق ببلدك ، فإن الله يبعث من قومك من يأتي بدين إبراهيم ، بالحنيفية ، وهو أكرم الخلق على الله . وبإسناد ضعيف : عن حجير بن أبي إهاب قال : رأيت زيد بن عمرو يراقب الشمس ، فإذا زالت ، استقبل الكعبة ، فصلى ركعة ، وسجد سجدتين . وأنشد الضحاك بن عثمان الحزامي لزيد : وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا إذا سقيت بلدة من بلاد وروى هشام بن عروة فيما نقله عنه ابن أبي الزناد ، أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام . فلما بلغه خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أقبل يريده ، فقتله أهل ميفعة بالشام . سيقت إليها فسحت سجالا وأسلمت نفسي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا [ ص: 133 ] دحاها فلما استوت شدها سواء وأرسى عليها الجبالا وروى الواقدي أنه مات فدفن بأصل حراء ، وقال ابن إسحاق : قتل ببلاد لخم . عبد العزيز بن المختار : أنبأنا موسى بن عقبة ، أخبرني سالم ، سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه لقي زيد بن عمرو أسفل بلدح قبل الوحي . فقدم إلى زيد سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل ، وقال : لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه . أخرجه البخاري وزاد في آخره : وكان يعيب على قريش ويقول : الشاة خلقها الله ، وأنزل لها من السماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ؟ . أبو أسامة وغيره قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، [ ص: 134 ] عن أسامة بن زيد ، عن زيد بن حارثة قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ، فذبحنا له - ضمير له راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - شاة ، ووضعناها في التنور ، حتى إذا نضجت ، جعلناها في سفرتنا ، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير ، وهو مردفي ، في أيام الحر ، حتى إذا كنا بأعلى الوادي ، لقي زيد بن عمرو ، فحيى أحدهما الآخر ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ، أي : أبغضوك ؟ قال : أما والله إن ذلك مني لغير نائرة كانت مني إليهم ، ولكني أراهم على ضلالة ، فخرجت أبتغي الدين ، حتى قدمت على أحبار أيلة ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، فدللت على شيخ بالجزيرة ، فقدمت عليه ، فأخبرته ، فقال : إن كل من رأيت في ضلالة ، إنك لتسأل عن دين هو دين الله وملائكته ، وقد خرج في أرضك نبي ، أو هو خارج ، ارجع إليه ، واتبعه . فرجعت ، فلم أحس شيئا ، فأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعير ، ثم قدمنا إليه السفرة ، فقال : ما هذه ؟ قلنا : شاة ذبحناها للنصب كذا . قال : فقال إني لا آكل مما ذبح لغير الله ، ثم تفرقا ، ومات زيد قبل المبعث ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يأتي أمة وحده " . رواه إبراهيم الحربي في " الغريب " عن شيخين له ، عن أبي أسامة ، ثم قال : في ذبحها على النصب وجهان : إما أن زيدا فعله عن غير أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه كان معه ، فنسب ذلك إليه ; لأن زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق [ ص: 135 ] ما أعطاه الله لنبيه ، وكيف يجوز ذلك وهو - عليه السلام - قد منع زيدا أن يمس صنما ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ، هذا محال . |
الثاني : أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده .
قلت : هذا حسن ; فإنما الأعمال بالنية ، أما زيد ، فأخذ بالظاهر ، وكان الباطن لله ، وربما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإفصاح خوف الشر ، فإنا مع علمنا بكراهيته للأوثان ، نعلم أيضا أنه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها بين قريش ، ولا معلنا بمقتها قبل المبعث ، والظاهر أن زيدا - رحمه الله - توفي قبل المبعث ، فقد نقل ابن إسحاق أن ورقة بن نوفل رثاه بأبيات ، وهي : رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما تجنبت تنورا من النار حاميا نعم ، وعد عروة سعيد بن زيد في البدريين فقال : قدم من الشام بعد بدر ، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فضرب له بسهمه وأجره وكذلك قال موسى بن [ ص: 136 ] عقبة وابن إسحاق . بدينك ربا ليس رب كمثله وتركك أوثان الطواغي كما هيا وإدراكك الدين الذي قد طلبته ولم تك عن توحيد ربك ساهيا فأصبحت في دار كريم مقامها تعلل فيها بالكرامة لاهيا وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ولو كان تحت الأرض سبعين واديا وامرأته هي ابنة عمه فاطمة ، أخت عمر بن الخطاب . أسلم سعيد قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم . وأخرج البخاري من ثلاثة أوجه ، عن إسماعيل ، عن قيس بن أبي حازم قال : قال سعيد بن زيد : لقد رأيتني ، وإن عمر لموثقي على الإسلام وأخته ، ولو أن أحدا انقض بما صنعتم بعثمان لكان حقيقا . وقد ذكرنا في إسلام عمر فصلا في المعنى . وذكر ابن سعد في " طبقاته " عن الواقدي ، عن رجاله قالوا : لما تحين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصول عير قريش من الشام ، بعث طلحة وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر ، يتحسسان خبر العير ، فبلغا الحوراء ، فلم يزالا مقيمين هناك ، حتى مرت بهم العير ، فتساحلت ، فبلغ نبي الله الخبر قبل [ ص: 137 ] مجيئهما ، فندب أصحابه ، وخرح يطلب العير ، فتساحلت وساروا الليل والنهار ، ورجع طلحة وسعيد ليخبرا ، فوصلا المدينة يوم الوقعة ، فخرجا يؤمانه ، وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمهما وأجورهما ، وشهد سعيد أحدا والخندق والحديبية والمشاهد . وقد تقدمت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة ، وأنه من الشهداء . قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر أنهما في الجنة ، فقال : نعم ، اذهب إلى حديث سعيد بن زيد . هشام بن عروة ، عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت أن سعيد بن زيد أخذ شيئا من أرضها ، فخاصمته إلى مروان ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله ؟ سمعته يقول : " من أخذ شيئا من الأرض طوقه إلى سبع أرضين " قال مروان : لا أسألك بينة بعد هذا ، فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة ، فأعم بصرها ، واقتلها في أرضها . فما ماتت حتى عميت ، وبينا هي تمشي في أرضها ، إذ وقعت في حفرة فماتت . أخرجه مسلم . وروى عبد العزيز بن أبي حازم ، عن العلاء بن عبد الرحمن [ ص: 138 ] نحوه عن أبيه . وروى المغيرة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، نحوه . وقال ابن أبي حازم في حديثه : سألت أروى سعيدا أن يدعو لها ، وقالت : قد ظلمتك . فقال : لا أرد على الله شيئا أعطانيه . قلت : لم يكن سعيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة ; وإنما تركه عمر رضي الله عنه ؛ لئلا يبقى له فيه شائبة حظ ; لأنه ختنه وابن عمه ، ولو ذكره في أهل الشورى لقال الرافضي : حابى ابن عمه . فأخرج منها ولده وعصبته . فكذلك فليكن العمل لله . خالد الطحان : عن عطاء بن السائب . عن محارب بن دثار قال : كتب [ ص: 139 ] معاوية إلى مروان والي المدينة ، ليبايع لابنه يزيد ، فقال رجل من جند الشام : ما يحبسك ؟ قال : حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع ، فإنه سيد أهل البلد ، وإذا بايع ، بايع الناس ، قال : أفلا أذهب فآتيك به ؟ وذكر الحديث . أنبئنا وأخبرنا عن حنبل سماعا ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حصين ومنصور ، عن هلال بن يساف ، عن سعيد بن زيد - وقال حصين : عن ابن ظالم ، عن سعيد بن زيد - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اسكن حراء ; فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " . وعليه النبي ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن ، وسعيد بن زيد . ابن سعد : أنبأنا أبو ضمرة ، عن يحيى بن سعيد ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر أنه استصرخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعدما ارتفع النهار ، فأتاه ابن عمر بالعقيق ، وترك الجمعة . أخرجه البخاري . وقال إسماعيل بن أمية : عن نافع قال : مات سعيد بن زيد وكان يذرب . [ ص: 140 ] فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر : أتحنطه بالمسك ؟ فقال : وأي طيب أطيب من المسك ! فناولته مسكا . سليمان بن بلال حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن عائشة بنت سعد قالت : مات سعيد بن زيد بالعقيق ، فغسله سعد بن أبي وقاص ، وكفنه ، وخرج معه . وروى غير واحد ، عن مالك قال : مات سعيد بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص بالعقيق . قال الواقدي : توفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين ، وهو ابن بضع وسبعين سنة ، وقبر بالمدينة . نزل في قبره سعد ، وابن عمر ، وكذا قال أبو عبيد ، ويحيى بن بكير ، وشهاب . قال الواقدي : كان سعيد رجلا ، آدم ، طويلا ، أشعر . وقد شذ الهيثم بن عدي فقال : مات بالكوفة . وقال عبيد الله بن سعد الزهري : مات سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنه . فهذا ما تيسر من سيرة العشرة ، وهم أفضل قريش ، وأفضل السابقين المهاجرين ، وأفضل البدريين ، وأفضل أصحاب الشجرة ، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة . فأبعد الله الرافضة ، ما أغواهم وأشد هواهم ، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة حقهم ، وافتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة . فوالله ما جرى من ذلك شيء ، وإنهم زوروا الأمر عنه بزعمهم ، وخالفوا نبيهم ، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم يتجر ويتكسب ، [ ص: 141 ] لا لرغبة في أمواله ولا لرهبة من عشيرته ورجاله ، ويحك ! أيفعل هذا من له مسكة عقل ؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة ، ولو جاز وقوعه من جماعة ، لاستحال وقوعه ، والحالة هذه ، من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار ، وفرسان الأمة ، وأبطال الإسلام ، لكن لا حيلة في برء الرفض ; فإنه داء مزمن ، والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، فلا قوة إلا بالله . حديث مشترك ، وهو منكر جدا . رواه الطبراني في " المعجم الكبير " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، وقال أبو عمرو بن حمدان : حدثنا الحسن بن سفيان ، في مسنده ، قالا : حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد المؤمن بن عباد العبدي ، حدثنا يزيد بن معن ، حدثني عبد الله بن شرحبيل ، عن رجل من قريش ، عن زيد بن أبي أوفى - رضي الله عنه - ، قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد المدينة ، فجعل يقول : " أين فلان ، أين فلان ؟ فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا ، فقال : إني محدثكم بحديث فاحفظوه ، وعوه : إن الله اصطفى من خلقه خلقا يدخلهم الجنة ، وإني مصطف منكم ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة . قم يا أبا بكر ، فقام ، فقال : إن لك عندي يدا ، إن الله يجزيك بها ، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك ، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي ، ادن يا عمر ، فدنا ، فقال : قد كنت شديد الشغب علينا ، فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل ، ففعل الله بك ذلك ، وأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة ، ثم آخى بينه وبين أبي بكر ، ثم دعا عثمان ، فلم يزل يدنيه حتى ألصق ركبته بركبته ، ثم نظر إلى السماء ، فسبح ثلاثا ، ثم قال : إن لك شأنا في أهل السماء ، أنت ممن يرد علي الحوض ، وأوداجه تشخب . فأقول : [ ص: 142 ] من فعل بك هذا ؟ فتقول : فلان ، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن يا أمين الله ، والأمين في السماء ، يسلطك الله على مالك بالحق ، أما إن لك عندي دعوة قد أخرتها ، قال : خر لي يا رسول الله . قال : حملتني أمانة ، أكثر الله مالك ، وآخى بينه وبين عثمان ، ثم دعا طلحة والزبير ، فدنوا منه ، فقال : أنتما حواري كحواري عيسى ، وآخى بينهما ، ثم دعا سعدا وعمارا . فقال : يا عمار ، تقتلك الفئة الباغية ، ثم آخى بينهما ، ثم دعا أبا الدرداء وسلمان ، فقال : يا سلمان ، أنت منا أهل البيت ، وقد آتاك الله العلم الأول والعلم الآخر ، يا أبا الدرداء ، إن تنقدهم ينقدوك ، وإن تتركهم يتركوك ، وإن تهرب منهم يدركوك ، فأقرضهم عرضك ليوم فقرك ، ثم آخى بينهما ، ثم نظر إلى ابن عمر ، فقال : الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ، فقال علي : يا رسول الله ، ذهب روحي ، وانقطع ظهري حين تركتني . قال : ما أخرتك إلا لنفسي ، وأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ، ووارثي . قال : ما أرث منك ؟ قال : كتاب الله وسنة نبيه ، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة " . وتلا إخوانا على سرر متقابلين . زيد لا يعرف إلا في هذا الحديث الموضوع . وقد رواه محمد بن جرير الطبري ، [ ص: 143 ] عن حسين الدارع ، عن عبد المؤمن . فأسقط منه عن رجل . وقال محمد بن الجهم السمري حدثنا عبد الرحيم بن واقد ، حدثنا شعيب بن يونس ، حدثنا موسى بن صهيب ، عن يحيى بن زكريا ، عن عبد الله بن شرحبيل . عن رجل ، عن زيد . ورواه مطين مختصرا ، حدثنا ثابت بن يعقوب ، حدثنا ثابت بن حماد النصري ، عن موسى بن صهيب ، عن عبادة بن نسي ، عن عبد الله بن أبي أوفى . وقال الحسن بن علي الحلواني : حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا أبو عبد الله الباهلي - يقال اسمه جعفر بن مرزوق - عن غياث بن شقير ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن سعيد بن عامر الجمحي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : يا أبا بكر ، تعال ، ويا عمر ، تعال . وذكر حديث المؤاخاة ، إلا أنه خالف في أسماء الإخوان ، وزاد ونقص منهم . تفرد به شبابة ولا يصح . والمحفوظ أنه آخى بين المهاجرين والأنصار ، ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء . لسعيد بن زيد ثمانية وأربعون حديثا ، اتفقا له على حديثين . وانفرد البخاري بثالث . |
السابقون الأولون
هم : خديجة بنت خويلد ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وزيد بن حارثة النبوي ، ثم عثمان ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف ، ثم أبو عبيدة بن الجراح ، وأبو سلمة بن عبد الأسد ، والأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله بن عمر ، المخزوميان ، وعثمان بن مظعون الجمحي ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب المطلبي ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، وأسماء بنت الصديق ، وخباب بن الأرت الخزاعي ، حليف بني زهرة ، وعمير بن أبي وقاص ، أخو سعد ، وعبد الله بن مسعود الهذلي ، من حلفاء بني زهرة ، ومسعود بن ربيعة القارئ من البدريين . وسليط بن عمرو بن عبد شمس العامري ، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ، وامرأته أسماء بنت سلامة التميمية ، وخنيس بن حذافة السهمي ، وعامر بن ربيعة العنزي ، حليف آل الخطاب ، وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، حليف بني أمية ، وجعفر بن أبي طالب الهاشمي ، وامرأته أسماء بنت عميس ، وحاطب بن الحارث الجمحي ، وامرأته فاطمة بنت المجلل العامرية ، وأخوه خطاب ، وامرأته فكيهة بنت يسار ، وأخوهما معمر بن الحارث ، والسائب ولد عثمان بن مظعون ، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري ، وامرأته رملة بنت أبي عوف السهمية ، والنحام نعيم بن عبد الله العدوي ، وعامر بن فهيرة ، مولى الصديق . وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وامرأته أميمة بنت خلف الخزاعية ، وحاطب بن عمرو العامري ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمي ، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي اليربوعي ، حليف بني عدي ، وخالد ، وعامر ، وعاقل ، وإياس ، بنو البكير بن عبد ياليل الليثي ، [ ص: 145 ] حلفاء بني عدي ، وعمار بن ياسر بن عامر العنسي بنون ، حليف بني مخزوم ، وصهيب بن سنان بن مالك النمري ، الرومي المنشأ ، وولاؤه لعبد الله بن جدعان ، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري ، وأبو نجيح عمرو بن عبسة السلمي البجلي ، لكنهما رجعا إلى بلادهما . فهؤلاء الخمسون من السابقين الأولين . وبعدهم أسلم أسد الله حمزة بن عبد المطلب ، والفاروق عمر بن الخطاب ، عز الدين ، رضي الله عنهم أجمعين . |
مصعب بن عمير
ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب . السيد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري . قال البراء بن عازب : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ، فقلنا له : ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : هو مكانه ، وأصحابه على أثري . ثم [ ص: 146 ] أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر الأعمى وذكر الحديث . الأعمش : عن أبي وائل ، عن خباب قال : هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن نبتغي وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مضى لسبيله لم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير قتل يوم أحد ، ولم يترك إلا نمرة ، كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " غطوا رأسه ، واجعلوا على رجليه من الإذخر " ، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها . شعبة : عن سعد بن إبراهيم ، سمع أباه يقول : أتي عبد الرحمن بن عوف بطعام ، فجعل يبكي ، فقال : قتل حمزة ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوبا [ ص: 147 ] واحدا ، وقتل مصعب بن عمير ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوبا واحدا ، لقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا . وجعل يبكي . ابن إسحاق : حدثني يزيد بن زياد ، عن القرظي عمن سمع علي بن أبي طالب يقول : إنه استقى لحائط يهودي بملء كفه تمرا ، قال : فجئت المسجد فطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة بفروة ، وكان أنعم غلام بمكة وأرفه ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ذكر ما كان فيه من النعيم ، ورأى حاله التي هو عليها ، فذرفت عيناه عليه ، ثم قال : " أنتم اليوم خير أم إذا غدي على أحدكم بجفنة من خبز ولحم ؟ " فقلنا : نحن يومئذ خير ، نكفى المؤنة ، ونتفرغ للعبادة . فقال : " بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ " . [ ص: 148 ] ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان عن سعد بن مالك قال : كنا قبل الهجرة يصيبنا ظلف العيش وشدته ، فلا نصبر عليه ، فما هو إلا أن هاجرنا ، فأصابنا الجوع والشدة ، فاستضلعنا بهما ، وقوينا عليهما ، فأما مصعب بن عمير ، فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا ، فلما أصابه ما أصابنا ، لم يقو على ذلك ، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ، ولقد رأيته ينقطع به ، فما يستطيع أن يمشي ، فنعرض له القسي ثم نحمله على عواتقنا ، ولقد رأيتني مرة ، قمت أبول من الليل ، فسمعت تحت بولي شيئا يجافيه ، فلمست بيدي فإذا قطعة من جلد بعير ، فأخذتها ، فغسلتها حتى أنعمتها ، ثم أحرقتها بالنار ، ثم رضضتها فشققت منها ثلاث شقات ، فاقتويت بها ثلاثا . قال ابن إسحاق : وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتل ، قتله ابن قمئة الليثي ، وهو يظنه رسول الله ، فرجع إلى قريش ، فقال : قتلت محمدا . فلما قتل مصعب ، أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللواء علي بن أبي طالب ، ورجالا من المسلمين . |
شهداء يوم أحد
حمزة ، وعبد الله بن جحش الأسدي ، ابن أخت حمزة ، فدفنا في قبر ، وعثمان بن عثمان المخزومي ، لقبه شماس لملاحته . ومن الأنصار : عمرو بن معاذ الأوسي ، أخو سعد وابن أخيه الحارث بن أوس ، والحارث بن أنيس ، وعمارة بن زياد بن السكن ، ورفاعة بن وقش ، وابنا أخيه : عمرو وسلمة ابنا ثابت بن وقش ، وصيفي بن قيظي ، وأخوه جناب ، وعباد بن سهل ، وعبيد بن التيهان ، وحبيب بن زيد ، وإياس بن أوس ، الأشهليون ، واليمان والد حذيفة ، وزيد بن حاطب الظفري ، وأبو سفيان بن حارث بن قيس ، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر ، ومالك بن أمية ، وعوف بن عمرو ، وأبو حية بن عمرو ، وعبد الله بن جبير بن النعمان ، وخيثمة والد سعد ، وحليفه عبد الله ، وسبيع بن حاطب ، وحليفه مالك ، وعمير بن عدي ، فهؤلاء من الأوس . ومن الخزرج : عمرو بن قيس ، وولده قيس ، وثابت بن عمرو ، وعامر بن مخلد ، وأبو هبيرة بن الحارث ، وعمرو بن مطرف ، وإياس بن عدي ، وأوس بن ثابت والد شداد ، وأنس بن النضر ، وقيس بن مخلد ، النجاريون ، وكيسان مولى بني النجار ، وسليم بن الحارث ، ونعمان بن عبد عمرو . ومن بني الحارث بن الخزرج : خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وأوس بن أرقم ، ومالك والد أبي سعيد الخدري ، وسعيد بن سويد ، وعتبة بن ربيع ، [ ص: 150 ] وثعلبة بن سعد ، وثقف بن فروة ، وعبد الله بن عمرو ، وضمرة الجهني ، وعمرو بن إياس ، ونوفل بن عبد الله ، وعبادة بن الحسحاس ، وعباس بن عبادة ، ونعمان بن مالك ، والمجذر بن زياد البلوي ، ورفاعة بن عمرو ، ومالك بن إياس ، وعبد الله والد جابر ، وعمرو بن الجموح ، وابنه خلاد ، ومولاه أسير ، وسليم بن عمرو بن حديدة ، ومولاه عنترة ، وسهيل بن قيس ، وذكوان ، وعبيد بن المعلى بن لوذان . |
أبو سلمة ( ت ، ق )
ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب . السيد الكبير أخو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، وابن عمته برة بنت عبد المطلب ، وأحد السابقين الأولين ، هاجر إلى الحبشة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد بدرا ، ومات بعدها بأشهر ، وله أولاد صحابة : كعمر وزينب وغيرهما ، ولما انقضت عدة زوجته أم سلمة تزوج بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وروت عن زوجها أبي سلمة القول عند المصيبة ، وكانت تقول : من خير من أبي سلمة ، وما ظنت أن الله يخلفها في مصابها به بنظيره ، فلما فتح عليها بسيد البشر اغتبطت أيما اغتباط . [ ص: 151 ] مات كهلا في سنة ثلاث من الهجرة رضي الله عنه . قال ابن إسحاق : هو أول من هاجر إلى الحبشة ، ثم قدم مع عثمان بن مظعون حين قدم من الحبشة ، فأجاره أبو طالب . قلت : رجعوا حين سمعوا بإسلام أهل مكة عند نزول سورة والنجم . قال مصعب بن عبد الله : ولدت له أم سلمة بالحبشة سلمة ، وعمر ، ودرة ، وزينب . قلت : هؤلاء ما ولدوا بالحبشة إلا قبل عام الهجرة . الأعمش : عن شقيق ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا حضرتم الميت فقولوا خيرا ; فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون " ، قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : يا رسول الله ، كيف أقول ؟ قال : " قولي : اللهم اغفر له ، وأعقبنا منه عقبى صالحة " ، فأعقبني الله خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . حماد بن سلمة : أنبأنا ثابت ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل : إنا لله وإنا إليه [ ص: 152 ] راجعون ، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها ، وأبدلني خيرا منها " . فلما احتضر أبو سلمة قلت ذلك ، وأردت أن أقول : وأبدلني خيرا منها ، فقلت : ومن خير من أبي سلمة ؟ فلم أزل حتى قلتها . فلما انقضت عدتها ، خطبها أبو بكر فردته ، وخطبها عمر فردته ، فبعث إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : مرحبا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبرسوله . . . وذكر الحديث . [ ص: 153 ] قال الواقدي : حدثنا عمر بن عثمان اليربوعي ، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة وغيره قالوا : شهد أبو سلمة أحدا ، وكان نازلا بالعالية في بني أمية بن زيد ، فجرح بأحد ، وأقام شهرا يداوي جرحه ، فلما هل المحرم دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : " اخرج في هذه السرية " . وعقد له لواء ، وقال : " سر حتى تأتي أرض بني أسد ، فأغر عليهم " وكان معه خمسون ومائة ، فساروا حتى انتهوا إلى أدنى قطن من مياههم ، فأخذوا سرحا لهم ، ثم رجع إلى المدينة بعد بضع عشرة ليلة . قال عمر بن عثمان : فحدثني عبد الملك بن عبيد ، قال : لما دخل أبو سلمة المدينة انتقض جرحه ، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة . يعني سنة أربع ، وقيل : مات أبو سلمة سنة ثلاث . عثمان بن مظعون ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب الجمحي ، أبو السائب . [ ص: 154 ] من سادة المهاجرين ، ومن أولياء الله المتقين الذين فازوا بوفاتهم في حياة نبيهم فصلى عليهم ، وكان أبو السائب - رضي الله عنه - أول من دفن بالبقيع . روى كثير بن زيد المدني : عن المطلب بن عبد الله ، قال : لما دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن مظعون ، قال لرجل : " هلم تلك الصخرة ، فاجعلها عند قبر أخي ، أعرفه بها ، أدفن إليه من دفنت من أهلي " ، فقام الرجل فلم يطقها ، فقال - يعني الذي حدثه - : فلكأني أنظر إلى بياض ساعدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين احتملها ، حتى وضعها عند قبره هذا مرسل . قال سعيد بن المسيب : سمعت سعدا يقول : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا . [ ص: 155 ] قال أبو عمر النمري : أسلم أبو السائب بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر الهجرتين ، وتوفي بعد بدر ، وكان عابدا مجتهدا ، وكان هو ، وعلي ، وأبو ذر هموا أن يختصوا . وروي من مراسيل عبيد الله بن أبي رافع قال : أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون ، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند رأسه حجرا ، وقال : " هذا قبر فرطنا " . وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية . ابن المبارك : عن عمر بن سعيد ، عن ابن سابط : قال عثمان بن مظعون : لا أشرب شرابا يذهب عقلي ، ويضحك بي من هو أدنى مني ، ويحملني على أن أنكح كريمتي . فلما حرمت الخمر قال : تبا لها ، قد كان بصري فيها ثاقبا . هذا خبر منقطع لا يثبت ، وإنما حرمت الخمر بعد موته . [ ص: 156 ] سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، حدثني أبو النضر ، عن زياد ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، دخل على عثمان بن مظعون حين مات ، فأكب عليه ، فرفع رأسه ، فكأنهم رأوا أثر البكاء ، ثم جثا الثانية ، ثم رفع رأسه ، فرأوه يبكي ، ثم جثا الثالثة ، فرفع رأسه وله شهيق ، فعرفوا أنه يبكي ، فبكى القوم ، فقال : " مه ، هذا من الشيطان . ثم قال : أستغفر الله . أبا السائب ، لقد خرجت منها ولم تلبس منها بشيء " . حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : لما مات ابن مظعون قالت امرأته : هنيئا لك الجنة . فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر غضب ، وقال : " ما يدريك ؟ قالت : فارسك وصاحبك . قال : إني رسول الله ، وما أدري ما يفعل بي ولا به . فأشفق الناس على عثمان بن مظعون ، فبكى النساء ، فجعل عمر يسكتهن ، فقال : مهلا يا عمر . ثم قال : [ ص: 157 ] إياكن ونعيق الشيطان ، مهما كان من العين فمن الله ومن الرحمة ، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان " . يعلى بن عبيد : حدثنا الإفريقي ، عن سعد بن مسعود أن عثمان بن مظعون قال : يا رسول الله ، لا أحب أن ترى امرأتي عورتي . قال : " ولم ؟ " قال : أستحيي من ذلك . قال : " إن الله قد جعلها لك لباسا ، وجعلك لباسا لها " هذا منقطع . ابن أبي ذئب ، عن الزهري أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ، ويسيح في الأرض ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أليس لك في أسوة حسنة ، وليس من أمتي من اختصى أو خصى " . أبو إسحاق السبيعي : عن أبي بردة : دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرأينها سيئة الهيئة ، فقلن لها : ما لك ؟ فما في قريش أغنى من بعلك . قالت : أما ليله فقائم ، وأما نهاره فصائم ، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " أما لك بي أسوة " . . . [ ص: 158 ] الحديث . قال : فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس . حماد بن زيد : حدثنا معاوية بن عياش ، عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون قعد يتعبد ، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " يا عثمان ، إن الله لم يبعثني بالرهبانية ، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة " . عن عائشة بنت قدامة قالت : نزل عثمان ، وقدامة ، وعبد الله ، بنو مظعون ، ومعمر بن الحارث ، حين هاجروا ، على عبد الله بن سلمة العجلاني . قال الواقدي : آل مظعون ممن أوعب في الخروج إلى الهجرة ، وغلقت بيوتهم بمكة . وعن عبيد الله بن عتبة قال : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآل مظعون موضع دارهم اليوم بالمدينة . [ ص: 159 ] ومات في شعبان سنة ثلاث . الثوري : عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم بن محمد ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، ودموعه تسيل على خد عثمان بن مظعون صححه الترمذي . مالك : عن أبي النضر قال : لما مر بجنازة عثمان بن مظعون قال رسول الله : " ذهبت ولم تلبس منها بشيء " . إبراهيم بن سعد : عن ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد ، عن أم العلاء من المبايعات ، فذكرت أن عثمان بن مظعون اشتكى عندهم ، فمرضناه حتى توفي ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : شهادتي عليك أبا السائب . لقد أكرمك الله . فقال رسول الله : " وما يدريك ؟ قلت : لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن ؟ قال : أما هو فقد جاءه اليقين ، والله إني لأرجو له الخير ، وإني لرسول الله ، وما أدري ما يفعل بي . قالت : فوالله لا أزكي بعده أحدا . قالت : فأحزنني [ ص: 160 ] ذلك ، فنمت ، فرأيت لعثمان عينا تجري ، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ذاك عمله " . حماد بن سلمة : حدثنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس بنحوه ، وزاد : فلما ماتت بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون " . الواقدي : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله أن عمر قال : لما توفي عثمان بن مظعون ولم يقتل ، هبط من نفسي ، حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : ويك إن خيارنا يموتون ، ثم توفي أبو بكر ، قال : فرجع عثمان في نفسي إلى المنزلة . وعن عائشة بنت قدامة قالت : كان بنو مظعون متقاربين في الشبه . كان عثمان شديد الأدمة ، كبير اللحية - رضي الله عنه |
أبو عمرو الجمحي .
من السابقين البدريين ، ولي إمرة البحرين لعمر ، وهو من أخوال أم المؤمنين حفصة ، وابن عمر ، وزوج عمتهما صفية بنت الخطاب إحدى المهاجرات . ولقدامة هجرة إلى الحبشة ، وقد شرب مرة الخمرة متأولا ، مستدلا بقوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية فحده عمر ، وعزله من البحرين . [ ص: 162 ] قال أيوب السختياني : لم يحد بدري في الخمر سواه . قلت : بلى . ونعيمان بن عمرو الأنصاري النجاري صاحب المزاح . قال ابن سعد : لقدامة من الولد : عمر ، وفاطمة ، وعائشة ، وهاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة ، وشهد بدرا وأحدا . وعن عائشة بنت قدامة أن أباها توفي سنة ست وثلاثين ، وله ثمان وستون سنة . وكان لا يغير شيبه ، وكان طويلا أسمر - رضي الله عنه - عبد الله بن مظعون الجمحي أبو محمد ، من السابقين ، شهد بدرا ، هو وإخوته : عثمان ، وقدامة ، والسائب ولد أخيه ، وهاجر عبد الله إلى الحبشة الهجرة الثانية . قال ابن سعد : شهد بدرا وأحدا والخندق ، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سهل بن عبيد بن المعلى الأنصاري ، قال : ومات في خلافة عثمان سنة ثلاثين ، وهو ابن ستين سنة . السائب بن عثمان ابن مظعون الجمحي . وأمه خولة بنت حكيم السلمية ، وأمها ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس . هاجر إلى الحبشة . وكان من الرماة المذكورين ، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بينه وبين حارثة بن سراقة الأنصاري ، المقتول ببدر الذي أصاب الفردوس . [ ص: 164 ] قال ابن سعد وشهد السائب بن عثمان بدرا في رواية ابن إسحاق ، وأبي معشر ، والواقدي . ولم يذكره ابن عقبة ، وكان هشام بن الكلبي يقول : الذي شهدها هو السائب بن مظعون أخو عثمان لأبويه . قال ابن سعد هذا وهم . إلى أن قال : وأصابه سهم يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة ، قال : ومات منه . |
أبو حذيفة
السيد الكبير الشهيد أبو حذيفة ابن شيخ الجاهلية عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي البدري . [ ص: 165 ] أحد السابقين واسمه مهشم فيما قيل . أسلم قبل دخولهم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة مرتين . وولد له بها محمد بن أبي حذيفة ، ذاك الثائر على عثمان بن عفان ، ولدته له سهلة بنت سهيل بن عمرو ، وهي المستحاضة . وقد تزوج بها عبد الرحمن بن عوف ، وهي التي أرضعت سالما ، وهو كبير ، لتظهر عليه . وخصا بذاك الحكم عند جمهور العلماء . وعن أبي الزناد أن أبا حذيفة بن عتبة دعا يوم بدر أباه إلى البراز ، فقالت أخته أم معاوية هند بنت عتبة : [ ص: 166 ] الأحول الأثعل المذموم طائره أبو حذيفة شر الناس في الدين أما شكرت أبا رباك من صغر قال : وكان أبو حذيفة طويلا ، حسن الوجه ، مرادف الأسنان ، وهو الأثعل . حتى شببت شبابا غير محجون استشهد أبو حذيفة - رضي الله عنه - يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة هو ومولاه سالم . وتأخر إسلام أخيه أبي هاشم بن عتبة ، فأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه ، وجاهد ، وسكن الشام . وكان صالحا ، دينا ، له رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه . مات في خلافة عثمان ، وهو أخو الشهيد مصعب بن عمير لأمه ، وخال الخليفة معاوية . روى منصور بن المعتمر ، عن أبي وائل ، حدثنا سمرة بن سهم ، قال : قدمت على أبي هاشم بن عتبة ، وهو طعين ، فدخل عليه معاوية يعوده ، فبكى ، فقال : ما يبكيك يا خال ؟ أوجع أو حرص على الدنيا ؟ قال : كلا لا ، ولكن عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدا لم آخذ به . قال لي : " يا أبا هاشم ! لعلك أن تدرك أموالا تقسم بين أقوام ، وإنما يكفيك من جمع الدنيا خادم ، ومركب في سبيل الله " . وقد وجدت وجمعت . [ ص: 167 ] وفي رواية مرسلة : فيا ليتها بعرا محيلا . قيل : عاش أبو حذيفة ثلاثا وخمسين سنة . سالم مولى أبي حذيفة من السابقين الأولين البدريين المقربين العالمين . قال موسى بن عقبة : هو سالم بن معقل . أصله من إصطخر ، والى أبا حذيفة ، وإنما الذي أعتقه هي ثبيتة بنت يعار الأنصارية ، زوجة أبي حذيفة بن عتبة وتبناه أبو حذيفة ، كذا قال . ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد : أن سهلة بنت سهيل أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت : يا رسول الله ، إن سالما معي ، وقد أدرك ما يدرك الرجال . فقال : " أرضعيه ، فإذا أرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم " . قالتأم سلمة : أبى أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل أحد عليهن بهذا الرضاع ، وقلن : إنما هي رخصة لسالم خاصة . [ ص: 168 ] وعن ابن عمر ، قال : كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الذين قدموا من مكة حتى قدم المدينة ; لأنه كان أقرأهم . الواقدي : حدثنا أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : كان سالم يؤم المهاجرين بقباء ، فيهم عمر قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . حنظلة بن أبي سفيان : عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عائشة قالت : استبطأني رسول الله ذات ليلة ، فقال : " ما حبسك ؟ قلت : إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتا بالقرآن ، فأخذ رداءه ، وخرج يسمعه ، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة ، فقال : الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك " إسناده جيد . عبد الله بن نمير : عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر أن المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء ، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة ؛ لأنه كان [ ص: 169 ] أكثرهم قرآنا ، فيهم عمر ، وأبو سلمة بن عبد الأسد . ورواه أسامة بن حفص ، عن عبيد الله . ولفظه : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كان سالم يؤمهم . وروي عن محمد بن إبراهيم التيمي قال : وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بين سالم مولى أبي حذيفة ، وبين أبي عبيدة بن الجراح . هذا منقطع . وجاء من رواية الواقدي أن محمد بن ثابت بن قيس قال : لما انكشف المسلمون يوم اليمامة ، قال سالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحفر لنفسه حفرة ، فقام فيها ، ومعه راية المهاجرين يومئذ ، ثم قاتل حتى قتل . وروى عبيد بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن الهاد أن سالما باع ميراثه عمر بن الخطاب فبلغ مائتي درهم ، فأعطاها أمه ، فقال : كليها . وقيل : إن سالما وجد هو ومولاه أبو حذيفة ، رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين رضي الله عنهما . ومن مناقب سالم : [ ص: 170 ] أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن محمد في كتابه ، وجماعة ، قالوا : أخبرنا حنبل بن عبد الله ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا أبو علي بن المذهب ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال : من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو من مال الله . فقال سعيد بن زيد : أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين ، لائتمنك الناس ، وقد فعل ذلك أبو بكر الصديق ، وائتمنه الناس ، فقال : قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا ، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة . ثم قال : لو أدركني أحد رجلين ، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجراح . علي بن زيد لين فإن صح هذا ، فهو دال على جلالة هذين في نفس عمر ، وذلك على أنه يجوز الإمامة في غير القرشي ، والله أعلم . |
شهداء بدر
عبيدة بن الحارث المطلبي ، وعمير بن أبي وقاص الزهري ، أخو سعد ، وصفوان بن بيضاء ، واسم أبيه : وهب بن ربيعة الفهري ، وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي ، وعمير بن الحمام بن الجموح الأنصاري ، الذي رمى التمرات ، وقاتل حتى قتل ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح السلمي ، ومعاذ بن عفراء ، وأخوه عوف ، واسم أبيهما الحارث بن رفاعة من بني غنم بن عوف ، وحارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري ، جاءه سهم غرب وهو غلام حدث ، [ ص: 171 ] وهو الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أم حارثة ! إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " ويزيد بن الحارث بن قيس الخزرجي ، وأمه هي فسحم ، ويقال له هو فسحم ، ورافع بن المعلى الزرقي ، وسعد بن خيثمة الأوسي ، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة ، وعاقل بن البكير بن عبد ياليل الكناني الليثي ، أحد الإخوة الأربعة البدريين ، فعدتهم أربعة عشر شهيدا . وقتل من المشركين : عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأخوه شيبة ، ولهما مائة وأربعون سنة ، وأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وأمية بن خلف الجمحي ، وابنه علي ، وعقبة بن أبي معيط ، ذبح صبرا ، وأبو البختري العاص بن هشام الأسدي ، والعاص أخو أبي جهل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، أخو معاوية ، وعبيد ، والعاص ، ابنا أبي أحيحة ، والحارث بن عامر النوفلي ، وطعيمة عم جبير بن مطعم ، وحارث بن زمعة بن الأسود ، وأبوه ، وعمه عقيل ، ونوفل بن خويلد الأسدي ، أخو خديجة ، والنضر بن الحارث ، قتل صبرا ، وعمير بن عثمان ، عم طلحة بن عبيد الله ، ومسعود المخزومي أخو أم سلمة ، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد ، وقيس بن العاد بن المغيرة المخزومي ، ونبيه ، ومنبه ابنا الحجاج بن عامر السهمي ، وولدا منبه : حارثة والعاص . حمزة بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب . [ ص: 172 ] الإمام البطل الضرغام أسد الله أبو عمارة ، وأبو يعلى القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد ، عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخوه من الرضاعة . قال ابن إسحاق لما أسلم حمزة ، علمت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد امتنع ، وأن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه . قال أبو إسحاق : عن حارثة بن مضرب ، عن علي : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ناد حمزة " ، فقلت : من هو صاحب الجمل الأحمر ؟ فقال حمزة : هو عتبة بن ربيعة . فبارز يومئذ حمزة عتبة فقتله . وروى أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نساء الأنصار يبكين على هلكاهن ، فقال : " لكن حمزة لا بواكي له " . فجئن فبكين على حمزة عنده ، إلى أن قال : " مروهن لا يبكين على هالك بعد اليوم " [ ص: 173 ] . وفي كتاب " المستدرك " للحاكم : عن جابر مرفوعا : " سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر ، فأمره ونهاه ، فقتله " . قلت : سنده ضعيف . الدغولي حدثنا أحمد بن سيار ، حدثنا رافع بن أشرس ، حدثنا خليد الصفار ، عن إبراهيم الصائغ ، عن عطاء ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب " هذا غريب . [ ص: 174 ] أسامة بن زيد : عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يوم أحد ، فسمع نساء بني عبد الأشهل يبكين على هلكاهن ، فقال : " لكن حمزة لا بواكي له " . فجئن نساء الأنصار ، فبكين على حمزة عنده ، فرقد ، فاستيقظ وهن يبكين ، فقال : " يا ويحهن ! أهن هاهنا حتى الآن ، مروهن فليرجعن ، ولا يبكين على هالك بعد اليوم " . ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار في زمن معاوية غازيين ، فمررنا بحمص - وكان وحشي بها - فقال ابن عدي : هل لك أن نسأل وحشيا كيف قتل حمزة . فخرجنا نريده ، فسألنا عنه ، فقيل لنا : إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة له ، وهو رجل قد غلب عليه الخمر ، فإن تجداه صاحيا ، تجدا رجلا عربيا ، فأتيناه فإذا نحن بشيخ كبير أسود مثل البغاث على طنفسة له ، وهو صاح ، فسلمنا عليه ، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي ، فقال : ابن لعدي والله ابن الخيار أنت ؟ قال : نعم . فقال : والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى ، وهي على بعيرها ، فلمعت لي قدماك . قلنا : إنا أتينا لتحدثنا كيف قتلت حمزة . قال : سأحدثكما بما حدثت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت عبد جبير بن مطعم ، وكان عمه طعيمة بن عدي قتل يوم بدر ، فقال لي : إن قتلت حمزة ، [ ص: 175 ] فأنت حر ، وكنت صاحب حربة أرمي قلما أخطئ بها ، فخرجت مع الناس ، فلما التقوا ، أخذت حربتي ، وخرجت أنظر حمزة ، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يليق شيئا ، فوالله إني لأتهيأ له إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى الخزاعي ، فلما رآه حمزة ، قال : هلم إلي يا ابن مقطعة البظور . ثم ضربه حمزة ، فوالله لكأن ما أخطأ رأسه ، ما رأيت شيئا قط كان أسرع من سقوط رأسه . فهززت حربتي ، حتى إذا رضيت عنها ، دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته حتى خرجت بين رجليه فوقع ، فذهب لينوء فغلب ، فتركته وإياها ، حتى إذا مات قمت إليه ، فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه ، ولم يكن لي حاجة بغيره . فلما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، هربت إلى الطائف . فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ، ضاقت علي الأرض بما رحبت ، وقلت : ألحق بالشام ، أو اليمن ، أو بعض البلاد . فوالله إني لفي ذلك من همي ، إذ قال رجل : والله إن يقتل محمد أحدا دخل في دينه . فخرجت حتى [ ص: 176 ] قدمت المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : " وحشي " ؟ قلت : نعم . قال : " اجلس ، فحدثني كيف قتلت حمزة " . فحدثته كما أحدثكما ، فقال : " ويحك ! غيب عني وجهك ، فلا أرينك " . فكنت أتنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان ، حتى قبض . فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي التي قتلت بها حمزة ، فلما التقى الناس ، نظرت إلى مسيلمة وفي يده السيف ، فوالله ما أعرفه ، وإذا رجل من الأنصار يريده من ناحية أخرى ، فكلانا يتهيأ له ، حتى إذا أمكنني ، دفعت عليه حربتي ، فوقعت فيه ، وشد الأنصاري عليه ، فضربه بالسيف ، فربك أعلم أينا قتله ، فإن أنا قتلته ، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقتلت شر الناس . وبه عن سليمان بن يسار : عن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رجلا يقول : قتله العبد الأسود يعني مسيلمة . [ ص: 177 ] أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : لما كان يوم أحد وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، على حمزة وقد جدع ومثل به ، فقال : " لولا أن تجد صفية في نفسها ، لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع والطير " . وكفن في نمرة إذا خمر رأسه ، بدت رجلاه ، وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه ، ولم يصل على أحد من الشهداء ، وقال : أنا شهيد عليكم ، وكان يجمع الثلاثة في قبر ، والاثنين فيسأل : " أيهما أكثر قرآنا; فيقدمه في اللحد ، وكفن الرجلين والثلاثة في ثوب " . ابن عون : عن عمير بن إسحاق ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسيفين ويقول : أنا أسد الله . رواه يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير ، مرسلا ، وزاد : فعثر فصرع مستلقيا ، وانكشفت الدرع عن بطنه ، فزرقه العبد الحبشي ، فبقره . عبد العزيز بن الماجشون : عن عبد الله بن الفضل ، عن سليمان بن يسار ، [ ص: 178 ] عن جعفر بن عمرو الضمري ، قال : خرجت مع ابن الخيار إلى الشام ، فسألنا عن وحشي ، فقيل : هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت . فجئنا ، فسلمنا ووقفنا يسيرا . وكان ابن الخيار معتجرا بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه ، فقال : يا وحشي ، تعرفني ؟ قال : لا والله ، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص ، فولدت غلاما بمكة ، فاسترضعته ، فحملته مع أمه ، فناولتها إياه ، لكأني أنظر إلى قدميك . قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ، ثم قال : ألا تخبرنا عن قتل حمزة . قال : نعم ، إنه قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر ، فقال لي مولاي جبير : إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر . فلما خرج الناس عن عينين - وعينون ، جبل تحت أحد ، بينه وبين أحد واد - قال سباع : هل من مبارز ؟ فقال حمزة : يا ابن مقطعة البظور ، تحاد الله ورسوله ؟ ثم شد عليه ، فكان كأمس الذاهب . فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي فرميته في ثنته حتى خرجت الحربة من وركه . إلى أن قال : فكنت بالطائف ، فبعثوا رسلا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : إنه لا يهيج الرسل . فخرجت معهم ، فلما رآني ، قال : " أنت وحشي ؟ قلت : نعم . قال : الذي قتل حمزة ؟ قلت : نعم . قد كان الأمر الذي بلغك . قال : ما [ ص: 179 ] تستطيع أن تغيب عني وجهك ؟ " قال : فرجعت . فلما توفي وخرج مسيلمة قلت : لأخرجن إليه لعلي أقتله ، فأكافي به حمزة . فخرجت مع الناس ، وكان من أمرهم ما كان ، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ، ثائر رأسه ، فأرميه بحربتي ، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، ووثب إليه رجل من الأنصار ، فضربه بالسيف على هامته . قال سليمان بن يسار : فسمعت ابن عمر يقول : قالت جارية على ظهر بيت أمير المؤمنين : قتله العبد الأسود . قال موسى بن عقبة : ثم انتشر المسلمون يبتغون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به ، إلا حنظلة بن أبي عامر ، وكان أبوه أبو عامر مع المشركين ، فترك لأجله . وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا ، فدفع صدره برجله ثم قال : دينان قد أصبتهما ، قد تقدمت إليك في مصرعك هذا يا دنيس ، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرحم برا بالوالد . ووجدوا حمزة قد بقر بطنه ، واحتمل وحشي كبده إلى هند في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر . فدفن في نمرة كانت عليه ، إذا رفعت إلى رأسه ، بدت قدماه ، فغطوا قدميه بشيء من الشجر . ابن إسحاق : حدثني بريدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لإن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم " . فلما رأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 180 ] ما به من الجزع قالوا : لإن ظفرنا بهم ، لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد ، فأنزل الله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى آخر السورة . فعفا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . أبو بكر بن عياش : عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : لما قتل حمزة أقبلت صفية أخته ، فلقيت عليا والزبير ، فأرياها أنهما لا يدريان ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " فإني أخاف على عقلها " ، فوضع يده على صدرها ودعا لها ، فاسترجعت وبكت . ثم جاء فقام عليه ، وقد مثل به ، فقال : " لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع " ، ثم أمر بالقتلى ، فجعل يصلي عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون ، ويترك حمزة ، ثم يجاء بسبعة ، فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم [ ص: 181 ] . يزيد ليس بحجة ، وقول جابر : لم يصل عليهم أصح . وفي " الصحيحين " من حديث عقبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، صلى على قتلى أحد صلاته على الميت ، فهذا كان قبل موته بأيام [ ص: 182 ] ويروى من حديث ابن عباس وأبي هريرة قوله عليه السلام : " لإن ظفرت بقريش ، لأمثلن بسبعين منهم فنزلت وإن عاقبتم الآية . عبدان : أخبرنا عيسى بن عبيد الكندي ، حدثني ربيع بن أنس ، حدثني أبو العالية ، عن أبي بن كعب أنه أصيب من الأنصار يوم أحد سبعون . قال : فمثلوا بقتلاهم ، فقالت الأنصار : لإن أصبنا منهم يوما من الدهر ، لنربين عليهم . فلما كان يوم فتح مكة ، نادى رجل لا يعرف : لا قريش بعد اليوم . مرتين . فأنزل الله على نبيه وإن عاقبتم الآية . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كفوا عن القوم " . [ ص: 183 ] يونس بن بكير : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : جاءت صفية يوم أحد معها ثوبان لحمزة ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كره أن ترى حمزة على حاله . فبعث إليها الزبير يحبسها ، وأخذ الثوبين . وكان إلى جنب حمزة قتيل من الأنصار ، فكرهوا أن يتخيروا لحمزة فقال : " أسهموا بينهما فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له " . فأسهموا بينهما ، فكفن حمزة في ثوب ، والأنصاري في ثوب . ابن إسحاق : عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ، قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد ، قال الله : أنا أبلغهم عنكم " ، [ ص: 184 ] فأنزلت ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا [ آل عمران : 169 ] . ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد : " أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل " يقول : قتلت معهم . وجاء بإسناد فيه ضعف عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى حمزة قتيلا بكى ، فلما رأى ما مثل به شهق . |
عاقل بن البكير
وقيل : عاقل بن أبي البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكير بن عبد مناة بن كنانة الليثي . نسبه محمد بن سعد ، وقال : كان اسمه غافلا ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاقلا . وكان أبو البكير حالف نفيل بن عبد العزى جد عمر ، وكان أبو معشر ، والواقدي يقولان : ابن أبي البكير . قال : وكان موسى بن عقبة ، وابن إسحاق ، وابن الكلبي يقولون : ابن البكير . أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا محمد بن صالح ، عن يزيد بن رومان قال : أسلم غافل ، وعامر ، وإياس ، وخالد ، بنو أبي البكير جميعا ، وهم أول من بايع في دار الأرقم . وأنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الجبار بن عمارة ، عن عبد الله بن أبي بكر قال : خرج بنو أبي البكير مهاجرين فأوعبوا ، رجالهم ونساؤهم ، حتى غلقت أبوابهم . فنزلوا على رفاعة بن عبد المنذر بالمدينة . ثم قال : وقالوا : وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عاقل وبين مبشر بن عبد المنذر ، فقتلا معا ببدر . [ ص: 186 ] وقيل : آخى بين عاقل وبين مجذر بن زياد . استشهد عاقل يوم بدر شهيدا ، وهو ابن أربع وثلاثين سنة . قتله مالك بن زهير الجشمي . خالد بن البكير أو ابن أبي البكير قال ابن سعد : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين زيد بن الدثنة . شهد خالد بدرا ، وأحدا ، وقتل يوم الرجيع في صفر سنة أربع ، وله أربع وثلاثون سنة . إياس بن أبي البكير قال ابن سعد آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بينه وبين الحارث بن خزمة ، وشهد بدرا والمشاهد كلها . وشهد فتح مصر . توفي سنة أربع وثلاثين . عامر بن أبي البكير قال ابن سعد : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بينه وبين ثابت بن قيس بن شماس . شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ما شهد بدرا إخوة أربعة سواهم . واستشهد عامر يوم اليمامة . مسطح بن أثاثة ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، المطلبي المهاجري البدري ، المذكور في قصة الإفك . [ ص: 188 ] كان فقيرا ينفق عليه أبو بكر . ذكره ابن سعد فقال : كان قصيرا ، غائر العينين ، شثن الأصابع ، عاش ستا وخمسين سنة . قال : وتوفي سنة أربع وثلاثين ، رضي الله عنه . إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت منه ; فإنها قد غفرت ، وهو من أهل الجنة . وإياك يا رافضي أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار . |
أبو عبس ( خ ، ت ، س )
ابن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث الأوسي ، واسمه [ ص: 189 ] عبد الرحمن . بدري كبير له ذرية بالمدينة وببغداد ، وكان يكتب بالعربية ، وكان هو وأبو بردة بن نيار يكسران أصنام بني حارثة . آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين خنيس بن حذافة السهمي . شهد بدرا والمشاهد ، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف وكان عمر وعثمان يبعثانه مصدقا . حدث عنه ابنه زيد ، وحفيده أبو عبس بن محمد بن أبي عبس ، وعباية بن رفاعة . مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين ، وصلى عليه عثمان ، وعاش سبعين سنة ، وقبره بالبقيع . ابن التيهان أبو الهيثم ، مالك بن التيهان بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة الأنصاري حليف بني عبد الأشهل . قاله جماعة . [ ص: 190 ] وقال عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري : هو من الأوس ، من أنفسهم . ثم قال : هو ابن التيهان بن مالك بن عمرو بن زيد بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس . وأمه من بني جشم المذكور . قال الواقدي : كان أبو الهيثم يكره الأصنام في الجاهلية ويؤفف بها ، ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة ، وكانا من أول من أسلم من الأنصار بمكة . ويجعل في الثمانية الذين لقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، ويجعل في الستة ، وفي أهل العقبة الأولى الاثني عشر ، وفي السبعين . آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عثمان بن مظعون . شهد بدرا والمشاهد ، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر خارصا بعد ابن رواحة . وعن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا الهيثم بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارصا ، ثم بعثه أبو بكر ، فأبى وقال : إني كنت إذا خرصت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت ، دعا لي . وعن صالح بن كيسان قال : توفي أبو الهيثم في خلافة عمر [ ص: 191 ] وقال غيره : توفي سنة عشرين . قال الواقدي : هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتل بصفين مع علي . أخبرنا سنقر ، أخبرنا عبد اللطيف ، أنبأنا عبد الحق ، أنبأنا أبو الحسن الحاجب ، أنبأنا أبو الحسن الحمامي ، أنبأنا ابن قانع ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن جامع العطار ، حدثنا عبد الحكيم بن منصور ، حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة عن أبي الهيثم بن التيهان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " المستشار مؤتمن " . [ ص: 192 ] أبو جندل ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر العامري القرشي ، واسمه العاص . كان من خيار الصحابة ، وقد أسلم وحبسه أبوه وقيده ، فلما كان يوم صلح الحديبية هرب يحجل في قيوده ، وأبوه حاضر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لكتاب الصلح . فقال : هذا أول من أقاضيك عليه يا محمد . فقال : " هبه لي " . فأبى ، فرده وهو يصيح ويقول : يا مسلمون ، أرد إلى الكفر ؟ ثم إنه هرب . وله قصة مشهورة مذكورة في الصحيح وفي المغازي . ثم خلص وهاجر ، وجاهد ، [ ص: 193 ] ثم انتقل إلى جهاد الشام ، فتوفي شهيدا في طاعون عمواس بالأردن سنة ثماني عشرة . عبد الله بن سهيل خرج مع أبيه إلى بدر يكتم إيمانه ، فلما التقى الجمعان ، تحول إلى المسلمين وقاتل ، وعد بدريا - رضي الله عنه . وله غزوات ومواقف ، واستشهد يوم اليمامة وله ثمان وثلاثون سنة . وقيل : بل هو من السابقين الأولين ، وإنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى - رضي الله عنه . وذكر الواقدي قال : لما حج أبو بكر بالناس ، قبل حجة الوداع ، لقيه سهيل بن عمرو - رضي الله عنه - فقال : بلغني يا أبا بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يشفع الشهيد لسبعين من أهله " فأرجو أن يبدأ عبد الله بي . [ ص: 194 ] فهذا لا يستقيم ، لكن قاله - إن كان قاله - لما استشهد سنة اثنتي عشرة باليمامة . |
سهيل بن عمرو أبوهما
يكنى أبا يزيد . وكان خطيب قريش وفصيحهم ، ومن أشرافهم . لما أقبل في شأن الصلح ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سهل أمركم " . تأخر إسلامه إلى يوم الفتح ، ثم حسن إسلامه . وكان قد أسر يوم بدر وتخلص . قام بمكة وحض على النفير ، وقال : يال غالب ، أتاركون أنتم محمدا والصباة يأخذون عيركم ؟ من أراد مالا فهذا مال ، ومن أراد قوة فهذه قوة . وكان سمحا جوادا مفوها ، وقد قام بمكة خطيبا عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو من خطبة الصديق بالمدينة ، فسكنهم وعظم الإسلام . [ ص: 195 ] قال الزبير بن بكار : كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة ، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدا ، ويقال : إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير ، وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن ، وكان أميرا على كردوس يوم اليرموك . قال المدائني وغيره : استشهد يوم اليرموك وقال الشافعي ، والواقدي : مات في طاعون عمواس . حدث عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره . البراء بن مالك ابن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، الأنصاري النجاري المدني . البطل الكرار صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخو خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك . شهد أحدا ، وبايع تحت الشجرة . [ ص: 196 ] قيل : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيش : لا تستعملوا البراء على جيش ; فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم . وبلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن يحتملوه على ترس على أسنة رماحهم ، ويلقوه في الحديقة ، فاقتحم إليهم ، وشد عليهم ، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة ، فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحا ، ولذلك أقام خالد بن الوليد عليه شهرا يداوي جراحه . وقد اشتهر أن البراء قتل في حروبه مائة نفس من الشجعان مبارزة . معمر عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : قال الأشعري - يعني في حصار تستر - للبراء بن مالك : إن قد دللنا على سرب يخرج إلى وسط المدينة ، فانظر نفرا يدخلون معك فيه . فقال البراء لمجزأة بن ثور : انظر رجلا من قومك طريفا جلدا ، فسمه لي . قال : ولم ؟ قال : لحاجة . قال : فإني أنا ذلك الرجل . [ ص: 197 ] قال : دللنا على سرب ، وأردنا أن ندخله . قال : فأنا معك . فدخل مجزأة أول من دخل ، فلما خرج من السرب شدخوه بصخرة ، ثم خرج الناس من السرب ، فخرج البراء ، فقاتلهم في جوف المدينة ، وقتل - رضي الله عنه - ، وفتح الله عليهم . سلامة ، عن عمه عقيل ، عن الزهري ، عن أنس مرفوعا قال : " كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك " ، وإن البراء لقي المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين ، فقالوا له : يا براء ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنك لو أقسمت على الله لأبرك " ، فأقسم على ربك . قال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وذكر الحديث . عبد السلام بن مطهر : حدثنا أبو سهل البصري عن محمد بن سيرين ، [ ص: 198 ] عن أنس أنه دخل على أخيه البراء وهو يتغنى فقال : تتغنى ؟ قال : أتخشى علي أن أموت على فراشي وقد قتلت تسعة وتسعين نفسا من المشركين مبارزة ، سوى ما شاركت فيه المسلمين ؟ . وفي رواية : يا أخي ، تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به القرآن ؟ وقال حماد بن سلمة : زعم ثابت ، عن أنس قال : دخلت على البراء وهو يتغنى ، ويرنم قوسه ، فقلت : إلى متى هذا ؟ قال : أتراني أموت على فراشي ؟ والله لقد قتلت بضعا وتسعين . ابن عون : عن محمد قال : بارز البراء مرزبان الزارة فطعنه ، فصرعه ، وأخذ سلبه . استشهد يوم فتح تستر سنة عشرين . |
[ ص: 199 ] نوفل
ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، أبو الحارث أخو أبي سفيان بن الحارث . كان نوفل أسن من عمه العباس ، حضر بدرا مع المشركين فأسر ، ففداه عمه العباس ، ثم أسلم وهاجر عام الخندق . وقيل : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين العباس ، وقد كانا شريكين في الجاهلية متصافيين . شهد نوفل بيعة الرضوان ، وأعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح ، وثبت معه يومئذ ، وما علمت له رواية ولا ذكرا بأكثر مما أوردت . قيل : مات سنة عشرين وقيل مات سنة خمس عشرة وكان أسن بني هاشم في زمانه . الحارث بن نوفل أسلم مع أبيه ، وولي مكة لعمر وعثمان ، وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض العمل ، وقيل : إنه نزل البصرة ، وبنى بها دارا . مات في خلافة عثمان عن نحو من سبعين سنة . [ ص: 200 ] عبد الله بن الحارث ( ع ) ابن نوفل الهاشمي ، ولقبه ببة . ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمع أهل البصرة عند موت يزيد على تأميره عليهم . قال الزبير بن بكار : هو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان ، واسمها هند ، هي كانت تنقزه وتقول : يا ببة يا ببه لأنكحن ببه جارية خدبه اصطلح أهل البصرة ، فأمروه عند هروب عبيد الله بن زياد ، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة له ، قال : فأقره عليهم . تسود أهل الكعبه حدث عن عمر ، وعثمان ، وأبي بن كعب ، وعلي ، والعباس ، وكعب الأحبار ، وطائفة ، وأرسل حديثا . شهد الجابية مع عمر . حدث عنه ابناه إسحاق ، وعبد الله ، وأبو التياح يزيد بن حميد ، وابن شهاب ، [ ص: 201 ] وعبد الملك بن عمير ، ومولاه يزيد بن أبي زياد ، وأبو إسحاق السبيعي ، وعمر بن عبد العزيز ، وآخرون . قال ابن سعد : هو ثقة تابعي ، أتت به أمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل عليها فتفل في فيه ، ودعا له . قال : وخرج هاربا من البصرة إلى عمان خوفا من الحجاج عند فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فمات بعمان في سنة أربع وثمانين . وقال أبو عبيد : مات سنة ثلاث وثمانين . قلت : كان من أبناء الثمانين ، وحديثه في الكتب الستة ، وكان كثير الحديث ، يحدث أيضا عن صفوان بن أمية ، وأم هانئ بنت أبي طالب ، وحكيم بن حزام . عبد الله بن عبد الله بن الحارث ( خ ، م ) ابن نوفل ، أبو يحيى الهاشمي ، أخو إسحاق ومحمد . حدث عن أبيه ، وابن عباس ، وعبد الله بن خباب بن الأرت ، وعبد الله بن شداد . [ ص: 202 ] حدث عنه أخوه عون ، والزهري ، وعاصم بن عبيد الله ، وعبد الحميد الخطابي . وكان من صحابة سليمان الخليفة . قال ابن سعد : ثقة ، قليل الحديث ، قتلته السموم بالأبواء في سنة سبع وتسعين وهو مع الخليفة سليمان ، فصلى عليه . |
سعيد بن الحارث
ابن عبد المطلب . ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم . له حديث واحد فيمن لقي الله مؤمنا دخل الجنة رواه عنه سلمان الأغر ; لكن في إسناده ابن لهيعة . ذكره الحاكم في الصحابة من " صحيحه " وما رأيت من ذكره غيره أبو سفيان بن الحارث هو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ، أخو نوفل وربيعة . [ ص: 203 ] تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلما ، فانزعج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعرض عنه ; لأنه بدت منه أمور في أذية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فتذلل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رق له ، ثم حسن إسلامه ، ولزم ، هو والعباس رسول الله يوم حنين إذ فر الناس ، وأخذ بلجام البغلة ، وثبت معه . وقد روى عنه ولده عبد الملك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني هاشم ، إياكم والصدقة " . وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، أرضعتهما حليمة . سماه هشام بن الكلبي ، والزبير : مغيرة . وقال طائفة : اسمه كنيته ; وإنما المغيرة أخوهم . وقيل : كان الذين يشبهون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر ، والحسن بن علي ، وقثم بن العباس ، وأبو سفيان بن الحارث . وكان أبو سفيان من الشعراء ، وفيه يقول حسان : ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء هجوت محمدا فأجبت عنه ابن إسحاق : عن عاصم بن عمر ، عمن حدثه ، قال : تراجع الناس يوم حنين . [ ص: 204 ] ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أبا سفيان هذا ، وشهد له بالجنة ، وقال : " أرجو أن يكون خلفا من حمزة " . وعند الله في ذاك الجزاء قيل : إن أبا سفيان حج ، فحلقه الحلاق ، فقطع ثؤلولا في رأسه ، فمرض منه ومات بعد قدومه بالمدينة ، وصلى عليه عمر . ويقال : مات بعد أخيه نوفل بن الحارث بأربعة أشهر . قال أبو إسحاق السبيعي : لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال : لا تبكوا علي ; فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت . قال ابن إسحاق : ولأبي سفيان يرثي النبي - صلى الله عليه وسلم - : أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول . قاله ابن سعد . وأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل فقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الخلق أو كادت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا ، والرسول لنا دليل فلم نر مثله في الناس حيا وليس له من الموتى عديل [ ص: 205 ] أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي فهو السبيل فعودي بالعزاء فإن فيه ثواب الله والفضل الجزيل وقولي في أبيك ولا تملي وهل يجزي بفضل أبيك قيل فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول وقد انقرض نسل أبي سفيان حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان بن الحارث كان يصلي في الصيف نصف النهار حتى تكره الصلاة ، ثم يصلي من الظهر إلى العصر . حماد بن سلمة : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة فحج ، فحلقه الحلاق ، وفي رأسه ثؤلول فقطعه فمات . فيرونه شهيدا . ويقال مات سنة عشرين بالمدينة . ولجعفر بن أبي سفيان صحبة ، وثبت معه هو وأبوه يوم حنين ، وعاش إلى وسط خلافة معاوية قاله ابن سعد . جعفر بن أبي طالب السيد الشهيد ، الكبير الشأن ، علم المجاهدين أبو عبد الله ، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي ، أخو علي بن أبي طالب ، وهو أسن من علي بعشر سنين . هاجر الهجرتين ، وهاجر من الحبشة إلى المدينة ، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها ، فأقام بالمدينة أشهرا ، ثم أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك ، فاستشهد . وقد سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا بقدومه ، وحزن - والله - لوفاته . روى شيئا يسيرا ، وروى عنه ابن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وأم سلمة ، وابنه عبد الله . حديج بن معاوية : عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود ، قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ثمانين رجلا : أنا ، وجعفر ، وأبو موسى ، وعبد الله بن عرفطة ، وعثمان بن مظعون . وبعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية . فقدما على النجاشي ، فلما دخلا سجدا [ ص: 207 ] له وابتدراه ، فقعد واحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فقالا : إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك ، فرغبوا عن ملتنا . قال : وأين هم ؟ قالوا : بأرضك . فأرسل في طلبهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم . فاتبعوه ، فدخل فسلم ، فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله . قالوا : ولم ذاك ؟ قال : إن الله أرسل فينا رسولا ، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله ، وأمرنا بالصلاة والزكاة . فقال عمرو : إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه . قال : ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر : نقول كما قال الله : روح الله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر . قال : فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، ما تريدون ، ما يسوءني هذا ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته ، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه . وقال : انزلوا حيث شئتم . وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما ، قال : وتعجل ابن مسعود ، فشهد بدرا . وروى نحوا منه مجالد ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه . وروى نحوه ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن عمرو بن العاص . محمد بن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم [ ص: 208 ] سلمة ، قالت : لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء ، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان هو في منعة من قومه وعمه ، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ; فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا " . فخرجنا إليه أرسالا ، حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا . قال الشعبي : تزوج علي أسماء بنت عميس ، فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ، فقال كل منهما : أبي خير من أبيك . فقال علي : يا أسماء ، اقضي بينهما . فقالت : ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر ، ولا كهلا خيرا من أبي بكر . فقال علي : ما تركت لنا شيئا ، ولو قلت غير هذا لمقتك . فقالت : والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار . مجالد : عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : ما سألت عليا شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه . ابن مهدي ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن شمير ، قال : قدم علينا عبد الله بن رباح ، فاجتمع إليه ناس ، فقال : حدثنا أبو قتادة ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش الأمراء ، وقال : " عليكم زيد ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر ، فابن رواحة " . فوثب جعفر ، وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كنت أرهب أن [ ص: 209 ] تستعمل زيدا علي . قال : امضوا ; فإنك لا تدري أي ذلك خير . فانطلق الجيش ، فلبثوا ما شاء الله ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعد المنبر ، وأمر أن ينادى : " الصلاة جامعة " . قال - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم عن جيشكم ، إنهم لقوا العدو ، فأصيب زيد شهيدا ، فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء جعفر ، فشد على الناس حتى قتل ، ثم أخذه ابن رواحة ، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا ، ثم أخذ اللواء خالد ، ولم يكن من الأمراء - هو أمر نفسه - فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبعيه وقال : اللهم هو سيف من سيوفك فانصره - فيومئذ سمي سيف الله - . ثم قال : انفروا فامددوا إخوانكم ، ولا يتخلفن أحد " فنفر الناس في حر شديد . ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد ، عن أبيه ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني - وكان من بني مرة بن عوف - قال : لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل . قال ابن إسحاق : وهو أول من عقر في الإسلام ، وقال : [ ص: 210 ] يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها الواقدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، قال : ضربه رومي فقطعه بنصفين . فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا . علي إن لاقيتها ضرابها أبو أويس عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : فقدنا جعفرا يوم مؤتة ، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين ، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده . أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، أن ابن عمر قال : جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة ، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من بين ضربة وطعنة . [ ص: 211 ] أبو أحمد الزبيري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه : سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جعفر ، فقال رجل : رأيته حين طعنه رجل ، فمشى إليه في الرمح ، فضربه ، فماتا جميعا . سعدان بن الوليد : عن عطاء ، عن ابن عباس : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : " يا أسماء ، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر ، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم ، فردي عليه السلام ، وقال : إنه لقي المشركين ، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون ، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ، ثم أخذ باليسرى فقطعت . قال : فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها " . وعن أسماء ، قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعا بني جعفر ، فرأيته شمهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : " نعم ، قتل اليوم . فقمنا نبكي ، ورجع ، فقال : اصنعوا لآل جعفر طعاما ; فقد شغلوا عن أنفسهم " . [ ص: 212 ] وعن عائشة ، قالت : لما جاءت وفاة جعفر ، عرفنا في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحزن . أبو شيبة العبسي : حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة ، مضرجة قوادمه بالدماء ، يطير في الجنة " . عبد الله بن جعفر المديني : عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : " رأيت جعفرا له جناحان في الجنة " . وجاء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي - صلى الله عليه وسلم . ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة - رضي الله عنه . [ ص: 213 ] عبد الله بن نمير : عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر تلقاه جعفر ، فالتزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل بين عينيه ، وقال : " ما أدري بأيهما أنا أفرح : بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر " . وفي رواية محمد بن ربيعة ، عن أجلح : فقبل ما بين عينيه ، وضمه واعتنقه . |
قال ابن إسحاق : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين جعفر بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل . فأنكر هذا الواقدي ، وقال : إنما كانت المؤاخاة قبل بدر ، فنزلت آية الميراث ، وانقطعت المؤاخاة ، وجعفر يومئذ بالحبشة .
حفص بن غياث : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها ، فاختصم فيها هو وجعفر ، وزيد ، فقال علي : ابنة عمي وأنا أخرجتها . وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي . فقضى بها لجعفر ، وقال : " الخالة والدة " . فقام جعفر ، فحجل حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، دار عليه ، فقال : ما هذا ؟ قال : شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم . [ ص: 214 ] أمها سلمى بنت عميس ، وخالتها أسماء . ابن إسحاق : عن ابن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد ، عن أبيه : سمع النبي يقول لجعفر : " أشبه خلقك خلقي ، وأشبه خلقك خلقي ، فأنت مني ومن شجرتي " . إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن البراء ، وعن هبيرة بن مريم وهانئ بن هانئ ، عن علي ، قالا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " [ ص: 215 ] حماد بن سلمة عن ثابت ( ح ) وعوف عن محمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لجعفر . قال الشعبي : كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر ، قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين . ابن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي وقد مر بعض ذلك ، قالت : فلما رأت قريش ذلك ، اجتمعوا على أن يرسلوا إليه ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة ، فجمعوا هدايا له ولبطارقته ، فقدموا على الملك ، وقالوا : إن فتية منا سفهاء ، فارقوا ديننا ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه ، ولجأوا إلى بلادك ، فبعثنا إليك لتردهم . فقالت بطارقته : صدقوا أيها الملك . فغضب ، ثم قال : لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم ; قوم - لجأوا إلى بلادي ، واختاروا جواري . فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو ، وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم . فلما جاءهم رسول النجاشي ، اجتمع القوم ، وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال النجاشي : ما هذا الدين ؟ قالوا : أيها الملك ، كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ، ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار ، ونستحل المحارم والدماء ، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده ، ونصل الرحم ، ونحسن الجوار ونصلي ، ونصوم . قال : فهل معكم شيء مما جاء به ؟ - وقد دعا أساقفته ، [ ص: 216 ] فأمرهم فنشروا المصاحف حوله - فقال لهم جعفر : نعم ، فقرأ عليهم صدرا من سورة كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى ، انطلقوا راشدين ، لا والله ، لا أردهم عليكم ، ولا أنعمكم عينا . فخرجا من عنده ، فقال عمرو : لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم ، فذكر له ما يقولون في عيسى . قال شباب : علي ، وجعفر ، وعقيل ، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف . قال الواقدي : هاجر جعفر إلى الحبشة بزوجته أسماء بنت عميس ، فولدت هناك عبد الله ، وعونا ، ومحمدا . وقال ابن إسحاق : أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفسا . إسماعيل بن أويس : حدثنا أبي ، عن الحسن بن زيد أن عليا أول ذكر أسلم ، ثم أسلم زيد ، ثم جعفر . وكان أبو بكر الرابع ، أو الخامس . قال أبو جعفر الباقر : ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره . وروي من وجوه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم جعفر قال : " لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر " . [ ص: 217 ] في رواية : تلقاه واعتنقه وقبله . وفي " الصحيح " من حديث البراء وغيره : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " . أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، قال : " ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أفضل من جعفر بن أبي طالب " يعني في الجود والكرم . رواه جماعة عن خالد ، وله علة ، يرويه عبيد الله بن عمرو ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة . ابن عجلان : عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : كنا نسمي جعفرا أبا المساكين . كان يذهب بنا إلى بيته ، فإذا لم يجد لنا شيئا ، أخرج إلينا عكة أثرها عسل ، فنشقها ونلعقها . عقيل بن أبي طالب الهاشمي هو أكبر إخوته وآخرهم موتا ، وهو جد عبد الله بن محمد بن عقيل المحدث ، وله أولاد : مسلم ويزيد ، وبه كان يكنى ، وسعيد ، وجعفر ، وأبو سعيد الأحول ، ومحمد ، وعبد الرحمن ، وعبد الله . شهد بدرا مشركا ، وأخرج إليها مكرها ، فأسر ، ولم يكن له مال ، ففداه عمه العباس . وروي أن عقيلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أسر : من قتلت من أشرافهم ؟ قال : " قتل أبو جهل " . قال : الآن صفا لك الوادي . قال ابن سعد : خرج عقيل مهاجرا في أول سنة ثمان ، وشهد مؤتة ، ثم رجع فتمرض مدة ، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا حنين ولا الطائف ، وقد أطعمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر مائة وأربعين وسقا كل سنة . [ ص: 219 ] وعن عبد الله بن محمد بن عقيل أن جده أصاب يوم مؤتة خاتما فيه تماثيل فنفله أباه . معمر : عن زيد بن أسلم قال : جاء عقيل بمخيط ، فقال لامرأته : خيطي بهذا ثيابك . فسمع المنادي : ألا لا يغلن رجل إبرة فما فوقها ، فقال عقيل لها : ما أرى إبرتك إلا قد فاتتك . عيسى بن عبد الرحمن : عن أبي إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعقيل : " يا أبا يزيد ، إني أحبك حبين : لقرابتك ، ولحب عمي لك " . ابن جريج : عن عطاء ، رأيت عقيل بن أبي طالب شيخا كبيرا يقل الغرب . قالوا : توفي زمن معاوية وسيأتي من أخباره بعد . |
زيد بن حارثة
ابن شراحيل - أو شرحبيل - بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان . الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب ، أبو أسامة الكلبي ، ثم المحمدي ، سيد الموالي ، وأسبقهم إلى الإسلام ، وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حبه ، وما أحب - صلى الله عليه وسلم - إلا طيبا ، ولم يسم الله - تعالى - في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم - عليه السلام - الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها ، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم ، فكذلك عيسى بعد نزوله أفضل هذه الأمة مطلقا ، ويكون ختامهم ، ولا يجيء بعده من فيه خير ; بل تطلع الشمس من مغربها ، ويأذن الله بدنو الساعة . أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، أنبأنا تميم ، أنبأنا أبو سعد ، أنبأنا ابن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا بندار ، حدثنا . [ ص: 221 ] عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما حارا من أيام مكة وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا زيد ، ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ " قال : والله يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي فيهم ، لكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار فدك ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به . فقدمت على أحبار خيبر ، فوجدتهم كذلك ، فقدمت على أحبار الشام ، فوجدت كذلك فقلت : ما هذا بالدين الذي أبتغي . فقال شيخ منهم : إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة . فخرجت حتى أقدم عليه ، فلما رآني قال : ممن أنت ؟ قلت من أهل بيت الله . قال : إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك ، قد بعث نبي طلع نجمه ، وجميع من رأيتهم في ضلال . قال : فلم أحس بشيء . قال : فقرب إليه السفرة ، فقال : ما هذا يا محمد ؟ قال : " شاة ذبحناها لنصب " . قال : فإني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه . وتفرقنا ، فأتى رسول الله البيت ، فطاف به - وأنا معه - وبالصفا والمروة ، وكان عندهما صنمان من نحاس : إساف ونائلة ، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبي : " لا تمسحهما ; فإنهما رجس " . فقلت في نفسي : لأمسنهما حتى أنظر ما يقول . فمسستهما ، فقال : " يا زيد ، ألم تنه " . قال : ومات زيد بن عمرو وأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد : [ ص: 222 ] " إنه يبعث أمة وحده " . في إسناده محمد لا يحتج به ، وفي بعضه نكارة بينة . عن الحسن بن أسامة بن زيد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر من زيد بعشر سنين . قال : وكان قصيرا ، شديد الأدمة ، أفطس . رواه ابن سعد ، عن الواقدي ، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبيه ، ثم قال ابن سعد : كذا صفته في هذه الرواية . وجاءت من وجه آخر أنه كان شديد البياض ، وكان ابنه أسامة أسود ، ولذلك أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول مجزز القائف حيث يقول : إن هذه الأقدام بعضها من بعض . [ ص: 223 ] لوين : حدثنا حديج ، عن أبي إسحاق قال : كان جبلة بن حارثة في الحي ، فقالوا له : أنت أكبر أم زيد ؟ قال : زيد أكبر مني ، وأنا ولدت قبله ، وسأخبركم : إن أمنا كانت من طيئ ، فماتت ، فبقينا في حجر جدنا ، فقال عماي لجدنا : نحن أحق بابني أخينا . فقال : خذا جبلة ، ودعا زيدا ، فأخذاني ، فانطلقا بي ، فجاءت خيل من تهامة ، فأخذت زيدا ، فوقع إلى خديجة ، فوهبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا أبو فزارة قال : " أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة قد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع ، فأتى خديجة ، فقالت : كم ثمنه ؟ قال : سبع مائة : قالت : خذ سبع مائة . فاشتراه وجاء به إليها فقال : أما إنه لو كان لي لأعتقته . قالت : فهو لك . فأعتقه " . [ ص: 224 ] وعن سليمان بن يسار وغيره قالوا : أول من أسلم زيد بن حارثة . موسى بن عقبة عن سالم ، عن أبيه قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [ الأحزاب : 5 ] . إسماعيل بن أبي خالد : عن أبي عمرو الشيباني قال : أخبرني جبلة بن حارثة ، قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا رسول الله ، ابعث معي أخي [ ص: 225 ] زيدا . قال : " هو ذا ، فإن انطلق ، لم أمنعه " فقال زيد : لا والله ، لا أختار عليك أحدا أبدا . قال : فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي سمعه علي بن مسهر منه . ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدرا . وقال سلمة بن الأكوع : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغزوت مع زيد بن حارثة - كان يؤمره علينا . [ ص: 226 ] الواقدي : حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبي الحويرث قال : خرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا . الواقدي : حدثنا ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك - تعني من سرية أم قرفة - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي . فقرع زيد الباب ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه عريانا ، ما رأيته عريانا قبلها - صلى الله عليه وسلم - حتى اعتنقه وقبله ثم ساءله ، فأخبره بما ظفره الله . ابن إسحاق : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة : " يا زيد ، أنت مولاي ، ومني وإلي ، وأحب القوم إلي " . رواه أحمد في " المسند " . [ ص: 227 ] إسماعيل بن جعفر وابن عيينة ، عن عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أسامة على قوم ، فطعن الناس في إمارته ، فقال : " إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده " . لفظ إسماعيل : " وإن ابنه لمن أحب " . إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه : فذكر نحوه . وفيه : " وإن كان أبوه لخليقا للإمارة ، وإن كان لأحب الناس كلهم إلي " . قال سالم : ما سمعت أبي يحدث بهذا الحديث قط إلا قال : والله ما حاشا فاطمة . إبراهيم بن يحيى بن هانئ الشجري حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : أتانا زيد بن حارثة ، فقام إليه [ ص: 228 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه ، فقبل وجهه . وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقاتلوه ، فأرسل إليهم زيدا فقتلهم وقتلها ، وأرسل بدرعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنصبه بالمدينة بين رمحين . رواه المحاملي عن عبد الله بن شبيب عنه . وروى منه الترمذي عن البخاري ، عن إبراهيم هذا وحسنه . مجالد : عن الشعبي ، عن عائشة قالت : لو أن زيدا كان حيا ، لاستخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وائل بن داود ، عن البهي ، عن عائشة : ما بعث رسول الله زيدا في جيش قط إلا أمره عليهم ، ولو بقي بعده استخلفه أخرجه النسائي . قال ابن عمر : فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فكلمته في [ ص: 229 ] ذلك ، فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك . قال الواقدي : عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد على الناس في غزوة مؤتة ، وقدمه على الأمراء ، فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم ، فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضي الله عنه . قال : فصلى عليه رسول الله ، أي دعا له ، وقال : " استغفروا لأخيكم ، قد دخل الجنة وهو يسعى " . وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة . جماعة : عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، قام - صلى الله عليه وسلم - فذكر شأنهم ، فبدأ بزيد ، فقال : " اللهم اغفر لزيد ، اللهم اغفر لزيد ، ثلاثا ، اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة " . حماد بن زيد : عن خالد بن سلمة المخزومي ، قال : لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله بعد ذلك ، فلقيته بنت زيد ، فأجهشت بالبكاء في وجهه ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى انتحب ، فقيل : ما [ ص: 230 ] هذا يا رسول الله ؟ قال : " شوق الحبيب إلى الحبيب " رواه مسدد وسليمان بن حرب عنه . حسين بن واقد : عن ابن بريدة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " دخلت الجنة ، فاستقبلتني جارية شابة . فقلت : لمن أنت ؟ قالت : أنا لزيد بن حارثة " إسناده حسن . |
عبد الله بن رواحة
ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة ، الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر . له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن بلال . حدث عنه أنس بن مالك ، والنعمان بن بشير ، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم ، [ ص: 231 ] وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعطاء بن يسار ، وعكرمة ، وغيرهم . شهد بدرا والعقبة . يكنى أبا محمد ، وأبا رواحة ، وليس له عقب ، وهو خال النعمان بن بشير ، وكان من كتاب الأنصار . استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في غزوة بدر الموعد وبعثه النبي - عليه السلام - سرية في ثلاثين راكبا إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله . قال الواقدي : وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - خارصا على خيبر . قلت : جرى ذلك مرة واحدة ، ويحتمل على بعد مرتين . قال قتيبة : ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لأم . أحمد في " مسنده " : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمارة ، عن زياد النميري ، عن أنس قال : كان ابن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول : تعال نؤمن ساعة . فقاله يوما لرجل ، فغضب ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، ألا ترى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة ، فقال : " رحم الله ابن رواحة ; إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة " . [ ص: 232 ] حماد بن زيد : حدثنا ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، فسمعه وهو يقول : " اجلسوا " . فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله . وروي بعضه عن عروة ، عن عائشة . حماد بن سلمة : أنبأنا أبو عمران الجوني ، أن عبد الله بن رواحة أغمي عليه ، فأتاه النبي ، فقال : " اللهم إن كان حضر أجله فيسر عليه ، وإلا فاشفه " . فوجد خفة ، فقال : يا رسول الله ، أمي قالت : واجبلاه ، واظهراه ! وملك رفع مرزبة من حديد يقول : أنت كذا ، فلو قلت : نعم لقمعني بها . قال أبو الدرداء : إن كنا لنكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر في اليوم الحار ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعبد الله بن رواحة . [ ص: 233 ] رواه غير واحد عن أم الدرداء عنه . معمر : عن ثابت ، عن ابن أبي ليلى قال : تزوج رجل امرأة ابن رواحة ، فقال لها : تدرين لم تزوجتك ؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته . فذكرت له شيئا لا أحفظه ، غير أنها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين ، وإذا دخل صلى ركعتين ، لا يدع ذلك أبدا . قال عروة : لما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون قال ابن رواحة : أنا منهم ؟ . فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال ابن سيرين : كان شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك . قيل : لما جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مؤتة الأمراء الثلاثة ، فقال : " الأمير زيد ، [ ص: 234 ] فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب ، فابن رواحة " . فلما قتلا ، كره ابن رواحة الإقدام ، فقال : أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لا لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنه فقاتل حتى قتل . ما لي أراك تكرهين الجنه قال مدرك بن عمارة : قال ابن رواحة : مررت بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجلست بين يديه ، فقال : " كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول ؟ " قلت : أنظر في ذاك ، ثم أقول . قال : فعليك بالمشركين ، ولم أكن هيأت شيئا . ثم قلت : فخبروني أثمان العباء متى كنتم بطارق أو دانت لكم مضر فرأيته قد كره هذا أن جعلت قومه أثمان العباء فقلت : يا هاشم الخير إن الله فضلكم على البرية فضلا ما له غير فأقبل - صلى الله عليه وسلم - بوجهه مستبشرا وقال : " وإياك فثبت الله " إني تفرست فيك الخير أعرفه فراسة خالفتهم في الذي نظروا ولو سألت إن استنصرت بعضهم في حل أمرك ما آووا ولا نصروا فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا [ ص: 235 ] وقال ابن سيرين : كان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر ، وينسبهم إليه ، فلما أسلموا وفقهوا ، كان أشد عليهم . ثابت : عن أنس قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء ، وابن رواحة بين يديه يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله فقال عمر : يا ابن رواحة ، في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خل يا عمر ; فهو أسرع فيهم من نضح النبل " وفي لفظ : " فوالذي نفسي بيده ، لكلامه عليهم أشد من وقع النبل " . ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله ورواه معمر ، عن الزهري ، عن أنس . قال الترمذي وجاء في غير هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وكعب يقول ذلك . قال : وهذا أصح عند بعض أهل العلم ; لأن ابن رواحة قتل يوم مؤتة ، [ ص: 236 ] وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك . قلت : كلا ، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزما . قال أبو زرعة الدمشقي : قلت لأحمد بن حنبل : فحديث أنس : دخل النبي - عليه السلام - مكة وابن رواحة آخذ بغرزه . فقال : ليس له أصل . وعن قيس بن أبي حازم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابن رواحة : " انزل فحرك الركاب " . قال : يا رسول الله ، لقد تركت قولي . فقال له عمر : اسمع وأطع . فنزل وقال : تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا . وساق باقيها . إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس قال : بكى ابن رواحة ، وبكت امرأته ، فقال : ما لك ؟ قالت : بكيت لبكائك . فقال : إني قد علمت أني وارد النار ، [ ص: 237 ] وما أدري أناج منها أم لا . الزهري : عن سليمان بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث ابن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود ، فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا : هذا لك وخفف عنا . قال : يا معشر يهود ، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم ، والرشوة سحت . فقالوا : بهذا قامت السماء والأرض . وحماد بن سلمة ، عن عبد الله - فيما نحسب - عن نافع ، عن ابن عمر ، نحوه . أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا محمد بن المسند ، بالمزة ، أنبأنا [ ص: 238 ] عبدان بن رزين ، حدثنا نصر بن إبراهيم الفقيه ، أنبأنا عبد الوهاب بن الحسين ، حدثنا الحسين بن محمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن العباس الزيدي ، حدثنا محمد بن حرب ، حدثنا محمد بن عياذ ، حدثنا عبد العزيز ابن أخي الماجشون : بلغنا أنه كانت لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها عن أهله ، فبصرت به امرأته يوما قد خلا بها ، فقالت : لقد اخترت أمتك على حرتك ؟ فجاحدها ذلك ، قالت : فإن كنت صادقا ، فاقرأ آية من القرآن . قال : شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا قالت : فزدني آية ، فقال : وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا فقالت : آمنت بالله ، وكذبت البصر ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحدثه ، فضحك ولم يغير عليه . وتحمله ملائكة كرام ملائكة الإله مقربينا ابن وهب : حدثني أسامة بن زيد أن نافعا حدثه قال : كانت لابن رواحة امرأة ، وكان يتقيها ، وكانت له جارية ، فوقع عليها ، فقالت له ، فقال : سبحان الله ! قالت : اقرأ علي إذا ; فإنك جنب . فقال : شهدت بإذن الله أن محمدا رسول الذي فوق السموات من عل وقد رويا لحسان . [ ص: 239 ] وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما له عمل من ربه متقبل شريك : عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة : كان يتمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشعر عبد الله بن رواحة ، وربما قال : . ابن إسحاق : حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة قال : " ثم أخذ الراية - يعني بعد قتل صاحبه - قال : فالتوى بعض الالتواء ، ثم تقدم بها على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بها بعض التردد " . قال : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال عند ذلك : أقسمت بالله لتنزلنه طائعة أو لا لتكرهنه ثم نزل فقاتل حتى قتل . [ ص: 240 ] إن أجلب الناس وشدوا الرنه ما لي أراك تكرهين الجنه قد طال ما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه وقال أيضا : يا نفس إن لا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد لقيت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت وإن تأخرت فقد شقيت قال الوليد بن مسلم : فسمعت أنهم ساروا بناحية معان ، فأخبروا أن الروم قد جمعوا لهم جموعا كثيرة ، فاستشار زيد أصحابه فقالوا : قد وطئت البلاد وأخفت أهلها . فانصرف ، وابن رواحة ساكت ، فسأله فقال : إنا لم نسر لغنائم ، ولكنا خرجنا للقاء ، ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة ، والرأي المسير إليهم . قال عروة بن الزبير : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فإن أصيب ابن رواحة ، فليرتض المسلمون رجلا " ثم ساروا حتى نزلوا بمعان ، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فشجع الناس ابن رواحة ، وقال : يا قوم ، والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها : الشهادة . وكانوا ثلاثة آلاف . |
شهداء يوم الرجيع
في سنة أربع بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط عينا ، عليهم عاصم بن ثابت [ ص: 241 ] بن أبي الأقلح الأنصاري . فأحاط بهم بقرب عسفان ، حي من هذيل ، هم نحو المائة ، فقتلوا ثمانية ، وأسروا خبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، فباعوهما بمكة . ومن الثمانية : عبد الله بن طارق ، حليف بني ظفر ، وخالد بن البكير الليثي ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي . وتحرير ذلك ذكرته في مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم . شهداء بئر معونة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين رجلا سنة أربع ، أمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي أحد البدريين ، ومنهم حرام بن ملحان النجاري ، والحارث بن الصمة ، وعروة بن أسماء ، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى الصديق ، فساروا حتى نزلوا بئر معونة ، فبعثوا حراما بكتاب النبي [ ص: 242 ] - صلى الله عليه وسلم - إلى عامر بن الطفيل ، فلم ينظر في الكتاب حتى قتل الرجل . ثم استصرخ بني سليم ، وأحاط بالقوم ، فقاتلوا حتى استشهدوا كلهم ، ما نجا سوى كعب بن زيد النجاري ، ترك وبه رمق فعاش ، ثم استشهد يوم الخندق وأعتق عامر بن الطفيل عمرو بن أمية الضمري ; لأنه أخبره أنه من مضر . كلثوم بن الهدم ابن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري العوفي ، شيخ الأنصار ، ومن نزل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما قدم المدينة بقباء . وكان قد شاخ . قال صاحب " الطبقات " : أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا مجمع بن يعقوب ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية ، عن عمه مجمع ( ح ) وأنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا ابن أبي سبرة ، عن عثمان بن وثاب ، عن أبي غطفان ، عن ابن عباس قالا : كان كلثوم بن الهدم رجلا شريفا . وكان مسنا ، أسلم قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فلما هاجر ، نزل عليه . وكان يتحدث في منزل سعد بن خيثمة ، وكان يسمى منزل العزاب . [ ص: 243 ] فلذلك قال الواقدي : قيل : نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد بن خيثمة ، ونزل على كلثوم بن الهدم جماعة من المهاجرين ، ثم لم يلبث أن توفي - رضي الله عنه - وذلك قبل بدر وكان رجلا صالحا . أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي . كان يوم أحد عليه عصابة حمراء ، يقال : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عتبة بن غزوان . قال الواقدي : ثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبايعه على الموت . وهو ممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب ، ثم استشهد يومئذ . قال محمد بن سعد : لأبي دجانة عقب بالمدينة وببغداد إلى اليوم . وقال زيد بن أسلم : دخل على أبي دجانة وهو مريض ، وكان وجهه يتهلل . فقيل له : ما لوجهك يتهلل ؟ فقال : ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما . [ ص: 244 ] وعن أنس بن مالك قال : رمى أبو دجانة بنفسه يوم اليمامة إلى داخل الحديقة ، فانكسرت رجله ، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل - رضي الله عنه . وقيل : هو سماك بن أوس بن خرشة . صالح بن موسى ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : لما وضعت الحرب أوزارها ، افتخر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأيامهم ، وطلحة ساكت لا ينطق ، وسماك بن خرشة أبو دجانة ساكت لا ينطق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأى سكوتهما : " لقد رأيتني يوم أحد وما في الأرض قربي مخلوق غير جبريل عن يميني ، وطلحة عن يساري . وكان سيف أبي دجانة غير دميم " ; وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض ذلك السيف حتى قال : " من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فأحجم الناس عنه ، فقال أبو دجانة : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : تقاتل به في سبيل الله حتى يفتح الله عليك أو تقتل " . فأخذه بذلك الشرط ، فلما كان قبل الهزيمة يوم أحد خرج بسيفه مصلتا وهو يتبختر ، ما عليه إلا قميص وعمامة حمراء قد عصب بها رأسه ، وإنه ليرتجز ويقول : [ ص: 245 ] إني امرؤ عاهدني خليلي إذ نحن بالسفح لدى النخيل أن لا أقيم الدهر في الكبول قال : يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في مثل هذا الموطن " . أضرب بسيف الله والرسول وحرز أبي دجانة شيء لم يصح ما أدري من وضعه . |
ص: 246 ] خبيب بن عدي
ابن عامر بن مجدعة بن جحجبا الأنصاري الشهيد . ذكره ابن سعد فقال : شهد أحدا ، وكان فيمن بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بني لحيان ، فلما صاروا بالرجيع ، غدروا بهم ، واستصرخوا عليهم ، وقتلوا فيهم ، وأسروا خبيبا ، وزيد بن الدثنة ، فباعوهما بمكة ، فقتلوهما بمن قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - من قومهم ، وصلبوهما بالتنعيم . قال مسلمة بن جندب : عن الحارث بن البرصاء قال : أتي بخبيب ، فبيع بمكة ، فخرجوا به إلى الحل ليقتلوه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين . ثم [ ص: 247 ] قال : لولا أن تظنوا أن ذلك جزع لزدت ، اللهم أحصهم عددا . قال الحارث : وأنا حاضر ، فوالله ما كنت أظن أن سيبقى منا أحد . ابن إسحاق : عن عاصم بن عمر قال : لما كان من غدر عضل والقارة بخبيب وأصحابه بالرجيع ، قدموا به وبزيد بن الدثنة . فأما خبيب ، فابتاعه [ ص: 248 ] حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث بن عامر ، وكان أخا حجير لأمه ، ليقتله بأبيه . فلما خرجوا به ليقتلوه ، وقد نصبوا خشبته ليصلبوه ، فانتهى إلى التنعيم ، فقال : إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين . فقالوا : دونك . فصلى ، ثم قال : والله لولا أن تظنوا إنما طولت جزعا من القتل ، لاستكثرت من الصلاة . فكان أول من سن الصلاة عند القتل . ثم رفعوه على خشبته ، فقال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا ، اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما أتى إلينا . قال : وقال معاوية : كنت فيمن حضره ، فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض ، فرقا من دعوة خبيب . وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع ، زلت عنه الدعوة . قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن عقبة بن الحارث قال : والله ما أنا قتلته ؛ لأنا كنت أصغر من ذلك ، ولكن أخذ بيدي أبو ميسرة العبدري ، فوضع الحربة على يدي ، ثم وضع يده على يدي فأخذها بها ، ثم قتله . عبد الله بن إدريس : حدثني عمرو بن عثمان بن موهب ، مولى الحارث بن عامر قال : قال موهب : قال لي خبيب ، وكانوا جعلوه عندي : أطلب إليك [ ص: 249 ] ثلاثا : أن تسقيني العذب ، وأن تجنبني ما ذبح على النصب ، وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي . ابن إسحاق : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن ماوية مولاة حجير ، وكان خبيب حبس في بيتها ، فكانت تحدث بعدما أسلمت ، قالت : والله إنه لمحبوس إذ اطلعت من صير الباب إليه ، وفي يده قطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في الأرض حبة عنب ، ثم طلب مني موسى يستحدها . معاذ بن عمرو بن الجموح ابن كعب ، الأنصاري الخزرجي السلمي المدني البدري العقبي ، قاتل أبي جهل قال جرير بن حازم ، عن ابن إسحاق : معاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة . شهد بدرا . [ ص: 250 ] روى عنه ابن عباس . وعاش إلى أواخر خلافة عمر وفي " الصحيحين " من طريق يوسف بن الماجشون ، أنبأنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : إني لواقف يوم بدر في الصف ، فنظرت فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما ، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما ، فقال : يا عم ، أتعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم . وما حاجتك ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . فتعجبت لذلك . فغمزني الآخر ، فقال مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس ، فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما . قال : فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى النبي فأخبراه ، فقال : " أيكما قتله ؟ فقال كل منهما : أنا قتلته . فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا . فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله " . وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو . والآخر هو معاذ بن عفراء وعن معاذ بن عمرو ، قال : جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني ، فلما أمكنني ، حملت عليه فضربته ، فقطعت قدمه بنصف ساقه ، وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي ، فطرح يدي وبقيت معلقة بجلدة بجنبي ، وأجهضني [ ص: 251 ] عنها القتال ، فقاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني ، وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها . هذه - والله - الشجاعة ، لا كآخر ، من خدش بسهم ينقطع قلبه ، وتخور قواه . نقل هذه القصة ابن إسحاق وقال : ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان . قال : ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، وتركه وبه رمق ، ثم قاتل معوذ حتى قتل ، وقتل أخوه عوف قبله ، وهما ابنا الحارث بن رفاعة الزرقي . ثم مر ابن مسعود بأبي جهل ، فوبخه وبه رمق ، ثم احتز رأسه . أخبرنا أحمد بن سلامة ، عن ابن مسعود الجمال ، أنبأنا أبو علي ، أنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد الأبار حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا رشدين بن سعد ، عن عبد الله بن الوليد التجيبي ، عن أبي منصور مولى الأنصار أنه سمع عمرو بن الجموح يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله - عز وجل - : إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري ، وأذكر بذكرهم " [ ص: 252 ] تفرد به رشدين ، وهو ضعيف . وليس هذا الحديث لصاحب الترجمة ; بل لأبيه . وقد قالوا إن عمرا قتل يوم أحد ، فكيف يسمع منه أبو منصور ؟ . |
معوذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري السلمي
شهد مع أخويه معاذ وخلاد بدرا ، لكن لم يذكره ابن إسحاق ، فالله أعلم . أخوهما خلاد بن عمرو شهد بدرا ، واستشهد يوم أحد . وأبوهم عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد ، بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي الغنمي . والد معاذ ، ومعوذ ، وخلاد المذكورين ، وعبد الرحمن ، وهند . [ ص: 253 ] روى ثابت البناني : عن عكرمة ، قال : قدم مصعب بن عمير المدينة يعلم الناس ، فبعث إليه عمرو بن الجموح : ما هذا الذي جئتمونا ؟ قالوا : إن شئت جئناك ، فأسمعناك القرآن . قال : نعم . فقرأ صدرا من سورة يوسف ، فقال عمرو : إن لنا مؤامرة في قومنا - وكان سيد بني سلمة - فخرجوا ، ودخل على مناف فقال : يا مناف ، تعلم - والله - ما يريد القوم غيرك ، فهل عندك من نكير ؟ . قال : فقلده السيف وخرج ، فقام أهله فأخذوا السيف ، فلما رجع قال : أين السيف يا مناف ؟ ويحك ! إن العنز لتمنع استها ، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير . ثم قال لهم : إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا . فذهب ، فأخذوه فكسروه وربطوه مع كلب ميت وألقوه في بئر ، فلما جاء قال : كيف أنتم ؟ قالوا : بخير يا سيدنا ، طهر الله بيوتنا من الرجس . قال : والله إني أراكم قد أسأتم خلافتي في مناف . قالوا : هو ذاك ، انظر إليه في ذلك البئر . فأشرف فرآه ، فبعث إلى قومه فجاءوا ، فقال : ألستم على ما أنا عليه ؟ قالوا : بلى ، أنت سيدنا . قال : فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد . قال : فلما كان يوم أحد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " . فقام - وهو أعرج - فقال : والله لأقحزن عليها في الجنة . فقاتل حتى قتل . وعن عاصم بن عمر أن إسلام عمرو بن الجموح تأخر ، وكان له صنم يقال له مناف ، وكان فتيان بني سلمة قد آمنوا ، فكانوا يمهلون ، حتى إذا ذهب الليل [ ص: 254 ] دخلوا بيت صنمه فيطرحونه في أنتن حفرة منكسا ، فإذا أصبح عمرو غمه ذلك ، فيأخذه فيغسله ويطيبه ، ثم يعودون لمثل فعلهم ، فأبصر عمرو شأنه وأسلم ، وقال أبياتا منها : والله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن أف لمثواك إلها مستدن روى محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ( ح ) وفطر بن خليفة ، عن حبيب بن أبي ثابت ( ح ) ، وابن عيينة ، عن ابن المنكدر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني سلمة ، من سيدكم ؟ قالوا : الجد بن قيس ، وإنا لنبخله . قال : وأي داء أدوى من البخل ؟ ! بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح " . فالآن فتشناك عن شر الغبن قال الواقدي : لم يشهد بدرا - كان أعرج - ولما خرجوا يوم أحد منعه بنوه ، وقالوا : عذرك الله . فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكوهم ، فقال : " لا عليكم أن لا تمنعوه ; لعل الله يرزقه الشهادة " . [ ص: 255 ] قالت امرأته هند أخت عبد الله بن عمرو بن حرام : كأني أنظر إليه قد أخذ درقته وهو يقول : اللهم لا تردني . فقتل هو وابنه خلاد . إسرائيل : عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى : أن عمرو بن الجموح قال لبنيه : أنتم منعتموني الجنة يوم بدر ، والله لإن بقيت لأدخلن الجنة . فلما كان يوم أحد ، قال عمر : لم يكن لي هم غيره ، فطلبته ، فإذا هو في الرعيل الأول . قال مالك : كفن هو وعبد الله بن عمرو بن حرام في كفن واحد . مالك : عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح ، وابن حرام كان السيل قد خرب قبرهما ، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا ، كأنما ماتا بالأمس . وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه ، فدفن كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت ، فرجعت كما كانت . وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة . |
[ ص: 256 ] عبيدة بن الحارث
ابن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي . وأمه من ثقيف . وكان أحد السابقين الأولين ، وهو أسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشر سنين ، هاجر هو وأخواهالطفيل وحصين . وكان ربعة من الرجال ، مليحا ، كبير المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي بارز رأس المشركين يوم بدر فاختلفا ضربتين ، فأثبت كل منهما الآخر ، وشد علي وحمزة على عتبة فقتلاه ، واحتملا عبيدة وبه رمق . ثم توفي بالصفراء في العشر الأخير من رمضان ، سنة اثنتين رضي الله عنه . وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره على ستين راكبا من المهاجرين ، وعقد له لواء ، فكان أول لواء عقد في الإسلام ، فالتقى قريشا وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة ، وكان ذاك أول قتال جرى في الإسلام . قاله ابن إسحاق . ص: 257 ] أعيان البدريين أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وسعد ، والزبير ، وأبو عبيدة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن حارثة ، ومسطح بن أثاثة ، ومصعب بن عمير ، وابن مسعود ، والمقداد ، وصهيب ، وعمار ، وأبو سلمة ، وزيد بن الخطاب ، وسعد بن معاذ ، وعباد بن بشر ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وقتادة بن النعمان ، ورفاعة ومبشر ابنا عبد المنذر ، ولم يحضرها أخوهما أبو لبابة ; لأنه استخلف على المدينة . وأبو أيوب ، وأبي بن كعب ، وبنو عفراء ، وأبو طلحة ، وبلال ، وعبادة ، ومعاذ ، وعتبان بن مالك ، وعكاشة بن محصن ، وعاصم بن ثابت ، وأبو اليسر - رضي الله عنهم . ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ، أبو أروى . وله من الولد : محمد ، وعبد الله ، والحارث ، والعباس ، وأمية ، وعبد شمس ، وعبد المطلب ، وأروى الكبرى ، وهند ، وأروى ، وآدم . وآدم : هو المسترضع له في هذيل ، فقتله بنو ليث بن بكر في حرب كانت بينهم ، وكان صغيرا يحبو أمام البيوت ، فأصابه حجر قتله ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وأول دم أضعه دم ابن ربيعة بن الحارث " . ويروى أن قال فيه : " آدم رأى في [ ص: 258 ] الكتاب دم ابن ربيعة ، فزاد ألفا ، والظاهر أنه لصغره ما حفظ اسمه . وقيل : كان اسمه تمام بن ربيعة " . قالوا : وكان ربيعة أسن من عمه العباس بسنتين ، ونوبة بدر كان ربيعة غائبا بالشام . قال ابن سعد : فلما خرج العباس ونوفل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرين أيام الخندق ، شيعهما ربيعة إلى الأبواء ، ثم أراد الرجوع ، فقالا له : أين ترجع ؟ إلى دار الشرك تقاتلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكذبونه ، وقد عز وكثف أصحابه ، ارجع . فسار معهما حتى قدموا جميعا مسلمين . وأطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربيعة بخيبر مائة وسق كل سنة ، وشهد معه الفتح وحنينا ، وابتنى دارا بالمدينة ، وتوفي في خلافة عمر . ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نعم العبد ربيعة بن الحارث ; لو قصر من شعره ، وشمر من ثوبه " . وكان ربيعة شريكا لعثمان في التجارة ، وقد جاء في حديث جابر الذي في [ ص: 259 ] المناسك : " وإن أول دم أضع دم [ ابن ] ربيعة بن الحارث " أراد الذي يستحق ربيعة به الدية من أجل ولده . وقيل : إنه توفي سنة ثلاث عشرة وأمه هي غزية بنت قيس بن طريف . |
عبد الله بن الحارث
ابن عبد المطلب الهاشمي ، أخو ربيعة ونوفل ، وكان اسمه عبد شمس فغير ; فرووا أنه هاجر قبيل الفتح ، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله . وخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ، فمات بالصفراء فكفنه في قميصه - يعني قميص النبي - صلى الله عليه وسلم . وقد قيل إنه قال فيه : " هو سعيد أدركته السعادة " . كذا أورد ابن سعد هذا بلا إسناد ، ولا نسل لهذا . خالد بن سعيد ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي . [ ص: 260 ] السيد الكبير أبو سعيد القرشي الأموي ، أحد السابقين الأولين . روي عن أم خالد بنت خالد ، قالت : كان أبي خامسا في الإسلام ، وهاجر إلى أرض الحبشة ، وأقام بها بضع عشرة سنة ، وولدت أنا بها . وروى إبراهيم بن عقبة ، عن أم خالد قالت : أبي أول من كتب : بسم الله الرحمن الرحيم . وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على صنعاء ، وأن أبا بكر أمره على بعض الجيش في غزو الشام . قال موسى بن عقبة ، أخبرنا أشياخنا أن خالدا قتل مشركا ، ثم لبس سلبه ديباجا أو حريرا ، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو ، فقال : ما لكم تنظرون ؟ من شاء فليفعل مثل عمل خالد ، ثم يلبس لباسه . ويروى أن خالدا - رضي الله عنه - استشهد ، فقال الذي قتله بعد أن أسلم : من هذا الرجل ؟ فإني رأيت نورا له ساطعا إلى السماء . وقيل : كان خالد بن سعيد وسيما جميلا ، قتل يوم أجنادين ، وهاجر مع جعفر بن أبي طالب إلى المدينة زمن خيبر . وبنته المذكورة عمرت ، وتأخرت إلى قريب عام تسعين . وكان أبوه أبو أحيحة من كبراء الجاهلية ، مات قبل غزوة بدر مشركا . وله عدة أولاد منهم : أبان بن سعيد أبو الوليد الأموي ، تأخر إسلامه ، وكان تاجرا موسرا سافر إلى الشام ، وهو الذي أجار ابن عمه عثمان بن عفان يوم الحديبية حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولا إلى مكة ، فتلقاه أبان وهو يقول : أقبل وأنسل ولا تخف أحدا بنو سعيد أعزة البلد ثم أسلم يوم الفتح ; لا بل قبل الفتح ، وهاجر ; وذلك أن أخويه خالدا المذكور وعمرا لما قدما من هجرة الحبشة إلى المدينة بعثا إليه يدعوانه إلى الله تعالى ، فبادر وقدم المدينة مسلما . وقد استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع على البحرين ، ثم إنه استشهد هو وأخوه خالد يوم أجنادين على الصحيح . وأبان : هو ابن عمة أبي جهل . وأخوهما عمرو بن سعيد الأموي له هجرتان : إلى الحبشة ، ثم إلى المدينة . وله حديث في " مسند الإمام أحمد " . [ ص: 262 ] استشهد يوم اليرموك ويقال : يوم أجنادين مع أخويه رضي الله عنهم . وروى عمرو بن سعيد الأشدق أن أعمامه خالدا وأبانا وعمرا رجعوا عن أعمالهم حين بلغهم موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أبو بكر : ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ارجعوا إلى أعمالكم . فأبوا ، وخرجوا إلى الشام فقتلوا - رضي الله عنهم . العلاء بن الحضرمي ( ع ) واسمه العلاء بن عبد الله بن عماد بن أكبر بن ربيعة بن مقنع بن حضرموت . كان من حلفاء بني أمية ، ومن سادة المهاجرين وأخوه ميمون بن الحضرمي هو المنسوب إليه بئر ميمون التي بأعلى مكة ، احتفرها قبل المبعث . وأخواهما : عمرو وعامر . [ ص: 263 ] ولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البحرين ، ثم وليها لأبي بكر وعمر . وقيل : إن عمر بعثه على إمرة البصرة ، فمات قبل أن يصل إليها . وولي بعده البحرين لعمر أبو هريرة . له حديث : " مكث المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثا " . رواه عنه السائب بن يزيد . وروى عنه أيضا حيان الأعرج ، وزياد بن حدير . روى منصور بن زاذان ، عن محمد بن سيرين عن ابن العلاء ، أن العلاء ابن الحضرمي كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبدأ بنفسه . قال ابن إسحاق : كان والدهم الحضرمي حلف حرب بن أمية ، وهو من بلاد حضرموت ، واسمه عبد الله بن عباد بن الصدف . [ ص: 264 ] ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة قال : بعثه - يعني العلاء - أبو بكر الصديق في جيش قبل البحرين - وكانوا قد ارتدوا - فسار إليهم وبينه وبينهم البحر - يعني الرقراق - حتى مشوا فيه بأرجلهم ، فقطعوا كذلك مكانا كانت تجري فيه السفن ، وهي اليوم تجري فيه أيضا ، فقاتلهم ، وأظهره الله عليهم ، وبذلوا الزكاة . توفي سنة إحدى وعشرين . وروي عن أبي هريرة : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع العلاء بن الحضرمي ووصاه بي ، فكنت أؤذن له . وقال المسور بن مخرمة : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - العلاء إلى البحرين ، ثم عزله بأبان بن سعيد . قال محمد بن سعد : بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي ، فخرج من المدينة في ستة عشر راكبا ، وكتب له كتابا أن ينفر معه كل من مر به من المسلمين إلى عدوهم ، فسار العلاء في من تبعه حتى لحق بحصن جواثى فقاتلهم ، فلم يفلت منهم أحد . ثم أتى القطيف وبها جمع ، فقاتلهم ، فانهزموا ، فانضمت [ ص: 265 ] الأعاجم إلى الزارة ، فأتاهم العلاء ، فنزل الخط على ساحل البحر ، فقاتلهم ، وحاصرهم إلى أن توفي الصديق ، فطلب أهل الزارة الصلح فصالحهم ، ثم قاتل أهل دارين ، فقتل المقاتلة ، وحوى الذراري . وبعث عرفجة إلى ساحل فارس ، فقطع السفن ، وافتتح جزيرة بأرض فارس واتخذ بها مسجدا . مجالد : عن الشعبي أن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين أن سر إلى عتبة بن غزوان ; فقد وليتك عمله ، وطننت أنك أغنى منه ، فاعرف له حقه . فخرج العلاء في رهط ، منهم أبو هريرة ، وأبو بكرة ، فلما كانوا بنياس مات العلاء . وكان أبو هريرة يقول : رأيت من العلاء ثلاثة أشياء لا أزال أحبه أبدا : قطع البحر على فرسه يوم دارين ; وقدم يريد البحرين ، فدعا الله بالدهناء ، فنبع لهم ماء فارتووا ; ونسي رجل منهم بعض متاعه فرد ، فلقيه ولم يجد الماء . [ ص: 266 ] ومات ونحن على غير ماء ، فأبدى الله لنا سحابة ، فمطرنا ، فغسلناه ، وحفرنا له بسيوفنا ، ودفناه ، ولم نلحد له . |
سعد بن خيثمة
ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم أبو عبد الله الأنصاري الأوسي البدري النقيب ، أخو أبي ضياح النعمان بن ثابت لأمه . انقرض عقبه سنة مائتين . وكان ابن الكلبي يخالف في النحاط ، ويجعله الحناط بن كعب . آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي سلمة بن عبد الأسد . قالوا : وكان أحد النقباء الاثني عشر . ولما ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين يوم بدر فأسرعوا ، قال خيثمة لابنه سعد : آثرني بالخروج ، وأقم مع نسائك . فأبى وقال : لو كان غير الجنة ، آثرتك به . فاقترعا ، فخرج سهم سعد فخرج ، واستشهد ببدر واستشهد أبوه خيثمة يوم أحد . [ ص: 267 ] البراء بن معرور ابن صخر بن خنساء بن سنان . السيد النقيب أبو بشر الأنصاري الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة . وهو ابن عمة سعد بن معاذ ، وكان نقيب قومه بني سلمة ، وكان أول من بايع ليلة العقبة الأولى ، وكان فاضلا ، تقيا ، فقيه النفس . مات في صفر قبل قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بشهر . محمد بن إسحاق : حدثني معبد بن كعب ، عن أخيه عبد الله ، عن أبيه قال : خرجنا من المدينة نريد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وخرج معنا حجاج قومنا من أهل الشرك ، حتى إذا كنا بذي الحليفة قال لنا البراء بن معرور - وكان سيدنا وذا سننا - : تعلمن والله لقد رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر ، وأن أصلي إليها . فقلنا : والله لا نفعل ، ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام ، فما كنا لنخالف قبلته . فلقد رأيته إذا حضرت الصلاة يصلي إلى الكعبة . قال : فعبنا عليه وأبى إلا الإقامة عليه ، حتى قدمنا مكة ، فقال لي : يا ابن أخي ، لقد صنعت [ ص: 268 ] في سفري شيئا ما أدري ما هو ، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنسأله عما صنعت . وكنا لا نعرف رسول الله ، فخرجنا نسأل عنه ، فلقينا بالأبطح رجلا ، فسألناه عنه . فقال : هل تعرفانه ؟ قلنا : لا . قال : فهل تعرفان العباس ؟ قلنا : نعم . فكان العباس يختلف إلينا بالتجارة فعرفناه ، فقال : هو الرجل الجالس معه الآن في المسجد ، فأتيناهما فسلمنا وجلسنا ، فسألنا العباس : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من هذان يا عم ؟ " قال : هذا البراء بن معرور سيد قومه ، وهذا كعب بن مالك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشاعر ؟ " فقال البراء : يا رسول الله ، والله لقد صنعت كذا وكذا . فقال : " قد كنت على قبلة لو صبرت عليها " . فرجع إلى قبلته ، ثم واعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة الأوسط . . وذكر القصة بطولها . وروى يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أمه ، عن أبيه أن البراء بن معرور أوصى بثلثه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أوصى بثلث في سبيل الله ، وأوصى بثلث لولده ، فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - فرده على الورثة ، فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مات . فسأل عن قبره فأتاه ، فصف عليه وكبر ، وقال : اللهم اغفر له وارحمه ، وأدخله الجنة ، وقد فعلت . وكان البراء ليلة العقبة هو أجل السبعين ، وهو أولهم مبايعة لرسول الله [ ص: 269 ] - صلى الله عليه وسلم - وكان ابنه : بشر بن البراء من أشراف قومه ، وقد روي من حديث أبي هريرة وجابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من سيدكم يا بني سلمة ؟ قالوا : الجد بن قيس ; على أن فيه بخلا . فقال : وأي داء أدوى من البخل ؟ بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء " . قلت : هو الذي أكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشاة المسمومة يوم خيبر فأصيب . وهو من كبار البدريين . |
سعد بن عبادة
ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج . السيد الكبير الشريف أبو قيس الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني ، النقيب سيد الخزرج . له أحاديث يسيرة وهي عشرون بالمكرر . مات قبل أوان الرواية ، روى عنه سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، مرسل . له عند أبي داود ، والنسائي حديثان . قال أبو الأسود : عن عروة إنه شهد بدرا ، وقال جماعة : ما شهدها . [ ص: 271 ] قال ابن سعد : كان يتهيأ للخروج إلى بدر ، ويأتي دور الأنصار يحضهم على الخروج ، فنهش ، فأقام ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لإن كان سعد ما شهد بدرا ، لقد كان حريصا عليها " . قال : وكان عقبيا نقيبا سيدا جوادا . ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره ، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيوت أزواجه . وقال البخاري في " تاريخه " : إنه شهد بدرا . وتبعه ابن منده . وممن روى عنه أولاده : قيس ، وسعيد ، وإسحاق ، وابن عباس . وسكن دمشق - فيما نقل ابن عساكر - قال : ومات بحوران ، وقيل : قبره بالمنيحة . روى ابن شهاب : عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت وعليها نذر ، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمرني أن أقضيه عنها . [ ص: 272 ] والأكثر جعلوه من مسند ابن عباس . أحمد في " مسنده " : حدثنا يونس ، حدثنا حماد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي شميلة ، عن رجل رده إلى سعيد الصراف ، عن إسحاق بن سعد بن عبادة ، عن أبيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذا الحي من الأنصار مجنة ، حبهم إيمان ، وبغضهم نفاق " . قال موسى بن عقبة والجماعة : إنه أحد النقباء ليلة العقبة . وعن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل ، قال : جاء سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، يمتاران لأهل العقبة وقد خرج القوم ، فنذر بهما أهل مكة . فأخذ سعد ، وأفلت المنذر . قال سعد : فضربوني حتى تركوني كأني [ ص: 273 ] نصب أحمر - يحمر النصب من دم الذبائح عليه - قال : فخلا رجل كأنه رحمني ، فقال : ويحك ! أما لك بمكة من تستجير به ؟ قلت : لا ، إلا أن العاص بن وائل قد كان يقدم علينا المدينة فنكرمه . فقال رجل من القوم : ذكر ابن عمي ، والله لا يصل إليه أحد منكم . فكفوا عني ، وإذا هو عدي بن قيس السهمي . حجاج بن أرطاة : عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : كان لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علي ، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة . رواه أبو غسان النهدي ، عن إبراهيم بن الزبرقان ، عنه . معمر : عن عثمان الجزري ، عن مقسم - لا أعلمه إلا عن ابن عباس - : إن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تكون مع علي ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة . حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن أنس ، قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إقفال أبي سفيان قال : " أشيروا علي " . فقام أبو بكر ، فقال : اجلس . فقام سعد بن عبادة . [ ص: 274 ] فقال : لو أمرتنا يا رسول الله أن نخيضها البحر لأخضناها ، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا . أبو حذيفة : حدثنا سفيان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : " من جاء بأسير فله سلبه " . فجاء أبو اليسر بأسيرين ، فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ، حرسناك مخافة عليك . فنزلت يسألونك عن الأنفال . ورواه عبد الرزاق ، عن سفيان . علي بن بحر : حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل ، حدثنا أبي عن جدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب المرأة ويصدقها ، ويشرط لها " صحفة سعد تدور معي إذا درت إليك " . فكان يرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحفة كل ليلة . محمد بن إسحاق بن يسار ، عن أبيه مرسلا نحوه . [ ص: 275 ] الأوزاعي : عن يحيى بن أبي كثير : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - من سعد كل يوم جفنة تدور معه حيث دار ، وكان سعد يقول : اللهم ارزقني مالا ; فلا تصلح الفعال إلا بالمال . أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا عباد بن منصور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت والذين يرمون المحصنات قال سعد سيد الأنصار : هكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الأنصار ، ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم ؟ " قالوا : لا تلمه ; فإنه غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ، ولا طلق امرأة قط ، فاجترأ أحد يتزوجها . فقال سعد : يا رسول الله ، والله لأعلم أنها حق ، وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فلا آتي بهم حتى يقضي حاجته . الحديث . وفي حديث الإفك : قالت عائشة : فقام سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية فقال : كلا والله لا تقتله ولا تقدر على ذلك . [ ص: 276 ] يعني يرد على سعد بن معاذ سيد الأوس . وهذا مشكل ; فإن ابن معاذ كان قد مات . جرير بن حازم ، عن ابن سيرين : كان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم . قال عروة : كان سعد بن عبادة يقول : اللهم هب لي حمدا ومجدا ، اللهم لا يصلحني القليل ، ولا أصلح عليه . قلت : كان ملكا شريفا مطاعا ، وقد التفت عليه الأنصار يوم وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبايعوه ، وكان موعوكا ، حتى أقبل أبو بكر والجماعة ، فردوهم عن رأيهم ، فما طاب لسعد . الواقدي : حدثنا محمد بن صالح عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي أن الصديق بعث إلى سعد بن عبادة : أقبل فبايع ; فقد بايع الناس . فقال : لا والله ، لا أبايعكم حتى أقاتلكم بمن معي . فقال بشير بن سعد : يا خليفة رسول الله ، إنه قد أبى ولج ، فليس يبايعكم حتى يقتل ، ولن [ ص: 277 ] يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته ، فلا تحركوه ما استقام لكم الأمر ، وإنما هو رجل وحده ما ترك . فتركه أبو بكر . فلما ولي عمر ، لقيه فقال : إيه يا سعد ! فقال : إيه يا عمر ! فقال عمر : أنت صاحب ما أنت صاحبه ؟ قال : نعم . وقد أفضى إليك هذا الأمر ، وكان صاحبك - والله - أحب إلينا منك ، وقد أصبحت كارها لجوارك . قال : من كره ذلك تحول عنه . فلم يلبث إلا قليلا حتى انتقل إلى الشام ، فمات بحوران . إسنادها كما ترى . ابن عون ، عن ابن سيرين أن سعدا بال قائما فمات ، فسمع قائل يقول : قد قتلنا سيد الخز رج سعد بن عباده ورميناه بسهمي وقال سعد بن عبد العزيز : أول ما فتحت بصرى ، وفيها مات سعد بن عبادة . ن فلم نخط فؤاده وقال أبو عبيد : مات سنة أربع عشرة بحوران . وروى ابن أبي عروبة : عن ابن سيرين أن سعد بن عبادة بال قائما ، فمات ، وقال : إني أجد دبيبا . [ ص: 278 ] الأصمعي : حدثنا سلمة بن بلال عن أبي رجاء ، قال : قتل سعد بن عبادة بالشام ، رمته الجن بحوران . الواقدي : حدثنا يحيى بن عبد العزيز ، من ولد سعد ، عن أبيه ، قال : توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر ، فما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قائلا من بئر يقول : قد قتلنا سيد الخز رج سعد بن عباده فذعر الغلمان ، فحفظ ذلك اليوم ، فوجدوه اليوم الذي مات فيه . ورميناه بسهمي ن فلم نخط فؤاده وإنما جلس يبول في نفق ، فمات من ساعته . ووجدوه قد اخضر جلده . وقال يحيى بن بكير وابن عائشة وغيرهما : مات بحوران سنة ست عشرة . وروى المدائني : عن يحيى بن عبد العزيز ، عن أبيه ، قال : مات في خلافة أبي بكر . قال ابن سعد : كان سعد يكتب في الجاهلية ، ويحسن العوم والرمي . [ ص: 279 ] وكان من أحسن ذلك ، سمي الكامل . وكان سعد وعدة آباء له قبله ينادى على أطمهم : من أحب الشحم واللحم ، فليأت أطم دليم بن حارثة . |
سعد بن معاذ
ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل . السيد الكبير الشهيد أبو عمرو الأنصاري الأوسي الأشهلي ، البدري الذي اهتز العرش لموته . ومناقبه مشهورة في الصحاح ، وفي السيرة ، وغير ذلك . وقد أوردت جملة من ذلك في تاريخ الإسلام في سنة وفاته . نقل ابن الكلبي ، عن عبد الحميد بن أبي عيسى بن جبر ، عن أبيه أن قريشا سمعت هاتفا على أبي قبيس يقول : فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف فقال أبو سفيان : من السعدان ؟ سعد بكر ، سعد تميم ؟ فسمعوا في الليل ، الهاتف يقول : أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف فقال أبو سفيان : هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة . [ ص: 280 ] أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف فإن ثواب الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف أسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير . فقال ابن إسحاق : لما أسلم وقف على قومه ، فقال : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا فضلا ، وأيمننا نقيبة . قال : فإن كلامكم علي حرام ، رجالكم ونساؤكم ، حتى تؤمنوا بالله ورسوله . قال : فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا . أبو إسحاق : عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، قال : انطلق سعد بن معاذ معتمرا ، فنزل على أمية بن خلف - وكان أمية إذا انطلق إلى الشام يمر بالمدينة فينزل عليه - فقال أمية له : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت . فبينا سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل ، فقال : من الذي يطوف آمنا ؟ قال : أنا سعد . فقال : أتطوف آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه ؟ قال : نعم . فتلاحيا . فقال أمية : لا ترفع صوتك على أبي الحكم ; فإنه سيد أهل الوادي . فقال سعد : والله لو منعتني ، لقطعت عليك متجرك بالشام . قال : فجعل أمية يقول : لا ترفع صوتك . فغضب وقال : دعنا منك ، فإني سمعت محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول : يزعم أنه قاتلك . قال : إياي ؟ قال : نعم . قال : والله ما يكذب محمد . [ ص: 281 ] فكاد يحدث فرجع إلى امرأته ، فقال : أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي ؟ زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي . قالت : والله ما يكذب محمد . فلما خرجوا لبدر قالت امرأته : ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ فأراد أن لا يخرج . فقال له أبو جهل : إنك من أشراف أهل الوادي ، فسر معنا يوما أو يومين . فسار معهم ، فقتله الله . قال ابن شهاب : وشهد بدرا سعد بن معاذ . ورمي يوم الخندق . فعاش شهرا ، ثم انتقض جرحه فمات . ابن إسحاق : حدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل أن عائشة كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وأم سعد معها ، فعبر سعد عليه درع مقلصة قد خرجت منه ذراعه كلها وفي يده حربة يرفل بها ويقول : لبث قليلا يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل يعني : حمل بن بدر . فقالت له أمه : أي بني ، قد أخرت . فقلت لها : يا أم سعد ، لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي . فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل ، رماه ابن العرقة ، فلما أصابه قال : خذها مني وأنا ابن العرقة . فقال : عرق الله وجهك في النار . اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني [ ص: 282 ] لها ، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه ، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة . هشام : عن أبيه ، عن عائشة قالت : رمى سعدا رجل من قريش يقال له : حبان بن العرقة ، فرماه في الأكحل ، فضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من قريب . قالت : ثم إن كلمه تحجر للبرء . قالت : فدعا سعد ، فقال في ذلك : وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتتي فيها . فانفجر من لبته ، فلم يرعهم إلا والدم يسيل ، فقالوا : يا أهل الخيمة ، ما هذا ؟ فإذا جرحه يغذو ، فمات منها . متفق عليه بأطول من هذا . الليث : عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : رمي سعد يوم الأحزاب ، فقطعوا أكحله ، فحسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنار ، فانتفخت يده فتركه ، فنزفه الدم ، فحسمه [ ص: 283 ] أخرى ، فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستمسك عرقه ، فما قطرت منه قطرة حتى نزلوا على حكم سعد ، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحكم أن يقتل رجالهم ، وتسبى نساؤهم وذراريهم ، قال : وكانوا أربع مائة ، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه . يزيد بن عبد الله بن الهاد : عن معاذ بن رفاعة ، عن جابر ، قال : جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر سعد وهو يدفن ، فقال : سبحان الله ، مرتين . فسبح القوم . ثم قال : الله أكبر ، الله أكبر . فكبروا ، فقال : عجبت لهذا العبد الصالح ، شدد عليه في قبره ، حتى كان هذا حين فرج له . ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن الحسن البصري ، قال : كان سعد بادنا ، فلما حملوه ، وجدوا له خفة . فقال رجال من المنافقين : والله إن كان [ ص: 284 ] لبادنا ، وما حملنا أخف منه . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إن له حملة غيركم . والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، واهتز له العرش " . يزيد بن هارون : أنبأنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن جده ، عن عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس ، فسمعت وئيد الأرض ورائي ، فإذا سعد ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه . فجلست ، فمر سعد وعليه درع قد خرجت منه أطرافه . وكان من أطول الناس وأعظمهم ، فاقتحمت حديقة ، فإذا فيها نفر فيهم عمر ، فقال : ما جاء بك ؟ والله إنك لجريئة ! ما يؤمنك أن يكون بلاء ؟ فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض اشتقت ساعتئذ ، فدخلت فيها ، وإذا رجل عليه مغفر ، فيرفعه عن وجهه ، فإذا هو طلحة . فقال : ويحك ! قد أكثرت ، وأين التحوز والفرار إلا إلى الله . محمد بن عمرو : عن محمد بن إبراهيم ، حدثني علقمة بن وقاص ، عن عائشة قالت : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلين من مكة حتى إذا كنا بذي الحليفة وأسيد بن حضير بيني وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فيلقى غلمان بني عبد الأشهل من الأنصار . فسألهم أسيد ، فنعوا له امرأته . فتقنع يبكي ، قلت له : غفر الله لك ، أتبكي على امرأة وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قدم الله [ ص: 285 ] لك من السابقة ما قدم ؟ فقال : ليحق لي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ . وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما يقول ، قال : قلت : وما سمعت ؟ قال : قال : " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ " . إسماعيل بن مسلم العبدي : حدثنا أبو المتوكل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحمى ، فقال : من كانت به ، فهو حظه من النار . فسألها سعد بن معاذ ربه ، فلزمته ، فلم تفارقه حتى مات . أبو الزبير : عن جابر ، قال : رمي سعد بن معاذ يوم الأحزاب ، فقطعوا أكحله ، فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار . فانتفخت يده فنزفه ، فحسمه أخرى . أبو إسحاق : عن عمرو بن شرحبيل ، قال : لما انفجر جرح سعد ، عجل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأسنده إلى صدره والدماء تسيل عليه . فجاء أبو بكر ، فقال : وانكسار ظهراه على سعد ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مهلا أبا بكر " . فجاء عمر فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون رواه شعبة عنه . محمد بن عمرو : عن أبيه ، عن جده ، عن عائشة قالت : حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر ، سعد بن معاذ ، وهو يموت في القبة التي ضربها عليه [ ص: 286 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد . قالت : والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ، وإني لفي حجرتي ، فكانا كما قال الله رحماء بينهم قال علقمة فقلت : أي أمه ، كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ؟ قالت : كان لا تدمع عينه على أحد ، ولكنه كان إذا وجد ، فإنما هو آخذ بلحيته . |
وقال ابن إسحاق : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح ، وقيل : آخى بينه وبين سعد بن أبي وقاص . وقد تواتر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن العرش اهتز لموت سعد فرحا به " وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حلة تعجبوا من حسنها : " لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه " .
وقال النضر بن شميل : حدثنا عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " [ ص: 293 ] ثم قال النضر ، وهو إمام أهل اللغة : اهتز : فرح . الأعمش : عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعا : " اهتز عرش الرحمن لموت سعد " . يوسف بن الماجشون ، عن أبيه ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن جدته رميثة قالت : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول - ولو أشاء أن أقبل الخاتم الذي بين كتفيه من قربي منه لفعلت - وهو يقول : " اهتز عرش الرحمن له " - أي : لسعد بن معاذ إسناد صالح . وخرج النسائي من طريق معاذ بن رفاعة ، عن جابر ، قال : جاء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات ؟ فتحت له أبواب السماء ، وتحرك له العرش ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا سعد . قال : فجلس على قبره الحديث . إسماعيل بن أبي خالد : عن إسحاق بن راشد ، عن أسماء بنت يزيد قالت : لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك ؟ فإن ابنك أول من ضحك الله إليه ، واهتز له العرش " [ ص: 294 ] هذا مرسل . ابن جريج : عن أبي الزبير ، عن جابر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، وجنازة سعد بين أيديهم : " اهتز لها عرش الرحمن " . ابن أبي عروبة : عن قتادة ، عن أنس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجنازة سعد موضوعة : " اهتز لها عرش الرحمن " . جماعة : عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر يرفعه : " اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا " . يونس : عن ابن إسحاق ، عن معاذ بن رفاعة قال : حدثني من شئت من رجال قومي " أن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قبض سعد معتجرا بعمامة من إستبرق . فقال : يا محمد ، من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء ، واهتز له العرش ؟ فقام سريعا يجر ثوبه إلى سعد ، فوجده قد مات " . قال ابن إسحاق : عن أمية بن عبد الله ، عن بعض آل سعد ، أن رجلا قال : وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو عبد الله بن إدريس : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر - ومنهم من [ ص: 295 ] أرسله - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك ، لقد ضم ضمة ثم أفرج عنه " يعني سعدا . رواه محمد بن سعد ، عن إسماعيل بن مسعود ، عنه . أبو معشر : عن سعيد المقبري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ، ولقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول " هذا منقطع . ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمل جنازة سعد خطوات . ولم يصح . الواقدي : حدثني سعيد بن محمد ، عن ربيح بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده أبي سعيد ، قال : كنت ممن حفر لسعد قبره بالبقيع . وكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا . قال ربيح : فأخبرني محمد بن المنكدر عن رجل ، قال : أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد فذهب بها ، ثم نظر إليها بعد فإذا هي مسك . وروى نحوه محمد بن عمرو بن علقمة ، عن ابن المنكدر ، عن محمد بن شرحبيل بن حسنة . محمد بن عمرو بن علقمة : عن أبيه ، عن جده ، عن عائشة قالت : ما كان [ ص: 296 ] أحد أشد فقدا على المسلمين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ . الواقدي : أنبأنا عبيد بن جبيرة عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، قال : كان سعد أبيض ، طوالا ، جميلا ، حسن الوجه ، أعين ، حسن اللحية ، عاش سبعا وثلاثين سنة . أبو إسحاق السبيعي : عن رجل ، عن حذيفة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اهتز العرش لروح سعد بن معاذ " . وروى سليمان التيمي ، عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اهتز عرش الرحمن لوفاة سعد " . ابن سعد : أنبأنا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : " اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا " . قال : إنما يعني السرير . وقرأ ورفع أبويه على العرش قال : إنما تفسحت أعواده . قال : ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبره ، فاحتبس ، فلما خرج ، قيل يا رسول الله ، ما حبسك ؟ قال : " ضم سعد في القبر ضمة ، فدعوت الله أن يكشف عنه " [ ص: 297 ] قلت : تفسيره بالسرير ما أدري أهو من قول ابن عمر ، أو من قول مجاهد . وهذا تأويل لا يفيد . فقد جاء ثابتا عرش الرحمن وعرش الله ، والعرش خلق لله مسخر إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله ، وجعل فيه شعورا لحب سعد ، كما جعل تعالى شعورا في جبل أحد بحبه النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال تعالى : يا جبال أوبي معه وقال تسبح له السماوات السبع والأرض . ثم عمم ، فقال : وإن من شيء إلا يسبح بحمده وهذا حق . وفي صحيح البخاري قول ابن مسعود : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . وهذا باب واسع سبيله الإيمان . أبو نعيم : حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي ، عن أبي المتوكل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحمى ، فقال : " من كانت به ، فهي حظه من النار " . فسألها سعد بن معاذ ربه ، فلزمته حتى فارق الدنيا . كان لسعد من الولد : عبد الله ، وعمرو ، فكان لعمرو تسعة أولاد . |
الساعة الآن 02:08 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |