منتديات المُنى والأرب - من الملفات الأمنية: ابنة ضابط في المخابرات تسرب معلومات لعشيقها

ابنة ضابط في المخابرات تسرب معلومات لعشيقها

البداية: موسكو، وقصة حب نارية بين فتاة كانت على درجة عالية من الذكاء، كان يعمل والدها فى الاستخبارات الروسية.
تم الزواج بين الحبيبين ، كذلك تم الانجاب، ومن موسكو الى كندا حطت العائلة الصغيرة حقائب الرحلة، وتداولت الأحداث وتواترت الى أن كانت الفضيحة.
هى " اّنا ساجى سفيتلانا" والزوج "ايجور سير جيفيتش جوزينكو" وكان يعمل كاتبا" للشفيرة بالسفارة الروسية بالعاصمة الكندية"أوتاوا".
كانتاّنا ساجى هى الابنة الثانية لضابط الجيش الروسى الذى كان يعمل باحدى فرق الجيش السوفيتى وقريبا" من موسكو، الى أن تم اختياره للعمل كمحلل استراتيجى بالاستخبارات السوفيتية، ثم وفاته عن اثنين وأربعين عاما" وكانذلك فى سنة 1931 لاصابته بمرض خطير ، وكان موته فجأة ، ومفاجأة لأسرته التى لمست وأوعزت وفاته الى الاهمال الكبير من الدولة فى علاجه، الى أن تدهورت حالته الصحية وبشكل خطير خلال فترة وجيزة.
كان لوفاة الأب الأثر السئ على نفوس أفراد أسرته، سيما "اّنا" التى كانت متعلقة به الى حد كبير لمداومته واعتياده ملاطفتها ومداعباتها، وهى التى بلغ منها الأثر السئ مابلغه فساءت حالتها من جراء خيبة الأمل التى سيطرت على تفكيرها نتيجة افتقاده.
واذ تحاول الأم اخراجها من حالتها تلك، انتقلت بها من موسكو الى "كييف"احدى أكبر المدن الروسية، وبعد عودتها من تلك الرحلة ، بدأت تعود اّنا الى حالتها الطبيعية شيئا" فشيئا".
وفى موسكو كان لقاؤها مع الشاب الوسيم الذى خفق له قلبها بشدة، انه "ايجورجوزينكو" المولود بموسكو عن أصول أرمنية بالعام 1919، والذى كانت ميوله قد جذبته الى الانخراط فى التنظيمات الشيوعية منذ صغره ،فكان ينذر بمستقبل متحمس واعد.
التحق ايجور جوزينكو بمدرسة الهندسة بموسكو، وبعد تخرجه مباشرة" وقع عليها الاختيار للعمل بالاستخبارات السوفيتية، وهناك تم تدريبه جيدا" على فنون معالجة أعمال الرسائل الشيفرية، ووسائل وأساليب العمل السرى، الى جانب تعلمه اللغة الانجليزية الى درجة الاجادة التامة.
لمجهوداته الوافرة بعمله وتفوقه، واظهاره النبوغ فقد وقع عليه الاختيار للعمل بخارج روسيا، وبالفعل فقد سافر الى كندا ليعمل كاتبا" للشيفرة بدائرة الاتصالات بمكتب الملحق العسكرى بالسفارة السوفيتية.
وفى احدى الغرف المحصنة التى كانت تقع بمبنى اّخر بالسفارة، تحت رئاسة العقيد"نيكولاى زابوتين" المستشار العسكرى والمحرك الفعلى لشبكات الجاسوسية بكندا كان عمل "ايجور جوزينكو" بكندا.
بالقطع كان يعرف"ايجور" تمام المعرفة أن من يعرف الكثير من الأسرار بالغة الأهمية ، لابد أن يأتى اليوم الذى يتم فيه التخلص منه، ولأنه ولطبيعة عمله التى أغدقت عليه أكوام من المعلومات والأسرار الخطية ظل قلقا"، وقد نغصت عليه حياته ، وهو يهوى تحت مطارق هذا الاحساس، سيما وأن الأخبار عن المحاكمات الكثيرة التى يتعرض لها أمثال ماهم فى مكانه خاصة محاكمات سنة 1937 والتى انتهت باعدام الاّلاف من وزارة الخارجية السوفيتية ورميا" بالرصاص ولكونه يعرفون أو عرفوا أكثر مما يجب، للدرجة التى تم فيها ارسال الجنرال بيزوف "رئيس الاستخبارات السوفيتية " ليحبس بين جدرانه حتى الموت..!!
كانت كل هذه الصور تمثل أمامه وتلازمه كظله فيستسلم لهاجسها الى درجة الهلع النفسى...,,وهكذا قدر لايجور جوزينكو كلما وقع أو اكتشف معلومات سرية عن النشاط الاستخباراتى لبلاده فى كندا، كلما اقترب أجله ودنا منه الموت لامحالة.
حقيقة كانت هذه العمليات قد تدربت عليها المخابرات الروسية كثيرا"، فستالين رغمأنه نجح الى حد بعيد فى القضاء على أعدائه من المعارضين فى الداخل والخارجالا أنه كان فى حالة من التوتر والقلق البالغين ممن يعرفون حقائق خافية عنشعبه، وماكان ليعرف عن هذه الحقائق الا رجال المخابرات أنفسهم ويليهم فى المرتبة رجال الخارجية الروسية.
فكانت الأوامر تصدر بشأن هؤلاء بالتصفية التامة، وحتى يموت السر معهم ،وما يعرفونه.
وعادة ماكان يحدث هذا الأمر بطريقة منهجية، بأن يتم استدعاء الشخص المراد تصفيته تحت مسميات عدة منها : الحصول على دورات تدريبية، أو التشاور، الخ..من هذه الأمور وبعدها لايسمع عن سيرته شئ بروسيا.
حدث هذا مع السفير السوفيتى بمدريد"جينيس"، كما حدث مع مراسل البرافدا "خلتروف"، وحدث ذلك أيضا" للجنرالين "كليبر، وجورييف"، الى جانب أعداد كتيبة من الضباط الذين اختفوا جميعا" بموسكو بعد عودتهم اليهامن الخارج بفترة وجيزة وبطريقة خفية.
أما الذين عرفوا مصيرهم ، ولم يلتزموا بالعودة الى روسيا، فكان نصيبهم الاغتيال بالخارج وبطرق عديدة.
ولكن ماهى الأسرار التى كان يقف عليها ايجور جوزينكو والتى كانت لوفرتها السبب المباشر فى هلعه المستمر والضغط على أعصابه الى أن وصل به الأمر هو وزوجته اّنا ساجى ابنة رجل المخابرات الروسية الأسبق لاتخاذ مامن شأنه ظهور احدى أهم حالات التجسس العالمية..؟ !! فابان الحرب العالمية الثانية، كانت دول الحلفاء وتحت منظار علماء الفيزيقا وأرائهم التى اكتظت بها الرسائل والمخطوطات العلمية، وقاعات المناقشات والتداولات فى شأن الانشطار الذرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ،وانجلترا وكندا فى صراع محموم للوصول الى امتلاك سلاح ذرى حاد المواجهة ضددول المحور،وفى غضون مانتشر من أخبار تسربت عن مشروع" أوبنهايمر" أبو القنبلة النووية بمشروع ألاموس،وباعتبار أن الاتحاد السوفيتى حليفا" أيضا"، ولديه من العلماء من يقارع أوبنهايمر ذاته كالبروفيسور"بيتر كابيتزا" الذى عمل لسنوات طويلة فى كمبردج،الا أن الاتجاه الستالينى لم يكن ينظر فقط الى امتلاك هذا السلاح، بل ينظرالى مرحلة مابعد هزيمة دول المحور بزعامة ألمانيا ، فأراد أن يكون نظامه السياسى على علم أولا" بأول الى الأعداد الفعلية من هذا السلاح تحت يد زملائه من دول الحلف، وهى نظرة لاتخلو من الموضوعية فى التفكير، فنظامه السياسى يقوم على الاشتراكية، ونظم حلفائه رأسمالية، فهم من هذه الوجهة" حلفاء أعداء" فطوع أساليبه ومنهج وسائله ليكون على علم أولا" بأول بما يريد أن يعرفه عن بقية الحلفاء استعدادا" لاحتلال ركن من أركان القوة التى يستندون اليها ووصولا" الى درجة من الردع تجعل الاتحاد السوفيتى بمنأى دوما" عن أن يكون لقمة سائغة، أو دمية فى أيدى قوة تفوق هولو عددا"بهذا السلاح الذرى.هذه هى الخلفية التى كان عليها نظام ستالين مخابراتيا" وعسكريا" وسياسيا"،وهذه هى الوجهة التى كلما برزت لايجور جوزينكو رجل المخابرات الروسية وموظف الشفرة بمكتب الملحق العسكرى السوفيتى بكندا كلما أصابه الهلع ..,,ولأن الزوجة الحزينة على زوجها"اّنا ساجى" كانت تشارك زوجها الذى أحبته الى درجة اللامعقول منغصاته، وكانت تتخوف يوميا" وبصورة دائمة من أنيرسلون اليه من روسيا طلبا" لاستدعائه تحت أى مسمى" ما ذكرنا،فانه كانت على علم تام بتفاصيل الاستراتيجية المخابراتية السوفيتية، فها هو والدها كان ضابطا" سابقا" بتل الجهة، بل وكان له باع طويل فى عمله الاستخباراتى المسبغ بالخبرة والحرفية والمعرفة.
لذلك لم يكن غريبا" عليها أبدا" أن تصل مع زوجها الى مراحل المطابقة التامة فى معالجة الأمر بأى طريقة وتحت أى مسمى".
عند هذا الحد بدأت اّنا ساجى هى الأخرى تعيش بكندا فترة من أصعب فترات حياتها، مشاركة" لزوجها خوفه وتأسيه من مصير مجهول ولكنهما ارتأياه محتوما".
وبالوصف الفسيولوجى البحت فقد كان ايجور جوزينكو اذا نام ، فكان نومه متقطعا"،تصاحبه الكوابيس والهلاوس، واذا قام من نومه كان ككهل ، دائم الشكوى من الصداع المؤلم بسبب عدم اكتفائه من الراحة، الى أن جاء اليوم الذى قام فيه مترنحا" يهذى لزوجته وحبيبته بهذه الكلمات: أنا مطلوب فى روسيا استدعاء"!!
صرخت الزوجة، وهى ترى الأجل المحتوم قد دق على بابهم هى وزوجها وطفلها، صرخت فى وجهه أن يرفض العودة الى روسيا، وأن يطلب اللجوء السياسى الى كندا..!!
هى تعرف أن كندا ربما ترفض كدولة حليفة لروسيا أن تنفذ طلب زوجها اللجوء السياسى اليها دونما ثمن من هنا كانت المأساة ..مأساة أخرى غير مأساة الهواجس ..قد بدأت بالفعل.
الثمن الذى قذف به تفكيرها هو كم الأسرار الذى سيعرفه زوجها موظف الشفرة بمكتب الملحق العسكرى السوفيتى بكندا، تلك المعلومات التى يختزنها زوجها فى رأسه، والتى اذا وقفت عليها كندا كدولة فحتما" ستجبر على اعادة تدويل وصياغة علاقاتها بموسكو.
ثم وصل بها تفكيرها الطامع والطامح الى التساؤل: لماذا لايهرب زوجها جوزينكو بوثائق سرية حقيقية تعجل من قبول لجوئه لدى كندا وحمايته كلاجئ سياسى منشق؟
تناقشت اّنا مع زوجها كثيرا"، وطويلا" فى هذا الأمر، وقد وضعت له الخلفية الاّمنة التى ستساعده على أن يمضى حسبما رأت بتفكيرها، فهى أقسمت له مرارا" أنها معه قلبا" وقالبا"ولو كانت نهايتهما معا"، بل ولو وصل الأمر الى معاقبة ذويها بموسكو، كما جرت العادة بذلك أيامها.
قالتله ذلك ، وأمامها مصير "أفيدوكيا بتروف" زوجة رجل المخابرات السوفيتية فى استراليا، وحادثتها المروعة التى وقعت منذ أسابيع عديدة.
فلنترك: ايجور جوزينكو يروى بنفسه ماكان من أمره هو وزوجته" اّنا ساجى"..,,
بالقطع تكررت محاولات ايجور جوزينكو وزوجته"اّنا ساجى" لاجراء اتصال بأى مسئول كندى على مستوى فهم ماتتضمنه الوثائق التى حصل عليها ايجور من مكتب العقيد "زابوتين" ، أو أى صحيفة كندية تستطيع ايصال صوتهم الى الحكومة الكندية بما تتضمنه هذه الوثائق، وذلك حتى يستطيعا الحصول على حق اللجوء السياسى بكندا والتى كانت وقتها حليفة للاتحاد السوفيتى..,,وعبر مناورات ومحاورات عديدة كانت أنفاسهما تتقطع خلالها ، وتثقل خطاهما تحت وطأة الخوف من استدراك السفارة السوفيتية بكندا الأمر ومعرفتهم غياب الوثائق السرية، ومن ثم القبض على ايجور جوزينكو، وصولا" الى التخلص منه...,,وقد باءت هذه المحاولات أخيرا" بالنجاح، واستطاعت الحكومة الكندية اخفاء ايجورجوزينكو عن الأبصار لمدة طويلة، فجعلته يقيم بمسكن سرى، وعن طريق اخفاء ملامحه استطاع الظهور فى التلفزيون الكندى عدة مرات وذلك كمحلل استراتيجى فى بعض قضايا التجسس، حيث أن عمله السابق كموظف شيفرة، والدورات التدريبية التى تلقاها فى اطار النوعية لمثل هذه الأعمال كانت كفيلة تماما" بنجاحه فى هذا الأمر، وقد عاش هو وزوجته بعد انجابهما طفلا" اّخر بكندا، دون أنيقرب اليهم أحد بايذاء.
ولكن مفارقة خطيرة أدلت بها زوجته"اّنا ساجى" اذ تقول:قبل ان يتقرر سفرنا الى كندا بوقت كاف ، كان يبدو أن هنالك تقارير سرية تعد من حولنا فى الخفاء، وهى من واقع معايشتى تتصل أولا" بالولاء للنظام الشيوعى والمبادئ الشيوعية التى كان علينا حفظها على سبيل التقديس.لذلك،ما ان أعلن عن سفر جوزينكو للسفارة الروسية فى كندا كمسئول عن الشيفرة، حتى جاءنى استدعاء أمنى، وعلى مدار أيام شبه متصلة، وأخضعت الى دورة مكثفة فى ادارة الحوار واستجلاء الحقائق والأسرار من محدثى، ولأكون رقيبة على أعضاء البعثة الروسية المتوجهة الى كندا عن طريق زوجاتهم، ورقيبة أيضا" على تصرفات زوجى فى المنزل ومايتفوه به من ألفاظ وتكون لها صلة بعمله السرى فى السفارة..!!وبرغم علمى التام أن عالم المخابرات لايضع وزنا" لأى انسان مهما كان، وأننى قد أقتل بلا رحمة اذا ماخالفت تلك الأوامر والتعليمات الا أننى أخبرت جوزينكو بكل شئ ، وقلت له فى صراحة مطلقة حقيقة ما دربونى عليه فى موسكو وماطلبوه منى بالضبط..ّّّّ!!
يومها كنا فى موسكو وقبل سفرنا الى كندا بأيام قلائل ، أخذنى زوجى وضمنى الى صدره، وبرغم الاضطراب الذى خيم على حياتنا بعض الوقت، الا أنه أكد لى ان لا شيئ سيفرقنا يوما" سوى الموت، وتعاهدنا على الاخلاص والصراحة حتى لايكون مصيرنا مأساويا" يوما" ما...,,