منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   صفحات من التاريخ وحضارات الأمم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=201)
-   -   الهجمة التترية الأولى (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=11519)

ميارى 10 - 11 - 2010 04:22 AM

الهجمة التترية الأولى
 
مقدمة

فكر "جنكيزخان" في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان؛ لأن المسافة ضخمة بين الصين والعراق، ولابد من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين.. كما أن هذه المنطقة التي تعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية.. وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة.. وأموالها وفيرة.. هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع تكتيكياً أن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد..
كل هذه العوامل جعلت "جنكيزخان" يفكر أولاً في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، والتي تعرف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية.. وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية هامة مثل: أفغانستان وأوزبكستان والتركمنستان وكازاخستان وطاجكستان وباكستان وأجزاء من إيران.. وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة "أورجندة" (في تركمنستان حاليًّا).
وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم (محمد بن خوارزم شاه) على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يهتمون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خوارزم ليؤمّن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرق آسيا، أما وقد استقرت الأوضاع في منطقة الصين ومنغوليا، فقد حان وقت التوسع غرباً في أملاك الدولة الإسلامية!..
ولا مانع - طبعاً - من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة.. وهي سنة في أهل الباطل: [أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم؟ بل أكثرهم لا يؤمنون]
ولكن.. حتى تكون الحرب مقنعة لكلا الطرفين، لابد من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادعاء بأن الاتفاقيات لم تعد سارية، وقد بحث "جنكيزخان" عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد...
ولكن - سبحان الله - لقد حدث أمر مفاجئ بغير إعداد من جنكيزخان!!.. وهذا الأمر المفاجئ يصلح أن يكون سبباً مقنعاً للحرب.. نعم، لقد جاء هذا السبب مبكراً بالنسبة لإعداد جنكيزخان ولرغبته، ولكن لا مانع من استغلاله.. ولا مانع أيضاً من تقديم بعض الخطوات في خطة الحرب، وتأخير بعض الخطوات الأخرى..
ما هي الذريعة التي دخل بها "جنكيزخان" أرض خوارزم شاه؟!
لقد ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة "أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه.. ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم!..
أما عن سبب قتلهم.. فقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة:
فمنهم من يقول: إن هؤلاء ما كانوا إلا جواسيس أرسلهم جنكيزخان للتجسس على الدولة الإسلامية أو لاستفزازها، ولذلك قتلهم حاكم مدينة أوترار..
ومنهم من يقول: إن هذا كان عمداً كنوع من الرد على عمليات للسلب والنهب قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر، وهي بلاد خوارزمية مسلمة..
ومنهم من يقول: إن هذا كان فعلاً متعمداً بقصد استثارة التتار للحرب، ليدخل خوارزم شاه بعد ذلك منطقة تركستان، والتي هي في ملك التتار آنذاك.. وإن كان هذا الرأي مستبعداً؛ لأن "محمد بن خوارزم شاه" لم تكن له أطماع تذكر في أرض التتار.. وكل ما كان يريده هو العهد على بقاء كل فريق في مملكته دون تعدٍّ على الآخر.. وليس من المعقول أن يستثير التتار وهو يعلم أعدادهم وجيشهم، وليس من المعقول أيضاً أنه لم يكن يدري عن قوتهم شيئاً وهم الملاصقون له تماماً، وقد ذاع صيت زعيمهم "جنكيزخان" في كل مكان..
ومن المؤرخين أيضًا من يقول: إنما أرسل جنكيزخان بعضاً من رجاله إلى أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك حتى يكون ذلك سبباً في غزو البلاد المسلمة، وإن كان هذا الرأي لا يقوم عليه دليل..
ومنهم من قال: إن خوارزم شاه طمع في أموال التجار فقتلهم لأجلها..
كل هذه احتمالات واردة، لكن المهم في النهاية أن التجار (أو الجواسيس) قد قُتلوا.. ووصل النبأ إلى جنكيزخان، فأرسل رسالة إلى "محمد بن خوارزم شاه" يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه، ولكن "محمد بن خوارزم شاه" اعتبر ذلك تعدياً على سيادة البلاد المسلمة؛ فهو لا يسلم مجرماً مسلماً ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى.. غير أنه قال: إنه سيحاكمهم في بلاده.. فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية..
وهذا الكلام وإن كان منطقياً ومقبولاً في كل بقاع الأرض إلا أنه بالطبع لم يكن مقنعاً لجنكيزخان.. أو قل: إن جنكيزخان لم يكن يرغب في الاقتناع؛ فليس المجال مجال حجة أوبرهان أو دليل.. حقيقة الأمر أن جنكيزخان قد أعد لغزو بلاد المسلمين خططا مسبقة.. ولن يعطلها شيء.. وإنما كان يبحث فقط عن علة مناسبة، أو شبه مناسبة، وقد وجد في هذا الأمر العلة التي كان يريدها..


وبدأ الإعصار التتري الرهيب على بلاد المسلمين!!

بدأت الهجمة التترية الأولى على دولة خوارزم شاه، وجاء جنكيزخان بجيشه الكبير لغزو خوارزم شاه، وخرج له "محمد بن خوارزم شاه" بجيشه أيضاً.. والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر "سرداريا"، ويقع في دولة كازاخستان المسلمة)، وقتل من الفريقين خلق كثير.. لقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفاً، ومات من التتار أضعاف ذلك.. ثم تحاجز الفريقان، وانسحب "محمد بن خوارزم شاه" بجيشه لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة.. وذهب ليحصن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة (وخاصة العاصمة: أورجندة).. كان هذا اللقاء الدامي في عام 616 هجرية..
انشغل "محمد بن خوارزم شاه" في تحضير الجيوش من أطراف دولته، ولكن لا ننسى أنه كان منفصلاً ـ بل معادياً ـ للخلافة العباسية في العراق، ولغيرها من الممالك الإسلامية؛ فلم يكن على وفاق مع الأتراك ولا مع السلاجقة ولا مع الغوريين في الهند.. وهكذا كانت مملكة خوارزم شاه منعزلة عن بقية العالم الإسلامي.. ووقفت وحيدة في مواجهة الغزو التتري المهول..
وهذه المملكة وإن كانت قوية وتمكنت من الثبات في أول اللقاءات، فإنها ـ ولا شك ـ لن تصمد بمفردها أمام الضربات التترية المتوالية..
وفي رأيي أنه مع قوة التتار وبأسهم وأعدادهم إلا أن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك لن يكون في الأساس بسبب هذه القوة، وإنما سيكون بسبب الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين.. وصدق الله العظيم إذ يقول: [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، إن الله مع الصابرين]
فجعل الله عز وجل الفشل قريناً للتنازع.. والمسلمون كانوا في تنازع مستمر، وخلاف دائم.. وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار - كما سنرى- كان المسلمون يغيرون على بعضهم, ويأسرون بعضهم, ويقتلون بعضهم...!! وقد عُلم يقيناً أن من كانت هذه صفتهم، فلا يكتب لهم النصر أبدًا..
روى الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "...وإني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسَنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ـ أو قال من بين أقطارها ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا".
فالمسلمون كانوا - في تلك الآونة - يهلك بعضهم بعضًا, ويسبي بعضهم بعضًا... فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار..
وبالإضافة إلى داء الفرقة فإن هناك خطأ واضحًا في إعداد "محمد بن خوارزم"، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة "أورجندة" إلا أنه ترك كل المساحات الشرقية من دولته دون حماية كافية..! ولكن... لماذا يقع قائد محنك خبير بالحروب في مثل هذا الخطأ الساذج؟!
الواقع أن الخطأ لم يكن تكتيكياً في المقام الأول، ولكنه كان خطأ قلبياً أخلاقيًّا في الأساس.. لقد اهتم "محمد بن خوارزم" بتأمين نفسه وأسرته ومقربيه، وتهاون جداً في تأمين شعبه، وحافظ جداً على كنوزه وكنوز آبائه، ولكنه أهمل الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه.. وعادة ما يسقط أمثال هؤلاء القواد أمام الأزمات التي تعصف بأممهم.. وعادة ما تسقط أيضًا الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح.. ولننظر ماذا تحمل الأيام لمحمد بن خوارزم وشعبه!!..
ماذا فعل جنكيزخان بعد هذه المعركة الأولى؟
تعالوا نتتبع خطواته في البلاد المسلمة!!
اجتياح بخارى:
لقد جهز جنكيزخان جيشه من جديد، وأسرع إلى اختراق كل إقليم كازاخستان الكبير، ووصل في تقدمه إلى مدينة بخارى المسلمة (في دولة أوزبكستان الآن)، وهي بلدة الإمام الجليل، والمحدث العظيم "البخارى" رحمه الله، وحاصر جنكيزخان البلدة المسلمة في سنة 616 هجرية، ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان، وكان "محمد بن خوارزم شاه" بعيدًا عن بخارى في ذلك الوقت.. فاحتار أهل بخارى: ماذا يفعلون؟.. ثم ظهر رأيان:
أما الرأي الأول فقال أصحابه: نقاتل التتار وندافع عن مدينتنا، وأما الرأي الثاني فقال أصحابه: نأخذ بالأمان ونفتح الأبواب للتتار لتجنب القتل، وما أدرك هؤلاء أن التتار لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة..
وهكذا انقسم أهل البلد إلى فريقين: فريق من المجاهدين قرر القتال، وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرة في المدينة، وانضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها.. وفريق آخر من المستسلمين، وهو الفريق الأعظم والأكبر، وهؤلاء قرروا فتح أبواب المدينة، والاعتماد على أمان التتار!..
وفتحت المدينة المسلمة أبوابها للتتار.. ودخل جنكيزخان إلى المدينة الكبيرة.. وأعطى أهلها الأمان فعلا في أول دخوله خديعةً لهم، وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة..
وفعلاً.. بدأ جنكيزخان بحصار القلعة، بل أمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة ليسهل اقتحامها، فأطاعوه وفعلوا ذلك!!! وحاصر القلعة عشرة أيام.. ثم فتحها قسرًا.. ولما دخل إليها قاتل من فيها حتى قتلهم جميعًا!!.. ولم يبق بمدينة بخارى مجاهدون..
وهنا بدأ جنكيزخان في خيانة عهده، فسأل أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وذهبها وفضتها.. ثم اصطفى كل ذلك لنفسه.. ثم أحل المدينة المسلمة لجنده، ففعلوا بها ما لا يتخيله عقل!.. وأترُك ابن كثير ـ رحمه الله ـ يصور لكم هذا الموقف كما جاء في (البداية والنهاية) فيقول:
"فقتلوا من أهلها خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن..!! (ارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها)، فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أُسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعلت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة حتى صارت خاوية على عروشها.."!!!
انتهى كلام ابن كثير.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!..
حقًا... لا حول ولا قوة إلا بالله!..
هلكت المدينة المسلمة!!..
هلك المجاهدون الصابرون فيها.. وكذلك هلك المستسلمون المتخاذلون!!..
روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث"..
وكان الخبث قد كثر في هذه البلاد.. فمن الخبث ألا يرفع المسلمون سيوفهم ليدافعوا عن دينهم وأرضهم وعرضهم.. ومن الخبث أن يصدق المسلمون عهود الكافرين لهم.. ومن الخبث أن يُسلم المسلمون من رفعوا راية الجهاد فيهم إلى عدوهم.. ومن الخبث أن يتفرق المسلمون ويتقاتلوا فيما بينهم، ومن الخبث ألا يحتكم المسلمون إلى كتاب ربهم، وإلى سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم..
هذا كله من الخبث!..
وإذا كثر الخبث ، لابد أن تحدث الهلكة!.. وصدق الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم..
وهكذا هلكت بخارى في سنة 616 هجرية!!..
ولكن.. هل كانت هذه آخر المآسي؟!.. هل كانت آخر الكوارث؟!.. لقد كانت هذه أولى صفحات القصة.. كانت بداية الطوفان وبداية الإعصار.. وستكون صفحات القصة القادمة أشد سوادًا وأكثر دماءً.. سيدخل المسلمون في سنة 617 هـ, وهي - بلا شك - من أبشع وأسوأ وأظلم السنوات التي مرت على المسلمين عبر تاريخهم الطويل..


أحداث سنة 621 هجرية

في هذه السنة حاول غياث الدين أن يثبت ملكه في منطقة فارس (جنوب وغرب إيران) ولكن حدثت فتنة بينه وبين أحد الأمراء في هذه المنطقة يدعى "سعد الدين بن دكلا"، ودار بينهما قتال طويل استغرق هذا العام حتى رضي الطرفان أن تقسم عليهما البلاد! ولا حول ولا قوة إلا بالله!..
وبينما كان غياث الدين مشغولاً في جنوب إيران بالقتال مع سعد الدين هجم التتار بفرقة تترية صغيرة لا تتجاوز ثلاثة آلاف فارس على مدينة "الري"، ووضعوا فيهم السيف، وقتلوا كيف شاءوا، ونهبوا البلد وخربوه، ثم ساروا إلى مدينة "ساوة" ففعلوا بها كذلك، ثم اتجهوا إلى مدينة "قم" (جنوب طهران الآن) وإلى مدينة "قاشان" فدمروا المدينتين، وقتلوا أهلهما وخربوا ديارهما، ثم قصدوا "همذان" فأبادوا أهلها قتلاً وأسراً ونهباً، وخربوا البلد كما خربوا غيره، ثم عادوا بعد ذلك سالمين إلى جنكيزخان!!..
ثلاثة آلاف تتري فقط فعلوا ما ذكرناه منذ قليل!!..
لقد كثر الله عز وجل التتار في عيون المسلمين، وقلل المسلمين في عيون التتار.. وعظمت هيبة التتار وضاعت هيبة المسلمين..
لماذا؟! لأن المسلمين قد انشغلوا بأنفسهم، وما عادوا يدركون مَن العدو ومَن الصّديق، وبينما كان ينبغي للأزمات أن تجمع الصف المسلم إذا بها تفرقه، وما ذلك إلا لقلة الإيمان في القلوب، ولعظم الدنيا في العيون، ولسوء التربية أو انعدامها في فترات طويلة متراكمة..
وكنتيجة طبيعية جداً لهذه الأدواء الأخلاقية والأمراض القلبية حدث ما ذكره ابن الأثير في معرض كلامه عن أحداث عام 621 هجرية.. قال ابن الأثير:
"وفي هذه السنة قلت الأمطار في البلاد، ثم إنها كانت (أي الأمطار) تجيء في الأوقات المتفرقة مجيئاً قريباً لا يحصل منه الري للزرع، فجاءت الغلات قليلة، ثم خرج عليها الجراد، ولم يكن في الأرض من النبات ما يشتغل به عنها، وكان (أي الجراد) كثيراً عن الحد، فغلت الأسعار في العراق والموصل وسائر ديار الجزيرة، وديار بكر وغيرها، وقلت الأقوات"..
ما حدث في هذه الفترة من مصائب عن طريق الجراد والسنين ونقص الثمرات هو أمر طبيعي جداً، وهو أمر موافق للسنن الإلهية.. وليس من قبيل المصادفة..
وإذا مر على المسلمين زمان شعروا فيه أن الأسعار قد ارتفعت، وأن الغلات قد قلت، وأن الاقتصاد قد تأثر، وأن الحياة قد صعبت، فليراجعوا أنفسهم، وليقفوا مع أنفسهم وقفة للمحاسبة، وليعرضوا أنفسهم على كتاب الله عز وجل..
وحتماً - إن كانوا صادقين - سيجدون المرض، وسيعرفون العلاج..
"ما فرطنا في الكتاب من شيء"..
أحداث سنة 622 هجرية:
في هاتين السنتين خفت القبضة التترية على غرب الدولة الخوارزمية (غرب وشمال إيران) واكتفوا ببعض الحملات المتباعدة، واهتموا بتوطيد ملكهم وتثبيت أقدامهم في شرق الدولة الخوارزمية في مناطق نهري سيحون وجيحون، وفي شمال أفغانستان وشرق إيران..
ولكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين، إذ ظهر على مسرح الأحداث فجأة الأمير "جلال الدين بن محمد بن خوارزم"، والذي كان قد فرّ قبل ذلك إلى الهند منذ خمس سنوات (في سنة 617 هجرية)، وذلك أنه لم يستطع إكمال حياته في الهند، فقد كانت العلاقات أصلاً سيئة مع ملوك الهند، ثم إنه وجد أن التتار قد تركوا منطقة فارس نسبياً، وأن جنكيزخان قد عاد إلى بلاده لمعالجة بعض الأمور هناك وترك زعيماً غيره على جيوش التتار، وأن أخاه غياث الدين قد سيطر على معظم أجزاء فارس بعد أن تقاتل مع سعد الدين بن دكلا، واتفقا في النهاية على تقسيم فارس بينهما، وكان النصيب الأكبر لغياث الدين، وتم ذلك في سنة621 هجرية كما أشرنا من قبل..
وجد جلال الدين أن الظروف الآن مواتية للعودة إلى مملكة خوازرم للبحث عن الملك الضائع، ولكنه للأسف لم يدقق النظرة، ولم يشخص المرض الذي أصاب الأمة الإسلامية في ذلك الوقت.. ولم يدرك أنه الفرقة والتشتت والاستهانة بدماء المخالفين من المسلمين كانت من الأسباب الرئيسية لهذه الحالة المخزية التي وصلت إليها أمة الإسلام..
لم يدرك جلال الدين هذه الأمور، ومن ثم فإنه بدلاً من أن يبذل مجهوداً لتجميع الأطراف المتناحرة والأقاليم المتصارعة، دخل إلى مملكة خوارزم وهو يجهز نفسه ليكون طرفاً جديداً في الصراع الإسلامي - الإسلامي!!..
ماذا فعل جلال الدين؟!
لقد عبر نهر السند ودخل إقليم كرمان (جنوب باكستان) ثم تجاوزه إلى جنوب فارس (جنوب إيران) ثم بدأ يجمع حوله الأنصار له، وذهب إلى "سعد الدين بن دكلا" وتحالف معه ضد أخيه غياث الدين!!!!..
وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محارباً أخاه غياث الدين، حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريباً من الخلافة العباسية، وكانت العلاقات القديمة بين مملكة خوارزم والخلافة العباسية متوترة جداً، ووجد جلال الدين في نفسه قوة، ووجد في الخلافة ضعفاً، فأعلن الحرب على الخلافة العباسية.. (هذا وجيوش التتار قابعة في شرق إيران!!!) ولا عجب؛ فقد كان جل الزعماء في تلك الآونة مصابين بالحول السياسي الذي أشرنا إليه من قبل، ودخل جلال الدين بجيشه إلى البصرة، وحاصرها لمدة شهرين، ثم تركها واتجه شمالاً ليمر قريباً من بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه؛ فحصن المدينة وجهز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فعلاً شنيعاً مقززاً، إذ إنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين!!!!
سبحان الله!!!..
أيأتي بالتتار وهو يعلم تاريخهم وحروبهم مع المسلمين ليحاربوا جلال الدين؟! حتى لو كان الظلم كل الظلم في جانب جلال الدين، والحق كل الحق في جانب الخليفة.. أيأتي بالتتار لنجدته؟! أما علم أن التتار إذا قضوا على جلال الدين فإن الخطوة التالية مباشرة هي القضاء على الخلافة العباسية؟!
ماذا أردت يا خليفة المسلمين؟!
أردت أن تطيل فترة ملكك أعواماً قليلة؟!
أردت أن تموت عبداً للتتار بدلاً من أن تكون عبداً لجلال الدين؟!
ليس هذا - بالطبع - دفاعاً عن جلال الدين.. بل نلومه أشد اللوم على تفريق طاقة المسلمين وجعل بأسهم بينهم، وما أشبهه بصدام حسين!! فكما ترك جلال الدين نيران التتار تبتلع ديار المسلمين، وانصرف لحرب الدولة العباسية.. كذلك فعل صدّام يوم كانت أطماع الغرب والشرق تحدق بالأمة في فلسطين وأفغانستان وفي الشيشان وكشمير... فأعرض عن كل ذلك وغزا الكويت!!!
وبرغم كل هذا التدني في الأخلاق وفي السياسة.. إلا أن الحل لا يكون أبدًا أن نأتي بقوة كافرة مهولة مروعة لنزرعها داخل بلاد المسلمين تحل لهم مشاكلهم، وتعالج لهم أمراضهم..
لقد كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله كالمستجير من الرمضاء بالنار... كان كمن بغته لص صغير في بيته، فأسرع بالاستنجاد بأكبر لصوص المنطقة، فجاء اللص الكبير وأزاح اللص الصغير، ثم سرق هو البيت، بل ولم يكتف بذلك بل سرق البيوت المجاورة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!..
ومع استعانة الخليفة بالتتار، إلا أن التتار كانوا مشغولين ببسط سيطرتهم في المناطق الشاسعة التي احتلوها, فلم يحدث بينهم وبين جلال الدين قتال إلا في أواخر سنة 622 هجرية.. واستثمر جلال الدين هذه الفترة في بسط سيطرته على المناطق المحيطة ببغداد، ثم شمال العراق ثم منطقة شمال فارس، وبدأ يدخل في أذربيجان وما حولها من أقاليم إسلامية.
وكانت حروبه هو والخوارزمية الذين معه حروبًا شرسة مفسدة، مع أن البلاد المغنومة كلها بلاد إسلامية..! فكان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب.. وكأنه تعلم من حروبه مع التتار كيف يقسو قلبه بدلاً من أن يتعلم كيف يرحم الذين عُذبوا منذ شهور وسنوات على أيدي التتار..
ثم بسط جلال الدين سيطرته على مملكة الكرج النصرانية بعد أن أوقع بهم هزيمة فادحة، واصطلح مع أخيه غياث الدين صلحاً مؤقتاً، وأدخله في جيشه، ولكن كان كل واحد منهما على حذر من الآخر..
وبذلك بلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها مليئة بالقلاقل والاضطرابات، بالإضافة إلى العداءات التي أورثها جلال الدين قلوب كل الأمراء في الأقاليم المحيطة بسلطانه بما فيهم الخليفة العباسي الناصر لدين الله.. وسياسة العداوات والمكائد والاضطرابات هي السياسة التي ورثها جلال الدين عن أبيه محمد بن خوارزم وتحدثنا عنها من قبل.. ولم تأت إلا بالويلات على الأمة.. وليت المسلمون يفقهون..

وفي آخر سنة 622 هجرية توفى الخليفة الظالم الفاسد الناصر لدين الله، بعد أن حكم البلاد سبعة وأربعين عاماً متتالية، وكان قبيح السيرة في رعيته، فقد خرب العراق، وظلم أهله، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وطفف لهم في المكاييل، وفرض عليهم الرسوم الجائرة، والأحكام الظالمة.. وفوق كل ذلك ارتكب الذنب العظيم الذي تصغر بجواره كل ذنوبه وهو مراسلة التتار، ومحاولة التعاون معهم ضد المسلمين..
أحداث سنتي 623 و624 هجرية:
تولى الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله الخلافة العباسية، وكان على النقيض من أبيه تماماً؛ فقد كان رجلاً صالحاً تقياً أظهر من العدل والإحسان ما لم يُسبق إلا عند القليل، لدرجة أن ابن الأثير قال: "إنه لو قيل: إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً"، فرفع الضرائب الباهظة، وأعاد للناس حقوقهم، وأخرج المظلومين من السجون، وتصدق على الفقراء، حتى قيل في حقه: إنه كان غريباً في هذا الزمان الفاسد..
ولقد قال فيه ابن الأثير- وكان معاصراً له- كلمة عجيبة، لقد قال: "إني أخاف أن تقصر مدة خلافته؛ لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته!!".. إلى هذا الحد كان المجتمع فاسدًا؟؟!
وسبحان الله.. لقد صدق حدس ابن الأثير، وتوفي الخليفة الظاهر بأمر الله سريعاً! ولم يحكم المسلمين إلا تسعة شهور وبضعة أيام فقط، ومع ذلك فكما يذكر الرواة: رخصت الأسعار جداً في فترة حكمه, وتحسن الاقتصاد في العراق.. وهي إشارات لا تخفى على عاقل.. والحمد لله الذي وضع في الأرض سنناً لا تتبدل ولا تتغير... فهل من مدّكر؟!!
وتولى الحكم بعد الظاهر بأمر الله المستنصر بالله, والذي ظل في كرسي الحكم حتى (سنة 640 هـ) أي حوالي: سبعة عشر عامًا
وفي هذه الأثناء كان جلال الدين يستمر في حروبه في هذه المنطقة ليس مع التتار, ولكن مع المسلمين!! واستولى على بعض المدن والأقاليم، وكان من أبشع ما فعل هو حصاره لأهل "خلاط" أو "أخلاط" وهي مدينة مسلمة (في شرق تركيا الآن)؛ فقد قتل منهم خلقاً كثيراً، وامتدت أيدي الجنود الخوارزميين إلى كل شيء في البلد بالسلب والنهب حتى سبوا الحريم المسلمات!!!..
والحق أني لا أجد تفسيراً منطقياً لهذا التردي في الأخلاق، والتردي في الفهم، والتردي في السياسة، والتردي في الحكمة... ولولا أن هذا مسجل في أكثر من مرجع ما قبله عقل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!..
ثم حدث أمر هام جداً ومحوريٌّ في سنة 624 هجرية وهو وفاة القائد التتري المجرم السفاح جنكيزخان، عن عمر يناهز اثنتين وسبعين سنة ملأها بالقتل والذبح وسفك الدماء والسلب والنهب، وبنى خلال فترة حكمه مملكة واسعة من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب.. بُنيت هذه المملكة على جماجم البشر، وعلى أشلائهم ودمائهم.. (ومعظمهم من المسلمين!) ولكن اللوم كل اللوم على من وصل إلى حالة من الضعف مكنت مثل هذا الفاسد من أن يفعل في بلاد المسلمين ما يشاء..
وبموت جنكيزخان هدأت الأمور نسبياً في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريباً، بينما كان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين.. وكأن كل طرف قد رضي بما يملك، وآثر الاحتفاظ بما يعتقد أنه حق له..


الفترة من 624 إلى 627 هجرية

هذه هي فترة الهدوء النسبي الذي أعقب وفاة جنكيزخان..
أين كان المسلمون في هذه الفترة؟!
لقد كانوا على عهدهم من الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.. لم يستغل المسلمون مصيبة التتار في زعيمهم الكبير جنكيزخان ليجمعوا صفهم ويحرروا بلادهم، بل شغلوا أنفسهم بحرب بعضهم لبعض، وبظلم بعضهم لبعض...
فقد تجددت الخلافات بين جلال الدين وأخيه غياث الدين وتفاقمت، حتى تعاون غياث الدين مع أعداء جلال الدين في حروبه..
ليس هذا فقط, بل كانت المنطقة بأسرها تموج بالاضطرابات والفتن، ليس في منطقة العراق وفارس فقط، بل في كل ديار المسلمين؛ فالحروب بين أمراء المسلمين في الشام ومصر كانت مستمرة، ولم تتحد كلمتهم أبداً، مع أن معظمهم من نفس العائلة الأيوبية، بل وأحياناً من الإخوة الأشقاء، ونتج عن ذلك أمر مريع في سنة 626 هجرية, وهو تسليم بيت المقدس (الذي حرره صلاح الدين الأيوبي قبل ذلك) إلى الصليبيين صلحاً!!!.. أي أن المسلمين في الشام اتفقوا على إعطاء بيت المقدس للصليبيين في مقابل أن يترك الصليبيون بعض الإمارات في الشام للمسلمين!!..
ونعوذ بالله من الضعف بعد القوة، ومن الذلة بعد العزة، ومن الخذلان بعد النصر..
ثم إن جلال الدين استمر في حروبه البشعة في المنطقة، وكان مما فعل أن حاصر مدينة "خلاط" مرة ثانية بعد أن تمردت عليه، وأطال عليها الحصار حتى اضطر أهل البلد إلى أكل لحوم الخيل والحمير، ثم أكلوا الكلاب والقطط.. بل والفئران!!.. ثم سقطت المدينة في يد جلال الدين، فخربها وأكثر فيها القتل وسبي الحريم، واسترق الأولاد ثم باع الجميع!!.. وكما يقول ابن الأثير: "إن هذا ما لم يسمع بمثله، لا جرم أن الله عز وجل لن يمهله!!"..
وعند رؤية مثل هذه الأحداث في كل بلاد المسلمين، ندرك لماذا فعل التتار ذلك بهذه البلاد مع ضخامتها وأعدادها وثرواتها.. ولا جرم أن هذه سنة مطردة في الكون.. فإنه من كانت هذه حاله فلابد أن يُسلط عليه طواغيت الأرض؛ فالله عز وجل لا ينصر إلا من ينصره..
[إن ينصركم الله فلا غالب لكم, وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده]
<
دخلت سنة 617 هجرية

وإنا لله، وإنا إليه راجعون!..
كانت هذه السنة من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى هذه اللحظة.. لقد علا فيها نجم التتار.. واجتاحوا البلاد الإسلامية اجتياحًا لم يُسبَق، وأحدثوا فيها من المجازر والفظائع والمنكرات ما لم يُسمع به، وما لا يُتخيل أصلاً..

وأرى أنه من المناسب أن نقدم لهذه الأحداث بكلام المؤرخ الإسلامي العلامة "ابن الأثير الجزري" رحمه الله في كتابه القيم (الكامل في التاريخ) وكلامه في غاية الأهمية.. ويعتبر به جداً في هذا المجال أكثر من كلام غيره؛ لأنه كان معاصراً لكل هذه الأحداث، وليس من رأى كمن سمع..
اسمعوا ماذا يقول ابن الأثير رحمه الله وهو يقدم لشرحه لقصة التتار في بلاد المسلمين:
"لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدِّم إليه رجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فياليت أمي لم تلدني، وياليتني متُّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا، إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها.. عمّت الخلائق، وخصّت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقاً؛ فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.. ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله "بختنصر" ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس؟!! وما بنو إسرائيل إلى من قتلوا؟! فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال، فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح"..
كانت هذه مقدمة كتبها ابن الأثير رحمه الله لكلام طويل يفيض ألمًا وحزنًا وهمًا وغمًا..
لقد كانت كارثة على العالم الإسلامي.. كارثة بكل المقاييس.. كارثة بمقاييس الماضي والحاضر.. وكارثة أيضًا بمقاييس المستقبل.. فإن هذه المصيبة فعلاً تتضاءل إلى جوارها كثير من مصائب المسلمين في كل العصور..
ماذا حدث في سنة 617هجرية؟
اجتياح "سمرقند..":
فبعد أن دمر التتار مدينة بخارى العظيمة، وأهلكوا أهلها، وحرّقوا ديارها ومساجدها ومدارسها، انتقلوا إلى المدينة المجاورة "سمرقند" (وهي أيضاً في دولة أوزبكستان الحالية)، واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسارى المسلمين من مدينة بخارى، وكما يقول ابن الأثير: "فساروا بهم على أقبح صورة، فكل من أعيا وعجز عن المشي قتل"..
أما لماذا كانوا يصطحبون الأسارى معهم؟ فلأسباب كثيرة:
أولاً: كانوا يعطون كل عشرة من الأسارى علمًا من أعلام التتار يرفعونه، فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أنهم من التتار، وبذلك تكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل رهيب، فلا يتخيلون أنهم يحاربونهم، وتبدأ الهزيمة النفسية تدب في قلوب من يواجهونهم..
ثانياً: كانوا يجبرون الأسارى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم.. ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه..
ثالثاً: كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين، فيضعونهم في أول الصفوف كالدروع لهم، ويختبئون خلفهم، ويطلقون من خلفهم السهام والرماح، وهم يحتمون بهم..
رابعاً: كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم، وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا التتار..
خامساً: كانوا يبادلون بهم الأسارى في حال أسر رجال من التتار في القتال.. وهذا قليل لقلة الهزائم في جيش التتار..

كيف كان الوضع في "سمرقند"؟
كانت "سمرقند" من حواضر الإسلام العظيمة، ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت، ولها قلاع حصينة، وأسوار عالية.. ولقيمتها الاستراتيجية والاقتصادية فقد ترك فيها "محمد بن خوارزم شاه" زعيم الدولة الخوارزمية خمسين ألف جندي خوارزمي لحمايتها.. هذا فوق أهلها، وكانوا أعدادًا ضخمة تقدّر بمئات الآلاف.. أما "محمد بن خوارزم شاه" نفسه فقد استقر في عاصمة بلاده مدينة "أورجندة"
وصل جنكيزخان إلى مدينة "سمرقند" وحاصرها من كل الاتجاهات.. وكان من المفروض أن يخرج له الجيش الخوارزمي النظامي، ولكن لشدة الأسف.. لقد دب الرعب في قلوبهم، وتعلقوا بالحياة تعلقاً مخزياً، فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة!!..
فاجتمع أهل البلد وتباحثوا في أمرهم بعد أن فشلوا في إقناع الجيش المتخاذل أن يخرج للدفاع عنهم.. وقرر البعض من الذين في قلوبهم حمية من عامة الناس أن يخرجوا لحرب التتار.. وبالفعل خرج سبعون ألفاً من شجعان البلد، ومن أهل الجَلد، ومن أهل العلم.. خرجوا جميعاً على أرجلهم دون خيول ولا دواب.. ولم يكن لهم من الدراية العسكرية حظ يمكنهم من القتال.. ولكنهم فعلوا ما كان يجب أن يفعله الجيش المتهاون الذي لم تستيقظ نخوته بعد..
وعندما رأى التتار أهل "سمرقند" يخرجون لهم قرروا القيام بخدعة خطيرة، وهي الانسحاب المتدرج من حول أسوار المدينة، في محاولة لسحب المجاهدين المسلمين بعيداً عن مدينتهم.. وهكذا بدأ التتار يتراجعون بعيداً عن "سمرقند" وقد نصبوا الكمائن خلفهم.. ونجحت خطة التتار, وبدأ المسلمون المفتقدون لحكمة القتال يطمعون فيهم ويتقدمون خلفهم.. حتى إذا ابتعد رجال المسلمين عن المدينة بصورة كبيرة أحاط جيش التتار بالمسلمين تماماً.. وبدأت عملية تصفية بشعة لأفضل رجال "سمرقند"..
كم من المسلمين قتل في هذا اللقاء غير المتكافئ؟!
لقد قتلوا جميعاً!!..
لقد استشهدوا عن آخرهم!!..
فقد المسلمون في "سمرقند" سبعين ألفاً من رجالهم دفعة واحدة.. (أتذكرون كيف كانت مأساة المسلمين يوم فقدوا سبعين رجلاً فقط في موقعة أحد؟!). والحق أن هذه لم تكن مفاجأة، بل كان أمرًا متوقعًا؛ لقد دفع المسلمون ثمن عدم استعدادهم للقتال، وعدم اهتمامهم بالتربية العسكرية لأبنائهم، وعدم الاكتراث بالقوى الهائلة التي تحيط بدولتهم..
وعاد التتار من جديد لحصار "سمرقند"..
وأخذ الجيش الخوارزمي النظامي قراراً مهيناً!!..
لقد قرروا أن يطلبوا الأمان من التتار على أن يفتحوا أبواب البلدة لهم.. وذلك مع أنهم يعلمون أن التتار لا يحترمون العهود، ولا يرتبطون باتفاقيات، وما أحداث بخارى منهم ببعيد، ولكن تمسكهم بالحياة إلى آخر درجة جعلهم يتعلقون بأهداب أمل مستحيل.. وقال لهم عامة الناس: إن تاريخ التتار معهم واضح.. ولكنهم أصروا على التسليم.. فهم لا يتخيلون مواجهة مع التتار، وبالطبع وافق التتار على إعطاء الأمان الوهمي للمدينة، وفتح الجيش أبواب المدينة بالفعل، ولم يقدر عليهم عامة الناس، فقد كان الجيش الخوارزمي كالأسد على شعبه، وكالنعامة أمام جيوش الأعداء!!..
وفتح الجنود الأبواب للتتار وخرجوا لهم مستسلمين، فقال لهم التتار: ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم، ونحن نسيّركم إلى مأمنكم.. ففعلوا ذلك في خنوع، ولما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم فعلوا ما كان متوقعاً منهم.. لقد وضعوا السيف في الجنود الخوارزمية فقتلوهم عن آخرهم!!.. ودفع الجند جزاء ذلتهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ثم دخل التتار مدينة "سمرقند" العريقة، ففعلوا بها مثلما فعلوا سابقاً في "بخارى".. فقتلوا أعداداً لا تحصى من الرجال والنساء والأطفال، ونهبوا كل ثروات البلد، وانتهكوا حرمات النساء، وعذبوا الناس بأنواع العذاب البشعة بحثاً عن أموالهم، وسبوا أعداداً هائلة من النساء والأطفال، ومن لم يصلح للسبي لكبر سنه، أو لضعف جسده قتلوه، وأحرقوا الجامع الكبير، وتركوا المدينة خراباً!!..
وليت شعري!!..
كيف سمع المسلمون في أطراف الأرض آنذاك بهذه المجازر ولم يتحركوا؟!
كيف وصل إليهم انتهاك كل حرمة للمسلمين، ولم يتجمعوا لقتال التتار؟!
كيف علموا بضياع الدين، وضياع النفس، وضياع العرض، وضياع المال، ثم ما زالوا متفرقين؟!.. لقد كان كل حاكم من حكام المسلمين يحكم قطراً صغيراً، ويرفع عليه علماً، ويعتقد أنه في أمان ما دامت الحروب لا تدور في قطره المحدود..!! لقد كانوا يخدعون أنفسهم بالأمان الوهمي حتى لو كانت الحرب على بعد أميال منهم!.. ولا تندهش مما تقرأ الآن.. وخبرني بالله عليك: كم جيشًا مسلمًا تحرك لنجدة المسلمين في الفلوجة أو في فلسطين؟؟!
لم يفكر حاكم من حكام المسلمين آنذاك أن الدائرة حتماً ستدور عليه.. وأن ما حدث في بخارى وسمرقند ما هو إلا مقدمة لأحداث دامية أليمة سيعاني منها كل المسلمين، ولن ينجو منها قريب ولا بعيد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..


نهاية ذليلة!!

واستقر جنكيزخان - لعنه الله – بسمرقند؛ فقد أعجبته المدينة العملاقة التي لم ير مثلها قبل ذلك، وأول ما فكر فيه هو قتل رأس هذه الدولة ليسهل عليه بعد ذلك احتلالها دون خوف من تجميع الجيوش ضده؛ فأرسل عشرين ألفاً من فرسانه يطلبون "محمد بن خوارزم شاه" زعيم البلاد.. وإرسال عشرين ألف جندي فقط فيه إشارة كبيرة إلى استهزاء جنكيزخان بمحمد بن خوارزم وبأمته؛ فهذا الرقم الهزيل لا يقارن بالملايين المسلمة التي سيتحرك هذا الجيش التتري في أعماقها.. ولنشاهد ماذا فعلت هذه الكتيبة التترية الصغيرة.. قال لهم جنكيزخان: "اطلبوا خوارزم شاه أين كان، ولو تعلق بالسماء..!!"
فانطلق الفرسان التتار إلى مدينة "أورجندة" حيث يستقر "محمد بن خوارزم شاه"، وهي مدينة تقع على الشاطئ الغربي من نهر جيحون (نهر أموداريا)، وجاء الجنود التتار من الجانب الشرقي للنهر، وهكذا فصل النهر بين الفريقين، وتماسك المسلمون، ولكن هذا التماسك لم يكن إلا لعلمهم أن النهر يفصل بينهم وبين التتار، وليس مع التتار سفن!!..
فماذا فعل التتار؟!
لقد أخذوا في إعداد أحواض خشبية كبيرة ثم ألبسوها جلود البقر حتى لا يدخل فيها الماء، ثم وضعوا في هذه الأحواض سلاحهم وعتادهم ومتعلقاتهم، ثم أنزلوا الخيول في الماء، والخيول تجيد السباحة، ثم أمسكوا بأذناب الخيول، وأخذت الخيول تسبح والجنود خلفها.. يسحبون خلفهم الأحواض الخشبية بما فيها من سلاح وغيره..
وبهذه الطريقة عبر جيش التتار نهر جيحون، ولا أدري أين كانت عيون الجيش الخوارزمي المصاحب لمحمد بن خوارزم شاه!.. وفوجئ المسلمون بجيش التتار إلى جوارهم، ومع أن أعداد المسلمين كانت كبيرة إلا أنهم كانوا قد مُلئوا من التتار رعباً وخوفاً، وما كانوا يتماسكون إلا لاعتقادهم أن النهر الكبير يفصل بينهم وبين وحوش التتار.. أما الآن وقد أصبح التتار على مقربة منهم فلم يصبح أمامهم إلا طريق واحد.. أتراه طريق القتال؟!
لا.. بل طريق الفرار!!..
وكما يقول ابن الأثير رحمه الله: "ورحل خوارزم شاه لا يلوي على شيء في نفر من خاصته" واتجه إلى نيسابور (في إيران حالياً)، أما الجند فقد تفرق كل منهم في جهة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وأما التتار فكانت لهم مهمة محددة وهي البحث عن "محمد بن خوارزم شاه"، ولذلك فقد تركوا أورجنده، وانطلقوا في اتجاه نيسابور مخترقين الأراضي الإسلامية في عمقها.. وهم لا يزيدون عن عشرين ألفاً!! وجنكيزخان ما زال مستقراً في "سمرقند"، وكان من الممكن أن تُحاصَر هذه المقدمة التترية في أي بقعة من بقاع البلاد الإسلامية التي يتجولون فيها.. لكن الرعب كان قد استولى على قلوب المسلمين؛ فكانوا يفرون منهم في كل مكان، وقد أخذوا طريق الفرار اقتداءً بزعيمهم الذي ظل يفر من بلد إلى آخر كما نرى..
ولم يكن التتار في هذه المطاردة الشرسة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل؛ لأن لهم هدفاً واضحاً، فهم لا يريدون أن يضيعوا وقتاً في القتل وجمع الغنائم، إنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم، ومن جانب آخر فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يثيروا حفيظتهم؛ فيصيبهم من أذاهم!..
وهكذا وصل التتار إلى مسافة قريبة من مدينة نيسابور العظيمة في فترة وجيزة، ولم يتمكن "محمد بن خوارزم شاه" من جمع الأنصار والجنود، فالوقت ضيق، والتتار في أثره، فلما علم بقربهم من نيسابور، ترك المدينة واتجه إلى مدينة "مازندران" (من مدن إيران)، فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا نيسابور بل اتجهوا خلفه مباشرة، فترك مازندران إلى مدينة "الري", ثم إلى مدينة "همذان" (وهما من المدن الإيرانية أيضًا)، والتتار في أثره، ثم عاد إلى مدينة "مازندران" في فرار مخزٍ فاضح.. ثم اتجه إلى إقليم "طبرستان" (الإيراني) على ساحل بحر الخزر (بحر قزوين) حيث وجد سفينة فركبها وسارت به إلى عمق البحر، وجاء التتار ووقفوا على ساحل البحر، ولم يجدوا ما يركبونه خلفه..
لقد نجحت خطة الزعيم الخوارزمي المسلم..!! نجحت خطة الفرار!!
وصل الزعيم محمد بن خوارزم في فراره إلى جزيرة في وسط بحر قزوين, وهناك رضي بالبقاء فيها في قلعة كانت هناك، في فقر شديد وحياة صعبة.. وهو الملك الذي ملك بلاداً شاسعة، وأموالاً لا تُعدّ.. ولكن رضي بذلك لكي يفر من الموت!..
وسبحان الله.. فإن الموت لا يفر منه أحد.. فما هي إلا أيام، حتى مات "محمد بن خوارزم شاه" في هذه الجزيرة في داخل القلعة وحيداً طريداً شريداً فقيرًا؛ حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنوه به، فكفنوه في فراش كان ينام عليه!!..
[أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة]..

أيهما أشرف يا إخواني؟؟.. أن يموت الزعيم المسلم ذليلاً في هذه الجزيرة في عمق البحر أم يموت رافع الرأس ثابت الجأش مطمئن القلب في ميدان الجهاد؟؟!..
أيهما أشرف.. أن يموت مقبلاً أم أن يموت مدبرًا؟؟!..
أيهما أشرف.. أن يموت هاربًا أم أن يموت شهيدًا؟؟!..
إن الإنسان لا يختار ميعاد موته، ولكنه يستطيع أن يختار طريقة موته.. الشجاعة لا تقصر الأعمار.. كما أن الفرار والهرب والجبن لا تطيلها أبداً.. والذي يعيش مجاهداً في سبيل الله يموت مجاهداً في سبيل الله، وإن مات على فراشه..
روى الإمام مسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
ونعود إلى ابن الأثير رحمه الله وهو يحكي لنا عن سيرة "محمد بن خوارزم شاه" الذاتية، لنجد فيها أموراً عجيبة.. فعندما تقرأ صفته تجد أنك أمام عظيم من عظماء المسلمين، فإذا راجعت حياة الرجل الأخيرة وخاتمته وفراره وهزيمته تبدى لك غير ذلك.. فما السر في حياة هذا الرجل؟!
يقول ابن الأثير رحمه الله في ذكر سيرته:
"وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وشهوراً تقريباً، واتسع ملكه وعظم محله وأطاعه العالم بأسره، وملك من حد العراق إلى تركستان، وملك بلاد غزنة (في أفغانستان) وبعض الهند، وملك سجستان وكرمان (باكستان) وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس (وكلها مناطق في إيران).."
إذن من هذه الفقرة يتضح أنه كان عظيماً في مُلكه.. استقر له الوضع في بلاد واسعة لفترة طويلة.. ومن هنا يظهر حسن إدارته لبلاده، حتى إن ابن الأثير يقول في فقرة أخرى: " وكان صبوراً على التعب وإدمان السَير، غير متنعم ولا مقبل على اللذات، إنما همه في الملك وتدبيره، وحفظه وحفظ رعاياه"..
وعندما تحدث عن حياته الشخصية العلمية قال: "وكان فاضلاً عالماً، وكان مُكرماً للعلماء محباً لهم محسناً إليهم، يكثر مجالستهم ومناظرتهم بين يديه، وكان معظماً لأهل الدين، مقبلاً عليهم، متبركاً بهم"..
هذا الوصف لمحمد بن خوارزم شاه يمثل لغزاً كبيراً للقارئ.. فكيف يكون على هذه الصفة النبيلة، ثم تحدث له هذه الهزائم المنكرة؟! وكيف لا يجد جيشاً من كل أطراف مملكته الواسعة يصبر على حرب التتار.. حتى ينتهي هذه النهاية المؤسفة؟!..
وكنت في حيرة من أمري وأنا أحلل موقفه.. لولا أني وجدت نصاً في مكان آخر في ابن الأثير أيضاً يفسر كثيراً من الألغاز في حياة هذا الرجل.. وفي تفسير هذه الحقبة من حياة الأمة الإسلامية..
يقول ابن الأثير رحمه الله:
"وكان "محمد بن خوارزم شاه" قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها، وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها"..
في هذا النص تفسير واضح جلي لمدى المأساة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت.. لقد كان "محمد بن خوارزم شاه" جيداً في ذاته وفي إدارته، لكنه قطع كل العلاقات بينه وبين من حوله من الأقطار الإسلامية.. لم يتعاون معها أبداً، بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى.. وكان يقتل ملوك هذه الأقطار ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلف أحقاداً كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء.. انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يفتح البلاد، كان يولي زعماء هذه البلاد عليها ويحفظ لهم مكانتهم ويبقى لهم ملكهم فيضمن بذلك ولاءهم وحب الناس له.. فأبقى على حكم البحرين ملكها المندر بن ساوى، وأبقى على حكم عمان ملكَيْها: جيفر وعباد.. بل وأبقى على اليمن واليها باذان بن سامان الفارسي عندما أسلم، وهكذا...
هذه سياسة وحكمة في آنٍ معًا.. هذا مزج جميل بين الحزم وبين الحب.. هذا أسلوب راقٍ في الإدارة..
أما هنا في قصتنا.. فقد افتقد الزعيم محمد بن خوارزم هذا الجمع الحكيم بين الحب والحزم.. وأصبح حاكماً بقوّته لا بحب الناس له، فلما احتاج إلى الناس لم يجدهم، ولما احتاج إلى الأعوان افتقر إليهم.. فلم تكن الصراعات بين الخلافة العباسية والدولة الخوارزمية فقط، بل قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية وخارجية، ومكائد كثيرة، ومؤامرات عديدة.. فلم تتوحد القلوب في هذه البلاد، ومن ثم لم تتوحد الصفوف ولم يحدث النصر.. وما كان للنصر أن يتحقق والأمة على هذا النحو..
[إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص]
كان هذا هو سر اللغز في حياة قائد عالم فقيه اتسع ملكه وكثرت جيوشه.. ثم مات طريداً شريداً وحيداً في جزيرة نائية في عمق البحر..
وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما رواه النسائي وأحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: " عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية" أي يأكل الغنم القاصية..
ماذا فعل التتار بعد أن هرب منهم "محمد بن خوارزم شاه"؟
ماذا فعلت الفرقة التي تبلغ عشرين ألف فارس فقط.. وقد توغلت في أعماق الدولة الإسلامية؟


اجتياح فارس

كانت المسافة بين الفرقة التترية الصغيرة وبين القوة الرئيسية لجنكيزخان في "سمرقند" تزيد على ستمائة وخمسين كيلومترًا.. هذا في الطرق السوية والمستقيمة، فإذا أخذت في الاعتبار الطبيعة الجبلية لهذه المنطقة، وإذا أخذت في الاعتبار أيضاً الأنهار التي تفصل بين "سمرقند" ومنطقة بحر قزوين والتي كانت تعتبر من العوائق الطبيعية الصعبة، بالإضافة إلى أن التتار ليسوا من سكان هذه المناطق ولا يعرفون مسالكها ودروبها وطرقها الفرعية، كل ذلك إلى جانب العداء الشديد الذي يكنه أهل هذه المناطق المنكوبة للتتار.. إذا أخذت كل ما سبق في الاعتبار فإنك تعلم أن جيش التتار أصبح مقطوعاً عن مدده في "سمرقند" بصورة كبيرة.. وأصبح في موقف حرج لا يحسد عليه بالمرة.. وهو ليس بالكبير العدد.. إنما هو عشرون ألفاً فقط.. فإذا أضفت إلى كل الاعتبارات السابقة الكثافة السكانية الإسلامية الهائلة في تلك المناطق أدركت أن فرقة التتار ستهلك لا محالة؛ فلو خرج عليها أهل البلاد - وقد تجاوزوا الملايين بلا مبالغة - فإن التتار لا يقدرون عليهم بأي حال من الأحوال..
كان هذا هو تحليل الورقة والقلم..
فماذا حدث على أرض الواقع؟!
لقد شاهدنا أمراً عجيباً مخزياً مشيناً!!..
لقد دبت الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين.. وتعلقوا بدنياهم الذليلة تعلقاً لا يُفهم.. ورضوا أن يبقوا في قراهم ومدنهم ينتظرون الموت على أيدي الفرقة التترية الصغيرة..
روى أبو داود عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل.. ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن", فقال قائل: يارسول الله, وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".
لقد سيطر حب الدنيا على القلوب، وكره المسلمون الموت في سبيل الله؛ فأصبحوا كالغثاء الذي يحمله السيل.. إذا توجه السيل شرقاً شرَّقوا معه، وإذا توجه السيل غرباً غرَّبوا معه، لا رأي ولا هدف ولا طموح، ونزع الله عز وجل مهابة المسلمين من قلوب التتار؛ فما عادوا يكترثون بالأعداد الغفيرة، وألقى في قلوب المسلمين الوهن والضعف والخور حتى كانت أقدام المائة من المسلمين لا تقوى على حملهم إذا واجهوا تترياً واحداً!!.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ماذا فعلت الفرقة التترية الخاصة؟
لقد عادوا من شاطئ بحر (قزوين) إلى بلاد "مازندران" (في إيران) فملكوها في أسرع وقت، مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها، وكانت من أشد بلاد المسلمين قوة.. حتى إن المسلمين لما ملكوا بلاد الأكاسرة جميعها من العراق إلى أقاصي خراسان أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يستطيعوا أن يدخلوا مازندران، ولم تُدخل إلا في زمان سليمان بن عبد الملك -رحمه الله - الخليفة الأموي المعروف.. ولكن التتار دخلوها بسرعة عجيبة، لا لقوتهم ولكن لضعف نفسيات أهلها في ذلك الوقت، ولما دخلوها فعلوا بها ما فعلوه في غيرها، فقتلوا وعذبوا وسبوا ونهبوا وأحرقوا البلاد..
ثم اتجهوا من مازندران إلى الري (مدينة إيرانية كبيرة)، وسبحان الله!! وكأن الله عز وجل قد أراد أن يتم الذلة لمحمد بن خوارزم شاه حتى بعد وفاته؛ فإن التتار وهم في طريقهم من مازندران إلى الري وجدوا في طريقهم والدته ونساءه ومعهم الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يسمع بمثلها، فأخذوا كل ذلك سبياً وغنيمة، وأرسلوه من فورهم إلى جنكيزخان المتمركز في "سمرقند" آنذاك..
ثم وصل التتار إلى الري فملكوها ونهبوها وسبوا الحريم واسترَقوا الأطفال، وفعلوا الأفعال التي لم يُسمع بمثلها، ثم فعلوا مثل ذلك في المدن والقرى المحيطة حتى دخلوا مدينة قزوين (من المدن الإيرانية أيضًا) واقتتلوا مع أهلها في داخل البلد، وقتلوا من أهل قزوين المسلمين ما يزيد عن أربعين ألفًا!!.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!..


تقييم الموقف في سنة 620 هجرية

بينما كان جنكيزخان يبسط سطوته على الدولة الخوارزمية استمرت الحملات التترية على منطقة روسيا..
ولي تعليق على أربع حوادث وقعت في هذه السنة، وهي توضح الحال التي كان عليها المسلمون في هذه الفترة، وتفسر كذلك لماذا امتلك التتار هذه البلاد الشاسعة بهذه السرعة الرهيبة, وتضع أيدينا على بعض الأمراض التي تسببت في تلك الكوارث الشنيعة:
الحادثة الأولى:
أن التتار توغلوا في بلاد روسيا وحققوا انتصارات عدة، ولكنهم في نهاية المطاف التقوا بطائفة من الروس تدعي طائفة البلغار (وهي في روسيا وليست في بلغاريا), وحدثت بينهم موقعة عظيمة هُزم فيها التتار للمرة الأولى في هذه المناطق، وقتل منهم خلق كثير، وتوقف الزحف التتري في أرض روسيا، بل وقلت أعدادهم للدرجة التي فقدوا فيها السيطرة على كل المناطق الواقعة في غرب بحر قزوين (روسيا وجورجيا وأرمينيا والشيشان وداغستان وأذربيجان وشمال إيران).. وكانت هذه فرصة للمسلمين لكي يعيدوا ترتيب صفوفهم، وتجهيز عدتهم ليقابلوا التتار وهم في حال الاضطراب بعد الهزيمة من البلغار..
كان هذا متوقعاً، ولكنه لم يحدث!!..
أما الذي حدث فهو أن أحد أمراء المسلمين في هذه المنطقة - وتحديداً في منطقة أرمينيا - قد جمع عدته وهجم على قبائل الكرج في جورجيا.. وهذا الأمير كان تحت قيادة الملك الأشرف موسى بن العادل، صاحب ديار الجزيرة (وهو من الأكراد وكان يحكم شمال العراق)..
والحدث عجيب؛ لأنه وإن كان بين الكرج والمسلمين حروب مستمرة إلا أنهم في شبه هدنة غير رسمية الآن، وليس من الحكمة فتح جبهات جديدة على المسلمين في وجود العدو الأكبر لهم وهو التتار، وبالذات أن الكرج أيضاً كانوا يكرهون التتار، ويعانون منهم كما يعاني المسلمون.. فكان المتوقع من المسلمين في ذلك الوقت إما أن يتحالفوا بحذر مع الكرج ضد التتار، أو على الأقل أن يحيّدوا صفهم في هذا الوقت لكي لا يستنزفوا قوة المسلمين في حروب جانبية، خاصة وأن الكرج يعرفون خبايا هذه المناطق، ولو استمالهم التتار في حربهم ضد المسلمين لكان هذا وبالاً على المسلمين..
لقد ابْتُلي المسلمون في هذه الآونة بما يمكن أن نسميه: (الحَوَل السياسي!!), وافتقدوا الرؤية الصحيحة، والحكمة العسكرية، والهدف الواحد، والاتحاد بين الصفوف، فكانت مثل هذه الأعمال غير المتوازنة وغير المنضبطة وغير المدروسة!!
دارت الحرب بين المسلمين والكرج، وفقد كل منهما عددا كبيراً من القتلى، كما فقدوا الثقة في إمكانية التحالف ضد التتار.. وهكذا لم يستغل المسلمون موازين القوى في هذا الوقت لصالحهم، وكان هذا من أسباب ضعفهم.. ثم سكنت الحرب, وأقيم الصلح من جديد، ولكن بعد فقد طاقة كبيرة جداً من الطرفين..
الحادثة الثانية:
نتيجة انهزام التتار في هذه المنطقة ظهر أحد أولاد "محمد بن خوارزم" في منطقة شمال إيران، وهو "غياث الدين بن محمد بن خوارزم شاه" وهو أخو "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه" الهارب في الهند..
جمع غياث الدين الرجال، واستغل الفراغ النسبي الذي تركه التتار في هذه المنطقة فتملكها، وسيطر على مدن الري وأصبهان، ووصلت سيطرته إلى إقليم كرمان (في جنوب إيران)، وهي منطقة لم يكن التتار قد وصلوا إليها..
إذن أصبحت سيطرة غياث الدين بن خوارزم شاه على مناطق شمال وغرب وجنوب إيران، أما المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من إيران (وهي إقليم خراسان بكامله) فكانت تحت السيطرة التترية.. وبذلك يصبح "غياث الدين" بمثابة حائط صدٍّ بين التتار والخلافة العباسية..
وكان المتوقع من الناصر لدين الله الخليفة العباسي في ذلك الوقت أن يساعد غياث الدين في تثبيت سيطرته على هذه المناطق، وكان المتوقع منه أن يتناسى الخلافات القديمة بينه وبين مملكة خوارزم.. وذلك لأنهم الآن يواجهون عدواً مشتركاً ضخماً وهو التتار..
كان ذلك المتوقع منه.. إن لم يكن بسبب دوافع الدين والأخوة والنصرة للمسلمين، فليكن بسبب الأبعاد الاستراتيجية الهامة وراء تثبيت قدم غياث الدين في هذه المنطقة.. ذلك لأن غياث الدين هو الذي يقف مباشرة في مواجهة التتار.. ويُعتبر البوابة الشرقية للخلافة العباسية في بغداد.. وإن استطاع التتار أن يقهروا غياث الدين فستكون المحطة الثانية هي الخلافة العباسية..
لكن الخليفة العباسي الناصر لدين الله لم يكن يدرك كل هذه الأبعاد.. لقد كان يعاني هو الآخر من الحول السياسي.. لقد كان - كما وصفه المؤرخون - رجلاً ظالماً مستبداً، فرض المكوس والضرائب على كل شعبه؛ في كل أزمة اقتصادية يفرض ضريبة جديدة, ويعتمد في الخروج من الأزمة على قوت الشعب وكدِّه وكدحه..
كما اهتم بالحفلات والملذات والصيد واللعب.. وعم الفساد في زمانه، وارتفعت الأسعار، وقلت المواد والمؤن.. وكان رجلاً يفتقر إلى النظرة العميقة والفهم الثاقب للأحداث، فلم يكن أبداً على مستوى الأحداث الضخمة التي حدثت في زمانه..
ماذا فعل الخليفة الناصر لدين الله؟.. إنه لم ينس خلافاته القديمة مع المملكة الخوارزمية.. فأراد أن يقوض أركان السلطان هناك؛ ناسيًا أنهم بينه وبين التتار.. وراسل خال غياث الدين وكان اسمه "إيغان طائسي"، وكان رجلاً كبيراً وصاحب رأي في الحرب يعمل أميراً في جيش غياث الدين، وكان غياث الدين لا يقطع أمراً دون مشورته.. فراسله الخليفة الناصر لدين الله، ورغّبه في الانقلاب على غياث الدين، وعظم له الاستيلاء على الملك، وبذلك يضمن الخليفة ولاء إيغان طائسي له، ويبعد غياث الدين عن المنطقة.. ولم يهمه تلك الفتنة التي ستدور في الأرض المجاورة له، والتي تعتبر العمق الاستراتيجي الهام له..
وأعجبت الفكرة إيغان طائسي، وكانت تدور في رأسه من قبل ولكن لم تكن له طاقة، فلما راسله الخليفة ووعده بالمساعدة قويت نفسه على ذلك، فذهب إلى بعض العسكر والقواد فاستمالهم له، ولما قويت شوكته وكثُر أتباعه، أعلن العصيان والانقلاب على غياث الدين، وأخذ من معه، ومضى في البلاد يفسد ويقطع الطريق، وينهب ما أمكنه من القرى وغيرها.. والناس لا تدري من أين تأتي الهلكة؟! أتأتي من جنود التتار أم تأتي من جنود المسلمين؟!.. وانضم إلى إيغان طائسي جمع كبير من أهل الفساد والعنف!..
كل هذا والتتار على بُعد خطوات، والخليفة الناصر لدين الله - في غباء شديد- سعيد بالفتنة الدائرة على مقربة منه!.. ثم قرر إيغان طائسي أن يقاتل ابن أخته غياث الدين في معركة فاصلة!!..
والتقى الفريقان المسلمان، ودارت مجزرة بين المسلمين، وسقطت الأعداد الغفيرة من المسلمين قتلى بسيوف المسلمين.. وانهزم إيغان طائسي خال غياث الدين, وقُتل من فريقه عدد ضخم، وأسر الباقون، وفر هو ومن بقى معه مقبوحين إلى أذربيجان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
روى مسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس (فَقَد الأمل) أن يعبده المصلون (وزاد في رواية مسلم: في جزيرة العرب) ولكن في التحريش بينهم"..
وإن كنا نعجب من هذه الصراعات الداخلية في ذلك الزمن الذي يشهد أزمة حقيقية تمر بها الأمة، فإننا نشاهد الآن نفس الصراعات والخلافات بين المسلمين، وذلك مع الأزمات الطاحنة التي تمر بها الأمة، ومع ذلك فالقليل من المسلمين الذي يهتم بهذه الصراعات أو حتى يلحظها.. وإلا فكم من المسلمين يتابع الخلافات بين مصر والسودان على حلايب؟ أو بين ليبيا وتشاد على شريط أوزو؟ أو بين المغرب والجزائر على الصحراء الغربية؟ أو بين السنغال وموريتانيا على نهر السنغال؟ أو بين السعودية واليمن على إقليم عسير؟.. أو بين الإمارات وإيران على جزيرة أبي موسى؟ أو بين سوريا وتركيا حول لواء الإسكندرونة؟... أو غير هذه الاختلافات هنا وهناك.. وبالطبع كلنا يعلم مدى خسارة الأمة في حرب العراق وإيران، ثم في حرب العراق والكويت.. كل هذه الخلافات والأمة منكوبة بأزمات طاحنة في معظم مناطقها تقريباً.. ويكفي أن تتصفح الجرائد اليومية عشوائياً في أي يوم لتسمع عن الكوارث في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والسودان والجزائر ونيجيريا والصومال وغيرها وغيرها.. وكما يقرأ الكثير منا هذه الأخبار بدم بارد، وبلا اكتراث أو ألم، فكذلك كان المسلمون أيام التتار يتلقون أخبار الصراعات الداخلية والخارجية بدم بارد، وبلا اكتراث أو ألم!!.. وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.. وهذه - والله - كارثة مروعة.. كارثة أن يعيش المسلم لنفسه فقط! كارثة ألا يهتم إلا بحياته وحياة أسرته القريبة فقط! كارثة ألا يتألم لحال مسلم سُفك دمه، أو هُدمت داره، أو جُرفت أرضه، أو اغتصبت زوجته.. كارثة بكل المقاييس.. بمقاييس الإسلام، وبمقاييس الأخوة، وحتى بمقاييس الإنسانية.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!..
الحادثة الثالثة:
هذه الحادثة ذكرها ابن الأثير في الكامل في التاريخ وقدم لها بعبارة: "حادثة غريبة لم يوجد مثلها!!"..
والحادثة فعلاً غريبة، ومأسوية إلى أبعد درجة..
والحادثة تذكر أن مملكة الكُرج النصرانية بعد أن أتمت صلحها مع المسلمين، وصل إلى قمة الحكم فيها امرأة.. فطلب منها الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة أن تتزوج رجلاً يدير عنها شئون البلاد، ويكون في الصورة أمام الأعداء وفي المفاوضات وغير ذلك.. فأرادت أن تتزوج من بيت مُلك وشرف.. ولكنها لم تر في مملكة الكرج من يصلح لهذا الزواج، وسمع بهذا أحد ملوك المسلمين وهو "مغيث الدين طغرل شاه بن قلج أرسلان" وهو من ملوك السلاجقة، وكان يحكم منطقة الأناضول (تركيا الآن)، وكان له ولد كبير، فأرسل إلى الملكة يطلبها للزواج من ابنه، فرفضت الملكة وقالت: لا يمكن أن يملك أمرنا مسلم..
فماذا فعل الملك مغيث الدين بن قلج أرسلان؟
لقد قال لهم: إن ابني يتنصر ويتزوجها!!..
فوافقوا على ذلك، وبالفعل تنصر الولد، وتزوج من ملكة الكرج، وانتقل إلى مملكتهم ليكون حاكماً عليهم، وبقي على نصرانيته، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!..
لقد وصل المسلمون في هذه الآونة إلى درجة من التردي يستحيل معها النصر، فكيف تأتي فكرة التنصر في ذهن الملك وابنه أصلاً، فضلاً عن تطبيقها، ولو كان سيحكم الأرض كلها بعد التنصر؟!! ثم أيأتي ذلك من ملك عظيم يملك الأناضول؟! لو أتى ذلك من ضعيف مستعبد لقلنا: لعله استُكره على ذلك، أما أن يأتي العرض من الملوك، وهم الذين يُطلبون، فهذا ما لا يتخيله عقل!!..
ولا أدري من الذي أطلق على الملك لقب "مغيث الدين"؟ ولا أدري أي إغاثة قدمها للدين؟ ولا أدري أيضاً أي دين يغيثه؟ أهو يغيث الدين الإسلامي أم يغيث النصرانية؟!
[فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور]
ولاستكمال الصورة يجدر بنا أن نذكر مصيره.. لنرى كيف يكون حال من باع دينه بدنياه..
لقد تنصر الأمير المسلم وتزوج الملكة الكرجية، ومرت الأيام، ثم علم الأمير الزوج أن زوجته الملكة تهوى مملوكاً لها، وكان يسمع عنها القبائح الشنيعة ولا يتكلم، فهو وحيد في مملكة واسعة، ثم إنه دخل عليها يوماً فرآها مع مملوكها في فراشه، فأنكر ذلك، وأراد أن يمنعها من استمرار العلاقة، فقالت له الملكة بكل جبروت: "إما أن ترضى بهذا وإلا فلا تبقى"..، فقال: أنا لا أرضى بهذا، فنقلته إلى بلد آخر، ووكلت به من يمنعه من الحركة، وحجرت عليه، ثم تزوجت غيره!!..
نعوذ بالله من الخذلان، ونسأل الله أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاه..
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا"..
الحادثة الرابعة:
حدث في هذا العام (620 هجرية) أمر قد يعتقد البعض أنه مصادفة، وأن توقيته غريب؛ فالمصائب كانت كثيرة على الأمة في هذه السنين، والحالة الاقتصادية متردية، وكذلك الحالة السياسية والعسكرية والأخلاقية.. وفوق كل المصائب التي ذكرناها فقد هجم الجراد بكميات هائلة على أكثر أقاليم المسلمين، وأهلك الكثير من الغلات والخضر بالعراق والجزيرة وديار بكر والشام وفارس وغيرها..
أكان هذا على سبيل المصادفة؟!
أبداً والله.. إنه لفي كتاب الله عز وجل!!..
"ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"..
هذه حقائق ثابتة في كتاب الله عز وجل..
إذا ترسخت التقوى في الأمة فتحت عليها البركات من السماء والأرض..
وإذا رفعت التقوى ـ كما رأينا من حال المسلمين في تلك الحقبة من الزمان ـ رأينا الأزمات والشدائد والمصائب..
بل إن الله عز وجل ذكر الجراد بالذات كوسيلة من وسائل إثبات قدرته على من لم يتبع نهجه وشرعه.. قال الله عز وجل عن قوم فرعون:
[فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات، فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين]
وسبحان الله.. كلنا رأى الجراد الذي هجم على العالم الإسلامي منذ عام أو يزيد.. وأنا أرى أن هذا ليس مصادفة، ولكنه لفت نظر للمسلمين.. وتذكير لهم بالتاريخ.. ودعوة لهم للعودة إلى الله عز وجل.. وإلا فرحلة الجراد القادم لن تكون رحلة عابرة.. بل ستكون إقامة واستيطانًا! ونعوذ بالله من غضبه.. ونسأله أن يبصرنا بسننه، وأن يرزقنا التقوى والإخلاص والعمل..


اجتياح أذربيجان

اتجه التتار إلى غرب بحر قزوين حيث إقليم أذربيجان المسلم..
مر التتار في طريقهم على مدينة تبريز (كانت مدينة أذربيجانية في ذلك الوقت بينما هي الآن من مدن شمال إيران)، فقرر زعيم أذربيجان "أوزبك بن البهلوان" - وكان يستقر في مدينة تبريز - أن يصالح التتار على الأموال والثياب والدواب، ولم يفكر مطلقاً في حربهم؛ لأنه كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أو نهاراً!! ورضي التتار منه بذلك، ولم يدخلوا تبريز لأن الشتاء القارس كان قد حل، وتبريز في منطقة باردة جداً، فاتجه التتار إلى الساحل الغربي لبحر قزوين، وبدءوا في اجتياح الناحية الشرقية لأذربيجان متجهين ناحية الشمال..
اجتياح أرمينيا وجورجيا..

هذان الإقليمان يقعان في غرب وشمال أذربيجان، وقد اتجهوا إليهما قبل الانتهاء من مدن أذربيجان؛ لأنهم سمعوا بتجمع قبائل "الكرج" لهم، وقبائل الكرج هي قبائل وثنية ونصرانية تقطن في منطقة جورجيا الروسية، وكان بينهم وبين المسلمين قتال دائم، وقد علموا أن الخطر يقترب منهم فتجمعوا في مدينة تفليس (في جورجيا الآن) وحدث هناك قتال طويل بينهم وبين التتار انتهى بانتصار التتار وامتلاك أرمينيا وجورجيا، وقُتل من الكرج ما لا يحصى في هذه الموقعة..
ماذا فعل جنكيزخان في سنة 617 هجرية بعد مطاردة "محمد بن خوارزم شاه"؟
بعد أن اطمأن جنكيزخان إلى هروب "محمد بن خوارزم شاه" زعيم البلاد في اتجاه الغرب، وانتقاله من مدينة إلى أخرى هرباً من الفرقة التترية المطاردة له، بدأ جنكيزخان يبسط سيطرته على المناطق المحيطة بسمرقند، وعلى الأقاليم الإسلامية الضخمة الواقعة في جنوب "سمرقند" وشمالها..
وجد جنكيزخان أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق: إقليم خوارزم وإقليم خراسان..
أما إقليم خراسان فإقليم شاسع به مدن عظيمة كثيرة مثل بلخ ومرو ونيسابور وهراة وغزنة وغيرها (وهو الآن في شرق إيران وشمال أفغانستان)..
وأما إقليم خوارزم فهو الإقليم الذي كان نواة للدولة الخوارزمية، واشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمهارة القتالية، وهو يقع إلى الشمال الغربي من "سمرقند"، ويمر به نهر جيحون (وهو الآن في دولتي أوزبكستان وتركمنستان).. ولكن جنكيزخان أراد القيام بحرب معنوية تؤثر في نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة، فقرر البدء بعمليات إبادة وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في الإقليمين الكبيرين خوارزم وخراسان، فأخرج جنكيزخان من جيشه ثلاث فرق:
فرقة لتدمير إقليم "فرغانة" (في أوزبكستان الآن) وهو على بعد حوالي خمسمائة كيلومتر إلى الشرق من "سمرقند"..
فرقة لتدمير مدينة "ترمذ" (في تركمنستان الآن) وهي مدينة الإمام "الترمذي" صاحب السنن رحمه الله، على بعد حوالي مائة كيلومتر جنوب "سمرقند"..
فرقة لتدمير قلعة "كلابة" وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر جيحون..
وقد قامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيزخان، فاستولت على كل هذه المناطق، وأعملت فيها القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب والحرق، مثلما اعتاد التتار أن يفعلوا في الأماكن الأخرى، ووصلت الرسالة التترية إلى كل الشعوب المحيطة: إن التتار لا يرتوون إلا بالدماء، ولا يسعدون إلا بالخراب والتدمير، وأنهم لا يُهزمون، فعمت الرهبة منهم أرجاء المعمورة، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ولما عادت هذه الجيوش من مهمتها القبيحة بدأ جنكيزخان يعد للمهمة الأقبح.. بدأ يعد لاجتياح إقليمي خراسان وخوارزم..


اجتياح خراسان

1ـ مدينة بلخ وما حولها (شمال أفغانستان الآن):
هذه المدينة تقع جنوب مدينة ترمذ التي دمرها التتار منذ أيام قلائل، ولا شك أن أخبار مدينة ترمذ قد وصلت إليهم.. وكان في قلوب أهل هذه البلدة رعب شديد من التتار، فلما وصلت جيوش التتار إليهم طلبوا منهم الأمان، وعلى غير عادة التتار فقد قبلوا أن يعطوهم الأمان، ولم يتعرضوا لهم بالسلب أو النهب، وقد تعجبتُ من فعل التتار مع أهل بلخ! وتعجبتُ لماذا لم يقتلوهم كما هي عادتهم؟! ولكن زال العجب عندما مرت الأيام ووجدت أن جنكيزخان قد عاد إلى بلخ وأمر أهلها أن يأتوا معه ليعاونوه في فتح مدينة مسلمة أخرى هي "مرو" كما سيأتي، والغريب أن أهلها جاءوا معه بالفعل لمحاربة أهل مرو!!.. والجميع من المسلمين.. ولكن الهزيمة النفسية الرهيبة التي كان يعاني منها أهل بلخ نتيجة الأعمال البشعة التي تمت في مدينة ترمذ المجاورة لهم جعلتهم ينصاعون لأوامر جنكيزخان، حتى وإن كانوا سيقتلون إخوانهم!!.. وبذلك يكون جنكيزخان قد وفّر قواته لمعارك أخرى، وضرب المسلمين بعضهم ببعض..
وإن كنا نذكر ذلك على سبيل العجب الآن، فقد رأيناه في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي، وما زلنا نراه، فقد استخدم الأمريكان أهل الشمال في أفغانستان (نفس منطقة بلخ) لحرب المسلمين في كابل سنة2002 ميلادية، واستخدم الأمريكان أيضاً أكراد الشمال العراقي في حرب بقية العراق ولا حول ولا قوة إلا بالله..
2ـ اجتياح الطالقان:
اتجهت فرقة من التتار من "سمرقند" إلى منطقة الطالقان (شمال شرق أفغانستان بالقرب من طاجكستان) وقد صعب عليهم فتحها لمناعة حصونها، فأرسلوا إلى جنكيزخان فجاء إليها وحاصرها شهوراً حتى تم فتحها، وقتلوا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها، ونهبوا أموالها ومتاعها كما كانت عادتهم..
3ـ مأساة مرو:
ومرو مدينة كبيرة جداً في ذلك الوقت، وتقع الآن في دولة تركمنستان المسلمة، على بعد أربعمائة وخمسين كيلومترًا تقريباً غرب مدينة بلخ الأفغانية، وقد ذهب إليها جيش كبير من التتار على رأسه بعض أولاد جنكيزخان، واستعانوا في هذه الموقعة بأهل بلخ المسلمين كما ذكرنا من قليل.. وتحرك الجيش التتري الرهيب الذي لم تذكر الروايات عدده، ولكنه كان جيشاً هائلاً يقدر بمئات الألوف.. هذا غير المسلمين من شمال أفغانستان، وعلى أبواب مرو وجد التتار أن المسلمين في مرو قد جمعوا لهم خارج المدينة جيشاً يزيد على مائتي ألف رجل، وهو جيش كبير جداً بقياسات ذلك الزمان، وكانت موقعة رهيبة بين الطرفين على أبواب مرو.. وحدثت المأساة العظيمة، ودارت الدائرة على المسلمين، وانطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمهم، وأسروا الباقي، ولم يسلم إلا قليل القليل، ونهبت الأموال والأسلحة والدواب من الجيش.. ويعلق ابن الأثير في أسى وإحباط على هذه الموقعة فيقول: "فلما وصل التتر إليهم التقوا واقتتلوا، فصبر المسلمون، وأما التتر فلا يعرفون الهزيمة"..
وتخيل جنداً يقاتلون عدوهم وهم يعتقدون أن هذا العدو لا يُهزم.. كيف تكون نفسياتهم؟ وكيف تكون معنوياتهم؟
وقعت الهزيمة المرة بالجيش المسلم، وفتح الطريق لمدينة مرو ذات الأسوار العظيمة.. وكان بها من السكان ما يزيد عن سبعمائة ألف مسلم من الرجال والنساء والأطفال..
وحاصر التتار المدينة الكبيرة، وقد دب الرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام عيونهم، ولم يفتحوا الأبواب للتتار مدة أربعة أيام، وفي اليوم الخامس أرسل قائد جيش التتار (ابن جنكيزخان) رسالة إلى قائد مدينة مرو يقول فيها: "لا تهلك نفسك وأهل البلد، واخرج إلينا نجعلك أمير هذه البلدة، ونرحل عنك"..
فصدق أمير البلاد ما قاله زعيم التتر، أو أوهم نفسه بالتصديق، وخرج إلى قائد التتار، فاستقبله قائد التتار استقبالاً حافلاً، واحترمه وقرّبه، ثم قال له في خبث: "أخرج لي أصحابك ومقربيك ورؤساء القوم حتى ننظر من يصلح لخدمتنا، فنعطيه العطايا، ونقطع له الإقطاعات، ويكون معنا"، فأرسل الأمير المخدوع إلى معاونيه وكبار وزرائه وجنده لحضور الاجتماع الهام مع ابن جنكيزخان شخصياً.. وخرج الوفد الكبير إلى التتار، ولما تمكن منهم التتار قبضوا عليهم جميعاً وقيدوهم بالحبال!..
ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين:
ـ أما القائمة الأولى: فتضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في مدينة مرو..
ـ وأما القائمة الثانية: فتضم أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة.. ثم أمر ابن جنكيزخان أن يأتي التتار بأهل البلد أجمعين، فخرجوا جميعاً من البلد حتى لم يبق فيها واحد، ثم جاءوا بكرسي من ذهب قعد عليه ابن جنكيزخان ثم أصدر الأوامر الآتية:
الأمر الأول: أن يأتوا بأمير البلاد وبكبار القادة والرؤساء فيقتلوا جميعاً أمام عامة أهل البلد!! وبالفعل جاءوا بالوفد الكبير وبدءوا في قتله واحداً واحداً بالسيف، والناس ينظرون ويبكون..
الأمر الثاني: إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة، وإرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك..
الأمر الثالث: إخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يخبروا عن كل مالهم، ففعلوا ذلك ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لافتداء نفسه..
الأمر الرابع: دخول المدينة وتفتيش البيوت بحثاً عن المال والمتاع النفيس، حتى إنهم نبشوا قبر السلطان "سنجر" أملاً في وجود أموال أو ذهب معه في قبره..
واستمر هذا البحث ثلاثة أيام..
ثم الأمر الخامس الرهيب:
أمر ابن جنكيزخان - لعنه الله ولعن أباه - أن يُقتل أهل البلاد أجمعين!!!!..
وبدأ التتار يقتلون كل سكان مرو.. يقتلون الرجال.. والنساء.. والأطفال!!..
قالوا: إن المدينة عصت علينا وقاومت، ومن قاوم فهذا مصيره..
يقول ابن الأثير رحمه الله: "وأمر ابن جنكيزخان بعد أن قتلوا جميعاً أن يقوم التتار بإحصاء القتلى، فكانوا نحو سبعمائة ألف قتيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون!!"..
قتل من مدينة مرو سبعمائة ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما لا يتخيل، وحقاً فإنه لم تمر على البشرية منذ خلق آدم ما يشبه هذه الأفعال من قريب ولا بعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وفنيت مدينة مرو، واختفى ذكرها من التاريخ!!!..
4ـ اجتياح نيسابور:
وهي مدينة كبيرة أخرى من مدن إقليم خراسان، (وهي تقع الآن في الشمال الشرقي لدولة إيران)، واتجه إليها التتار بعد أن تركوا خلفهم مدينة مرو وقد خربت تماماً، وهناك حاصروا مدينة نيسابور لمدة خمسة أيام، ومع أنه كان بالمدينة جمع لا بأس به من الجنود المسلمين، إلا أن أخبار مرو كانت قد وصلت إلى نيسابور، فدب الرعب والهلع في أوصال المسلمين، وما استطاعوا أن يقاوموا التتار، ودخل التتار المدينة، وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء، وجاء من أخبر ابن جنكيزخان أن بعضاً من سكان مدينة مرو قد سلم من القتل، وذلك أنهم ضربوا بالسيف ضربات غير قاتلة، وظنهم التتار قد ماتوا فتركوهم، ولذا فقد أمر ابن جنكيزخان في مدينة نيسابور أن يقتل كل رجال البلد بلا استثناء، وأن تقطع رؤوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم، ثم قام اللعين بسبي كل نساء المسلمين في مدينة نيسابور، وأقاموا في المدينة خمسة عشر يوماً يفتشون الديار عن الأموال والنفائس.. ثم تركوا نيسابور بعد ذلك أثراً بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
5ـ اجتياح هراة:
وهي من أحصن البلاد الإسلامية، وكانت مدينة كبيرة جداً كذلك، وتقع في الشمال الغربي لأفغانستان، وتوجه إليها ابن جنكيزخان بقواته البشعة، ولم تسلم المدينة من المصير الذي قابلته مدينتا مرو ونيسابور، فقتل فيها كل الرجال، وسبيت كل النساء، وخربت المدينة كلها وأحرقت.. وإن كان أميرها - وكان يُدعى: "ملك خان" - قد استطاع الهروب بفرقة من جيشه في اتجاه غزنة في جنوب أفغانستان!! وهكذا كان الملوك والرؤساء في ذلك الزمن يُوَفَّقُون إلى الهروب، بينما تسقط شعوبهم في براثن التتار!!!..
وبسقوط هراة يكون إقليم خراسان قد سقط بكامله في أيدي التتار، ولم يبقوا فيه على مدينة واحدة، وتمت كل هذه الأحداث في عام واحد هو العام السابع عشر بعد ستمائةٍ من الهجرة.. وهذا من أعجب الأمور التي مرت بالأرض على الإطلاق!!!..
اجتياح خوارزم
وخوارزم هي مركز عائلة خوارزم شاه، وبها تجمع ضخم جداً من المسلمين، وحصونها من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمنستان، وتقع مباشرة على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسية كبيرة..
ولأهمية هذه البلدة فقد وجه إليها جنكيزخان أعظم جيوشه وأكبرها، وقد قام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة دون أن يستطيع فتحها، فطلبوا المدد من جنكيزخان، فأمدهم بخلق كثير، وزحفوا على البلد زحفاً متتابعاً، وضغطوا عليه من أكثر من موضع حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار، ثم دخلوا إلى المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين، وفني من الفريقين عدد كبير جداً، إلا أن السيطرة الميدانية كانت للتتار، ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة، وحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم، وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار، فقام التتار بعمل بشع إذ قاموا بهدم سد ضخم كان مبنياً على نهر جيحون، وكان يمنع الماء عن المدينة، وبذلك أطلقوا الماء الغزير على خوارزم، فأغرق المدينة بكاملها.. ودخل الماء في كل السراديب والخنادق والديار، وتهدمت ديار المدينة بفعل الطوفان الهائل، ولم يسلم من المدينة أحد البتة!! فمن نجا من القتل قتل تحت الهدم أو أغرق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خراباً، وتركها التتار وقد اختفت من على وجه الأرض وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، ومن مر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثراً لحياة سابقة.. وهذا لم يسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه، اللهم ما حدث مع قوم نوح، ونعوذ بالله من الخذلان بعد النصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وكانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في عام 617 من الهجرة!!..


التتار يتوجهون إلى وسط وجنوب أفغانستان

بتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم.. وجنوب دولة خوارزم كانت تحت سيطرة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه"، وهو ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم، والذي فر منذ شهور قليلة أمام التتار.. وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك..
وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين - زعيم الجنوب - يتخذ من مدينة "غزنة" مقراً له (مدينة غزنة في أفغانستان الآن، وتقع على بعد حوالي مائة وخمسين كم جنوب مدينة كابول، وهي مدينة حصينة تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية)..
ولما انتهى جنكيزخان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه" وأسقط دولته، بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها لقتال الابن "جلال الدين"، فوجه إلى "غزنة" جيشاً كثيفاً من التتار..
وبالطبع.. كان جلال الدين قد جاءته أخبار الاجتياح التتري الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية، وبلغه ما حدث لأبيه، وكيف مات في جزيرة ببحر قزوين، وأصبح هو الآن الزعيم الشرعي للبلاد، ومن ثم عظمت مسئوليته جدًا, فبدأ يعد العدة لقتال التتار، وجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه "سيف الدين بغراق", وكان شجاعاً مقداماً صاحب رأي ومكيدة في الحروب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضاً ستون ألفاً من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها، كما انضم إليه أيضاً "ملك خان" أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيزخان مدينته.. وبذلك بلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى "بلق"، وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة.. وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!..
دارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة.. وقاتل المسلمون قتال المستميت.. فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك لها، وكان لحمية المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة، وكثرة أعداد المسلمين، وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، والقيادة الميدانية لجلال الدين... كان لكل ذلك أثر واضح في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار..
واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام..
ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين.. وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين!! وكثر فيهم القتل، وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيزخان، والذي كان يتمركز في "الطالقان" في شمال شرق أفغانستان..
وارتفعت معنويات المسلمين جداً.. فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتي ثماره.. لقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين، مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقة التركية بقيادة "سيف الدين بغراق", مع "ملك خان" أمير هراة.. واختار المسلمون مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة.. فكان النصر..
واطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهز جيشاً أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة "كابول" الأفغانية..
ومدينة كابول مدينة إسلامية حصينة تحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان..
ودارت موقعة كابول الكبيرة.. وكان القتال عنيفاً جداً.. أشد ضراوة من موقعة غزنة.. وثبت المسلمون، وحققوا نصراً غالياً على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.
وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار، ولكن سبحان الله، بدلاً من أن تكون هذه نعمة على جيش المسلمين، أصبحت هذه الغنائم نقمة شديدة وهلكة محققة!!..
روى البخارى ومسلم عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم"..
لقد كانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض الدنيا العضال، إلا ما رحم الله عز وجل.. لقد كانت حروبهم حروبًا مادية قومية.. حروب مصالح وأهواء.. ولم تكن في سبيل الله.. لقد كان انتصارهم مرة وثانية لحب البقاء، والرغبة في الملك، والخوف من الأسر أو القتل.. فكانت لهم جولة أو جولتان.. لكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم..
لقد وقع المسلمون في الفتنة!!..
اختلف المسلمون على تقسيم الغنيمة!!..
قام "سيف الدين بغراق" أمير الترك، وقام أمير آخر هو "ملك خان" أمير مدينة هراة.. قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم.. فحدث الاختلاف.. وارتفعت الأصوات.. ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف!!..
نعم.. ارتفعت السيوف ليتقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة.. وجيوش التتار ما زالت تملأ معظم مدن المسلمين!!..
وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين.. وكان ممن سقط أخ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون ألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وحاول جلال الدين أن يحل المشكلة، وأسرع إلى سيف الدين بغراق يرجوه أن يعود إلى صف المسلمين؛ فالمسلمون في حاجة إلى كل جندي وإلى كل طاقة وإلى كل رأي، فوق أن هذا الانسحاب سيؤثر على معنويات المجموعة الباقية؛ لأن الفرقة التركية كانت من أمهر فرق المسلمين.. ولكن سيف الدين بغراق أصر على الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه وذكره بالجهاد، وخوفه من الله تعالى.. لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب فعلاً بجيشه!!
وانكسر جيش المسلمين انكساراً هائلاً.. لقد انكسر مادياً، وكذلك انكسر معنوياً!!..
ولم يفلح المسلمون في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وكابول..
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء"..
لم يدرك المسلمون في هذه الآونة حقيقة الدنيا، وأنها دار استخلاف واختبار وامتحان، وليست دار قرار وبقاء وخلود.. نسي المسلمون امتحان ربهم، ولم يستعدوا له..
نسي المسلمون التحذير النبوي الخطير.. "فاتقوا الدنيا".. فسقط المسلمون سقطة هائلة..
وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى هذا المسلم الذي انتصر عليه مرتين.. ودب الرعب والهلع في جيش المسلمين.. فقد قلت أعدادهم وتحطمت معنوياتهم.. ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جداً.. فماذا فعل؟!
لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيزخان، أو على الأقل لتجنب الحرب في هذه الظروف..
ولكن جنكيزخان كان مصراً على اللقاء فأسرع خلف جلال الدين!!..
وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل..!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهاً إلى الجنوب، حتى وصل إلى حدود باكستان الآن فاخترقها، ثم تعمق أكثر حتى اخترق كل باكستان ووصل إلى نهر السند، الذي يفصل في ذلك الوقت بين باكستان وبين الهند.. فأراد جلال الدين أن يعبر بجيشه نهر السند ليفر إلى الهند، مع أن علاقاته مع ملوك الهند المسلمين لم تكن على ما يرام.. ولكنه وجد ذلك أفضل من لقاء جنكيزخان !!..
وعند نهر السند فوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود السفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفناً من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان !!..
ولم يكن هناك بد من القتال، فنهر السند من خلفهم، وجنكيزخان من أمامهم، ودارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة.. حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال.. واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة.. واستحر القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان، والذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم.. وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة.. ولكن شتان بين من يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدت إلى هزيمةٍ مُرة..
وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتب أوراقه، ويضمد جراحه، ويعد عدته.. وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جداً جاءت السفن إلى نهر السند، ولم يضيع جلال الدين الوقت في تفكير طويل، بل أخذ القرار السريع الحاسم وهو: "الهروب!!.." وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة، ومعه خاصته ومقربوه، وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند..
ولكن.. هل ترك المسلمون التتار وحدهم في هذه الأرض؟
كلا!!.. إنما تركوهم مع بلاد المسلمين، ومدن المسلمين، وقرى المسلمين.. تركوهم مع المدنيين دون حماية عسكرية.. وجيوش التتار لا تفرق بين مدني وعسكري.. بالإضافة إلى الحقد الشديد في قلب جنكيزخان نتيجة كثرة القتلى في التتار في الأيام الأخيرة.. فانقلب جنكيزخان على بلاد المسلمين يصب عليها جام غضبه.. ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر..
وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة غزنة، والتي انتصر عندها المسلمون منذ أيام أو شهور عندما كانوا متحدين.. دخل جنكيزخان المدينة الكبيرة.. عاصمة جلال الدين بن خوارزم فقتل كل رجالها بلا استثناء، وسبى كل الحريم بلا استثناء، وأحرق كل الديار بلا استثناء!!.. وتركها ـ كما يقول ابن الأثير ـ خاوية على عروشها، كأن لم تغن بالأمس!!..
ويجدر بالذكر أن نشير إلى أنه في جملة الذين أمسك بهم جنكيزخان من أهل المدن كان أطفال جلال الدين ابن خوارزم.. وقد أمر جنكيزخان بذبحهم جميعاً.. وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه..
روى البيهقي بسند صحيح، رواته ثقات إلا أنه من مراسيل أبي قلابة - رحمه الله - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"كن كما شئت، كما تدين تدان"..
وبذلك حقق جنكيزخان حلماً غالياً ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال "أفغانستان"!!..
ولكن.. لماذا يكون احتلال أفغانستان بالتحديد حلماً لجنكيزخان أو لغيره من الغزاة؟! لماذا يكون احتلال أفغانستان بالذات خطوة مؤثرة جداً في طريق سقوط الأمة الإسلامية؟! ولماذا يجب أن يكون سقوط أفغانستان في يد محتل - أياً كان - نذير خطر شديد للأمة بأسرها؟!
الواقع أن سقوط أفغانستان يحمل بين طياته كوارث عدة:
أولاً: الطبيعة الجبلية للدولة تجعل غزوها شبه مستحيل، وبذلك فهي تمثل حاجزاً طبيعياً قوياً في وجه الغزاة، وهذا الحاجز يخفف الوطأة على البلاد المجاورة لأفغانستان، فإن سقطت أفغانستان كان سقوط هذه البلاد المجاورة محتملاً جداً، وسيكون غزو أو مساومة باكستان وإيران ثم العراق بعد ذلك أسهل جداً..
ثانياً: الموقع الاستراتيجي الهائل لأفغانستان يعطيها أهمية قصوى، فهي في موقع متوسط تماماً في آسيا، والذي يحتلها سيملك رؤية باتساع 360 درجة على المنطقة بأسرها.. فهو على بعد خطوات من دول في غاية الأهمية.. إنه لا يراقب باكستان وإيران فقط، ولكنه يراقب أيضاً دولاً خطيرة مثل روسيا والهند، وفوق ذلك فهو قريب نسبياً من الصين.. وبذلك تصبح السيطرة على كامل آسيا – بعد احتلال أفغانستان – أمراً ممكناً..
ثالثاً: الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت شعبها صلابة وقوة قد لا تتوفر في غيرها من البلاد، فإن سقط هؤلاء فسقوط غيرهم سيكون أسهل..
رابعاً: يتمتع سكان هذا البلد بنزعة إسلامية عالية جداً، وبروح جهادية بارزة، وليس من السهل أن يقبلوا الاحتلال، وظهر ذلك واضحاً في انتصارهم مرتين على التتار بينما فشلت كل الجيوش الإسلامية في تحقيق مثل هذا النصر، ولا شك أن سقوط هؤلاء يُعد نجاحاً هائلاً للقوى المعادية للمسلمين..
خامساً: فوق كل ما سبق، فإن الأثر المعنوي السلبي على الأمة الإسلامية، والإيجابي على التتار، سوف يكون عاملاً شديد التأثير في الأحداث، فأنَّى لأمة محبطة أن تفكر في القيام، وأنى لأمة ذاقت طعم النصر الصعب أن تفرط في الانتصارات السهلة!!.. هذا عادة لا يكون!!..
وبذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم التركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا ثم جورجيا وقد اقتربوا جداً من العراق.
كل هذا في سنة واحدة!!.. في سنة 617 هجرية.. حتى إن ابن الأثير يعلق على هذا فيقول:
"وقد جرى لهؤلاء التتر ما لم يسمع بمثله من قديم الزمان وحديثه، فهذه طائفة تخرج من حدود الصين، لا تنقضي عليهم سنة حتى يصل بعضهم إلى بلاد أرمينيا، ويجاورون العراق من ناحية همذان، وتالله لا أشك أن من يجيء بعدنا - إذا بَعُدَ العهد - ويرى هذه الحادثة مسطورة فإنه سينكرها ويستبعدها، والحق بيده، فمتى استبعد ذلك فلينظر أنا سطّرنا نحن، وكل من جمع التاريخ في أزماننا هذه، في وقت كل من فيه يعلم هذه الحادثة، فقد استوى في معرفتها العالم والجاهل لشهرتها"..


ثم دخلت سنة 618 هجرية

عودة التتار إلى أذربيجان:
عاد التتار إلى إقليم أذربيجان المسلم من جديد، ودخلوا مدينة "مراغة" المسلمة.. ومن عجيب الأمور أن امرأة كانت ترأس هذه المدينة، ولا أدري لماذا أعطى المسلمون زمامهم لامرأة، وخاصةً في هذا التوقيت الحساس؟؟ إلا إذا كانت البلاد قد عدمت الرجال الذين يصلحون للقيادة!!..
حاصر التتار مراغة ونصبوا حولها المجانيق، وأخذوا يضربون المدينة من كل مكان.. فخرج أهلها للقتال، فإذا بالتتار يدفعون بالأسارى المسلمين الذين أتوا بهم من بلاد متعددة ليقاتلوا عنهم، والتتار يحتمون بهم، ومن تأخر من الأسارى عن القتال قُتل.. فبدأ الأسارى المسلمون يقاتلون إخوانهم المسلمين في مراغة طمعاً في قليل من الحياة.. وسبحان الله!.. إن كان الموت لا محالة آتٍ؛ فلماذا تقتل إخوانك قبل أن تُقتل؟! ولو انقلب الأسارى على التتار حمية لإخوانهم في مراغة، لكان في ذلك فرصة النجاة لبعض المسلمين.. ولكن ضاعت المفاهيم، وعميت الأبصار ولا حول ولا قوة إلا بالله..
دخل التتار مدينة مراغة المسلمة في 4 صفر سنة 618 هجرية، ووضعوا السيف في أهلها، فقتل منهم ما يخرج عن الحد والإحصاء، ونهبوا كل ما صلح لهم وكل ما استطاعوا حمله، أما ما كانوا يعجزون عن حمله فكانوا يحرقونه كله.. ولقد كانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيضرمون فيه النار!!..
ويذكر ابن الأثير - رحمه الله - أن المرأة من التتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهلها!! وذكر أيضاً أنه قد سمع بنفسه من بعض أهل مراغة أن رجلاً من التتر دخل درباً فيه مائة رجل مسلم، فما زال يقاتلهم واحداً واحداً حتى أفناهم، ولم يمد أحد يده إليه بالسوء..!! ضربت الذلة على الناس، فلا يدفعون عن أنفسهم قليلاً ولا كثيراً، ونعوذ بالله من الخذلان!!..
التهديد بغزو شمال العراق..
وبدأ التتار يفكرون في غزو مدينة "أربيل" في شمال العراق، ودب الرعب في مدينة أربيل، وكذلك في مدينة الموصل في غرب أربيل، وفكر بعض أهلها في الجلاء عنها للهروب من طريق التتار، وخشي الخليفة العباسي الناصر لدين الله أن يعدل التتار عن مدينة أربيل لطبيعتها الجبلية, فيتجهون إلى بغداد بدلاً منها، فبدأ يفيق من السبات العميق الذي أصابه في السنوات السابقة، وبدأ يستنفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها.. وأعلنت حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية, وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز..
تُرى.. كم من الرجال استطاع الخليفة أن يجمع؟
لقد جمع الخليفة العباسي "الناصر لدين الله" ثمانمائة رجل فقط !!
ولا أدري كيف سينصر الخليفة دين الله ـ كما يوحي بذلك اسمه ـ بثمانمائة رجل؟!
أين الجيش القوي؟! وأين الحماية للخلافة؟! وأين التربية العسكرية؟! وأين الروح الجهادية؟!
لم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان "صورة" خليفة.. أو "شبح" خليفة..
ولم يستطع قائد الجيش "مظفر الدين" طبعاً أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل.. ولكن انسحب بالجيش، ومع ذلك - سبحان الله - فقد شعر التتار أن هذه خدعة، وأن هذه هي مقدمة العسكر، فليس من المعقول أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي فقط!.. ولذلك قرروا تجنب المعركة وانسحبوا بجيوشهم..
وانسحاب جيوش التتار يحتاج منا إلى وقفة وتحليل.. فقد كان الرعب يملأ التتار من إمكانيات الخلافة العباسية التي كانت ملء سمع وبصر الدنيا، وكانت تزهو على غيرها من الأمم بتاريخ طويل وأمجاد عظيمة، ولا شك أن دولة لقيطة مثل دولة التتار ليس لها على وجه الأرض إلا بضع سنوات ستحسب ألف حساب لدولة هائلة يمتد تاريخها إلى أكثر من خمسمائة سنة؛ ولذا فالتتار كانوا يقدرون إمكانيات العراق بأكثر من الحقيقة بكثير، ومن ثم فقد آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا بذلك ما يُعرف "بحرب الاستنزاف"، وذلك عن طريق توجيه ضربات خاطفة موجعة للعراق، وعن طريق الحصار الطويل المستمر، وأيضاً عن طريق عقد الأحلاف والاتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب..
لذلك فقد انسحب التتار بإرادتهم ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى..
اجتياح همذان وأردويل:
وهما من مدن إيران حالياً، وقد حاصر التتار همذان، ثم دار القتال بعد ذلك مع أهلها بعد أن انقطع عنهم الطعام، ووقعت مقتلة عظيمة في الطرفين، لكن في النهاية انتصر التتار، واجتاحوا البلد، وسفكوا دماء أهلها وأحرقوا ديارها، ثم تجاوزوها إلى أردويل فملكوها وقتلوا من فيها وخربوا وأحرقوا..
التتار على أبواب تبريز:
واتجه التتار إلى تبريز.. المدينة الإيرانية الكبيرة.. وكان التتار قد رضوا سابقاً بالمال والثياب والدواب من صاحبها المخمور "أوزبك بن البهلوان"، ولم يدخلوها لأنهم جاءوا إليها في الشتاء القارس.. أما الآن وقد تحسن الجو وصفت السماء، فلا مانع من خيانة العهود ونقض المواثيق..
ولكنهم - في طريقهم إلى تبريز - علموا بأمر قد جد على هذه البلدة.. لقد رحل عنها صاحبها المخمور أوزبك بن البهلوان، وتولى قيادة البلاد رجل جديد هو "شمس الدين الطغرائي"، وكان رجلاً مجاهداً يفقه دينه ودنياه، فقام - رحمه الله - يحمس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة.. وقوّى قلوبهم على الامتناع، وحذرهم عاقبة التخاذل والتواني.. وعلمهم ما عرفوه نظرياً ولم يطبقوه عملي في حياتهم على الإطلاق: علمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبداً .. وأن رزقه وأجله قد كتبا له قبل أن يولد، وأن المسلمين مهما تنازلوا للتتار فلن يتركوهم, إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم.. أما بغير قوة فلن يُحمى حق على وجه الأرض..
وتحركت الحمية في قلوب أهل تبريز، وقاموا مع قائدهم البار يحصنون بلدهم، ويصلحون الأسوار، ويوسعون في الخندق، ويجهزون السلاح، ويضعون المتاريس، ويرتبون الصفوف.. لقد تجهز القوم - وللمرة الأولى منذ زمن - للجهاد!!..
وسمع التتار بأمر المدينة، وبحالة العصيان المدني فيها، وبحالة النفير العام.. سمعوا بدعوة الجهاد، والتجهز للقتال... سمع التتار بكل ذلك، فماذا فعلوا؟
قد يعتقد بعض القراء أن التتار قد غضبوا وأرعدوا وأزبدوا، وغلت الدماء في عروقهم، وعلت أصواتهم، وجمعوا جيوشهم، وعزموا على استئصال المدينة المتهورة..
أبداً - إخواني في الله - إن كل ذلك لم يحدث!!..
لقد أخذ التتار قراراً عجيباً!!..
لقد قرروا عدم التعرض لتبريز، وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا راية الجهاد في سبيل الله..!! لقد ألقى الله الرعب في قلوب التتار ـ على كثرتهم ـ من أهل تبريز - على قلتهم - ..
لقد نُصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر، وكذلك ينصر بالرعب كل من سار على طريقه صلى الله عليه وسلم..
لقد فعل الجهاد فعله المتوقع.. بل إن القوم لم يجاهدوا، ولكنهم فقط عقدوا النية الصادقة، وأعدوا الإعداد المستطاع، فتحقق الوعد الرباني ـ الذي لا خلف له ـ وهو وقوع الرهبة في قلوب أعداء الأمة.. وهذا درس لا يُنسى..
[وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل؛ ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون]..
فكانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم..
ورحم الله شمس الدين الطغرائي الذي جدد الدين في هذه المدينة المسلمة.. تبريز..
اجتياح بيلقان:
وهي من مدن إيران حالياً، وللأسف فإنها لم تفعل مثل فعل تبريز، ودخل التتار البلدة في رمضان 618 هجرية، ووضعوا فيها السيف، فلم يبقوا على صغير ولا كبير ولا امرأة، حتى إنهم ـ كما يقول ابن الأثير ـ كانوا يشقون بطون الحبالى ويقتلون الأجنة، وكانوا يرتكبون الفاحشة مع النساء ثم يقتلونهن، ولما فرغوا من البشر في المدينة نهبوا وخربوا وأحرقوا كعادتهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
التتار يقفون على أبواب مدينة كنجة:
وسار التتار إلى مدينة كنجة المسلمة، وفعل أهلها مثلما فعل أهل تبريز، وفعل التتار معهم مثلما فعلوا مع أهل تبريز..
لقد أعلن أهل كنجة الجهاد وأعدوا العدة المستطاعة، فما دخل تتري واحد مدينتهم، بل تركوها إلى غيرها..
وليس من قبيل المصادفة أن البلاد التي رفعت راية الجهاد وأعدت له هي البلاد التي لم يجرؤ التتار على غزوها.. ليس هذا من قبيل المصادفة أبداً.. إنها سنة من سنن الله عز وجل.. ولو فعلت ذلك كل مدن المسلمين ما استطاع التتار ولا غيرهم أن يطئوا بأقدامهم النجسة أرض المسلمين.. لقد حافظ المسلمون على هذه البلاد سنوات وسنوات.. لا بكثرة الأعداد, ولا بالاتفاقيات والمعاهدات.. إنما حافظوا عليها بجهاد صادق، ودماء زكية، وقلوب طاهرة مخلصة..
وسنة الله لا خلف لها.. إنما الذين يخالفون هم العباد..
والله عز وجل لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون..
اجتياح داغستان والشيشان:
وهما تقعان في شمال أذربيجان على ساحل بحر قزوين من ناحية البحر الغربية، وهما من البلاد المسلمة الواقعة تحت الاحتلال الروسي الآن، ونسأل الله لهما التحرير الكامل، وقد قام التتار كعادتهم بتدمير كل شيء في هذه البلاد، وقتل معظم من وجدوه في طريقهم، وكانت أشد المدن معاناة من التتار هي مدينة شماخي المسلمة (في داغستان الآن)..
اجتياح الجنوب الغربي من روسي:
استمر التتار في صعودهم في اتجاه الشمال، وبعد الانتهاء من الشيشان وصلوا إلى حوض نهر الفولجا الروسي، واستمروا في قتال أهل هذه المناطق، وكانوا جميعاً من النصارى، وأثخنوا فيهم القتل، وارتكبوا معهم من الفظائع ما كانوا يرتكبونه مع المسلمين..
وبذلك انتهت سنة 618 هجرية وقد وصل التتار إلى أرض الروس، وأصبحت كل البلاد ما بين شرق الصين وجنوب غرب روسيا ملكاً لهم..
تقييم الموقف في سنة 619 هجرية
في هذه السنة استمرت العمليات التترية في منطقة أرض الروس، وأكد التتار سيطرتهم على المناطق الإسلامية الشاسعة ما بين الصين والعراق، فثبتوا أقدامهم في كل بقاع الدولة الخوارزمية، وهذا يشمل الآن أسماء الدول الآتية من الشرق إلى الغرب:
1ـ كازاخستان..
2ـ قيرغيزستان
3ـ طاجيكستان..
4ـ أوزبكستان..
5ـ تركمنستان..
6ـ باكستان.. (باستثناء المناطق الجنوبية فيها، والمعروفة بإقليم: كرمان).
7ـ أفغانستان..
8ـ معظم إيران (باستثناء الحدود الغربية لها مع العراق والتي يسكنها الإسماعيلية).
9ـ أذربيجان..
10ـ أرمينيا..
11ـ جورجيا..
12ـ الجنوب الغربي لروسيا

غزالة نجد 10 - 11 - 2010 06:58 PM



بانتظار التكملة اختي
بالمحبة القاك

ميارى 12 - 11 - 2010 02:31 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غزالة نجد (المشاركة 84221)


بانتظار التكملة اختي
بالمحبة القاك

أشكرك غزالة نجد على تفاعلك مع الموضوع وعلى الرد الأنيق ، تقديري لك


الساعة الآن 10:23 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى