منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   الغاز شعريه وحلول (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=9198)

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 07:49 PM

الغاز شعريه وحلول
 
قال تعالى في سورة محمد : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها )
وعن ابن ماجه في سننه بإسناد حسن قال صلى الله عليه وسلم :
( يا أبا ذر ، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مئة ركعة ، ولأن تغدو فتعلم باباً من العلم عُمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة ) ..

/ اللغز الأول /

اقرأ القصيدة جيداً وتعرف على اسم السورة وسبب النزول والآيات والأحكام التي أشارت إليها الأبيات ومقصدها من تفسير نظم الدرر للبقاعي


جاءت إلى خير البشرتشكو من الفعل الأمرّ
أو بعـد أن صاحبتـهعمراً وكنت بـه أبـر
ونثرت بطني كي يرىنسلاً له بيـن البشـر
ينسى الوفاء مظاهـراًمني وعظمي قد نخر ؟
سمع الرحيم لصوتهـاوهو اللطيف بحالهـا
وتنزلـت آي الكتـابعلى الرسول بشأنهـا
هي سورة تحوي دررحكم التناجي لم تـذر
وتفسحاً فـي مجلـسٍوتبـرؤاً ممـن كفـر
ولقـد حـوت آياتهـالفظ الجلالة يـا أغـر

اسم السورة: سورة المجادلة

سبب النزول:*



قوله تعالى ‏{‏قَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوجِها‏}‏ الآية‏.‏
أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الغازي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال‏:‏ أخبرنا أحمد ابن علي بن المثنى قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ حدثنا محمد بن أبي عبيدة قال‏:‏ حدثنا أبي عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول‏:‏ يا رسول الله أبلى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك قال‏:‏ فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات ‏{‏قَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوجِها‏}‏ رواه أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني عن مطر عن أبي كريب عن محمد بن أبي عبيدة‏.‏


* أسباب النزول للإمام الواحدي النيسابوري

الآيات والأحكام التي أشارت إليها الأبيات ومقصدها من تفسير نظم الدرر للبقاعي :

سورة المجادلة
مقصودها الإعلام بإيقاع البأس الشديد ، الذي أشارت إليه الحديد ، بمن حاد الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) لما له سبحانه من تمام العلم ، اللازم عنه تمام القدرة ، اللازم عنه الإحاطة بجميع صفات الكمال ، وعلى ذلك دلت تسميتها بالمجادلة بأول قصتها وآخرها ، وعلى تكرير الاسم الأعظم الجامع في القصة وجميع السورة تكريرا لم يكن في سواها بحيث لم تخل منه آية ،

وأما الآيات التي تكرر في كل منها المرتين فأكثر فكثرة كل ذلك ، للدلالة على أن الأكثر منها المراد فيها بالخطاب من يصح أن ينظر إليه تارة بالجلال ، وتارة بالكمال ، فيجمع له الوصفان ، وهو من آمن ووقع منه هفوة أو عصيان ، ولهذا ضمتها أشياء شدد النكير فيها حين وقع بعض أهل الإيمان ، ولم يبحها لهم عند وقوعهم فيها ردا للشرع إلى ما دعا إليه الطبع كما فعل في غيرها كالأكل والجماع في ليل رمضان من غير تقييد بيقظة ولا منام ، لمنابذتها للحكمة ، وبعدها عن موجبات الرحمة ، وهذا مؤيد لما تقدم من سر إخلاء الواقعة والرحمن والقمر من هذا الاسم الجامع.

الأبيات التي وردت بها احكام
هي سورة تحوي درر = حكم التناجي لم تذر
وتفسحاً في مجلسٍ = وتبـرؤاً ممن كفر
ولقد حوت آياتها = لفظ الجلالة يا أغر

ومن الكتاب المذكور
أولا: التناجي
يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

( يا أيها الذين آمنوا ) أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة ) إذا تناجيتم ) أي قلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سراً ) فلا تتناجوا ) أي توجدوا هذه الحقيقة ظاهرة كتناجي المنافقين ) بالإثم ) أي الذنب وكل فعل يكتب بسببه عقوبة .
ولما عم خص فقال : ( والعدوان ) أي الذي هو العدو الشديد بما يؤذي وإن كان العادي يظن أنه لا يكتب عليه به إثم .
ولما كان السياق لإجلال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مع أنه لا تعرف حقيقة الإثم إلا منه قال تعالى : ( ومعصيت الرسول ) أي الكامل في الرسلية فإن ذلك يشوش فكره فلا يدعه يبلغ رسالات ربه وهو منشرح الصدر طيب النفس .
ولما علم أن نهيهم إنما هو عن شر يفسد ذات البين هو ما لا يريدون إطلاع النبي صلى الله عليه ، صرح بقوله حثاً على إصلاح ذات البين لأن خير الأمور ما عاد بإصلاحها ، وشر الأمور ما عاد بإفسادها : ( وتناجوا بالبر ) أي بالخير الواسع الذي فيه حسن التربية ، ولما كان ذلك قد يعمل طبعاً ، حث على القصد الصالح بقوله : ( والتقوى ( وهي ما يكون في نفسه ظاهراً أنه يكون سترة تقي من عذاب الله بأن يكون مرضياً لله ولرسوله .
ولما كانت التقوى أم المحاسن ، أكدها ونبه عليها بقوله : ( واتقوا الله ) أي اقصدوا قصداً يتبعه العمل أن تجعلونا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية ، ولما كانت ذكرى الآخرة هي مجمع المخاوف ولا سيما فضائع الأسرار على رؤوس الأشهاد قال : ( الذي إليه ) أي خاصة ) تحشرون ) أي تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره ، وهو يوم القيامة ، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير لا يخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية تنكشف فيه سرادقات العظمة ، ويظهر ظهوراً تاماً نفوذ الكلمة ، ويتجلى في مجالي العز سطوات القهر ، وتنبث لوامع الكبر ، فإذا فعلتم ذلك مستحضرين لذلك لم تقدموا على شيء تريدون إخفاءه من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيكون ذلك لعينه وأطهر لكم .
ولما شدد سبحانه في أمر النجوى وكان لا يفعلها إلا أهل النفاق ، فكان ربما ظن ظان أنه يحدث عنها ضرر لأهل الدين ، قال ساراً للمخلصين وغاماً للمنافقين ومبيناً أن ضرررها إنما يعود عليهم : ( إنما النجوى ) أي العهودة وهي المنهي عنها ، وهي ما كره صاحبه أن يطلع عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقيل : ما خيله الشيطان من الأحكام المكروهة للإنسان ) من الشيطان ) أي مبتدئه من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالفة لأوليائه .
ولما بين أنها منه ، بين الحامل له على تزيينها فقال : ( ليحزن ) أي الشيطان ليوقع
الحزن في قلوب ) الذين آمنوا ) أي يتوهمهم أنهم بسبب شيء وقع ما يؤذيهم ، والحزن : هم غليظ وتوجع يرق له القلب ، حزنه وأحزنه بمعنى ، وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً ، وحزنه : جعل فيه حزناً .
فعلى هذا قراءة نافع من أحزن أشد في المعنى من قراءة الجماعة .
ولما كان ربما خيل هذا من في قلبه مرض أن في يد الشيطان شيئاً من الأشياء ، سلب ذلك بقوله : ( وليس ) أي الشيطان وما حمل عليه من التناجي ، وأكد النفي بالجار فقال : ( بضارّهم ) أي الذين آمنوا ) شيئاً ( من الضرر وإن قل وإن خفي - بما أفهمه الإدغام ) إلا بإذن الله ) أي تمكين الملك المحيط بكل شيء علماً وقدرة ، روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) ولما كان التقدير : فقد علم أنه لا يخشى أحد غير الله لأنه لا ينفذ إلا ما أراده ، فإياها فليخش المربوبون ، عطف عليه قوله : ( وعلى الله ) أي الملك الذي لا كفوء له ، لا على أحد غيره ) فليتوكل المؤمنون ) أي الراسخون في الإيمان في جميع أمورهم ، فإنه القادر وحده على إصلاحها وإفسادها ، ولا يحزنوا من أحد أن يكيدهم بسره ولا بجهره ، فإنه إذا توكلوا عليه وفوضوا أمورهم إليه ، لم يأذن في حزنهم ، وإن لم يفعلوا أحزنهم ، وخص الراسخين لإمكان ذلك منهم في العادة ، وأما أصحاب البدايات فلا يكون ذلك منهم إلا خرق عادة .

ثانيا: التفسح في المجالس
) يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
ما يحزن من السر لكونه اختصاصاً عن الجليس بالمقال فينشأ عنه ظن الكدر وتباعد القلوب ، أتبعه الاختصاص بالمجلس الذي هو بماعدة الأجسام اللازم لها من الظن ما لزم من الاختصاص بالسر في الكلام فينشأ عنه الحزن ، معلماً لهم بكمال رحمته وتمام رأفته بمراعاة حسن الأدب بينهم وإن اكن من أمور العادة دون أحكام العبادة ، فقال مخاطباً لأهل الدرجة الدنيا في الإيمان لأنهم المحتاجون لمثل هذا الأدب : ( يا أيها الذين آمنوا ( حداهم بهذا الوصف على الامتثال ) إذا قيل لكم ) أي من أيّ قائل كان فإن الخير يرغب فيه لذاته : ( تفسحوا ) أي توسعوا أي كلفوا أنفسكم في إيساع المواضع ) وفي المجلس ) أي الجلوس أو مكانه لأجل من يأتي فلا يجد مجلساً .
يجلس فيه ، والمراد بالمجلس جنس المكان الذي هم ماكثون به بجلوس أو قيام في صلاة أو غيرها لأنه أهل لأن يجلس فيه .
وذلك في كل عصر ، ومجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أولى بذلك ، وقراءة عاصم بالجمع موضحة لإرادة الجنس ) فافسحوا ) أي وسعوا فيه عن سعة صدر ) يفسح الله ) أي الذي له الأمر كله والعظمة الكاملة ) لكم ( في كل ما تكرهون ضيقه من الدارين .
ولما كانت التوسعة يكفي فيها التزحزح مع دوام الجلوس تارة وأخرى تدعو الحاجة فيها إلى القيام للتحول من مكان إلى آخر قال : ( وإذا قيل ( أيّ من قائل كان - كما مضى - إذا كان يريد الإصلاح والخير ) انشزوا ) أي ارتفعوا وانهضوا إلى الموضع الذي تؤمرون به أو يقتضيه الحال للتوسعة أو غيرها من الأوامر كالصلاة أو الجهاد وغيرهما ) فانشزوا ) أي فارتفعوا وانهضوا ) يرفع الله ( الذي له جميع صفات الكمال ، عبر بالجلالة وأعاد إظهارها موضع الضمير ترغيباً في الامتثال لما للنفس من الشح بما يخالف المألوف ) الذين آمنوا ( وإن كانوا غير علماء ) منكم ( أيها المأمورون بالتفسح السامعون للأوامر ، المبادرون إليها في الدنيا والآخرة بالنصر وحسن الذكر بالتمكن في وصف الإيمان الموجب لعلو الشأن بطاعتهم لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) في سعة صدورهم بتوسعتهم لإخوانهم .
ولما كان المؤمن قد لا يكون من المشهورين بالعلم قال : ( والذين ( ولما كان العلم في نفسه كافياً في الإعلاء من غير نظر إلى مؤت معين ، بنى للمفعول قوله : ( أوتوا العلم ) أي وهم مؤمنون ) درجات ( درجة بامتثال الأمر وأخرى بالإيمان ، ودرجة بفضل علمهم وسابقتهم - روى الطبراني وأبو نعيم في كتاب العلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( من جاءه أجله وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام لم يفضله النبيون إلا بدرجة واحدة ) ، رواه الدرامي وابن السني في رياضة المتعلمين عن الحسن غير منسوب ، قال شيخنا : فقيل : هو البصري فيكون مرسلاً ، وعن الزبير : العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكور الرجال .
وكلما كان الإنسان أعلم كان أذكر ، ولعله ترك التقييد ب ( من ) في هذا وإن كانت مرادة ليفهم أن العلم يعلي صاحبه مطلقاً ، فإن كان مؤمناً عاملاً بعلمه كان النهاية ، وإن كان عاصياً كان أرفع من مؤمن عاص وعار عن العلم ، وإن كان كافراً كانت رفعته دنيوية بالنسبة إلى كافر لا يعلم ، ودل على ذلك بختم الآية بقوله مرغباً مرهباً : ( والله ) أي والحال أن المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) بما تعملون ) أي حال الأمر وغيره ) خبير ) أي عالم بظاهره وباطنه ، فإن كان العلم مزيناً بالعمل بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وتصفية الباطن كانت الرفعة على حسبه ، وإن كان على غير ذلك فكذلك ، وقدم الجار ومدخوله وإن كان علمه سبحانه بالأشياء كلها على حد سواء تنبيهاً على مزيد الاعتناء بالأعمال ، لا سيما الباطنة من الإيمان والعلم اللذين هما الروح الأعظم ، لأن المقام لنزول الإنسان عن مكانه بالتفسح والانخفاض والارتفاع ، ولا يخفى ما في ذلك من حظ النفس الحامل على الجري مع الدسائس ، فكان جديراً بمزيد الترهيب ، وسبب الآية أن أهل العلم لما كانوا أحق بصدر المجلس لأنهم أوعى لما يقول صاحب المجلس ، كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( ليليني أولوا الأحلا منكم والنهى ) ، وكان ( صلى الله عليه وسلم ) يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء أناس من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبق غيرهم إلى المجلس فقاموا حيال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد عليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفعلوا فقال لمن حوله من غير أهل بدر : قم يا فلان وأنت يا فلان ، فأقام من المجلس بقدر القادمين من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم ، وعرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الكراهية في وجوههم ، فقال المنافقون : ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل ، فوالله ما عدل على هؤلاء ، إن قوماً أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه مكانهم ، فأنزل الله هذه الآية ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن افسحوا يفسح الله لكم ) رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وقال الحسن : بلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا قاتل المشركين فصف أصحابه رضي الله عنهم للقتال تشاحوا على الصف الأول فيقول الرجل لإخوانه : توسعوا لنلقى العدو فنصيب الشهادة ، فلا يوسعون له رغبة منهم في الجهاد والشهادة ، فأنزل الله هذه الآية ، وهي دالة على أن الصالح إن كره مجاورة فاسق منع من مجاورته لأنه يؤذيه ويشغله عن كثير من مهماته


ثالثا: التبرؤ من الكفار
لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

لما ظهر- بهذا- كالشمس أن من والاه سبحانه كان فائزاً ، ومن عاداه كان خاسراً ، كانت نتيجته قطعاً التحذير من موالاة أعداء الله في سياق النفي المفيد للمبالغة في النهي عنه والزجر عن قربانه فقال : ( لا تجد ) أي بعد هذا البيان ) قوماً ) أي ناساً لهم قوة على ما يريدون محاولته ) يؤمنون ) أي يجددون الإيمان ويديمونه ) بالله ) أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ) واليوم الآخر ( الذي هو موضع الجزاء لكل عامل بكل ما عمل ، الذي هو محط الحكمة ) يوادون ) أي يحصل منهم ودل لا ظاهراً ولا باطناً - بما أشار إليه الإدغام وأقله الموافقة في المظاهرة ) من حاد الله ) أي عادى بالمناصبة في الاحدود الملك الأعلى لذلك فالمحادة لا تخفى وإن كانت باطنة يستتر بها زيادة النفرة منهم ) ورسوله ( فإن من حاده فقد حاد الذي أرسله ، بل لا تجدهم إلا يحادونهم ، لا أنهم يوادونهم ، وزاد ذلك تأكيداً بقوله : ( ولو كانوا آباءهم ( الذين أوجب الله على الأبناء طاعتهم بالمعروف ، وذلك كما فعل أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه ، قتل أباه عبد الله بن الجرح يوم أحد ) أو آبناءهم ( الذي جبلوا على محبتهم ورحمتهم كما فعل أبو بكر رضي الله عنه فإنه دعا ابنه يوم بدر إلى المبارزة ، وقال : دعني يا رسول الله أكن في الرعلة الأولى ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( متعنا بنفسك يا أبا بكر ، أما تعلم أنك بمنزلة سمعي وبصري ) ) أو أخوانهم ( الذين هم أعضادهم كما فعل مصعب بن عمير رضي الله عنه ، قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد وخرق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الصفوف يومئذ على أخيه عتبة بن أبي وقاص غير مرة ليقتله فراع عنه روعان الثعلب ، فنهاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : أتريد أن تقتل نفسك وقتل محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه أخاه من الرضاع كعب بن الأشرف اليهودي رأس بني النضير ) أو عشيرتهم ( الذين هم أنصارهم وأمدادهم كما فعل عمر رضي الله عنه ، قتل خاله العاصي بن هشام بن المغيرة يوم بدر وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم قتلوا يوم بدر بني عمهم عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة ، وعن الثوري أن السلف كانوا يرون أن الآية نزلت فيمن يصحب السلطان - انتهى .

رابعا: حوت السورة لفظ الجلالة في كل آياتها وهي السورة الوحيدة التي ذكر فيها
ورد في شرح أسماء الله الحسنى للشيخ سعيد القحطاني :

الله

هو المألوه المعبود، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، لما أتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال.

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 07:55 PM

اللغز الثاني

هي سورة تبـدي لنـا
وصـف القيامـة بينـا
النـاس فيهـا قسمـوا
لثلاثـةٍ كـي تعلـمـوا
أن النفـوس المؤمنـة
ومآلـهـا للميـمـنـة
فازت فكونـوا أهلهـا
وتمثلـوا دومـاً بهـا
وتحصنـوا بالمرحمـة
من شر أهل المشأمـة
وصفت جزاء السابقين
والغر من أهل اليميـن
ثم انثنت تحكـي مـآل
من كان من أهل الشمال
وتوعدت مـن كذبـوا
بالبعـث ألـن يهربـوا
وأتـت بأربعـةٍ دليـل
في الخلق ليس لها مثيل
للنـاس كـي يدبـروا
في الكون أو يتفكـروا
من بعدها جاء القسـم
بمواقع النجـم الأشـم
أن الـذي نرقـى بـه
لمسـطـرٌ بكـتـابـه
ثـم الختـام بحالـنـا
إن حان وقـت وفاتنـا
ومـنـازلٍ لمقربـيـن
بشراكمو أهل اليميـن
وتـوعـدٍ لمكذبـيـن
بجحيمهم من بعد حيـن
حق اليقين من الكريـم
فسبحوا الرب العظيـم

؟؟؟؟


سورة الواقعة


الجزء السابع والعشرون وهي مكية


سبب النزول*

بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (في سِدرٍ مَّخضودٍ) قال أبو العالية والضحاك: نظر المسلمون إلى فوج وهو الوادي مخصب بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا: يا ليت لنا مثل هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الَآخِرينَ) قال عروة بن رويم لما أنزل الله تعالى ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) بكى عمر وقال: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك ومع هذا كله من ينجو منا قليل فأنزل الله تعالى (ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآَخِرينَ) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: يا عمر بن الخطاب قد أنزل الله فيما قلت فجعل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال عمر: رضينا عن ربنا وتصديق نبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آدم إلينا قوله تعالى (وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ). أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا حمدان السلمي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآيات (فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ) حتى بلغ (وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ) رواه مسلم عن عباس ابن عبد العظيم عن النضر بن محمد.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا وأصابهم العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون سقينا هذا المطر بنوء كذا فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء قال: فصلى ركعتين ودعا الله تبارك وتعالى فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملأوا الأسقية ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغترف بقدح له ويقول: سقينا بنوء كذا ولم يقل هذا من رزق الله سبحانه فأنزل الله سبحانه (وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ).
أخبرنا أبو بكر بن عمر الزاهد قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا حرملة بن يحيى وعمرو بن سواد السرجي قال: أخبرنا عبيد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تروا إلى ما قال ربكم قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين يقول الكوكب وبالكوكب رواه مسلم عن حرملة وعمرو بن سواد.
* أسباب النزول للنيسابوري
الأحكام من التفسير

سورة الواقعة

مقصودها شرح أحوال الأقسام الثلاثة المذكورة في الرحمن للأولياء من السابقين واللاحقين والأعداء المشاققين من المصارحين والمنافقين من الثقلين للدلالة على تمام القدرة بالفعل بالاختيار الذي دل عليه آخر الرحمن بإثبات الكمال ودل عليه آخر هذه بالتنزيه بالنفي لكل شيء به نقص ثم الإثبات بوصف العظمة بجميع الكمال من الجمال والجلال ، ولو استوى الناس لم يكن ذلك من بليغ الحكمة ، فإن استواءهم يكون شبهة لأهل الطبيعة ، واسمها الواقعة دال على ذلك بتأمل آياته وما يتعلق الظرف به ) بسم الله ( الذي له الكمال كله ففاوت بين الناس في الأحوال ) الرحمن ( الذي عم بنعمة البيان وفاضل قبولها بين أهل الإدبار وأهل الإقبال ) الرحيم ( الذي أقبل بأهل حزبه إلى أهل قربه ففازوا بمحاسن الأقوال والأفعال .
الأحكام من التفسير

أولا: بداية السورة وفيها وصف للقيامة وتقسيم الناس إلى ثلاثة أصناف
هي سورة تبـدي لنـا
وصـف القيامـة بينـا
النـاس فيهـا قسمـوا
لثلاثـةٍ كـي تعلـمـوا
أن النفـوس المؤمنـة
ومآلـهـا للميـمـنـة
فازت فكونـوا أهلهـا
وتمثلـوا دومـاً بهـا
وتحصنـوا بالمرحمـة
من شر أهل المشأمـة


الواقعة : ( 1 - 14 ) إذا وقعت الواقعة


) إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ ( ( )


لما صنف سبحانه الناس في تلك إلى ثلاث أصناف : مجرمين وسابقين ولاحقين ، وختم بعلة ذلك وهو أنه ذو الانتقام والإكرام ، شرح أحوالهم في هذه السورة وبين الوقت الذي يظهر فيه إكرامه وانتقامه بما ذكر في الرحمن غاية الظهور فقال بانياً على ما أرشده السياق إلى أن تقديره : يكون ذلك كله كوناً يشترك في علمه الخاص والعام : ( أذا وقعت الواقعة ) أي التي لا بد من وقوعها ولا واقع يستحق أن يسمى الواقعة بلام الكمال وتاء المبالغة غيرها ، وهي النفخة الثانية التي يكون عنها البعث الأكبر الذي هو القيامة الجامعة لجميع الخلق للحكم بينهم على الانفراد الظاهر الذي لا مدعى للمشاركة فيه بوجه من الوجوه ، ويجوز أن يكون ) إذا ( منصوباً بالمحذوف لتذهب النفس فيه كل مذهب ، فيكون أهول أي إذا وقعت كانت أموراً يضيق عنها نطاق الحصر. و ولما كان هذا معناه الساعة التي أبرم القضاء بأنه لا بد من كونها ، عبر عنه بانياً على مبتدأ محذوف فقال : ( ليس لوقعتها ) أي تحقق وجودها ) كاذبة ) أي كذب فهي مصدر عبر عنه باسم الفاعل للمبالغة بأنه ليس في أحوالها شيء يمكن أن ينسب إليه كذب ولا يمشي فيها كذب أصلاً ولا يقر عليه ، بل كل ما أخبر بمجيئه جاء من غير أن يرده شيء ، وكل ما أخبر بنفيه انتفى فلا يأتي به شيء ، وقرر عظمتها وحقق بعث الأمور فيها بقوله مخبراً عن مبتدأ محذوف : ( خافضة ) أي هي لمن يشاء الله خفضه من عظماء أهل النار وغيرهم مما يشاؤه من الجبال وغيرها إلى أسفل سافلين ) رافعة ) أي لضعفاء أهل الجنة وغيرهم من منازلهم وغيرها مما يشاؤه إلى عليين ، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه .


ولما كان في هذا من الهول ما يقطع القلوب الواعية أكده بقوله وزاد ما يشاء منه أيضاً بقوله مبدلاً من الظرف الأول بعض ما يدخل في الرفع والخفض : ( إذا رجت الأرض ) أي كلها على سعتها وثقلها بأيسر أمر ) رجاً ) أي زلزلت زلزالاً شديداً بعنف فانخفضت ارتفعت ثم انفضت بأهلا انتفاضاً شديداً ، قال البغوي : والرج في اللغة التحريك .


ولما ذكر حركتها المزعجة ، أتبعها غايتها فقال : ( وبست الجبال ) أي فتتت على صلابتها وعظمها بأدنى إشارة وخلط حجرها بترابها حتى صار شيئاً واحداً ، وصارت كالعهن المنفوش ، وسيرت وكانت تمر مرّ السحاب ) بساً فكانت ) أي بسبب ذلك ) منبثاً ) أي منتشراً متفرقاً بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه فهو كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل في كوة .


ولما ذكر غاية مبادئها المرجفة المرهبة ، ذكر مبادئ غاياتها فقال : ( وكنتم ) أي قسمتم بما كان في جبلاتكم وطباعكم في الدنيا ) أزواجاً ثلاثة ) أي أصنافاً لا تكمل حكمة صنف منها إلا بكونها قسمين : أعلى ودونه ، ليكون ذلك أدل على تمام القدرة وهم أصحاب الميمنة المنقسمين إلى سابقين وهم المقربون ، وإلى لاحقين وهم الأبرار أو أصحاب اليمين ، وكأنهم من أولي القلب الذي هو العدل السواء من أصحاب المشأمة إلى آخر أصحاب الميمنة فأصحاب السواء هم المقربون ، وبقية أصحاب الميمنة إلى أعلى ودونه ، وقد تبينت الأقسام الثلاثة آخر السورة ، قال البيضاوي : وكل صنف يكون أو يذكر مع نصف آخر زوج .


ولما قسمهم إلى ثلاثة أقسام وفرع تقسيمهم ، ذكر أحوالهم وابتدأ ذلك بالإعلام بأنه ليس الخبر كالخبر كما أنه ليس العين كالأثر فقال : ( فأصحاب الميمنة ) أي جهة اليمين وموضعها وأعمالها ، ثم فخم أمرهم بالتعجيب من حالهم بقوله منبهاً على أنهم أهل لأن يسأل عنهم فيما يفهمه اليمين من الخير والبركة فكيف إذا عبر عنها بصيغة مبالغة فقال : ( ما ( وهو مبتدأ ثان ) أصحاب الميمنة ) أي جهة اليمين وموضعها وأعمالها ، والجملة خبر عن الأولى ، والرابط تكرار المبتدأ بلفظه ، قال أبو حيان رحمه الله تعالى : وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم .


وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم الإعذار في السورتين المتقدمتين والتقرير على عظيم البراهين ، وأعلم في آخر سورة القمر أن كل واقع في العالم فبقضائه سبحانه وقدره


77 ( ) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( ) 7


[ القمر : 49 ]


77 ( ) وكل شيء فعلوه في الزبر ( ) 7


) القمر : 52 ] وأعلمهم سبحانه في الواقعة بانقسامهم الأخروي فافتتح ذكر الساعة ) إذا وقعت الواقعة ( إلى قوله ) وكنتم أزواجاً ثلاثة ( فتجردت هذه السورة للتعريف بأحوالهم الأخروية ، وصدرت بذلك كما جرد في هذه السورة قبل التعريف بحالهم في هذه الدار ، وما انجر في السور الثلاث جارياً على غير هذا الأسلوب فبحكم استدعاء الترغيب والترهيب لطفاً بالعباد ورحمة ومطالعها مبنية على ما ذكرته تصريحاً لا تلويحاً ، وعلى الاستيفاء لا بالإشارة والإيماء ، ولهذا قال تعالى في آخر القصص الأخراوية في هذه السورة : ( هذا نزلهم يوم الدين ( فأخبر أن هذا حالهم يوم الجزاء وقد قدم حالهم الدنياوي في السورتين قبل وتأكيد التعريف المتقدم فيما بعد ، وذلك قوله ) فأما إن كان من المقربين ( إلى خاتمتها - انتهى .


ولما ذكر الناجين بقسميهم ، أتبعهم أضدادهم فقال : ( وأصحاب المشأمة ) أي جهة الشؤم وموضعها وأعمالها ، ثم عظم ذنبهم فقال : ( ما أصحاب المشأمة ) أي لأنهم أهل لأن يسأل عما أصابهم من الشؤم والشر والسوء بعظيم قدرته التي ساقتهم إلى ما وصلوا إليه من الجزاء الذي لا يفعله بنفسه عاقل بل ولا بهيمة مع ما ركب فيهم من العقول الصحيحة والأفكار العظيمة وصان الأولين عن خذلان هؤلاء فأوصلهم إلى النعيم المقيم .


ولما ذكر القسمين ، وكان كل منهما قسمين ، ذكر أعلى أهل القسم الأول ترغيباً في أحسن حالهم ولم يقسم أهل المشأمة ترهيباً من سوء مآلهم فقال : ( والسابقون ) أي إلى أعمال الطاعة أصحاب الجنتين الأوليين في الرحمن وهم أصحاب القلب ) السابقون ) أي هم الذين يستحقون الوصف بالسبق لا غيرهم لأنه منزلة أعلى من منزلتهم فلذلك سبقوا إلى منزلتهم وهي جنتهم وهم قسمان كما يأتي عن الرازي ، وعن المهدوي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( السابقون الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سألوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم ) .


ولما بين علو شأنهم ونسب السبق إليهم ، ترجمه نازعاً للفعل منهم بقوله : ( أولئك ) أي العالو الرتبة جداً من الذين هم أصحاب الميمنة ) المقربون ) أي الذين اصطفاهم الله تعالى للسبق فأرادهم لقربه أو أنعم عليهم بقربه ولولا فعله في تقريبهم لم يكونوا سابقين ، قال الرازي في اللوامع : المقربون تخلصوا من نفوسهم فأعمالهم كلها لله ديناً ودنيا من حق الله وحق الناس ، وكلاهما عندهم حق الله ، والدنيا عندهم آخرتهم لأنهم يراقبون ما يبدو لهم من ملكوته فيتلقونه بالرضا والانقياد ، وهم صنفان فصنف قلوبهم في جلاله وعظمته هائمة قد ملكتهم هيبتهم فالحق يستعملهم ، وصنف آخر قد أرخى من عنانه ، فالأمر عليه أسهل لأنه قد جاور بقلبه هذه الحطة ومحله أعلى فهو أمين الله في أرضه ، فيكون الأمر عليه أسهل لأنه قد جاوز - انتهى .


ثم بين تقريبه لهم بقوله : ( في جنات النعيم ) أي الذي لا نعيم غيره لأنه لا كدر فيه بوجه ولا منغص ، والصنف الآخر منهم المتقربون والمتشاققون من أصحاب المشأمة ، أولئك المغضوب عليهم المبعودون ، ومن دونهم الضالون البعيدون وهم أصحاب الشمال .


ولما ذكر السابقين فصلهم فقال : ( ثلة ) أي جماعة كثيرة حسنة ، وقال البغوي : والثلة جماعة غير محصورة العدد ، ) من الأولين ( وهم الأنبياء الماضون عليهم الصلاة والسلام ، ومن آمن بهم من غير واسطة رضي الله عنهم ) وقليل من الآخرين ( وهم من آمن بمحمد - عليه الصلاة والسلام مائة ألف ونيفاً وعشرين ألفاً ، وكان من خرج مع موسى عليه السلام من مصر وهم من آمن به من الرجال المقاتلين ممن هو فوق العشرين ودون الثمانين وهم ستمائة ألف فما ظنك بمن عداهم من الشيوخ ومن دون العشرين من التابعين والصبيان ومن النساء ، فكيف بمن عداه من سائر النبيين عليهم الصلاة والسلام .


المجددين من بني إسرائيل وغيرهم ، وقيل ( الثلة والقليل كلاهما من هذه الأمة ) ، رواه الطبراني وابن عدي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وفيه أبان بن أبي عياش وهو متروك ورواه إسحاق بن راهويه مسدد بن مسرهد وأبو داود الطيالسي وإبراهيم الحربي والطبراني من رواية علي بن زيد وهو ضعيف عن عقبة بن صهبان عن أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً ، والموقوف أولى بالصواب ، وتطبيقه على هذه الأمة سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً صحيح لا غبار عليه ، فتكون الصحابة رضي الله عنهم كلهم من هذه الثلة وكذا من تبعهم بإحسان إلى رأس القرن الثالث وهم لا يحصيهم إلا الله تعالى ، ومن المعلوم أنه تناقص الأمر بعد ذلك إلى أن صار السابق في الناس أقل من القليل لرجوع الإسلام إلى الحال الذي بدأ عليها من الغربة ( بدأ الإسلام غريباً وسيكون غريباً فطوبى للغرباء ) ويجوز أن يقدر أيضاً : وثلة - أي جماعة كثيرة هلكى - من الأولين ، وهم المعاندون من الأمم الماضين ، وقليل من الآخرين - وهم المعاندون من هذه الأمة .

ثانيا: جزاء السابقين
وصفت جزاء السابقين........

الواقعة : ( 15 - 23 ) على سرر موضونة


) عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ( ( )


ولما ذكر السابقين في الخير بصنفيهم مشيراً إلى السابقين في الشر بصنفيهم ، ذكر جزاء أهل الخير ليعلم منه جزاء أولئك ، فقال مبيناً أنهم ملوك لكن ملكهم لا ينافس فيه ولا يحاسد ، بل هو كله يقابل بالوداد والصفاء ) على سرر ( وهو ما يسر الإنسان من المقاعد العالية المصنوعة للراحة والكرامة التي هي آية الملك وهو العرش ) موضونه ) أي منسوجة نسجاً مضاعفاً منضودة داخلاً بعضها في بعض مقارب النسج معجباً كالدرع لكن نسجها بالذهب مفصلاً بالجوهر من الدر والياقوت .


ولما ذكر السرر وبين عظمتها ، ذكر غايتها فقال : ( متكئين ) أي متكئين هيئة المتربع أو غيرها من الجنب أو غيرها ) عليها ( ولما كان الجمع إذا كثر كان ظهور بعض أهله إلى بعض ، أعلم أن جموع أهل الجنة على غير ذلك فقال : ( متقابلين ( فلا بعد ولا مدابرة لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ولا يكره بعضهم بعضاً .


ولما كان المتكىء قد يصعب عليه القيام لحاجته قال : ( يطوف عليهم ) أي لكفاية كل ما يحتاجون إليه ) ولدان ( على أحسن صورة وزي وهيئة ) مخلدون ( قد حكم ببقائهم على ما هم عليه من الهيئة ، قال البغوي : تقول العرب لمن كبر ولمن شمط : إنه مخلد ، قال : قال الحسن : هم أولاد أهل الدنيا ، لم يكن لهم حسنات يثابون عليها ولا سيئات يعاقبون لعيها لأن الجنة لا ولادة فيها ، فهم خدم أهل الجنة .




ولما كان مدحهم هذا في غاية الإبلاغ مع الإيجاز ، وكان فيه - إلى تبليغ ما لهم - تحريك إلى مثل أعمالهم ، وكان الأكل الذي هو من أعظم المآرب مشاراً إليه بالمدح العظيم الذي من جملته الاستراحة على الأسرة التي علم أن من عادة الملوك أنهم لا يتسنمونها إلا بعد قضاء الوطر منه فلم يبق بعده إلا ما تدعو الحاجة إليه من المشارب وما يتبعها قال تعالى : ( بأكواب ) أي كيزان مستديرة الأفواه بلا عرى ولا خراطيم لا يعوق الشارب منها عائق عن الشرب من أي موضع أراد منها فلا يحتاج أن يحول الإناء إلى الحالة التي تناوله عنها ليشرب ، ويمكن أن تكون البدأة بالشراب لما نالوا من المتاعب من العطش كما لمن يشرب من الحوض فيكون حينئذ قبل الأكل والله أعلم ) وأباريق ) أي أواني لها عرى وخراطيم فيها من أنواع المشارب ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ) وكأس ) أي إناء معد للشرب فيه والشراب نفسه .

ولما كان الشراب عاماً بينه بقوله : ( من معين ) أي خمر جارية صافية صفاء الماء ليس يتكلف عصرها بل ينبع كما ينبع الماء .
ولما أثبت نفعها وما يشوق إليها ، نفى ما ينفر عنها فقال : ( لا يصدعون ) أي تصدعاً يوجب المجاوزة ) عنها ) أي بوجع في الرأس ولا تفرق لملالة ) ولا ينزفون ) أي يذهب بعقولهم بوجه من الوجوه أي يصرع شرابهم ، من نزفت البئر - إذا نزح ماؤها كله ، ونزف فلان : ذهب عقله أو سكر ، وبنى الفعلان لملجهول لأنه لم تدع حاجة إلى معرفة الفاعل ، وقال الرازي في اللوامع : قال الصادق : لا تذهل عقولهم عن موارد الحقائق عليهم ولا يغيبون عن مجالس المشاهدة بحال .
ولما بدأ بالألذ الهاضم للأكل ، تلاه بما يليه مما يدعو إليه الهضم تصريحاً به بعد التلويح فقال : ( وفاكهة مما يتخيرون ) أي هو فيها بحيث لو كان فيها جيد وغيره واختاروا وبالغوا في التنقية لكان مما يقع التخير عليه ، ولما ذكر ما جرت العادة بتناوله لمجرد اللذة ، أتبعه ما العادة أنه لإقامة البينة وإن كان هناك لمجرد اللذة أيضاً فقال : ( ولحم طير ( ولما كان في لحم الطير مما يرغب عنه ، احترز عنه بقوله : ( مما يشتهون ) أي غاية الشهوة بحيث يجدون لآخرة من اللذة ما لأوله .
ولما كان لم يكن بعد الأكل والشرب أشهى من الجماع ، قال عاطفاً على ) ولدان ( : ( وحور العين ) أي يطفن عليهم ، وجره حمزة والكسائي عطفاً على ) سرر ( فإن النساء في معنى التكاء لأنهن يسمين فراشاً .
ولما كان المثل في الأصل الشيء نفسه كما مضى في الشورى قال : ( كأمثال ) أي مثل أشخاص ) اللؤلؤ المكنون ) أي المصون في الصدف عما قد يدنسه .



ثالثا: جزاء أصحاب اليمين
....والغر من أهل اليميـن


الواقعة : ( 24 - 34 ) جزاء بما كانوا. .. . .

) جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ( ( )
ولما أبلغ في وصف جزائهم بالحسن والصفاء ، دل على أن أعمالهم كانت كذلك لأن الجزاء من جنس العمل فقال تعالى : ( جزاء ) أي فعل لهم ذلك لأجل الجزاء ) بما كانوا ( جبلة وطبعاً ) يعملون ) أي يجددون عمله على جهة الاستمرار .
ولما أثبت لها الكمال وجعله لهم ، نفى عنها النقص فقال : ( لا يسمعون ) أي على حال من الأحوال ) فيها لغواً ) أي شيئاً مما لا ينفع فإن أنكاً. . .
بالسميع الحكيم ذلك ، واللغو : الساقط ) ولا تأثيماً ) أي ما يحصل به الإثم أو النسبة إلى الإثم ، بل حركاتهم وسكناتهم كلها رضى الله ، وما قطع قلوب السائرين إلى الله إلا هاتان الخصلتان بينا أحدهم يبني ما ينفعه مجتهداً في البناء إذ هو غلبه طبعه فهدم أكثر ما بنى ، وبينا هو يظن أنه قد قرب إذا هو تحقق بمثل ذلك أنه قد بعد ، نزحت داره وشط مزاره ، فاللّه المستعان .
ولما كان الاستثناء ، معيار العموم ، ساق بصورة الاستثناء قوله : ( إلا قيلاً ) أي هو في غاية اللطافة والقة بما دل عليه المبني على ما قبلها محاسن مع ما تدل عليه مادة قوله .
ولما تشوف السامع إليه بالعبير بما ذكر ، بينه بقوله : ( سلاماً ( ودل على دوامه بتكريره فقال : ( سلاماً ) أي لا يخطر في النفس ولا يظهر في الحس منهم قول إلا دالاًّ على السلام لأنه لا عطب فيها أصلاً ، وساقه مساق الاستثناء المتصل دلالة على أنه إن كان فيها لغو فهو ذلك حسب ، وهو ما يؤمنهم يونعمهم ويبشرهم مع أنه دال على حسن العشرة وجميل الصحبة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة .
ولما أتم سبحانه القسم الأول القلبي السوائي المولي من الثلاثة بقسميه ، وذكر في جزائه مما لأصحاب المدن ما لا يمكنهم الوصول إليه ، عطف عليه الثاني الذي هو دونه لذلك وهم والله أعلم الأبرار وهم أيضاً صفنان ، وذكر في جزائهم من جنس ما لأهل البوادي أنهى ما يتصورونه ويتمنونه فقال : ( وأصحاب اليمين ( ثم فخم أمرهم وأعلى مدحهم لتعظيم جزائهم ، والإشارة إلى أنهم أهل لأن يسأل عن حالهم فإنهم في غاية الإعجاب فقال : ( وما أصحاب اليمين ( ولما عبر عنهم بما أفهم أنهم أولو القوة والجد في الأعمال ، والبركة في جمع الأحوال ، ذكر عشيهم بادئاً بالفاكهة لأن عيش الجنة كله تفكه ، ذاكراً منها ما ينبت في بلاد العرب من غير كلفة بغرس ولا خدمة ، وأشار إلى
كثرة ما يذكره بأن جعله ظرفهم ، فقال من غير ذكر لسرير الملك الذي حبا به المقربين من الملك ، ولم يزد على ذلك المأكول وما معه بما يتصور للبهائم : ( في سدر ) أي شجر نبق متدلي الأغصان من شدة حمله ، من سدر الشعر - إذا سدله ) مخضود ) أي هو مع أنه لا شوك له ولا عجم بحيث تنثني أغصانه من شدة الحمل ، من خذد الشوك : قطعه ، والغصن : ثناه وهو رطب ، وفي ذكر هذا تنبيه على أن كل ما لا نفع فيه أو فيه نوع أذى له في الجنة وجود كريم لأن الجنة إنما خلقت للنعيم .
ولما ذكر ما يطلع في الجبال والأماكن المعطشة والرمال ، أتبعه ما لا يطلع إلا على المياه دلالة على أن أماكنهم في غاية السهولة والري فقال : ( وطلح ) أي شجر موز أو نخل ، وقال الحسن : شجر له ظل بارد طيب الرائحة وقال الفراء وأبو عبيدة : شجر عظام لها شوك ، وقيل : هو أم غيلان ، وله نور كثير ، ويحكى عن أبي تراب النخشبي أنه كان سائراً مع قوم من الصوفية على قدم التوكل ، فجاعوا أياماً فقال : أتريدون أن تأكلوا ، قالوا : نعم ، فضرب بيده على شجرة غيلان فإذا عليها عراجين موز ، فأكلوا إلا شاباً منهم ، فقال : لا آكل ولا أصحبك بعدها ، لأني كنت أسير بلا معلوم ، وقد صرت أنت الآن معلومي ، كلما جعت التفتت نفسي إليك .
) منضود ) أي منظوم بالحمل من أعلاه إلى أسفله متراكم يتراكب بعضه على بعض على ترتيب هو في غاية الإعجاب ، قال في القاموس : ن الطلح : شجر عظيم ، والطع : والموز ، والطلع من النخل : شيء يخرج كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود ، والطرف محدد ، أو ما يبدو من ثمرته أول ظهورها .
ولما ذكر ما لا يكون إلا في البلاد الحارة قال : ( وظل ممدود ) أي مستوعب للزمان والمكان فهو دائم الاستمداد كما بين الإسفار وطلوع الشمس لا فناء له ولا نهاية .
ولما كان ما ذكر من الري لا يستلزم الجري قال : ( وماء مسكوب ) أي جار في منازلهم من غير أخدود ولا يحتاجون فيه إلى جلب من الأماكن البعيدة ، ولا الإدلاء في بئر كما لأهل البوادي .
ولما ذكر ما تقدم ، عم بقوله : ( وفاكهة كثيرة ) أي أجناسها وأنواعها وأشخاصها .
ولما كانت لا تكون عندنا إلا في أوقات يسيرة ، بين أن أمر الجنة على غير ذلك فقال : ( لا مقطوعة ( ولما كانت في الدنيا قد يعز التوصل إليها مع وجودها لشيء من الأشياء أقله صعود الشجرة أو التحجز بجدار أو غيره قال : ( ولا ممنوعة ( ولما كان التفكه لا يكمل الالتذاذ به إلا مع الراحة قال : ( وفرش مرفوعة ) أي هي رفيعة القدر وعالية بالفعل لكثرة الحشو ولتراكم بعضها على بعض ولأنها على السرر ، وروىالبغوي من طريق النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ) .


رابعا: جزاء أهل الشمال
ثم انثنت تحكـي مـآل
من كان من أهل الشمال

الواقعة : ( 35 - 46 ) إنا أنشأناهن إنشاء


) إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأًّصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ( ( )


ولما كانت النساء يسمين فرشاً ، قال تعالى معيداً للضمير على غير ما يتبادر إليه الذهن من الظاهر على طريق الاستخدام مؤكداً لأجل إنكار من ينكر البعث : ( إنا ) أي بما لنا من القدرة والعظمة التي لا يتعاظمها شيء ) أنشأناهن ) أي الفرش التي معناها النساء من أهل الدنيا بعد الموت ولو عن الهرم والعجز بالبعث ، وزاد في التأكيد فقال : ( إنشاء ) أي من غير ولادة ، بل جمعناهن من التراب كما فعلنا في سائر المكلفين ليكونوا كأبيهم آدم عليه الصلاة والسلام في خلقه من تراب ، فتكون الإعادة كالبداءة ، ولذلك يكون الكل عند دخول الجنة على شكله عليه الصلاة والسلام ، ويجوز أن يكون المراد بهن الحور العين فيكون إنشاء مبتدعاً لم يسبق له وجود .


ولما كان للنفس أتم التفات إلى الاختصاص ، وكان الأصل في الأنثى المنشأة أن تكون بكراً ، نبه على أن المراد بكارة لا تزول إلا حال الوطىء ثم تعود ، فكلما عاد إليها وجدها بكراً ، فقال : ( فجعلناهن ) أي الفرش الثيبات وغيرهن بعظمتنا المحيطة بكل شيء ) أبكاراً ) أي بكارة دائمة لأنه لا تغيير في الجنة ولا نقص .


ولما كان مما جرت به العادة أن البكر تتضرر من الزوج لما يلحقها من الوجع بإزالة البكارة ، دل على أنه لا نكد هناك أصلاً بوجع ولا غيره بقوله : ( عرباً ( جمع عروب ، وهي الغنجة المتحببة إلى زوجها ، قال الرازي في اللوامع : الفطنة بمراد الزوج كفطنة العرب .


ولما كان الاتفاق في السن أدعى إلى المحبة ومزيد الألفة قال : ( أتراباً ) أي على سن واحدة وقد واحد ، بنات ثلاث وثلاثين سنة وكذا أزواجهن .


قال الرازي في اللوامع : أخذ من لعب الصبيان بالتراب - انتهى ، وروى البغوي من طريق عبد بن حميد عن الحسن : قال أتت عجوز النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : ( يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ) ، فولت تبكي ، ( قال : أخبرها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : إنا أنشأناهن ، الآية ) رواه الترمذي عنه في الشمائل هكذا مرسلاً ، ورواه البيهقي في كتاب البعث عن عائشة رضي الله عنها والطبراني في الأوسط من وجه عنها ، ومن وجه آخر عن أنس رضي الله عنه ، قال شيخنا حافظ عصره ابن حجر : وكل طرقه ضعيفة ، وروى البغوي أيضاً من طريق الثعلبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في هذه الآية قال : ( عجائزكن في الدنيا عمشاً رمصاً فجعلهن أبكاراً ) .


ولما كان هذا الوصف البديع مقتضياً لما يزدهي عنه النفس لأن يقال : لمن هؤلاء ؟ وإن كان قد علم قبل ذلك ، نبه عليه بقوله تعالى : ( لأصحاب اليمين ( ويجوز أن يتعلق ب ) أتراباً ( نصاً على أنهن في أسنان أزواجهن .


ولما أنهى وصف ما فيه أهل هذا الصنف على أنهى ما يكون لأهل البادية بعد أن وصف ما للسابقين بأعلى ما يمكن أن يكون لأهل الحاضرة ، وكان قد قدم المقايس في السابقين بين الأولياء والآخرين ، فعل هنا كذلك فقال : ( ثلة من الأولين ) أي من أصحاب اليمين ) وثلة ) أي منهم ) من الآخرين ( فلم يبين فيهم قلة ولا كثرة ، والظاهر أن الآخرين أكثر ، فإن وصف الأولين بالكثرة لا ينافي كون غيرهم أكثر ليتفق مع قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إن هذه الأمة ثلثا أهل الجنة ، فإنهم عشرون ومائة صف ، هذه الأمة منهم ثمانون صفاً .


) ولما أتم وصف ما فيه الصنفان المحمودان ، وبه تمت أقسام أصحاب الميمنة الأربعة الذين هم أصحاب القلب واليمين ، اتبعه أضدادهم فقال : ( وأصحاب الشمال ) أي الجهة التي تتشاءم العرب بها وعبر بها عن الشيء الأخس والحظ الأنقص ، والظاهر أنهم أدنى أصحاب المشأمة كما كان أصحاب اليمين دون السابقين من أصحاب الميمنة ، ثم عظم ذمهم ومصابهم فقال : ( ما أصحاب الشمال ) أي إنهم بحال من الشؤم هو جدير بأن يسأل عنه .


ولما ذمهم وعابهم ، ذكر عذابهم ليعلم أن القسم الأشد منهم في الشؤم أشد عذاباً فقال : ( في سموم ) أي ظرفهم المحيط بهم لفح من لفح النار شديد يتخلل المسام ) وحميم ) أي ماء حار بالغ في الحرارة إلى حد يذيب اللحم .


ولما كان للتهكم في القلب من شديد الوقد ما يجل عن الوصف والحد قال : ( وظل ( ثم أتبعه ما صرح بأنه تهكم فقال : ( من يحموم ) أي دخان أسود كالحمم أي الفحم شديد السواد بما أفهمته الزيادة وشبه صيغة المبالغة : ولما كان المعهود من الظل البرد والإراحة ، نفى ذلك عنه فقال : ( لا بارد ( ليروح النفس ) ولا كريم ( ليؤنس به ويلجأ إليه ويرجى خيره ويعول في حال عليه بأن يفعل ما يفعله الواسع الخلق الصفوح من الإكرام ، بل هو مهين ، سماه ظلاًّ لترتاح النفس إليه ثم نفى عنه نفع الظل وبركته لينضم حرقان : اليأس بعد الرجاء إلى إخراق اليحموم فتصير الغصة غصتين .




ولما أنتج هذا أنه على خلق اللئيم فهو موضع الحرارة والضيق والخسة والشدة ، علله بقوله : ( إنهم ( أكده وإن كان فيهم أهل الضر لاجتماعهم في الاسترواح إلى منابذة الدين باتباع الشهوات ، ولأن ما مضى لهم بالنسبة إلى هذا العذاب حال ناعم ، وعبر بالكون دلالة على العراقة في ذلك ولو تهيئهم له جبلة وطبعاً فقال : ( كانوا ) أي في الدنيا .

ولما كان ذلك ملازماً للاستغراق في الزمان بميل الطباع ، نزع الجار فقال : ( قبل ذلك ) أي الأمر العظيم الذي وصلوا إليه ) مترفين ) أي في سعة من العيش منهمكين في الشهوات مستمتعين بها متمكنين فيها لترامي طباعهم إليها فأعقبهم ما في جبلاتهم من الإخلاد إلى الترف عدم الاعتبار والاتعاظ في الدنيا والتكبر على الدعاة إلى الله ، وفي الآخرة شدة الألم لرقة أجسامهم المهيأة للترف بتعودها بالراحة بإخلادها إليها وتعويلها عليها ) وكانوا ) أي مع الترف ) يصرون ) أي يقيمون ويدومون على سبيل التجديد مما لهم من الميل الجبلي إلى ذلك ) على الحنث ) أي الذنب ، ومنه قولهم : بلغ الغلام الحنث ، أي الحلم الذي هو وقت المؤاخذة بالذنب ، ويطلق الحنث على الكذب والميل إلى الأبطيل واليمين الغموس ونقض العهد المؤكد .
ولما كان ذلك قد يكون من المعهود مما يغتفر بكونه صغيراً أو في وقت يسير قال : ( العظيم ( دالاًّ على أنهم يستهينون العظائم من القبائح والفواحش .


خامسا: وعيد من كذّب بالبعث
وتوعدت مـن كذبـوا
بالبعـث ألـن يهربـوا

الواقعة : ( 47 - 55 ) وكانوا يقولون أئذا. .. . .


) وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا الأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضِّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ( ( )


ولما وصفهم بالترف والإصرار على السرف ، وكان ذلك يلازم البطالة ، وكان يلزم عنها الغباوة والفساد الموجب للشقاوة ، ذكر إنكارهم لما لا أبين منه ، فقال عاطفاً على ما أفهمه التعبير عن الإثم بالحنث من نحو : فكانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم لا يبعثون وأن الرسل كاذبون : ( وكانوا يقولون ) أي إنكاراً مجددين لذلك دائماً جلافة أو عناداً : ( أئذاً ) أي أنبعث إذاً ، وحذف العامل لدلالة ) مبعوثون ( عليه ، ولا يعمل هو لأن الاستفهام وحرف التأكيد اللذين لهما الصدر معناه ) متنا ) أي فلم يبق في رد أرواحنا طب بوجه ) وكنا ) أي كوناً ثابتاً ) تراباً وعظاماً ( ولما كان استفهامهم هذا لإنكار أن يكون في شيء من إقامة أبدانهم أو رد أرواحهم طب ، أعاد الاستفهام تاكيداً لإنكارهم فقال : ( أءِنا لمبعوثون ) أي كائن وثابت بعثنا ساعة من الدهر ، وأكدوا ليكون إنكارهم لما دون المؤكد بطريق الأولى .




ولما كانت أفهامهم واقفة مع المحسوسات لجمودهم .

وكان البلى كلما كان أقوى كان ذلك البالي في زعمهم من البعث أبعد ، قالوا مخرجين في جملة فعلية عطفاً على الواو من ) معبوثون ( من غير تأكيد بضمير الفصل بالاستفهام : ( أو آباؤنا ) أي يبعث أي الذين قد بليت مع لحومهم عظامهم ، فصاروا كلهم تراباً ولا سيما إن حملتهم السيول ففرقت ترابهم في كل أوب ، وذهبت به في كل صوب ، وسكن نافع وابن عامر الواو على أن العاطف ) أو ( ويجوز أن يكون العطف على محل ( إن ) واسمها .
ولما كانوا في غاية الجلافة ، رد إنكارهم بإثبات ما نفوه ، وزادهم الإخبار بإهانتهم ثم دل على صحة ذلك بالدليل العقلي لمن يفهمه ، فقال مخاطباً لأعلى الخلق وأوقفهم به لأن هذا المقام لا يذوقه حق ذوقه إلا هو كما أنه لا يقوم بتقريره لهم والرفق بهم إلا هو : ( قل ) أي لهم ولكل من كان مثلهم ، وأكد لإنكارهم : ( إن الأولين ( الذين جعلتم الاستبعاد فيهم أولياً ، ونص على الاستغراق بقوله : ( والآخرين ( ودل على سهولة بعثهم وأنه في غاية الثبات ، منبهاً على أن نقلهم بالموت والبلى تحصيل لا تفويت : ( لمجموعون ( بصيغة اسم المفعول ، في المكان الذي يكون فيه الحساب .
ولما كان جمعهم بالتدريج ، عبر بالغاية فقال : ( إلى ميقات ) أي زمان ومكان ) يوم معلوم ) أي معين عند الله ، ومن شأنه أن يعلم بما عنده من الأمارات ، والميقات : ما وقت به الشيء منزمان أو مكان أي حد .
ولما كان زمان البعث متراخياً عن نزول القرآن ، عبر بأداته وأكد لأجل إنكارهم فقال : ( ثم ) أي بعد البعث بعد الجمع المدرج ) إنكم ( وأيد ما فهمه من أصحاب الشمال هم القسم الأدنى من أصحاب المشأمة فقال : ( أيها الضالون ) أي الذين غلبت عليه الغباوة فيهم لا يفهمون ، ثم أتبع ذلك ما أوجب الحكم عليهم بالضلال فقال : ( المكذبون ) أي تكذيباً ناشئاً عن الضلال والتقيد بما لا يكذب به إلا عريق في التكذيب بالصدق ) لآكلون من شجر ( منبته النار .
ولما كان الشجر معدن الثمار الشهية كالسدر والطلح ، بينه بقوله : ( من زقوم ) أي شيء هو في غاية الكراهة والبشاعة في المنظر ونتن الرائحة والأذى ، قال أبو عبد الله القزاز في ديوانه الجامع وعبد الحق في واعيه : الزقم : شوب اللبن والإفراط فيه ، يقال : بات يزقم اللبن زقماً ، ومن هذا الزقوم الذي ذكرهالله تبارك وتعالى ، وقالا : قال أبو حنيفة : الزقوم شجرة غبراء صغيرة الورق لا شوك لها زفرة لها كعابر في رؤوسها ولها ورد تجرشه النحل ، ونورها أبيض ورأس ورقها قبيح جداً ، وهي مرعى ، ومنابتها السهل ، وقال في القاموس : في الدفر بالدال المهملة ، الدفر - بالتحريك : وقوع الدود في الطعام والذل والنتن ، ويسكن ، وقال في المعجمة : الذفر - محركة : شدة ذكاء الريح كالذفرة أو يخص برائحة الإبط المنتن ، والنتن وماء الفحل ، والذفراء من الكتائب : السهكة من الحديد ، والكعبرة بضمتين عين وراء مهملتين : عقدة أنبوب الزرع ، وعن السهيلي أن أبا حنيفة ذكر في النبات أن شجرة باليمن يقال لها الزقوم لا ورق لها ، وفروعها أشبه شيء برؤوس الحيات ، وقال البيضاوي : شجرة صغير الورق دفرة مرة تكون بتهامة ، وفي القاموس : والزقمة : الطاعون وقال في النهاية : فعول من الزقم : اللقم الشديد والشرب المفرط ، وقال ابن القطاع : زقم زقماً : بلع ، ومن الاشتراط والشجرة المنتنة والبشعة المنظر أنه شيء كريه يضطر آكله إلى التملؤ منه بنهمة وهمة عظيمة ، ومن المعلوم أن الحامل له على هذا مع هذه الكراهة لا يكون إلا في أعلى طبقات الكراهة ، ولذلك حسن جداً موقع قوله مسبباً عن الأكل : ( فمالئون ) أي ملأً هو في غاية الثبات وأنتم في غاية الإقبال عليه مع ما هو عليه من عظيم الكراهة ) منها ) أي الشجرة ، أنثه لأنه جمع شجر أو هو اسم جنس ، وهم يكرهون الإناث فتأنيثه - والله أعلم - زيادة في تنفيرهم منه ) البطون ) أي لشيء عجيب يضطركم إلى تناول هذا الكريه مما هو أشد منه كراهة بطبقات من جوع أو غيره ، وإن فسرت بما قالوا من أنه معروف لهم أنه الزبد بالتمر لم يضر ذلك بل يكون المعنى أنهم يتملؤون منها تملأ من يأكل من هذا في الدنيا مع أنه من المعلوم أنه لا شيء في النار المعدة للعذاب لمن أعدت لعذابه حسن .
ولما كان من يأكل كثيراً يعطش عطشاً فيشرب ما قدر عليه رجاء تبريد ما به من حرارة العطش ، سبب عنه قوله : ( فشاربون عليه ) أي على هذا المليء أو الأكل ) من الحميم ) أي الماء الذي هو في غاية الحرارة بحث ضوعف إحماؤه وإغلاؤه .
ولما كان شربهم لأدنى قطرة من ذلك في غاية العجب ، أتبعه ما هو أعجب منه وهو شدة تملئهم منه فقال مسبباً عما مضى : ( فشاربون ) أي منه ) شرب ( بالفتح في قراءة الجماعة وبالضم لنافع وعاصم وحمزة ، وقرئ شاذاً بالكسر والثلاثة مصادر ، قال في القاموس : وشرب كسمع شرباً ويثلث أ والشراب مصدر وبالضم والكسر اسمان ، وبالفتح القوم : يشربون ، وبالكسر : الماء والحظ منه ، والمورد ووقت الشرب ، والكل يصلح هنا ) الهيم ) أي الإبل العطاش لأن بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء جمع أهيم ، وقال القزاز : جمع هيماء وهو أي - اليهام - بالضم : داء يصيب الإبل فتشرب ولا تروى - انتهى .



وقال : ذو الرمة :


فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها


ويقال : الهيم : الرمل ، ينصب فيه كل ما صب عليه ، والمعنى أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى الأكل ثم من العطش ما يضطرهم إلى الشرب على هذه الهيئة .


سادسا: الأدلة الاربعة على الخلق
وأتـت بأربعـةٍ دليـل

في الخلق ليس لها مثيل

للنـاس كـي يدبـروا

في الكون أو يتفكـروا


الواقعة : ( 56 - 61 ) هذا نزلهم يوم. .. . .



) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( ( )



ولما كان كأنه قيل : هذا عذابهم كله ، قيل تهكماً بهم ونكاية لهم : ( هذا نزلهم ) أي ما يعد لهم أول قدومهم مكان ما يعد للضيف أول حلوله كرامة له ) يوم الدين ) أي الجزاء الذي هو حكمة القيامة ، وإذا كان هذا نزلهم فما ظنك بما يأتي بعده على طريق من يعتني به فما ظنك بما يكون لمن هو أغنى منهم من المعاندين وهو في طريق التهكم مثل قول أبي الشعراء الضبي : وكنا إذا الجبار بالسيف ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا ولما ذكر الواقعة وما يكون فيها للأصناف الثلاثة ، وختم بها على وجه بين فيه حكمتها وكانوا ينكرونها ، دل عليه بقوله : ( نحن ) أي لا غيرنا ) خلقناكم ) أي بما لنا من العظمة ، ولعل هذا الخطاب للدهرية المعطلة من العرب .



ولما كانوا منكرين للبعث عدوا منكرين للابتداء وإن كانوا من المخلصة بالمقريب بالخلق لأنهما لما بينهما من الملازمة لا انفكاك لأحدهما عن الآخر فقال : ( فلولا ) أي فتسبب عن ذلك أن يقال تهديداً ووعيداً : هلا ولم لا ) تصدقون ) أي بالخلق الذي شاهدتموه ولا منازع لنا فيما فيه فتصدقوا بما لا يفرق بينه وبينه إلا بأن يكون أحق منه في مجاري عاداتكم ، وهو الإعادة فتعملوا عمل العبيد لساداتهم ليكون حالكم حال مصدق بأنه مربوب .



ولما حضضهم على التصديق بالاستدلال بإيجادهم ، وكان البعث إنما هو تحويلهم من صورة بالية إلى الصورة التي كانوا عليها من قبل ، سبب عن تكذيبهم به مع تصديقهم بالخلق عدم النظر في تبديل الصور في تفاصيله ، أو سبب عن قول من عساه يقول من أهل الطبائع : إنما خلقنا من نطفة حدثت بحرارة كامنة ، فقال : ( أفرأيتم ) أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة أنا خلقناكم فيهديكم ذلك أنا نقدر على الإعادة كما قدرنا على البداءة فرأيتم ) ما تمنون ) أي تريقون - من النطف التي هي مني في الأرحام بالجماع .



ولما كانت العبرة بالمسبب لا بالسبب ، نبه على ذلك بتجديد الإنكار تنبيهاً على أنهم وإن كانوا مترفين بتفرده بالإبداع ، فإن إنكارهم للبعث مستلزم لإنكارهم لذلك فقال : ( ءأنتم تخلقونه ) أي توجدونه مقدراً على ما هو عليه من الاستواء والحكمة بعد خلقه من صورة النطفة إلى صورة العلقة ثم من صورة العلقة إلى صور المضغة ثم منها إلى صور العظام والأعصاب ) أم نحن ( خاصة .



ولما كان المقام لتقرير المنكرين ذكر الخبر المفهوم من السياق على وجه أفهم أن التقدير : أو أنتم الخالقون له أن نحن ؟ فقال : بل نحن ) الخالقون ) أي الثابت لنا ذلك ، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً ) تخلقون ( دليلاً على حذف مثله له سبحانه ثانياً ، وذكر الاسم ثانياً دليلاً على حذف مثله لهم أولاً ، وسر ذلك أنه ذكر ما هو الأوفق لأعمالهم مما يدل على وقت التجدد ولو وقتاً ما ، وما هو الأولى بصفاته سبحانه مما يدل على الثبات والدوام .



ولما كان الجواب : أنت الخالق وحدك ، وكان الطبيعي ربما قال : اقتضى ذلك الحرارة المخمرة للنطفة ، وكانت المفاوتة للآجال مع المساواة في اسمية الحياة من الدلائل العظيمة على تمام القدرة على الإفناء والإبداء بالاختيار مبطلة لقول أهل الطبائع دافعة لهم ، أكد ذلك الدليل بقوله : ( نحن ) أي بما لنا من العظمة لا غيرنا ) قدرنا ) أي تقديراً عظيماً ، لا يقدر سوانا على نقض شيء منه ) بينكم ) أي كلكم لم نترك أحداً منكم بغير حصة منه ) الموت ) أي أوجبناه على مقدار معلوم لكل أحد لا يتعداه ، فقصرنا عمر هذا وربما كان في الأوج من قوة البدن وصحة المزاج ، فلو اجتمع الخلق كلهم على إطالة عمره ما قدروا أن يؤخروه لحظة ، وأطلنا عمر هذا وقد يكون في الحضيض من ضعف البدن واضطراب المزاج لو تمالؤوا على تقصيره طرفة عين لعجزوا ، وأنتم معترفون بأنه سبحانه رتب أفعاله على مقتضى الكمال والقدرة والحكمة البالغة ، فلو كانت فائدة الموت مجرد القهر لكانت نقصاً لكونه يعم الغني والفقير والظالم والمظلوم ، ولكان جعل الإنسان مخلداً أولى وأحكم ، ففائدته غير مجرد القهر وهي الحمل على إحسان العمل للقاهر خوفاً من العرض عليه والمحاسبة بين يديه ثم النقلة إلى دار الجزاء والترقية إلى العلوم التي البدن حجابها من تمييز الخبيث والطيب والعلم بمقادير الثواب والعقاب ، وغير ذلك مما يبصره أولو الألباب .



ولما كان حاصل الموت أنه تغيير الصورة التي كانت إلى غيرها ، وكان من قدر على تحويل صورة إلى شيء قدر على تحويلها إلى شيء آخر مماثل لذلك الشيء قال : ( وما نحن ) أي على ما لنا من العظمة ، وأكد النفي فقال : ( بمسبوقين ) أي بالموت ولا عاجزين ولا مغلوبين ) على أن نبدل ( تبديلاً عظيماً ) أمثالكم ) أي صوركم وأشخاصكم لما تقدم في الشورى من أن المثل في الأصل هو الشيء نفسه ) وننشئكم (أي إنشاء جديداً بعد تبديل ذواتكم ) في ما لا تعلمون ( فإن بعضهم تأكله السباع أو الحتيان أو الطيور فتنشأ أبدانُها منه ، بعضهم يصير تراباً فربما نشأ منه نبات فأكلته الدواب ، فنشأ منه أبدانها ، وربما صار ترابه من معادن الأرض كالذهب والفضة والحديد والحجر ونحو ذلك ، وقد لمح إلى ذلك قوله تعالى : ( قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً ( غلى آخرها ، أو يكون المعنى كما قال البغوي : نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم ونخلقكم فيما لا تعلمون من الصور .


أي بتغيير أوصافكم وصوركم في صور أخرى بالمسخ ، ومن قدر على ذلك قدر على الإعادة .

الواقعة : ( 62 - 69 ) ولقد علمتم النشأة. .. . .

) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ( ( )


ولما كان التقدير : فلقد علمتم النشأة الثانية النطفية ، عطف عليه قوله مؤكداً تنبيهاً على أنهم لما كانوا يعملون بخلاف ما يعلمون كانوا كأنهم منكرون لهذا العلم : ( ولقد علمتم ) أي أيها العرب ) النشأة الأولى ( الترابية لأبيه آدم عليه الصلاة والسلام : أو اللحمية لأمكم حواء عليها السلام حيث لم يكن هناك طبيعة تقتضي ذلك ، وإلا لوجد مثل ذلك بعد ذلك ، والنطفية لكم ، وكل منها تحويل من شيء إلى غيره ، فالذي شاهدتم قدرته على ذلك لا يقدر على تحويلكم بعد أن تصيروا تراباً إلى ما كنتم عليه أولاً من الصورة ؟ ولهذا سبب عما تقدم قوله : ( فلولا ) أي فهلا ولم لا ) تذكرون ) أي تذكراً عظيماً تكرهون أنفسكم وإن كان فيه خفاء ما - مما أشار إليه الإدغام من أن الملوم عليه غيب ، وكذا بعض ما قيس به أن من قدر على هذه الوجوه من الإبداءات قدر على الإعادة ، بل هي أهون في مجاري عاداتكم .


ولما كان علمهم بأمر النبات الذي هو الآية العظمى لإعادة الأموات أعظم من علمهم بجميع ما مضى ، وكان أمره في الحرث وإلقاء البذر فيه أشبه شيء بالجماع وإلقاء النطفة ، ولذلك سميت المرأة حرثاً ، وصل بما مضى مسبباً عنه قوله منكراً عليهم : ( أفرأيتم ( اي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهناكم عليه وفيما تقدم فتسبب عن تنبهكم لذلك أنكم رأيتم ) ما تحرثون ) أي تجددون حرثه على سبيل الاستمرار بتهيئة أرضه للبذر وإلقاء البذر فيه .


ولما كانوا لا يدعون القدرة على الإنبات بوجه ، وكان القدر عليه قادراً على كل شيء ، وهم يعتقدون في أمر البعث ما يؤدي إلى الطعن في قدرته ، كرر الإنكار عليهم


فقال : ( ءأنتم تزرعونه ) أي تنبتونه بعد طرحكم البذر فيه وتحفظونه إلى أن يصير مالاً ) أم نحن ( خاصة ، وأكد لما مضى بذكر الخبر المعلوم من السياق فقال : ( الزارعون ) أي المنبتون له والحافظون ، فالآية من الاحتباك بمثل ما مضى في أختها قريباً سواء .


ولما كان الجواب قطعاً : أنت الفاعل لذلك وحدك ؟ قال موضحاً لأنه ما زرعه غيره بأن الفاعل الكامل من يدفع عما صنعه ما يفسده ، ومن إذا أراد إفساده لم يقدر أحد على منعه ) لو نشاء ) أي لو عاملناكم بصفة العظمة ، وأكد لأن فعلهم فعل الآمن من ذلك مع أنهم في غاية الاستبعاد لأن يهلك زرعهم كما زرعوه أو لأن المطعوم أهم من المشروب وأعظم ، فإنه الأصل في إقامة البدن والمشروب تبع له فقال : ( لجعلناه ) أي بتلك العظمة ) حطاماً ) أي مكسراً مفتتاً لا حب فيه قبل النبات حتى لا يقبل الخروج أو بعده ببرد مفرط أو حر مهلك أو غير ذلك فلا ينتفع به ) فظلتم ) أي فأمتم بسبب ذلك نهاراً في وقت الأشغال العظيمة وفي كل وقت وتركتم كل ما يهمكم ) تفكهون ( قال في القاموس : فكههم بملح الكلام : أطرافهم بها وفكه - كفرح فكهاً فهو فكه وفاكه : طيب النفس أو يحدث صحبه فيضحكم ومنه تعجب كتفكه ، والتفاكه : التمازح ، وتفكه : تندم : والأفكوكة : الأعجوبة ، وقال ابن برجان : الفكه هو المتردد في القول سببت ذلك التلف أو تتعجبون أو تحدثون في ذلك ولم تعرجوا على شغل غيره كما تفعلون عند الأشياء السارة التي هي في غاية الإعجاب والملاحة والملاءمة ، ولهذاعبر عما المراد به الإقامة مع الدوام ب ) ظل ( الذي معناه أقام نهاراً إشارة إلى ترك الاشغال التي تهم ومحلها النهار ويمنع الإنسان من أكثر ما يهمه من الكلام لهذا النازل الأعظم ، وحذف إحدى لامي ظل وتاء التفعل من تفكه إشارة إلى ضعف المصابين عن الدفاع في بقائهم وفي كلامهم حال بقائهم الضعيف ، وكون المحذوف عين الفعل وهو الوسط ، إشارة إلى خلع القلب واختراق الجوف والقهر العظيم ، فلا قدرة لأحد منهم على ممانعة هذا النازل بوجه ولا على تبريد ما اعتراه منه من حرارة الصدر وخوف الفقر بغير الشكاية إلى آماله ممن يعلم أنه لا ضر في يده ولا نفع ، ورمبا كان ذلك إشارة إلى أنه عادته سبحانه قرب الفرج من شدائد الدنيا ليكون الإنسان متمكناً من الشكر لا عذر له في تركه ، ويكون المعنى أنكم مع كثرة اعتيادكم للفرج بعد الشدة عن قرب تيأسوا أول ما يصدمكم البلاء ، فتقبلون على كثرة الشكاية ، ولا ينفعكم كثرة التجارب لإدرار النعم أبداً .


ولما ذكر تفكههم ، وكان التفكه يطلق على ما ذكر من التعجب والتندم وعلى التنعم ، قال الكسائي : هو من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت أي تنعمت ، وتفكهت ، أي حزنت ، بين المراد بقوله حكاية لتفكههم : ( إنا ( وأكد إعلاماً بشدة بأسهم فقال ) لمغرمون ) أي مولع بنا وملازمون بشر دائم وعذاب وهلاك لهلاك رزقنا ، أو مكرمون بغرامة ما أنفقنا ولم ينتفع به ، وقراءة أبي بكر عن عاصم بالاستفهام لإنكار هذا الواقع والاستعظام له والتعجب منه ، وهي منبهة على أنهم لشدة اضطرابهم من ذلك الحادث مذبذبون تارة يجزمون باليأس والشر وتارة يشكون فيه وينسبون الأمر إلى سوء تصرفهم ، وعليه يدل إضرابهم : ( بل نحن ) أي خاصة ) محرمون ) أي حرمنا غيرنا زرعه ، قال في القاموس : الغرام : الولوع والشر الدائم والهلاك والعذاب ، والغرامة ما يلزم أداؤه ، وحرمه : منعه ، والمحروم ، الممنوع عن الخير ومن لا ينمى له مال والمحارف - أي بفتح الراء - وهو الممنوع من الخير الذي لا يكاد يكتسب ، وقال الأصبهاني في تفسيره : والمحروم ضد المرزوق ، أي والمرزوق المجرود بالجيم وهو المحظوظ .


ولما وقفهم على قدرته في الزرع مع وجود أسبابه ، وقدمهم بشدة إليه ، وكان ربما ألبس نوع لبس لأن لهم فيه سبباً في الجملة ، أتبعه التوقيف على قدرته على التصرف في سببه الذي هو الماء الذي لا سبب لهم في شيء من أمره أصلاً ، فقال مسبباً عما أفادهم هذا التنبيه مذكراً بنعمة الشرب الذي يحوج إليه الغذاء : ( أفرءيتم ) أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهنا عليه مما مضى في المطعم وغيره ، أفرأيتم ) الماء ( ولما كان منه ما لا يشرب ، وكانت النعمة في المشروب أعظم ، قال واصفاً له بما إغنى عن وصفه بالعذوبة ، وبين موضع النعمة التي لا محيد عنها فقال : ( الذي تشربون ( ولما كان عنصره في جهة العلو ، قال منكراً عليهم مقرراً لهم : ( أءنتم أنزلتموه ( ولما كان الإنزال قد يطلق على مجرد إيجاد الشيء النفيس ، وكان السحاب من عادته المرور مع الريح لا يكاد يثبت ، عبر بقوله تحقيقاً لجهة العلو وتوقيفاً عل موضع النعمة في إثباته إلى أن يتم حصول النفع به : ( من المزن ) أي السحاب المملوء الممدوح الذي شأنه الإسراع في المضي ، وقال الأصبهاني ، وقيل : السحاب الأبيض خاصة ، وهو أعذب ماء ) أم نحن ) أي خاصة ، وأكد بذكر الخبر وهو لا يحتاج إلى ذكره في أصل المعنى فقال : ( المنزلون ) أي له ، رحمة لكم وإحساناً إليكم بتطييب عيشكم على ما لنا من مقام العظمة الذي شأنه الكبر والجبروت وعدم المبالاة بشيء ، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في الآيتين السابقتين سواء .





الواقعة : ( 70 - 76 ) لو نشاء جعلناه. .. . .


) لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( ( )


ولما كان الجواب : أنت وحدك فعلت ذلك على غناك عن الخلق بما لك من الرحمة وكمال الذات والصفات ، قال مذكراً بنعمة أخرى : ( لو نشاء ) أي حال إنزاله وبعده قبل أن ينتفع به .


ولما كانت صيرورة الماء ملحاً أكثر من صيرورة النبت حطاماً ، ولم يؤكد لذلك وللتنبيه على أن السامعين لما مضى التوقيف على تمام القدرة صاروا في حيز المعترفين فقال تعالى : ( جعلناه ) أي بما تقتضيه صفات العظمة ) أجاجاً ) أي ملحاً مراً محرقاً كأنه في الأحشاء لهيب النار المؤجج فلا يبرد عطشاً ولا ينبت نبتاً ينتفع به .


ولما كان هذا مما لا يساغ لإنكاره ، سبب عنه على سبيل الاستمرار باستعمال ) فلولا تشكرون ) أي فهل لا ولم لا تجددون الشكر على سبيل الاستمرار باستعمال ما أفادكم ذلك من القوى في طاعة الذي أوجده لكم ومكنكم منه وجعله ملائماً لطباعكم مشتهى لنفوسكم نافعاً لكم في كل ما ترونه .


ولما كانت النار سبباً لعنصر ما فيه الماء فيتحلب فيتقاطر كما كان الماء سبباً لتشقيق الأرض بالزرع ، ولم يكن لمخلوق قدرة على التصول بنوع سبب ، أتبعه بما كما أتبع الزرع بالماء لذلك ولبيان القدرة على ما لا سبب فيه لمخلوق في السفل كما كان إنزال الماء عرياً عن سنتهم في العلو ، فقال مسبباً عما مضى تنبيهاً على أنه أهلهم للتأمل في مصنوعاته والتبصر في عجائب آياته فقال : ( أفرءيتم ) أي أخبروني هل رأيتم بالأبصار والبصائر ما تقدم فرأيتم ) النار ( ولما كان المراد ناراً مخصوصة توقفهم على تمام قدرته وتكشف لهم ذلك كشفاً بيناً بإيجاد الأشياء من أضدادها فقال : ( التي تورون ) أي تستخرجون من الزند فتوقودون به سواء كان الزند يابساً أو أخضر بعد أن كانت خفية فيه لا يظن من لم يجرب ذلك أن فيه ناراً أصلاً ، فكان ذلك مثل التورية التي يظهر فيها شيء ويراد غيره ، ثم صار بعد ذلك الخفاء إلى ظهور عظيم وسلطة متزايدة على الآخر فتتقدح منها النار على أن النار في كل شجر ، وإنما خص المرخ والعفار لسهولة القدح منهما ، وقد قالوا : في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار .


ولما كان هذا من عجائب الصنع ، كرر التقرير والإنكار تنبيهاً عليه فقال : ( ءأنتم أنشأتم ) أي اخترعتم وأوجدتم وأودعتم وأحييتم وربيتم وأوقعتم ) شجرتها ) أي المرخ والعفار التي تتخذون منها الزناد الذي يخرج منه ، وأسكنتموها النار مختلطة بالماء الذي هو ضدها وخبأتموها في تلك الشجرة لا يعدو واحد منها على الآخر مع المضادة فيغلبه حتى يمحقه ويعدمه ) أم نحن ) أي خاصة ، وأكد بقوله : ( المنشئون ) أي لها بما لنا من العظمة على تلك الهيئة ، فمن قدر على إيجاد النار التي هي أيبس ما يكون من الشجرة الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها في كيفيتها ، كان أقدر على إعادة الطرواة والغضاضة في تراب الجسد الذي كان غضاً طرياً فيبس وبلي ، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في أخوتها سواء .


ولما كان الجواب قطعاً : أنت وحدك ، قال دالاًّ على ذلك تنبيهاً على عظم هذا الخبر : ( نحن ) أي خاصة ) جعلناها ( بما اقتضته عظمتنا ، وقدم من منافعها ما هو أولى بسياق البعث الذي هو مقامه فقال : ( تذكرة ) أي شيئاً تتذكرونه وتتذكرون به تذكراً عظيماً جليلاً عن كل ما أخبرنا به من البعث وعذاب النار الكبرى وما ينشأ فيها من شجرة الزقوم وغير ذلك مما ننيره لأولي البصائر والفهوم من المعلوم ، قال ابن برجان : فوزان قدح الزناد من الشجر ، والزناد وزان الصيحة بهم ووزان إنشائه الأجسام وبإنشائها من غيبها أن النار الكبرى في غيب ما نشاهده ، وهذا من آثار كونها في الجو - انتهى .


وعلق بحا سبحانه كثيراً من أسباب المعاش التي لا غنى عنها ليكون مذكراً لهم بما أوقدوا به حاضراً دائماً فيكون أجدر باتعاظهم ) ومتاعاً ) أي إنشاءً وبقاءً وتعميراً ونفعاً وإيصالاً إلى غاية المراد من الاستضائة والاصطلاء والإنضاج والتحليل والإذابة والتعقيد والتكليس ، وهروب السباع وغير ذلك ، والمراد أنها سبب لجميع ذلك ) للمقوين ) أي الجياع الذي أقوت بطونهم - أي خلت - من الفقر والإغناء من من النازلين بالأرض القواء ، والقواء بالكسر والمد أي القفر الخالية المتباعدة الأطراف البعيدة من العمران ، وكل آدمي مهيأ للقواء فهو موصوف به وإن لم يكن حال الوصف كذلك ، وقال الرازي : أقوى من الأضداد : اغتنى وافتقر ، وقال أبو حيان : وهذه الأربعة التي ذكرها الله تعالى ووقفهم عليها من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب ، والنار من أعظم الدلائل على البعث إذ فيها انتقال من شيء إلى شيء إحداث شيء من شيء ، ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه - انتهى .


ولما دل سبحانه في هذه الآيات على عجائب القدرة وغرائب الصنع ، فبدأ بالزرع وختم بالنار والشجر ، وأوجب ما نبه التذكر لأمرها والتبصر في شأنها أنها من أسباب ما قبلها ، وأنه سبب لها لكونه سبباً لها لإثبات ما هي له ، وكان مجموع ذلك إشارة إلى العناصر الأربعة ، قال ابن برجان : إلاّ أن الماء والأرض لخلق الأركان ، والاخلاق والصفات للهواء والنار ، وكان ذلك من جميع وجوهه أمراً باهراً ، أشار إلى زيادة عظمته بالأمر بالتنزيه مسبباً عما أفاد ذلك ، فقال معرضاً عمن قد يلم به الإنكار مقبلاً على أشرف خلقه إشارة إلى أنه لا يفهم هذا المقام حق فهمه سواه ولا يعمل به حق عمله غيره : ( فسبح ) أي أوقع التنزيه العظيم عن كل شائبة نقص من ترك البعث وغيره ولا سيما بعد بلوغ هذه الأدلة هذه الأدلة إلى حد المحسوس تسبيح متعجب من آثار قدرته الدالة على تناهي عظمته وتسبيح شكر له وتعظيم له وإكبار وتنزيه عما يقول الجاحدون وتعجيب منهم مقتدياً بجميع ما في السماوات والأرض ، ومن أعجب ذلك أنه سخر لنا في هذه الدار جهنم ، قال ابن برجان : جعل منها بحرارة الشمس جنات وثمرات وفواكه وزروع ومعايش .


ولما كان تعظيم الاسم أقعد في تعظيم المسمى قال : ( باسم ) أي متلبساً بذكر اسم ) ربك ) أي المحسن بعد التربية إليك بهذا البيان الأعظم بما خصك به مما لم يعطه أحداً غيرك ، وأثبتوا ألف الوصل هنا لأنه لم يكثر دوره كثرته في البسملة منها وحذفوه منها لكثرة دورها وهم شأنهم الإيجاز وتقليل الكثير إذا عرف معناه ، وهذا معروف لا يجهل ، وإثبات ما أثبت من أشكاله مما لا يكثر دليل على الحذف منه ، وكذا لا تحذف الألف مع غير الباء في اسم الله ولا مع الباء في غير الجلالة من الأسماء لما تقدم من العلة .


ولما كان المقام للتعظيم قال : ( العظيم ( الذي ملأ الأكوان كلها عظمة ، فلا شيء منها إلا وهو مملوء بعظمته تنزهاً عن أن تلحقه شائبة نقص أو يفوته شيء من كمال ، قال القشيري : وهذه الآيات التي عددها سبحانه تمهيد لسلوك طريق الاستدلال وكما في الخبر ( تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة ) هذه الفكرة التي نبه الله عليها .


سابعا: القسم بمواقع النجوم
من بعدها جاء القسـم
بمواقع النجـم الأشـم
أن الـذي نرقـى بـه
لمسـطـرٌ بكـتـابـه

ولما كان من العظمة الباهرة ما ظهر في هذه السورة من أفانين الإنعام في الدارين ، وبدأ بنعمة الآخرة لكونها النتيجة ، ثم دل عليها بإنعامه في الدنيا فكان تذكيراً بالنعم لتشكر ، ودلالة على النتيجة لتذكر ، وفي كل حالة تستحضر فلا تكفر ، فوصلت الدلالة إلى حد هو أوضح من المحسوس وأضوأ من المشموس ، وكان مع هذه الأمور الجليلة في مظهر أعجز الخلائق على أن يأتوا بمثله من كل وجه ، أما من جهة الجواب عن تشبههم وتعنتهم فلكونه يطابق ذلك مطابقة لا يمكن أن يكون شيء مثلها ، ويزيد على ذلك بما شاء الله من المعارف من غير أن يدع لبساً ، وأما من جهة المفردات فلكونها النهاية في جلالة الألاظ ورشاقة الحروف وجمع المعاني ، فيفيد ذلك أنه لا تقوم كلمة أخرى مقام كلمة منه أصلاً ، وأما من جهة التركيب فلكون كل كلمة منها أحق في مواضعها بحيث إنه لو قدم شيء منها أو أخر لاختل المعنى المراد في ذلك السياق بحسب ذلك المقام ، وأما من جهة الترتيب في الجمل والآيات والقصص في المبادئ والغايات فلكونه مثل تركيب الكلمات ، كل جملة منتظمة بما قبلها انتظام الدر اليتيم في العقد المحكم النظيم ، لأنها إما أن تكون علة لما تلته أو دليلاً أو متممة بوجه من الوجوه الفائقة على وجه ممتع الجناب جليل الحجاب لتكون أحلى في فمه ، وأجلى بعد ذوقه في نظمه وسائر عمله ، فكان ثبوت جميع ما أخبر به على وجه لا مغتمر فيه ولا وقفة في اعتقاد حسنه ، فثبت أن الله تعالى أرسل الآتي بهذا القرآن ( صلى الله عليه وسلم ) بالهدى وبالحق ، لا أنه آتاه كل ما ينبغي له ، فآتاه الحكمة وهي البراهين القاطعة واستعمالها على وجوهها ، والموعظة الحسنة ، وهي الأمور المرققة للقلوب المنورة للصدور ، والمجادلة التي هي على أحسن الطرق في نظم معجز موجب للإيمان ، فكان من سمعه ولم يؤمن لم يبق له من الممحلات إلا أن يقول : هذا البيان ليس لظهور المدعى وثبوته بل لقوة عارضة المدعي وقوته على تركيب الأدلة وصوغ الكلام وتصريف وجوه المقال ، وهو يعلم أنه يغلب لقوة جداله لا لظهور مقاله ، كما أنه ربما يقول أحد المتناظرين عند انقطاعه لخصمه : أنت تعلم ان الحق معي لكنك تستضعفيني ولا تنصفني ، فحينئذ لا يبقى للخصم جواب إلا الإقسام بالإيمان التي لا مخرج عنها أنه غير مكابر وأنه منصف ، وإنما يفزع إلى الإيمان لأنه لو أتى بدليل آخر لكان معرضاً لمثل هذا ، فيقول : وهذا غلتني فيه لقوة جدالك وقدرتك على سوق الأدلة ببلاغة مقالك ، فلذلك كانوا إذا أفحمهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا : إنه يريد أن يتفضل علينا فيما نعلم خلافه ، فلم يبق إلا الإقسام ، فأنزل الله أنواعاً من الأقسام بعد الدلائل العظام ، ولهذا كثرت الآيات في أواخر القرآن ، وفي السبع الأخيرة خاصة أكثر ، فلذلك سبب عن هذه الأدلة الرائعة والبراهين القاطعة قوله : ( فلا أقسم ( بإثبات ( لا ) النافية ، إما على أن يكون مؤكدة بأن ينفي ضد ما أثبته القسم ، فيجمع الكلام بين إُبات المعنى المخبر به ونفي ضده ، وإما على تقدير أن هذا المقام يستحق لعظمته وإنكارهم له أن يقسم عليه بأعظم من هذا على ما له من العظمة لمن له علم - والله أعلم .






ولما كان الكلام السابق في الماء الذي جعله سبحانه مجمعاً للنعيم الدنيوية الظاهرة وقد رتب سبحانه لإنزاله الأنواء على منهاج دبره وقانون أحكمه ، وجعل إنزال القرآن نجوماً مفرقة وبوارق متلالئة متألقة قال : ( بمواقع النجوم ) أي بمساقط الطوائف القرآنية المنيرة النافعة المحيية للقلوب ، وبهبوطها الذي ينبني عليه ما ينبني من الآثار الجليلة وأزمان ذلك وأماكنه وأحواله ، وبمساقط الكوكب وأنوائها وأماكن ذلك وأزمانه في تدبيره على ما ترون من الصنع المحكم والفعل المتقن المقوم ، الدال بغروب الكواكب على القدرة على الطي بعد النشر والإعدام بعد الإيجاد ، وبطلوعها الذي يشاهد أنها ملجأة إليه إلجاء الساقط من علو إلى سفل لا يملك لنفسه شيئاً ، لقدرته على الإيجاد بعد الإعدام ، وبآثار الأنواء على مثل ذلك بأوضح منه - إلى غير ذلك من الدلالات التي يضيق عنها العبارات ، ويقصر دون علينا مديد الإشارات ، ولمثل هذه المعاني الجليلة والخطوب العظيمة جعل في الكلام اعتراضاً بين القسم وجوابه ، وفي الاعتراض اعتراضاً بين الموصوف وصفته تأكيداً للكلام ، وهزاً لنافذ الأفهام تنبيهاً على أن الأمر عظيم والخطب فادح جسيم ، فقال موضحاً له بالتأكيد رحمة للعبيد بالإشارة إلى أنهم جروا على غر ما يعلمون من عظمتنا فعدوا غير عالمين : ( وإنه ) أي هذا القسم على هذا المنج ) لقسم لو تعلمون ) أي لو تجدد لكم في وقت علم لعلمتم أنه ) عظيم ( وإقسامه لنا على ذلك ونحن أقل قدراً وأضعف أمراً إعلاماً بما له من الرحمة التي من عظمها أنه لا يتركنا سدى - كل ذلك ليصلح أنفسنا باتباع أمره والوقوف عند زجره ، قال ابن برجان : ومن إتقانه جل جلاله في خليقته وحكمه في بريته أن جعل لكل واقع من النجوم الفلكية طالعاً يسمى بالإضافة إلى الواقع الرقيب دون تأخر ، وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى :



77 ( ) رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ) 7


[ الرحمن : 18 ] يجمع ذلك الشمس والقمر والنجوم وهي نجوم منازل القمر عددها ثمانية وعشرون منزلة سوى تحجبها الشمس فتمت والنجوم وهي نجوم منازل القمر عددها ثمانية وعشرون وربما استتر ليلتين ، فالقمر ينزل في هذه المنازل كل ليلة منزلة حتى يتمها لتمام الشهر ، وإما الشمس فإنها تقيم فيها أربعة عشر يوماً ويسمى حلولها في هذه المحال ثم طلوع المنزلة التي تليها لوقوع هذا رقيب لها نوء - انتهى ، وهو يعني أن من تأمل هذه الحكم علم ما في هذا القسم من العظم ، وأشبع القول فيها أبو الحكم ، وبين ما فيها من بدائع النعم ، ثم قال : ويفضل الله بفتح رحمته كما يشاء فينزل من السماء ماء مباركاً يكسر به من برد الزمهرير فيرطبه ويبرد من حر السعير فيعدله ، وقسم السنة على أربعة فصول أتم فيها أمره في الأرض بركاتها وتقدير أقواتها ، قال
77 ( ) وبارك فيها وقدر بها أقواتها في أربعة أيام ( ) [ فصلت : 10 في قراءتنا ( فيها ) بدل ( بها ) ( ا .
ه .
ثم قال : وجعل هذه الدنيا على هذا الاعتبار الجنة الصغرى ، ولو أتم القسم على هذا الوجه ثم على الاعتبار تخفيفه الفيح وإنارته الزمهرير والسعير هي جهنم الصغرى .








الواقعة : ( 77 - 85 ) إنه لقرآن كريم



) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ ( ( )


ولما أتم القسم على هذا الوجه الجليل ، أجابه بقوله مؤكداً لما لهم من ظاهر الإنكار : ( إنه ) أي القرآن الذي أفهمته النجوم بعموم أفهامها ) لقرآن ) أي جامع سهل قريب مفقه مبين للغوامض ذو أنواع جليلة ) كريم ( ظهرت فيه أفانين إنعامه سبحانه فيما دق من أمور هذه الدنيا وجل من أمور الدارين بما ذكر في هذه السورة وما تقدمها من إصلاح المعاش والمعاد ، فهو بالغ الكرم منزه عن كل شائبة نقص ولؤم ودناءة ، من كرمه كونه من الملك الأعلى إلى خير الخلق بسفارة روح القدس وبلسان العرب الذين اتفق الفرق على أن لسانهم أفصح الألسن وعلى وجه أعجز العرب .
ولما ذكر المعنى ، ذكر محل النظم الدال عليه بلفظ دال على نفس النظم فقال : ( في كتب ) أي خط ومخطوط فيه جامع على وجه هو في غاية الثبات ) مكنون ) أي هو في ستر مصون لما له من النفاسة والعلو في السماء في اللوح المحفوظ ، وفي الأرض في الصدور المشرفة ، وفي السطور في المصاحف المكرمة المطهرة ، محفوظاً مع ذلك من التغيير والتبديل .
ولما كان ما هو كذلك قد يحصل له خلل يسوء خدامه قال : ( لا يسمه ) أي الكتاب الذي هو مكتوب الذي هو مكتوب فيه أعم من أن يكون في السماء أو في الأرض أو القرآن أو الكتوب منه فضلاً عن أن يتصرف فيه ) إلا المطهرون ) أي الطاهرون الذين بولغ في تطهيرهم وهم رؤوس الملائكة الكرام ، ولم يكن السفير به إلاّ هم ولم ييسر الله حفظه إلا لأطهر عباده ، ولم يعرف معناه إلا لأشرف حفاظه وأطهرهم قلوباً ، ومن عموم ما يتحمله اللفظ من المعنى بكونه كلام العالم لكل شيء فهو لا يحمل لفظاً إلا وهو مراد له أنه يحرم منه على من لم يكن له في غاية الطهارة بالبعد عن الحدثين الأكبر والأصغر ، فهو على هذا نفي بمعنى النهي وهو بألغ ، قال البغوي : وهو قول أكثر أهل العلم ، وروي بإسناد من طريق أبي مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله لعمرو بن حزم رضي الله عنه ( أن لا يمس القرآن إلا طاهر ) والمراد به المصحف للجوار كما في النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو .
ومما يحتمله أيضاً التعبير باللمس أنه لا يقرأه بلسانه إلا طاهر ، فإن أريد الجنابة كان النهي للحرمة أو للأكمل .
ولما ذكر الذي منه صيانته ، أتبعه شرفه بشرف منزله وإنزاله على حال هو في غاية العظمة مسمياً له باسم المصدر للمبالغة ولأن هذا المصدر أغلب احواله ، ولذلك غلب عليه هذا الأسم : ( تنزيل ) أي وصوله إليكم بالتدريج بحسب الوقائع والتقريب للأفهام والتأني والترقية من حال إلى حال وحكم بواسطة الرسل من الملائكة .
ولما كان هذا في غاية الاتفاق واليسر ذكر من صفاته ما يناسبه فقال : ( من رب العالمين ( من الخالق العالم بتربيتهم .
ولما افصح من وصف هذا الكتاب العظيم ما يقتضي أن يكون بمجرده مثبتاً لما لا تدركه العقول من كماله وكافياً في الإذعان لاعتقاده فكيف إذا كان ما تحكم العقول وتقضي بفساد ما سواه ، فكيف إذا كان مما يتذكر الإنسان مثله في نفسه ، عجب منهم في جعله سبباً لإنكار البعث الذي إذا ذكر الإنسان أحوال نفسه كفاه ذلك في الجزم به فقال منكراً تعجباً : ( أفبهذا ( ولما كان الإنسان مغربما بما يجدد له من النعم ولو هان فكيف إذا أعلى النعم قال : ( الحديث ) أي الذي تقدمت أوصافه العالية وهو متجدد إليكم إنزاله وقتاً بعد وقت ) أنتم ) أي وأنتم العرب الفصحاء والمفوهون البلغاء ) مدهنون ) أي كذابون منافقون بسببه تظهرون غير ما تبطنون أنه كذاب وأنتم تعلمون صدقه بحسن معانيه ، وعجزكم عن مماثلته في نظومه ومبانيه ، وتقولون : لو شئنا لقلنا مثل هذا : وجميع أفعالكم تخالف هذا فإنكم تصبرون لوقع السيوف ومعانقة الحتوف ، ولا تأتون بشيء يعارضه يبادئ شيئاً منه أو ناقضه أو تلاينون أيها المؤمنون من يكذب به ويطعن في علاه أو يتوصل ولو على وجه خفيإلى نقض شيء من عراه ، تهاوناً به ولا يتصلبون في تصرفه تعظيماً لأمره حتى يكونوا أصلب من الحديد ، قال في القاموس : دهن : نافق ، والمداهنة : إظهار خلاف ما تبطن كالإدهان والغش ، وقال البغوي رحمه الله : هو الإدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر ، وقال الرازي : والفرق بين المداراة والمداهنة يرجع إلى القصد ، فما قصد به غرض سوى الله فهو المداهنة ، وما قصد به أمر يتعلق بالدين فهو المداراة ، وقال ابن برجان : الإدهان والمداهنة : الملاينة في الأمور والتغافل والركون إلى التجاوز - انتهى .






فهو على هذا إنكار على من سمع أحداً يتكلم في القرآن بما لا يليق ثم لا يجاهره بالعداوة ، وأهل الاتحاد كابن عربي الطائي صاحب الفصوص وابن الفارض صاحب التائية أول من صوبت إليه هذه الآية ، فإنهم تكلموا في القرآن على وجه يبطل الدين أصلاً ورأساً ويحله عروة عروة ، فهم أضر الناس على هذا الدين ، ومن يؤول لهم أو ينافح عنهم ويعتذر لهم أو يحسن الظن بهم مخالف لإجماع الأمة أنجس حالاً منهم فإن مراده إبقاء كلامهم الذي لا أفسد للإسلام منه من غير أن يكون لإبقائه مصلحة ما بوجه من الوجوه .


ولما كان هذا القرآن متكفلاً بسعادة الدارين ، قال تعالى : ( وتجعلون رزقكم ) أي حظكم ونصبيكم وجميع ما تنتفعون به من هذا الكتاب وهو نفعكم كله ) أنكم تكذبون ) أي توجدون حقيقة التكذيب في الماضي والحال ، وتجددون ذلك في كل وقت به وبما أرشد إليه من الأمور الجليلة وهي كل ما هو أهل للتصديق به وتصفونه بالأوصاف المتناقضة ، ومن ذلك ما أرشد إليه من أنه لا فاعل إلا الله تعالى فتقولون أنتم إذا أمطركم ما يرزقكم به : هذا بنوء كذا ، معتقدين تأثير ذلك النوء ، وإنما هو بالله تعالى ، فجعلتم جزاء الرزق وبذل الشكر على لارزق التكذيب ، وقال ابن برجان : وضياء يقين جليته ، وما أنزلته من السماء من بكرات قدرتها ومن رياح أرسلتها ، وسحب ألفتها ، تجعلون مكان الشكر على ذلك التكذيب .



ولما أنكر عليهم هذا الإنكار ، وعجب منهم هذا التعجيب في أن ينسبوا لغيره فعلاً أو يكذبوا له خبراً ، سبب عن ذلك تحقيقاً لأنه لا فاعل سواه قوله : ( فلولا ( وهي أداة تفهم طلباً بزجر وتوبيخ وتقريع بمعنى هل لا ولم لا ) إذا بلغت ) أي الروح منكم ومن غيركم عند الاحتضار ، أضمرت من غير ذكر لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة ) الحلقوم ( وهو مجرى الطعام في الحلق ، والحلق مساغ الطعام والشراب معروف ، فكان الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللسان لأن الميم لمنقطع التمام ، ) وأنتم ) أي والحال أنكم أيها العاكفون حول المحتضر المتوجعون له ) حينئذٍ ) أي حين إذ بلغت الروح ذلك الموضع .






ولما كان بصرهم لكونه لا ينفذ في باطن كالعدم قال : ( تنظرون ) أي ولكم وصف التحديث إليه ولا حيلة لكم ولا فعل بغير النظر ، ولم يقل : تبصرون ، لئلا يظن أن لهم إدراكاً بالبصر لشيء من البواطن من حقيقة الروح وغيرها نحوها ) ونحن ) أي والحال أنا نحن بما لنا من العظمة ) أقرب إليه ) أي المحتضر حقيقة بعلمنا وقدرتنا التامة وملائكتنا ) منكم ( على شدة قربكم منه ) ولكن لا تبصرون ) أي مع تحديقكم إليه لا يتأثر عن ذلك التحديث غايته ، وهو الإبصار لقربنا منه ، ولا ملائكتنا الموكلين بقبض روحه ، لتعلموا أن الفعل لنا لا لغيرنا ، فلا يتجدد لكم شيء من هذا الوصف لتدركوا به حقيقة ما هو فيه ، فثبت ما أخبرنا به من الاختصاص بباطن العلم والقدرة اللذين عبرنا عنهما بالقرب الذي هو أقوى أسبابها .





ثامنا: عند الوفاة
ثـم الختـام بحالـنـا
إن حان وقـت وفاتنـا
ومـنـازلٍ لمقربـيـن
بشراكمو أهل اليميـن
وتـوعـدٍ لمكذبـيـن
بجحيمهم من بعد حيـن
حق اليقين من الكريـم


الواقعة : ( 86 - 96 ) فلولا إن كنتم. .. . .




) فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( ( )




ولما كان الكلام لإثبات هذه الأغراض المهمة قبل جواب ( لولا ) أعادها تأكيداً لها وتبيناً فقال : ( فلولا إن كنتم ( أيها المكذبون بالبعث وغيره ) غير مدينين ) أي مقهورين مملوكين مجربين محاسبين بما عملتم في دار البلاء التي أقامكم فيها أحكم الحاكمين بامتناعكم بأنفسكم عن أن يجازيكم أو يمنع غيركم لكم منه ، وأصل تركيب ( دان ) للذل والانقياد - قاله البيضاوي ) ترجعونها ) أي الروح إلى ما كانت عليه ) إن كنتم ) أي كوناً ثابتاً ) صدقين ) أي في أنكم غير مقهورين على الإحضار على الملك الجبار الذي أقامكم في هذه الدار للابتلاء والاختبار ، وأنه ليس لغيركم أمركم ، وفي تكذيبكم لما يخبر به من الأمور الدنيوية بذل شكركم ، وهذا دليل على أنه لا حياة لمن بلغت روحه الحلقوم أصلاً وهذا إلزام لهم بالبعث حاصله أنه سبحانه إن كان لا يعيدكم فليس هو الذي قدر الموت عليكم ، وإن كان لم يقدره فما لكم لا ترفعونه عنه لأنه من الفوادح التي لا يدرك علاجها ، وأنتم تعالجون مقدماته .




وإن قلتم : إنه مقدر لا يمكن علاجه ، لزمكم الإقرار بأن البعث مقدر لا يمكن علاجه ، فإن أنكرتم أحدهما فأنكروا الآخر ، وإن أقررتم بأحدهما فأقروا بالآخر ، وإلا فليس إلا العناد ، فإن قلتم : نحن لا نعلم أنه قدره فاعلموا أنه لو لم يكن بتقديره لأمكنت مقاومته وقتاً ما لا سيما والنفوس مجبولة على كراهته ، وفي الموتى الحكماء والملوك ، وتقريبه أنكم قد بالغتم في الجحود بآيات الله تعالى وأفعاله في كل شيء إن أرسل إليكم رسولاً قلتم : ساحر كذاب ، وإن صدقه مرسله بكتاب معجز قلتم : سحر وافتراء وأمر عجاب ، وإن رزقكم من الماء الذي به حياة كل شيء مطراً ينعشكم به قلتم : صدق نوء كذا ، على حال مؤد إلى التعطيل والإهمال والعبث ، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن عند بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثم مدبر لهذا الكون بالإرسال والإنزال وإفاضة الأرواح وقبضها وبعث العباد لدينونتهم على ما فعلوا فيما أقامهم فيه ، تمثيل بأفعال الملوك على ما يعهد ، فكما أن ملوك الدنيا لا يرسل أحد منهم إلى أحد من رعيته فيأخذه قهراً إلا للدينونة فكيف يظن بملك الملوك غير ذلك ، فتكون ملوك الدنيا أحكم منه ، فإن كان ليس بتمام القدرة فافعلوا برسله كما تفعلون برسل الملوك ، فإنه ربما خلص المطلوب منهم بنوع من أنواع الخلاص بعد بلوغه إلى باب الملك فإرساله سبحانه هو مثل إرسال الملوك غير أنه لتمام ولا ليخفف عنه شيئاً مما هو فيه بغير ما أمر به سبحانه على ألسنة رسله من الدعاء ولاصدقة ولا ليعلم حاله بوجه من الوجوه بل الأمر كما قيل :




إذا غيب المرء استسر حديثه ولم يخبر الأفكار عنه بما يغني




ولما كان التقدير : لا يقدر أحد أصلاً على ردها بعد بلوغها إلى ذلك المحل لأنا نريد جمع الخلائق للدينونة بما فعلوا فيما أقمناهم فيه وأمرناهم به ولا يكون إلا ما تريد ، فكما انكم مقرون بأنه خلقكم من تراب وبأنه يعيدكم قهراً إلى التراب ) يلزمكم حتماً أن تقروا بأنه قادر على أن يعيدكم من التراب فإن أنكرتم هذا نعيد الخلائق إلى التراب لنجمعهم فيه ثم نبعثهم منه لنجازي كلاًّ بما يستحق ونقسمهم إلى أزواج ثلاثة ) فأما إن كان ) أي الميت منهم ) من المقربين ) أي السابقين الذين اجتذبهم الحق من أنفسهم فقربهم منه فكانوا مرادين قبل أن يكونوا مريدين ، وليس القرب قرب مكان لأنه تعالى منزهه عنه ، وإنما هو بالتخلق بالصفات الشريفة على قدر الطاقة البشرية ليصير الإنسان روحاً خالصاً كالملائكة لا سبيل للحظوظ والشهوات عليه ، فإن قربهم إنما هو بالانخلاع من الإرادة أصلاً ورأساً ، وذلك أنه لا شهوات لهم فلا أغراض فلا فعل إلا أمروا به فلا إرادة ، إنما الإرادة للمولى سبحانه وهو معنى




77 ( ) وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ( ) 7




[ النحل : 90 ] أي مطلق الإرادة في غير أمر من الله ، لأن المملوك الذي هو لغيره لا ينبغي ان يكون له شيء لا إرادة ولا غيرها - وفقنا الله تعالى لذلك ) فروح ( اي فله راحة ورحمة ما ينعشه من نسيم الريح ومعنى قراءة يعقوب بالضم طمأنينة في القلب وسكينة وحياة لا موت بعدها ) وريحان ) أي رزق عظيم ونبات حسن بهج وأزاهير طيبة الرائحة .




ولما ذكر هذه اللذاذة ، ذكر ما يجمعها وغيرها فقال : ( وجنات ) أي بستان جامع للفواكه والرياحين وما يكون عنها وتكون عنه .







ولما كان جنان الدنيا قد يكون فيها نكد ، أضاف هذه الجنة إلى المراد بهذه الجنان إعلاماً بأنها لا تنفك عنه فقال : ( نعيم ) أي ليس فيها غيره بل هي مقصورة عليه ) وأما إن كان ) أي الميت منهم ) من أصحاب اليمين ) أي الذين هم الدرجة الثانية من أصحاب الميمنة ) فسلام ) أي سلامة ونجاة وأمر وقول دال عليه .

ولما كان ما يواجه به الشريف من ذلك أعلى قال : ( لك ) أي يا أعلى الخلق أو أيها المخاطب .
ولما كان من أصاب السلام على وجه من الوجوه فائزاً ، فكيف إذا كان مصدراً للسلام ومنبعاً منه قال : ( من أصحاب اليمين ) أي انهم في غاية من السلامة وإظهار السلام ، لا يدرك وصفها ، وهو تمييز فيه معنى التعجيب ، فإن إضافته لم تفده تعريفاً ، وفي اللام و ) من ( مبالغة في ذلك ، فالمعنى : فأما هم فعجباً لك وأنت أعلى الناس في كل معنى ، وأعرفهم بكل أمر غريب منهم في سلامتهم وسلامتهم وتعافيهم وملكهم وشرفهم وعلو مقامهم ، وذلك كله إنما أعطوه لأجلك زيادة في شرفك لاتباعهم لدينك ، فهو مثل قول القائل حيث قال :
فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مقار العمل شدت يذبل
وقول القائل أيضاً حيث قال : أي عجباً لك من ليل وعجباً من أنو شروان .
ولما ذكر الصنفين الناجيين ، أتبعهما الهالكين جامعاً لهم في صنف واحد لأن من أريدت له السعادة يكفيه ذلك ، ومن ختم بشقائه لا ينفعه ذلك الإغلاظ والإكثار فقال ) وأما إن كان ) أي ذلك الذي أخذناه من أصحاب المشأمة وأنتم حوله تنقطع أكبادكم له ولا تقدرون له على شيء أصلاً ) من المكذبين ( .
ولما كان المكذب تارة يكون معانداً ، وتارة يكون جاهلاً مقتصراً ، قال : ( الضالين ) أي أصحاب الشمال الذين وجهوا وجهة هدى فزاغوا عنها لتهاونهم في البعث ) فنزل ) أي لهم وهو ما يعد للقادم على ما لاح ) من حميم ) أي ماء متناه في الحرارة بعد ما نالوا من العطش كما يرد أصحاب الميمنة الحوض كما يبادر به القادم ليبرد به غلة عطشه ويغسل به وجهه ويديه ) وتصليه جحيم ) أي لهم بعد النزل يصلوا النار الشديدة التوقد صلياً عظيماً .
ولما تم ما أريد إثبات البعث على هذا الوجه المحكم البين ، وكانوا مع البيان يكذبون به ،
مساق النتيجة : ( إن هذا ) أي الذي ذكر في هذه السورة من أمر البعث الذي كذبوا به في قولهم ) إننا لمبعوثون ( ومن قيام الأدلة عليه .
ولما كان من الظهور في حد لا يساويه فيه غيره .
زاد في التأكيد على وجه التخصيص فقال : ( لهو حق اليقين ) أي لكونه لما عليه من الأدلة القطعية المشاهدة كأنه مشاهد مباشر ، قال الأصبهاني : قال قتادة في هذه الآية : إن الله عز وجل ليس تاركاً أحداً من الناس حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن ، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك ، وأما المنافق فأيقن يوم القيامة حيث لا ينفعه - انتهى .
ولما تحقق له هذا اليقين ، سبب عنه أمره بالتنزيه له سبحانه عما وصفوه به مما يلزم منه وصفه بالعجز بعد تقسيمه للأزواج الثلاثة على طريق الإيجاز كما أمره بذلك بعد الفراغ من تقسيمهم على طريق الإطناب إشارة إلى أن المفاوتة بينهم مع ما لهم من العقول من أعظم الأدلة على الفعل بالاختيار وعلى فساد القول بالطبيعة : ( فسبح ) أي أوقع التنزيه كله عن كل شائبة نقص بالاعتقاد والقول والفعل والصلاة وغيرها بأن تصفه بكل ما وصف به نفسه من الأسماء الحسنى وتنزهه عن كل ما نزه عنه نفسه المقدس ، ولقصره الفعل لإفادة العموم أثبت الجار بقوله : ( باسم ربك ) أي المحسن إليك بما خصك به مما لم يعطه أحداً غيرك عما وصفه به الكفرة من التكذيب بالواقعة ، وإذا كان هذا لا سمه فكيف بما له وهو ) العظيم ( الذي ملأت عظمته جميع الأقطار والأكوان ، وزادت على ذلك بما لا يعلمه حق العلم سواه لأن من له هذا الخلق على هذا الوجه المحكم ، وهذا الكلام الأعز الأكرم ، لا ينبغي لشائبة نقص أن تلم بجنابه ، أو تدنو من فناء بابه ، وقد انطبق آخر السورة على أولها في الإخبار بالبعث وتصنيف الخلائق فيه إلى الأصناف المذكورة في أولها أيّ انطباق ، وزاد هذا الآخر بأن اعتنق بدليله أي اعتناق ، واتفق مع أول التي بعدها أيذ اتفاق ، وطابقه أجلَّ طباق ، وختمت بصفتي الرحمة والعظمة ، وجلت عن الاسم الجامع كاللتين قبلها لما ذكره في أواخر القمر بصفتي الرحمة يذكر في واحدة من الثلاث أحد من أهل المعصية المصاحبة للأيمان ، ليخاطب بالاسم الجامع للإهانة والإحسان ، وإنما ذكر أهل الكفراين المستوجبين للهوان بالخلود في النيران ، وأهل الإيمان المتأهلين للإحسان بتأبيد الإمكان في أعلى الجنان - انتهى .
.. . .



أرب جمـال 13 - 8 - 2010 07:58 PM

اللغز الثالث


وسورتنـا أحبائـي
وأصحابي وأبنائـي
بها قسـمٌ مـن اللهِ
بأرضِ العز والجـاهِ
ففيها المصطفى سكنا
فقد كانت له وطنـا
قديماً قبـل هجرتـه
ففيها بـدءُ دعوتـهِ
وأقسم بالأبِ الأكبـر
وأبنـاءٍ بـه تفخـر
تبين حكمة الصمـدِ
بأن الناس في كبـدِ
تذكرنـا بأفـضـالِ
لـربٍ منعـمٍ عـالِ
وتدعونـا لإيـمـانِ
بإنفـاقٍ وإحـسـانِ
لننعم نعمـةً كبـرى
هناك بدارنا الأخرى
وننجو من لظى النار
فقد جعلـت لكفـارِ
سورة البلد

* الآيات التي أشارت إليها الأبيات ومقاصد السورة من نظم الدرر للبقاعي

سورة البلد
مقصودها الدلالة على نفي القدرة عن الإنسان ، وإثباتها لخالقه الديان ن بذكر المخلص منها ، الموصل إلى السعادة في الآخرة ، وهو ما هدى إليه ربه سبحانه ، وذلك هو معنى اسمها ، فإن من تأمل أمان أهل الحرم وماهم فيه من الرزق والخير على قلة الرزق ببلدهم - مع ما فيه غيرهم ممن هم أكثر منهم وأقثوى - من الخوف والجوع علم ذلك ) بسم الله ( الملك الواحد القهار ) الرحمن ( الذي أسبغ نعمته على سائر بريته ، وفاوت بينهم في عطيته ، فكان كل ساخطا لحالته في كبد ما يهمه في خاصته وعامته لحكم تعجز الأفكار ) الرحيم ( الذي خص أهل ولايته بما يرضيه عنهم من أقضيته فيوصلهم إلى جنته وينجيهم .



- أولا القسم بها:
وسورتنـا أحبائـي
وأصحابي وأبنائـي
بها قسـمٌ مـن اللهِ
بأرضِ العز والجـاهِ

لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ

ثانيا: بلد المصطفى- صلى الله عليه وسلم
ففيها المصطفى سكنا
فقد كانت له وطنـا
قديماً قبـل هجرتـه
ففيها بـدءُ دعوتـهِ

وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ

ثالثا: القسم بالأب والابن
وأقسم بالأبِ الأكبـر
وأبنـاءٍ بـه تفخـر

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ

رابعا: خلق الإنسان في كبد
تبين حكمة الصمـدِ
بأن الناس في كبـدِ
لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ

خامسا التذكير بالنعم:
تذكرنـا بأفـضـالِ
لـربٍ منعـمٍ عـالِ

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ

سادسا: اللإنفاق في سبيل الله
وتدعونـا لإيـمـانِ
بإنفـاقٍ وإحـسـانِ
لننعم نعمـةً كبـرى
هناك بدارنا الأخرى
وننجو من لظى النار
فقد جعلـت لكفـارِ

فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ




ثلاث آيات مما ورد إشارة لمكة في القرآن في القرآن:
أولا: بكة
{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } ، ( سورة آل عمران : 96 ) .

ثانيا: أم القرى

"وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ "، ( سورة الأنعام : 92 )

" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" ( سورة الشورى : 7 )

ثالثا:مكة
" وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" ( سورة الفتح : 24 ) .

رابعا: البلد الأمين
" وَهَذا البَلَد الأمِين" ( سوورة التين :3 )

ما ورد في فضلها من الصحاح:

عن أبي هريرة : أن خزاعة قتلوا رجلا . وقال عبد الله بن رجاء : حدثنا حرب ، عن يحيى : حدثنا أبو سلمة : حدثنا أبو هريرة : وقال عبد الله بن رجاء : حدثنا حرب ، عن يحيى : حدثنا أبو سلمة : حدثنا أبو هريرة : أنه عام فتح مكة ، قتلت خزاعة رجلا من بني ليث ، بقتيل لهم في الجاهلية ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، ألا وإنها ساعتي هذه حرام ، لا يختلى شوكها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد . ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما يودى وإما يقاد ) . فقام رجل من أهل اليمن ، يقال له أبو شاه ، فقال : اكتب لي يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اكتبوا لأبي شاه ) . ثم قام رجل من قريش ، فقال : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنما نجعله في بيوتنا وقبورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إلا الإذخر ) .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6880



عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " والله انك لخير أرض وأحب أرض الله إلى الله ولو لا أني أُخرجت منك ما خرجت "
جاري البحث عن تخريجه

وهناك نهي عن استقبال القبلة أو استدباها عند قضاء الحاجة وهو من فضل هذه البلد أيضا
قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا ) متفق عليه


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 08:02 PM

http://www.yesmeenah.com/gallery/dat...%20%288%29.jpg

للتنويه الموضوع منقول واعجبتني فكرته وجزى الله خيرا كل من ساهم به
وان شاء الله اتابع

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 08:04 PM

اللغز الرابع

من رحمـة الله العظيـم
قد أرسل البـر الكريـم
بالبينـات إلـى البشـر
هدياً لكـل مـن ادكـر
ليعود رشـداً للصـواب
من ضل من أهل الكتاب
ولكي يحض الكافريـن
كي يدخلوا في خير دين
لكن من عرفوا الصواب
جعلوا على قلبٍ حجـاب
فتحزبـوا وتشقـقـوا
رغم الهـدى وتفرقـوا
فأتى لأجلهـم الوعيـد
بالخلد في ويـلٍ شديـد
شر الخليقة مـن كفـر
أعمى البصيرة لا البصر
والوعد جاء لمؤمنيـن
أهل الحجـا المتدبريـن
بالخلد في طيب المقـام
لأنهـم خيـر الأنــام

اسم السورة: سورة البينة

مقاصدها:
سورة البينة
سورة الإعلام بأن هذا الكتاب القيم من علو مقداره وجليل آثاره أنه كما أنه لقوم نور وهدى فهو لآخرين وقر وعمى ، فيقود إلى الجنة دار الأبرار ، ويسوق إلا النار دار الأشقياء الفجار ، وعلى ذلك دل كل من اسمائها " الذين كفروا " " والمنفكين " بتأمل الآية في انقسام الناس إلى أهل الشقاوة وأهل السعادة )


ما دلت عليه الأبيات من آيات:
أولا: إرسال النبي- صلى الله عليه وسلم-

من رحمـة الله العظيـم
قد أرسل البـر الكريـم
بالبينـات إلـى البشـر
هدياً لكـل مـن ادكـر
ليعود رشـداً للصـواب
من ضل من أهل الكتاب
ولكي يحض الكافريـن
كي يدخلوا في خير دين

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ

ثانيا: تفرق أهل الكتاب بعدما جاءتهم البينات


لكن من عرفوا الصواب
جعلوا على قلبٍ حجـاب
فتحزبـوا وتشقـقـوا
رغم الهـدى وتفرقـوا

وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ

ثالثا: الوعيد لشر البرية


فأتى لأجلهـم الوعيـد
بالخلد في ويـلٍ شديـد
شر الخليقة مـن كفـر
أعمى البصيرة لا البصر

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ

رابعا: الوعد لخير البرية


والوعد جاء لمؤمنيـن
أهل الحجـا المتدبريـن
بالخلد في طيب المقـام
لأنهـم خيـر الأنــام

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 08:06 PM

اللغز الخامس

نبـي خـصـه الله
بسورتـه وأعطـاه
فجاءت سورة تحكي
جـدالاً زاد بالشـكِ
وقالوا أنت مجنـونُ
وكـذابٌ ومفتـونُ
برغم النصح في سر
بلا عنفٍ وفي جهرِ
وتذكـيـرٍ بإنـعـامِ
من المولى وإكـرام
فما زالوا مصرينـا
على الأصنام باقينـا
فكانت دعوة حـرى
لقلب يكـره الكفـرا
أجـاب الله شكـواه
فأرداهـم وأنـجـاه

إسم السورة
سورة نوح

مقاصد السورة من كتاب نظم الدرر للبقاعي:

هذه السورة تحكي قصة نوح عليه السلام مع قومه وكان قومه عباد أوثان وكانوا يستهزئون به وكانوا أشد تمرداً من قريش وأقوى وأجلف فلم ينفعهم ذلك عندما أنزل الله عليهم البلاء وأرسل عليهم النقمة والطوفان وقد بدأها الله تعالى بالإنذار تخويفاً من عواقب التكذيب والاستمرار في الكفر,ثم أتبع ذلك بدعوة نوح لقومه ليلاً ونهاراً وإسراراً وجهارا
ومكابدته لأنواع الاستهزاء والسخرية في سبيل الدعوة وصبره عليهم مدة طويلة من الزمن,وقد كان رغم كل هذا يكرر الدعاء ولايتركه,لكن ذلك لم يزد قومه إلا طغيانًا وكفراً وتصميماً على الاستمرار في الضلالة والبعد عن منهج الرسالة
فما كان إلا أجاب الله دعوته فيهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

وقد كان مقصود هذه السورة التي أتت مباشرة بعد سورة المعارج وقد حصل التناسب بينهما فقد حض الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام على الصبر على قومه والمجاهدة لإيصال صوت الحق رغم رفضهم وعتوهم في بداية سورة المعارج قوله تعالى:"فاصبر صبراً جميلاً" وارتبط ذلك بقصة نوح الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.وذلك من باب تسلية رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام والتخفيف عنه فقد كانت مدة دعوة نوح لقومه أدوم من مدته مع العلم أنهم كانوا أكثرا عتواً واستكباراً ومع ذلك لم يزدهم ذلك إلا فرارا.
وهنا يدعو الله تعالى نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام للتأسي بما كان عليه نوح في المثابرة والرفق والصبر والدعاء
كما جاء في قوله تعالى" فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم "

من مقاصد هذه السورة أيضا التحذير من الشرك بالله لأنه أعظم الذنوب ولايقبل معه عمل فهو مردود على صاحبه
ولايتم الإيمان إلا بإخلاص التوجه لله لأن غنى الله عن الخلق يمنع أن يقبل عبادة فيها شرك مع الله وهذا ينافي الإيمان.
ثم لاسبيل إلى معرفة الإيمان والوصول إليه إلا عن طريق المرسلين وهم الرسل والأنبياء وفي هذا حض على اتباع المنهج الذي أرسل الله به رسله وإرشاد إلى عدم الحياد عنه وتركه لأن أسباب الفلاح تكمن في اتباع هدي الأنبياء وأسباب الخسران تكمن في ترك هديهم.

وكان من مقاصد السورة أيضا الدعوة للتوبة والاستغفاروقد رغب نوح قومه هنا بطلب التوبة من الله ليغفر لهم ويتجاوز عنهم وألا ييأسوا من رحمة الله فيهلكوا,وربط التوبة والاستغفار بخيري الدنيا والآخرة وتواصل النعم والعطايا من الله.
الآيات التي أشارت لها القصيدة:


فجاءت سورة تحكي
جـدالاً زاد بالشـكِ


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

وقالوا أنت مجنـونُ
وكـذابٌ ومفتـونُ


{ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً }


برغم النصح في سر
بلا عنفٍ وفي جهرِ
وتذكـيـرٍ بإنـعـامِ
من المولى وإكـرام


[{ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } * { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } * { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } * { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } * { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ]

فما زالوا مصرينـا
على الأصنام باقينـا
فكانت دعوة حـرى
لقلب يكـره الكفـرا
أجـاب الله شكـواه
فأرداهـم وأنـجـاه

{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }{ مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } * { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } * { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } * { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }

في سورة نوح في الآية (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَاتَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)) لماذا ذكرت بعض أسماء الأصنام باستخدام لا وبعضها بدون لا النافية؟

هي الآية 23 في سورة نوح، هو ذكر خمسة أصنام، خمسة معبودات إتصلت لا بثلاثة منها ولم تتصل باثنين لماذا؟ مسألة لافتة للنظر. لما ننظر في الكتب التي تحدثت في الأصنام نجد أنهم يقولون: وِد كان على صورة رجل وساع كان على صورة امرأة فهو قال (وَلَاتَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا) الرجل والمرأة. يغوث ويعوق ونسر على صورة حيوانات: يغوث على صورة أسد، يعوق على صورة فرس ونسر على صورة النسر. فكأنما أعطوا أهمية لما هو على صورة البشر(وَلَاتَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا) وجمعوا الثلاثة الأخرى بنفي واحد. ما قال: لا تذرن وداً ولا تذرن سواعاً، تفيد درجة أدنى بعدم تكرار الفعل ثم جمع الثلاثة بـ (لا) واحدة (وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) لأنها حيوانات والله أعلم.

انتهى.

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 08:10 PM

اللغز السادس

هي سورة ٌ مكيَّةُ التنزيلِ
في صدرها ضربٌ من التهويلِ
عرضت لنا أمر الذين تجبروا
صداً لكل مبلغٍ ورسولِ
وروت لنا عن خلقِ آدم بل روت
ما حاكه إبليسُ من تضليلِ
وحكت لنا عن خير ضيفٍ كيف لا
ونزولهم في بيت خير خليلِ
وعن الهلاكِ وقد أحاط بأمةٍ
سلكت إلى الشهواتِ كل سبيلِ
وختامها تذكير ربٍ منعمٍ
بالصبر والآلاءِ خير رسولِ


اسم السورة : سورة الحجر
***
مقاصدها من نظم الدرر للبقاعي
سورة الحجر
مقصودها وصف الكتاب بأنه في الذروة من الجمع للمعاني الواضحة للحق من غير اختلاف أصلا ، وأشكل ما فيها وأمثلة في هذا المعنى قصة أصحاب الحجر ، فإن وضوح آيتهم عندهم وعند كل من شاهدها أو سمع بها كوضوح ما دل عليه مقصود هذه السورة في أمر الكتاب عند جميع العرب لا سيما قريش ، وأيضا آيتهم في غاية الإيضاح للحق والجمع لمعانيه الدائرة على التوحيد المقتضي للاجتماع على الداعي ، ومن يتضح ويتأيد ما اخترته من الإعراب لقوله تعالى ) كما أنزلنا على المقتسمين ،كانوا عنا معرضين ( المقتضي لشدة الملابسة بين شأنهم في كفرهم وشأن قريش في مثل ذلك - ..، على أن لفظ الحجر يدل على مادل عليه مقصود السورة من الجمع والاستدارة التي روحها الإحاطة المميزة للمحاط به من غيره بلا لبس أصلا - والله أعلم .
***
ما ورد من أسباب النزول في آياتها
ما ورد من أسباب النزول في بعض آياتها إسناده ضعيف.
***
واذكرالآيات التي أشارت إليها الأبيات
هي سورة ٌ مكيَّةُ التنزيلِ
في صدرها ضربٌ من التهويلِ
( ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{3} وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ{4} مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ{5})
(كذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ{12} لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ{13} وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ{14} لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ{15})
عرضت لنا أمر الذينتجبروا
صداً لكل مبلغٍ ورسولِ
( وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ{6} لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{7} مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ{8} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{9} وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ{10} وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ{11} )
وروت لنا عن خلقِ آدم بل روت
َ( ولَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ{26} )
ما حاكه إبليسُمن تضليلِ
( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{39} )
وحكت لنا عن خير ضيفٍ كيف لا
ونزولهم في بيت خير خليلِ
وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ{51} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ{52}
وعنالهلاكِ وقد أحاط بأمةٍ
سلكت إلى الشهواتِ كل سبيلِ
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ{73} فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ{74} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ{75} وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ{76} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ{77}

وختامها تذكير ربٍمنعمٍ
بالصبر والآلاءِ خير رسولِ
- فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ{85}
- وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ{87} لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ{88}
- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ{98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{99}

***
البرنامج العملي الذي نفيد من آياتها فيمالا يزيد عن خمسة نقاط ؟
- المسارعة في امتثال أوامر الله - عزوجل -.
- تحقيق الإخلاص ، للسلامة من تزيين الشيطان .
- تعجيل التوبة لأن الرب غفور رحيم .
- التأمل والنظر في آيات الله وقصص من سلف .
- التحلي بالصفح الجميل الذي لا إيذاء معه.


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 08:13 PM

اللغز السابع

سورتنا يا ذا الإيمـان
فيض من ربٍ رحمـن
خلق الإنسـان وعلمـه
وحباه بأسـرار بيـان
مازالت سورتنا تذكـر
آياتٍ تسبي من ينظـر
لنقيم الوزن ولا نخسر
في القسط قوام الميزان
إنساً تتحـدى والجـان
في كل زمـانٍ ومكـان
أن يسطيعوا أن يجتازوا
إلا بنـوال السلـطـان
وبهـا إنـذارٌ ووعيـد
للمجـرم حتـم وأكيـد
وبهـا وعـد بالجنـات
لذوي التقوى والحسنات

اسم السورة: سورة الرحمن


مقاصدها:


( مقصودها الدلالة على ما ختمت به سورة من عظيم الملك وتمام الاقتدار بعموم رحمته وسبقها لغضبه ، المدلول عليه بكمال علمه ، اللازم عنه شمول قدرته ، المدلول عليه بتفصيل عجائب مخلوقاته وبدائع مصنوعاته في اسلوب التذكير بنعماته ، والامتنان بجزيل آلائه ، على وجه منتج للعلم بإحاطته بجميع أوصاف الكمال ، فمقصودها بالذات إثبات الاتصاف بعموم الرحمة ترغيبا في إنعامه وإحسانه ، وترهيبا من انتقامه بقطع مزيد امتنانه ، وعلى ذلك دل اسمها الرحمن لأنه العام الامتنان واسمها عروس القرآن واضح البيان في ذلك ، لأنها الحاوية لما فيه من حلى وحلل ، وجواهر وكلل ، والعروس بجميع النعم والجمال ، والبهجة من نوعها والكمال )



ما أشارت إليه الابيات من آيات:



أولا: خلق الإنسان وتعليمه
سورتنا يا ذا الإيمـان
فيض من ربٍ رحمـن
خلق الإنسـان وعلمـه
وحباه بأسـرار بيـان


الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ



ثانيا: آيات الله
مازالت سورتنا تذكـر
آياتٍ تسبي من ينظـر
لنقيم الوزن ولا نخسر
في القسط قوام الميزان


الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ



ثالثا: تحدي الإنس والجان
إنساً تتحـدى والجـان
في كل زمـانٍ ومكـان
أن يسطيعوا أن يجتازوا
إلا بنـوال السلـطـان



يمَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ



رابعا: الوعيد للمجرمين
وبهـا إنـذارٌ ووعيـد
للمجـرم حتـم وأكيـد


يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ



خامسا: وعد بالجنة
وبهـا وعـد بالجنـات
لذوي التقوى والحسنات


وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

إضافة
أما عن سورة الرحمن فهى سورة مكية وعن عروة بن الزبير قال أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبى صلى الله عليه
وسلم هو ابن مسعود فى مشورة للصحابة عن رجل منهم يسمع قريشا القرآن فقال ابن مسعود انا فقالوا انا نخشى عليك
وانما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه فابى ثم قام عند المقام فقال
بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن علم القرآن
ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش فى أنديتها فتعجبوا وقالوا ما يقول بن أم عبد ؟ قالوا يقول الذى يزعم محمد أنه أنزل عليه فضربوه حتى أثروا فى وجهه
وصح أن النبى قام صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح بنخلة فقرأ سورة الرحمن ومر النفر من الجن فآمنوا به
وقال سعيد بن جبير أنها فاتحة ثلاث سور (الر) و (حم) و (ن)
وأنزلت حين قالوا وما الرحمن ؟ فقيل نزلت جوابا لأهل مكه لما قالوا انما يعلمه بشر وهو رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب فأنزل الله تعال (الرحمن علم القرآن) يقول الزجاج اى سهله للذكر تحقيقا لقوله تعال (ولقد يسرنا القرآن للذكر)
وفى السورة تحد لغوى حيث كسر واضح لقاعدة التكرار التى يراها البلاغيون مدعاة للمل فاذا هى هنا مدعاة للتأكيد
وانسجام المعنى ووقع ذلك أنسا فى قلب القارىء (فبأى آلآء ربكما تكذبان) تذكيرا بنعم الله عز وجل
ومن الطريف أن بعض الشعراء قد انتهجوا مسلك التكرار لما وقعت سورة الرحمن فى نفوسهم موقعها الطيب
فقال أحدهم لاتقتلى مسلما ان كنت مسلمة اياك من دمه اياك اياك
وقال آخر لا تقطعن الصديق ما طرفت عيناك من قول كاشح آشر
ولا تملن من زيارته زره وزره وزره وزره وزره
وقد روى عن ابى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أن الله تعال كلم الناحية الغربية فقال انى جاعل فيك عبادا لى يسبحونى ويكبرونى ويهللونى ويمجدونى فكيف أنت لهم ؟ فقالت أغرقهم يارب قال انى أحملهم على يدى وأجعل بأسك
فى نواحيك ثم كلم الناحية الشرقية فقال انى جاعل فيك عبادا لى يسبحونى ويكبرونى ويهللونى ويمجدونى فكيف أنت لهم ؟ قالت أسبحك معهم اذا سبحوك وأكبرك معهم اذا كبروك وأهللك معهم اذا هللوك وأمجدك معهم اذا مجدوك فأثابها الله الحلية وجعل بينهما برزخا وتحول أحدهما ملحا أجاجا وبقى الآخر على حاله عذبا فراتا ذكر هذا الترمزى الحكيم عن أبى هريرة رضى الله عنه والله أعلى وأعلم

ملحوظة: تسمية السورة بعروس القرآن فقد ذكره السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، لما رواه البيهقي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن.
قال العلماء ليس هذا تسمية لها بهذا الاسم، ولكنه ثناء وتنويه، وحديث البيهقي ضعيف كما في السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني.


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 08:21 PM

اللغز الثامن

من المدنـي جاءتنـا
تشع النور يا صـاحِ
وتهدينـا بتشـريـعٍ
وتبييـنٍ وإيـضـاحِ
ومن يرضى بها يسمو
فكم ترقـى بـأرواحِ
بإبـطـالٍ لـعـاداتٍ
وأفـكـارٍ ورثنـاهـا
وإقــرارٍ لأحـكـامٍ
عظامٍ قـد عرفناهـا
وتأريـخٍ لأحــداثٍ
كبـارٍ قـد حفظناهـا
وتُخزي سورتي قوماً
نفاق القلب أعماهـم
لعهد الله مـا صانـوا
فصبحهـم ومساهـم
بتهـديـدٍ بـإخـراجٍ
إذا الإرجافُ وافاهـم
فيا من يعشق الحقـا
ويهوى قلبُه الصدقـا
إلـى جناتهـا هـيـا
تكن أتقى تكن أرقـى

السورة هي سورة الأحزاب

أسباب النزول الصحيحة الي وردت فيها:
1-عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا حذيفة وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله تعالى{ ادعوهم لآبائهم }
فجاءت سهلة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم
2- عن أنس رضي الله عنه قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }
3-عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُولُ وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
{ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ }
قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ في صحيح مسلم وكذا أورده ابن حجر في فتح الباري
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال
4- لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله
{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي }
قال أنس بن مالك أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب لما أهديت زينب بنت جحش رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معه في البيت صنع طعاما ودعا القوم فقعدوا يتحدثون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون فأنزل الله تعالى
{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه إلى قوله من وراء حجاب }فضرب الحجاب وقام القوم متفق عليه
مقصودها :
الحث على الصدق والإخلاص في التوجه إلى الخالق من غير مراعاة بوجه ما للخلائق، لأنه عليم بما يصلحهم، حكيم بما يفعله، فهو يعلي من يشاء وإن كان ضعيفا، ويردي من يريد وإن كان قويا، فلا يهتمن الماضي لأمره برجاء لأحد منهم في بره، ولا خوف منه في عظيم شره وخفي مكره، واسمها واضح في ذلك بتأمل القصة التي أشار إليها ودل عليها.
ما أشارت إليه الأبيات من آيات وأحكام:
(بإبطال لعادات) المقصود عادات التبني والظهار وتبرج الجاهلية التي أبطلها الإسلام في قوله (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4))
(تأريخ لأحداث) غزوة الأحزاب ووصف لتفاصيلها
(وتقرير لأحكام) أحكام الزواج والطلاق والاستئذان.
وتُخزي سورتي قوماً
نفاق القلب أعماهـم
لعهد الله مـا صانـوا
فصبحهـم ومساهـم
بتهـديـدٍ بـإخـراجٍ
إذا الإرجافُ وافاهـم
قال تعالى: ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)
همسة: هذا ما حصلت عليه في الإجابة أما اللمسات البيانية فمجالها طويل وحديثها يطول في هذا البيان المعجز والقلم بخاصة أنها لم تحدد... لكن عودة بإذن ربي لأتدبرها وأذكر شيئا من أبرزها من أمّات كتب البلاغة والإعجاز إن شئتم.. وإن كنت أجل د.فاضل السامرائي إلا أنه معاصر وقد نجد عند القدماء أكثر منه ثم نفيد من إضافاته.. فلمَنحجّر واسعًا

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:02 PM

اللغز التاسع

له السلطان رب العرش ربـي
تعالى شأنه في كـل حيـنِ
وسورتنا افتتاحاً جاء فيهـا
سنا أفعالـه يعلـي يقينـي
هو المحيي المميت بنى طباقاً
تقر بحسنهـا كـل العيـونِ
وزينهـا بحـراسٍ شــدادٍ
تذيق الخارجين لظى المنونِ
ومن يخش الكريم يفوز حتماً
بمغفرة وبالأجر الثميـنِ
وسورتنا بها آيـات ربـي
جلياتٍ لـذي عقـلٍ رزيـنِ
وكان ختامهـا إنـذار قـومٍ
قد انسلخوا عن الحق المبينِ

السورة هي سورة الملك.
وسورتنا افتتاحاً جاء فيهـا
سنا أفعالـه يعلـي يقينـي
هو المحيي المميت بنى طباقاً
تقر بحسنهـا كـل العيـونِ


بدأت السورة بقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
وزينهـا بحـراسٍ شــدادٍ
تذيق الخارجين لظى المنونِ
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
ومن يخش الكريم يفوز حتماً
بمغفرة وبالأجر الثميـنِ
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
وسورتنا بها آيـات ربـي
جلياتٍ لـذي عقـلٍ رزيـنِ
ذكر من آياته السماء التي زينها بمصابيح، والأرض التي جعلها ذلولا للسعي والكسب، ثم ذكر الطير الصافات وطيرانها المعجز في الجو، ومعجزات خلق الإنسان ومنحه السمع والأبصار والأفئدة.وذلك في الآيات 5، 15، 19، 23
وكان ختامهـا إنـذار قـومٍ
قد انسلخوا عن الحق المبينِ
أدمج حديث النعم بالدعوة إلى شكرها الذي سيجازى عليه الناس يوم الحشر، ثم جاء الختام بإنذار الكفرة من عذاب أليم يوم البعث إذ سيعاينون البعث وتسوء وجوههم، فجاء الختام بالإنذار في قوله تعالى:
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)



أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:04 PM

اللغز العاشر

ما سر هذي الأم يوم الراجفه
قد أسلمت ما عندها كالخائفه
والناس تسأل عن عجائب أمرها
فتجيبهم عن كل سر كاشفه
والكل يخرج للموازين التي
بالقسط قامت فاستقامت منصفه
من قدم الخيرات يجني خيرها
وقلوب أهل الشر حيرى واجفه

السورة هي سورة الزلزلة..
مقصودها :
انكشاف الأمور وظهور المقدور أتم ظهور، وانقسام الناس في الجزاء في دار البقاء إلى سعادة وشقاء، وعلى ذلك د اسمها بتأمل الظرف ومظروفه، وما أفاد من بديع القدر وصروفه.

ما اشتملت عليه الأبيات من آيات:
ما سر هذي الأم يوم الراجفه
قد أسلمت ما عندها كالخائفه
الأم هي الأرض (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
فائدة: قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: (وكَانَتِْ العربُ تُسمي الأرضَ أُمّاً، لأنها مبتدأُ الخلقِ، وإِليها مرجِعُهُمْ، ومنها أقوا مُهتُْ، وفيها كفايَتُهُمْ،
وقال أُميّةُ بنُ أبي الصلتِ :
والأَرضُ معقِلُنا وكانَتْ أُمَّنَا: : فيها مقابرنُا وفيها نُولَدُ
وقال يذْكُرُها :
منها خُلِقْنا وكانَتْ أمُّنا خُلِقَتْ ونحنُ أبناؤها لوْ أننا شُكُرُ
هي القرارُ فما نبغي بها بدلاً ما أرحمَ الأرضَ إِلا أننا كُفُر
وقالَ اللهُ تعالى في الكافر: لمّا كانت الأُم كافلةَ الولدِ وغاذِيَتَهُ، ومأواهُ
ومرَبّيتَهُ، وكانت النار للكافر كذلك، جعلها أُمَّهُ) .أ. هـ
وأسلمت ما عندها
قول الله تعالى: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
والناس تسأل عن عجائب أمرها
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
فتجيبهم عن كل سر كاشفه
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
والكل يخرج للموازين التي
بالقسط قامت فاستقامت منصفه
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
من قدم الخيرات يجني خيرها
وقلوب أهل الشر حيرى واجفه
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
أسباب النزول الصحيحة:
لم يصح فيها سبب نزول..

* أسباب النزول
بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرنا أبو منصور البغدادي ومحمد بن إبراهيم المزكي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر أخبرنا إبراهيم بن علي الذهلي أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب عن حسين بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجيلي عن عبد الله بن عمر قال: نزلت (إِذا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها) وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر قال: أبكاني هذه السورة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون لخلق الله أمة من بعدكم يخطئون قوله تعالى (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) قال مقاتل: نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ويقول: ما هذا شيء وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير الكذبة والغيبة والنظرة ويقول: ليس علي من هذا شيء إنما أوعد الله بالنار على الكبائر فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ) إلى آخرها.

* من اللمسات البيانية:

ونرى في سورة الزلزلة قوله تعالى (يومئذ تحدث أخبارها (4)) استعمال أخبارها مناسب للسورة لأن هذه هي الأخبار والأنباء ما هو أعظم. وقد ذكر تعالى الزلزلة في السورة ويوم القيامة سيكون هناك أحداثا أعظم من الزلزلة فالزلزلة تحدث كل يوم ونشاهدها أمامنا. وفي القرآن كلما ذكر الزلزلة قدم كما في قوله (إذا زلزلت الأرض زلزالها (1)) أما في الأحداث الأخرى فيؤخر كما في قوله تعالى (إذا الشمس كورت (1) وإذا النجوم انكدرت (2) وإذا الجبال سيرت (3) وإذا العشار عطلت (4) وإذا الوحوش حشرت (5) وإذا البحار سجرت (6) التكوير) (إذا السماء انفطرت (1) وإذا الكواكب انتثرت (2) وإذا البحار فجرت (3) وإذا القبور بعثرت (4) الانفطار) ولم يقل (إذا الأرض زلزلت) لأن مشهد الزلزلة مشاهد موجود صحيح أنها أكبر يوم القيامة من كل زلزلة لكنها مشاهدة أما في الأحداث الأخرى التي لم تحصل أمامنا فلم نر أبدا النجوم انتثرت ولا البحار سجرت ولا السماء انشقت ولا القبور بعثرت ولا غيرها ولم نشاهدها. إذن هناك أمور أعظم من الزلزلة يوم القيامة وأسأل هل تكوير الشمس وبعثرة القبور أعظم أم الزلزلة؟ بالطبع الأولى أعظم فهذه هي الأخبار فكيف بأنباء الساعة؟ وقال تعالى (وبست الجبال بسا (5) الواقعة) (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة (14) الحاقة). وقال تعالى في سورة الزلزلة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7)) واستعمال مثقال ذرة هنا مناسب جدا للآية لأنه ليس هناك أقل من مثقال ذرة فذكر الأقل فكيف لما هو أعظم؟ مثقال الذرة أنسب للأخبار فكيف بأنبائها ؟ وهذه إشارة للعربي هذه هي الأخبار فكيف هي الأنباء؟.

* ما يستفاد من الآيات:
1- الإيمان بما أخبر الله- تعالى- من الغيبيات حتى ولو لم يعلم الإنسان كيفيتها ولم يدركها بعقله.

2- الحث على العمل الصالح ولا تحقرن من المعروف شيئا وقد يعمل الإنسان شيئا يظنه صغيرا وهو عند الله كبير.

3- الحذر كل الحذر من استصغار الذنب.

4- الاستعداد ليوم القيامة والعمل للآخرة.

اللمسات البيانية:
1. استهلت السورة بظرف الزمان مع إطالة الجمل المضاف إليها الظرف تشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس توقيت صدور الناس أشتاتاً ليُرَوا أعمالهم بل الإِخبارَ عن وقوع ذلك وهو البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت .
2. بُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأنه معلوم فاعله وهو الله تعالى .
3.أعيد لفظ الأرض في قوله : { وأخرجت الأرض أثقالها } وفيه إظهار في مقام الإِضمار لقصد التهويل .
4.حذف مفعول (تحدث) الأول لظهوره ، أي تحدث الإِنسان لأن الغرض من الكلام هو إخبارها لما فيه من التهويل .
5. أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد
لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب .
فائدة مهمة: وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة في حديث أبي هريرة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة) متفق عليه.
6.{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }
سر إيثار تقديم الخير على الشر كما هو الأصل: لأن الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير .



أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:06 PM

تفسير سورة الزلزلة للشيخ ابن عثيمين


‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏‏.‏


البسملة تقدم الكلام عليها‏.‏ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا‏}‏ المراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 1، 2‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏زِلْزَالَهَا‏}‏ يعني الزلزال العظيم الذي لم يكن مثله قط، ولهذا يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى‏}‏ يعني من شدة ذهولهم وما أصابهم تجدهم كأنهم سكارى، وما هم بسكارى بل هم صحاة، لكن لشدة الهول صار الإنسان كأنه سكران لا يدري كيف يتصرف، ولا كيف يفعل‏.‏ ‏{‏وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا‏}‏ المراد بهم‏:‏ أصحاب القبور، فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من قبورهم لرب العالمين عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ‏{‏وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا‏}‏ الإنسان المراد به الجنس، يعني أن الإنسان البشر يقول‏:‏ ما لها‏؟‏ أي شيء لها هذا الزلزال‏؟‏ ولأنه يخرج وكأنه كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏سُكَارَى‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 2‏]‏‏.‏ فيقول‏:‏ ما الذي حدث لها وما شأنها‏؟‏ لشدة الهول‏.‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ‏}‏ أي في ذلك اليوم إذا زلزلت ‏{‏تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏ أي تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر، ولا مدر، ولا حجر، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، فتشهد الأرض بما صنع عليها من خير أو شر، وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه، وإلا فإن الله تعالى بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا عملتم كذا وعملتم كذا‏.‏‏.‏ لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 23‏]‏‏.‏ لأنهم إذا رأوا أهل التوحيد قد خلصوا من العذاب ونجوا منه أنكروا الشرك لعلهم ينجون، ولكنهم يختم على أفواههم، وتكلم الأيدي، وتشهد الأرجل والجلود والألسن كلها تشهد على الإنسان بما عمل، وحينئذ لا يستيطع أن يبقى على إنكاره بل يقر ويعترف، إلا أنه لا ينفع الندم في ذلك الوقت‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏ هو جواب الشرط في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا‏}‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ أي بسبب أن الله أوحى لها، يعني أذن لها في أن تحدث أخبارها، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير إذا أمر شيئًا بأمر فإنه لابد أن يقع، يخاطب الله الجماد فيتكلم الجماد كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 11‏]‏‏.‏ وقال الله تعالى للقلم اكتب، قال‏:‏ ربِّ وماذا أكتب‏؟‏ قال‏:‏ اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 65‏]‏‏.‏ فالله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء ولو جمادًا فإنه يخاطب الله ويتكلم ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ قوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ‏}‏ يعني يومئذ تزلزل الأرض زلزالها‏.‏ ‏{‏يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا‏}‏ أي جماعات متفرقين، يصدرون كل يتجه إلى مأواه، فأهل الجنة - جعلنا الله منهم - يتجهون إليها، وأهل النار - والعياذ بالله - يساقون إليها ‏{‏يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 85 - 87‏]‏‏.‏ فيصدر الناس جماعات وزمرًا على أصناف متباينة تختلف اختلافًا كبيرًا كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 21‏]‏‏.‏ ‏{‏لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ‏}‏ يعني يصدرون أشتاتًا فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شًّرا فشر، وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان كتابه إما بيمينه، وإما بشماله، ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب، يحاسبه الله عز وجل، أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول‏:‏ فعلت كذا، وفعلت كذا وكذا، وفعلت كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا رأى أنه هلك، قال الله عز وجل‏:‏ ‏(‏إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم‏)‏، وأما الكافر - والعياذ بالله - فإنه لا يعامل هذه المعاملة بل ينادى على رؤوس الأشهاد ‏{‏هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 18‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ‏}‏ هذا مضاف والمضاف يقتضي العموم وظاهره أنهم يرون الأعمال الصغير والكبير وهو كذلك، إلا ما غفره الله من قبل بحسنات، أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى كما قال الله تعالى ‏{‏إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 114‏]‏‏.‏ فيرى الإنسان عمله، يرى عمله القليل والكثير حتى يتبين له الأمر جليًّا ويعطى كتابه ويقال‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 64‏]‏‏.‏ ولهذا يجب على الإنسان أن لا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه‏.‏ ‏{‏فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ ‏{‏مَن‏}‏ شرطية تفيد العموم، يعني‏:‏ أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه، سواء من الخير، أو من الشر ‏{‏مِثْقَالَ ذَرَّةٍ‏}‏ يعني وزن ذرة، والمراد بالذرة‏:‏ صغار النمل كما هو معروف، وليس المراد بالذرة‏:‏ الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم، لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون، وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 40‏]‏‏.‏ ومن المعلوم أن من عمل ولو أدنى من الذرة فإنه سوف يجده، لكن لما كانت الذرة مضرب المثل في القلة قال الله تعالى ‏{‏فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ‏}‏‏.‏ وقوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏مِثْقَالَ ذَرَّةٍ‏}‏ يفيد أن الذي يوزن هو الأعمال، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم‏:‏ فمن العلماء من قال‏:‏ إن الذي يوزن العمل‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ إن الذي يوزن صحائف الأعمال‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ إن الذي يوزن هو العامل نفسه‏.‏ ولكل دليل، أما من قال‏:‏ إن الذي يوزن هو العمل فاستدل بهذه الآية ‏{‏فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ‏}‏ لأن تقدير الآية فمن يعمل عملًا مثقال ذرة‏.‏ واستدلوا أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ ‏(‏كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم‏)‏‏.‏ لكن يشكل على هذا أن العمل ليس جسمًا يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى‏.‏ ويجاب عن هذا بأن يقال‏:‏ أولًا‏:‏ على المرء أن يصدق بما أخبر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلّم - من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه، ويتعجب ويقول كيف يكون هذا‏؟‏ فعليه التصديق لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور، فالواجب على المسلم أن يسلم ويستسلم ولا يقول كيف‏؟‏ لأن أمور الغيب فوق ما يتصور‏.‏ ثانيًا‏:‏ أن الله تعالى يجعل هذه الأعمال أجسامًا توضع في الميزان وتثقل وتخف، والله تعالى قادر على أن يجعل الأمور المعنوية أجسامًا، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلّم - في أن الموت يؤتى به على صورة كبش ويوقف بين الجنة والنار فيقال‏:‏ يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون ويقال‏:‏ يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون فيقال لهم‏:‏ هل تعرفون هذا‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، هذا الموت، مع أنه في صورة كبش والموت ‏(‏معنى‏)‏ ليس جسمًا ولكن الله تعالى يجعله جسمًا يوم القيامة، فيقولون‏:‏ هذا الموت فيذبح أمامهم ويقال‏:‏ يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول‏.‏ أما من قال‏:‏ إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة الذي يؤتى يوم القيامة به، ويقال‏:‏ انظر إلى عملك فتمد له سجلات مكتوب فيها العمل السيىء، سجلات عظيمة، فإذا رأى أنه قد هلك أتي ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله فيقول‏:‏ يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات‏؟‏ فيقال له‏:‏ إنك لا تظلم شيئًا، ثم توزن البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فترجح بهن البطاقة وهي لا إله إلا الله قالوا فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال‏.‏ وأما الذين قالوا‏:‏ إن الذي يوزن هو العامل نفسه فاستدلوا بحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان ذات يوم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهبت ريح شديدة، فقام عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فجعلت الريح تكفئه؛ لأنه نحيف القدمين والساقين، فجعل الناس يضحكون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏مما تضحكون‏؟‏ أو مما تعجبون‏؟‏ والذي نفسي بيده إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد‏)‏ وهذا يدل على أن الذي يوزن هو العامل‏.‏ فيقال‏:‏ نأخذ بالقول الأول‏:‏ أن الذي يوزن العمل، ولكن ربما يكون بعض الناس توزن صحائف أعماله، وبعض الناس يوزن هو بنفسه‏.‏ فإن قال قائل‏:‏ على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة‏؟‏ فالجواب‏:‏ لا ينبني على أجسام الدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - قال‏:‏ ‏(‏إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة‏)‏، وقال‏:‏ اقرؤا ‏{‏فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا‏}‏‏.‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 105‏]‏‏.‏ وهذا عبد الله بن مسعود يقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏:‏ ‏(‏إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد‏)‏، فالعبرة بثقل الجسم أو عدمه، ثقله يوم القيامة بما كان معه من أعمال صالحة‏.‏ يقول عز وجل‏:‏ ‏{‏فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏‏.‏ وهذه السورة كلها التحذير والتخويف من زلزلة الأرض، وفيها الحث على الأعمال الصالحة، وفيها أن العمل لا يضيع مهما قل، حتى لو كان مثقال ذرة، أو أقل فإنه لابد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة‏.‏ نسأل الله تعالى أن يختم لنا بالخير والسعادة والصلاح والفلاح، وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفدًا إنه على كل شيء قدير‏.‏

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:11 PM

اللغز الحادي عشر

هي سورةٌ يا أهـل سعـد
من خمسة بـدأت بحمـد
قد سميـت باسـمٍ لقـومٍ
أعرضوا عن سوء قصد
من بعـد إنعـام الكـريمِ
وفضله باحـوا بـصـدِ
لـم يشكـروا لله بــل
طلبوا الشقاء بغيـر حـد
فيـهـا نـبـيٌ ذاكــرُ
لله دومـــاً شـاكــرُ
فأثـابـه فــي نسـلـهِ
نـوراً بـدا فـي أهلـهِ
في ملكـهِ كـان العجـب
والشكر كان هو السبـب
وبهـا حـوار الماكريـن
في النارِ والمستضعفيـن
وبهـا هـلاك الكافريـن
في يوم حشـر العالميـن


اسم السورة: سورة سبأ

السور الخمس: الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر فجميعها بدأ بالحمد

مقاصد السورة:
مقصودها أن الدار الآخرة - التي أشار إليها آخر تلك بالعذاب والمغفرة بعد أن أعلم أن الناس يسألون عنها - كائنة لا ريب فيها ، لما في ذلك من الحكمة ، وله عليه من القدرة ، وفي تركها من عدم الحكمة والتصوير بصورة الظلم ، ولقصة سبأ التي سميت بها السورة مناسبة كبيرة لهذا المقصد كما ياتي بيانه لذلك سميت بها


سبب النزول:
أخرج ابن أبي حاتم أن فَرْوة بن مُسَيْك الغَطَفاني رضي الله عنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، إن سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عز، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام، أفأقاتلهم؟ فقال: ما أمرت فيهم بشيء بعد، فأنزلت هذه الآية:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} الآيات.

الآيات التي اشارت إليها الأبيات:

أولا بداية السورة: بالحمد
هي سورةٌ يا أهـل سعـد
من خمسة بـدأت بحمـد

الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ


ثانيا:قوم سبأ
قد سميـت باسـمٍ لقـومٍ
أعرضوا عن سوء قصد
من بعـد إنعـام الكـريمِ
وفضله باحـوا بـصـدِ
لـم يشكـروا لله بــل
طلبوا الشقاء بغيـر حـد

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِي إِلاَّ الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ


ثالثا: ذكر نبي الله داوود- عليه السلام.

فيـهـا نـبـيٌ ذاكــرُ
لله دومـــاً شـاكــرُ
فأثـابـه فــي نسـلـهِ
نـوراً بـدا فـي أهلـهِ
في ملكـهِ كـان العجـب
والشكر كان هو السبـب

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ




رابعا: حوار أهل النار
وبهـا حـوار الماكريـن
في النارِ والمستضعفيـن

وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

خامسا: مصير الكافرين
وبهـا هـلاك الكافريـن
في يوم حشـر العالميـن

وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمْ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ

الوقفات من سورة سبأ من تفسير ابن كثير

قوله تعالى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا }
أي: وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .
وشكرًا: مصدر من غير الفعل، أو أنه مفعول له، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية، كما قال:
أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي (6) ثَلاثةً: ... يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا ...
قال أبو عبد الرحمن الحُبلي (7) : الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد. رواه ابن جرير.
وروى هو وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القُرَظي قال: الشكر تقوى الله والعمل الصالح.


قال (1) ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان-عن ثابت البُنَاني قال: كان داود، عليه السلام، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة، فكان لا تأتي عليهم (2) ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي، فغمرتهم هذه الآية: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } .
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. ولا يَفر إذا لاقى".

خاطرة على ضفاف آية:

عندما قرأت هذه الآية الكريمة وتأملت معناها قلت سبحان الله أكثر الناس شكرا الأنبياء لأنهم أعرف الناس بالله وأعلمهم بعظمة الخالق الممتن علي الخلق بكل نعمه..ولاحظت أن صنوفا كثيرة من البشر لاتحمد الله ولاتشكره بل هي ساخطة على الدوام ويكمن سر ذلك في قلة معرفتهم بالله وبعدهم عن منهج الله.
إذ أننا بقدر قربنا وقدر معرفتنا بالله عزوجل ندرك نعمته علينا في كل مناحي الحياة,وبقدر محبتنا لله يكون الرضا ويكون تقديرنا للنعمة .لو حاولنا حصر النعم التي تحوطنا من كل جانب لم نقدر حتى في لحظات الحرمان والألم تتجلى نعم الله علينا فإن حرمنا العافية رزقنا الأمن وإن حرمنا الأمن رزقنا الذرية وإن حرمنا الذرية رزقنا السكينة والرضا
وإن حرم الله إنسانا نعمة البصر رزقه الله البصيرة ورهافة الحس ,وإن حرم إنسان نعمة السمع ربما من الله عليه بالصحبة الصالحة التي تعاونه والأم الرحيمة التي ترعاه لو حاول كل إنسان منا أن يهرب من نعم الله لم يقدر ولو حاول أن ينكر هبة الله له لم يستطع فسبحان الله الرحيم بعباده العالم بطباعهم لأنه هو من خلقهم يجعلهم يتقلبون في النعمة على أي حال كانوا ويمن على أوليائه بحمده وشكره ويصرف غيرهم إلى السخط والنقمة.

قد يكون من تمام النعمة على الإنسان وتمام الرحمة غمسه في البلاء ليمكنه الله في الأرض ويصطفيه ليكون من أحبابه,قد يكون البلاء هو البوابة التي يدخل منها كل خير وفرح ونعيم ولاأقصد نعيم الآخرة فحسب ذلك النعيم الذي لايشوبه كدر ولاحزن إنما أعني التمكين في الدنيا وكشف الحجب عن بصيرة المؤمن ليرى الدنيا بمنظار المسافر عنها التارك لها فلايهمه إن اقتربت منه أو ابتعدت ولايؤثر فيه زخرفها وتزينها له.فهو على أي حال سعيد راضٍ إن ولت أو أدبرت ,وتلك هي أعظم نعمة وأجل نعمة نعمة الرضا بماقسم الله واليقين بما عند الله.

ومثل قصة سبأ قصة صاحب الجنتين
(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعْلنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَم تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلىَ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْها مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ولآ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَولآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَن يَؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ برَبِّي أَحَداً * وَلَم تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً )

(فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون
الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين) صدق الله العظيم
والمعنى بالقول هنا هو نبى الله سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام وجاء فى خبر موته انه كان عن سبع وستين سنة وملك وهو ابن سبع عشرة سنه وحكى أن سليمان عليه السلام بدأ فى بناء بيت المقدس فى السنة الرابعة من ملكه الذى امتد خمسين عاما ويقال أنه جعل يوم أن فرغ فيه من بناءه عيدا تقرب فيه الى الله وقام على الصخرة رافعا يديه الى الله بالدعاء
لكن الصحيح ما يدل عليه الحديث المرفوع : روى ابراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كان نبى الله سليمان بن داوود عليهما السلام اذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما أسمك ؟ فان كنت لغرس غرست وان كنت لدواء كتبت قالت الخرنوبة فقال لأى شىء أنت ؟ فقالت لخراب هذا البيت فقال اللهم عم عن الجن موتى حتى تعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنحت عصا فتوكأ عليها حولا
لا يعلمون فسقطت فعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب )
وقد قال بن مسعود رضى الله عنه فيما معناه ان سليمان لما أحس دنو أجله لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلى واتكأ على كرسيه فمات قبل حول من تمام البناء ولم تعلم الجن حتى أكلت الأرضة من عصاته فخر الى الأرض
ويروى أنه لما سقط سلطوا الأرضة على العصا فأكلت منها يوما وليله ثم حسبوا فوجدوه قد مات منذ سنة
والله أعلى وأعلم

إليكم هذه الوقفات مع تفسير الشيخ السعدي رحمه الله



51 - 54 } { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } .


يقول تعالى { وَلَوْ تَرَى } أيها الرسول، ومن قام مقامك، حال هؤلاء المكذبين، { إِذْ فَزِعُوا } حين رأوا العذاب، وما أخبرتهم به الرسل، وما كذبوا به، لرأيت أمرا هائلا ومنظرا مفظعا، وحالة منكرة، وشدة شديدة، وذلك حين يحق عليهم العذاب.
[ ص 684 ]
فليس لهم عنه مهرب ولا فوت { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي: ليس بعيدا عن محل العذاب، بل يؤخذون، ثم يقذفون في النار.
{ وَقَالُوا } في تلك الحال: { آمَنَّا } بالله وصدقنا ما به كذبنا { و } لكن { أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي: تناول الإيمان { مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } قد حيل بينهم وبينه، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولا ولكنهم { كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ } أي: يرمون { بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } بقذفهم الباطل، ليدحضوا به الحق، ولكن لا سبيل إلى ذلك، كما لا سبيل للرامي، من مكان بعيد إلى إصابة الغرض، فكذلك الباطل، من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه، وإنما يكون له صولة، وقت غفلة الحق عنه، فإذا برز الحق، وقاوم الباطل، قمعه.
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من الشهوات واللذات، والأولاد، والأموال، والخدم، والجنود، قد انفردوا بأعمالهم، وجاءوا فرادى، كما خلقوا، وتركوا ما خولوا، وراء ظهورهم، { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ } من الأمم السابقين، حين جاءهم الهلاك، حيل بينهم وبين ما يشتهون، { إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } أي: محدث الريبة وقلق القلب فلذلك، لم يؤمنوا، ولم يعتبوا حين استعتبوا.



خاطرة على ضفاف آية:


الوعد الحق


في هذه الآيات تهديد للظالمين وسلوى للمظلومين والمضطهدين في كل مكان وزمان ذلك أن الله يصف حالهم ومآلهم
وقد اجتمعت عليهم الأهوال فخسروا الدنيا والآخرة.
في ذلك اليوم يبكي الظلمة ماشاء الله لهم أن يبكوا حتى إذا انتهت الدموع بكوا دماً وقيحاً وصديداً
وبالمقابل يفرح المؤمنون فرحة لانهاية لها بتحقق وعد الله لهم .
في ذلك اليوم تستعر النار وتزفر تكاد تميز من الغيظ تقول"هل من مزيد"
وبالمقابل تتزين الجنة للطيبين المؤمنين المحبين فيدخلون من أبوابها الثمانية.
وإنه لحريٌ بكل من تقع عينه على هذه الآيات من المحزونين والمظلومين والمأسورين والمضطهدين أن يفرحوا لأن وعد الله حقٌ لاريب فيه فقد يزهو الباطل وينتفش لكنه انتفاش لاقاعدة له لاحقيقة له لايقوم على شيء ولايسانده شيء
لأن أعداء الله لامولى لهم يقول الله تعالى:"ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لامولى لهم"
آن لأصحاب الحقوق أن تجف دموعهم ماداموا يؤمنون بوجود الله وعدله وآن لهم أن يفرحوا مادامت حقيقة الحب الإلهي
تخالط قلوبهم فتملؤها يقينا بوعد الله وبنصر الله وليتذكروا أن هناك حياة أخرى أبدية تستكمل الحياة الدنيا فيها يكون الفوز فوزاً حقيقياًصافياً نقياً ويكون الخسران فيها أيضاً خسراناً حقيقياً أبدياً ينقطع معه الأمل وينتهي بابتدائه نعيم الدنيا الكاذب ويصحبه الشقاء المستديم .
"فذكر إن نفعت الذكرى(9)سيذكر من يخشى (10)ويتجنبها الأشقى(11)الذي يصلى النار الكبرى(12)ثم لايموت فيها ولايحي"
سورة الأعلى


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:13 PM

اللغز الثاني عشر

وسورتنا التي نعني
تصب الخير كالمزن
بها للفيء تشريعُ
وللكفار ترويعُ
رسول الله قد أدى
وهم قد أخلفوا الوعدا
بها وصفٌ لأنصارِ
بإحسانٍ وإيثارِ
وتقديمٌ لمن عانى
فراق الأهل إيمانا
تُعري من قد استشرى
نفاقاً ينصر الكفرا
وتوصينا بتقديمِ
لنلقى خير تكريمِ
وتقديسٍ لبارينا
ليبقى الذكرُ حادينا

اسم السورة: سورة الحشر

مقصدها:

مقصودها بيان ما دل عليه آخر المجادلة من التنزه عن شوائب النقص بإثبات القدرة الشاملة بدليل شهودي على أنه يغلب هو ورسله ، ومن حاده في الأذلين ، لأنه قوي عزيز ، المستلزمة للعلم التام المستلزم الحكمة البالغة المستلزمة للحشر المظهر لفلاح المفلح وخسار الخاسر على زجه الثبات الكاشف أتم كشف لجميع صفات الكمال ، وأدل ما فيها على ذلك، تأمل قصة بني النضير المعلم بأول الحشر المؤذن بالحشر الحقيقي بالقدرة عليه بعد إطباق الولي والعدو على ظن أنه لا يكون ، فلذا سميت الحشر وببني النضير لأنه سبحانه وتعالى حشرهم بقدرته من المدينة الشريفة إلى خيبر والشام والحيرة ثم حشرهم وغيرهم من اليهود الحشر الثاني من خيبر إلى الشام الذي هو آية الحشر الأعظم إلى أرض الحشر لقهر هذا النبي الكريم أهل الكتاب المدعين لأنهم أفضل الناس وأنهم مؤيدون بما لهم من الدين الذي أصله قويم بما لوحت إليه الحديد كما قهر أهل الأوثان الذين هم عالمون بأنهم بدلوا الدين الصحيح فثبتت بظهور دينه على كل دين على حد سواء كما وعد به سبحانه صدقه في كل ما جاء به بعد التوحيد - الإيمان بالبعث الآخر لأنه محط الحكمة وموضع إظهار النقمة والرحمة
**********

سبب النزول ( من كتاب أسباب النزول للإمام الواحدي)

بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
* قوله تعالى (هُوَ الَّذي أَخرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ) الآية.
قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النضير وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحداً وهزم المسلمون نقضوا العهد وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة.

أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم وبين الخلاخل شيء فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك وليخرج معنا ثلاثون حبراً حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك ليسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك أمنا بك كلنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله فأرسلوا كيف نتفق ونحن ستون رجلاً اخرج في ثلاثة من أصحابك وتخرج إليك ثلاثة من علمائنا إن آمنوا بك آمنا بك كلنا وصدقناك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء على أن لهم ما أقلت الإبل إلا الحلقة وهي السلاح وكانوا يخربون بيوتهم ويأخذون ما وافقهم من خشبها فأنزل الله تعالى (لِلَّهِ ما في السَمَواتِ وَما في الأَرضِ) حتى بلغ (واللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ).

قوله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ) الآية.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا في حصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا: زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم: بل اقطعوا فأنزل الله تبارك وتعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ) الآية. تصديقاً لمن نهى عن قطعه وتحليلاً لمن قطعه وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى.


أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الداركي أخبرنا والدي أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي أخبرنا قتيبة أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فأنزل الله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصولُها فَبِإِذنِ اللهِ وَليُخزِيَ الفاسِقينَ) رواه البخاري ومسلم عن قتيبة.

أخبرنا أبو بكر بن الحارث أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أخبرنا أبو يحيى الرازي أخبرنا سهل بن عثمان أخبرنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخيل بني النضير وحرق وهي البويرة ولها يقول حسان:


حَـريقٌ بِـالـبُـوَيرَةِ مُـسـتَــطـــيرُ وَهـانَ عَـلـى سُـراةِ بَـنـي لُـؤَيٍ


وفيها نزلت الآية (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصولِها) رواه مسلم
عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك وأخبرنا أبو بكر أخبرنا عبد الله أخبرنا سلم بن عصام أخبرنا رسته أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا محمد بن ميمون التمار أخبرنا جرموز عن حاتم النجار عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أقوم فأصلي قال: قدر الله لك ذلك أن تصلي قال: أنا أقعد قال: قدر الله لك أن تقعد قال: أنا أقوم إلى هذه الشجرة فأقطعها قال: قدر الله لك أن تقطعها قال: فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد لقنت حجتك كما لقنها إبراهيم على قومه وأنزل الله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُموها قائِمَةٍ عَلى أُصولِها فَبِإِذنِ اللهِ وَليُخزي الفاسِقينَ) يعني اليهود.

قوله تعالى (وَالَّذينَ تَبَوَّءُوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبلِهِم) الآية.
روى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم أن الأنصار قالوا: يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين الأرض نصفين قال: ولكنهم يكفونكم المؤونة وتقاسمونهم الثمرة والأرض أرضكم قالوا: رضينا فأنزل الله تعالى (وَالَّذينَ تَبَوَءُوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبلِهِم).

قوله تعالى (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ).
أخبرنا سعد بن أحمد بن جعفر المؤذن. أخبرنا أبو علي الفقيه. أخبرنا محمد بن منصور بن أبي الجهم السبيعي أخبرنا نصر بن علي الجهضمي أخبرنا عبد الله بن داود عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى رجل من الأنصار رجلاً من أهل الصفة فذهب به الأنصاري إلى أهله فقال للمرأة: هل من شيء قالت: لا إلا قوت الصبية قال: فنوميهم فإذا ناموا فأتيني فإذا وضعت فاطفئي السراج قال: ففعلت وجعل الأنصاري يقدم إلى ضيفه ما بين يديه ثم غدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب من فعالكما أهل السماء ونزلت (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ) رواه البخاري عن مسدد عن عبد الله بن داود. ورواه مسلم عن أبي كريب عن وكيع كلاهما عن فضيل بن غزوان.

أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق المزكي. أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله السليطي. أخبرنا أبو العباس بن عيسى بن محمد المروزي. أخبرنا المسخر بن الصلت. أخبرنا القاسم بن الحكم العربي أخبرنا عبيد الله بن الوليد عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقالت: إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحداً إلى الآخر حتى تداوله سبعة أهل أبيات حتى رجعت إلى أولئك قال: فنزلت (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم) إلى آخر الآية.
********************

الآيات التي تحدثت عنها الأبيات

أولا: تشريع الفيء

وسورتنا التي نعني
تصب الخير كالمزن
بها للفيء تشريعُ
........

وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

* حكم الفيء ورد في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري
وَمَا وَعَدَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةِ وَلِمَنْ يُقْسَمُ الْفَيْءُ وَالْجِزْيَةُ

وأما مصرف الفيء والجزية فعطف الجزية على الفيء من عطف الخاص على العام لأنها من جملة الفيء، قال الشافعي وغيره من العلماء‏:‏ الفيء كل ما حصل للمسلمين مما لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، وحديث أنس المعلق يشعر بأنه راجع إلى نظر الإمام يفضل من شاء بما شاء، وقد تقدم الحديث بهذا الإسناد المعلق بعينه في المساجد من كتاب الصلاة، وذكرت هناك من وصله وبعض فوائده، وأعاده في الجهاد وغيره بأخصر من هذا، وتقدم في الخمس أن المال الذي أتى به من البحرين كأن من الجزية وأن مصرف الجزية مصرف الفيء، وتقدم بيان الاختلاف في مصرف الفيء، وأن المصنف يختار أنه إلى نظر الإمام والله أعلم‏.‏
وروى عبد الرزاق في حديث عمر الطويل حين دخل عليه العباس وعلي يختصمان قال ‏"‏ قرأ عمر ‏(‏ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى‏)‏ الآية، فقالوا‏:‏ استوعبت هذه المسلمين ‏"‏ ورواه أبو عبيدة من وجه آخر وقال فيه ‏"‏ فاستوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد إلا له فيها حق، إلا بعض من تملكون من أرقائكم ‏"‏ قال أبو عبيد‏:‏ حكم الفيء والخراج والجزية واحد، ويلتحق به ما يؤخذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتجروا في بلاد الإسلام، وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من جميع ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين‏.‏
واختلف الصحابة في قسم الفيء‏:‏ فذهب أبو بكر إلى التسوية وهو قول علي وعطاء واختيار الشافعي، وذهب عمر وعثمان إلى التفضيل وبه قال مالك، وذهب الكوفيون إلى أن ذلك إلى رأي الإمام إن شاء فضل وإن شاء سوى، قال ابن بطال‏:‏ أحاديث الباب حجة لمن قال بالتفضيل، كذا قال، والذي يظهر أن من قال بالتفضيل يشترط التعميم بخلاف من قال إنه إلى نظر الإمام وهو الذي تدل عليه أحاديث الباب والله أعلم‏.‏

وروى أبو داود من حديث عوف بن مالك ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه في قسمة من يومه، فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظا واحدا‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ انفرد الشافعي بقوله إن في الفيء الخمس كخمس الغنيمة، ولا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم، لأن الآيات التاليات الآية الفيء معطوفات على آية الفيء من قوله‏:‏ ‏"‏ للفقراء المهاجرين ‏"‏ إلى آخرها فهي مفسرة لما تقدم من قوله‏:‏ ‏"‏ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى‏"‏، والشافعي حمل الآية الأولى على أن القسمة إنما وقعت، لمن ذكر فيها فقط، ثم لما رأى الإجماع على أن أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وغير ذلك من مال الفيء تأول أن الذي ذكر في الآية هو الخمس فجعل خمس الفيء واجبا لهم، وخالفه عامة أهل العلم اتباعا لعمر والله أعلم‏.‏
وفي قصة العباس دلالة على أن سهم ذوي القربى من الفيء لا يختص بفقيرهم لأن العباس كان من الأغنياء، قال إسحاق بن منصور‏:‏ قلت لأحمد في قول عمر ‏"‏ ما على الأرض مسلم إلا وله من هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم ‏"‏ قال يقول‏:‏ الفيء للغني وللفقير، وكذا قال إسحاق بن راهويه‏.‏

ثانيا: ترويع للكفار

وللكفار ترويع

وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ

ثالثا: إخلاف بنو النضير الوعد

رسول الله قد أدى
وهم قد أخلفوا الوعدا

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ

رابعا: وصف الأنصار

بها وصفٌ لأنصارِ
بإحسانٍ وإيثارِ

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

خامسا: ذكر المهاجرين

وتقديمٌ لمن عانى
فراق الأهل إيمانا

لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ


سادسا: فضح المنافقين

تُعري من قد استشرى
نفاقاً ينصر الكفرا

أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ


سابعا: وصية للمؤمنين ثم ذكر لبعض أسماء رب العالمين

وتوصينا بتقديمِ
لنلقى خير تكريمِ
وتقديسٍ لبارينا
ليبقى الذكرُحادينا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

* ما ورد في فضل السورة:
لم أجد شيئا صحيحا أستاذنا الفاضل ورد في فضلها، فأترك هذه النقطة لإخواني وأخواتي وسأكمل البحث بإذن الله
وبالنسبة للأحاديث الواردة فهذا نصها وهي ضعيفة كما حقق ذلك شيخنا الألباني- رحمه الله:

- ( من قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ بالله السميع العليم ، من الشيطان الرجيم ، و قرأ ثلاث آيات من آخر سورة ( الحشر ) ، وكل الله به سبعين ألف ملك ، يصلون عليه حين يمسي ، و إن مات في ذلك اليوم ، مات شهيدا ، و من قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة ) [ (( ضعيف )) / ضعيف الجامع الصغير / 5732 ] ..

- ( من قرأ خواتيم ( الحشر ) من ليل أو نهار ، فقبض في ذلك اليوم أو الليلة فقد أوجب الجنة ) [ (( ضعيف )) / ضعيف الجامع الصغير / 5770 ] ..

- ( اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر . ) [ ضعيف الجامع الصغير / 853

- ( إذا أخذت مضجعك فاقرأ سورة الحشر ، إن مت مت شهيدا ) [ ضعيف الجامع الصغير / 307 ] ..


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:15 PM

أسماء الله عز وجل- فالإيمان بالأسماء والصفات هو النوع الثالث من أنواع التوحيد كما قسمها العلماء، ويقول عنه الحافظ الحكمي- رحمه الله:
أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد
إذ هو من كل الأمور أعظم وهو نوعان أيا من يفهم
إثبات ذات الرب جل وعلا أسمائه الحسنى صفاته العلى
وأنه الرب الجليل الأكبر الخالق الباري والمصور
الأول المبدي بلا ابتداء الآخر الباقي بلا انتهاء
الأحد الفرد القدير الأزلي الصمد البر المهيمن العليّ
علو قهر وعلو شان جل عن الأضداد والأعوان
كذا له العلو والفوقية على عباده بلا كيفية
ومع ذا مطلع إليهم بعلمه مهيمن عليهم

إلى أن وصل إلى قوله:
وكل ما له من الصفات أثبتها في محكم الآيات
أو صح فيما قاله الرسول فحقه التسليم والقبول
نمرها صريحة كما أتت مع اعتقادنا لما له اقتضت
من غير تحريف ولا تعطيل وغير تكييف ولا تمثيل
بل قولنا قول أئمة الهدى طوبى لمن بهديهم قد اهتدى
وسم ذا النوع من التوحيد توحيد إثبات بلا ترديد
قد أفصح الوحي المبين عنه فالتمس الهدى المنير منه
لا تتبع أقوال كل مارد غاو مضل مارق معاند
فليس بعد رد ذا التبيان مثقال ذرة من الإيمان


وقال الشيخ الفاضل ابن عثيمين- رحمه الله- في تعريف هذا النوع من التوحيد- أعني توحيد الأسماء والصفات هو "إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته ، ونفي ما نفاه من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف، ولا تمثيل".
هذا مختصر مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان بما ورد من أسماء الله وصفاته والشروح كثيرة


أعرج على تعريف مبسط لبعض الأسماء الواردة في الآيات:

قال تعالى" هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "

الله: ذو الألوهية لما اتصف به من صفات الكمال، وقال سيبويه هو أعرف المعارف، وهو علم على المولى- عز وجل- لا يطلق على غيره.

لا إله إلا هو: هذا هو توحيد الألوهية الذي من أجله أرسل الله الرسل.

عالم الغيب والشهادة: لما له من علو، علو الذات وعلو القدر وعلو قهر

الرحمن: أي ذو الرحمة الواسعة

الرحيم: أي ذو الرحمة الواصلة فهو يرحم من يشاء من عباده


هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ

الملك: ذو العظمة والكبرياء الذي له التصرف المطلق في الخلق والأمر والجزاء
القدوس: المقدّس المنزه عن كل سوء
السلام: السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن كل ما ينافي كماله- سبحانه.
المؤمن: الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وأرسل رسله بالآيات البينات، وصدقهم بالمعجزات المؤديدات
المهيمن: الذي أحاط بكل شيء علما
العزيز: له عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة
الجبار: له ثلاثة معان هي:
1) أنه القهار لكل شيء
2) أنه العلي على كل شيء
3) أنه الذي يجبر الضعيف وصاحب القلب المنكسر والخاضعين له والخاشعين
المتكبر: هو المتكبر عن كل نقص وسوء لعظمته- جل جلاله


هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الخالق البارىء المصور: الذي خلق الكون كله وما فيه من موجودات، وبرأ وصور وسوى كل شيء فيه بحكمته- سبحانه.

الحكيم: الموصوف بكمال الحكمة في خلقه وشريعته.


فائدة قصيرة: اجتمعت أنواع التوحيد الثلاثة في سورة الفاتحة
"الحمد لله رب العالمين" هذا توحيد الربوبية
" الرحمن الرحيم" توحيد الأسماء والصفات
" إياك نعبد وإياك نستعين" توحيد الألوهية

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:17 PM

اللغز الثالث عشر
إذا أحببت للهِ
وكان البغض للهِ
قد استكملت إيمانا
وقد أدركت إحسانا
فليس لكافرٍ ودُ
وليس لحبه عهدُ
ولاية كافرٍ تخزي
ويوم الحشر لا تجزي
خليل الله أعطانا
مثالاً فاتَّبع شانا
ومما جاء يا درَّه
وجوب النصر للحرَّه
فبيعتهن مذكوره
وقد جاءت بها السوره

اسم السورة: سورة الممتحنة

سبب النزول ( من كتاب أسباب النزول للإمام الواحدي)

بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوُّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ) الآية.
قال جماعة من أهل المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت لا قال: فما جاء بك قالت أنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني قال لها: فأين أنت من شباب أهل مكة وكانت مغنية قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة وكتب في الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً وقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان فقالوا لها: أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع فقال علي والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأجزرنك ولأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب قال: نعم قال: فما حملك على ما صنعت فقال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريباً فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً وقد لمت أن الله ينزل بهم بأسه وكتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فنزلت هذه السورة (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ) فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر. لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.



أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن محمد أخبرنا محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت علياً يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب فقلنا لها: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا حاطب فقال: لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من نفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً والله ما فعلته شاكاً في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد صدق فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ تُلقونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ) رواه البخاري عن حميد ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وجماعة كلهم عن سفيان.


قوله عز وجل (قَد كانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ)

يقول الله تعالى للمؤمنين: لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء اقتداء بهم في معاداة ذوي قراباتهم من المشركين فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين في الله وأظهروا لهم العداوة والبراءة وعلم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله تعالى (عَسى اللهُ أَن يَجعَلَ بَينَكُم وَبَينَ الَّذينَ عادَيتُم مِنهُم مَوَدَّةً) ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم وصاروا لهم أولياء وإخواناً وخالطوهم وناكحوهم وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب فلان لهم أبو سفيان وبلغه ذلك فقال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه.

أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزار أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري أخبرنا أبو يعلى أخبرنا إبراهيم بن الحجاج أخبرنا عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا وضباب وسمن وأقط فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها فسألت لها عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلُوكُم في الدينِ) الآية.

فأدخلتها منزلها وقبلت منها هداياها. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي العباس السياري عن عبد الله الغزال عن أبي سفيان عن ابن المبارك.

قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا جاءَكُمُ المُؤمِناتُ مُهاجِراتٍ فَاِمتَحِنوهُنَّ اللهُ أَعلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) الآية.

قال ابن عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم وكتبوا بذلك الكتاب وختموه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية فأقبل زوجها وكان كافراً فقال: يا محمد رد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد فأنزل الله تعالى هذه الآية.


أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا حسن بن الربيع بن الخشاب أخبرنا ابن إدريس قال: قال محمد بن إسحاق حدثني الزهري قال: دخلت على عروة بن الزبير وهو يكتب إلى ابن هند صاحب الوليد بن عبد الملك يسأله عن قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا جاءَكُمُ المُؤمِناتُ مُهاجِراتٍ فَاِمتَحِنوهُنَّ) قال: وكتب إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه فلما هاجرن النساء أبى الله تعالى أن يرددهن إلى المشركين إذا هن امتحن فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام برد أصدقاتهن إليهم إذا احتبسن عنهم إذا هم ردوا على المسلمين أصدقة من حبسوا من نسائهم قال: وذلك حكم لله يحكم بينكم فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال.

قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَوَلَّوا قَوماً غَضِبَ اللهُ عَلَيهِم) الآية.

نزلت في ناس من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين وتواصلوا بهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك.


مقصودها:

مقصودها براءة من أقر بالإيمان ممن اتسم بالعدوان دلالة على صحة مدعاه كما أن الكفار تبرؤوا من المؤمنين وكذبوا بما جاءهم من الحق لئلا يكونوا على باطلهم أحرص من المؤمنين على حقهم ، وتسميتها بالممتحنة أوضح شيء فيها وأدله على ذلك لأن الصهر أعظم الوصل وأشرفها بعد الدين ، فإذا نفى ومنع دل على أعظم المقاطعة لدلالته على الامتهان بسبب الكفران الذي هو أقبح العصيان

الآيات التي أشارت إليها الأبيات
أولا: عدم موالاة الكفار
إذا أحببت للهِ
وكان البغض للهِ
قد استكملت إيمانا
وقد أدركت إحسانا
فليس لكافرٍ ودُ
وليس لحبه عهدُ
ولاية كافرٍ تخزي
ويوم الحشر لا تجزي

يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

وفي نهاية السورة
يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ


ثانيا: أسوة حسنة في ابراهيم- عليه السلام- إذ لم يتخذ والده الكافر وليا

خليل الله أعطانا
مثالاً فاتَّبع شانا

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ


ثالثا: نصرة المؤمنات المهاجرات

ومما جاء يا درَّه

وجوب النصر للحرَّه

يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

رابعا: بيعة النساء

فبيعتهن مذكوره

وقد جاءت بها السوره

يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

إذا أحببت للهِ

وكان البغض للهِ

قد استكملت إيمانا

وقد أدركت إحسانا

فليس لكافرٍ ودُ

وليس لحبه عهدُ

ولاية كافرٍ تخزي

ويوم الحشر لا تجزي



فهذه الأبيات تبين عقيدة مهمة هي عقيدة الولاء والبراء، فالبراء والولاء يكون لله- عز وجل- بأن نتبرأ من كل ما تبرأ منه- سبحانه-" وَأذانٌ مِن اللهِ وَرَسُولِهِ إلى النّاسِ يَومَ الحَجّ الأكبَرِ أنّ اللهَ بَرِيءٌ منَ المُشرِكِينَ وَرِسُولُه". كما يجب أن يتبرأ المسلم من كل عمل لا يرضي الله- جل وعلا- ورسوله- صلى الله عليه وسلم- ولو لم يكن كفرا كالفسوق والعصيان" وَلكِنّ اللهَ حَببّ إلَيْكُم الإيْمَانَ وَزينهُ فِي قُلوبِكُم وكرهَ إلَيكُم الكُفْرَ والفُسوقَ والعِصيَان أولئِكَ هُم الرَاشِدون"

وقد وقع بعض المسلمين في صور موالاة الكفار قد يكون ذلك عن جهل وقد يكون لا مبالاة فينبغي الحذر وتوضيح هذا المبدأ في العقيدة لهؤلاء.

من صور موالاة الكفار الإقامة في بلادهم بغير ضرورة، ومشاركتهم في أعيادهم، ومودتهم ومحبتهم واتخاذهم أولياء، والتشبه بهم.


أما الولاء فيكون لكل مسلم ولاء نصرة وتأييد، وولاء نصح ومحبة، فيعرف حقه ويؤديه لتنتشر الألفة والإخاء بين أفراد الأمة.

وقد ورد في ذلك كثير من الأحاديث منها ما ورد في صحيح الجامع ( أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله والمعاداة في الله , والحب في الله والبغض في الله عز وجل )

يقول د. خالد النجار في شرح الحديث:

والمراد بالحب في الله أي لأجله وبسببه , لا لغرض آخر كميل أو إحسان , ففي بمعنى اللام المعبر به في رواية أخرى . لكن [في] هنا أبلغ , أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت69 أي في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً.


قال ابن معاذ- رضي الله عنه- : وعلامة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء.

وقال صاحب الكشاف : الحب في الله والبغض في الله باب عظيم، وأصل من أصول الإيمان، ومن لازم الحب في الله حب أنبيائه وأصفيائه، ومن شرط محبتهم اقتفاء آثارهم وطاعة أمرهم.


اللهم ارزقنا إيمانا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:20 PM

اللغز الرابع عش

سبحان ربي خالق الإنسان
هو ذو الجلال مصور الإنسان
لكنما الإنسان صنفٌ كافرٌ
والآخر المملوء بالعرفانِ
وسيُجمعُ الصنفان يوم قيامةٍ
وسيندمون بحضرة الديان
من أحسنوا أن لم يزيدوا في التقى
ومن افترى للكفر والعصيانِ
هي سورةٌ تدعو الورى لتأملٍ
في حال من كفروا بكل زمانِ
وتدلنا لطريق تسليمٍ بما
يقضي الرحيم نلوذ بالإيمانِ
وتحذر الإنسان أن عدوه
من أهلهِ إن ظل في الكفرانِ
فليعفُ وليصفح فهذي فتنةٌ
وليعتصم بالبر والإحسانِ

سورة التغابن
"
سبب النزول:

نزول الآية (14):

{يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم}: أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم} في قوم من أهل مكة، أسلموا، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فأتوا المدينة، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأوا الناس قد فَقُهوا، فهمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله: {إن تعفوا وتصفحوا} الآية.



سبب نزول الآية (16):

{فاتقوا الله}: أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: {اتقوا الله حق تقاته} اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى وَرِمتْ عراقيبهم، وتقرحتْ جِباهم، فأنزل الله تخفيفاً على المسلمين: {فاتقوا الله ما استطعتم}.

"
سبحان ربي خالق الإنسان
هو ذو الجلال مصور الإنسان

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1)هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(2)خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(3)يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(4)


لكنما الإنسان صنفٌ كافرٌ
والآخر المملوء بالعرفانِ
وسيُجمعُ الصنفان يوم قيامةٍ
وسيندمون بحضرة الديان


أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(5)ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(6)زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(7)

من أحسنوا أن لم يزيدوا في التقى
ومن افترى للكفر والعصيانِ
هي سورةٌ تدعو الورى لتأملٍ
في حال من كفروا بكل زمانِ


{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(8)يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(10)

وتدلنا لطريق تسليمٍ بما
يقضي الرحيم نلوذ بالإيمانِ

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11)وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ(12)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(13)

وتحذر الإنسان أن عدوه
من أهلهِ إن ظل في الكفرانِ
فليعفُ وليصفح فهذي فتنةٌ
وليعتصم بالبر والإحسانِ

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14)إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(15)فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(16)إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ(17)عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)

وَهِيَ مَدَنِيَّة فِي قَوْل الْأَكْثَرِينَ . وَقَالَ الضَّحَّاك : مَكِّيَّة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ مَكِّيَّة وَمَدَنِيَّة . وَهِيَ ثَمَانِي عَشْرَة آيَة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ " سُورَة التَّغَابُن " نَزَلَتْ بِمَكَّة ; إِلَّا آيَات مِنْ آخِرهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْف بْن مَالِك الْأَشْجَعِيّ , شَكَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَفَاء أَهْله وَوَلَده , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجكُمْ وَأَوْلَادكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ " [ التَّغَابُن : 14 ] إِلَى آخِر السُّورَة .


بسم الله الرحمن الرحيم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة
وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِ تَسْبِيح الدَّلَالَة , وَكُلّ مُحْدَث يَشْهَد عَلَى نَفْسه بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَالِق قَادِر . وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا التَّسْبِيح حَقِيقَة , وَكُلّ شَيْء عَلَى الْعُمُوم يُسَبِّح تَسْبِيحًا لَا يَسْمَعهُ الْبَشَر وَلَا يَفْقَههُ , وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ أَنَّهُ أَثَر الصَّنْعَة وَالدَّلَالَة لَكَانَ أَمْرًا مَفْهُومًا , وَالْآيَة تَنْطِق بِأَنَّ هَذَا التَّسْبِيح لَا يُفْقَه . وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " لَا تَفْقَهُونَ " الْكُفَّار الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ الِاعْتِبَار فَلَا يَفْقَهُونَ حِكْمَة اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْأَشْيَاء
وَيُسْتَدَلّ لِهَذَا التَّأْوِيل وَهَذَا الْقَوْل مِنْ الْكِتَاب بِقَوْلِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى : " وَاذْكُرْ عَبْدنَا دَاوُد ذَا الْأَيْد إِنَّهُ أَوَّاب . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاق " [ ص : 17 - 18 ] , وَقَوْله : " وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه " [ الْبَقَرَة : 74 ] - عَلَى قَوْل مُجَاهِد - , وَقَوْله : " وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا " [ مَرْيَم : 90 - 91 ] . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك فِي ( دَقَائِقه ) أَخْبَرَنَا مِسْعَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاصِل عَنْ عَوْف بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ الْجَبَل يَقُول لِلْجَبَلِ : يَا فُلَان , هَلْ مَرَّ بِك الْيَوْم ذَاكِر لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ سُرَّ بِهِ . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه " وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا " الْآيَة . قَالَ : أَفَتَرَاهُنَّ يَسْمَعْنَ الزُّور وَلَا يَسْمَعْنَ الْخَيْر . وَفِيهِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : مَا مِنْ صَبَاح وَلَا رَوَاح إِلَّا تُنَادِي بِقَاع الْأَرْض بَعْضهَا بَعْضًا . يَا جَارَاهُ ; هَلْ مَرَّ بِك الْيَوْم عَبْد فَصَلَّى لِلَّهِ أَوْ ذَكَرَ اللَّه عَلَيْك ؟ فَمِنْ قَائِلَة لَا , وَمِنْ قَائِلَة نَعَمْ , فَإِذَا قَالَتْ نَعَمْ رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَيْهَا . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَسْمَع صَوْت الْمُؤَذِّن جِنّ وَلَا إِنْس وَلَا شَجَر وَلَا حَجَر وَلَا مَدَر وَلَا شَيْء إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة ) . رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه , وَمَالِك فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اللَّه خَلَقَ بَنِي آدَم مُؤْمِنًا وَكَافِرًا , وَيُعِيدهُمْ فِي يَوْم الْقِيَامَة مُؤْمِنًا وَكَافِرًا . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّة فَذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا يَكُون فَقَالَ : ( يُولَد النَّاس عَلَى طَبَقَات شَتَّى . يُولَد الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيَعِيش مُؤْمِنًا وَيَمُوت مُؤْمِنًا . وَيُولَد الرَّجُل كَافِرًا وَيَعِيش كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا . وَيُولَد الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيَعِيش مُؤْمِنًا وَيَمُوت كَافِرًا . وَيُولَد الرَّجُل كَافِرًا وَيَعِيش كَافِرًا وَيَمُوت مُؤْمِنًا ) . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَلَقَ اللَّه فِرْعَوْن فِي بَطْن أُمّه كَافِرًا وَخَلَقَ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي بَطْن أُمّه مُؤْمِنًا ) . وَفِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود : ( وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع أَوْ بَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار فَيَدْخُلهَا . وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع أَوْ بَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة فَيَدْخُلهَا ) . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
السورة التغابن

مقصودها الإبلاغ في التحذير مما حذرت منه المنافقون بإقامة الدليل القاطع على أنه لا بد من العرض على الملك الدنيونية على النقير والقطمير يوم القيامة يوم الجمع الأعظم ، واسمها التغابن واضح الدلالة على ذلك ، وهو أدل ما فيها عليه فلذلك سميت به ) بسم الله ( مالك الملك فلا كفوء له ولا مثيل ) الرحمن ( الذي وسع الخلائق بره الجليل ) الرحيم ( الذي خص ممن عمه بالبر قوما فوفقهم للجميل

أسباب النزول:
قوله تعالى:( ياأيها الذين ءامنوا إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم) الآية
قال ابن عباس: كان الرجل يسلم ,فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله وولده , وقالوا : ننشدك الله أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك, وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال, فمنهم من يرق لهم ويقيم ولا يهاجر, فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الشيباني:أخبرنا أبو الفضل أحمد بن إسماعيل بن يحيى بن حازم:أخبرنا عمر بن محمد بن يحيى: أخبرنا محمد بن عمر المقدمي: أخبرنا أشعث بن عبد الله : أخبرنا شعبة ,عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان الرجل يسلم, فيلومه أهله وبنوه, فنزلت هذه الآية :( إن من ازواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم).
قال عكرمة , عن ابن عباس: وهؤلاء الذين منعهم أهلهم عن الهجرة, لما هاجروا ورأوا الناس قد تفقهوا في الدين ,هموا ان يعاقبوا اهليهم الذين منعوهم , فأنزل الله تعالى :( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنَّ الله غفورٌ رحيم). أسباب النزول للنيسابوري ص(466,467) ط دار الغد العربي.

الآيات التي دلت عليه الأبيات :
1-سبحان ربي خالق الإنسان
هو ذو الجلال مصور الإنسان
لكنما الإنسان صنفٌ كافرٌ
والآخر المملوء بالعرفانِ
قوله تعالى :( يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير(1) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير(2) خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير).
2-وسيُجمعُ الصنفان يوم قيامةٍ
وسيندمون بحضرة الديان
من أحسنوا أن لم يزيدوا في التقى
ومن افترى للكفر والعصيانِ
قوله تعالى:(يوم يجمعكم ليوم الحمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم(9) والذين كفروا وكذبوا بئاياتنا أولـئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير(10) )
3-هي سورةٌ تدعو الورى لتأملٍ
في حال من كفروا بكل زمانِ
وتدلنا لطريق تسليمٍ بما
يقضي الرحيم نلوذ بالإيمانِ
قوله تعالى :( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم (11) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين(12) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون(13) )
4-وتحذر الإنسان أن عدوه
من أهلهِ إن ظل في الكفرانِ
فليعفُ وليصفح فهذي فتنةٌ
وليعتصم بالبر والإحسانِ.
قوله تعالى:( يا أيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم أولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفورٌ رحيم(14)إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم(15) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولـئك هم المفلحون(16)

السور التي بدأت بمثل ما بدأت به السورة( الجمعة, الصف, الحشر, الأعلى, الحديد)







أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:25 PM

اللغز الخامس عشر


قسمٌ عظيمٌ بالملائك جاءَ
فلتغلقوا باب الجحود حياءَ
يا من سخرتم حين جاء بذكرها
تلك الحقيقةُ فاقطعوا استهزاءَ
هي صيحةٌ ستقودكم للنار في
ذلٍ وكان المنطق استعلاءَ
فلتذكروا فرعون قد أودى به
داء الغرور وجره استغواءَ
لستم أشد من الخلائق كلها
لستم أجل من السماءِ بناءَ
يوم القيامة قادمٌ فلتحذروا
فالكل يلقى بالحساب جزاءَ
لا تسألوا عن وقتها فالمنتهى
عند العليم كفاكم استقصاءَ

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا

أَقْسَمَ سُبْحَانه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرَهَا , عَلَى أَنَّ الْقِيَامَة حَقّ . وَ " النَّازِعَات " : الْمَلَائِكَة الَّتِي تَنْزِع أَرْوَاح الْكُفَّار ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَكَذَا قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمَسْرُوق وَمُجَاهِد : هِيَ الْمَلَائِكَة تَنْزِع نُفُوس بَنِي آدَم . قَالَ اِبْن مَسْعُود : يُرِيد أَنْفُس الْكُفَّار يَنْزِعهَا مَلَك الْمَوْت مِنْ أَجْسَادهمْ , مِنْ تَحْت كُلّ شَعْرَة , وَمِنْ تَحْت الْأَظَافِير وَأُصُول الْقَدَمَيْنِ نَزْعًا كَالسَّفُّودِ يُنْزَع مِنْ الصُّوف الرُّطَب , يُغْرِقهَا , أَيْ يَرْجِعهَا فِي أَجْسَادهمْ , ثُمَّ يَنْزِعهَا فَهَذَا عَمَله بِالْكُفَّارِ . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : نُزِعَتْ أَرْوَاحُهُمْ , ثُمَّ غَرِقَتْ , ثُمَّ حُرِقَتْ ; ثُمَّ قُذِفَ بِهَا فِي النَّار

سورة النازعات
سبب النزول:

نزول الآية (10، 12):

أخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال: لما نزل قوله: {أئنا لمردودون في الحافرة}؟ قال كفار قريش: لئن حيينا بعد الموت لنخسرن، فنزلت: {قالوا: تلك إذاً كرة خاسرة}.

سبب النزول:

نزول الآية (42):
{يسألونك عن الساعة ..}: أخرج الحاكم وابن جرير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسْأَلُ عن الساعة، حتى أنزل عليه: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها}

سورة النازعات مكية، شأنها شأن سائر السور المكية، التي تُعنى بأصول العقيدة "الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء" ومحورُ السورة يدور حول القيامة وأحوالها، والساعة وأهوالها، وعن مآل المتقين، ومآل المجرمين.
.. السورة ..
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالملائكة الأبرار، التي تنزع أرواح المؤمنين بلطفٍ ولين، وتنزع أرواح المجرمين بشدة وغلظة، والتي تدبر شؤون الخلائق بأمر الله جل وعلا {والنازعات غرقاً * والناشِطات نشطاً * والسابحات سبحاً * فالسابقات سبقاً * فالمدبرات أمراً} الآيات.
* ثم تحدثت عن المشركين، المنكرين للبعث والنشور، فصورت حالتهم في ذلك اليوم الفظيع {قلوبٌ يومئذٍ واجفة * أبصارها خاشعة * يقولون أئنا لمردودون في الحافرة * أئذا كنا عظاماً نخرة؟} الآيات.
* ثم تناولت السورة "قصّة فرعون" الطاغية، الذي ادعى الربوبية وتمادى في الجبروت والطغيان، فقصمه الله وأهلكه بالغرق هو وقومه الأقباط {هل أتاك حديث موسى * إِذ ناداه ربُّه بالواد المقدَّس طوى * اذهب إِلى فرعونَ إِنه طغى * فقل هلْ لكَ إِلى أن تزكى ..} الآيات.
وتحدثت السورة عن طغيان أهل مكة وتمردهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكَّرتهم بأنهم أضعف من كثير من مخلوقات الله {أأنتم أشدُّ خلقاً أم السماءُ بناها * رفع سمكها فسوَّاها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها} الآيات.
وختمت السورة الكريمة ببيان وقت الساعة الذي استبعده المشركون وأنكروه وكذبوا بحدوثه {يسألونك عن الساعة أيَّان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إِلى ربك منتهاها * إِنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إِلا عشيةً أو ضحاها}.

**
قسمٌ عظيمٌ بالملائك جاءَ
فلتغلقوا باب الجحود حياءَ
يا من سخرتم حين جاء بذكرها
تلك الحقيقةُ فاقطعوا استهزاءَ
هي صيحةٌ ستقودكم للنار في
ذلٍ وكان المنطق استعلاءَ


( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا(1)وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا(2)وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا(3)فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا(4)فَالْمُدَبِّرَات� � أَمْرًا(5)يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ(6)تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ(7)قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ(8)أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ(9)يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ(10)أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً(11)قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ(12)فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ(13)فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14)

فلتذكروا فرعون قد أودى به
داء الغرور وجره استغواءَ

{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(15)إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى(16)اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17)فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19)فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى(20)فَكَذَّبَ وَعَصَى(21)ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى(22)فَحَشَرَ فَنَادَى(23)فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى(24)فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى(25)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى(26)

لستم أشد من الخلائق كلها
لستم أجل من السماءِ بناءَ

(ءأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا(27)رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28)وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا(29)وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا(30)أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا(31)وَالْجِبَال َ أَرْسَاهَا(32)مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ(33)

يوم القيامة قادمٌ فلتحذروا
فالكل يلقى بالحساب جزاءَ
لا تسألوا عن وقتها فالمنتهى
عند العليم كفاكم استقصاءَ


{فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى(34)يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى(35)وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى(36)فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39)وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(42)فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا(43)إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا(44)إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا(45)كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا(46)



يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ

يا من سخرتم حين جاء بذكرها
تلك الحقيقةُ فاقطعوا استهزاءَ
هي صيحةٌ ستقودكم للنار في
ذلٍ وكان المنطق استعلاءَ

أَيْ يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ , إِذَا قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ , قَالُوا مُنْكِرِينَ مُتَعَجِّبِينَ : أَنُرَدُّ بَعْد مَوْتنَا إِلَى أَوَّل الْأَمْر , فَنَعُود أَحْيَاء كَمَا كُنَّا قَبْل الْمَوْت ؟ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ : " أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا " يُقَال : رَجَعَ فُلَان فِي حَافِرَته , وَعَلَى حَافِرَته , أَيْ رَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ ; قَالَهُ قَتَادَة . وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَحَافِرَة عَلَى صَلَع وَشَيْب مَعَاذ اللَّه مِنْ سَفَهٍ وَعَار يَقُول : أَأَرْجِعُ إِلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ فِي شَبَابِي مِنْ الْغَزَل وَالصِّبَا بَعْد أَنْ شِبْت وَصَلِعْت ! وَيُقَال : رَجَعَ عَلَى حَافِرَته : أَيْ الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ . وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَل : النَّقْد عِنْالْحَافِرَة . قَالَ يَعْقُوب : أَيْ عِنْد أَوَّل كَلِمَة . وَيُقَال : اِلْتَقَى الْقَوْم فَاقْتَتَلُوا عِنْد الْحَافِرَة . أَيْ عِنْد أَوَّل مَا اِلْتَقَوْا وَقِيلَ : الْحَافِرَة الْعَاجِلَة ; أَيْ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَنَصِير أَحْيَاء كَمَا كُنَّا ؟ قَالَ الشَّاعِر : آلَيْت لَا أَنْسَاكُمْ فَاعْلَمُوا حَتَّى يُرَدَّ النَّاس فِي الْحَافِرَة وَقِيلَ : الْحَافِرَة : الْأَرْض الَّتِي تُحْفَر فِيهَا قُبُورُهُمْ , فَهِيَ بِمَعْنَى الْمَحْفُورَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَاء دَافِق " وَ " عِيشَة رَاضِيَة " . وَالْمَعْنَى أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي قُبُورنَا أَحْيَاء . قَالَهُ مُجَاهِد وَالْخَلِيل وَالْفَرَّاء . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ الْأَرْض الْحَافِرَة ; لِأَنَّهَا مُسْتَقَرّ الْحَوَافِر , كَمَا سُمِّيَتْ الْقَدَم أَرْضًا ; لِأَنَّهَا عَلَى الْأَرْض . وَالْمَعْنَى أَإِنَّا لَرَاجِعُونَ بَعْد الْمَوْت إِلَى الْأَرْض فَنَمْشِي عَلَى أَقْدَامِنَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْحَافِرَة : النَّار , وَقَرَأَ " تِلْكَ إِذًا كَرَّة خَاسِرَة " . وَقَالَ مُقَاتِل وَزَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحَافِرَة فِي كَلَام الْعَرَب : الدُّنْيَا . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة : " الْحَفِرَةِ " بِغَيْرِ أَلِف , مَقْصُور مِنْ الْحَافِر . وَقِيلَ : الْحَفِرَة : الْأَرْض الْمُنْتِنَة بِأَجْسَادِ مَوْتَاهَا ; مِنْ قَوْلهمْ : حَفِرَتْ أَسْنَانه , إِذَا رَكِبَهَا الْوَسَخ مِنْ ظَاهِرهَا وَبَاطِنهَا . يُقَال : فِي أَسْنَانه حَفَر , وَقَدْ حَفَرَتْ تَحْفِر حَفْرًا , مِثْل كَسَرَ يَكْسِر كَسْرًا إِذَا فَسَدَتْ أُصُولهَا . وَبَنُو أَسَد يَقُولُونَ : فِي أَسْنَانه حَفَر بِالتَّحْرِيكِ . وَقَدْ حَفِرَتْ مِثَال تَعِبَ تَعَبًا , وَهِيَ أَرْدَأ اللُّغَتَيْنِ قَالَهُ فِي الصِّحَاح .

سورة النازعات
ونسمة الساهرة والطامة .
مقصودها بيان أواخر أمر الإنسان بالإقسام على بعث الأنام ، ووقوع القيام يوم الزحام وزلل الأقدام ، بعد البيان التام فيما مضى من هذه السور العظام ، تنبيها على أنه وصل الأمر في الظهور إلى مقام ليس بعده مقام ، وصور ذلك بنزع الأرواح بأيدي الملائكة الكرام ، ثم أمر فرعون اللعين وموسى عليه السلام ، واسمها النازعات واضح في ذلك المرام ، إذا تؤمل القسم وجوابه المعلوم للأئمة الأعلام ، وكذا الساهرة والطامة إذا تؤمل السياق ، وحصل التدبير في تقرير الوفاق ) .

أسباب النزول:
رقـم الفتوى : 74157
عنوان الفتوى : هل لسورة النازعات سبب نزول
تاريخ الفتوى : 10 ربيع الثاني 1427 / 09-05-2006
السؤال
أسباب نزول سورة النازعات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب التفسير وعلوم القرآن على ذكر سبب خاص لنزول سورة النازعات أو بعض آياتها.

والله أعلم.


فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى

وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هَلْ لَك أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير " تَزَّكَّى " بِتَشْدِيدِ الزَّاي , عَلَى إِدْغَام التَّاء فِي الزَّاي ; لِأَنَّ أَصْلَهَا تَتَزَكَّى . الْبَاقُونَ : " تَزَكَّى " بِتَخْفِيفِ الزَّاي عَلَى مَعْنَى طَرْح التَّاء . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : " تَزَّكَّى " بِالتَّشْدِيدِ تَتَصَدَّق بِالصَّدَقَةِ , وَ " تَزَكَّى " يَكُون زَكِيًّا مُؤْمِنًا . وَإِنَّمَا دَعَا فِرْعَوْن لِيَكُونَ زَكِيًّا مُؤْمِنًا . قَالَ : فَلِهَذَا اِخْتَرْنَا التَّخْفِيف . وَقَالَ صَخْر بْن جُوَيْرِيَة : لَمَّا بَعَثَ اللَّه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : " اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن " إِلَى قَوْله " وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى " وَلَنْ يَفْعَل , فَقَالَ : يَا رَبّ , وَكَيْف أَذْهَب إِلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَفْعَل ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِمْضِ إِلَى مَا أَمَرْتُك بِهِ , فَإِنَّ فِي السَّمَاء اِثْنَيْ عَشَر أَلْف مَلَك يَطْلُبُونَ عِلْم الْقَدَر , فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَا يُدْرِكُوهُ


أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ


لستم أشد من الخلائق كلها
لستم أجل من السماءِ بناءَ

" رَفَعَ سَمْكَهَا " أَيْ أَعْلَى سَقْفهَا فِي الْهَوَاء ; يُقَال : سَمَكْت الشَّيْء أَيْ رَفَعْته فِي الْهَوَاء , وَسَمَكَ الشَّيْء سُمُوكًا : اِرْتَفَعَ وَقَالَ الْفَرَّاء : كُلّ شَيْء حَمَلَ شَيْئًا مِنْ الْبِنَاء وَغَيْره فَهُوَ سَمْكٌ . وَبِنَاء مَسْمُوك وَسَنَام سَامِك تَامِك أَيْ عَالٍ , وَالْمَسْمُوكَات : السَّمَوَات . وَيُقَال : اُسْمُكْ فِي الدَّيْم , أَيْ اِصْعَدْ فِي الدَّرَجَة . " فَسَوَّاهَا " أَيْ خَلَقَهَا خَلْقًا مُسْتَوِيًا , لَا تَفَاوُتَ فِيهِ , وَلَا شُقُوق , وَلَا فَطُور .


فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا


يوم القيامة قادمٌ فلتحذروا
فالكل يلقى بالحساب جزاءَ
لا تسألوا عن وقتها فالمنتهى
عند العليم كفاكم استقصاءَ

وَبُرِّزَتْ الْجَحِيم " أَيْ ظَهَرَتْ . " لِمَنْ يَرَى " قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُكْشَف عَنْهَا فَيَرَاهَا تَتَلَظَّى كُلُّ ذِي بَصَر . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْكَافِر لِأَنَّهُ الَّذِي يَرَى النَّار بِمَا فِيهَا مِنْ أَصْنَاف الْعَذَاب . وَقِيلَ : يَرَاهَا الْمُؤْمِن لِيَعْرِف قَدْر النِّعْمَة , وَيُصْلَى الْكَافِر بِالنَّارِ . وَجَوَاب " فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة " مَحْذُوف أَيْ إِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة دَخَلَ أَهْل النَّار النَّار وَأَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة . وَقَرَأَ مَالِك بْن دِينَار : " وَبَرَزَتْ الْجَحِيم " . عِكْرِمَة : وَغَيْره : " لِمَنْ تَرَى " بِالتَّاءِ , أَيْ لِمَنْ تَرَاهُ الْجَحِيم , أَوْ لِمَنْ تَرَاهُ أَنْتَ يَا مُحَمَّد . وَالْخِطَاب لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام , وَالْمُرَاد بِهِ النَّاس .

إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا

أَيْ مُنْتَهَى عِلْمهَا , فَلَا يُوجَد عِنْد غَيْره عِلْم السَّاعَة ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي " [ الْأَعْرَاف : 187 ] وَقَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة " [ لُقْمَان : 34 ] .


إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا

أَيْ مُخَوِّف ; وَخَصَّ الْإِنْذَار بِمَنْ يَخْشَى , لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ مُنْذِرًا لِكُلِّ مُكَلَّف ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّمَا تُنْذِر مَنْ اِتَّبَعَ الذِّكْر وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ " [ يس : 11 ] . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " مُنْذِر " بِالْإِضَافَةِ غَيْر مَنُون ; طَلَب التَّخْفِيف , وَإِلَّا فَأَصْله التَّنْوِين ; لِأَنَّهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّمَا لَا يُنَوَّن فِي الْمَاضِي . قَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز التَّنْوِين وَتَرْكه ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " بَالِغ أَمْره " [ الطَّلَاق : 3 ] , وَ " بَالِغ أَمْرِهِ " وَ " مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ " [ الْأَنْفَال : 18 ] وَ " مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ " وَالتَّنْوِين هُوَ الْأَصْل , وَبِهِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالْأَعْرَج وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَعَيَّاش عَنْ أَبِي عَمْرو " مُنْذِر " مُنَوَّنًا , وَتَكُون فِي مَوْضِع نَصْب , وَالْمَعْنَى نَصْب , إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِإِنْذَارِك مَنْ يَخْشَى السَّاعَة . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ تَكُون الْإِضَافَة لِلْمَاضِي , نَحْو ضَارِب زَيْد أَمْس ; لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْإِنْذَار , الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ : أَحْوَال الْآخِرَة غَيْر مَحْسُوسَة , وَإِنَّمَا هِيَ رَاحَة الرُّوح أَوْ تَأَلُّمهَا مِنْ غَيْر حِسّ .

والله أعلى وأعلم















أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:29 PM

اللغز السادس عشر

يا واحة الجنات يا حاميم
من حسنها يحلو بها الترنيمُ
أكرم بها من سبعةٍ مملوءةٍ
بالخير فادخل جادك التكريمُ
تقديس ربٍ ثم سحق مجادلٍ
وجزاؤهم يوم الحساب جحيمُ
فيها دعاءٌ للملائك رحمةً
بالسالكين فيستجيب كريمُ
فيها بيان للحساب يهزنا
ومشاهد للناس حين تقومُ
فيها صراعٌ بين حقٍ أبلجٍ
والباطل ِ الباغي عليه يضيمُ
والله ناصر عبده لا تيأسوا
ونهاية المستكبرين َسمومُ


اسم السورة: سورة غافر



مقصودها:
مقصودها الاستدلال على آخر التي قبلها من تصنيف الناس في الآخرة إلى صنفين ، وتوفية كل ما يستحقه على سبيل العدل ، بأن الفاعل ذلك له العزة الكاملة والعلم الشامل ، وقد بين ما يغضبه وما يرضيه غاية البيان على وجه الحكمة ، فمن لم يسلم أمره كله إليه وجادل في آياته الدالة على القيامة أو غيرها بقوله أو فعله فإنه يخزيه فيعذبه ويرديه ، وعلى ذلك دلت تسميتها بغافر ، فإنه لا يقدر على غفران ما يشاء لمن يشاء إلا كامل العزة ، ولا يعلم جميع الذنوب ليسمى غافراً لها إلا بالغ العلم ، وكذا في جميع الأوصاف التي في الآية من المثاب والعقاب ، وكذا الطول فإنه لا يقدر على التطول المطلق إلا من كان كذلك ، فإن من كان ناقص العزة فهو قابل لأنه يمنعه من بعض التطولات مانع ، ولن يكون ذلك إلا بنقصان العلم ، وكذا الدلالة بتسميتها بالمؤمن فإن قصته تدل على هذا المقصد ولا سيما أمر القيامة الذي هو جل المقصود والمدار الأعظم لمعرفة المعبود



سبب النزول
نزول الآية (4):
{مَا يُجَادِلُ..}: أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِيءاياتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: نزلت في الحارث بن قيس السهمي.



نزول الآية (56):
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ}: أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا الدجال، فقالوا: يكون منا في آخر الزمان، فعظَّموا أمره، وقالوا: يصنع كذا ويملكون به الأرض، فأنزل الله: {فِيءاياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال.
ومع أن الآية نزلت في مشركي مكة منكري البعث أو في اليهود كما تبين، فهي عامة في كل مجادل مبطل. لكن قال ابن كثير عما ذكره أبو العالية: وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم. والأصح أن الآية نزلت في المشركين والكفار عامة.
هذا نص ما ورد بتفسير ابن كثير- رحمه الله-:
وقال كعب وأبو العالية: نـزلت هذه الآية في اليهود: ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) قال أبو العالية: وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم، وأنهم يملكون به الأرض. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال، ولهذا قال: ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه، والله أعلم .

وفي تفسير البغوي:
قال أهل التفسير: نـزلت في اليهود, وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود -يعنون الدجال-يخرج في آخر الزمان, فيبلغ سلطانه في البر والبحر, ويرد الملك إلينا ، قال الله تعالى: ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) من فتنة الدجال, ( إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .


نزول الآية (66):
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ..}: أخرج جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالا: يا محمد، ارجع عما تقول بدينءابائك، فأنزل الله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية.


جاري مراجعتهم من التفاسير بإذن الله



الآيات التي أشارت إليها الأبيات:


يا واحة الجنات يا حاميم
من حسنها يحلو بها الترنيمُ
أكرم بها من سبعةٍمملوئةٍ
بالخير فادخل جادك التكريمُ
حم


تقديس ربٍ ثم سحق مجادلٍ
وجزاؤهم يوم الحساب جحيمُ


تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ


فيها دعاءٌ للملائك رحمةً
بالسالكين فيستجيب كريمُ
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ


فيها بيان للحساب يهزنا
ومشاهد للناس حين تقومُ
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ َأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ


فيها صراعٌ بين حقٍ أبلجٍ
والباطل ِالباغي عليه يضيمُ
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
أظنها هذه القصة المقصودة والله أعلم إلى آخر الآيات



والله ناصر عبده لا تيئسوا
ونهاية المستكبرين َسمومُ
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ



آل حم السبعة:
غافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف

حم

سورة غافر , وهي سورة المؤمن , وتسمى سورة الطول , وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . وعن الحسن إلا قوله : " وسبح بحمد ربك " [ غافر : 55 ] لأن الصلوات نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما " إن الذين يجادلون في آيات الله " [ غافر : 56 ] والتي بعدها . وهي خمس وثمانون آية . وقيل ثنتان وثمانون آية . وفي مسند الدارمي قال : حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال : كل الحواميم يسمين العرائس . وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الحواميم ديباج القرآن
وقال أبو عبيد : وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال : رأى رجل سبع جوار حسان مزينات في نومه فقال لمن أنتن بارك الله فيكن فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم . " حم " اختلف في معناه ; فقال عكرمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( " حم " اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك ) قال ابن عباس : " حم " اسم الله الأعظم . وعنه : " الر " و " حم " و " ن " حروف الرحمن مقطعة . وعنه أيضا : اسم من أسماء الله تعالى أقسم به . وقال قتادة : إنه اسم من أسماء القرآن


الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ

ويروى : أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش , وهم خشوع لا يرفعون طرفهم , وهم أشراف الملائكة وأفضلهم . ففي الحديث : ( أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة ) . ويقال : خلق الله العرش من جوهرة خضراء , وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام . وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين , ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام , قد وضعوا أيديهم على عواتقهم , رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير , ومن ورائهم مائة ألف صف , وقد وضعوا الأيمان على الشمائل , ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر


رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

ويقرب من هذه الآية قوله : " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " [ الطور : 21 ] .

قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنة , فيقول : يا رب أين أبي وجدي وأمي ؟ وأين ولدي وولد ولدي ؟ وأين زوجاتي ؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك ; فيقول : يا رب كنت أعمل لي ولهم ; فيقال أدخلوهم الجنة . ثم تلا : " الذين يحملون العرش ومن حوله " إلى قوله : " ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم "

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ

قال الأخفش : " لمقت " هذه لام الابتداء وقعت بعد " ينادون " لأن معناه يقال لهم والنداء قول . وقال غيره : المعنى يقال لهم : " لمقت الله " إياكم في الدنيا " إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " " أكبر " من مقت بعضكم بعضا يوم القيامة ; لأن بعضهم عادى بعضا ومقته يوم القيامة , فأذعنوا عند ذلك , وخضعوا وطلبوا الخروج من النار . وقال الكلبي : يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس ; فتقول الملائكة لهم وهم في النار : لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم . وقال الحسن : يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون " لمقت الله " إياكم في الدنيا " إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " " أكبر من مقتكم أنفسكم " اليوم

وقال محمد بن كعب القرظي : إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك : " إنكم ماكثون " قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون , فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا , كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا , فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم , ثم جزعوا فنادوا " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " [ إبراهيم : 21 ] أي من ملجأ ; فقال إبليس عند ذلك : " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان " [ إبراهيم : 22 ] إلى قوله : " ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي " [ إبراهيم : 22 ] يقول : بمغن عنكم شيئا " إني كفرت بما أشركتمون من قبل " [ إبراهيم : 22 ] فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم . قال : فنودوا " لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " إلى قوله : " فهل إلى خروج من سبيل " قال فرد عليهم : " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " ذكره ابن المبارك .

فهناك آيات عندما تقرأ تفسيرها تشعر كأنك شربت ماء بارد
فأثلجك أقصد برد اليقين وثلجه أتركم مع تفسير السعدي :


‏[‏7 - 9‏]‏ ‏{‏الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏

يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، وفي ضمن ذلك الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ‏}‏ أي‏:‏ عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ‏}‏

‏{‏وَمَنْ حَوْلَهُ‏}‏ من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة ‏{‏يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم‏}‏ هذا مدح لهم بكثرة عبادتهم للّه تعالى، وخصوصًا التسبيح والتحميد، وسائر العبادات تدخل في تسبيح الله وتحميده، لأنها تنزيه له عن كون العبد يصرفها لغيره، وحمد له تعالى، بل الحمد هو العبادة للّه تعالى، وأما قول العبد‏:‏ ‏"‏سبحان الله وبحمده‏"‏ فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات‏.‏

‏{‏وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه تسبب لهذا الفضل العظيم‏.‏

ثم ولما كانت المغفرة لها لوازم لا تتم إلا بها ـ غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان، أن سؤالها وطلبها غايته مجرد مغفرة الذنوبـ ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة، بذكر ما لا تتم إلا به، فقال‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا‏}‏ فعلمك قد أحاط بكل شيء، لا يخفى عليك خافية، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ورحمتك وسعت كل شيء، فالكون علويه وسفليه قد امتلأ برحمة الله تعالى ووسعتهم، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه‏.‏

‏{‏فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا‏}‏ من الشرك والمعاصي ‏{‏وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ‏}‏ باتباع رسلك، بتوحيدك وطاعتك‏.‏ ‏{‏وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ‏}‏ أي‏:‏ قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب‏.‏

‏{‏رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم‏}‏ على ألسنة رسلك ‏{‏وَمَنْ صَلَحَ‏}‏ أي‏:‏ صلح بالإيمان والعمل الصالح ‏{‏مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِم‏}‏ زوجاتهم وأزواجهن وأصحابهم ورفقائهم ‏{‏وَذُرِّيَّاتِهِم‏}‏ ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ‏}‏ القاهر لكل شيء، فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير ‏{‏الْحَكِيمُ‏}‏ الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا نسألك يا ربنا أمرا تقتضي حكمتك خلافه، بل من حكمتك التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك، المغفرة للمؤمنين‏.‏

‏{‏وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ‏}‏ أي‏:‏ الأعمال السيئة وجزاءها، لأنها تسوء صاحبها‏.‏ ‏{‏وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ‏}‏ أي‏:‏ يوم القيامة ‏{‏فَقَدْ رَحِمْتَهُ‏}‏ لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن‏.‏ ‏{‏وَذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ زوال المحذور بوقاية السيئات، وحصول المحبوب بحصول الرحمة، ‏{‏هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ الذي لا فوز مثله، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه‏.‏

وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده التوسل بها إليه، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم‏.‏

وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه‏.‏

وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه‏.‏

وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ‏.‏

والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران‏:‏

أحدهما‏:‏ معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه‏.‏

والثاني‏:‏ علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه‏.‏

وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني‏.‏ وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا من به الله علينا‏.‏

وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين، فليس لنا إلا التعلق بكرمه، والتوسل بإحسانه، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات، وفي جميع اللحظات، ونسأله من فضله، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته، إنه الكريم الوهاب، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها‏.‏

وتضمن ذلك، أن المقارن من زوج وولد وصاحب، يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وقد يقال‏:‏ إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ صَلَحَ‏}‏ فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم‏.


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:34 PM

اللغز السابع عشر


قسمٌ بمن قاموا له
مستشعرين جلاله
والدافعين يدا السحب
حيث انتهى أمرٌ كُتب
إن الإله لواحدُ
فوق البرايا ماجدُ
والجن ليس له نسب
عند الإله ولا حسب
والبعث حقٌ جامعُ
بين العبادِ وواقعُ
هي سورة يا أتقياء
عرضت جهاد الأنبياء
نوح ومن بعد الخليل
وفَّى بما يرضي الجليل
وذبيحه راضٍ بما
يرضي الإله مسلما
موسى وهارونٌ معا
نجاهما ربٌ رعى
إلياس ما عرف القنوط
وكذا نجا بالصبر لوط
ذو النون حين بلائه
ينجو بفضل دعائه
فلتسجدوا في كل حين
حمداً لرب العالمين

اسم السورة: سورة الصافات


مقصودها:
مقصودها الاستدلال على آخر يس من التنزه عن النقائص اللازم منه رد العباد للفصل بينهم بالعدل اللازم منه الوحدانية ، وذلك هو المعنى ذلك أشار إليه وسمها بالصافات

أسباب النزول: هذا ما وصلت إليه

ورد في كتاب لباب النقول في أسباب النزول
سورة الصافات
(ك)، أخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أبو جهل : زعم صاحبكم هذا أن النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، وإننا والله ما نعلم الزقوم إلى التمر والزبد ، فأنزل الله حين عجبوا أن تكون في النار شجرة إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم الآية . وأخرج نحوه عن السدي.
وأخرج جريبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء من قريش : سليم ، خزاعة ، وجهينة وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الآية .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال : قال كبار قريش الملائكة بنات الله ، فقال لهم أبو بكر الصديق : فمن أمهاتهم؟ قالوا بنات سراة الجن ، فأنزل الله ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال : كان الناس يصلون متبددين ، فأنزل الله وإنا لنحن الصافون الآية ، فأمرهم أن يصفوا . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال : حدثت فذكر نحوه.
وأخرج جويبر عن ابن عباس قال : قالوا يا محمد أرنا العذاب الذي تخوفنا به ، عجله لنا فنزلت أفبعذابنا يستعجلون الآية.. صحح على شرط الشيخين.

وورد في مسند الإمام أحمد
‏حدثنا ‏ ‏سريج ‏ ‏ويونس ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏حماد يعني ابن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عاصم الغنوي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الطفيل ‏ ‏قال قلت ‏ ‏لابن عباس ‏
‏يزعم قومك أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رمل ‏ ‏بالبيت ‏ ‏وأن ذلك سنة فقال صدقوا وكذبوا قلت وما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا ‏ ‏رمل ‏ ‏رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بالبيت ‏ ‏وكذبوا ليس بسنة إن ‏ ‏قريشا ‏ ‏قالت زمن ‏ ‏الحديبية ‏ ‏دعوا ‏ ‏محمدا ‏ ‏وأصحابه حتى يموتوا موت ‏ ‏النغف ‏ ‏فلما صالحوه على أن يقدموا من العام المقبل ويقيموا ‏ ‏بمكة ‏ ‏ثلاثة أيام فقدم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏والمشركون من قبل ‏ ‏قعيقعان ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لأصحابه ‏ ‏ارملوا ‏ ‏بالبيت ‏ ‏ثلاثا وليس بسنة قلت ويزعم قومك أنه طاف بين ‏ ‏الصفا ‏ ‏والمروة ‏ ‏على بعير وأن ذلك سنة فقال صدقوا وكذبوا فقلت وما صدقوا وكذبوا فقال صدقوا قد طاف بين ‏ ‏الصفا ‏ ‏والمروة ‏ ‏على بعير وكذبوا ليس بسنة كان الناس لا ‏ ‏يدفعون ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ولا يصرفون عنه فطاف على بعير ليسمعوا كلامه ولا تناله أيديهم قلت ويزعم قومك أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏سعى بين ‏ ‏الصفا ‏ ‏والمروة ‏ ‏وأن ذلك سنة قال صدقوا إن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه فسبقه ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏ثم ذهب به ‏ ‏جبريل ‏ ‏إلى ‏ ‏جمرة العقبة ‏ ‏فعرض له شيطان ‏ ‏قال ‏ ‏يونس ‏ ‏الشيطان ‏ ‏فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند ‏ ‏الجمرة الوسطى ‏ ‏فرماه بسبع حصيات قال قد تله للجبين ‏ ‏قال ‏ ‏يونس ‏ ‏وثم تله للجبين ‏ ‏وعلى ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏قميص أبيض وقال يا ‏ ‏أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فنودي من خلفه ‏
‏أن يا ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏قد صدقت الرؤيا ‏" فالتفت ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين قال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏لقد رأيتنا نبيع هذا الضرب من الكباش قال ثم ذهب به ‏ ‏جبريل ‏ ‏إلى ‏ ‏الجمرة القصوى ‏ ‏فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم ذهب به ‏ ‏جبريل ‏ ‏إلى ‏ ‏منى ‏ ‏قال هذا ‏ ‏منى ‏ ‏قال ‏ ‏يونس ‏ ‏هذا ‏ ‏مناخ ‏ ‏الناس ‏ ‏ثم أتى به ‏ ‏جمعا ‏ ‏فقال هذا ‏ ‏المشعر الحرام ‏ ‏ثم ذهب به إلى ‏ ‏عرفة ‏
‏فقال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏هل تدري لم سميت ‏ ‏عرفة ‏ ‏قلت لا قال إن ‏ ‏جبريل ‏ ‏قال ‏ ‏لإبراهيم ‏ ‏عرفت ‏ ‏قال ‏ ‏يونس ‏ ‏هل عرفت ‏ ‏قال نعم قال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏فمن ثم سميت ‏ ‏عرفة ‏ ‏ثم قال هل تدري كيف كانت التلبية قلت وكيف كانت قال إن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج خفضت له الجبال رءوسها ورفعت له ‏ ‏القرى ‏ ‏فأذن في الناس بالحج ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مؤمل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم الغنوي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا الطفيل ‏ ‏فذكره إلا أنه قال لا تناله أيديهم وقال وثم تل ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏للجبين ‏

الآيات التي أشارت إليها الابيات

قسمٌ بمن قاموا له
مستشعرين جلاله
والدافعين يدا السحب
حيث انتهى أمرٌ كُتب
إن الإله لواحدُ
فوق البرايا ماجدُ


وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ



والجن ليس له نسب


عند الإله ولا حسب


وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ


والبعث حقٌ جامعُ
بين العبادِ وواقعُ



أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ


هي سورة يا أتقياء
عرضت جهاد الأنبياء
نوح ومن بعد الخليل
وفَّى بما يرضي الجليل
وذبيحه راضٍ بما
يرضي الإله مسلما



وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ



إلى:


وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ


موسى وهارونٌ معا
نجاهما ربٌ رعى


وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ



إلياس ما عرف القنوط
وكذا نجا بالصبر لوط

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ


ذو النون حين بلائه
ينجو بفضل دعائه


وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ


فلتسجدوا في كل حين
حمداً لرب العالمين

ليس بالسورة سجدة لذا أعتقد أن هذه وصية وآخر آية هي:

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

سورة الصافات
تفسيرالشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
‏149 - 157‏]‏ ‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏

يقول تعالى لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏
فَاسْتَفْتِهِم‏}‏ أي‏:‏ اسأل المشركين باللّه غيره، الذين عبدوا الملائكة، وزعموا أنها بنات اللّه، فجمعوا بين الشرك باللّه، ووصفه بما لا يليق بجلاله، ‏{‏أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏ أي‏:‏ هذه قسمة ضيزى، وقول جائر، من جهة جعلهم الولد للّه تعالى، ومن جهة جعلهم أردأ القسمين وأخسهما له وهو البنات التي لا يرضونهن لأنفسهم، كما قال في الآية الأخرى ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ‏}‏ ومن جهة جعلهم الملائكة بنات اللّه، وحكمهم بذلك‏.‏

قال تعالى في بيان كذبهم‏:‏ ‏{
‏أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ‏}‏ خلقهم‏؟‏ أي‏:‏ ليس الأمر كذلك، فإنهم ما شهدوا خلقهم، فدل على أنهم قالوا هذا القول، بلا علم، بل افتراء على اللّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِم‏}‏ أي‏:‏ كذبهم الواضح ‏{‏لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏

‏{‏أَصْطَفَى‏}‏ أي‏:‏ اختار ‏{
‏الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏ هذا الحكم الجائر‏.‏

‏{
‏أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏ وتميزون هذا القول الباطل الجائر، فإنكم لو تذكرتم لم تقولوا هذا القول‏.‏

‏{
‏أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ حجة ظاهرة على قولكم، من كتاب أو رسول‏.‏

وكل هذا غير واقع، ولهذا قال‏:‏ ‏{
‏فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ فإن من يقول قولا لا يقيم عليه حجة شرعية، فإنه كاذب متعمد، أو قائل على اللّه بلا علم‏.‏

‏[‏158 - 160‏]‏ ‏{
‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏

أي‏:‏ جعل هؤلاء المشركون باللّه بين اللّه وبين الجنة نسبا، حيث زعموا أن الملائكة بنات اللّه، وأن أمهاتهم سروات الجن، والحال أن الجنة قد علمت أنهم محضرون بين يدي اللّه، ‏[‏ليجازيهم‏]‏ عبادا أذلاء، فلو كان بينهم وبينه نسب، لم يكونوا كذلك‏.‏

‏{
‏سُبْحَانَ اللَّهِ‏}‏ الملك العظيم، الكامل الحليم، عما يصفه به المشركون من كل وصف أوجبه كفرهم وشركهم‏.‏

‏{‏إِلَّ
ا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ فإنه لم ينزه نفسه عما وصفوه به، لأنهم لم يصفوه إلا بما يليق بجلاله، وبذلك كانوا مخلصين‏.‏

‏[‏161 - 163‏]‏ ‏{
‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏

أي‏:‏ إنكم أيها المشركون ومن عبدتموه مع اللّه، لا تقدرون أن تفتنوا وتضلوا أحدا إلا من قضى اللّه أنه من أهل الجحيم، فينفذ فيه القضاء الإلهي، والمقصود من هذا، بيان عجزهم وعجز آلهتهم عن إضلال أحد، وبيان كمال قدرة اللّه تعالى، أي‏:‏ فلا تطمعوا بإضلال عباد اللّه المخلصين وحزبه المفلحين‏.‏

‏[‏164 - 166‏]‏ ‏{
‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏

هذا ‏[‏فيه‏]‏ بيان براءة الملائكة عليهم السلام، عما قاله فيهم المشركون، وأنهم عباد اللّه، لا يعصونه طرفة عين، فما منهم من أحد إلا له مقام وتدبير قد أمره اللّه به لا يتعداه ولا يتجاوزه، وليس لهم من الأمر شيء‏.‏

‏{
‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ في طاعة اللّه وخدمته‏.‏

‏{
‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ لله عما لا يليق به‏.‏ فكيف ـ مع هذا ـ يصلحون أن يكونوا شركاء للّه‏؟‏‏!‏ تعالى الله‏.‏

‏[‏167 - 182‏]‏ ‏{
‏وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ‏}‏ إلى آخر السورة‏.‏

يخبر تعالى أن هؤلاء المشركين، يظهرون التمني، ويقولون‏:‏ لو جاءنا من الذكر والكتب، ما جاء الأولين، لأخلصنا للّه العبادة، بل لكنا المخلصين على الحقيقة‏.‏

وهم كَذَبَة في ذلك، فقد جاءهم أفضل الكتب فكفروا به، فعلم أنهم متمردون على الحق ‏{‏فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏}‏ العذاب حين يقع بهم، ولا يحسبوا أيضا أنهم في الدنيا غالبون، بل قد سبقت كلمة اللّه التي لا مرد لها ولا مخالف لها لعباده المرسلين وجنده المفلحين، أنهم الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم، وهذه بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند اللّه، بأن كانت أحواله مستقيمة، وقاتل من أمر بقتالهم، أنه غالب منصور‏.‏

ثم أمر رسوله بالإعراض عمن عاندوا، ولم يقبلوا الحق، وأنه ما بقي إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، ولهذا قال‏:‏ ‏{
‏وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏ من يحل به النكال، فإنه سيحل بهم‏.‏

‏{
‏فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِم‏}‏ أي‏:‏ نزل عليهم، وقريبا منهم ‏{‏فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏ لأنه صباح الشر والعقوبة، والاستئصال‏.‏

ثم كرر الأمر بالتَّولي عنهم، وتهديدهم بوقوع العذاب‏.‏

ولما ذكر في هذه السورة، كثيرا من أقوالهم الشنيعة، التي وصفوه بها، نزه نفسه عنها فقال‏:‏ ‏{
‏سُبْحَانَ رَبِّكَ‏}‏ أي‏:‏ تنزه وتعالى ‏{‏رَبِّ الْعِزَّةِ‏}‏ ‏[‏أي‏:‏‏]‏ الذي عز فقهر كل شيء، واعتز عن كل سوء يصفونه به‏.‏

‏{
‏وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ‏}‏ لسلامتهم من الذنوب والآفات، وسلامة ما وصفوا به فاطر الأرض والسماوات‏.‏

‏{
‏وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ الألف واللام، للاستغراق، فجميع أنواع الحمد، من الصفات الكاملة العظيمة، والأفعال التي ربى بها العالمين، وأدرَّ عليهم فيها النعم، وصرف عنهم بها النقم، ودبرهم تعالى في حركاتهم وسكونهم، وفي جميع أحوالهم، كلها للّه تعالى، فهو المقدس عن النقص، المحمود بكل كمال، المحبوب المعظم، ورسله سالمون مسلم عليهم، ومن اتبعهم في ذلك له السلامة في الدنيا والآخرة‏.‏ ‏[‏وأعداؤه لهم الهلاك والعطب في الدنيا والآخرة‏]‏‏.‏

هناك فائدة قرأتها في لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي- حفظه الله- يقول:
ما دلالة (أو) في قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) الصافات)؟
النُحاة يقولون (أو) هنا بمعنى (بل). على سبيل المثال أنت تنوي الذهاب إلى المقهى فتقول: سأذهب إلى المقهى ثم تغير رأيك فتقول أو أبقى في البيت، يعني أضربت عن الذهاب. والأمر الآخر يقولون هي بحسب ما يراه الرائي إذا رآهم الرائي يقول: هم مائة ألف، لا أكثر، يقول الرائي مائة ألف أو يزيدون. إذن (أو) إما أن تؤخذ على معنى (بل) أو أن القرآن يعبّر عن ما يراه الرائي.
لماذا الإختلاف في التعبير في قصة ابراهيم في سورة الصافات (ماذا تعبدون) وفي سورة الشعراء (ما تعبدون)؟
في الأولى استعمال (ماذا) أقوى لأن ابراهيم لم يكن ينتظر جواباً من قومه فجاءت الآية بعدها (فما ظنكم برب العالمين)، أما في الشعراء فالسياق سياق حوار فجاء الرد (قالوا نعبد أصناماً).
يقول الله عز وجل يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ

لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم . والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه ; فإن كان فارغا فليس بكأس . قال الضحاك والسدي : كل كأس في القرآن فهي الخمر , والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس , فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح . النحاس : وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس ; فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح ; كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام : مائدة ; فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة . قال أبو الحسن بن كيسان : ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة . وقال الزجاج : " بكأس من معين " أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض . والمعين : الماء الجاري الظاهر .


أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:38 PM

اللغز الثامن عشر


لقد أتتنا أربعه
في قالب ما أروعه
في سورة سمت بنا
إلى السماء ماتعه
عشقت جرسها الذي
يطوف سمعنا معه
وصحبة تجردوا
لله وسط معمعه
وصاحبٍ محاورٍ
صديقه ليُسمعه
نصيحةً وإن تكن
بليغةً وموجعه
وعالمٍ وربُه
على الغيوب أطلعه
ليُبتلى نبيه
في صحبة له معه
ومالكٍ لعدله
ترى الشعوب خاشعه
وفي الختام خوفت
بآية مروعه
من ضل سعيه وما
يدري بدنيا خادعه
يظن أن نفسه
للمكرمات صانعه


اسم السورة: سورة الكهف
مقصودها:
مقصودها وصف الكتاب بأنه قيم ، لكونه زاجراً عن الشريك الذي هو خلاف ما قام عليه الدليل في ) سبحان ( من أنه لا وكيل دونه ، ولا إله إلا هو ، وقاصّاً بالحق أخبار قوم قد فضلوا في أزمانهم وفق ما وقع الخبر به في ) سبحان ( من أنه يفضل من يشاء ، ويفعل ما يشاء ، وأدل ما فيها على هذا المقصد قصة أهل الكهف لأن خبرهم أخفى ما فيها من القصص مع أن سبب فراقهم لقومهم الشرك ، وكان أمرهم موجباً - بعد طول رقادهم - للتوحيد وإبطال الشرك

فضلها:
عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال وفي رواية ـ من آخر سورة الكهف ـ ) [ رواه مسلم ] ..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من " فتنة " الدَّجال ) [ صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة / 582 ] ..


وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الكهف ) [ كما أنزلت ] كانت له نورا يوم القيامة ، من مقامه إلى مكة ، و من قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ، و من توضأ فقال : سبحانك اللهم و بحمدك [ أشهد أن ] لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك ، كتب في رق ، ثم جعل في طابع ، فلم يكسر إلى يوم القيامة ) [ صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة / 2651 ] ..

وقال عليه الصلاة والسلام : ( من قرأ سورة ( الكهف ) ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ) [ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 736 ] ..

وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة ( الكهف ) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ) [ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 736 ] ..

http://i128.photobucket.com/albums/p...lowers/df7.gif




أسباب النزول
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَاِصبِر نَفسَكَ) الآية.
حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء في دار السنة يوم الجمعة بعد الصلاة في شهور سنة عشر وأربعمائة قال: أخبرنا أبو الحسن بن عيسى بن عبد ربه الحيري قال: حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني قال: حدثنا سليمان بن عطاء الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى (وَاِتلُ ما أَوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لامُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلتَحَداً. وَاِصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) حَتّى بلغ (إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً) يتهددهم بالنار فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات.
قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو مالك عن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن قوله تعالى (وَيَسئَلُونَكَ عَن ذي القَرنَينِ) الآية. قال قتادة: إن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية.
قال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً كيف وقد أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً فنزلت (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية.
قوله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير الغامدي
وذلك أنه قال: إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ولا يقبل ما روئي فيه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال طاوس: قال رجل: يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً صالحاً فأنزل الله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)
الآيات التي تشير إليها الأبيات
لقد أتتنا أربعه
في قالب ما أروعه
في سورة سمت بنا
إلى السماء ماتعه
عشقت جرسها الذي
يطوف سمعنا معه
السورة كلها
وإشارة أول بيت
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا
(ملحوظة: غاب عني فهم مقصود الأربعة فسألت دكتور بجامعة الأزهر ما هذه الأربعة المقصودة في أول الأبيات فأخبرني بارك الله فيه)


وصحبة تجردوا
لله وسط معمعه
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
إلى نهاية القصة

وصاحبٍ محاورٍ
صديقه ليُسمعه
نصيحةً وإن تكن
بليغةً وموجعه

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا
وعالمٍ وربُه
على الغيوب أطلعه
ليبتلي نبيه
في صحبة له معه
قصة موسى والخضر- عليهما السلام -

ومالكٍ لعدله
ترى الشعوب خاشعه

وفي الختام خوفت
بآية مروعه
من ضل سعيه وما
يدري بدنيا خادعه
يظن أن نفسه
للمكرمات صانعه
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
سورة الكهف
تفسير قصة موسى والخضر من تفسير السعدي
أولا تذكير بالآيات:
‏60 ـ 82‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا‏}‏ إلى قوله ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا‏}‏ يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم، أنه قال لفتاه ـ أي‏:‏ خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره، وهو ‏"‏ يوشع بن نون ‏"‏ الذي نبأه الله بعد ذلك‏:‏ ـ ‏{‏لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ لا أزال مسافرا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين، عنده من العلم، ما ليس عندك، ‏{‏أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا‏}‏ أي‏:‏ مسافة طويلة، المعنى‏:‏ أن الشوق والرغبة، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة، وهذا عزم منه جازم، فلذلك أمضاه‏.‏

‏{‏فَلَمَّا بَلَغَا‏}‏ أي‏:‏ هو وفتاه ‏{‏مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا‏}‏ وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان، وقد وعد أنه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي قصدته، فاتخذ ذلك الحوت سبيله، أي‏:‏ طريقه في البحر سربا وهذا من الآيات‏.‏

قال المفسرون إن ذلك الحوت الذي كانا يتزودان منه، لما وصلا إلى ذلك المكان، أصابه بلل البحر، فانسرب بإذن الله في البحر، وصار مع حيواناته حيا‏.‏

فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين، قال موسى لفتاه‏:‏ ‏{‏آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏ أي‏:‏ لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط، وإلا فالسفر الطويل الذي وصلا به إلى مجمع البحرين لم يجدا مس التعب فيه، وهذا من الآيات والعلامات الدالة لموسى، على وجود مطلبه، وأيضًا فإن الشوق المتعلق بالوصول إلى ذلك المكان، سهل لهما الطريق، فلما تجاوزا غايتهما وجدا مس التعب، فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة، قال له فتاه‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ‏}‏
أي‏:‏ ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بينهما ‏{‏فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان‏}‏ لأنه السبب في ذلك ‏{‏وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا‏}‏ أي‏:‏ لما انسرب في البحر ودخل فيه، كان ذلك من العجائب‏.‏

قال المفسرون‏:‏ كان ذلك المسلك للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فلما قال له الفتى هذا القول، وكان عند موسى وعد من الله أنه إذا فقد الحوت، وجد الخضر، فقال موسى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ‏}‏ أي‏:‏ نطلب ‏{‏فَارْتَدَّا‏}‏ أي‏:‏ رجعا ‏{‏عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا‏}‏ أي رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت فلما وصلا إليه، وجدا عبدا من عبادنا، وهو الخضر، وكان عبدا صالحا، لا نبيا على الصحيح‏.‏

آتيناه ‏[‏رحمة من عندنا أي‏:‏ أعطاه الله رحمة خاصة بها زاد علمه وحسن عمله ‏{‏وَعَلَّمْنَاهُ‏}‏‏]‏ ‏{‏مِنْ لَدُنَّا‏}‏ ‏[‏أي‏:‏ من عندنا‏]‏ عِلْمًا، وكان قد أعطي من العلم ما لم يعط موسى، وإن كان موسى عليه السلام أعلم منه بأكثر الأشياء، وخصوصا في العلوم الإيمانية، والأصولية، لأنه من أولي العزم من المرسلين، الذين فضلهم الله على سائر الخلق، بالعلم، والعمل، وغير ذلك، فلما اجتمع به موسى قال له على وجه الأدب والمشاورة، والإخبار عن مطلبه‏.‏

‏{‏هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏ أي‏:‏ هل أتبعك على أن تعلمني مما علمك الله، ما به أسترشد وأهتدي، وأعرف به الحق في تلك القضايا‏؟‏ وكان الخضر، قد أعطاه الله من الإلهام والكرامة، ما به يحصل له الاطلاع على بواطن كثير من الأشياء التي خفيت، حتى على موسى عليه السلام، فقال الخضر لموسى‏:‏ لا أمتنع من ذلك، ولكنك ‏{‏لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا‏}‏ أي‏:‏ لا تقدر على اتباعي وملازمتي، لأنك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الأمور التي ظاهرها المنكر، وباطنها غير ذلك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا‏}‏ أي‏:‏ كيف تصبر على أمر،ما أحطت بباطنه وظاهره ولا علمت المقصود منه ومآله‏؟‏

فقال موسى‏:‏ ‏{‏سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا‏}‏ وهذا عزم منه، قبل أن يوجد الشيء الممتحن به، والعزم شيء، ووجود الصبر شيء آخر، فلذلك ما صبر موسى عليه السلام حين وقع الأمر‏.‏

فحينئذ قال له الخضر‏:‏ ‏{‏فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا‏}‏ أي‏:‏ لا تبتدئني بسؤال منك وإنكار، حتى أكون أنا الذي أخبرك بحاله، في الوقت الذي ينبغي إخبارك به، فنهاه عن سؤاله، ووعده أن يوقفه على حقيقة الأمر‏.‏

‏{‏فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا‏}‏ أي‏:‏ اقتلع الخضر منها لوحا، وكان له مقصود في ذلك، سيبينه، فلم يصبر موسى عليه السلام، لأن ظاهره أنه منكر، لأنه عيب للسفينة، وسبب لغرق أهلها، ولهذا قال موسى‏:‏ ‏{‏أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا‏}‏ أي‏:‏ عظيما شنيعا، وهذا من عدم صبره عليه السلام، فقال له الخضر‏:‏ ‏{‏أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا‏}‏ أي‏:‏ فوقع كما أخبرتك، وكان هذا من موسى نسيانا فقال‏:‏ ‏{‏لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا‏}‏ أي‏:‏ لا تعسر علي الأمر، واسمح لي، فإن ذلك وقع على وجه النسيان، فلا تؤاخذني في أول مرة‏.‏ فجمع بين الإقرار به والعذر منه، وأنه ما ينبغي لك أيها الخضر الشدة على صاحبك، فسمح عنه الخضر‏.‏

‏{‏فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا‏}‏ أي‏:‏ صغيرا ‏{‏فَقَتَلَهُ‏}‏ الخضر، فاشتد بموسى الغضب، وأخذته الحمية الدينية، حين قتل غلاما صغيرا لم يذنب‏.‏ ‏{‏قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا‏}‏ وأي‏:‏ نكر مثل قتل الصغير، الذي ليس عليه ذنب، ولم يقتل أحد‏؟‏‏!‏ وكانت الأولى من موسى نسيانا، وهذه غير نسيان، ولكن عدم صبر، فقال له الخضر معاتبا ومذكرا‏:‏ ‏{‏أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا‏}

فقال ‏[‏له‏]‏ موسى‏:‏ ‏{‏إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ‏}‏ بعد هذه المرة ‏{‏فَلَا تُصَاحِبْنِي‏}‏ أي‏:‏ فأنت معذور بذلك، وبترك صحبتي ‏{‏قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا‏}‏ أي‏:‏ أعذرت مني، ولم تقصر‏.‏

‏{‏فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا‏}‏ أي‏:‏ استضافاهم، فلم يضيفوهما ‏{‏فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ‏}‏ أي‏:‏ قد عاب واستهدم ‏{‏فَأَقَامَهُ‏}‏ الخضر أي‏:‏ بناه وأعاده جديدا‏.‏ فقال له موسى‏:‏ ‏{‏لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏ أي‏:‏ أهل هذه القرية، لم يضيفونا مع وجوب ذلك عليهم، وأنت تبنيه من دون أجرة، وأنت تقدر عليها‏؟‏‏.‏ فحينئذ لم يف موسى عليه السلام بما قال، واستعذر الخضر منه، فقال له‏:‏ ‏{‏هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ‏}‏ فإنك شرطت ذلك على نفسك، فلم يبق الآن عذر، ولا موضع للصحبة، ‏{‏سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا‏}‏ أي‏:‏ سأخبرك بما أنكرت عليَّ، وأنبئك بما لي في ذلك من المآرب، وما يئول إليه الأمر‏.‏

‏{‏أَمَّا السَّفِينَةُ‏}‏ التي خرقتها ‏{‏فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ يقتضي ذلك الرقة عليهم، والرأفة بهم‏.‏ ‏{‏فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا‏}‏ أي‏:‏ كان مرورهم على ذلك الملك الظالم، فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلما، فأردت أن أخرقها ليكون فيها عيب، فتسلم من ذلك الظالم‏.‏

‏{‏وَأَمَّا الْغُلَامُ‏}‏ الذي قتلته ‏{‏فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا‏}‏ وكان ذلك الغلام قد قدر عليه أنه لو بلغ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا، أي‏:‏ لحملهما على الطغيان والكفر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه أو يحدهما على ذلك، أي‏:‏ فقتلته، لاطلاعي على ذلك، سلامة لدين أبويه المؤمنين، وأي فائدة أعظم من هذه الفائدة الجليلة‏؟‏‏"‏ وهو وإن كان فيه إساءة إليهما، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سيعطيهما من الذرية، ما هو خير منه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا‏}‏ أي‏:‏ ولدا صالحا، زكيا، واصلا لرحمه، فإن الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما أشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان‏.‏

‏{‏وَأَمَّا الْجِدَارُ‏}‏ الذي أقمته ‏{‏فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا‏}‏ أي‏:‏ حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما، لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضًا بصلاح والدهما‏.‏

‏{‏فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا‏}‏ أي‏:‏ فلهذا هدمت الجدار، واستخرجت ما تحته من كنزهما، وأعدته مجانا‏.‏

{‏رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ‏}‏ أي‏:‏ هذا الذي فعلته رحمة من الله، آتاها الله عبده الخضر ‏{‏وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي‏}‏ أي‏:‏ أتيت شيئا من قبل نفسي، ومجرد إرادتي، وإنما ذلك من رحمة الله وأمره‏.‏

‏{‏ذَلِكَ‏}‏ الذي فسرته لك ‏{‏تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا‏}‏ وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله‏.‏
فمنها :فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل‏.‏

ومنها‏:‏ جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى‏.‏

ومنها‏:‏ أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى‏:‏ ‏{‏لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا‏}‏ وكما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة‏.‏

ومنها‏:‏ إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ‏}‏

ومنها‏:‏ جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏
ومنها‏:‏ استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده‏.‏

ومنها‏:‏ استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله‏:‏ ‏{‏آتِنَا غَدَاءَنَا‏}‏ إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعا‏.‏

ومنها‏:‏ أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله‏:‏ ‏{‏لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏ والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفرعلى الحقيقة‏.‏ وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه ‏{‏آتِنَا غَدَاءَنَا‏}‏ فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده‏.‏

ومنها‏:‏ أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره‏.‏

وأما قوله في آخر القصة‏:‏ ‏{‏وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي‏}‏ فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى ‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ‏}‏ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا‏}‏

ومنها‏:‏ أن العلم الذي يعلمه الله ‏[‏لعباده‏]‏ نوعان‏:‏

علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده‏.‏ ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله ‏{‏وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا‏}‏

ومنها‏:‏ التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام‏:‏

‏{‏هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏ فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم‏.‏

ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى ـ بلا شك ـ أفضل من الخضر‏.‏

ومنها‏:‏ تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة‏.‏

فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه‏.‏

فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها‏.‏

ومنها‏:‏ إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله‏:‏ ‏{‏تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ‏}‏ أي‏:‏ مما علمك الله تعالى‏.‏

ومنها‏:‏ أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله‏:‏ ‏{‏أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏

ومنها‏:‏ أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر ـ يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه ـ إنه لا يصبر معه‏.‏

ومنها‏:‏ أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا‏}‏ فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر‏.‏

ومنها‏:‏ الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود‏.‏

ومنها‏:‏ تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء‏:‏ إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول ‏{‏إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏

ومنها‏:‏ أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى قال‏:‏ ‏{‏سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا‏}‏ فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل‏.‏

ومنها‏:‏ أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا، لا يتعلق في موضع البحث‏.‏

ومنها‏:‏ جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها‏.‏

ومنها‏:‏ أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله‏:‏ ‏{‏لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ‏}‏

ومنها‏:‏ أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر‏.‏

ومنها‏:‏ أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى عليه السلام، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل عليه السلام، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار‏.‏

ومنها‏:‏ القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه ‏"‏ يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير ‏"‏ ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا‏.‏

ومنها‏:‏ القاعدة الكبيرة أيضًا وهي أن ‏"‏ عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير ‏"‏ كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم‏.‏ فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن‏.‏

ومنها‏:‏ أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله‏:‏ ‏{‏يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ ولم ينكر عليهم عملهم‏.‏

ومنها‏:‏ أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة‏.‏

ومنها‏:‏ أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام ‏{‏لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا‏}‏

ومنها‏:‏ أن القتل قصاصا غير منكر لقوله ‏{‏بِغَيْرِ نَفْسٍ‏}‏

ومنها‏:‏ أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته‏.‏

ومنها‏:‏ أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح‏.‏

ومنها‏:‏ استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله ‏{‏فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا‏}‏ وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله‏:‏ ‏{‏فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ‏}‏ كما قال إبراهيم عليه السلام ‏{‏وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏}‏ وقالت الجن‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا‏}‏ مع أن الكل بقضاء الله وقدره‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى‏.‏

ومنها‏:‏ أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة‏.‏

ومنها‏:‏ أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة‏.‏
سورة الكهف هي مكية في قول جميع المفسرين
عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة
أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق .
وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :
( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) .
وذكره الثعلبي . قال : سمرة بن جندب قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال ) . ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة .
اللهم أجعلها لنا ياأرحم الراحمين
عن عكرمة , عن ابن عباس - فيما يروي أبو جعفر الطبري - قال :
بعثت قريش النضر بن الحارث , وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة
فقالوا لهم : سلوهم عن محمد , وصفوا لهم صفته , وأخبروهم بقوله , فإنهم أهل الكتاب الأول
وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى قدما المدينة
فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ووصفوا لهم أمره وبعض قوله
وقالا : إنكم أهل التوراة , وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا , قال : فقالت لهم أحبار يهود :
سلوه عن ثلاث نأمركم بهن , فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل , وإن لم يفعل فالرجل متقول
فروا فيه رأيكم : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول , ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب .
وسلوه عن رجل طواف , بلغ مشارق الأرض ومغاربها , ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟
فإن أخبركم بذلك , فإنه نبي فاتبعوه , وإن هو لم يخبركم , فهو رجل متقول
فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش , فقالا :
يا معشر قريش : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد , قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله
عن أمور , فأخبروهم بها , فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالوا :
يا محمد أخبرنا , فسألوه عما أمروهم به , فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أخبركم غدا بما سألتم عنه " , ولم يستثن فانصرفوا عنه
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة , لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا
ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام , حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا
واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه .
حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه , وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة .
ثم جاءه جبرائيل عليه السلام , من الله عز وجل , بسورة أصحاب الكهف
فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف
وقول الله عز وجل
{ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
قال ابن إسحاق : فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال
{ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب }
يعني محمدا إنك رسولي في تحقيق ما سألوا عنه من نبوته { ولم يجعل له عوجا قيما } :
أي معتدلا , لا اختلاف فيه .
لينذر بأسا شديدا من لدنه " أي عاجل عقوبته في الدنيا , وعذابا أليما في الآخرة
أي من عند ربك الذي بعثك رسولا . " ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات
أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا " أي دار الخلد لا يموتون فيها
الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم , وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال .
" وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا " [ 4] يعني قريشا في قولهم : إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله .
" ما لهم به من علم ولا لآبائهم " [ 5 ] الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم .
" كبرت كلمة تخرج من أفواههم " [ 5 ] أي لقولهم إن الملائكة بنات الله .
" إن يقولون إلا كذبا . فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " [ 6 ]
لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم , أي لا تفعل . قال ابن هشام :
" باخع نفسك " مهلك نفسك وجمعها باخعون وبخعة .
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا " [ 7 ]
قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي :
" وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " [ 8 ] أي الأرض , وإن ما عليها لفان وزائل
وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله ; فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها .
والصعيد : الطريق , وقد جاء في الحديث :
( إياكم والقعود على الصعدات ) يريد الطرق . والجرز : الأرض التي لا تنبت شيئا
وجمعها أجراز . ويقال : سنة جرز وسنون أجراز ; وهي التي لا يكون فيها مطر .
وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة .
قال ذو الرمة يصف إبلا : طوى النحز والأجراز ما في بطونها
فما بقيت إلا الضلوع الجراشع قال ابن إسحاق :
ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال :
" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " [ 9 ]
أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حجتي ما هو أعجب من ذلك .
قال ابن هشام : والرقيم الكتاب الذي رقم بخبرهم , وجمعه رقم .
قال ابن إسحاق : ثم قال " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة
وهيئ لنا من أمرنا رشدا . فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا .
ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " [ 12 ] .
ثم قال : " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " [ 13 ] أي بصدق الخبر
" إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى .
وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض
لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا " [ 14 ]
أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم . قال ابن هشام :
والشطط الغلو ومجاوزة الحق .
سؤال :ما اللمسة البيانية في استخدام (فأردت) (فأردنا) (فأراد ربك) في سورة الكهف في قصة موسى والخضر؟
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه ؛ أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذا مرضت هو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى.

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً {79}) في هذه الآية الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً.

(فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً {81}) في هذه الآية فيها اشتراك في العمل قتل الغلام والإبدال بخير منه حسن فجاء بالضمير الدالّ على الإشتراك. في الآية إذن جانب قتل وجانب إبدال فجاء جانب القتل من الخضر وجاء الإبدال من الله تعالى لذا جاء الفعل مثنّى.

(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82}) في هذه الآية الجدار كلّه خير فنسب الفعل لله وحده وأنه يدلّ على أن الله تعالى هو علاّم الغيوب وسبق في علمه أن هذا الجدار تحته كنز لهما وأنه لو سقط سيأخذ أهل القرية المال من الأولاد اليتامى وهذا ظلم لهم والله تعالى ينسب الخير لنفسه عزّ وجلّ.وهذا الفعل في الآية ليس فيه اشتراك وإنما هو خير محض للغلامين وأبوهما الصالح والله تعالى هو الذي يسوق الخير المحض. وجاء بكلمة رب في الآيات بدل لفظ الجلالة (الله) للدلالة على أن الرب هو المربي والمعلِّم والراعي والرازق والآيات كلها في معنى الرعاية والتعهد والتربية لذا ناسب بين الأمر المطلوب واسمه الكريم سبحانه.

http://www.alfrasha.com/up/16199633201582971184.gif

سؤال - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (شيئاً إمرا) و(شيئاً نُكرا) في سورة الكهف؟

قال تعالى على لسان موسى للرجل الصالح عندما خرق السفينة (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) وقال تعالى عندما قتل الرجل الصالح الغلام (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)).
فوصف خرق السفينة بأنه شيء إمر ووصف قتل الغلام بأنه شيء نُكر وذلك أن خرق السفينة ونزع لوح خشب منها دون قتل الغلام شناعة فإنه إنما خرق السفينة لتبقى لمالكيها وهذا لا يبلغ مبلغ قتل الغلام بغير سبب ظاهر. والإمر دون النُكر فوضع التعبير في كل موضع بما يناسب كل فعل. وعن قتادة: النُكر أشدّ من الإمر. فجاء كل على ما يلائم ولم يكن ليحسن مجيء أحد الوصفين في موضع الآخر.
وهذا الاختلاف يدخل في فواصل الآي في القرآن الكريم.
ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة في سورة الكهف في قوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً {74}) و (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً {71})؟

حسب التفاسير أن الخضر وموسى لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.

http://home.no.net/anyas/anyaflower497.gif
أحسن الله إليكم أ. محمد وبارك الله بحضرتك على الإضافة القيّمة تعلمت من الناحية اللغوية منها الشيء الكثير وفيها ما هو جديد كالبيت الذي قاله ذو الرمة ، وهذا تلخيص لمحاور القصص الخمس فى السورة كنت قد كتبته العام الماضي بعد قراءة تفسيرها من الظلال:


1-قصة اصحاب الكهف ويظهر من خلالها العقيدة الصحيحة وكيفية رسوخ الإيمان فى القلب وأن ذلك سبيل النجاة والفلاح ونيل رحمة رب الأرض والسماوات

ثم يعقبها تذكير باللجوء الى الله فى كل وقت وذكره ومجالسة الصالحين فإن هذا أدعى لزيادة الايمان ورسوخه فى القلوب

2-قصة صاحب البستان
وفيها تذكير بمتاع الدنيا الزائل الفانى وأن العاقل هو من يشكر الله على النعم ولا يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الامانى

3-قصة آدم وابليس
وهى لفتة تذكير بحال العاصين الغافلين ممن اتخذوا من إبليس وجنوده أولياء من دون الله ثم ذكر مآلهم وعقابهم فى النار ---نسأل الله السلامة من النيران

4-قصة موسى والخضر
وفيها العديد من الدروس والعبر
فهى تذكر بقصور العلم البشرى وأن مطلق القدرة والكمال لله وحده-سبحانه-وهو يعلم غيب السماوات والارض
كما ان فيها حث على السعى فى طلب العلم والاصرار على تحقيق الهدف وأنه بالصلاح ينل الانسان العلم

5-قصة ذى القرنين
هو نموذج للجد والإخلاص
عاون الناس وأحسن إليهم وبذل من قوته وعمله لمساعدتهم ونسب الفضل لله -عز وجل- لا إلى نفسه

هذه هى القصص الخمس فى السورة والتى تركز كثيرا على العقيدة ورسوخ الايمان فى القلب نسأل الله لنا ولكم العلم النافع




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:43 PM

اللغز التاسع عشر


منها تناثرت درر
تضيء عالم البشر
آدابها كثيرة
يرومها من ادكر
كالإذن في بيوتنا
وغض شعلة البصر
وحفظ فرجٍ اتخذ
نهجاً فتنجو من سقر
تعهدت بيوتنا
بخيرها ولم تذر
وبالحدود طهرت
فكان أجمل الأثر
فحُق أن نحبها
فتلك جنة الأسر

اسم السورة: سورة النور

مقصودها:
مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها المراد منه أنه تعالى شامل العلم ، اللازم منه تمام القدرة ، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة ، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، اللازم منه شرف من اختاره لصحبته على منازل قربهم منه واختصاصهم به ، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي مات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو عنها راض ، وماتت هي رضي الله عنها صالحة محسنة ، وهذا هو المقصود بالذات ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات

أسباب النزول:( للواحدي)
الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا ابن الحسن بن عبد الجبار قال: أخبرنا إبراهيم بن عروة بن معتم عن أبيه عن الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة يقال لها أم مهدون كانت تسافح وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة وأن رجلاً من المسلمين أراد أن يتزوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (الزَانيةُ لا يَنكِحُها إِلّا زانً).

قوله تعالى (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم) الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سنان المقري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: أنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال: اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَّهُم شُهَداءَ إِلّا أَنفُسُهُم) الآية. فابتلي به الرجل من بين الناس فجاَء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فذهبت لتلتعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فلعنت فلما أدبرت قال: لعلها أن تجيء به أسوداً جعداً فجاءت به أسود جعداً رواه مسلم عن أبي خيثمة.

قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم) الآيات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المقري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الوسيع الزهراني قال: أخبرنا فليح بن سليمان المدني عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله تعالى منه. قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأتيت اقتصاصاً ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق بعضاً. ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه قالت عائشة: وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطيء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وهلك من هلك في وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت:
تعس مسطح فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلاً قد شهد بدراً قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال قلت: وماذا قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: كيف تيكم قلت: تأذن لي أن آتي أبوي قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: فقلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة بن زيد فأَشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيراً وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت شيئاً يريبك من عائشة قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قال: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية.
فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر قتله فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه إنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها وجلست تبكي معي قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي: أجيبي رسول الله فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف (فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ) قالت: ثم تحولت واضطجعت على فراشي قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية يبرئني الله تعالى بها قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال: البشرى يا عائشة أما والله لقد برأك الله فقالت لي أمي: قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه تعالى هو الذي برأني قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالِإفكِ عُصبَةٌ مِنكُم) العشر آيات. فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى (وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضلِ مِنكُم وَالسِعَةِ أَن يُؤتوا أُولي القُربى) إلى قوله (أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم) فقال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال: لا أنزعها منه أبداً رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني.

قوله تعالى (وَلَولا إِذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: أخبرنا الهيثم بن خارجة قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها حدثته بحديث الإفك وقالت له: وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته وقالت: يا أبا أيوب ألم تسمع بما تحدث الناس قال: وما يتحدثون فأخبرته بقول أهل الإفك فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم قالت: فأنزل الله عز وجل (وَلَولا إِذ سَمِعتُموهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا سُبحانَكَ هَذا بُهتانٌ عَظيمٌ).

أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قاريء لكتاب الله عز وجل فقيه في دين الله سبحانه فأذني له فليسلم عليك وليودعك فقالت: فأذن له إن شئت فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال: البشرى يا أم المؤمنين ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب فتلقي الأحبة محمداً عليه الصلاة والسلام وحزبه أو قال وأصحابه إلا أن يفارق الروح جسده كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن يحب إلا طيباً فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه آناء الليل والنهار وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال طلبها حتى أصبح الناس على غير ماء فأنزل الله تعالى (فَتَيَمَموا صَعيداً) الآية. فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك فوالله إنك لمباركة فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت أني كنت نسياً منسياً.

قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: أخبرنا الحسين بن سحتويه قال: أخبرنا عمرة بن ثور وإبراهيم بن سفيان قالا: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا قيس عن أشعث بن سوار عن ابن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع فنزلت هذه الآية (لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم حَتّى تَستَأنِسوا وَتُسَلِموا عَلى أَهلِها) الآية.
قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ مَسكونَةٍ) الآية.

قوله تعالى (وَالَّذينَ يَبتَغونَ الكِتابِ مِمّا مَلَكَت أَيمانُكُم فَكاتِبوهُم) الآية.
نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية وكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها ديناراً فأداها وقتل يوم حنين في الحرب.

قوله تعالى (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً فأنزل الله عز وجل (وَلا تُكرِهوا فَتياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى قوله (غَفورٌ رَّحيمٌ) رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية.

قوله تعالى (وَإِذا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسولِهِ) الآية.
قال المفسرون: هذه الآية والتي بعدها في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمداً يحيف علينا وقد مضت هذه القصة عند قوله (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) في سورة النساء
.
قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) الآية.
روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سراً وعلانية ثم أمر بالهجرة إلى المدينة
وكانوا بها خائفين يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تلبثوا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محبياً ليست فيهم حديدة وأنزل الله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى آخر الآية فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف وغيروا فغير الله بهم.
أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصراباذي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل فأنزل الله تعالى لنبيه (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى قوله (وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُلَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) يعني بالنعمة. رواه الحاكم في صحيحه عن قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لِيَستَأذِنَكُمُ الَّذينَ مَلَكَت أَيمانُكُم) الآية. قال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.

قوله تعالى (لَيسَ عَلى الأَعمى حَرَجٌ) الآية.
قال ابن عباس: لما أنزل الله تبارك وتعالى (لا تَأَكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ) تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعرج وقالوا: الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والمريض لا يستوفي الطعام فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَأكُلوا جَميعاً أَو أَشتاتاً) الآية.
قال قتادة والضحاك: نزلت في حي من كنانة يقال لهم بنو ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح والشول حفل والأحوال منتظمة تحرجاً من أن وقال عكرمة: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعاً متحلقين أو أشتاتاً متفرقين.


* الآيات التي أشارت إليها الأبيات:
منها تناثرت درر
تضيء عالم البشر
آدابها كثيرة
يرومها من ادكر
كالإذن في بيوتنا
وغض شعلة البصر
وحفظ فرجك اتخذ
نهجاً لتنجو من سقر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

تعهدت بيوتنا
بخيرها ولم تذر
وبالحدود طهرت
فكان أجمل الأثر
فحُق أن نحبها

فتلك جنة الأسر
* حد الزنا
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

* حد القذف
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر .
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة : ( علموا نساءكم سورة النور ) .
وقالت عائشة رضي الله عنها :
( لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل ) .
وفرضناها " قرئ بتخفيف الراء ; أي فرضنا عليكم وعلى من بعدكم ما فيها من الأحكام .
وبالتشديد : أي أنزلنا فيها فرائض مختلفة .
وقرأ أبو عمرو : " وفرضناها " بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجما نجما .
والفرض القطع , ومنه فرضة القوس . وفرائض الميراث وفرض النفقة .
وعنه أيضا " فرضناها " فصلناها وبيناها . وقيل : لكثرة ما فيها من الفرائض .
والسورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة ; ولذلك سميت السورة من القرآن سورة .
قال زهير : ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب .
وقرئ " سورة " بالرفع على أنها مبتدأ وخبرها " أنزلناها " ; قاله أبو عبيدة والأخفش .
وقال الزجاج والفراء والمبرد : " سورة " بالرفع لأنها خبر الابتداء
لأنها نكرة ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع
أي هذه سورة . ويحتمل أن يكون قوله " سورة " ابتداء وما بعدها صفة لها
أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن الابتداء لذلك , ويكون الخبر في قوله "
الزانية والزاني " . وقرئ " سورة " بالنصب , على تقدير أنزلنا سورة أنزلناها.
وقال الشاعر : والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطر
أو تكون منصوبة بإضمار فعل أي اتل سورة. وقال الفراء : هي حال من الهاء والألف
والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه .

تفسير حادثة الإفك من تفسير السعدي:
[‏11 - 26‏]‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم‏}‏ إلى آخر الآيات

وهو قوله‏:‏ ‏{‏لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ لما ذكر فيما تقدم، تعظيم الرمي بالزنا عموما، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد‏.‏

وحاصلها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عرس في أخريات القوم ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزنا شديدا، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات، ووعظ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة‏.‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ‏}‏ أي‏:‏ الكذب الشنيع، وهو رمي أم المؤمنين ‏{‏عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق ‏[‏في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين‏}‏ ومنهم المنافق‏.‏

‏{‏لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه‏.‏

‏{‏لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ‏}‏ وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم جماعة، ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏}‏ أي‏:‏ معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول ـ لعنه الله ـ ‏{‏لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار‏.‏

ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال‏:‏ ‏{‏لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا‏}‏ أي‏:‏ ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرًا، وهو السلامة مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، ‏{‏وَقَالُوا‏}‏ بسبب ذلك الظن ‏{‏سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة، ‏{‏هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها‏.‏ فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك‏.‏

‏{‏لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ أي‏:‏ هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي‏:‏ عدول مرضيين‏.‏ ‏{‏فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ‏}‏ وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ‏}‏ ولم يقل ‏"‏ فأولئك هم الكاذبون ‏"‏ وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق‏.‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم، ‏{‏لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ خضتم ‏{‏فِيهِ‏}‏ من شأن الإفك ‏{‏عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ لاستحقاقكم ذلك بما قلتم، ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب‏.‏

‏{‏إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل‏.‏ ‏{‏وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم، ‏{‏وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا‏}‏ فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك، ‏{‏وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ‏}‏ وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى‏.‏

‏{‏ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ‏}‏ أي‏:‏ وهلا إذ سمعتم ـأيها المؤمنونـ كلام أهل الإفك ‏{‏قُلْتُمْ‏}‏ منكرين لذلك، معظمين لأمره‏:‏ ‏{‏مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا‏}‏ أي‏:‏ ما ينبغي لنا، وما يليق بنا الكلام، بهذا الإفك المبين، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح ‏{‏هَذَا بُهْتَانٌ‏}‏ أي‏:‏ كذب عظيم‏.‏ ‏{‏يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ‏}‏ أي‏:‏ لنظيره، من رمي المؤمنين بالفجور، فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك، ونعم المواعظ والنصائح من ربنا فيجب علينا مقابلتها بالقبول والإذعان، والتسليم والشكر له، على ما بين لنا ‏{‏إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ‏}‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ دل ذلك على أن الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات‏.‏ ‏{‏وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ‏}‏ المشتملة على بيان الأحكام، والوعظ، والزجر، والترغيب، والترهيب، يوضحها لكم توضيحا جليا‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ كامل العلم عام الحكمة، فمن علمه وحكمته، أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت‏.‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ‏}‏ أي‏:‏ الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة ‏{‏فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله‏؟‏‏"‏ وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة‏.‏

وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه‏.‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏}‏ قد أحاط بكم من كل جانب ‏{‏وَرَحْمَتُهُ‏}‏ عليكم ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ لما بين لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه‏.‏

ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموما فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ‏}‏ أي‏:‏ طرقه ووساوسه‏.‏

وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن‏.‏ ومن حكمته تعالى، أن بين الحكم، وهو‏:‏ النهي عن اتباع خطوات الشيطان‏.‏ والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضي، والداعي لتركه فقال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ‏}‏ أي‏:‏ الشيطان ‏{‏يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ‏}‏ أي‏:‏ ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه‏.‏ ‏{‏وَالْمُنْكَرِ‏}‏ وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه‏.‏ فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك، فنهي الله عنها للعباد، نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح، فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها، ‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا‏}‏ أي‏:‏ ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى‏.‏

وكان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏ اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ‏"‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ‏}‏ من يعلم منه أن يزكى بالتزكية، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

‏{‏وَلَا يَأْتَلِ‏}‏ أي‏:‏ لا يحلف ‏{‏أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا‏}‏ كان من جملة الخائضين في الإفك ‏"‏مسطح بن أثاثة‏"‏ وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال‏.‏

فنزلت هذه الآية، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله إن غفر له، فقال‏:‏ ‏{‏أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر ـ لما سمع هذه الآيةـ‏:‏ بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح، وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم‏.‏

ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ أي‏:‏ العفائف عن الفجور ‏{‏الْغَافِلَاتِ‏}‏ التي لم يخطر ذلك بقلوبهن ‏{‏الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير‏.‏

وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته‏.‏

وذلك العذاب يوم القيامة ‏{‏يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم، ‏{‏يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ‏}‏ أي‏:‏ جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفرا، لم يفقدوا منها شيئا، ‏{‏وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‏}‏ ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين، فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى‏.‏

فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثم حق، إلا في الله وما من الله‏.‏

‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ‏}‏ أي‏:‏ كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء ـخصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح‏.‏

فكيف وهي هي‏؟‏‏"‏ صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا، فقال‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ‏}‏ والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا ‏{‏لَهُمْ مَغْفِرَةٌ‏}‏ تستغرق الذنوب ‏{‏وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ في الجنة صادر من الرب الكريم‏.‏

تفسير آيات الإستئذان من سورة النور:

‏[‏27 - 29‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏

يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد‏:‏ منها ما ذكره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال ‏"‏ إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ‏"‏ فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده‏.‏

ومنها‏:‏ أن ذلك يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها، لأن الدخول خفية، يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي‏:‏ يستأذنوا‏.‏ سمي الاستئذان استئناسا، لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة، ‏{‏وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا‏}‏ وصفة ذلك، ما جاء في الحديث‏:‏ ‏"‏ السلام عليكم، أأدخل ‏"‏‏؟‏

{‏ذَلِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ الاستئذان المذكور ‏{‏خَيْرٌلَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن، دخل المستأذن‏.‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا‏}‏ أي‏:‏ فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال، ‏{‏هُوَ أَزْكَى لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏}‏ فيجازي كل عامل بعمله، من كثرة وقلة، وحسن وعدمه، هذا الحكم في البيوت المسكونة، سواء كان فيها متاع للإنسان أم لا، وفي البيوت غير المسكونة، التي لا متاع فيها للإنسان، وأما البيوت التي ليس فيها أهلها، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه، وذلك كبيوت الكراء وغيرها، فقد ذكرها بقوله‏:‏

‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ‏}‏ أي‏:‏ حرج وإثم، دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة، أنه محرم، وفيه حرج ‏{‏أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ‏}‏ وهذا من احترازات القرآن العجيبة، فإن قوله‏:‏ ‏{‏لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ‏}‏ لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للإنسان، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه، وفيها متاعه، وليس فيها ساكن، فأسقط الحرج في الدخول إليها، ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏ أحوالكم الظاهرة والخفية، وعلم مصالحكم، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون، من الأحكام الشرعية‏.‏

‏[‏58‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏

أمر المؤمنين أن يستأذنهم مماليكهم، والذين لم يبلغوا الحلم منهم‏.‏ قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم، وقت نومهم بالليل بعد العشاء، وعند انتباههم قبل صلاة الفجر، فهذا ـ في الغالب ـ أن النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد، وأما نوم النهار، فلما كان في الغالب قليلا، قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة، قيده بقوله‏:‏ ‏{‏وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ‏}‏ أي‏:‏ للقائلة، وسط النهار‏.‏

ففي ثلاثة هذه الأحوال، يكون المماليك والأولاد الصغار كغيرهم، لا يمكنون من الدخول إلا بإذن، وأما ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ‏}‏ أي‏:‏ ليسوا كغيرهم، فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ أي‏:‏ يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم‏.‏

‏{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ‏}‏ بيانا مقرونا بحكمته، ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏ له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات، والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به، ومنه هذه الأحكام التي بينها وبين مآخذها وحسنها‏.‏

‏[‏59‏]‏ ‏{‏وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ‏}‏

وهو إنزال المني يقظة أو مناما، ‏{‏فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ في سائر الأوقات، والذين من قبلهم، هم الذين ذكرهم الله بقوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ‏}‏ ويوضحها، ويفصل أحكامها ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏

وفي هاتين الآيتين فوائد، منها‏:‏
أن السيد وولي الصغير، مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد، العلم والآداب الشرعية، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ‏}‏ الآية، ولا يمكن ذلك، إلا بالتعليم والتأديب، ولقوله‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ‏}‏
ومنها‏:‏ الأمر بحفظ العورات، والاحتياط لذلك من كل وجه، وأن المحل والمكان، الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه، أنه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء، ونحو ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ جواز كشف العورة لحاجة، كالحاجة عند النوم، وعند البول والغائط، ونحو ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ أن المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط النهار، كما اعتادوا نوم الليل، لأن الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة‏.‏

ومنها‏:‏ أن الصغير الذي دون البلوغ، لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة، ولا يجوز أن ترى عورته، لأن الله لم يأمر باستئذانهم، إلا عن أمر ما يجوز‏.‏

ومنها‏:‏ أن المملوك أيضا، لا يجوز أن يرى عورة سيده، كما أن سيده لا يجوز أن يرى عورته، كما ذكرنا في الصغير‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي، أن يقرن بالحكم، بيان مأخذه ووجهه، ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل، لأن الله ـ لما بين الحكم المذكورـ علله بقوله‏:‏ ‏{‏ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ‏}‏

ومنها‏:‏ أن الصغير والعبد، مخاطبان، كما أن وليهما مخاطب لقوله‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ‏}‏

ومنها‏:‏ أن ريق الصبي طاهر، ولو كان بعد نجاسة، كالقيء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ‏}‏ مع قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين سئل عن الهرة‏:‏ ‏(‏إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات‏]‏‏.‏

ومنها‏:‏ جواز استخدام الإنسان من تحت يده، من الأطفال على وجه معتاد، لا يشق على الطفل لقوله‏:‏ ‏{‏طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ‏}‏

ومنها‏:‏ أن الحكم المذكور المفصل، إنما هو لما دون البلوغ، فأما ما بعد البلوغ، فليس إلا الاستئذان‏.‏

ومنها‏:‏ أن البلوغ يحصل بالإنزال فكل حكم شرعي رتب على البلوغ، حصل بالإنزال، وهذا مجمع عليه، وإنما الخلاف، هل يحصل البلوغ بالسن، أو الإنبات للعانة، والله أعلم‏.‏
تفسير آية الله نور السموات والأرض:


‏[‏35‏]‏ ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه ـالذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقهـ نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة‏.‏ وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور‏.‏ فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا‏:‏ كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر، ‏{‏مَثَلُ نُورِهِ‏}‏ الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، ‏{‏كَمِشْكَاةٍ‏}‏ أي‏:‏ كوة ‏{‏فِيهَا مِصْبَاحٌ‏}‏ لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك ‏{‏الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ‏}‏ من صفائها وبهائها ‏{‏كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ‏}‏ أي‏:‏ مضيء إضاءة الدر‏.‏ ‏{‏يُوقَدُ‏}‏ ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية ‏{‏مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ‏}‏ أي‏:‏ يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون، ‏{‏لَا شَرْقِيَّةٍ‏}‏ فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ‏{‏وَلَا غَرْبِيَّةٍ‏}‏ فقط، فلا تصيبها الشمس ‏[‏أول‏}‏ النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يَكَادُ زَيْتُهَا‏}‏ من صفائه ‏{‏يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‏}‏ فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة ‏{‏نُورٌ عَلَى نُورٍ‏}‏ أي‏:‏ نور النار، ونور الزيت‏.‏

ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره‏.‏

ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال‏:‏ ‏{‏يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو‏.‏ ‏{‏وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ‏}‏ ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا، ‏{‏وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال، ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون‏.‏





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:49 PM

اللغز العشرون


دفاعٌ عن حمى الدين الجليل
تحلى بالحقائق والدليل
وتكذيبٌ لكفارٍ وقطعٌ
لحجتهم بتفنيدٍ جميلِ
ووعد بالعذابِ لمن تولى
وقد حاز الضلال من الخليلِ
وذكر الأنبياء ومن تولوا
عن الإيمان بالقلب العليلِ
وآيات التدبر مرشداتٌ
لذي قلبٍ وذي فكرٍ نبيل
وقد ذكرت بآياتٍ طوالٍ
وإسهابٍ وتفصيلٍ جميلِ
عباد الله في وصفٍ جليٍ
علاماتٍ أنير بها سبيلي

سورة الفرقان

مقصودها:
مقصودها إنذار عامة المكلفين بما له سبحانه من القدرة الشاملة ، المستلزم للعلم التام ، المدلول عليه بهذا القرآن المبين ، المستلزم لأنه لا موجد على الحقيقة سواه ، فهو الحق ، وما سواه باطل ؛ وتسميتها بالقرقان واضح الدلالة على ذلك ، فإن الكتاب ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبسات ، وتمييز الحق منالباطل ) ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة ( ) [ الأنفال : 42 ] فلا يكون لأحد على الله حجة

أسباب النزول:
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (تَبارَكَ الَّذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيراً مِّن ذَلِكَ) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا أحمد بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري قال: أخبرنا محمد بن حميد بن فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه معزياً له فقال: السلام عليك يا رسول الله رب العزة يقرئك السلام ويقول لك (وَما أَرسَلنا قَبلَكَ مِنَ المُرسَلينَ إِلا إِنَّهُم لَيَأكُلونَ الطَعامَ وَيَمشونَ في الأَسواقِ) أي يبتغون المعاش في الدنيا. قال: فبينا جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدثان إذ ذاب جبريل عليه السلام حتى صار مثل الهدرة قيل: يا رسول الله وما الهدرة قال: العدسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك ذبت حتى صرت مثل الهدرة قال: يا محمد فتح باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة وأقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان إذ عاد جبريل عليه السلام إلى حاله فقال: أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فأقبل رضوان حتى سلم ثم قال: يا محمد رب العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلألأ ويقول لك ربك: هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع مالا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير به فضرب جبريل بيده إلى الأرض فقال: تواضع لله فقال: يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إلي وأن أكون عبداً صابراً شكوراً فقال رضوان عليه السلام: أصبت أصاب الله بك وجاء نداء من السماء فرفع جبريل عليه السلام رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش وأوحى الله تعالى إلى جنة عدن أن تدلي غصناً من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء فقال جبريل عليه السلام: يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الأنبياء وغرفهم فإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلاً له خاصة ومناد ينادي: أرضيت يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رضيت فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة. ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان (تَبارَكَ الَّذي إِن شاءَ)

قوله تعالى (وَيومَ يَعَضُّ الظالِمُ عَلى يَدَيهِ) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ويجالسه ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية. وقال الشعبي: وكان عقبة خليلاً لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً عليه الصلاة والسلام وكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وقال آخرون: إن أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متحالفين وكان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه وكان أبي بن خلف غائباً فلما أخبر بقصته قال: صبأت يا عقبة فقال: والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت فطعم فقال أبي: ما أنا بالذي رضي منك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه ففعل ذلك عقبة فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فقتل عقبة يوم بدر صبراً وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد في المبارزة فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية. وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت.

قوله تعالى (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ) إلى آخر الآيات.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: أخبرنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدث عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً عليه الصلاة والسلام فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنا لما عملنا كفارة فنزلت (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ) الآيات إلى قوله (غَفوراً رَّحيماً) رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار عن حجاج.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن حجي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا إبراهيم الحنظلي ومحمد بن صباح قالا: حدثنا جرير عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن أبي ميسرة عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: قلت ثم أي قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال: قلت ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقاً لذلك (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ) رواه البخاري ومسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير.

السورة المتشابهة معها في البداية سورة الملك" تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير"

* الآيات التي تشير إليها الابيات

دفاعٌ عن حمى الدين الجليل
تحلى بالحقائق والدليل
وتكذيبٌ لكفارٍ وقطعٌ
لحجتهم بتفنيدٍ جميلِ

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
إلى آخر القصة

ووعد بالعذابِ لمن تولى
وقد حاز الضلال من الخليلِ

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا

وذكر الأنبياء ومن تولوا
عن الإيمان بالقلب العليلِ

‏35 ـ 40‏]‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا‏}‏

وآيات التدبر مرشداتٌ
لذي قلبٍ وذي فكرٍ نبيل

[‏45 ـ 46‏]‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا‏}‏ ‏47‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا‏}‏48 ـ 50‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا‏}‏ ‏51 ـ 52‏]‏ ‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا‏}‏ ‏53‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا‏}‏ ‏54‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا‏}‏
وقد ذكرت بآياتٍ طوالٍ
وإسهابٍ وتفصيلٍ جميلِ
عباد الله في وصفٍ جليٍ
علاماتٍ أنير بها سبيلي

[‏61 ـ 62‏]‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً* إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً* وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً *وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُماًّ وَعُمْيَاناً* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً *قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)

ما دلالة استخدام كلمة (أناسيّ) في آية سورة الفرقان (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49))؟
هي الآية (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) لماذا لم يقل ناس؟ لو نظرنا في الآية تتحدث عن إجبار بلدة ميتاً يعني بلدة ميتاً نباتها ليس فيها نبات هي ميت لا نبات فيها. لما كانت هذه قرية كلمة أناسيّ هي جمع إنس مثل إزميل أزاميل، إنجيل: أناجيل، يقولون إنسي أناسين وهي في الأصل أناسيي البعض قال أصلها أناسين وحذفت وقلبت النون إلى ياء وأنا لا أميل لهذا وإنما أميل إلى منهج العلماء الآخرين أنها أناسيّ على وزن أفاعيل: ياء الأخيرة لام وليس هناك نون محذوفة. فالإنسي ضد الوحشي وعندنا في الحديث الذي رواه الإمام علي كرّم الله وجهه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن متعة النساء وأكل لحوم الحمر الإنسية وفي رواية الأهلية. الحمار الإنسي يعني الذي يعيش مع الناس الذي يعيش في البلدة. الإنسي هو إذن ضد الوحشي والوحشي الذي يعيش في البرية. نجد الترتيب هنا: هي بلدة فالبلدة فيها هؤلاء الأناسي كثير يعني مجموعات من البشر لو قال ناس مطلقة تشمل كل من على الأرض وهو يريد أن يتحدث عن إحياء بلدة. فلما كان يتحدث عن إحياء بلدة ذكر إحياء نباتها ثم إحياء أنعامها بهذا الغيث (فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وربت) بينما نباتها لاحظ التدرج: يحيا النبات وتحيا الأنعام ويحيا الأناسي هؤلاء الناس القليلون الذين هم مجموعات فصاروا كثيراً ولو قال الناس كانت صارت عامة وخرجت من إطار البلدة بينما الغيث الذي جاء هو غيث على بلدة معينة والله أعلم.
**********

ما تفسير قوله تعالى في سورة الفرقان (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) وكيف يمد الظل؟
الظل موجود ويحرك وكأنه يشير إلى قدرة الله تعالى عبى تحريك الكون لكن يمكن أن نقف عند قوله تعالى (ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا) تحرّك الظل ليس تحركاً سريعاً. تحرّك الظل معناه تحرك الأرض حول نفسها، هذا الدوران حول نفسها بحيث يكون الظل يتحول بشكل يسير يعمي هي تدور بإنضباط ولو قبضه قبضاً سريعاً لما بقي حيٌّ على وجه الأرض. هذه حقيقة علمية يمكن أن نقول أشار إليها القرآن بهذه الآية بكلمة القبض اليسير. يقول لهم أنظروا كيف يقبض الظل قبضاً يسيراً كيف يسير بشكل هادئ من صورة إلى صورة يطول ويقصر وهم يشاهدونه إشارة إلى عظمة الخلق. نحن الآن عرفنا ما هو شأن الأرض وكيف تدور حول نفسها وحول الشمس الآن نقول هذه حقيقة علمية ولو كان القبض ليس يسيراً ما كانت تكون حياة على الأرض.


***********
لماذا جاءت كلمة الرسل بالجمع في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ) مع أن نوح وباقي الرسل جاءوا منفردين في سورة الشعراء(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105))(كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)) ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) ((كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)) ؟

هذه تتكرر في عموم القرآن (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُواالرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ) . هنا شيء أحب أن أنبّه عليه أن هذا القرآن نزل بين عرب فصحاء ولو كان فيه ما يخالف لغة العرب لكان فرصة للتشنيع عليه. أما أن يأتي الآن في آخر الزمان من يحاول أن يتلمس شيئاً مما يظنه من المخالفات فهذا قصور في فهمه لكن نحن نسأل لأن هناك من يريد أن يرمي القرآن بحجر وبيته من الزجاج ولو أردنا أن نناقش ما في مُقدّسه لفضحناه على الهواء ولكن ليس هذا من شأننا.
هو رسول واحد لكن في مواطن كثيرة ترد (كذبوا المرسلين) وهو رسول واحد. ولذلك علماؤنا يقولون من كذّب رسولاً فقد كذّب جميع الرسل الذين من قبله. هم كذّبوا نوحاً ومن قبله لأنهم أنكروا مبدأ الرسالة. الرسل من حيث المعنى لأنه هو رسول مبلّغ عن ربه منبّه على وجود رسل من قبله فإذا كذّبوه فقد كذّبوه بذاته وكذّبوا من نسب إليهم الرسالة لأنه ينسب االرسالة إليهم فإذا قيل هو كاذب فهو كاذب بكل قوله ومن ضمن قوله أنه هناك رسل من قبلي فكذبوا بهم جميعاً، وإشارة إلى إرتباط الرسل كأنهم جميعاً قافلة واحدة من كذّب واحداً منهم فقد كذّب الجميع.
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ

يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين , ويجوز أن تكون من العلم . وقال الحسن وقتادة وغيرهما :
مد الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . وقيل :
هو من غيوبة الشمس إلى طلوعها . والأول أصح ; والدليل على ذلك أنه ليس من ساعة
أطيب من تلك الساعة ; فإن فيها يجد المريض راحة والمسافر وكل ذي علة :
وفيها ترد نفوس الأموات والأرواح منهم إلى الأجساد , وتطيب نفوس الأحياء فيها .
وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب .
وقال أبو العالية : نهار الجنة هكذا ; وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر .

وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا

أي دائما مستقرا لا تنسخه الشمس . ابن عباس : يريد إلى يوم القيامة
وقيل : المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع .

ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا

أي جعلنا الشمس ينسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء ومعنى
لأن الأشياء تعرف بأضدادها ولولا الشمس ما عرف الظل , ولولا النور ما عرفت الظلمة . فالدليل فعيل بمعنى الفاعل . وقيل : بمعنى المفعول كالقتيل والدهين والخضيب . أي دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به
أي أتبعناها إياه . فالشمس دليل أي حجة وبرهان , وهو الذي يكشف المشكل ويوضحه .
ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس لأنه في معنى الاسم ; كما يقال : الشمس برهان والشمس حق .
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ

يريد ذلك الظل الممدود .

إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا

أي يسيرا قبضه علينا . وكل أمر ربنا عليه يسير .
فالظل مكثه في هذا الجو بمقدار طلوع الفجر إلى طلوع الشمس , فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا
وخلفه في هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها
فإذا غربت فليس هناك ظل , إنما ذلك بقية نور النهار .
وقال قوم : قبضه بغروب الشمس ; لأنها ما لم تغرب فالظل فيه بقية
وإنما يتم زواله بمجيء الليل ودخول الظلمة عليه .
وقيل : إن هذا القبض وقع بالشمس ; لأنها إذا طلعت أخذ الظل في الذهاب شيئا فشيئا
وقيل : " ثم قبضناه " أي قبضنا ضياء الشمس بالفيء " قبضا يسيرا " . وقيل : " يسيرا " أي سريعا , قاله الضحاك . قتادة : خفيا ; أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضا خفيا
كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة , وليس يزول دفعة واحدة .
فهذا معنى قول قتادة ; وهو قول مجاهد .

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا

يعني سترا للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن . قال الطبري :
وصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها .
قال ابن العربي : ظن بعض الغفلة أن من صلى عريانا في الظلام أنه يجزئه
لأن الليل لباس . وهذا يوجب أن يصلي في بيته عريانا إذا أغلق عليه بابه .
والستر في الصلاة عبادة تختص بها ليست لأجل نظر الناس . ولا حاجة إلى الإطناب في هذا .

وَالنَّوْمَ سُبَاتًا

أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال . وأصل السبات من التمدد .
يقال : سبتت المرأة شعرها أي نقضته وأرسلته . ورجل مسبوت أي ممدود الخلقة .
وقيل : للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون , وفي التمدد معنى الراحة .
وقيل : السبت القطع ; فالنوم انقطاع عن الاشتغال ; ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الأعمال فيه .
وقيل : السبت الإقامة في المكان ; فكأن السبات سكون ما وثبوت عليه ; فالنوم سبات على معنى أنه سكون عن الاضطراب والحركة . وقال الخليل : السبات نوم ثقيل ; أي جعلنا نومكم ثقيلا ليكمل الإجمام والراحة .

وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا

من الانتشار للمعاش ; أي النهار سبب الإحياء للانتشار . شبه اليقظة فيه بتطابق الإحياء مع الإماتة .
وكان عليه السلام إذا أصبح قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) .

وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ

عطف على قوله : " يغشي الليل النهار " [ الرعد : 3 ] . ذكر شيئا آخر من نعمه
ودل على وحدانيته وثبوت إلهيته .

ورياح جمع كثرة وأرواح جمع قلة . وأصل ريح روح . وقد خطئ من قال في جمع القلة أرياح .

" بشرا " فيه سبع قراءات : قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو
" نشرا " بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب
أي ذات نشر ; فهو مثل شاهد وشهد . ويجوز أن يكون جمع نشور كرسول ورسل .
يقال : ريح النشور إذا أتت من هاهنا وهاهنا . والنشور بمعنى المنشور ; كالركوب بمعنى المركوب .
أي وهو الذي يرسل الرياح منشرة . وقرأ الحسن وقتادة " نشرا " بضم النون وإسكان الشين مخففا من نشر
كما يقال : كتب ورسل . وقرأ الأعمش وحمزة " نشرا " بفتح النون وإسكان الشين على المصدر
أعمل فيه معنى ما قبله ; كأنه قال : وهو الذي ينشر الرياح نشرا .
نشرت الشيء فانتشر , فكأنها كانت مطوية فنشرت عند الهبوب .
ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال من الرياح ; كأنه قال يرسل الرياح منشرة
أي محيية ; من أنشر الله الميت فنشر , كما تقول أتانا ركضا , أي راكضا .
وقد قيل : إن نشرا ( بالفتح ) من النشر الذي هو خلاف الطي على ما ذكرنا .
كأن الريح في سكونها كالمطوية ثم ترسل من طيها ذلك فتصير كالمنفتحة .
وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرقة في وجوهها , على معنى ينشرها هاهنا وهاهنا .
وقرأ عاصم : " بشرا " بالباء وإسكان الشين والتنوين جمع بشير , أي الرياح تبشر بالمطر .
فالطهور ( بفتح الطاء ) الاسم . وكذلك الوضوء والوقود . وبالضم المصدر
وهذا هو المعروف في اللغة ; قاله ابن الأنباري .
فبين أن الماء المنزل من السماء طاهر في نفسه مطهر لغيره
فإن الطهور بناء مبالغة في طاهر وهذه المبالغة اقتضت أن يكون طاهرا مطهرا .
وإلى هذا مذهب الجمهور . وقيل : إن " طهورا " بمعنى طاهر ; وهو قول أبي حنيفة
وتعلق بقوله تعالى : " وسقاهم ربهم شرابا طهورا " [ الإنسان : 21 ] يعني طاهرا .
ويقول الشاعر : خليلي هل في نظرة بعد توبة أداوي بها قلبي علي فجور
إلى رجح الأكفال غيد من الظبا عذاب الثنايا ريقهن طهور
فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر .
وتقول العرب : رجل نئوم وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره , وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه .
ولقد أجاب علماؤنا عن هذا فقالوا : وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب
وعن خسائس الصفات كالغل والحسد , فإذا شربوا هذا الشراب
يطهرهم الله من رحض الذنوب وأوضار الاعتقادات الذميمة , فجاءوا الله بقلب سليم
ودخلوا الجنة بصفات التسليم , وقيل لهم حينئذ : " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " [ الزمر : 73 ] .
ولما كان حكمه في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته في الآخرة .
وأما قول الشاعر : ريقهن طهور فإنه قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية لعذوبته وتعلقه بالقلوب
وطيبه في النفوس , وسكون غليل المحب برشفه حتى كأنه الماء الطهور
وأجمعت الأمة لغة وشريعة على أن وصف طهور يختص بالماء فلا يتعدى إلى سائر المائعات
وهي طاهرة ; فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدل دليل على أن الطهور هو المطهر
وقد يأتي فعول لوجه آخر ليس من هذا كله وهو العبارة به عن الآلة للفعل لا عن الفعل
كقولنا : وقود وسحور بفتح الفاء , فإنها عبارة عن الحطب والطعام المتسحر به
فوصف الماء بأنه طهور ( بفتح الطاء ) أيضا يكون خبرا عن الآلة التي يتطهر بها .
فإذا ضمت الفاء في الوقود والسحور والطهور عاد إلى الفعل وكان خبرا عنه .
فثبت بهذا أن اسم الفعول ( بفتح الفاء ) يكون بناء للمبالغة ويكون خبرا عن الآلة
وهو الذي خطر ببال الحنفية , ولكن قصرت أشداقها عن لوكه , وبعد هذا يقف البيان عن المبالغة
وعن الآلة على الدليل بقوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " .
وقوله عليه السلام : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) يحتمل المبالغة ويحتمل العبارة به عن الآلة
فلا حجة فيه لعلمائنا , لكن يبقى قول " ليطهركم به " [ الأنفال : 11 ] نص في أن فعله يتعدى إلى غيره .
تفسير السعدي :
‏[‏30 ـ 31‏]‏ ‏{‏وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا‏}‏

‏{‏وَقَالَ الرَّسُولُ‏}‏ مناديا لربه وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به، ومتأسفا على ذلك منهم‏:‏ ‏{‏يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي‏}‏ الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم، ‏{‏اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا‏}‏ أي‏:‏ قد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه والإقبال على أحكامه، والمشي خلفه، قال الله مسليا لرسوله ومخبرا أن هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم فقال‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل‏.‏

من بعض فوائد ذلك أن يعلو الحق على الباطل وأن يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة وبأهل الباطل من العقوبة، فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ‏{‏وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا‏}‏ يهديك فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك‏.‏ ‏{‏وَنَصِيرًا‏}‏ ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كل مكروه في أمر الدين والدنيا فاكتف به وتوكل عليه‏
(32- ـ 33‏]‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏

هذا من جملة مقترحات الكفار الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا‏:‏ ‏{‏لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً‏}‏ أي‏:‏ كما أنزلت الكتب قبله، وأي محذور من نزوله على هذا الوجه‏؟‏ بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ‏}‏ أنزلناه متفرقا ‏{‏لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ‏}‏ لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا وخصوصا عند ورود أسباب القلق فإن نزول القرآن عند حدوث السبب يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه‏.‏

‏{‏وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا‏}‏ أي‏:‏ مهلناه ودرجناك فيه تدريجا‏.‏ وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ‏}‏ يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك، ‏{‏إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏ أي‏:‏ أنزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه والوضوح والبيان التام في ألفاظه، فمعانيه كلها حق وصدق لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه، وألفاظه وحدوده للأشياء أوضح ألفاظا وأحسن تفسيرا مبين للمعاني بيانا كاملا‏.‏

وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم، وواعظ أن يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله، كذلك العالم يدبر أمر الخلق فكلما حدث موجب أو حصل موسم، أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك‏.‏

وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها، فإذا ـ على قولهم ـ لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره، وإنما التفسير الأحسن ـ على زعمهم ـ تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا‏.‏

‏[‏34‏]‏ ‏{‏الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا‏}‏

يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم، وأنهم ‏{‏يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ‏}‏ أشنع مرأى، وأفظع منظر تسحبهم ملائكة العذاب ويجرونهم ‏{‏إِلَى جَهَنَّمَ‏}‏ الجامعة لكل عذاب وعقوبة‏.‏ ‏{‏أُولَئِكَ‏}‏ الذين بهذه الحالة ‏{‏شَرٌّ مَكَانًا‏}‏ ممن آمن بالله وصدق رسله، ‏{‏وَأَضَلُّ سَبِيلًا‏}‏ وهذا من باب استعمال أفضل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء فإن المؤمنين حسن مكانهم ومستقرهم، واهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم وفي الآخرة إلى الوصول إلى جنات النعيم‏.‏

-------------------------------
‏[‏45 ـ 46‏]‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا‏}‏

أي‏:‏ ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك وسعة رحمته، أنه مد على العباد الظل وذلك قبل طلوع الشمس ‏{‏ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ على الظل ‏{‏دَلِيلًا‏}‏ فلولا وجود الشمس لما عرف الظل فإن الضد يعرف بضده‏.‏

‏{‏ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا‏}‏ فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل شيئا فشيئا، حتى يذهب بالكلية فتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانا وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وتعاقب الفصول، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك ـ من أدل دليل على قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده وأنه وحده المعبود المحمود المحبوب المعظم، ذو الجلال والإكرام‏.‏

‏[‏47‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا‏}‏

أي‏:‏ من رحمته بكم ولطفه أن جعل الليل لكم بمنزلة اللباس الذي يغشاكم، حتى تستقروا فيه وتهدؤوا بالنوم وتسبت حركاتكم أي‏:‏ تنقطع عند النوم، فلولا الليل لما سكن العباد ولا استمروا في تصرفهم فضرهم ذلك غاية الضرر، ولو استمر أيضا الظلام لتعطلت عليهم معايشهم ومصالحهم، ولكنه جعل النهار نشورا ينتشرون فيه لتجاراتهم وأسفارهم وأعمالهم فيقوم بذلك ما يقوم من المصالح‏.‏

‏[‏48 ـ 50‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا‏}‏

أي‏:‏ هو وحده الذي رحم عباده وأدر عليهم رزقه بأن أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهو المطر فثار بها السحاب وتألف وصار كسفا وألقحته وأدرته بإذن آمرها والمتصرف فيها ليقع استبشار العباد بالمطر قبل نزوله وليستعدوا له قبل أن يفاجئهم دفعة واحدة‏.‏

{‏وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا‏}‏ يطهر من الحدث والخبث ويطهر من الغش والأدناس، وفيه بركة من بركته أنه أنزله ليحيي به بلدة ميتا فتختلف أصناف النوابت والأشجار فيها مما يأ كل الناس والأنعام‏.‏ ‏{‏وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا‏}‏ أي‏:‏ نسقيكموه أنتم وأنعامكم، أليس الذي أرسل الرياح المبشرات وجعلها في عملها متنوعات، وأنزل من السماء ماء طهورا مباركا فيه رزق العباد ورزق بهائمهم، هو الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك معه غيره‏؟‏

ولما ذكر تعالى هذه الآيات العيانية المشاهدة وصرفها للعباد ليعرفوه ويشكروه ويذكروه مع ذلك أبي أكثر الخلق إلا كفورا، لفساد أخلاقهم وطبائعهم‏

‏61 ـ 62‏]‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏

كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ‏}‏ ثلاث مرات لأن معناها كما تقدم أنها تدل على عظمة الباري وكثرة أوصافه، وكثرة خيراته وإحسانه‏.‏ وهذه السورة فيها من الاستدلال على عظمته وسعة سلطانه ونفوذ مشيئته وعموم علمه وقدرته وإحاطة ملكه في الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية وكمال حكمته‏.‏ وفيها ما يدل على سعة رحمته وواسع جوده وكثرة خيراته الدينية والدنيوية ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن فقال‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا‏}‏ وهي النجوم عمومها أو منازل الشمس والقمر التي تنزل منزلة منزلة وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها، كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة فإنها رجوم للشياطين‏.‏

‏{‏وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا‏}‏ فيه النور والحرارة وهو الشمس‏.‏ ‏{‏وَقَمَرًا مُنِيرًا‏}‏ فيه النور لا الحرارة وهذا من أدلة عظمته، وكثرة إحسانه، فإن ما فيها من الخلق الباهر والتدبير المنتظم والجمال العظيم دال على عظمة خالقها في أوصافه كلها، وما فيها من المصالح للخلق والمنافع دليل على كثرة خيراته‏.‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً‏}‏ أي‏:‏ يذهب أحدهما فيخلفه الآخر، هكذا أبدا لا يجتمعان ولا يرتفعان، ‏{‏لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏ أي‏:‏ لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما على كثير من المطالب الإلهية ويشكر الله على ذلك، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره وله ورد من الليل أو النهار، فمن فاته ورده من أحدهما أدركه في الآخر، وأيضا فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر، ولأن أوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار، فكما تكررت الأوقات أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم فزاد في تذكرها وشكرها، فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الإيمان الذي يمده فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس‏.‏ فلله أتم حمد وأكمله على ذلك‏.‏

ثم ذكر من جملة كثرة خيره منته على عباده الصالحين وتوفيقهم للأعمال الصالحات التي أكسبتهم المنازل العاليات في غرف الجنات فقال‏:‏

‏[‏63 ـ 77‏]‏ ‏{‏وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا‏}‏ إلى آخر السورة الكريمة‏.‏

العبودية لله نوعان‏:‏ عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون ‏{‏إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا‏}‏ وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه ‏"‏ الرحمن ‏"‏ إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم ‏{‏يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا‏}‏ أي‏:‏ ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده‏.‏ ‏{‏وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ‏}‏ أي‏:‏ خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف، ‏{‏قَالُوا سَلَامًا‏}‏ أي‏:‏ خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله‏.‏ وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا‏}‏ أي‏:‏ يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ‏}‏ أي‏:‏ ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب‏.‏ ‏{‏إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا‏}‏ أي‏:‏ ملازما لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه‏.‏

‏{‏إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا‏}‏ وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا‏}‏ النفقات الواجبة والمستحبة ‏{‏لَمْ يُسْرِفُوا‏}‏ بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، ‏{‏وَلَمْ يَقْتُرُوا‏}‏ فيدخلوا في باب البخل والشح ‏{‏وَكَانَ‏}‏ إنفاقهم ‏{‏بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏ بين الإسراف والتقتير ‏{‏قَوَامًا‏}‏ يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه‏.‏

‏{‏وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ‏}‏ وهي نفس المسلم والكافر المعاهد، ‏{‏إِلَّا بِالْحَقِّ‏}‏ كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله‏.‏

‏{‏وَلَا يَزْنُونَ‏}‏ بل يحفظون فروجهم ‏{‏إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ ‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا فسوف ‏{‏يَلْقَ أَثَامًا‏}‏ ثم فسره بقوله‏:‏ ‏{‏يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ‏}‏ أي‏:‏ في العذاب ‏{‏مُهَانًا‏}‏ فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه وكذا لمن أشرك بالله، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة لكونها إما شرك وإما من أكبر الكبائر‏.‏

وأما خلود القاتل والزاني في العذاب فإنه لا يتناوله الخلود لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل، ونص تعالى على هذه الثلاثة لأنها من أكبر الكبائر‏:‏ فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان والزنا فيه فساد الأعراض‏.‏

‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ‏}‏ عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما أن لا يعود، ‏{‏وَآمَنَ‏}‏ بالله إيمانا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات ‏{‏وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا‏}‏ مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله‏.‏

‏{‏فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ‏}‏ أي‏:‏ تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية‏.‏

وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال‏:‏ ‏:‏ يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا ‏"‏ والله أعلم‏.‏

‏{‏وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا‏}‏ لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة ‏{‏رَحِيمًا‏}‏ بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم‏.‏

‏{‏وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا‏}‏ أي‏:‏ فليعلم أن توبته في غاية الكمال لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة، فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره بحسب كمالها‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ‏}‏ أي‏:‏ لا يحضرون الزور أي‏:‏ القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه‏.‏

وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية، ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ‏}‏ وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم ‏{‏مَرُّوا كِرَامًا‏}‏ أي‏:‏ نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ‏}‏ إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ‏}‏ التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها، ‏{‏لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا‏}‏ أي لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا‏}‏ أي‏:‏ قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات، ‏{‏وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ‏}‏ أي‏:‏ تقر بهم أعيننا‏.‏

وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا‏:‏ ‏{‏هَبْ لَنَا‏}‏ بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم‏.‏

{‏وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا‏}‏ أي‏:‏ أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون‏.‏

ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة ـ درجة الإمامة في الدين ـ لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ‏}‏ فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيرًا كثيرًا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل‏.‏

ولهذا، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا‏}‏ أي‏:‏ المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏ ولهذا قال هنا ‏{‏وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا‏}‏ من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات‏.‏

والحاصل‏:‏ أن الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الأدب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار والتضرع لربهم أن ينجيهم منها وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك ـ وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى ـ والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها بأنفسهم وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية‏.‏

فلله ما أعلى هذه الصفات وأرفع هذه الهمم وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس وأطهر تلك القلوب وأصفى هؤلاء الصفوة وأتقى هؤلاء السادة‏"‏

ولله، فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل‏.‏

ولله، منة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم‏.‏

فاللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه‏.‏

نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك فلا خاب من سألك ورجاك‏.‏

ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم فلم لا يدخل في العبودية‏؟‏

فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا‏}‏ أي‏:‏ عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين‏.‏




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:54 PM

اللغز الحادي والعشرون

هي سورة للتحليه
بل عمدة في التزكيه
لعقيدتي هي منبعٌ
وبها يهون حسابيه
ما دمت أرفع راية التوحيد فوقي عاليه
هو واحد ربي ولا
ولد له أو جاريه
أو والد أو زوجة
هذي ظنون واهيه
فرد وليس كمثله شيء
عليم مابيه
خرت له في مجده
كل النفوس الراضيه

اسم السورة: سورة الإخلاص

مقصودها:
مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الإعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال ، ونفي الشوائب النقص والاختلال ، المثمر لحسن الأقوال والأفعال ، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال ، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص ، وكذا الأساس والمقشقشة ، قال في القاموس : المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب ، الهناء : القطران ، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها - انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع ، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعتاله ونفتاه بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعناه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة ، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها " قل هو الله أحد " دال على مقصوزدها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة ، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن ، قال الرازي : والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما ، وذلك ثلاث ، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه سئل الجنيد عن التوحيد فقال : معنى تضمحل فيه الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا : أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه : سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته

أسباب النزول: ورد في تفسيرها للشيخ الفاضل عبدالعزيز السعيد:
هذه السورة يسميها بعض العلماء: نسبَ الله -جل وعلا-، وقد جاء في حديث، حسنه بعض العلماء بمجموع طرقه، أن المشركين قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: انسب لنا ربك وفي رواية: صف لنا ربك فأنزل الله -جل وعلا- هذه السورة.

فضلها:
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ . قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن ؟ قال : ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ) [ رواه مسلم ] [ وصحح الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 1480 ] .

‏- عن ‏ ‏أنس ‏ ‏أن رجلا قال : يا رسول الله إني أحب هذه السورة (‏ ‏قل هو الله أحد ) ‏ ‏فقال : ( إن حبك إياها يدخلك الجنة ‏ ) [ رواه الترمذي وصححه الألباني / 2323 ..


- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ " قل هو الله أحد " حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة ) [ سلسلة الأحاديث الصحيحة / 589 ] ..

- عن معاذ بن عبد الله بن خبيب بن أبية قال : خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا ، قال : فأدركته فقال : قل فلم أقل شيئا ثم قال : قل فلم أقل شيئا قال : قل فقلت ما أقول ، قال : ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ) [ رواه الترمذي وصححه الألباني / 2829
..

- ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏‏أقبلت مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسمع رجلا يقرأ ‏( ‏قل هو الله أحد الله الصمد ) ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏: ( وجبت ) قلت وما وجبت ؟ قال الجنة ) [ رواه الترمذي وصحح الألباني / 2320 ] ..

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عقبة ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوراة و لا في الزبور و لا في الإنجيل و لا في الفرقان مثلهن ، لا يأتين عليك إلا قرأتهن فيها ، قل { هوالله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ) [ سلسلة الأحاديث الصحيحة / 2861 ] ..

السور التي بدأت بما بدأت به:
سورة الجن " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن"

الكافرون" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون"

الناس" قل أعوذ برب الناس"

الفلق " قل أعوذ برب الفلق"
السورة هي( الإخلاص)
مقصدها
وتسمى الأساس والمقشقشة وقل هو الله أحد .
مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الإعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال ، ونفي الشوائب النقص والاختلال ، المثمر لحسن الأقوال والأفعال ، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال ، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص ، وكذا الأساس والمقشقشة ، قال في القاموس : المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب ، الهناء : القطران ، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها - انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع ، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعتاله ونفتاه بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعناه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة ، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها " قل هو الله أحد " دال على مقصوزدها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة ، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن ، قال الرازي : والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما ، وذلك ثلاث ، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه سئل الجنيد عن التوحيد فقال : معنى تضمحل فيه الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا : أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه : سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته )

أسباب النزول للنيسابوري

قال قتادة والضحاك ومقاتل‏:‏ جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ صف لنا ربك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو ومن أي جنس هو أذهب هو أم نحاس أم فضة وهل يأكل ويشرب وممن ورث الدنيا ومن يورثها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة‏.‏

أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد أخبرنا أبو القاسم ابن بنت منيع أخبرنا جدي أحمد بن منيع أخبرنا أبو سعد الصغاني أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى ‏{‏قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَمَدُ‏}‏ قال‏:‏ فالصمد الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث ‏{‏وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَد‏}‏ قال‏:‏ لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء‏.‏

السور التي تبدأ بما بدأت به
(الكافرون_ الفلق _ الناس)
فضلها
فضل قراءة سورة الإخلاص

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يقرأ }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{ يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها (أي يراها شيئًا قليلاً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرءان".



ـ وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: "حُبُّك إياها ـ أي سورة الإخلاص ـ أدخلك الجنة" رواه البخاري.

وكان سبب نزولها أن اليهود قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: "يا محمد صف لنا ربك الذي تعبده" وكان سؤالهم تعنتًا لا حبًا للعلم واسترشادًا به.

فنزلت: }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{ أي الذي لا شريك له في الذات أو الصفات أو الأفعال، وليس لأحد صفة كصفاته. }اللهُ الصَّمَدُ{ أي الذي تفتقر إليه جميع المخلوقات مع استغنائه عن كل موجود.

}لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{ نفيٌ للمادية والانحلال، فالله عز وجل لا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء، }وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ أي لا نظير له بوجه من الوجوه.

فلما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من قراءتها. قال: "هذه صفة ربي"، رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
تفسير سورة الإخلاص

‏[‏وهي‏]‏ مكية

‏[‏1 ـ 4‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏

أي ‏{‏قُل‏}‏ قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، ‏{‏هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ أي‏:‏ قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل‏.‏

‏{‏اللَّهُ الصَّمَدُ‏}‏ أي‏:‏ المقصود في جميع الحوائج‏.‏ فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي ‏[‏كمل في رحمته الذي‏]‏ وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد‏}‏ لكمال غناه ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى‏.‏

فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات‏.‏

أسباب النـزول


سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم

قال قتادة والضحاك ومقاتل: جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك
فإن الله أنـزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أيّ شيء هو؟ ومن أي جنس هو؟
من ذهب هو أم نحاس أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها؟
فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة.

أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد
أخبرنا أبو القاسم ابنُ بنت منيع أخبرنا جدي أحمد بن منيع، أخبرنا أبو سعد الصغاني
أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب:
أن المشركين قالوا لرسول الله صلي اله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنـزل الله تعالى:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ قال: فالصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت
وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
قال: لم يكن له شبيه ولا عدل و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .

أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن السراج، أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي
أخبرنا سريج بن يونس، أخبرنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر
قال: قالوا يا رسول الله، انسب لنا ربك، فنـزلت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها.



قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

أي الواحد الوتر , الذي لا شبيه له , ولا نظير ولا صاحبة , ولا ولد ولا شريك .
وأصل " أحد " : وحد ; قلبت الواو همزة . ومنه قول النابغة :
بذي الجليل على مستأنس وحد
و " أحد " مرفوع , على معنى : هو أحد . وقيل : المعنى : قل : الأمر
والشأن : الله أحد . وقيل : " أحد " بدل من قوله : " الله " .

اللَّهُ الصَّمَدُ

أي الذي يصمد إليه في الحاجات . كذا روى الضحاك عن ابن عباس , قال : الذي يصمد إليه في الحاجات
كما قال عز وجل : " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " [ النحل : 53 ] .
قال أهل اللغة : الصمد : السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج .
وقال قوم : الصمد : الدائم الباقي , الذي لم يزل ولا يزال .
وقيل : تفسيره ما بعده " لم يلد ولم يولد " .قال أبي بن كعب : الصمد : الذي لا يلد ولا يولد
لأنه ليس شيء إلا سيموت , وليس شيء يموت إلا يورث .
وقال علي وابن عباس أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وسفيان :
الصمد : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده في أنواع الشرف والسؤدد
ومنه قول الشاعر : علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقال أبو هريرة : إنه المستغني عن كل أحد , والمحتاج إليه كل أحد .
وقال السدي : إنه : المقصود في الرغائب , والمستعان به في المصائب .
وقال الحسين بن الفضل : إنه : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
وقال مقاتل : إنه : الكامل الذي لا عيب فيه
وقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير : الصمد : المصمت الذي لا جوف له
الصمد , في ( كتاب الأسنى ) وأن الصحيح منها . ما شهد له الاشتقاق ; وهو القول الأول , ذكره الخطابي .
وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه , وجعل النار مقامه ومثواه
وقرأ " الله الواحد الصمد " في الصلاة , والناس يستمعون
فأسقط : " قل هو " , وزعم أنه ليس من القرآن . وغير لفظ " أحد " , وادعى أن هذا هو الصواب
والذي عليه الناس هو الباطل والمحال , فأبطل معنى الآية ; لأن أهل التفسير قالوا :
نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : صف لنا ربك
أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر ؟ فقال الله عز وجل ردا عليهم :
" قل هو والله أحد " ففي " هو " دلالة على موضع الرد , ومكان الجواب ; فإذا سقط بطل معنى الآية
وصح الافتراء على الله عز وجل , والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم .


لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ

روى الترمذي عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
انسب لنا ربك ; فأنزل الله عز وجل : " قل هو الله أحد . الله الصمد "
.والصمد : الذي لم يلد ولم يولد ; لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت , وليس شيء يموت إلا سيورث
وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث . " ولم يكن له كفوا أحد " قال : لم يكن له شبيه ولا عدل
وليس كمثله شيء . وروي عن أبي العالية : إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم
فقالوا : انسب لنا ربك . قال : فأتاه جبريل بهذه السورة " قل هو الله أحد " , فذكر نحوه , ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب , وهذا صحيح ; قاله الترمذي .

قلت : ففي هذا الحديث إثبات لفظ " قل هو الله أحد " وتفسير الصمد , وقد تقدم .
وعن عكرمة نحوه . وقال ابن عباس : " لم يلد " كما ولدت مريم , ولم يولد كما ولد عيسى وعزير .
وهو رد على النصارى , وعلى من قال : عزير ابن الله .



فضل سورة الأخلاص

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليله ثلث القرآن قالوا :
وكيف يقرأ ثلث القرآن قال : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن
في شرح العقيدة الواسطية:

سورة الإخلاص هي سورة ﴿قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ(1) اللَّهُ الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)
وتسمية سور القرآن :
- تارة يكون باعتبار ذكر كلمة في السورة ليست في غيرها .
- أو باعتبار ذكر قصة في السورة مفصلة أكثر من غيرها من السور .
- أو باعتبار المعنى الذي في السورة وهذا ـ أو غير ذلك ـ
وهذه التسمية (سورة الإخلاص) بهذا الاعتبار الثالث ، وهي أنها سميت سورة الإخلاص مع أنها ليست فيها كلمة الإخلاص وذلك لأنها اشتملت على الإخلاص ، واشتمالها على الإخلاص من جهتين :
q الأولى أنها تورث صاحبها أعني المتدبر لها القارئ لها الإخلاص العلمي الاعتقادي لأنها صفة الله جل وعلا وقد جاء في الصحيح أن الصحابي قال للنبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لما ذُكِرَ له أنه يقرأ سورة الإخلاص في مفتتح كل ركعة من الجهرية قال إنها صفة الرحمن وإني أحبها. فهي إذن فيها وصف الله جل وعلا ، ولهذا من تدبر هذا الوصف صار عنده الإخلاص في العلم والاعتقاد ونتبرأ من الشرك في العلم والاعتقاد ، والشرك في العلم والاعتقاد بكونه لا يُوَحِدُ الله في الأسماء والصفات ، والإخلاص في العلم والاعتقاد بكونه يوحد الله جل وعلا في الأسماء والصفات .
q ومن جهة أخرى فإنها ـ أعني سورة الإخلاص ـ أُخلِصَت لذكر صفة الله جل وعلا ، فهي مشتملة على صفة الله جل وعلا وحده ليس فيها وصف لغيره ، وليس فيها خبر عن غيره وليس فيها قصة وليس فيها حكم بل هي وصف لله جل وعلا ، فقد أخلصت لهذا .
فبالمعنى الأول ظاهر الاعتبار ـ أعني أنها من جهة أن من تدبرها يخلص لله جل وعلا - وبالاعتبار الثاني بالجهة الثانية أيضا المعنى صحيح لأنه يقال أخلص الشيء يخلصه إخلاصا وتخليصا بمعنى جعله متجردا لشيء دون غيره .


* تعدل ثلث القرآن
وكونها تعدل ثلث القرآن وجهها أبو العباس ابن سريج أحد أئمة الشافعية وتبعه العلماء على هذا التوجيه من أن القرآن منقسم إلى ثلاثة أقسام :
- فهو إما خبر عن الله جل وعلا وصفاته
- وإما خبر عن الأولين
- وإما أحكام
وقال غيرهم قالوا إنه منقسم إلى ثلاثة أقسام : أحكام وعقائد ووعد ووعيد .
وهذه السورة بهذا الاعتبار هي ثلث القرآن ، فإنها تعدل من هذه الجهة ثلث القرآن ، وكونها تعدل ثلث القرآن هذا يدل على أنها أفضل من بعض القرآن وذلك لأنها تعدل ثلثه ، يعني من الجهة التي ذكرت أي أنها في وصف الله جل وعلا ، وكونها تعدل ثلث القرآن يعني أن فيها فضيلة على غيرها من سور القرآن أو على غيرها من بعض سور القرآن .

وهذا المعنى مما تنازع الناس فيه ، يعني كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ما وجهه ؟
اختلف الناس في ذلك والذي عليه أئمة أهل السنة والجماعة بل والسلف بعامة وهو شبه إجماع بينهم أن كونها تعدل ثلث القرآن يدل على أنها أفضل من بعض القرآن ، والقرآن بعضه أفضل من بعض كما أن صفات الله جل وعلا بعضها يفضل بعضا .

قال عليه الصلاة والسلام داعيا الله جل وعلا (أعوذ برضاك من سخطك) قال أيضا مخبرا عن ربه جل وعلا (إن رحمتي سبقت غضبي) وهذا يدل على أن بعض الصفات أفضل من بعض وأيضا بعض الصفة قد يكون أفضل من بعضها الأخر وهذا يترتب عليه أن يكون بعض القرآن أفضل من بعضه الآخر ، ولهذا صارت الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن وآية الكرسي هذه أعظم آية في القرآن وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن .
هذا مذهب أهل السنة والجماعة في تفضيل بعض صفات الله على بعض وتفضيل بعض القرآن على بعض .

الشرح:

(قل هو) الذي سألتم عنه (الله أحد) و(أحد) بمعنى الواحد الذي لم يَشرَكهُ شيء في وحدانيته .

وأحدية الله جل وعلا يعني وحدانيته في ربوبيته وفي إلهيته وفي أسمائه وصفاته ، فهو جل وعلا واحد في ربوبيته لا شريك له ، أو نقول واحد في ربوبيته لا شريك له أي لا مشارك لا وزير له لا معاون له وهذه كلها ادعاها المشركون ، وهو واحد جل وعلا في إلهيته لا شريك له فيها أي استحقاق العبادة وهو واحد جل وعلا في أسمائه وصفاته لا مثيل له ولا نظير ولا كفو ولا سمي له في أسمائه وصفاته .

فإذن قوله ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدْ﴾ هذا يشمل أنواع التوحيد الثلاثة ، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات .

هنا بعدها بين جل وعلا بعض التفصيل لكلمة (أحد) فقال سبحانه :
﴿اللَّهُالصَّمَدُ﴾ هذا مبتدأ الله ، خبره الصمد ، ويقول علماء البلاغة إن الخبر إذا جاء معرفا بالألف واللام فإنه يقتضي الحصر ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يعني الذي ليس صَمَد إلا هو ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يعني الله الذي لا يستحق الصمدية إلا هو ، ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يعني هو الذي قـُصِـرت عليه وحُصِـرت فيه معاني الصمدية على وجه الكمال ، وأما البشر فإنهم يقال عنهم فلان صمد ، فلان صمد إذا كان يُصمَد إليه ـ ويأتي معنى ذلك إن شاء الله تعالى .

إذن فقوله ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ فيها حصر الصمدية ، حصر الصمْد في الله جل وعلا ، فالله من أسمائه (الصمد) فما معنى (الصمد) ؟

المفسرون من السلف اختلفوا في تفسيرها على قولين مشهورين وكل قول فيه تفاصيل وأيضا القول منهما يدل على الآخر بنوع من الدلالة .

- أما القول الأول فهو أن (الصمد) هو الذي لا جوف له ، (الصمد) كما فسرها ابن مسعود ورويت عنه موقوفة ومرفوعة أيضا لكن لا يصح المرفوع وأيضا رويت عن ابن عباس وعن جماعة من مفسري السلف بأن (الصمد) الذي لا جوف له ، وهذا بمعنى أنه لا يتخلل ذاته جل وعلا شيء بل هو جل وعلا واحد بالذات .

والمخلوقات غير الملائكة لها جوف يدخل فيها ما يدخل ويخرج منها ما يخرج ويلدون ويحمل منهم من يحمل ويلد من يلد ويأكلون ويشربون ويتغوطون وهذه كلها من صفات النقص ، ولهذا فسرها بعضهم بأن (الصمد) الذي لا يأكل ولا يشرب .

- وقال بعضهم (الصمد) تفسيره ما بعده وهو قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وهذه كلها في المعنى واحدة وهو أن (الصمد) الذي لا جوف له لأن الأكل والشرب يحتاج إلى جوف يمر فيه ، وكذلك الولادة يحتاج أن تخرج من جوف والله جل وعلا (صمد) ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذا هو المعنى الأول، وهذا قال ابن قتيبة وابن الأنباري هذا مأخوذ من (الصَمَت) بالتاء ، فكأن الدال هنا في قوله (الصمد) مبدلة من التاء ، من الصمْت أو المُصمَت من الشيء المصمت وهو الذي لا شيء في داخله ، قالوا الدال مبدلة من التاء ، وهذا رده شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وقال ليس هذا بوجيه بل الأولى أن يحمل هذا على الاشتقاق الأكبر وهذا صحيح ، لأن (الصمد) والصَمَت يعني المُصمَت و (الصمد) بينهما اشتقاق أكبر ، فبينهما اتصال في المعنى .

- أما القول الثاني وهو أيضا مروي عن ابن عباس وجماعة كثير من المفسرين من السلف فمن بعدهم أن (الصمد) هو الذي كَمُلَ في صفات الكمال وهو الذي يستحق أن يُصمَد إليه في الحوائج يعني يُسأل ويُطلب ويرغب فيما عنده وهو الذي يأتي بالخيرات وهو الذي يدفع الشرور عن من يَصمِد إليه ، وهذا مروي من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في صحيفة التفسير الصحيحة المعروفة حيث قال (الصمد) هو السيد الذي كمل في سؤدده ، الشريف الذي كمل في شرفه ، العظيم الذي كمل في عظمته ، الحليم الذي كمل في حلمه ، العليم الذي كمل في علمه .

يعني أن (الصمد) هو الذي اجتمعت له صفات الكمال .
وعلى هذا هو الذي يُصمَد إليه يعني يُتوجه إليه بطلب الحوائج إما بجلب المسرات أو دفع الشرور والمضرات ، وهذا معروف من جهة الاشتقاق ، من جهة الصَّمْد ، صَمَدَ إلى الشيء بمعنى توجه إليه وقد جاء في السنن (أن النبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان إذا صلى إلى عمود أو إلى سارية لم يَصْمُدْ إليه صَمْدا وإنما جعله عن يمينه أو عن يساره) وهذا الحديث استدل به شيخ الاسلام في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في موضع وفي إسناده ضعف لكن المقصود هنا من الشاهد اللغوي ، كان لا يصمد له بمعنى لا يتوجه إليه صمدا ، يتوجه إليه دون غيره بمعنى يكون مقابلا له متوجها له دون ما سواه .

وهذا إنما هو لله جل وعلا ، أما المخلوق فإنه وإن صُمِدَ إليه بمعنى إن تُوُجِّه إليه في الحاجات فهو أيضا يحتاج إلى أن يصْمُد وأن يَصْمِد إلى غيره ، أما الله جل وعلا فهو الذي كملت له أنواع الصمود وهو أنه الذي لا يستغني شيء عن أن يتوجه إليه وعن أن يصمِد إليه ، وهو جل وعلا مستغنٍ عن أن يَصْمِد إلى شيء ، ولهذا فسرها من فسرها من السلف قال (الصمد) هو المستغني عما سواه الذي يحتاج إليه كل ما عداه ، فسرت (الصمد) بذلك وهذا يعني أن الصمدية راجعة إلى صفة الله أولا ثم إلى فعل العبد ، يعني العباد هم الذين يصمدون إليه .

فإذن على هذين التفسيرين يكون قوله ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ فيها صفة الله جل وعلا ـ القول الأول - والثاني فيها أنواع صفات الله جل وعلا لأن معنى (الصمد) السيد الذي قد كمل في سؤدده الشريف الذي كمل في شرفه يعني (الصمد) من كملت له صفات الكمال ، وهذا ثابت في حق الله وأيضا على هذا يكون (الصمد) الذي يُصمَد إليه في الحوائج ، فيكون على هذا التفسير يكون قد جمعت كلمة (الصمد) بين توحيد الأسماء والصفات وبين توحيد الألهية ، لأن الذي يُصْمَد إليه وحده في الحوائج يُرغب إليه وحده يُطلب منه السؤال وحده يُحتاج إليه وحده ، هو (الصمد) وهو الله جل وعلا ، وفي هذا رد على المشركين الذين ألهوا غير الله أو وصفوا الله جل وعلا بصفات النقص من اليهود والنصارى والمشركين ومن شابههم .

قال هنا ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، ما قبلها وهي كلمة (الصمد) ذكرت لكم أن منهم من فسرها بما بعدها وهي قول ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
......

نعم كلا المعنيين صحيح ورجح شيخ الاسلام أن المعنى الأول والثاني متلازم ، متلازم ، هذا وهذا ، هذا يلزم هذا وهذا يلزم هذا .

قال هنا ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْوهذا نفي ، وقوله ﴿لَمْ يَلِدْ يعني لم يخرج منه ولد فيرثه في ملكه ، وقوله ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ يعني لم يخرج من شيء فيكون هو وارثا له ، بل هو جل وعلا المستحق للملك بذاته ، هو جل وعلا ذو الملكوت هو صاحب ذلك المستحق له لم يحتج جل وعلا إلى غيره سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .

وهذا النفي قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كما قررت لك فيما سلف في الدرس الماضي أن النفي في الكتاب والسنة إذا كان في صفات الله فإنه لا يكون مدحا إلا إذا اقتضى إثباتَ الصفة ، وهذه الصفة التي تثبت هي ضد الصفة المذكور نفيها ، وهنا نفيت عن الله جل وعلا صفتان ، صفة أنه يلد وصفة أنه يولد ، وهاتان الصفتان هي في المخلوق من صفات النقص لا من صفات الكمال لأن المخلوق يحتاج في إيجاده إلى أن يُحمَلَ به ويحتاج هو إلى أن يلد حتى يبقى ، فإذن كونه ولد وكونه يولد هذا من صفات النقص فيه لأنها دليل على عدم استغنائه ، دليل على حاجته دليل على فقره دليل على ضعفه وهذا منتفٍ عن الله جل وعلا .

فإذن ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ هذا نفي وهذا النفي يراد به إثبات كمال ضده ، وكمال ضد هذا النفي هو كمال (غنى ) الله جل وعلا ، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لِم ؟

لكمال غناه ولكمال صمديته ـ الذي هو بالمعنى الأول ـ ولكمال جبروته ولكمال قهره جل وعلا ولكمال صفاته ، فإذن ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ فيها إثبات لكمال صفة مضادة لهذا وهي صفة (الغنى) لله جل وعلا وعدم الاحتياج بخلاف المخلوقين الذين يحتاجون إلى أن يولدوا ويحتاجون إلى أن يلدوا وهم محتاجون إلى كلتا الجهتين في كل مخلوق يلد ويولد .

قال بعدها ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذا النفي مجمل ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ وما قبله إثبات مفصل ، وهذا أحد الأدلة على أن القرآن فيه النفي المجمل وفيه الإثبات المفصل :
أما الإثبات المفصل في هذه السورة فهو قوله ﴿اللَّهُ أَحَدٌ و (أحد) فيها إجمال لكنها باعتبار أفرادها بأنواع التوحيد الثلاثة يكون ذلك مفصلا ، وقوله ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ ما يشمله من الصفات كذلك باعتبار أفرادها يكون مفصلا .
قوله ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذا نفي مجمل ، أما قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ فهل يعد من النفي المفصل ؟
هذا الجواب عنه أن هذا النفي من جنس ما في القرآن من النفي وهو أنه لا يراد به تفصيل النفي وإنما يراد به إثبات كمال الضد .
ومعنى ذلك أن النفي إذا ورد في القرآن مفصلا فهو محمول على الإثبات المفصل لأن المراد منه إثبات كمال الضد ، وكمال الضد في قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ هي صفة (الغنى) التام وأنواع الكمال في الأوصاف وهذا من الإثبات المفصل .
قال هنا ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، أحد هذه اسم يكن ، لم يكن كفوا له أحدٌ ، هذا السياق ، هنا قال ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ فقدم خبر يكن على اسمها لأنه هو المقصود ، فالمقصود نفي المماثلة ، نفي أن يكون ثم كفؤ وليس المقصود الإخبار ، ليس المقصود أن يثبـِت لغيره المشابهة وإنما المقصود أنه ليس له كفوا أحد وهذا من أسرار التقديم ، فإنه إذا كان الخبر أهم فإنه يقدَّم ، إذا كان هو المقصود يكون مقدما لأن المقصود بالإخبار تارة يكون المبتدأ وتارة في النفي يكون الخبر .
قال هنا سبحانه ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ يعني لهذا الذي وصف لله جل وعلا (كفوا) و (كفوا) فيها قراءتان ، قراءة هذه قراءتنا بضمتين الكاف مضمومة والفاء مضمومة ﴿لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ .
وأما قراءة غير حفص فإنه يقرؤها ـ مثل نافع وغيره ـ يقرؤنها بالإسكان ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًافمن الغلط أن تُقرأ ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ لمن يقرأ بقراءة حفص عن عاصم يعني برواية حفص عن عاصم .
(الكفو) المنفي هنا ذكرنا لكم معناه فيما سبق وهو أن (الكفو) المثيل والنظير والشبيه قال تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً﴾ و (الأنداد) جمع ند وهو الكفؤ والنظير والمثيل ، وذكرت لكم قول الشاعر :
أتهجوه ولست له بكفؤ - حسان في مدح النبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ - يعني ولست له بند ، فالكفو والكفؤ من المكافأة وهي المسواة ، ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا يعني لم يكن له ندا ، لم يكن له نظيرا ، لم يكن له مثيلا ، لم يكن له سميا (أحد) .
و (أحد) هنا نكرة في سياق النفي فهي تعم كل من صدق عليه اسم أحد في النفي ، تعم كل أحد ﴿لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌيعني من خلقه ، فلا أحد يكافئه ولا يماثله لا في ذاته جل وعلا ولا في صفاته ولا في أسمائه فإنه لا مثيل له ولا نظير ولا مكافئ ولا عِدْل ، تبارك ربنا وتقدس وتعاظم.
هذه السورة فيها إذن إثبات الصفات .





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:57 PM

اللغز الثاني والعشرون


في يوم ميلاد النبي
في فرحةٍ قام الشقي
بعتق جاريةٍ له
جاءته بالخبر البهي
لكنه لما أتى
بالوحي في أمرٍ جلي
كانت عداوته له
ضرب المثال لكل حي
قام الشقي مكذبا
خير الأنام معذبا
تبت يداه وزوجه
عن كل خير قد نبا
تبت يداه فما له
ظن المخاسر مكسبا
يا مؤمنون تدبروا
شر التحاسد فاحذروا
إن الذي لم يرضه
قسم القضاء لخاسرُ

سورة المسد

مقصودها:
مقصودها البت والقطع الحتم بخسران الكافر ولو كان أقرب الخلق إلى أعظم الفائزين ، اللازم عنه أن شارع الدين له من العظمة ما يقصر عنه الوصف ، فهو يفعل ما يشاء لأنه لا كفو - له أصلا ، حثا على التوحيد من سائر العبيد ولذلك بين سورة الإخلاص المقرون بضمان النصر وكثرة الأنصار ، واسمها تبت واضح الدلالة على ذلك بتأمل السورة على هذه الصورة


أسباب النزول:
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد أخبرنا محمد بن حماد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا له: ما لك قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقون قالوا: بلى قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله عز وجل (تَبَّت يَدا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ) إلى آخرها. رواه البخاري عن محمد بن سلام عن أبي معاوية إلى آخرها.

الرجل هو أبو لهب مات كمدا على ما حدث لقريش في بدر وقد أصيب بمرض جلديّ
******************

تفسيرها للشيخ عبدالعزيز السعيد:
تفسير سورة المسد


بسم الله الرحمن الرحيم: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ

هذه السورة بيّن الله -جل وعلا- فيها خسارة عدو من أعداء الله -جل وعلا-، وإن كان قريبا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن وحي الله -جل وعلا- الذي أنزله على عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يكتمه نبينا -صلى الله عليه وسلم- أبدا، ولو كتم شيئا لكتم مثل هذه السورة، لأنها نازلة في عمه -أخي أبيه-.

فأبو لهب هذا هو عبد العزى بن عبد المطلب، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ثم إن هذه السورة تبين أن الهداية بيد الله -جل وعلا-، والإنسان دائما يكون حريصا على أن يهتدي الأقربون منه، ومع ذلك الله -جل وعلا- لم يهد عمّ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بل هو من أهل النار.

قال الله -جل وعلا-: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ في أول السورة دعا الله -جل وعلا- عليه بالخسارة والهلاك، ثم أخبر -جل وعلا- أنه خسر وهلك؛ فالأولى وهي قوله: " تَبَّتْ" هذه دعاء عليه، وقوله -جل وعلا- "وَتَبَّ" هذا خبر عن حاله ومصيره، وأنه تحقق له الهلاك.

وورودها جاء على سبب، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان في مكة خرج إلى البطحاء، وصعد الجبل وقال: ( يا صباحاه ) فاجتمعت إليه قريش، وكان منهم أبو لهب -قبحه الله-، فقال لهم -صلى الله عليه وسلم( لو حدثتكم أن عدوا مصبحكم أو مُمسيكم، أكنتم مُصدقيّ؟ قالوا: نعم. فقال -صلى الله عليه وسلم-: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا، تبا لك ) فأنزل الله -جل وعلا- على نبيه هذه السورة التي تضمنت أن أبا لهب هذا وامرأته لن تنفع فيهما الدعوة، وأنهم يموتون على الكفر والضلال بما سبق في علم الله -جل وعلا- أنهم لن يهتدوا.

ولهذا كان هناك جمع من المشركين يعادون نبينا -صلى الله عليه وسلم- ويؤذونه، ومع ذلك ما أنزل الله فيهم مثل هذه السورة؛ لأن الله -جل وعلا- قد علم من حال بعضهم أنه يموت على الإسلام.

قال الله -جل وعلا-: "مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ" أي: أن أبا لهب هذا ما أغنى عنه ماله الذي كان يملكه، وما أغنى عنه ما كسبه من الجاه والرئاسة والولد وغيرها من متاع الدنيا؛ لأنه لا يغني عن عذاب الله -جل وعلا- شيئا إلا ما جعله الله -جل وعلا- يقي الإنسان عذابه، وهو العمل الصالح بعد فضل الله ورحمته، وهذا كما قال الله -جل وعلا-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ .
وقال الله -جل وعلا-: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وذكر الله -جل وعلا- عن أهل النار أن أحدهم يقول: " مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " فماله وما كسبه لا يدفع عنه من عذاب الله شيئا.
ثم قال الله -جل وعلا-: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ أي: أن أبا لهب سيصليه الله -جل وعلا- نارا تضطرم وتتأجج، وهذا الصلي قد تقدم لنا أنه يكون في حق الكافرين، وذلك دليل على أنه يموت على الكفر -أعاذنا الله منه-.
قال الله -جل وعلا-: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أي: وامرأة أبي لهب، وهي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان بن حرب، ستصلى نارا ذات لهب مع زوجها. ويوم القيامة تحمل الحطب في نار جهنم؛ ليوقد به عليها وعلى زوجها جزاء ما كانت تصنعه إعانة لزوجها في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا؛ إذ كانت تلقي في طريقه -صلى الله عليه وسلم- الأذى؛ لأنه دعا الناس إلى عبادة الله وحده.
وأخبر -جل وعلا- أنه يكون في عنقها يوم القيامة حبل مفتول من مسد، تُعذب به في نار جهنم، كما يُعذب أهل النار بالسلاسل والأغلال هي -كذلك- تُعذب بهذا الحبل، ولعله يكون سيما لها في نار جهنم؛ لأنها وزوجها كانا يَتَّبِعَان النبي -صلى الله عليه وسلم- ويؤذيانه.
كان أبو لهب إذا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى نوادي المشركين ومواسيمهم، يدعوهم إلى دين الله -جل وعلا- وقال لهم: ( قولوا: لا إله إلا لله تفلحوا قال: هذا صابئ كذاب )وامرأته كانت تعينه على ذلك بالقول والفعل، فعاقبهم الله -جل وعلا- في نار جهنم بعقاب يشهده أهل النار -أعاذنا الله منها-.

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب "
في الصحيحين عن ابن عباس قال : لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء : 214 ]
ورهطك منهم المخلصين , خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا
فهتف : يا صباحاه ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا محمد . فاجتمعوا إليه . فقال :
[ يا بني فلان , يا بني فلان , يا بني فلان , يا بني عبد مناف , يا بني عبد المطلب ]
فاجتمعوا إليه . فقال : [ أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ] ؟
قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : [ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ] .
فقال أبو لهب : تبا لك , أما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام
فنزلت هذه السورة : " تبت يدا أبي لهب وقد تب "
كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة . زاد الحميدي وغيره : فلما سمعت امرأته
ما نزل في زوجها وفيها من القرآن , أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو جالس في المسجد عند الكعبة , ومعه أبو بكر رضي الله عنه
وفي يدها فهر من حجارة , فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر , إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني
والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه
والله إني لشاعرة : مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا ثم انصرفت .
فقال أبو بكر : يا رسول الله , أما تراها رأتك ؟
قال : [ ما رأتني , لقد أخذ الله بصرها عني ] .
وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ; يسبونه
وكان يقول : [ ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش , يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد ] .
وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد ؟ فقال : [ كما يعطى المسلمون ]
قال ما لي عليهم فضل ؟ . قال : [ وأي شيء تبغي ] ؟
قال : تبا لهذا من دين , أن أكون أنا وهؤلاء سواء ; فأنزل الله تعالى فيه .
" تبت يدا أبي لهب وتب " . وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال :
كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وقد انطلق إليهم أبو لهب
فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له : أنت أعلم به منا .
فيقول لهم أبو لهب : إنه كذاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يلقونه .
فأتى وفد , ففعل معهم مثل ذلك , فقالوا : لا ننصرف حتى نراه , ونسمع كلامه .
فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعسا . فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاكتأب لذلك ; فأنزل الله تعالى : " تبت يدا أبي لهب " ... السورة .
وقيل : إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر , فمنعه الله من ذلك
وأنزل الله تعالى : " تبت يدا أبي لهب وتب " للمنع الذي وقع به .
ومعنى " تبت " : خسرت ; قال قتادة . وقيل : خابت ; قال ابن عباس .
وقيل : ضلت ; قاله عطاء . وقيل : هلكت ; قاله ابن جبير .
وقال يمان بن رئاب : صفرت من كل خبر .
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان رحمه الله سمع الناس هاتفا يقول :
لقد خلوك وانصرفوا فما أبوا ولا رجعوا ولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعوا وخص اليدين بالتباب
لأن العمل أكثر ما يكون بهما ; أي خسرتا وخسر هو . وقيل : المراد باليدين نفسه .
وقد يعبر عن النفس باليد , كما قال الله تعالى : " بما قدمت يداك " [ الحج : 10 ] .
أي نفسك . وهذا مهيع كلام العرب ; تعبر ببعض الشيء عن كله ; تقول :
أصابته يد الدهر , ويد الرزايا والمنايا ; أي أصابه كل ذلك .
قال الشاعر : لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مجير " وتب "
قال الفراء : التب الأول : دعاء والثاني خبر ; كما يقال : أهلكه الله وقد هلك .
وفي قراءة عبد الله وأبي " وقد تب "
وأبو لهب اسمه عبد العزى , وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم .
وامرأته العوراء أم جميل , أخت أبي سفيان بن حرب , وكلاهما
كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم .
قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز , إذ أنا بإنسان يقول :
[ يأيها الناس , قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ] , وإذا رجل خلفه يرميه , قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول :
يأيها الناس , إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت من هذا ؟ فقالوا : محمد , زعم أنه نبي .
وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى عطاء عن ابن عباس قال :
قال أبو لهب : سحركم محمد إن أحدنا ليأكل الجذعة , ويشرب العس من اللبن فلا يشبع
وإن محمدا قد أشبعكم من فخذ شاة , وأرواكم من عس لبن .

الثانية : قوله تعالى : " أبي لهب " قيل : سمي باللهب لحسنه , وإشراق وجهه .
وقد ظن قوم أن في هذا دليلا على تكنية المشرك ; وهو باطل
وإنما كناه الله بأبي لهب - عند العلماء - لمعان أربعة : الأول : أنه كان اسمه عبد العزى
والعزى : صنم , ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم .
الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه ; فصرح بها . الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية
فحطه الله عز وجل عن الأشرف إلى الأنقص ; إذا لم يكن بد من الإخبار عنه
ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم , ولم يكن عن أحد منهم .
ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يسمى ولا يكنى
وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ; واستحالة نسبة الكنية إليه , لتقدسه عنها .
الرابع - أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته , بأن يدخله النار , فيكون أبا لها , تحقيقا للنسب
وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه . وقد قيل : اسمه كنيته .
فكان أهله يسمونه أبا لهب , لتلهب وجهه وحسنه ; فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النور
وأبو الضياء , الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه
وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى لهب الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم , وهو النار .
ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره . وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن . " أبي لهب " بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في " ذات لهب " إنها مفتوحة ; لأنهم راعوا فيها رءوس الآي .


الثالثة : قال ابن عباس : لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب ما هو كائن
وكان فيما كتب " تبت يدا أبي لهب " . وقال منصور : سئل الحسن عن قوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب " .
هل كان في أم الكتاب ؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟
فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها
وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه .
ويؤيده قول موسى لآدم : ( أنت الذي خلقك الله بيده , ونفخ فيك من روحه
وأسكنك جنته , وأسجد لك ملائكته , خيبت الناس , وأخرجتهم من الجنة .
قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه , وأعطاك التوراة
تلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلق الله السموات والأرض .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فحج آدم موسى ) . وقد تقدم هذا .
وفي حديث همام عن أبي هريرة أن آدم قال لموسى : ( بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني ) ؟
قال : بألفي عام قال : فهل وجدت فيها : " وعصى آدم ربه فغوى " قال : نعم قال :
أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام . فحج آدم موسى ) .
وفي حديث طاوس وابن هرمز والأعرج عن أبي هريرة : [ بأربعين عاما ] .

تفسير الشيخ ابن عثيمين لجزء عم:
تفسير سورة المسد
‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ‏}‏‏.‏

البسملة تقدم الكلام عليها‏.‏ هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - حق، ليس يدعو لملك ولا لجاه، ولا لرئاسة قومه، وأعمام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم آمن به وجاهد معه، وأسلم لله رب العالمين‏.‏ وقسم ساند وساعد، لكنه باق على الكفر‏.‏ وقسم عاند وعارض، وهو كافر‏.‏ فأما الأول‏:‏ فالعباس بن عبدالمطلب، وحمزة بن عبدالمطلب‏.‏ والثاني‏:‏ أفضل من الأول؛ لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل، ووصفه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه أسد الله، وأسد رسوله، واستشهد رضي الله عنه في أحد في السنة الثانية من الهجرة‏.‏ أما الذي ساند وساعد مع بقائه على الكفر فهو أبو طالب، فأبو طالب قام مع النبي - صلى الله عليه وسلّم - خير قيام في الدفاع عنه ومساندته ولكنه - والعياذ بالله - قد سبقت له كلمة العذاب، لم يُسلم حتى في آخر حياته في آخر لحظة من الدنيا عرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلّم - أن يسلم لكنه أبى بل ومات على قوله‏:‏ إنه على ملة عبدالمطلب، فشفع له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه‏.‏ أما الثالث‏:‏ الذي عاند وعارض فهو أبو لهب‏.‏ أنزل الله فيه سورة كاملة تُتلى في الصلوات فرضها ونفلها، في السر والعلن، يُثاب المرء على تلاوتها، على كل حرف عشر حسنات‏.‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ وهذا رد على أبي لهب حين جمعهم النبي - صلى الله عليه وسلّم - ليدعوهم إلى الله فبشر وأنذر، قال أبو لهب‏:‏ تبًّا لك ألهذا جمعتنا، قوله‏:‏ ‏"‏ألهذا جمعتنا‏"‏ إشارة للتحقير، يعني هذا أمر حقير ما يحتاج أن يُجمع له زعماء قريش وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 36‏]‏‏.‏ والمعنى تحقيره، فليس بشيء ولا يهتم به كما قالوا‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 31‏]‏‏.‏ فالحاصل أن أبا لهب قال‏:‏ تبًّا لك ألهذا جمعتنا، فرد الله عليه بهذه السورة‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ والتباب الخسار‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 37‏]‏‏.‏ أي‏:‏ خسار‏.‏ وبدأ بيديه قبل ذاته؛ لأن اليدين هما آلتا العمل والحركة، والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك‏.‏ وهذا اللقب أبو لهب، لقب مناسب تمامًا لحاله ومآله، وجه المناسبة أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى، تتلظى لهبًا عظيمًا مطابقة لحاله ومآله‏.‏ يقول الشاعر‏:‏ قل إن أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏هذا سهيل بن عمرو، وما أراه إلا سهل لكم من أمركم‏)‏، لأن الاسم مطابق للفعل‏.‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ‏}‏ ‏"‏ما‏"‏ هذه يحتمل أن تكون استفهامية والمعنى‏:‏ أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب‏؟‏ والجواب‏:‏ لا شيء، ويحتمل أن تكون ‏(‏ما‏)‏ نافية‏.‏ أي ما أغنى عنه، أي لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئًا، وكلا المعنيين متلازمان، ومعناهما‏:‏ أن ماله وما كسب لم يغنِ عنه شيئًا، مع أن العادة أن المال ينفع، فالمال يفدي به الإنسان نفسه لو تسلط عليه عدو وقال‏:‏ أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني، يطلقه، لكن قد يطلب مالًا كثيرًا أو قليلًا، ولو مرض انتفع بماله، ولو جاع انتفع بماله، فالمال ينفع، لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار، ليس بنفع‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ‏}‏‏.‏ يعني من الله شيئًا قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَسَبَ‏}‏ قيل المعنى‏:‏ وما كسب من الولد‏.‏ كأنه قال‏:‏ ما أغنى عنه ماله وولده‏.‏ كقول نوح‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 21‏]‏‏.‏ فجعلوا قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَسَبَ‏}‏ يعني بذلك الولد‏.‏ وأيدوا هذا القول بقول النبي - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم‏)‏‏.‏ والصواب أن الآية أعم من هذا، وأن الآية تشمل الأولاد، وتشمل المال المكتسب الذي ليس في يده الان، وتشمل ما كسبه من شرف وجاه‏.‏ كل ما كسبه مما يزيده شرفًا وعزًّا فإنه لا يُغني عنه شيئًا ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ‏}‏‏.‏ ‏{‏سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ‏}‏ السين في قوله‏:‏ ‏{‏سَيَصْلَى‏}‏ للتنفيس المفيد للحقيقة والقرب‏.‏ يعني أن الله تعالى توعده بأنه سيصلى نارًا ذات لهب عن قريب؛ لأن متاع الدنيا والبقاء في الدنيا مهما طال فإن الاخرة قريبة، حتى الناس في البرزخ وإن مرت عليهم السنين الطوال فكأنها ساعة ‏{‏كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 35‏]‏‏.‏ وشيء مقدر بساعة من نهار فإنه قريب‏.‏ ‏{‏وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ يعني كذلك امرأته معه، وهي امـرأة من أشراف قريش لكن لم يغنِ عنها شرفها شيئًا لكونها شاركت زوجها في العداء والإثم، والبقاء على الكفر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ قُـرأت بالنصب والرفع، أما النصب فإنها تكون حالًا لامرأة، يعني وامرأته حال كونها حمالة الحطب‏.‏ أو تكون منصوبة على الذم لأن النعت المقطوع يجوز نصبه على الذم‏.‏ أي أذم حمالة الحطب‏.‏ وأما على قراءة الرفع فهي صفة لامرأة ‏{‏حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ ‏{‏حَمَّالَةَ‏}‏ صيغة مبالغة أي تحمله بكثرة، وذكروا أنها تحمل الحطب الذي فيه الشوك وتضعه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلّم - من أجل أذى الرسول - صلى الله عليه وسلّم ـ‏.‏ ‏{‏فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ‏}‏ الجيد‏:‏ العنق، والحبل معروف، والمسد‏:‏ الليف‏.‏ يعني أنها متقلدة حبلًا من الليف تخرج به إلى الصحراء لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلّم - نعوذ بالله من ذلك، وهو إشارة إلى دنو نظرتها، وأنها أهانت نفسها، امرأة من قريش من أكابر قبائل قريش تخرج إلى الصحراء وتضع هذا الحبل في عنقها، وهو من الليف مع ما فيـه من المهانة، لكن من أجل أذية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم ـ‏.‏ نسأل الله العافية‏.‏ وبهذا ينتهي الكلام بما يسر الله عز وجل على هذه السورة‏.‏




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:02 PM

اللغز الثالث والعشرون



أكرم بها من سورةٍ غراءِ
قد أشرقت في مهجتي بضياءِ
فيها مواساة الرسول لحرصه
أن يهتدي الماضون في الظلماءِ
ضربت له مثلاً بفرعون الذي
عم العباد برهبةٍ وشقاءِ
وبصبر موسى حين عانى كيده
وبصبر سحارٍ على الإيذاءِ
وبها خليل الله ينهى قومه
عن غيهم بالحجة البيضاءِ
وبها نجاة المتقين وسعدهم
وهلاك من سلكوا طريق شقاءِ
وبها حوار الأنبياء ومن عصى
كي نتقي ما كان من أدواءِ
وبها ختام خصنا وأرادنا
فتنبهوا يا معشر الشعراءِ

سورة الشعراء

مقصودها:
أن هذا الكتاب بين في نفسه بإعجازه أنه من عند الله ، مبين لكل ملتبس ، ومن ذلك بيان آخر التي قبلها بتفصيلهن وتنزيله على أحوال الأمم وتمثيله ، وتسكين أسفه ( صلى الله عليه وسلم ) خوفاً من أن يعم أمته الهوان بعدم الإيمان ، وأن يشتد قصدهم لأتباعه بالأذى والعدوان بما تفهمه ) سوف ( من طول الزمان ، بالإشارة غلى إهلاك من علم منه دوام العصيان ، ورحمة من أراده للهداية والإحسان ، وتسميتها بالشعراء أدل دليل على ذلك بما يفارق به القرآن الشعر من علو مقامه ، واستقامة مناهجه وعز مرامه ، وصدق وعده ووعيده وعدل تبشيره وتهديده ، وكذا تسميتها بالظلة إشارة إلى أنه أعدل في بيانه ، أو أدل في جميع شأنه ، من المقادير التي دلت عليها قصة شعيب عليه السلام بالمكيال والميزان ، وأحرق من الظلة لمن يبارزه بالعصيان


الآيات التي اشارت إليها الابيات
أكرم بها من سورةٍ غراءِ
قد أشرقت في مهجتي بضياءِ
فيها مواساة الرسول لحرصه
أن يهتدي الماضون في الظلماءِ
طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

ضربت له مثلاً بفرعون الذي
عم العباد برهبةٍ وشقاءِ
وبصبر موسى حين عانى كيده
وبصبر سحارٍ على الإيذاءِ
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ
إلى آخر القصة

وبها خليل الله ينهى قومه
عن غيهم بالحجة البيضاءِ
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ

وبها نجاة المتقين وسعدهم
وهلاك من سلكوا طريق شقاءِ
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ

وبها حوار الأنبياء ومن عصى
كي نتقي ما كان من أدواءِ
الآيات كثيرة

وبها ختام خصنا وأرادنا

فتنبهوا يا معشر الشعراءِ
وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ

سبب النزول ورد في تفسير ابن كثير:
روى ابن أبي حاتم أيضا عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة عن الوليد بن أبي كثير عن زيد بن عبد الله عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت هذه الآية" والشعراء يتبعهم الغاوون " يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها عليهما" والشعراء يتبعهم الغاوون - حتى بلغ - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال " أنتم " وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا أبو مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال : لما نزلت" والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى قوله " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله تعالى " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " الآية وهكذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء ولكن هذه السورة مكية فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار ؟ وفي ذلك نظر ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها والله أعلم ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحا وذكر الله كثيرا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ فإن الحسنات يذهبن السيئات وامتدح الإسلام وأهله مقابلة ما كان يذمه كما قال عبد الله بن الزبعرى حين أسلم : يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغ ي ومن مال ميله مثبور وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه وأكثرهم له هجوا فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما كان يهجوه ويتولاه بعدما كان قد عاداه وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال " نعم " قال : معاوية تجعله كاتبا بين يديك قال " نعم " قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال " نعم " وذكر الثالثة ولهذا قال تعالى : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا " قيل معناه ذكروا الله كثيرا في كلامهم وقيل في شعرهم وكلاهما صحيح مكفر لما سبق وقوله تعالى : " وانتصروا من بعد ما ظلموا" قال ابن عباس يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد وهذا كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان " اهجهم - أو قال - هاجهم وجبريل معك " وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " وقوله تعالى : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " كقوله تعالى : " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم " الآية وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " يعني من الشعراء وغيرهم وقال أبو داود الطيالسي حدثنا إياس بن أبي تميمة قال حضرت الحسن ومر عليه بجنازة نصراني فقال : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " قال عبد الله بن أبي رباح عن صفوان بن محرز أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى حتى أقول قد اندق قضيب زوره " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " وقال ابن وهب أخبرنا شريح الإسكندراني عن بعض المشيخة أنهم كانوا بأرض الروم فبينما هم ليلة على نار يشتوون عليها أو يصطلون إذا بركبان قد أقبلوا فقاموا إليهم فإذا فضالة بن عبيد فيهم فأنزلوه فجلس معهم - قال - وصاحب لنا قائم يصلي حتى مر بهذه الآية " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " قال فضالة بن عبيد هؤلاء الذين يخربون البيت . وقيل المراد بهم أهل مكة وقيل الذين ظلموا من المشركين . والصحيح أن هذه الآية عامة في كل ظالم كما قال ابن أبي حاتم : ذكر عن يحيى بن زكريا بن يحيى الواسطي حدثني الهيثم بن محفوظ أبو سعد النهدي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المحبر حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كتب أبي في وصيته سطرين : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر وينتهي الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
سورة الشعراء

سورة الشعراء : هي مكية في قول الجمهور . وقال مقاتل : منها مدني
الآية التي يذكر فيها الشعراء
وقوله : " أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل " .
وقال ابن عباس وقتادة : مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة
من قوله : " والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى آخرها .
وهي مائتان وسبع وعشرون آية .
وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المبين مكان الإنجيل
وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي ) .
وقال أبو حاتم : قرأ خالد : " طسين ميم " .
ابن عباس : " طسم " قسم وهو اسم من أسماء الله تعالى
والمقسم عليه : " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " .
وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن أقسم الله به .
مجاهد : هو اسم السورة ; ويحسن افتتاح السورة . الربيع : حساب مدة قوم .
وقيل : قارعة تحل بقوم . " طسم " و " طس " واحد .
قال : وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
وقال القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه .
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل : الطاء طور سيناء والسين إسكندرية والميم مكة .
وقال جعفر بن محمد بن علي : الطاء شجرة طوبى , والسين سدرة المنتهى , والميم محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : الطاء من الطاهر والسين من القدوس
وقيل : من السميع وقيل : من السلام - والميم من المجيد . وقيل : من الرحيم .
وقيل : من الملك . وقد مضى هذا المعنى في أول سورة " البقرة " .
والطواسيم والطواسين سور في القرآن جمعت على غير قياس .
وأنشد أبو عبيدة : وبالطواسيم التي قد ثلثت وبالحواميم التي قد سبعت
قال الجوهري : والصواب أن تجمع بذوات وتضاف إلى واحد , فيقال : ذوات طسم وذوات حم .

وهى سورة النمل
وسورة الشعراء
وسورة القصص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ

قوله تعالى : " والشعراء " جمع شاعر مثل جاهل وجهلاء
قال ابن عباس : هم الكفار " يتبعهم " ضلال الجن والإنس .
وقيل " الغاوون " الزائلون عن الحق , ودل بهذا أن الشعراء أيضا غاوون
لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك . ومن الشعر ما يجوز إنشاده , ويكره , ويحرم .
روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما
فقال : " هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ) قلت : نعم . قال ( هيه ) فأنشدته بيتا .
فقال ( هيه ) ثم أنشدته بيتا . فقال ( هيه ) حتى أنشدته مائة بيت .
هكذا صواب هذا السند وصحيح روايته . وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم : عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه وهو وهم ; لأن الشريد هو الذي أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم . واسم أبي الشريد سويد .
وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعا وطبعا
وإنما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية ; لأنه كان حكيما
ألا ترى قوله عليه السلام : ( وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )
فأما ما تضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه فذلك مندوب إليه
كقول القائل : الحمد لله العلي المنان صار الثريد في رءوس العيدان
أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مدحه
كقول العباس : من قبلها طبت في الظلال وفي
مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد
أل جم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يفضض الله فاك ) .
أو الذب عنه كقول حسان : هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
وهي أبيات ذكرها مسلم في صحيحه وهي في السير أتم .
أو الصلاة عليه ; كما روى زيد بن أسلم ; خرج عمر ليلة يحرس فرأى مصباحا في بيت
وإذا عجوز تنفش صوفا وتقول : على محمد صلاة الأبرار صلى عليه الطيبون الأخيار
قد كنت قواما بكا بالأسحار يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل يجمعني وحبيبي الدار
تعني النبي صلى الله عليه وسلم ; فجلس عمر يبكي .
وكذلك ذكر أصحابه ومدحهم رضي الله عنهم ; ولقد أحسن محمد بن سابق
حيث قال : إني رضيت عليا للهدى علما كما رضيت عتيقا صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفص وشيعته وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة عندي قدوة علم فهل علي بهذا القول من عار
إن كنت تعلم أني لا أحبهم إلا من أجلك فاعتقني من النار
وقال آخر فأحسن : حب النبي رسول الله مفترض وحب أصحابه نور ببرهان
من كان يعلم أن الله خالقه لا يرمين أبا بكر ببهتان
ولا أبا حفص الفاروق صاحبه ولا الخليفة عثمان بن عفان
أما علي فمشهور فضائله والبيت لا يستوي إلا بأركان
قال ابن العربي : أما الاستعارات في التشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد وتجاوزت المعتاد
فبذلك يضرب الملك الموكل بالرؤيا المثل , وقد أنشد كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول
فجاء في هذه القصيدة من الاستعارات والتشبيهات بكل بديع
والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا ينكر في تشبيهه ريقها بالراح .
وأنشد أبو بكر رضي الله عنه :
فقدنا الوحى إذ وليت عنا وودعنا من الله الكلام
سوى ما قد تركت لنا رهينا توارثه القراطيس الكرام
فقد أورثتنا ميراث صدق عليك به التحية والسلام
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه وأبو بكر ينشده , فهل للتقليد والاقتداء موضع أرفع من هذا .
قال أبو عمر : ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهى
وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر
أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا , ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى
فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله
وروى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول :
( أصدق كلمة - أو أشعر كلمة - قالتها العرب قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل أخرجه مسلم وزاد ( وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )
وروي عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه : مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر .
فقال : ويلك يا لكع ! وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي
فحسنه حسن وقبيحه قبيح

وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم
فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة , وأشحهم على حاتم
وإن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي , وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء
رغبة في تسلية النفس وتحسين القول ; كما روي عن الفرزدق
أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله :
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام فقال : قد وجب عليك الحد .
فقال : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله : " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " .
وروي أن النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال : من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج
وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه . وقال : إي والله إني ليسوءني ذلك .
فقال : يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا مما قلت ; وإنما كانت فضلة من القول , وقد قال الله تعالى : " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون .
وأنهم يقولون ما لا يفعلون " فقال له عمر : أما عذرك فقد درأ عنك الحد
ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت .
وذكر الزبير بن بكار قال :
حدثني مصعب بن عثمان أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة
لم يكن له هم إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة :
إني قد عرفت عمر والأحوص بالشر والخبث فإذا أتاك كتابي هذا فاشدد عليهما واحملهما إلي .
فلما أتاه الكتاب حملهما إليه , فأقبل على عمر , فقال :
هيه ! فلم أر كالتجمير منظر ناظر ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
وكم مالئ عينيه من شيء غيره إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
أما والله لو اهتممت بحجك لم تنظر إلى شيء غيرك ; فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون ! ثم أمر بنفيه . فقال : يا أمير المؤمنين ! أوخير من ذلك ؟ فقال : ما هو ؟
قال : أعاهد الله أني لا أعود إلى مثل هذا الشعر , ولا أذكر النساء في شعر أبدا
وأجدد توبة , فقال : أوتفعل ؟ قال : نعم , فعاهد الله على توبته وخلاه ; ثم دعا بالأحوص
فقال هيه ! الله بيني وبين قيمها يفر مني بها وأتبع بل الله بين قيمها وبينك
ثم أمر بنفيه ; فكلمه فيه رجال من الأنصار فأبى , وقال : والله لا أرده ما كان لي سلطان
فإنه فاسق مجاهر . فهذا حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه
فلا يحل سماعه ولا إنشاده في مسجد ولا غيره , كمنثور الكلام القبيح ونحوه .
وروى إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام )
رواه إسماعيل عن عبد الله الشامي وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام ) .

سورة الشعراء

‏{‏طسم‏}‏ ‏[‏1‏]‏ سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة‏.‏

‏{‏تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ‏}‏ ‏[‏2‏]‏

هذه آيات القرآن الموضِّح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلال‏.‏
‏{‏لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏3‏]‏
لعلك ـ أيها الرسول ـ من شدة حرصك على هدايتهم مُهْلِك نفسك ؛ لأنهم لم يصدِّقوا بك ولم يعملوا بهديك ، فلا تفعل ذلك‏.‏
{‏إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ‏}‏ ‏[‏4‏]‏
إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من الماء معجزة مخوِّفة لهم تلجئهم إلى الإيمان ، فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ، ولكننا لم نشأ ذلك‏;‏ فإن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا‏.‏
{‏وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ‏}‏ ‏[‏5‏]‏
وما يجيء هؤلاء المشركين المكذبين مِن ذِكْرٍ من الرحمن مُحْدَث إنزاله ، شيئًا بعد شيء ، يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم بالدين الحق إلا أعرضوا عنه‏,‏ ولم يقبلوه‏.‏
{‏فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ ‏[‏6‏]‏‏.‏
فقد كذَّبوا بالقرآن واستهزؤوا به‏,‏ فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون منه‏,‏ وسيحلُّ بهم العذاب جزاء تمردهم على ربهم‏.‏
{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏}‏ ‏[‏7‏]‏
{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏8‏]‏
{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏9‏]‏
أكذبوا ولم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات‏,‏ لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين‏؟‏ إن في إخراج النبات من الأرض لَدلالة واضحة على كمال قدرة الله‏,‏ وما كان أكثر القوم مؤمنين‏.‏ وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق‏,‏ الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء‏.‏
{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏10‏]‏
{‏قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏11‏]‏
واذكر ـ أيها الرسول ـ لقومك إذ نادى ربك موسى‏:‏ أن ائت القوم الظالمين‏,‏ قوم فرعون، وقل لهم‏:‏ ألا يخافون عقاب الله تعالى، ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلال‏؟‏
{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ‏}‏ ‏[‏12‏]‏
{‏وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ‏}‏ ‏[‏13‏]‏‏.‏
{‏وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ‏}‏ ‏[‏14‏]‏ قال موسى‏:‏ رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة‏,‏ ويملأ صدري الغمُّ لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالدعوة فأرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني‏.‏ ولهم علي ذنب في قتل رجل منهم‏,‏ وهو القبطي‏,‏ فأخاف أن يقتلوني به‏.‏
{‏قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏15‏]‏
{‏فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏16‏]‏
{‏أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏17‏]‏
قال الله لموسى‏:‏ كلَّا لن يقتلوك‏,‏ وقد أجبت طلبك في هارون‏,‏ فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما‏,‏ إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون‏.‏ فأتِيَا فرعون فقولا له‏:‏ إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين‏:‏ أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا‏.‏
{‏قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ‏}‏ ‏[‏18‏]‏
{‏وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏19‏]‏
قال فرعون لموسى ممتنًا عليه‏:‏ ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا، ومكثت في رعايتنا سنين من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجلًا من قومي حين ضربته ودفعته‏,‏ وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين ربوبيتي‏؟‏
{‏قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏20‏]‏
{‏فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏21‏]‏ ‏{‏وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏22‏]‏
قال موسى مجيبًا لفرعون‏:‏ فعلتُ ما ذكرتَ قبل أن يوحي الله إلي‏,‏ ويبعثني رسولًا، فخرجت من بينكم فارًّا إلى ‏"‏مدين‏"‏، لمَّا خفت أن تقتلوني بما فعلتُ من غير عَمْد‏,‏ فوهب لي ربي تفضلًا منه النبوة والعلم‏,‏ وجعلني من المرسلين‏.‏ وتلك التربية في بيتك تَعُدُّها نعمة منك عليَّ، وقد جعلت بني إسرائيل عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم‏؟‏
‏{‏قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏23‏]‏
قال فرعون لموسى‏:‏ وما رب العالمين الذي تدَّعي أنك رسوله‏؟‏
{‏قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ‏}‏ ‏[‏24‏]‏
قال موسى‏:‏ هو مالك ومدبر السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بذلك، فآمِنوا‏.‏
{‏قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏25‏]‏
قال فرعون لمن حوله مِن أشراف قومه‏:‏ ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي‏؟‏
{‏قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏26‏]‏
قال موسى‏:‏ الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق أباءكم الأولين‏,‏ فكيف تعبدون مَن هو مخلوق مثلكم‏,‏ وله آباء قد فنوا كآبائكم‏؟‏
‏{‏قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏27‏]‏
قال فرعون لخاصته يستثير غضبهم ؛ لتكذيب موسى إياه‏:‏ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون‏,‏ يتكلم كلامًا لا يُعْقَل‏!‏
{‏قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏28‏]‏
قال موسى‏:‏ رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة‏,‏ وهذا يستوجب الإيمان به وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر‏!‏
‏{‏قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ‏}‏ ‏[‏29‏]‏
قال فرعون لموسى مهددًا له‏:‏ لئن اتخذت إلهًا غيري لأسجننك مع مَن سجنت‏.‏
{‏قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏30‏]‏
قال موسى‏:‏ أتجعلني من المسجونين‏,‏ ولو جئتك ببرهان قاطع يتبين منه صدقي‏؟‏
{‏قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏[‏31‏]‏
قال فرعون‏:‏ فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك‏.‏
{‏فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏32‏]‏
{‏وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ‏}‏ ‏[‏33‏]‏
فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانًا حقيقيًا‏,‏ ليس تمويهًا كما يفعل السحرة‏,‏ وأخرج يده مِن جيبه فإذا هي بيضاء كالثلج من غير برص، تَبْهَر الناظرين‏.‏
{‏قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏34‏]‏
{‏يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ‏}‏ ‏[‏35‏]‏
قال فرعون لأشراف قومه خشية أن يؤمنوا‏:‏ إن موسى لَساحر ماهر، يريد أن يخرجكم بسحره من أرضكم، فأي شيء تشيرون به في شأنه أتبع رأيكم فيه‏؟‏
{‏قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ‏}‏ ‏[‏36‏]‏
{‏يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏37‏]‏
قال له قومه‏:‏ أخِّر أمر موسى وهارون‏,‏ وأرسِلْ في المدائن جندًا جامعين للسحرة‏,‏ يأتوك بكلِّ مَن أجاد السحر، وتفوَّق في معرفته‏.‏
{‏فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}‏ ‏[‏38‏]‏
{‏وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏39‏]‏
فَجُمع السحرة، وحُدِّد لهم وقت معلوم، هو وقت الضحى من يوم الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون؛ وذلك للاجتماع بموسى‏.‏ وحُثَّ الناس على الاجتماع‏;‏ أملًا في أن تكون الغلبة للسحرة‏.‏
{‏لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ‏}‏ ‏[‏40‏]‏
إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة، فنثبت على ديننا‏.‏
‏{‏فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ‏}‏ ‏[‏41‏]‏
فلما جاء السحرة فرعون قالوا له‏:‏ أإن لنا لأجرًا مِن مال أو جاه، إنْ كنا نحن الغالبين لموسى‏؟‏
‏{‏قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏}‏ ‏[‏42‏]‏
قال فرعون‏:‏ نعم لكم عندي ما طلبتم مِن أجر‏,‏ وإنكم حينئذ لمن المقربين لديَّ‏.‏
{‏قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ‏}‏ ‏[‏43‏]‏
قال موسى للسحرة مريدًا إبطال سحرهم وإظهار أن ما جاء به ليس سحرًا‏:‏ ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر‏.‏
"‏ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ‏"‏‏[‏44‏]‏

فألقَوا حبالهم وعصيَّهم‏,‏ وخُيِّل للناس أنها حيَّات تسعى‏,‏ وأقسموا بعزة فرعون قائلين‏:‏ إننا لنحن الغالبون‏.‏

‏{‏فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ‏}‏ ‏[‏45‏]‏

فألقى موسى عصاه‏,‏ فإذا هي حية عظيمة‏,‏ تبتلع ما صدر منهم من إفك وتزوير‏.‏

‏{‏فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏46‏]‏

‏{‏قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏47‏]‏

‏{‏رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏ ‏[‏48‏]‏

فلما شاهدوا ذلك، وعلموا أنه ليس من تمويه السحرة‏,‏ آمنوا بالله وسجدوا له، وقالوا‏:‏ آمنَّا برب العالمين رب موسى وهارون‏.‏

‏{‏قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏ ‏[‏49‏]‏

قال فرعون للسحرة مستنكرًا‏:‏ آمنتم لموسى بغير إذن مني، وقال موهمًا أنَّ فِعْل موسى سحر‏:‏ إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر، فلسوف تعلمون ما ينزل بكم من عقاب‏:‏ لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف‏:‏ بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو عكس ذلك، ولأصلبنَّكم أجمعين‏.‏

‏{‏قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ‏}‏ ‏[‏50‏]‏

‏{‏إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏51‏]‏

قال السحرة لفرعون‏:‏ لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا‏,‏ إنا راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم‏.‏ إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا من الشرك وغيره‏;‏ لكوننا أول المؤمنين في قومك‏.‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ‏}‏ ‏[‏52‏]‏

وأوحى الله إلى موسى عليه السلام‏:‏ أَنْ سِرْ ليلًا بمن آمن من بني إسرائيل؛ لأن فرعون وجنوده متبعوكم حتى لا يدركوكم قبل وصولكم إلى البحر‏.‏

‏{‏فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ‏}‏ ‏[‏53‏]‏

فأرسل فرعون جنده ـ حين بلغه مسير بني إسرائيل ـ يجمعون جيشه من مدائن مملكته‏.‏


‏{‏إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ‏}‏ ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ‏}‏ ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ‏}‏ ‏[‏56‏]‏

قال فرعون‏:‏ إن بني اسرائيل الذين فرُّوا مع موسى لَطائفة حقيرة قليلة العدد، وإنهم لمالئون صدورنا غيظًا؛ حيث خالفوا ديننا‏,‏ وخرجوا بغير إذننا‏,‏ وإنا لجميع متيقظون مستعدون لهم‏.‏

‏{‏فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏}‏ ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ‏}‏ ‏[‏58‏]‏

‏{‏كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏59‏]‏

فأخرج الله فرعون وقومه من أرض ‏"‏مصر‏"‏ ذات البساتين وعيون الماء وخزائن المال والمنازل الحسان‏.‏ وكما أخرجناهم، جعلنا هذه الديار من بعدهم لبني إسرائيل‏.‏

‏{‏فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ‏}‏ ‏[‏60‏]‏

فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس‏.‏

‏{‏فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ‏}‏ ‏[‏61‏]‏

فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى‏:‏ إنَّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا‏.‏


‏{‏قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏}‏ ‏[‏62‏]‏

قال موسى لهم‏:‏ كلَّا ليس الأمر كما ذكرتم فلن تُدْرَكوا‏;‏ إن معي ربي بالنصر، سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم‏.‏

‏{‏فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏63‏]‏

فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب، فانفلق البحر إلى اثني عشر طريقًا بعدد قبائل بني إسرائيل، فكانت كل قطعة انفصلت من البحر كالجبل العظيم‏.‏




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:07 PM

اللغز الرابع والعشرون


بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه
سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه
وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه
وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه
وليس الحق ما زعموا
فعن درب الهدى تاهوا
فعال المرء قيمته
ويعلي الشأنَ تقواه
ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه
ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه

سورة الفجر

بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه

أَقْسَمَ بِالْفَجْرِ . " وَلَيَالٍ عَشْرٍ .
وَالشَّفْع وَالْوَتْر . وَاللَّيْل إِذَا يَسْرِ "
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ

سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ

وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي

وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي

ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه

كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ

ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
وَادْخُلِي جَنَّتِي

وآيات القسم أتت فى سور كثيرة منها والعصر- والضحى- والليل - والنجم
والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها - والتين والزيتون
وهذا هو المشابه هنا
وأقسم الله جل وعلى أيضا بالحاقة - وبالقارعة - واليوم الموعود - والقلم
سبحانه له أن يقسم بما شاء فكل شىء من صنعته وخلقه ويعلم سره وجهره

والْفَجْرِ
روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : " والفجر " : يريد صبيحة يوم النحر
لأن الله تعالى جل ثناؤه جعل لكل يوم ليلة قبله إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده
لأن يوم عرفة له ليلتان : ليلة قبله وليلة بعده , فمن أدرك الموقف ليلة بعد عرفة
فقد أدرك الحج إلى طلوع الفجر , فجر يوم النحر . وهذا قول مجاهد .
وقال عكرمة : " والفجر " قال : انشقاق الفجر من يوم جمع .
وعن محمد بن كعب القرظي : " والفجر " آخر أيام العشر , إذا دفعت من جمع .


وَلَيَالٍ عَشْرٍ

قال الضحاك : فجر ذي الحجة ; لأن الله تعالى قرن الأيام به فقال : " وليال عشر "
أي ليال عشر من ذي الحجة . وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي في قوله :
" وليال عشر " هو عشر ذي الحجة , وقال ابن عباس .
وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام "
وأتممناها بعشر " [ الأعراف : 142 ] , وهي أفضل أيام السنة .
وروى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( " والفجر وليال عشر " - قال : عشر الأضحى ) فهي ليال عشر على هذا القول
لأن ليلة يوم النحر داخلة فيه , إذ قد خصها الله بأن جعلها موقفا لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة . وإنما نكرت ولم تعرف لفضيلتها على غيرها
فلو عرفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير , فنكرت من بين ما أقسم به
للفضيلة التي ليست لغيرها . والله أعلم .
وعن ابن عباس أيضا : هي العشر الأواخر من رمضان وقاله الضحاك .
وقال ابن عباس أيضا ويمان والطبري : هي العشر الأول من المحرم
التي عاشرها يوم عاشوراء .
وعن ابن عباس " وليال عشر " ( بالإضافة ) يريد : وليالي أيام عشر .

وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ

الشفع : الاثنان , والوتر : الفرد .
واختلف في ذلك فروي مرفوعا عن عمران بن الحصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم
أنه قال ( الشفع والوتر : الصلاة , منها شفع , ومنها وتر ) .
وقال جابر بن عبد الله : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( " والفجر وليال عشر "
- قال : هو الصبح , وعشر النحر , والوتر يوم عرفة , والشفع : يوم النحر ) .
وهو قول ابن عباس وعكرمة . واختاره النحاس
وقال : حديث أبي الزبير عن جابر هو الذي صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم
وهو أصح إسنادا من حديث عمران بن حصين .
فيوم عرفة وتر ; لأنه تاسعها , ويوم النحر شفع ; لأنه عاشرها . قال الله تعالى : " وخلقناكم أزواجا " [ النبأ : 8 ] والوتر هو الله عز وجل .
وفي رواية : الشفع : آدم وحواء , والوتر هو الله تعالى .
وقيل : الشفع والوتر : الخلق ; لأنهم شفع ووتر , فكأنه أقسم بالخلق .
وقد يقسم الله تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه , ويقسم بأفعاله لقدرته , كما قال تعالى : "
وما خلق الذكر والأنثى " [ الليل : 3 ] . ويقسم بمفعولاته
لعجائب صنعه كما قال : " والشمس وضحاها " , " والسماء وما بناها " [ الشمس : 5 ]
, " والسماء والطارق " [ الطارق : 1 ] . وقيل : الشفع : درجات الجنة , وهي ثمان .
والوتر , دركات النار ; لأنها سبعة . وهذا قول الحسين بن الفضل كأنه أقسم بالجنة والنار .
وقيل : الشفع : الصفا والمروة , والوتر : الكعبة .
وقال سفيان بن عيينة : الوتر : هو الله , وهو الشفع أيضا لقوله تعالى : "
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " [ المجادلة : 7 ] .
وقال أبو بكر الوراق :
الشفع : تضاد أوصاف المخلوقين : العز والذل , والقدرة والعجز , والقوة والضعف ,
والعلم والجهل , والحياة والموت , والبصر والعمى , والسمع والصمم , والكلام والخرس .
والوتر : انفراد صفات الله تعالى : عز بلا ذل , وقدرة بلا عجز , وقوة بلا ضعف ,
وعلم بلا جهل , وحياة بلا موت , وبصر بلا عمى , وكلام بلا خرس ,
وسمع بلا صمم , وما وازاها .
وقال الحسن : المراد بالشفع والوتر : العدد كله ; لأن العدد لا يخلو عنهما ,
وهو إقسام بالحساب .
وقيل : الشفع : مسجدي مكة والمدينة , وهما الحرمان . والوتر : مسجد بيت المقدس .
وقيل : الشفع : القرن بين الحج والعمرة , أو التمتع بالعمرة إلى الحج . والوتر : الإفراد فيه .
وقيل : الشفع : الحيوان ; لأنه ذكر وأنثى . والوتر : الجماد .
وقيل : الشفع : ما ينمى , والوتر : ما لا ينمى . وقيل غير هذا .
وقرأ ابن مسعود وأصحابه والكسائي وحمزة وخلف " والوتر " بكسر الواو .
والباقون ( بفتح الواو ) , وهما لغتان بمعنى واحد .
وفي الصحاح : الوتر ( بالكسر ) : الفرد , والوتر ( بفتح الواو ) : الذحل .

وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي

وهذا قسم خامس . وبعدما أقسم بالليالي العشر على الخصوص , أقسم بالليل على العموم .
ومعنى " يسري " أي يسرى فيه كما يقال : ليل نائم , ونهار صائم .
ومنه قوله تعالى : " بل مكر الليل والنهار " [ سبأ : 33 ] . وهذا قول أكثر أهل المعاني
وهو قول القتبي والأخفش . وقال أكثر المفسرين : معنى " يسري " : سار فذهب .
وقال قتادة وأبو العالية : جاء وأقبل . وروي عن إبراهيم : " والليل إذا يسر "
قال : إذا استوى . وقال عكرمة والكلبي ومجاهد ومحمد بن كعب في قوله : " والليل "
: هي ليلة المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله .
وقيل : ليلة القدر لسراية الرحمة فيها , واختصاصها بزيادة الثواب فيها .
وقيل : إنه أراد عموم الليل كله .
قال الخليل : تسقط الياء منها اتفاقا لرءوس الآي .
قال الفراء : قد تحذف العرب الياء , وتكتفي بكسر ما قبلها .
وأنشد بعضهم : كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
يقال : فلان ما يليق درهما من جوده أي ما يمسكه , ولا يلصق به .
وقال المؤرج : سألت الأخفش عن العلة في إسقاط الياء من " يسر "
فقال : لا أجيبك حتى تبيت على باب داري سنة , فبت على باب داره سنة
فقال : الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فهو مصروف ,
وكل ما صرفته عن جهته بخسته من إعرابه ألا ترى إلى قوله تعالى : "
وما كانت أمك بغيا " [ مريم : 28 ] , لم يقل بغية ; لأنه صرفها عن باغية .
سورة الفجر
مقصودها الاستدلال على آخر الغاشية الإياب والحساب ، وأدل ما فيها على هذا المقصود الفجر بانفجار الصبح عن النهار الماضي بالأمس من غير فرق في شيء من الذات وانبعاث النيام من الموت الأصغر وهو النوم بالانتشار يفي ضياء النهار لطلب المعايش للمجازاة في الحساب

أسباب النزول
أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله (يا أيتها النفس المطمئنة) قال نزلت في حمزة وأخرج من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة يستعذب بها غفر الله له فاشتراها عثمان فقال هل لك أن تجعلها سقاية للناس قال نعم فأنزل الله في عثمان( يا أيتها النفس المطمئنة)
السور التي اشتركت فيما بدأت به( العصر -الليل- الشمس- الضحى-النازعات-البروج-الطارق-التين-المرسلات-القلم-النجم-الطور-الذاريات
الصافات) حاولت جمع السور التي بدأت بالقسم وأرجوا ان اكون وفقت
بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه
سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه


‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ‏}{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}
وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه
وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه

وليس الحق ما زعموا
فعن درب الهدى تاهوا

[‏15 - 20‏]‏ ‏{‏فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي * كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا‏}
فعال المرء قيمته
ويعلي الشأنَ تقواه
ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه
ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه

‏21 - 30‏]‏ ‏{‏كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي‏}

السور المشابهة لها في بدايتها :
التين والشمس والليل والضحى والعصر والعاديات والطارق والبروج والنازعات والمرسلات والذاريات والطور والنجم والصافات

بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه
وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ
سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ
وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
وليس الحق ما زعموا
فعن درب الهدى تاهوا
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
فعال المرء قيمته
ويعلي الشأنَ تقواه
ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ
ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي






أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:21 PM

اللغز الخامس والعشرون


وإليك أُهدي قدوة في سورةِ
يا كل من ضحى لخير عقيدةِ
الله أقسم بالسما متوعدا
وبأنبياءِ الله أقطاب الهدى
وبمن عليه سيشهدون من الأمم
لعن الذين تجبروا سحقاً لهم
أخدود غلٍ أشعلوه بحقدهم
ليعاقبوا خلقاً على إيمانهم
فاستجلبوا سوء العذاب بفعلهم
وأثاب ربي الصابرين بصبرهم
الله ذو بطشٍ شديدٍ فاحذروا
لا تتبعوا نهج الذين تجبروا
يا من يكذبُ إن ربي مقتدر
فهو المحيط بكل أفعال البشر
لله قرآن مجيد فادّكر
قد صانه الرحمن من كل الغير

سورة البروج

مقصودها:
لما ختم تلك بثواب المؤمن وعقاب الكافر والاستهزاء به بعد أن ذكر أنه سبحانه أعلم بما يضمر الأعداء من المكر وما يرومون من الأنكاد للأولياء وتوعدهم بما لا يطيقون ، وكانوا قد عذبوا المؤمنين بأنواع العذاب واجتهدوا في فتنة من قدروا عليه منهم ، وبالغوا في التضييق عليهم حتى ألجؤوهم إلى شعب أبي طالب وغيره من البروج في البلاد ، ومفارقة الأهل والأولاد ، ابتدأ هذه بما أوقع بأهل الجبروت ممن تقدمهم على وجه معلم أن ذلك الإيقاع منه سبحانه قطعاً ، ومعلم أن الماضين تجاوزوا ما فعل على وجه معلم أن الماضين تجاوزوا ما فعل هؤلاء إلى القذف في النار ، وأن أهل الإيمان ثبتوا ، وذلك لتسلية المؤمنين وتثبيتهم ، وتوعيد الكافرين وتوهيتهم وتفتيتهم ، فقال مقسماً لأجل إنكارهم وفعلهم في التمادي في عداوة حزب الله فعل المنكر أن الله ينتقم لهم بما يدل على تمام القدرة على القيامة


السور المشابهة لها في بدايتها:
هل يقصد بها ما أقسم الله به في الكون أم فقط السماء؟
إذا السماء فهناك سورة الطارق
وإذا في الكون هناك الشمس واليل


الآيات التي تتحدث عنها الأبيات
وإليك أُهدي قدوة في سورةِ
يا كل من ضحى لخير عقيدةِ
الله أقسم بالسما متوعدا
وبأنبياءِ الله أقطاب الهدى

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ

وبمن عليه سيشهدون من الأمم
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
لعن الذين تجبروا سحقاً لهم
أخدود غلٍ أشعلوه بحقدهم
ليعاقبوا خلقاً على إيمانهم
فاستجلبوا سوء العذاب بفعلهم
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ

وأثاب ربي الصابرين بصبرهم
الله ذو بطشٍ شديدٍ فاحذروا
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

لا تتبعوا نهج الذين تجبروا
يا من يكذبُ إن ربي مقتدر
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ

فهو المحيط بكل أفعال البشر
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ

لله قرآن مجيد فادّكر

قد صانه الرحمن من كل الغير
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ

قسم أقسم الله به جل وعز وفي " البروج " أقوال أربعة : أحدها : ذات النجوم
قاله الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك . الثاني : القصور , قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد أيضا .
قال عكرمة : هي قصور في السماء . مجاهد : البروج فيها الحرس .
الثالث : ذات الخلق الحسن ; قاله المنهال بن عمرو . الرابع : ذات المنازل ; قاله أبو عبيدة ويحيى بن سلام .
وهي اثنا عشر برجا , وهي منازل الكواكب والشمس والقمر .
يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم ; فذلك ثمانية وعشرون يوما , ثم يستسر ليلتين
وتسير الشمس في كل برج منها شهرا . وهي : الحمل , والثور , والجوزاء , والسرطان , والأسد , والسنبلة , والميزان , والعقرب , والقوس والجدي , والدلو , والحوت . والبروج في كلام العرب : القصور
قال الله تعالى ; " ولو كنتم في بروج مشيدة " [ النساء : 78 ] .

وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ

أي الموعود به . وهو قسم آخر , وهو يوم القيامة ; من غير اختلاف بين أهل التأويل .
قال ابن عباس : وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه .
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

اختلف فيهما ; فقال علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم : الشاهد يوم الجمعة , والمشهود يوم عرفة .
وهو قول الحسن . ورواه أبو هريرة مرفوعا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة ... )
خرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه , وقال : هذا حديث [ حسن ] غريب ,
لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة , وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ,
ضعفه يحيى بن سعيد وغيره .
وقد روى شعبة وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عنه .
قال القشيري فيوم الجمعة يشهد على كل عامل بما عمل فيه .
ونقول : وكذلك سائر الأيام والليالي ; فكل يوم شاهد , وكذا كل ليلة ;
ودليله ما رواه أبو نعيم الحافظ عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من يوم يأتي على العبد إلا ينادى فيه :
يا ابن آدم , أنا خلق جديد , وأنا فيما تعمل عليك شهيد ,
فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا , فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا , ويقول الليل مثل ذلك ) .
حديث غريب من حديث معاوية , تفرد به عنه زيد العمي ,
ولا أعلمه مرفوعا . عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد .
وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى .
وقال سعيد بن المسيب : الشاهد : التروية , والمشهود : يوم عرفة .
وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه :
الشاهد يوم عرفة , والمشهود يوم النحر . وقاله النخعي .
وعن علي أيضا : المشهود يوم عرفة .
وقال ابن عباس والحسين بن علي رضي الله عنهما : المشهود يوم القيامة ; لقوله تعالى :
" ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " [ هود : 103 ] .
وعلى هذا اختلفت أقوال العلماء في الشاهد , فقيل : الله تعالى ;
عن ابن عباس والحسن وسعيد - بن جبير ; بيانه : " وكفى بالله شهيدا " [ النساء : 79 ]
" قل أي شيء أكبر شهادة ؟ قل الله شهيد بيني وبينكم " [ الأنعام : 19 ] .
وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم ; عن ابن عباس أيضا والحسين بن علي ;
وقرأ ابن عباس " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " [ النساء : 41 ] , وقرأ الحسين " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " [ الأحزاب : 45 ] .
وقيل : الأنبياء يشهدون على أممهم ; لقوله تعالى :
" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد " [ النساء : 41 ] .
وقيل : عيسى بن مريم ; لقوله : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " [ المائدة : 117 ] .
والمشهود : أمته . وعن ابن عباس أيضا ومحمد بن كعب :
الشاهد الإنسان ; دليله : " كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " [ الإسراء : 14 ] .
وقيل : الشاهد : الحفظة , والمشهود : بنو آدم . وقيل : الليالي والأيام .
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ

أي لعن . قال ابن عباس : كل شيء في القرآن " قتل " فهو لعن .
وهذا جواب القسم في قول الفراء - واللام فيه مضمرة ;
كقوله : " والشمس وضحاها " ثم قال " قد أفلح من زكاها " : أي لقد أفلح .
وقيل : فيه تقديم وتأخير ;
وقال قوم : جواب القسم " إن بطش ربك لشديد " وهذا قبيح ; لأن الكلام قد طال بينهما .
وقيل : " إن الذين فتنوا " . وقيل : جواب القسم محذوف , أي والسماء ذات البروج لتبعثن .
وهذا اختيار ابن الأنباري .
والأخدود : الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق , وجمعه أخاديد .
ومنه الخد لمجاري الدموع , والمخدة ; لأن الخد يوضع عليها .
ويقال : تخدد وجه الرجل : إذا صارت فيه أخاديد من جراح .
قال طرفة : ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
وما تتحدث عنه السورة هو حادث أصحاب الأخدود ... والموضوع هو أن فئة من المؤمنين
السابقين على الإسلام – قيل إنهم من النصارى الموحدين – ابتلوا بأعداء لهم طغاة قساة ،
أرادوهم على ترك عقيدتهم والارتداد عن دينهم ، فأبوا وتمسكوا بعقيدتهم .
قشق الطغاة لهم شقاً في الأرض . وأوقدوا فيه النار وكبوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقاً ،
على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون لتشهد مصرع الفئة المؤمنة .
ولكي يتلهى الطغاة بمشهد الحريق ، حريق الآدميين المؤمنين .
( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ...
والله تعال أعلى وأعلم
أما السور التى تتضمن آيات القسم المشابهه لبداية السورة فقد تقدم ذكرها
فىالردود السابقة ومنها
سورة الطارق والشمس والنجم
تفسير سورة البروج من تفسير السعدي:

{‏وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏ذات‏]‏ المنازل المشتملة على منازل الشمس والقمر، والكواكب المنتظمة في سيرها، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته، وسعة علمه وحكمته‏.‏
‏{‏وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ‏}‏ وهو يوم القيامة، الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه، ويضم فيه أولهم وآخرهم، وقاصيهم ودانيهم، الذي لا يمكن أن يتغير، ولا يخلف الله الميعاد‏.‏
‏{‏وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ‏}‏ وشمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف أي‏:‏ مبصر ومبصر، وحاضر ومحضور، وراء ومرئي‏.‏
والمقسم عليه، ما تضمنه هذا القسم من آيات الله الباهرة، وحكمه الظاهرة، ورحمته الواسعة‏.‏
وقيل‏:‏ إن المقسم عليه قوله ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏}‏ وهذا دعاء عليهم بالهلاك‏.‏
و‏{‏الأخدود‏}‏ الحفر التي تحفر في الأرض‏.‏
وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدودًا ‏[‏في الأرض‏]‏، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏}‏ ثم فسر الأخدود بقوله‏:‏ ‏{‏النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ‏}‏ وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي‏:‏ الذي له العزة التي قهر بها كل شيء، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله‏.‏
{‏الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ خلقًا وعبيدًا، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه ، ‏{‏وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ‏}‏ علمًا وسمعًا وبصرًا، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله، أن يبطش بهم العزيز المقتدر، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله ، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك‏؟‏ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجاز لهم على فعالهم ‏؟‏ كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل‏.‏
ثم وعدهم، وأوعدهم، وعرض عليهم التوبة، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ‏}‏ أي‏:‏ العذاب الشديد المحرق‏.‏
قال الحسن رحمه الله‏:‏ انظروا إلى هذا الكرم والجود، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة‏.‏
ولما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ بقلوبهم ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ بجوارحهم ‏{‏لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ‏}‏ الذي حصل به الفوز برضا الله ودار كرامته‏.‏
{‏إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام ‏[‏لقوية‏]‏ شديدة، وهو بالمرصاد للظالمين كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ‏}
{‏إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ‏}‏ أي‏:‏ هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته، فلا مشارك له في ذلك ، ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ‏}‏ الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب، ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب‏.‏
‏{‏الْوَدُودُ‏}‏ الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعًا لها، كانت عذابًا على أهلها، وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ والمودة هي المحبة الصافية، وفي هذا سر لطيف، حيث قرن ‏{‏الودود‏}‏ بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم، فلا يقال‏:‏ بل تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قاله بعض الغالطين‏.‏
بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل له راحلة، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فالله أعظم فرحًا بتوبة العبد من هذا براحلته، وهذا أعظم فرح يقدر‏.‏
فلله الحمد والثناء، وصفو الوداد، ما أعظم بره، وأكثر خيره، وأغزر إحسانه، وأوسع امتنانه‏"‏
{‏ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ‏}‏ أي‏:‏ صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، وخص الله العرش بالذكر، لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى، وهذا على قراءة الجر، يكون ‏{‏المجيد‏}‏ نعتا للعرش، وأما على قراءة الرفع، فإن المجيد نعت لله ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها‏.‏
{‏فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ‏}‏ أي‏:‏ مهما أراد شيئًا فعله، إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، وليس أحد فعالًا لما يريد إلا الله‏.‏
فإن المخلوقات، ولو أرادت شيئًا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون وممانع، والله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له مما أراد‏.‏
ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود‏}‏ وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين‏.‏
{‏بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات، ولا تجدي لديهم العظات‏.‏
{‏وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ‏}‏ أي‏:‏ قد أحاط بهم علمًا وقدرة، كقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}‏ ففيه الوعيد الشديد للكافرين، من عقوبة من هم في قبضته، وتحت تدبيره‏.‏
{‏بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ‏} أي‏:‏ وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير والعلم‏.‏
{‏فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ‏}‏ من التغيير والزيادة والنقص، ومحفوظ من الشياطين، وهو‏:‏ اللوح المحفوظ الذي قد أثبت الله فيه كل شيء‏.‏
وهذا يدل على جلالة القرآن وجزالته، ورفعة قدره عند الله تعالى، والله أعلم‏.‏
تم تفسير السورة‏.‏





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:25 PM

اللغز السادس والعشرون


وسورتنا بها خير العتابِ
لخير الناس يهدي للصوابِ
فما بالمال يعلو المرء يوماً
ولا بالجاه من بين الصحابِ
ولكن بالتزكي ليس إلا
فيعلو قدره فوق السحابِ
من الرحمن تذكرةٌ أتتنا
لمن شاء التذكر بالكتابِ
فيا إنسانُ إن تكفر بربٍ
له نعم عليك بلا حسابِ
فقد سواك من ماءٍ مهينٍ
وأنزل خيره من كل بابِ
ويوم الدين سوف تفر ممن
تحب . تذوب من هول المصابِ
فإن تك من ذوي قلبٍ سليمٍ
تضيءُ تهللاً عند الإيابِ
وإن تك غير هذا ساء عوداً
فعجل بالإنابة والمتابِ

سورة عبس

وسورتنا بها خير العتابِ
لخير الناس يهدي للصوابِ
فما بالمال يعلو المرء يوماً
ولا بالجاه من بين الصحابِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى(2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى(4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى(5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى(6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى(8)
وَهُوَ يَخْشَى(9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى

ولكن بالتزكي ليس إلا
فيعلو قدره فوق السحابِ
من الرحمن تذكرةٌ أتتنا
لمن شاء التذكر بالكتابِ

كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ(12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ(13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ(14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ(15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ(16)

فيا إنسانُ إن تكفر بربٍ
له نعم عليك بلا حسابِ
فقد سواك من ماءٍ مهينٍ

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)
مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)


وأنزل خيره من كل بابِ


فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً(25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً(26)
فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً(27) وَعِنَباً وَقَضْباً(28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً(29) وَحَدَائِقَ غُلْباً(30)
وَفَاكِهَةً وَأَبّاً(31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ(32)


ويوم الدين سوف تفر ممن
تحب . تذوب من هول المصابِ
فإن تك من ذوي قلبٍ سليمٍ
تضيءُ تهللاً عند الإيابِ
وإن تك غير هذا ساء عوداً
فعجل بالإنابة والمتابِ

فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ(33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ(38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ(39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)


من أسباب النزول

سورة عبس

بسم الله الرحمن الرحيم. قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جاءَهُ الَأعمى)
وهو ابن أم مكتوم وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة
بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبياً وأمية ابني خلف
ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم فقام ابن أم مكتوم
وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري
أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقطعه كلامه قال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد
فعبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم
فأنزل الله تعالى هذه الآيات فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك
يكرمه وإذا رآه يقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المصاحفي أخبرنا أبو نجم ومحمد بن أحمد بن حمدان
أخبرنا أبو يعلى حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد حدثنا أبي قال: هذا ما قرأنا على هشام بن عروة
عن عائشة قالت: أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى
أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول:
يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله رجال من عظماء المشركين
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخرين ففي هذا نزلت عبس وتولى رواه الحاكم في صحيحه عن علي بن عيسى الحيري عن العتابي عن سعد بن يحيى.

قوله تعالى (لِكُلِّ اِمرِيءٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيِهِ).
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني
حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سنان حدثنا إبراهيم بن هراسة
حدثنا عائذ بن شريح الكندي قال: سمعت أنس بن مالك
قال: قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنحشر عراة قال: نعم
قالت: واسوأتاه فأنزل الله تعالى (لِكُلِّ اِمرِيءٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ).

فى رحاب الآيتين :

بسم الله الرحمن الرحيم

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)


أي يهرب , أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه ;
أي من موالاة أخيه ومكالمته ;
لأنه لا يتفرغ لذلك , لاشتغاله بنفسه ; كما قال بعده : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه "
أي يشغله عن غيره . وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما بينهم من التبعات .
وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ;
كما قال : " يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا " [ الدخان : 41 ] .
وقال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم ,
إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ,
ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى .
وذكر الضحاك عن ابن عباس قال :
يفر قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ,
وإبراهيم عليه السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته ,
وآدم من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه :
إبراهيم , وأول من يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من امرأته لوط .
قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ .
وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما بينهم من التبعات .
وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة .
وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ; كما قال :
" يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا " [ الدخان : 41 ] .
وقال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم ,
إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ,
ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى .

ما ورد باللمسات في سورة عبس

(عبس وتولى) ما دلالة استخدام صيغة الغائب في الآية؟
يسأل السائل لم قال (عبس وتولى) ولم يقل (عبست وتوليت)؟ أولاً تفسير القرآن الكريم يكون من اللغة ويكون من المأثور مما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. نحن عندنا في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم- كان يقول لإبن أم مكتوم: أهلاً بمن عاتبني فيه ربي ويفرش له حتى يجلس. لكن هناك فرق بين أن يقال للإنسان عبست وتوليت ومحمد صلى الله عليه وسلمحبيبٌ إلى الله عز وجل هو حبيب الله فلا يواجهه ولا يفاجئه هكذا يقول له فعلت كذا. وإنما كأنه جعله غائباً (هو عبس وتولى) فقال (عبس وتولى) كأنه غائب ثم إلتفت إليه مرة أخرى فقال (وما يدريك لعلّه يزكى). والحادثة مشهورة في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلمكان يدعو رؤوس القوم وكان يرجو بإسلامهم إسلام سائر الناس وأحسّ أنه كأنما صار قريباً منهم وجاء ابن أم مكتوم وسمع صوت الرسول صلى الله عليه وسلمفقال له يا رسول الله علّمني مما علمك الله، علّمني مما علّمك الله، وهوصلى الله عليه وسلم يريد أن ينتهي من أمر هؤلاء بإسلامهم يسلم سائر قومهم فتغيّر وجهه صلى الله عليه وسلم قليلاً وإلتفت جانباً وأكمل حديثه معهم فجاء القرآن معاتباً له. وهذه الآيات من دلائل النبوة لأن إبن أم مكتوم كان أعمى ولم ير الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية لم يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما تحدّث عن غائب لأنه حبيبٌ إلى الله عز وجل. ولاحظ كلمة عبست والعبوس فلا يفاجأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) ثم إلتفت إليه فقال (وما يدريك لعلّه يزكى) رقة المعاتبة الأخيرة غير عنف المعاتبة الأولى. فالعنيفة جعلها للغائب ثم لما جاء للرّقة (لعلّه يزّكى) ولاحظ (لعلّ).

ما سبب إختلاف ترتيب الأقارب في الآيتين (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس)؟
(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) المعارج) الكلام على يوم القيامة (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) المعارج)

نتوقف عند كلمة (يفتدي). إذن الكلام هنا عن الفدية، أن يفدي نفسه، لما كان الكلام على فداء النفس، أن يقدِّم فداء لنفسه بدأ ببنيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه. يقولون الواو لا تقتضي الترتيب لكن الإيراد بهذه الصورة له دلالته.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس) إذن الكلام هنا على فرار، هناك كان الكلام عن فدية. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) نحن نكاد نكون قد أجبنا نصف الجواب الآن لما قلنا هناك على الفدية وهنا على الفرار.

لو تخيلنا الأمر على شكل دوائر محيطة بالإنسان: الدائرة الضيقة أقرب دائرة له هو الإبن الذي هو مظنّة أن يطيع أباه، الدائرة التي بعدها الزوجة المرتبطة بالأولاد، ثم الدائرة الأخرى دائرة الفصيل. والفصيلة هي العشيرة أو الأقارب الأدنون من القبيلة. الإنسان لما يكون من قبيلة يكون عنده أقارب أدنون يعني أبناء العمومة وأبناء الخال التي ينتسب إليها في كثير من الأحيان. مثلاً عندنا نحن في العشائر أحياناً تكون العشيرة كبيرة مثل (شمّر) عشيرة كبيرة في العراق، زوبع جزء من شمر، النعيم يقولون باللهجة العامية هؤلاء البوبندر من النعيم أي آل بندر، أي فصيلة بندر، أبناء بندر. كما قال هو من تميم "أنف الناقة"، تميمي تزوج كما تزوج من قبله قبل الإسلام في مدة قصيرة وأنف الناقة طفل صغير أبوه ذبح الناقة ركض إخوته نحو الناقة يأخذون اللحم فوجد رأس الناقة كبيراً فوضع يده في أنف الناقة وبدأ يجرها فصار أنف الناقة يسخرون منه، صار كبيراً، تزوج وصار له ذرية وله أكثر من عشر زوجات في الجاهلية فصاروا بنو أنف الناقة ما كانوا يقولون التميمي وإنما يقولون بنو أنف الناقة. هؤلاء هم الفصيل أقرب شيء إليه ثم (من في الأرض جميعاً) وراء ذلك.

فالإفتداء، الإنسان لما يرى حاله يريد أن يفدي نفسه، يقدم شيئاً: خذوا هذا بدلي، أقرب شيء له هو ولده، أقرب الناس إليه الإبن. فلهول المشهد في ذلك الوقت يتناول الأقرب خذوا هذا، لا ينفع يأخذ الذي بعده – الزوجة -، ثم الفصيل ثم ما في الأرض جميعاً بدلي، لاحظ الترتيب لأن فيه نوع من الفداء.

لما نأتي إلى سورة عبس، نوع من الفرار يعني الهزيمة، الإنسان لما يهرب يهرب من البُعداء أولاً، يتخلى عن من هو بعيد ثم يبدأ يتساقط شيئاً فشيئاً، لنقل كأنهم مرتبطون به فلما يركض أول من يخفف من ثقله: أخيه ثم أمه وأبيه، أيضاً يتخفف منهم. ونلاحظ هناك كان فداء لم يذكر الأم والأب لأنه لا يليق أن يفتدي الإنسان نفسه بأمه وأبيه، فلا يليق أن يذكر مع أنهم داخلون ضمن (ومن في الأرض جميعاً) لكن ما ذكر اسمهم لأن ذكر الأم والأب في الفداء مسألة كبيرة عند الناس أن يفدي نفسه بأمه وأبيه. لكن في الهرب ممكن أن يقول هم يحارون بأنفسهم، يدبرون حالهم. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)) التساقط صار شيئاً فشيئاً، (وبنيه) آخر شيء لاصق به كأنه شيء مرتبط بهذا الإنسان وهو يركض هارباً يتساقط البعيد ثم القريب ثم الأقرب حتى تعطى الصورة لهذا المشهد في يوم القيامة. فلما نتخيل هذه الصورة ونرى الفارق في الفداء وفي الفرار عند ذلك تتضح لماذا إختلف الترتيب .
(وصاحبته) هي زوجته والزوجة الإنسان ينام في حجرته معه زوجة وأولاده في السابق فهم أقرب إليه من غيرهم، فقد لا يكون في بيته الأم والأب. الترتيب اختلف لأن الصورة اختلفت: هناك صورة فداء من يعطي وينجو بنفسه فيبدأ بأقرب شيء إليه، بينما الهارب كأنها سلسلة تتساقط يسقط البعيد منها ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم آخر شيء اللاصق به.
هذه الآية في سورة في مكان وهذه الآية في سورة في مكان ومحمد r كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يرتب هذه الأمور، ألا يكفي هذا في الدلالة على نبوة محمد r؟ ألا يفكر الإنسان أن هذا الرجل الأمي لا يصدر منه مثل هذا التنظيم في مكانين مختلفين تنظر هنا تجد شيئاً وتنظر هنا تجد شيئاً والذي قال الشيئين كان مدركاً لما يقول هنا ولما يقول هنا في آن والمدة متباعدة بين نزول هذه السورة ونزول هذه السورة، هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى
دأبنا أن نذكر قراءة نافع لإخواننا في المغرب العربي: (لو يفتدي من عذاب يومِئذٍ) عذاب مضاف ويومِ مضاف إليه، نافع قرأ (من عذاب يومَئذٍ) بالفتح. توجيه علماء العربية لذلك أن (يوم) ظرف والمفروض أن يكون مُعرباً لكن أضيف إلى مبني وهو (إذ) فإذا أضيف إلى مبني كثير من قبائل العرب تبنيه بسبب إضافته إلى المبني فيبنى على الفتح يقال (مبني على الفتح في محل جرّ)، تبنيه على الفتح (يومَئذ). وأكثر القراء قرأوها بالكسر (يومِئذ). نافع والكسائي فقط قرأوا بالبناء على الفتح (يومَئذ). يومِئذ مضاف إليه مجرور بالكسر فإذا فُتِح فالسرّ أنه أضيف إلى مبني. هي أصلها (يومِئذْ) والتنوين عوض عن جملة محذوفة. لأن عندنا التنوين أنواع: تنوين التمكين وتنوين العِوض. تنوين العِوض يمكن أن يكون عوضاً عن مفرد وهو اللاحق لكل عوضاً عما تضاف إليه (كلٌ يعمل على شاكلته) يعني كل إنسان فحذف كلمة إنسان وعوّض بالتنوين، هذا التنوين عوضاً عن مفرد. ويكون عوضاً عن حرف وهو اللاحق بنحو جوار وغواش وهذا فيه كلام طويل، عوض عن الياء المحذوفة لأن جوار وغواش ممنوع من الصرف لا ينوّن لأنه على صيغة منتهى الجموع فلما نوّن قالوا حذفت الياء ونون عوضاً عن الياء المحذوفة وهذا فيه كلام كثير.
وعوض عن جملة وهو اللاحق لـ (إذ) في قوله تعالى (وأنتم حينئذ تنظرون) يعني حينئذ بلغت الروح الحلقوم. نقول قال زيد كذا وكذا وحينئذٍ رد عليه فلان بكذا يعني وحينئذ قال كذا وكذا رد عليه فلان، فهنا (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) المعارج) يبصرونهم يعني يُرى الأحمّاء أحماءهم يعني: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذْ يبصرونهم ببنيه.
******

ورد في القرآن جمع الأبرار والبررة ونلاحظ أن القرآن الكريم يستعمل الأبرار للناس المكلّفين ويستعمل البررة للملائكة ولم يستعملها للناس أبداً (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {16}عبس) لماذا؟ الأبرار هي من الصيغ المستخدمة لجموع القَلّة والناس قليل منهم الأبرار (قلة نسبية) مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {103}يوسف) فاستعمل القَلّة النسبية بينما الملائكة كلهم أبرار فاستعمل معهم الجمع الذي يدل على الكثرة (بررة).




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:33 PM

اللغزالسابع والعشرون


ياسائلي عن سورتي سأقولُ
إن الفؤاد بحبها مشغولُ
من حسنها ضمت أمور عزائمٍ
إن نأتها ففلاحنا مأمولُ
إيماننا مستسلمين لربنا
والصالحاتُ طريقها موصولُ
أمر بمعروفٍ ودفع للذي
لم يرضه في حقنا التنزيلُ
والصبر إن عرضت لنا كف الأذى
فالصبر في حق الدعاة سبيلُ

سورة لقمان
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور (17)

هذه الأبيات جميعها تشيرالى الآية السابقة من سورة لقمان رقم (17)
وهي مكية , غير آيتين قال قتادة : أولهما " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام "
إلى آخر الآيتين . وقال ابن عباس : ثلاث آيات , أولهن " ولو أن ما في الأرض "
. وهي أربع وثلاثون آية .

*********


وصى لقمان عليه السلام ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر ,
وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع .
ولقد أحسن من قال : وابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم .
يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر ; فهو إشعار بأن المغير يؤذى أحيانا ;
وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله ; وأما على اللزوم فلا ,
وقيل : أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها ,
وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل ; وهذا قول حسن لأنه يعم .

قال ابن عباس : من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره .
وقيل : إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور ;
أي مما عزمه الله وأمر به ; قاله ابن جريج .
ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة .
وقول ابن جريج أصوب

مقاصدها من نظم الدرر
مقصودها إثبات الحكمة للكتاب اللازم منه حكمة منولة سبحانه في أقواله وأفعاله ، وقصة لقمان المسمى به السورة دليل واضح على ذلك كأنه سبحانه لما أكمل ما أ ) اد من أول القرآن إلى آخره براءة الني هي سورة عزو الروم ، وكان سبحانه قد ابتدأ القرآن أم القرآن بنفي الريب عن هذا الكتاب ، وأنه هدى للمتقين ، واستدل على ذلك فيما تبعها من السور ، ثم ابتدأ سورة يونس بعد سورة عزو الروم بإثبات حكمته ، وأتبع ذلك دليله إلى أن ختم سورة الروم ، ابتدأ دورا جديدا على وجه أضخم من الأول ، فوصفه في أول هذه التالية للروم بما وصفه به في يونس التالية لغزو الروم ، وذلك الوصف هو الحكمة وزاد أنه هدى وهداية للمحسنين ، فهؤلاء أصحاب النهايات ، والمتقون أصحاب البدايات .

أسباب النزول ( للواحدي)
قوله تعالى (وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسناً) الآية.
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة: يا سعد بلغني أنك صبوت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام وترجع إلى ما كنت عليه وكان أحب ولدها إليها فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتى خشي عليها فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف.

أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية في قال: حلفت أم سعد لا تكلم أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ومكثت ثلاثة أيام حتى غشي عليها من الجهد فأنزل الله تعالى (وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوَالِدَيهِ حُسناً) رواه مسلم عن أبي خيثمة.

قوله تعالى (وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أحمد بن أيوب بن راشد الضبي قال: أخبرنا مسلمة بن علقمة قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن مالك قال: أنزلت في هذه الآية (وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما) قال: كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت لتدعن عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء قال: فمكثت يوماً لا تأكل فأصبحت قد جهدت قال فمكثت يوماً آخر وليلة لا تأكل فأصبحت وقد اشتد جهدها قال: فلما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أمه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأنزلت هذه الآية (وَإِن جاهَداكَ) الآية.

قوله تعالى (وَمِن الناسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ)
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث. وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم: إن محمداً عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت فيه هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في شراء القيان والمغنيات.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا مشمعل بن ملحان الطائي عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام وفي مثل هذا نزلت هذه الآية (وَمِنَ الناسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللهِ) إلى آخر الآية. وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت.

وقال ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه قوله تعالى (وَإِن جاهَداكَ عَلى أَن تُشرِكَ بي) نزلت في سعد بن أبي وقاص على ما ذكرناه في سورة العنكبوت.

قوله تعالى (وَاِتَّبِع سَبيلَ مَن أَنابَ إِلَيَّ).
نزلت في أبي بكر رضي الله عنه قال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا بكر وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا: لأبي بكر رضي الله عنه: آمنت وصدقت محمداً عليه الصلاة والسلام فقال أبو بكر: نعم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد (وَاِتَّبِع سَبيلَ مَن أَنابَ إِلَيَّ) يعني أبا بكر رضي الله عنه.

قوله تعالى (وَلَو أَنَّما في الأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقلامٌ)
قال المفسرون: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله (وَيَسئَلونَكَ عَنِ الرُوحِ قُلِ الرُوح ُمِن أَمرِ رَبّي وَما أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلّا قَليلاً) فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا: يا محمد بلغنا عنك أنك تقول (وَما أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلاّ قَليلاً) أفتعنينا أم قومك فقال: كلاً قد عنيت قالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في علم الله سبحانه قليل ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به فقالوا: يا محمد كيف تزعم هذا أنت تقول (وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيراً كَثيراً) وكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير فأنزل الله تعالى (وَلَو أَنَّما في الأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقلامٌ) الآية.
قوله تعالى (إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ الساعَةِ) نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال: إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحافظ قال: أخبرنا حمدان السلمي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة قال: حدثنا إياس بن سلمة قال: حدثني أبي أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بفرس له يقودها عقوق ومعها مهرة له يبيعها فقال له: من أنت قال: أنا نبي الله قال: ومن نبي الله قال: رسول الله قال متى تقوم الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال: ما في بطن فرسي هذه قال: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال: أرني سيفك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه فهزه الرجل ثم رده إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك لم تكن تستطيع الذي أردت قال: وقد كان الرجل قال: أذهب إليه فأسأله عن هذه الخصال ثم أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهم إلا الله تعالى لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ولا يعلم: ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله. رواه البخاري عن محمد بن يوسف عن سفيان.
ورد قول الله تعال (عزم الأمور) فى أكثر من آيه

(1 ) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (آل عمران 186)

ونزلت بسبب أن أبا بكر رضي الله عنه سمع يهوديا يقول : إن الله فقير ونحن أغنياء .
ردا على القرآن واستخفافا به حين أنزل الله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " [ البقرة : 245 ]
فلطمه ; فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت . قيل : إن قائلها فنحاص اليهودي ; عن عكرمة .
الزهري : هو كعب بن الأشرف نزلت بسببه ; وكان شاعرا ,
وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , ويؤلب عليه كفار قريش ,
ويشبب بنساء المسلمين حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة وأصحابه
فقتله القتلة المشهورة في السير وصحيح الخبر . وقيل غير هذا .
وكان صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان بها اليهود والمشركون , فكان هو وأصحابه يسمعون أذى كثيرا .
, وفي الصحيحين أنه عليه السلام مر بابن أبي وهو عليه السلام على حمار فدعاه إلى الله تعالى
فقال ابن أبي : إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ! ارجع إلى رحلك ,
فمن جاءك فاقصص عليه . وقبض على أنفه لئلا يصيبه غبار الحمار ,
فقال ابن رواحة : نعم يا رسول الله , فاغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك .
واستب المشركون الذين كانوا حول ابن أبي والمسلمون ,
وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يسكنهم حتى سكنوا .
ثم دخل على سعد بن عبادة يعوده وهو مريض , فقال : ( ألم تسمع ما قال فلان )
فقال سعد : اعف عنه واصفح , فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل ,
وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ;
فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق به , فذلك فعل به ما رأيت .
فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونزلت هذه الآية . قيل : هذا كان قبل نزول القتال ,
وندب الله عباده إلى الصبر والتقوى وأخبر أنه من عزم الأمور .
وكذا في البخاري في سياق الحديث , إن ذلك كان قبل نزول القتال .
والأظهر أنه ليس بمنسوخ ; فإن الجدال بالأحسن والمداراة أبدا مندوب إليها ,
وكان عليه السلام مع الأمر بالقتال يوادع اليهود ويداريهم , ويصفح عن المنافقين , وهذا بين .
ومعنى " عزم الأمور " شدها وصلابتها .

2 يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (لقمان 17 )

وقد تقدم شرحها فى اجابة اللغز

(3) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (الشورى 43 )

أي من عزائم الله التي أمر بها . وقيل : من عزائم الصواب التي وفق لها .
وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلاث آيات قبلها ,
وقد شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم أمسك . وهي المدنيات من هذه السورة .
وقيل : هذه الآيات في المشركين , وكان هذا في ابتداء الإسلام قبل الأمر بالقتال ثم نسختها آية القتال ;
وفي تفسير ابن عباس " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل "
يريد حمزة بن عبد المطلب وعبيدة وعليا رضوان الله عليهم أجمعين .
" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس"
" يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبا جهل والأسود ,
وكل من قاتل من المشركين يوم بدر . " ويبغون في الأرض " يريد بالظلم والكفر .
" أولئك لهم عذاب أليم " يريد وجيع . " ولمن صبر وغفر
" يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وجميع أهل بدر رضوان الله عليهم أجمعين .
" إن ذلك من عزم الأمور " حيث قبلوا الفداء وصبروا على الأذى .
والمنقب فى آيات الله ومآثر قوله التى لا تعد ولا تحصى يستمتع بدقة الحرف وحكمة مجيئه كما
أنزله المولى عز وجل سبحاته وتعال فكل شىء عنده بمقدار
فقد جائت اللام فى هذه الآية وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
للتأكد فقد قرن الله فيها صبر الأنسان على الأذى بصفحه أيضا عمن أذاه وهذا لا يتأتى الا
لذوى العزم الأشد فكان التأكيد
والله أعلى وأعلم

ياسائلي عن سورتي سأقولُ
إن الفؤاد بحبها مشغولُ
من حسنها ضمت أمور عزائمٍ
إن نأتها ففلاحنا مأمولُ
إيماننا مستسلمين لربنا
والصالحاتُ طريقها موصولُ
أمر بمعروفٍ ودفع للذي
لم يرضه في حقنا التنزيلُ
والصبر إن عرضت لنا كف الأذى

فالصبر في حق الدعاة سبيلُ




سورة آل عمران

أسباب النزول( للواحدي)
قال المفسرون: قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم فصلوا إلى المشرق فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما فقالا: قد أسلمنا قبلك قال: كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعاً في عيسى فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى أتى عليه الفناء قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه قالوا: بلى قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً قالوا: لا قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث قالوا: بلى قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم فسكتوا فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.

قوله (قُل للَّذينَ كَفَروا سَتُغلَبونَ) الآية
قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته وإنه لا ترد له راية فأرادوا تصديقه واتباعه ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا وقالوا: لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر فقدم المدينة جمع اليهود وقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله تعالى (قُل لِلَّذينَ كَفَروا) يعني اليهود (سَتُغلَبونَ) تهزمون (وَتُحشَرونَ إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس.

قوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ)
قال الكلبي: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له: أنت محمد قال: نعم قالا: وأنت أحمد قال: نعم قالا إنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلاني فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله تعالى على نبيه (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلمِ) فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً مِّنَ الكِتابِ) الآية
اختلفوا في سبب نزولها فقال السدي: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال له النعمان بن أدفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل إلى كتاب الله فقال: بل إلى الأحبار فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد فقال: على ملة إبراهيم قالا: إن إبراهيم كان يهودياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال الكلبي نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن حد الزانيين وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى قوله (قُل اَللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ) الآية قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشاءُ) الآية.

حدثنا الأستاذ أبو الحسن الثعالبي أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان أخبرنا محمد بن جعفر الميطري قال: قال حماد بن الحسن: حدثنا محمد بن خالد بن عتمة حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً. قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال: فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقته علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعاً وغضب الفريقان جميعاً وقالا: ارجعا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهي حرة فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً الله الله فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا) يعني الأوس والخزرج (إِن تُطيعوا فَريقاً مِّن الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) يعني شاساً وأصحابه (يَرُدّوكُم بَعدَ إِيمانِكُم كافِرينَ) قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم.

قوله (وَكَيفَ تَكفُرونَ) الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال: حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا العباس الدوري حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية فذكروا ما بينهم فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فذهب إليهم فنزلت هذه الآية (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ وَفيكُم رَسولُهُ) (وَاِعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا).
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا حاتم بن يونس الجرجاني قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث قال: حدثنا الأشجعي عن سفيان عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان الأوس والخزرج يتحدثون فغضبوا حتى كان بينهم الحرب فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض فنزلت (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ) إلى قوله تعالى (فَأَنقَذَكُم مِّنها).

قوله (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ) الآية.
قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (لَن يَضُرّوكُم إِلّا أَذىً)
قال مقاتل: إن رءوس اليهود كعب ويحرى والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه فآذوهم لإسلامهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (لَيسوا سَواءً) الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم ديناً غيره فأنزل الله تعالى (لَيسوا سَواءً) الآية. وقال ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم قال: فأنزلت هذه الآيات (لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ) إلى قوله (وَاللهُ عَليمٌ بِالمُتَّقينَ).

أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن المسيب قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن زجر عن سليمان عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وكان عند بعض أهله أو نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب وأنزلت (لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آَياتِ اللهِ آَناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ).

قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِّن دونِكُم) الآية.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم.

قوله (إِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ) الآية.
نزلت هذه الآية ف ي غزوة أحد أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن ابن عون عن المسعر بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي أخبرني عن قصتكم يوم أحد فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد (وَإِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ تُبَوِّيءُ المُؤمِنينَ) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ عَليكُم مِّن بَعدِ الغَمِ أَمَنَةً نُّعاسًا).

قوله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ)
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم قال: فأنزل الله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ).

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً وفلاناً فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) رواه البخاري عن حيان عن ابن المبارك عن معمر ورواه مسلم من طريق ثابت عن أنس.

قوله تعالى (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت الآية في نبهان الثمار أتته امرأة حسناء باع منها تمراً فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية.

وقال في رواية الكلبي: إن رجلين أنصارياً وثقفياً آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فكانا لا يفترقان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وخرج معه الثقفي وخلف الأنصاري في أهله وحاجته وكان يتعاهد أهل الثقفي فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا فأدبر راجعاً فقالت: سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك قال: فندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله بفعله فخرج يطلبه حتى دل عليه فوافقه ساجداً وهو يقول: رب ذنبي قد خنت أخي فقال له: يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجاً وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل عليه السلام بتوبته فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) إلى قوله (وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ) فقال عمر: يا رسول الله أخاص هذا لهذا الرجل أم للناس عامة قال: بل للناس عامة. أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي إجازة قال: أخبرنا محمد بن الحسن الحدادي قال: أخبرنا محمد يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا روح قال: حدثنا محمد عن أبيه عن عطاء: أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبنو إسرائيل أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجذع أذنك اجذع أنفك افعل كذا فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأ هذه الآيات.

قوله تعالى (وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا) الآية.
قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فأنزل الله تعالى هذه الآيات وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله (وَأَنتُم الأَعلونَ).

قوله (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) الآية.
قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيباً حزيناً يوم أحد جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهكذا يفعل برسولك فأنزل الله تعالى (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) الآية.
قوله (وَما مُحمَّدٌ إِلّا رَسولٌ) الآيات.
قال عطية العوفي: لما كان يوم أحد انهزم الناس فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم وقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب ألا ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله تعالى في ذلك (وما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُسُلُ) إلى (وَكأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ الله ِوَما ضَعُفوا) - لقتل نبيهم - إلى قوله (فَآتاهُمُ الله ُثَوابَ الدُنيا).

قوله (سَنُلقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَروا الرُعبَ) الآية.
قال السدي: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به وأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله تعالى (وَلَقد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) الآية.
قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فأنزل الله تعالى (وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) الآية إلى قوله (مِنكُم مَّن يُريدُ الدُنيا) يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد.

قوله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) الآية
. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال: أخبرنا أبو عمرو بن محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو عبد الله بن أبان قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا شريك عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال أناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال حصيف: قلت لسعيد بن جبير: ما كان لنبي أن يغل فقال: بل يغل ويقتل.

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ وما كان لنبي أن يُغَلَّ ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله تعالى (وَيَقتُلونَ الأَنبِياءَ) ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز وجل (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ).

أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا فنزلت (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال سلمة: قرأها الضحاك يغل. وقال ابن عباس في رواية الضحاك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال قتادة: نزلت وقد غل طوائف من أصحابه وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أحد طلباً للغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشيء من الغنائم فنزلت هذه الآية.

قوله (أَولَمّا أَصابَتكُم مُّصيبَةٌ) الآية.
قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة من رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى (أَوَلَمّا أَصابَتكُم مُصيبَةٌ) إلى قوله (قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم) قال بأخذكم الفداء.
قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً) أخبرنا محمد بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي قال: أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا أنا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ). رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة.

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس فذكره رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيري عن مسدد عن عثمان بن أبي شيبة.

أخبرنا أبو بكر الحارثي حدثنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحذاء قال علي بن المديني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير بن الفاكه الأنصاري أنه سمع طلحة بن حراش قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراك مهتماً قلت: يا رسول الله قتل أبي وترك ديناً وعيالاً فقال: ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحاً فقال: يا عبدي سلني أعطك قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال: يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) الآية.

أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إلي قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) إلى قوله (لا يُضيعُ أَجرَ المُؤمِنينَ).

وقال أبو الضحى نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة. وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت الآية في شهداء بئر معونة وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي.

وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيساً عنهم وإخباراً عن حال قتلاهم.

قوله (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا أبو يونس القشيري عن عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عله وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون فاستجاب له سبعون رجلاً فطلبهم فلقي أبو سفيان عيراً من خزاعة فقال لهم: إن لقيتم محمداً يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن أبي سفيان فقالوا: لقيناه في جمع كثير ونراك في قلة ولا نأمنه عليك فأبى رسول الله إلا أن يطلبه. فسبقه أبو سفيان فدخل مكة فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) حتى بلغ (فَلا تَخافوهُم وَخافونِ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ).

أخبرنا عمر بن عمرو قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا محمد قال: أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) إلى آخرها قال: قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً كان فيهم أبو بكر والزبير.

قوله (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم التميمي قال: أخبرنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذاك يوم أحد بعد القتل والجراحة وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا عصابة تشدد لأمر الله فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ إِنَّ الناسَ قَد جَمَعوا لَكُم فاِخشُوهُم) إلى قوله (وَالله ُذو فَضلٍ عَظيمٍ).

قوله (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنينَ عَلى ما أَنتُم عَليهِ)
قال السدي: قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم: عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن لي ومن يكفر فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَبخَلونَ بِما آَتاهُمُ اللهُ) الآية.
جمهور المفسرين على أنها في مانعي الزكاة. وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل: كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى.

قوله (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالوا) الآية.
قال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارس اليهود فوجد ناساً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فآمن وصدق وأقرض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقاً فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر إلى ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما الذي حملك على ما صنعت فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل الله عز وجل رداً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالُوا) الآية.

أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن الليث الروذباري قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نزلت في اليهود صك أبو بكر رضي الله عنه وجه رجل منهم وهو الذي قال: إن الله فقير ونحن أغنياء قال شبل: بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال (يَدُ اللهِ مَغلولَة).

قوله تعالى (الَّذينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلينا) الآية.
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه وفي فنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً وأنزل عليك كتاباً وإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أذىً كَثيراً) الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك وفيهم أنزل الله (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) الآية.

أخبرنا عمرو بن عمرو المزكي قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلم تؤذينا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (وَلتَسمَعَنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذىً كَثيراً) الآية.

قوله (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) الآية
. أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو الهيثم المروزي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) الآية. ورواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني على ابن أبي مريم.

أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا محمد بن جهل قال: أخبرنا جعفر بن عوف قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا يزيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج فقال مروان: يا أبا سعيد أرأيت قوله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا وَّيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) والله إنا لنفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا وإنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم وأحبوا أن أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس وقل له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب لنعذبن أجمعين فقال ابن عباس: مالكم ولهذا إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ثم قرأ ابن عباس (وإِذ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلناسِ) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام. ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج كلاهما عن ابن جريج.

وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: إن محمداً ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم واجمعوا كلمتكم على ذلك فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ففرحوا بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله فذلك قول الله تعالى (يَفرَحونَ بِما أَتَوا) بما فعلوا (وَيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) يعني بما ذكروا من الصوم قوله (إِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي قال: حدثنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم فقالوا: يبريء الأكمه والأبرص ويحي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهباً فأنزل الله (إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَّيلِ وَالنَهارِ لآياتٍ لأُولي الأَلبابِ).

قوله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم) الآية.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سلمة بن عمرو بن أبي سلمة رجل من ولد أم سلمة قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِّنكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى) الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن ابن عون محمد بن أحمد بن ماهان عن محمد بن علي بن زيد عن قوله تعالى (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبَ الَّذينَ كَفَروا في البِلادِ) نزلت في مشركي مكة وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت هذه الآية.

قوله (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ) الآية.
قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم فقالوا: ومن هو فقال: النجاشي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لأصحابه: استغفروا له فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء قال: أخبرني جعفر بن محمد بن سنان الواسطي قال: أخبرنا أبو هاني محمد بن بكار الباهلي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج من الحبشة فأنزل الله تعالى (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِليكُم) الآية. وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم.

قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا) الآية.
أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: حدثنا محمد بن معاذ الباليني قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا) قال: قلت لا قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثغر يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك.

الأصح في الوصف الشعري هي

سورة العصر
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه : إنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم ، وهو معنى قول غيره : " إنها شملت جميع علوم القرآن

مقصودها تفضيل نوع الإنسان المخلوق من علق ، وبيان خلاصته وعصارته وهم الحزب الناجي يوم السؤال عن زكاء الأعمال بعد الإشارة إلى أضدادهم ، والإعلام بما ينجي من الأعمال والأحوال بترك الفاني والإقبال على الباقي لأنه خلاصة اتلكون ولباب الوجود ، واسمها العصر واضح في ذلك فإن العصر يخلص روح المعصور ويميز صفاوته ، ولذلك كان وقت هذا النبي الخاتم الذي هو خلاصة الخلق وقت العصر ، وكانت صلاة العصر أفضل الصلوات ، وبيان اشتمالها على علوم القرآن تنزيل جملتها على ما قال الغزالي : إن القرآن كالبحر الذي فيه جزائر بها معادن ستة ، منها أربعة مهمة : مهمان منها هما ياقوت أفخر فأحمره للعلم بالله ، وأخضره لصفاته ، وأزرقه لأفعاله ، وزمرد أخضر هو العلم باليوم الآخر وما فيه ، ومهمان أولهما در أنضر وهو العلم بالعبادات المقربة إليه سبحانه وتعالى ، وثانيهما مسك أذفر ، وهو العلم بالعبادات التي بها تهيأ العبادات ، ومتمان وهما درياق أكبر وهو العلم بإزاحة الشكوك ، والشبه والأوهام لأنها سموم ومهلكة للدين ، وعنبر أشهب وهو الاعتبار بمن هلك باجتناب ما كان سبب هلاكه ، والاقتفاء بمن نجا باتباع ما كان سبب نجاته ، فالجملة الأولى للعنبر لأن فيها شم روائح الهالك وضده الناجي ، وبدئ بها لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، والجملة الثانية للياقوت بصفاته الثلاث والزمرد ، والثالثة للدر والمسك ، وهخما عبادات مقصودة ، وعادات وسيلة إليها ممدودة ، والرابعة للدرياق لأن الشبه والشكوك إنما هي من أوهام عاطلة وخيالات باطلة ، والخامسة وسيلة إليها ومتمة لها لأن معرفة ذلك واجتنابه لا يكون إلا ببذل الجهد في الصبر

فضلها:

عَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ قَالَ: كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ. أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2 / 11 / 2 / 5256 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6 / 307).


قال الإمام محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة: وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا رضي الله عنهم جميعا: إحداهما: التسليم عند الافتراق والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يُحْدِثُوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله, إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا, ولم لا و قد أثنى الله تبارك و تعالى عليهم أحسن الثناء , فقال :

(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .

وقال ابن مسعود و الحسن البصري : من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, فإنهم كانوا أَبَرَّ هذه الأمّة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكَلُّفا و أقومها هديا و أحسنها حالا, قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه, فاعرفوا لهم فضلهم, و اتبعوهم في آثارهم, فإنهم كانوا على الهدي المستقيم





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:35 PM

سورة العصر : ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب
وذلك بعدما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة
ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ فقال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي ؟
فقال " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال وقد أنزل علي مثلها فقال له عمرو وما هو ؟
فقال : يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر ثم قال كيف ترى يا عمرو
فقال له عمرو ؟ والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب.
والوبر دويبة تشبه الهر أعظم شيء فيه أذناه وصدره وباقيه دميم فأراد مسيلمة
أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن . فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان .
وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله بن حصن
قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا
لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها
ثم يسلم أحدهما على الآخر : وقال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم .
العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر
وقال مالك عن زيد بن أسلم هو العصر والمشهور الأول .

وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ

فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك .


إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يقول : إلا الذين صدقوا الله ووحدوه , وأقروا له بالوحدانية والطاعة ,
وعملوا الصالحات , وأدوا ما لزمهم من فرائضه , واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه ,
واستثنى الذين آمنوا عن الإنسان , لأن الإنسان بمعنى الجمع , لا بمعنى الواحد .

وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ

وقوله : { وتواصوا بالحق } يقول : وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه ,
من أمره , واجتناب ما نهى عنه فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وتواصوا بالحق } والحق : كتاب الله .

وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

وقوله : { وتواصوا بالصبر } يقول : وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وتواصوا بالصبر } قال : الصبر : طاعة الله .

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:37 PM

اللغز الثامن والعشرون


بسؤال تهويلٍ أتت
في صدرها وتحدثت
عن سابقين تجبروا
وعن النهايةِ تخبرُ
وبنعمة الإنقاذ من
ماءِ الهلاك تذكِّر
تصف القيامة يا بشر
والعرض آتٍ لا مفر
من باليمين كتابُه
ربح الحياة ولا وزر
أما الذي بشماله
أخذ الكتابَ ففي سقر
والله أقسم أنه
ما كان من قول البشر
تنزيل رب العالمين
على ختام المرسلين
حق من البرالكريم
فسبحوا الله العظيم

سورة الحاقه

بسؤال تهويلٍ أتت
في صدرها وتحدثت
عن سابقين تجبروا
وعن النهايةِ تخبرُ

الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
فَهَلْ تَرَىٰ لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)

وبنعمة الإنقاذ من ماءِ الهلاك تذكِّر

لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)

تصف القيامة يا بشر
والعرض آتٍ لا مفر

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)

من باليمين كتابُه
ربح الحياة ولا وزر

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)

أما الذي بشماله
أخذ الكتابَ ففي سقر

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)

والله أقسم أنه
ما كان من قول البشر
تنزيل رب العالمين
على ختام المرسلين

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)

حق من البرالكريم
فسبحوا الله العظيم

وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
من أسباب النزول
سورة الحاقة
بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عز وجل: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ 12 .
حدثنا أبـو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا الوليد بن أبان،
أخبرنا العباس الدوري، أخبرنا بشر بن آدم، أخبرنا عبد الله بن الزبير قال: سمعت صالح بن هيثم يقول:
سمعت بُريدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك،
وأن أعلمك وتعي وحقّ على الله أن تعي"،
فنـزلت: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ .

الْحَاقَّةُ

روى أبو الزاهرية عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أجير من فتنة الدجال .
ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة من فوق رأسه إلى قدمه ) .

" الحاقة " يريد القيامة ; سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها

مَا الْحَاقَّةُ

يريد القيامة ; سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها ; قاله الطبري .
كأنه جعلها من باب " ليل نائم " . وقيل : سميت حاقة لأنها تكون من غير شك .
وقيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة , وأحقت لأقوام النار .
وقيل : سميت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله .
وقال الأزهري : يقال حاققته فحققته أحقه ; أي غالبته فغلبته .
فالقيامة حاقة لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل ; أي كل مخاصم .
وفي الصحاح : وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق ; فإذا غلبه قيل حقه .
ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء : إنه لنزق الحقاق .
ويقال : ماله فيه حق ولا حقاق ; أي خصومة . والتحاق التخاصم .
والاحتقاق : الاختصام . والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى .
وقال الكسائي والمؤرج : الحاقة يوم الحق . وتقول العرب : لما عرف الحقة مني هرب .
والحاقة الأولى رفع بالابتداء , والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو " ما الحاقة " لأن معناها ما هي . واللفظ استفهام , معناه التعظيم والتفخيم لشأنها ; كما تقول : زيد ما زيد على التعظيم لشأنه .



أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:40 PM

اللغز التاسع والعشرون


عن ليلة نتكلمُ
وبحبها نترنمُ
الله أنزل نوره
فيها فربي منعمُ
ها فرصة
يا من شكا العمر القصير ومغنمُ
الروح ينزل طائعاً
وملائكٌ تتكرمُ
عم الأنام سلامُها
وبكل خير تُختمُ
فانعم بخير عطيةٍ
من ربنا يا مسلمُ

سورة القدر

مقصودها:
مقصودها تفصيل الأمر الذي هو أحد قسمي ما ضمنه مقصود " اقرأ " وعلى ذلك دل اسمها لأن الليلة فضلت به ، فهو من إطلاق المسبب على السبب ، وهو دليل لمن يقول باعتبار تفضيل الأوقات لأجل ما كان فيها ، كما قال ذلك اليهودي في اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى ) اليوم أكملت لكم دينكم ) [ المائدة : 3 ] وأفرده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على ذلك وأعلمه أنه صار لنا عيدين : عيدا من جهة كونه يوم عرفة ، وعيدا من جهة كونه يوم جمعة


أسباب النزول
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. أخبرنا أبو بكر التميمي أخبرنا عبد الله بن حباب أخبرنا أبو يحيى الرازي أخبرنا إسماعيل العسكري أخبرنا يحيى بن أبي زائدة عن مسلم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فتعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى (إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ وَما أَدراكَ ما لَيلَةِ القَدرِ لَيلَةِ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرِ) قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل.


الآيات التي تحدثت عنها الأبيات
عن ليلة نتكلمُ
وبحبها نترنمُ
الله أنزل نوره
فيها فربي منعمُ
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ

ها فرصة
يا من شكا العمر القصير ومغنمُ

وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ

الروح ينزل طائعاً
وملائكٌ تتكرمُ
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ

عم الأنام سلامُها
وبكل خير تُختمُ
فانعم بخير عطيةٍ
من ربنا يا مسلمُ
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

السور المشابهة لها في البدء
هل تقصد أستاذنا الفاضل البدء بمضمون الآية الأولى؟
كما في سورة الدخان " حم والكتاب المبين لإنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منزلين"؟

هذه فائدة قرأتها بالعام الماضي
من أخطاء الناس حول ليلة القدر !!!

بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
حفظه الله تعالى ورعاه

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وصلى بصلاته إلى يوم الدين ، قال تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم }.

أما بعد .

أخطاء الناس ومخالفاتهم في الصيام والقيام كثيرة شهيرة، سواء في اعتقاداتهم وأحكامهم وممارساتهم، فيظنون – وبعضهم يعتقد – أمورا ليست من الإسلام في شيء تجاه هذا الركن العظيم من أركان الإسلام؛ ويستبدلون – فيه وفي غيره – الذي هو أدنى بالذي هو خير، اتِّباعا لليهود، الذين نهى النبي عن مشابهتهم، وأكد وحث على مخالفتهم.

ومن هذه الأخطاء أخطاء تخص ليلة القدر، ونقسمها إلى قسمين:

القسم الأول: أخطاء في التصور والاعتقاد؛ ومن ذلك:

• اعتقاد كثير من الناس أن لليلة القدر علامات تحصل وتقع لبعض العباد فيها وينسجون حول ذلك خرافات وخزعبلات، فيزعمون أنهم يرون نورا من السماء، أو تفتح لهم فجوة من السماء !! ... إلخ.

ورحم الله الحافظ ابن حجر، فإنه ذكر في (( الفتح )) (4 / 266 ) أن الحكمة في إخفاء ليلة القدر حصول الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عُيِّنت لها ليلة لاقتصر عليها.

ثم نقل عن الطبري أنه اختار أن جميع العلامات غير لازمة فيها، وأنها لا يشترط لحصولها رؤية شيء أو سماعه، وقال: في إخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة، إذ لو كان ذلك حقا لم يَخْفَ على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان.

• قولهم بأنها رفعت أصلا. وقد حكاه المتولي من الشافعية في كتابه (( التتمة )) عن الرافضة، وحكاه الفاكهاني في (( شرح العمدة)) عن الحنفية !!

وهذا تصور فاسد، وخطأ شنيع مبني على فهم مغلوط لقول النبي – لمّا تلاحى رجلان في ليلة القدر – : "إنها رُفعت" !! والرد على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: قال العلماء: المقصود بـ "رُفعت" أي: من قلبي، فنسيتُ تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين، وقيل: المعنى رُفعت بركتها في تلك السنة، وليس المراد بأنها رُفعت أصلا، ويدل على ذلك ما أخرجه عبدالرزاق في (( مصنًّفه )) (4 / 252 ) عن عبدالله بن يَحْنُس قال: قلت لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر رُفعت !! قال: كذب من قال ذلك.

الثاني: عموم الأحاديث التي فيها الحث على قيامها، وبيان فضلها، كمثل ما أخرجه البخاري وغيره من قوله : "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال النووي: واعلم أن ليلة القدر موجودة، فإنها تُرى، ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه هذه الأحاديث وإخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر.

قلت: نعم؛ إمكانية معرفة ليلة القدر واردة، فقد تتضافر العلامات التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم على إنها ليلة ما من ليالي رمضان، ولعل هذا هو المراد من قول عائشة – فيما أخرجه الترمذي وصححه – قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ ففي هذا الحديث – كما يقول الشوكاني في (( نيل الأوطار )) (4 / 303 ) – : "دليل على إمكان معرفة ليلة القدر وبقائها".

وقال الزُّرقاني في (( شرحه على الموطأ )) ( 2 / 491 ): "ومن زعم أن المعنى – أي: الوارد في الحديث المذكور – رُفعت أصلا – أي: وجودها – فقد غلط، فلو كان كذلك لم يأمرهم بالتماسها، ويؤيد ذلك تتمة الحديث: " ... وعسى أن يكون خيرا لكم"؛ لأن إخفاءها يستدعي قيام كل الشهر، بخلاف ما لو بقي معرفتها بعينها".

فليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، وإن كان تحديدها خفيا على وجه يقطع اللبس والغموض، وإن كان الراجح أنها في العشر الأواخر منه، والأدلة ترجِّح أنها ليلة السابع والعشرين، ولكن القطع بذلك على وجه اليقين صعب وعسير، والله أعلم.

القسم الثاني: أخطاء في العمل والسلوك: وما يقع فيه الناس في ذلك ليلةَ القدر كثير جدا، ولا يكاد يسلم منها إلا من عصم الله، من ذلك:

• البحث والفتش عن تعيينها، والانشغال – برصد أماراتها – عن العبادة والطاعة فيها.

فكم نرى بين المصلين من ينشغل بهذا عن تلاوة القرآن والذكر والعلم، فتجد الصالح منهم – قبيل طلوع الشمس – يرقب قرص الشمس ليعلم هل لها شعاع أم لا ؟
وعلى هؤلاء أن يتمعنوا فيما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم :" ... فعسى أن يكون خيرا لكم"
ففيه إشارة إلى عدم تعيينها، قال أهل العلم – مستنبطين من هذا القول النبوي أن إخفائها أفضل – قالوا: والحكمة في ذلك: أن يجتهد العبد ويكثر من العمل في سائر الليالي رجاء موافقتها، بخلاف ما لو عُيِّنت له لاقتصر على كثرة العمل في ليلة واحدة ففاته العبادة في غيرها، أو قلَّ فيها عمله، بل استنتج بعضهم منه أن الأفضل لمن عرفها أن يكتمها بدليل أن الله قدَّر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قُدِّر له، فيستحب اتِّباعه في ذلك.

• ومما سبق يُعلم خطأ كثير من الناس في إقبالهم على القيام خاصة، – والعبادة عامة – في ليلة السابع والعشرين؛ جازمين – أو شبهَ جازمين – أنها ليلة القدر ( ! ) ثم هجرهم القيام والاجتهاد في الطاعة سائر الليالي؛ ظنا منهم بأن لهم أجر عبادة ما يزيد على ألف شهر في إحياء هذه الليلة حسبُ !!

وهذا الخطأ يجعل كثيرا من الناس يغالون في الطاعة في هذه الليلة، فتراهم لا ينامون – بل لا يفتُرُون – عن الصلاة، مع ( مجاهدة ) النفس بعدم النوم، وربما صلى بعضهم – وأطال القيام – وهو يدافع بجهد بالغ النعاس، وقد رأينا بعض من ينام منهم في السجود !!

وفي هذا مخالفة لهدي النبي في أمره بعدم عمل ذلك من جهة، وأنه من الآصار والأغلال التي رفعت عنا – بفضل الله ومنِّه – من جهة أخرى.

• ومن أخطائهم في هذه الليلة انشغالهم بترتيب الاحتفالات، وإلقاء الكلمات والمحاضرات ( ! )، – وبعضهم ينشغل بالنشيد والتغبير !! – عن الطاعات والقُربات.
وترى بعض المتحمسين يطوف بالمساجد لإلقاء آخر الأخبار !! وتحليلها على وجهٍ يُخرج هذه الليلة عن المقصود الشرعي الذي من أجلها شرعت و وجدت.

• ومن أخطائهم تخصيص بعض العبادات فيها، كصلاة خاصة لها.

وبعضهم يصلي فيها على وجه دائم جماعة – بغير حجة – صلاة التسابيح !!
وبعضهم يؤدي في هذه الليلة – بزعم البركة – صلاة حفظ القرآن ! ولا تَثبُت.

والمخالفات والأخطاء المتعلقة بليلة القدر – مما يقع فيه الكثير من الناس – متنوعة متكاثرة، لو استقصيناها وتتبعناها لطال بنا القول، وما أوردناه ها هنا نزر يسير، يفيد طلاب العلم، والراغبين بالحق، والباحثين عن الصواب.

من أسباب نزول الآيات فى سورة القدر

أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن حبان، أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل العسكري،
أخبرنا يحيى بن أبي زائدة، عن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:
ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر،
فتعجب المسلمون من ذلك، فأنـزل الله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل.

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) .

يقول تعالى ذكره: إنا أنـزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْر،
وهي ليلة الحُكْم التي يقضي الله فيها قضاء السنة؛ وهو مصدر من قولهم:
قَدَرَ الله عليّ هذا الأمر، فهو يَقْدُر قَدْرا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس،
قال: نـزل القرآن كله مرة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا،
فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئًا أنـزله منه حتى جمعه.

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس،
قال: أنـزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه،
فهو قوله: ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) .

قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه ، وزاد فيه.
وكان بين أوّله وآخره عشرون سنة.

قال ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيميّ،
قال: ثنا عمران أبو العوّام، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، أنه قال في قول الله:
( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال: نـزل أول القرآن في ليلة القدر.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس،
قال: نـزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فُرِّق في السنين،
وتلا ابن عباس هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ قال: نـزل متفرّقا.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن داود، عن الشعبيّ، في قوله: ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )
قال: بلغنا أن القرآن نـزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم،
عن سعيد بن جُبير: أنـزل القرآن جملة واحدة، ثم أنـزل ربنا في ليلة القدر: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ .

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )
قال: أنـزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم،
فكان الله ينـزله على رسوله، بعضه في أثر بعض،
ثم قرأ: وقالوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا .



أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:45 PM

اللغز الثلاثون

تعالى الخالق الصمدُ
فليس لأمره حدُ
إذا ما قال كن كانت
مشيئته فلا ردُ
بلا أبوين قد سوى
فلم يعجز له قصدُ
ومن أمٍ بلا زوجٍ
فليس لصنعه عدُّ
وهذي سورةٌ فيها
من الإعجاز ما فيها
نبيٌ قد دعا رغبا
وخر لربه رهبا
فأكرمه وأعطاه
غلاماً صانه الله
وأنثى شأنها الطهرُ
يشيدُ بطهرها الدهرُ
فكانت وابنها آية
وفي تسليمها غاية
وابراهيم إذ يدعو
أباه وليس يمتنعُ
عن الأصنام والشركِ
يدور بظلمةِ الشكِ
وطائفةٍ من الرسلِ
كنهرٍ فاض بالعسلِ
وأمجادٍ لهم تذكر
وأخلاقٍ لهم ثؤثر
وفيها مشهدٌ يُبكي
لأهل الكفرِ والشركِ
بكل مذلةٍ حُفوا
وحول جهنمَ التفوا
وكان ختامُها مسكا
بياناً يدحض الشركَ
بتوحيدٍ لبارينا
وتنزيهٍ لهادينا

سورة مريم
السور المشابهة : الاعراف ـيونس ـهود ـيوسف ـالرعد ـابراهيم ـالحجر ـالشعراء ـغافر ـفصلت ـالشورى ـالزخرف ـالنمل ـالقصص ـالعنكبوت ـالروم ـلقمان ـص ـالدخان الجاثية الاحقاف ـق ـالقلم
نبى قد دعا رغبا : زكريا
وأنثى شأنها طهر : مريم

روى محمدبن إسحاق فى السيرة من حديث أم سلمة وأحمدبن حنبل عن ابن مسعودفى قصته الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة أن جعفربن أبى طالب رضى الله عنه قرأ صدر هذه السورة على النجاشى وأصحابه ............
{ كهيعص} اختلف المفسرون فى الحروف المقطعة التى فى أوائل السور فمنهى من قال هى مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبى فى تفسيره ومنها من فسرها واختلف هؤلاء فى معناها فقال عبدالرحمن بن زيدبن أسلم إنماهى أسماء السور ...........
" ذكررحمة ربك عبده زكريا " أى هذاذكررحمة الله بعبده زكريا وكان نبيا عظيما من أنبياءبنى إسرائيل وفى صحيح البخارى أنه كان نجارا يأكل من عمل يده فى النجارة
" إذنادى ربه نداءخفيا " قال بعض المفسرين إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب فى طلب الولد إلى الرعونة لكبره ...إن الله يعلم القلب التقى ويسمع الصوت الخفى وقال بعض السلف قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه فجعل يهتف بربه يقول خفية يارب يارب يارب فقال الله له : لبيك لبيك لبيك ..........
خشى أن يتصرف عصباته من بعده فى الناس تصرفا سيئا فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحى إليه
" فهب لى من لدنك وليا يرثنى " المقصود ميراث النبوة ولهذا قال " ويرث من ال يعقوب "
" واجعله رب رضيا " أى مرضيا عندك وعندخلقك تحبه وتحببه إلى خلقك فى دينه وخلقه
" بازكريا إنانبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمبا " هذا الكلام يتضمن محذوفا وهو أنه أجيب إلى ماسأل فى دعائه فقيل له "يازكرياإنانبشرك بغلام اسمه يحيى " وقوله لم نجعل له من قيل سميا أى شبيها قال قتادة وابن جريح وابن زيد أى لم يسم أحد قيله بهذا الاسم
وأنثى شأنها الطهر
يشيد بطهرها الدهر
فكانت وابنها ايه
وفى تسليمها غايه
..المقصود { السيدة مريم وابنها عيسى عليه السلام }
الايات .." واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا {16}فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا {17}قالت إنى إعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا {18}قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما ذكيا {19}قالت أنى يكون لى غلامولم يمسسنى بشرولم أك بغيا {20}قال كذلك قال ربك ربك هو على هين ولنجعله ءاية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا {21}فحملته فانتبذت به مكانا قصبا {22}.....
هى مريم بنت عمران من سلالة داوود عليه السلام وكانت من بيت طاهر طيب فى بنى اسرائيل ونشأت نشأة عظيمة فكانت احدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل وكانت فى كفالة زوج اختها زكريا عليه السلام نبى بنى اسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذى يرجعون إليه فى دينهم ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء فى الصيف وثمر الصيف فى الشتاء
وإبراهيم إذيدعو
أباه وليس يمتنع
عن الأصنام والشرك
يدوربظلمة الشك
....قصة ابراهيم عليه السلام .........
الايات .." واذكر فى الكتاب ابراهيم إنه كان صديقا نبيا {41}إذقال لأبيه باأبت لم تعبدمالا يسمع ولايبصرولايغنى عنك شيئا {42} ياأبت إنى قدجاءنى من العلم مالم يأتك فاتبعنى أهدك صراطا سويا {43} ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا {44} ياأبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا {45}................
..يقول الله تعالى لنبيه محمدصلى الله عليه وسلم : .." واذكرفى الكتاب ابراهيم " واتل على قومك هؤلاء الذين يعبدون الأصنام واذكر لهم ماكان من خبر ابراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته ويدعون أنهم على ملته ةقد كان صديقا نبيا مع أبيه وقد نهاه عن عبادة الأصنام فقال ياأبت لم تعبدمالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا أى لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررا
وطائفة من الرسل
كنهرفاض بالعسل
وأمجادلهم تذكر
وأخلاق لهم تؤثر
......موسى ـ هارون ـ اسماعيل ـإدريس ..عليهم جميعا السلام
الايات .." واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا {51}وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا {52}ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا {53}واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعدوكان رسولا نبيا {54}وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عندربه مرضيا{55}واذكرفى الكتاب إدريس إنه كان صديقانبيا {56}ورفعناه مكاناعليا {57}أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية ءادم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم ءايت الرحمن خروا سجدا وبكيا {58}

وفيها مشهد يبكى
لأهل الكفر والشرك
بكل مذلة حفوا
وحول جهنم التفوا
.....الايات .." فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا {68}ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشدعلى الرحمن عتيا {69}ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا {70}
....أقسم الله تبارك وتعالى بنفسه الكريمة أنه لابد أن يحشرهم جميعاوشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ..قال العوفى عن ابن عباس يعنى قعودا وقال السدى قوله جثيا يعنى قياما ......
وبعد ذلك يحبس الأول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعا ثم بدأ بالأكابرفالأكابر جرما .....
الله تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها وبمن يستحق تضعيف العذاب
وكان ختامها مسكا
بيانا يدحض الشرك
بتوحيد لبارينا
وتنزيه لهادينا
.......الايات .." وقالوا اتخذ الرحمن ولدا {88}لقد جئتم شيئا إدا {89}تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا {90}أن دعواللرحمن ولدا {91}وماينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا {92}إن كل من فى السموات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبدا{93}لقد أحصاهم وعدهم عدا {94}وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا {95}إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا {96}........
ـ فى ختام السورة يخبر الله تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات يغرس لهم فى قلوب عباده الصالحين محبة ومودة وهذا أمر لا بد منه وقد روى ابن جرير أثرا أن هذه الاية نزلت فى هجرة عبد الرحمن بن عوف وهو خطأ فإن هذه السورة بكمالها مكية لم ينزل منها شىء بعد الهجرة ولم يصح سند ذلك ....والله أعلم ...





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:48 PM

اللغز الحادي والثلاثون

الله سوى خلقه سبحانه
رب البرايا والإله المقتدر
وهو الرؤوف بهم ومالك أمرهم
عذنا به من شر وسواسٍ حضر
فإذا ذكرنا الله يخنس خاسئاً
يُخزى بذكر الله يخشى ينكسر
من جنةٍ لسنا نرى أشكالهم
أو مثلنا من جنسنا نحن البشر

سورة الناس
السور المشابهة :,. الإخلاص ـالفلق ـالكافرون ـالجن الايات : بسم الله الرحمن الرحيم " قل أعوذ برب الناس {1}ملك الناس {2}إله الناس {3}من شر الوسواس الخناس {4}الذى يوسوس فى صدور الناس {5}من الجنة والناس {6}


يقول ابن كثير فى تفسيره : هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل ..الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شىء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيدله فأمر المستعيذأن يتعوذبالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بنى ادم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا فى الخيال ....
قل أعوذ برب الناس " ...يقول تعالى ذكره لنبيه محمدصلى الله عليه وسلم : قل يا محمد أستجير{ برب الناس} تفسير الطبرى ..
ـــسورة الناس مثل الفلق لأنها احدى المعوذتين وروى الترمذى عن عقبة بن عامرالجهنى عن النبى صلى الله عليه وسلم : { لقد أنزل الله على ايات لم يُرمثلهن : " قل أعوذبرب الناس ..إلى اخر السورة ..وقل أعوذبرب الفلق إلى اخر السورة ..وقال : هذا حديث حسن صحيح ورواه مسلم ..
قل أعوذبرب الناس : أى مالكهم ومصلح أمورهم وإنما ذكر أنه رب الناسوإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين : أحدهما لأن الناس معظمون فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا ..الثانى لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم فأعلم بذكرهم أنه هو الذى يعيذ منهم ..تفسير القرطبى ..

إنما قال ملك الناس إله الناس لأن فى الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم وفى الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم وأنه الذى يجب أن يستعاذبه ويلجأ إليه دون الملوك العظماء { القرطبى }
وفى تفسير الطبرى : هو ملك جميع الخلق إنسهم وجنهم وغير ذلك إعلاما منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم أنه ملك من يعظمه وأن ذلك فى ملكه وسلطانه تجرى عليه قدرته وأنه أولى بالتعظيم وأحق بالتقدير وأحق بالتعبد له من يعظمه ويتعبد له من غيره من الناس ..

فإذا ذكرنا الله
يخنس خاسئا
يخزى بذكر الله
يخشى ينكسر
...." من شر الوسواس الخناس"
وقال سعيدبن جبيرعن ابن عباس فى قوله : الوسواس الخناس " الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس وكذا قال مجاهد وقتاده وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ذكر لى أن الشيطان الوسواس ينفث فى قلب ابن ادم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس ..وقال العوفى عن ابن عباس فى قوله " الوسواس " قال هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس ..

من جنة لسنا نرى أشكالهم
أومثلنا من جنسنانحن البشر
......
الايات " الذى يوسوس فى صدور الناس {5}من الجنة والناس {6} .......
هل يختص هذا ببنى ادم كما هو الظاهر أويعم بنى ادم والجن ؟
فيه قولان : ويكونون قد دخلوا فى لفظ الناس تغليبا ..وقال ابن جرير:
وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع فى اطلاق الناس عليهم
وقوله تعالى : " من الجنة والناس " هل هو تفصيل لقوله : " الذى يوسوس
فى صدور الناس" من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى :" وكذلك جعلنا
لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"
{تفسير ابن كثير }
وفى تفسير القرطبى : " من الجنة والناس" أخبر أن الموسوس قديكون من الناس
قال الحسن هما شيطانان أما شيطان الجن فيوسوس فى صدور الناس وأماشيطان الإنس فيأتى علانية
وقال قتادة : إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطبن فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ..
وفى تفسير { الطبرى } : الشيطان الوسواس الذى يوسوس فى صدور الناس جنهم وإنسهم فإن قال قائل : فالجن ناس فيقول : الذى يوسوس فى صدور الناس قيل : قدسماهم الله فى هذا الموضع ناسا كما سماهم فى موضع اخر رجالا فقال . " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من من الجن " فجعل الجن رجالا وكذلك جعل منهم ناسا ..
وفى تفسير الجلالين : " من الجنة والناس " بيان للشيطان الموسوس أنه جنى وأنسى .




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:51 PM

اللغز الثاني والثلاثون

ما أنزل الله الكتاب عليه إلا تذكره
هذا النبي المصطفى وشفيعنا في الآخره
هي سورة من وحي ربي للقلوب الصابره
قصت علينا شأن موسى في أمورٍ باهره
في بعثه ونجاته من مجرمين جبابره
وتعرضت لبلاء آدم والوساوس ماكره
والفضل لله اجتباه بتوبة ليطهره
ومشاهدٍ لقيامةٍ والناس فيها حائره
قد أحضروا لحساب عدلٍ والعزائم خائره
وختامها أمر بصبر في انتظار الآخره

طه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى
ما أنزل الله الكتاب عليه إلا تذكره
هذا النبي المصطفى وشفيعنا في الآخره


تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
هي سورة من وحي ربي للقلوب الصابره


وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَاموسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
قصت علينا شأن موسى في أمورٍ باهره

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي
في بعثه ونجاته من مجرمين جبابره


وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يبلى
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى

وتعرضت لبلاء آدم والوساوس ماكره
والفضل لله اجتباه بتوبة ليطهره



يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا

ومشاهدٍ لقيامةٍ والناس فيها حائره
قد أحضروا لحساب عدلٍ والعزائم خائره

قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى
وختامها أمر بصبر في انتظار الآخره



الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه
سورة طه
سورة طه مكية في قول الجميع نزلت قبل إسلام عمر رضي الله عنه روى الدارقطني في سننه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال خرج عمر متقلدا بسيف فقيل له
إن ختنك قد صبوا فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب
وكانوا يقرءون " طه " فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه
وكان عمر رضي الله عنه يقرأ الكتب فقالت له أخته إنك رجس
ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام عمر رضي الله عنه وتوضأ وأخذ الكتاب
فقرأ " طه " وذكره ابن إسحاق مطولا فإن عمر خرج متوشحا سيفه
يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله فلقيه نعيم بن عبد الله فقال أين تريد يا عمر ؟
فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها
وسب آلهتها فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر
أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟
أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ فقال وأي أهل بيتي ؟
قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة بنت الخطاب
فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما قال فرجع عمر عامدا إلى أخته
وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها " طه " يقرئهما إياها
فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما فلما دخل
قال ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له ما سمعت شيئا
قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا إلى دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد
فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها
فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله
فاصنع ما بدا لك ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى
وقال لأخته أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءونها آنفا
أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان كاتبا فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها
قال لها لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها فلما قال ذلك
طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي إنك نجس على شركك وأنه لا يمسها إلا الطاهر
فقام عمر واغتسل فأعطته الصحيفة وفيها " طه " فلما قرأ منها صدرا
قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه
فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه
فإني سمعته أمس وهو يقول ( اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو الخطاب )
فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم وذكر الحديث

من أسباب النـزول


قوله عز وجل: طه * مَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
قال مقاتل: قال أبو جهل، والنضر بن الحارث للنبيّ صلى الله عليه وسلم:
"إنك لشقيّ بترك ديننا. وذلك لما رأياه من طول عبادته وشدة اجتهاده،
فأنـزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى
قال: حدثنا العسكري قال: حدثنا أبو مالك، عن جويبر، عن الضحاك
قال: لما نـزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا،
فقال كفار قريش: ما أنـزل الله تعالى هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليشقى به، فأنـزل الله تعالى: طه يقول: يا رجل مَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى .

قوله عز وجل: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية 131 .
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي
قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح،
عن موسى بن عبيدة الربذي قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن قسيط،
عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أن ضيفًا نـزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني
فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعامًا، يقول لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنه نـزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه، فبعني كذا وكذا من الدقيق
أو أسلفني إلى هلال رجب، فقال اليهودي: لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن،
قال: فرجعت إليه فأخبرته، قال: "والله إني لأمين في السماء أمين في الأض،
ولو أسلفني أو باعني لأدّيت إليه، اذهب بدرعي"،
ونـزلت هذه الآية تعزيةً له عن الدنيا
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ الآية.

مقصودها:

مقصودها الإعلام بإمهال المدعوين والحلم عنهم والترفق بهم إلى أن يكونوا أكثر الأمم ، زيادة في الشرف داعيهم ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعلى هذا المقصد الشريف دل اسمها بطريق الرمز والإشارة ، لتبيين أهل الفطنة والبصارة ، وذلك بما في أولها من الحروف المقطعة ، وذلك أنه لما كان ختام سورة مريم حاملاً على الخوف من أن تهلك أمته ( صلى الله عليه وسلم ) قبل ظهور أمره الذي أمر الله به ةاشتهار دعوته ، لقلة من آمن به منهم ، ابتدأه سبحانه بالطاء إشارة بمخرجها الذي هو من رأس اللسان وأصول الثنيتين العليين إلى قوة أمر وانتشاره ، وعلوه وكثرة أتباعه ، لأن هذا المخرج أكثر المخارج حروفاً ، وأشدها حركة وأوسعها انتشاراً ، وبما فيها من صفات الجهر والإطباق و الاستعلاء والقلقلة إلى انقلاب ما هو فيه من الإسرار جهراً ، وما هو فيه من الرقة فخامة ، لأنها من حروف التفخيم ، وأنه يستعلي أمره ، وينتشر ذكره ، حتى يطبق جميع الوجود ويقلقل سائر الأمم ، ولكن يكون ذلك .

بما تشير إليه الهاء بمخرجها من أقصى الحلق .

على حد بعده من طرف اللسان مع طول كبير وتماد كثير ، وبما فيها من صفات الهمس والرخاوة والانفتاح والاستفال والخفاء مع مخافته وضعف كبير ، وهدوء وخفاء عظيم ، ومقاساة شدائد كبار ، مع نوع فخامة واشتهار ، وهو وإن كان اشتهاراً يسيراً يغلب هذا الضعف كله وإن كان قوياً شديداً ، وقراءة الإمالة للهاء تشير إلى شدة الضعف ، وقراءة التفخيم .
وهي الأكثر القراء .


مشيرة إلى فخامة القدر وقوة الأمر ، بما لهما من الانتفاخ ، وإن رئي أنه ليس كذلك ( إنه ليخافه
ملك بني الأصفر ) وإن كان معنى الحرفين : يا رجل ، فهو إشارة إلى قوته وعلو قدره ، وفخامة ذكره ، وانتشار أتباعه وعموم أمره ، وإن كانا إشارة إلى وطء الأرض فهو إلاحة إلى قوة التمكن وعظيم القدرة وبعدد الصيت حتى تصير كلها ملكاً له ولأتباعه ، وملكاً لأمرائه واشياعه .

والله أعلم .

وذكر ابن الفرات في تأريخه أن هحر الحبشة كانت قي السنة الثامنة من المبعث فالظاهر .


على ما يأتي في إسلام عمر رضي الله عنه أن نزول هذه السورة أو أولها كان قرب هجرة الحبشة ، فيكون سبحانه قد رمز له ( صلى الله عليه وسلم ) على ما هو ألذ في محادثة الأحباب ، من صريح الخطاب ، بعدد مسمى الطاء إلى أن وهن الكفار الوهن الشديد .

يقع في السنة التاسعة من نزولها ، وذلك في غزوة بدر الموعد في سنة أربع من الهجرة ، وبعدد اسمها إلى أن الفتح الأول يكون في السنة الحاية عشر من نزولها ، وذلك في عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة عند نزول سورة الفتح ، ورمز له بعدد مسمى الهاء إلى أن مبدأ النصرة بالهجرة في السنة الخامسة من نزولها ، وبعدد اسمها إلى أن نصرة بالفعل يعق في السنة السابعة من نزولها ، وذلك في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة ، وبعدد حرفي اسمها لا بعدد اسميها إلى أنه في السنة الثالثة عشر من نزولها يكون بفتح الأكبر بالاستعلاء على مكة المشرفة التي كان سبباً قريباً للاستعلاء على جميع الأرض ، وذلك في أواخرها في رمضان سنة ثمان من الهجرة ، وكان تمتمه بفتح الطائف بإرسال وفدهم وإسلامهم وهدم طاغيتهم في سنة تسع ، وهي السنة الرابعة عشرة ، وبعدد اسميهما إلى أن تطبيق أكثر الأرض بالإسلام يكون في السنة الثامنة عشرة من نزولها ، وذلك بخلافة عمر رضي الله عنه في السنة الثالثة عشر من الهجرة .


والله أعلم .


أسباب النزول

بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (طَهَ ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآَنَ لِتَشقى)
قال مقاتل: قال: أبو جهل والنضر بن الحرث للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى بترك ديننا وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا العسكري قال: حدثنا أبو مالك عن جرير عن الضحاك قال: لما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا فقال كفار قريش: ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام إلا ليشقى به فأنزل الله تعالى (طَهَ) يقول: يا رجل (ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى).

قوله تعالى (وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح عن موسى بن عبيدة الزبدي قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن فضيل عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفاً نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاماً يقول لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه فبعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فقال اليهودي: لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن قال: فرجعت إليه فأخبرته قال: والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا (وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَعنا بِهِ أَزواجاً مِنهُم) الآية.

* الآيات التي أشارت إليها الابيات


ما أنزل الله الكتاب عليه إلا تذكره
هذا النبي المصطفى وشفيعنا في الآخره
طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى


هي سورة من وحي ربي للقلوب الصابره
قصت علينا شأن موسى في أمورٍ باهره
في بعثه ونجاته من مجرمين جبابره
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
إلى

إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا


وتعرضت لبلاء آدم والوساوس ماكره
والفضل لله اجتباه بتوبة ليطهره
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
إلى
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى


ومشاهدٍ لقيامةٍ والناس فيها حائره
قد أحضروا لحساب عدلٍ والعزائم خائره
يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا

وختامها أمر بصبر في انتظار الآخره
قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى


لمسة من اللمسات البيانية:
ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (واصبر نفسك) سورة الكهف وقوله تعالى (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)سورة طه؟
اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:54 PM

اللغز الثالث والثلاثون

وبرب هذا الصبح عذنا بالعليم
من شر ما سواه في الكون العظيم
من شر ليل عمنا بظلامه
فهو البصير بنا ومولانا الرحيم
وبه نعوذ من الذين بسحرهم
نفثو بشرٍ نفث شيطانٍ رجيم
ونعوذ من شر الذين بحقدهم
حسدوا العباد على مقادير الكريم

سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
وبرب هذا الصبح عذنا بالعليم

مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
من شر ما سواه في الكون العظيم

وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
من شر ليل عمنا بظلامه

وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
فهو البصير بنا ومولانا الرحيم
وبه نعوذ من الذين بسحرهم
نفثو بشرٍ نفث شيطانٍ رجيم


وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) .
ونعوذ من شر الذين بحقدهم
حسدوا العباد على مقادير الكريم


من أسباب النـزول( المعوذتان)

الحمد لله وأصلى على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت إليه اليهود،
ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه،
فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي،
ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر، يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن،
وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم إذ أتاه ملكان
فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟
قال: طب، قال: وما الطب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قـال: لبيد بن الأعصم اليهودي،
قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟
قال: في جفّ طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان.
والجفّ: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح،
فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي"،
ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنـزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء،
ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه،
وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنـزل الله تعالى المعوذتين،
فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة
حتى انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول:
"بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين، الله يشفيك"،
فقالوا: يا رسول الله أو لا نأخذ الخبيث فنقتله؟
فقال: "أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرًّا". فهذا من حلم رسول الله.

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ

وهذه السورة وسورة " الناس " و " الإخلاص " : تعوذ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين سحرته اليهود ; على ما تقدم .
وقيل : إن المعوذتين كان يقال لهما المقشقشتان ; أي تبرئان من النفاق .
وقيل زعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به , وليستا من القرآن ;
خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت .
قال ابن قتيبة : لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين ;
لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين - رضي الله عنهما -
بهما , فقدر أنهما بمنزلة : أعيذكما بكلمات الله التامة , من كل شيطان وهامة ,
ومن كل عين لامة . قال أبو بكر الأنباري : وهذا مردود على ابن قتيبة ;
لأن المعوذتين من كلام رب العالمين , المعجز لجميع المخلوقين ;
و " أعيذكما بكلمات الله التامة " من قول البشر بين .
وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ,
وحجة له باقية على جميع الكافرين , لا يلتبس بكلام الآدميين ,
على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان , العالم باللغة ,
العارف بأجناس الكلام , وأفانين القول .
وقال بعض الناس : لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان ,
فأسقطهما وهو يحفظهما ; كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه ,
وما يشك في حفظه وإتقانه لها . فرد هذا القول على قائله , واحتج عليه بأنه قد كتب :
" إذا جاء نصر الله والفتح " , و " إنا أعطيناك الكوثر " , و " قل هو الله أحد "
وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال , والحفظ إليهن أسرع ,
ونسيانهن مأمون , وكلهن يخالف فاتحة الكتاب ; إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها .
وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها ,
فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف , على معنى الثقة ببقاء حفظها , والأمن من نسيانها ,
صحيح , وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها , ولا يسلك به طريقها .
" قل أعوذ برب الفلق " روى النسائي عن عقبة بن عامر ,
قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب , فوضعت يدي على قدمه ,
فقلت : أقرئني سورة [ هود ] أقرئني سورة يوسف . فقال لي :
[ لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من " قل أعوذ برب الفلق " ] .
وعنه قال : بينا أنا أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء ,
إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ
" بأعوذ برب الفلق " , و " أعوذ برب الناس " , ويقول :
[ يا عقبة , تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ] . قال : وسمعته يقرأ بهما في الصلاة .
وروى النسائي عن عبد الله قال : أصابنا طش وظلمة ,
فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج . ثم ذكر كلاما معناه :
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا , فقال : قل . فقلت : ما أقول ؟
قال : ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي , وحين تصبح ثلاثا , يكفيك كل شيء )
وعن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ قل ] .
قلت : ما أقول ؟ قال قل : ( قل هو الله أحد . قل أعوذ برب الفلق . قل أعوذ برب الناس -
فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال : لم يتعوذ الناس بمثلهن ,
أو لا يتعوذ الناس بمثلهن ) . وفي حديث أبن عباس " قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ,
هاتين السورتين " . وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث ,
كلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه , وأمسح عنه بيده , رجاء بركتها .
النفث : النفخ ليس معه ريق .

قوله تعالى : " الفلق " اختلف فيه ; فقيل : سجن في جهنم ; قاله ابن عباس .
وقال أبي بن كعب : بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من حره .
وقال الحبلي أبو عبد الرحمن : هو اسم من أسماء جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم .
وقال عبد الله بن عمر : شجرة في النار . سعيد بن جبير : جب في النار .
النحاس : يقال لما اطمأن من الأرض فلق ; فعلى هذا يصح هذا القول .
وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير أيضا ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد :
الفلق , الصبح . وقاله ابن عباس . تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح .
وقال الشاعر : يا ليلة لم أنمها بت مرتفقا أرعى النجوم إلى أن نور الفلق
وقيل : الفلق : الجبال والصخور تنفرد بالمياه ; أي تتشقق . وقيل :
هو التفليق بين الجبال والصخور ; لأنها تتشقق من خوف الله عز وجل . قال زهير :
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا الراكس : بطن الوادي .
وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان . وقيل :
إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى ,
وكل شيء من نبات وغيره ; قاله الحسن وغيره . قال الضحاك : الفلق الخلق كله ;
قال : وسوس يدعو مخلصا رب الفلق سرا وقد أون تأوين العقق
قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق ; فإن الفلق الشق . فلقت الشيء فلقا أي شققته .
والتفليق مثله . يقال : فلقته فانفلق وتفلق . فكل ما انفلق عن شيء
من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق ;
قال الله تعالى : " فالق الحب والنوى " [ الأنعام : 95 ] " فالق الإصباح " [ الأنعام : 96 ].
والفلق أيضا : المطمئن من الأرض بين الربوتين , وجمعه : فلقان ; مثل خلق وخلقان ,
وربما قال : كان ذلك بفالق كذا وكذا ; يريدون المكان المنحدر بين الربوتين ,
والفلق أيضا مقطرة السجان . فأما الفلق ( بالكسر ) : فالداهية والأمر العجب ;
تقول منه : أفلق الرجل وافتلق . وشاعر مفلق , وقد جاء بالفلق أي بالداهية .
والفلق أيضا : القضيب يشق باثنين , فيعمل منه قوسان , يقال لكل واحدة منهما فلق ,
وقولهم : جاء بعلق فلق ; وهي الداهية ; لا يجرى [ مجرى عمر ] .
يقال منه : أعلقت وأفلقت ; أي جئت بعلق فلق . ومر يفتلق في عدوه ; أي يأتي بالعجب من شدته .

مقاصد السورة
قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق (2) ومن شر غاسق إذا وقب (3) ومن شر النفاثات في العقد (4)
ومن شر حاسد إذا حسد (5)

أمر بالتعوذ برب هذا الدين ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ،
من شر ما يقدح فيه بضرر في الظاهر أو في الباطن وهم الخلائق حتى على الفنا في الغنا ،
وبدأ بما يعم شياطين الإنس والجن في الظاهر والباطن ، ثم اتبع بما يعم القبيلين ويخص الباطن
الذي يستلزم صلاحه صلاح الظاهر ، إعلاما بشرف الباطن على وجه لا يخل بالظاهر ،
وفي ذلك إشارة إلى الحث على معاودة القراءة من أول القرآن كما يشير إليه قوله تعالى :
{ فإذا قرأت القرآن } [ النحل : 98 ] - أي أردت قراءته - { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }
[ النحل : 98 ] فقال تعالى : { قل } أي لكل من يبلغه القول من جميع الخلائق تعليما لهم وأمرا ،
فإنهم كلهم مربوبون مقهورون لا نجاة لهم في شيء من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ،
فعلى كل منهم أن يفزع أول ما تصيبه المصيبة إلى مولاه القادر على كشفها تصحيحا لتوكله
فإنه يرتقي بذلك إلى حال الرضا بمر القضاء ، ولا يأخذ في الاعتماد على جلادته وتدبيره بحوله وقوته
فإنه يشتد أسفه ولا يرد ذلك عنه شيئا : { أعوذ } أي أستجير وألتجىء وأعتصم وأحترز .
ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية
قال : { برب الفلق * } أي الذي يربيه وينشىء منه ما يريد ،
وهو الشيء المفلوق بإيجاده ظلمة العدم كالعيون التي فلقت بها ظلمة الأرض والجبال ،
وكالأمطار التي فلقت بها ظلمة الجو والسحاب ، وكالنبات الذي فلقت به ظلمة الصعيد ،
وكالأولاد التي فلقت بها ظلمة الأحشاء ، وكالصبح الذي فلقت به ظلمة الليل ،
وما كان من الوحشة إلى ما حصل من ذلك من الطمأنينة والسكون والأنس والسرور
إلى غير ذلك من سائر المخلوقات ، قال الملوي : والفلق - بالسكون والحركة
كل شيء انشق عنه ظلمة العدم وأوجد من الكائنات جميعها - . وخص في العرف بالصبح
فقيل : فلق الصبح ، ومنه قوله تعالى : { فالق الإصباح } [ الأنعام : 96 ]
لأنه ظاهر في تغير الحال ومحاكاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفنا
والهلاك بالبعث والإحياء ، فإن القادر على ما قبله بما نشاهده قادر عليه ، لأنه لا فرق ،
بل البعث أهون في عوائد الناس لأنه إعادة ، كذا سائر الممكنات ،
ومن قدر على ذلك قدر على إعاذة المستعيذ من كل ما يخافه ويخشاه .
ولما كانت الأشياء قسمين : عالم الخلق ، وعالم الأمر ، وكان عالم الأمر خيرا كله ،
فكان الشر منحصرا في عالم الخلق خاصة بالاستعاذة فقال تعالى معمما فيها :
{ من شر ما خلق * } أي من كل شيء سوى الله تعالى عز وجل وصفاته ،
والشر تارة يكون اختياريا من العاقل الداخل تحت مدلول « لا »
وغيره من سائر الحيوان كالكفر والظلم ونهش السباع ولدغ ذوات السموم ،
وتارة طبيعيا كإحراق النار وإهلاك السموم .




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:56 PM

اللغز الرابع والثلاثون

يا جنة التسبيح فيضاً جودي
إني أبوح بصدرها بسجودي
الله أنشأ ما براه مسوياً
وهدى العباد بلطفه المعهودِ
لم ينس إطعام الدواب فخصها
بالماء والمرعى بكف الجودِ
ولقد تعهد بالكتاب يصونه
في صدر هادينا على التأبيدِ
والله يسره لخير شريعةٍ
ذكرى لمنتفعٍ بكل سديدِ
قد فاز من بالدين زكى نفسه
بتواصل التسبيحِ والتحميدِ
والناس تؤثر متعة الدنيا ولم
تقنع من الدنيا سوى بمزيدِ
ولأمر آخرةٍ لأصحاب النهى
خيرٌ وأبقى في ديار خلودِ
هذي وصايا سطرت من قبلنا
فلتعملي يا أمة التوحيدِ

سورة الأعلى


مقصودها إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه وتعالى عن أن يلحق ساحة عظمته شيء من شوائب النقص كاستعجال في أمر من إهلاك اللكافرين أو غيره أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب ، أو أن يتكلم بما لا يطابق الواقع أو بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله كما أذنت بذلك الطارق مجملا وشرحته هذه مفصلا ، وعلى ذلك دل كل من اسمها سبح والأعلى


الآيات التي أشارت إليها الأبيات


يا جنة التسبيح فيضاً جودي
إني أبوح بصدرها بسجودي
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى


الله أنشأ ما براه مسوياً
وهدى العباد بلطفه المعهودِ
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى


لم ينس إطعام الدواب فخصها
بالماء والمرعى بكف الجودِ
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى


ولقد تعهد بالكتاب يصونه
في صدر هادينا على التأبيدِ
سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى


والله يسره لخير شريعةٍ
ذكرى لمنتفعٍ بكل سديدِ
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى


قد فاز من بالدين زكى نفسه
بتواصل التسبيحِ والتحميدِ
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى


والناس تؤثر متعة الدنيا ولم
تقنع من الدنيا سوى بمزيدِ
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا


ولأمر آخرةٍ لأصحاب النهى
خيرٌ وأبقى في ديار خلودِ
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى


هذي وصايا سطرت من قبلنا
فلتعملي يا أمة التوحيدِ
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى

السور المشابهة لها في البدء:
الإسراء ، والحديد ، والحشر ، والصف ، والجمعة ، والتغابن




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:59 PM

اشعار الألغاز للسيد خالد الطبلاوي
جزاه الله خيرا

صائد الأفكار 14 - 8 - 2010 12:29 AM

http://www.iamsaudi.com/up/uploads/99b5795fbd.gif

جزاك الله خيرا


الساعة الآن 08:37 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى