منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التجارة في القرآن الكريم (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=6727)

ميارى 12 - 5 - 2010 03:55 PM

التجارة في القرآن الكريم
 


التجارة في القرآن الكريم بقلم عبد المغني عبد العزيز عمر( محاضر بالمعهد العالي للاقتصاد الإسلامي تزكيا , بوقور إندونيسيا)
دراسة موضوعية عن الآيات التجارية
ملخص البحث
إن التجارة لمن الأمور المرغوبة و المحبوبة لدي كثير من الناس , لأنها تأتي بالفوائد المادية و المعنوية . و لم يترك ديننا الإسلام الموصوف بالحنيفية السمحة أن تسير التجارة على غير هدي و رسالة , أو أن تكون التجارة أداة لاستغلال الموارد على حساب مصلحة الكثير من الناس . لقد ذكر الله كلمة التجارة في القرآن تسع مرات مما لفت نظرة الباحث إلى معرفة المنظور القرآني للتجارة خلال الآيات التجارية . و أخيرا توصل إلى أن للتجارة في القرآن معنيين اثنين هما : المعنى الحقيقي و المجازي . فالتجارة بمعناها الحقيقي أمر واضح و ملموس , و أما النوع المجازي فقد يغفله كثير من التجار , إذ أنها التجارة مع الله تعالى مع عرض السلع المتنوعة من ذكر و صلاة و إنفاق بالمال و النفس في سبيل الله . و المرابح التي يحصلها التجار لمرابح مغرية و شيقة لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد . و الطريق الأمثل في جمع التجارتين يكون في التمثيل لقوله تعالى في سورة النور الآية 37 , و في فاطر الآية 29 .

__________
(1) إبراهيم ، الآية 7 .
(2) سنن الترمذي , كتاب البر والصلة باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

ميارى 12 - 5 - 2010 03:57 PM

ومن بعد أخص بالشكر كل من أعانني في كتابة هذا البحث وإخراجه بهذا الشكل ، وأبدأ شكري وامتناني وعرفاني لنور عيني زوجتي التي ساعدتني بكل ما تستطيع مساعدتها , و في مقابلها تقصيري في الإحسان إليها .
ولا أنسى أن أخص بالشكر الجزيل كل من مد لي يد العون والمساعدة سواء بالدعم المادي أو المعنوي أو العلمي ، جزاهم الله عني خيرا و أحسن الجزاء .
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين على أمور الدنيا و الدين و الصلاة و السلام على أسوتنا الذي مارس التجارة في حيانه فأحسنها و أتقنها و أعطى لنا القدوة الصالحة في الحياة كلها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله و أصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد :
فالتجارة من الأمور التي يمارسها الناس و يعتادونها فهي من مقومات الحياة , و في القرآن نجد نعمة الله على قريش أن كانت لهم تجارة في الشتاء والصيف يرتحلون من أجلها إلى الشام واليمن , قال تعالى :
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ , إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ , فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ , الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(1),
وفي عصرنا الحاضر لا يقل اهتمام الناس بها , بل إنها أصبحت من الأمور اللازمة لاستمرارية الحياة .
فحديث الناس اليوم لا يخلو منها , ماذا تتجر ؟ , ما هي التجارة الرابحة ؟ , كيف تروج هذه السلع ؟ و مثل هذه الأسئلة و غيرها نسمعها و نقولها في حياتنا اليومية . و ليس هذا من العيب , لأن التجارة مهمة و محتاجة , و قد لا يتصور كيف تسير الحياة بدونها .
__________

(1) قريش : 1-4

ميارى 12 - 5 - 2010 04:00 PM

و إذا رأينا خير الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كان تاجرا , و قد كان من أصحابه صلى الله عليه وسلم تجار معروفون ، مثل عبد الرحمن بن عوف(1) ، الذي هاجر من مكة إلى المدينة ولم يكن معه شئ من مال أو متاع ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري (2)، فقال له سعد : يا أخي إني من أكثر الناس أموالا فتعال أشاطرك مالي ، وعندي زوجتان أنظر إلى أوقعهما في قلبك أطلقها لك ، فإذا استوفت عدتها تزوجتها ، وعندي داران ، تسكن إحداهما وأنا أسكن الأخرى ، هذا الإيثار العظيم من سعد بن الربيع قابله عفاف وترفع من عبد الرحمن ابن عوف قال له : يا أخي بارك الله لك في مالك وفي أهلك وفي دارك، إنما أنا امرؤ تاجر ، فدلوني على السوق . فدلوه على السوق فباع واشترى وعمل بالتجارة حتى غلب اليهود فيها وجمع ثروة ضخمة (3) .
وقد كرر الله تعالى لفظ التجارة في القرآن تسع مرات في سور متنوعة لعل الهدف تنبيه المسلمين بأنها مثل سكين ذو حدين , متى أحسن الإنسان في استعماله ربح ومتى أساء بار و كسد .
و أود في هذا البحث أن أنهل من منهل الرب جل وعلا ما يروي الظمأ في هذا المجال مستعينا بحوله و قوته .
الدراسات السابقة
__________

(1) عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري، ولد بعد الفيل بعشر سنين , وتوفي سنة إحدى وثلاثين بالمدينة، وهو ابن خمس وسبعنين سنة، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، (أسد الغابة , 2/211)
(2) سعد ابن الربيع بن عمرو صحابي أنصاري من قبيلة الخزرج حضر بيعتي العقبة الأولى والثانية، واختير , شهد بدرًا واستشهد يوم أحد سنة 3 من الهجرة . من
(3) يوسف القرضاوي , الدكتور , فتاوى معاصرة , ج 1 ص 599 , دار القلم و النشر للتوزيع , الطبعة السادسة 1416 - 1996

ميارى 12 - 5 - 2010 04:01 PM

موضوع التجارة ليس بالموضوع الجديد , فهو من الموضوعات الشيقة و الجذابة , لذا فإني لا أحزم أن أحدا قبلي لم يكتب في الموضوع , و لقد ذكرت أنني قرأت ذات مرة في القراءة العابرة , - و لم أذكر بعد - أن هناك كتابين بالعربية تكلما عن التجارة هما : التجارة في ضوء الكتاب و السنة , و التجارة في الإسلام .
و لم أحصل على الكتابين و لم أعرف المؤلف كذالك , حتى إذا حصلت فإن الكتابين - كما أظن - لم يركزا على الآيات التجارية و إنما على سبيل العموم و الله أعلم بالصواب .
أسباب اختيار الموضوع
الذي يدفعنا إلى اختيار الموضوع ما نراه الآن من أزمات و مشاكل التي واجهت الأمة المسلمة في مجال الاقتصاد والمال و التجارة على وجه الخصوص نتيجة سيطرة الرأسماليين و قلة التجار المسلمين , وباختصار أختار الموضوع للأسباب التالية :
حضور هذا الموضوع في القرآن الكريم ، فقد لفت انتباهي الآيات التي تذكر عن التجارة فأردت أن أبرز هذا الموضوع القرآني من خلال هذه الآيات .
الرغبة في تأصيل هذا الموضوع من وجهة نظرة قرآنية خالصة
إقبال الكثير من الناس على التجارة المادية بحتة و حافزهم الحصول بقدر ممكن على أكبر العائد المادي , مع عدم مبالاتهم أحيانا بالأهداف و الوسائل .
التذكير و التشجيع في نفس الوقت على أهمية التجارة لمواصلة الحياة و مواكبة التحديات معا .

محاولة إضافة جديدة لمعنى الجديد للتجارة , حتى لا يغفل التجار الهدف الرئيسي من تجارتهم .
أهداف الموضوع و أغراضه
التأصيل للتجارة من منظور قرآني , فإن القرآن هو الأساس و عليه و على هديه يصبح الأمر موفقا مستقيما و محبوبا عند الله تعالى .
إظهار المفهوم التجارة الشاملة , لا مجرد المادة , حيث يهتم كثير من الناس إلى التجارة المادية القاصرة , غافلين التجارة الحقيقية مع ربهم .
بيان بالوسائل و الكيفيات في التجارة مع الله , مع إبراز السلع و المرابح من هذه التجارة .

ميارى 12 - 5 - 2010 04:04 PM

تشجيع المسلمين على الاقتداء بخير المرسلين و الصحابة أجمعين , فإنهم تجار ناجحون رابحون , و تجارتهم حقا لتجارة لن تبور .
غرس روح الحماسة في قلوب التجار المسلمين على الاستغلال بما أعطاهم الله في محاربة أعداء الله اليهود و من معهم , بالمقاطعة و غيرها .
منهج البحث
جمع الآيات التي فيها كلمة تجارة في القرآن
محاولة ربط تلك الآيات في موضوع منتظم حتى يعطي صورة جديدة للموضوع
الرجوع إلى كتب التفاسير , و أركز كثيرا على التفسير بالمأثور . كالطبري , و ابن كثير و فتح القدير , و يساعدني كثيرا برنامج مكتبة الشاملة .
أستفيد كثيرا من التفسير بالرأي , مثل روح المعاني , و تفسير القرطبي و تفسير ابن عاشور .
أسلك منهج التفسير الموضوعي في عرض الآيات و الموضوع , و قد خصصت فصلا لهذا التفسير الموضوعي أبين فيه عن التعريف و المميزات و الطرق فيه .
أحيانا آتي بالرسوم للتوضيح في الفهم .
وثقت الآيات القرآنية الواردة في البحث .
أخرج الأحاديث من الكتب الأصلية ككتب التسعة و غيرها .
أترجم الأعلام الواردة إلا القليل لشهرتهم أو لم أحصل على ترجمتهم .
خطة البحث
يتكون البحث من خمسة أبواب رئيسية , و بالتفصيل فالخطة كالآتي :
المقدمة
و فيها الدراسات السابقة للموضوع , و أسباب اختياره , و أغراضه , و منهج البحث
و خطته
الباب الأول : القرآن منهاج المسلم
وفيه أربعة فصول :
الفصل الأول : القرآن منهج الحياة
الفصل الثاني : التعامل المطلوب مع القرآن
الفصل الثالث : أقسام التفسير
الفصل الرابع : التفسير الموضوعي
الباب الثاني : مقدمات في التجارة
و فيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : تعريف التجارة
الفصل الثاني : الحث على التجارة
الفصل الثالث : فوئد التجارة
الباب الثالث : التجارة في القرآن
وفيه خمسة فصول :
الفصل الأول : الآيات التي فيها كلمة تجارة .
الفصل الثاني : الآيات بمعنى التجارة
الفصل الثالث : أقسام التجارة

ميارى 12 - 5 - 2010 04:06 PM

الفصل الرابع : سر استعمال كلمة التجارة
الفصل الخامس : الفرق بين التجارة و البيع
الباب الرابع : أحكام التجارة في القرآن
و فيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول : وجوب التجارة مع الله .
الفصل الثاني : التجارة مع الله .
و فيه مباحث :
المبحث الأول : تعريفها .
المبحث الثاني : رأس مالها .
المبحث الثالث : سلعها .
المبحث الرابع : مرابحها .
الفصل الثالث : التجارة مع الإنسان .
و فيه مباحث :
المبحث الأول : الترغيب في التجارة
المبحث الثاني : حرص الناس على هذه التجارة
المبحث الثالث : أحكام و آداب التجارة ,
وفيه مطالب :
... المطلب الأول : النهي عن التجارة بالباطل .
المطلب الثاني : أن تكون التجارة عن تراض .
... المطلب الثالث : عدم الكتابة في التجارة الحاضرة .
... المطلب الرابع : ألا تشغل التجارة عن عبادة الله و الإيمان به .
المطلب الخامس : يوم القيامة أخوف إليه من الكساد .
... المطلب السادس : بغية التجار الثواب و الأجور من الله .
... المطلب السابع : التحلي بالخلق الحسن .
الخاتمة
و فيها النتائج و التوصيات
الباب الأول : القرآن منهاج المسلم
وفيه أربعة فصول :
الفصل الأول : القرآن منهج الحياة
الفصل الثاني : التعامل المطلوب مع القرآن
الفصل الثالث : أقسام التفسير
الفصل الرابع : التفسير الموضوعي

ميارى 12 - 5 - 2010 04:08 PM

[align=justify]الفصل الأول : القرآن منهج الحياة
ليس هذا الكلام - القرآن منهج الحياة - مجرد ادعاء من البشر الذي قل أن نجده خاليا من السقطات و الأغلاط , ولكن الواقع الحي الذي نعيشه و نعايشه لدليل بين على ذلك كما أن القرآن قد أخبر الناس بأنه منزل من الله ليكون دستورا و منهجا للناس , إذن اجتمع هنا الدليلان , الكوني و القولي , أما الدليل القولي كقوله تعالى في عدة آيات منها :
ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (1) , شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ إلخ.... (2) , الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (3) , كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (4) , إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (5) , وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (6) .
__________
(1) البقرة : 2
(2) البقرة : 185
(3) إبراهيم : 1
(4) الأعراف :2
(5) الإسراء : 9
(6) النحل: 89
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:11 PM

[align=justify]أما الدليل الكوني وجود الإعجاز العلمي الذي لا يتوقف إلى الآن , فكلما تقدم زمن كلما تطور نوع الإعجاز العلمي لهذا القرآن , فمثلا نظرية الانفجار الغظيم (بيغ بنغ) الذي اكتشفها ألكسندر فريدمان (1) , وأيده من بعده ستيفن هوكينغ (2) قد لمح إليها القرآن قال تعالى : أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (3) , مع أن هناك تساؤلات و مآخذ على هذه النظرية (4).
وأن هذا القرآن دستور حكم و منهج حياة وسبيل عزة و طريق نصر و من حاد عن هديه ضل و خسر وكان من القوم الضالين , قال تعالى : وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (5) .
لماذا أنزل الله القرآن؟ أنزل الله القرآن ليضبط بهدايته مسيرة الحياة، ويحكمها بما أنزل الله من الهدى ودين الحق، ويهدي بنوره البشرية للتي هي أقوم، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور. فالقرآن لم ينزله الله ليتلى على الأموات بل ليحكم الأحياء، لم ينزله لزينة الجدران، بل لزينة الإنسان.
__________
(1) العالم الفيزيائي الرياضي الروسي ولد في 1888 م و المتوفى سنة 1922 م من www.chihab.net
(2) العالم الإنحليزي المقعد لا يزال على قيد الحياة ولد 1942 م , من موقعه الخاص www.hawking.org.uk
(3) الأنبياء :30
(4) علي محمد عبد اللطيف, الكون و القرآن رحلة البحث عن الحقيقة, ص 262-269 ,
(5) المائدة : 49
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:12 PM

[align=justify]وبركة القرآن إنما هي في اتباعه والعمل به، كما قال تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (1) . فالقرآن هو الدستور الذي يحوي الأصول والقواعد الأساسية للإسلام: عقائده وعباداته، وأخلاقه، ومعاملاته، وآدابه (2) .
ولو تأملنا مشاكل الحياة و مسائلها لوجدنا أن في القرآن حلولا و علاجا لها , و سنذكر مثالين على ذلك :
الأول : علاج مشكلة الفقر : قوله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (3) , و قوله : ..... كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ... (4), يعني أن الزكاة و توزيع الثروة بالعدل يزيلان الفقر بإذن الله . و صور القضاوي (5)
__________
(1) الأتعام : 155
(2) يوسف القرضاوي , مدخل لمعرفة الإسلام ص
(3) البقرة : 43
(4) الحشر : 7
(5) ولد يوسف القرضاوي في إحدى قرى جمهورية مصر العربية، قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وكان مولد القرضاوي فيها في 9/9/1926م وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره. التحق بمعاهد الأزهر الشريف، فأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية وكان دائما في الطليعة، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية سنة 52-1953م، ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه وفي سنة 1958حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب. وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين. وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراة) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، عن: "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية". ( من الشاملة )[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:16 PM

[align=justify]عن هذا فقال : " إننا إذا تصورنا المجتمع الإسلامي الصحيح، الذي يعمل أفراده فيتقنون العمل، استجابة لنداء الإسلام: يمشون في مناكب الأرض الذلول، ويلتمسون الرزق في خباياها، وينتشرون في أرجائها زُرَّاعًا وصُنَّاعًا، وتُجَّارًا، وعاملين في شتى الميادين، ومحترفين بشتى الحرف، مستغلين لكل الطاقات، منتفعين بكل ما استطاعوا مما سخر الله لهم في السموات والأرض جميعًا منه- إذا تصورنا هذا المجتمع، فكم تكون نسبة القادرين الذين تجب عليهم الزكاة في ثرواتهم ودخولهم؟ , إن النسبة بلا ريب ستكون كبيرة جدًا، والعدد سيكون هائلاً.
وكم تكون نسبة الذين قعد بهم العجز عن العمل، أو أعيتهم كثرة العيال وقلة الدخل؟
إنها بلا شك ستكون نسبة ضئيلة جدًا، والعدد سيكون محدودًا.
وهنا يتسع المجال -وحصيلة الزكاة من الضخامة كما ذكرنا- لنأخذ منها عن سعة لتمليك ذوي الدخل الضئيل أو الذين لا دخل لهم، فتقرب المسافة بينهم وبين غيرهم من الموسرين من أبناء الأمة. إن أعظم آفة تصيب المجتمع وتهز كيانه هزًا، وتنخر في عظامه من حيث يشعر أو لا يشعر: أن يوجد الثراء الفاحش إلى جانب الفقر المدقع، أن يوجد من يملك القناطير المقنطرة ومن لا يملك قوت يومه، أن يوجد من يضع يده على بطنه يشكو زحمة التخمة، وبجواره من يضع يده على بطنه يشكو عضة الجوع، أن يوجد من يملك القصور الفخمة لا يسكنها ولا يحتاج إليها، وبالقرب منه حجرة "البدروم" التي تضم في أحشائها الدقاق رجلاً وأبويه وزوجه وأولاده!!
إن هدف الزكاة ألا يقع هذا التفاوت الشاسع البشع، وأقل ما تحققه أن يختفي هذا الفريق الثاني الذي لا يجد مستوى العيش اللائق به من الطعام والكساء والمأوى، وأكثر من ذلك أنها تعمل على أن ترتفع بهؤلاء حتى يقتربوا من أولئك ويدخلوا في زمرة الأغنياء المالكين " (1).
__________
(1) يوسف القرضاوي , فقه الزكاة , ج 2 ص[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:20 PM

الثاني : علاج مشكلة اجتماعية قوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع , أي زيادة عدد النساء على الرجال لا يسبب إلى العزوبة أو العنوسة .
إن القرآن الكريم نور يهدي المؤمنين إلى الحرية والعدل والأخوة والتضحية والإيثار والسمو إلى درجة الملائكية ، وكل أسباب سعادة الدنيا والآخرة . لقد أرشد القرآن إلى كل ما يسمو به في الدنيا حتى يبلغ مرتبة الإنسان الكامل . فهو يعلمه كيف يعيش ، ويتعامل مع نفسه ومع عائلته ومجتمعه بأحسن وجه ، ليحيا حياة طيبة في الدنيا والآخرة . فالمؤمن يمتلك بذلك مفاتيح تفتح بها أبواب الخزائن القرآنية لمعالجة كل حال ومعضلة تواجهه في حياته اليومية ، لتأخذ بيده إلى الخير العميم .
و أذكر ما نفلته من كتاب التجديد في التفسير الذي يدل على أن القرآن كتاب شامل لأمور الحياة وهي :
( ولما كان القرآن الكريم رسالة عالمية للبشر كافة في كل عصر وزمان ، فيلزم أن تتجدد دراسته وبيانه حسب حاجات الإنسان فلم يترك القرآن حاجة من حاجات الإنسان العظيمة أو اليسيرة إلا وعالجها بلا نقص ، وفي أتم الكمال . ولا نبالغ إذا قلنا إن في القرآن الكريم غاية مطلوب العاقل ، فمثلا الإيمان وما يتعلق به ضرورة لا يستغني عنها البشر . فنجد في القرآن الكريم تفصيل الإيمان ، وأسماء الخالق الجليل ، وصفاته واستحقاقه وحده بلا شريك للعبادة ، والإرشاد إلى تصديق الرسل والملائكة والكتب المنزلة ، والبعث بعد الموت ، والحشر والحساب والجزاء ، والعبادات مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج وما ينفع الإنسان في حياته من حلال وحرام ، وبيع وشراء ومعاملات ، وأحكام اليتامى والوصية ، والنكاح والصداق والنفقة والعدة والرضاع ، وكذلك وضع الحدود والقصاص والعقوبات على الجرائم مثل القتل خطأ والقتل العمد وقطع الطريق ، والسرقة ، والزنا ، والقذف ، وبين سبل فض النزاع والقتال . ورأب صدع الشقاق في العائلة ، والتعامل مع غير المسلمين ، والصلح والحرب والاستعداد لها والجرأة على الأعداء والنهي عن الفرار من الزحف ، وحال المستأمنين ، ومعاملة أسرى الحرب ، والعهود ، وعلاقات ذوي القربى ، ورد الشر بالخير ، وفضل الصفح والعفو ، والحث على الاستقامة والصدق ، وأداء الأمانة ، ولزوم العدل ، وفضل التواضع وذم الكبر ، والنهي عن السخرية والتنابز بالألقاب ، وسوء الظن والغيبة والتجسس ، ورعاية حرمة البيوت وآداب دخولها ، وعفة النساء ، وآداب الضيافة ... وخلاصة القول أن القرآن يحوي أمورا متنوعة في مساحة واسعة جدا . وفيه مطلوب كل قاصد ، فلا غناء عنه في حل كل معضلة وتلبية كل حاجة ) . انتهى نقلا منه (1) .
__________
(1) د. جمال أبو حسن , التجديد في التفسير

ميارى 12 - 5 - 2010 04:23 PM

[align=justify]صدق الله في جميع ما شرع فما أجمله و ما أبدعه من تعاليم و شرائع . و بقي الآن دور المسلمين في التعامل معه و هو الموضوع التالي
الفصل الثاني : التعامل المطلوب مع القرآن
الإيمان بأن القرآن منهج الحياة و دستور لها يقتضي من المسلمين التعامل معه تعاملا مميزا و متكاملا , فلا يقرأ فحسب ولكن يتدبر و يفهم و أخيرا يوضع في حيز العمل (يطبق) , و قد ذكر لنا القرآن كيف يكون التعامل معه من عدة آيات منها :
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ,خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ , اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ , الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (1) , وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (2), وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (3), أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) , كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (5), أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (6) , لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (7) , وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (8) .
وغير هذه الآيات كثيرة التي ترسم للمسلمين التعامل المطلوب مع هذا القرآن العظيم , و يمكن أن نستفيد من الآيات منهج التعامل معه في هذه الصورة
Radial Diagram
فالتعامل مع القرآن يتم من ثلاث كيفيات :
__________
(1) العلق 1-5
(2) الفرقان : 30
(3) القمر:17
(4) المزمل:4
(5) ص: 29
(6) محمد:24
(7) الواقعة:79
(8) المائدة: 83
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:25 PM

[align=justify]التعامل التصديقي أو الاعتقادي , يعني التصديق بأنه من عند الله تعالى لهداية البشر , و هذا من هو المقصود من الآية { يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (1)} ، والعدولُ عنه إلى غيره -من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره -من هجرانه، فنسأل الله الكريمَ المنانَ القادرَ على ما يشاء، أن يخلّصنا مما يُسْخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطرافَ النهار، على الوجه الذي يحبه و يرضاه (2) . ولم يتجاوز هذا التعامل إلى منطقة القراءة لا سيما منطقة العمل , لأسباب متعددة منها : الفهم الجزئي للقرآن , الاشتغال بأمور الدنيا وبعبارة الحديث الوهن أي حب الدنيا و كراهية الموت (3) .
__________
(1) الفرقان : 30
(2) أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [ 700 -774 هـ ] تفسير القرآن العظيم , ج 6 ص 108 , تحقيق سامي بن محمد سلامة , دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م
(3) تمام الحديث كما في سنن أبي داود رقم 3745, عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:26 PM

[align=justify]التعامل الخارجي أو الظاهري , بقراءته و الطهارة قبل مسه و وضعه في مكان مرتفع و مسابقة تلاوة القرآن(1) , و تكريم حفطة القرآن إلى غير ذلك من ألوان التكريم و التبجيل ولم يتعد إلى العمل و التطبيق في ميدان الحياة . قال ابن كثير في تفسير الآية السابقة : كانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه. فهذا من هجرانه، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه (2).
التعامل التدبري و الإيجابي الذي بقود إلى العمل و التطبيق ,و هذا أعلى و أفضل أنواع التعامل مع القرآن , لأنه يجعله هاديا ودليلا في الحياة و هو الهدف الرئيسي من القرآن , و يأتي هذا التعامل نتيجة التدبر الفعالي مع القرآن .
__________
(1) ليس المقصود نقد ما عقدته الحكومة لمسابقة القرآن كل سنتين أو ثلاث التي صرفت من أجله ملايين ولكن هذا من باب الاقتراح حتى يتطور إلى التطبيق و العمل .
(2) تفسير ابن كثير , ج 6 ص 108
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:27 PM

و التدبر بمعنى : هو التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه وإدارك معانيه وحكمه والمراد منه . و له علامات , ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلاء من ذلك : {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } (1) ،{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) ، {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }(3) ، { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (4), {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (5) ،{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} (6) ، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (7) , فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
1- اجتماع القلب والفكر حين القراءة ، 2- البكاء من خشية الله ، 3- زيادة الخشوع ، 4- زيادة الإيمان ، 5- الفرح والاستبشار ، 6- القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة ، 7- السجود تعظيما لله عز وجل .فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر ، أما من لم يحصل أيا من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن ولم يصل بعد إلى شئ من كنوزه وذخائره(8) . و هذا هو التعامل المطلوب معه .
و قد بين النبي أهمية هذا النوع من التعامل , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث , منها (9) :
" من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم . فما ظنكم بالذي عمل بهذا " . ( أبو داود ) (10)
" لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " . متفق عليه (11)
" من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار " . ( الترمذي ) (12)
__________
(1) المائدة : 83
(2) الأنفال : 2
(3) التوبة : 124
(4) الإسراء : 107-109
(5) الفرقان : 73
(6) القصص : 53
(7) الزمر : 23
(8) خالد بن عبد الكريم اللاحم , مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة 16 -17، 1425 الطبعة الأولي , من موقع www.tafsir.net
(9 محمد زكي محمد خضر , هذا القرآن في مائة حديث نبوي, 33 - 45 ,
(10) سنن أبي داود , باب ثواب قراءة القرآن , ج 4 ص 246
(11) اللؤلؤ و المرجان فيما انفق عليه الشيخان , 1 ص 225
(12) سنن الترمذي , باب ماجاء في فضل القرآن ج 10 , ص 145


ميارى 12 - 5 - 2010 04:37 PM

[align=justify]" كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخير ما بعدكم وحُكم ما بينكم هو الفَصْلُ ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه . هو الذي لم تنتهي الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد . من قال به صدق ومن عمل به أُجر ومن حكم به عَدَل ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم " . ( الترمذي )(1)
فما أعظم فوائد من عمل بالقرآن و ما أكبره من أجور نتيجة الاستجابة و المبادرة للعمل بعد العلم , و هذا هو التعامل الأمثل لكتاب الله . ندعو ربنا عز و جل أن يوفقنا إلى ما يحب و يرضاه .
الفصل الثالث : أنواع التفسير
قسم العلماء التفسير إلى قسمين رئيسين هما : التفسير بالمأثور و التفسير بالرأي .
النوع الأول : التفسير بالمأثور هو التفسير الذي يعتمد على صحيح المنقول من تفسير القرآن بالقرآن , أو بالسنة لأنها جاءت مبينة لكتاب الله , أو بما روي عن الصحابة لأنهم أعلم الناس بكتاب الله , أو بما قاله كبار التابعين لأنهم تلقوا ذلك غالبا عن الصحابة (2). و هذا النوع هو أحسن و أفضل أنواع التفسير , حيث إنه يحتاط و يبتعد عن القول في كلام الله بغير علم .
__________
(1) سنن الترمذي , باب ما جاء في فضل القرآن , 10 ص 147
(2) مناع القطان , مباحث في علوم القرآن , 337
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:38 PM

[align=justify]النوع الثاني : التفسير بالرأي و هو التفسير الذي يعتمد المفسر في بيان المعنى على فهمه الخاص و استنباطه بالرأي (1). و عرفه الذهبي بأنه عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسِّر لكلام العرب ومناحيهم فى القول، ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها، واستعانته فى ذلك بالشعر الجاهلة ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفت بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن (2) .
و قد حرم بعض العلماء هذا النوع من التفسير و استدلوا بحديث " مَن قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" (3) .
قالوا : إن الحديث دليل على تحريم الكلام عن القرآن إلا إذا وجدت رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابة رضى الله عنهم، أو عن الذين أخذوا عنهم من التابعين (4), و حتى لا نقول على الله بما لا نعلم يورد الباحث الجواب عن ذلك الرأي , و المعنى الصحيح للحديث كالآتي:
أن النهى محمول على مَنْ قال برأيه فى نحو مشكل القرآن، ومتشابهه، من كل ما لم يُعلم إلا عن طريق النقل عن النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله.
__________
(1) المرجع السابق , 342
(2) محمد حسين الذهبي , التفسير و المفسرون , 113 , من مكتبة المشكاة .
(3) صحيح الترمذي باب تفسير القرآن برأيه , الحديث رقم 2876 من المكتبة الشاملة .
(4) التفسير و المفسرون , ص 113
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:40 PM

[align=justify]أن النهى محمول على مَنْ يقول فى القرآن بظاهر العربية، ومن غير أن رجع إلى أخبار الصحابة الذى شاهدوا تنزيله، وأدُّوا إلينا من السنُن ما يكون بياناً لكتاب الله تعالى، وبدون أن يرجع إلى السماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن، وما فيه من المبهامات. والحذف، والاختصار، والإضمار، والتقديم، والتأخير، ومراعاة مقتضى الحال، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وما إلى ذلك من كل ما يجب معرفته لمن يتكلم فى التفسير، فإنَّ النظر إلى ظاهر العربية وحده لا يكفى، بل لا بد من ذلك أولاً، ثم بعد ذلك يكون التوسع فى الفهم والاستنباط. (1)
و المراد - بالرأى - الرأى الذى يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه، فيكون القرآن تابعا لا متبوعا و محكوما لا حاكما و فرعا لا أصلا .
فمن قال في القرآن بمجرد رأيه فهو مخطئ و إن أصاب , و كلمة مجرد تفيدنا بأنه قال في القرآن بغير علم ولا أهلية و هو الذي يقصده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ , قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (2) , فهو مخطئ و إن أصاب لأنه تكلف ما لا علم له به و سلك غير ما أمر به , فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر , لكان قد أخطأ : لأنه لم يأت الأمر من بابه , كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار , وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر (3) .
__________
(1) التفسير و المفسرون , ص 114 .
(2) سنن الترمذي , باب تفسير القرآن عن رسول الله الحديث رقم 2874 من المكتبة الشاملة .
(3) يوسف القرضاوي , كيف نتعامل مع القرآن , 211[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:41 PM

[align=justify]فالطريقة هي المهمة , كما أن الوسيلة معتبرة في جميع الأمور فهي لا تبرر الوسيلة , ففي تفسير القرآن ليس المعيار صواب التفسير أو خطؤه لكن كيف يصل إلى هذا التفسير , هل وصل إليه عن طريقة العلم أو طريقة الجهل أو التخمين ؟ هل وصل إليه بعد قراءة كتب التفسير الكثيرة قديما و حديثا ؟ أو وصل إليه فقط بعلم زهيد من اللغة و صاحبه الجرأة على الكلام في كتاب الله مع الهوى اعتمادا بالتحزير و التنجيم ؟ فتعالى الله أن يكون كلامه ميدان التنجيم و مجال التخمين .
الفصل الرابع : التفسير الموضوعي
من أنواع التفسير الذي سلكه العلماء قديما و حديثا هو التفسير الموضوعي, و يحسن لي قبل البدء في الحديث عن التجارة في القرآن أن أمهد بشيء من الإيجاز عن هذا النوع من التفسير في معناه و خصائصه , و طريقة البحث فيه .
التعريف
التفسير الموضوعي هو إفراد الآيات القرآنية التي تعالج موضوعا واحدا وهدفا واحدا، بالدراسة والتفصيل، بعد ضم بعضها إلى بعض، مهما تنوعت ألفاظها، وتعددت مواطنها - دراسة متكاملة مع مراعاة المتقدم والمتأخر منها، والاستعانة بأسباب النزول، والسنة النبوية، وأقوال السلف الصالح المتعلقة بالموضوع (1).
مميزات التفسير الموضوعي
و لهذا النوع من التفسير خصائص و مميزات من أهمها (2):
أنه تفسير للقرآن بالقرآن .
الوقوف على عظمة القرآن الكريم من خلال مواضيعه المتنوعة والتعرف على تشريعاته النيرة والمتعددة .
الهداية الربانية من خلال المواضيع المختلفة .
التخلق بأخلاق القرآن والانتفاع به من حيث زيادة الإيمان.
التمكن من فهم القرآن الكريم فهما جيدا.
جمع الآيات المتناثرة في القرآن ذات الموضوع والهدف الواحد في مكان واحد ثم دراستها دراسة متكاملة.
__________
(1) أحمد بن عبد الله الزهراني , التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه , ص , 6 مقالة من صيد الفوائد
(2) المرجع السابق , يتصرف يسير , ص 2 - 3
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:43 PM

[align=justify]إزالة ما يوهم التعارض بين آيات القرآن وتوجيه ذلك توجيها سليما.
طريقة البحث في التفسير الموضوعي
لهذا النوع من التفسير طريقان (1):
أن ينظر الباحث إلى السورة القرآنية من أولها إلى آخرها على أنها وحدة متكاملة الفكرة والمنهج والموضوع .
أن ينظر الباحث إلى الآيات القرآنية المتنوعة في القرآن كله، بجمع تلك الآيات ذات الموضوع الواحد والهدف المشترك في موضوع واحد، ويقوم بدراستها دراسة متكاملة مراعيا ترتيبها حسب أسباب النزول لكي يعرف المتقدم منها من المتأخر مستعينا في ذلك بالسنة الصحيحة وفهم السلف لذلك. ومحاولا قدر جهده وطاقته الإحاطة بجوانب الموضوع كله .
و على هذا الطريق , يحاول الباحث أن يتناول موضوع التجارة في القرآن مستعينا بحول الله و قدرته راجيا من الله أن يوفقه في ذلك .
__________
(1) المرجع السابق , ص 6 - 7
(2) محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري , لسان العرب , ج 4 صفحة 89 دار صادر بيروت , الطبعة الأولى من المكتبة الشاملة
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:45 PM

[align=justify]الباب الثاني : مقدمات في التجارة
وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : تعريف التجارة
الفصل الثاني : الحث على التجارة
الفصل الثالث : فوائد التجارة
الفصل الأول : تعريف التجارة
التجارة في اللغة من مادة ( تجر ) تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْراً وتِجَارَةً باع وشرى وكذلك اتَّجَرَ وهو افْتَعَل ورجلٌ تاجِرٌ والجمع تِجارٌ بالكسر والتخفيف وتُجَّارٌ وتَجْرٌ مثل صاحب وصَحْبٍ (2) و التاجِرُ : الذي يَبِيعُ وَيشْتَرِي , قال الجوهَرِيُّ : والعربُ تُسَمِّي بائِعَ الخَمْرِ تاجِراً . وقال ابن الأَثِير : وقيل : أصلُ التّاجِرِ عندهم الخَمّارُ يَخُصُّونه مِن بين التُّجَّار ومنه حديثُ أبي ذَرٍّ : " كُنَّا نَتحدَّثُ أَنَّ التَّاجِرَ فاجِرٌ " . من المَجَاز : التّاجِرُ : الحاذِقُ بالأَمرِ . و من المَجاز : التّاجِرُ : النّاقةُ النافِقَةُ في التِّجارةِ وفي السُّوقِ كالتّاجِرَةِ
والتِّجَارَةُ : تَقْلِيبُ المالِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ كما في الأساس . ومن المَجَاز : عليكم بتِجَارَةِ الآخِرَةِ وعليكَ بالسِّلَعِ التَّواجِرِ : النَّوَافِقِ . والتّاجُور : قريةٌ بالمَغْرِب (1) .
وقال الراغب(2) التجارة هو التصرف في رأس المال طلبا للربح ، يقال: تجر يتجر، وتاجر وتجر، كصاحب وصحب، قال: وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ قال الشاعر :
(والتاء قبل الجيم أصلا لا تجي *** إلا لتجر نتجت ومرتجي) (3)
و في المعجم الوسيط مادة ( تجر ) تجرا و تجارة بمعنى مارس البيع و الشراء و ( التاجر ) هو الشخص الذي يمارس الأعمال التجارية على وجه الاحتراف بشرط أن تكون له أهلية الاشتغال بالتجارة(4) .
وبما أنني طالب في جامعة ابن خلدون بوقور , يحسن بي أن أذكر ماذا يقول ابن خلدون (5) عن التجارة , فقال :
__________
(1) محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق ، الملقّب بمرتضى الزَّبيدي ، تاج العروس , ج 1 ص 2553 من الشاملة .
(2) الراغب الأصفهانى أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل من الحكماء العلماء من أهل اصبهان وسكن بغداد توفي سنة 502 ه , من موسوعة الأعلام .
(3) الراغب الأصفهاني , مفردات ألفاظ القرآن الكريم , ج 1 ص 73 من الشاملة .
(4) المعجم الوسيط , الجزء الأول , ص 172
(5) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المؤرخ الشهير ورائد علم الاجتماع الحديث ولد في تونس عام 1332 و توفي 1406 بمصر . من ويكيبيديا
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:48 PM

[align=justify]" اعلم أن التجارة محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص و بيعها بالغلاء أيام كانت السلعة من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش , و ذلك القدر النامي يسمى ربحا فالمجاول لذلك الربح إما أن يختزن البسلعة و يتحين بها حوالة الأسواق من الرخص إلى الغلاء فيعظم ربحه ة إما بأن يتقله إلى بلد آخر تنفق بها السلعة أكثر من بلده الذي اشتراها فبه فيعظم ربحه و لذلك قال بعض الشيوخ من التجار لطلب الكشف عن حقيقة التجارة أنا أعلمها لك في كلمتين اشتراء الرخيص وبيع الغالي فقد حصلت التجارة إشارة منه بذلك إلى المعنى قررناه و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق لا رب سواه " (1).
مما سبق عرفنا أن معنى التجارة هي البيع و الشراء , أو المبادلة من الطرفين (البائع و المشتري ) فيما يحتاجان إليه من سلع تجارية ( للمشتري ) و ثمن مقدر ( للبائع ) أو الربح مما اتجر به .
الفصل الثاني : فوائد التجارة
للتجارة فوائد عظيمة و أذكر بعضا منها من عدة كتب (2) :
__________
(1) عبد الرحمن ابن محمد ابن خلدون , مقدمة ابن خلدون وهو الجزء الأول من كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم و البربر و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر , ص 394 , دار إحياء التراث العربي , بلا سنة الطبع .
(2) أهمها كتاب سلمان بن فهد العودة , دلوني على سوق المدينة , و دور القيم و الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي , ما لا يسع التاجر حهله , كل بتصرف يسير .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:49 PM

[align=justify]الاستغناء عن الناس , فإن العبد يسأل ربه أبدا ألا تكون حاجته عند الناس , بل أن يغنيه عن خلقه أو شرار خلقه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : عز المؤمن استغناؤه عن الناس , و قال أيضا " استغن عن الناس ولو بشوص (1) سواك , و قال أيضا " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ (2) ,
قال الحافظ "
وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوْ اِمْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسه فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّة فِي ذَلِكَ ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَر الشَّرْع لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِل (3) .
__________
(1) شاص أسنانه بالسواك أي نظفها به ( المعجم الوسيط مادة شاص )
(2) رواه البخاري , باب الاستعفاف عن المسألة الحديث رقم 1377 من الشاملة
(3) ابن حجر العسقلاني , فتح الباري ج 5 ص 90
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:51 PM

[align=justify]الاستغناء عن الأموال العامة , لأنها أموال عامة المسلمين تتعلق بها نفس كل واحد منهم , و الظلم فيها ظلم عظيم , فمن أخذ منها قليلا أو كثيرا بغير حق فإن الأمة كلها يوم القيامة خصماؤه عند الله , وقد قال تعالى : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (1) , ومعنى الغلول هو الخيانة , يعني بأن يأخذ لنفسه شيئاً يستره على أصحابه ، فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل : ما صح لنبيّ أن يخون شيئاً من المغنم ، فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه . وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول . ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول : ما صح لنبيّ أن يغله أحد من أصحابه : أي : يخونه في الغنيمة ، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم ، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كونه خيانة غيرهم من الأئمة ، والسلاطين ، والأمراء حراماً ، لأن خيانة الأنبياء أشدّ ذنباً ، وأعظم وزراً { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } أي يأت به حاملاً له على ظهره ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيفضحه بين الخلائق ، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول ، والتنفير منه ، بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملاً له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه (2).
__________
(1) آل عمران : 161
(2) الشوكاني , فتح القدير , ج 2 ص 42 من الشاملة .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:52 PM

[align=justify]وفي البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ (1) . وهذا الغلول لا يوجد إذا كان معه تجارة مباركة بكسب يمينه و عرق جبينه فإنه لا يحتاج إلى الغلول .
الاستغناء عن الوظائف , الوظائف من العمل الشريف , سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص , فكثبر من الناس موظفون , لكن هذه الوظائف تتعرض لعوارض تدعو الموظف لتبحث عن البديل , من هذه العوارض :
قلة الوظائف , فإن الشركات قد تمر بها ظروف تنتج عنها قلة الوظائف , فإذا لم يكن الشاب يملك اللياقة لخوض الأعمال التجارية فإنه سيضع خدا على كف ينتظر التعيين الذي لا يدري متى هو .
عدم مواءمة الوظائف لطاقة الشخص و قدراته .
راتب هذه الوظائف قد لا يكفي في بعض الأحيان , ماذا يعمل ؟ هل سيسد الحاجات عن طريق الديون ؟ إن التجارة قد يعينها على تلبية بعض الحاجات بإذن الله .
__________
(1) صحيح البخاري , باب الغلول و قول الله تعالى ومن يغلل , الجزء 10 ص 300
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:53 PM

[align=justify]تحقيق العبادات المالية, إن الإنفاق في سبيل الخير و المشاريع الخيرية و اصطناع المعروف و الإحسان إلى الناس و تيسير الأسباب لهم , و إنظار المعسر و التجاوز عنه كل ذلك مما لا يفعله إلا الأغنياء , و التجارة من أفضل الوسائل للغنى .
البعد عن أكل أموال الناس بالباطل , و ذلك بالتجارة في الأشياء التي أحلها الله تعالى , فإن الإنسان منهي عن أكل أموالهم بعضهم بعضا إلا بالتجارة عن تراض بينهم و سيأتي بيانها .
التجارة من صور الأعمال في سبيل الله , روي عن الرسول صلى الله علسه وسلم : أنه مَرَّ عَلَيهَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ".(1)
__________
(1) المعجم الكبير للطبراني , ج 13 ص 491
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:54 PM

[align=justify]الفصل الثالث : الحث على التجارة
كثرت الآيات التي تحث المسلمين على السعي و العمل في ابتغاء فضل الله تعالى من الرزق الحلال في صور كثيرة من التجارة و الزراعة و الصناعة و المعاملات الأخرى , كقوله في سورة الجمعة : ... فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكرو الله كثيرا لعلكم تفلحون (1) , أي : إذا فعلتم الصلاة وأدّيتموها وفرغتم منها { فانتشروا فِى الأرض } للتجارة والتصرّف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم { وابتغوا مِن فَضْلِ الله } أي : من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب , و إباحة لطلب الرزق بالتجارة , يعني : اطلبوا الرزق من الله تعالى بالتجارة والكسب (2) .
وقوله تعالى : { فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } لَمَّا حَجَر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله.
كما كان عرَاك بن مالك (3) رضي الله عنه , إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك ، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين. وروي عن بعض السلف أنه قال: من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة، بارك الله له سبعين مرة، لقول الله تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } (4) .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (5) .
__________
(1) الجمعة : 10
(2) الشوكاني , فتح القدير , ج 7 ص 222 من الشاملة
(3) عراك بن مالك الغفارى الكنانى المدنى توفي بعد 100 هـ فى خلافة يزيد بن عبد الملك , من الشاملة
(4) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 123 من الشاملة
(5) سنن ابن ماجة , ج 6 ص 356 , رقم الحديث 2130 من الشاملة
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:55 PM

[align=justify]وقال أيضا : ثلاثة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعى الشمس بالنهار (1) .
و روي عن السلف أقوال كثيرة حتى إن أحد هم جعل هذا الحث عنوانا لكتابه و هو : الحث على التجارة والصناعة لأبي بكر بن الخلال , و ذكر فيه آثارا منها (2):
عن عمر بن الخطاب ، قال : يا أيها الناس كذب عليكم أي كتب عليكم أن يأخذ أحدكم ماله ، فيبتغي فيه من فضل الله عز وجل ، فإن فيه العبادة والتصديق ، وأيم الله لأن أموت في شعبتي رحلي وأنا أبتغي بمالي في الأرض من فضل الله ، أحب إلي من أن أموت على فراشي
قال سفيان الثوري(3) : المال في هذا الزمان سلاح و قال أيضا : اعمل عمل الأبطال يعني كسب الحلال
سئل الفضيل بن عياض (4) عن رجل قعد في بيته زعم أنه يثق بالله فيأتيه برزقه ؟ قال : يعني إذا وثق به حتى يعلم أنه قد وثق به ، لم يمنعه شيء أراده ، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غيرهم ، وقد كانت الأنبياء يؤاجرون أنفسهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آجر نفسه ، و أبو بكر وعمر ، ولم يقولوا : نقعد حتى يرزق الله وقد قال الله تعالى في كتابه : وابتغوا من فضل الله. فلابد من طلب المعيشة .
__________
(1) رواه الحاكم عن أبي هريرة قال المناوي فيه جماعة مجاهيل , من الشاملة
(2) أبو بكر الخلال , الحث على التجارة و الصناعة, مصدر الكتاب موقع جامع الحديث , من الشاملة .
(3) أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسرور بن حبيب الثوري الربابي التميمي (97 هـ-161 هـ) سفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانهما». من ويكيبيديا
(4) الفضيل بن عياض , أبو علي الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي ، الزاهد المشهور أحد رجال الطريقة وكان من كبار السادات , وفيات الأعيان , 4/47
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:57 PM

[align=justify]عن سعيد بن المسيب (1) ، قال : لا خير في من لا يطلب المال يقضي به دينه ، ويصون به عرضه ، ويقضي به ذمامه ، وإن مات تركه ميراثا لمن بعده .
الباب الثالث : التجارة في القرآن , و فيه فصول :
الفصل الأول : الآيات التي فيها كلمة التجارة
الفصل الثاني : الآيات بمعنى التجارة
الفصل الثالث : أقسام التجارة , و فيه مطالب :
... المطلب الأول ... : التقسيم من حيث المكي و المدني
... المطلب الثاني ... : التقسيم من حيث وجود سبب النزول و عدمه
... المطلب الثالث ... : التقسيم من حيث المعنى و التوجه
الفصل الرابع : سر استعمال كلمة التجارة في القرآن
الفصل الخامس : الفرق بين التجارة و البيع
الفصل الأول : الآيات التي فيها كلمة ( تجارة )
وجد في القرآن تسعة مواضع فيها كلمة تجارة و منها ماذكرت مرتين في آية واحدة يعني في سورة الجمعة , وإليكم الآيات مرتبة كما وردت في المصحف :
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (2) .
__________
(1) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، كنيته أبو أحمد، ولد لسنتين من خلافة عمر بن الخطاب سنة 14هـ، سيد فقهاء المدينة والتابعين , توفي سنة 94 هـ بالمدينة.من ويكيبيديا
(2) البقرة : 16
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:58 PM

[align=justify]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (1) .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (2) .
__________
(1) البقرة : 282
(2) التساء : 29
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 04:59 PM

[align=justify]قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (1)
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (2) .
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (3)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (4)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (5) .
فتلك هي الآيات التجارية في القرآن ( كما ذكرت في موضوع الرسالة ) , و على ضوءها و ظلالها يكون محتوى هذا البحث و مضمونه , و لم يتطرق إلى الآيات الأخرى التي بمعنى التجارة - و إن لم تذكر الكلمة ( التجارة ) - خشية الإطالة المملة و حتى لا يتشعب الموضوع إلى ما لا نهاية له , لأن الحديث عن القرآن حديث لا ينتهي حتى يرث الله الأرض و من عليها و هو خير الوارثين .
الفصل الثاني : الآيات بمعنى التجارة
تقدم الكلام عن معنى التجارة في اللغة , وهي بمعنى البيع و الشراء . وفي القرآن ذكرت كلمات أخرى غير كلمة التجارة لكن بمعناها , مثل كلمة البيع و الشراء و ما اشتق منهما و هي :
__________
(1) التوبة : 24
(2) النور : 37
(3) فاطر : 29
(4) الصف : 10
(5) الجمعة : 11
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:00 PM

[align=justify]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (1) , إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (2), يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (3), أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (4) , وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (5), إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (6), فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ
__________
(1) البقرة : 275)
(2) التوبة : 111
(3) الجمعة : 9
(4) البقرة : 86
(5) البقرة : 207
(6) آل عمران : 77
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:02 PM

[align=justify]يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (1), وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ ,ٍ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (2),
هذه الآيات كلها اشتملت على كلمة البيع و الشراء و ما اشتق منهما , و قد عرف الراغب عن معنى البيع فقال : البيع: إعطاء المثمن وأخذ الثمن، والشراء: إعطاء الثمن وأخذ المثمن، ويقال للبيع: الشراء، وللشراء البيع، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن، وعلى ذلك قوله عز وجل: {وشروه بثمن بخس} ، ووأبعت الشيء: عرضته، نحو قول الشاعر: *فرسا فليس جوادنا بمباع * (3)
الفصل الثالث : أقسام التجارة ,
وفيه مطالب :
المطلب الأول : التقسيم من حيث المكي و المدني
الراجح عند العلماء في تعريف المكي و المدني هو الاعتبار بوقت النزول , أي هل نزلت هذه الآية أو السورة قبل الهجرة أو بعد الهجرة ؟ فالأول يسمى بالمكي و إن نزلت خارج مكة , و الثاني يسمى بالمدني و إن نزلت خارج المدينة .
__________
(1) النساء :74
(2) يوسف : 20-21
(3) الراغب الأصفهاني , مفردات ألفاظ القرآن , مادة بيع ج 1 ص 131
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:03 PM

[align=justify]
وفي هذا قال السيوطي(1) : ( اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة: أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار ) (2).
و بالنسبة إلى الآيات التي فيها كلمة التجارة , فمعظمها في سور مدنية , إلا سورة فاطر . فالسور المدنية هي : البقرة , و النساء , و التوبة , و النور , و الصف , و الجمعة . و المكية هي : فاطر , أما سورة الصف فمختلف فيها بين كونها مكية أو مدنية (3).
فالتجارة كثر ذكرها في السور المدنية لعل السر في ذلك تثبيت المؤمنين التجار على أنها وسيلة من الوسائل المهمة في الجهاد حيث لا تشغلهم عن الغاية الأسمى و الأهم ألا وهي ذكر الله و عبادته.
المطلب الثاني : التقسيم من حيث سبب النزول
أكثر القرآن نزل بدون سبب , وفي هذا القسم أحاول أن أميز بين الآيات التجارية التي نزلت بسبب من التى نزلت بدون سبب . فإن معرفة سبب النزول يعين على فهم الآيات . ومن حكمته كذلك بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام و إدراك مراعاة الشرع للمصالح العامة في علاج الحوادث رحمة للأمة (4).
من ثماني آيات التي ذكرت التجارة ثلاث منها لها سبب النزول , و هي الآية التي في سورة التوبة , و الصف , و الجمعة . و لم أجد للآيات الأخرى سببا النزول
__________
(1) جلال الدين السيوطي هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد سابق الدين الخضيري الأسيوطي الشافعي ولد سنة 849 هـ / 1445م وتوفي سنة 911هـ / 1505 من كبار علماء المسلمين. من ويكيبيديا
(2) جلال الدبن السيوطي , الإتقان في علوم القرآن , ج 1 ص 23 , المكتبة العصرية , تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم , سنة الطبع , 1408 - 1988 .
(3) مناع القطان , مباحث في علوم القرآن , ص 50 , مكتبة وهبة , الطبعة الحادية عشرة , سنة 2000 .
(4) المرجع السابق , ص 75 .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:04 PM

[align=justify]وهذه هي أسباب النزول للآيات التجارية في التوبة و الصف و الجمعة :
قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (1) ,
نزلت الآية حينما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة , جعل الرجل يقول لأبيه والأبُ لابنه والأخُ لأخيه والرجل لزوجته : إنا قد أمِرنا بالهجرة؛ فمنهم من تسارع لذلك ، ومنهم من أبى أن يهاجر ، فيقول : والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئاً أبداً . ومنهم من تتعلّق به امرأته وولده ويقولون له : أنشدك بالله ألاّ تخرج فنضيع بعدك؛ فمنهم من يَرِقّ فيَدَع الهجرة ويقيم معهم؛ فنزلت { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تتخذوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إَنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان (2)} . يقول : إن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة . { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ } بعد نزول الآية { فأولئك هُمُ الظالمون } . ثم نزل في الذين تخلّفوا ولم يهاجروا : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } وهي الجماعة التي ترجع إلى عقَدْ واحد كعقدِ العشرة فما زاد؛ ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء (3).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (4) .
__________
(1) التوبة : 24
(2) التوبة : 23
(3) القرطبي , الجامع لأحكام القرآن , ج
(4) الصف :10 [/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:09 PM

[align=justify]نزلت في عثمان بن مظعون(1)؛ وذلك أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أذِنت لي فطلّقتُ خَوْلة ، وَتَرهَّبْتُ واخْتَصَيْتُ وَحرَّمْتُ اللّحم ، ولا أنام بليل أبداً ، ولا أُفطر بنهار أبداً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «إنّ مِن سُنَّتي النكاح ولا رَهْبَانِية في الإسلام إنما رهبانِيةُ أمتي الجهادُ في سبيل الله وخِصاءُ أُمتي الصومُ ولا تُحَرِّموا طيبات ما أحلّ الله لكم . ومِنْ سُنَّتي أنام وأقوم وأفْطِر وأصوم فمن رَغِب عن سُنَّتي فليس مني» . فقال عثمان : والله لَوددْتُ يا نبي الله أي التجارات أحبّ إلى الله فأتّجر فيها " ؛ فنزلت (2). وعن أبي هريرة قال : قالوا : لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله ؟ فنزلت(3) .
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (4) .
__________
(1) عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الجمحي. أسلم أول الإسلام، بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى مع جماعة من المسلمين، ( أسد الغابة , لابن الأثير , 2\255)
(2) شمس الدين القرطبي , الجامع لأحكام القرآن , ص 5600 من الشاملة
(3) محمد بن علي الشوكاني , فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير , دار إحياء التراث العربي , بيروت , بلا سنة الطبع , ج 5 ص 223.
(4) الجمعة : 11
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:10 PM

[align=justify]عن قتادة(1) : "بينما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم؛ قال سفيان: ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم، فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة، فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتَّبَعَ آخِرُكمْ أوَّلَكُمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الْوَادِي نَارًا" ، وأنزل الله عزّ وجلّ:( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) (2).
المطلب الثالث : التقسيم من حيث المعنى و التوجه
جاء في كتاب بصائر ذوي التمييز أن التجارة ذكرها الله تعالى فى ستَّة مواضع (3), هي :
تجارة غُزَاة المجاهدين بالرُّوح، والنفْس، والمال: {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلى قوله: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُم}.
تجارةُ المنافقين فى بَيْع الهدى بالضَّلالة: {اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ}.
تجارة قراءَة القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} إِلى قوله: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}.
__________
(1) قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز البصرى ، توفى سنة 118 هجرية مفسر حافظ ، كان عالما بالحديث ورأسا فى العربية ، مات بواسط فى الطاعون. من موسوعة الأعلام
(2) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري , جامع البيان في تأويل القرآن , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى سنة 1412- 1992 , ج 6 ص
(3) الفيروزابادى , بصائر ذوي التمييز فى لطائف الكتاب العزيز , ج 1 ص 380 , من مكتبة المشكاة
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:12 PM

[align=justify]تجارة عُبّاد الدّنيا بتضييع الأَعمال، فى استزادة الدرهم والدّينار: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا}.
فى معاملة الخَلْق بالبيع والشِّرَى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ}.
تجارة خواصّ العباد بالإِعراض عن كلّ تجارة دنيويّة: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}.
ولم يذكر التجارة التي في البقرة و التوبة لعلهما داخلتان في القسم الخامس , وهي التجارة الموجودة بين الناس من المعاملة في البيع و الشراء .
و من الأسباب التي مرت , نستطيع أن نجمع و نقول إن التجارة تنقسم إلى اتجاهين اثنين أو قسمين على وجه العموم , هما : التجارة بالمعنى الحقيقي وهي التي ذكرت في الرابع و الخامس , و التجارة بالمعنى المجازي وهي التي ذكرت في الأول و الثاني و الثالث .
و المعنى الحقيقي هي المبادلة بالشيئ كما تقدم في تعريف التجارة , أما المعنى المجازي فمفهوم من قوله تعالى في البقرة { فَمَا رَبِحَت تجارتهم } و ذكر التجارة هو للمجاز ، لَمَّا استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم (1) .
و مفهوم أيضا من قوله في سورة فاطر { يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ } فالتجارة هنا مستعارة لأعمالهم من تلاوة وصلاة وإنفاق , ووجه الشبه مشابهة ترتب الثواب على أعمالهم بترتب الربح على التجارة .والمعنى : ليرجوا أن تكون أعمالهم كتجارة رابحة (2). { تجارة } أي معاملة مع الله تعالى لنيل ربح الثواب على أن التجارة مجاز عما ذكر ، وجعل بعضهم التجارة مجازاً عن تحصيل الثواب بالطاعة (3) .
__________
(1) ناصر الدين أبو الخير عبدالله بن عمر بن محمد البيضاوي , أنوار التنزيل وأسرار التأويل , ج 1 ص 36 من موقع التفاسير www.altafsir.com
(2) ابن عاشور , التحرير والتنوير , ص 479 , من موقع التفاسير www.altafsir.com
(3) الألوسي ,[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:13 PM

[align=justify]و تطلق التجارة على جزاء الأعمال من الله على وجه المجاز (1) ، ومنه قوله تعالى : { هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (2)} , وقوله في سورة فاطر: { يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ }(3).
إذن الآيات التجارية في القرآن قسمان , قسم بمعنى التجارة الحقيقية من المبادلة بين الناس في معاملتهم اليومية , و قسم بمعنى التجارة مع الله تعالى , يعني التجارة المجازية . لأن التجارة في عرف الناس و عاداتهم هي كائنة بينهم فقط , ولم يتصوروا وجودها بين الخالق و المخلوق مع أن هناك وجه الشبه بين التجارتين حيث توجد المبادلة في كليهما . و الله أعلم .
و أود من هذا البحث كشف المزيد في البيان عن كلتي التجارة في القرآن , من حيث الرأسمال المطلوب و المرابح المرجوة , كما لا ننسى كيف تتم هاتان التجارتان ؟ ماهي الكيفية ؟ أسئلة كثيرة , نحاول الجواب عنها في الأبواب الآتية .
الفصل الرابع : سر استعمال كلمة التجارة في القرآن
السؤال هنا لماذا استعمل الله هذه الكلمة ( التجارة ) ؟ الجواب لمشابهة العمل الصالح التجارةَ في طلب النفع من ذلك العمل ومزاولته والكد فيه ، ووصف التجارة بأنها تنجي من عذاب أليم في سورة الصف { هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (4)} لقصد الصراحة بهذه الفائدة لأهميتها وليس الإِنجاء من العذاب من شأن التجارة فهو من مناسبات المعنى الحقيقي للعمل الصالح (5).
__________
(1) فتح القدير , ج 1 ص 457 .
(2) الصف : 10
(3) فاطر : 29
(4) الصف : 10
(5) ابن عاشور , التحرير والتنوير , ج 15 ص 67 , من موقع التفاسير
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:14 PM

[align=justify]و الله تعالى يخاطب عباده بما يفهمون , و التجارة من الأشياء التي يزاولونها و يفعلونها كل يوم في حياتهم , فيعرفونها جيدا . و يكون الأسلوب أقرب إلى الفهم حيث استعيرت الكلمة السائرة و المشهورة بين المخاطبين , كما أن التمثيل بالتجارة أقوى و أشد تأثيرا و أوضح تصورا , و هذا الأمر له مكانته في نفوس القارئين و السامعين .
الفصل الخامس : الفرق بين التجارة و البيع
ذكر الله هاتين الكلمتين في آية وحدة , و هي قوله في سورة النور : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ , رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ , لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ,(1) . هل هناك فرق بينهما ؟ و قد تقدم أن معنى التجارة هو البيع , فلما ذكرت الكلمة و معناها في نفس الوقت إذا لم يكو الفرق موجودا ؟
إفراد البيع بالذكر مع اندراجه تحت التجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها لأن ربحه متيقن ناجز وربح ما عداه متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يلزم من نفي إلهاء ما عداه نفي إلهائه ولذلك كرر كلمة { لا } لتذكير النفي وتأكيده ، وجوز أن يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة وبالبيع المعاوضة مطلقاً فيكون ذكره بعدها من باب التعميم بعد التخصيص للمبالغة ، وقيل أن المراد بالتجارة هو الشراء لأنه أصلها ومبدؤها فلا تخصيص ولا تعميم ، وقيل : المراد بالتجارة الجلب لأنه الغالب فيها فهو لازم لها عادة (2).
__________
(1) النور : 36-38
(2) شهاب الدين محمود ابن عبدالله الألوسي , روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني , ج 13 ص 453 , من الشاملة .
[/align]


الساعة الآن 01:27 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى