منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   من آفات النقد الأدبي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=7483)

شيرين 10 - 6 - 2010 01:25 AM

من آفات النقد الأدبي
 
من آفات النقد الأدبي













النقد الأدبيُّ نَشاط فكري مهمٌّ، وكلُّ عملٍ أدبي محتاجٌ إليه؛ لأنَّ الأدب لا يستَغنِي عن خِطاب يُوَضِّحه، أو يعلِّق عليه، أو يبيِّن قيمته، ويَكشِف أسراره.

وما الضِّيق بالنقد أحيانًا - في القديم والحديث - إلا بسبب جَوْرِ الناقد وتعسُّفه في الحكم، أو غموض ما يقوله؛ بحيث لا يفِيد منه لا المُبدِع ولا المتلقِّي، أو بسبب تحكُّمه ونظرته الأحاديَّة إلى العمل الأدبيِّ، وهي نظرة تؤدِّي إلى إفقاره.

وقد يكون الضيق به عائدًا إلى المبالَغة في تقدير دوره، أو النظر إليه - أحيانًا - على أنَّه ضَرْبٌ من الإبداع - الإبداع التحليلي - مثلاً، لا يقلُّ شأنًا عن الأدب الحقيقيِّ الذي هو إبداع تركيبي أو تأليفي.

وهذه آفات ابتُلِي بها النقد في قديم وفي حديث، ولكن بلواه بها في أيَّامنا آلَم وأوجَع، ومع ذلك فالنقد - وإن ضاق به قومٌ عن حق أو باطلٍ - نشاطٌ فكري لا غنى عنه في أوجُه الحياة جميعها؛ إذ هو مِعيار تسديد وتقويم ومراجعة لأيِّ مَسارٍ معرفي.

وليس صحيحًا ما ذكَرَه "مونسكيور" من أنَّ النقَّاد يُشَبِّهون جنرالات فاشلين عجَزُوا عن الاستِيلاء على بلدٍ، فلوَّثوا مياهه[1].

ولكنَّ النقد الأدبيَّ الحديث اليوم - وهو نقد غربي - مَأزُوم مَؤُوف بالعِلَل التي ذكَرناها وبكثيرٍ غيرها، يُشْتكَى من عبثيَّته ولا معقوليَّته، ومِن جموحه وشطَطه، ومن دكتاتوريَّته وأُحاديَّته، ويُشْتَكى من غموضه وعتمته، ومن عدم تأثيره وجَدواه، ومن مُماحَكاته اللفظيَّة العبَثيَّة، وتلاعُبه بالنُّصوص ودلالاتها، ويُشْتكَى من غربته على طلَبة العلم، بل على أساتِذتهم المتخصِّصين أنفسهم.

وأمَّا ما يُسمَّى "النقْد العربي الحديث"، فإنَّه ورث عن النقد الغربي الذي يُقَلِّد سننه (حَذو القُذَّة بالقُذَّة)، هذه الآفات جميعًا، وحُمِّل فوقها أوزارًا كثيرة نتجَتْ عن:
1- أنَّ هذا النقد المُحتَذَى هو نِتاج فكر غربي صادِر عن حَضارة غير حَضارتنا؛ ولذلك فإنَّ الأبْدَهَ - من البدهي - أن يكونَ ملوَّثًا برُؤًى وتصوُّرات وفَلسَفات تُخالِف رُؤانا وتصوُّراتنا الإسلاميَّة والعربيَّة.
2- أنَّ هذا النقْد الغربي مُستَمَدٌّ منَ الأدَب الغربي، وهو أدب ذو نكهة ومَذاق ورؤية مضمونيَّة وفنيَّة تُخالِف ما هو معروفٌ في أدبنا العربي والإسلامي.
3- أنَّ العيش على مائدة الآخَر هو نَوْعٌ من التَّلاشِي فيه، أو الغرق في يمِّه، هو ضَرْبٌ من الانمِساخ أمامه، والانبِهار به، وفي ذلك كلِّه ما لا يَلِيق بحقِّ العقيدة، ولا الهُوِيَّة، ولا الكرامة الإنسانيَّة.
4- ثم إنَّ التعبُّد في مِحراب هذا الفكر الغربي وحده - وإن كان صالحًا، وما هو كذلك! - والاكتِفاء بمجرَّد اجتِراره أو مُحاكاته - هو قَتْلٌ لروح الإبداع فينا، وتَشجِيعٌ على الانمِساخ والاتِّكاليَّة.

إن التقليد يَغتال دائِمًا ملكة التفكير والتوثُّب، ولن تُشرِق شمس الحضارة الإسلاميَّة العربيَّة من جديدٍ، إلاَّ إذا ارتَدَتْ عباءَة الآباء، وخلعَتْ عباءَة الغُرَباء.

وعلى أنَّ هذه الشُّؤون والشُّجون وكثيرًا غيرها، غير المثاقفة مع الآخَر التي لا يقف في وجهها عاقل، ولا يَنهَى عنها إلا غِرٌّ أحمَق، إنَّ فَتْحَ النوافذ أمام الأفكار والثَّقافات والآداب الأخرى لَأَمرٌ أوجَبُ من الواجِب، وأحبُّ من المستحبِّ، وهو - على كلِّ حال - حاصِل في أيَّامنا هذه، شئنا أم أبَيْنا، ولكنَّ كلَّ فكر يأتينا، وكلَّ هبَّة ثقافة تهبُّ علينا، ينبَغِي أن تدخل في مصفاة الهُويَّة، وهي مِصفاة العقيدة الإسلاميَّة؛ فكرًا وذوقًا، وفنًّا ولغةً، لتُفرِز لنا ما يُؤخَذ وما يُترَك، وما يُصطَفَى وما يُنبَذ.

إنَّ هنالك اليوم ضربَيْن من المناهِج النقديَّة الغربيَّة الحديثة:
أحدهما: المناهج النقديَّة التي أصبحت - في نظر بعضهم - تقليديَّة قديمة، والمناهج الأحدث التي تمخَّض عنها القرن العشرون، وتسمَّى المناهج الحداثيَّة، وما بعد الحداثيَّة، أو المناهج البنيويَّة، وما بعد البنيويَّة.

وقد كانتْ هذه الثانية ثورة على الأولى ونقضًا لها؛ إذ عدَّتها مناهج تتعامَل مع النص الأدبيِّ من الخارج، فتهتم بمناسبته وظروف نشأته وتاريخه، والملابسات الاجتماعيَّة والسياسيَّة والنفسيَّة، وما شاكل ذلك، ولكنَّها لا تُولِي لغة الأدب وخصائصه الجماليَّة وفنيَّته أيَّ اهتِمام، أو اهتمامًا كافيًا على الأقلِّ، فكأنها تقف عند العَرَض وتُهمِل الجوهَر.

ولذلك؛ اتَّجهت المناهِج النقديَّة الحداثيَّة وما بعد الحداثيَّة اتِّجاهًا ماديًّا محْضًا في التعامُل مع الأدب ونقده؛ إذ لم ترَ فيه إلا شكلاً لُغويًّا جماليًّا، لم تَعُدْ تعبأ بما يُقَدِّمه النصُّ الأدبيُّ من قِيَمٍ أو مُثُل، أو فلسفة أو فكر، ولم تَعُدْ تسأل عن وظيفته ودوْره، وصلته بالمجتمع والناس والحياة.

طُرِح ذلك كله من الحسبان بحجَّة أن هذا الفكر والأيديولوجيا قضايا خلافيَّة، تخضَع للذوق والثقافة السائدة، واتِّجاه الناقد وعقيدته؛ ولذلك لا يجوز الاعتِداد بها، أو أخذها في حسبان المبدِع أو الناقد على حدٍّ سواء.

ولا شكَّ أنَّ هذا اتِّجاه خطير، لا يتَّفِق - على الأقل - مع التصوُّر الإسلامي الذي - مثلما يُعنَى بشكل الأدب وفنيَّته وصياغته الجمالية المؤثرة - يُعنَى بما يقدِّمه هذا الأدب من فكر، وما يَأرَب بتحقِيقه من رسالةٍ تُسعِد الإنسان، وتُصلِح شأنه، وتتجنَّد لخدمة قِيَم الحقِّ والخير والجمال.

إنَّ الكلمة في المنظور الإسلامي - شأنها شأن مخلوقات الله جميعًا - لم تُخلَق عبثًا، ولا تَكمُن قيمة اللفظ فيه في حدِّ ذاته، مهما كان هذا اللفظ جميل الإيقاع، رشيقَ الجرس، باهِرًا مُدهِشًا، ولكنَّها تَكمُن في مدلوله.

إنَّ الدالَّ والمدلول لا ينفصِلان، وقيمة الأدب في مادَّته وأدائه، في مضمونه وشكله، ولا يجوز التطرُّف في إيثار أحدهما وإسقاط الآخر، لا عند المبدِع ولا عند الناقِد.

لقد انطَلقت المناهج الحداثيَّة وما بعد الحداثيَّة من اللسانيَّات الغربيَّة التي ازدَهرت في هذا القرن ازدِهارًا شديدًا أبهر الكثيرين، فظنُّوها وحدَها القادِرَة على صنع نظريَّة نقديَّة تُقارِب النصوص الأدبيَّة وتتعامَل معها.

وظنُّوا - في غَمرة الانبِهار بمنجزاتها - أنَّ أيَّ إقحامٍ للتاريخ، أو المجتمع، أو علم النفس، أو الأخلاق والدِّين، في دِراسة الأدب ونقدِه - هو إدخالٌ لمفرداتٍ لا علاقة لها بالمقارَبة النقديَّة، بل هي بتعبير أحدهم: "مصطلحات إرهابيَّة قمعيَّة"[2].

وفي مثل هذا الكلام ما فيه من افتِئاتٍ على حقيقةٍ لا تَخفَى على أحدٍ، وهي: أنَّ المذاهب الأدبيَّة - ومثلها المناهج النقديَّة - هي صورٌ لفلسفات وعَقائد وأيديولوجيَّات، وتصوُّرات سياسيَّة واجتماعيَّة وغيرها.

إن الشكلانيَّة في صورِها المختلِفة لَم تحرِّر درس الأدب ولا النظريَّة الأدبيَّة - كما ادَّعَتْ - من الأيديولوجيا، بل كانت هي نفسها - باستِمرار وبأشكالٍ مختلفة - نتاجَ فلسفات وأيديولوجيَّات.

عبدالرحمن حموده 10 - 6 - 2010 09:00 AM

شيرين
شكر الله لك وأسعدك ، على هذا النقل الماتع المفيد، وحقيقة مثلما ذكر الكاتب وفصل ووضح بأن هذه آفه من آفات النقد الحديث وهو التغريب، وقد ذكر أنه من أسباب عدم قبول الناس النقد أمرين هامين سواء عدم الوضوح أو اللغه الحادة، وهناك سبب ثالث وهو التعصب للرأي سواء من الناقد أو المنقود، وقد أشار أليه بالنظرة الأحاديه.
تقبل مروري والله يبارك فيكي

ميارى 10 - 6 - 2010 06:32 PM

شكرا لك شيرين على الموضوع القيم وسنتابع باهتمام ما ستجودين به علينا في المستقبل. الله يوفقك

فسحة أمل 10 - 6 - 2010 10:46 PM

مقال غاية في الأهمية..
تذكرت و أنا أقرءه المرحوم الكاتب الجزائري أحمد رضا حوحو الذي كان يضيق ذرعاً بالنقاد إلى أبعد حد بل وردّ عليهم في إحدى مقالاته بأنه لا يهتم لما يوردونه عن أعماله أبداً..
غير أنه استوقتني فيه موقف الكاتب الذي بدا لي متشدداً نوعا ما حيال الغرب.. وعلى الرغم من أنه أشار إلى ضرورة التواصل الفكري مع الغرب من باب المواكبة أو بسبب التأثر و التأثير.. إلّا أنه كان أميل إلى الدعوة لترك ما حمله مع أن أدبنا الحديث ما هو إلّا وليد للتأثر بالتطورات على الصعيد العالمي.. أو بالأحرى استمرار لموروثنا بصبغة أو حلة حديثة تطلبتها المعاصرة..
مهما كان تأثرنا بما أوجده النقد الغربي لن يزيل ذلك ما ورثناه في أدبنا..
كما أن جائنا به منه طبقناه حسب معييرنا العربية.. الاسلامية وما شذ عن ذلك قوبل بالنقد نفسه..
تتعدد أوجه النقد فتجد لكل نص عدة قراءات وعدة تحليلات ونظريات النقد خير دليل.. على الرغم من كونها قامت على أنقاض بعضها.. و في الأخير تداخلت..
الأدب العربي على دراية بما يحمله التأثر و التأثير... و الكل يحرص أشد الحرص على أن لا تنطمس الهوية العربية الاسلامية و ما حملته حضارتنا في ثقافة الغرب
إن القارئ لنصوص النقد اليوم يلاحظ بسوهلة أنه يتناول الموضوع من عدة جوانب دون الالتزام بما جاءت به الشكلانية وغيرها على وجه الدقة أو المنهج الذي سطرته..
و تبقى كما اورد الكلمة رسالة و مسؤولية كبيرة..
مما عاد إلى ذاكتي من نصوص قديمة..
شكراً لك الغالية شرين..
محبتي

همسه 7 - 7 - 2010 10:20 PM

شـكــ ويعطيك العافية ـــرا لك ...
لك مني أجمل تحية .

http://www.dohaup.com/thumbnails/891_700x2147483647.jpg

فاصل ونواصل 7 - 7 - 2010 10:44 PM

شـكــ ويعطيك العافية ـــرا لك ...
لك مني أجمل تحية .



ناجي أبوشعيب 9 - 4 - 2011 06:37 PM

الموضوع مهمّ جدّا وثريّ
الأخت شيرين شكرا لك على الجهد الملحوظ
النّقد يبقى شوكة تزعج الكثير من البشر
سواء الكتاب أو الشّعراء أو النّقاد أنفسهم
القليل منـّا من يقبل بالنّقد ولو كان بنّاءا

احتراماتي
أخوك ناجي بن مسعود

shreeata 9 - 4 - 2011 07:49 PM

مشكورة عزيزتي على روعة الاختيار
سلمت
تحيات لك

جمال جرار 9 - 4 - 2011 10:51 PM

http://www.upgulf.com/GIF/feW30187.gif

الامير الشهابي 10 - 10 - 2011 08:54 AM

الاخت الفضله شيرين
موضوع رائع للدكتور القصاب حول دور النقد الادبي
بوركت على الادراج
10/102011


الساعة الآن 05:16 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى