منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الجغرافيا والظواهر الطبيعية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=43)
-   -   علم الجغرافيا : مسارات وتطور (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8815)

ميارى 30 - 7 - 2010 07:26 AM

علم الجغرافيا : مسارات وتطور
 


تعريف علم الجغرافيا


جغرافيا: كلمة يونانية الأصل مكونة من مقطعين هما: جيو(Geo ) تعني أرض، وغرافية (Grophia) ومعناه وصف، فهي تعني وصف الأرض، ويقال: جغراويا بالواو على الأصل، وهو: علم يتعرف منه أحوال الأقاليم (القارات) السبعة الواقعة في الربع المسكون من كرة الأرض، وعروض البلدان الواقعة فيها، وأطوالها وعدد مدنها وجبالها وبراريها وبحارها وأنهارها، إلى غير ذلك من أحوال الربع المعمور.
قال الشيخ داود في (تذكرته): جغرافيا: علم بأحوال الأرض من حيث تقسيمها إلى الأقاليم والجبال والأنهار، وما يختلف حال السكان باختلافه، انتهى. وهو الصواب لشموله على غير السبعة.
وكلمة الجغرافيا في اللغة العربية تعتبر حديثة بعض الشئ، حيث كان العرب والمسلمين يستعملون بدلا منها: صورة الأرض، أو قطع الأرض، أو خريطة العالم والأقاليم، أو علم المسالك والممالك، أو علم تقويم البلدان أو علم الطرق.
وأول من كتب في موضوع علم الجغرافية كتابة علمية هو: " بطليموس القلوذي" ،فقد كتب كتابه (الجغرافيا) علاوة على ما ورد في كتابه (المجسطي) من معلومات جغرافية قيمة وخاصة في فرع الجغرافية الفلكية. (انظر: أبجد العلوم، ج2، ص212، 213، وكشف الظنون، ج1، ص590، وموقع : "خليفة").

أهمية علم الجغرافيا وأهم أقسامه


تطورت الجغرافيا في الوقت الحاضر تطورا كبيرا، وبدأت تؤدي دوراً فاعلاً في حياتنا المعاصرة، فلم يعد يقتصر دور علم الجغرافيا على وصف الظواهر الطبيعية و البشرية لسطح الأرض مثل: الجبال و السهول وعدد السكان وحرفهم، وإظهار العلاقات المتبادلة بين البيئة و نشاط الإنسان، بل اتسع مجالها اليوم ليتضمن:

دراسة الحلول للقضايا والمشكلات البيئية المعاصرة، ومن بينها: مشكلات التلوث المائي والهوائي، والتصحر، وانجراف التربة وغيرها، كما تسهم الجغرافيا بشكل كبير في عمليات خطط التنمية الشاملة، فالجغرافي يشارك في التخطيط لمجالات التنمية المتنوعة مثل: تخطيط المدن وتطورها، والتخطيط لمشروعات النقل والمواصلات، والتخطيط للاستفادة من الموارد الزراعية والصناعية والمائية والسياحية.
ليس هذا فحسب فهي تعرفنا على العالم من حولنا مما يساعدنا على فهم الكثير من القضايا المختلفة، فمشكلة دارفور في السودان -مثلا- لا يمكن أن نفهمها ما لم نفهم الجغرافيا هناك، ونفهم أن درافور منطقة كبيرة ذات مساحة تفوق مساحة فرنسا، ونفهم أن فيها قبائل تعتمد على الرعي، فلمَّا أصاب الجفاف بعض المناطق رحلت القبائل إلى مناطق قبائل أخرى وحدثت الخلافات، وعلينا أن نعرف ما هذه القبائل؟ وما أصولها؟ وكيف تعايشت؟ وما دينها؟ كل هذا يساعدنا على فهم أبعاد المشكلة ويساعدنا على إيجاد حلول لها. (موقع: "خليفة" بتصرف).
وعلم الجغرافيا يرجع إليه الفضل في قيام النهضة العالمية؛ "حيث مهدت الكشوف الجغرافية الطريق لمعرفة العالم الذي نعيشه، فالكرة الأرضية أو القارات واليابسة والماء (بحاراً، محيطات، وبحيرات) والشعوب والحضارات ما كانت لتعرف لولا الجغرافيون والكشوفات الجغرافية.
والجغرافيا ليست فقط كما يعتقد أو يقوم بتفسيرها بعض المثقفين بأنها هي السطح ومناخ البحر الأبيض المتوسط وتوزيع البترول وحقوله، أو توزيع التمر, أو سرد عواصم الدول.. بل هي ذلك العلم الذي يشترك مع الكثير من العلوم الطبيعية والبشرية، والصناعية والعسكرية، والفلك، وجغرافية الحروب، والجغرافيا الطبية، وجغرافية البيئة والمياه، والجغرافيا السياسية وجغرافية التنمية، والجغرافيا الاقتصادية وجغرافية التخطيط, وجغرافية السكان.
فالجغرافيا البشرية هي ذلك العلم الذي يتعرف على سلالات العالم وأصولهم على اختلاف دياناتهم ومواقعهم، ونزوحهم واستقرارهم ونشاطاتهم، والجغرافيا الطبيعية هي التي تتعرف على ملامح الدول من الناحية الطبوغرافية، جبال ووديان، وسهول وبحار، وأنهار وبحيرات وهضاب وخلجان، ومناخاتها المختلفة تبعاً لمختلف مواقعها من ناحية التضاريس وموقعها بالنسبة للكرة الأرضية والمدارات المناخية.
وهذا التخصص يقود إلى الجغرافيا العسكرية (الحروب) وكيف تتعامل الدول من خلال منظور الجغرافيا الطبيعية، وإمكانية اختراق تلك الدول والوصول إلى الأهداف المنشودة من خلال دراسة وتحليل المعوقات الطبيعية من أنهار أوجبال أو مستنقعات.
فبإمكان المهتمين دراسة تجربة الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق وكيف استخدم علم الجغرافيا في تلك الحروب، وكيف يتم النظر إلى أهمية دراسة مناطق استخراج البترول من وسط آسيا، أو استخراج اليورانيوم من أفريقيا.
ويتم ذلك من خلال استخدام علم آخر وهو (علم الخرائط) أو علوم أخرى كعلم نظم المعلومات الجغرافية أو الاستشعار عن بعد، وهي العلوم التي لا يستغني عنها أي جيش في العالم، (علم طبوغرافية الأرض) فالخرائط ترصد المرتفعات والمنخفضات والكهوف والوديان السحيقة من خلال خرائط متنوعة وكذلك الصور الجوية.
والجغرافيا أيضا لها علاقة بعلم الآثار وعلم أشكال سطح الأرض (الجيومور فولوجي)، ذلك العلم المتعلق بدراسة باطن الأرض وأنواع الصخور، والجغرافيا مرتبطة بعلم الهندسة من خلال هندسة الطرق والجسور والأنفاق، والجغرافيا ذلك العلم المرتبط بالفلك والطقس والأحوال الجوية التي نراها اليوم كل ليلة في التليفزيون.
والجغرافيا كانت لها الدور الخطير في الصراع الإسلامي الصهيوني، فالحروب الإسرائيلية جميعها اعتمدت على أسباب جغرافية وديموغرافية، فاليهود أرادوا الوصول الى قناة السويس ليجعلوها حاجز طبيعيا بينهم وبين جمهورية مصر العربية، ولم يتراجع اليهود عن سيناء الا بعد انكسارهم وعبور المصريين قناة السويس في حرب العام 1973، وكذلك احتل اليهود هضبة الجولان لكي يشرفوا على عاصمة سوريا (دمشق) من خلال محطات الإنذار المبكر.
وكذلك كانت حملة سلامة الجليل في العام 1982 على مواقع منظمة التحرير الفلسطينية للاستيلاء على مياه الجنوب اللبناني من نهري الحاصباني والوزاني، وكذلك كان المفاوض الإسرائيلي يتسلح بالخرائط والمعلومات الجغرافية الميدانية، لأنه كان يبني أفكاره التفاوضية على أصول جغرافية، فمواقع اختيار المستوطنات والمواقع العسكرية والنقاط والمعابر وخطوط سير الجدار الفاصل لم يحدده إلا الجغرافيون أمثال (يوسي ألفر)". (من مقال د. يوسف كامل إبراهيم، أستاذ الجغرافية البشرية في جامعة الأقصى- غزة- فلسطين، من موقع: "أمين").

ثانيا: الجغرافيا قبل الإسلام


لا نكون مبالغين إذا قلنا: إنه لا يسبق علم الجغرافيا تاريخيا علم من العلوم اللهم إلا علم الفلك، والذي يعد بدوره في نظر الجغرافيين المنصفين فرعا من فروع الجغرافيا، ومع ذلك فإن علم الجغرافيا لم يظهر في القديم كما هو اليوم، وهذا من طبائع كل العلوم، فكل علم لا بد له من إرهاصات، ثم البداية المشوشة التي يتداخل بها هذا الفن مع غيره من العلوم، ثم يأخذ بعد ذلك دوره في التشكل والتكوين، خاصة مع ظهور المتخصصين. (انظر: محمد سيد نصر، تطور علم الجغرافيا وفضل العرب فيه، ص2،1).

وقد كان من بين الشعوب التي تركت لنا إرثاً متواضعاً في هذا المجال شعوب البحر الأبيض المتوسط، سواء في ذلك المصريين أوالفينيقيين أوالرومان، وقبلهم الإغريق الذين كان لهم الدور الأول في ذلك، وهم شعب التصقت حياته بالبحر وتميز بحب الاستطلاع مما ساعد على نمو تذوق المغامرات البعيدة لديهم.
فقد قام المصريون القدامى في عهد (سينفرو) فرعون مصر برحلات عديدة بغية الاستكشاف، كما أرسلت مصر البعثات لكشف حوض النيل وارتياد الصحراء الشرقية والليبية وشبه جزيرة سيناء، وتيسيرا لنقل التجارة من داخل البلاد إلى البحر الأحمر حفرت قناة سيزوستريس بين النيل وذلك البحر.
أما الكريتيون فهم شعب بحري ضاعت كل معالم تاريخه من الذاكرة، وظهر أن نشاطهم في مضمار الملاحة كان سابقاً للفينيقيين وهم أقدم من ركب عرض البحر، ولم يتبق من التاريخ عنهم سوى تجارتهم الواسعة مع مصر التي عرفوا من خلالها سواحل الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط, كما عرفوا غرباً سواحل صقلية وإيطاليا الجنوبية دون أن يتجشموا مخاطر الابتعاد أكثر من ذلك.
أما الفينيقيون فقد تمت أول حملة اكتشافية على أيديهم، وقد جهزها فرعون مصر (نيخاوس)-الذي حكم في النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد بالسفن والمؤن-واستطاعت هذه الحملة عام 665 ق.م أن تدور حول أفريقيا بعد أن انطلقت من البحر الأحمر وعادت من طريق البحر الأبيض المتوسط, واستغرقت هذه الرحلة مدة عامين، وفي الفترة الواقعة قبل الميلاد بخمسة قرون قام القرطاجيون بإرسال القائد صفون لاكتشاف ساحل أفريقيا الغربية، فانطلق على رأس أسطول من ستين سفينة يركبها ثلاثمائة بحار بالإضافة إلى عدد من المهاجرين, وفي الوقت نفسه كان القائد هيميلكون يكشف سواحل أوروبا الغربية ويتوغل في بحر الشمال.
أما اليونانيون الذين كانوا يقطنون ضفاف بحر غنيّ بالملاجئ الطبيعية فقد نشطوا من خلال تجارتهم وقربهم من البحر، وكان منهم المؤرخ (هيرودوت) الذي قام برحلات كبيرة في برقة ومصر وفينيقية وبلاد بابل، كما زار المستعمرات الإغريقية في ساحل آسيا الصغرى الشمالي، وجزر بحر إيجة وصقلية وجنوب إيطاليا، ويعتبر كتاب "التاريخ" الذي ألفه وجيزا للمعارف الجغرافية لدى الإغريق في أواسط القرن الخامس ق . م .
وقد اتسعت معارف الرومان الجغرافية، إذ أنهم توغلوا في الحبشة بعد دخولهم مصر، ووصلوا إلى مناطق المستنقعات الفسيحة في بحر الغزال، وقاموا ببعض الاستكشافات الجغرافية هناك، كما اكتشفوا جبل كينيا وجبل كليمنجارو أعلى قمم أفريقيا.
واستناداً إلى جغرافية بطليموس فقد كان العالم المعروف لدى الأقدمين يمتد من جزر الخالدات غرباً إلى الصين شرقا، أما حدوده الشمالية فكانت الجزر الواقعة شمالي بريطانيا، في حين لا تتعدى حدوده الجنوبية منطقة السودان والبحيرات الكبرى، وكان كتاب بطليموس مزودا بـ 27 خارطة، كانت إحداها تمد البحر المتوسط بحوالي 20 درجة شرقا؛ مما أدى بالتالي إلى استطالة الأراضي بشكل مفرط باتجاه الشرق.
وجاء حينٌ من الدهر أخذت فيها روح البحث العلمي في هذا المجال في الخمول حينما بدأ رجال الكنيسة من أمثال القديس (أمبرواز 330 - 397م) يجهرون بأن دراسة الكون ووضع الأرض لن يفيد الإنسانية في تحقيق أملها في الحياة الآخرة، وأدى ذلك إلى أن بدأ الكثيرون يعزفون عن الرغبة في المعرفة ويعتبر هذه الأمور ضرباً من السحر، واستمر الحال هكذا حتى القرن الخامس عشر، فقد عانى كل من كوبرنيك ( 1473ـ 1543) وجاليليو (1564ـ 1642م) الكثير من المضايقات من رجال الكنيسة. (انظر: عبد الرحمن حميدة، أعلام الجغرافيين العرب، ص21 - 33 بتصرف).

[motr]
يتبع ..
[/motr]



ميارى 30 - 7 - 2010 07:27 AM

الجغرافيا في الإسلام

أ) عوامل ظهور الجغرافيا عند المسلمين:

لم يكن ظهور علم الجغرافيا لدى المسلمين وليد صدفة، وإنما كان هناك عوامل وأسباب عدة أسهمت في ظهوره ونمائه، نذكر منها ما يلي:
1- انتشار الإسلام: فقد اقترن الفكر الجغرافي لدى المسلمين بانتشار الإسلام في أنحاء شتى من العالم القديم في قاراته الثلاث، وترتب على ذلك اختلاف خصائص البيئات التي سادها الدين الإسلامي؛ مما أوجد حاجة ماسة لمعرفة وجمع معلومات متخصصة عن تلك البيئات.
2- التدبر في خلق الله: حيث جاء القرآن الكريم ببيان كثير من الظواهر التي أودعها الله في الأرض، قال تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}، وقوله تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج}، وقوله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا}، وقوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان}، وهذه صورة إعجازية لظاهرة مهمة في الجغرافيا الطبيعية، حيث يلتقي الماء العذب والماء المالح فلا يختلطان ويمتزجان، وهذه الظاهرة الجغرافية تتحقق عند التقاء الماء العذب بالمالح في جميع المسطحات المائية مثل ما هو في الركن الشمالي الغربي من الخليج العربي قرب جزر البحرين.
ولقد تدبر رواد الجغرافيا عند المسلمين هذه النصوص المتخصصة؛ مما أسهم في تأصيل الاتجاه العلمي الجغرافي لديهم، والآيات الكونية ما هي إلا وسائل أوجدها الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحسابات الزمنية, قال تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا}.
والقرآن الكريم فيه بيان لعدد من الظواهر الكونية والجوية والأرضية التي استرعت تفكير نخبة من العلماء، وبهذا تحدد ميدان الجغرافية لديهم بما يتفق مع ما هو معروف اليوم بالأغلفة الجوية والصخرية والمائية.
3- المتطلبات الشرعية: قام الإسلام على أصول من الكتاب والسنة في تعاليمه التعبدية، فتعتمد أركانه في أدائها على مواقيت زمنية ومكانية؛ فالصلاة تقام في أوقات زمنية محددة ويستقبل فيها جهة محددة، وبما أن بقاع الأرض تختلف في مواقيتها الزمنية والمكانية فقد كان هناك ضرورة لأن يهتم علماء كل ولاية إسلامية بتوضيح هذه الأمور لعامة الناس, وتتلخص المتطلبات الشرعية في أمور عدة منها:
أ- فروض العبادات: وضع علماء المسلمين في كل قطر إسلامي حدودًا زمنية لإقامة الصلاة، وما تزال الأدوات التي تقاس بها مواعيد الصلاة موجودة في بعض المساجد القديمة، وتسمى بالساعات الشمسية، وكان الاعتناء بذلك ناتجا عن أن دخول الوقت شرط لإقامة الصلاة قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي مفروضًا في الأوقات، وكذلك جاء في الحديث الشريف أن جبريل عليه السلام علَّم النبي صلى الله عليه وسلم وقت كل صلاة.
ولقد حُدد الصيام بحدود شهرية وحدود يومية لقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا"، وجاء التحديد اليومي بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
ولأهمية أمر العبادة فيما يخص تحديدها المكاني والزماني اتخذت بعض الاتجاهات العلمية في كتابة بعض المصنفات التي تفي بأمرها؛ فمثلا كان من أهداف الكتابات الجغرافية والفلكية تحقيق الفائدة وتبصير الأمة للأوقات، ومن ذلك ما أورده البيروني حول أسباب تأليف كتاب (الآثار الباقية عن القرون الخالية) بقوله: "فقد سألني أحد الأدباء عن التواريخ التي تستعملها الأمم, والاختلاف الواقع في الأصول التي هي في مبادئها, والفروع التي هي شهورها وسنوها، والأسباب الداعية لأهلها إلى ذلك, وعن الأعياد المشهورة والأيام المذكورة للأوقات والأعمال وغيرها مما يعمل عليه بعض الأمم دون بعض, واقترح علي الإبانة عن ذلك بأوضح ما يمكن السبيل إليه حتى تقترب من فهم الناظر فيها".
وارتبط الحج بمواقيت مكانية للإحرام وهي مختلفة في أبعادها من مكة حسب الجهات التي يأتي منها المسلمون لأداء الفريضة، وكان ضروريًا معرفة تلك المواضع التي يتم إحرام الحجاج والمعتمرين منها حتى لا يترتب عند تجاوزها مخالفة شرعية في تمام العبادة، ويتحدد الحج بميقات زمني متمثلا بدخول شهر ذي الحجة؛ لأن الحج مرتبط بالوقوف بعرفة وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فمن فاته الوقوف بعرفة - كما هو معلوم - فقد فاته الحج.
ب- تفسير ما ورد من نصوص شرعية: أسهمت بعض النصوص الشرعية التي وردت في السنة في تنشيط المعرفة الجغرافية في محاولة لتفسير تلك النصوص, من ذلك ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا"، وقول الرسول: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان"، وقوله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، تلك النصوص وما شابهها أظهرت حاجة ملحة في بيان المقصود من ذلك؛ لتحقيق ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أوجدت وجهات نظر جغرافية في التحديد، فالنصوص السابقة مثلا جعلت من تحديد جزيرة العرب محل اختلاف بين العلماء الجغرافيين، حتى إنه ورد فيه أربعة آراء، منها ما هو متسع كتحديد ابن حوقل والإصطخري، ومنها ما هو ضيق كتحديد المقدسي والجيهاني، وأسهمت تلك النصوص وما شاكلها في ترسيخ مبادئ الاتجاه الإقليمي المتخصص كما هو في مصنفي (صفة جزيرة العرب) للهمداني، و(بلاد العرب) للحسن بن عبدالله الأصفهاني.
ج- الدعوة إلى الله وتعلم أمور الدين: بعد فتح البلاد الإسلامية أصبحت هناك حاجة ملحة لتعلم شرائع الدين، حيث قام عدد من التابعين بالسفر إلى البلاد المفتوحة لتعليم أبنائها أمور الدين والدعوة إليه، وفي الوقت نفسه قام أفراد من سكان تلك البلاد بطلب العلم من المنابع التي ظهر فيها الإسلام سواءً في مكة أو المدينة؛ لما تتمتع به المدينتان من وجود كبار الصحابة والتابعين، وكانت هذه الرحلات في سبيل الدعوة إلى الله أو طلب العلم تستلزم المعرفة بالمسالك المؤدية للمناطق المقصودة، كما أن أساليب الدعوة في بيئة ما لا يمكن أن تصلح في كل بيئة، ومما أسهم في تيسر الاتصال المرتبط بالدعوة إلى الله الموقع الجغرافي لموطن الرسالة، فقد أثبتت الدراسات الجغرافية الحضارية لمنطقة الشرق العربي أن موقعها الجغرافي كان وما يزال متوسطًا في العلاقات الإقليمية والعالمية، ولذا أسهم بدور الوساطة التجارية من جانب وبدور الدعوة والبلاغ من جانب آخر.
4- المتطلبات الإدارية والعسكرية: نمت الدولة الإسلامية وبلغت حدودها من الصين شرقًا حتى الأندلس (أسبانيا) غرب في غضون سبعين سنة تقريبًا، وكان هذا النمو حصيلة فتوحات في ثلاث خلافات إسلامية (الخلافة الراشدة، والخلافة الأموية، والخلافة العباسية). ويتطلب التوسع في الدولة مراعاة أمور ترتبط بهذا التوسع، منها:
أ- إدارة المناطق: عندما أصبح الأمر في معظم أصقاع العالم القديم تحت إمرة الخلافة الإسلامية كان من الأولويات التي اهتُمَّ بها الكيفية التي تتم بها إدارة المناطق بما يتفق مع الإمكانات البيئية والخصائص الاجتماعية لكل قطر، وكان الأمر يتم بدراسة التقارير الوصفية (الجغرافية) الأولية من قبل الفاتحين لتحديد الطريقة المثلى لإدارة تلك الأقطار، وتعد تلك التقارير بمثابة النواة الأولى لتطور اتجاهات الدراسات الإقليمية.
ب- الالتزامات المالية: نظم الدين الإسلامي جباية المال عبر أبواب متعددة، فجباية الزكاة تتعين على الموسرين من المسلمين، ويقدر الخراج حسب مقدار غلة الأرض، وهو ما يختلف باختلاف البيئات التي بسط الإسلام تعاليمه السمحة عليها، بينما تؤخذ الجزية على الذميين الداخلين في حمى الولاية الإسلامية، ومثال ذلك ما قام به المقدسي من تحديد للأقليات غير المسلمة في إطار الممالك الإسلامية.
ج- تلبية احتياجات المناطق من المتطلبات المهمة: تقترن عمليات توفير الاحتياجات للمناطق بالمعرفة الجغرافية التي تحدد الأولوية في تقديم المتطلبات لسكان الولايات الإسلامية؛ فمثلا بناء الطرق وتسهيلها من المتطلبات العامة التي تكفلت بها الخلافة، ومما روي من الاهتمام بذلك ما أناط عمر بن الخطاب به نفسه بقوله: "لو أن بغلة عثرت في أرض العراق لكنت مسؤولا عنها لِمَ لَمْ أسوِّ لها الطريق؟"، كما رغب معظم الخلفاء في معرفة الممالك التي أصبحت تحت إدارتهم من ذلك ما قام به الخليفة عمر بن عبدالعزيز من الكتابة إلى واليه في الأندلس يطلب منه فيها موافاته بصفة الأندلس وأنهارها، وفي هذا بيان لأهمية الاتجاه الإقليمي للجغرافية في إدارة شؤون الدولة, والتعرف على أحوالها والتخطيط لمستقبلها.
د- تحديد المناطق المثلى لإنشاء خطوط الدفاع عن الدولة الإسلامية: تميزت دولة الإسلام إبان نشأتها بالقوة والمنعة إلا أن ذلك لم يمنع من التفكير في الذود عن الأمة الإسلامية - التي يتربص بها أعداؤها حالة ضعفها, أو انشغال المسلمين عن الجهاد في سبيل الله - بإيجاد بعض النقاط التي تكون مراكز للدفاع عن الأراضي الإسلامية، وقد تم اختيار بعض المعابر الأرضية (الثغور) بين ممالك الإسلام والممالك غير المسلمة نصرانية كانت أم لا دينية؛ لتكون مصدات لهجوم الأعداء، وإن اختيار هذه المعابر يأتي عبر معرفة جغرافية دقيقة بطبوغرافية المكان.
كما أن القادة قد ابتكروا نقط إمداد عسكرية شبه ثابتة - في حالة الحاجة إلى استنفار أكبر عدد ممكن من المسلمين للجهاد أو صد هجوم المعتدين- ببناء المدن الحربية في مواضع مختلفة فما البصرة والكوفة والقيروان إلا نماذج للمدن الحربية؛ فمدينة القيروان على سبيل المثال اختيرت بعناية من قبل القائد عقبة بن نافع في الجزء الهامشي من المنطقة الرطبة وعلى مقربة من المنطقة الجافة وعند ملتقى طرق تتجه في جميع الاتجاهات مع اهتمام بوجود ينابيع مائية تكفل نمو المدينة، وفي هذا بيان لأهمية الموقع الجغرافي في الاتجاه العلمي للمتطلبات التي تحتاجها الدولة الإسلامية.
5- الدوافع الاقتصادية: حقق النشاط التجاري تنشيطًا للمعرفة الجغرافية عند المسلمين قدر ما حققه انتشار الإسلام في أرجاء واسعة من العالم؛ فالتجارة هي الحرفة الرئيسة للمجتمعات العربية حيث ارتبطت مدن الصحراء بالمناطق الزراعية، وكوَّن تجار المسلمين بعد انتشار الإسلام خلفية واسعة عن البلاد المحيطة بهم عبر علاقات تجارية، وجعلت التجارة المعطيات الجغرافية أعظم بكثير مما كانت لدى أسلافهم من الأمم الأخرى، ووضعتها تحت تصرفهم فوسعت أفق الجغرافيِّ؛ مما جعله يكتب عن مناطق لم يرها بل سمع عنها من التجار، ولقد تعددت العلاقات التجارية ولعل أبرزها تلك العلاقات مع الهند وجنوب شرق آسيا والصين وأفريقيا وأوربا، ولهذا العامل تأثير في بناء أساسيات الجغرافية التجارية لدى العلماء المختصين.
6) تشجيع العلماء: أسهم تشجيع العلماء في إبراز الاتجاه العلمي في الكتابات الجغرافية، وظهرت ثمرات هذا التشجيع في المصنفات التي خلفها علماء المسلمين، ويتلخص التشجيع في صور من أبرزها: إنشاء بيت الحكمة، وتنشيط حركة الترجمة
7) الرحلات: فقد أدَّت الرحلات بجميع أغراضها إلى تفوق الجغرافيا الوصفية، كما أسهمت في تطور الجغرافية البلدانية (الإقليمية)، حيث كانت الرحلة هي المصدر العلمي لهذا النوع من الكتابات الجغرافية، وتمثل الرحلة الوجه المشرق للجغرافية الإسلامية، ففي بطونها معين لا ينضب من المعلومات التاريخية والاقتصادية والأنثروبولوجية لمعظم مناطق العالم الإسلامي، وقد اعتمد كبار الجغرافيين المسلمين على الرحلة في جمع معلوماتهم، أو التأكد مما سمعوه أو نقلوه، فزاروا معظم البلدان التي كتبوا عنها، وألفوا كتبًا تحدثوا فيها عن رحلاتهم؛ فعرَّفت الناس بأجزاء كثيرة من العالم كانت مجهولة قبلهم.
ولقد عنون بعض الجغرافيين كتبهم بأسماء تدل على المنهج الذي طرق في هذا الكتب، فمثلا ابن بطوطة عنون لكتابه بـ"تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وأصبحت الرحلات في مصنفات الكتب الإسلامية مصدرًا من مصادر المعرفة الجغرافية، فالمسعودي مثلا بدأ رحلاته المبكرة التي زار فيها اليمن وحضرموت وعمان وبحر الزنج والهند والسند عام 303هـ، ثم أتبعها برحلة طويلة بين عامي 304 و 332هـ- امتدت إلى ما يقرب من 28سنة - إلى الممالك المحيطة ببحر الخزر وبعض الأقاليم الواقعة شرق دجلة. وأخيرًا برحلة إلى مصر وسورية استمرت أربع سنوات, وقد جمع في هذه الرحلات معلومات ميدانية متنوعة كانت مصدرًا لبعض ما أورده في كتابيه (مروج الذهب ومعادن الجواهر)، وكذا (التنبيه والإشراف). (مساعد بن عبدالرحمن الجخيدب، موقع "الدارة" بتصرف).
ب) دور السابقين على المسلمين:
وفي معرض تناول إنطلاق النهضة الجغرافية لدى العرب والمسلمين يجدر بنا ذكر التأثير العلمي للهنود واليونان في هذا المضمار، فقد استعان المسلمون بمجهوداتهم البحثية التي كانت شرارة لانطلاق ثورتهم الجغرافية المبدعة.
فمؤلفات بطليموس ومارينوس وبعض الرحالة الهنود قدمت البدايات للعرب، حيث كانت مؤلفات وصفية اهتم فيها بطليموس بحساب درجات الطول والعرض ودشن لاستخدام الجغرافية الرياضية في رسم الخرائط، وكذلك كتب سترابون الذي عاش في أيام يوليوس قيصر، عن الصينيين وكان له السبق في ذلك.
فقد اعتمد العرب المسلمون في القرن التاسع الميلادي، الثالث الهجري في إرساء قواعد علمهم الجغرافي على كتاب "الجغرفيا" لبطليموس، وهو يكاد يكون الكتاب الوحيد الذي تناولوه في هذا الموضوع من الدنيا القديمة، مع كتاب مارينوس الصوري الأقل أهمية. (انظر: عبد الرحمن حميدة، أعلام الجغرافيين العرب).
رابعا: تطور علم الجغرافيا في الإسلام:
لم يقف المسلمون في تناولهم لعلم الجغرافيا موقف المطلع والمشاهد فقط لمؤلفات بطليموس ومارينوس الصوري، بل تعاملوا مع الأمر بخطوات إيجابية، شأن الجغرافيا لديهم شأن باقي العلوم التي اطلعوا على إسهامات السابقين فيها، ومن ثم قدموا ما عندهم من إبداعات واختراعات، وقد مرت الجغرافيا لدى المسلمين بالمراحل التالية:
1) ظهور الجغرافيا الأدبية:
فإذا كانت المحاولات الأولى في الجغرافيا قد ظهرت بشكل متواضع جدا في مطلع القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، فبعدها بنصف قرن تكوّن ما يعرف بالجغرافيا الأدبية، وقبل القرن التاسع الميلادي لم تكن هناك مصنفات جغرافية قائمة بكل معنى الكلمة، إنما كان هناك بين حين وآخر معلومات جغرافية متفرقة ضمن كتب الأدب.
فحين نشطت الترجمة واطلع المسلمون على أفكار بطليموس ومارينوس الصوري بدأت سلسلة الجغرافيا العلمية التي سرعان ما تبعتها أنماط متعددة للجغرافيا الوصفية، وفي أواخر هذا القرن (التاسع الميلادي) أخذت تظهر الوجيزات الجغرافية لفائدة كتّاب الدواوين، وكان من أهم ما يمثل ذلك الكتاب الذي تصدى لدراسة مشهد الأرض الطبيعي بشكل خاص ويحمل عنوان: "كتاب المسالك والممالك" لابن خرداذبة (ت272هـ/ 885م)،
وتلى ذلك وجيزات جغرافية أخرى حتى أصبحت في متناول رجال الأدب ومن ثم عامة الناس، وكان منها: "كتاب البلدان" للجاحظ.
2) ازدهار المؤلفات من النوع المبسط:
وكان التطور التالي في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، حيث بلغ الأدب الجغرافي ذروته وذلك على أثر ظهور مؤلفات من نوع (المسالك والممالك)، أي بظهور المدرسة التقليدية للجغرافيين العرب التي كانت على صلة وثيقة "بأطلس الإسلام" الذي يمثل قمة علم المصورات عند العرب، أو علم الخُرُط.
كما حظى التبسيط الجغرافي بمجال رحب لدى الجمهور الذي أقبل عليه بشغف، وتعددت مناهج وصف الرحلات، وإجمالاً يمكن القول بأن القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي كان عصر تكامل الأنماط في المصنفات الجغرافية، حيث تعددت الأسفار الاستكشافية مما زاد من اتساع أفق الجغرافيين الوصفيين، وزادت مع ذلك معلوماتهم دقة ووضوحا.
ففي عام (309هـ/921م) أرسل خليفة بغداد (المقتدر) بعثة إلى بلغار الفولغان وعهد إلى ابن فضلان بكتابة تقرير عن أخلاق شعوب هذه المنطقة، وظل هذا الكتيب حتى القرن الثاني عشر الميلادي أفضل مصدر وثائقي يملكه العرب عن الروس وعن سكان بحر الخزر.
3) التطور الختامي للأنماط الجغرافية:
وكان ذلك في نهاية القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي والقرون التالية، ففي هذه الفترة ظهرت المعاجم الجغرافية، والمؤلفات الكوزموغرافية، والجغرافية العالمية، واحتلت الموسوعات التاريخية والجغرافية مكانة مهمة أيام المماليك في مصر، وأخيراً كثرت أقاصيص الرحالة الجغرافيين، وبعد هذه المرحلة بدأ عصر من الجمود في الإنجازات الإسلامية الجغرافية، فلم ينتج المسلمون أي صور جغرافية جديدة، بل اكتفوا بمحاكاة الأنماط السابقة عدا بعض التعديلات الطفيفة في المضمون انسجاما مع متطلبات العصر الذي كتبت فيه، واستمر الحال على المنوال نفسه حتى في أيام العثمانيين.
4) الحقبة العثمانية:
وفيها بدأ الاحتكاك بالجغرافيا الأوروبية الحديثة, والاكتشافات الجغرافية الكبرى.
5) النهضة الجغرافية الحديثة:
وقد ابتدأت في مصر التي استفاقت من سياستها على مدافع نابليون وظهور أسرة محمد علي، وظهرت عدة مؤلفات في الجغرافيا الرياضية والرحلات، ولاسيما في الشطر الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ومطلع القرن العشرين. (انظر: عبد الرحمن حميدة، أعلام الجغرافيين العرب، ص59، 60 بتصرف).
[motr]
يتبع ..
[/motr]

ميارى 30 - 7 - 2010 07:29 AM

اتجاهات الدراسات الجغرافية عند المسلمين الأوائل:
فقد أخذت دراسات جغرافية المدن في المصنفات الإسلامية اتجاهين علميين: أحدهما وصفي والآخر تعليلي، ويمكن تتبع هذه الاتجاهات لمعرفة الإضافات العلمية التي أضافتها إلى هذا التخصص:
1) الدراسات الوصفية: كان من أهم أهداف الجغرافيين الإقليميين والرحالة وصف المدن بدقة، مركزين بذلك على تاريخها وأجوائها وسكانها وأهم منتجاتها وتعاملاتها التجارية مع الآخرين، وتتمثل الدراسات الإقليمية بالكتب البلدانية، وبكتب المسالك والممالك ومما جاء في ذلك:
1 - أورد (ابن حوقل) في كتابه "صورة الأرض" وصفًا للمدن التي استعرضها في دراسته للأقاليم؛ فقد وصف عددا من المدن نأخذ أمثلة منها: وصف ابن حوقل الفسطاط بقوله: "الفسطاط مدينة كبيرة نحو ثلث بغداد، ومقدارها نحو فرسخ على نهاية العمارة والخصب والطيبة واللذة، ذات رحاب في محالها, وأسواق عِظَام, ومتاجر فخام، وممالك جسام إلى ظاهر أنيق وهواء رقيق وبساتين نضرة ومنتزهات على مر الأيام خضرة ... وفيها خمسة مساجد وحمامان وغير فرن لخبز عجين أهلها، ومعظم بنيانهم بالطوب وأكثر سفل دورهم غير مسكون, وبها مسجدان لصلاة الجمعة".
ويتضح من الوصف التركيز على عدد سكان المدينة، وتقدير مساحتها مع إيرادٍ لخصائص أسواقها وإبراز لبعض المرافق والخدمات، ومن الأمثلة المختصرة في وصف المدن ما ذكره في وصف مدينة الطائف بقوله: "والطائف مدينة صغيرة ... كثيرة الشجر والثمر، وأكثر ثمارها الزيت وهي طيبة الهواء، وفواكه مكة وبقولها منها وهي على ظهر جبل غزوان، وبغزوان ديار بني سعد وسائر قبائل هذيل، وليس بالحجاز فيما علمته مكان أبرد من رأس هذا الجبل؛ ولذلك اعتدل هواء الطائف".
وهو بهذا الوصف يؤكد أثر الموضع الجغرافي على مناخ المدينة، كما أنه أعطى بيانًا لتوزيع القبائل وارتباط استقرارها بالمدن.
2 - امتازت الكتب البلدانية المتخصصة بدقة الوصف مع إقران الوصف بالصورة، ومن ذلك مـا سطره (ابن المجاوز) في كتابه صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز بوصفه لمدينة جدة بقوله: "هي مدينة صغيرة على ساحل البحر وهي فرضة مكة، وليس يمكن بها السكون (السكنى) لازدحام الخلق بها في أيام الموسم الحاج؛ لأنه يلتام إليها من جميع أطراف بلاد العالم ... وإذا قل الماء على أهلها نقلوه من القرين ما بين مكة وجدة".
3 - أبدع (الإدريسي) في وصف المدن في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، فهو يولي اهتمامًا كبيرًا لدراسة المدن، ومما ذكره في ذلك وصفه الدقيق لمدينة (قرطبة) بقوله: ومدينة قرطبة قاعدة بلاد الأندلس وأم مدنها... وهي في ذاتها مدن خمسة يتلو بعضها بعضًا بين المدينة والمدينة سور حاجز, وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق... ولا بلد أكبر اسمًا منها في بلاد الأندلس.
أما مصنفات الرحَّالة فقد اعتنت بوصف المدن، ويمكن أخذ مثال على وصف إحدى مدن الشام (حماة) في مصنف (ابن بطوطة) المسمى ب(رحلة ابن بطوطة) أو (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) بقوله عنها: "إحدى أمهات الشام الرفيعة، ومدائنها البديعة، ذات الحسن الرائق، والجمال الفائق، تحف بها البساتين والجنات، عليها النواعير كالأفلاك الدائرات، يشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي. ولها ربض سمي بالمنصورة ... فيها الأسواق الحافلة, والحمامات الحسان".
2) دراسات اقترنت بالتعليل:
اتصفت دراسة ابن خلدون بهذا النمط، على الرغم من وجود أعلام جغرافية أخرى سبقت ابن خلدون في هذا المضمار، ولكن ليس بالشمول والتطبيق أنفسهما؛ فالمقدمة لا تولي وصف المدن القدر الذي تحاول فيه تحديد العوامل المقترنة بظروف مواقعها ونموها وأحجامها، مع تحديد لتعريف المدينة:
1 - ظروف الموقع: بلغ عدد المدن التي أنشأها المسلمون خارج الجزيرة العربية ما يزيد على مئتي مدينة خلال حكم الخلفاء الراشدين وفي عهد الأمويين والعباسيين، ويعطي هذا الرقم مع ما ذكر حول تحديد المناطق المثلى لإنشاء خطوط الدفاع عن الدولة الإسلامية - كأحد العوامل المرتبطة بالمتطلبات الإدارية والعسكرية - أهمية دراسة المواقع بشكل دقيق لتحديد المزايا التي يتمتع بها والعيوب التي ترتبط به.
ومن هذا المنطلق خصص ابن خلدون لهذا الأمر فصلا فيما يجب مراعاته في أوضاع المدن وما يحدث إذا غفل عن تلك المراعاة في جانبين:
أ - دفع المضار: ويكون ببناء أسوار للمدن، مع الحرص على الموضع الذي تحصل به المنعة الطبيعية، ويقول في هذا: "وأن يكون وضع ذلك في ممتنع من الأمكنة؛ إما على هضبة متوعرة من الجبل وإما باستدارة بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة، فيصعب منالها من العدو، ويتضاعف امتناعها وحصنها".
ومن القضايا التي أخذت في دفع المضار السلامة من الأمراض بأن يكون الموقع طيب الهواء بعيدًا عن الراكد من الماء؛ لما قد يسببه ركود الماء من انتشار الآفات وما يصاحبه من تفشٍ للأمراض، وقد أعطى ابن خلدون أمثلة لبعض المواضع السيئة التي لم تختر بعناية مثل: مدينة قابس بالمغرب.
ب - جلب المنافع: ويراعى فيها توافر الماء بأن تكون المدينة على نهر جار أو بالقرب من عيون عذبة، كما يشترط لمثالية الموقع طيب المراعي للسائمة وقربه لما يترتب على بعده حصول المشقة، ويراعى أيضًا توافر المزارع التي يتحصل بها قوت الناس، ويرى في اختيار المدن الساحلية الحصانة الطبيعية والبشرية فقد ذكر أن "مما يراعى في البلاد الساحلية التي على البحر أن تكون في جبل أو تكون بين أمة من الأمم موفورة العدد ... والسبب في ذلك أن المدينة إذا كانت حاضرة البحر ولم يكن بساحتها عمران للقبائل ولا موضعها متوعر من الجبل كانت في غرة للبيات وسهل طروقها في الأساطيل البحرية".
2 - نمو المدن: يخضع نمو المدن إلى مقومات تدفع به، أو إلى معوقات تحد منه، ولقد أورد ابن خلدون في الفصل الرابع من الكتاب الأول أن المدن عند نشأتها يمكن أن تنمو بتوجيه من الدولة رغبة منها في اجتماع الأيدي، وهو بهذا يقول: "فلابد من تمصير الأمصار واختطاط المدن من الدولة والملك ثم إذا بنيت المدينة وكمل تشييدها بحسب نظر من شيدها وبما اقتضته الأحوال السماوية والأرضية فيها فعمر الدولة حينئذ عمر لها، فإن كان عمر الدولة قصيرًا وقف الحال بها عند انتهاء الدولة، وتراجع عمرانها، وخربت، وإن كان أمد الدولة طويلا ومدتها منفسحة، فلا تزال المصانع فيها تُشاد، والمنازل الرحيبة تكثر وتتعدد، ونطاق الأسواق يتباعد وينفسح إلى أن تتسع الخطة وتبعد المسافة، وينفسح ذراع المساحة كما هو واقع ببغداد وأمثالها".
3 - تصنيف المدن وتدرجها: أخذ المسلمون بمسألة اختلاف المدن في أحجامها، وهذا أوجد مصطلحات تختص بهذا الاختلاف فهناك البليدة والبلدة والبلد، وتم ربط أحجام المدن بالأسواق، فمثلا أوضح ابن خلدون أن متى ما كان العمران أكثر كانت الحضارة أكمل، وأن المصر الكثير العمران يختص بالغلاء في حاجاته وأسعار حاجته.
وقد بيَّن الجغرافيون المسلمون تدرج المدن استنادًا إلى معايير مختلفة، ومن ذلك ما عبر به المقدسي بقوله: "اعلم أنا جعلنا الأمصار كالملوك، والقصبات كالحجاب، والمدن كالجند، والقرى كالرجالة"، والسمات الواجب توافرها لتعريف المدينة تركز على: 1 - أن يكون بلدًا جامعًا مع وجود سلطة قائمة عليه 2 - أن تقام فيه الحدود 3 - أن يقوم بنفقته وبجمع رستاقه.
المناهج التي اعتمدها المسلمون في الجغرافيا:
هذا وقد عرفت المراحل التي مرت على الجغرافية في العصور الإسلامية مناهج منها:
1 - منهج جغرافي ذو استقلالية فكرية يعتمد على الأسلوب الأدبي بصفته متأثرًا بروائع الشعر العربي أو المقالات النثرية، وللمؤلفات التي اتخذت هذا المنهج - رغم قلة عددها - قوة ورصانة علمية قلما تتوافر في غيرها من المؤلفات.
2 - المنهج الرياضي، وهو انعكاس للحاجة التي نمت حول القياسات الحسابية للطوالع التي بدأت عند العرب قبل الإسلام، ولقد تطور المنهج الرياضي بعد ترجمة الكتب اليونانية ذات الصبغة الرياضية مثل كتاب المجسطي، وأصبح لهذا المنهج كتبٌ معروفة مثل: كتاب "القانون المسعودي" للبيروني، و"الزيج الصابئ" للبتاني، وقد أعطى هذا المنهج للمصنفات الفلكية رصانة علمية؛ مما جعلها ذات مرجعية في الدراسات الحديثة، ويعد هذا المنهج أساسًًا في تطور الاتجاه الرياضي (الفلكي).
3 - المنهج الوصفي الإقليمي: أصَّل جغرافيو المسلمين هذا المنهج وأبدعوا فيه، ووضعوا له الأطر العلمية، وجاء الإبداع في أدبيات هذا المنهج لأسباب يمكن أن تلخص في:
أ - الاتساع في كم المعلومات عن بقاع الأرض؛ مما جعل الاستفادة الفعلية منها لا تتحقق إلا في حالة وضع تصنيف لهذه المعلومات بشكل موضوعي.
ب - التجارب المتعاقبة حول الكتابة بمنهج إقليمي التي امتدت أكثر من أربعة قرون، وهذا كان من شأنه التطوير لهذا المنهج وإدخال تعديلات في آليات الوصف.
ج - تعدد المدارس الإسلامية في أسلوب الكتابة الإقليمية بما يعرف بالمدرسة البطليموسية والمدرسة البلخية؛ مما أحدث تنافسًا بينها في قبول الطرح الجغرافي عند المتلقين.
د - تبني العديد من المصنفين لهذا المنهج، فقد كان أكثر الكتاب يخضعون مصنفاتهم للأسلوب الوصفي المدعم بالمشاهدات والتحقيقات الميدانية.
هـ - وجود فائدة علمية وعملية للمعلومات المدونة وفق هذا المنهج؛ مما جعل أكثر الخلفاء والملوك يدعمون الاتجاه الإقليمي بتأليف عدد من المصنفات، فمثلا قام الإدريسي بتأليف كتاب في تقويم البلدان لغليوم الأول عنونه بـ "روضة الأنس ونزهة النفس". (مساعد بن عبدالرحمن الجخيدب، موقع "الدارة" بتصرف).

جغرافيو المسلمين


حفل مجال الجغرافيا لدى المسلمين باهتمام بالغ، فكثر منهم العلماء والباحثون، من أمثال: ابن خرداذبة، وابن رستة، وابن الفقيه، وقدافة، والبتاني ويحيى بن الحكم الغزالي، واليعقوبي، وبزرك بن شهريار، والإصطخري ، وابن حوقل، والمقدسي والبيروني، وناصر خسرو، وابن جبير وياقوت الحموي، والعروي وابن سعيد وعبد الله التجاني، أبوالفداء والنويري وابن بطوطة.. وأسماء عديدة لا يكفي المجال لذكرها، كل هؤلاء قدموا للعالم ما أدهشه، وجعله في إحدى المراحل يرفع راية الإعزاز والإكبار للعرب والمسلمين.

ولعل أبرز هؤلاء الشريف الإدريسي (493هـ/ 560م)، وهو: محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس أبو عبد الله الحسني الطالبي, ينتمي إلى بيت الأدارسة العلويين؛ فنُسب إليهم، ولد بمدينة (سبتة) ونشأ وتعلم بقرطبة، ثم خرج إلى المشرق؛ فطاف في بلاد الإسلام وعاد إلى المغرب, وأقام في بلاط الملك النورماندي (روجيه الثاني) في (بالِرمو) , وكان (روجيه) من هواة الفلك, فوجد في الإدريسي خير معين له على اتساع رغبته في ذلك العلم.

ألف له الإدريسي كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وأهداه إليه؛ فعرف الكتاب بالكتاب الروجيري، وهو أصح كتاب ألفه المسلمون في وصف بلاد أوروبا وإيطاليا, وقد ترجم إلى عدة لغات أوروبية، قضى الإدريسي شطرا من تاريخ حياته في رسم أول خريطة للعالم, بناها على القواعد العلمية الصحيحة والحقائق الفنية التي عرفت في عصره, وهي لا تختلف كثيرا عما هو مستخدم في هذا العصر، وقد أمر الملك (روجيه) أن تصنع له من الفضة بإشراف الإدريسي رسم عليها خريطته وفيها صور الأقاليم السبعة ببلادها وأقطارها وأطوالها وسبلها وريفها وخلجانها وأنهارها وعامرها وغامرها وما بين البلاد من طرقات وأميال.
وكتاب الإدريسي يحوي جملة خرائط, ومتنه شرح لها وتعليقات عليها, وقد تفوقت خرائطه على خرائط من سبقه من الجغرافيين العرب, وقد ترجم إلى عدة لغات أوريية، وله مصنفات أخرى منها: (صفة بلاد المغرب) و (روضة الأنس ونزهة النفس)، ألفه لوليام الأول ابن روجيه الثاني، فهو أكبر جغرافيي العرب المسلمين وأشهرهم على الإطلاق, وتؤلف كتبه في الجغرافية ظاهرة ممتازة في محيط الأدب الجغرافي العربي وفي النشاط العلمي لجميع العصر الوسيط.
توفي الإدريسي عن 71 عاما ولا يُعرف مكان قبره, ويغلب على الظن أنه توفي في البلاط النورماندي في (بالرمو) بجزيرة صقلية. (*)
2 الإصطخري (000-340هـ /000 -951م.
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري عالم الأرض والجغرافيا الرحالة عاش في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، ولد بمدينة إصطخر وهي مدينة برسيبوليس القديمة في فارس، ولكن الموسوعات أو كتب تاريخ العلوم لم تحدد عام ميلاده وكذلك لم تذكر شيئا عن سيرة حياته إلا أنه من المعروف أنه كان رحالة زار الكثير من أقطار العالم الإسلامي . فقد زار أكثر أقطار آسيا حتى بلغ المحيط الهندي، ودخل الهند وتوفي بها عام 340هـ / 951 م، وقد تأثر الإصطخري بعالم الجغرافيا السابق عليه ابن خرداذبة صاحب كتاب (المسالك والممالك) وهو نفس العنوان الذي استخدمه الإصطخري في مؤلفه الجغرافي المهم ، وكذلك في كتابه الآخر : (كتاب الأقاليم) كما أنه اعتمد على كتاب البلخي (تقويم البلدان) فماثل الإصطخري كتاب البلخي في مخططه ولكن بتوسع ومراجعة وتصحيح كثير مما جاء به ، وقد اعتمد في كتابه على الخرائط، ومن أبرز تلك الخرائط خريطة بحر قزوين التي شهد المستشرقون بدقته.

وقد قام الإصطخري برحلاته هذه طلبا للعلم والمعرفة في الأقاليم الإسلامية فوصفها بإطناب ، ووصف الإصطخري العالم الإسلامي من خلال تقسيمه إلي أقاليم (عشرين إقليما) وقد تحدث عن الإقليم ليس بوصفه نطاقا يضم عددا من درجات خطوط العرض ، ولكن بوصفه منطقة جغرافية واسعة ، وقد تحدث في البداية عن الربع المعمور من الأرض وأبعاده ثم البحار ، ثم بدأ بوصف جزيرة العرب والخليج العربي مع المحيط الهندي والسند والهند وأنهار سجستان ، والمغرب مع الأندلس وصقلية ، ومصر وبلاد الشام وبحر الروم والجزيرة وإيران الجنوبية والوسطي والشمالية مع أرمينيا، وآذربيجان وبحر الخزر ومدن برطس في تخوم البحر المذكور وأعمالها وكورها وجبالها وأنهارها وعمائرها، ويختم بحثه بوصف بلاد ما وراء النهر أي التركستان . ويذكر الإصطخري عن كل قطر كل المعلومات التي تتعلق بالحدود والمدن والمسافات وطرق المواصلات وغيرها من المعلومات الاقتصادية وكذلك السكانية . فكان الإصطخري من أوائل علماء الجغرافيا الذين جمعوا بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السكانية في كتبهم. (موقع: "الإسلام").
3) ياقوت الحموي (575هـ/ 626م):
ولد ببلاد الروم، وعندما بلغ ياقوت خمسا وعشرين سنة, وتمكن من العلوم المختلفة, وشعر أن خبراته الجغرافية قد نضجت عاود السفر مرة أخرى، وعمل في تجارة الكتب؛ فزار فارس ولقي علماءها وأدباءها وسافر إلى الشام وزار موطنه الأصلي حماة، طلب القفطي منه أن يختصر المعجم لكنه رفض لاعتقاده أن الاختصار يشوه الكتب ويفقدها الكثير من قيمتها العلمية، ومن أهم مؤلفاته في الجغرافيا: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، و المشترك وضعا من أسماء البلدان، والمختلف صقعا من الأقاليم، ومعجم البلدان. (موقع: "مؤسسة الفكر العربي").
4) ابن بطوطة (703/ 779هـ):
محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله اللواتي الطنجي، ويعرف بابن بطوطة الجغرافي الرحالة الفقيه، عاش في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، ولد ابن بطوطة بمدينة طنجة عام 703 هـ /1304 م وبها حفظ القرآن الكريم ودرس علوم اللغة وعلم الفرائض (المواريث)، وصار مرشحا لأن يكون قاضيا، كانت رحلة ابن بطوطة من أوسع الرحلات العربية التي تناولت العالم الإسلامي شرقا وغربا ومرورا بقارة إفريقيا وقارة آسيا التي كشف فيهما عن الكثير من المعلومات الجغرافية والتاريخية عن مناطق في هاتين القارتين كانت تسود عنها الخرافات والأساطير؛ فكشف عن العادات الخاصة والتقاليد لأصحاب تلك المناطق، وقد تحرى فيها عن صدق ودقة المعلومات فلم يسجل إلا ما رآه بالفعل، وكان يبحث وينقب عما يختلف فيه من أخبار. (موقع: "مؤسسة الفكر العربي").
5) ابن ماجد:
من الجغرافيين العرب الذين انصب اهتمامهم على مسالك البحار وهو: شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن أبي الركائب النجدي، وينحدر نسبه من بدو شمال الجزيرة العربية، ولم يتفق المؤرخون على تاريخ ولادته ولكن الرأي السائد أنه كان في مطلع الثلاثينات من القرن التاسع الهجري على الساحل الجنوبي من الخليج العربي بجلفار .
يعتبر أحمد بن ماجد مستكشف وشاعر حظي بتقديـر كبير في جلفار المعروفة حاليـا برأس الخيمة حتى لقـب بليث البحر لبراعته في ركوب البحار، والليث الرابع، وقد تمتع بشهرة كبيرة في مجال الاستكشافات البحرية، وهو من أسرة اشتهرت بقيادة السفن وركوب البحار، وقد تلقى هذا الفن عن أبيه الذي تلقاه بدوره عن جده.
لقد أَوْلى الغربيون اهتماما كبيرا بابن ماجد وأفردوا له دراسـات تتبعوا من خلالها آثاره الملاحية وكتبه الأدبية، ومن أبرزهم العالم الفرنسي نمابرفيران والعالم نمودفور ديمومبين، ولقد قال عنه العالم والشاعر التركي الأميرال سيدي على بن حسين جلبي في عام 1554: إنه باحث عن الحقيقة من بين الرَّحَّالة البحريين, وأكثر المرشدين والبحارة في غرب الهند مدعاة للثقة في القرنين الماضي والحاضر.
لقد ترك ابن ماجد الكثير من المخطوطات الجغرافية والأدبية حتى بلغت الأربعين، وهي مصنفات منظومة شعرا وتحمل اسم الأراجيز وتتراوح أحجامها بين عشرين إلى ثلاثمائة بيت، ولكن أشهرها على الإطلاق كتابه (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، وقد تم تقسيمه إلى اثني عشر قسما، يطلق على كـل منها فائدة، أما كتابه (حاوية الاختصار في أصول علم البحار) فيقع في أحد عشر فصلا يبحث مختلف القضايا البحرية.
لقد أغنى ابن ماجد الملاحة البحرية بمصطلحات ملاحية، وكل قسمٍ منها يعتمد إلى حدٍّ ما على تلك المرشدات البحرية التي وصفها أبوه وجده من قبل ذلك، واستفاد من ملاحين عاشوا في عهود سابقة؛ ولهذا اعتُبرت جهود ابن ماجد في هذا المضمار أهم مصدر لتاريخ الملاحة والتجارة في البحار الجنوبية في الفترة التي سبقت الفتح البرتغالي.
وسيخلِّد التاريخ ابن ماجد، حيث سيبقى المعلم الأول الذي أفاد العرب منه، وسيبقى علماً من أعلام الجغرافية ورُبَّانا من ربابنة العالم الذي قهروا البحار والمحيطات، وعلموا العالم ركوبها وقهرها واكتشاف المجهول فيها. (موقع: "شبكة الرحال الإماراتية").
6) المقدسي (336/ 380هـ):
جغرافي ورحالة، هاجر المقدسي إلى دمشق، وبها نشأ وترعرع حيث تلقى فيها علومه الأولى، وما إن تعدى العشرين بقليل حتى انتقل إلى العراق طلبا للفقه، طاف المقدسي في أنحاء الممالك الإسلامية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، ومن القسطنطينية إلى جنوب الجزيرة العربية، ولم يترك إقليما إلا دخله عدا الأندلس، وفي نهاية رحلته وبعد عناء طويل استطاع المقدسي أن يضع كتابا بالهدف الذي أراده، فكان كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" الذي أنهاه عام 375هـ / 985 م، وقد بلغ الأربعين من عمره، ولقد أودع المقدسي في كتابه من الخرائط المزينة، والحجج الموثقة، والحكايات المحققة، ما جعل المقدسي يحتل مكانا مرموقا بين مشاهير الجغرافيين المسلمين. (موقع: "مؤسسة الفكر العربي").
وأسماء الأعلام عديدة في مجال الجغرافيا ومجهودات المسلمين فيه لا تنكر، فلن ينسى العالم الأهواني والأزرقي صاحب (أخبار مكة)، والرحالة المسلم الأسواني، وابن منظور صاحب (سرور النفس بمدارك الحواس الخمس)، وإياس صاحب (نشق الأزهار في عجائب الأمصار)، والترجمان سلام والجيهاني صاحب (المسالك والممالك)، والحنفي صاحب (فضائل الشام)، والصفدي (فضائل مصر)، والوطواط والمهلبي والقيرواني، والكندي صاحب (رسم المعمور من الأرض)، وبسترس الذي عاش في القرن التاسع عشر وله (الرحلة السليمية)، والبلنسي صاحب (تاريخ بغداد في القرن العاشر الميلادي)، وشرف الدين الجيعان صاحب (التحفة السنية في أسماء البلدان المصرية) 1375 هـ .
كل هؤلاء كتبوا أسماءهم بنور العلم, وأهدوا إلى العالم إنجازات تعكس مدى تقدير المسلمين للعلم والعلماء،كما تعكس مدى حرصهم على إفادة العالم أجمع من دون تفريق على أي أساس. (من البحث السابق).
[motr]
يتبع ..
[/motr]


ميارى 30 - 7 - 2010 07:31 AM

أهم إنجازات المسلمين الجغرافية

تعددت إنجازات المسلمين في مجال الجغرافيا بقدر تعدد علمائهم فيه، وأصبحت مؤلفات العلماء المسلمين المرجع الرئيسي لأوروبا في بداية نهضتها, وفيما توصلت إليه من اكتشافات جغرافية في أمريكا وآسيا وافريقيا, وقد شملت مؤلفات المسلمين جميع أبواب الجغرافيا ومجالاتها فمن ذلك:

الجغرافيا الفلكية: فقد وصفوا الأرض عامة كجرم سماوي وعلاقته بالأجرام الأخرى.
الجغرافيا الوصفية: فقد وصفوا كل بلدان العالم التي عرفوها وطبيعة أرضها وجبالها وأنهارها وطرقها والمسافات بين المدن والبلدان.
الجغرافيا البشرية: فقد وصفوا شعوب العالم وطبائعها وألوانها وأجناسها, ووصفوا مزاجها وعاداتها وتأثرها بالطقس, وكيف أن الناس في المناطق الشمالية الباردة يصيبهم برود الطبع وتبلد الحس .. والناس في المناطق الحارة يميلون إلى الخفة والاندفاع والعاطفة.
الجغرافيا الاقتصادية: وهي وصف التجارة والعملات والصادرات والواردات.
جغرافية الخرائط : Cartography فقد طوَّر المسلمون هذا الفن حتى أصبح علما إسلاميا سابقا لعصره. (موقع "إسلام ست"):

ولعل أبرز ما قدموه في سياق مجهوداتهم الجغرافية ما يلي:
أولا : كروية الأرض:

كان الإغريق يعتقدون أن الأرض قرص دائري مسطح تحيط به مياه المحيطات من كل جانب ، وهذا هو هكتاتيوس سنة 500 ق.م. والذي يعتبر أبا الجغرافيا الإغريقية يرسم خرائطه على أساس القرص المستدير، ثم جاء أفلاطون سنة 348 ق.م. بأول نظرية عن كروية الأرض وجاء بعده من أيده ومن عارضه .. وقد رفضت الدولة الرومانية هذه الفكرة وكتب كوزماس ( COSMAS ) سنة 547 م أبو الجغرافيا الرومانية (أن العالم يشبه العجلة وأن مياه المحيط حوله من كل الجهات) وقد تبنت الكنيسة هذه النظرية بشدة وقالت بأن الأرض مسطحة وأن الجانب الآخر غير مأهول وإلا سقط الناس في الفضاء، وكان من يعارض هذه النظرية يتعرض للتعذيب على الخازوق, أو الحرق حيا بتهمة الهرطقة ... وكان علماء أوروبا حتى القرن 13 الميلادي يرسمون خريطة العالم على شكل صليب رأسه هي الجنة, وقدمه هي النار, وذراعاه البحر الأبيض والبحر الأحمر وبيت المقدس في موضع القلب ( أورشليم).
ثم جاءت الحضارة الإسلامية فأحيت نظرية كروية الأرض وتبنتها .. وربما كان من أهم أسباب ذلك أن القرآن ذكر أن الأرض كرة "والأرض بعد ذلك دحاها " النازعات 79 والدحية في اللغة هي الكرة .. كما أن هناك آيات عن دوران هذه الكرة حول نفسها بما يحدث الليل والنهار " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل " الزمر :5 ، ثم يؤكد هذا المعنى في سورة الرحمن فيقول تعالى: " رب المشرقين ورب المغربين " فهذه الآية تشير بوضوح إلى أن الشمس عندما تشرق على نصف الكرة الأرضية يكون هناك غروب على النصف الآخر، أي أن هناك مشرقين ومغربين يتعاقبان بسبب دوران الكرة الأرضية حول نفسها.
وقد استشهد الفقيه الإسلامي ابن حزم الأندلسي بهذه الآيات في تأييد علماء الجغرافيا، ونظرا لأن بعض الكتب والمراجع العربية ما زالت تنقل عن المراجع الأجنبية أن المسلمين لم يعرفوا نظرية كروية الأرض.. وأن هذه النظرية لم تعلن إلا بفضل كوبرنكس فقد حرصت (الكلام للمؤلف نقلا عن موقع "إسلام ست") على نقل نصوص من أقوال علماء المسلمين في هذه النظرية كما جاءت في مخطوطاتهم:
يقول ابن خرداذبة المتوفي سنة 885 م " إن الأرض مدورة كدوران الكرة موضحة كالمُحَّة في جوف البيضة " ( والمحة هي صفار البيض).
وكتب ابن رسته المتوفي سنة 903 م " إن الله جل وعز وضع الفلك مستديرا كاستدارة الكرة أجوف دوارا .. والأرض مستديرة أيضا ومصمته في جوف الفلك " .
وكتب المسعودي المتوفي سنة 956 م " جعل الله عز وجل الفلك الأعلى وهو فلك الاستواء وما يشتمل عليه من طبائع التدوير، فأولها كرة الأرض يحيط بها فلك القمر ويحيط بفلك القمر فلك عطارد " .
وقد ذكرنا أن الإدريسي المتوفي سنة 1099م صنع الكرة الأرضية المجسمة وفي ذلك يقول: "وإن الأرض مدورة كتدوير الكرة, والماء لاصق بها وراكد عليها ركودا طبيعيا لا يفارقها, والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة, ووضعُهما وضعٌ متوسطٌ, والنسيم يحيط بها ( يقصد الغلاف الجوي ) من جميع جهاتها وحولها جاذب إلى جهة أو دافع لهما والله أعلم بالحقيقة".

ويقول القزويني المتوفي سنة 1283م في كتابه عجائب المخلوقات (1-35): "الأرض كرة, والدليل على ذلك أن خسوف القمر إذا كان يُرى من بلدان مختلفة فإنه لا يرى فيها كلها في وقت واحد, بل في أوقات متعاقبة لأن طلوع القمر وغروبه يكونان في أوقات مختلفة في الأماكن المختلفة . والأرض واقفة في وسط الأفلاك كلها بإذن الله تعالى", ثم يفند القزويني آراء علماء القرون الوسطى في أوروبا ورجال الكنيسة الذين يقولون: إن الأرض لو كانت كرة لسقط الناس في الجانب الآخر منها أو كانت رؤوسهم مقلوبة؛ فيقول : "إن الإنسان في أي موضع يقف على سطح الأرض فرأسه أبدا مما يلي السماء ورجله أبدا مما يلي الأرض, وهو يرى من السماء نصفها وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من جانب السماء الذي أمامه بقدر ما كان قد خفي عنه من الجانب الآخر.
وكان أول من قام بمحاولة قياس أبعاد الكرة الأرضية الخليفة العباسي العالم المأمون (ت سنة 83م ) فقد جاء بفريقين من علماء الفلك والجغرافيا فريق برئاسة سند بن علي وفريق بقيادة علي بن عيسى الإسطرلابي، واتفق معهما أن يذهبا إلى بقعتين مختلفتين على الدائرة العظمى من محيط الأرض شرقا وغربا ويقيسا درجة واحدة من المحيط، وقد اختار كل فريق بقعة واسعة مسطحة, وركز في مكان منها وتدا, واتخذ كوكب القطب الشمالي نقطة ثابتة وقاس الزاوية بين الوتر وبين النجم القطبي والأرض, ثم سار شمالا على مكان زادت فيه تلك الزاوية وقاس كل فريق المسافة بين الوتدين وكانوا يقيسون المسافات على الأرض بحبال يشدونها على الأوتاد وبذلك وبعد تجميع البيانات استطاع المأمون أن يستخرج محيط الأرض فوجده 2400 ميل (الميل العربي = 1973 مترا) أي أن المحيط 41248 كيلومترا وقطرها 6500 وهو قريب من الحقيقة.
ثم جاء البيروني فقام بتجربة جديدة على أساس مختلف .. بقياس الانخفاض الرأسي من (قلل الجبال) في الهند؛ فجاءت شبيهة بأرقام فلكيِّ المأمون؛ فأثنى عليهم . ويقول المستشرق (نللينو) في كتابه (علم الفلك عند العرب): إن قياس العرب للكرة الأرضية هو أول قياس حقيقي أُجرِيَ كله مباشرة مع كل ما تقتضيه تلك المسافة الطويلة وهذا الفريق الكبير من العلماء والمساحين العرب؛ فهو يعد من أعمال العرب المأثورة وأمجادهم العلمية.

والمسلمون أول من وضعوا خطوط الطول وخطوط العرض على خريطة الكرة الأرضية وضعها العالم أبو علي المراكشي ( ت 1262) وذلك لكي يستدل المسلمون على الساعات المتساوية في بقاع الأرض المختلفة للصلاة، كما أن البيروني وضع قاعدة حسابية لتسطيح الكرة أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطح مسطح وبالعكس وبهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية.
ثانيا: دوران الأرض حول نفسها:
في الوقت الذي كان العالم لا يتخيل فيه أن الأرض كرة لم يكن هناك من يناقش مسألة دوران الكرة حول نفسها .. ولكن ثلاثة من علماء المسلمين كانوا أول من ناقش فكرة دوران الأرض في القرن الثالث عشر الميلادي, وهم: علي بن عمر الكاتبي وقطب الدين الشيرازي من الأندلس وأبو الفرج علي من سوريا .. فقد كان هؤلاء الثلاثة أول من أشار في التاريخ الإنساني إلى احتمال دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة كل يوم وليلة ..ويقول سارتون في كتابه " مقدمة في تاريخ العلم ": إن أبحاث هؤلاء العلماء الثلاثة في القرن 13 لم تذهب سدى, بل كانت أحد العوامل التي أثرت على أبحاث كوبرنكس في نظريته التي أعلنها سنة 1543م.
ثالثا: استكشاف القارات
في آسيا:

كان أقصى ما يعرفه الإغريق عن شرقي آسيا هو منطقة سيراداريا Syradarya وهي أبعد ما وصل إليه الاسكندر الأكبر في فتوحاته سنة 323 ق.م, ثم جاء المسلمون فتعدوا هذه الحدود وتمكنوا من عبور جبال(14) (تيان شاه) والتوغل مئات الأميال إلى الشرق منها؛ فوقعت كل مدن وسط آسيا كبخاري وسمرقند وفرغانه وكشغر (إحدى ولايات الصين) تحت نفوذهم منذ عام 705م, وقد ذكرت مراجع التاريخ العربي (15) أن ولاية كشغر أصبحت ولاية اسلامية منذ فتحها القائد قتيبة بن مسلم على عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك, وقد انتشر الإسلام في هذه المنطقة وبقي فيها حتى يومنا هذا, وكان الخلفاء يرسلون الوفود إلى ملوك الصين والتبت وكل آسيا يدعونهم إلى الإسلام, في الوقت الذي كان إمبراطور الصين يدفع الجزية للخليفة في دمشق.
وقد اكتشف المسلمون أن بحر الصين يتصل بالمحيط الهندي وذلك عن طريق أساطيلهم التجارية التي كانت تبحر من ميناء عدن إلى ميناء كانتون بالصين, كما اكتشفوا بحيرة (آرال)؛ فوضعت لأول مرة على الخرائط المأمونية في عهد المأمون باسم (بحيرة خوارزم)، وقد زار البيروني سيبيريا الشرقية وكان أول من سمى نهر أنجارا(18) كما أنه عاش في الهند قرابة العشرين عاما ووصفها وصفا لم يسبقه إليه أحد في كتابه "ما للهند من مقولة ".

في أوروبا:
لقد عرف المسلمون أوروبا رغم أنها كانت متخلفة وليست لها قيمة حضارية تذكر، وفي سنة 921م ذهب ابن فضلان رسولا من قبل الخليفة في بغداد إلى بلاد البلغار في الفولجا (تطلق عند العرب على بلاد الصقالبة الروس وعلى عاصمتهم التي تقع شرقي نهر الفولجا), كما وصف البيروني بلاد (الفرنج) وهم النرويج والسكندنافيين ووصف بحر الثلج وهو القطب الشمالي, كما عرفوا بلاد الغال وهي فرنسا, وقد عُثِر حديثا على عملات إسلامية في كل من روسيا وإسكندينافيا تعود إلى العصر العباسي.

في أفريقيا:
توقفت معلومات الإغريق والرومان في أفريقيا على البلاد الساحلية وحدها, وقد بقي قلب القارة السوداء غامضا للعالم حتى جاء العرب كتجار أو رحالة أو سفراء؛ فاستكشفوا القارة الغامضة, ونشروا فيها الإسلام في السودان والسنغال والنيجر، كما وصلت مراكبهم من الأندلس والجزائر إلى الصومال وزنجبار وموزمبيق وجزائر الكومور, واكتشف المسلمون منابع نهر النيل العظيمة التي تمده قبل أن تصل إليها حملات الاستكشاف البريطانية بعدة قرون، فقد ذكر الرحالة البريطاني (ستانلي) في كتابه أنه في رحلاته لاكتشاف منابع النيل قد وجد التجار العرب قد سبقوه, وأن القبائل الافريقية تدين بالإسلام كما أن العرب أول من اكتشف مدغشقر.

الاكتشافات البحرية:
دور المسلمين في اكتشاف أمريكا وطريق الهند البحري: يعتبر المؤرخون اكتشاف كولمبوس لأمريكا في سنة 1492م, واكتشاف فاسكوديجاما لطريق الهند البحري سنة 1497م من أعظم الانجازات في تاريخ الانسانية, ولكن هناك أسرار كثيرة وأقوال حول هذين الاكتشافين من أرض الأندلس التي كانت مهد الإسلام والبحرية الإسلامية, وبعد سقوط الدولة الإسلامية مباشرة والتي سقطت سنة 1492م .

ومعروف أن المخطوطات العربية في الأندلس والتي تعد بالملايين قد سقطت في أيدي الإسبان .. فمنها ما أحرق ومنها ما نهب ومنها ما لم يظهر إلا في عصرنا الحاضر في مكتبة الاسكوريال في مدريد، وهذه نبذة لما كان يعرفه المسلمون, وما جاء في مخطوطاتهم العلمية من إشارات إلى هذه القضية:
أولا : اكتشاف أمريكا:
فمنذ أعلن المسلمون أن الأرض كروية وأثبتوا ذلك بالبراهين العلمية والفلكية والحسابية ابتدأت الاشارات في كتبهم أنه لابد من وجود جزر معمورة في الوجه الآخر من الكرة الأرضية لم تُستكشَف بعد، وقد بُنيت هذه النظرية على أنه ليس من المعقول أن يكون أحد سطحي الكرة كله أرض جبلية بينما الجانب الآخر كله ماء، فإن هذا لا يؤدي إلى توازنها وانتظام دورانها، وقد كان البيروني أول من أشار إلى هذه الحقيقة وبشر بها في كتبه، كما أشار إليها العالم الجغرافي الأندلسي ابن رشدAviros . وبناء على هذه النظرية ابتدأت مغامرات الكشف الجغرافي التي جاء ذكرها في مخطوطات كبار الجغرافيين المسلمين المسعودي في كتابه " مروج الذهب ", والإدريسي في كتابه " نزهة المشتاق ", والوردي في "جغرافيته", والصفتي, وابن الزيات.

وأول إشارة تقول إن بحاراً عربياً أندلسياً اسمه"خشخاش البحري" قام بسفينته من لشبونة إلى الغرب في بحر الظلمات سنة 850م, وأنه اكتشف في هذا البحر جزيرة مأهولة بالسكان أحضر معه منها الهدايا إلى حاكم الأندلس عبدالرحمن الثاني, وقد كافأه الحاكم بتعيينه أميرا للبحرية الإسلامية, وأن هذا الرجل استشهد في معركة بحرية مع قراصنة (الفايكنج).
الإشارة الثانية تقول إن جماعة من عرب المغرب الأفريقي قد خرجوا إلى بحر الظلمات نحو هذه الجزيرة, وكان ذلك في القرن العاشر الميلادي ولم يَعُد أحد منهم, ولم يُسمع عنهم أيُّ خبر، ثم يتلو ذلك قصة (الفتية المغررين) الذين تحدث عنهم المسعودي والإدريسي، وتقول هذه القصة: إن ثمانية من الشباب العرب في مدينة لشبونة من عائلة واحدة من البحارة ... قرروا المغامرة (في بحر الظلمات) بحثا عن هذه الجزر التي هلك من سبقوهم دون خبر عنها .. وأن أهل المدينة اطلقوا عليهم لقب (الفتية المغررين) نسبة إلى (الغُرَّة) أي (المقدمة) وليس المغرورين نسبة إلى (الغرور) كما جاء في بعض المراجع، فمن ذلك ما ذكره المسعودي في كتابه (مروج الذهب) عن أخبار (من خاطر بنفسه في ركوبه) أي المحيط الأطلسي, ومن نجا منهم ومن تلف, وما شاهدوا منه وما رأوا.
ومن ذلك أيضا وصف الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق) إذ يقول عنهم: إنهم " وصلوا من لشبونة بعد اثني عشر يوما إلى بحر غليظ الموج, كدر الروائح, كثير القروش, قليل الضوء؛ فأيقنوا بالتلف، ثم فردوا قلاعهم في ناحية الجنوب اثني عشر يوما أخرى؛ فخرجوا إلى جزيرة الغنم, وفيها من الغنم ما لا يأخذه عدٌّ ولا تحصيل, وهي سارحة لا راعي لها ولا ناظر إليها؛ فقصدوا الجزيرة فنزلوا بها فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري؛ فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها, ثم تستطرد الرواية فتصف من قابلوهم من سكان تلك البلاد ولغتهم وكانت المفاجأة أن جاءوا لهم برجل يعرف اللسان العربي.
وقد حكى لهم قصته أنه من بقايا الفريق السابق من عرب المغرب الذين هلكوا جميعا في البحر, وأنه الوحيد الذي نجا, ووصل إلى الجزيرة, وعاش فيها حتى ذلك الوقت .. وتقول رواية الإدريسي: إن هؤلاء الفتية الثمانية عندما عادوا إلى الأندلس احتفى بهم أهل لشبونة, واستقبلوهم بالزينات والأفراح, وأطلقوا على الشارع الذي يسكنون فيه اسم (شارع الفتية المغررين)، كان ذلك في أواخر القرن العاشر الميلادي وقد ظل هذا الاسم مئات السنين في لشبونة من بعدهم.
كانت هذه صورة موجزة لما أورده جغرافيو الأندلس عن سبق العرب لاكتشاف أمريكا ويذكر العالم المؤرخ اللغوي الأب أنستاس الكرملي أن العرب قد وصلوا أمريكا من لشبونة قبل كولمبوس بفضل معرفتهم لتيار الخليج الحار في الأطلسي؛ فيقول: " سبق العرب سائر الأمم إلى معرفة هذا التيار وخواصه وإلى حركته من المكسيك إلى إيرلندا وبالعكس فكانوا يركبونه، فإن ظعنوا إلى أنحاء المكسيك مكث بعضهم فيها, وعاد القليلون منهم إلى بلادهم راكبين متن ذلك التيار المبارك, ونعرف أنهم أقاموا في الديار التي عرفت بعد ذلك بالمكسيك من دخول بعض الكلمات العربية في لغة تلك البلاد (ومن تلك الكلمات Mansoon أصلها الموسمية, وكلمة Typhoon أصلها الطوفان.
الإشارة الأخيرة تأتي من أقوال كولمبس وبحارته والتي يذكرون فيها أنه كان يعتقد أول الأمر أن الهنود الحمر الذين رآهم في تلك الجزر لابد أن يكونوا من سلالة العرب الذين سبقوه كما قرأ في المخطوطات العربية وقد قامت (الجمعية الجغرافية البريطانية) بإنتاج مسلسل تليفزيوني وثائقي بعنوان (المكتشفون) وفيه حلقة مستقلة عن كولمبوس واكتشافاته، وهي تبين أن كولمبوس قد اختار أحد رجاله الذين يعرفون اللغة العربية (وهو مـن أصل عربي) وبعث معه برسالة إلى ملك الهنود الحمر كُتِبَت باللغة العربية يقول فيها: " يا صاحب الجلالة .. إن الملكة ايزابيلا ملكة اسبانيا وقشتالة تهديك السلام, وتطمع أن يكون بينها وبين بلادك علاقات صداقة .. الخ " ويقول المعلق: إن الذي دعا كولمبوس إلى هذا الظن أيضا أنه سمع بعض الكلمات العربية المحرفة، ولكن الترجمان فوجيء بعد أن أخذ في تلاوة هذه الرسالة باللغة العربية على الملك بأن هؤلاء الهنود الحمر ليسوا من أصل عربي, ولا يعرفون اللغة العربية.
ويذكر المؤرخ الجغرافي المغربي المعاصر عبدالعزيز بن عبدالله صاحب الموسوعة الغربية للإعلام الحضاري البشري " أن كولمبوس قد عاد من أمريكا بذهب مخلوط بالنحاس بنفس الطريقة والنسبة التي يحضر بها العرب الذهب, وأنه عثر هناك على عملات ذهبية إسلامية عليها نقوش عربية."
أول خريطة لأمريكا كانت إسلامية:
من عجائب الصدف أن تكون أول خرائط عرفتها الدنيا لأمريكا إسلامية وليست إسبانية ولا برتغالية ...
فالخريطة الأولى: اكتُشِفت سنة 1952 في مكتبة الاسكوريال بمدريد ... وهي من صنع الجغرافي الإسلامي ابن الزيات المتوفى سنة 1198م، وفيها رسم لمنطقة بحر الظلمات (أي المحيط الأطلسي) ويشمل ر.سم الجزر المأهولة وهي أمريكا وقد اكتشف الخريطة وحققها الدكتور (خوان فرتيط) الأستاذ بجامعة برشلونة .

الخريطة الثانية : اكتشفها المستشرق الألماني Kahle عندما عثر عليها في مكتبة (توب كابي سراي) باستنبول ونشرها على العالم سنة 1929م بعد تحقيق علمي دولي استمر عدة سنوات .. فقد أذهلت هذه الخريطة العالم كله وحيرت العلماء، الخريطة من تأليف جغرافي تركي مسلم هو (بيري ريس) واسمه الكامل (محي الدين ابن محمد الريس) المتوفى سنة 1513م وكان أحد قادة البحرية في الأسطول التركي الذي كان سيد البحار، وهي في الواقع أكثر من خريطة مفردة، فهي تبين المحيط الأطلسي في الشرق يرى إسبانيا والساحل الإفريقي, وفي الغرب القارة الأمريكية بسواحلها وجزرها وموانيها وحيواناتها وسكانها الهنود الحمر الذين يرسمهم عراة وهو يرعون الغنم.
ويذكر المستشرق (كراتشوفسكي) في كتابه (تاريخ الأدب الجغرافي العربي) تعليلا لهذه الخريطة أنها ولا بد وأن يكون الريس قد بناها على أساس خرائط كولمبو التي ربما تكون سقطت في يده عندما انتصر الأسطول التركي على أسطول البندقية سنة 1499م وأسر بعض سفنه .. إلا أن هذا الرأي يلقي معارضة من كثير من الباحثين لأن الخريطة فيها تفاصيل لأماكن لم يعرفها كولمبوس ولم يكن استكشفها, ولكن هؤلاء الباحثين لم يقدموا تعليلا بديلا يكسف سر هذه الخريطة الغامضة.
وهناك تفسير آخر لهذه الخريطة: أن الريس قد نقلها عن أبي عبدالله والذي كان آخر حكام المسلمين في الأندلس, وعندما هزمته ايزابيلا أبقته في خدمتها, ثم أمرته بقيادة حملة بحرية إلى أمريكا لاعتقال كولمبوس وإرجاعه إلى إسبانيا مقيدا بالسلاسل, وبذلك يكون أبو عبدالله العربي أول من وصل إلى أمريكا بعد كولمبوس مباشرة ولابد أنه قد عاد من هناك بخرائطه الخاصة، وغير بعيد أن يكون الريس قد ذهب إلى أمريكا بنفسه مع أبي عبدالله والمعروف أنهما كانا صديقين, وأن السلطان التركي كان قد أرسل الريس لمعاونة أبي عبدالله في حربه ضد ايزابيلا سنة 1490م قبل سقوط عرشه.


ميارى 30 - 7 - 2010 07:32 AM

ثانيا: المسلمون واكتشاف القارة السادسة في القطب الجنوبي:
إن أعجب ما في خرائط (بيري ريس) أنها عادت لتشغل العلماء بعد عصر رحلات الفضاء وتصوير الأرض من الأقمار الصناعية، لقد كان الاعتقاد الأول لدى علماء الخرائط في أمريكا وأوروبا في القرن العشرين أن الخرائط غير دقيقة, وبها أخطاء في الرسم حسب أحدث معلوماتهم عن الشاطئ الأمريكي, ولكنهم فوجئوا بعد ظهور أول صورة مأخوذة من القمر الصناعي لهذه المناطق أن خرائط محي الدين الريس أدق من كل ما عرفوه وتصوروه, وأنها تطابق تماما صور القمر الصناعي, وأن معلوماتهم هي التي كانت خاطئة.
وعلى إثر ذلك عكف فريق من العلماء في وكالة الفضاء الأمريكية على إعادة دراسة الخرائط مقطعا بعد تكبيرها عدة مرات ، فكانت المفاجأة الثانية .. وهي أن الريس قد وضع في خرائطه القارة السادسة في القطب الجنوبي والمسماة Antartica قبل اكتشافها بأكثر من قرنين .. كما أنه وصف جبالها ووديانها التي لم تكتشف حتى سنة 1952م.
ونظراً لخطورة هذه المعلومات فقد رأيت أن أورد هنا الترجمة الحرفية لما جاء في التقرير حسب ما نشر في كتاب عن (مراكب الفضاء) بعنوان Chariots of the gods? لمؤلفه إريك فون دانيكن Erich-Von Danikin وهو كتاب بلغت عدد المبيعات منه باللغة الانجليزية وحدها أكثر من مليون نسخة وترجم إلى جميع اللغات الحية .. ويبحث في الظواهر الخارقة للطبيعة والتي ليس لها تفسير فيقول ص29 : " لقد سلمت خرائط بيري ريس أول الأمر إلى الدكتور ماليري آرلنجتون أستاذ الخرائط الجغرافية في الجامعات الأمريكية الذي قرر بعد فحص دقيق أنها تحتوي على كل الحقائق الجغرافية حول أمريكا, ولكن هناك خطأ أو عدم دقة في بعض الأماكن ... وقد طلب الدكتور ماليري الاستعانة بجغرافيي الأسطول الأمريكي الذين نقلوا الخريطة من المسطح على كرة حديثة فظهر لهم اكتشاف خطير وهو أن الخرائط كانت دقيقة في حدود القارات, ولكنها تبين طوبوغرافيتها الداخلية . فتظهر فيها الجبال والأنهار والسهول بدقة متناهية وكأنما أخذت من الفضاء الخارجي.
وفي سنة 1957 وهي السنة الجغرافية الدولية عكف فريق من علماء الجغرافيا بالمراصد الكبرى والبحرية الأمريكة على مزيد من دراسة خرائط الريس .. وبعد دراسات على أجهزة متطورة وجدوا أن صورة عن القارة السادسة Antartica صحيحة ودقيقة بدرجة مذهلة (Fantastically Accurate) حتى بالنسبة للمناطق التي لم تستكمل اكتشافها في عصرنا الحاضر .. فالجبال على قارة القطب الجنوبي لم تستكشف حتى عام 1952 .. فهي دائما مغطاة بطبقة سميكة من الثلوج بحيث أن اكتشاف وجودها على خرائطنا الحديثة كان باستعمال أجهزة صدى الصوت Echo-Sounding apparatus .
ويذكر الكتاب بعد ذلك اهتمام وكالة الفضاء الأمريكية بمواصلة دراسة هذه الخرائط حيث اتضح أنها تشبه تماما الصور المأخوذة للكرة الأرضية من مركبة فضائية أثناء مرورها فوق منطقة القاهرة وهي صور تغطي مسافة 5000 ميل ( خمسة آلاف ميل ) فوجدوا تشابها مذهلا بين صور القمر الصناعي وبين خريطة بيري ريس.
والسؤال الذي لم يستطع مؤلف الكتاب الإجابة عنه هو: كيف توصل هذا البحار التركي المسلم في ذلك الوقت المبكر حوالي سنة 1494م إلى مثل هذه الخرائط والاكتشافات..؟؟ وقد حرصنا على نقل هذه الخرائط والتعليق عليها من الكتاب ص 65-66-67 ، فأين من يكرم الجغرافي المسلم محي الدين الريس؟؟
ثالثا: كشف الطريق إلى الهند من أسبانيا:
وصف القلقشندي المتوفى سنة 1418 في كتابه (صبح الأعشى) اتصال المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي وصفا دقيقا يبين معرفة العرب بهذه القضية قبل فاسكو دي جاما؛ فيقول عن المحيط الأطلسي: " إنه يأخذ في الامتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى من زقاق سبتة (أي مضيق جبل طارق) الذي بين الأندلس والعدوة إلى جهة الجنوب حتى يتجاوز صحراء المقونة (وهي بادية البربر) ثم يستمر في شرح الطريق البحري فيقول (ثم يعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي منها منابع النيل فيصير البحر المذكور جنوبيا عن الأرض ويمتد شرقا على أرض خراب وراء بلاد الزنج, ويمتد شرقا وشمالا حتى يتصل بنهر الهند.
ويذكر كراتشوفيسكي أن ملاحا عربيا قام بنفس رحلة فاسكو دي جاما سنة 1420م ولكن بالطريق العكسي فخرج من ميناء في المحيط الهندي ودار حول افريقيا حتى وصل إلى موانئ المغرب في المحيط الأطلنطي وكان ذلك قبل فاسكو دي جاما بـ 27 عاما.
وقد ذكر فاسكو دي جاما في مذكراته أن الملاحين العرب الذين التقى بهم في رحلته كانوا يحملون بوصلات متطورة لتوجيه السفن وآلات رصد وخرائط بحرية, وأنه استعان بهم وأرسل بعض خرائطهم إلى الملك مانويل .. وأن ملاحا مسلما اسمه ( المعلم كانا ) من مالِندي هو الذي قاد سفينته من مالندي إلى كاليكوت بالهند.
وفي مراجع أخرى أن الذي قاد سفينة دي جاما هو الملاح الجغرافي العربي ابن ماجد (مخترع البوصلة) وجاء ذلك في كتاب " غاية الأماني في أخبار القطر اليماني " لمؤلفه النهروالي، ومن الملاحظ أن جميع خرائط المسلمين المتأخرة مثل خريطة المسعودي وخريطة الإدريسي تبين بوضوح اتصال المحيط الهندي بالمحيط الأطلسي حول أفريقيا، فقد كانت هذه المناطق عامرة بالمراكب العربية ذاهبة آتية بين الهند وغرب افريقيا. (موقع "إسلام ست" بتصرف).
أثر الجغرافيين المسلمين في الحضارة الغربية:
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الغرب قد استفاد من مجهودات المسلمين في علم الجغرافيا أيما استفادة، وقد جاء (أطلس الإسلام) أو الخرائط الإسلامية في مقدمة التأثير المباشر للمسلمين في الحضارة الغربية.
وقد كان من مظاهر تأثير الجغرافيين المسلمين في الغرب ما كان من تخاطفهم (الغرب) لمؤلَّف الإدريسي (نزهة المشتاق..) وطباعتهم له طبعات كثيرة ومختلفة، حتى ظل هذا الكتاب مصدرا لأوربا أكثر من أربعة قرون. (تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص280).
وقد استخرج ميلر خريطة الإدريسي وطبعها ونشرها كما سيأتي ذكره، وكذلك اهتمَّ المجمع العراقي بهذا الكتاب، فعمل باحثوه على مراجعة وتدقيق كل النسخ الموجودة في العالم، وأخرجوا خريطة الإدريسي وطبعوها سنة 1951 وهي بطول مترين وعرض متر. (موقع "باب").
ومن أهم ما يُرى من آثار المسلمين في الحضارة الغربية في مجال الخرائط ما تجلى في الخريطة التي زود بها (مارينو سانتور 1321م) كتابه (الأرض المقدسة)، حين وضع المؤلف خارطة لتوضيح فكرته التي ترمي إلى محاصرة العالم الإسلامي حصارا اقتصاديا بقصد استثارة حرب صليبية جديدة؛ إذ يقول (كراتشكوفيسكي): "إن الخريطة

ليست سوى تكرار لجميع الخطوط العريضة المميزة لخارطة العالم في أطلس الإسلام مع اختلاف بسيط، هو أن الأخيرة مركزها مكة أما خريطة (مارينو) فكان مركزها القدس بطبيعة الحال". (انظر: تاريخ الأدب الجغرافي العربي، (ترجمة صلاح الدين عثمان)، 1/ 451 ، نقلا عن: تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص272).

ومن التأثير في هذا المجال أيضا ما كان من أحد الدارسين الأجانب وهو (كونراد ميللر) من العناية بجمع الدراسات الإسلامية التي اهتمت بعمل الخرائط، وأطلق عليها اسم (الخرائط العربية)؛ لأنه أدرك أن المسلمين قد اهتدوا بذكائهم الفطري إلى أهمية الخرائط لتوضيح المعلومات الجغرافية. (انظر: تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص270).
هذا وما زالت بعض المؤلفات العربية المصدر الرئيسي للمعلومات الجغرافية عن كثير من جهات العالم، ومن هذه المراجع: وصف الهند للبيروني، ورحلة ابن بطوطة، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، ومروج الذهب للمسعودي... (مدخل إلى تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، حكمت عبد الكريم فريحات، وإبراهيم ياسين الخطيب، ص170).

ومما أثر عن ذلك في رحلات ابن بطوطة أن الأوربيين والمستشرقون اهتموا بهذه الرحلة كثيرا وبحثوا عن مخطوطها الأصلي، فلم يجدوا سوى مختصر اكتشفه السائح الإنجليزي (بوركارت)، ثم اكتشف المستشرق الألماني (كيسجارتن) نسخة خطية ثانية فدرسها دراسة تحليلية, وترجم عنها إلى اللغة اللاتينية، وأخيرا طُبِعت الرحلة في باريس كاملة مع ترجمة فرنسية بإشراف عالمين مستشرقين - هما سنكونيتي، وديفريمري - كما نقلها إلى الإنجليزية أحد القساوسة - هو صمويل لي ، وكان ذلك سنة 1829م - ونشر تلخيصا عنها المستشرق (جب).
وهي أيضا مترجمة إلى اللغات الألمانية - قام بترجمتها المستشرق: مزيك عام 1912م - والتركية - واسمها: تقديم وقائع - والبرتغالية - كتبها: الفرنسيكاني مورا - والإيطالية والإسبانية، وقد طبعت في مصر مرتين عن الطبعة الفرنسية، وطبعة ثالثة منقحة سنة 1934 تحت عنوان: (مهذب رحلة ابن بطوطة)، أخرجها الأستاذان: أحمد العوامري وأحمد جاد المولى. (انظر: تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص297، 298).
كذلك قام أستاذ العربية في جامعة باريس في القرن السابع عشر الذي يدعى بيير فاتييه بترجمة مخطوطة في وصف مصر وُجِدت في مكتبة الكردينال مازاران، ويتضمن المخطوط إلى جانب ذلك كلاما كثيرا في الجغرافيا, ونصا شائعا عن التاريخ الأسطوري لمصر القديمة مع اهتمام خاص بمراكز السحر فيها، وأمثال هذه الكتب أعانت كثيرا على تكوين صورة الشرق لدى الغربيين خلال عصر التنوير، وقد وجدت هذه الصور صدى في الأعمال الفنية والأدبية عند الغرب. (شاخت، تراث الإسلام ص 264، عن موقع "العصفور").
يقول جوستاف لوبون: "ويكفي أن نشير مع ذلك إلى ما حققه العرب في الجغرافيا لإثبات قيمتهم العالية، فالعرب هم الذين عينوا بمعارفهم الفلكية مواقع الأماكن تعيينا مضبوطا في الخرائط، فصححوا بذلك أغاليط علماء اليونان، والعرب هم الذين نشروا رحلاتهم الممتعة عن بقاع العالم التي كان يشك الأوربيون في وجودها، والعرب هم الذين وضعوا الكتب الجغرافية التي جاءت ناسخة لما تقدمها، فاقتصرت أمم الغرب عليها وحدها قرونا كثيرة. (الشرقاوي، محمود، الإسلام وأثره في الثقافة العالمية، ص97 ، عن موقع "العصفور").
وكتب أيضا: "إن المسلمين كانوا شجعانا في ركوب السفن في البحار دائما، ولم يكونوا يترددون في السفر إلى النقاط، إنهم في أوائل استقرار حكومة الإسلام أقاموا علاقات تجارية مع الدول البعيدة عنهم كالصين ونواحي روسيا ومناطق من أفريقيا، ولم يكن الأوروبيون يومئذ يدركون ذلك، ونشر"سليمان الرحالة" مذكراته من رحلته الى الصين فكان أول كتاب انتشر في أوروبا عن الصين، وفي أوائل هذا القرن ترجمت هذه الرحلة إلى اللغة الفرنسية. (اللاري، السيد مجتبى الموسوي، الإسلام والحضارة الغربية ص155، عن موقع "العصفور").
ولا بد أن نشير إلى أن فن الملاحة العربي قد أثر على أوربا تأثيرا بالغا، وقد وضح في اقتباس الأوربيين المصطلحات البحرية التي ما زال يستخدم بعضها في الغرب حتى الآن، منها: أمير البحر Admiral ، دار الصناعة Arsenal ، حبل Cable . (مدخل إلى تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، حكمت عبد الكريم فريحات، وإبراهيم ياسين الخطيب، ص170).
ولقد كان من أهم آثار الجغرافيين المسلمين في الحضارة الغربية ما كان منهم عندما أخطأ بطليموس أخطاءً شنيعة؛ فجاء المسلمون وصححوها من ورائه، واستفاد منها الغرب، منها إخفاقه في تحديد موقع بحر قزوين والخليج العرب، وخطأه عندما بالغ في حجم جزيرة يلان، وبالغ في تحديد امتداد الجزء المعمور من الأرض المعروفة له, وجعل المحيط الهندي جزيرة وذلك بوصله المناطق الآسيوية الجنوبية بجنوبي إفريقية..
صحح المسلمون كل الأخطاء، ولم يأخذ الغرب هذه التعديلات إلا عنهم؛ فكان هدية للبشرية لولاها لكان مصير هذه المسائل في علم الغيب..
أما خريطة المأمون فقد أسدت إلى الحضارة الغربية فضلاً عظيماً رغم ضعف إمكانات العرب من حيث الأجهزة الجغرافية في عصره، فقد عدَّل المسلمون في خريطة بطليموس, وحسنوها وأضافوا إليها الكثير من التصحيحات الجوهرية، إضافة إلى التحسينات التي أدخلوها على المناطق الممتدة من قادس في أسبانيا إلى السند في الهند فقد اتخذوا وضعاً أكثر تناسباً، ولم يعد الخليج العربي بهذه الصورة المستديرة كما في خريطة بطلميوس وإنما اتخذ وضعاً أكثر ملائمة مع وضعه الصحيح..
كل هذه الإضافات والتعديلات تابعها الغرب بقوة، قد يكون حاول تشويهها إلا أن الواقع كان ينطق بإنجازات المسلمين الجغرافية، حيث يقر الاستاذ كراتشكوفسكي أن الأوروبيين كانوا حتى بداية القرن الخامس عشر لا يرجعون لغير الجغرافيا العربية, وكانت خريطة الإدريسي ـ كما يقول هو نفسه ـ الأثر الوحيد المهم في الكارتوغرافيا الأوروبية قبل القرن الرابع عشر..
والواقع أن الجغرافيين المسلمين: الإدريسي وأبا الفدا، هما اللذان أثرا في أوروبا أكثر من غيرهما من علماء المسلمين الجغرافيين، غير أن معظم الذين كتبوا في هذا الموضوع لا يريدون الإقرار بحقيقة أثر الجغرافيين المسلمين في النهوض بالجغرافيا في أوروبا.
وقد ظلت الكارتوغرافيا الأوروبية تعتمد على خارطة الإدريسي حتى قبيل القرن الخامس عشر الميلادي.. ومن خلال هذه المقدمات حيث لم يكن الغرب يعرف جغرافيا بطليموس حتى هذا التاريخ، ويعتمد كلياً على خارطة الإدريسي فمن الطبيعي أن يكون سانوتو قد رسم خريطة معتمداً على الإدريسي أيضاً مع بعض التغييرات الطفيفة، ثم أن سانوتو أخذ في الحقيقة كثيراً من الأوصاف وأسماء الأماكن وخاصة أسماء جزر المحيط الأطلسي من جغرافية الإدريسي
ويكفي الجغرافيين المسلمين فضلاً أن الكاردينال بطرس الأيي استقى جميع المعلومات الجغرافية الواردة في مبحثه (صورة العالم) مأخوذة من نفس المصدر الذي استقى منه سانوتو خريطته للعالم.. وفوق ذلك كان الكاردينال متعلقا بأعمال الفلكيين العرب مثل: البتاني، وأبي مشعر، والزركلي، والفرغاني.. وغيرهم، وأنه تعلم من العرب رسم خطوط الطول والعرض..
والأب مورو (1459م) وهو عالم جغرافي نال شهرة واسعة بدأ في سنة 1448م برسم خريطة للعالم في سنة 1459م..
وأما أهم ما يلفت النظر في هذه الخريطة أنها مقلوبة على الطريقة الإدريسية تماماً، الجنوب إلى أعلى والشمال إلى أسفل، وكان مورو دائماً يرفض الرجوع إلى بطلميوس في رسم الخرائط, ويترك طريقته في قياساته للعروض والأطوال..
ـ وإجمالاً فإنه منذ وقت الإدريسي 1150 م إلى حوالي 1450م استمدت الجغرافيا الأوروبية رأساً من الجغرافية الإسلامية، ومن 1450 م إلى 1550 م نهضت حملة ضد العرب لا أساس لها من العلم، وتحول الجغرافيون الأوروبيون إلى جغرافية بطليموس, وهذا أمر لم يكن من المنطقي أن يستمر؛ فاضطر العلماء ثانية إلى هجر بطليموس..
ثم إننا نستطيع تبين أهمية جغرافيا المسلمين في أوروبا من القرون السادس عشر إلى التاسع عشر من خلال مراقبة الطلب المستمر على مؤلفات الجغرافية العربية. (البحث السابق، مع عدم معرفة المصدر).
[motr]
يتبع ..
[/motr]


ميارى 30 - 7 - 2010 07:34 AM

إسهامات علماء الجغرافيا المسلمين بلسان الغربيين

على الرغم من تفوق الغرب في توظيف المحن التي تعرض لها المسلمون ولا زالوا يتعرضون لها، في محاولة طمس الحقائق التي تثبت تفوقهم ونبوغهم في مجالات شتى، إلا أن الله قد قيض لهذه المسألة أناساً من الغربيين لا يعرفون في أبحاثهم سوى المصداقية والموضوعية وإيثار الحق ونسبة الفضل إلى أهله، ويعترفون بفضل المسلمين وسبقهم في علم الجغرافيا، والأمثلة على ذلك ما يلي:

- يصف المستشرق الإيطالي (نللينو) كتاب الخوارزمي (صورة الأرض) بقوله: "إنه لا يوجد شعب أوربي واحد يستطيع أن يفخر بمصنف يمكن مقارنته بهذا الكتاب". (انظر: تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص271).
- ويقول المستشرق الفرنسي (جاك ريسلر): "لم يكن بطليموس الأستاذ الحقيقي في جغرافية أوربا، لكنه الإدريسي.. ومصورات الإدريسي التي تعترف بكروية الأرض كانت تتويجا لعلم المصورات الجغرافية في العصر الوسيط بوفرتها وصحتها واتساعها..".
- ويقول (ألدو مييلي): "لقد عرف العرب (المسلمون) وضع الخرائط وضعا علميا مبنيا على تعيين الطول والعرض في العناصر الجغرافية المختلفة، حيث وصلوا بذلك - على يد الإدريسي - إلى تحقيق خطوة جديرة بالإعجاب حقا في هذا الفن الذي هو فرع عظيم الأهمية من الجغرافية العلمية". (انظر: تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص281).
وها هي زيجفريد هونكه في كتابها "شمس العرب تشرق على الغرب" تقول عن كتاب الإدريسي: "يحوي كتاب الإدريسي وصفاً كاملاً للمدن والبلاد موضحاً طبيعتها وثقافتها والنشاط البشري فيها، ذاكراً بحارها وجبالها وأنهارها وسهولها وأوديتها، كما يتحدث عن الفواكه والحبوب والنباتات التي تنمو في تلك البلدان، وكذلك الفنون والصناعات التي يتقنها أبناء كل إقليم، ويتكلم عن الصادرات والواردات والحالة المعيشية للشعوب والعادات والتقاليد والملابس واللغات المنتشرة بينهم".
- وتتابع العالمة الألمانية وصفها لأعمال الإدريسي فتقول: "إذا كان بطليموس قد أخطأ في رسوماته ببضع درجات، فإن العرب لم يتجاوزوا الواقع الصحيح بدقيقة أو دقيقتين، ونجد أن الإدريسي قد وحّد الاتجاهين, وربط بين الجغرافيا الوصفية والجغرافيا الرياضية الفلكية".
- ومما جاء في كتاب تراث الإسلام وفي دائرة المعارف الإسلامية عن الشريف الإدريسي نجد أن الخريطة الإدريسية تمثل القسم العامر من الكرة الأرضية، تشمل القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وإفريقية، وكان تقسيم العالم آنذاك يعتمد على نظرية الأقاليم وهي سبعة أوردها الإدريسي بهذا العدد لكنه حدَّدها وقسَّمها بحسب درجات العرض، فجعل الإقليم الأول بين الدرجة (.) والدرجة (23) شمال خط الاستواء، والأقاليم الخمسة بعده كل واحد منها ست درجات، والإقليم السابع من الدرجة 54 إلى الدرجة 63 وما بعدها، والدرجة الأخيرة غير مسكونة كونها مغمورة بالثلوج.
قدَّر الباحثون وعلماء الجغرافيا عبقرية الإدريسي التي تتجلَّى في خريطته للعالم, وفي محاولته إثبات درجات العرض وتحديدها، وقد أفلح في هذا المجال إلى حد بعيد، وبتقسيمه الأقاليم السبعة إلى عشرة أجزاء متساوية من جهة الغرب إلى الشرق، هذا التقسيم وإن لم يدل على درجات الطول فإنه يسهِّل القيام بهذه المهمة ويساعد على رسم الخريطة، علماً أن كتابه يتضمَّن خريطة خاصة لكل قسم من الأقسام السبعين إضافة إلى الخريطة الجامعة، وكل هذه الخرائط ( 71 خريطة) محفوظة في مختلف النسخ الموجودة من كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق".
حَظِيَ كتابه وخريطته بإعجاب المستشرقين والباحثين، قال البارون دي سلان: "إنَّ كتاب الإدريسي لا يمكن أن يوازيه أيّ كتاب جغرافي سابق له، وهناك بعض الأجزاء من المعمورة لا يزال هذا الكتاب دليل المؤرخ الجغرافي في الأمور المتعلقة بها..".
وجاء في دائرة المعارف الفرنسية ".. إنَّ كتاب الإدريسي أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وإنَّ ما يحتويه من تحديد للمسافات, ومن وصف دقيق يجعله أعظم وثيقة جغرافية في القرون الوسطى..". (موقع: باب).

ـ وقال الأستاذ ليلفيل :"إن سانوتو ومعاصريه ليسوا أكثر من مجرد ناقلين من العرب، وخاصة عن الإدريسي، وإننا لا نملك الحق في إضفاء لقب مؤلفين على أولئك الذين لا يدعون هم أنفسهم ذلك"..
وهناك تصريح آخر للأستاذ ليلفيل في نفس السياق حيث أثار الإدريسي موجة من الدهشة والإعجاب بين المصنفين الغربيين، يقول ليليفيل في هذا التصريح: "إن الإدريسي عندما لاحظ الاختلافات والتباينات بين معلومات القدماء (اليونان) وبين المعلومات العربية الجديدة، كَفَّ عن الرجوع إلى القدماء ووضع خرائطه ووصوفه بناء على المعلومات الجديدة، وتابع العمل مستغنياً تماماً عن القدماء (اليونان).
ثم يقر تايلور بفضل الجغرافي المسلم أبي الفدا على الحضارة الغربية حين يقول: إن دي بعد مقارنته خرائط ستيفن بورو ومركاتر يقر أن أهم معلومات في الموضوع الذي بحثه مذكورة في كتابات أبي الفدا"..
ويضيف إلى ذلك قوله: إن أهمية أبي الفداء تستبان من المهمة الهامة جداً التي كلف نيوبري وهي أن يبحث عن نسخة ثانية من كتاب أبي الفدا "تقويم البلدان" ، وقد بحث نيوبري عن نسخة من هذا الكتاب القيم وكتب إلى هيليكوت أنه لم يجد نسخة في سوريا، وإنما يأمل أن يجد نسخة في بغداد أو إيران.. وإما أن هيليكوت قد حصل على نسخة فعلاً فهذا أمر نستطيع تحقيقه، ذلك أن أورتيليوس كتب إلى كمدن في نوفمبر 1588 قائلاً: إن سمع من عمانويل ديمتريوس أن هيليكوت قد حصل على نسخة من تقويم البلدان لأبي الفدا.. وهو يأمل جدًّا أن تُطبعَ في نفس السنة"..
ويكفي العرب هنا فخراً تصريح الأستاذ كرامرز الذي يثبت فيه أن الحضارة الأوروبية في مجال الجغرافيا قامت على أكتاف العرب، حيث يقول: لم يكن غريباً أن يفكر العلماء عندما نشر جوبير كتاب "المشتاق" للإدريسي بالفرنسية في منتصف القرن التاسع عشر أن هذا العمل من شأنه أن يزيد من معرفة الأوروبيين الجغرافية للعالم وخاصة فيما يتعلق بشمالي إفريقية. (البحث السابق، ودون معرفة المصدر).

جمال حمدان أحد أعلام المسلمين في الجغرافيا



http://www.islamstory.com/Images/Art...malHamadan.jpg











"جمال محمود صالح حمدان" أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين، ولد في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية بمصر في 12 شعبان 1346هـ ،4 فبراير سنة 1928م، ونشأ في أسرة كريمة طيبة تنحدر من قبيلة "بني حمدان" العربية التي نزحت إلى مصر في أثناء الفتح الإسلامي.

كان والده أزهريا مدرّسًا للغة العربية في مدرسة شبرا التي التحق بها ولده جمال، وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1358هـ ـ 1939م، وقد اهتم الأب بتحفيظ أبنائه السبعة القرآن الكريم، وتجويده وتلاوته على يديه؛ مما كان له أثر بالغ على شخصية جمال حمدان، وعلى امتلاكه نواصي اللغة العربية؛ مما غلّب على كتاباته الأسلوب الأدبي المبدع.
وبعد الابتدائية التحق جمال حمدان بالمدرسة "التوفيقية الثانوية"، وحصل على شهادة الثقافة عام 1362هـ ـ 1943م، ثم حصل على التوجيهية الثانوية عام 1363هـ ـ 1944م، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وكان طالبا متفوقا ومتميزا خلال مرحلة الدراسة في الجامعة، حيث كان منكبا على البحث والدراسة، متفرغا للعلم والتحصيل.
وفي عام 1367هـ ـ 1948م تخرج في كليته، وتم تعيينه معيدا بها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة 1368هـ ـ 1949م، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة "ريدنج" عام 1372 هـ ـ 1953م، وكان موضوع رسالته: "سكان وسط الدلتا قديما وحديثا"، ولم تترجم رسالته تلك حتى وفاته.
وبعد عودته من بعثته انضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم رُقّي أستاذا مساعدا، وأصدر في فترة تواجده بالجامعة كتبه الثلاثة الأولى وهي: "جغرافيا المدن"، و"المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم" (المدينة المثلثة)، و"دراسات عن العالم العربي" وقد حصل بهذه الكتب على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1379هـ ـ 1959م، ولفتت إليه أنظار الحركة الثقافية عامة، وفي الوقت نفسه أكسبته غيرة بعض زملائه وأساتذته داخل الجامعة.
وفي عام 1383هـ ـ 1963م تقدّم باستقالته من الجامعة؛ احتجاجا على تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ، وتفرغ للبحث والتأليف حتى وفاته، وكانت فترة التفرغ هذه هي البوتقة التي أفرزت التفاعلات العلمية والفكرية والنفسية لجمال حمدان.
علاقة الجغرافيا بالحياة
ويعد جمال حمدان ذا أسلوب متميز داخل حركة الثقافة العربية المعاصرة في الفكر الإستراتيجي، يقوم على منهج شامل معلوماتي وتجريبي وتاريخي من ناحية، وعلى مدى مكتشفات علوم: الجغرافيا والتاريخ والسكان والاقتصاد والسياسة والبيئة والتخطيط والاجتماع السكاني والثقافي بشكل خاص من ناحية أخرى.
ولا يرى جمال حمدان في علم الجغرافيا ذلك العلم الوضعي الذي يقف على حدود الموقع والتضاريس، وإنما هو علم يمزج بين تلك العلوم المختلفة؛ فالجغرافيا هي "تلك التي إذا عرفتها عرفت كل شيء عن نمط الحياة في هذا المكان أو ذاك.. جغرافية الحياة التي إن بدأت من أعلى آفاق الفكر الجغرافي في التاريخ والسياسة فإنها لا تستنكف عن أن تنفذ أو تنزل إلى أدق دقائق حياة الناس العادية في الإقليم".
وإذا كانت الجغرافيا -كما يقول في تقديمه لكتاب "شخصية مصر" في الاتجاه السائد بين المدارس المعاصرة- هي علم "التباين الأرضي"، أي التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات؛ فمن الطبيعي أن تكون قمة الجغرافيا هي التعرف على "شخصيات الأقاليم"، والشخصية الإقليمية شيء أكبر من مجرد المحصلة الرياضية لخصائص وتوزيعات الإقليم، إنها تتساءل أساسا عما يعطي منطقة تفرّدها وتميزها بين سائر المناطق، كما تريد أن تنفذ إلى روح المكان لتستشف عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكامنة.. ولئن بدا أن هذا يجعل للجغرافيا نهجا فلسفيا متنافرا يتأرجح بين علم وفن وفلسفة؛ فيمكن أن نضيف للتوضيح: علم بمادتها، وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظراتها.. والواقع أن هذا المنهج المثلث يعني ببساطة أنه ينقلنا بالجغرافيا من مرحلة المعرفة إلى مرحلة التفكير، من جغرافية الحقائق المرصوصة إلى جغرافية الأفكار الرفيعة.
وكانت رؤية جمال حمدان للعلاقة بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان متوازنة، فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر، ويظهر ذلك واضحا في كتابه المشار إليه آنفا، والذي تبرز فيه نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة والنيل بصفة خاصة، وكيف أفضت هذه العلاقة إلى صياغة الحضارة المصرية على الوجهين: المادي والروحي.
آثاره وإنجازاته
لقد كان لعبقرية جمال حمدان ونظرته العميقة الثاقبة فضل السبق لكثير من التحليلات والآراء التي استُغربت وقت إفصاحه عنها، وأكدتها الأيام بعد ذلك؛ فقد أدرك بنظره الثاقب كيف أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك عام 1388هـ ـ 1968م، فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد إحدى وعشرين سنة، عام 1409هـ ـ 1989م، حيث حدث الزلزال الذي هَزَّ أركان أوروبا الشرقية، وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتي، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1411هـ ـ 1991م (إستراتيجية الاستعمار والتحرر).
وفي شهر فبراير 1387هـ ـ 1967م أصدر جمال حمدان كتابه "اليهود أنثروبولوجيًّا" والذي أثبت فيه أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي.. وهذا ما أكده بعد ذلك "آرثر بونيسلر" مؤلف كتاب "القبيلة الثالثة عشرة" الذي صدر عام 1396هـ ـ 1976م.
وقد ترك جمال حمدان 29 كتابا و79 بحثا ومقالة، يأتي في مقدمتها كتاب "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان"، وكان قد أصدر الصياغة الأولى له سنة 1387هـ 1967م في نحو 300 صفحة من القطع الصغير، ثم تفرغ لإنجاز صياغته النهائية لمدة عشر سنوات، حتى صدر مكتملا في أربع مجلدات خلال السنوات بين 1401هـ ـ1981م/1404هـ ـ 1984م.
وعلى الرغم من إسهامات جمال حمدان الجغرافية، وتمكنه من أدواته؛ فإنه لم يهتم بالتنظير وتجسيد فكره وفلسفته التي يرتكز عليها.
الجوائز والوفاة
وقد حظي جمال حمدان بالتكريم داخل مصر وخارجها؛ حيث مُنح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1406هـ ـ 1986م، ومنحته الكويت جائزة التقدم العلمي سنة 1413هـ ـ 1992م، فضلا عن حصوله عام 1379هـ ـ 1959م على جائزة الدول التشجيعية في العلوم الاجتماعية، وكذلك حصل على وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتابه "شخصية مصر" عام 1411هـ ـ 1988م.
عُرِضَ عليه كثيرٌ من المناصب التي يلهث وراءها كثير من الزعامات، وكان يقابل هذه العروض بالاعتذار، مُؤْثِرًا تفرغه في صومعة البحث العلمي، فعلى سبيل المثال تم ترشيحه عام 1403هـ ـ 1983م لتمثيل مصر في إحدى اللجان المهمة بالأمم المتحدة، ولكنه اعتذر عن ذلك، رغم المحاولات المتكررة لإثنائه عن الاعتذار. كما اعتذر بأدب ورقة عن عضوية مجمع اللغة العربية، وكذلك عن رئاسة جامعة الكويت… وغير ذلك الكثير.
وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر السبت في 17 إبريل من عام 1413هـ ـ 1993م، انتقل إلى جوار ربه، إثر فاجعة أودت بحياته نتيجة تسرب الغاز من أنبوب البوتاجاز في أثناء قيامه بإعداد كوب من الشاي لنفسه. (عبد الستار الكبرت، من موقع: "إسلام أون لاين").
بعض النقاط والملاحظات
بعد هذا البحث المتعمق كان هناك بعض النقاط والملاحظات المهمة في مجال البحث الجغرافي الخصب لابد من الإشارة إليها، وهي:
أولا: الإطار العام للبحث - رغم تعدد الأبحاث والدراسات في مجال التراث الجغرافي الإسلامي إلا أنه - ما يزال غنيًا بالموضوعات التي لم تطرح وتحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء على المدلولات العلمية والمنهجية لها, أو حتى التحقيق الجغرافي لنصوصها المكتوبة.
ثانيا: هناك مشكلة في مجال البحث تدور في محورين:
أحدهما: تجاهل معظم المراجع المعاصرة خلال عرضها للتطور الفكري لأي من فروع علم الجغرافية - الطبيعية منها والبشرية - إسهامات العلماء المسلمين، واقتصار العرض على معلومات مقتضبة قد لا تصل في حجمها مقدار العرض المخصص لبعض الحضارات التي تسبق الإسلام.
بينما يمثل المحور الثاني من المشكلة: عدم إنصاف الجغرافيين المسلمين في جهودهم العلمية التي قدموا فيها حقائق ونظريات في علم الجغرافية.
ثالثا: يتضح بعد العرض السابق أن الاتساع المعرفي في المصنفات الجغرافية لا يتنافى مع الاتجاه نحو الطرح العلمي التخصصي في جميع ميادين فروع الجغرافية، ومما أسهم في وجود الاتجاه العلمي في المصنفات الجغرافية تعدد المهتمين بعلم الجغرافية، وهي صفة اقترنت بالحضارة الإسلامية التي أنجبت أعدادًا يصعب حصرها من الجغرافيين المختصين، أو حتى أولئك الذين جعلوا من الجغرافية وسيلة يتم بها الوصول إلى تفسيرات للأفكار المتعلقة باختصاصاتهم العلمية.
وإن مما يضاف إلى اتخاذ الاتجاه في الكتابات الجغرافية إيمان المصنفين أن الجديد في المعرفة الجغرافية يكون بالبحث عن المعلومات التي لم يسبق عرضها من قبل آخرين، وإن التداول الفكري لكثير من المعلومات التي جاءت في المصنفات الجغرافية الإسلامية في العصر الحديث, وتكريس جهود عدد كبير من المستشرقين لسبر وفهم كنوزها العلمية, بل وترجمة نصوصها من العربية إلى الأجنبية لدليل على أنها تحوي معلومات تخصصية في فروع الجغرافية، كما يعد الاحتفاظ بهذه المصنفات في كبريات المتاحف العالمية، أو إعادة طباعة كثير منها دليلا راسخا على أصالتها وعلو كعبها العلمي رغم البون الزمني الذي يفصلنا عن تاريخ تصنيفها.
- ولكي تتمكن المدرسة الجغرافية العربية والإسلامية في العصر الحديث من التطور، عليها الاستناد إلى المعطيات الجغرافية العلمية التي تزخر بها بطون المصنفات الإسلامية، وإحاطة طلابها في مرحلة البكالوريوس بالمعالجات التخصصية الواردة في المصنفات لجميع فروع الجغرافية.
- كما يعد إضافة مقرر خاص تُدرس فيه جهود المسلمين في الجغرافية هو أقل درجات العناية بهذا التراث، خاصة إذا علمنا أن الآخرين قد أنشؤوا معاهد استشراقية بغرض الاستنباطات العلمية من تلك المصنفات. (مساعد بن عبدالرحمن الجخيدب، موقع "الدارة" بتصرف).

(*) تاريخ الفكر الأندلسي ص / 312 - 316. تراجم إسلامية ص / 305 - 314. دائرة المعارف الإسلامية (الإدريسي) تاريخ العلوم عند العرب لطوقان ص / 197 - مجلة المعرفة 11 - 12 / 2240 - تراث الإسلام لأرنولد ص / 141 موسوعة العلوم الإسلامية 1 / 40 - زيدان 3 / 92 - فروخ 5 / 374 - تاريخ الأدب الجغرافي 0 / 280 - 292 العرب في صقلية ص / 160 - الأعلام 7 / 250 (من موقع: "الإسلام" بتصرف).

منقول للاهمية




صائد الأفكار 1 - 8 - 2010 11:59 AM

شكرا اختي ميارى على المعلومات والموضوع الشامل
وفقك الله

ميارى 3 - 8 - 2010 07:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صائد الأفكار (المشاركة 62975)
شكرا اختي ميارى على المعلومات والموضوع الشامل
وفقك الله

وفقنا الله جميعا ، تشرفت بمرورك أخي ، بارك الله فيك


الساعة الآن 12:39 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى