منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   الرحمة المهداة (4 أجزاء) (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=7967)

ميارى 2 - 7 - 2010 02:35 AM

الرحمة المهداة (4 أجزاء)
 
الرحمة المهداة

1
(تقديم علاء بسيوني)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. بداية مجموعة من الحلقات عن الرحمة المهداة، عن الهادي البشير السراج المنير الرسول الخاتم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. بعد أن انتهى المولد سنحتفل نحن بالمولد، ليس مولد الشخص لكن مولد الهدى والرحمة والنور ومولد الرسالة والهداية إلى هذا الكون كله. وأنتم بالطبع تعرفون الفرق بين المَوْلِد وبين المُولِد. المَوْلِد هو ولادة الشيء إيذاناً بتمام النور الذي يعم أرجاء الكون، أما المُولِد فهو العروسة والحصان وحبّ العزيز وغيره. نحن اليوم سنبدأ في طريقة جديدة للإحتفال بالرسول صلى الله عليه وسلم بجالة إن شئنا نسميها معايشة لحياته وسيرته وسُنّته صلى الله عليه وسلم. كل سنة وحضراتكم طيبين أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم فضيلة الدكتور محمد هداية.
الحقيقة بعد أن انتهى (المُولِد) وبعد أن انتهت الخُطب والاحتفالات وانتهت المليارات في السكر والسمسم والفول السوداني، أريد أن نقف مع أنفسنا قليلاً: نحن نحبه؟ جداً، نشتاق إليه؟ جداً نعرفه؟ نص ونص، نسمع كلامه؟ أقل من الرُبع، هي وقفة نحاول أن نسأل لماذا هذا الرجل؟ ولماذا هذا القرار الإلهي أن يأتي محمد صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم بأوصافه بتعريفه؟ اليوم نبدأ: محمد رسول الله من أول السطر.


د. هداية:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. أعجبتني المقدمة كثيراً وحزين لأن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم تطور عبر السنوات العشرين الأخيرة، في فترة سابقة كان هناك صراع بين نحتفل أو لا نحتفل، وهذه كانت مقبولة، أنا ٌبل هذا الخلاف وأحترم الطرفين. لكن أن يصبح الخلاف اليوم بين (حلاوة أو لا؟) هذه أصبحت أتفه من أن يسمعها أحدنا. لم نكن نتكلم في هذا الموضوع سابقاً. كنا نتحدث في الاسبق عن كيف نحتفل بهذا المولد الذي جاء لتحطيم الأصنام (بعمق معنى كلمة تحطيم) (الصنم العروسة والحصان)، هذا كان اعتراضنا.
المقدم: حتى الصنم هنا قد يكون صنم معنوي ونفسي وهو مسألة الاحتفال بالأكل وقداسة علبة الحلاوة في حد ذاتها!
د. هداية: نحن أصبحنا فريقان الآن: فريق مع (الحلاوة) وفريق ضد (الحلاوة). هي ليست كذلك ولا يمكن للأمور أن تكون هكذا، لكن عندما نبرر أن البعض يعطي قطعة الحلاوة لابنه حتى يسمع (حدوته) عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا غير معقول! وهل وصلت بنا التفاهة إلى هذا المستوى؟! ثم لا نريد أن يسب أحد الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أو تسب القرآن؟! أظن هذا تناقض واضح ومؤسف!. هذا أولاً، ثانياً لم نسمع في حياتنا في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم عن العقيدة، هذه مسألة غائبة عنا. والأسئلة التي طرحتها أنت في بداية الحلقة تبين ماذا نريد نحن؟ وأنت قللت النسبة بين من يريد أن يراه صلى الله عليه وسلم وبين من يعرفه أو من يطبق سنته، لكن هل فكّر أحدنا هل أنا خائف أن أقابله صلى الله عليه وسلم أم لا؟
المقدم: هذا السؤال الأخطر، فكل واحد في موقف من المواقف يجاملها وكل واحد يعرف نفسه جيداً فرض جدلي: تصور قُرع بابك ودخل عليك النبي صلى الله عليه وسلم ورأى حالتنا الذي يرتشي والذي يحل كلمات متقاطعة والتي (تقمّع) الباميا في شغلها والذي يتشاجر مع جاره والذي يتلصص على ابنة الجيران وغيرهم، أنت كنت في سوق لرؤيته، ها أنت رأيته ماذا تظنه سيقول لك؟! وأنت ماذا ستقول له؟!
د. هداية: هذا هو الكلام. نحن سنبدأ من أول السطر لعلنا نستطيع أن نعمل شيئاً وندافع - والحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس متّهماً – نحن في الحقيقة ندافع عنا نحن وسبق أن ذكرت أن الذي سب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسب الرسول فعلاً وإنما سبّنا نحن لأنه هو لم ير الرسول ولا يعرف شيئاً عنه. لما وضع القنبلة في العمامة هو لم يسئ إلى الرسول لكن الذين فعلوا هذا هم الذين أساؤوا له صلى الله عليه وسلم.
المقدم: هذه ليست شتيمة وإنما هذا اسمه وسم
د. هداية: لنا وليس لرسول الله.
المقدم: وسم أن ما يحدث من إرهاب وقتل للأبرياء أكيد الذي أوصى به هذا الرجل إذن هذا الرجل إرهابي وليس نبي.
د. هداية: أتكلم بصراحة حتى يفهمني الناس. الذين نسبوا لأنفسهم مسألة 11 سبتمبر لو كانوا هم الذين عملوها فلا يجب أن يقولوا هذا. هذا إن كانوا هم الذين فعلوها والحرب خدعة. لكن المسألة أصبحت مسألة قتل مدنيين ثم ننسبها للإسلام فأصبحت المسألة خطيرة وسنختلف فيها كثيراً لأن الحماسة التي تأخذ الناس في بعض الأحيان وضيق الناس من اليهود ومن أميركا يجعلهم ينجرون إلى قضية الإسلام منها براء.
المقدم: تذكرت العمليات الاستشهادية التي كانت تنفذ داخل الأراضي المحتلة، بعد أي عملية يخرج إعلان: أعلنت سرايا كذا أو سرايا الشهيد الفلاني أن منفذ العملية هو الشهيد فلان من مخيم كذا فيذهب جنود الاحتلال يعتدوا على عائلته ويؤذونهم ويهدموا بيوتهم ويؤذوا المخيم ويسدوا منافذه حتى لا يتسلل شخص آخر لينفذ عملية أخرى. ما هذا؟
د. هداية:أنا أقول هذا الكلام لأقول أن هذا الرجل لم يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أبداً وإنما سبنا نحن المسلمين، هذا أولاً. ثم لم يفكر أحد منا وهو يقرأ القرآن كيف يعتقد الرسول؟ ما هي عقيدتك عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهذا هو السؤال الثالث في القبر كما ذكرنا في حلقات سابقة. لن نُسأل عن إسم الرسول كما يقول كثيرون، السؤال: ما قولك في هذا الرجل الذي بُعِث فيك؟ هذا الرجل ماذا قيل عنه في القرآن؟ شاعر، ساحر، كذاب، أشر، مذموم، به جنة، مسحور (ضع مليون خط تحت مسحور) وسنتطرق إليه لاحقاً. لو أردت أن نبدأ منذ البداية فإما أن نقف على سورة النجم أو سورة القلم أو خواتيم سورة الفتح.
المقدم: نبدأ بسورة النجم. ربنا سبحانه وتعالى أولاً يصف أول وصف أنه "صاحِب".
د. هداية:أولاً نريد أن نذكر المشاهدين أن سؤالك منذ البداية كان: تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم أو يمكنك أن تضع عنواناً: هل عرّف القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نعم عرّفه بالطريقة الموجودة في سورة النجم وسورة القلم وخواتيم سورة الفتح.
المقدم: نبدأ
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم)
المقدم: أريد أن أسأل عن كلمة كانت تستفز كل مكامن الفضول عندي بمنتهى جهلي البشري وقصور علمي وعدم إلمامي بحتى بدايات تحسس وتلمس الطريق نحو توصيف أبعاد المكان. لا توازي عظمة الصياغة القرآنية (سدرة المنتهى) كلمة المنتهى سببت صدامات في مخي ترجع خاوية الوفاض دون إجابات. كلمة (المنتهى) تثير منتهى الفضول عند الإنسان ومنتهى العجز عند العقل البشري الذي لا يعرف منتهى ماذا؟ هل منتهى أشياء معينة أو منتهى من أنها افضل صيغ المفاضلة أنها منتهى الخير والنعيم لأن بعدها قال (عندها جنة المأوى) فهل هي منتهى العلم، منتهى النور، منتهى الارتفاع، منتهى القرب من الله؟ هذا مكان مبهم بالنسبة لي كبشر.
د. هداية: هي تعني كل ما ذكرته. انتبه للتمهيد لها، لم تأت في البداية وإنما جاء قبلها قسم (والنجم إذا هوى) ثم جاء بعدها توصيف لهذا الرجل وهذا السؤال الذي سألته أنت في بداية الحلقة (لماذا هو الرسول الخاتم؟) وحتى يصل إلى درسة المنتهى يجب أن يكون لديه مواصفات: أولها أن لا يكون عنده نسبة هوى، ليس عنده غرض شخصي (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) لا صدفة ولا بتخطيط، ثم لم يتعلم على يد بشر ثم الذي علّمه ليس أي ملك. ثم مادة التعلّم إن شئت فقل ما قاله القرآن فيه (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) بلازم معنى كلمة ثقيل ليس بمعناها يعني شيء عظيم وقيّم. ثم الإدراك ووسائل الإدراك مبدعة لو انتبهنا (ما كذب الفؤاد) لم يقل القلب ووضحنا سابقاً الفرق بين القلب والفؤاد وقلنا أن الفؤاد محل القلب كأن مادة القرآن تمر لكن لا يحملها القلب لوحده وإنما تحتاج إدراك أعمق (الفؤاد). ثم إن هذه الشخصية لا تُناقش في هذه الواقعة(هذه واقعة العروج) فمن تناقش أنت؟ الفاعل أو المفعول به؟ هناك قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ليس محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي سرى بنفسه، محمد صلى الله عليه وسلم هو المفعول به في هذه الرحلة فالفاعل أقوى من أن تناقشه لأنه هو الله ولذلك قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ولم يقل (سبِّح إسم الذي) ولا يمكن لأحد أن يسبحه في هذه الواقعة حق التسبيح لأنها خارج حدود فهمنا وإدراكها صعب. الإدراك هنا فؤاد وبالتالي قلب ثم بصر، أخذنا البصيرة أولاً ثم قال (ما زاغ البصر وما طغى) يعني لا تشك أنه تهيأ له هذه المرائي. الذي يوصَف هذه الأوصاف كلها لا ينع أن يُسحَر (سنعود لهذه النقطة فيما بعد).
لما يقول (سدرة المنتهى) بعد كل هذه المقدمات تكون واقعية جداً ولا ينفع أن يقال غيرها.
المقدم: ولا تليق إلا بهذا المقام
د. هداية: ولا تليق إلا لهذا الرجل، لهذا النبي، لهذا الرسول. وهنا يجب أن نقف على أن مسألأة تفضيله صلى الله عليه وسلم في حد ذاته وتفضيله صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء لكن سائر الأنبياء في هذه اللحظة ليسوا مفضولين (هذه النقطة التي أشرت إليها في الحلقة السابقة عندما ذكرنا قوله تعالى (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)).
وبما أننا سنبدأ من أول السطر فأنا مجبر أن أبدأ بعيسى عليه السلام الذي سيصف هذا الذي سيأتي من بعده بأكثر من خمسمائة عام لما تكلم أعطاه أفعل التفضيل (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) واسمه هنا ليس العلم على الذات (ليس الإسم في البطاقة) وإنما إسمه هنا أي صفته. والقرآن علّمنا أن كلمة إسم في اللغة العربية تأتي بمعنى العلم على الذات وبمعنى الصفة في نقطتين: قال (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) الأعراف) (الله) تبارك وتعالى هذا اسمه العلم على الذات وبقية الأسماء هي صفات.
المقدم: كان الصياغة القرآنية في كلام عيسى عليه السلام أنه يبشّر بالرسول الذي هو أحمد الناس لرب الناس، أحمد من عيسى ومن موسى وهذا تفضيل إلهي وليس تفضيلاً منا نحن البشر من باب التحيّز.
د. هداية:وعلى لسان عيسى وهذه نقطة مهمة جداً.
المقدم: لماذا هي مهمة ولماذا هذا الـ (أحمد) إسمه (محمد) مشتق من صفة الحمد وهي صفة من صفات المولى سبحانه وتعالى؟ أسئلة تحتاج لوقفات لكن بعد الفاصل.
المقدم: محمد صلى الله عليه وسلم، الإسم مشتق من صفة الحمد، وعيسى عليه السلام يبشر بهذا الرسول أحمد الناس لرب الناس. ما دلالة أن عيسى عليه هو الذي يبشر بأحمد الناس خصوصاً مع انقسام العالم إلى مؤمنين ومكذبين. ونحن نتكلم عن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم نتكلم ونحن نفتح القلوب لننظر ماذا فعل لهذه الدنيا، وماذا فعل للناس؟ وكيف كانت شخصيته مثل ومنهج حياة أو مجرد شيء نحتفل به؟ لأننا نسمع تكذيباً كثيراً وسباً كثيراً وهناك من يسب عن جهل ومنهم من يسب عن عمد لكن هناك ناس - سامحهم الله وهداهم - عندما تسمع هذا الكلام وهم لم يفهموا القرآن ولم يفهموا شخصية الرسول تبحث عن أي حديث ضعيف أو مكذوب ليطعنوا في شخصية الرسول ويطعنوا في القرآن، أتصور أن هؤلاء الناس لو فتحوا القلوب من دون تحيّز لفريق دون آخر مسلمين أو نصارى أو يهود. لفض هذا الاشتباك نريد أن نعرف ما هي علاقة محمد صلى الله عليه وسلم بعيسى عليه السلام؟ والكلام عن مسألة الفتنة الطائفية الذي نسمعه من حين لآخر ومسألة ازدراء الأديان والرسالات نريد أن نخرج من هذا المطب.
د. هداية: نحن خارجون بنص القرآن، إيمانك وإيمان أي مسلم لن يكتمل ولن يتم إلا بإيمانك بكل الأنبياء والمرسلين قبل رسول الله وعلى رأسهم عيسى. لماذا عيسى؟ لهذا السبب أن عيسى هو الذي يبشر بالرسول. نأخذ الآية ككل (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) أول نقطة (مصدقاً لما بين يدي من التوراة) إلى هذه اللحظة كانت التوراة هي الشريعة المهيمنة وكانت هي التوراة السليمة الموجودة والتي أنزلها الله تبارك وتعالى لم تُحرّف بعد كما قال عيسى. (بين يدي) يعني الذي أدركته. (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)
المقدم: ألم يفعل هذا كل نبي؟
د. هداية: نعم وهذه مهمة جداً. موسى عمل هذا الكلام وكل الأنبياء قبله لأن المسألة ليس دعوة شخصية ولم يأت كل نبي ورسول ليدعو لنفسه وإنما ليدعو إله واحد.
المقدم: فهذا الإله هو الذي بلّغه هذه الرسالة وقال له: قل أنك أنت لا تختلف مع المنهج السابق لأنه كان منهجاً إلهياً ولن تختلف مع المنهج الذي سيأتي من بعدك لأنه لن يختلف مع منهجك.
د. هداية:الله تعالى أخذ ميثاق النبيين (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) كلما يأتي كتاب يجب أن يكون الذي قبله مبشراً به وكلما يأتي نبي يجب أن يبشر به النبي الذي قبله وهكذا. الكلام يخصنا نحن في القرآن. ودائماً أنبه إلى أن ننتبه لبدايات سورة البقرة وخواتيمها لأنهما يتكلمان في هذه النقطة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) - والناس الذين ذكرتهم سابقاً لن يفهموا لأنهم ليسوا من المتقين – وعندما سنتكلم عن السحر سأثبت لك بنص القرآن في سورة الإسراء كيف أنهم لن يستوعبوا القرآن لأنهم لا يريدون فختم الله تعالى على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وهذه الإدراك.
المقدم: وهذا قد يجيب على السؤال الذي يبدو منطقياً وبسيطاً جداً مع كل نبي جديد يأتي اتفقنا أنه لم يفعل شيئاً جديداً بالمقارنة بمن جاء قبله وبعده وإنما يقول أنا مصدق لمن قبله
د. هداية: لا ينفع أن يكون غير مصدِّق. المسألة ليست من موسى وإنما المسألة أن الإله الذي بعث موسى هو الذي بعث عيسى وهو الذي بعث محمداً
المقدم: لما أرسل الله تعلى موسى هناك من آمن به وهناك من كفر به فالمجتمع عادة يقسم إلى فريقين فريق مؤمن وفريق كفار ولما جاء عيسى المسألة نفسها هو قال أنه مصدق بالتوراة ومعه الإنجيل ومبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم والناس انقسموا إلى فريقين أيضاً فريق من الذين كانوا يهود أتباع موسى أيقنوا أن عيسى نبي الله فآمنوا به وأصبحوا نصارى وهناك من لم يؤمن. الذين آمنوا من عهد موسى من اليهود وآمنوا بعيسى أصبحوا نصارى مؤمنين والذين لم يؤمنوا بعيسى وحاولوا صلبه هؤلاء غير مؤمنين بعيسى يعني كفروا ولما جاء محمد صلى الله عليه وسلم نفس القصة هناك أناس من المشركين والمجوس وعبدة النجوم ومن النصارى ومن اليهود آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصبحوا مسلمين وهناك من لم يؤمن به وقالوا إنه ليس نبياً. لماذا لا تتعلم البشرية؟! هم يكررون نفس الغلطة!
د. هداية: هذه غلطة طبيعية وإلا لما كان هناك داعي للأنبياء. فاتك أن تذكر أنه ظهر فريق ثالث وهو المنافقون، هذه نقطة مهمة لنا نحن. نحن قلنا أن المسألة ليست مسألة كلام وذكرنا أن كفار قريش لو فهموا أن المسألة مجرد كلام لقالوا لا إله إلا الله لكنهم استوعبوا أن مع الكلام يجب أن يكون عمل وهم لا يريدون أن يعملوا فكفروا. في المدينة ظهر فريق آخر وهم المنافقون قالوا لا بأس نقولها كلاماً فقالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله لكنهم في الحقيقة (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) البقرة) الفريق الثالث خطير جداً ويوضح قيمة الإيمان ومعنى الإيمان الحق وأن المسألة ليست مجرد كلام وهذا ما شرحناه في قوله (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت). مع الإيمان يجب أن يكون هناك تمحيص يُظهر إيمانك وحقيقة إيمانك. هذه هي مسألة الفريق الثالث الذي يبين قيمة الإيمان وخطورة هذا الفريق على الإسلام ولذلك الحكماء قالوا: نحن لا نخشى على الإسلام من أعدائه وإنما نخشى عليه من أدعيائه" الذين يظهرون شيئاً ويبطنون لك السوء والشر ويعيشون معك وأنت تأخذهم بما يظهرونه. في مسألة عيسى عليه السلام كانت واضحة فهو قال (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) هذا آخر أنبياء بني إسرائيل، لماذا؟ أول ما يقول (أحمد) وأحمد هو إسم عربي يعني ستخرج النبوات من بني إسحق إلى بني إسماعيل. إسمه أحمد يعني صفته كانت لفتة أن عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل وستخرج الرسالة إلى بني إسماعيل. يجب أن نفهم هذه النقطة وأن لا نمر على كلمة عيسى هكذا. ثانياً اشتقاق الإسم للرسول صلى الله عليه وسلم من الحمد وهذه الصفة لا تكون إلا لله ونحن نقولها في مطلع سورة الفاتحة في مطلع الكتاب (الحمد لله) يعني الحمد لا يكون إلا لله رب العالمين. من هذا التوصيف (الحمد) يؤخذ إسم الرسول وهو صلى الله عليه وسلم يقول أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي وأنا العاقب (خمسة أسماء) وفي رواية لمسلم نضيف على ما ورد (نبي التوبة ونبي الرحمة) هذه من صفات الرسول. نضع خطاً تحت الرحمة والتوبة لأننا سنحتاجها لما نعود للتوبة في آيات سورة الفرقان.
المقدم: اختيار إسم هذه الحلقات (الرحمة المهداة) كلمة مهداة أن ربنا أرسل هدية للعالمين للناس كلها هناك من قبل الهدية وهناك من لم يقبلها. وهذا موضوع مهم جداً ونحن نتكلم، حاشا المولى تعالى أن يكون قصّر في إرسال الرسالة للبشرية.
د. هداية: لو نظرنا لأسماء الرسول في هذا الحديث تجد أن ما ذكرته يتحقق تماماً. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: أنا محمد وأنا أحمد. لم يقل أنا أحمد وأنا محمد مع أن عيسى عليه السلام قال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) فكأنه يقول ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس. الرسول صلى الله عليه وسلم قال أنا محمد وأنا أحمد لأنه يتكلم عن الأسماء فذكر الإسم أولاً ثم الصفات، قال (محمد) لأنه وُلِد وعيسى عليه السلام لم يكن بإمكانه أن يقول (محمد) لأن (محمد) إسم مفعول مثل معظّم، محمج يعني يحمده الناس جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة. ثم يقول وأنا أحمد يؤكد ما قاله عيسى عليه السلام. وأنا الماحي هذا ليس إسماً وإنما هذه صفة ستدخل في توصيف (الذي يمحو الله بي الكفر) البعض يقول لكن ما زال هناك كفر إلى اليوم! أولاً يجب أن نفهم مدة عمل الرسول. مدة عمل كل نبي ورسول سابق على رسول الله صلى الله عليه وسلم له مدة محدودة وتنتهي من بعثته إلى مجيء الرسول الذي بعده. بوفاة رسول تبدأ العملية تحتاج إلى رسول آخر
المقدم: لأن الناس ستنسى وتبتعد وترجع إلى الظلمات فتحتاج إلى نور جديد.
د. هداية: هذه الفترة البينية من وفاة نبي إلى مجيء النبي الذي بعده هل تحرّف الكتاب أم بقي سليماً؟ لنأخذ موسى عليه السلام، بوفاته حُرِّفت التوراة فلا تطالب أحداً في الفترة هذه لأن التوراة حُرِّفت أساساً كتموا منها وحرفوا بعضها. عندما جاء عيسى عليه السلام طيلة فترة حياته لغاية ما رفعه الله، نقل فترة، الإنجيل أُلِّف بدليل ما يقولوه إنجيل برنابا ومتى وحنا.
المقدم: هذه الأناجيل صياغة بشرية لكلام عيسى عليه السلام
د. هداية: القرآن تكلم عن توراة وإنجيل. ونحن نتكلم الآن في الأسواق توراة وأناجيل فالكلام اختلف. لكن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضع مختلف تماماً هذا الكتاب باق إلى يوم الدين ولذلك تأثير الرسول أو عمل محمد صلى الله عليه وسلم ممتد إلى يوم الدين.
المقدم: لم ينتهي بوفاته.
د. هداية: فلما يقول أنا الماحي فهو الماحي إلى يوم القيامة.
المقدم: لكن بشرط قبول المستفيد لهذه الهدية.
د. هداية: هذه هي النقطة الفارقة في مسألة الإيمان هل أنت تريد أن تسمع أو ستقفل أذنيك عن السماع؟
المقدم: أنا أقف كثيراً عند مسألة (يريد) من الذي يريد في مسألة أن يكون هناك من غير المسلمين من يهديه الله إلى الإسلام فيُسلم. وهناك كثيرون من الغربيين الذين أسلموا فيفرح المسلمون كأنهم ربحوا في مباراة أننا اضفنا للمسلمين اشخاصاً جدد لكن من الذي كسب في هذه المسألة؟ ربنا غني عن العالمين والإسلام لن يكسب شيئاً من دخول الناس فيه بل على العكس الإنسان هو الذي سيكسب عندما يهديه الله.
د. هداية: هي فرحة في الحقيقة سيكولوجية فرحة له وليس به. لا دخول واحد سينفع الإسلام ولا خروج واحد سيضر الإسلام.
المقدم: الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطول لأننا نتكلم عن شخصية غير عادية تأثيرها لم يمتد لسنوات عمره فقط وإنما رسالته باقية لم تُحرف ولم تتغير وتعهد المولى سبحانه وتعالى بحفظها وسُنّته ومنهج حياته منهج يستضاء به ويستفاد منه ويُقتفى الأثر منه لغاية يوم القيامة. لكن السؤال الصعب هل نحن نفعل هذا حقيقة؟ هل نحن فعلاً نمشي على المنهج من الكتاب والسنة؟ نحن قصرنا في تناوول وتدبر القرآن في تعريف القرآن أوصافه صلى الله عليه وسلم وصفاته وحسناته والصفات الحميدة التي يجب أن نتنبه لها فنقلّده.
د. هداية: بالضبط. لما تسمع (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)) شرحنا في حلقات سابقة ما معنى ضل وما معنى غوى. مثلاً نعتبر أنهم يقولون أنه صلى الله عليه وسلم ادّعى فالله تعالى يريد أن يقول لهم أنه الذي يأتي به صلى الله عليه وسلم ليس عن ضلال أو صدفة ولا عن تخطيط وترتيب ليأخذ زعامة أو منصب، لا هذا ولا هذا. الذي هو عليه الكتاب وهذا القرآن (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)). نقف عند هذه الآية، ما معنى الآية؟ نحن مشكلتنا كلها في الذي دخل الجنة والذي دخل النار. الذي دخل النار دخلها لأنه ترك منهج الله واتبع هواه (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) هذه الآية تضع الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس من اتّبع المنهج. يعني ساعة يتكلم محمد صلى الله عليه وسلم في قضاياكم وفي أسئلتكم وفي الرد على استفساراتكم وفي مسألة البحث عن أي شيء يتعلق بأمور الدين أو المنهج سيتكلم من واقع وحي إلهي لا مما يتعلق ببشريته. إذا سألوه مسألة (ويسألونك عن الجبال) ما دلالة هذا السؤال وغيره من أسئلة القرآن (يسألونك ماذا ينفقون) بل إن القرآن نفسه قال (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) دليل أنهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله. إذن (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) يعني أي مرة أنتم تسالوه وهو يجيبكم بالقرآن نصاً أو بغير القرآن حتى إجاباته في المسائل التي لم يذكرها القرآن في المسائل الحياتية أو سؤال ينبني عليه موقف فقهي فالرسول صلى الله عليه وسلم لن يجيب عن هوى. الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده هوى في إيمانك ولا في عقيدتك وإنما هو مكلّف (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ (99) المائدة) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) ويقول له (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22) الغاشية). يجب أن أقف مع هذه الآية وقفات طويلة جداً لنفهم القرآن على مراد الله في هذه القضية المهمة. ثم يقول بعدها (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)) وهذه الآية عملت مشكلة مع بعض المفسرين في مسألة على من يعود الضمير؟ البعض أرجعه على جبريل وهذا أمر غريب وعجيب جداً. (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)) ليس فيها مضير وإنما لدينا منطق وواقع ما ينطقه محمد صلى الله عليه وسلم ليس عن هوى وإنما من وحي من الله تعالى إذن الله تعالى ذُكِر من غير أن يُذكر.
المقدم: في مسألة الهوى والوحي واليقين. بعض القنوات تعرض أقوال بعض المفكرين والشخصيات الكبيرة والمؤلفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فاستوقفني قول أحد هذه الشخصيات وهو يتكلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة المصداقية أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيّن حرساً على داره فلما نزلت الآية (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) صرف الحرس البشري وقال تعهد ربي بحفظي. فقال لو كان عند محمد صلى الله عليه وسلم شك في نفسه أو في القرآن الذي يوحى إليه لقال أنا لا أضمن هذا الكلام ولأبقى على الحرس احتياطاً لكنه يعلم يقيناً أنه نبي مرسل وصرف الحرس مباشرة.
د. هداية: الآيات تقول (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) فإن لم يقتنع صلى الله عليه وسلم بالكلام فلن يمكنه أن يبلِّغ. اقتناعك بموضوع يمكّنك من تبليغه ولن تستطيع أن تبلّغ أمراً لست مقتنعاً به لكن اقتناعك بالأمر سيجعلك تدافع وعنه وتصر عليه. وإصرار الرسول صلى الله عليه وسلم في البلاغ بدليل أنه قال له (عبس وتولى) لكن لماذا قال له تعالى (عبس وتولى)؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يفعل أشياء أفضل من وجهة نظره صلى الله عليه وسلم. مسألة (عبس وتولى) تُظهر لنا كيف كان صلى الله عليه وسلم يبلّغ، كان قلبه على الدعوة.
المقدم: كان يعتقد صلى الله عليه وسلم أن أبن أم مكتوم من المسلمين فلا بأس أن أجعله ينتظر لأني أفكر في تبليغ جماعة قريش فالقرآن يقول له هوّن عليك، إسلام هؤلاء لن ينفع الإسلام لكنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يبلِّغ الرسالة ويؤدي ما عليه. بدليل أنه في حجة الوداع سأل هذا السؤال: وأنتم تُسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ هو صلى الله عليه وسلم يحمل همّ هل بلّغ أو لم يبلِّغ؟ هل قام بالتكليف أم لا؟ هل أدّى أو لا؟. الآية (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) هذا تكليف الوحي يأتيه ليبلِّغه فهذه الآيات مهمة في توقيع وإثبات العقيدة حتى في فهمك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمك لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
المقدم: في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67)) هذا أمر إلهي بالتبليغ
د. هداية (وإن لم تفعل) لم تفعل ماذا؟ إياك أن تفهمها على أن معناها فإن لم تبلِّغ
المقدم: ما معناها إذن؟
د. هداية: هذه ندعها إلى حين نتكلم عن مسألة السحر. أنت أتيت بآية تظهر لنا كيف نفهم القرآن. إياك أن تفهم من الآية فإن لم تبلِّغ هذا لا يكون قرآناً. هذه الآية عندما تتلقاها يقول تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما يبلِّغ سيتعرض لأذى وتكذيب وإلى حد التهديد بالقتل. فلما يقول له (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يعطيه ثقة بأن يبلِّغ. إقتناع الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا يمكّنه من التبليغ باطمئنان وهذا هو السر في قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) هذا الوحي حتى يستقر في عقل شخص مثل محمد صلى الله عليه وسلم (وأقصد بالعقل هنا القلب) يحتاج إلى معلم من نوع معين فقال (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)) من الذي استوى؟ ومن ذو مرة؟ إياك أن تعتقد أن هذا هو نفسه هذا. لأن جبريل ذو مرة استوى محمد صلى الله عليه وسلم.
المقدم: علّمه شديد القوى الذي هو ذو مِرّة
د. هداية: ما هي المِرّة؟ قلنا قبل قليل لو أنك تريد أن يكون التلميذ شاطر يجب أن تأتي له بمعلِّم شاطر بدليل أننا إلى الآن نقول هذا تلميذ فلان! إذن فلان هذا عالي بين الأساتذة والتلميذ سيكون عالي أيضاً بين التلامذة. (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) كان يتكلم عن (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) إذن هو يتكلم بمنهج هذا المنهج عبارة عن (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). هذا الوحي لا محمد صلى الله عليه وسلم له دخل به ولا حتى جبريل بدليل كلمة (علّمه) لم يقل أنزله أو حققه. هذا يدل على أن جبريل ناقل ورسول حتى قي ترجمة بعض اللغات الأنجلوساكسونية للكلمة من ضمن كلمة رسول أنها ينقل، صفة الرسول تترجم على أنها ناقل وليس منشِئاً لا يضيف شيئاً من عنده والقرآن يتكلم عنها بمعنى (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ) لا يمكن أن يضع علماً لا يزيد ولا ينقص ولا يلعب بالنصّ. (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)) الضمير هنا عمل مشكلة، على من يعود الضمير؟
المقدم: على المولى سبحانه وتعالى.
د. هداية: كلمة (علّمه) تعطي توصيفاً وقبلها (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) هذا وحي الله تعالى، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) أي فأوحى إلى عبد الله ما أوحى. لكن (ما أوحى) هذه توحي أن الذي أوحي إليه شيء عظيم.
المقدم: حتى نختم هذه الحلقة لدي خمس أسئلة ونكمل المسيرة وهذه لن تكون حلقة وتمر وإنما هي رحلة مع شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم. أرى أشياء تبدو كأنها كلها نكِرات مثل (ما أوحى) لم توصف، ثم قال (عند سدرة المنتهى) ما هي أوصافها؟ ثم يداعب القرآن الفضول البشري أكثر فيقول (إذ يغشى السدرة ما يغشى) ما الذي غشي السدرة وكيف وما أبعادها؟ (ما كذب الفؤاد ما رأى) ما الذي رآه؟ الرويات والأحاديث اختلفت فيما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم. ملايين الأسئلة في مجموعة من الآيات القصيرى لأن سورة النجم آياتها قصيرة إلا أن إجاباتها طويلة وتحتاج إلى وقت وإن شاء الله نكمل الرحلة في الحلقة القادمة إن شاء الله ونحن في محاولة للإحتفاء بالرسول صلى الله عليه وسلم. تعالوا نختم بأمر يفعله الله سبحانه وتعالى وتفعله الملائكة وأُمرنا نحن بنو البشر أن نفعله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب) اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا النبي الهادي البشير الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأحسن السلام. السلام عليكم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/3/2009م


سماح 2 - 7 - 2010 02:46 AM


بارك الله في جهودك المثمره دوماً

وجزاك الله خيراً
وأنار دربك وحفظك
مودتي..
http://www.7c7.com/vb/uploaded/33516_01211306941.gif

ميارى 2 - 7 - 2010 02:51 AM

الرحمة المهداة 2

تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. الاحتفال بالرسول صلى الله عليه وسلم ليس يوماً وليس مناسبة وليس (مُولِد) ولكن منهج حياة تعيش في كل تصرف وفي كل عمل تعمله تعرضه على المنهج القرآن والسنة فإن طبقت المنهج ونصرت القرآن ونصرت السُنة فأنت تحتفل وإن كان غير هذا فهذه الاحتفالات باطلة باطلة باطلة.
في اللقاء السابق تكلمنا في إبحار مع سورة النجم على فكرة توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم في آيات القرآن الكريم وحدد هذه الصفات. ووقفنا عند مسألة التنكير الموجودة في كثير من آيات السورة (ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى) كلها أوصاف عامة، (عند سدرة المنتهى) ما هي سدرة المنتهى وما أوصافها؟ وما هي جنة المأوى، (إذ يغشى السدرة ما يغشى) كلها أوصاف عامة. كل هذا الكلام هلى يعطينا إشارة أنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأوصاف معينة لكن هناك بعض الأمور التي لم نرها لن يعطينا تفاصيل؟ لماذا؟
د. هداية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هي المسألة التي ذكرت كما هي وألفت نظر المشاهدين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تكلم عن الجنة قال "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فتوقع أنت ما تشاء، حتى خيالك لن يأتي بها. الكلام هنا عكس الذي يرد في بعضا الأحاديث وكلها أحاديث ضعيفة التي تصف ما في الجنة، هذا يبين لنا أن القرآن يعلمنا الطريقة التي نتلقى بها الكلام عن أمور غيبية. أول ما قال (فأوحى إلى عبده ما أوحى) (ما أوحى) هنا تظهر كل ما ورد في القرآن كل ما أوحي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة منجماً مفرقاً على مدار 23 سنة وهذه حكمة إلهية لتثبيت الفؤاد، لتثبيت المؤمنين، لتثبيت الناس إلى آخر هذا الكلام.
المقدم: هل (ما أوحى) تشمل الموضوع على إطلاقه بآيات القرآن الكريم التي بين أيدينا اليوم وأيضاً ما دار من حوار بشكل الوحي أو بشكل مباشر عند سدرة المنتهى بين رب العزة والرسول صلى الله عليه وسلم لأنه من المفترض أن هناك حواراً دار وهناك تكليفات وأهمها تكليف الصلاة التي فُرضت في السماء، إذن هل المعنى يشمل الاثنين؟
د. هداية: طبعاً، افترض أن القرآن لم يذكر الصلاة وتكلمت الأحاديث في الصلاة فكيف ستسير الأمور؟ لا يمكن أن تسير! يعني يتكلم الحديث عن موضوع لم يرد ذكره في القرآن أنت قلت لا يمشي فما بالك إذا كان "الحديث" يتكلم عكس القرآن؟! إذن (فأوحى إليه ما أوحى) يجب أن يكون الأمر الذي تتوقعه في الوحي يجب أن يتضمنه القرآن. أنا أتكلم في المسألة وأرمي إلى مسألة الجنة والنار ومسألة سِحر الرسول ومسائل أخرى حتى ننتبه أن الحديث إذا خالف النص القرآني فليس له صحة عندي.
المقدم: حتى لو الحديث موجود في البخاري على أنه حديث حسن، حديث متفق عليه؟
د. هداية: هذه هي القضية، حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم في البخاري والبعض يقول لا تقربوا كتاب البخاري! هذا كلام فارغ سنتكلم فيها لاحقاً إن شاء الله.
المقدم: هناك قضايا كثيرة منها مسألة رجم المحصنين والمحصنات الزناة ليست موجودة في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم عملها.
د. هداية: النص ليس موجوداً في القرآن لكن العقاب موجود. هناك فرق بين أن أذكر شيئاً لم يرد ذكره في القرآن لا بالتصريح ولا بالتلميح وبين أن أذكر شيئاً ورد ذكره في القرآن ووضحه الرسول صلى الله عليه وسلم. مثلاً أربع ركعات صلاة الظهر من أين جئنا بها؟ من توضيح الرسول صلى الله عليه وسلم وكل عدد ركعات الصلاة أحذناها من توضيح الرسول صلى الله عليه وسلم لكن القرآن كله يذكر (أقيموا الصلاة).
إذن الآية (فأوحى إلى عبده ما أوحى) تتضمن كل الذي ذكرته أنت في سؤالك. ثم طمأنك (ما كذب الفؤاد ما رأى) كيف يرى الفؤاد؟ هنا الرؤية بمعنى الإدراك وليست الرؤية البصرية لأن الفعل رأى يأتي بمعنى علِم كما يأتي بمعنى شاهَد. والتوقيع القرآني في الآية هنا مهم جداً (ما كذب الفؤاد ما رأى).
المقدم: هل من ضمن المعاني في هذه الآية أيضاً أن الرؤية المنامية الأولى قبل رحلة الإسراء والعروج؟
د. هداية: هذا نوع من التأويل ونحن لا نعترض عليه لكن الآية تتعلق بواقعة معينة (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)) تتكلم عن واقعة رؤية جبريل ساعة العروج برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإسراء. وطبعاً عندنا خلاف هل تم الاثنين مع بعض أو في وقت آخر وهذا ناقشناه سابقاً. ثم تكلم في نقطة أخرى (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)) أنت لما تناقش في أمر تستطيع إدراكه فهذا حقك لكن أن تناقش في أمر لا تستطيع إدراكه هنا تكون المناقشة ليست منطقية وهذا الذي جعل الصدّيق يرد على الذين قالوا له كيف تصدقه في واقعة الإسراء فقال: أصدقه في ما هو أكبر من ذلك في خبر السماء. هذه مسألة الإيمان بالغيب.
المقدم: وهذه هي الإجابة التي يمكن أن نرد بها على كثيرين يمكن أن نسألهم سؤالاً منطقياً وقد يبدو ساذج، البعض يقول كيف تكون هذه الرحلة للرسول وهو بشر مثلنا كيف يذهب هذه الرحلة بهذا الوقت؟! والبعض يقول كيف ينزل على الرسول ملك وهو جاليس بين الناس وهم لا يرون هذا الملك؟! يقولون لو شفنا الملك لآمنا، لماذا لم يُري الله تعالى الناس الملك؟
د. هداية: ضربنا سابقاً مثالاً عندما أقول في مطلع هذا الكتاب، ترتيب هذا الكتاب ليس صدفة، لما يأتي في مطلع الكتاب ويضع سورة هي في ترتيب النزول 87 (وعندما سنتكلم في موضوع السحر سأظهر لك الفرق بين ترتيب النزول وترتيب الجمع)، يضع سورة ترتيبها في النزول 87 يضعها السورة رقم 2 ثم لما أفتح السورة 87 التي أصبحت رقم 2 أجدها (ذلك الكتاب). تخيل لو بقيت سورة البقرة في ترتيبها 87 وتقرأ (ذلك الكتاب) سيكون قد فات 86 سورة لن يعود كتاباً، فأنت لما تشير إلى السورة 87 كأنك تشير إلى الباقي من 114 سورة وهذا لا يكون كتاباً. وذكرنا سابقاً أن هناك فرق بين كتاب وقرآن. بعض الأصوات خرجوا علينا وقالوا لا فرق، لو كان لا فرق لماذا جاء بكلمتين مختلفتين؟! ثم نجد قوله تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (3) فصلت) إذن هناك فرق. يعني هذا الكتاب فصلت آياته قرآناً عربياً يعني منجماً. فعندما تنزل آية هذا قرآن، وعندما تنزل خمس آيات هذا قرآن، وعندما تنزل سورة هذا قرآن لكن لما أجمع هذا القرآن يكون كتاباً. وما يقولونه عن أن عثمان جمع القرآن هذا كلام فارغ ثم يبررون قولهم! عليهم أن يصححوا ويوضحوا قصدهم خاصة في موضوع يتعلق بسلامة العقيدة. هذه مسألة فيها اتهام من غير المسلمين، عندما تقول عثمان جمع يمكن بعد سنوات أقول لك حرّف.
المقدم: وما الذي يضمن لنا أنه جمعه بشكل صحيح؟! لو كان اجتهاد بشري!
د. هداية: هذا القرآن تصدى الله تعالى بحفظه يترك عثمان ليجمعه؟ ويتركه كل الفترة التي قبل عثمان بدون جمع؟! الكتاب أساساً نزل عن جمع ويؤخذ منه وهذا معنى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) المنجّم. هذه المعاني كلها يجب أن تستقر عندنا لأنها مسائل تمس العقيدة. ثم جئنا بالآية من قلب القرآن ومن قلب الكتاب، يقول تعالى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة) الله تعالى هو الذي جمعه (إنا علينا جمعه وقرآنه).
المقدم: حتى طريق القراءة ليست من عنديات الرسول صلى الله عليه وسلم.
د. هداية: ذكرنا سابقاً قصة (كهيعص) الذي يحاول أن يقرأ القرآن من نفسه سيقرأها كلمة واحدة وهذه مسألة سنذكرها عندما نتحدث عن مسألة أمية الرسول صلى الله عليه وسلم. كل هذه المسائل يجب أن نفهمها بشكل صحيح فإذا أرادنا أن نحتفل بهذا الرجل صلى الله عليه وسلم يجب أن نفعل هذا من منطلق العقيدة الثابتة التي تجعلنا نجيب على الأسئلة الثلاثة الأولى في القبر بشكل صحيح حتى نأخذ السؤال الرابع. فمن غير هذا الكلام الذي نقوله من غير قراءة القرآن على مراد الله فيه لن أعرف الرد عن سؤال من ربك؟ ما دينك؟ ما قولم في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ قلنا سابقاً أنه قيل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ساحر ومجنون وكذاب فهل أبناؤنا اليوم يعرفون أن يميزوا بين ساحر ومسحور، بين شاعر وكذاب، هل يعرفون كيف يردوا على هذا الكلام من القرآن؟
المقدم: لا يعرفوا بدليل أنه في الندوات التي نعملها مع الشباب كان غالبية الشكاوى التي تكلموا عنها أنهم لما يدخلوا على الانترنت على مواقع ويتحادثوا مع أجانب يسألون أسئلة واتهامات للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مزواج وغيره والاسلام انتشر بالسيف وغيرها لكن الشباب لا يعرفون الرد على هذه الاتهامات لأنهم غير مثقفين يديناً مع أنهم في نفس الوقت يعرفون تفاصيل عن حياة لاعبي الكرة العالميين والفنانين.
د. هداية: لا تتعدى معرفة الرسول عند معظم هؤلاء عن معرفة إسمه. نحن نريد أن نأخذ القرآن على مراد الله تبارك وتعالى في كيفية التلقي وأنني لما أسمع الآية أتدبرها لأعمل بها. نحن للأسف في مراحل التعليم عندنا لم نأخذ هذا المنهج، القرآن مجرد مادة تضاف إلى المجموع والدين ثقافة لكن أين التعليم؟ وكيف أدافع عن ديني؟
المقدم: هذه القضية كانت مفتوحة منذ فترة في الصحف المصرية في مسألة أن بعض الآراء ترى أن مادة الدين يجب أن تكون مادة أساسية ومادة نجاح أو رسوب وتضاف للمجموع ليهتم بها المدرس والطالب وهناك أشخاص آخرون اعترضوا ومنهم من مجلس الشعب ومن بعض القساوسة الذين قالوا لا يريدون هذا حتى لا يحصل هناك تلاعب بالدرجات وكل صاحب ديانة يرفع درجات أعلى لينجح أولادهم والبعض قال اجعلوها مادة في الأخلاق تُدرس للمسلمين والنصارى.
د. هداية: هي كذلك الآن وأنا لا أتكلم عن هذا وإنما أتكلم عن كل أب مسلم وكل أم مسلمة ماذا تفعل مع أولادها في مسألة هذا الكتاب لأنه ليس هناك سؤال في القبر من كان وزير التربية والتعليم في عهدك؟ أو من كان شيخ الأزهر في أيامك؟
المقدم: عملوا ندوة مع الشباب الذين كانوا ينتقدون المناهج ونظام التعليم والحشو والتلقين والسلبيات وعندما سئلوا عن اسم وزير التربية والتعليم لم يعرفوه ولا حتى اسم أيّ وزير في الوزارة ولا حتى اسم رئيس الوزراء!.
د. هداية: هذه قضايا تحتاج إلى حسم من الآن وإلا فنحن نضيع أنفسنا بأيدينا ونضيع هويتنا بأيدينا. هذه المسألة لا تنفع أن يكون الدين مادة أساسية أو لا، المهم أنا أعلم أولادي أحضر لهم من يفهمهم أمور الدين وأعمل أي شيء لوجه الله.
المقدم: لوجه الله نحاول أن نتفق على أن منهج الله في كتاب الله محتاج لمجهود أكثر من هذا ونحتاج لتدبر ومحتاج لتفكر أكبر حتى نفهم بشكل صحيح ومن ثمّ نطبق بشكل صحيح.
المقدم: "محمد رسول الله" هذا الوصف موجود في سورة الفتح، توصيفه وتعامله مع الكفار والمؤمنين وكيف ضُرب مثله في التوراة والإنجيل؟ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)).
د. هداية: هذه الآية فيها شغل كبير جداً في الموضوعات التي كنا نتكلم فيها سابقاً لكننا نحتاج إلى التركيز.
المقدم: قبل أن يصف اي شيء قال "محمد رسول الله" هذا بيان وتأكيد وإعلان للعالم؟
د. هداية: أنت سألت في الحلقة السابقة: هلى عرّف القرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا أبلغ تعريف (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) كلمة رسول الله تحمل أنه (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، ما زاغ البصر وما طغى) كل هذه الآيات تبين (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) كلمة الرسول تعني أنه صلى الله عليه وسلم ينقل ما أوحى الله به إليه نقلاً حرفياً لا يتدخل في الصياغة ولا في المعنى. قلنا في حلقة سابقة أن الرسالة للرسول صلى الله عليه وسلم لا تنتهي بوفاته.
المقدم: يعني مهمته لم تنتهي بوفاته وليست محددة بوقت محدد أو بمكان أو ببلد أو بقوم.
د. هداية: إلى يوم الدين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء)
المقدم: نقف عند كلمة الرحمة هناك من قبِل الهدية وأخذ الرحمة ومنهم من رفض الهدية.
د. هداية: الرحمة أن أخرجك من النار وأُدخلك الجنة (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز (185) آل عمران) زُحزح ليست بإرادته هو لكن هو يجب أن يكون قد اشتغل حتى يستحق هذه الزحزحة.
المقدم: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ (19) الإسراء)
د. هداية: هذه الآية تأتي هنا أيضاً بلازم المعنى.
المقدم: (محمد رسول الله) هذه شهادة من الله تعالى. في سورة المنافقون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)) قال (والله يعلم) ولم يقل والله يشهد في الرد على شهادة المنافقين ثم قال (والله يشهد) لماذا؟
د. هداية: الشهادة يقتصر دورها على أدائها بينما العلم أوسع وهو يتضمن الشهادة، فهنا يجب أن يأتي بالاثنين، هم يكذبوا (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) هذه ليست تفضلاً منهم، قوله (والله يعلم) تأخذ معنى الشهادة ومعنى العلم.
المقدم: كان من المتوقع أن الصياغة تقول -والله يعلم إن المنافقين لكاذبون- لكنه قال يشهد فلماذا؟
د. هداية: حتى يفضحهم لأن العلم يمكن أن لا يُقال أما الشهادة فيجب أن تُقال، هذه عكس هذه، قد أعلم ولا أقول وقد أشهد لكن علمي يقتصر على الشهادة وهذا منطق.
المقدم: لذا كان من الضروري أن تأتي (يشهد ويعلم)
د. هداية: كل كلمة لها أداء في الدلالة. العظيم في سورة الفاتحة أنه تعالى قال (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) والذين معه هل الكلام يعود على الذين صاحبوه صلى الله عليه وسلم؟ أو إلى الذين معه إلى يوم القيامة؟ إلى يوم القيامة لأنه كان يمكن أن يقول (وأصحابه) هنا عامة مفتوحة أسأل الله تبارك وتعالى لي ولك ولجميع المشاهدين أن نكون من "الذين معه". شرحنا سابقاً أنك أنت لا يمكن أن تكون من الصادقين لكن يمكن أن تكون معهم لأن الصادقين في المعنى الحرفي هم الرسل (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ (8) الأحزاب) ولذلك قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) نسأل الله مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا قبل الآخرة بتطبيق رسالته والبحث عن مواطن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء وأي أمر يخطر على بالي أعرضه على الله ورسوله فإن كان هذا الأمر يرضيهما نعمله وإلا نتركه.
المقدم: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) مقابلة بين الشدة والرحمة
د. هداية: هذه الشدة يجب أن تفهم بكل ما للكلمة من معنى. قد تتوقع أن كلمة أشداء هنا بمعنى الغلظة لكن هي يجب أن تُفهم أنني عندما أكون شديداً عليك يكون هذا لمصلحتك وقد يكون هذا وسيلة وسبيل يقوّم حالك ولذلك بعدها قال (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) لينفي عنهم الشدة والغلظة. نضرب مثالاً أنا شديد عليك ثم لما أتيتك بك ستدخل في الرحمة إذن يعني أنا كنت شديداً مرحلياً لأنه بعدها ستكون رحمة وشدتي عليك ليس لأني شديد على الإطلاق وإنما عندي الاثنين عندي شدة وعندي رحمة فأنا أشد عليك لأني مكلف بهذا، نحن أمة دعوية ولسنا أمة إرهاب ولا أمة قتل وحرق نحن أمة دعوة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) المسلم بطبيعته داعي إلى الله (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) ويجب أن نأمر ويجب أن نبلِّغ ولذلك قلنا رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنتهي إلى يوم الدين، الرسول توفاه الله لكن رسالته نأخذها ونكمل بها بتعاليمه ودعوته ولهذا نحن أمة دعوة وليست قتل وإرهاب.
المقدم: إذن الشدة هنا المقصود بها الشدة المطلقة أو الحرب أو القتل.
د. هداية: نحن أحياناً نقول عن مدرّس أنه شديد لكن نقصد أنه شديد في علمه، شديد في حزمه، في إمساكه بالفصل ولا نقصد شديد بالمعنى المطلق. ولذلك (اشداء على الكفار) تأخذ مرحلتين مرحلة الشدة إلى أن يأتوا فإن لم يأتوا تستمر الشدة، يعني سأبقى شديداً عليك ما دمت كافراً.
المقدم: البعض قد يسأل ألم يذكر القرآن (لكم دينكم ولي دين) فلماذا الشدة؟ ولماذا الغصب والذي يريد الاسلام يسلم والذي يريد الكفر يكفر؟
د. هداية: أنا لن أغصبه وإنما أدعوه وأستمر وراءه في الدعوة. الشدة هنا شدة عرض. الأستاذ الشاطر الشديد جاء بالعلم الذي درسه ولم يكن فاشلاً في علمه ودراسته وإنما نمى معلوماته وبحث ودرس فالشدة تحتاج لتعب وسهر من هذا الشديد ولذلك يجب أن نفهم معنى هذه الشدة. (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) هؤلاء ليسوا باعئي كلام وإنما (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) هؤلاء يطبقوا قبل أن يقولوا للآخرين. تراهم يعني ساعة تبحث عنهم تجدهم عاملين. تراهم هنا بمعنى تشاهدهم أو بمعنى لما تسأل عنهم. (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) إذن الركوع والسجود هذه مسألة تطبيق لما يقولون ولعلمهم ولذلك في الشدة والرحمة والركوع والسجود هم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وإياك أن تقتصرها على ركعاً سجداً فقط. هم بيتغون فضلاً من أشداء على الكفار، رحماء بينهم، ركعاً سجداً بكل هذا هم يبتغون فضل الله ورضوانه.
المقدم: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم) هل هي في وجوههم أو على وجوههم؟
د. هداية: هنا (في) بمعنى (على) لكن لو قال (على) لم يكن معنى (في). (في) تأخذ معنى في وعلى أما (على) فتأخذ معنى على فقط.
المقدم: الصياغة القرآنية تريد المعنيين (في) و(على) الذي على وجهه علامة السجود هذه أيها؟
د. هداية: هذه (على) أما (في) فهي السمت العام فيقولون فلان وجهه مضيء هذا نور الإيمان. لو قال (على وجوههم) تكون علامة الصلاة. البعض علامة الصلاة في جبينه قاتمة والبعض فاتحة وهذا يعود إلى طبيعة الجلد عند كل واحد، هذه (على وجوههم) أما (في وجوههم) فتأخذ المعنيين في وعلى. ما معنى (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (في) تعطي السمت العام ولازم معنى السجود وهو القرب من الله ترى هؤلاء وجوههم مطمئنة وهذا الاطمئنان يأتي من العقيدة لا تجد في وجوههم اضطراب عند المصائب وإنما هو مطمئن من اثر السجود.
المقدم: وكأن السجود هو الذي يؤكد الصلة التي يعملها الإنسان أثناء الصلاة مع رب العالمين.
د. هداية: السجود تأتي هنا بمعنى سجود الصلاة وبمعنى الخضوع والخشوع والانصياع لأوامر الله بالتطبيق. (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) كل حياته ساجد يبتغي فضل الله ورضوانه. تماماً كما ذكرنا في توصيف عباد الرحمن في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) قلنا ولو كانوا نائمين يبيتون سجداً وقياماً بلازم المعنى الطاعة فليس السجود فقد سجود الصلاة ولا القيام القيام للصلاة وإنما هو قائم لله حتى وهو لا يصلي وساجد لله حتى وهو لا يصلي ولكن بلازم معنى السجود والقيام، سجد بمعنى خضع وخشع. في قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) لا تعني أنهم يصلون وإنما قوامون بمعنى قائمين على أمرهن وهذا تعظيم للمرأة لكن للأسف نحن لم نفهم القرآن. الرجال قوامون على النساء يفرح بها الرجال ويغضب منها النساء وهي معناها ليس كما يتصوروا وإنما معناها الرجال قائمون على النساء بعنى خدم، الرجال قائمون على أمور بيوتهم. المرأة من عهدها في رقبة رجل إما الأب أو العم أو الأخ أو الزوج
المقدم: وهذا الكلام الذي تقوله أناس كثيرون ضده وهناك اتهامات أن المجتمع ذكوري كأنكم تقولون أن المرأة شيء صغير تحتاج دائماً لمن يرعاها
د. هداية: ليس هكذا وإنما القرآن دلل المرأة. لما يقول (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) هناك قائم وقوام، لم يقل القرآن قائمون وإنما قال قوامون. قائمون تعطي معنى وقوامون تعطي معنى أكبر مثل (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) ومرة قال (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ (16) السجدة) هؤلاء يصلّون فقط، هذا معنى تتجاف، هؤلاء محسنون. أما عباد الرحمن فهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً، الناس كلها تبيت نائمة وهم يبتون لربهم سجداً وقياماً فسّرها بالصلاة وقراءة القرآن والتعبد والتسبيح والتفكر والتدبر هذا كله في حق عباد الرحمن.
المقدم: هؤلاء قائمون وساجدون وراكعون لمنهج الله في إفعل ولا تفعل.
المقدم: أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم والذين معه حرص القرآن في سورة الفتح أن يقول أن هذه الأوصاف وهذه الأمثال موجودة في التوراة وموجودة في الإنجيل، لماذا هذا الحرص الإلهي أن يقول أن هذا الكلام موجود في التوراة والإنجيل؟
د. هداية: هذا السؤال جميل جداً أضيف له سؤالاً آخر: الرسول صلى الله عليه وسلم يوصَف لوحده في بعض الأحيان وعادة يوصَف مع أمته حتى نفهم أنه لا يوجد فصل بيننا وبين الرسول وهذا رد على الذين يقولون أنتم تريدون أن تعيدونا إلى عصر الرسول؟! نحن يجب أن نكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم منهجاً لا مكاناً أو زماناً. عندما يقول تعالى (محمد رسول الله والذين معه) ماذا تريد أن تكون أنت؟ لو كنت تريد أن تكون من الذين معه إذن يجب أن تصلي وتصوم وتلبس المرأة الحجاب وتعمل كل ما أمر به القرآن وتنتهي عن كل ما نهى عنه القرآن عندها نطبق (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (21) الأحزاب) هذه صحيحة إلى يوم القيامة. (محمد رسول الله والذين معه) ضرب لنا المثل (تراهم ركعاً سجداً) يأتي أحدهم ويقول أنا أريد أن أكون مع الرسلو فتسأله هلى تصلي؟ يقول لك لا، إذن كيف سيكون مع الرسول؟
المقدم: أو يمكن أن يكون مصلياً لكنه يغش مثلاً في عمله
د. هداية: إذن انفكت الصلاة. يجب عندما يصلي أن تكون صلاته تنهى عن الفحشاء والمنكر. لماذا المثال في التوراة والإنجيل؟ ليبين الأمر الذي تحدثنا عنه في الحلقة الماضية أن الرسل عندما يتعاقبوا كل رسلو يسلِّم للرسول الذي بعده ويبشر به ويدعو للإيمان به لو أدركته وإلا لا تكون مؤمناً بالله لأن الإيمان بالله كلٌ لا يتجزأ. وظهرت هذه المسألة واضحة جداً في أول سورة البقرة وأواخرها (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ (4))
المقدم: هل الذي يمنع من تطبيق هذا الأمر الإلهي العنصرية الموجودة في البشرية أن كل واحد مسرور الذي جاءه ولا يريد أن يصدق من جاء بعده ولا يريد التطوير، أنا يهودي فلا تكلمني عن عيسى أو أنا نصراني فلا تكلمني عن محمد؟
د. هداية: هذا الهوى. القرآن فسره (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) لن يكون هناك اتباع هوى بعلم أبداً.
المقدم: إلا إذا كان الذي يعمل هذا عارف أن محمداً رسول الله
د. هداية: هذا مع سبق الإصرار، هذا علم الهوى لكن العلم هو المنهج والقلب لا يحتوي هوى ومنهج القلب يحمل شيئاً واحداً فقط ولذلك قال (ما كذب الفؤاد ما رأى) إذن العملية في القلب والفؤاد يجب أن تكون صحيحة. تحدث مع بعض الناس يقول لك أنا أصوم وأصلي ومع ذلك هو في مجال الفن لكن بعد فترة تجده إما أصبح في الفن وانفصل أو أصبح ملتزماً وانفصل عن الدين (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (4) الأحزاب). الأمثلة في التوراة والإنجيل لتعملها وليؤكد لك أن القرآن كتاب جاء مهيمناً على الكتب السابقة ومكملاً لهم ليس هناك صراع ولا عداوة بل على العكس التوراة أعطاهم أوصاف الرسول والذين معه والإنجيل أعطاهم أوصاف الرسول والذين معه.
المقدم: في بعض الأحيان الترجمة وعدم الدقة فيها أحياناً أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين موجودة في الأناجيل باللغة الانجليزية المترجمة عن السريانية أو العبرانية تججدها تتكلم عن أوصاف الرسول والذين معه والنور الذي سيشرق من وادي بكة
د. هداية: هذا إنجيل واحد هو إنجيل برنابا
المقدم: لما جاءت الترجمة العربية لم تترجمها حرفياً (وادي بكة) وليس من قبيل الصدف أن يرد في القرآن (للذي ببكة) القرآن لا يختلف عن الكلام الذي جاء في الإنجيل. لكن في العربية ترجموها (وادي البكاء)
د. هداية: أي إنجيل تتكلم عنه؟ أنا أذهب لأي إنجيل؟! أنا أرفض هذا الكلام وأنا أقول للذين يستشهدون بإنجيل برنابا إتقوا الله في دينكم، من برنابا؟ عندي إنجيل وعندي توراة لكن طالما تدخل البشر في الصياغة انتهت المسألة ولا آخذ منهما شيئاً أنا عقيدتي ومؤمن بالتوراة وموسى والإنجيل وعيسى إيماني بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأي توراة واي إنجيل؟ اللذان أنزلهما الله تبارك وتعالى على موسى وعلى عيسى، وآخذ علمي من القرآن لأنه لم يحرَّف ولم يبدل مهما استهزأوا به فلا يهم. أنا أناقش في هذا الكتاب الذي هو القرآن هو قرآن الله تبارك وتعالى وأنا مؤمن بإنجيل الله تبارك وتعالى الذي أنزله على عيسى عليه السلام ومؤمن بتوراة الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى عليه السلام وإيماني بهما إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قولاً واحداً. والآية تعطينا مثلاً في الإنجيل ومثلاً في التوراة ليطمئن قلب القارئ أن الله تبارك وتعالى ما ظلم أحداً وأن التوراة التي أنولها الله تعالى على عباده من اليهود كانت سليمة وشملت محمد وأصحابه والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى ضرب الله المثل فيه بمحمد واصحابه (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) يعني مثلهم في التوراة أن تراهم قائمين راكعين ساجدين متبعين يسمعون كلام الرسول يكونوا معه لا يرفضوا ما يأتيهم به ولا يكذبوه وعندهم سمت الاطمئنان والإيمان والتقوى والورع في تصرفاتهم وأفعالهم، هذا مثلهم في التوراة وهنا يجب أن يكون وقف لازم لأن الواو التي ستأتي بعد هي واو الاستئنافية (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) الزراع تذكرنا بالحارث. هناك قلنا لا تقل على الفلاح زارع وإنما قل عليه حارث وهذا من قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) الواقعة) إذن الزارع هو الله. لا تقول على من يفلح أرضه الزارع إنما الزارع هو الله تعالى. الذين سألوا في الزراع هذه مقلوب هذه، سورة الواقعة تقول (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ) هذا في الأرض، الذي تفعلوه في الأرض لا يتعدى كونك حارثاً والذي يزرع هو الله سبحانه وتعالى لأنه الذي قال عن نفسه في قرآنه (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6) هود) نحن لا نفلح ولكننا نأكل. أما المثال في آية سورة الفتح هذا ليس حرث دنيا وإنما عمل آخرة أنت تكون فيه الزارع وليس الحارث. لو أنت حرثت ووقفت في الدنيا لن يزرع لك أحد إنما في سورة الفتح عمل الآخرة. في عمل الدنيا أُحرث فقط وسيأتيك الرزق أما عمل الآخرة قلم يقل مت وهناك من سيعمل لك عمرة ويزكي لك ويصلي لك ويقرأ لك القرآن، إعمل أنت فأنت الذي ستكون الزارع وإن لم تزرع أنت فلن تجد لك شيئاً في الآخرة. قال في سورة الفتح (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ) في هذا المثل هذا الزرع زرعه الله تعالى وإنما هم مثلهم كزرع (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) زراع الآخرة.
المقدم: إذن هذا المثل يعجب الإنسان الذي يريد أن يزرع للآخرة
د. هداية: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) هنا كفر عقيدة وليس كفر فلاحة. الآيتان تشرحان بعضهما، (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) الشورى) هنا الحرث مثال دنيا لكن لما تكلم عن حرث الآخرة قال (وسعى لها سعيها) يعني إنت الذي يجب أن تعمل وبشرط (وهو مؤمن). إذن المسألة في الدنيا أنك ستأكل حتى لو كفرت وتُرزق لأنه تعالى قال (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) مهما كان الرزق ومقداره يزيد أو ينقص إنما عمل الآخرة فيجب أن تقوم به بنفسك، في الدنيا قال (أأنتم تزرعونه) أما في الآخرة فأنت الذي يجب أن تزرع لا يتوقف عملك على الحرث لأنك لو حرثت ونمت لن يزرع لك أحد.
المقدم: كأن المعنى هنا أنه وأنا أعمل في الدنيا وربنا يعطيني عمري فكأنه رصيدي في يدي فإياك أن تفرط فيه فابدأ الحرث والشغل، لو بدأت يومك بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ماشي على المنهج وتعمل العمل بشكل صحيح فكأنك ذهبت للجنة إلى بيتك فيها فتزرع فيه وتهيئه وترتبه وتزرع فيه وكأنك وأنت تعمل في الدنيا بيتك في الآخرة يترتب ويتزين ويتجمل إنتظاراً للقائك.
د. هداية: ولذلك قال تعالى (وسعى لها سعيها وهو مؤمن)
المقدم: جزاكم الله كل خير دكتور. أسأل سؤالاً نبدأ به الحلقة القادمة وهو ختام الآية (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)) لماذا (منهم)؟ ولماذا هناك مغفرة ما دام هناك سعي وعمل والأجر العظيم وهو الجنة؟. اسئلة كثيرة نسأل الله تعالى أن نكون من أهل الجنة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق المنهج في القرآني والمنهج في السنة النبوية حتى نكون ممن طبقوا في الدنيا معه ونكون معه في الآخرة إن شاء الله، قولوا آمين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



ميارى 2 - 7 - 2010 02:55 AM

الرحمة المهداة 3

تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. مجموعة من الحلقات الاحتفالية نحتفي فيها بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بمنهجه وسنّته وحياته صلى الله عليه وسلم. واتفقنا أن هذا هو أنسب شكل للإحتفال لن نقيم حفلات وموالد ولكن سنعمل حالة تدبر نعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم حياته ومنهج وسُنّته. وقفنا وقفات في خواتيم سورة الفتح ونحن نسأل عن توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم (محمد رسول الله) لوحده؟ أو معه أنا وهناك أوصاف وهناك أمثلة موجودة في التوراة وأمثلة في الإنجيل وفي النهاية يختتم الموضوع في السورة وفي الآية بمغفرة كبيرة جداً وفضل عظيم وهو الجنة. تعالوا نتدبر في هذا اللقاء. أرحب بالدكتور محمد هداية.
مع قراءتنا للآية 29 في سورة الفتح (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)) نذكر المشاهدين بمسألة (والذين معه) هل تعني الصحابة الذين كانوا موجودين مع الرسول صلى الله عليه وسلم أم تعني كل من معه مع رسالته ومع أمته إلى يوم القيامة؟
د. هداية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. نحن أوضحنا هذه المسألة في الحلقة الماضية أن المعيّة تمتد إلى يوم الدين لأن رسالة هذا النبي هذا الرسول صلوات ربي وسلامه عليه تختلف عن كل الأنبياء والمرسلين من قبله. كلهم كانوا لزمان محدد ولمكان محدد ولقوم محدد أو جماعة محددة إنما هو صلى الله عليه وسلم في خطاب التكليف الإلهي له بالرسالة قال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء). يعني من مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين. سألنا من قبل سؤالاً أبو بكر الصديق وكل الصحابة قرأوا قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) آل عمران) هم قرأوها ونحن نقرأها والذين سيأتوا بعدنا إلى يوم الدين سيقرأوها فرسالته صلى الله عليه وسلم ممتدة والمعية ممتدة إلى يوم الدين. وهذه الآيات توصف تمثيل الكتب السابقة لهذا النبي والذين معه (محمد رسول الله والذين معه) ليؤكد الله تبارك وتعالى في كتابنا أن جميع الإمم السابقة كل أمة مكلّفة بالإيمان بالرسول الذي يأتي بعد رسولها أو نبيها، التعبير القرآني (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) ميثاق النبيين وليس الأمم فالنبي مكلّف أن يُخبر أمته بالنبي الذي سيأتي بعده واتضحت جلياً في عيسى عليه السلام عندما قال (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف).
المقدم: هل يمكن أن نلمح في التاريخ الإنساني خطأ بشري يتكرر على مدار الزمان والقرون أن الأمم التي يأتيها الأنبياء والرسل ينصرف اهتمامها وتقديسها لشخص النبي أو الرسول دون الرسالة وجوهرها؟ اليهود يقدسون جداً ارتباطهم بموسى عليه السلام وارتباطهم بالتوراة وأنهم شعب الله المختار وأنهم مفضلون على العالمين ولم ينتبهوا أن عيسى عليه السلام سيأتي بعد موسى. وكذلك بالنسبة للنصارى قدسوا المسيح وتجاهلوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيأتي بعده. فكإنسان امتنّ الله تعالى عليه بنبي البطولة ليست في النبي وإنما البطولة للمنهج ورسالة الله فلماذا ترك الناس الرسالة وتركوا شرع الله تعالى وانصرفوا إلى تقديس الأشخاص؟
د. هداية: الذي تقوله يحتاج إلى مائة حلقة! هذا تشخيص لحقيقة الوضع من عهد آدم وإلا فما الشرك؟ وما الكفر؟ زما النفاق؟ هذه قصة صعبة جداً. اليهود لا قدّسوا موسى ولا رب موسى وإنما قدسوا حب أنفسهم والنصارى قدسوا المسيح وألهوه والمسلمون اليوم كل واحد يمشي على هواه. أتمنى أن يُشخّص هذا الذي ذكرته أنت الآن لأنه مناط خواتيم سورة الفتح أن ربنا سبحانه وتعالى لما يذكر لنا مثلنا في التوراة ومثلنا في الإنجيل ماذا علينا أن نعمل في القرآن من باب أولى؟! أن تهتم بمعية الرسول. الآيات لم تُذكر حتى نقول يا سلام أو نقرأها بالقراءات السبعة، ليس هذا هو الهدف. عندما نقرأ (أشداء على الكفار) عندما نأخذها بالمعنى السطحي لها تشوّه الإسلام. ما معنى الشدة؟ الأب قد يكون شديداً مع أولاده لا لأنه يكرهه أويريد قتله. والناس تقول هذا الولد جيد لأن والده كان شديداً عليه لكن لا يمكن أن يدور في ذهنك كوالد لهذا الولد أن تقسو أو تقتل هذا الولد. الكلمة (أشداء على الكفار) للأسف ليست مفهومة وقلنا أن معناها أشداء إلى حين يعودوا إلى الطريق الصحيح وهذا لمصلحتهم هم أولاً ولأننا نحن مكلّفون بالدعوة لأن هذه الأمة كلها مكلفة بالدعوة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) وذكرنا أن الإسلام فتح هذه البلاد كلها بالتجارة. التاجر كان عمله التجارة لكن نشر الدعوة بأخلاقه وتصرفاته وفكره وفهمه وأخذ تعاليم الدين أنه تاجر صادق أمين لا يكذب ولا يحنث، و أذكر ما قاله الرجل الكافر "إن أصحاب محمد لا يكذبون" لما قالوا له أن الرجل سيقتلنا بعد أن نخرج فقال لا، إن كان قال عهداً أو ميثاقاً إن أصحاب محمد لا يكذبون. انظر إلى الرسول والذين معه عند الكافر!
المقدم: متأكد مائة في المائة
د. هداية: هذه الكلمة تؤثر بي كثيراً، الناس عملوا عهداً والرجل كان رامياً جيداً فقالوا نتركك وتتركنا فاتفقوا لكنهم استدركوا وقالوا له أنت لو تركتنا ستصعد إلى الجبل وربما تقتلنا لم يرد الرجل وإنما رد زعيمهم وقال: إن أصحاب محمد لا يكذبون، هذا رد الرجل الكافر بمحمد! والذي يؤكد هذا المعنى أن الكافر كان يمر على بيت أبي جهل لا يستأمنه على ماله بينما يستأمن محمداً صلى الله عليه وسلم.
المقدم: هل يمكن أن نقف وقفة ونطبق على واقعنا المؤسف؟ جملة وقالة (إن أصحاب محمد لا يكذبون) صدرت من رجل كافر، لو أردنا أن نطبقها اليوم، نحن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين لم يروه وإنما صاحبوا سُنته ومنهجه ورسالته، أسأل أصحاب محمد اليوم في هذا القرن يكذبون أو لا يكذبون؟
د. هداية: يكذبون. والكذب أخذ أشكالاً ألبس الحق بالباطل. في مجريات الأمور في الأمة الإسلامية لا تتحقق الآيات التي بين ايدينا اليوم ولكن بالعكس نحن اليوم نتبع الهوى! كثير جداً من كلام المسلمين اليوم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) يمشي لإرضاء نفسي أو شخصي أو طلب مكانة أو سلطة أو غيره. لو نحن طبقنا هذه الآيات لتصدرت الأمة الإسلامية العالم لا حباً في الزعامة وإنما تنفيذاً لتكليف الله سبحانه وتعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)
المقدم: لككنا نحن توقفنا عن أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر
د. هداية: نحن لا نأخذ المعروف لأنفسنا نحن. وطبق هذه المسألة على أمور صغيرة، كيف أطلب الجنة وأنا أدخن ولا ألبس الحجاب وأغش؟! أطلب الجنة وأعيش على وهم إن الله غفور رحيم والشفاعة وقراءة القرآن للميت، نعيش على أوهام. القرآن عبّر في الآيات عكس هذا الكلام فلما تكلم في حرث الدنيا اختلف عن الكلام في حرث الآخرة، في حرث الدنيا قال لا تقل على نفسك زارع وإنما أنت حارث (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) الواقعة) هذا سؤال أجِب عنه وإياك أن تقول أنت الزارع لأنك لو فعلت قد لا يخرج لك زرع في السنة التالية! إن كنت تدّعي أنك زارع فقم بالعملية بنفسك!. لما تكلم في أمر أنت تفعلها كمثل - الآية مبدعة (مثلهم في الانجيل كزرع) الزرع في الآية مثال فيه تشبيه، لو أخذنا مثال الزرع لما تزرع تبدأ بالبذرة (هذا محمد صلى الله عليه وسلم) (محمد رسول الله والذين معه) مثلهم في التوراة أنهم ركع سجد يبتغون فضلاً من الله ورضوان، هذه واضحة، لكن المثال في الإنجيل مبدع قال (كزرع أخرج شطأه) المثال مضروب بمحمد صلى الله عليه وسلم والذين معه، تبدأ المسألة ببذرة ثم يبدأ يخرج الساق والجذر (هذا الذين معه) انظر هذا التمثيل!. محمد رسول الله والذين معه مثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه (الزرع هنا عبارة عن محمد صلى الله عليه وسلم البذرة الرحمة التي زُرعت في البشرية ثم أخرج شطأه هذه مسألة الإنبات ثم الثمار ثم الزهور، وهكذا بدأ الإسلام: محمد ثم أبو بكر ثم كانوا يستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ثم يزيد عددهم ثم اشتدوا ثم آزره ثم استوى على سوقه حتى وصلنا إلأى مرحلة (يعجب الزراع) لم يقل هنا الحُرّاث، لماذا؟ لأنها الأصل أن حرث الدنيا يساعدك فيه رب العالمين حتى تأكل لأن الله سبحانه وتعالى التزم برزقك لكن سعي الآخرة لن يفعله لك أحد. المولى تعالى يعطينا هداية الدلالة وهداية المعونة التي هي (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ.) أن يرسل لك الرسول يخبرك بالمنهج ثم إما أن تُكمل أو ترفض لأنه لا إكراه في الدين. لكن لو كان لديك أمل في الجنة إنت الذي يجب أن تزرع ولذلك قال (يعجب الزراع) مع أنه تعالى نهانا أن نقول على الذي يفلح زارع وإنما قال حارث، هذا في الدنيا لأن الله سيساعدك أما في الآخرة فأنت الذي تزرع (وسعى لها سعيها) والله تعالى يساعدك مساعدة بسيطة، لا ينفع أن تسوّف وتقول أعمل غداً، هل ينفع أن يكون مع (وسعى لها سعيها) غداً وسوف؟!
المقدم: أنا عندما أسمع هذه الكلمة (وسعى لها سعيها) أشعر كأن هناك من يقول لي شمّر عن ساعديك وابدأ العمل.
د. هداية: لذلك لا ينفع سوف، سوف أصلي، سوف أتحجب. ولذلك في الحديث الضعيف (متنه سليم) لكن في المنطق السليم يقول: هلك المسوّفون.
فاصل
المقدم: الآية 29 في سورة الفتح يختمها الله تعالى ختمة بديعة جداً (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)) من منهم؟ على من يعود الضمير؟ هناك لاكم عن محمد صلى الله عليه وسلم وكلام عن الذين معه وكلام عن الانجيل وأهله وكلام عن التوراة وأهلها، هل منهم تشمل كل من سيعمل بشكل صحيح من كل الأمم؟
د. هداية: هذا هو المقصود. هذا الذي يجب أن يكون عليه التدبر. الله تعالى عندما يضرب مثلاً في التوراة لماذا يضربه؟ حتى يستفيد أهل التوراة وعندما يضرب مثلاً في الإنجيل يضربه حتى يستفيد أهل الإنجيل فلما أهل التوراة يحرفوا يكونوا قد ضيعوا الفرصة بدليل أنه لا تقفل الأبواب بوجه أحد وإلى اليوم الباب مفتوح لمن أراد أن يدخل أو أراد أن يخرج. من أراد أن يدخل في الإسلام فأهلاً وسهلاً ومن أراد أن يخرج من الإسلام فمع السلامة! نحن نتكلم بصدق لو أراد فلان أن يتنصّر أو يكفر فهو حُرّ.
المقدم: هذه الحساسية لم تكن موجودة، والمولى سبحانه وتعالى تشاء إرادته أن تحصل بعض الأحداث التي تمثل اختبارات وفلاتر حتى يُخرج المنافق.
د. هداية: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ (60) الإسراء) هذه واحدة، والقِبلة فتنة والإسراء فتنة. يعني لماذا حصلت هذه الأحداث؟
المقدم: لأن الإسلام يحتاج إلى رجال.
د. هداية: نعود للآية (وسعى لها سعيها) لم يقل وسعى لها سعيها وانتهى الأمر إنما قال (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ (19) الإسراء). (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) هذه آية تحتاج إلى مائة حلقة! حتى وهو مؤمن لا يعني أشهد أن لا إله إلا الله فقط وإنما هي عقيدة، عندما تقول أنا مؤمن يجب أن تثبت ذلك وتُظهر الدليل الذي هو العمل. قال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منهم) عندنا (من) تأتي لبيان الجنس مثل قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ (30) الحج) لبيان جنس الصنف، هذه ليس من للتبعيض، عليك أن تجتنب كل الأوثان وليس بعضاً منها، (من) هنا لبيان الجنس. وكذلك في ختام آية الفتح لكن توقيع الآية فيه لفتة وكأنه يريد أن يقول لك هل كل الذين مع محمد يستوجبوا الجنة؟!
المقدم: أم يجب أن يؤمنوا ويعملوا صالحاً؟
د. هداية: هذه هي المسألة. وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات. الفاعل في الأداء حتى يكون لي حق في الجنة لك أنت. والوعد من الله تعالى لمن يؤمن ويعمل صح منكم. إذن الجنة ليست لمجرد أنك قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! البعض يعجبهم الحديث "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" وقلنا لهم أكثر من مرة خذوا النصّين والروايتين للحديث ففي الرواية الثانية "من قال لا إله إلا الله مصدّقاً بها قلبه حرّم الله عليه النار" فإذن لا إله إلا الله هنا ليست كلاماً فقط وهذه المسألة التي ذكرناها في كفار قريش لأنهم لو فهموا أن الشهادة مجرد كلمة كما فعل اليهود في المدينة لكانوا قالوها ولذلك قلنا أن الكفار أحسن من المنافقين لأن الكافر فهم أن قوله أنا معك ستستوجب منه عمل فلم يقولوها بدليل أن هناك كثير منهم تأخروا حتى أعلنوا إسلامهم. تأخروا لأنهم رأوا أنه عندما ينطق الشهادة عليه أن يقرنها بالعمل فوراً. الكافر أجّل إسلامه وربنا سترها معه لكن أنت أيها المسلم لماذا تؤجِّل؟!
المقدم: لماذا بعض الناس اليوم تتصور أن الذي حصل مع الصحابة مثل نوع مثل الأساطير التي تأتي في الروايات وفي أفلام الخيال العلمي. مثال تطبيقي العرب قبل الإسلام كانوا يعتبرون الخمرة عندهم بمثابة الماء فكانت شربهم وإرواء عطشهم فلما تنزل الآية الحاسمة (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) المائدة) فهل الناس الذين قالوا حينها أول ما سمعوا الأمر "انتهينا يا رب" هل كانوا بشر غير عاديين؟ أو فوق مستوى البشر؟ هم بشر وأدمنوا الخمرة طويلاً! أقارن هؤلاء بمن لا يزال يشرب البيرة الباردة مع بعض المقبلات وأقرنهم بمن لا يزال يدخن السجائر والشيشية والمخدرات ومن لا تزال ترفض الحجاب وعلى الذي يزنون، هؤلاء لو سمعوا اليوم أن كل هذا رجس من عمل الشيطان فهل أنتم منتهون؟ هذا سؤال من رب العالمين من سيترك هذه الأمور طاعة لله وخوفاً من عقاب الله؟، فماذا سيجيبون؟ هل سيقولون نحن أدمنا هذا الأمر وحاولنا التوقف ولم نتمكن.
د. هداية: الأجمل مما ذكرت أن في الآية وعد من الله الذي لا يُخِلف وعده سبحانه. هذا وعد من الله تعالى رب العالمين بالجنةّ هذه ضمانة. هذه الآية كأن فيها عقد بين إله إذا تكلم صدق ليس هناك أي ذرة شك فيه وأنت في الطرف الثاني فماذا ستفعل؟ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) أنا أرى هذا الكلام بخس جداً بالنسبة للجنة، وعد الله مغفرة وأجراً عظيماً. وجاءت المغفرة قبل الأجر لأنها هي التي ستعينك على إكمال الطريق بعد أن تقع، أول ما قلت أستغفر الله يغفر لي، هذا الوعد يطمئنك المولى تعالى أنك إن قلتَ تُبت يقبلك الله توبتك. وأحياناً تأتينا اتصالات تسأل هل معقول ربنا سيغفر لي؟ تسألأه ماذا فعلت؟ لو كانت ذنوبك مثل زبد البحر وقلت أستغفر الله يغفر لك لأن الحياة بدأت بالتوبة. وسبق وذكرنا أن تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) يبدو من الفعل (تلقى) أن آدم هو الفاعل لكن لو تدبرنا الاية نجد أنه ليس الفاعل وإنما هو تلقى من الله تبارك وتعالى الذي أعطاه التوبة ومع ذلك جعله الله تعالى الفاعل وقال (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) هذا الفضل الإلهي. في هذه الآية أيضاً كذلك كأنك أنت مسلم أقول لك تعال وقّع على عقد مضمون من الله تبارك وتعالى، هذا وعد من الله. مقلوب هذه لما قالوا (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً (80)) فسألهم المولى تعالى هل عندكم عهد بذلك (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ) لأنهم لو أخذوا عهداً لكان عليهم أن يتأكدوا أنه سيحصل (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) إذن هم يؤلِّفون هذا الأمر. نحن عندنا مقلوب هذا الكلام (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) مِن مَن؟ منهم تحتمل أن تعني من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتحتمل أن تعني من أصحاب التوراة التي ضُرب فيها المثل كأن هذا الكلام صالح ويُصلح لكل زمان ومكان والباب مفتوح لم يُقفل إلى يوم القيامة مهما عملت ومهما حصل منك. من التركيبات اللغوية الصعبة جداً قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48) النساء) هذه جملة خطيرة في التركيب اللغوي لكن إذا أكملنا الآية (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء). أنت اليوم تقول إن الله لا يغفر أن يشرك به يعني المشرك يمكن أن يستنفر؟ هذه الآية تقول لا، لكن إذا أكملت الآية تجد أن الإجابة نعم لأنه لو عاد عن شركه لم يعد مشركاً فيُغفر له الشرك ويُغفر له ما دون ذلك.
المقدم: كل الآيات في القرآن الكريم تأخذنا إلى نور وفتح وعلم. ننتقل الآن إلى سورة الضحى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)) وطالما وقفنا عند أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم أسمع كثيراً الناس ما زالت تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما زال يتيماً وفقيراً وضالاً. هذه أحوال شاءت الإرادة الإلهية أن يولَد الرسول صلى الله عليه وسلم عليها (وسنخصص الحلقة القادمة للبحث في أمور قد تبدو بالنسبة لنا نحن ألغازاً مثل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم يتيماً وأمياً وعربي وقرشي ومن مكة ومن نسل إسماعيل وإبراهيم وصفاته) لكن ونحن نتكلم عن عقيدة سليمة أتساءل كيف يمكن للمسلمين اليوم أن يعتقدوا أنه صلى الله عليه وسلم يتيم وضعيف وفقير؟
د. هداية: لأنهم لم يفهموا القرآن. إذا قلت فلان فقير فأغنيته، ماذا سيبقى في بالك؟ أنه صار غنياً وانتهى الأمر. فما بالك إذا كان المتكلم هو المولى عز وجل؟! صياغة سورة الضحى غاية في الإبداع. هل لفت نظرنا قوله تعالى (ألم يجدك)؟ ما معناها؟
المقدم: البعض قد يفسرها بالطريقة العامية أنه (لقاك)
د. هداية: هي هكذا. لكن كيف؟
المقدم: أليس معناها أوجدك؟
د. هداية: هي معناها هكذا. أوجدك يعني أنت تفهم أن الله تعالى جعله يتيماً وهذا غير مستحب لعقيدتك أنت كمسلم. كيف ذلك؟ نقيس على الآية في قول إبراهيم عليه السلام (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) رب العالمين في هذه الآية شافي لكن نسأل سؤالاً من الذي يُمرِض؟ هل الإنسان يأتي بالمرض لنفسه؟ ربنا تعالى هو الذي بعث المرض أيضاً لكن الآية صيغت على هذا النحو ليعلمنا أننا كملسمين للإله الحق إذا كان عندنا ما لا يعجبنا فلا ننسبه إليه سبحانه. إبراهيم عليه السلام يقول (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) لم يقل من أمرضه؟ يقيناً الذي أمرضه هو الله لكنه نسبه إلى نفسه ونسب إلى الله تعالى الشفاء فقط وهذه صياغة القرآن للمسلم الذي يتكلم عن إلهه. قال تعالى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)) اليتم أمر غير مستحب فلا تنسبه لله وإنما انسب الذي يخرجه منها لله وهي (فآوى)
المقدم: إذن عملية النصرة ننسبها لله تعالى.
د. هداية: الثانية لله لكن لا تقلها أنت كمسلم، كن مؤدباً مع الله تبارك وتعالى. قال تعالى (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)) نقف هنا في جزئية ننبه المشاهدين لها. نسمع من بعض الدعاة أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عند هذه الآية وقال "إذن لا أرضى وأحد من أمتي في النار" هذا كلام فارغ وقلة أدب ولا ينفع أن ننسبه للرسول صلى الله عليه وسلم ولا أدري من أين أتوا بهذا الكلام؟!
المقدم: يقولون هذا حديث
د. هداية: هذا ليس حديثاً وهل يُعقل أن يكون هذا كلام رسول لإله؟! انظر إبراهيم عليه السلام لما تكلم في المرض والشفاء نسب المرض لنفسه ونسب الشفاء لله تعالى فهل يُعقل أن يقول محمد صلى الله عليه وسلم لربه "إذن لا أرضى وأحد من أمتي في النار"؟! هل هو رسول أم إله؟!
المقدم: البعض قد يفسر هذه المسألة من شدة رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمّته.
د. هداية: هذه ليست المسألة لكن لا يوجد حديث هكذا! هذا تصور بعض الناس للأسف الشديد مثل مسألة التشهد أن التشهد حصل في الإسراء والعروج أن الرسول قال التحيات لله والمولى رد عليه والملائكة قالت كذا هذا كلام فارغ ليس له أصل.
المقدم: هل الروايات غير محققة؟
د. هداية: بالعكس، كل أهل الجرح والتعديل وكل أهل الفقه وأهل العلم الحديث قالوا لا أصل لهذا الكلام.
المقدم: لكن الناس يعجبهم هذا الحديث جداً.
د. هداية: هذه هي المشكلة. حتى في شرح الصلاة قالوا لا أصل لهذا الكلام. فأنت اليوم عندما تكذب على المولى عز وجل أو تكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ماذا تريد أن تصل؟!
المقدم: في هذه الجزئية بالتحديد هناك آيات في سورة النساء تتحدث عن شيء مشابه لما نتكلم عنه وهي مسألة أن تنسب الخير لله، أسأل السؤال ونجيب عنه بعد الفاصل. في الآية 78 من سورة النساء يقول تعالى (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)) يقول تعالى أن كل شيء من عند الله الخير والشر لكن في الآية التي بعدها قال تعالى (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79))
د. هداية: هذا توصيف (يجدك)
المقدم: في الآية 78 قال (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) وفي الآية (79) قال الحسنة من عند الله والسيئة من نفسك. ما السر في الآيتين؟
د. هداية: هذا توجيه من الله، هذه الآية توصيف يوقّع لك المولى تعالى كيف يتم وكيف تقتنع أنت به. أولاً (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) هذا شيء ليس فيه مناقشة
المقدم: الابتلاء بالخير والشر
د. هداية: تماماً. المرض كان عند إبراهيم من عند نفسع أو من عند الله؟ من عند الله لكنه صاغه لنفسه (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). المرض ليس سيئة وإنما المرض هو نوع من أنواع الابتلاء لكن يقين المسلم الواعي أن أي بلاء (وليس ابتلاء) أي شيء ضار يكون نتيجة ذنب ارتكبه هو هذا ما يفهمه هو ولا يُرفَع هذا البلاء من وجهة نظر المسلم الواعي إلا بتوبة كأن الشيء الذي لا يعجبك في الدنيا بمثابة إيقاظ لك ليبقى الإيمان. البعض يقول من أسماء الله الحسنى الضارّ، انظر إبراهيم عليه السلام كيف نسب المرض لنفسه والشفاء لله تعالى. اليتم عند محمد صلى الله عليه وسلم أنت تراه مسألة غير مستحبة لكن تخيل يتيم يأويه الله! هذا الإيواء يقوم بإزالة اليتم، أي يُتم بعد هذا الإيواء؟! إذن الآية الأولى (78) في سورة النساء توصّف والثانية (79) توقّع كيف تفهم أن الذي من عند الله هو بسبب أنني ارتكبت غلطة أو عملت سيئة استوجبت هذا العقاب.
المقدم: إذن الأمور الجيدة والخير والرزق ربنا تعالى يعطينا إياه لكن عندما أعمل ذنوباً يحصل لي بعض الأمور السيئة لا على سبيل أنها عقوبة نهائية
د. هداية: ليست عقوبة نهائية وإنما على سبيل أنها لفت نظر دنيوي لأستيقظ.
المقدم: إذن كل من عند الله لكن السيئة هي بسبب شيء أنت عملته
د. هداية: ليجعلك تعي هذه المسألة ويفهمك كيف تمشي في ذهنك أنت.
المقدم: إن الرجل ليُحرم الرزق بسبب ذنب يصيبه.
د. هداية: وحديث موسى والرجل الذي عصى الله أربعين سنة في حديث الاستسقاء (الحديث فيه ضعف ولكن معناه جيد). المولى تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم (ألم يجدك يتيماً فآوى) لم يقل ثم آوى وإنما قال (فآوى) مباشرة. الذي آواه الله عندنا فريقين فريق لم ينتبه لهذه المسألة وما زال يقول أن الرسول يتيم وفريق تزيّد كثيراً وقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "أدبني ربي فأحسن تأديبي" هذا الكلام لم يحصل وهذا ليس حديثاً ولم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم. ألم يئن الوقت لعدم التقول على الله تعالى أو على الرسول؟ قال تعالى (ألم يجدك يتيماً فآوى) انتهت المسألة لم يعد يتيماً. (ووجدك ضالاً فهدى) هل ستقول عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضال؟ طبعاً لا يمكن. ما معنى الضلال هنا؟
المقدم: البحث عن القِبلة
د. هداية: ليس الضلال هنا مثل معنى (ولا الضالين). هذه مثل إبراهيم عليه السلام عندما ذهب يبحث عن الإله الحق بعد رفضه لكل الآلهة التي كان قومه يعبدونها. والتجربة بيّنت أن الباحث يدقق في أمور لم يكن يدقق فيها قبل أن يبحث، إبراهيم عليه السلام لم تكن المرة الأولى التي يرى فيها الشمس والقمر والكواكب لكنها المرة الأولى التي تدبر فيها. إذن هو هنا باحث لذلك قال (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) هذه المسألة تبين أن الباحث يأخذ ثوب التدقيق (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا) ليست أول مرة يرى فيها إبراهيم القمر بازغاً لكنها أول مرة يراه وهو يبحث. وكان الإله عند إبراهيم عليه السلام له مواصفات وشروط بدليل أنه قبل أن يعرفه قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام) قبل أن يعرفه. فلما نسمع (ألم يجدك ضالاً فهدى) هل ستقول أنه صلى الله عليه وسلم ضالّ؟
المقدم: لا
د. هداية: (ووجدك عائلاً فأغنى) عائلاً بمعنى فقير لكنه قال (فأغنى) والإغناء هنا ليس على شكل نزل له كما طلب منه كفار قريش ليكون جديراً بأن يكون رسول.
المقدم: الغنى يربطه الناس دائماً بالنقود.
د. هداية: كفار قريش طلبوا منه ذلك قالوا لو كان معه ملك أو اسورة من ذهب (أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ (12) هود)، هؤلاء يشترطون على الإله؟! هل هم عباد أم معبودون؟! فقال تعالى (ووجدك عائلاً فأغنى) لكن أغنى هنا على مراد الله، أن يقنّعه بما عنده، أن يعطيه أو غيره وأنت كمؤمن عليك أن ترضى بما قسم الله لك.
المقدم: هل هناك مشكلة أن من ضمن معنى أغني تعني أن جده وعمه ربوه وكفلوه وهم ليسوا فقراء وتعهدوه بالرعاية والإنفاق ثم عمله صلى الله عليه وسلم بالتجارة ورعي الغنم ثم زواجه بخديجة رضي الله عنها وأرضاها إذن نحن نتكلم على شخص ليس فقيراً في مستواه المادي؟
د. هداية: هناك فرق بين فقير وعائل. التعبير القرآني (ووجدك عائلاً) ثم قال له طبق ما حصل معك من المولى في الناس فقال له وليس الكلام للرسول بقدر ما هو للأمة (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)) لأنه (ألم يجدك يتيماً فآوى)
المقدم: طالما آواك المولى فلا تقهر أنت اليتيم.
د. هداية: ثم قال (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)) السائل هنا تقابل (ضالاً) عندما تجد سائلاً والسائل يكون ضالاً لأن الناس تأخذ كلمة السائل على أنه الشحات وإنما السائل هنا هو السائل عن الطريق وعن الهداية لأنك أنت رسول، هو يكلم رسولاً (وأما السائل فلا تنهر) لأن السائل ضال وحيران فاصبر عليه.
المقدم: كيف نطبقها الآن على أمة محمد إذا جاءنا واحد تائه؟ لا أنهره ولا أكفّره.
د. هداية: خذه بالراحة، القرآن مبدع في قوله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (125) النحل) وإن كان سيكون هناك جدال (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقال في آية أخرى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت).
المقدم: والآية تكمل بإبداع أن هذا الأمر يحتاج لصبر (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت).
د. هداية: علينا أن نفهم الكلام جيداً في الآيات. سورة الضحى عندما نرى ترتيبها في النزول نجد أن سورة الشرح جاءت بعدها مباشرة وكذلك ترتيبها في الكتاب وكأن هذه القضية لا تنفصل نزولاً عن جمعاً. في النزول جاءت سورة الضحى ووراءها سورة الشرح وفي الكتاب جاءت سورة الضحى ووراءها سورة الشرح، لماذا؟ عندما ترى التعبير القرآني يقول له (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)) الآخرة هنا بمعنى آخر مرة يأتيك الوحي وليست بمعنى الدار الآخرة. الله تعالى يتكلم عن انقطاع الوحي (ولآخر مرة يأتيك الوحي خير لك من الأولى التي سبقت وهكذا حتى يأتيك اليقين) هذا المعنى ويؤكد له هذا الكلام بأنه لم يقلاه بدليل قوله (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8))
المقدم: يعني ألم أفعل لك كذا وكذا وكذا؟
د. هداية (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)) (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)) وبعدها (ألم نشرح لك صدرك) أنت مستغرب؟ وأنتم لماذا تستغربون؟! الشرح هنا ليس شق الصدر كما يقول البعض ولكن نأخذها بعمق أكثر لأنه ساعة يتحول هذا الأمي ببقائه على أميته يصبح إمام العلماء أليس هذا شرحاً؟
المقدم: هذا إعجاز.
د. هداية: الآيات يجب أن تسير في نطاق ما أراده الله (ألم يجدك يتيماً فآوى – فأما اليتيم فلا تقهر) (ووجدك ضالاً فهدى – وأما السائل فلا تنهر) (ووجدك عائلاً فأغنى – وأما بنعمة ربك فحدث) كل واحدة مقابلها عمل كأن القرآن يعلمنا أننا عندما نكون في نعمة علينا أن نقدم مقابلها ولذلك قال تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)) لأنهم سيقولوا عنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مجنون مسحور. قبل أن يقولوا جاءت سورة القلم وكأن المولى تعالى نبهه لما سيقال عنه وجاء بها بصياغة تؤكد نفي الصفة عنه (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ثم قال (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)) يعني غير منقطع أو غير مفصول يعني لن يتوقف. إذن لو تدبرنا هذه الآية نجد أنها تعني أنه لن ينقطع الوحي عنه صلى الله عليه وسلم. (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) لأنهم سيقولون عنه كذاب، انظر منذ متى يقول له هذا الكلام فإذا كنت تعلم أنه صلى الله عليه وسلم قيل عنه منذ زمن (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) ثم تقول عنه كذاب تكون أنت الكذاب. الذي خقه هو الذي وصّفه. فسورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ما هي هذه العطاءات هنا؟
المقدم: عطاءات بلا حدود.
د. هداية: إذن لا تستغربوا الإسراء وسورة الضحى كانت قبل الإسراء بكثير، قال له (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فإذا اعتبرت الإسراء معجزة وأنها تكريم فقد قال له قبلها (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقبلها في سورة الليل قال (ولسوف يرضى) طبعاً هنا يقولون أن الآية تتكلم عن أبي بكر ونقول لهم لا تخصصوا القرآن على أمر محدد وإنما على هذا المثال لأن هذه السورة تتكلم عن صنفين من الناس والدنيا هكذا ولا يوجد بين بين لأنه سيضطر أن يدخل تحت صنف من الأصناف في يوم ما إما أبيض وإما أسود. في سورة الليل قال تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)) هذا صنف (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)) هذا صنف آخر. هل لاحظت كلمة (نيسره)؟
المقدم: يعني إختيارك البشري للطريق الذي ستمشي عليه ربنا سييسره لك وهذا الكلام يطبق في هذه الأيام على رجل كل تجارته حرام تجد أموره تسير على شكل ممتاز وتجارته تكسب وبركة في المال!
د. هداية: نلاحظ الآيات (فسنيسره لليسرى) مقبولة لكن (فسنيسره للعسرى)؟! هو الذي يريد هذا! لأنه (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ (18) الإسراء) (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ (19) الإسراء) لما يقول (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) هذا في الآخرة أما في الدنيا (فسنيسره لليسرى).
المقدم: نختم الحلقة بسؤال صعب: القرآن الكريم يقول (فسنيسره لليسرى) لكن المراقب والمتابع لأحوال بعض الملتزمين يجدها صعبة جداً ومليئة بالابتلاءات وتعرض عليه رشوى بمليون جنيه في الحرام وهو مرتبه خمسمائة جنيه في الحلال، موظف بسيط قد يضعف بعضهم ويرتشي لكن هناك من يقول لا، السؤال أن بعض الأشخاص يرفض الرشوة ويعيش بمرتبه القليل ولديه التزامات ولا يعرف من أن يسدد أقساط المدارس لأولاده أو يدفع علاج زوجته المريضة أو يدفع إيجار البيت فيظهر للناس أن المسألة غير ميسرة على الإطلاق بل هي عملية صعبة وكلها ابتلاءات ومشقة فأين التيسير؟
د. هداية: أنت قلت أنها ابتلاءات كأنها فُرص لينجح، نيسره لليسرى أن ينجح أن يصبر وأذكّرك بآية في ختام وصف عباد الرحمن (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) وضع مليون خط تحت صبروا.
المقدم: يا رب اجعلنا من الصابرين. جزاكم الله كل خير يا دكتور، أسئلة كثيرة نطرحها ونحن في هذه المرحلة الاحتفالية ليست حلقة ولا اثنتنان ولا يوم ولا مولِد وإنما احتفل بنيك صلى الله عليه وسلم في كل فعل وكل تصرف في حياتك وقسه على المنهج وإما أبيض وإما أسود. أسئلة كثيرة سنطرحها إن شاء الله في اللقاء القادم عن مولد الرسول (وليس المُولِد) وإنما أقصد ولادته، مكة، عربي قرشي من نسل إبراهيم وإسماعيل، وسنتكلم بإذن الله عن موضوع السحر الذي قيل عنه طالما تكلمنا عن مسألة اليتم والأمية والضلال والصفات التي ما زال الناس تلصقها بالنبي صلى الله عليه وسلم، سنتكلم عن مسألة السحر ونتكلم عن ولادته صلى الله عليه وسلم حتى تعم الفائدة بإذن الله. نراكم على خير، سلام الله عليكم.

ميارى 2 - 7 - 2010 02:58 AM

الرحمة المهداة 4


تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. اليوم وقفة مع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسئلة كثيرة سألناها وتحتاج إلى وقفة. الرسول صلى الله عليه وسلم يولد في مكة؟ يولد في قريش، لماذا قريش؟ ولماذا عربي؟ ظروفه؟ لماذا يتمه؟ ظروف أميّته؟ لماذا؟ ظروف كثيرة في شبه الجزيرة العربية؟ لماذا؟ الدعوة تبدأ من مكة ولا تشتد إلا في المدينة، المجتمع المسلم يكون في المدينة المنورة ويكذبه أهل مكة، لماذا؟. أسئلة كثيرة جداً لأنها متعلقة بسلامة العقيدة وبسلامة الرسالة والدعوة الإسلامية التي أنارت مشارق الأرض ومغاربها. أرحب بحضراتكم وأرحب بضيفي الدكتور محمد هداية. في اللقاء الفائت أردنا أن نشير إلى موضوع السحر قبل أن نجيب على الأسئلة التي طرحتها لأنه متعلق بسلامة العقيدة يقولون أن السيدة عائشة روت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخيل إليه أنه يأتي الأشياء ولا يأتيها وأن الملائكة جاءت للرسول وجلسوا عنده وقال أحدهم إن الرجل مطبوب أي مسحور، من الذي سحره؟ قالوا فلان، ماذا فعل؟ قالوا مشط وشعر وموجودة في بئر في مكان ما، إلخ.... هناك ناس قالوا هذا شيء طبيعي حتى نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر ويعلمنا كيف نقي أنفسنا من الأعمال والنفاثات في العقد والسحر. والبعض قال لا، والله تعالى يقول (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) فكيف يعصمه من الناس ويدع بعض الناس يسحرونه؟ فأين الحقيقة؟
د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. طبعاً هذه االقضية من أخطر قضايا العقيدة وأنا أحمد الله تعالى أن مثل هذه الأمور موجودة حتى نبدأ نتحرك في مسألة الأحاديث. الذي يجب أن نفهمه أن القرآن لا يستطيع مخلوق لله تبارك وتعالى أن يقول أن هذه الآية أنا أشك أنها لم تكن موجودة أو لفظها غير صحيح لأنه من عقيدتك أن المولى تبارك وتعالى أجرى التجربة الحيّة في مسألة التوراة والإنجيل وفي القرآن قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) وقال عز من قال (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (42) فصلت).
المقدم: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) ما المقصود بتعبير (من بين يديه)؟
د. هداية: من بين يديه يعني حال إنزاله على رسول الله الآن، وكلمة خلفه يعني إلى يوم القيامة. لا يأتيه الباطل ساعة نزوله ولا من بعد اكتماله.
المقدم: لن يأتيه باطل ولا يعتريه شك ولا يمكن لأحد أن يفسد فيه. ويمكن محاولى الفرقان العظيم والكتاب الموحد تبوء بالفشل الذريع.
د. هداية: بالنسبة للأحاديث التجربة وضحت أن درجة الحديث عند أهل علم الحديث، عند أهل الجرح والتعديل نقول أن هذا الحديث صحيح أو حسن أو ضعيف إلى أن نقول ضعيف أو باطل أو موضوع. قضية مثل سِحْر الرسول ما الحكمة منها؟ ما الغرض منها؟ إذا قلت الحكمة منها أن يُظهر بشريته صلى الله عليه وسلم لقلت ان القرآن كان يجب أن يتضمن هذا الموضوع، أنا أناقش الأفكار التي يقولها الناس. الجماعة الذين يقولون كان يجب أن يُسحر لأنه بشر، فلماذا لم يتضمنها القرآن صراحة حتى يكون التأكيد على بشريته مسألة واضحة. عندما يقول القرآن ويؤكد عكس هذا المفهوم ماذا سيكون رأيك؟ القرآن يؤكد لك أن بشريته في الآية (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يقول له (بلّغ) الآية تتكلم في إبلاغه الرسل أو المنهج أو القرآن أو الكتاب ويقول له أنت ستبلِّغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) وعندما يبلّغ يجب أن يأخذ قبلها ويتلقى ثم يبلغ. وعندما يفعل هذا يجب أن يكون سليماً ومدركاً ومستوعباً وواعياً. ثم لما يُعطي يعطي كل واحد على قدر فهمه يعني تحتاج لنوع من أنواع الوعي والإدراك وسلامة الفطرة. ثم طمأنه تعالى فقال أنت عليك البلاغ وأثناء هذا الأمر (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لأن الناس في هذه الآية إما تريد أن تتلقى منه لتؤمن أو تريد أن تسكته أو تقتله. الناس منقسمة على اثنين ناس يريدون أن يأخذوا منه مثل الصحابة وهؤلاء الذين آمنوا به وهؤلاء يريدون منه المزيد، والقسم الثاني لا يريدون سماع صوته، لا هم يريدونه أن يقول ولا يريدون لأحد أن يسمعه! هم ضد أن يتكلم فلهم هدف أن يسحروه أو يقتلوه. لو أنا صدّقت أنه صلى الله عليه وسلم سُحِر - نحن لم نستعرض القرآن بعد - أولاً الحديث مضحك، وكونه في البخاري لا يعني أنه قرآن. وهنا النقطة الفاصلة في أن القرآن لا يمكن أن نتكلم فيه لكن الحديث يمكن أن أتكلم فيه حتى لو كان في البخاري. والعيب في البخاري ولا في السيدة عائشة (لأن البعض يقولون هذا حديث آحاد) ولا في رواة الحديث ولكن العيب فيمن دس الكلام وقالت أن عائشة قالت وعائشةلم تقل وهذا الحديث الموضوع. الأحاديث الموضوعة يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل ويقولون (قال رسول الله). أولاً لم يقل في الحديث ملكان وإنما قال جاءني رجلان واحد جلس عند رأسه وواحد عند رجليه، في رواية مسلم أمر مضحك يقول "فقال الذي عندي رأسي للذي عند ردلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي! هل ما زال مسحوراً؟! وهل يتكلم وهو ما زال تائهاً؟! نحن نضطر إلى قول هذا الكلام ونحن نتكلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بكل تقديس واحترام لكننا نضكر إلى مراجعة الرواية في مسلم لأنها مضحكة. المسحور بنص الحديث الذي يرونه في البخاري ومسلم أن السيدة عائشة قالت أن الرسول كان يعمل الشيء يعني يأتي النساء ويهيأ له أنه لم يأتيهن، أو لا يأتيهن ويهيأ له أنه أتاهنّ، هل هذا كلام؟! هل متصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال تعالى في حقه (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) كيف يعمل الرسول الأمر ويتهيأ له أنه لم يعملها؟! لما يعطيه جبريل وحي يجده غير جاهز للتلقي؟! أويعطيه الوحي وهو سليم ثم يُهيّأ له صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أو لم يأخذ.
المقدم: الروايات تقول أن الذي سحره لبيد وهو يهودي، وأنا أشم رائحة اليهود في الموضوع، وأربكها بحديث اليوم الصحف قالت اليوم أن بعض الكهان أو الحاخامات وأحبار اليهود اعترفوا بأنهم كانوا يعملوا أعمال وعروسة (ويشكشكوها) وهم الذين قتلوا عبد الناصر وأنه لديهم السحر السفلي والسحر الأسود. لما قرأت هذا الكلام ضحكت وقلت إذا كانوا قتل عبد الناصر كما يدعون فلماذا انهزموا في حرب اكتوبر في 76 ولماذا لم يقتلوا السادات؟
د. هداية: غير ممكن، أنا سأسأل عن أمرين: هم قالوا قتلوا عبد الناصر فلماذا لم يقتلوا السادات؟ عبد الناصر كان يريد أن يهزمهم لكن ربا لم يمكنه لكن السادات طالهم فهل هم يحبون الرئيس حسني مبارك ولهذا تركوه؟! هم لو بإمكانهم الوصول إلى أي شخص عندنا لقتلوه! فهذا كلام مردود عليه من تلقاء نفسه. هل كانوا يحبون السادات فتركوه؟! أو يكرهوا عبد الناصر فقتلوه؟! النقطة الثانية سُحر الرسول والسحر لم يعمل فلماذا لم يسحره ثانية؟! هل كان لديهم تعليمات بسحره مرة واحدة؟! كان يمكن أن يسحر مرة واثنين. نص الحديث يقول أنه سُحر فلماذا لم يفعلوها ثانية؟! لم لم يسحروا أبو بكر الصديق؟ لم لم يسحروا الصحابة من حوله؟ لم لم يسحروا زوجاته؟ هم كانوا يقولون عنه صلى الله عليه وسلم أنه مزواج فلماذا لم يفرقوا بينه وبين زوجه؟ لماذا لم يدمروا له البيت من الداخل؟، أو يفضوا الصحابة من حوله؟ أقول للناس لو قبلتم هذا الحديث فقد أهنتم الله، (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) من المتصدي؟ المتصدي هو الله تبارك وتعالى فلما يقول له تعالى (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) القضية ليست في محمد صلى الله عليه وسلم وإنما القضية في قدرة الله سبحانه وتعالى. ثم قضية أخرى إذا أصابوا مرة فلماذا لم يكرروها ثانية وثالثة ورابعة؟ لماذا لم يطلقه من نسائه؟! لماذا لم يفض الصحابة من حوله؟! هذا كلام يحتاج إلى وقفة. والحديث في مسلم مضحك لأنه يتكلم وهو شاكك هو يتكلم على حد زعم الرواية أنه يقول للسيدة عائشة الرجل الذي على رأسي يقول للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي يقول للذي عند رأسي!، كأنه ما زال مسحوراً إلى تلك الحظة!. ثم تبين الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه من يقول له ماذا يفعل لفك السحر لكن ماذا يفعل الآخرون الذين يُسحرون؟! هل نتّهم الرسول أنه قصّر في هذه المسألة؟ حاشاه.
المقدم: إذن الآيات؟
د. هداية: لو استعرضت الآيات لتبين لك أنه لم يُسحر. والمبدع في الآيات وعظمة هذا الكتاب أنه مليء بالإعجاز؟ هذا الموضوع جاء في سورتي الإسراء وفي الفرقان (بحسب ترتيب الكتاب). لو نظرت إلى الآيتين نجد أنها وردت بالفعل الماضي في الفرقان وبالفعل المضارع في الإسراء. لما نراجع ترتيب النزول نجد أن الفرقان 42 والإسراء 50 في ترتيب النزول. يعني الفرقان قبل الإسراء. نجد في الفرقان (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (8)) (وقال) وفي الإسراء (إذ يقول)، في الفرقان بالماضي وفي الإسراء بالمضارع، آية الإسراء رقم 47 (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا) فعل مضارع لو قلتم أنه سُحر فإذن كلام الظالمين صحيح. عندما تسمع ويكون القرآن قد وقع. لو سمعتها كرجل مؤمن (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) هل يكون كلامهم صح؟ لا طبعاً. وعندما أقول لك أنه سُحر في الحديث؟
المقدم: أكون أوقع آية.
د. هداية: هؤلاء يهرجون! تخيل أنه لم يجرؤ إنسان حتى اليوم أنه يعمل جرح وتعديل في البخاري لأنهم يقولون هذا البخاري! في الأرياف عندنا يقولون هل أنا أخطأت في البخاري؟ هو عنده أن يخطئ في القرآن ولا يخطئ في البخاري! كان هناك شيخ يصحح لواحد آية فقال له هل أخطأت في البخاري؟ هو أخطأ في القرآن لكنه يقول له أنت تصحح لي هل أنا أخطأت في البخاري؟ انظر إلى هذا المفهوم عند الناس؟ وأنا أكرر ثانية حتى لا يفهمنا الناس خطأ نحن لا ننكر السنة لكن في المقابل لا نقدس البخاري، نحن لا ننكر السنة لكن في المقابل لا نقدس صحيح مسلم. إذا كان هناك حديث موضوع في البخاري فالعيب ليس في البخاري ولا في السيدة عائشة وإنما العيب في الذي وضعه لهدف وحكمة.
المقدم: أنا أرى أن العيب ليس في الذي وضعه لأنه كافر أصلاً وإنما العيب في التلقي يعني العيب فينا، لأننا بعد 14 قرن هجري لا زلنا نخاف أن نتدخل بفهمنا المعاصر بلجنة علمية لتنقية السنة، هذه دعوة لمراجعة أنفسنا حتى لو كان هناك ما يحتاج إلى مزيد من الجهد يوفقنا الله تعالى.
المقدم: ننظر في سورة الفرقان حسب ترتيب النزول، الآية 8 من سورة الفرقان (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا)
د. هداية: انتبه للصياغة القرآنية (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا) في الآيتين متشابهة لكن الفرق في الفعل مرة قال (قال) بالماضي ومرة قال (يقول) في الإسراء (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47)). في الفرقان قال (إن تتبعون) (إن) هنا بمعنى النفي ومعها (إلا) هذا يذكرنا بأسلوب القصر، النفي والاسثناء يعني القصر (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا). إن قلت أنت بسحر الرسول من الحديث إذن هذه الآية خطأ، إذن أوقعت الآية، لكن الذي يقول هذا الكلام إنسان ظالم إذن لا يمكن أن يكون كلامه صح، الظلم هنا جاء نتيجة أنه افترى على الرسول صلى الله وسلم أمراً لا يمكن أن تحصل.
المقدم: لهذا في الاية 9 في سورة الفرقان قال تعالى (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) فضلوا فلا يستطيعون سبيلا في تحقيق ما يتهمون به النبي.
د. هداية: لا يستطيعون سبيلاً في أن يصلوا لك. لكن ننتبه إلى عظمة الأداء القرآني (وقال الظالمون) لما يقول في الإسراء (إذ يقول) يعني هم مستمرون، يعني لم يطالوه لأنهم لو طالوه كان سُحر وانتهى الأمر. أقول لك أنا أرى أن فلان سيموت ولما أعود بعد سنتين وأقول لك فلان سيموت يعني أنه لم يمت لأنه لو مات لما قلت شيئاً، لكن لو جئت بعد فترة وكان الرجل مات فعلاً أقول لك أرأيت أنه مات. فلما أستخدم الفعل المضارع وأتكلم بنفس التوصيف إذن أنا لم أصل للذي أريده وهو سحر الرسول وما زلت أنا ظالماً والمظلوم لم يطالوه، هكذا نفهم المعنى لو كنا نريد أن نتدبر. (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) هم يكلّمون أتباع محمد وهذه تحتمل الكلام مع الذين سيتبعون فيما بعد أيضاً.
المقدم: وهذه كانت نوعاً من الحرب النفسية التي كانوا يستعملونها فكانوا يقابلون القوافل التي تأتي من خارج مكة ويقولون لهم ستقابلون رجلاً إسمه محمد بن عبد الله هذا الرجل كذاب ومجنون ومسحور فإياكم أن تسمعوا كلامه لأنكم لو سمعتم كلامه سيؤثر عليكم ويسحركم ويشدكم له.
د. هداية: عندما يقولونها بهذه الطريقة تدل على أنهم حاولوا واما تتكرر بالفعل المضارع في الإسراء تدل على أنه لم يطالوه فهذا يدل على أن الآية (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) تحققت. إذن هم حاولوا يسحروه لكن الله تعالى سبحانه وتعالى عصمه (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فالذي وضع الحديث يريد أن يوقع القرآن ويريد أن يفسد عقيدتك. أنت لما تسمع الحديث وتتبع هذا الرجل فأنت تتبع رجل مسحور فعلاً لأنهم يقولون أنه سُحر. لكن الذي بعدها أذكى من هذا التخلف (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) نتوقف عند كلمة (انظر) هذه الكلمة في أصل اللغة تستخدم للرؤية لكن في عمق المعاني تستخدم للتدبر.
المقدم: كما تقول لشخص انظر حكمة ربنا
د. هداية: يعني تدبر. فيقول له تدبر يا محمد والكلام للأمة كيف ضربوا لك الأمثال، ما هو الضرب؟ الضرب أن يخبط جسم بجسم، المفروض أن تضرب الضعيف بالقوي. لما ضرب الرجل الحجر بعصا انكسرت العصا فقال:
كضارباً الحجر بالعصى ضربت العصى أم ضربت الحجر
ضربت الحجر بعضا ضعيفة فانكسرت العصا فأنت تضرب مَنْ فيهم؟ الضرب يكون بشيء قوي لشيء ضعيف وضرب المثل كما أن (انظر) أُخذت بعمق المعنى في التدبر كذلك الضرب أُخذ من ضرب شيء بشيء إلى عرض أمثال. ما هي الأمثال؟ تخيل هذه الكلمة لتقي الرسول من أن يقول له أنهم قالوا عنه ساحر وكذاب وهذه الكلمة استبدلها المولى عز وجل بكل هذا. لأنهم قالوا عليه ساحر، كذاب، أشر، (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) الحجر) فبدل أن يقول له أليس هؤلاء الذين قالوا عنك كذا وكذا وكذا ليعلي الرسول أنه في آية واحدة يجمع له كل الذي يقال عملها أنها أمثال والأمثال لا تكون حقيقة إذن هو ليس شاعر ولا مجنون وكذاب ولا مسحور بل أنتم كذلك.
المقدم: لذلك قال لهم تعالى (فضلّوا)
د. هداية: ما معنى ضلوا؟ لما قالوا ساحر وقالوا مسحور، لا يمكن أن تجمع بينهما لا يمكن أن تكون ساحراً ومسحوراً في آن واحد. نسأل سؤالاً: من أول من سجد لموسى؟ السحرة، الفت نظر المشاهدين إلى أن موسى لم يعمل سحراً وإنما المولى عز وجل قلب العصى فعلاً ثعبان.
المقدم: فهم رأوا انتقال مادة من حال إلى حال.
د. هداية: لكن السحرة كانوا يسحروا أعين الناس فيبقى الحبل حبلاً لكن أنت الذي تراه ثعبان أما الساحر فيراه حبل فلما رأوا العصا تحولت إلى ثعبان فعلاً سجدوا. عندما تقولون ساحر ومسحور تكونوا قد أخطأتم في هذه النقطة لأنهم جاؤا بالشيء وعكسه.
المقدم: من ضمن العبارات أنهم يقولون "انقلب السحر على الساحر"
د. هداية: انقلب يعني انكشف. يعجبني المثل الذي يقول: تبيع الماء في حارة السقايين، معناه في اللغة (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ (29) الفتح) لا يعجب الناس العاديين وإنما يعجب صاحب الحرفة، صاحب الصنعة في صنعته فلما يُعجب بالصنعة صانعها فالذي صنعها أشطر من صانعها لأن صانعها في الحقيقة المفروض أن لا تعجبه هو يصنع صنعة مثلها وهو يريد أن يروج لسلعته والمفروض أن يقول للذي صنعا ما هذا الذي عملته؟ لكن لما تعجبه تكون كمن "وشهد شاهد من أهله". يعجب الزراع في الوقت الذي نهانا أن نقول على الفلاح زارع قال هذه مستعارة لعمل الآخرة، في الآخرة قل عليه زارع ولما الزارع يُعجَب تكون حاجة معمولة على غير سابقة مثال.
المقدم: ننتقل إلى الاية 10 ونعود قبلها للآية 7 (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)) (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا (10)) هو يكلمه عن جنات ويقول تبارك ويقول إن شاء؟ لماذا؟
د. هداية: لأنه لا يغير قضاءه. لا تقل لي ائتني بملك، حاضر فأنا إله، أنا الذي بين الأله وبين المعبود قضاء. ننتبه إلى التعبيرات القرآنية في مثل هذه المواقف، يقول تعالى (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هكذا القضاء (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ (29) ق) عندما ينفذ لك المولى تعالى ما تريده تكون أنت تعبده على مارد أنت وليس على مراده هو سبحانه. العبودية يجب أن تمشي على مراد المعبود وليس العابد. هم طلبوا جنة وإلهك يمكن أن يعطيك جنات وليس جنة. ثم استخدم فعلاً غريباً جداً (تبارك)، تبارك فعل ليس له مضارع ولا أمر وإنما يأتي بصيغة واحدة، تبارك يعني تنزّه عن أنه لا يمكن أن يعمل، إياك كمؤمن أن تشك في قدرته سبحانه وتعالى. تبارك يعني تعالى وتقدس وتنزه عن المثل الذي يضربوه أن ينزل معه ملك. ولو نزل معه ملك لقالوا نحن لا نفهم الملك، أو كان هذا سحراً لكن يجب أن تمشي المسألة على مراد الله لكن يبقى النص القرآني (قال الظالمون) (إذ يقول الظالمون). ما دام قالوا وما زالوا يقولون إذن محمد صلى الله عليه وسلم لم يُسحر. لأنه لو سُحر لدلت حالته عليه ولا يحتاجون إلى قول، هم قالوا وهو سُحر كان سيقولون انظر إلى حالته يتوه ويغيب وينسى أعطاك موعداُ ولم يأت، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي على مراد الله، يبلغ الدعوة على مراد الله، لا يطوله بشر لا بالسم ولا بالسحر لأن الآية تقول (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
المقدم: بعض الروايات تقول أن هناك محاولات لسمّه صلى الله عليه وسلم؟
د. هداية: المحاولات قائمة، طالما قالوا مسحور يعني هم حاولوا أن يسحروه.
المقدم: أنا أقصد الروايات تقول أن ربنا كان يوحي له أن ينتبه أن هذا الأكل مسموم أو أن رجلاً أتى عليه بالسيف فلماذا تخلى عنه عند السحر؟!
د. هداية: لأننا نحن نريد أن نروّج للسحر، فكيف تقتنع بسحرك؟ أن نقول أن الرسول سُحر. نحن عندنا لا نقول هو خايب او هي خايبة يقول هو مسحور. واحد يريد أن ينفضل عن زوجته فليطلقها، ثم يقول طلقتها وليس في يدي حاجة أنا مسحور!
المقدم: الكلام عن التفريق بين المرء وزوجه؟
د. هداية: هذا الكلام خاص في هذه الاية في هذا الموضع وإن شاء الله سنتكلم عنه بالتفصيل في حلقات السحر. يجب أن يصحو الناس، وأكررها ثانية إذا صدقت هذا الحديث تكون أوقعت القرآن، فينبغي علينا أن نرد الحديث بقلب قوي. وأكرر نحن لسنا قرآنيون ولا ننكر سُنة ولا نكره الرسول ولسنا وهابيين ولسنا سلفيين، نحن منذ سنة 1976 نقول نحن نرفض المذاهب، أنا لا أعترف بكلمة شافعي ملكي حنبلي سلفي جهاد وهابي أنا أقول الإسلام دين واحد لا يصح للمسلم أن يتمذهب أو يتحزب. ومن أراد أن يدخلنا في هذه اللعبة سنحضره على الهواء وسنسأسله ولن يعرف أن يجيب. نحن ندعو إلى الله تبارك وتعالى لما تريدني أن أصدق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سُحر لأن الحديث ذُكر في حديث البخاري تكون قد أوقعت القرآن من غير أن تشعر. هؤلاء لا يعلمون أين يأخذون الأمة! ليفعلوا ما يشاؤون لكن ليبتعدوا عن هذه اللعبة.
المقدم: نخلُص من هذا الكلام أنه ليس هدفنا أن نهاجم أحداً أو طرفاً من الأطراف لكن إذا كان من التدقيق العلمي ومن البحث والتدبر يظهر أننا نحتاج إلى مزيد من الجهد فلنعمله من دون كِبر
د. هداية: أقول أن علماء كثيرون من المشهود لهم بالكفاءة في الفكر والتدبر اعترضوا على الحديث وآخرهم في العصر الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه وأظن الكل يشهد له بفكره ووعه وتدبره وهذا الرجل قالوا علهي الكثير. وفي رأيي الشيخ الغزالي رحمة الله عليه من أفضل من تفكر وتدبر في العصر الحديث ورفض الموضوع بالكامل.
المقدم: وأي شخص يخرج ويقول أمراً مختلفاً يهاجم.
د. هداية: يُهاجم لأننا نحن نريد أن نغطي.
المقدم: والأخطر من هذا من وجهة نظري المتواضعة أن صار عندنا إسلام مصري، إسلام تونسي.
د. هداية: بالضبط وأنت عندما تريد أن تتخلص من واحد تقول هذا وهابي، هذا جهاد، نحن آراؤنا معلنة نحن لا نخشى إلا الله تبارك وتعالى. الشيخ الغزالي رحمه الله اتهموه أنه صوفي ثم سلفي ثم وهابي. القرآن مهيمن على كل الأفكار، الآيات بين ايدينا ودعنا ما قلته أنا أو الشيخ الغزالي أو الشيخ محمد عبده عندما يقول القرآن (إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) هل يكون مسحوراً؟ لا. هذا في القرآن ولا تحتاج إلى شرح. والذي يقول هذا يكون ظالماً ويكون المظلوم صلى الله عليه وسلم تنطبق عليه الاية (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
المقدم: القضية واضحة ومفهومة. أسال أسئلة عن الأمية وبقائها على هذه الصفة لأن كثيرين تفهم كلامه صلى الله عليه وسلم بشكل خطأ "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" كأن هذا يدعو للفخر فهل كان صلى الله عليه وسلم أو كان يقرر حقيقة؟ ولماذا؟
المقدم: "نحن أمة أمية لا تكتب ولا تحسب" هل هذه مسألة تدعو إلى الفخر أم أنها إقرار لحقيقة؟ ولماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الكلام؟
د. هداية: هما الأمران معاً. الأمية في حقه يدعو للفخر لأنه تعلّم أول ما تعلم (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (النجم)) لم يتعلم على يد بشر. وضربنا سابقاً مثل أمية الرسول بالورقة البيضاء والورقة المكتوب عليها بالرصاص والورقة المكتوب عليها بالحبر الجاف، ايهما اسهل أن تكتب عليها؟ الورقة البيضاء، هذه هذه الأمية بالنسبة للرسول. بعض المدرسين لما يعطيك درساً ويريد أن يُظهر لك كفاءته يقول لك إنس كل ما درسته سابقاً لأنني أنا سأعطيك من القاعدة وبطريقة مختلفة. المولى عز وجل عملها مع الرسول صلى الله عليه وسلم. يهمني أن أشرح الأمية لأنه تعريف الأمي الذي درسناه غير صحيح. هم يعرّفون الأمي أنه الذي لا يقرأ ولا يكتب، هذا التعريف خطأ لكن الأمي هو الذي لا يكتب ولا يحسب ولكمة لا يكتب يعني وبالتالي لا يقرأ عن كتابة وإنما يقرأ عن سماع وهذا معنى إقرأ، أن القرآن سينزل مكتوباً أو مسموعاً؟ هذا كلام يجب أن نفهمه. ضحكوا علينا من زمان في تعريف الأمي بأنه الذي لا يقرأ ولا يكتب. أحسن ناس قرأت القرآن الأميين هؤلاء قرأوا عن سمع لا عن كتابة. إذن تعريف الأمي ثانية أنه الذي لا يكتب ولا يحسب وبالتالي لا يقرأ عن كتابة لكن يقرأ سماعاً حتى نفهم معن كلمة أمي. قلنا كليمة يتيم لم تبق لأنه تعالى قال (يتيماً فآوى)، (ضالاً فهدى)، (عائلاً فأغنى) هؤلاء الصفات صحيح أنه ولد فيهم لكنهم صُححوا لكن الأمي قال (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ (157) الأعراف)
المقدم: هل يمكن أن أنسب الأمي إلى الأممي المبعوث لكل الأمم؟
د. هداية: لا هذا تأويل وغير صحيح، هذه لغة عربية وإلا لقال الأممي. الرسول صلى الله عليه وسلم قالها "نحن أمة أمية" هذا إقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم وشرف في حد ذاته. الولد الرومي الذي كان صلى الله عليه وسلم يسنّ عنده السيف وقالوا أنه يتعلم منه القرآن رد عليهم في سورة النحل (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)) يعني قال لهم أنهم أخفقوا في مسألة السحر والشاعر وهذا في مسألة هذا الافتراء، هذا الرجل رومي أعجمي لا يعرف العربية والقرآن عربي، التعبير القرآني (لسان الذين يلحدون) يلحدون يعني يتغمزون أنه صلى الله عليه وسلم جلس عند هذا الغلام الرومي كثيراً إذن هو الذي يعيطه القرآن. هذا كلام فارغ، هذا الرجل رومي والقرآن عربي والقرآن ذكر (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (113) طه). لكن يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أمياّ، لماذا؟ لأنه (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) لما يأتي القول الثقيل مع علم عندك تحصل مصائب. وهذا مراد الله في قرآنه، أنت سألت في بداية الحلقة لماذا قريش؟ ولماذا مكة؟ كل هذه أسئلة تجيب عنها أنه نبي أمي، لماذا؟ الفترة هذه كان فيها فحول اللغة وفحول الشعر فلما يأتي هذا الكلام من أمي يكون إعجاز الإعجاز ولذلك الاية في سورة البقرة التي فسرها أهل اللغة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) كثير من علماء اللغة فسروا الاية بمعنى فاتوا بسورة من مثل هذا الأميّ ليس من مثل القرآن وأنا مع هذا التفسير لأن المنطق المجرد بالتفكير بدون أن تدخل في متاهة بحث، منطق بعيد عن أيّ تفكير. لو الرسول تعلّم في تلك الفترة ماذا كان سيتعلم؟ كان سيتعلم الشعر لكن القرآن قال (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ (69) يس) لماذا لا ينبغي له؟ هو لم يتعلم الشعر وقالوا عليه شاعر، فهل هذا القرآن شعر؟ بالطبع لا، ولذلك قال الوليد نحن أعلم بالشعر وهذا الكلام ليس بالشعر. لما قالوا عليه ساحر فلماذا لم يسحركم؟ لو أنه كما قالوا سحر أبو بكر وعمر وغيرهم فلماذا لم يسحرهم هم؟ قيل عنه شاعر وهو لم يتعلم.
المقدم: تخيل لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي شاعراً
د. هداية: أنا أوافق على تفسير الآية (بسورة من مثله) يعني من مثل هذا الأمي لأن مثلية القرآن مستحيلة بنص القرآن (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) كيف يقول القرآن لا يأتون بمثله م يقول فاتوا بسورة من مثله؟! المثلية مستحيلة.
المقدم: هاتوا شبه كلام ربنا من واحد أميّ
د. هداية: الإعجاز أن تأتي بأمي يقول كلاماً يعجز الشعراء
المقدم: الكلام في سورة الطور (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30))
د. هداية: نأخذها بالمنطق الذي سيتعلم في هذه الفترة سيتعلم الشعر لأنه لم يكن هناك آنذاك غيره. فإذا كان هو صلى الله عليه وسلم لم يتعلم وقالوا عنه شاعرّ.
المقدم: لو كان سيتعلم في تلك الفترة كان سيتعلم الشعر ومعه من الجائز أن يُفسد الذي يعلمه عقله بإدخال عقيدة الشرك والأصنام وهو كان بعيداً عن كل هذا
د. هداية: ولذلك الأمية في حقه صلى الله عليه وسلم كانت شرفاً. وهو يبقى إلى يوم الدين بالنسبة لتعليمه من غير الله أمياً. لما قال له يتيم قال فآوى لكن لما قال عنه أمي مع أنه علمه. انظر عظمة القرآن مع أنه قال (علمه شديد القوى) ولما جاء عند الأمية قال (النبي الأمي) الذي علمه ربه؟
المقدم: لا، لم ينف الصفة لاستمرار الإعجاز إلى يوم القيامة في هذه النقطة.
د. هداية: أن يبقى صلى الله عليه وسلم على الأمية التي هي عيب فينا كلنا وشرف له صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.
المقدم: يعجبني قول "الأمي الذي علّم المتعلمين"
د. هداية: هذه هي العظمة.ولهذا قال تعالى (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) ماذا نزلنا على عبدنا؟ القرآن، (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) إذا أخذناها بمعنى من مثل القرآن على تفسير البعض فأين الإعجاز؟! إنما فاتوا بسورة من مثل هذا الأمي هذا الإعجاز، ثانياً قال (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) هؤلاء الشهداء على ماذا سيشهدوا؟ على أن هذا قرآن؟ هم لا يعرفوه وليسوا مؤمنون به، أو يشهدوا أن الرجل الذي سيحضروا مثله أمي؟ أجمع فريقاً يشهد بأمية هذا الرجل كما نشهد بأمية الرسول، هذا هو الإعجاز (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ستأتوا بالشهداء يشهدوا على ماذا؟ على أن هذا قرآن؟ هم لا يعرفون هذه المسألة لكنهم يمكن أن يشهدوا أن هذا الرجل أمي.
المقدم: ويمكن أنه تشاء الإرادة الإلهية أن آيات كثيرة في القرآن الكريم فيها إعجاز في علوم مختلفة فلك وفضاء وجيولوجيا وبحار وأنهار وهذا الرجل الأمي لا يعرف هذا لا هو نفسه ولا الذين في عصره.
د. هداية: الأعظم من هذه أنهم لم يعترضوا على هذه. فلما سمعوا قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) الواقعة) لم يعترضوا عليها ولم يقل له أحد أين مواقع النجوم؟ لم تحصل لا من المؤمنين ولا من الكافرين. وهذه ستكون حجة عليهم يوم القيامة أنه لو كان عندهم اعتراض على النص القرآني لكانوا سالوا ما هذه المعاني؟ مثل مسألة (ألم) يعني أنهم فهموها ونحن إلى الآن لم نصل لها، هم كانوا منتظرين خطأ واحد في القرآن ولكانوا سألوا أو اعترضوا على (كهيعص) ما معناها؟ لكنهم ما قالوها في الوقت الذي كانوا يبحثون عن اي خطأ أو خلل. توقفهم في الإسراء خدمنا في أنه لو أنهم فهموا أن الإسراء رؤية منامية ما اعترضوا إنما كونهم اعترضوا هذه الاعتراضات فهذه خدمتنا. اعتراضهم في الإسراء خدمنا وعدم اعتراضهم على الحروف المقطعة خدمتنا وعدم أنهم جاؤا بسورة من مثله يعني الإعجاز حاصل وهم عجزوا. الاعجاز يجب أن يقابله أحد أمرين إما تسلِّم أو تسكت لكنهم لم يسكتوا. والأهم من هذا أنهم لما أردوا أن يتخلصوا منه صلى الله عليه وسلم في مسألة الخروج من مكة احتمالاتهم كانت إما أن يقتلوه وإما أن يُخرجوه أو يحبسوه لم يقولوا نسحره لأن السحر فشل! عندما نسمع الاية (قال الظالمون) يعني أنهم حاولوا وعندما جاءت مسألة إخراجه من مكة وورقة بن نوفل كان قد بشره بهذا ولهذا بعض العلماء يقولون الهجرة توأم البعثة لأنه ساعة ما بُعث عرف أنه خارج من مكة فقال له ورقة بن نوفل لو سأكون موجوداً ساعة يخرجوك استغرب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن مكة بلده وقال "أومخرجي هم؟" قال دأب الرسل أن الذي ياتي بما أتيت به يحصل له هذا، لم يقل له لو حاولا يقتلوك، ولم يقل له لو حاولوا يسحروك. إذن هناك علامات في الذي ألّفوه
المقدم: أنه سيحصل كذا وسيحصل كذا.
د. هداية: لكنهم لا هم قالوا مع الاحتمالات التي طرحوها على مائدة البحث أننا سنسحره، هم لو نجحوا في سحره صلى الله عليه وسلم لانتهت المسألة.
المقدم: الواضح أنهم فشلوا والقرآن يثبت هذا ويقطع هذه القضية.
د. هداية: يثبت فشلهم، ثم يعطيه أوصافاً ويلغيها (اليتم والفقر والضلال ضلال البحث) لكن يُبقي على الأمية وهذا دأب القرآن يأتي بأشياء ويلغيها ويأتي باشياء ويثبتها ويأتي باشياء ويتركك مثل مسألة السحر المعنى يقول أنه لم يُسحر لكن يتركها لأن هذه مسألة عقيدة ويجب أنت أن تصحو وتفكر وترفض هذا وتقبل هذا لأنه في الأول والآخر يقول لنا (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (24) محمد)
المقدم: (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد)
د. هداية: نسأل الله أن لا نكون كذلك.
المقدم: اللهم آمين. جزاكم الله خيراً دكتور. كما ترون سيرة الرسول ثرية ثراء أبدياً لو تكلمنا طيلة حياتنا لن نغطيها لكننا سنتكلم ونتعلم ونتدبر لعلنا نستفيد في باقي أيام حياتنا من سيرته صلى الله عليه وسلم. صلوا عليه وسلموا تسليماً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

جمال جرار 2 - 7 - 2010 08:14 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك على الطرح...

لك مني أجمل تحية .


ميارى 2 - 7 - 2010 09:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال جرار (المشاركة 56561)
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك على الطرح...

لك مني أجمل تحية .


بارك الله فيك على المرور والرد العطر أخي جمال

ميارى 2 - 7 - 2010 09:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سماح (المشاركة 56445)

بارك الله في جهودك المثمره دوماً

وجزاك الله خيراً
وأنار دربك وحفظك
مودتي..
http://www.7c7.com/vb/uploaded/33516_01211306941.gif

سعيدة بهذا المرور الرائع والعطاء المستمر ، أسعدك الله في الدارين سماح العزيزة

صائد الأفكار 5 - 7 - 2010 12:38 AM

بسم الله وما شاء الله
بارك الله بك وبجهودك اختي ميارى وبهذا الطرح القيم
جزاك الله خيرا

ميارى 7 - 7 - 2010 05:11 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صائد الأفكار (المشاركة 57055)
بسم الله وما شاء الله
بارك الله بك وبجهودك اختي ميارى وبهذا الطرح القيم
جزاك الله خيرا

http://photos.azyya.com/store/up3/090220223244t5PU.gif


الساعة الآن 01:15 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى