منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   مواضيع ثقافية عامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=67)
-   -   المسبحة أو السبحة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=10684)

أرب جمـال 8 - 10 - 2010 11:58 PM

المسبحة أو السبحة
 
كلّ شيء عن المسبحة


http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:2...2615545652.jpg



المسبحة أو السبحة لارتباطها التراثي الإسلامي وأيضا العددي جعلنا نفرد لها هذا الرابط . ولندرة الكتب التي تتناول المسبحة كموضوع متكامل ، وبعد الجهد في البحث هدانا الله إلى كتاب (المسبحة تراث وصنعة) تأليف الأستاذ محمد الراشد والأستاذ إحسان فتحي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) ، وهو يكاد يكون الكتاب الوحيد الذي تناول المسبحة بالدراسة المتكاملة .

نتقدم بالشكر والتقدير لهذين الأستاذين الجليلين(تعريف لمؤلفي كتاب المسبحة تراث وصنعة)

وعلية يكون أغلب بحثنا هذا المختصرهو من كتاب (المسبحة تراث وصنعة) وأيضا لحرص المؤلفين الشديد للإرث الفني في التراث العربي والإسلامي ، القديم منه والمستحدث وخوفهما من إهمال توثيقه أو زواله وتشويهه (كما ذكرا في صفحة 6) وأيضا ذكر المؤلفان الجليلان في صفحة 181 : " ونحن نأمل من يقوم من هو أقدر على إنجاز ذلك عن طريق الحصر الدقيق والشامل لكل المواد التي صنعت منها المسبحة ومن ثم جدولتها وتوثيقها من أجل الفائدة العامة") مما أعطانا التشجيع لنقل ما ورد بهذا الكتاب خدمة لهذا التراث الرائع ولإتاحة هذه المعلومات لكافة المسلمين .

إلى جانب القرآن والسنة وبعض المقالات الخاصة ، أو من ضمن بعض الكتب التي أتى ذكر المسبحة في بعض فصولها.

وللأسباب الموضحة أعلاه رأينا أنه من واجبنا إدراج هذا الموضوع ضمن هذا الموقع لتعم الفائدة للجميع .


المسبحة وماذا تعني لنا هذه التسمية

المسبحة أو السبحة هي عبارة عن مجموعة من القطع ذات الأشكال الخرزية الحبـيْـبـيـة مع فواصل وقطع أخرى ، حيث تتألف كلها من عدد معين منظومة ومنتظمة في خيط أوسلك أو سلسلة ، وقد يختلف شكل الحبات نسبة للمجتمع أو الصانع أو حسب متطلبات الراغبين لأسباب دينية أو اجنماعية او لغرض اللهو والتسلية .

ويتم تحريك قطع المسبحة باليد والأصابع ، كما وقد تفيد المسبحة أحيانا في العرض المظهري للتدين والتصوف والذكر والتسبيح والتهليل والتهدئة النفسية ، وأحيانا للوقار والوجاهة ، وأغراض أخرى مختلفة . والمواد التي تصنع منها المسبحة تتفاوت أيضا ، واختلفت عبر القرون حتى بلغت في التنوع ما لا يعد ويحصى خلال القرن الحالي .

وكلمة (المسبحة) أو (السبحة) اشتقت عموما من الناحية الدينية أو اللغوية ، من كلمة التسبيح - ففي القرىن الكريم ورد التسبيح لله عز وجل في عدة سور وآيات ، وقد أتت كلمة التسبيح بمعاني وأماكن مختلفة في كل سورة وآية ، ومن أمثلة ذلك : ذكر نوعية المسبحين ورد في سورة الإسراء - الآية 44 - ما يلي : قال تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) . ومعنى ذلك أن من في السموات والأرض يسبحون بحمد الله وينزهونه على الرغم من اختلاف لغات التسبيح . كما وردت لغرض التشبيه في سورة النور (الآية 41) ، كما وربط موضوع تسبيح الله والتوكل عليه في سورة الفرقان (الآية 58) . وفي مجال الوقت ومدى التسبيح في سورة الأحزاب (الآية 41 ، 42) .

أيضا ورد التسبيح في أوائل السور مثل سورة الحديد (الآية الأولى) قال تعالى : (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) - أي نزه الله سبحانه في كل شيء - كما ورد التسبيح في أوائل سورة الحشر وسورة الأعلى . . . وأحيانا ورد التسبيح لله تعالى في أواخر السور مثل سورة يـس (الآية الأخيرة) . . . إلخ .

ومن صور التسبيح ، قولك ، سبحان الله والحمد لله ، كذلك ذكر الأسماء الحسنى لله عز وجل . وقد جاءت أسماء الله الحسنى في عدد كبير من الآيات القرآنية الكريمة ومن ثم جمّع عددها . فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر) .

ولقد دعا الله سبحان وتعالى الناس إلى ذكر الله ودعوته بالأسماء الحسنى ، ففي سورة الأعراف قال تعالى : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه ، سيجزون ما كانوا يعملون) .

وبذلك استنبطت المسبحة أو السبحة من التسبيح من الناحية الدينية ، وتشمل تنزيه الله بالقول وعد أسمائه الحسنى اكتسابا للرحمة والمغفرة والأجر الكريم .

ومن الناحية اللغوية استطلعنا بعض الأسانيد والكتب ، فمن كتاب المختار من صحاح اللغة(مختار الصحاح - محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي - الناشر دار الكتاب العربي - لبنان - 1981 ص (282). ورد في باب السين كلمة السبحة : بمعنى خرزات يسبح بها . وهي أيضا التطوع في الذكر والصلاة ، نقول منه : قضيت سبحتي . والتسبيح التنزيه وسبحان الله : معناه التنزيه لله ، أما (سـبحل) : فمعناه سبحل الرجل : قال "سبحان الله" .

وفي كتاب تفسير القرآن العظيم(تفسير القرآن العظيم - للإمام الجليل الحافظ عماد الدين ، أبو الفدا إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفي سنة 774 هـ / دار المعرفة - بيروت - لبنان ص (268) و ص (269) .

وفي كتاب المنجد ذكر فيه أن السبحة ،جمع سبح وسبحات : هي للدعاء وتقول قضيت سبحتي أي دعائي (الصلاة النافلة) . وهي خرزات منظومة في سلك إما للصلاة والتسبيح وإما للتسلية ويقال (سبحان الله) أي ابريء الله من السوء . اما السبّاحة فهي الأصبع السبابة في اليد . والمسبحة هي السبحة للصلواة والتسبيح والتلهي (عامية) .

وفي اللهجة العراقية السائدة قد يطلق عليها سبحة أو مسبحة وقد تجمع كالسبح والمسابح أو السبحات (عامية) وفي بعض المناطق العربية والخليج العربي قد تسمى باللغة العامية الدارجة مسبحة ، أو مسباح أو تجمع كمسابيح . عموماً فإن لفظة سبحة أو مسبحة هي اللفظة العربية الدارجة حالياً وعلى الرغم من ورود كلمة السبحة في المراجع اللغوية إلا اننا عولنا استخدام لفظة المسبحة في كافة فصول اهذا البحث لما لها من استخدام دارج ودلالة على فرض استخدام هذه الأداة في التسبيح . وفي اللغة التركية ، كما ورد في أحد المصادر (Shantes , Enc Of Islam , Brill 1961 , P . 549 موسوعة) تسمى تسبيح ( Tasbih) عندما تستخدم كلمة سبحة ( Subha) لغرض تفسير معناها في بعض المسردات الأجنبية . ولغرض مقارنة وفحص الكلمة باللغة الإنكليزية فقد تم اللجوء إلى قواميس المفردات بالإنكليزية ولعل أقرب كلمة إلى ما تعنيه المسبحة عند العرب والإسلام كانت كلمة روزري (Rosary) حيث فسرت بمعنى
  1. سبحة ، مسبحة .
  2. سلسلة أو صلواة .
  3. حديقة ورد أو مسكية ورد .

ومن المعتقد أن الربط التاريخي للقلادة المسيحية القديمة وبين المسبحة في استخدامها من قبل العرب المسلمين قد أدى لهذا التفسير في بعض المسردات.

كما ورد في باب الحبيبات بالإنجليزية (بيدس) Beads (بالجمع) قد تعني عقد أو سبحة أو بيد (Bead) كخرزة أو حبة . فهي هنا مسبحة إذا ما انتظم الخرز بسلك أو تطلق أحيانا على الذي يصلي مستعينا بصلاته بسبحة (Tosay , tell , or count one's beads) وقد تستخدم كلمة بيد رول (Bead roll) بمعنى سبحة أو مسبحة (وبغرض العد والحساب) .وعلى أية حال فإن معنى المسبحة لدينا هنا واضح وجلي ، وهي كما أسلفنا ، استخدمت لعد الكلمات ، لغرض التسبيح لله سبحانه، أو لذكر كلمات الله الحسنى في عصر الإسلام ، وإن تعددت أغراضها اليوم وأصبحت أحيانا تؤدي أغراض التسلية أو غيرها ، غير أننا لا ننكر تأثير الحضارات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط أوغيرها في مجال استخدام أداة للأغراض المظهرية أو الدينية أو لغرض العد والحساب لما هو مطلوب من الإنسان في كافة شعائر الحياة الدنيا والمتطلبات الروحية الأخرى كما سنرى في الفصول القادمة .

1
- التطور في استخدام المسبحة والأحجار الكريمة وشبه الكريمة وغيرها عبر التاريخ .



على الرغم من أن للمسبحة في معناها اللفظي والاستخدامي صفة عربية وإسلامية واضحة إلا أن البحث عن الجذور التاريخية لها لابد أن يجرنا على الطريقة التي تعامل بها الإنسان مع الأحجار الكريمة وغيرها ضمن معتقداته منذ أقدم العصور . فمنذ آلاف السنين ، ومنذ أن كان الإنسان القديم يسكن الكهوف وعثوره بطريق المصادفة أو الحفر عن أحجار ملونة هنا وهناك فلابد أنها قد سحرته بجمالها وألوانها وبريقها . وهنالك دلائل آثارية قاطعة بأنه بدأ في تجميعها والتعامل معها بولع مفرط نظرا لندرتها وجاذبيتها التي سحرته وألهبت خياله .

إن من أقدم الأحجار والمواد التي استخدمها الإنسان قد عثر عليه في قبور ترجع إلى أكثر من 20 ألف سنة واحتوت على حبيبات من العاج والمحار والعظام المختلفة .

على ذلك فقد قام الإنسان القديم بصقل وتشذيب هذه المواد وتكوينها على أشكال مختلفة كالشكل الإسطواني أو الحبيبي (الخرزي) أو غير ذلك , ومن ثقبها أو خرقها وتجميعها وربط بعضها البعض بخيط . وكانت هذه هي الخطوة الأولى لفكرة القلادة بهدف التزين او التباهي ، ولعرض هذه الأحجار والمواد أمام الآخرين عن طريق استخدامها كعقود أو قلائد تعلق في العنق أو الزند وأحيانا في الأرجل .

ويبدو لنا أن فكرة تجميع هذه المواد على شكل سلسلة أخذت فيما بعد أبعادا روحية أو سحرية أو دينية . ولقد كشفت حفائر الحضارات الإنسانية الأولى التي نشأت في وادي الرافدين (السومريون) ووادي النيل (الفراعنة) عن استخدام أحجار مختلفة لأغراض دينية ودنيوية .

إذن لا بد من الإشارة أن فكرة المسبحة هي تطور طبيعي وحتمي من فكرة القلادة . إلا أنه من الصعب التحديد الدقيق الزمني من تحول استخدام القلادة كمسبحة لأغراض دينية ، بيد أنه يمكن القول والافتراض أن فكرة المسبحة بدأت عند السومريين قبل (5000) سنة ومن ثم انتقلت إلى بقية الحضارات الأخرى كالفرعونية والهندية والفارسية وغير ذلك من الحضارات اللاحقة .

ولم يكتف الإنسان باسنعمال هذه القلائد في حياته الدنيوية فقط بل تجاوز ذلك وعزم على استخدامها في حياته الأخروية أيضا . إذ دُفنت هذه العقود مع أصحابها في القبور انتظارا للبركة أو الجاه في الحياة الأخرى . ولقد شاع في الحضارات القديمة كحضارة وادي الرافدين أو وادي النيل وفي وادي الأردن (موقع Natufian) والحضارات السومرية والصينية والهندية استخدام العقود والأحجار لطبقات مختلفة من المجتمع ، فمنها ما استخدمه الأمراء أو الكهنة أو عامة الشعب ، ولقد برهن وجود اللقى الأثرية لقلائد وعقود الذهب واللازورد (Lapis Lazuli) والكورنيليان والفيروز والرخام والأميشت والكارنيت والعظام في مختلف الحضارات القديمة وبأشكال مختلفة ومتنوعة .

لقد استفاد الإنسان ايضا ولربما بالتجربة من تلك المواد التي تتصف بالديمومة أو تلك التي تكون عديمة التآكل أو تلك التي عرف عنها قوة الصلادة أو القدرة فضلا عما تخيله الإنسان ، كما الهب حسه بكون هذه المواد تتصف بالصفات الروحية أو الأسطورية أو ما تعلق منها بالخرافات الشائعة آنذاك سواء بالنسبة للرجل أو المراة على حدّ سواء .

إن لتطور المعتقدات الروحية والخرافات أثر واضح في لهفة إنسان الحضارات الأولية في مختلف البقاع والأصقاع على الاهتمام بتلك الأحجار حسب معتقداته ، بالخرافات والأساطير والمعتقدات الطبية القديمة ، فكان يعتقد أن للأحجار اللخضراء اللون تأثير بمنع الأمراض ، والحمراء لتخفيف النزيف والالتهاب، وحجر العقيق للقبول والاقناع وجلب الحظ ، والجمشت (أمشت) لمنع تراكم الشحم ، والملكيت للتخدير وللحماية ضد السحر ، وحجر الياقوت الأزرق كرمز للعفة وعلاج لفورات الغضب ، والفيروز للنصر وتبيان حالة الإنسان النفسية عند تغير ألوانه ، والكهرب أو الكهرمان لامتصاص الامراض من جسم الإنسان ولطرد الأرواح الشريرة ...... إلخ .

أما المرجان فكان له أهمية خاصة عند الحضارة اليونانية (الإغريقية) فقد وردت خرافات عنه أوضحت بأنه (دم متجمد) بعد أن سقط قطرة فقطرة من الرأس المقطوعة لميدوسا (إحدى الآلهة اليونانية القديمة) .

وكان للعقيق الأحمر فضل كبير عند الرومان حيث استخدم بكثافة وتم النقش والحفر على اسطحه الجميلة بكل اتقان وفن وكفاءة في القلائد والعقود والأختام والخواتم وغيرها .

كما شاعت لدى الفينيقيين ، وهم قوم انتشرت حضارتهم في بلاد الشام ولبنان خاصة ، عقود أشبه بمسابح اليوم تصنع من مواد مختلفة كالقواقع والطين والبذور والعاج والزجاج والأحجار الكريمة ، واستعملت في تلك الحضارة في كل مجال حتى دخلت مجال المقايضات والمبادلات التجارية بما هو أشبه بالعملات الثمينة في هذه الأيام ، وهناك من يعتقد أن المسبحة كأداة ظهرت عندهم أول ما ظهرت . وأبرز التاريخ أيضا اهتمام الإمبراطورية البيزنطية والرومانية بشقيّها الوثني والمسيحي ، باستخدام القلائد المشابهة للمسبحة لكافة الأغراض كما تم تطور مهم في هذه المرحلة إذ تم الإتقان النسبي لخرق وثقب الأحجار والمواد الأخرى , واستخدم السلك والخيط بوفرة فيها ، كذلك انتشر استخدام السلاسل المعدنية أو سلاسل المجوهرات والأحجار شبه الكريمة أو المواد الأخرى .

وبعد انتشار الدين المسيحي تعلق الرهبان والناس بالقلائد الدينية سواء ما علق منها بالرقبة أو ما استخدم باليد ومن مواد مختلفة ومستديمة ، كما كانت بعضاً من هذه القلائد تحوي على الصليب المسيحي ، وكان الرهبان يذكرون صلواتهم بها أو قد تصل بالبعض إلى تقبيلها والبعض الآخر إلى حد تقديسها ، وآخرون اتخذوها كمظهر من مظاهر الترهب والعبادة في الصوامع والمغاور والكهوف المنقطعة عن الناس .(انظر رابط المسبحة الوردية من الفهرس الرئيسي لزيادة الشرح)

ولقد حاول العديد من الباحثين تفسير أسباب استخدام الناس للقلائد الدينية . والواقع المستخلص قد تكون مرتبطة بالشعائر المتوارثة والمستخدمة آنذاك وقد تشمل العد والحساب أيضاً .

ففي الأنسكلوبيديا (الموسوعة) الأمريكية(Encyclopedia America , Ropschach Test - ,P. 786.) وتحت باب (Rosary) ورد أن استخدام الروزري (المسبحة) مشابه لاستخدام المسبحة في عد الصلواة أو لغرض التأمل الديني (Meditation) .

ولقد استخدمها الرهبان الأرثودوكس (Orthodox monks) بشكل عقد صوفية (Wool Knots) مؤلفة من100 أو 103 عقد من الصوف . وقد قيل أن العقد هذه تمثل عندهم صلاة أو دعاء المسيح (Jesus prayer) وبعض رهبانهم يرددون هذه الصلاة 12 مرة في اليوم ، ولم يشيع هذا التطبيق عند عامة الناس من فئة الأرثودوكس كما ذكر المصدر .

أما جماعة الكاثوليك الرومان (Roman Catholics) فقد جعلوا لهذه القلائد الدينية أو مسابح الصلاة عند اجراءات العبادة 15 مجموعة (Decades set) من الحبيبات الصغيرة ، مفصولة بخمسة عشر حبة كبيرة من بداية المجموعات وحتى آخرها . ويقال عندهم أن هذا الرقم يعود إلى أحداث أو حالات الإعجاز الخمسة عشر للسيد المسيح (Eventsor Mysteries ) . وقد قام بعض الأفراد باستخدام ثلث المجموعات (أي خمسة مجموعات) بكونها تمثل حدثاً واحداً أو للاختصار .

وعند جماعة سانت دومنيك في القرن الثالث عشر (وهي فرقة مسيحية) فقد طور عددالحبات إلى 150 حبة ثم اختصر العدد أوخفض إلى 15 حبة في القرن الخامس عشر ، واعتمد من قبل الكنيسة ، وبعد ذلك استخدمها بعض أفراد الكنيسة البروستانتية وإن لم يعرف الوقت الذي استخدمت فيه تماما .

عموما فإن بعض الناس من العامة من يعتقد أن تكوين المسبحة من 33 حبة يعود إلى عدد سنوات السيد المسيح إلا أن هذا الاعتقاد يشوبه كثير من الشك .

وقد قال البعض أن أصل المسبحة أو القلائد الدينية ورد من الهند Encyclopedia Britannica 1962, - Rosary, P. 786 وقد استخدمت من قبل الهندوس في الهند (Hindu) في سابق الزمان ، فعباد ديانة فشنو (Vishnu) استخدموها من مائة حبة ناعمة وصقيلة . أما عباد الالهة شيفا (Shiva) فكانوا يفضلونها ما بين 32 أو 64 حبة خشنة . والبعض من فئة البرهمة كانوا يحملون المسبحة سرا في حقيبة خاصة يدوية يضعون فيها الحبات. وقد أطلق في الهند على قلادة تسمى (Jain Rosary) اسم قلادة المعلمين وتتألف من108 حبات أو أي رقم من الحبات قابل للضرب ليصل إلى 108 حبات حيث تمثل الحبات المعلمون المقدسون وبخمسة ألوان ، (وقد يكون الرقم 5) و (و27 حبة) .

أما السيخ (وهم جماعة لديانة هندية) فقد جعلوها (Sikh Rosaries) تتألف من108 عقد صوفية أو من حبيبات الحديد وأحيانا جعلوها سوارا في المعصم يحوي 27 حبة . وفي بوذية المهانايا (Mohayana Buddhism) اتخذوا نفس عدد حبات السيخ وهو 108 ولكن لسبب مختلف . وفي نفس ذلك الوقت اتخذ رهبان التبت والصين (Tibet monks) السبح والقلائد بألوان مختلفة وحسب اختلاف الآلهة لديهم . كما استخدم البوذيون اليابانيون (Japanese Buddhists) قلادة عامة تتألف من 112 حبة . كما اتخذوا قلائد دينية أو قلائد أخرى للمناسبات . Encyclopedia Britannica 1962, - Rosary, P. - 549 .

ولغرض العد والحساب ولأغراض الحياة المختلفة فقد أبرزت الحضارة الصينية استخدام خاص للحساب بالحبات والخرزات حيث كانوا يستخدمون ما هو أشبه بحاسبة اليوم (وإن كانت لا تقارن) وتتألف من حبيبات منظومة في سلك وعلى شكل خطوط متوازية من هذه الأسلاك لغرض جمع الأرقام أو متوالياتها باستخدام الحبيبات .

أما العرب قبل الإسلام فلهم طريقة أخرى في الحساب والإحصاء , فكانوا يحصون ويحسبون عن طريق عدّ الحصى والأحجار للوصول إلى رقم معين (أي تكوين الرقم النهائي من عدد الحصى) وذلك لعامة الناس ، والواقع أنه بعد نزول الدين الحنيف والقرآن الكريم قال الله سبحانه وتعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). إذن فالعرب استخدموا العد والحساب باستخدام عد حبيبات الحصى في بداية الأمر على الرغم من أنهم برعوا في علوم الحساب والجبر والإحصاء والمكتوبة في مرحلة لاحقة من تطور الحضارة العربية الإسلامية . كذلك فإن العرب قبل الإسلام عرفوا القلائد والعقود واستخدموها .

ومن هنا نجد أن المدخل إلى استخدام المسبحة في أيام الإسلام مناسبا . ونجد لزاما علينا أن نذكر أن استخدام المسبحة في الإسلام وسواء أكان قد أثرت عليه تطورات الحضارات الأخرى أو أنه ابتكر للمسلمين ، فهو استخدام لم يضر الدين الحنيف في شيء ، على الرغم من بعض المنتقدين له في مختلف القرون السابقة وإلى اليوم . لقد كان العرب قبل وبعد فجر الإسلام يختلطون بالأقوام الأخرى وحضارتهم خصوصا في مجال التجارة ، وكان لا بد من اكتساب بعض العادات والتقاليد شيئا فشيئا كما هي الحال اليوم عند اكتساب العادات والتقاليد الحديثة .

وعند بزوغ نور الإسلام ومبشره النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم كان المسلمون الأوائل مندهشون من عظمة الإسلام ومن سيرة النبي الكريم وسنته المباركة . وجل اعتقادنا أن المسبحون الأوائل كانوا يستخدمون القول سراً وجهاراً لتسبيح الخالق ، وقد يكون البعض منهم استخدم أصابعه للعد أو عد الحصى أو هكذا وكل ذلك للوصول إلى أعلى رقم ممكن في ذكر أسماء الله الحسنى أو توحيده أو ترديد التشهد ما أمكن ذلك .

ولقد تلاحقت التطورات بعد ذلك ، وقد قام المسلمون بالجهاد في سبيل الله والبدء في نشر الدعوة الإسلامية في كافة الأنحاء . لقد خرج الفاتحون الأوائل من بلاد قاحلة شحيحة إلى حضارات مبهرة آنذاك ، يدفعهم الإيمان الصافي المطلق والرغبة في التعلم ونشر الدعوة المحمدية الكريمة . وكان البعض منهم من كان يفضل في التعامل الفضة على الذهب والمجوهرات ابتغاء للتطبيق الصحيح للدعوة . إلا أنه وهناك ، وأمام جبروت الثراء وأساليب الحياة لمختلف الحضارات كالفارسية والبيزنطية واليونانية المتوارثة ، وقف بعض هؤلاء الفاتحين مندهشين مما رأوا في تلك الحياة وهم على حالهم من البداوة الخشنة . وقد روى البعض أن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبكي كلما رأى جواهر الفرس وغيرهم ترد في جملة الغنائم ، خوفاً على قومه من هرم المدينة وفتنتها .

ولكن بعد مرور قرن واحد ما لبثت الأمور أن تغيرت ، وتغيرت بذلك نظرة الحكام وعامة الناس إلى أساليب الحياة ، وقد قيل أنه لم تكد سنة 126 للهجرة أن تأتي إلا وتضحى جوائز الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك(الخليفة يزيد بن عبد الملك - الخليفة الثاني عشر للخلافة الأموية في الشام "عام 126 هـ الموافق 744 م") لأحد الشعراء ملء فاهه جوهراً ، بفعل الإمكانات المالية التي أتيحت للناس آنذاك .

وفي العصر العباسي بلغت التطورات في تغير أساليب الحياة واستخدام المال والثروات للتمتع والتأثر بحضارات الأمم الأخرى حداً كبيراً . فلقد استخدم خلفاء بني العباس مختلف أصناف البشر في الوظائف العامة في الدولة مما ساعد على نشر العادات والتقاليد في مجال استخدام القلائد والأحجار الكريمة وشبه الكريمة لمختلف الأغراض ومنها المسبحة . وقد بلغ الحال أن حلت الأحجار الكريمة أحياناً محل الأوراق النقدية كالحوالات أثناء السفر في هذه الأيام . كما أتاحت عصور الترجمة الذهبية من الكتب اليونانية والفارسية والهندية القديمة والمتناثرة أصلاً بحضارة وادي النيل ووادي الرافدين وبلاد الشام إلى اطلاع الناس وتوسيع أفق مداركهم في كافة أمور الحياة . في تلك الفترة ، حيث هيأ عنصر الاطلاع والتحضر والعلم إلى حصول تطورات إضافية لما كان يستخدمه الناس . وبذلك استطاع المسلمون آنذاك من تطوير امكاناتهم في الابتكار والاستحداث لكافة ما يشغل بالهم في تلك الأيام في التطبيق لكافة التخصصات في الصناعة والطب والعلوم الرياضية والكيماوية وبقية العلوم الأخرى .

ولقد عرف الناس أثناء حكم بني العباس تفصيلات عديدة عن الأحجار الكريمة وشبه الكريمة وصناعتها إلى قلائد وأختام وخواتم ومسابح أو غيرها ، ولقد اشتهر أبو الريحان البيروني بكونه من أشهر علماء العرب في المواد والأحجار وخصوصاً في كتابه "الجماهر في معرفة الجواهر" .

وبناء على ذلك ، اقتنى الناس الأحجار والجواهر وكانت أهمها في ذلك الوقت الدر (اللؤلؤ الكبير) والياقوت الأحمر وما سمي البهرماني أو المشرق الرماني والأسمانجوني وهو أزرق والزمرد الذبابي والفيروز والمرجان والعقيق والجزع وإلى آخره في أصناف المواد الكريمة . بعد أن برعوا في صقلها وثقبها وتنظيم أشكالها .

وباستطلاعنا لبعض الكتب ، وجدنا أثر المسبحة مدرجاً في أوائل العصر العباسي ، فقد ذكر في بعض المصادر(كتاب مشهد الإمام علي (رض) في النجف . مؤلفته سعاد ماهر / عن دار المعارف في مصر / ص 188 / ص 189)أنه في السنة الثالثة للهجرة . ولما وقعت غزوة أحد وقتل فيها أقوى حماة الإسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، عم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعظمت المصيبة على المسلمين وقد ناحوا عليه في كل مأتم ، وقيل اتسع الأمر في تكريمه أن صاروا يأخذون من تراب قبره يتبركون به "ويعملون السبحات منه" . والواقع لم نجد مصادر أخرى تثبت هذا الخبر .

وكذلك وبعد تطور نهج الإثني عشر فإن بعض الناس كانوا يصنعون من تربة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه شهيد كربلاء (في العراق) ألواحاً وأقراصاً وحبيبات لغرض التبرك (عند منتصف القرن الثالث الهجري) . فقد جاء في كتاب الوسائل(نفس المصدر السابق / للشهرستاني ، الأرض والتربة الحسينية ، ص 179 / ص 182)عن الإمام الثاني عشر (عاش في حدود سنة 250 هجرية) أن الحميري كتب إليه يسأله عن لوح طين قبر الحسين هل فيه فضل ؟ . . فأجاب رضوان الله عليه يجوز ذلك وفيه الفضل ثم سأل عن السبحة فأجاب بمثل ذلك .

فالمسبحة إذن بدأت لأغراض دينية بحتة اشتقاقاً واستخداماً في العصر الإسلامي فقد ذكر بعض الناس ومنهم الشيخ البناني أن السبحة مشتقة من فعل التسبيح وهو تفعيل من السبح والذي هو المجيء والذهاب (في كتاب "تحفة أهل الفتوحات والأذواق في اتخاذ السبحة وجعلها في الأعناق" فتح الله البناني / طبع في القاهرة 1887 م) لأن لها في اليد مجيئاً وذهاباً ومأخوذة من قوله تعالى ((إن لك من النهار سبحاً طويلاً)).

وفي العصر العباسي وما تلاه من الحكم الإسلامي في بلاد الأندلس ومن ثم في فترات حكم المغول والبويهيون والسلاجقة ، وانتقال الحكم للفاطميين والمماليك في شمال أفريقيا . انتشرت طرق الحركات الصوفية وحركات الدراويش والدروشة واتباع هذه الطرق يحملوها ويتبركون بها ويعدون بها أسماء الله الحسنى وأثناء التشهد يحملونها أيضاً في تجمعات الذكر والتهليل ، وكانت تتكون من العظام أو الخزف أو الأتربة المعجونة والأخشاب والصدف ، وبعض مسبحاتهم تتألف من 99 حبة زائداً الفواصل والمنارة والبعض الآخر يتألف من ألف حبة وقد تصغر الحبات أو تكبر حسب التقاليد السائدة في كل مرحلة ، ويعتقد بعض اتباع الصوفية أن المسبحة تفيد في عدم النسيان أو تعزز الانتباه ، وتفيد في العد خصوصاً بالنسبة للذين يذكرون أسماء الله الحسنى . ولقد تطور استعمال المسبحة آنذاك حتى انتقل حملها باليد اثناء المجالس الخاصة بالصوفيين وأحياناً إلى العنق أثناء التجوال أو بعد الانتهاء من الصلاة والتسبيح . ولا زال منظر الصوفي أو صاحب الطريقة والذي يعلق مسبحته في عنقه ماثلاً إلى هذا اليوم ماثلاً في مصر والعراق والمغرب وتونس إلخ . . .

ولقد ازداد انتشار المسبحة أثناء عهد الحكم العثماني وفي النصف الثاني منه بشكل كبير ، وخصوصاً في تركيا والعراق وايران ومصر وبلاد الشام وبعد أن دخلت المسبحة الدينية سواء تلك المختصرة الى 33 حبة ( أي ثلث المسبحة ) 0وبعض مواد انتاجها كان متوفر محليا والبعض الآخر يستورد ويطلب تصنيعها مثل مسابح الكهرب التي كانت تستورد من المانيا أو غيرها 0

وفي بداية هذا القرن والى وقتنا الراهن وبعد التطور الصناعي الكبير وازدياد الثروات ,انتجت المسابح بشكل كبير ومن مواد متنوعة قد تنوف على المئة ، وخصوصا من المواد الرخيصة ،ودخلت في مجال تصنيعها أمم وشعوب جديدة ،مثل دول الشرق الأقصى وأوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية والصين والهند ودول أفريقيا حتى أن البعض شبهها باقرب مايكون إلى الهجمة الخارجية في تصنيع المسابح بسبب ازدياد تصنيعها في خارج المراكز الإسلامية .

واليوم قد لا تعد المسبحة مظهلرا أو مسلكا دينيا بل أصبحت عادة اجتماعية في بعض المناطق وهدايا ينقلها الحجاج وفي بعض الأحيان يقدمها الناس العاديون إلى آخرون كسبا للمودة أو المنفعة .

ولم يعد ضروريا أن تكون صفة ملحوقة للمسلم ،بل أصبح المسيحي أو أصحاب الديانات الأخرى يستخدمها أيضا ،وأحيانا يستخدمها بعض الأروبيين كاليونانيين وغيرهم من الأجانب .فهي تفيد في أغراض شتى وخصوصا لهؤلاء الذين لا يرون فيها ضيرا وقد يرون فيها خيرا .

2- المناطق الجغرافية لانتشار المسبحة

تنتشر المسبحة اليوم في عدد كبير من دول العالم وخاصة في الدول العربية والإسلامية ، ,وإن كانت كثافة الانتشار تختلف من مكان لآخر .

وكما أسلفنا في مجال التطور التاريخي للمسبحة ,فإن سرعة انتشارها لمختلف الأمصار ازداد منذ أواسط الحكم العباسي في العراق كما ازداد أيضا وانتعش خلال النصف الثاني من حكم بني عثمان الإسلامي في تركيا . وفي القرن الأخير امتد انتشار المسبحة إلى أماكن وبقاع لم تعرف من قبل إطلاقا . ومن الأسباب التي أدت إلى انتشارها جغرافيا في الماضي ما يلي:

أ - اتساع رقعة الأمصار الإسلامية

على الرغم من أن الشعوب المختلفة في منطقة الشرق الأوسط عرفت شكلا من أشكال المسبحة واستعملتها لمختلف الأغراض كالزينة والتباهي ولغرض التدين .إلا أن تحبيذ بعض المسلمين لها في عمليةتسبيح الباري عز وجل أو من قبل الصوفيين ، وأصحاب الطرق الدينية ، وحملة المسابح في الأعناق في مصر وتركيا والعراق وغيرها . . . أدى ذلك كله إلى تعزيز محبة المسبحة في قلوب قطاع كبير من الناس من الناحية الدينية ، باعتبارها رمزا للإنسان المسلم المتعلق بحب خالقه العظيم وأداة لتسبيحه ، وبعد انتشار الدين في مناطق جديدة من بغداد إلى حدود الصين ===== شرقا وإلى جنوب أوروبا شمالا وحتى المحيط الأطلسي غرباً وتأثرت الشعوب التي أسلمت بالدين الإسلامي الحنيف ببعض المظاهر والعبادات والصلوات والتسبيحات والتهليلات، بدأت هذه الشعوب باستخدام المسبحة، خصوصاً وأن البعض منهم لم يجد غرابة فيها وإن كان البعض الآخر منهم قد انتقد استخدامها.

ب - ازدياد الثروات والإمكانات المالية.

لقد أدى هذا العامل إلى إقبال بعض الناس لصناعة المسبحة من مواد جديدة أو نفيسة لتوفر المال اللازم وذلك لأسباب تتعلق بالمسبحة الخاصة للتسلية أو للزينة أو للتباهي والمظهر العام أو للأغراض الدينية. علماً بأن الحركات الصوفية كانت ولا تزال تستخدم مسابيح من مواد بسيطة كالطين والخزف والعظام والصدف أو غيرها من المواد الزهيدة الثمن أو المواد التي لها قدسية خاصة.

ج - ازدياد المراكز الدينية والأسواق الملحقة بها.

خلال العصور السابقة تكونت بعض المراكز الدينية في عدد من الأقطار الإسلامية كمكة المكرمة والمراقد المقدسة في العراق وإيران وقبة الصخرة في القدس الشريف والجامع الأزهر وحي الحسين في مصر وغيرها من المناطق الأخرى التي انتشرت فيها قبور الأولياء والصالحين أو أصحاب الطرق الصوفية وهكذا. ولقد انتشرت الأسواق الملحقة بهذه المناطق وتأسست صناعات مختلفة منها صناعة المسبحة للحجاج والزوارلهذه المناطق.

كذلك الحال بالنسبة للمراكز الحضرية القديمة والجديدة الإسلامية وغير الإسلامية، إذ انتشرت فيها محال بيع المسابح أو صناعتها، وبنفس القدر فإن بعض الدول التي كانت تنتج مواد تناسب صناعة المسابح ازداد إنتاجها بشكل كبير بعد أن ازداد الطلب على المسبحة، وبعض هذه الدول كانت دولا غير إسلامية مثل ألمانيا والصين وروسيا وبولندا وغيرها.

د - اتساع رقعة التبادل التجاري الدولي.

إن هذا العامل أدى إلى ازدياد الطلب على المسبحة، حيث أن بعض أنواع خاماتها أو طريقة صنعها تتوفر في مكان معين، ليتاجر بها في مكان آخر.

كذلك فإن المسبحة انتعشت تجارتها ما بين المنتج والمستخدم خلال وقت الرخاء والتبادل التجاري، وكسدت تجارتها خلال وقت الكساد والتأخر الاقتصادي في الدول الإسلامية وخصوصاً تلك التي تصنع من المواد الثمينة والأحجار الكريمة بطبيعة الحال.

والملاحظ أن بعضها دخلت إلى ميدان التجارة الدولية بعد انتعاش التجارة فيما بين الدول وتطور وسائل النقل خلال القرون الثلاث الأخيرة. واليوم انتشرت المسبحة وتجارتها انتشارا كبيراً بعد تطور العلوم والتقنية اللازمة لصناعتها سواء بالنسبة للمواد من الأحجار النفيسة أو شبه النفيسة أو الرخيصة جداً مثل الطين أو البلاستيك أو من إنتاج المواد العرضية كمادة النفط المكرر ومشتقاتها.

والمسبحة عموما تنتشر في مناطق الشرق الأوسط وبتركيز خاص في العراق ومصر وتركيا والأردن وسوريا وفلسطين وإيران ودول الخليج ولبنان والمملكة العربية السعودية ( منطقة مكة على وجه الخصوص ) كما أنها تنتشر في دول آسيوية أخرى مثل باكستان وأفغانستان وبعض أجزاء الهند وجنوب الاتحاد السوفياتي ( طاجقستان ) وأذربيجان وعلى نطاق أخف في بقية دول آسيا الأخرى.

علماً بأن بعض الدول الآسيوية الأخرى أصبحت منتجاً رئيسياً لأنواع المسابح ( عدا المراكز القديمة في العراق وإيران ) وبعضها فاق إنتاجها عن مواطنها الرئيسية مثل تايوان وهونج كونج والصين وأندونيسيا وماليزيا. كما وتنتشر المسبحة انتشاراً كبيراً في تركيا وقبرص واليونان وبعض مناطق الدول الأوربية إلى حد ما، مثل يوغسلافيا وألبانيا وغيرها.

وتنتج بعض الدول الأوربية المسبحة مثل ألمانيا وبولندا وروسيا حيث تشتهر هذه الدول بإنتاج مسابح الكهرب بصفة خاصة وبقية الأنواع من الخامات الأخرى بصفة عامة.

وفي الشمال الأفريقي، يكاد يكون تركز المسبحة، صنعاً واستخداماً في مصر، وهي من الدول المصدرة للمسبحة بشكل كبير وأحياناً مستوردة للنفيسة منها مثل الكهرب أو غيرها.


http://up.top22arab.com/uploads/imag...b2fe444457.jpg



ويمتد الانتشار للمسبحة في شمال أفريقيا ولكن بشكل يخف تدريجياً كلما ابتعدنا عن مصر، مثل تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا وغيرها. كما تنتشر المسبحة في السودان وبعض الأقطار الإسلامية الأخرى في أفريقيا. إن بعض الدول الأفريقية تنتج المسبحة كزائير وتنزانيا والمغرب وغيرها، وبودنا أن نشير إلى أن المسبحة تنتج وتصدر اليوم من مناطق بعيدة في أمريكا الشمالية والجنوبية خصوصاً من المواد النفيسة كالفيروز والإمشست وغيرها.

أخيراً وبسبب الانتشار للمسبحة الرخيصة بشكل عام والنفيسة بشكل خاص لإشباع بعض الطلبات، فقد تجدها اليوم في كثير من مدن العالم معروضة كما تعرض بقية السلع من كل نوع، بسبب ولع وإدمان لبعض الناس وإنها من حيث الكلفة في متناول مختلف الطبقات الاجتماعية بعد ازدياد إنتاجها من المواد الزهيدة الثمن والسريعة عند التصنيع.

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:04 AM

عناصر المسبحة ، موادها وتباين أجزاؤها


تتألف المسبحة منذ القدم من قطع او حبيبات مصنعة من مواد مختلفة وهذه الحبيبات ذات عدد معين يكون في معظم الأحوال مبني على قاعدة أو اعتقاد محدد . بالإضافة إلى قطع المسبحة الأخرى المختلفة كقطعتي الفواصل التي تقسم المسبحة في العادة إلى ثلاث أقسام وقطعة ثالثة تسمى بالمنارة أو المئذنة يتجمع فيها طرفي خيط المسبحة ويعقد بعدها . وقد يكون خيط المسبحة من مواد نباتية أو حيوانية أو سلك أو سلسلة معدنية . إن ذلك يعني أن جميع مكوناتها مثقوبة تصلح لمرور الخيط فيها ، وفي أكثر الحالات تنتهي المسبحة من جانب المئذنة أو المنارة بقطع إضافية تدعى أحيانا بالشرابة (أو الكشكول) مع دلايات إضافية من مواد الخيوط او المواد المعدنية النفيسة وغير النفيسة وبأشكال متنوعة .
عموما يراعى عند صنع المسبحة ما يلي :
  • السهولة والمرونة التامة لمرور وتداول الحبات بالأصابع واتصافها بالنعومة والرقة عند ملامسة اليدويتم تصنيع الحبات لتلائم الاستخدام اليدوي في معظم الحالات .
  • تناسب حجم وشكل ووزن الحبات النوعي مع حجم وشكل ووزن المسبحة الاجمالي ، وبذلك تختلف المسابح حسب نوعية موادها ، ويُفترض في حملها راحة اليد بالنسبة للوزن .
  • يراعى متانة الخيوط أو الأسلاك أو غيرها كما تراعى ديمومة الخيوط ونوعيتها .
  • ضرورة صقل أوجه القطع والحبات بشكل عملي لمنع تكسرها أو انشطارها . ومن المؤثرات الإضافية الأخرى التي تحدد أوجه صناعة المسبحة وتؤثر على شكلها المنتج تأثيرا بالغا ما يلي :
  • نوعية الاستخدام حسب الطلب . فهناك الاستخدام الديني في التسبيح والتهليل والذكر وهناك الاستخدام الاجتماعي لغرض التسلية أو التعود أو المباهاة أو الهواية ، وهذه الاستخدامات تحدد عدد حبيبات المسبحة ، وشكلها النهائي أو حجمها .
  • نوعية المادة المستخدمة ، تتباين المواد المستخدمة من حيث صلادتها أو وزنها النوعي أو من حيث علاقتها بالخرافات والأساطير المرتبطة بمادة ما ، وبسبب الخصائص النوعية لبعض هذه المواد فقد يؤدي ذلك إلى تحديد مسبق أو غير مسبق لشكل المسبحة وطريقة صناعتها وشكلها النهائي .
  • مكان صناعتها او مكان استخدامها النهائي ، قد يفرض مكان الصنع شكلا معينا للمسبحة المنتجة أو لونا معينا وقد يتطلب الأمر مهارات موجودة في مكان ما قد لا تتوفر في مكان آخر ، كذلك قد يحدد الطلب على بعض الأنواع طريقة معينة للتصنيع .
  • الأوضاع الاقتصادية والمادية ، قد نفرض الأوضاع الاقتصادية والمادية نوعا معينا من التصنيع أو المواد حسب الزمان والامكانات . فكلما تحسنت الأوضاع المادية أقبل بعض الناس على طلب المسابح النفيسة والعكس صحيح ، وقد يرتبط إضافة إلى ذلك ، الذهب والفضة والجواهر النفيسة بالمسبحة كما هو حاصل في هذه الأيام ، على الرغم من أن غالبية المسابح المنتجة في هذا اليوم هي من النوع الزهيد .
ومن القضايا المهمة التي أثرت على المسبحة وغيرها هي قدرة المعدات الصناعية أو المهارات الفنية التي يستخدمها الإنسان ، وقابلية هذا التطور الفني والتكنولوجي والعلمي على تلبية الحاجات للإنسان بأسعار معقولة .
ففي عصر الثورة الصناعية والعلمية الفائت والمستمر إلى حد هذا اليوم أيضا تطورت وسائل الانتاج بدءاً من انتاج الاحجار الكريمة وشبه الكريمة وإلى ابتكار المواد المركبة والمصنعة ، فضلا عن دخول عصر البلاستيك والمواد المنتجة من البترول وقاعدة عريضة من المواد المتوفرة الأولى . كما وبرع الناس في هذا القرن في انتاج مواد مشابهة للمواد الطبيعية ، مما أتاح ازدياد عمليات التقليد والتزوير لكثير من المواد ، حتى أصبح التمييز والتفريق في بعض الأحيان أمراً في غاية الصعوبة .
كذلك أنتجت المكائن الصناعية الحديثة والمخرطات الآلية السريعة والكابسات الكبيرة ، مما أمكن إنتاج المسابح بكميات تجارية غزيرة ورخيصة حسب نوع المادة .
غير أن كل هذا التطور لم يمنع ، وإلى حد هذا اليوم من وجود صناعة يدوية حرفية للمسبحة في بعض الأقطار ، وإن كان البعض من الصناع يستخدم المكائن نصف الآلية في الانتاج كاستخدام الماتورات وغيرها .
وتمر المسبحة في كل الأحوال المختلفة وحسب الطلب بمراحل معينة عند التصنيع القديم أوالجديد ، لا بد من أن نتطرق إليها كي يمكن الإحاطة الشاملة حسب عناصر التصنيع من جهة ومن جهة أخرى حسب نوعية موادها .

1 - أسباب إنتقاء المواد لصنع المسبحة
تختلف الأسباب التي تؤدي إلى إنتقاء أو اختيار نوعا معينا من المواد إلى نوع آخر ، وخصوصا في الوقت الراهن ، على الرغم من عدم إمكانية فصل أسباب الإنتقاء بشكل محدد ، إذ يمكن أن يكون سبب الإنتقاء والاختيار واحدا أو اثنين أو كل الأسباب مجتمعة مع بعض . كما أن سبب الإنتقاء لتصنيع عناصر مواد المسبحة قد يختلف من زمن لآخر وقد يكون ، في بعض الأحيان ، الاستمرار في الصناعة لبعض المواد نظرا لارتباط الناس وحسب قناعاتهم بهذه المادة او تلك دون الأخرى .
أ - أسباب دينية ، قدسية ، عقائدية أو موقعية :
لقد أدت هذه الأسباب في بداية الأمر إلى تصنيع المسبحة من مصادر لها قدسية خاصة كما أن عناصرها في عهد الإسلام وعدد قطعها أصبح لها طابع خاص برقم مميز . فكما أشرنا آنفا ومنذ العصر العباسي (بالنسبة للمسبحة الإسلامية) فقد اختار الناس صناعة المواد للمسبحة من تربة النجف أو كربلاء سواء بلون التراب الطبيعي أو المصبوغ باللون الأسود أو المصنع على شكل حبيبات خزفية . كذلك فقد تم اختيار مادة اليسر من البحر الأحمر وتصنيعها قرب مكة المكرمة ، فضلا عن استخدام الصدف أو خشب أشجار الزينون ونواة الأثمار من مناطق قرب مدينة القدس المشرفة ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، لتصنيع واختيار مواد المسابح قرب المراكز الدينية . وكذلك الحال بالنسبة للعقائد الصوفية وأصحاب الطرق وحركات الدروشة إذ اختيرت المواد التي تحمل طابع تقشفي مثل العظام والاخشاب والصدف والقواقع وغيرها نظرا لطبيعة العقائد لهؤلاء القوم . فظلا عن أعلاه ولغرض التسبيح فقد تحدد حجم وعدد حبات المسبحة حسب نوعية المستخدمين ، إذ أن عدد حباتها تحدد بعدد أسماء الله الحسنى (99 حبة زائدا الملحقات) والبعض من الناس من أتباع الطرق الصوفية أوصلها إلى (1000) حبة أو يزيد .
عموما ، اقتضت الحال على ما نطلق عليه اليوم (بالمسبحة الدينية) أن تكون عناصرها من الحبات الصغيرة الحجم ، المتوسطة الوزن وبحدود 80 غراما كمعدل عام ، وإن كانت هنالك استثناءات لذلك ، وان ألوان المسبحة فيها صفات الوقار وعدم اختلاط الألوان ، وفي معظم الأحوال سيادة ألوان معينة كالأسود والأبيض أو ألوان المواد الطبيعية في الأرض وغيرها .
ب - أسباب تتعلق بنوعية المادة ومواصفاتها بالنسبة للوزن النوعي والصلادة :
ولغرض جعل حمل المسبحة باليد وتحريك حباتها بالأصابع مريحا فقد اتجه الصناع إلى استخدام بعض المواد التي لها خاصية ذلك ، مثل مواد الكهرب واليسر والصدف والأخشاب الثمينة كالصندل والأبنوس وكذلك مادة العاج والعظام والخ . . . . . حيث يستطيع الصانع انتقاء هذه المواد وتصنيعها بأحجام حبات صغيرة أو كبيرة أو حسب الطلب . أما المواد الحجرية الأصل أو الأحجار الكريمة وشبه الكريمة والمرجان وغيرها فإن هذه المواد وعند التصنيع تلزم الصانع بناحيتين ، الأولى : أنها نادرة الوجود في أحجام كبيرة في معظم الأحوال ، والثانية : أن وزنها النوعي يحدد أحجام الحبات ويجعلها على نمط حبات صغيرة حفاظا على الوزن النهائي والاجمالي لقطع المسبحة بحيث تكون سهلة التعامل يدويا ولا تشكل ثقلا على اليد المستخدمة موفرة الراحة التامة. بالاضافة إلى الكلفة المفترضة إذا كانت من النوع الثمين .
أما في الوقت الراهن فقد أمكن استنباط مواد مركبة جديدة مصنعة او مخلوطة وبالتالي أمكن التحكم بمسألة الانتاج بحيث أمكن انتاج مسابح ذات صفات شكلية مشابهة وأصبح بالامكان تلافي قضية الوزن النوعي ، على أن وجه المقارنة غير ممكنة بسبب اختلاف المنتوج الصناعي عن الطبيعي من حيث الكلفة .
جـ - أسباب الانتقاء لمواد جرت العادة على استخدامها للصناعة :
لقد اعتمدت بعض المجتمعات العربية الإسلامية على أنواع من مواد المسبحة فالحجاج لمكة تعودوا على شراء مسابح اليسر بأنواعه او المرجان وقام الصناع على انتاجها من تلك المواد . والطلب المعتاد على المواد المرغوبة في تركيا الزم تصنيع بعض المواد المتوفرة فيها محليا مثل حجر الأرض روم الأسود وحجر النارجين البني (وكلها متحجرات خشبية ذات وزن نوعي ملائم) كذلك انتجت المسبحة من مواد لها قيمة تاريخية ومعنوية كمادة الكهرب في استانبول والمانيا ومصر حيث اعتاد الناس على توقير هذه المادة لما لها من وزن مناسب ورائحة تنبعث عند الدعك ومعتقدات أخرى . وبعض الناس من تعود على تصنيع المواد ذات الاصل الحجري أو النباتي والخشبي والأمثلة هنا ليس لها حد .
د - أسباب الطلب حسب حالة المجتمع الاقتصادية :
لغرض تلبية بعض الطلبات الخاصة من الأثرياء أو الحكام فقد انتقيت بعض المواد الثمينة وأحيانا الثمينة جدا كالزمرد والياقوت والامشست والمرجان واللؤلؤ والكهرب والفضة والذهب والعاج وعين النمر واللابيس لازوليه وقائمة طويلة من نفائس الحجر والمواد ، تلبية لرغبة وجهاء القوم ، خصوصا في هذه الأيام إذ لم يترك حجر او مادة لم تصنع منها المسبحة .
وبودنا القول هنا أن المسبحة دخلت إلى عالم الهدايا المقدمة والمناسبات لمختلف طبقات الناس ، سواء الغنية منها أو الفقيرة وإن كان طلب الغني أكثر تكلفة من الطلب الآخر . وقد اعتاد بعض الناس في الآونة الأخيرة على انتقاء مواد لم تكن معتادة على تصنيعها لغرض تقديمها كهدايا ومن عناصر نادرة كمادة قرن الخرتيت (وحيد القرن) ومادة البخور المعجون والذهب وبعض أنواع الأحجار شبه الكريمة والكريمة وغيرها مما أضفى على صناعة المسبحة طابعا جديدا .
هـ - الانتقاء لمواد ارتبطت بالأساطير والخرافات والطب القديم :
منذ القدم ارتبطت سمعة بعض المواد بالأساطير ، فمادة الكهرب لها قدرة على شفاء بعض الأمراض ، ومادة اليسر تطرد الهم ، والفيروز للشجاعة ، والعقيق لشفاء الجروح وطرد السموم ، والمشست لازالة الشحوم من البدن والخ . . . . . . . من الأساطير والخرافات . إن ذلك جعل لبعض المواد سمعة خاصة وبالتالي افرد لها طلب خاص في بعض المجتمعات ، ومن الغريب أن نجد في هذه الأيام وفي عالم اليوم الصاخب من لا يزال يؤمن بهذه الأساطير ويسعى إلى اقتناء المسابح التي تتكون من مواد خاصة يعتقد بها ويؤمن بها إلى حد الهوس أحيانا . (موقع الأرقام لا يستبعد أن تكون هنالك بعض الحقائق والصحة فيما يروه ويعتقده الناس من فضائل هذه الأحجار الكريمة التي هي هبة من الله وفرها لهم في هذه الأرض) .
و - الانتقاء للمادة حسب جمالها وشكلها في الطبيعة أو حسب ندرتها أو سهولة أو صعوبة تصنيع المواد الطبيعية :
من الواضح أن لهذا العامل تحديد مهم في عملية انتقاء المواد في الزمن السابق فكان الطلب كبير على المواد الحجرية والحيوانية وخاصة تلك التي لها جمال طبيعي يتحسن بالصقل والشطف ، إلا أن ندرتها أو صعوبة تشكيلها كان عائقا أمام تصنيع المسابح منها بيد أن تطور الأوضاع في القرن الحالي وتغير تكنولوجيا الصناعة والتعدين أتاح فرصا جديدة لم تكن متاحة في السابق . فالعلم طوع الاستخراج وتصنيع الأحجار بالشكل والكم والنوع المطلوب ، بل وشمل ذلك المواد الرخيصة أو المواد المركبة كيماويا واليوم تنتقي الأحجار والمواد وتنتج بأساليب حديثة ومبتكرة لم تخطر على بال ، وحيث أخذت مسابح اليوم شكلا متقنا ولم يعد صانع المسبحة يقلق تجاه موادها طالما توفر الطلب عليها ، بل قام بعض الصناع بابتكار أو انتقاء مواد جديدة لم يذكر التاريخ ان المسبحة قد صنعت منها على الاطلاق .

2 - مراحل صناعة المسبحة ، وطرق التصنيع والتطعيم :
وبعد الانتهاء من عملية انتقاء المواد المناسبة لصناعة المسبحة لا بد لنا ان نشير إلى أن عمليات الانتقاء في كافة مراحل التصنيع مستمرة وحتى وصول المسبحة إلى يد المستخدم النهائي .
ولا بد للصانع من استقراء حجم الطلب النهائي ، للمسابح الزهيدة الثمن أو النفيسة ، لذا فإن عملية متابعة جملة من العناصر ، كما هي الحال في انتاج بقية انواع المواد المستخدمة من قبل الإنسان .
ومن البديهي أن نذكر أن تزايد عدد السكان في العالم العربي والإسلامي أدى إلى تزايد الطلب عليها ، ومن نتائج هذا التزايد أيضا ارتفاع معدل الزوار والحجاج للاماكن المقدسة مع تطورات الأحاسيس الدينية ، ومع تقدم انتاج المواد الصناعية واستخدام الآلة في الزخرفة والتطعيم وفي الخراطة وانتاج حبيبات المسبحة بشكل متقن وسريع فإن ذلك أدى إلى ازدياد الطلب والانتاج والجدير بالذكر أن معظم مراحل صناعة المسبحة يعتمد على عنصر الخراطة أو الأساليب الفنية الحديثة في صب وسكب وكبس المواد والمعادن .
ولغرض المقارنة فقد انتجت في الأزمنة القديمة مسابح باستخدام اليد بالكامل ومن دون استخدام أية وسيلة كالخراطة مثلا . فبعضها وخصوصا من الطين أو الخشب أو الأحجار نحتت نحتا وكونت الحبيبات ثم صقلت بأنواع من الحجارة الخشنة ، ومن ثم ثقبت الحبيبات ونظمت بالخيط أو ما شابه ذلك . إلا أن استخدام المخرطة سواء اليدوية أو الآلية منها أزال جهدا كبيرا من العملية اليدوية في الصنع وبصورة اكثر اتقانا وكفاءة . لذا فاستخدام اليد أو اسلوب الخراطة اليدوية يعتبره البعض اسلوب بدائي حرفي في صناعة المسبحة (من بعض المواد) وإن لم تزل بعض هذه الأساليب سائدة إلى هذا اليوم في بعض الأقطار الآسيوية والإفريقية .
وفي بداية القرن العشرين وبعد أن تطورت الصناعة كما أسلفنا وخصوصا صناعة الأحجار الكريمة وشبه الكريمة والتي دخلت عصر الانتاج الذهبي سواء الأصيل أو المقلد منها ، إلى الحد الذي استخدمت الأحجار الكريمة وشبه الكريمة في مجال الذرة والصناعة الخاصة بالإلكترونيات والكهربيات والآلات المغناطيسية والساعات وإلى سلسلة من معدات الحياة الأخرى . وبالتالي ساعد ذلك كله على ارتفاع تقنية التصنيع إلى حد أشبه بالكمال . ولذا تطورت الصناعة المتقدمة والآلية إلى الحد الذي أصبح انتاج الجواهر والمواد شبه الكريمة عملية آلية أوتوماتيكية كما أصبحت فيه منتجات الجواهر والأحجار اليدوية القديمة ، توضع بالمتاحف وان تعتبر تحفا لماض عريق وثروة لا تقدر بثمن ، وكذلك الحال بالنسبة للمسابح القديمة من المواد الثمينة .

3 - أشكال المسبحة ، عدد الحبات وشكل الملحقات الأخرى


نعالج في هذا الجزء الصفات العامة للمكونات سواء من حيث شكلها العام أو شكل وحجم وعدد الحبات ، فظلا عن بعض التفاصيل في ملحقاتها كالمنارة والفواصل والشرابات والدلايات والخيوط وغير ذلك .
إن المسبحة الدينية أو تلك الخاضعة لحكم التسلية واللهو أو قضاء الوقت ، تتألف من أعداد معينة من الحبات والقطع الإضافية منظومة بالخيط يُستفاد منها في تداول الأصابع للحبات بوتائر حركية منتظمة أو غير منتظمة . ويُفترض في هذا المجال أن تكون الحبات متساوية الشكل والحجم والنعومة عند اللمس كي يمكن المحافظة على حركتها الانسيابية خصوصا بعد ترك مسافة معينة في الخيط تتيح الحركة لحبات المسبحة بالأصابع . وقد تصبح المسبحة وسيلة للحساب والعد أحيانا ، كما قد يكون لوقع تساقط حباتها ، وخصوصا لبعض المواد أو الأحجام ، وقع روتيني أحيانا أو غير روتيني في أحيان أخرى ، وقد يبعث هذا الوقع عند بعض الناس راحة نفسية وعند البعض الآخر منهم القلق والاضطراب .
وبعض فئات المجتمع من الدراويش أو أصحاب وأتباع الطرق الصوفية من يحملها في عنقه والبعض الآخر من الناس من يضعها في جيبه أو يركنها في منزله أو مع سجادة صلاته ، بل وصل الحال أحيانا لبعض الناس من يعلقها في سيارته (غالبا في المرآة الأمامية) لغرض الزينة فقط وهكذا .
والمفاضلة أو الرغبة لدى الناس متباينة حسب التعود أو حسب الطبقة الاجتماعية فمنهم من يفضل شكل وحجم حبات معين ، وآخرون يفضلون نوع مادة على مادة أخرى ، والبعض الآخر من يفضل ألوان معينة أو يرغب في شكل ملحقات معينة . . . إلى آخر أسباب التفضيل الإنساني المختلفة في الحياة الخاصة بكل إنسان واعتقاداته القديمة المترسخة أو المستحدثة .
كذلك يمكننا القول أن اختلاف شكل وحجم المسبحة يختلف أيضا حسب اختلاف الشعوب والبقاع حيث اطلقت عليها مسميات حسب المنطقة المنتجة أو المستخدمة فقد قيل (مسبحة اسطمبولية) (عامية) دلالة على صناعة اسطمبول (ومسبحة نجفية) من انتاج مدينة النجف في العراق (ومسبحة يسر مكية) دلالة على مسبحة اليسر المفضفضة أو المنتجة في مكة (والأفغانية) على سبحة حجر البازهر . كما قيل (مسبحة ألمانية) دلالة على مسبحة الكهرب المنتجة في ألمانيا (والأرض روم) على مسبحة المتحجرات السوداء في تركيا والمنتجة من تلك المنطقة (والنيسابورية) على مسبحة الفيروز المنتجة في إيران وإلى آخر القائمة .
وقد تطلق صفة حامل المسبحة على مسمى المسبحة أحيانا فقد يقال عن المسبحة الكثيرة العدد (حوالي 100 حبة) اسم (سبحة الدراويش) وأحيانا (سبحة صاحب الطريقة) وقد يقال أحيانا (سبحة الملا) وهي مسبحة رجل الدين في العراق (عامية) واليوم تسمى تلك ذات الألوان البهيجة والصغيرة الحبات (بالمسبحة الشبابية) استنادا لمستخدميها من الشباب أو غير الشباب . ولعل أكثر الناس من يطلق عليها اسما حسب نوع مادتها فيقال مسبحة الكهرب أو اليسر أو العقيق أو الفيروز ، وما إلى ذلك . ولقد تضاربت آراء الناس فيما يتعلق بتقديرات عمر كل مسبحة حسب أشكالها ومادتها أو ألوانها وأحجامها المتعددة . وبودنا القول في هذا المجال أن عمر المسبحة يقدر بالزمن الذي صنعت فيه وليس بزمن انتاج المواد الأولية المكونة لها . وبعض الناس من لديه تقديرات افتراضية جيدة وخصوصا فيما يتعلق بمسبحة الكهرب أو اليسر أو غيرها استنادا إلى خبرتهم الطويلة في مواصفات الأحجار وطرق الصنع المختلفة حسب تخصصات كل منطقة وحسب الوقت الذي سادت فيه صنعة معينة على أخرى ، فضلا عن تأثير حالة تقادم الومن على ألوان الحبات على سبيل المثال . واليوم ينتشر الباعة في كل مكان تقريبا ، وخصوصا للرخيصة منها ، وتجدها في الأسواق العامة أو في المتاجر أو قرب المراكز الدينية ، سواء تلك الموضوعة على بسطة أرضية أو معلقة في المتاجر مثل سوق خان الخليلي في مصر وسوق المدرسة المستنصرية القديمة في بغداد وسوق (قباغلي شارصي) في اسطامبول وحوانيت عمّان والشام ومكة المكرمة وأسواق عديدة أخرى .
ومن الطريف هو ما حصل لتغير بيع الأماكن التقليدية للمسبحة وخصوصا الثمينة منها ، فهي قد تباع حاليا في المطارات ومتاجر الفنادق الكبرى أو محلات الجواهر في مدينة جنيف مثلا وفي مدن أوروبية أخرى كباريس ولندن ووارسو ونيويورك .
وفيما يلي ندرج بعض التفاصيل العامة لعناصر ومكونات المسبحة من حيث حجم وشكل الحبات وعددها وأثر ذلك على أنواعها ، كما سندخل في بعض تفصيلات أشكال الفواصل والمنارات وملحقاتها الأخرى من خيوط وشرابات وما شابه ذلك .


أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:04 AM

أ - انتقاء المواد والأحجار وتناسق اللون والوزن والنوعية (Selection)
بعد حصول الصناع على المواد الأولية حسبما ذكرنا آنفا في مجال الانتقاء الأولي الأساسي ، هناك انتقاء لاحق ثاني من قبل الصناع والحرفيين وتعتبر عملية الانتقاء هذه مكملة لعملية الانتقاء الاولي ، والواقع أن هنالك شبه تخصص في هذا المجال لأن غالبية صانعي المسابح ينقسمون إلى ثلاث فئات : ،الفئة الأولى :وهي المجموعة التي تهتم بمعالجة المواد المصنعة أو الأولية الرخيصة وتشمل انتقاء أو تركيب أو شراء المواد المحلية المتوفرة ، وهنا تدخل مواد مختلفة مثل مواد الأتربة والخزف والزجاج والأخشاب وبذور النباتات وعظام الحيوانات واليسر والمتحجرات المختلفة ، فعلى سبيل المثال تقوم هذه الفئة باختيار وتركيب بعض المواد أو المواد البلاستيكية على شكل أعمدة اسطوانية مختلفة الأقطار والطول وحسب الحاجة حيث قد يكون معدل قطر العمود ما بين 4 - 14 ملم ، كما يكون معدل طول الأعمدة متباين حسب نوعية المادة ، وتقوم بعض المحترفات والمحال بهذه العملية في العراق ومصر وغيرها . إن اختيار الأعمدة ذات الأقطار المعينة والألوان المطلوبة يمثل المحدد المهم لحجم وشكل الحبيبات وشكل المسبحة في نهاية الأمر .
كما يقوم فئة هؤلاء الصناع على صناعة حبيبات الخرز من الطين والخزف وقد توضع في أفران خاصة وقد يصبغ المعجون الأساسي لمكونات هذه المواد بالألوان أو المواد الزجاجية في هذه المرحلة أو في مرحلة لاحقة .
أما الأخشاب والبذور والعظام فيتم اختيارها حسب الألوان والغلظ والأحجام المناسبة وتنظيفها من الشظايا والزوائد تمهيدا للمرحلة الأخرى ، وتقوم بمثل هذه الأعمال محترفات أو أناس بصفة شخصية في مصر والقدس والعراق وتركيا والهند والباكستان وغيرها .
الفئة الثانية من الصناع : هي الفئة التي غالبا ما تتعامل مع المواد الغالية نسبيا أو النفيسة والنادرة مثل اليسر والكهرب والعاج والمرجان وأنواع أخرى من هذه المواد . حيث تقوم على سبيل المثال بانتقاء الأغصان الجيدة من مادة اليسر الأسود مثلا ومنها ما تستخرج محليا من مغاصات البحمر الأحمر أو الخليج العربي وتقسم حسب غلظ الأغصان وصلادتها ونقسيمها إلى أغصان عادية ولب اليسر (وهو مفاصل الأغصان) .كما يقوم بعض أعضاء هذه المجموعة بتحويل عقود الكهرب النسائية أو مكعبات الكهرب القديمة وتقسيمها حسب اللون تمهيدا للمرحلة الثانية . كما قد يقوم هؤلاء باختيار مقاطع العاج المناسبة وأحجار المرجان حسب اللون والصلادة وتنظيفها .
الفئة الثالثة : هي المجموعة التي تشمل قسما من الصناع الذين يهتمون بانتقاء مواد محلية غاية في النفاسة أو استيراد المواد من خارج المنطقة لعدم توفرها محليا ، وبعض هؤلاء الصناع تركزت صناعتهم في خارج المناطق العربية أو الإسلامية . أما الفئة التي تتوطن في المنطقة فهي تختار مواد مثل الذهب والفضة واليسر والعاج والمتحجرات والفيروز والبازهر والصندل والأبنوس وغيره . وكمثال فيما يخص مادة الفيروز أو البازهر يقوم المختصون بتقسيم المواد (الأحجار) حسب اللون والحجم والصفا والتأكد من عدم وجود الشوائب والشقوق وسيادة الألوان المطلوبة في السوق ، وتتركز الصناعة هذه في مصر وإيران وتركيا والمغرب وأفغانستان والهند وغيرها .
الفئة الخارجية : في هذه الفئة تقوم صناعتها في الدول الأجنبية التي تتوافر فيها المواد والخام (وقد لا يتوافر فيها ذلك) مثل الدول الأوربية وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية ، فعلى سبيل المثال : تقوم صناعة مسابح الكهرب الرئيسية في ألمانيا وروسيا وبولندا وغيرها . وأثناء تجوالنا عند أماكن صناعتها في بولندا سواء العلنية منها أو السرية وجدنا أن انتقاء المادة يتم بعد وضع الخام المكتشف أو المستخرج في أكياس ذات وزن بحدود 1 كغم وأحيانا يزيد عن ذلك ، ويتم الاطلاع على محتويات الأكياس بنظرة متفحصة لمعرفة الأحجام المعروضة والألوان الموجودة ، وأسعارها تقل في أغلب الأحوال عن نصف قيمة المواد المصنعة منها مع تقدير الفارق بين أنواع الكهرب .
وفي نفس الاقطار التي أشرنا إليها في هذه المجموعة يقوم الصناعيون باختيار مجموعات من الأحجار شبه الكريمة كالعقيق وعين النمر وحجر النار وغيرها ، بالشكل الذي يضمن تناسب الأحجام والألوان وخلو الأحجار من الشوائب المؤثرة والشروخ والمواد الترابية . وبعض المواد النادرة الاخرى مثل الأمشست والياقوت والتوباز . وبعض البلورات النادرة تباع بالقيراط .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:05 AM

ب - القطع والتثقيب (Cutting , drilling)
في هذه المرحلة من التصنيع تتشابه من حيث فئات الصانعين كما في المرحلة السابقة ، ولعل السبب الرئيسي يعود إلى التخصص وإلى اختلاف القطع أو تركيب المواد الموجودة في الطبيعة أو تلك التي يقتضي إجراء تصنيع تحويلي لها مثلها مثل الصناعات التحويلية الأخرى ، لذلك تختلف طرق القطع والتثقيب ووسائلها إلى حد ما وقد تختلف مناشير القطع وآلات التثقيب لكل مادة أو قد تتشابه . ففي حالة الفئة الأولى وهي المسابح الرخيصة أو المصنعة محليا ، يتم تحديد شكل أو حجم أو قطر الحبيبات مع الملحقات (الفواصل والمنارة) أولا ليكون متناسبا مع حجم المؤاد المصنعة أو الأعمدة لتلافي الخسائر الانتاجية من المخلفات ما أمكن .
ففي حالة الأعمدة أو المواد المصنعة تقطع بواسطة المناشير اليدوية أو الآلية إلى قطع تكون أقطارها مساوية تقريبا لحجم وقطر الحبات والملحقات المزمع انتناجها ، وبعد ذلك تثقب بمثاقب مختلفة حسب نوع المادة وصلادتها الموعية . علما ان بعض المواد المتنوعة تكبس بمكابس خاصة أو تصب في قوالب خاصة تكون مناسبة لحجم القطع المزمع انتاجها أيضا .
كذلك ومن مواد هذه الفئة الأخشاب أو العظام والتي تقطع بالمناشير حسب الأحجام المطلوبة وإن كانت سماكة بعض العظام كعظام الجمال والحيتان تحدد مسبقا حجم الحبات المتاح والممكن . أما مواد الفئة الثانية ، وهي الأغلى والأنفس مثل اليسر والكهرب القديم المشغولة سابقا والعاج أو غيرها ، فغن عملية تقطيع اليسر مثلا تتم بالمناشير اليدوية البسيطة أو الآلية في هذه الأيام وبحجم يقارب حجم الحبة المطلوبة ثم تثقب بمثاقب بسيطة نظرا لطواعية هذه المادة أو مثيلاتها ، أما بالنسبة لقطع الكهرب فيتوجب دراسة حجم القطعة ومعرفة عدد الأحجار أو القطع الناتجة بعد القطع ، حتى يمكن تقليص حجم المخلفات التي تنجم عن هذه العملية نظرا لنفاسة وكلفة هذا الحجر ، وبعد ذلك تقطع حسب المطلوب ، حيث يراعى معرفة لون الحجر بعد القطع لتلافي تأثيرات لون سطح القطعة القديم وقد تستخدم المناشير الدقيقة أو الرفيعة السمك مع سكب الماء أو الدهون المخصصة مراعاة لعدم تأثير الحرارةالناجمة عن القطع والذي قد يؤدي إلى انشطار القطعة أحيانا أو حدوث توسع للشروخ القديمة الطبيعية وهكذا ، وهنالك تفصيلات للمواد الأخرى لا مجال للتوسع فيها في هذه المرحلة .
الفئة الثالثة من المواد وهي الفئة التي تصنع منها الأحجار الأكثر نفاسة والأصعب عملا ، من خارج وداخل الوطن العربي والامة الإسلامية كما أسلفنا سابقا .
ولو أخذنا بعض التفصيلات كمثال ، لتبين لنا سعة التفصيلات الممكنة لكل نوع من المواد ، فالفيروز مثلا ولكثرة الشوائب فيه يعامل معاملة خاصة حيث تدرس كل قطعة مستخرجة بعناية لمعرفة تفاصيلها وكمية الشوائب وتأثير العروق الطبيعية فيها وبعد ذلك تقطع ، وقد يتم التقطيع بأساليب بدائية أو متقدمة حسب ما رأينا في محلات تصنيع الفيروز في إيران ومصر وغيرها وقد تستخدم المناشير الدقيقة جدا في ذلك أو الأحجار الأكثر صلادة والمدببة ، وفي أحسن الأحوال تتخلف عن القطع مخلفات كثيرة مما يزيد في كلفة الناتج النهائي .
أما الأحجار الكريمة أو شبه الكريمة ، فبعضها يقطع يدويا بدقة عن طريق معرفة مسار القطع الطبيعي في كل قطعة مثل الياقوت والتوباز والاكوامارين مثلا وتستخدم المثاقب ذات الرؤوس الماسية لثقب هذه الأحجار في هذه الأيام ، بعد أن كان تقطيعها أو ثقبها يعتبر من العوائق العامة عند التصنيع في مراحل سابقة .
كما وتعامل أحجار أخرى مثل عين النمر والمتحجرات الطبيعية والعقيق والبلورات الحجرية وإلخ . . . . . معاملة خاصة ، حيث هيئت في هذه الأيام مناشير دقيقة يدوية وآلية ذات حد ماسي قاطع (قد يكون من الماس الصناعي المنتج والمكتشف صناعته خلال هذا القرن) . وبعد مراعاة الحرارة الناجمة أثناء عملية القطع تجري عملية التثقيب أحيانا وأحيانا أخرى تثقب الأحجار بعد عملية الخراطة وتدوير شكل الحبات في المرحلة اللاحقة ، وتستخدم هذه الأيام المثاقب الماسية الرأس أيضا .
إن ما أوردناه أعلاه ما هي إلا أمثلة موجزة جدا قدمت كدليل عما يجري في هذه المرحلة ، ولا يعني ذلك أن ما سردناه يعتبر منطبقا على كل الأحجار والمواد المستخدمة للمسبحة عند مرورها في هذه المرحلة من الصناعة ، نظرا للاختلاف الشاسع بين مواصفات مختلف المواد فنيا والتي تقتضي تخصصا في أغلب الأحيان أو خبرة مكتسبة عند التعامل معها ، والواقع فإن انتاج المسبحة من كل حجر عملية متكاملة وقد قسمناها إلى مراحل لغاية التوضيح لا غير .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:05 AM

جـ - الشطف والتنعيم والخراطة (Turning , grinding , crafts)
إن بعض المواد الداخلة في صناعة المسبحة لا تحتاج إلى عملية الخراطة إذ ينتهي العمل بمجرد أن تصنع مثل حبيبات الخزف أو المواد الترابية أو الكيماوية المصبوبة أو المكبوسة . إلا أن طائفة كثيرة من المواد المصنعة للمسبحة تمر بعملية الخراطة ولذلك عولنا على الدخول في بعض التفصيلات عنها مع الحذر الشديد كي لا نبتعد عن نسق وأهمية الموضوع الذي بين أيدينا .
وقد لوحظ أنه وقبل عملية الخراطة وفي أغلب الأحوال ولمعظم المواد تجري عملية أولية وهي ما نطلق عليها بالشطف أو التدوير والتنعيم ، حيث تجري إزالة الشوائب الناتئة بعد القطع أو المواد السطحية المعلقة أو المناطق الحادة والبارزة وتقريب شكل القطعة إلى أقرب ما يكون من شكل المنتج المطلوب ولو بصورة خشنة . وقد تستخدم المهارات اليدوية أو الميكانيكية القديمة أو الحديثة في ذلك ، ومعظم صانعوا المسبحة يشطفون المواد وينعمونها بواسطة الأحجار المسننة أو الاسطوانات الخشنة أو بالتعامل الكيماوي أو الحراري أو غيره للوصول إلى هدفهم في تنظيم شكل المادة كي تكون صالحة للخراطة وحسب مواصفات كل مادة .
وبسبب الأهمية النسبية لفئة عريضة من مواد المسبحة لصناعة الخراطة وتطورها فقد ارتأينا بسبب ذلك الولوج في شيء من التفصيل حول هذه الصنعة لاعطاء القاريء ولو لمحة بسيطة عنها . على الرغم من أن بعض الآلات القديمة تستحق عناية أكثر في التحليل لما أفرزته آلة المخرطة القديمة من تحف كالمسبحة والأثاث كَفنّ الارابيسك في مصر وبلاد الشام والعراق وتركيا ، كما تجدر الإشارة إلى أن صناع المسبحة في الزمن السابق ، وإلى حد ما في الزمن الحالي ، ينتجون المسبحة من قاعدة كبيرة من المواد بواسطة المخرطة القديمة أو الحديثة وفي هذه الحالة يتلاقى مصنعو الفئات الثلاث للمواد المختلفة والتي تطرقنا إليهم في ما سبق .
- الخراطة (Turning)
صنعة الخراطة صنعة قديمة جدا منذ أن تمكن الإنسان القديم من انتاج مواد ومصنعات مختلفة تمتاز بكرويتها أو شكلها الاسطواني أو المنتظم التحزيز . ولم تتغير صنعة الخراطة حتى مقتبل القرن العشرين عندما دخلت أدوات التصنيع والتطورات الفنية والعلمية حيث غيّر هذا التطور من كفاءة هذه الآلة القديمة . فالمخرطة اليدوية تتألف من الأجزاء التالية التي يستعين بها الخراط على انتاج حبيبات المسبحة أو المواد الأخرى .
الجزء الاول : يتكون من مسندين قائمين متشابهين ومتوازيين ، ويرتبطان في معظم الأحوال بقاعدة أو مثبت على الأرض أو على أجزاء أخرى . وفي معظم الأحوال تكون مادة المسندين من الخشب أو من بعض المواد الأخرى المناسبة . وبشكل عام يتقابل المسندان وجها لوجه على مسافة معقولة من بعضهما قد تزيد أو تقل عن القدم الواحد (في حالة صناعة المسبحة) وقد تبعد أو تقرب المسافة بينهما أحيانا حسب حاجة الخرّاط . كما وتعمل فتحتين في أعلى المساند يتحدد مقدارها بقدر قطر المحاور . وتتصف الفتحات بلزوجة محورية أو مصنعة بشكل يتيح للمحاور الأفقية الدوران السهل ولكن غير المهتز ، وقد تثبت أحيانا على المساند معدات أخرى .
الجزء الثاني : هو محوري المخرطة المشار إليهما آنفا ، وقد يكونان من الخشب أو من مواد أخرى ويكون شكلهما مشابه للأعمدة الأفقية أو الاسطوانات ذات أقطار متناسبة مع الفتحات المسندية وقد يكون الدوران الأفقي لأحد المحاور ثابتا ، ويتحرك المحور الآخر سائبا بالشكل الأفقي وإلى حد ما ، وهذا المحور الأخير يحدد طول الحبات المنتجة ، ويمتاز أحد طرفي كل محور بشكله المخروطي أو الدقيق أو المركب عليه وسائل أخرى بشكل يسمح فيه ان يتم إدخال هذين الطرفين في ثقوب أو تحزيزات الحبيبات التي يريد الخرّاط صناعتها .
الجزء الثالث : من المخرطة البدائية يتكون من قوس خشبي وقد يكون من قصب خاص أو من مواد أخرى متصل بنهاية كل طرف منه بخيط من القماش أو الجلد أو القطن أو أمعاء الحيوانات وما شابه ذلك ، ويلف وسط الخيط على أحد المحاور وخصوصا ذاك الثابت المتحرك أفقيا . وباستخدام اليد يحرك القوس بدفعه إلى الامام وإلى الخلف لتنظيم دوران احد المحاور الأفقية والذي بدوره يحرك القطعة من المادة المنوي خراطتها وبنفس السرعة .
وقد يستعاض عن استخدام القوس المذكور آنفا بتركيب عجلة محورية على أحد طرفي المحاور الخارجة من أحد المساند ، وتربط العجلة أما بحزام جلدي أو عجلة مسننة أخرى ، يرتبطان بدورهما بعملية محورية أخرى تتيح دوران العجلات ومن ثم المحاور وذلك باستخدام أحد أقدام الخراط كما هي الحال في آلة صنع الخزف المعروفة .
الجزء الرابع : ويشمل الآلات الأخرى اللازمة لعملية الخراطة ، وتتكون من أزاميل مختلفة الأشكال والأنواع قد تكون من الحديد او النحاس أو من رؤوس بعض الأحجار المسننة أحيانا .
وعملية الخراطة تعتمد أساسا على مهارة الخراط وكفاءة المخرطة نفسها ، إذ توضع القطعة المراد خرطها وتدويرها بين رؤوس المحاور الأفقية الداخلية ومن ثم يتم تدوير المحاور باليد عن طريق استخدام القوس المشار إليه سابقا أو بالرجل باستخدام العجلات المرتبطة بالمحور ، وبعد إجراء عملية دوران المحاور تتحرك القطعة بنفس السرعة وباستخدام رؤوس الأزاميل يتم خرط القطعة بالشكل الذي يرتأيه الخراط لجعل شكل الحبات مناسبا للمسبحة أو غيرها أحيانا ، ويراعى كذلك لبعض المواد عند خرطها عدم إرتفاع حرارة القطع المصنعة عن طريق سكب قطرات الماء أو مواد أخرى لتخفيف الحرارة الناجمة . ومن الطريف أن جلوس الخراط خلف مخرطته البدائية وتحريكه للقوس أو العجلة وإجراء عملية الخراطة بهذه الطريقة لا تزال صورتها ماثلة للعيان وقد تجري فعلا خلال هذه الأيام وخصوصا في مصر والعراق وبعض الدول الآسيوية الأخرى .
حاليا أجريت تحسينات هائلة ومتقدمة على المخرطة البدائية بإضافة أجزاء حديثة إليها كالمحركات الكهربائية السريعة الدوران جدا والهادئة الاهتزاز بعد إضافة عجلات وأحزمة ناقلة للسرعة وتجدها هذه الأيام في بعض الدول كتركيا ومصر والعراق وإيران والباكستان والهند وغيرها .
وتقوم المكائن الحديثة بخراطة وتصنيع حبيبات المسبحة على مختلف أنواعها وبالأشكال المطلوبة والمرغوبة وإن كان معظمها يتألف من حبيبات مسابح البلاستك أو المواد المركبة كيماويا أو المقلدة للأحجار شبه الكريمة فضلا عن المواد من الأحجار شبه الكريمة مثل العقيق وعين النمر ومختلف أنواع البلوريات الصخرية كما ستوضح أنواعها ما أمكن في الفصول القادمة .
ولا بد أن نوضح كما رأينا في تايوان أن هذه الصناعة من الاحجار شبه الكريمة لها سوق رائج وتصدر حاليا إلى كافة الدول العربية والإسلامية وحتى إلى الدول الأوربية ، وبعض المكائن للخراطة لهذه المواد والحديثة جدا تستخدم الحاسوب في الوصول إلى أرقى درجات الكفاءة في الانتاج .
وعلى الرغم من دقة الصنعة في المكائن الحديثة وتزايد سرعة الانتاج للأغراض التجارية وتزايد الطلب ، إلا أن صناعة المسبحة ومن كافة المواد بالطريقة القديمة للخراطة مع مهارة الخراطين لا تزال تمثل لنا حرفة جميلة انتجت روائع القطع القديمة وهي تمثل في الواقع ارثا رائعا نامل أن لا يندثر كبقية الفنون الحرفية الاخرى فعلى سبيل المثال ، لا يمكن مقارنة المسبحة المنتجة باليد مع تلك المنتجة بالآلات الحديثة . بالرغم من كمال الانتاج المتقن إذ أن الصانع القديم للسبحة أضاف من روحه وخياله وفنه عند انتاجه للمسبحة محاولا الوصول إلى الانتاج المتقن وبذلك ترى تنوع الانتاج والخراطة حتى بالنسبة إلى النوع الواحد من المادة كمسابح الكهرب واليسر والمتحجرات القديمة وغيرها . وبعض الانواع المنتجة القديمة لا يمكن أن تجد لها توأما بنفس النوعية وطريقة الخراطة أو التصنيع ، فهي بهذه الحالة تعتبر تحفا غير مكررة في بعض الحالات ، بينما يتشابه انتاج اليوم من المسابح ذات اللون الواحد أو الشكل الواحد إلى حد كبير مما أفقدها بعض الشيء من جمالية التراث المعهود والصنعة اليدوية . كذلك لم يعد في أحيان كثيرة ، الطلب عليها فرديا ، بل أصبح الطلب والانتاج جماعيا ولكافة الطبقات والامكانات . كذلك بودنا القول ان صناعتها من المواد النفيسة جدا مثل الياقوت والامشست وغيره ، يتم حاليا أيضا بمكائن متطورة مما ساعد على التخفيف النسبي لأسعارها وإن كانت لا تعتبر حرفة تراثية من حيث الضفة .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:06 AM

د - الصّقل والتركيب وإضافة الملحقات
(Polishing and Final Construction)
تعتبر هذه المرحلة ، مرحلة مهمة أيضا ، من مراحل الانتاج ، فهي تظهر الألوان وتنعم سطوح الحبيبات وتعطيها مظهرا براقا أو لامعا مما يضفي على المسبحة صفتها الجمالية المطلوبة .
وتختلف طريقة ومادة الصقل هنا أيضا ، حسب نوعية المادة المراد صقلها ، فبالنسبة للمواد الرخيصة وبعض المواد من الأحجار شبه الثمينة أو غيرها قد يتم الصقل على المخرطة نفسها يدويا أو آليا ، وأحيانا تستخدم اسطوانات ومعدات صقل كبيرة في حالة الانتاج الواسع ، كما قد تستخدم الكرات المعدنية المجوفة بوضع الحبات في داخلها مع إضافة بعض المواد الكيماوية أو تغيير درجة الحرارة وقد يكون كليهما معا في عملية الصقل للحبات عن طريق تحريك الكرة المعدنية بطريقة دائرية متباينة لضمان صقل أسطح الحبات من كافة جوانبها .
عموما فإن معظم صناع المسابح هم من منتجي الفئة الأولى الذين ذكرناهم سابقا والذين يتوطنون في مناطق الوطن العربي وبعض الدول الإسلامية (تركيا والهند) وغيرها ، ممن يستخدمون آلة المخرطة لصقل الحبات على نفس الآلة باستخدام الأقمشة الثقيلة أو قطع الجلد المدهونة أو ببعض مواد البلاستك أوغيرها . وبسبب القاعدة العريضة لتنوع المواد الداخلة في المسبحة اليوم فإن لكل مجموعة من المواد طريقة خاصة في الصقل والتنعيم وصولا إلى المرحلة النهائية . ويجدر الذكر هنا أنه كلما كانت عملية الصقل واضهار اللون والتموجات الطبيعية متقنة فيها كلما زاد الإقبال على المسبحة من هذا النوع ويزداد سعر المسبحة تبعا لذلك ، حيث أن اجادة عملية الصقل يوفر سلاسة ونعومة لحبات المسبحة مما يوفر مرونة إضافية لانسياب الحبات بالأصابع وسهولة انزلاقها في الخيوط بع اجادة عملية التثقيب المناسبة والتي يكون خط ثقبها قائما مع أقطار الحبة عند وسطها تماما . وإذا ما أمكن الاطلاع على مواصفات المواد التي تصنع منها المسبحة اليوم ، وهو ما سيأتي بعد حين ، يمكن تصور الطرق المعقدة الخاصة بالصقل حسب كل مادة .
كما توجد بعض الاستثناءات في طرق الصقل ، فبعض الحبيبات والملحقات تكون أشكالها كمثل حبات الماس من حيث شكل التقطيع السطحي المضلع ، أي ان الحبة الواحدة تحوي أسطح مضلعة عديدة ، تعكس الأشعة والأنوار وتبدو كمظهر الماس كمسابح الكهرب والجيد والعقيق والكريستال الصخري والبلوريات إلخ . . . . . فهذه الأنواع تحتاج إلى معاملة خاصة في الصقل قد لا تتشابه أحيانا لما ذكرناه وقد يقتضي الحال صقل الأسطح بعناية مركزة مما يستوجب في نهاية الأمر سعرا مرتفعا . أما المسبحة ذات الحبات المضلعة والماسية الشكل والرخيصة مثل الزجاج أو غيره فإنها تكبس بهذا الشكل وحسب طرق تصنيع الزجاج المعروفة .
وفي كل الأحوال وعندما تنتهي عملية الصقل فإن بعض الحبات من بعض المواد تحتاج إلى عملية تنظيف ومسح أخرى ، جراء مما علق بها من مواد كيماوية أو دهنية أو غيرها مثل حبات الكهرب والتي تغسل بمواد الصابون غير الكيماوي على سبيل المثال . وهناك أيضا استثناءات لهذه الحالة فمواد الخشب وبذور الثمار ومادة اليسر وبعض المواد الأخرى على سبيل المثال قد تحتاج إلى دهون خاصة حسب كل مادة لابراز جمالية اللون والتشكيل الطبيعي وزيادة البريق عند ملاحظة اختفاء البريق بعد عملية الصقل كما أوضحناها . فاليسر مثلا قد يحتاج إلى زيوت نباتية لغرض التلميع ، والخشب قد يحتاج إلى بعض المواد الدهنية الأصل للغرض السابق وهكذا .
وبعد الانتهاء من عملية الصقل تمرر الخيوط في حبات المسبحة وحسب العدد المطلوب مع الفواصل والمنارة وقد تضاف في أغلب الأحيان إلى نهاية المئذنة وعند مكان عقد الخيوط النهائي قطعة أخرى لغرض التجميل ، وبذلك تصبح معدة للاستعمال الشخصي أو البيع .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:06 AM

هـ - الزخرفة والتطعيم (Decoration and inlay)
تعتبر هذه العملية على حبات المسبحة ، عملية استثنائية من ناحيتين ، الأولى كونها تشمل جزءا قليلا من ما ينتج والثانية ، إن عملية الزخرفة أو التطعيم لا تصلح لكل المواد التي تنتج منها المسبحة وقد تتناول عدد محدود من المواد التي تصنع منها .
ويكاد فن الزخرفة والتطعيم يتركز على مواد العظام والعاج واليسر والمرجان وكافة أنواع الأخشاب العادية وبذور بعض الثمار أو بعض المتحجرات بالإضافة إلى تلك المصنعة من الذهب والفضة أو الملحقات من الذهب والفضة وغيرها . أما الأحجار شبه الكريمة فإن ألوانها الطبيعية قد تعوض عن إجراء مثل هذا العمل فضلا عن صعوبته واحيانا استحالته ، ما زخرفة حجر الجيد والمرجان بالطريقة الصينية .
ولقد برعت كثير من الشعوب ومنذ القدم بفن الزخرفة والتطعيم وخصوصا الشعوب التي شهدت عصور الحضارات القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل وبلاد الشام ، وبذلك فإن عمر هذا الفن قد يزيد على خمسة آلاف عام ، كما سبق وأن تطرقنا إلى ذلك في مجال تطور صناعة المسبحة في التاريخ .
فالتماثيل المنتجة من الأحجار ، والمعدات للزينة أوغيرها والمصنعة من العظام والعاج والأخشاب قد زينت وطعمت أو زخرفت وقد يكون التطعيم بأسلاك الذهب أو الفضة أو الأحجار الثمينة الأخرى والذي يعتبر من الأصول الفنية والإرث الحضاري الذي برعت فيه الشعوب العربية والإسلامية . ولو ركزنا على صناعة اليوم الحرفية في هذا المجال لوجدنا أن فن الزخرفة والتطعيم يمتد إلى نواح عديدة من أشكال المعدات التي يستخدمها الإنسان بدءا من الأثاث والبناء والمجوهرات والمعادن النفيسة وإلى أنواع معينة من المسابح .
ولو أخذنا مجموعة العاج والعظام واليسر والاخشاب لوجدنا أن بعض المسابح المنتجة منها زخرفت ورسمت وحفرت أسطح حباتها وبعد ذلك أدخلت في شقوقها خيوط أو أسلاك الذهب والفضة والنحاس واحيانا أخرى خرمت وثقبت حباتها وأدمجت فيها بعض حبيبات الأحجار الكريمة كالفيروز أو الياقوت أوالمعادن أو غيرها ، كل ذلك بطبيعة الحال حسب الرسوم المخططة على وجه الأسطح من الحبات والتي قد تمثل أشكالا متعددة . وكمثال فقد يزخرف المرجان الأحمر والوردي وينحت على أسطح الحبات أشكال لزهور أو مزخرفات أخرى جميلة ، أو كمادة كالبخور المعجون مثلا قد تزخرف حبات مسبحته بخطوط متوازنة جميلة تساعد على تصاعد الرائحة العبقة عند التسبيح والاستخدام .
أما مسابح الفلزات مثل الفضة والذهب فإن بعض الدول كالصين ومصر والسعودية والعراق وتركيا اشتهرت بإنتاجها وخاصة تلك المطعمة حباتها والمزخرفة بمادة الميناء السوداء أو الملونة وبأشكال متنوعة أو كتابات في غاية الطرافة والنفاسة أو التقديس ، وقد يمتد فن الزخرفة والتطعيم إلى صناعة الشرابات والدلايات الملحقة بها حسب فن كل منطقة . وبطبيعة الحال ، وبسبب الطابع الديني القديم للمسبحة فقد زينت بعضها وزخرفت وطعمت بالذهب أحيانا أو بالفضة في أكثر الأحوال ، مثل كتابة لفظ الجلالة (الله) تعالى على أوجه حبات المسبحة او (أسماء الله الحسنى أو بعض الدعوات للتبارك) ، ومن المواد التي شملها هذا التطعيم اليسر والعاج والأبنوس وأحيانا الفضة أو غيرها . واشتهرت أماكن عديدة بذلك لعل على رأسها ، منطقة خان الخليلي في القاهرة ، ودمشق في سوريا ، ومنطقة النجف في العراق ، ومدينة مكة المكرمة . وامتد الأمر وأصبحت تايوان وهونق كونق تستخدم نفس طرق التطعيم ، وقد يكون فن الزخرفة أحيانا ينبع من مهارة الصانع في دمج الألوان المختلفة من نوع واحد ، مثل ذلك في لصق لونين من مادة الكهرب متشابهين في كل حبة من حبات المسبحة مما يكسبها منظرا جميلا .
أخيرا فإن الزخرفة والتطعيم المضاف إلى صنعة المسبحة يرفع من أسعارها كثيرا وقد يصبح بعضها في غاية الندرة إذا ما أتقن ذلك أو أضيف إلى تطعيم الأحجار الكريمة أو ما شابهها ، وأعيدت عملية الصقل ثانية على المسبحة لضمان الملمس الناعم . ويراعى عند التطعيم أن يكون ملمس الحبات ناعما وليس خشنا كي تسهل عملية التسبيح وإن كان بعضها ليس كذلك وصنع لأجل المباهاة أو التفاخر أو بسبب قلة خبرة ودراية الصانع .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:08 AM

عناصر المسبحة ، موادها وتباين أجزاؤها

تتألف المسبحة منذ القدم من قطع او حبيبات مصنعة من مواد مختلفة وهذه الحبيبات ذات عدد معين يكون في معظم الأحوال مبني على قاعدة أو اعتقاد محدد . بالإضافة إلى قطع المسبحة الأخرى المختلفة كقطعتي الفواصل التي تقسم المسبحة في العادة إلى ثلاث أقسام وقطعة ثالثة تسمى بالمنارة أو المئذنة يتجمع فيها طرفي خيط المسبحة ويعقد بعدها . وقد يكون خيط المسبحة من مواد نباتية أو حيوانية أو سلك أو سلسلة معدنية . إن ذلك يعني أن جميع مكوناتها مثقوبة تصلح لمرور الخيط فيها ، وفي أكثر الحالات تنتهي المسبحة من جانب المئذنة أو المنارة بقطع إضافية تدعى أحيانا بالشرابة (أو الكشكول) مع دلايات إضافية من مواد الخيوط او المواد المعدنية النفيسة وغير النفيسة وبأشكال متنوعة .
عموما يراعى عند صنع المسبحة ما يلي :
  • السهولة والمرونة التامة لمرور وتداول الحبات بالأصابع واتصافها بالنعومة والرقة عند ملامسة اليدويتم تصنيع الحبات لتلائم الاستخدام اليدوي في معظم الحالات .
  • تناسب حجم وشكل ووزن الحبات النوعي مع حجم وشكل ووزن المسبحة الاجمالي ، وبذلك تختلف المسابح حسب نوعية موادها ، ويُفترض في حملها راحة اليد بالنسبة للوزن .
  • يراعى متانة الخيوط أو الأسلاك أو غيرها كما تراعى ديمومة الخيوط ونوعيتها .
  • ضرورة صقل أوجه القطع والحبات بشكل عملي لمنع تكسرها أو انشطارها . ومن المؤثرات الإضافية الأخرى التي تحدد أوجه صناعة المسبحة وتؤثر على شكلها المنتج تأثيرا بالغا ما يلي :
  • نوعية الاستخدام حسب الطلب . فهناك الاستخدام الديني في التسبيح والتهليل والذكر وهناك الاستخدام الاجتماعي لغرض التسلية أو التعود أو المباهاة أو الهواية ، وهذه الاستخدامات تحدد عدد حبيبات المسبحة ، وشكلها النهائي أو حجمها .
  • نوعية المادة المستخدمة ، تتباين المواد المستخدمة من حيث صلادتها أو وزنها النوعي أو من حيث علاقتها بالخرافات والأساطير المرتبطة بمادة ما ، وبسبب الخصائص النوعية لبعض هذه المواد فقد يؤدي ذلك إلى تحديد مسبق أو غير مسبق لشكل المسبحة وطريقة صناعتها وشكلها النهائي .
  • مكان صناعتها او مكان استخدامها النهائي ، قد يفرض مكان الصنع شكلا معينا للمسبحة المنتجة أو لونا معينا وقد يتطلب الأمر مهارات موجودة في مكان ما قد لا تتوفر في مكان آخر ، كذلك قد يحدد الطلب على بعض الأنواع طريقة معينة للتصنيع .
  • الأوضاع الاقتصادية والمادية ، قد نفرض الأوضاع الاقتصادية والمادية نوعا معينا من التصنيع أو المواد حسب الزمان والامكانات . فكلما تحسنت الأوضاع المادية أقبل بعض الناس على طلب المسابح النفيسة والعكس صحيح ، وقد يرتبط إضافة إلى ذلك ، الذهب والفضة والجواهر النفيسة بالمسبحة كما هو حاصل في هذه الأيام ، على الرغم من أن غالبية المسابح المنتجة في هذا اليوم هي من النوع الزهيد .
ومن القضايا المهمة التي أثرت على المسبحة وغيرها هي قدرة المعدات الصناعية أو المهارات الفنية التي يستخدمها الإنسان ، وقابلية هذا التطور الفني والتكنولوجي والعلمي على تلبية الحاجات للإنسان بأسعار معقولة .
ففي عصر الثورة الصناعية والعلمية الفائت والمستمر إلى حد هذا اليوم أيضا تطورت وسائل الانتاج بدءاً من انتاج الاحجار الكريمة وشبه الكريمة وإلى ابتكار المواد المركبة والمصنعة ، فضلا عن دخول عصر البلاستيك والمواد المنتجة من البترول وقاعدة عريضة من المواد المتوفرة الأولى . كما وبرع الناس في هذا القرن في انتاج مواد مشابهة للمواد الطبيعية ، مما أتاح ازدياد عمليات التقليد والتزوير لكثير من المواد ، حتى أصبح التمييز والتفريق في بعض الأحيان أمراً في غاية الصعوبة .
كذلك أنتجت المكائن الصناعية الحديثة والمخرطات الآلية السريعة والكابسات الكبيرة ، مما أمكن إنتاج المسابح بكميات تجارية غزيرة ورخيصة حسب نوع المادة .
غير أن كل هذا التطور لم يمنع ، وإلى حد هذا اليوم من وجود صناعة يدوية حرفية للمسبحة في بعض الأقطار ، وإن كان البعض من الصناع يستخدم المكائن نصف الآلية في الانتاج كاستخدام الماتورات وغيرها .
وتمر المسبحة في كل الأحوال المختلفة وحسب الطلب بمراحل معينة عند التصنيع القديم أوالجديد ، لا بد من أن نتطرق إليها كي يمكن الإحاطة الشاملة حسب عناصر التصنيع من جهة ومن جهة أخرى حسب نوعية موادها .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:12 AM

استخدام حجر الكهرب في صناعة المسبحة (Amber)
لم يلاق حجر عند تصنيعه كمسبحة هوىْ ورغبة وقبولاً مثل هذا الحجر العضوي . فمسبحة الكهرب الجيدة أمنية الهاوي وكبار الشخصيات والوجهاء ومختلف الأفراد على حد سواء . فهي في اعتقاد طائفة كبيرة من مستخدمي المسبحة "درة المسابح" لما لمزايا هذا التحجر العضوي المناسبة للصناعة وللاستخدام على الرغم من إرتفاع أسعاره وغلاء ثمنه .
فبالنسبة إلى لفظته ، فقد سمي (القطرون) أو الكترون باللغة الرومية ( Electron ) لوجود خاصية جذب الأشياءالدقيقة أو شحنة كهربائية إستاتيكية كامنة فيه تظهر إذا ما دلك الحجر باليد أو بالصوف . وفي إيران يسمى ( كوربّا ) لنفس الخاصية السابقة ، ويطلق عليه نفس الاسم في سوريا ولبنان وفلسطين ، وفي العراق وبعض دول الخليج يطلق عليه العامة اسم الكهرب ، وفي مدينة الموصل العراقية من يسميه ( الشيح ) نسبة إلى نبات الشيح الأصفر اللون خطأً . وفي مصر يطلق عليه اسم الكهرمان ، تجاوزاً لنفس الاسم المتعلق ببعض متحجرات الأصماغ الملونة أو المواد المركبة الصنع وقد يختلط الأمر حينئذ على بعض الناس وإن كان هنالك من يميز ذلك بين هذين النوعين بالتأكيد .
وفي اللغة الإنجليزية يسمى أمبر (Amber) ومن المعتقد أن هذا الاسم اشتق من اللفظة العربية لمادة العنبر ، أثناء حكم العرب لبلاد الأندلس ومنه انتقل إلى إوربا وقد يكون الخلط بين هذين النوعين المختلفين قد شاع بسبب الرائحة الذكية لمادة العنبر والكهرب عند الحرق أو الدلك أو عند الاستخدام العطري . أما في اللغة الألمانية فهو يسمى برنشتاين (Bernstein) وفي لغات أوروبية أخرى يسمى أمبار (Ambar) أو أمبرا (Ambra) علاوة على أسماء أخرى متعددة ، تعني نفس المادة .
حالياً استخدمت اللفظة الإنكليزية عند التعامل بهذه المادة تجارياً أما باللغة العربية فإننا نفضل كلمة الكهرب لغرض التوحيد والقياس .
عموماً فقد قيل أن نوع تلك الأشجار الصنوبرية هي أشجار السندوس (SANDARAC TREE) وإن لم تثبت هذه الحقيقة تماماً . ومن بعض ما قيل أن تكون مادة أصماغ الكهرب بدأت في العصر الثلثي وهو العصر الذي تكونت فيه سلاسل الجبال الكبرى كجبال الألب والهيمالايا نتيجة الزلازل والبراكين وتغير طقس الكرة الأرضية (TERTIARY) . ومن هنا فقد يكون هذا التاريخ هو تاريخ انصهار تلك الأصماغ وبدء الإفراز المكثف من أشجارها ومن ثم انطمارها في الجبال أو تحت قيعان البحار .
كذلك فإن تاريخ نشوء هذه المادة مرتبط أيضاً بتاريخ انصهار مادة الصمغ من هذه الأحجار وتغليفها وضمها لعدد من الكائنات الحيوانية أو النباتية الشائعة في ذلك الزمن وبذلك فإنه من الممكن تحديد الزمن لنشوء المادة وبشكل علمي أكيد . لقد أوضحت الكتل التي اكتشفت من مادة الكهرب أنها تحوي على حشرات وحيوانات منقرضة مثل بعض أنواع الذباب والبعوض والنمل والزنابير وزير الحصاد والفراشات والعناكب وسلسلة طويلة أخرى من هذه الأصناف . بالإضافة إلى هذه الأصناف فلقد ضمت أحجار الكهرب المكتشفة عدداً كبيراً من المخلفات النباتية التي كانت سائدة آنذاك مثل مقاطع الزهور والحبوب وأوراق الأشجار أو أجزاء من الثمار وشوائب نباتية منقرضة ومتعددة . لذلك أمكن التعرف وبدقة أكبر على عمر أحجار الكهرب عن طريق إجراء التحليل العلمي على الأنواع السائدة من تلك الحيوانات أو النباتات وخصوصاً المنقرضة منها أو المختلفة عن الأنواع السائدة حالياً طالما أن هذه المخلفات المصانة قد حفظت من تغييرات الزمن بدقة بالغة بسبب الإحاطة الكاملة لمادة الكهرب عليها . وبهذا يمكننا القول أيضاً أن تقديرات عمر نشوء الكهرب في كل منطقة يكتشف بها هذا الحجر اعتمدت أيضاً على اختلاف الأماكن الجغرافية لتلك الحيوانات أو النباتات المحفوظة وتغيرها من منطقة لأخرى فضلاً عن استخدام أساليب علمية أخرى على نفس مادة الكهرب كالأشعة لمعرفة العمر الحقيقي لهذا الحجر .
وبما أن لهذه المادة محبة خاصة لدى المهتمين بالمسبحة وملائمة شديدة لهذه الصناعة فسوف نتطرق بشيء من التفصيل إليها وعن كيفية نشوئها ومواصفاتها الفنية ومناطق استخراجها ودورها في الاستخدام التاريخي للحلي والمجوهرات وألوان مادتها وصناعة المسابح منها ، لا سيما وأن بعض الناس يجهل الكثير عن هذه المادة وكما يلي :
1. نظريات نشوء مادة الكهرب والمواصفات الفنية
بودنا القول أنه وبغض النظر عما تذكره المصادر عن هذه المادة فبعض المهتمين بهذه المادة وبالتجربة والاطلاع يعلمون عنها الشيء الكثير مما قد لا يدرج أو يفصّل في معظم المصادر المكتوبة ، ويعتبرون في الواقع مصادر متنقلة .
أن التاريخ الدقيق لبدء تكون مادة مادة الكهرب مختلف عليه وحسب مناطق تكونه ، فبعض الخبراء قدروه بحدود (40) مليون سنة وآخرون بحدود (60) مليون سنة للكهرب المستخلص من شواطىء بحر البلطيق . مؤخراً اكتشف وفي جبال لبنان والأردن كهرب قُدر عمره (136) مليون سنة (وهو ما حللته جامعتي جنوب كاليفورنيا وبيركلي في الولايات المتحدة) وبذلك فهذا أقدم تاريخ لنشوء الكهرب .
والكهرب متحجر عضوي أصله أصماغ متحجرة لأشجار معينة من الصنوبريات أو الأشجار المزهرة ، مثل الأجث والبلوط وغيرها ثم طمرت تحت التراب أو تحت صخور وقيعان بعض البحار أو الجبال ناهيك عن كيفية احتفاظها ببعض المواصفات العطرية . وإن كان هنالك تفسيراً يتعلق بعملية البلمرة والحركات التكتونية . -
ولعل أفضل ما قيل بهذا الصدد ،أن تغيرا طرأ في طقس الجو المحيط بالكرة الأرضية قبل ملايين السنين مما أدى إلى ارتفاع الحرارة وهذا أدى إلى زيادة ترشح وذوبان الأصباغ من تلك الأشجار المذكورة وقد يكون أن رافق ذلك هياج الزلازل والبراكين فطمرت تحت الأرض أو تحت قيعان االبحار , وتحت بحر البلطيق بصورة خاصة .
2- مناطق الاستخراج الجغرافية لمادة الكهرب
مادة الكهرب مادة في غاية الندرة ,مثلها مثل الأحجار الكريمة النادرة ومناطق انتاجها واستخراجها مقتصرة على بعض المناطق في العالم . ولقد وجدت قطع من هذه المادة طافية على سطح البحر أو تلك التي تقاذفتها الأمواج إلى السواحل ، كما وجد مطموراً في أتربة بعض المناطق الجبلية والكهوف في مناطق أخرى .
تاريخياً ، عُرفت مادة الكهرب بقدومها من منطقة الساحل الجنوبي لبحر البلطيق ، وخصوصاً من (كوينز بيرك) في ألمانيا . وهو ما عرف سابقا بالكهرب الألماني . واليوم يتواجد الكهرب ويصنع في مناطق مثل المناطق المطلة على بحر البلطيق ، نتيجة للتطورات الأخيرة في تقنية الاستخراج من تحت قيعان البحار . وكميات مادة الكهرب المستخرجة من منطقة بحر البلطيق هي الأكثر والأغلب وبنسبة كبيرة فيما بين إجمالي استخراج هذه المادة النادرة في العالم .
إن بعض الدول المطلة على سواحل بحر البلطيق الجنوبية ، تمنح رخصاً خاصة للكشف عنه أو استخراجه وذلك لجهات حكومية أو شبه حكومية حيث كان يعتبر من الثروات القومية ، مثل روسيا وبولندا ، كما أن الدنمارك تمنح رخصاً خاصة للأفراد أو المناطق السياحية على السواحل لغرض جمع أحجار الكهرب تشجيعاً لهم ووضعت بعض اللوحات التحذيرية من إلتقاط حجر الكهرب في بعض السواحل أيضاً .
ولقد لاحظنا في بولندا على سبيل المثال خلال زيارتنا لها عند مرحلة منتصف الثمانينات ، أن الدولة تحظر على غير جهاتها الرسمية التعامل والاستخراج لمادة الكهرب وتضع القوانين الرادعة لتنفيذ ذلك ، بل وتحظر التجارة الشخصية بهذه المادة أو مصنعاتها ، إلا أن ذلك قد لا يجدي في معظم الأحيان نظراً للمغريات المادية والتجارية لهذه المادة حيث يقوم الأفراد بالتعامل الاستخراجي والبحث عنها وتصنيعها خفية ومن ثم الإتجار بها في السوق السوداء .
وفي البرازيل والدومنيكان أو غيرها وجدت مادة الكهرب بشكلها المتحجر في الجبال والكهوف القديمة لمنطقة الأنديز ، حيث يستخرج بمعاناة شديدة وحقيقية عن طريق حفر بعض الأنفاق الضيقة أحياناً خلال الكهوف القديمة أو ممراتها ، لذا فكمية المستخرج منها قليلة وضئيلة بسبب كلفة الاستخراج الباهضة وما يلازم ذلك من الخطورة الشخصية ، إذ يجب إلتقاط الأحجار بصورة يدوية من بين ممرات ضيقة للحفاظ على كامل الحجر وعدم تهمشه إذا ما استخدمت التقنيات الأخرى في الاستخراج . لذا فقلة من الناس تقوم بهذا الاستخراج هناك ، على الرغم من جودة هذه الأنواع وقد يطلق عليه وصف (الكهرب الحجري) .
ومن المناطق الأخرى التي اكتشف بها هذا الحجر هي بورما ورومانيا وصقلية ، وبعض القطع القليلة في لبنان مؤخراً .
ومادة الكهرب الطافية أو المكتشفة على سواحل بحر البلطيق وجدت بشكل قطع صغيرة أو شظايا في أغلب الأحوال مع وجود بعض القطع الكبيرة أحياناً ، ولقد شاهدنا في متحف مدينة (جيدا نسك) الواقعة على بحر البلطيق في بولندا قطعة من مادة الكهرب يزيد وزنها عن (10) كيلو غرامات ولها شكل مسطح رائع .
ومن المتوقع ، مع ارتفاع سعر مادة الكهرب حاليا ، والتزايد المستمر في أسعارها في المستقبل ، أن تقوم بعض الجهات الاستثمارية في البحث عنه واستخراجه من مناطق متعددة إن أمكن ذلك .
3 - أشكال الاستخدام المتنوع لمادة الكهرب في التاريخ
أخذ القدماء بجمال هذه المادة ومواصفاتها وندرتها وجاذبيتها ومطاوعتها للتصنيع واعتبرت منذ القديم من الكنوز والمجوهرات للملوك ولعلية القوم . وتقدر تواريخ استخدامها المعروفة بآلاف السنين ، حيث ذكر ان القبائل الدنماركية عرفته واستخدمته منذ (15000) عاما حيث نحتته على أشكال متنوعة من العقود والحلي ، ودفن مع موتاهم أيضا لاعتزازهم به من تأثرهم بالأساطير لمنافع هذه المادة . ولو استطلعت محتويات المتاحف في بولندا أو الولايات المتحدة أو روسيا ، لتبين الاستخدام المتنوع لهذه المادة ، عبر تاريخ طويل ، باعتبارها مادة نفيسة ونادرة . ولقد لوحظ أن بعض القطع المنحوتة من هذه المادة صنعت على شكل قطع النقود ، حيث أنها استخدمت كما استخدام النقود اليوم وكاستخدام القطع الذهبية أو الفضية النقدية القديمة كما هو الحال بما هو نفيس ونادر .
كما صنعت منها الأوسمة والميداليات والنياشين والقلائد والعقود لمختلف أصناف البشر من الرجال سواء الملوك والأمراء والقادة أو رجال الدين والكهنة او القساوسة ، وصنّعت منها أيضا كافة أنواع الحلي للنساء من خواتم وأختام وقلائد عنقية وعقود معصمية ومشابك وأمشاط ، ولم نجد في واقع الأمر شيء من أدوات التزيّن مما ينتج اليوم لاستخدام النساء لم ينتج من مادة الكهرب ومنذ زمن طويل .
كذلك فقد صنعت من قطعه الجميلة العلب الغالية والنفيسة ومنها علب المجوهرات والعلب المتنوعة الأخرى ، والمكاحل ، ومباسم السكائر ورؤوس العصي والصولجانات ، كما تداخل تصنيع هذه المادة الذهب والفضة والعاج والأبنوس بأشكال وأنواع متعددة ولكل الاستخدامات ، فضلا عن نحت بعض التماثيل الدقيقة منها وأشكال أخرى مختلفة مما لا يتيح لنا المجال في سردها هنا أو وصفها ولو لبعض أنواعها نظرا لكثرة تفاصيلها وكونها تدخل في صناعة أخرى وليس في مجال سردنا الحالي ، إلا ان ما يعنينا دخول هذه السلعة في نطاق التجارة خلال مرحلة العصور القديمة . وقد جاء في كتاب العصور القديمة للدكتور جايمس براستد (ص 19 طبع في المطبعة الأمريكانية - بيروت عام 1936) أن مواد حجارة العصر الحجري هي مواد الكوربا - الكهرباء (أي حجر الكهرب) وكانوا يجمعونها من سواحل بحر البلطيق .
واهتم بعض القوم في آسيا ، في التاريخ القديم ، بهذه المادة النفيسة وخصوصا في الهند وأفغانستان وغيرها . كما اهتم العرب أيضا بصناعة هذه المادة ولأغراض شتى ، سواء للمستلزمات الرجالية أو النسائية ، واستخدامها بصورتها المنفردة أو المتلاحمة بالذهب والفضة وخصوصا المعدن الأخير .
وتولّه بعض سكان الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام ومصر وبقية الشمال الأفريقي ، بهذه المادة ويفضلونها على شكل منحوت المشابه لشكل المكعبات الكبيرة أو على أشكال بيضوية عديدة وبأحجام كبيرة وقد يتم نحتها وصناعتها متحدة في أغلب الأحيان بصنعة صياغة الفضة معها بصفة خاصة وأحيانا ضمن صياغة المصنعات الذهبية .
كذلك اهتم بعض العرب بصناعة مباسم الأركيلة وبعض غلايين التدخين ، ومقابض الخناجر والسيوف والسكاكين من هذه المادة عبر السنوات الألف الأخيرة .
وفي اعتقادنا أن أوائل الاستخدام لمادة الكهرب في صناعة المسبحة بدأ في ثلاث مناطق وهي مصر والعراق وتركيا . حيث اكتشفت ومنذ أكثر من ستمائة عام على أكثر تقدير فضائل استخدام هذه المادة في صناعة المسابح بصورة واضحة . وقد جاء بناء هذا التقدير التاريخي استناداً إلى أن المسبحة عرفت قبل ذلك بكثير وأن ما يشابهها من القلائد الدينية قد استخدمت فيها مادة الكهرب ، كما توضحها متاحف الكهرب في بولندا ، إلا أننا ولعدم وجود التوثيق لتاريخ الاستخدام الفعلي لهذه المادة لصناعة المسبحة على وجه الخصوص ليلزمنا على الاعتقاد أن استخدام مادة الكهرب في المسبحة جاء بعد وقت طويل من استخدام المسبحة أو المواد الأولية لاستخدامها مثل الخشب والأحجار والعاج وغيرها حيث يلجأ الناس عادة ، في ذلك الزمن إلى استخدام المواد النادرة . وأغلب الظن أن الصناع في استانبول ومصر والعراق وبعد ازدياد قدوم هذه المادة من ألمانيا وغيرها بتزايد التجارة في سلعة العقود النسائية بدأوا في أول الأمر في تحويلها إلى مسابح وأن بعض الناس من علية القوم طلبوا تصنيعها في ألمانيا أو روسيا أو بولندا مباشرة . ولقد رأينا مسابحاً من الكهرب من اللون البرتقالي الداكن جداً قدرت أعمارها بحدود أربعمائة إلى خمسمائة عام ، مما يعطي صورة أوضح عن تاريخ صناعة المسبحة من مادة الكهرب . ولا ريب إذن أن يكون استخدام الكهرب قد بدأ قبل هذا الوقت وأغلب الظن قبل قرن أو أكثر من الزمان ، أي بحدود ستمائة عام تقريباً .
عموماً ازداد الإنتاج من مادة الكهرب بعد ذلك ولحد اليوم ، كما ازداد إقبال النساء على اقتناء القلائد والأساور اليدوية ومواد الزينة منها حتى منتصف هذا القرن حيث قلّ بعد ذلك تهافت النساء عليها نظراً لاكتشاف المواد الرخيصة المشابهة لها في الشكل أو المختلفة الألوان والأشكال وغير ذلك بينما ازداد إقبال الرجال في الطلب في صناعة المسبحة من هذه المادة .
يقبل الرجال حالياً على شراء مسابح الكهرب ، وتقبل النساء إلى حد ما في أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة واستراليا وكندا وغيرها على شراء حلي وعقود مادة الكهرب . وأفضل أسواق بيع مسابح الكهرب تكاد تتركز حالياً في مصر ودول الخليج العربي والعراق وتركيا ولبنان والأردن حيث أن قسماً منها مصنّع محلياً والآخر مصنع في روسيا وبولندا أما الكهرب المصنع في ألمانيا لغرض المسبحة فهو قليل بالمقارنة . . .
إن مادة حجر الكهرب ذات ملمس دهني دافئ ، خصوصاً إذا ما صقل جيداً . أما مواصفاته الكيماوية فهي تشير إلى كونه مادة مركبة من الكربون والهيدروجين والأكسجين بذرات متباينة http://www.arabna.info/vb/almasbaha13.jpg مع بعض الشوائب والمخلفات الأخرى . ولعل وجود الأكسجين في مادته يفسر تغيير لون قشرته الخارجية خلال المراحل الزمنية المتعاقبة من خلال تعرضها للهواء و الحرارة .
بالإضافة إلى ذلك ، فإن مادة الكهرب تنصهر في درجة (287) تقريباً . ويبلغ وزنها النوعي إجمالاً بحدود من (1.05) إلى (1.1) غراماً في السنتيمتر المكعب . كما تبلغ صلادتها أو مقياس صلابتها من (2) إلى (2.5) حسب مقياس موسى المقام على عشر نقاط رقمية لقوة الصلادة . (مصدر رقم 24) .
لذا فإن مادة الكهرب خفيفة الوزن إلى الحد الذي تطفو في الماء المالح (نفس نسبة ملوحة البحار) . كذلك فقد احتفظت هذه المادة بصفاتها العطرية الرارنتيجية على مدى ملايين السنين ، وهي إذا ما دلكت بالقماش أو اليد أو إذا تعرضت للحرارة ، انبعث منها رائحة زكية نفاذة أشبه ما تكون إلى رائحة العنبر أو البخور القديم ممزوجة مع مسحة من رائحة ثمرة الليمون المعتقة أحياناً .
وكما أسلفنا فإن لمادة الكهرب خاصية إبراز وانبعاث الشحنة الستاتيكية الكهربائية إذا ما دلكت على القماش أو بالمواد الأخرى والصوفية على وجه الخصوص مما جعل في إمكان هذه المادة التقاط وجذب القطع الصغيرة من القش والخيط والورق وبعض المواد الأخرى . وصفة الكهربائية هذه هي التي أضفت اسم الكهرب عليه عند الشعوب القديمة في منطقة الشرق الأوسط .
أخيرا فإن مادة الكهرب وبسبب درجة صلابتها ومواصفاتها الأخرى ، طيّعة لدنة سهلة التعامل معها بالنحت والخراطة والتصنيع ولمختلف الأغراض إذا ما روعيت مواصفاتها الفنية عند العمل بها . لذا فإن عملية استخدامها وتصنيعها كمادة في صناعة المسبحة هي عملية سهلة وغير معقدة نسبياً وفي قدرة طائفة كبيرة من الصناع اليوم القيام بها مع مراعاة الشوائب فيها .
4- ألوان وأشكال الكهرب الطبيعي
تتباين ألوان مادة الكهرب ، وإن كان معظمها ذات ألوان أقرب ما تكون إلى اللون الأصفر . وعادة ما تكون هذه المادة بالنسبة لألوانها وشكلها الطبيعي على ثلاثة أنواع حسب شفافيتها ، فهنالك اللون الشفاف (Transparent) أو نصف الشفاف (تختلف نسبة العتمة فيه) ، والنوع الأخير هو غير الشفاف والمكتسب صفة الكهرب الحجري أحياناً .
فبالنسبة إلى النوع الأول الشفاف معظمه ما يميل إلى اللون الأصفر الذهبي أو المحمر الداكن ، وبعض أنواعه تقرب في شفافيتها ويقل اللون فيها حتى تكون كالزجاج الذي ليس له لون والبعض من هذا النوع يحوي الشوائب أو الحشرات الكامنة التي يمكن رأيتها ، ولعل أطرف ما قيل لنا(كذلك ذكر ان للملك فاروق مسبحة ذات لون بني متشابك مع ألوان أخرى ولها منارة من الذهب المطعم بالماس . ولقد بيعت هذه في مزادات علنية في أوربا ز من مقالة في مجلة زهرة الخليج ، العدد 717 ، ص. 52 12/2/1994م)هو وجود مسبحة من الكهرب كان يقتنيها الملك السابق فاروق في مصر ، حيث تميزت حباتها الخالصة باللون الشفاف النقي مع احتوائها على شوائب داخلية خضراء من أوراق الشجر الدقيقة . أما المسابح من مادة الكهرب الشفافة والتي تحوي على الحشرات أو الشوائب المندسّة منذ القدم في صلب حباتها فهي موجودة عند مختلف باعة المسابح اليوم على الرغم من ندرة أعدادها وأهميتها التاريخية لوجود الحشرات فيها ويسميها أهل العراق بمسبحة الحشرات . أما مسابح الكهرب الصافي اللون فتسمى (بالعطش) خصوصاً إذا كان الحجر قد عومل معاملة خاصة ، وذلك لعكسها أشعة الضوء بصورة متقطعة تشبه تذبذب الأشعة الضوئية الناجمة عن اشتعال النار .
ومسبحة مادة الكهرب الشفاف القديمة ذات اللون الأصفر الذهبي والبرتقالي صنعت يدوياً ، شكل حباتها على الأغلب بيضوياً ، حيث أن قطر الحبة يتراوح ما بين 7 - 10 ملم وطول الحبة (10- 15) ملم ، كما أن بعضها صنع بالشكل المضلع له أسطح ماسية التقطيع سواء الكروية أم البيضوية منها تعكس الأضواء بصورة جميلة ، ويسميها أهل العراق مسبحة كهرب (الطراش) .
النوع الثاني من أنواع مادة الكهرب حسب شفافيتها هي نصف الشفافة . وفي هذا النوع تتداخل الشفافية مع نسبة من اللون الأصفر أو البني حيث تكون نسبة من الحجر شفاف والبقية منها معتمة ، وقد يتداخل اللون البني والألوان الأخرى والشوائب الداكنة فيها ، وبسبب هذا التداخل فلقد أطلق عليه أهل العراق (الكهرب البلغمي) أو المسبحة البلغمية .
النوع الثالث هو مادة الكهرب غير الشفافة أو (المعتمة) وأغلب ألوان هذا النوع هو الأصفر وتدرجاته ، من الغامق إلى الفاتح مع توشحات ذهبية أو بنية أو غيرها كما يوجد من الألوان الأحمر الداكن حيث يقرب أحياناً من لون القهوة بتأثير التقادم الزمني . كذلك قد يكون لون هذا النوع اللون الحليبي في بعض أنواع مادة الكهرب وخصوصاً ذلك المصنّع حديثاً. ومن أندر أنواع الكهرب حسب لونه هو الضارب إلى الأزرق المشوب بحمرة ، أو الأسود ، وحيث تعتبر المنتجة منها من أندر أنواع المسابح في العالم ولا يمكن تحديد أسعارها بشكل دقيق إذ يخضع ذلك للتعامل الشخصي ، وتوجد منها نماذج لدى بعض الناس .
ومن المعلوم أن ألوان مادة الكهرب من هذا النوع بصفة خاصة تتغير عبر الزمن ، فلو افترضنا أن مسبحة أنتجت منها وكان لون حباتها يميل إلى اللون الأبيض أو الأصفر الفاتح . فإنه يتحول إلى اللون الأصفر الداكن بعد عشرين أو ثلاثين سنة ثم يتحول في معظم الأحيان إلى اللون البني بعد مرور فترة تقارب نفس الفترة أعلاه ، أما تحوله إلى اللون الأحمر الداكن والشبيه بلون ثمار البلح الناضجة فلا يحصل إلا بعد مرور أكثر من مائة عام على الأقل . وقد تستخدم هذه الطريقة في المعرفة لتقدير عمر المسبحة وتاريخ صنعها التقريبي ، وقد يكون بأكثر من ذلك إذا عرف اللون الأساسي الأول . إن هذه التغيرات اللونية لا تحصل إلا في قشرة مادة الكهرب فقط ، حيث أن اللون الأبيض والأصفر هو الغالب في لبّها ويمكن ملاحظة ذلك بطبيعة الحال عند تكسر الحبيبات ، أو عند إعادة تصنيع الكهرب القديم . وهذه قد يتجاوز عمرها الافتراضي المائتي سنة .
5. طرق صناعة الكهرب الطبيعي والمصنّع والمضغوط
تقوم صناعة الكهرب ، أي نحته وخراطته ونقشه ، ومنها صناعة المسبحة في أغلب الأحوال ، وفي الدول المنتجة لهذه المادة مثل روسيا وبولندا وألمانيا أو غيرها . مع تصنيع محدود في بعض الأقطار الأخرى المختصة بصناعة المسبحة مثل مصر والعراق وتايوان وفي تركيا مرحلة سابقة حيث تصنع مادة الكهرب الخام إلى حبيبات أو أشكال أخرى كمباسم الأركيلة بحرفية جميلة .
لقد تطرقنا إلى كيفية صناعة حبيبات المسابح بصفة عامة والكهرب بصفة خاصة ، سواء بالمخرطة (البدائية) أو نصف الآلية أو تصنيعها آليا بالكامل . وتصنيع الكهرب إلى حبيبات وملحقات السبحة الأخرى يعتمد على المصادر الجديدة للحجر الخام المستخرج أو المجمع أو تحويل الأحجار والأشكال القديمة إلى حبيبات . فبالنسبة إلى المصادر الجديدة ، وبعد معرفة تفاصيل الطلب وقياساته يتم شراء وتجميع الأحجار حسب الأحجام المناسبة واختيار الألوان المتناسقة وفي العادة تباع مادة الكهرب في أكياس يصل وزنها إلى الكيلو الواحد ، وبعد تقسيم نوعيات الأحجار المشتراة ، تزال الشوائب وتُقطع حسب الأحجام المطلوبة ، ويراعى في التقطيع دراسة مثالية للحجوم حتى لا تتعرض قطع مادة الكهرب إلى وجود أشكال وألوان فائضة لأجزاء غير مطلوبة ، وفي معظم الأحيان تقطع الأحجار بأشكال متساوية أو على شكل اسطوانات أو أشكال أخرى حسب نوعية الطلب . وبعد ذلك تبدأ خراطة مادة الكهرب بعد تثقيبها للحصول على حبيبات كروية أو بيضوية أو صنوبرية أو غيرها مع تخصيص أجزاء من الأحجار إلى المنارة والفواصل ، وتستخدم في الخراطة أزاميل خاصة لغرض إجراء التشكيل المطلوب عند خراطة المادة مع ملاحظة درجة حرارة القطعة من مادة الكهرب عند عملية الخراطة أو عند إجراء التثقيب المتوازن وإنجاز العمل وصب أو تنقيط الماء عليها أو وضع بعض الزيوت لغرض تلافي تكسر الحبات المخروطة جراء الحرارة الناجمة عن هذا العمل . وبعد ذلك تأخذ الحبات شكلها النهائي ومن ثم تبدأ عملية التنعيم والصقل ، وتمر مادة الكهرب وحبيبات المسبحة عادة بثلاث مراحل من الصقل ، الأولى تنعيم سطح الحبة الخشن بواسطة أزاميل مبردية ناعمة السطح (بالنسبة للطريقة الآلية الحديثة توضع حبات المسبحة حسب الأشكال المصنعة في كرة مجوفة يوجد بها مواد كيماوية معينة حيث يتحدد داخل الكرة درجة حرارة معينة وتقوم الكرة المجوفة بالدوران آلياً حتى تتنعم وتصقل أسطح حبات مادة الكهرب) .
المرحلة الثانية (اليدوية) وهي تتم على نفس المخرطة وأحياناً باليد ، حيث تستخدم مواد ناعمة بلاستيكية ذات مرونة متوسطة وبعد دعكها للحبات يظهر سطحها بالشكل الصقيل والناعم الملمس .
المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة إبراز بريق ولمعان سطح مادة الكهرب وهي تقام على المخرطة أيضا أو على الآلات الحديثة الأخرى ، وتستخدم شحوم دهنية خاصة وأقمشة ناعمة ، حيث أن دعك هذه المواد المحوري لحبيبات المسبحة بصورة مستمرة يظهر البريق المطلوب والنعومة الكاملة والملمس الدهني وتفاصيل ألوان مادة الكهرب وتقاطيعها بصورة جميلة ومشرقة . وبعد تنظيف حبات الكهرب والمنارة والفواصل بواسطة منظفات مختلفة أو الصابون غير الكيماوي والماء تنشّف وتمسّح وتنظّم في الخيوط حيث تصبح صالحة للاستعمال .
أما المسابح من مادة الكهرب والتي تكون حبيباتها على شكل الحبيبات المضلعة (ذات الشكل الماسي) فإن طريقة صنعها مضنية وصعبة حيث تنحت وتستخرج الأسطح للحبة بنفس طريقة استخراج الأسطح المضلعة للأحجار الأخرى (وخصوصا الماس) أي حك الحبات بواسطة اسطوانة خشنة لاستخراج أسطح الحبات المضلعة ثم تنعيمها وصقل الأوجه المسطحة وتثقيبها ولقد شاهدنا قطعاً من هذا النوع أنتج في روسيا وألمانيا ومصر وتركيا وفي العراق .
وينتج من صناعة حبيبات المسبحة من مادة الكهرب عادة مخلفات عرضية من هذه المادة وبما يزيد أحياناً عن نصف الكمّية التي خصصت للإنتاج إذا لم تدرس القطع المعدة للإنتاج بصورة دقيقة قبل تصنيعها ، وذلك يفسر أحيانا الارتفاع النسبي لأسعار المسبحة من هذه المادة ، ولجوء صانع المسابح إلى جعل الحبات متدرجة أحياناً في المسبحة الواحدة . كما أن ذلك يستدعي إلى استغلال مخلفات التصنيع في صناعات تحويلية متعددة أخرى .
فقسم من المخلفات وهي الشذرات والقطع الصغيرة والناعمة تدمج مع سائل بلاستيكي أو كيماوي وتصب في قوالب صغيرة وتكبس ، أو تصب في أعمدة ، ومنها تخرط حبيبات المسبحة وأجزائها الأخرى وحسب الطلب ، وأحيانا تصنع بعض العقود والقلائد النسائية بهذه الطريقة . وحيث يلاحظ وجود قطع مادة الكهرب الأصلية في جوفها وقد تشكل ما مقداره (50%) خمسون في المئة من حجم الحبيبات الإجمالي ، وهذا النوع من مسابح الكهرب المكبوس يفقد فيها الكهرب مواصفاته الأصلية بسبب المحتويات الأخرى في الحبات وعملية التصنيع .
وهناك نوع آخر من التصنيع المرتبط بمادة الكهرب وتسمى (بمسابح الكهرب المضغوط) (Pressed Amber) يقوم على أساس الصهر الحراري العالي لمخلفات مادة الكهرب أو ترابها وشذراتها تحت ضغط جوي معين ومن ثم تصب بالضغط في قوالب خاصة ثم يتمم صقلها وإعدادها للمسابح أو العقود والأدوات النسائية . وفي ذلك النوع من التصنيع تفقد مادة الكهرب كافة خواصها الأصلية أيضاً . عموما فالمسابح ذات الحبات التي تصنع بطريقة الكبس أو بطريقة الضغط تتميز بكونها أكثر صلادة من الكهرب الأصيل ، كما أن أسعارها تقل عادة عن نصف سعر مادة الكهرب الطبيعي . أما ألوان مسابح مادة الكهرب المضغوط عادة تميل إلى اللون البني الداكن مع وجود توشيحات تركيبية داخلية .
6. اكتشاف تقليد حجر الكهرب
مادة الكهرب نادرة وغالية الثمن كما أن المنتجات منها ذات أسعار مرتفعة وهذا السبب أغرى الكثير من الناس وأصحاب الصنعة على محاولة تقليدها من مواد أرخص ثمنا وأسهلا تحصيلا . وكان هناك تجارب لمواد يشابه لونها اللون الطبيعي لمادة الكهرب وبعضها له خاصية إستاتيكية في جذب الأشياء السيللوزية الصغيرة مثل المادة الأصيلة بالضبط ، مما جعل بعض المشترين لمنتجاتها يقبلون عليها لضنهم أنها من النوع الطبيعي ، إلا أن أحداً لم يستطع أن يقلد المادة الطبيعية في خاصيتها لبعث الرائحة الزكية عند الدعك وإن حاول بعض الصنّاع تضميخ منتجاتها بروائح العطور قبل البيع وبصورة وقتية . وبسبب ندرة أحجار الكهرب الطبيعي وغلاء أسعاره فقد لا تتاح الفرصة لعدد كبير من الناس أن يتعرفوا عليها بصورة جيدة أو عملية . ومنذ بداية القرن العشرين نجح الكثيرون في تقليد المادة الطبيعية وصنعوا منها المسابح وغيرها من المنتجات بالشكل الذي يصعب فيه على كثير من الناس التفرقة ظاهرياً بين الأصيل والمقلد ، خصوصا بعد تقدم العلوم الكيمياوية والتصنيع الحديث والذي أدى إلى الانتشار الكبير لصناعة رائجة وهي تصنيع المواد المقاربة لوناً وشكلاً ووزناً لمادة الكهرب الطبيعية . بل أن بعض المنتجات من الصنف المقلد فاقت في جمال ألوانها الحجر الطبيعي ، ومن جملة تلك المنتجات المسبحة ولا تزال قضية صعوبة التمييز قائمة لحد اليوم .
ولغرض حل هذا الإشكال ، أي التفرقة ما بين الأصيل والمقلد في حالة وجود نوع من الاهتمام بذلك ، فقد اعتاد الناس على فحص المواد المستخدمة من منتجات الحجر الأصيل أو المواد المقلدة لغرض التمييز بطريقتين الأولى الطريقة البدائية والثانية الطريقة العلمية مع أن كلتا الطريقتين تفحص في الواقع الخواص الطبيعية لمادة الحجر الأصيل والتي تثبت عدم استطاعة الصنّاع تقليدها .
الطريقة الأولى : وهي طريقة بدائية بسيطة تشمل تجربتين عند الالتباس أو حالة الشك بأصالة المادة تحت اليد ، وتتمثل هذه الطريقة بما عرف بتجربة الماء المالح "القريب ملوحته من ملوحة ماء البحر ، ويتم في هذه الحالة أخذ عدد من حبات المسبحة أو كل أجزاء المسبحة ( ما عدا الأشياء المعدنية كالملحقات ومن ثم تغطيسها في الماء المالح فنجد أن الحبات تطفو على سطح الماء المالح بينما تغوص الحبات المقلدة إلى قعر الماء المالح في معظم الأحوال ويعود سبب ذلك إلى أن وزن حجر الكهرب الأصيل النوعي (1.1) غرام في / السنتمتر المكعب من المادة ، وهذا العامل يجعل من المادة الأصلية تطفو فوق سطح الماء المالح وذلك لانخفاض الوزن النوعي للحجر مقارنة بالوزن النوعي للماء المالح . وعلى الرغم من نجاح هذه الخاصية في إثبات ماهية المادة إلا أننا وبالإضافة إلى ذلك نؤكد على إجراء العملية اللاحقة بسبب إمكانية تقليد الوزن النوعي أيضاً . وهذه العملية تتعلق باللسع بالنار ، وفيها يقرب من لهب النار جزء بسيط من جسم حبة المسبحة لثوانٍ وعلى بعد حذر ، وينجم عن ذلك انبعاث رائحة الكهرب الذكية ذات الأساس العنبري العطري بدلا من تنسم روائح المواد البلاستيكية أو الكيماوية الأخرى .
وبسبب معرفتنا بعدم استطاعة تقليد هذه الرائحة في المنتجات وإلا لتزايدت الكلفة للمنتجين ، فإننا ننصح بالحذر في الوقت نفسه وأخذ الحيطة لئلا يحترق وجه الحبة من المسبحة مما يسيء إلى لونها ويغيره عند استمرار الحرق الغير مبرر .
وهذه الطريقة تساعد إلى حد كبير ومن دون جهد بالغ في إجراء التمييز والتقدير بالإضافة إلى الخواص الأخرى ، مثل الملمس الدهني الدافئ لحبات المسبحة من المادة الطبيعية ،والتوزيع الطبيعي لألوان وشكل المادة وأحيانا وجود بعض الشوائب الدقيقة (يمكن أن يفحص بالعدسات المكبرة) .
الطريقة الثانية : وتشمل إجراء التحليل العلمي على الحبات عند المختصين بمثل هذه التحاليل ، ويقضي ذلك إجراء التحليل الكيمياوي على مكونات الذرة حيث أن المواصفات التركيبية الكيمياوية لحجر الكهرب الأصيل معروفة . وبذلك يمكن البت نهائياً في مصدر الحجر على الرغم من أننا نعتقد أن إجراء التجارب بالطريقة الأولى قد يكون كافيا في معظم الحالات كما أن أصحاب الباع الطويل في معرفة حجر الكهرب وأصحاب محلات المسابح لديهم الخبرة العملية في التمييز .
إن بعض أحجار الكهرب الطبيعي ومنه على الأخص الكهرب الشفاف أو ذاك المستخرج حديثاً قد لا تظهر عليه خاصة بعث الرائحة الذكية عند الدعك ، مما يثير ريبة البعض من أنها ليست من الحجر الأصيل وبذلك يحصل الشك ويستريب الإنسان من ماهية هذا الحجر ولعل الطريقة الأولى تفيد الغرض .
ويلاحظ أن المسبحة المقلدة تميل إلى اللون الأصفر البني أو البني الغامق مع توشيحات غامقة جوفية ، وجلّ الحبات تكون من النوع الشفاف أو نصف الشفاف Less Transparent / Misty المضبب . كما أن أسعاره المتهاودة جعلت المسبحة المنتجة منه محط أنظار بعض الناس . عموما لا شيء يضاهي المسبحة المصنعة من مادة الكهرب الأصيلة ، حيث أن تلك التي تصنع من الكهرب المضغوط ذات ملمس بارد على عكس المادة الطبيعية ومواصفاتها الخلابة في دفئ ملمسها ورائحتها العبقة عند الاستخدام .
وبودنا أخيرا الإشارة إلى بعض الأخطاء الشائعة عن مادة الكهرب ومحتوياتها . فالمسبحة المصنعة من هذه المادة والتي تكون حباتها من النوع الشفاف المحتوية لبعض شوائب لحاء الأشجار أو الغبار أو فقاعات هوائية ، يظنها بعض الناس في احتوائها الحشرات المتنوعة وبعضهم من يسميها فعلاً بمسبحة الكهرب (ذات الحشرات) أما تلك التي تحوي حباتها على حشرات فهي من النوادر الحقيقية في العالم وقد تعد أعدادها على أصابع اليد الواحدة . والواقع أن استخدام هذه الأنواع يسئ إلى الحفاظ على القيمة العلمية ، حيث أن مادة الكهرب قد حفظت هذا السجل التاريخي لملايين السنين ومن غير المنطقي أن نعرضه للتلف في مثل هذا الاستخدام .
ولقد أبدى بعض الناس اهتمامهم بالمسبحة من الكهرب التي حباتها تحوي على بعض الشوائب الظاهرية كالبقع السوداء أو الخطوط البيضاء أو الزرقاء وما إلى ذلك . واعتبروا أن ذلك عنصر جديد يضاف إلى جمالية الحجر ويعبر عن تشكيلاته الطبيعية .
واهتم الناس بشكل كبير ، بالمسبحة المصنعة من مادة الكهرب الطبيعي فتوجهوا بالبحث نحو هذه المادة الداخلة في بعض الصناعات الأخرى كالعقود أو مكعبات الكهرب القديمة حيث يتم تصنيعها كمسابح جديدة وأحيانا مسبحتين من العقد الواحد أو إعادة خراطة المسابح الكبيرة القديمة مع أسفنا الشديد وتحويلها أحيانا إلى مسبحتين مما يسيء حتما إلى تاريخ انتاج المسابح القديمة وضرورة الحفاظ عليها .
7 - مسابح الكهرب .
هناك بعض الحقائق التكميلية التي وجدنا من المناسب هنا اضافتها لاتمام صنعة مسبحة الكهرب وتقريبها إلى أذهان المهتمين . وأولى هذه الحقائق أن مسبحة الكهرب مثل بصمة الأصبع من النادر أن تتواجد مسبحتين متماثلتين بشكل كامل تماما في اللون أو توزيعه الطبيعي أو في الصنعة وناتج العمل طالما أن الأحجار طبيعية وعلى الأخص عندما يكون العمل يدويا فضلا عن اختلاف أزمان التصنيع . إذ من الصعب جدا انتقاء الأحجار الطبيعية ذات اللون الواحد أو التشابك اللوني الواحد وكميات الاحجار المناسبة لصنع عدد كبير من المسابح . وهذا العامل جعل لمسبحة الكهرب الأصيل خاصية انفرادية قلما تحصل لمتجات أخرى خصوصا وان أمكنة وأشكال الشوائب واضحة للعين بينما قد لا يحصل ذلك تماما لبقية الأحجار شبه الكريمة الأخرى ، وأكثر مسابح الكهرب صنعت يدويا في الماضي لذا فالقديمة منها لا تتشابه صنعتها مع بعض لاختلاف الصنّاع واختلاف أمكنة التصتيع وتواريخها ، وهناك اختلاف واضح في نمط التصنيع بسبب ذلك أيضا . حاليا تنتج بعض مسابح الكهرب آليا وبصورة فنية متقنة إلا أن الفروقات ما بين مسبحة وأخرى لا تزال موجودة فيها بسبب اختلاف النكوينات الطبيعية للحجر وإن كانت لا تظهر بصورة جلية لأول وهلة .
ومسبحة الكهرب قد تكون أحيانا متوارثة ومنذ قرون ومن الأجداد إلى الأحفاد وتعتبر أحيانا جزء من تراث عزيز يصعب التفريط فيه لارتباطه الوثيق بالشخصيات التي أورثتها ما لم يدفع عامل الحاجة المادية أو الجهل بقيمة التراث ، لبيع المسبحة القديمة ، من قبل بعض الأبناء وقد يؤدي ذلك في بعض الأحايين إلى بيعها بثمن بخس .
ومسبحة الكهرب القديمة ذات الصنعة الجيدة لا يمكن التفريط بها على النحو الذي ذكرناه ، خصوصا وان كثيرا من الناس وخارج المنطقة العربية أو الإسلامية يرغبون في حبات المسبحة القديمة لغرض تحويلها إلى عقود أو مستلزمات أخرى أو إعادة صنعها ، مما يفقدنا تراث عزيز كلف الآباء مبالغ طائلة وجهد كبير في اقتنائه والمحافظة عليه . لذا فنحن نحث أخواننا على الحفاظ عليه ، أو عرضه في المتاحف (كما يحصل في بعض الدول المتقدمة) سواء المتاحف الشخصية أو العامة إن أمكن ذلك ، حيث أشرنا سابقا إلى أن التغيرات اللونية لا تحصل إلا بعد قرون ، وان بعض طرق صنعة الكهرب القديم قد انتهت لذا فلكل مسبحة قديمة طابع فريد ومميز ، ومن الخسارة حقا اتلاف ذلك أو خسارته وضياعه خصوصا إذا ما كانت مملوكة لشخصية تاريخية .
والطلب على مسابح الكهرب سواء القديم منه أو الحديث التصنيع ، مختلف حسب أمكنة هذا الطلب ، فعلى الرغم من كون الكهرب الشفاف ذو النوعية الرائقة هو اندر واكثر تكلفة من بقية انواع الكهرب إلا أن الطلب عليه في صنعة المسبحة غير شديد ويكاد يتركز في لبنان ومصر بينما يزداد الطلب على الكهرب غير الشفاف والمعتم والأصفر اللون خصوصا في دول الخليج والعراق وتركيا وغيرها . ومن بين أنواع الكهرب الأخير يزداد الطلب على نوع أطلق عليه اسم (الكهرب الألماني الحجري) أي أن يكون شكل الكهرب حجريا ومن النوع الذي تطرقنا إليه سابقا ، ثم يتوزع بقية الطلب على الأنواع الأخرى من أنواع الكهرب .
أما مسابح الكهرب ذات الألوان الطبيعية نصف الشفافة ، فلها من يرغبها ويهواها في بعض الدول مثل العراق وإيران وغيرها وذلك لجمال تمازج الاجزاء الشفافة والمعتمة الصفراء والذهبية اللون والبنية مما يوفر جمال خاص لرؤية التشكيلات الطبيعية لحجر الكهرب بصورة أكثر وضوحا .
وبعض الناس من يهوى جمع المسابح النادرة من الكهرب ، كالكهرب الأسود اللون ، والكهرب الذي تميل ألوانه إلى الأزرق الغامق أو الموشح بشوائب زرقاء أو سوداء وما إلى ذلك ، كذلك نجد من يهوى حبات المسابح ذات اللون الحليبي أو اللون الشفاف الذي يشبه الزجاج في نقائه . وهذه الأنواع النادرة وغيرها ، يرتفع سعرها إلى حد كبير وعلى الاخص ما كان قديما وبعضها لا يمكن طبعا تقديره بثمن نظرا لندرته الشديدة وارتباطها بشخصيات أصحابها المعروفة بشكل عام .
ولقد لاحظنا ، وعند الاتصال بطائفة من الناس من الشعوب التي تقع مراكز استخراج أو العثور على الكهرب فيها مثل ألمانيا وبولندا وروسيا ، انهم يتحسرون على الأنواع النادرة من حجر الكهرب حيث لم يعد في إمكانهم الحصول عليها أو رؤيتها فيما عدا وجودها في متاحف حجر الكهرب أو احتفاظ القلة القليلة من الناس هناك بقطع صغيرة او بعض القطع المصنعة في أدوات قديمة ، فمعظم القطع القديمة أو النادرة وثقت في المصادر وبعضها مملوكا لأفراد معروفين .
وبسبب حبنا الشديد لمسبحة الكهرب وتقديرنا لمن يهواها ويرغب في اقتنائها وخصوصا من تلك الانواع غير النادرة الصفات فإننا نقدم نصحنا لهاوي المسبحة من هذه الأنواع أن يلاحظ ما يلي :
  • التأكد من أحجار حبات المسبحة المعنية بالشراء هي من أنواع حجر الكهرب الأصيل وليست من الأنماط المقلدة والمدلسة ، وقد سبق لنا أن تطرقنا لهذا الموضوع .
  • ان يكون لون حبات المسبحة بما في ذلك منارتها وفواصلها ، متقاربة جدا وان التشكيلات العامة لتمازج الألوان الطبيعية تتقارب أيضا . إن هذه الخاصية اللونية عادة ما ترفع من قيمة المسبحة .
  • أن يسود التماثل في صنع الحبات من حيث الحجم والشكل إلى حد كبير كما أن حجم وشكل المنارة والفواصل متسق مع حجم وشكل حبات المسبحة وغير متنافر معها .
  • أن تكون ثقوب الحبات والمنارة والفواصل متوازية وتمر في منتصف أقطار تلك الحبات والملحقات تماما فضلا عن أهمية تساوي التثقيب في كل الأجزاء فلا يكون ضيقا في بعضها وواسعا في البعض الآخر وان لا يكون خط التثقيب مائلا أو منحرفا وأن يكون مناسبا لمرور الخيط بكل راحة ويسر . إن تشوهات عملية التثقيب وخصوصا في المسابح المنتجة من الكهرب الحديثة أو القديمة على حد سواء تهبط من قيمة المسبحة عموما فيما عدا المسابح ذات الطابع التاريخي المرتبط بالشخصيات المعروفة .
  • أن يكون صقل الحبات متقنا ويلاحظ عدم وجود الفوهات الصغيرة أو التشققات وبروز الشوائب أو التثلم على أديم أسطح الحبات والأجزاء الأخرى كالمنارة والفواصل .
  • وفيما يخص المسابح من مادة الكهرب والمنتجة حديثا يتوجب ملاحظة عدم وجود حالة تلصق الحبات المكسورة أو الفواصل والمنارات المكسورة والتي تلصق عادة بالصمغ الشديد الالتصاق .
  • يتوجب عادة ملاحظة سمك وقوة الفواصل لأنها غالبا ما تتعرض إلى الكسر عند ارتطام الحبات .
وبهذه الشروط يمكن للإنسان أن يشعر أنه قد حصل على مسبحة الكهرب الأقرب إلى الكمال ، وبصفة خاصة فإنه أمكن لبعض الصناع إنجاز مثل هذا العمل وصنع مسابح كهرب طبيعي في غاية الجمال والدقة وقد يعتبرها البعض نادرة أو يخلط بينها وبين الكهرب المقلد لما فيها من تماثل في أجزاء المسبحة واللون والصنعة . وفي هذه الحالة فإن الصانع قد بذل جهده الكبير في جمع الأحجار المتماثلة لونا وشكلا وقد ينجم عن عمله خسارة كبيرة من مخلفات المادة .
وعالم مسابح الكهرب عالم غريب وعجيب ، فلقد أُلقيت على كاهل مسبحة الكهرب جميع ما لصق بالحجر الأصيل من خرافات وعقائد وأساطير ومنذ زمن قديم . فبعض الناس من يعتقد أن ملامسة حبات مسبحة الكهرب الأصيل لجلد الإنسان سواء بالتسبيح بها يدويا أو بتعليقها على العنق العاري ، يشفي من أمراض معينة حسب طول مدة الاستخدام ، وكان قسما من الناس في العراق على سبيل المثال ، يعتقدون أنها تشفي من مرض الصفراء الكبدي (بالعامية يسمى مرض أبو صفار أو اليرقان) ولقد اعتاد الناس قبيل منتصف هذا القرن على رؤية عدد من الأطفال كان الناس يعتقدون أن المسبحة (أو حجرها في واقع الأمر) امتصت اللون الأصفر من أجسادهم وانتقل إلى المسبحة (لتماثل اللون) . وعند بعض الشعوب الأخرى كانوا يضعونه كمرهم للجروح أو لامتيازه بقطع النزيف أو زرع الهدوء في نفس الإنسان وإبعاد الأمراض العصبية أو القلق النفسي عند استخدام مسبحة الكهرب وهنالك وصفات شعبية أخرى .
وهواية جمع مسابح الكهرب ، هواية مكلفة منذ قرون ولا تتاح إلا للطبقات الثرية في المجتمعات ، حيث اعتبرت من قطع الجواهر التي لا يقدر عليها إلا المقتدرون ماديا ولذا أطلق عليها البعض (هواية الملوك) . وقد تسمى مثل هذه المسبحة بالمسبحة الملوكية باللغة العامية . ويتداخل نوع الكهرب المستخدم في صناعة المسابح وكذلك طريقة التصنيع مع بعض المواصفات الأخرى في إطلاق أسماء معينة . فمسبحة الكهرب ذات النوع الشفاف الأصفر الخام والمشوب باللون الذهبي ، أو المتشققة محتوياتها ، وذات الشوائب الداخلية تسمى في العراق (سبحة الكهرب العطش) بينما يطلق أهل الخليج العربي ومصر هذا الاسم على مسابح الكهرب (أو المواد المقلدة لها) التي عوملت معاملة خاصة سواء بشي الحبات (قليها في سوائل حارة وإحداث تغير فيها ومن ثم لونت ببعض الألوان . وبردت ثم صقلت) بهذا الاسم أيضا .
كذلك كان يؤثر مكان التصنيع على اسم المسبحة ، فقد قيل (مسبحة الكهرب الاستنبولية) أو (مسبحة الكهرب جرخ اسطمبول) بالعامية العراقية ، دلالة على مكان صنع مسبحة الكهرب ، والواقع فإن طريقة صنع وتشكيل الحبات يختلف عن غيرها في هذه الحالة (كما تطرقنا إلى ذلك في مكان سابق ) . وبودنا الإشارة في هذا المكان إلى أن مسابح الكهرب والتي أنتجها وخرطها صناع استانبول - تركيا- في السابق تعتبر اليوم تحفا فنية وأثرية لا يمكن تعويضها من حيث طرافة عملية خراطة الحبات للمسبحة وقدم أحجار الكهرب ونوعيتها والانقراض النسبي لها وابتعاد الصناع في تركيا عن صناعتها اليوم ، ومنها ما يعود (تاريخ صنعها) إلى ما يزيد عن أربعمائة عام ومعظم حباتها من النوع الكبير الحجم نسبيا وبعضها لايزال موجودا في تركيا والعراق ولبنان ومصر وبعدد محدود وعند بعض الأفراد مع وجود الأحجام الصغيرة الحبات أيضا . كذلك فلقد سميت بعض المسابح حسب أماكن صنعها مثل (مسابح الكهرب الألمانية) وهي قديمة أيضا ولم تعد تصنع بشكل كبير حاليا نظرا لارتفاع قيمة الكهرب المصنع في ألمانيا هذه الأيام ودخول مسابح الكهرب المصنعة في روسيا وبولندا وأماكن أخرى . عليه فقد اختلفت المسميات حسب المكان وهنا لا بد أن نشير إلى أن صناع المسابح في مصر والعراق ولبنان قد انتجوا مسابحا من الكهرب في غاية الجودة .
ومسبحة الكهرب اليوم تصنع بأشكال عديدة وحسب الطلب ومعظمها ينتج في الدول التي تستخرج منها هذه المادة الكريمة وإن كان هناك انتاج وبشكل قليل في مصر والعراق وإيران وبعض الأقطار الأخرى عن طريق تحويل الأشكال القديمة من الكهرب إلى مسابح جديدة ، حسب الرغبة أو السوق أو الطلب الشخصي .
كذلك يفضل بعض أهل العراق ومصر مسابح الكهرب ذات الأحجام والحبات الكبيرة بينما يفضل معظم الناس الحبات الصغيرة وعلى مختلف أشكالها للملائمة في الشكل والكلفة .
وتقع قياسات معظم مسابح الكهرب الحديثة بحيث لا يزيد قطر الحبات (كمعدل) عن (5) ملم وأشكالها عموما تقع بين الكروي التام وغير التام أو البيضوي أو على شكل حبات الصنوبر كما فصلنا ذلك في مكان سابق ، إن ذلك يلائم جيوب المشترين من حيث الكلفة أو السعة . وقد لا يقترب جملة من الناس لشراء المسابح القديمة من الكهرب نظرا لارتفاع سعرها أو كبر حجم حباتها في بعض الأحيان .
أخيرا بودنا الإشارة إلى ظاهرة تتعلق بالمسابح القديمة من الكهرب بصفة عامة . إذ لوحظ أن بعض الحبات تتعرض عبر الزمن إلى حدوث نوع من التآكل على شكل فوهات صغيرة وناعمة أو إلى تخرشات يمكن في بعض الأحيان رؤيتها بالعين المجردة ، ويعزى ذلك إلى حدوث التأكسد الشديد والسطحي لبعض المواد الداخلة في صلب حجر مادة الكهرب مع تأثرها بالاستخدام اليدوي أو تعرضها لمواد كيماوية أحيانا مما يخلق هذا التآكل ويكونه . لذا ننصح ومن غير مبالغة في ذلك ، في الحفاظ على مسبحة الكهرب وتنظيفها بين فترات متباعدة لهذا الغرض . إن حدوث التآكل يقلل من قيمتها ويهدر جماليتها بشكل عام .

أرب جمـال 9 - 10 - 2010 12:13 AM

استخدام المواد الشائعة الأخرى في صناعة المسبحة
بسبب التنوع الشديد والتباين البالغ لبعض المواد القديمة والحديثة التي دخلت إلى صنعة المسبحة فقد عولنا دمجها في ثلاثة مجاميع رئيسية ، وهي :
  1. مجموعة المواد ذات الأصل الحيواني .
  2. مجموعة المواد ذات الأصل النباتي .
  3. ومجموعة المواد ذات الأصل الترابي أو المعدني .

1 - مسابح المواد ذات الأصل الحيواني
لعل هذه المواد من جملة المواد الأولية التي بدا الإنسان في صنع المسبحة منها ، وكذا الحال بالنسبة لاستخدامات الإنسان الأولية والبدائية خلال عصور التاريخ المختلفة.
وتشمل هذه المواد التي صنعت منها الحبيبات وأجزاؤها الأخرى القرون والعظام والأنياب ، أو متحجراتها ، ومنها بخس ورخيص كما أن البعض الآخر غال وثمين .
فمن مادة القرون صنعت المسبحة ، كقرون الغزلان والأيائل والثيران وبعض الحيوانات الاخرى ومنذ زمن ليس بالقريب وإلى هذا اليوم . ولقد أكثر من الإنتاج منها نظرا لزهد ثمنها وسهولة تصنيعها والحصول على مادتها الأولية ووزنها النوعي الخفيف الذي يصلح لبعضها . إلا أن معظم أشكال حباتها تقع في فئة القياس الصغير ويبدو أنها أنتجت بأشكال غير متقنة تماما وغير متقنة التثقيب أيضا .
وتنتشر مثل هذه المسابح في معظم بقاع الدول العربية والإسلامية كما شاهدنا بعضها لدى بعض الدول الأخرى حيث صنعت منها بعض القلائد المسيحية أو البوذية أو غيرها . كذلك هنالك انتشار لها في بعض الدول الإفريقية (الشمال الإفريقي) كما أنها استخدمت من قبل بعض الفئات الدينية كأصحاب الطرق الصوفية والدراويش أو النساك بصفة خاصة . ومعظم قياسات هذه الفئة من ناحية العدد هي (99 حبة) زائدا الفواصل والمنارة ويشوب معظم ألوانها اللون الرمادي أو المشوب بسواد ، أو المائل للبياض مع شفافية بسيطة . ومعظم حبات هذا النوع كروية أو متدحرجة أو شبه بيضوية وغير منتظمة الشكل وأسعارها زهيدة في معظم الأحيان .
كما يوجد استثناء لما ذكرناه أعلاه ، فلقد أنتجت مسابح غاية في الإتقان من بعض القرون وخاصة من قرون حيوانات الخرتيت (وحيد القرن) الغالية جدا (Rhinoceros) وقرون بعض الأيائل النادرة . وقد صنعت الحبات وأجزاؤها بأشكال حبات بيضوية ، حيث يميل لون الحبات المخروطة من الجزء الأقرب إلى خارج القرن باللون الأخضر القاتم المتدرج مع تشابكات لونية داخلية ، وتميل الحبات المخروطة من الجزء الباطن إلى اللون البني والأصفر مع تشابكات ألوانهما ، وحبات المسبحة من هذا النوع من القرون شديدة الصلادة ناعمة الملمس مع مرونة بالغة ، خصوصا وأن الوزن النوعي للمادة مناسب تماما أما أقطار الحبة فتتجاوز (8 ملم) وطولها يزيد عن (14 ملم) حيث أن حجم القرن يوفر المرونة الحجمية حسب الطلب كما يمكن في الوقت نفسه صناعة قياسات صغيرة لحبات واجزاء المسبحة . وبصفة عامة فإنها تعد من الأنواع النادرة اليوم خصوصا إذا ما علمنا أن صنعها يضر كثيرا بالمتواجد من حيوان الخرتيت أو الأيل ويساعد على انقراضه مثلها مادة العاج أو غيرها .
المواد الأخرى من طائفة الأصل الحيواني هي مسابح العظام وينطبق عليها نفس التحليل السابق لمادة القرون وإن كان ما انتج منها أكثر عددا بالمقارنة مع مادة القرون . وتشمل العظام طائفة كبيرة من عظام الحيوانات كعظام الجمال والحيتان والأسماك الكبيرة والأفيال والغزلان والثيران وكلاب البحر وما إلى ذلك . وعادة تؤخذ من هذه العظام الأجزاء الصلدة والسميكة منها وتترك الأجزاء الضعيفة والهشّة . وتقوم صناعتها في دول مثل مصر والهند والباكستان وتونس وإيران وغيرها .
وفي العقد الأخير من الزمن ارتفعت قيم بعض أنواع العظام والأنياب بعد الإجراءات الدولية الشديدة لحماية الأفيال وغيرها من الانقراض وانتشار قواعد دولية وقيود على تجارة أنياب الأفيال المستخلصة من الأفيال المقتولة وتصعب الأمر بذلك على تصنيع المسابح من العاج ولجوء بعض الناس إلى البدائل ومنها العظام الأخرى لوجود بعض التشابه .
ومسابح العظام البيضاء اللون أو المطعمة والمزخرفة منتشرة الآن في شمال أفريقيا ، ومصر والسودان وغيرها . كما تنتشر في سوريا ولبنان والهند وإيران وباكستان وأفغانستان في آسيا . ويرغب الناس في شرائها لرخص ثمنها ولتقليدها العاج وخصوصا تقليد المطعّم منه ، وكما ويقبل عليها أيضا فئات الدراويش والمتصوفة وغيرهم لأسباب تقشفية ودينية .
أما مسابح الأنياب الأصيلة فلعل أشهرها هي مسبحة العاج المستخلص من الأفيال ، حيث تقوم صناعتها في مصر والصين والسودان وبعض دول شرقي آسيا . وهي على نوعين : النوع العادي الصافي والنوع المطعم أو المكفت . فمسبحة العاج الطبيعي العادي تكون أشكال حباتها كروية أو بيضوية ويميل شكلها إلى النوع الأخير على الأغلب ، كما ان بعضها مصنعا على الشكل الاستانبولي (خراطة استانبول) .
إن قياسات الحبات لمسبحة العاج متباينة وإن كان أفضلها ما كان شكلها بيضويا وقطر حباتها يزيد عن (6 ملم) وطولها يزيد عن (8 ملم) ، فضلا عن تلك التي صقلت بصورة متقنة وظهر فيها بريق فاتن مع تفاصيل اللون الحليبي الأخّاذ ، كما ان عدد الحبات في هذا النوع يفضل أن لا يتجاوز (33 حبة) زائدا الفواصل والمنارة مع شرابة فضية أو ذهبية مما يضفي على شكل منظر المسبحة النهائي منظرا جميلا .
عموما فمسابح العاج العادية انتجت أيضا بأشكال ومواصفات وقياسات متعددة ومتباينة فمنها (33 حبة) و (99 حبة) ، وهنالك بعض الناس من يرغبها ويهواها ، وأشهر صناعتها حرفيو مصر والصين وهونق كونق والسودان ، إلا ان الصناعة السودانية لهذا النوع غير متقنة تماما ، خصوصا من ناحية الصقل وكثرة الشوائب وعدم اتقان التثقيب .
أما النوع الآخر فهي مسابح العاج المطعمة ، حيث تنحت أو تحفر حبات العاج بالزخارف المطلوبة والكتابات المتنوعة ثم يدخل في شقوق الزخرفة أسلاك الذهب او الفضة أو النحاس (أو معادن اخرى) مع زرع الحبيبات الفيروزية أو الحجرية الكريمة الأخرى حسب مواقعها المخصصة ومن ثم تصقل ثانية ، وبذا تصبح المسبحة من العاج قطعة فنية رائعة تعكس النواحي الفنية والحرفية وتصبح من النوادر وهي فعلا كذلك .
وقد لاحظنا بعض الأنواع الرديئة غير المصقولة تماما بعد عملية التطعيم أو التكفيت مما أوجد حالة من عدم المرونة في استخدامها وأساء إلى جمال المسبحة ، بل أصبح من المتعذر أحيانا استخدامها بسلاسة تامة عند مداعبة الحبات .
لقد قلدت مسابح العاج وبكافة أشكالها من مواد العظام الأخرى والبلاستيك او المواد الكيماوية الأخرى ، وقد يصعب أحيانا التفرقة أيضا بين المقلّدة والأصلية إلا ان عين الخبير سرعان ما تكتشف ذلك لمعرفته بالعاج وطرق صنعه . وبما أن العاج نفسه أصبح مادة نادرة جدا ، لذا فأسعار المسابح المنتجة منه تصاعدت كثيرا خلال العقد الأخير وخصوصا تلك المطعمة والمصقولة جيدا والمتقنةالصنع والتي يصنعها الحرفيون في مصر والقادرون فعلا على انتاج مسابح عاجية مطعمة في غاية الروعة والاتقان . كذلك ينتج في الصين مسابح من العاج والمنحوتة حباتها بنقوش وزخارف مختلفة على مستوى راق من الحرفية والفن الرفيع وهي من أجمل ما يراها الإنسان إلا أن عدم صلاحيتها للاستخدام اليدوي المستمر جعل منها مسبحة للزينة أكثر منها مسبحة يمكن استخدامها ، وعليه فلم يهتم بها سوى هواة التجميع .
أخيرا شاهدنا بعض تلك المصنعة من الأنياب أو أسنان الحيوانات الأخرى كأنياب حيوان الفقمة ، أو من بعض المتحجرات لأنياب حيوانات قديمة وهي قليلة العدد إجمالا .





الساعة الآن 12:53 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى