منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   صفحات من التاريخ وحضارات الأمم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=201)
-   -   معارك وحروب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12267)

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:04 PM

معارك وحروب
 
معارك وحروب




احبتي في منتديات المُنى والأرب
سأحاول جاهدا أن اجمع هنا نبذة عن المواقع والحروب التي حصلت عبر التاريخ لتكون مرجعا ان شاء الله لمن يريد الاستفادة منها ..

1. حرب طروادة

حرب طروادة، التي كانت بين الإغريق الذين حاصروا مدينة طروادة و أهلها ودامت عشر سنين، واحدة من أشهر الحروب في التاريخ وذلك لخلودها في ملحمتي هوميروس الإلياذة و الأوديسة اللتان تحدثتا عن بعض أحداث حرب طروادة، ففي الإلياذة رويت أحداث السنة التاسعة من الحرب وهي سنة غضب أخيل، و في الأوديسة حُكيت الكثير من الأحداث السابقة للحرب إبان رواية حكاية عودة أوديسيوس ملك إيثاكا وأحد القادة في حرب طروادة.

تقع مدينة طروادة Troy في آسيا الصغرى، وهي مدينة بحرية غنية تحكي الأسطورة أن بوسايدن إله البحر بناها برفقة أبولو إله الشعر و الفنون، فكانت مدينة منيعة وقوية.
تُعيد الأساطير أسباب حرب طروادة إلى مشاحنة إلهية بين آلهة الأوليمب الاثني عشر، و خلاف بين الربات الثلاث هيرا و أفروديت و أثينا حول الأجمل منهن، و قيام باريس بخطف هيلين ملكة إسبارطة، و زوجة منيلاوس شقيق أغاممنون بن أتريوس.

البدايات الأسطورية لحرب طروادة
في إلياذة هوميروس و بعض الأساطير الأخرى، تتنبأ العرافات لملك طروادة بريام بأنه سيولد له ابن يكون سبباً في دمار طروادة، ويولد هذا الابن الذي يُسمى باريس فيأمر أبوه أحد خدمه بالتخلص منه، ويضعه هذا الأخير في جبل لينشأ راعياً للأغنام.
و في جبل الأوليمب يكون الآلهة الاثني عشر مختلفين متناحرين لأسباب متعددة، ويزيد الخلاف فيما بينهم بسبب غنى طروادة، ثم تأتي حادثة التفاحة الناجمة عن مشادة بين الربات الثلاث هيرا و أفروديت و أثينا، حيث رأت كل ربة منهن أنها الأجمل، واتفقن على الإحتكام إلى أول غريب يرينه، وقد كان الراعي الشاب باريس، فسردن عليه أمرهن وطلبن إليه أن يحكم بينهن بإعطاء تفاحة للأجمل منهن، وأغرته هيرا بالسلطة إن هو وهبها إياها، و أثينا بالحكمة و المجد، وقالت له آفروديت أنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضلها عليهن وأعطاها التفاحة ليغضب بذلك الربتين الأخريين.

حققت أفروديت وعدها لباريس، فأخذته إلى طروادة من جديد، وقدمته إلى أهله الذين ابتهجوا بعودته أميراً بينهم، ولم تفلح نبوءات أخته كاساندرا في ثنيهم عن عزمهم قبوله بينهم من جديد، لأن الإله أبولو أحبها ذات مرة فلما صدته وهبها البصيرة وحرمها من أن يصدقها أحد، فظل الجميع يتعاملون معها على أنها مجنونة.
عاد باريس أميراً ولما تزل أفروديت تدين بوعدها له، ولتفك دينها أرسلته إلى إسبارطة، فاستغل غيبة منيلاوس وأغوى زوجته هيلين التي فاقت كل نساء الدنيا جمالاً، وجاءها كل ملوك الإغريق خاطبين، فاختارت منهم منيلاوس ملك إسبارطة، و طلب أبوها إليهم جميعاً أن يقسموا على حماية شرفها. وهرب بها إلى طروادة، فثار الإغريق لشرفهم، بينما لم يستطع الطرواديون تسليمها.

غضب أخيل و الإلياذة
تمثال أخيل يعود للعام 430 قبل الميلادقاد اخيل معركه طروادة لمده عشر سنوات حدثت خلالها و اقعة بينه و بين اغاممنون حيث وضع اغاممنون يده علي كيسيوس بنت ملك طروادة و رفض ان يعيدها الي والدها فغضب اخيل و اعتزل الحرب و بداءت الهزائم تتوالي علي الاغريق .راي باتروكلس صديق الوفي ماحل بالجيش من هزائم حاول ان يجعل اخيل يعود الي القتال و عندما رفض اخيل ان يعود الي القتال طلب باتروكلس من اخيل ان يعطيه درعه و عربته كي يجعل الجنود الاغريق متحمسين بعودته و دفعهم للقتال .و نجح باتروكلس في ذلك لكن الحماسه جرفته و تقاتل مع هكتور الذي قتله معتقدا انه قتل اخيل و عندما علم اخيل اقسم علي قتله و الثار لصديقه و بالفعل قتله و ربط جثته بحبل و ربطه في عربته و مضي بجثته امام جيشه \و هزم الطرواديين هزيمه نكراء.و في النهايه استطاع باريس ان يقتل اخيل بتسديد سهم الي وتر كعبه
تأكيد أو نفي وقوع الحرب
أعتقد قدماء اليونان بصحة الأحداث المروية عن الحرب، وعن وقوعها، وقد تم تقدير وقت حدوثها بأنه القرن الثالث عشر أو الثاني عشر قبل الميلاد. إلا أن العلماء في الوقت الحالي يشككون بصحة هذه الأسطورة رغم أنه في العام 1870 قام المنقب والمستكشف الألماني هنريك شيلمان بإكتشاف أثار مدينة في الموقع الذي كان يعتقد بوجود طروادة فيه، ويتفق معه بعض علماء الآثار بصحة إكتشافه، إلا أنه لم يتم تأكيد أو نفي صحة الأسطورة ووجود الحرب.

حصان طروادة
وتروي الأسطورة ان حصار الإغريق لطروادة دام عشرة سنوات. فإبتدع الإغريق حيلة جديدة ، حصان خشبي ضخم وأجوف. بناه إبيوس ومليء بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس. أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبيء وراء "تيندوس" ، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام.
جاسوس إغريقي، إسمه سينون ، أقنع الطرواديين بأن الحصان كان هدية ، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا.حتى ان هيلين وديفوبوس فحصا الحصان. إحتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا. وعندما خرج الإغريق من الحصان داخل المدينة ، كان السكان في حالة سكر. ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش دخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، فقتل كل الرجال ، واخذ كل النساء والاطفال كعبيد.

كانت مدينة طروادة تحت امرة الامير فيكتور والامير "باريس", يحكى ان الامير باريس كان سبب في دمار طروادة .. وخيانتها بسبب امرأة احبها من العدو.
كانت الاميرة كساندرا تتنبئ بالمستقبل , قبل ولادة الامير باريس تنبأت بان المولود الجديد سيكون سبب في دمار طروادة فأمر المكلك بقتل المولود بعد ولادته , لكن الحاجب الذي امر بقتل الامير الصغير تركه في العراء وذهب
.

يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:06 PM

2.
الحرب العالمية الأولى

مقدمة
ساهمت عوامل متعددة في اندلاع أول حرب عالمية ما بين28يوليو1914و11نونبر 1918،واعتبرها البعض حربا امبريالية بين الدول الأوربية،فما هي أسباب حدوثها؟وما هي مراحل ونتائج هذه الحرب؟

حدثت الحرب العالمية الأولى لأسباب مباشرة وغير مباشرة
يعتبر التسابق بين التسلح وتكوين الأحلاف العسكرية من أسباب حدوث الحرب العالمية الأولى-
التنافس الامبريالي:نتج عن التنافس الامبريالي خلال القون19تزايد التوتر بين دول أوربا،وأدى ذلك إلى زيادة النفقات العسكرية والتسابق نحو التسلح بين انجلترا وألمانيا(بحرا)وفرنسا وألمانيا(برا).وكان التوتر قويا بين فرنسا وألمانيا بسبب منطقتي الألزاس واللورين(منذ حرب 1870).وظهر أن ألمانيا تعمل على الرفع من عدد جنودها ودرجة تسلحها. - تكوين التحالفات:تكونت بأوربا أحلاف وتكتلات أهمها التحالف الثلاثي La Triple Alliance بين ألمانيا والنمسا-هنغاريا وإيطاليا سنة 1882(دول المركز)،وتم عقد اتفاقية عسكرية بين روسيا وفرنسيا سنة 1892،وتطور بتكوين وفاق ثلاثي La Triple Entente بانضمام انجلترا سنة 1907(دول الوفاق).
كان للأزمة البلقانية دور كبير في حدوث الحرب العالمية الأولى-
الأزمة البلقانية:نتج عن تراجع الدولة العثمانية في منطقة البلقان حدوث نزاع بين الدول الصغرى بالمنطقة،وحدوث صراع بين روسيا التي ترغب في الحصول على منفذ على البحر المتوسط(الدردنيل والبوسفور)ولذلك دعمت صربيا(العنصر السلافي)،وبين النمسا-المجر القوة السياسية الكبرى في أوربا الوسطى،والتي ترغب أيضا في الحصول على منفذ على البحر. - بدأ النزاع بقيام الإمبراطور النمساوي فرانسوا جوزيف بضم البوسنة والهرسك في 5أكتوبر 1908،وكذلك بمطالبة صرب البوسنة بالانضمام إلى صربيا.وفي سنة 1913حققت صربيا على امتيازات ترابية على حساب المناطق المجاورة(مقدونيا)،ولم تقبل بلغاريا والنمسا-المجر بذلك. - حادثة سراييفو:في 28يونيو1914تم مقتل ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند من طرف طالب بوسني( Princip)أثناء زيارته لمدينة سراييفو عاصمة البوسنة،وتعتبر السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى،ورأت النمسا-المجر الفرصة مناسبة حيث أرسلت إنذارا أعطت فيه مهلة 48ساعة لقبول شروط منها إشراف موظفين نمساويين في حادثة الاغتيال،ورفضت صربيا ذلك،فأعلنت النمسا الحرب عليها في 27يوليو،وأعلنت روسيا التعبئة العامة ومساندتها لصربيا،وقامت ألمانيا بتوجيه إنذار لروسيا (لإيقاف الاستعدادات)وفرنسا(لإعلان الحياد في حالة حدوث الحرب)،وأعلنت مساندتها للنمسا والحرب في1غشت،ودعمت فرنسا وإنجلترا روسيا.
شهدت الحرب العلمية الأولى تفوقا لدول المركز انقلب في نهايتها لتفوق دول الوفاق
المرحلة الأولى-
حرب الحركة:انطلقت الحرب باكتساح ألمانيا بلجيكا وهي دولة محايدة،وهجوم على فرنسا،وفي نفس الوقت تم إرسال قوات ألمانية إلى الجبهة الروسية،ووجدت القوات الألمانية نفسها في الجبهة الغربية أمام تحالف للجيوش الفرنسية والفرنسية وكانت المواجهة في هذه الجبهة عنيفة،ودخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا حيث أغلقت مضيق الدردنيل لمنع وصول الإمدادات إلى روسيا. - حرب المواقع:انتقلت القوات المتحاربة إلى حرب المواقع بسبب فشل الخطط الهجومية وذلك بحفر الخنادق ولذلك كان تقدم القوات بطيئا،وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى،وفي سنة 1915دخلت بلغاريا إلى جانب دول المركز،ودخلت إيطاليا مع دول الوفاق،واستمرت حرب الاستنزاف وخاصة في معركة فردان Verdun في فبراير 1916.وعرفت الحرب استخدام أسلحة جديدة و خاصة الدبابات والطائرات والغواصات والغازات الخانقة،وتم توجيه الاهتمام إلى إنتاج الأسلحة.
المرحلة الثانية-
اقتصرت مساندة الو.م.أ.لدول الوفاق على مدها بالأسلحة والمواد الغذائية،وأدى ضرب الغواصات الألمانية للسفن الأمريكية إلى إعلان الرئيس ولسون الحرب على دول المركز،في حين انسحبت روسيا بعد حدوث الثورة وتوقيع معاهدة بريست ليتوفسك بين ألمانيا وروسيا.وفي يوليو 1918حدثت معركة المارن حيث نتج عن الهجوم الألماني على باريس استنزاف القوات الألمانية التي بدأ تراجعها بوصول القوات الأمريكية،فانهارت بلغاريا(شتنبر)والدولة العثمانية(أكتوبر)والنمسا-المجر وألمانيا(نونبر).
كان للحرب العالمية الأولى عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية
ساهمت الحرب ع.أ. في حدوث تحولات اقتصادية واجتماعية-
النتائج البشرية والاجتماعية: •نتج عن الحرب سقوط الملايين من القتلى( 8مليون:ألمانيا1,8مليون،روسيا1,7مليون،النمسا-المجر1,4مليون، فرنسا1,3 مليون،بريطانيا750ألف،إيطاليا750ألف،الصرب365ألف،الو .م.أ.115ألف)والملايين من الجرحى،وانتشار الأوبئة وارتفاع نسبة الوفيات وأدى ذلك إلى تراجع الساكنة النشيطة وارتفاع نسبة الإناث والشيوخ. •وخلفت عن الحرب تحولات اجتماعية هامة كتوسع تشغيل النساء،وظهر أثرياء الحرب وتزايد عدد الفقراء. - النتائج الاقتصادية: •دمرت الحرب إضافة إلى الدور السكنية الطرق والسكك الحديدية والقناطر والمسالك النهرية والأراضي الفلاحية والمصانع والمناجم فانخفض الإنتاج الفلاحي والصناعي(التوجه نحو الإنتاج الحربي)واضطرت دول أوربا إلى الاستدانة من و.م.أ.التي أصبحت مزود دول أوربا بالمنتجات الفلاحية والصناعية خلال وبعد الحرب،وتضاعف فائضها التجاري واحتكرت نصف الاحتياطي العالمي للذهب،وأصبحت مركز القوة على المستوى الاقتصادي بدل بريطانيا. •وخلال الحرب استخدمت الدول الاستعمارية مستعمراتها بتجنيد الجنود واستغلال مواردها الاقتصادية.
تغيرت بسبب الحرب الخريطة السياسية لأوربا•انعقد مؤتمر السلام في باريس ما بين18يناير و28يونيو1919وشارك فيه32بلدا من بينها 27دولة شاركت في الحرب،ولم تشارك الدول المنهزمة،واستدعيت فقط للتوقيع على المعاهدات،وهيمنت فيه الدول الأربع الكبرى(الو.م.أ:ولسون، فرنسا: كليمونصو،إنجلترا:لويد جورج،إيطاليا:أورلاندو). •فرضت على الدول المنهزمة توقيع المعاهدات أبرزها: •معاهدة فرساي:وقعت مع ألمانيا في28يونيو1919،تضمنت تحميل ألمانيا مسؤولية حدوث الحرب وإلزامها بأداء التعويضات، وتحديد عدد جيشها،وإلغاء الخدمة العسكرية،وتجريد منطقة الراين من السلاح،وإرجاع الألزاس واللورين إلى فرنسا،وضع منطقة السار تحت إشراف عصبة الأمم وتنال فرنسا على مدى15سنة إلى غاية إجراء الاستفتاء الفحم المستخرج كتعويض عن الخسائر،وضم شمال شلزويك للدانمارك بعد إجراء الاستفتاء،وتأسيس بولونيا وإعطائها ممرا على البلطيق، وتجريد ألمانيا من المستعمرات ووضعها تحت انتداب فرنسا(القسم الأعظم من الطوغو والكاميرون)وجنوب إفريقيا(جنوب غرب إفريقيا)واليابان(الجزر الألمانية بالمحيط الهادي)واستراليا(غينيا الجديدة). •معاهدة سان جرمان:وقعت مع النمسا في10شتنبر1919،بفصل هنغاريا(المجر)عن النمسا،واقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد قواتها العسكرية. •معاهدة تريانون:وقعت مع المجر في4يونيو1920،باقتطاع مناطق من أراضيها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد الجنود. •معاهدة نويي:وقعت مع بلغاريا في 27نونبر1919،باقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد الجنود. •معاهدة سيفر:وقعت مع تركيا العثمانية في11غشت1920،التي تنازلت عن مناطقها لصالح فرنسا وإنجلترا(المناطق العربية)، والتنازل عن مناطقها بأوربا لصالح الدول المجاورة،ووضع مضيقي الدردنيل والبوسفور تحت الرقابة الدولية. •ونتج عن الحرب سقوط الإمبراطوريات(ألمانيا،النمسا-المجر،تركيا العثمانية،روسيا)وتغيرت الخريطة السياسية لأوربا لصالح الدول المنتصرة وظهرت دول جديدة(تشيكوسلوفاكيا،يوغوسلافيا،..)على حساب أقليات قومية. •وتم بضغط من الرئيس ولسون تأسيس عصبة الأمم يوم28أبريل1919،وتضم الجمعية العامة وتعقد دورة في السنة،ومجلس العصبة يتكون من خمس أعضاء دائمين:فرنسا،بريطانيا،إيطاليا،الو.م.أ.واليابان،وال أعضاء المؤقتين(4إلى8)ينتخبون كل ثلاث سنوات،ويجتمع ثلاث مرات في السنة،وتديرها كتابة عامة ولجان متخصصة.ولن تشارك فيها الو.م.أ.(رفض الكونغرس)وروسيا وألمانيا، ووظفت لصالح المصالح الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية.
خاتمة
كان للحرب العالمية الأولى نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة وكان لها آثارا بعيدة المدى ستؤثر على العالم وخاصة أوربا إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية.

برزت على الساحة الأوروبية ألمانيا وإيطاليا كدولتين قويتين
بعد تحقيق وحدتيهما سنة (1287هـ= 1870م)، وأخذتا تطالبان
بنصيبهما في المستعمرات، وتشاركان الدول الكبرى في التنافس
الاستعماري، وفي الوقت نفسه ازدادت التناقضات الأوروبية،
وازداد معها الشك وفقدان الثقة بين الدول الأوروبية، وكان مبدأ تحكيم القوة
بشكل مطلق في النزاع يسود ذلك العصر؛ فظهرت سياسة الأحلاف الأوروبية الكبرى
القائمة على مبدأ توازن القوى، وعرفت أوروبا سباق التسلح بين هذه التحالفات.

وكان الزعيم الألماني "بسمارك" قد ربط ألمانيا بمعاهدات تحالف ودفاع ضد كل من
روسيا وفرنسا، فأدى ذلك إلى حدوث تقارب روسي ـ فرنسي رغم اختلاف أنظمة الحكم
بهما، ووقِّع ميثاق عسكري بينهما سنة (1311هـ= 1893م) ضد ألمانيا عرف بالحلف
الثنائي، ليقف في مواجهة التحالف الثلاثي بزعامة ألمانيا، وهكذا انقسمت أوروبا
إلى معسكرين. وفي السنوات التالية لذلك بدأت الدول الأوروبية في تحالفات أخرى،
منها معاهدة التحالف البريطانية- اليابانية سنة (1320هـ= 1902م)، والاتفاق
الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة (1322هـ= 1904م).

والمعروف أن بريطانيا بدأت في تسوية خلافاتها مع فرنسا بسبب قلقها من تنامي
القوة الألمانية البحرية، وتقدمها الصناعي ونزعتها إلى الفتح والاستعمار،
وبذلك تخلت بريطانيا عن سياسة "العزلة المجيدة" عن دول أوروبا، ونتج عن
التقارب بين لندن وباريس تقارب مع موسكو، تحول سنة (1325هـ= 1907م) إلى وفاق
ثلاثي، وبهذا انقسمت أوروبا بين دول الوفاق الثلاثي -الذي يضم إنجلترا وفرنسا
وروسيا-، ودول الحلف الثلاثي الذي يضم ألمانيا والنمسا وإيطاليا، غير أن روابط
إيطاليا بالحلف الثلاثي كانت واهية، وأخذ الصراع في أوروبا يتخذ شكل تكتلات
بعد أن كان في الماضي يتخذ شكلا انفراديًا، وأصبح التهديد بين دولتين بالحرب
يتخذ شكل تهديد بالحرب بين كتلتين، أي حربا عالمية.

الأزمات

وقعت منذ عام (1324هـ= 1906م) أزمات في أوروبا بين دول الوفاق ودول الحلف،
وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، وكان أخطر هذه الأزمات في المغرب والبلقان،
ففي المغرب كانت سيطرة الفرنسيين الاقتصادية قد استفزت الإمبراطور الألماني
"وليم الثاني"؛ فدعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر دولي في الجزيرة الخضراء (1324هـ=
1906م) تحول إلى صراع دبلوماسي بين فرنسا وألمانيا، لقيت كل دولة منهما
التأييد من حليفاتها. وفي هذا المؤتمر ظهر احتمال قيام حرب بين ألمانيا وكل
من: فرنسا وبريطانيا وروسيا، وبحث العسكريون في هذه الدول الخطط المحتملة لهذه
الحرب.

وكانت الخطة الألمانية تقضي بأن يسحق الجيش الألماني فرنسا ويخرجها من ميدان
القتال بحركة التفاف واسعة النطاق عبر الأراضي البلجيكية، وحين ينتهي من ذلك
يقذف بكل قواته ضد الروس، وكان القيصر الألماني قد أصدر تعليمات بأن تقضي
الخطة العسكرية بدخول الألمان باريس خلال أسبوعين من الحرب.

أما الأزمة الثانية فقد وقعت في البلقان سنة (1326هـ= 1908م)، وكانت المشروعات
القومية في البلقان تمثل قنبلة موقوتة في قلب أوروبا؛ لأن كل دولة بلقانية لها
أحلامها القومية التي تتعارض مع الدول البلقانية الأخرى ومع مصالح الدول
الكبرى، وكانت إمبراطورية النمسا والمجر تقف في وجه كل الأماني القومية للصرب
والبلغار والرومانيين وغيرهم.

وقد انفجر الصراع عندما قررت النمسا ضم البوسنة والهرسك إليها، وكان هذا الأمر
يعني إبعاد مليون صربي عن وطنهم الأم إبعادًا أبديًا، وضمهم إلى الملايين
الخمسة من الصربيين الخاضعين لإمبراطورية النمسا، فأعلنت روسيا التي تعتبر
نفسها الأم لشعوب البلقان التعبئة العامة في (ذي الحجة 1326هـ= ديسمبر 1908م)؛
لكي تحتفظ بهيبتها.

فبدت الحرب وشيكة الوقوع، غير أن فرنسا لم تبد حماسًا لتأييد روسيا، ونصحت
بريطانيا النمسا بإعادة النظر في موقفها؛ فعرضت النمسا تقديم تعويض مالي
للسلطان العثماني عن ممتلكاته في البوسنة والهرسك، على أن تقبل الدول
الأوروبية الاعتراف بما حدث، إلا أن الروس راوغوا في قبول هذا الاقتراح، فهددت
ألمانيا روسيا التي رضخت لهذا التهديد.

وبالتالي لم يكن في وسع الصرب مواجهة النمسا، خاصة أن دعاة الحرب في النمسا
كان يروجون لفكرة ضرورة مواجهة الأفعى الصربية، وأن الحرب مع الصرب آتية لا
محالة ومن الأفضل التعجيل بها؛ فأقر الصرب بضم النمسا للبوسنة والهرسك، وبذلك
انتهت الأزمة التي هزت النظام القائم في أوروبا هزًا عنيفًا بانتصار التحالف
الألماني النمساوي، غير أن الطريقة التي هزم بها الوفاق الثلاثي (الروسي-
الفرنسي- الإنجليزي) قربت ساحة الحرب بدرجة كبيرة، فقد هزمت روسيا تحت تهديد
السلاح الألماني، وكان على دول الوفاق ألا تسمح بحدوث ذلك مرة أخرى.

أزمة أغادير

وجاءت أزمة أغادير في (شعبان 1336هـ= يوليو 1911) لتقرب الطريق إلى الحرب، فقد
انتهزت فرنسا الوضع الداخلي في المغرب، وأرسلت حملة بحرية لمساعدة سلطانها،
فأثار هذا العمل ألمانيا التي أرسلت إحدى مدمراتها إلى ميناء أغادير المغربي
بحجة حماية المصالح والرعايا الألمان؛ فأعلن رئيس الوزراء البريطاني "مانش
هاوس" أن بلاده لن تقف ساكنة إذا فُرضت الحرب على فرنسا، وأدرك الجميع بعد
خطاب هاوس أن ألمانيا أمام خيارين إما أن تقاتل أو تتراجع، إلا أن هذه الأزمة
انتهت باتفاقية أصبحت بمقتضاها المغرب فرنسية، مع احتفاظ ألمانيا بالحق في
التجارة بها، وتعويضها بشريطين كبيرين في الكونغو الفرنسي.

وقد تغيرت السياسة الفرنسية تغيرًا جذريًا بعد أزمة أغادير، فقد تولت السلطة
في باريس حكومة ذات نزعة وطنية متطرفة بزعامة بوانكاريه، حيث تبنت إستراتيجية
الدفاع الهجومي لمواجهة ألمانيا أو ما يعرف بالحرب الوقائية بدلا من
إستراتيجية الدفاع فقط، وأدى ذلك إلى قيام فرنسا بحمل روسيا على التخلص من
جميع ارتباطاتها مع ألمانيا، في مقابل حصولها على مساندة فرنسية للادعاءات
الروسية في البلقان، وأعلنت فرنسا أنه إذا تدخلت ألمانيا في حرب تنشب في
البلقان، فستدخل تلك الحرب إلى جانب روسيا في كل الأحوال.

أما إيطاليا فاستغلت أزمة أغادير لتحقيق أطماعها في شواطئ ليبيا وبحر إيجه،
وأعلنت الحرب على الدولة العثمانية، فوقفت ألمانيا إلى جانب الدولة العثمانية،
وهو الأمر الذي ساعد على خروج إيطاليا من الحلف الثلاثي وإعلانها الحرب على
ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى.

سباق التسلح

استعملت الدبابة لأول مرة في الحرب العالمية الأولى كان برنامج التسلح
الألماني البحري يقوم على أن يكون لألمانيا أسطول بحري مقاتل يكون أقوى من أي
قوة بحرية تملكها أعظم دولة بحرية معادية، وقد أقنعت أزمة أغادير بريطانيا
وألمانيا بأن الحرب ستكون السبيل الوحيد لحل أي خلاف بينهما في المستقبل؛ لذلك
تسابقت الدولتان في التسلح البحري، وكان المبدأ الذي تتمسك به بريطانيا
لامتلاكها ناصية البحار هو أن تكون قوة الأسطول الإنجليزي مساوية لجموع قوات
أقوى دولتين بحريتين في العالم؛ لذلك قلقت لندن من برنامج التسلح البحري
الألماني.

أزمة البلقان

كان الصرب والبلغار يأملون أن تساعدهم روسيا في المستقبل؛ لذلك تنصلوا من
وعودهم للنمسا في عدم القيام بدعاية للجامعة الصربية والدولة السلافية الكبرى
في داخل النمسا والمجر، وانتهى الأمر بتكوين العصبة البلقانية التي تضم
بلغاريا واليونان والصرب، وحذرت الدول الكبرى هذه العصبة من أي محاولة لتمزيق
ممتلكات الدولة العثمانية في البلقان، غير أن الصرب أعلنوا الحرب على
العثمانيين في (ذي القعدة 1330هـ= أكتوبر 1912م) فاشتعلت الحرب في البلقان،
وفي ستة أسابيع انتزعت العصبة البلقانية جميع أراضي العثمانيين في أوروبا ما
عدا القسطنطينية.

وأثارت هذه الانتصارات النمسا التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي، وكان أهم غرض
للنمسا هو حرمان الصرب من منفذ بحري مباشر على بحر الأدرياتيك، وأصبحت ألبانيا
مركزًا للصراع الدبلوماسي الشديد بين النمسا وروسيا، لكن المشكلة سويت بإقامة
دولة مستقلة في ألبانيا يحكمها ألماني، ووقعت معاهدة لندن التي حصرت الأملاك
العثمانية في أوروبا في القسطنطينية وشبه جزيرة غاليبولي.

ولم يكد مداد معاهدة لندن يجف حتى نشبت الحرب بين دول العصبة البلقانية الثلاث
على مغانم الحرب، وتدخلت الدولة العثمانية ورومانيا في تلك الحرب، وتدخلت
الدول الكبرى لتحقيق مصالحها خاصة روسيا والنمسا، وانتهت الحرب البلقانية
الثانية بهزيمة بلغاريا وضعفها، وتنامي قوة صربيا، وتزعزع مكانة النمسا
الدولية؛ لذلك فكرت النمسا في سحق صربيا عسكريًا لتفادي خطر تكوين دولة صربيا
الكبرى، وبالتالي تسببت الحروب البلقانية في زيادة التوتر داخل الكتلتين
الأوروبيتين المتصارعتين: الحلف الثلاثي، والوفاق الثلاثي، والاستعداد لمواجهة
عسكرية كبرى.

الحرب العالمية الأولى

وقد تهيأت الظروف لنشوب حرب عالمية كبرى بين الدول الأوربية عقب اغتيال طالب
صربي متطرف لولي عهد النمسا الأرشيدق "فرانز فيرديناد" وزوجته في سراييفو يوم
(4 شعبان 1332 هـ= 28 يونيه 1914م)، فانتهزت النمسا هذا الحادث وأعلنت الحرب
ضد صربيا، وسرعان ما انتشرت هذه الحرب المحلية لتشمل القارة الأوروبية كلها،
فقد شعرت روسيا بمسئوليتها عن حماية الصرب فأعلنت التعبئة العامة، ورفضت
الإنذار الألماني بوقف هذه التعبئة، فأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا.

ولما كانت فرنسا مرتبطة بتحالف مع روسيا، أعلنت ألمانيا عليها الحرب، وأخذت في
تنفيذ مشروعها الحربي في غزو فرنسا عن طريق اختراق بلجيكا ولوكسمبورج في (14
من رمضان 1332هـ= 14 من أغسطس 1914م)، وكانت تلك بداية الحرب العالمية الأولى،
التي شارك فيها ثلاثون دولة، واستمرت أربع سنوات ونصف السنة.

كان الحلفاء يتفوقون على ألمانيا والنمسا والمجر في القوة العسكرية، فقد كان
لديهم (30) مليون مقاتل، في مقابل (22) مليون مقاتل، وكان للبحرية الإنجليزية
السيطرة على البحار. أما الجيش الألماني فكان أفضل الجيوش الأوروبية وأقواها،
وبلغت قوته أربعة ملايين وثلاثمائة ألف مقاتل مدربين تدريبًا كاملا، ومليون
مقاتل مدربين تدريبًا جزئيًا.

وبدأت ألمانيا في تنفيذ خطتها لغزو فرنسا التي وضعت قبل تسع سنوات، غير أن
روسيا انتهزت فرصة انشغال القوات الألمانية في فرنسا، وأرسلت جيشين كبيرين
لتطويق القوات الألمانية في روسيا الشرقية، الأمر الذي اضطر ألمانيا إلى سحب
ثلثي القوات الألمانية بعد أن كانت على بعد (12) ميلا من باريس، وانتصر
الألمان على الروس في معارك تاننبرج الشهيرة، وفقدت روسيا ربع مليون من
جنودها، إلا أن هذا الانتصار أدى إلى هزيمة الألمان أمام الفرنسيين في معركة
المارن الأولى، وكتب الخلاص لباريس من السيطرة الألمانية، وتقهقر الألمان
وأقاموا المتاريس والخنادق، وتحولت الحرب منذ ذلك الحين إلى حرب خنادق احتفظ
خلالها الألمان بتفوق نسبي فكانوا على بعد (55) ميلا من باريس.

لم تمنع هزيمة روسيا أمام الألمان من قتال النمسا والانتصار عليها حيث أجبرتها
على الارتداد إلى مدينة كراكاو البولندية القديمة، وأصبح الروس في وضع يهددون
فيه ألمانيا تهديد خطيرًا؛ لأنهم لو تمكنوا من احتلال كراكاو لأمكنهم تدمير خط
الدفاع على الحدود الألمانية بأسره، ولم يجد الألمان وسيلة غير تهديد وارسو في
بولندا الخاضعة للسيادة الروسية، واشتبك الطرفان في معارك "لودز" التي انتهت
بحماية الحدود الألمانية.

الدولة العثمانية والحرب العالمية الأولى

وفي نهاية (ذي الحجة 1332هـ= أكتوبر 1914م) دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى
جانب ألمانيا ضد روسيا، فقام الحلفاء بحملة عسكرية ضخمة على شبه جزيرة
غاليبولي بهدف إنشاء ممر بين البحرين الأبيض والأسود، والاستيلاء على
القسطنطينية لإنقاذ روسيا من عزلتها، وتطويق ألمانيا، غير أن هذه الحملة فشلت
وانهزم الأسطول الإنجليزي وكانت كارثة كبيرة للحلفاء، فعمدوا إلى مهاجمة
الدولة العثمانية في ممتلكاتها في الشرق الأوسط فاستولوا على الممتلكات
الألمانية في الشرق الأقصى والمحيط الهادي.

إيطاليا والحرب العالمية الأولى

وفي (رجب 1333هـ= مايو 1915م) أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا بعد أن كانت
أعلنت حيادها عند نشوب الحرب، فقد أغراها الحلفاء بدخول الحرب لتخفيف الضغط عن
روسيا مقابل الحصول على أراض في أوروبا وإفريقيا، واستطاع الإيطاليون رغم
هامشية دورهم وضع الإمبراطورية النمساوية في أحرج المواقف؛ لذلك قامت الدول
المركزية بحملة عليها بقيادة القائد الألماني بيلوف، وألحقوا بإيطاليا هزيمة
ساحقة في كابوريتو في (المحرم 1336هـ= أكتوبر 1917م)، وأصبح ضعف إيطاليا هو
الشغل الشاغل للحلفاء طوال ذلك العام.

الحرب عام 1915

استطاع الألمان عام (1334هـ= 1915م) تحقيق مزيد من الانتصارات على الحلفاء،
فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة "جورليس تارناو" في (رجب 1333هـ= مايو
1915م)، واحتلوا بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين
الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها، إلا أن الروس حققوا بعض الانتصارات
الجزئية على الألمان، كلفتهم (325) ألف أسير روسي، الأمر الذي لم يتمكن بعده
الجيش الروسي من استرداد قواه.

وأدى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية
والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية.
واستطاع الألمان في ذلك العام أن يحققوا انتصارات رائعة على بعض الجبهات، في
حين وقفت الجبهة الألمانية ثابتة القدم أمام هجمات الجيشين الفرنسي
والبريطاني، رغم ظهور انزعاج في الرأي العام الإنجليزي من نقص ذخائر الجيش
البريطاني ومطالبته بتكوين وزارة ائتلافية، وحدثت تغييرات في القيادة العسكرية
الروسية.

الحرب عام 1916

تميز ذلك العام بمعركتين كبيرتين نشبتا على أرض فرنسا دامت إحداهما سبعة أشهر،
والأخرى أربعة أشهر، وهما معركة "فردان" و"السوم"، خسر الألمان في المعركة
الأولى (240) ألف قتيل وجريح، أما الفرنسيون فخسروا (275) ألفا. أما معركة
السوم فقد استطاع خلالها الحلفاء إجبار الألمان على التقهقر مائة ميل مربع،
وقضت هذه المعركة على الجيش الألماني القديم، وأصبح الاعتماد على المجندين من
صغار السن، وخسر الجيش البريطاني في هذه المعركة ستين ألف قتيل وجريح في اليوم
الأول.

وظهرت في هذه المعارك الدبابة لأول مرة في ميادين القتال، وقد استطاع الروس
خلال ذلك العام القيام بحملة على النمسا بقيادة الجنرال بروسيلوف، وأسروا
(450) ألف أسير من القوات النمساوية والمجرية؛ فشجع هذا الانتصار رومانيا على
إعلان الحرب على النمسا والمجر، فردت ألمانيا بإعلان الحرب عليها، واكتسح
الألمان الرومانيين في ستة أسابيع ودخلوا بوخارست.

حرب الغواصات والولايات المتحدة

وجرت في ذلك العام حرب بحرية بين الألمان والإنجليز عرفت باسم "جاتلاند"، خرج
خلالها الأسطول الألماني من موانيه لمقاتلة الأسطول الإنجليزي على أمل رفع
الحصار البحري المفروض على ألمانيا، وانتصر الألمان على الإنجليز وألحقوا
بالأسطول الإنجليزي خسائر فادحة، ولجأ الألمان في تلك الفترة إلى "حرب
الغواصات" بهدف إغراق أية سفينة تجارية دون سابق إنذار، لتجويع بريطانيا
وإجبارها على الاستسلام، غير أن هذه الحرب استفزت الولايات المتحدة، ودفعتها
لدخول الحرب في (رجب 1335هـ= إبريل 1917م)، خصوصًا بعد أن علمت أن الألمان
قاموا بمحاولة لإغراء المكسيك لكي تهاجم الولايات المتحدة في مقابل ضم ثلاث
ولايات أمريكية إليها.

وكانت الولايات المتحدة قبل دخولها الحرب تعتنق مذهب مونرو الذي يقوم على عزلة
أمريكا في سياستها الخارجية عن أوروبا، وعدم السماح لأية دولة أوروبية بالتدخل
في الشؤون الأمريكية، غير أن القادة الأمريكيين رأوا أن من مصلحة بلادهم
الاستفادة من الحرب عن طريق دخولها.
وقد استفاد الحلفاء من الإمكانات والإمدادات الأمريكية الهائلة في تقوية
مجهودهم الحربي، واستطاعوا تضييق الحصار على ألمانيا على نحو أدى إلى إضعافها.


الحرب عام 1917

ومن الأحداث الهامة التي شهدها عام (1336 هـ= 1917م) قيام ونجاح الثورة
البلشفية في روسيا، وتوقيع البلاشفة صلح برست ليتوفسك مع الألمان في (جمادى
الآخرة 1336هـ= 1918م)، وخروج روسيا من الحرب. وشهد ذلك العام ـ أيضًا ـ قيام
الفرنسيين بهجوم كبير على القوات الألمانية بمساعدة القوات الإنجليزية، غير أن
هذا الهجوم فشل وتكبد الفرنسيون خسائر مروعة سببت تمردًا في صفوفهم، فأجريت
تغييرات في صفوف القيادة الفرنسية.
ورأى البريطانيون تحويل اهتمام الألمان إلى الجبهة البريطانية، فجرت معركة
"باشنديل" التي خسر فيها البريطانيون (300) ألف جندي بين قتيل وجريح، ونزلت
نكبات متعددة في صفوف الحلفاء في الجبهات الروسية والفرنسية والإيطالية، رغم
ما حققه الحلفاء من انتصارات على الأتراك ودخولهم العراق وفلسطين.

الحرب عام 1918 ونهاية المأساة

شجع خروج روسيا من الحرب القيادة الألمانية على الاستفادة من (400) ألف جندي
ألماني كانوا على الجبهة الروسية وتوجيههم لقتال الإنجليز والفرنسيين، واستطاع
الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في (جمادى الأولى 1336هـ= مارس 1918م)،
وتوالت معارك الجانبين العنيفة التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح،
والأموال، وقدرت كلفة الحرب في ذلك العام بحوالي عشرة ملايين دولار كل ساعة.

وبدأ الحلفاء يستعيدون قوتهم وشن هجمات عظيمة على الألمان أنهت الحرب، وقد
عرفت باسم "معركة المارن الثانية" (شوال 1336هـ= يوليه 1918م) وكان يوم (1 من
ذي القعدة 1336 هـ = 8 أغسطس 1918 م) يومًا أسود في تاريخ الألمان؛ إذ تعرضوا
لهزائم شنيعة أمام البريطانيين والحلفاء، وبدأت ألمانيا في الانهيار وأُسر
حوالي ربع مليون ألماني في ثلاثة شهور، ودخلت القوات البريطانية كل خطوط
الألمان، ووصلت إلى شمال فرنسا، ووصلت بقية قوات الحلفاء إلى فرنسا.

واجتاحت ألمانيا أزمة سياسية عنيفة تصاعدت مع توالي الهزائم العسكرية في ساحات
القتال، فطلبت ألمانيا إبرام هدنة دون قيد أو شرط، فرفض الحلفاء التفاوض مع
الحكومة الإمبراطورية القائمة، وتسبب ذلك في قيام الجمهورية في ألمانيا بعد
استقالة الإمبراطور الألماني، ووقعت الهدنة التي أنهت الحرب في (6 من صفر
1337هـ= 11 نوفمبر 1918م) بعد أربع سنوات ونصف من القتال الذي راح ضحيته عشرة
ملايين من العسكريين، وجرح (21) مليون آخرين.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:08 PM

3.
معركة بدر الكبرى

لقد بدأت الأسباب الموضوعية تنضج لحدوث الصراع المباشر بين قريش والمسلمين، بعد أن حسمت قريش خيار المواجهة مع المسلمين في ظلّ إصرار من قبل الرسول (ص)، على اقتحام مواطن التأثير في الحياة القرشية والمكية، ولذلك لـم يبقَ إلاَّ السبب المباشر لحصول الانفجار بين الطرفين وكان في ذلك الوقت قد ترامت الأنباء إلى يثرب أنَّ قافلة كبيرة لقريش تضمّ ألف بعير قادمة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بما لا يزيد على الأربعين من الرجال.
إنَّ وقوع مثل هذه القافلة بأيدي المسلمين سيشكل لو حصل ضربة قاصمة لقريش من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ويجعل المسلمين يحقّقون أيضاً مكسباً سياسياً واقتصادياً، يجعل من قريش عاجزة عن التصدّي لمقوم حياتها الأساسي، ما يمكن أن يؤدي إلى زوال كيانها لو استمرت الحال هذه على نفس الوتيرة من النكسات، وما نلمسه من قول الرسول (ص) فإنَّ التركيز يتمّ على العامل الاقتصادي "هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعلّ اللّه ينفلكموها".
ولـم يعزم الرسول (ص) على أحد بالخروج ولـم يستحث متخلّفاً، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، ثُمَّ سار ـ بعد ـ بمن أمكنه الخروج، ونظراً لأنَّ أحداً لـم يكن يتوقع أنَّ لقاءً مسلحاً حاسماً سيتمخض عن التحدّي الجديد، وحسبوا أنَّ مضيهم في هذا الوجه لـم يختلف عمّا ألفوه في السرايا والغزوات السابقة، لذلك لـم يأخذوا أهبتهم الكاملة من السّلاح والتأهب.
وكانت همم المسلمين قد فترت عندما وردت إليهم أخباراً تفيد بأنَّ القافلة قد غيّرت طريقها، وغالب الرسول (ص) هذا الفتور العارض، وحذّر صحابته من عقبى العود السريع إلى المدينة إن فاتهم مال مكة وخرج إليهم رجالها، وأصرّ على ضرورة تعقب المشركين كيف كانوا، وذلك في قوله تعالى: ] كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنَّ فريقاً من المؤمنين لكارهون0 يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنَّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون[ (الأنفال:5 ـ 6).
والذين كرهوا لقاء قريش، ما كانوا ليهابوا الموت، ولكنَّهم لـم يعرفوا الحكمة في خوض معركة مباغتة دون إتقان ما ينبغي لها من عدّة وعدد، بيد أنَّ الرسول(ص) بحكمته قد استطاع أن يبـرّد هذه المخاوف واختفت على عجل من المسلمين مشاعر التردّد، وانطلق الجميع خفافاً إلى غايتهم.
أمّا أبو سفيان فإنَّه ما إن أحسّ بالخطر على قافلته، حتّى أرسل (ضمضم بن عمرو الغفاري) إلى مكة يستصرخ أهلها حتى يُسارعوا إلى استنقاذ أموالهم. وما إن وصل ضمضم إلى مكة حتّى صرع بعيره، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وراح يصرخ، يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمَّد مع أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث!
وسرعان ما استجاب النّاس لندائه، فهم إمّا خارج وإمّا باعث مكانه رجلاً، وتجمعت قريش كلّها في تسعمائة وخمسين رجلاً، معهم مائتا فرس يقودونها، ولـم يتخلّف من أشرافها أحد خلا أبو لهب الذي يبدو أنَّ مرضه وكبره أقعداه عن اللحاق بالمستنفرين.
لكنَّ أبا سفيان لـم ينتظر قدوم النجدة، بل بذل أقصى ما لديه من حذرٍ ودهاء لمخاتلة المسلمين والإفلات من قبضتهم، وقد كاد يسقط بالعير جمعاء في أيديهم وهم يشتدون في مسيرهم نحو بدر، غير أنَّ الحظ أسعفه، والتقى بمجدي بن عمرو فسأله إذا كان قد أحسّ بأحد، فقال له ما رأيت أحداً أنكره غير أنَّي رأيت راكبين أناخا في هذا التل ثُمَّ استقيا في شنّ لهما وانطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما، وتناول بعرات من فضلات الراحلتين ثُمَّ فتها فإذا فيها النوى، فقال: هذه واللّه علائف يثرب! وأدرك الرجلين من أصحاب محمَّد وأنَّ جيشه هنا قريب فرجع إلى العير يضرب وجهها عن الطريق شارداً نحو الساحل، تاركاً بدراً إلى يساره، وبذلك استطاع أبو سفيان أن يفلت من قبضة المسلمين.
ولما أحرز أبو سفيان القافلة أرسل إلى قريش يدعوهم إلى الرجوع إلى مكة "إنَّكم إن خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجّاها اللّه فارجعوا، ولكنَّ أبا جهل بن هشام رفض العودة وأصرّ على المضي إلى بدر حيث كان للعرب هناك سوق يجتمعون فيه كلّ عام ثلاثة أيام ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتفرّق علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وبجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها".
ولعلّ أبو جهل كان ينطق بما يختلج لدى قريش ويُعبّر عن الأزمة التي حلّت بها جراء ما حقّقه المسلمون من انتصار على المستويات السياسية والعسكرية والنفسية ولهذا كان لا بُدَّ لقريش من أن تعمل لكي تعيد الاعتبار إلى مكانتها، وهيمنتها على بقاع واسعة من الحجاز.
وفي المقابل كان الرسول (ص) قد انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً مستخلفاً على المدينة أبا لبابة ومقيماً عمرو بن أم مكتوم إماماً على الصلاة بالنّاس ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير، وأمّا الرايتان السوداوان فقد حمل عليّ إحداهما وتدعى العقاب، أمّا الأخرى فقد حملها بعض الأنصار.
أمّا العتاد فكان متواضعاً قياساً لما كان يمتلكه أهالي قريش فلم يكن لديهم سوى سبعين بعيراً كان كلّ ثلاثة يتناوبون واحداً منها، ومن الخيول اثنتين.
ولما وصل المسلمون قريباً من بدر حيث طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام بعث الرسول (ص) إلى هناك اثنين من أتباعه ليحتسب له الأخبار عن قافلة أبي سفيان التي كانوا يظنون أنَّها لا زالت في المنطقة، وانطلق هو وأصحابه في أعقابهما.
وما لبث الرسول (ص) أن عسكر بأصحابه قريباً من ماء بدر وعندما حلّ المساء بعث ثلاثة من رجاله الموثوقين، عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، على رأس جماعة من المسلمين ليتحسسوا الأحوال ويلتمسوا الأخبار، فألقوا القبض على غلامين لقريش كانا يمدانها بالماء، فجاؤوا بهما إلى الرسول (ص) ـ وهو قائم يصلي فسألوهما عن انتمائهما فاعترفا بانتمائهما للجيش القرشي "نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء".
وبعد أن أنهى (ص) صلاته سألهما عن أحوال قريش، فأخبراه: "هم واللّه وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهم: كم القوم؟ قالا: لا ندري، قال: كم تنحرون كلّ يوم؟ قالا يوماً تسعاً ويوماً عشراً، فقال (ص): القوم بين التسعمائة والألف، ثُمَّ سألهما: فمن فيها من أشراف قريش؟ فطفقا يستعرضان عدداً من قادة قريش فيهم عتبة وشيبة أبناء ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأميّة بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود، ونوفل بن خويلد... وحينذاك أقبل الرسول (ص) على أصحابه وقال: هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ أكبادها...".
وهنا أدرك الرسول (ص) أنَّه أمام وضع جديد، يقضي بمواجهة قريش بعدتها وعديدها، بالرغم من قلّة السّلاح، ونقص الاستعداد، ولكن يحدوه أمل كبير باللّه وبالمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، خاصة وأنَّه سيترتب على هذه الواقعة آثار مستقبلية على الإسلام فإن لـم يتصدَ لها في أول تحدٍّ حاسم فإنَّ نكسة خطيرة ستصيب الدعوة والدولة على السواء.
ولكن الرسول(ص) قبل أن يقدم على خوض المعركة أراد أن يستمزج آراء أصحابه، وأذاع عليهم تفاصيل ما ورد، وأحبّ أن يكونوا على علم من حقيقة الموقف ليكونوا على بصيرة من أمرهم، ووقف عمر بن الخطاب يحذره من قريش وخيلائها، وقال له رسول اللّه: "إنَّها قريش وغدرها واللّه ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، واللّه لا تسلم عزها أبداً ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته وأعدّ لذلك عدّته"، ولكنَّ المقداد بن عمرو من المهاجرين وقف وقال: يا رسول اللّه امضِ لما أراك اللّه فنحن معك واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ] اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون[ (المائدة:52)، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا فإنَّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحقّ لو سرت نبأ إلى برك العماد (موقع من وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر) ولجالدنا معك من دونها حتّى تبلغها".
وخاف أن لا يكون للأنصار رغبة في القتال، لأنَّهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم، فأخذ برأيهم في ذلك أيضاً، فقال سعد بن معاذ: "قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ، فامضِ يا رسول اللّه لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف عنك رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّ الصبر في الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعلّ اللّه يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة اللّه.
وعندما رأى الرسول (ص) عزم أصحابه على مواجهة قريش، سرّ بذلك وقال: "سيروا وأبشروا فإنَّ اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين واللّه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم".
وهنا يجب الإلفات إلى نقطة مهمة مما حصل في الاستعداد لمعركة بدر، حيثُ أخذ رسول اللّه (ص) برأي الحباب بن المنذر الذي سأله بعد أن نزل أدنى ماء من بدر، يا رسول اللّه أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلاً أنزلك اللّه ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول اللّه فإنَّ هذا ليس بمنزل فانهض بالنّاس حتّى نأتي ماء من القوم فننزله ثُمَّ نفوّر ما وراءه من الآبار ثُمَّ نبني عليها حوضاً فنملأه ماء، ثُمَّ نقاتل القوم فنشرب ولا يشربـون فقال الرسول (ص): لقد أشرت بالرأي ثُمَّ أمر بتنفيذ خطّته، فلم يجىء نصف الليل حتّى تحولوا كما رأى الحباب، وامتلكوا مواقع الماء".
وقضى المسلمون ليلاً هادئاً وغمرت الثقة قلوبهم، وتساقط عليهم مطر خفيف فلبدت أرض الصحراء بما يتيح للمسلمين حركة سريعة فوقها وقد تحدّث القرآن الكريـم عن هـذه الأجواء بقوله تعالى: ] إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزّل عليكم من السّماء ماء ليطهركم به ويُذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام[ (الأنفال:11).
وقد عبّر الرسول (ص) عن خطورة المواجهة مع قريش، وأنَّ الانتصار فيها سيحقّق للمسلمين مكاسب مهمة على كافة الصعد لا سيما على الصعيد الديني ما يشكل ديمومة واستمراراً للدين الإسلامي، وقد جاء في دعائه: "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض"، مدللاً على انقياده المطلق للّه وأنَّ النصر منه سبحانه: "اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ نصرك"، وجاء في موقع آخر في دعائه: "اللّهمّ هذي قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذّب رسولك، اللّهمّ فنصرك الذي وعدتني".
وعندما حلّ الفجر كان الرسول (ص) قد صلّى بالمسلمين وراح ينظمهم صفوفاً ويحرضهم على القتال، وأرسل عمّاراً بن ياسر وابن مسعود فطافا بالمشركين ثُمَّ رجعا إلى النبيّ (ص) يخبراه بأنَّ القوم مذعورون فزعون، كما أنَّ الخلاف حصل بين قادة قريش فرأى بعضهم التخلي عن القتال والعودة إلى مكة بعدما عرفوا نزول المسلمين قريباً منهم، وعلى رأس هؤلاء حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة، إلاَّ أنَّ أبا جهل أصرّ على الحرب واستثار عامر بن الحضرمي بتذكيره بمقتل أخيه عمرو في سرية عبد اللّه بن جحش الذي تفاعل مع هذه الاستثارة ما دفع قريشاً بدورها لأن تستفز وتصرّ على القتال.
وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان تقدم الأسود بن عبد الأسد المخزومي الذي عرف بشراسة الطبع وسوء الخلق، وقال: أعاهد اللّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه أو أموتن دونه، فتصدّى له حمزة بن عبد المطلب وتمكن من قتله في الحوض نفسه، وبرز عتبة بن ربيعة يحفّ به أخوه شيبة وابنه الوليد ودعا إلى المبارزة فخرج إليه ثلاثة من فتيان الأنصار، ولكنَّ القرشيين دعوا النبيّ (ص) أن ينازلهم أكفاء من قومهم، فاستجاب الرسول (ص) لهذا التحدّي وأمر عبيدة بن الحارث وحمزة عليّاً (ع) بالتصدّي لهم.
وسرعان ما تمكن حمزة من قتل شيبة وفعل عليّ ذلك بغريمه الوليد، أمّا عبيدة فقد جرح غريمه وأصابه هو الآخر بجرح مميت فانقض عليّ والحمزة عليه وأجهزا عليه وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين حيثُ توفي.
هذه الجولة أغاظت قريش ومن جانبها حفزت المسلمين على القتال خاصة بعد أن أمطرت قريش معسكر المسلمين بوابل من السهام، وزحف الجيشان نحو بعضهما وأصدر الرسول أوامره إلى أصحابه ألاّ يهاجموا حتّى يأذن لهم وأن يبعدوا مهاجميهم القرشيين بالنبال.
وعاد (ص) إلى العريش يراقب المعركة ويشرف عليها وهو يدعو ربّه ويقول: "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد".
ولما اتسع نطاق المعركة، واقتربت من قمتها كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم، وألحقوا بهم خسائر فادحة، وخرج الرسول (ص) من موقعه يحثهم على القتال، وهو يقول: "والذي نفس محمَّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر إلاَّ أدخله اللّه الجنّة"، وراح الرسول (ص) يجالد المشركين بنفسه ويتقدّم الصفوف حتّى أنَّ عليّاً (ع) قال عنه: "لما أن كان يوم بدر وحضر البأس التقينا برسول اللّه وكان أشدّ النّاس بأساً وما كان منّا أحد أقرب إلى العدو منه".
ووهت صفوف المشركين تحت وطأة الضغط الذي مارسه المسلمون عليهم، تدفعهم إلى ذلك موجة عارمة من الإيمان ورغبة عميقة بالاستشهاد، تؤازرهم ثلة من الملائكة المقربين، وهو قوله تعالى: ] إذ يوحي ربُّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان0ذلك بأنَّهم شاقوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنَّ اللّه شديد العقاب0ذلكم فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النّار[ (الأنفال:12ـ14).
وحاول أبو جهل أن يستنهض قومه وتلافي الهزيمة اللاحقة بهم، ودعاهم إلى الصمود فأحاطت به فلول المشركين، ولكن هذه الغابة من المشركين لـم تصمد أمام قوّة إيمان المسلمين ورباطة جأشهم، يعززهم الإيمان الراسخ، ووقع أبو جهل نفسه في مصيدة المؤمنين.
ولحقت بالمشركين هزيمة ساحقة، وفروا لا يلوون على شيء، مخلفين وراءهم ما يربو على سبعين قتيلاً ومثلهم أسرى، أمّا خسائر المسلمين فكانت أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وفي ذلك قال سبحانه وتعالى: ] ولقد نصركم ببدر وأنتم أذلة فاتقوا اللّه لعلّكم تشكرون[ (آل عمران:123).
ولـم يلبث أن بعث الرسول (ص) عبد اللّه بن رواحة وزيد بن الحارثة إلى المدينة ليبشروا أهلها بانتصار المسلمين وأقبل في أعقابهما بعد تسعة عشر يوماً من غيابه عنها مستصحباً معه أسرى المشركين بعد أن قسّم الغنائم على المسلمين على السواء، وعندما وصل إلى (الروحاء) قريباً من المدينة لقيه المسلمون الذين لـم يخرجوا للقتال يهنئونه بما فتح اللّه عليه ومن معه من المسلمين... وما إن وصل إلى المدينة حتى فرّق الأسارى بين أصحابه.
ومن اللافت أنَّ العديد من القضايا المتعلّقة بشؤون المجتمع، وخاصة في حالة الحرب، تدخل الوحي بعد معركة بدر للتشريع لها وحلّها، ومنها مسألة الخلاف حول حيازة الغنائم، ومحاولة كلّ فريق الاستئثار بها، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى: ] يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرسول فاتقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين[ (الأنفال:1) فقسّمها رسول اللّه بين المسلمين بعد أن أخرج خمسها كما نصّت الآية: ] واعلموا أنَّما غنمتم من شيء فإنَّ للّه خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيء قدير[ (الأنفال:41).
كما تطرق الوحي لقضية الأسرى الذين وقعوا في قبضة المسلمين، وشرّع لها، وكان(ص) قد وزعهم بين المسلمين وأمرهم أن يستوصوا بهم خيراً، فرأى البعض الإبقاء عليهم للانتفاع بثرواتهم، ورأى آخرون ضرورة الاقتصاص من مآثمهم السابقة وجاء في بعض المرويات أنَّه فرض على من يحسن القراءة والكتابة أن يعلّمها لأطفال المسلمين في مقابل فدائه، وكانت الفدية تتراوح ما بين ألفي درهم وأربعة آلاف درهم، وفي ذلك قوله تعالى: [وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا واللّه يريد الآخـرة واللّه عزيزٌ حكيم لولا كتاب من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتـم عذاب عظيم[ (الأنفال:68).
وجاء في آية أخرى:] فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا اللّه إنَّ اللّه غفورٌ رحيم0يا أيُّها النبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى أن يعلم اللّه في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفور رحيم0وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم واللّه عليم حكيم[ (الأنفال:69ـ71).
واختلف المفسرون في أنَّ الخطاب متجه في هذه الآيات إلى النبيّ (ص) أو إلى المسلمين والرأي الراجح أنَّ الخطاب في هذه الآيات موجه إلى المسلمين.
وفي ما يتعلّق بالأسرى، فإنَّ الآية الثانية التي وردت ليس فيها ما يدلّ على تحريـم الأسر، وتؤكد إباحة ما أخذوه من الغنائم التي تشمل فداء الأسرى.
أحدث انتصار المسلمين في موقعة بدر صدمة عنيفة أفقدت قريش توازنها، وخلخلت قوّتها العسكرية، ما أدّى إلى حرمانها من تفوقها في الحجاز، ما جعل أهل مكة ينطوون على أنفسهم، ويداوون جراحهم، ويستعيدون قواهم استعداداً لنيل ثأرهم.
وفي المقابل أظهرت المعركة المسلمين كقوّة لا يُستهان بها، ما فتح عيون القبائل العربية على واقع جديد جعلها تأخذ احتياطاتها اللازمة بشأن العلاقة مع قريش للحفاظ على مصالحها، كما أنَّه وسّع من دائرة الاستهداف الإسلامي لقريش، حيثُ أضحى الساحل الحجازي برمته منطقةً غير آمنة للقوافل التجارية، ما اضطر قريش إلى تغيير طرق القوافل، وهذا ما دلّت عليه السرايا والغزوات التي أنفذها المسلمون بعد موقعة بدر.
أمّا على صعيد المدينة، فقد شكلت أنباء انتصار المسلمين صدمة قوية لليهود المدعومين من المنافقين، فلم يصدقوا ما حصل، واتخذت العداوة للإسلام طريق الدسّ والنفاق والمخاتلة، فأسلم فريقٌ من المشركين واليهود ظاهراً وقلوبهم تغلي حقداً وكفراً وعلى رأس هؤلاء عبد اللّه بن أبي، وبعبارة أخرى كشفت ما كان يختزنه اليهود من حقدٍ وكراهية للمسلمين، فسخروا من هذا الانتصار، وحاولوا توصيف قوّة المسلمين ما جعل الأوضاع تتأزم بينهم وبين المسلمين، خاصة من جانب قبيلة بني القينقاع.
أمّا عن أسباب الانتصار في هذه الموقعة، فإنَّما يعود إلى عدّة عوامل:
ـ حكمة القيادة ووحدتها، حيث كان الرسول (ص) القائد العام للمسلمين، وكان المسلمون يعملون يداً واحدة، ينفذون أوامر الرسول (ص) بدقة متناهية، ومزودين بشجاعة نادرة. ووحدة الهدف الرسالي، أمّا المشركون فكانوا يشكلون تعدّد القيادة حيثُ لـم يكن عتبة بن ربيعة وأبو جهل على رأي واحد كما ظهر من سياق الأحداث، وليس لهم هدف واحد، لذلك طغت الأنانية والمصالح الشخصية على مصلحة قريش.
ـ الخطّة المحكمة التي أثبتها المسلمون في القتال، وهي خطّة مغايرة لما كان مألوفاً في الحروب السابقة، معتمداً في سبيل تحقيق الهدف تشكيلة لا تختلف بتاتاً عن الحرب الحديثة في الصحراء، كان لهم مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة كما استفادوا من دوريات الاستطلاع وكشف قوّة العدد، كما أنَّ المسلمين قاتلوا بأسلوب الصفوف في حين أنَّ المشركين قاتلوا على طريقة الكر والفر وهو أسلوب لا يتلاءم والأوضاع الجديدة.
ـ الحماس الشديد للتضحية وحبّ التفاني في سبيل نصرة الإسلام وأهدافه الرسالية، وهذا ما كشف عنه المسلمون أثناء استشارتهم، وكما أنَّه أعطى هامشاً للحرية يتحرّك أصحابه من خلاله، وهذا ما تبيّن في عدّة مواقع، في الوقت الذي كانت قريش قد جعلت غاية آمالها: أن تنحر الجزور وتطعم الطعام وتشرب الخمر وتعزف العيان.
ـ المعنويات العالية التي دخل فيها المسلمون المعركة وهم لا يكترثون بتفوق قريش عدّة وعدداً.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:10 PM

4.

الحرب الروسية اليابانية

الحرب الروسية اليابانية بدأت هذه الحرب في 8 فبراير 1904م عندما هاجم اليابانيون ليشون التي تعرف أيضًا باسم بورت آرثر في منشوريا، وانتهت في 5 سبتمبر عام 1905م بتوقيع معاهدة بورتسماوث. أكسبت هذه الحرب اليابان اعترافًا بأنها من كبرى القوى العالمية. وقد أججت هزيمة روسيا في الحرب تذمر الشعب الروسي إزاء فساد الإدارة الحكومية وسوء إدارتها، مما أدَّى إلى اندلاع الثورة الروسية عام 1905م.


الأسباب الضمنية. تكمن وراء تلك الحرب الطموحات المتصارعة للإمبراطوريتين الروسية واليابانية، إذ دأبت روسيا على توسيع ممتلكاتها ومصالحها في الشرق الأقصى خلال الشطر الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وفي عام 1891م بدأت روسيا في بناء سكة حديد سيبريا ليربط موسكو وفلاديفستوك، وفي عام 1896م وقَّعت روسيا معاهدة مع الصين أتاحت لروسيا بناء ماسُمِّي السكك الحديدية الصينية الشرقية عبر منشوريا، ومنحت روسيا سيطرة جزئية على تلك المقاطعة. وفي عام 1898م استأجرت روسيا من الصين شبه جزيرة لياودونغ، حيث بنت قاعدة ليشون البحرية وميناء ليدا التجاري. ووسعت روسيا نفوذها في كوريا خلال هذه السنوات، وأعطى تمرد لاعبي الملاكمة في الصين (1900-1901م) الفرصة لروسيا لزيادة نفوذها في منشوريا

أزعجت هذه التحركات اليابانيين الذين كانوا يريدون بسط سلطتهم على حساب الصين. وبعد أن هزموا الصينيين في الحرب (1894-1895م) حاولوا الاستيلاء على شبه جزيرة لياودونغ، لكن روسيا وألمانيا وفرنسا حالت دون هذا، مما أغضب اليابان.

كذلك تنافست هاتان الأمتان على السيطرة على كوريا، التي كان موقعها مهمًا لليابان وروسيا على حد سواء. وأرادت اليابان أن تسيطر على التجارة والصناعة الكورية، وكانت تمتلك بالفعل السكك الحديدية الكورية، كما كانت قد أرسلت ألوف اليابانيين للإقامة هناك.

وضع الدبلوماسيون الروس واليابانيون سلسلة من الاتفاقات بشأن كوريا ومنشوريا، لم يأخذوا بها، ومن ثم تحالف اليابانيون مع بريطانيا عام 1902م، وبدأوا في الاستعداد للحرب التي لم يتأهَّب لها الروس.



الأسطول الروسي حاصره اليابانيون في ميناء لوشون وهاجموه في 8 فبراير عام 1904م.
الهجوم على لوشون. قطعت اليابان العلاقات الدبلوماسية مع روسيا في 6 فبراير عام
1904م. وبعدها بيومين هاجم نائب الأدميرال هيها تشيرو توجو بأسطوله السفن الروسية في لوشون دون تحذير، وأعلنت اليابان الحرب على روسيا في 10 فبراير. وبدت روسيا وكأنها أقوى بكثير من اليابان حتى ظن الناس أنها سوف تكسب الحرب بسهولة، ولكن روسيا لم تكن تحتفظ في الشرق الأقصى إلا بثمانين ألف جندي عندما بدأت الحرب، وكان عليها أن تنقل إمدادات الجنود والمؤن مسافة 8,000كم من روسيا الغربية على سكة حديد سيبريا الذي لم يكن قد اكتمل بعد، كما أن روسيا قد أصابها الوهن والضعف من جرَّاء المشكلات الاجتماعية والسياسية، مما أدى إلى نشوب ثورة عام 1905م.


المعارك الأخيرة. كانت اليابان تحتفظ بمئتي ألف جندي في شمالي الصين، وبجيش ضخم آخر قريب، كما كانت أقرب إلى ميدان المعركة، وكان شعبها يؤيد حكومته.

وسرعان ماعزلت البوارج والألغام اليابانية أسطول المحيط الهادئ الروسي في لوشون. ودمَّر اليابانيون السفن القليلة التي حاولت الهرب من لوشون، ومن فلاديفستوك في معركة بحر اليابان. ومن ثم أمر الروس أسطول البلطيق بقيادة الأدميرال زينوفي روجستفنسكي بالإبحار إلى الشرق الأقصى، وأبحر هذا الأسطول التجاري من بحر البلطيق، ودار حول إفريقيا ثم عبر المحيط الهندي، ومر عبر المضيق الكوري، ولكن الأسطول الياباني القريب دمره في معركة مضيق تسوشيما عام 1905م.

لم يكن الوضع الحربي على البر أفضل منه في البحر بالنسبة للروس؛ نظرًا لضعف قيادتهم وافتقارهم للرجال والعتاد، إضافة إلى مهارة اليابانيين ودأبهم. وأخذت القوات اليابانية بقيادة المارشال أواو أوياما تدفع القوات الروسية تدريجيًا إلى التراجع في منشوريا، وهزمتها في معركة موكدن عام 1905م. ثم استسلمت لوشون لليابانيين بعد حصار دام شهرين. وكان كلا البلدين آنذاك قد بات مستعدًا لوقف الحرب، إذ كانت الحكومة الروسية تعاني من مشكلات داخلية، أما الحكومة اليابانية فقد بدأت تعجز عن مواجهة تكاليف الحرب.


معاهدة بورتسماوث. قام الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت بإيعاز من اليابان، بتنظيم مؤتمر للسلام في بورتسماوث بولاية نيو هامبشاير بالولايات المتحدة عام 1905م. وقد منحت معاهدة بورتسماوث جزيرة سخالين الجنوبية لليابان، وأرغمت روسيا على سحب قواتها من منشوريا. كان على روسيا أن تعطي اليابان لوشون وليدا، وتركت لها كوريا، وكانت هزيمة روسيا في هذه الحرب من الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 1905م في روسيا.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:12 PM

5.

الحروب الصينية اليابانية

حربان قامتا بين الصين واليابان، وهما حرب 1894 - 1895م، وحرب 1937- 1945م. نشبت الحرب الأولى بسبب كوريا تشوزون التي كانت ولاية تابعة للصين عدة مئات من السنين، حيث نشب تمرد في كوريا في عام 1894م فأرسلت الصين قواتها لتحمي مصالحها هناك. وأرسلت اليابان قواتها هي الأخرى للسبب نفسه. تم القضاء على التمرد لكن اليابان رفضت سحب قواتها من كوريا. اندلع القتال بين الصين واليابان في يوليو 1894م، فدمّرت القوات اليابانية الأسطول الصيني، واستولت على عدة مدن صينية. ثم انتهت الحرب بتوقيع اتفاقية شمونوزوكي في 17 أبريل 1895م. لم تسفر الاتفاقية عن نيل كوريا استقلالها فقط، بل ومنحت اليابان جزيرة تايوان، وشبه جزيرة ليادونج. وافق الصينيون أيضًا على دفع مبلغ 150 مليون دولار أمريكي لليابان، وعلى السماح لليابانيين بتشغيل مصانع في الصين أيضًا. بيد أن روسيا وألمانيا وفرنسا أجبرت اليابان على إعادة ليادونج للصين، مقابل مبلغ إضافي.

أضعفت الحرب اليابانية الصينية الأولى دولة الصين، ومهدت الطريق لزيادة نفوذ الاستعمار الأجنبي فيها. بذرت هذه الحرب أيضًا، بذرة الحرب الروسية اليابانية (1904 - 1905م)، التي كسبتها اليابان. وفي عام 1910م، ضمت اليابان كوريا وأعطتها اسم تشوزون.

بدأت اليابان عقب الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، توسيع نفوذها في الصين التي لم تقو على منع احتلال منشوريا في عام 1931م، ومقاطعة جيهول في عام 1933م. أنشأت اليابان دولة صورية باسم مانتشوكوو. إلا أن الصين كانت قد توحدت وتعاظمت قوتها عندما هاجمها اليابانيون ثانية في عام 1937م. خاضت الدولتان حربًا غير معلنة حتى عام 1941م، حينما أعلنت الصين الحرب على اليابان وألمانيا وإيطاليا. احتلت اليابان الكثير من الأراضي الصينية خلال المرحلة الأولى من الحرب رغم استماتة الجيوش الصينية في القتال. توقفت القوات الصينية التابعة للجنرال شيانج كاي شيك والقوات الشيوعية عن الاقتتال فيما بينهما بما يكفي لمحاربة اليابانيين. واحتل اليابانيون مدنًا صينية ساحلية مهمة، واحتلوا أكثر أقاليم الصين الصناعية تقدمًا. لكن الصينيين نقلوا عاصمتهم وصناعاتهم باتجاه الغرب، وقاتل رجال حرب العصابات الصينيون خلف القوات اليابانية.

لم يحرز أي من الطرفين مكاسب إقليمية ذات شأن خلال المرحلة الثانية من الحرب. وصارت الحرب جزءًا من الحرب العالمية الثانية، عندما هاجمت اليابان الولايات المتحدة ومجموعة الكومنولث عام 1941م. ومع استسلام اليابان للحلفاء في سبتمبر من عام 1945م توقفت الحرب الصينية ـ اليابانية الثانية.


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:12 PM

6.

محاولة فتح بلاد الصين

لم تكن الصين مجهولة لدى العرب، فالصلات التجارية كانت قائمة
بين العرب والصين قديماً ، فكانت حاصلات الشرق التي تتلقاها
بلاد الشام وموانئ المتوسط تمر بنسبة كبيرة عن طريق بلاد العرب
.. وعندما توفي يزدجرد آخر ملوك آل ساسان في فارس استنجد ابنه
فيروز بالصين لتنصره على العرب وتعاونه في استعادة ملكه غير أن
امبراطور الصين اكتفى بإرسال مبعوث من قبله ليدافع عن ضية
الأمير الهارب.

في سنة 96هـ سار القائد العربي المشهور قتيبة بن مسلم على رأس جيش كثيف إلى
حدود الصين .. وبينما هو في طريقه إليها جاءه نبأ وفاة الوليد بن عبد الملك ،
فلم يثنه ذلك عن مواصلة الغزو، بل تابع سيره حتى اقترب من الصين .. فأرسل إلى
ملكها وفداً برئاسة هبيرة بن المشمرج الكلابي، ودارت بينه وبينهم عدة مراسلات
انتهت بأن قدم امبراطور الصين الجزية للعرب .. كما قدم للمبعوث صحافاً من ذهب
بها تراب من الصين ليطأها قتيبة ، حتى يبر بحلفه الذي قطعه ، وهو أن لا ينصرف
عن الصين حتى يطأ ترابها .. على أن العلاقات بين العرب والصين اكتسبت أهمية
عظيمة أبان حكم هشام بن عبد الملك الذي أرسل سفيراً له يدعى سليمان إلى
الأمبراطور (هزوان تسنغ )


يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:14 PM

7.

فتح بلاد الأندلس

استأذن موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبدالملك في فتح بلاد
الأندلس، فأذن له على أن يختبر البلاد أولاً بجيش قليل العدد
.. فأرسل موسى طريف بن مالك، وكان بربرياً ، في سنة 91 هـ على
رأس خمسمائة مقاتل .. فعبر بهم البحر في سفن جوليان، وغزا بعض
الثغور الأندلسية الجنوبية بمساعدة جوليان،
وعاد محملاً بالغنائم، كما تحقق من ضعف وسائل الدفاع عن الأسبان .. ثم أرسل
موسى طارق بن زياد، قائد جيشه، في شهر شعبان سنة 92 هـ (711م) فعبر طارق
المضيق مع سبعة آلاف من المسلمين جلهم من البربر وألقت السفن مرساها قبالة
الجزيرة الخضراء، عند صخرة الأسد التى حملت اسم طارق إلى اليوم.

لما علم الملك لذريق بنزول العرب أرض أسبانيا، جمع جيشاً جراراً لمواجهة
المسلمين بينما أخذ طارق بفتح القلاع والمدن، بانتظار أن يصله المدد الذي طلبه
من موسى بن نصير، وقد أمده موسى بن نصير بعدة آلاف مقاتل، فبلغ عدد جيشه اثنى
عشر ألفاً، وثارت مخاوف المسلمين عندما علموا بدنو جيش لذريق، ولكن طارقاً لم
يزدد إلا حماسة واستبسالاً .. ويزعم المؤرخون أنه ألقى فيهم الخطبة المنسوبة
إلى طارق، قال: (أيها الناس ، أين المفر، البحر من ورائكم والعدو أمامكم،

وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، اعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من
الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة،
وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم،
وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً،

ذهب ريحكم، وتعودت القلوب من رعبها الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه
العاقبة بمناجزة هذه الطاغية…).
ثم التقى طارق بجيش لذريق على مقربة من نهر وادي (لكة)، أو وادي (بكة), ودارت
معركة حاسمة فاصلة تم فيها النصر لجيش المسلمين أما لذريق فقيل أنه فر من
المعركة واختفى أثره، وقد وجدت عربته وثيابه الحربية بعد أيام على ضفة نهر
الوادي الكبير ..

ويقول المؤرخون أن انتصار المسلمين ألقى بإسبانيا كلها في أيدي المسلمين ولم
يكن طارق بحاجة إلى الجهد الكبير ليقضي على المقاومة في بعض المدن، فكانت
المدن تستسلم والمعاقل تفتح دون مقاومة تذكر .. وكتب طارق إلى موسى بن نصير
يخبره بما أحرزه من نصر، وما استولى عليه من غنائم، فأمره موسى بأن لا يتجاوز
مكانه حتى يلحق به واستخلف موسى ابنه عبدالله على القيروان، وخرج في سنة 93 هـ
في عسكر ضخم إلى الأندلس.


استشار طارق رؤساء جيشه فأشاروا عليه بأن وقف القتال يعرض المسلمين للخطر،
ويتيح للعدو فرصة لجمع شمله وتوحيد كلمته فأخذ يزحف على المدن الإسلامية، وقسم
جنده ثلاث فرق، فأرسل مغيث بن الحارث على رأس سبعمائة فارس إلى قرطبة، فعبر
المسلمون النهر وباغتوا الحرس، واستطاعوا العثور على احدى الثغرات، فتسلقوا
الأسوار واستولوا على المدينة .

ثم فتح العرب كورة ريه ومدينتها مالقة، ثم كورة ألبيره حيث غرناطة وفي
النهاية فتحت مدينة طليطلة .. أما موسى بن نصير فقد دخل الأندلس وفتح مدينة
قرمونة الحصينة، ثم مضى إلى اشبيلية وفتحها وامتدت فتوحات موسى إلى برشلونة
شرقاً وأربونة في الداخل، وقادش في الجنوب الغربي.

وقصد موسى مدينة طليطلة فاستقبله طارق بحفاوة، ولكن موسى كان غاضباً فانتزع
منه المغانم وسجنه، ثم صفح عنه وتابعا الفتح معاً وسبب غضب موسى كون طارق لم
يتوقف عن الفتح كما أمره سيده وسار موسى وطارق لفتح شمالي البلاد، وتابعا
السير حتى بلغا جبال البرانس (البيرينه)، وتم بذلك فتح أسبانيا، وقد بقيت بعض
الأقاليم الجبيلية خارج سلطان العرب، ومنها الأقاليم الشمالية الغربية التي
لجأ إليها أشراف القوط وزعماؤهم.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:17 PM

8.

الحرب المكسيكية (1846 - 1848م). حرب اندلعت بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك نتيجة لخلافات تراكمت لمدة عقدين من الزمان.
غزت الولايات المتحدة الأمريكية المكسيك، وأثناء الحرب، احتلت مكسيكو سيتي العاصمة. حصلت الولايات المتحدة من المكسيك بموجب معاهدة جوادالوب هيدالجو على أقاليم كاليفورنيا ونيفادا، ويوتا، ومعظم أريزونا ونيومكسيكو وأجزاء من كولورادو وويومينج. ولكن كثيرًا من المؤرخين يعتقدون أن الحرب كانت هجومًا غير ضروري على دولة ضعيفة.

أسباب الحرب



الخلفية التاريخية للحرب. ثارت تكساس في عام 1835م على الحكومة المكسيكية التي كانت تسيطر وقتها على الإقليم. وأسس التكساسيون جمهورية تكساس في عام 1836م، ولكن المكسيك رفضت الاعتراف باستقلال تكساس.

حذرت الحكومة المكسيكية الولايات المتحدة بأنها ستعلن الحرب إذا أصبحت تكساس جزءًا من الولايات المتحدة. وفي عام 1844م، انتخب جيمس بوك رئيسًا للولايات المتحدة، وصرّح بأنه يؤيد ضم تكساس. وفي عام 1845م، أصبحت تكساس ولاية أمريكية، فقطعت المكسيك علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكنها لم تعلن الحرب، وكان يمكن تسوية مسألة ضم تكساس بطرق سلمية، ولكن ظهرت خلافات أخرى.

كان أحد هذه النزاعات مشكلة الحدود بين تكساس والمكسيك؛ فقد طالبت تكساس بريوجراند لتكون حدها الجنوبي الغربي. ولكن المكسيك ردّت بأن تكساس لم تمتد أبدًا لأبعد من نهر نيوسيس. بالإضافة إلى ذلك، كانت المكسيك مدينة لمواطني الولايات المتحدة بنحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي للتعويض عن الأرواح والممتلكات التي خسروها في المكسيك بسبب الثورات والسرقات والمصادرات منذ العشرينيات من القرن التاسع عشر.
بحلول الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، طالب كثير من الأمريكيين بأن تُحصِّل الولايات المتحدة هذه الديون بالقوة. وأهم من ذلك الشعور المتزايد في الولايات المتحدة بأنه يتحتم عليها أن تتوسع غربًا في الأراضي الجديدة.

أدخلت التحركات الحدودية الأمريكيين في الأراضي المكسيكية وبخاصة كاليفورنيا. وقد كانت المكسيك أضعف من أن تحكم أو تعمر أراضيها الشمالية بالسكان. وكان المقيمون من الأمريكيين والمكسيكيين مستائين من الحكم المكسيكي. وبدت كاليفورنيا مستعدة تقريبًا لأن تعلن استقلالها.

الأحداث التي أدت إلى قيام الحرب. في خريف عام 1845م، أُرسل الرئيس بوك جون سليدل إلى المكسيك وزيرًا أمريكيًا. وكان على سليدل أن يعرض على المكسيك دفع 25 مليون دولار أمريكي، ويلغي كل المطالبات بالتعويضات إذا قبلت المكسيك بريوجراند حدًا لأراضيها، وباعت نيومكسيكو وكاليفورنيا للولايات المتحدة.

أما إذا رفضت المكسيك بيع نيومكسيكو وكاليفورنيا، فعلى سليدل أن يعرض عليها إلغاء المطالبات بشرط أن تقبل المكسيك ريوجراند حدًا بينها وبين الولايات المتحدة. وعندما وصل سليدل كانت هناك ثورة في المكسيك. وقد خشي الرئيسان القديم والجديد معًا من أن يتهمهما أعداؤهما بالجُبن إذا قدّما تنازلات للولايات المتحدة. فرفضا مقابلة سليدل الذي عاد إلى بلده، وأخبر بوك بأن المكسيك تحتاج إلى تأديب.


في غضون ذلك، أمر بوك اللواء زكاري تيلور الذي كان متمركزًا مع 3,000 جندي على نهر نيوسيس بأن يتقدم نحو ريوجراند. بلغ تيلور النهر في أبريل 1846م وعبرت قوة مكسيكية النهر لملاقاته. وفي 25 أبريل، هزمت قوة كبيرة من المكسيكين قوة صغيرة من الفرسان الأمريكيين.
كان بوك قد قرر أن يطلب من الكونجرس إعلان الحرب على المكسيك. وقد أعطته أخبار المعركة الفرصة في أن يقول: ¸إن المكسيك قد غزت أراضينا وأراقت الدماء الأمريكية على التراب الأمريكي·. وفي الواقع، فإن للمكسيك حقًا مقنعًا كحق الولايات المتحدة في ذات الأرض التي أريقت فيها الدماء. ولكن في 13 مايو 1846م أعلن الكونجرس الحرب على المكسيك.

الحرب

كان للولايات المتحدة هدفان: أراد الأمريكيون احتلال الأراضي التي كانوا قد طلبوا من المكسيك بيعها، كما أرادوا أيضًا غزو المكسيك حتى يرغموا المكسيكيين على الموافقة على السلام.


احتلال نيومكسيكو وكاليفورنيا. خرج اللواء ستيفن كيرني في يونيو 1846م، ومعه نحو 1,700 جندي من حصن ليفنوروث وكنساس للاستيلاء على نيومكسيكو. وفي أغسطس، دخلت الحملة مدينة سانتافي في نيومكسيكو وسيطرت على نيومكسيكو. وفي الشهر التالي، شق كيرني طريقه عبر الصحراء إلى كاليفورنيا.

في غضون ذلك، وفي يونيو 1846م، تمردت جماعة من المستوطنين الأمريكيين في كاليفورنيا على الحكومة المكسيكية وأصبح هذا التمرد معروفًا بتمرد راية الدب، وذلك لوجود دب أبيض بنقط رمادية على راية المستوطنين. وفي يوليو، استولت قوات الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العميد بحري جون دي سلوت على مدينة مونتيري الكاليفورنية، واحتلت منطقة سان فرانسيسكو. وفي السادس من ديسمبر قاد كيرني نحو 100 جندي في معركة سان باسكال الدامية بالقرب من سان دييجو. وقد ساعدت الإمدادات العسكرية من سان دييجو في إنقاذ الجيش الأمريكي الصغير.
في يناير 1847م، انتصرت قوات الولايات المتحدة بقيادة كيرني والعميد بحري روبرت سكولتون من سلاح البحرية في معركة سان غبريال بالقرب من لوس أنجلوس. وقد أكمل هذا النصر السيطرة الأمريكية على كاليفورنيا.


حملة تيلور. قبل أن تبدأ الحرب رسميًا، كان اللواء زكاري تيلور قد ردَّ المكسيكين عبر ريوجراند الجنوبية إلى ماتاموروس في معركتي بالو ألتو وريساكا دي لا بالما.

وفي 18 مايو 1846م، عبر النهر واحتل ماتاموروس. وبعد أن انتظر وصول قوات جديدة، حرّك جيشه لأعالي النهر وسار نحو مدينة مونتيري المهمة. فسقطت مونتيري في 24 سبتمبر بعد معركة ضارية. وقبل نهاية العام نفسه، كان تيلور قد احتل سالتيلُّو وفكتوريا، وهما أهم مدينتين في شمال شرقي المكسيك. مع ذلك، استمرت المكسيك في رفض التفاوض مع الولايات المتحدة.

قرر بوك ومستشاروه أن ينزلوا جيشًا في فيراكروز على الساحل الشرقي، ويوجهوا ضربة لمكسيكو سيتي. وصدرت الأوامر لكثير من أفضل جنود تيلور بالانضمام إلى اللواء وينفيلد سكوت الذي تم تعيينه مسؤولاً عن الحملة الجديدة. وكان أنطونيو سانتا أَنّا رئيس المكسيك قائدًا للجيش المكسيكي. عَلِم سانتا أَنّا بالخطط الأمريكية فقاد في الحال جيشًا ضخمًا ضد تيلور بوينا فيستا في الجبال وراء سالتيلّو لكن المكسيكيين انهزموا هزيمة مُرّة. وأصبح اللواء تيلور بطلاً نتيجة لانتصاراته، وانتخب رئيسًا للولايات المتحدة في عام 1848م.


انتصارات دونيفان. في ديسمبر 1846م، قاد الكولونيل ألكسندر دونيفان نحو 850 جنديًا جنوبي سانتافي للاستيلاء على مدينة شيواهوا المكسيكية. وقد هزم الجنود الأمريكيون جيشًا مكسيكيًا في إلبرازيتو في يوم عيد الميلاد.

انتصر جيش دونيفان في معركة ساكرامنتو الحامية، والتي قاتل فيها خارج شيواهوا مباشرة في 28 فبراير 1847م. واحتل الأمريكيون المدينة في الأول من مارس.


حملة سكوت. كان اللواء سكوت في هذا الوقت الضابط الأعلى رتبة في جيش الولايات المتحدة. في التاسع من مارس 1847م، نزل بقوة قوامها نحو 10,000 رجل بالقرب من فيراكروز. وبعد عشرين يومًا، استولى على المدينة، وفي أبريل بدأ تقدمه نحو العاصمة المكسيكية. اقتحم الجيش الأمريكي موقعًا جبليًا في سرّو جوردو في 17 و18 أبريل ثم واصل سيره. وبالقرب من مكسيكو سيتي حارب الجنود الأمريكيون في معركة كونتريراس وشوروبوسكو في 19 و20 أغسطس وانتصروا. كان الجيش المكسيكي متفوقًا في العدد، ولكنه للمرة الثانية، كان سيئ الإعداد والقيادة.

بعد أسبوعين من الهدنة، كسب الأمريكيون معركة مولينو دل ري واقتحموا حصن شابولتبيك في أعلى الجبل واستولوا عليه. وفي اليوم التالي، دخل الأمريكيون مكسيكو سيتي.


معاهدة السلام. على الرغم من كل الانتصارات الأمريكية، فإن المكسيك رفضت أن تناقش أي معاهدة سلام. وفي أبريل 1847م، أرسل بوك نيكولاس تريست الوكيل الأول بوزارة الخارجية للانضمام لجيش سكوت في مكسيكو ولمحاولة فتح باب مفاوضات دبلوماسية مع سانتا أَنّا. وعندما فشلت هدنة أغسطس استدعى الرئيس تريست، ولكن سانتا أَنّا استقال بعد فترة قصيرة من دخول سكوت العاصمة المكسيكية.
شكلت المكسيك حكومة جديدة كانت مستعدة لقبول المطالب الأمريكية. وبطلب من القادة المكسيكيين واللواء سكوت، وافق تريست على أن يبقى في المسكيك ليصل إلى تسوية.

وقعت المعاهدة في الثاني من فبراير 1848م في قرية جوادالوب هيدالجو بالقرب من مكسيكو سيتي. في ذلك الوقت، كان كثير من الناس في الولايات المتحدة يريدون ضم كل المكسيك. ولكن المعاهدة اقتضت أن تتخلى المكسيك فقط عن الأرض التي كان قد طلبها أصلاً بوك؛ أي منطقة الريوجراند ونيومكسيكو وكاليفورنيا. ودفعت الولايات المتحدة للمكسيك 15 مليون دولار مقابل هذه الأرض التي عرفت بالتنازل المكسيكي.
وفي عام 1853م، منحت صفقة جادسدن 767،76كم² إضافيًّا من الأرض للولايات المتحدة.


نتائج الحرب. كسبت الولايات المتحدة أكثر من 1,360,000كم² من الأرض نتيجة للحرب، ولكن الحرب أحيت النزاعات حول الرق. فقد نشب الخلاف حول الأرض الجديدة أتكون مستعبدة أم حرة؟ جعلت تسوية عام 1850م كاليفورنيا حرة، ووضعت مبدأ السيادة الشعبية.

دربت الحرب المكسيكية كثيرًا من الضباط الذين حاربوا في الحرب الأمريكية الأهلية فيما بعد. ومن بين الذين حاربوا في الحملات المكسيكية يوليسيس جرانت، ووليم شيرمان، وجورج بي. مكليلان، وجورج جوردون ميد، وروبرت لي، وستون وول جاكسون، وجيفرسون ديفز.

المعارك الرئيسية

شملت المعارك الرئيسية في الحرب المكسيكية:



معركة بالو ألتو. وهي إحدى المعارك الأولى في الحرب. هزمت قوات اللواء تيلور القوات المكسيكية بقيادة اللواء ماريانو أريستا في الثامن من مايو 1846م في سهل شمال شرقي براونسفيل في تكساس.

معركة ريساكا دي لا بالما. سحق جيش مكوّن من2,3000رجل بقيادة تيلور 5,000 جندي مكسيكي بقيادة أريستا في مقاطعة كاميرون بالقرب من براونسفيل بتكساس في التاسع من مايو 1846م. سمح الانتصاران اللذان حققهما تيلور له بأن يعبر الريوجراند وأن يغزو المكسيك.

معركة بوينا فيستا. وكانت بالقرب من مزرعة ماشية في بوينا فيستا بالمكسيك، وقد دافعت قوة تيلور العسكرية المكونة من 5,000 رجل عن ممر جبلي ضيق لصد جيش سانتا أَنّا الذي يتراوح ما بين 16,000 و 20,000 رجل، وبهذه المعركة التي خاضتها القوات الأمريكية في 22 و23 فبراير 1847م، أحكم الأمريكيون قبضتهم على الشمال الشرقي للمكسيك.


معركة سيرو جوردو. تعد هذه المعركة من بين أهم المعارك التي خاضها الأمريكيون في طريقهم من فيراكروز إلى مكسيكو سيتي. وتقع سيرو جوردو، وهي موقع جبلي حصين بالقرب من جلابا، على مسافة 97كم شمال غربي فيراكروز.

هاجمت قوة اللواء سكوت العسكرية المكونة من 9,000 رجل، 13,000 مكسيكي بقيادة سانتا أَنّا وأجبرتهم على الفرار. أما الحرب التي جرت في 17 و18 أبريل 1847م، فقد مهدت الطريق لغزو مكسيكو سيتي.


معركة شوروبوسكو. دارت في قرية شوروبوسكو الصغيرة التي تقع على بعد 10كم جنوبي مكسيكو سيتي، وحقق فيها جيش سكوت في 20 أغسطس 1847م نصرًا كبيرًا آخر حيث اقتحم جنود سكوت معسكر كونتريراس المحصّن، ثم هاجموا القوة المكسيكية العسكرية في شوروبوسكو. وأخيرًا، هرب المكسيكيون ولاذوا بالفرار داخل أسوار العاصمة. وقد كان للأمريكيين نحو 9,000 رجل في المعركة مقابل نحو 30,000 مكسيكي.


معركة تشابولتيك. هي آخر معارك الحرب قبل الاستيلاء على مكسيكو سيتي. وفي 12 سبتمبر 1847م هاجم رجال سكوت تشابولتيك وهو تل محصن يحمي مداخل المدينة. استمرت الهجمات في اليوم التالي إلى أن تراجع المكسيكيون إلى مكسيكو سيتي. وفي 14 سبتمبر، دخلت قوات سكوت العاصمة المكسيكية.

يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:18 PM

9.

مصرع غرناطة
ظهر في أواخر عهد الموحدين ابن هود الذي سعى لتخليص الأندلس من الموحدين ، ومن النصارى أيضاَ ، وحكم قواعد شرقي الأندلس ، ودخلت في طاعته جيان وقرطبة وماردة وبطليوس ، وانتزع غرناطة من المأمون الموحدي سنة 628 هـ ، وحكم ابن الأحمر قواعد أخرى في الجنوب.


وخاض ابن هود مع فرديناند الثالث ملك قشتالة معركة انتهت بسقوط ماردة وبطليوس في يد الإسبان النصارى سنة 628هـ ، و هزم مرة أخرى فسقطت أبدة عام 631هـ ، ثم سار ابن هود لمحاربة خصمه ومنافسه ابن الأحمر في أحواز غرناطة فوجد النصارى الفرصة سانحة للزحف على قرطبة التي سقطت بيدهم سنة 633 هـ فكانت من أشد الضربات القاصمة .

وتوفي ابن هود سنة 635 هـ وبوفاته انهارت دولته ، فسقطت بلنسية في يد النصارى سنة 636 هـ ، ثم شاطبة ودانية ، وانضوت مرسية تحت حماية ملك قشتالة سنة 641هـ .

ومع انهيار دولة ابن هود سارع محمد بن يوسف ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها في أواخر رمضان سنة 635هـ فغدت مقر حكمه .

ورأى النصارى أن ابن الأحمر أصبح منافسهم الأول بعد موت ابن هود ، فكانت معركة صغيرة سنة 636 انتصر فيها ابن الأحمر ، فاغتاظ فرديناند الثالث فأرسل ابنه ألفونسو فاستولى على حصن أرجونة ، وحاصر غرناطة سنة 642 فردهم ابن الأحمر بخسائر فادحة .

ولمس ابن الأحمر تفوق النصارى عليه فهادن ملك قشتالة ورضي أن يحكم باسمه ، وأن يؤدي له الجزية سنوياً وقدرها مائة وخمسون ألف قطعة من الذهب ، وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه بتقديم عدد من الجند ، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي ، وسلم جيان وأرجونة وغيرها رهينة لحسن طاعته .

وسيطرت إسبانية بذلك على الولايات الشرقية وبقي التهام الولايات الغربية ، وفي عام 645 ضم النصارى طلبيرة وشلب والخزانة ومرشوشة والحرة ، وفتحت قرمونة بمعاونة ابن الأحمر ، وبدأ حصار أشبيلية ودام الحصار ثمانية أشهر ثم استسلمت المدينة للنصارى في 27 رمضان 646هـ ، ثم سقطت مدن أخرى تباعاً لهذا السقوط الكبير ، كل هذا بمعاونة ابن الأحمر .

وبدأ ابن الأحمر يواجه النصارى بعد أن رأى الخطر يحوم حوله فبدأ يخرج عن طاعتهم فغزوا أرضه عام 660هـ فردهم ، ثم شددوا الهجوم عليه بدءاً من عام 663 هـ وبدأت الهزائم تتوالى عليه فاضطر ثانية لمهادنة النصارى وتنازل لهم عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي الأندلس ، وفي عام 668 هـ ساءت العلاقة بينه وبين النصارى فطلب ابن الأحمر العون من دولة المرينيين حكام المغرب الأقصى ، وهنا مات ابن الأحمر وحكم ابنه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الذي كان شاعراً وفقيهاً وسمي محمد الفقيه ، ونهض أمير المرينيين أبو يوسف يعقوب المنصور المريني ابن عبد الحق لنجدة غرناطة ، وهزم النصارى في معركة قوية في 25 ربيع الأول سنة 674هـ ، ووطد لحكم بني الأحمر قرابة مدة مائتين وخمسين عاماً أخرى .

ومرت سنون طويلة كانت العلاقة تسوء بين بني الأحمر وبين ملك قشتالة ومرة تهدأ الأوضاع ، وكلما ساءت العلاقة وجاءت نذر الحرب استغاث بنو الأحمر بحلفائهم بني مرين الذين كانوا يجوزون البحر في كل مرة ليغيثوا إخوانهم من مجازر النصارى ، حتى سقطت دولة بني مرين وقامت على أنقاضها دولة بين وطاس الضعيفة التي لم تكن بقوة بني مرين ولا تستطيع جواز البحر لنجدة المسلمين هناك .

وتوحد الأسبان في مملكة واحدة بزواج فرديناند ملك أراغون بإيزابيلا وريثة عرش قشتالة ، واستقر العرش لهما ، وكانا ذوي نزعة صليبية حاقدة ، وكانت غرناطة غارقة في حرب أهلية بين أمير غرناطة أبي الحسن الملقب الغالب بالله وبين أخيه أبي عبد الله محمد المعروف بالزغل الذي طلب عون النصارى على أخيه أبي الحسن مراراً ، ثم اتفق الأخوان على الهدنة والصلح وأن يبقى أبو عبد الله بمالقة وأحوازها.

وحاول أبو الحسن أن يجدد الهدنة مع قشتالة ولكن الملكين الجديدين رفضا إلا بعد دفع جزية سنوية فرفض أبو الحسن طلبهما وزحف لقلعة الصخرة وفتح مدينة رندة .

وكان أبو الحسن قد تزوج من عائشة ابنة عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر وهي المعروفة بعائشة الحرة ، وكانت قوية الشخصية مع سمو في الروح مع رفيع القيم والمثل ، ورزقت من أبي الحسن بولدين هما : أبو عبد الله محمد ، وأبو الحجاج يوسف ، وكان أبو الحسن قد ترك الجهاد وعشق حياة الدعة وغرق في عشق رومية نصرانية اسمها ثريا ، وأصبح أبو الحسن أداة سهلة في يد زوجته ثريا التي كانت ذات دهاء وأطماع ، وتريد أن يكون ولدها يحي ولياً للعهد ، وتقدمه على أخيه الأكبر من عائشة الحرة أبي عبد الله ، وتمكنت ثريا من إقناع أبي الحسن بإقصاء عائشة وولديها حتى أقنعته باعتقالهم ، فتم ذلك في برج قمارش أمنع أبراج الحمراء ، وشدد الحجر عليهم ، وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين : فريق يؤيد السلطان وثريا ، وفريق يؤيد الأميرة الشرعية عائشة وولديها . ولم تستسلم عائشة الحرة فاتصلت بمؤيديها وتمكنت من الهرب من قصر الحمراء سنة 887 هـ وظهرت في وادي آش عند أنصارها .

وقرر فرديناند وإيزابيلا البدء بالحرب بعد أن رأوا أن الحرب الأهلية بدأت تؤتي ثمارها، واستولوا على مكان اسمه الحامة ، الذي يمهد لهم احتلال غرناطة ومالقة معاً ، وتم لهم ذلك ، ولم يستطع أبو الحسن استردادها ، ونشبت الثورة داخل غرناطة تعاطفاً مع عائشة وولديها ففر أبو الحسن إلى مالقة عند أخيه أبي عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزغل .

وجلس أبو عبد الله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة سنة 887 هـ ، وعمره 25 سنة ، وأراد أن يحذو حذو المجاهدين فخرج في قوات هزم بها النصارى في عدة معارك ، ولما عاد مثقلاً بالغنائم داهمه النصارى في ظاهر قلعة اللسانة ، فخسر المعركة وأسر على أثرها ، وعاد الجيش دون ملكه ، وحاولت غرناطة إعادة أبا الحسن إلى عرشه بدل ابنه الأسير ولكن الإعياء هدمه والمرض فتك به فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله الزغل حاكم مالقة .

عرضت أم عبد الله الصغير ووالده الذي خشي من مكر فرديناند وخبثه في التلاعب بابنه دفع فدية كبيرة للنصارى مقابل تسليمه لهم فرفض فرديناند ، واستغل فرديناند قلة خبرة أبي عبد الله الصغير وانعدام حزمه وضعف إرادته وطموحه للحكم ليس غير فاتخذه أداة رائعة يوجهها كيف يشاء ، فأقنع فرديناند أبا عبد الله الصغير أن الصلح مع قشتالة خير ، فأرسل أبو عبد الله الصغير من يقنع المسلمين بذلك ، وسير فرديناند في اللحظة ذاتها ينتزع ما يمكن انتزاعه من مملكة غرناطة ، فاحتل رندة سنة 890 هـ فهددوا بذلك مالقة من الغرب ، وحاولوا احتلال حصن مكلين على مقربة من غرناطة ولكن أبا عبد الله الزغل ردهم .

وفي هذه الأثناء قامت فتنة عاملها الرئيس أبو عبد الله الصغير وحزبه ، حيث دعاه حي البيازين ، فشغل أبو عبد الله الزغل بإخماد الفتنة عن مقاتلة الإسبان ، وفي أحرج المواقف أطلق فرديناند سراح أبي عبد الله الصغير بعد أن وقعه على معاهدة أعلن بها خضوعه وطاعته لملك قشتالة لمدة عامين ، وأن تطبق في جميع البلدان التي تدين بالطاعة لأبي عبد الله الصغير ، وأخذ يبث أبو عبد الله الصغير دعوته في شرق الأندلس ، والحرب الأهلية في غرناطة منذ بداية سنة 891 هـ .

وفي هذه الحروب ضرب القشتاليون الحصون الإسلامية بالأنفاط أي المدافع التي بها صخور من نار فتهلك كل من نزلت عليه وتحرقه ، وحينما نشبت الثورة في حي البيازين أمدوا فريقاً من الثوار بالرجال والأنفاط والبارود .

وفي شوال 891 هـ ظهر أبو عبد الله الصغير في حي البيازين ومن حوله أنصاره وأمده فرديناند بالرجال والذخائر والمؤن ، فزادت الفتنة اضطراباً ، واستغل فرديناند الفتنة القاتلة واحتل بلش مالقة على الرغم من استبسال أهلها في الدفاع عنها بمساعدة الزغل ، فعاد الزغل منها باتجاه غرناطة ليجدها قد خضعت لأبي عبد الله الصغير وتبوأ عرشها في 5 جمادى الأولى 892 هـ ، فارتد الزغل إلى وادي آش ، وبذلك انقسمت مملكة غرناطة إلى قسمين : غرناطة وأعمالها ويحكمها أبو عبد الله الصغير ، ووادي آش وأعماله ويحكمه عمه محمد بن سعد أبو عبد الله الزغل . وهذا ماكان يسعى إليه فرديناند.

وترك فرديناند أبا عبد الله الصغير الخاضع له وبدأ بالأنحاء الشرقية والجنوبية التي تخضع لعمه أبي عبد الله الزغل ، وزحف على مالقة وطوقها براً وبحرا ًفي جمادى الآخرة 892 هـ وخاف الزغل أن يسير إلى إنجادها من وادي آش أن يغدر به ابن أخيه ، فاستنجد بسلطان مصر الأشرف قايتباي ولكن مالقة سقطت في أواخر شعبان 892 هـ ونكث فرديناند بوعوده فغدر بأهل المدينة واسترقهم جميعاً .

ثم سقط ثغر المنكب والمرية عام 895 ، فلم يبق ثغر واحد يصل غرناطة بالمغرب ، وتطور سير الأحداث فانضوى الزغل تحت لواء النصارى فقد رأى أنه يغالب المستحيل ، ودخل النصارى وادي آش في صفر 895 هـ، وبقي الزغل يحكم وادي آش تحت حماية ملك قشتالة ، ولم يقبل بهذا الوضع المهين فجاز البحر إلى المغرب ونزل وهران ثم استقر في تلمسان حزيناً على ضياع الأندلس .

وبقيت غرناطة آخر القواعد الإسلامية وعلى عرشها أبو عبد الله الصغير تنتظر الضرب القاضية .

ثم أرسل الملكان الكاثوليكيان - فرديناند وإيزابيلا - وفداً يطلبان من أبي عبد الله الصغير تسليم غرناطة فثارت نفسه لهذا الغدر والخيانة وأدرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه في محالفة هذا الملك الغادر فرفض التسليم وقرر الدفاع .

اغتاظ فرديناند وسخط وعاث في بسائط غرناطة وخرب الضياع والقرى ، وجرت ملاحم دموية على أسوار غرناطة ذاتها ، وارتحل فرديناند على أثرها ليرمم القلاع ويشحن الأبراج القريبة من غرناطة استعداداً للمعركة القادمة .

ودبت روح المقاومة في غرناطة ، وثار أهل البشرات ، وفتح المسلمون بعض الحصون القريبة من غرناطة .

وسار فرديناند بجيش تراوح ما بين 50-80 ألفاً ، مع مدافع وعدد ضخمة ، وذخائر وأقوات ، وعسكر على مقربة من غرناطة في 12 جمادى الآخرة سنة 896 هـ ، وأتلف القرى والحقول والزروع حتى لا تمد غرناطة بأي طعام ، وحاصر غرناطة المدينة الوحيدة المتبقية من ملك تليد .

وكان دفاع غرناطة من أمجد ما عرف في تاريخ المدن المحصورة ، ولم يكن هذا الدفاع قاصراً على تحمل ويلات الحصار على مدى أشهر ، بل كان يتعداه إلى ضروب رائعة من الإقدام والبسالة ، فقد خرج المسلمون خلال الحصار لقتال العدو المحاصر مراراً عديدة ، يهاجمونه ويثخنونه في مواقعه ، ويفسدون عليه خططه وتدابيره .

وقرر فارس عربي شجاع المقاومة والجهاد إلى آخر رمق وهو موسى بن أبي غسان ، ومن أقواله : ليعلم ملك النصارى أن العربي قد ولد للجواد والرمح ، فإذا طمح إلى سيوفنا فليكسبها ، وليكسبها غالية ، أما أنا فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت فيه مدافعاً عنه ، من أفخر قصور نغنمها بالخضوع لأعداء الدين .

وتولى موسى قيادة الفرسان المسلمين ، يعاونه نعيم بن رضوان ومحمد بن زائدة ، وتولى آل الثغري حراسة الأسوار ، وتولى زعماء القصبة والحمراء حماية الحصون .

وقطعت غرناطة عما حولها تماماً باستثناء طريق البشرات الجنوبية من ناحية جبل شلير فجلبت منها بعض الأقوات والمؤن الضرورية ، وحل الشتاء وقلت المؤن والذخائر ، ودخل الوزير المسؤول عن غرناطة أبو القاسم عبد الملك مجلس أبي عبد الله الصغير وقال : إن المؤن الباقية لا تكفي إلا لأمد قصير ، وإن اليأس قد دبّ إلى قلوب الجند والعامة ، والدفاع عبث لا يجدي .

ولكن موسى بن أبي غسان قرر الدفاع ما أمكن ، فقال للفرسان : لم يبق لنا سوى الأرض التي نقف عليها ، فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن .

وزحف فرديناند على أسوار المدينة المحاصرة ، فخرج المسلمون إلى لقائه ، وكان القتال رائعاً ، ولكن مشاة المسلمين لم يصمدوا ، فأوصد المسلمون أبواب غرناطة ، وامتنعوا خلف أسوارها يلاقون قدر تمزقهم .

استمر الحصار سبعة أشهر ، واشتد الجوع والحرمان والمرض ، و أعيد تقويم الموقف في بهو الحمراء فأقر الملأ التسليم إلا موسى بن أبي غسان الذي قال بحزم : لم تنضب كل مواردنا بعد .. ولنقاتل العدو حتى آخر نسمة ، وإنه لخير لي أن أحصى بين الذي ماتوا دفاعاً عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها . وكانت هذه الكلمات تخاطب يائسين قرروا المفاوضة والتسليم ، وكلّف بهذه المهمة الوزير أبو القاسم عبد الملك في أواخر سنة 896 هـ .

وفاوض الوزير أبو القاسم فرناندو دي فافرا وجونز الفودي كردوفا ، فوضعوا معاهدة وافق عليها أبو عبد الله الصغير وفرديناند في 21 المحرم 798 هـ ، واشترط المسلمون أن يوافق البابا على الالتزام والوفاء بالشرط إذا مكنوا النصارى من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون ويحلف على عادة النصارى في العهود .

وفي ثاني ربيع الأول من السنة نفسها استولى النصارى على الحمراء ودخلوها بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهناً خوفاً من الغدر ، وكانت الشروط سبعاً وستين ، منها : تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال ، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم ، ومنها إقامة شريعتهم على ما كانت ، ولا يحكم على أحد منهم إلا بشريعتهم ، وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك ، وأن لا يدخل النصارى دار مسلم ، ولا يغصبوا أحداً ، وأن لا يولى على المسلمين نصراني ولا يهودي ممن يتولى عليهم من قِبل سلطانهم قَبل ، وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا ، وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم ويسير المسلم في بلاد النصارى آمناً في نفسه وماله ، ولا يمنع مؤذن و لا مصل ولا صائم ولا غيره من أمور دينه ، ومن ضحك منهم يعاقب ...

ولما أنس فرديناند وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسهم من عدم إخلاص النصارى في عهودهم أعلنا في يوم 29 نوفمبر مع قسم رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم ، أو حيث شاؤوا ، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا ، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب .

وأما فارس الأندلس موسى بن أبي غسان فرفض وقال للزعماء حينما اجتمعوا ليوقعوا على قرار التسليم : اتركوا العويل للنساء والأطفال ، فنحن رجال لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ، ولكن لتقطر الدماء ، وإني لأرى روح الشعب قد خبت حتى ليستحيل علينا أن ننقذ غرناطة ، وسوف تحتضن أمنا الغبراء أبناءها أحراراً من أغلال الفاتح وعسفه ، ولئن لم يظفر أحدنا بقبر يستر رفاته فإنه لن يعدم سماء تغطيه ، وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعا ًعنها .

وساد سكون الموت في ردهة قصر الحمراء ، واليأس ماثل في الوجوه ، عندئذ صاح أبو عبد الله الصغير : الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و لاراد لقضاء الله ، تالله لقد كتب لي أن أكون شقياً ، وأن يذهب الملك على يديّ .

ونهض موسى وصاح : لا تخدعوا أنفسكم ، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم ، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم ، إن الموت أقل ما نخشى ، فأمامنا نهب مدننا وتدميرها ، وتدنيس مساجدها ، وتخريب بيوتنا ، وهتك نسائنا وبناتنا ، وأمامنا الجور الفاحش ، والتعصب الوحشي ، والسياط والأغلال ، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق ، هذا ما سوف نعاني من مصائب الموت الشريف ، أما أنا فوالله لن أراه .

ثم غادر غرناطة واخترق بهو الأسود عابساً حزيناً ، فوصل داره ، ولبس سلاحه ، وسار على جواده مخترقاً شوارع غرناطة ، وعلى ضفة نهر شنيل قابل موسى سرية من الفرسان النصارى تبلغ نحو الخمسة عشر ، فطلبوا إليه أن يقف ، وأن يعرف بنفسه ، فلم يجب ، بل وثب إلى وسطهم وانقض يثخن فيهم طعاناً ، وكانت ضرباته قاتلة ، حتى أفنى معظمهم ، غير أنه أصيب في النهاية بجرح أسقطه عن جواده ، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره وأخذ يجاهد عن نفسه ، فلما رأى أن قواه قد نضبت ولم يرد أن يقع أسيراً في يد خصومه ارتد إلى الوراء بوثبة أخيرة فسقط في مياه نهر شنيل فدفعه سلاحه الثقيل إلى الأعماق .

وفي يوم 20 ديسمبر أرسل أبو عبد الله الصغير وزيره يوسف بن كماشة إلى فرديناند مع رهائن من الأعيان ووجوه القوم مع بعض الهدايا ، واتفق مع ملك قشتالة على تسليم المدينة في الثاني من ربيع الأول سنة 897 هـ ، وأرسل فرديناند المطران مندوسا ليحتل قصر الحمراء وليمهد الطريق لمقدم الموكب الملكي ، وما كاد النصارى يجوزون إلى داخل القصر حتى رفعوا فوق برجه الأعلى صليباً فضياً كبيراً ، وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكاً للملكين الكاثوليكيين ، ودخل فرديناند وإيزابيلا قصر الحمراء مع فرقة رهبان ترتل .

وهكذا انتهت آخر الحواضر الإسلامية في إسبانية ، أما أبو عبد الله الصغير فقد خرج وأسرته ليستقروا في البشرات حاكماً باسم فرديناند وتحت حمايته ، وغادر غرف القصر وأبهاءه وهو يحتبس الزفرات في صدره ، وسار بركب حزين ، وعلى ضفة نهر شنيل التقى مع فرديناند وقدم إليه أبو عبد الله مفاتيح الحمراء قائلاً : إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانية ، ولقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا ، وهكذا قضى الله ، فكن في ظفرك رحيماً عادلاً .

ثم سار مع فرديناند حيث إيزابيلا فقدم الطاعة والتحيات ، واتجه إلى طريق البشرات ، وفي شعب ( بل البذول أو بادول ) أشرف على غرناطة فأجهش بالبكاء فصاحت به أمه عائشة الحرة : أجل ، فلتبك كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال .

وبعد شهور من مصرع غرناطة غادر أبو عبد الله الصغير إلى المغرب مع أسرته وأمواله ونزل مدينة مليلة ، ثم استقر في فاس ، في دولة بني وطاس، بعد أن عجّل بوقوع مأساة غرناطة بالجنوح إلى الدعة والخمول والحرب الأهلية ، وترك شؤون الدفاع والعدو من ورائه متربص متوثب يرقب الفرص .

أما النصارى فقد نقضوا العهود ومنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس ، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها ، وحرق من بقي منهم ، وأمر الكردينال (كمينس ) بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية وأحرقها .

وأجبر المسلمون على اعتناق النصرانية ، ولما قاوموا التنصير وأبوه اعتبروا ثواراً متصلين بالمغرب والقاهرة ، وبدأ القتل فيهم ، فثاروا بالفعل في غرناطة والبيازين والبشرات ، فمزقوا بلا رأفة .

وفي 20 يوليه 1501 أصدر الملكان فرديناند وإيزابيلا أمراً خلاصته : إنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة فإنه يحظر وجود المسلمين فيها .. ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال . فهاجرت جموع المسلمين إلى المغرب ناجية بدينها ومن بقي من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع .
يتبع

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 08:19 PM

10.
معركة الزلاقة
سقطت طليطلة التي كان يحكمها بنو ذو النون – الذين حكموها في فترة ملوك الطوائف بالأندلس مدة 78سنة – في يد ألفونسو ملك قشتالة النصراني عام 478هـ بمعاونة المعتمد ابن عباد صاحب إشبيلية ، بعد أن حكمهـا المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً ، وأحدث سقوطها دوياً عنيفا.

واشتدت وطأة النصارى على المسلمين وتوحدت جهود ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي كان يحكم جليقية وجزءا ًمن البرتغال ، مع سانشو الأول ملك أراجون ونافارا ، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة وأورجل ، وساروا بجيش مشترك وحاصروا مدناً وقلاعاً واحتلوا قرى وأحرقوا أراضي كثيرة ، وانتبه ابن عباد لخطئه بمعاونة النصارى فاجتمع مع أمراء الأندلس الآخرين في إشبيلية ثم في قرطبة واتفقوا على أن يرسلوا سفيراً إلى يوسف بن تاشفين سلطان دولة المرابطين في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا يلتمسون عونه وغوثه .

وجاءت وفود شعبية كثيرة لمدينة مراكش لنفس الغرض ، فاستشار ابن تاشفين مجلسه الاستشاري فوافقوا شرط أن يعطيه الأندلسيون الجزيرة الخضراء يجعل فيها أثقاله وأجناده ، وتكون حصناً له ، وليكون بها على اتصال بإفريقية .

ومع شدة ضغط ألفونسو على المسلمين في الأندلس دفع الأمراء الجزية له ، أو سلموا حصوناً له ، وسلم ابن عباد الجزيرة الخضراء للمرابطين ، وقال لابنه : ( أي بني ، والله لا يسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى ، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري ) ، وقال : ( إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين – لقب المرابطين - ، ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير الفرنج ) ، وقال لبعض حاشيته لما خوفوه من ابن تاشفين : ( تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية ، إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير) .

وقبل ابن تاشفين الدعوة ، ولما أنهى استعدادته أمر بعبور الجمال ، وفي ربيع الأول من عام 479هـ سار ابن تاشفين بجيشه من سبتة ، وما كاد السفن تنشر قلاعها حتى هاج البحر فصعد إلى مقدمة السفينة ، ورفع يديه نحو السماء ، ودعا الله مخلصاً : ( اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرا ًوصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر ، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه ) ، فهدأ البحر ، وجازت السفن سراعاً ، ولما وصلت إلى شاطئ الأندلس سجد لله شكراً .

وتسلم ابن تاشفين الجزيرة الخضراء ، وأمر بتحصينها أتم تحصين ، ورتب بها حامية مختارة لتسهر عليها ، وشحنها بالأقوات والذخائر لتكون ملاذاً أميناً يلتجئ إليه إذا هزم .

ثم غادرها جيشه إلى إشبيلية ، وتعهد كل أمير من أمراء الأندلس أن يجمع كل ما في وسعه من الجند والمؤن ، وأن يسير إلى مكان محدد في وقت معين ، ولبث ابن تاشفين في إشبيلية ثمانية أيام حتى يرتب القوات وتتكامل الأعداد ، وكان صائم النهار قائم الليل ، مكثراً من أعمال البر والصدقات ، ثم غادر إشبيلية إلى بطليوس، في مقدمة الجيش الفرسان يقودهم أبو سليمان داود بن عائشة ، وعددهم عشرة آلاف ، ثم قوات الأندلس عليهم المعتمد بن عباد ، ثم سار بعدهم - بيوم واحد - جيش المرابطين ، ولما وصلوا إلى بطليوس أقام هناك ثلاثة أيام .

ولما سمع ألفونسو بمقدم المرابطين وكان محاصراً سرقسطة تحالف مع ملك أراجون ، والكونت ريموند ، فانضما إليه ، وانضم إليه كذلك فرسان من فرنسا ، وجاءته الإمدادات من كل صوب من ملوك أوروبا ، وعمل الباباوات دوراً كبيراً في توجيه النصارى وحثهم على القتال .

وكان جيش المسلمين ثمانية وأربعين ألفاً نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين ، أما جيش ألفونسو فقد كان مائة ألف من المشاة وثمانين ألفاً من الفرسان ، منهم أربعون ألفاً من ذوي العدد الثقيلة ، والباقون من ذوي العدد الخفيفة .

وعسكر الجيشان قرب بطليوس في سهل تتخلله الأحراش ، سماه العرب الزلاقة ، وفرق بين الجيشين نهر صغير ، وضرب ابن تاشفين معسكره وراء ربوة عالية ، منفصلاً عن مكان الأندلسيين ، وعسكر الأندلسيون أمام النصارى ، ولبث الجيشان أمام بعضهما ثلاثة أيام راسل فيها ابن تاشفين النصارى يدعوهم للإسلام أو الجزية أو القتال فاختاروا الثالثة .

وتكاتب القائدان ، ومما كتبه ألفونسو: ( إن غداً يوم الجمعة وهو يوم المسلمين ، ولست أراه يصلح للقتال ، ويوم الأحد يوم النصارى ، وعلى ذلك فإني أقترح اللقاء يوم الاثنين ، ففيه يستطيع كل منا أن يجاهد بكل قواه لإحراز النصر دون الإخلال بيوم ) ، فقبل ابن تاشفين الاقتراح ، ومع هذا تحوط المسلمون وارتابوا من نيات ملك قشتالة ، فبعث ابن عباد عيونه لترقب تحركات معسكر النصارى ، فوجدوهم يتأهبون للقتال ، فارتدوا مسرعين لابن عباد بالخبر ، فأرسل الخبر إلى ابن تاشفين يعرفه غدر ألفونسو ، فاستعد ، وأرسل كتيبة لتشاغل ألفونسو وجيشه .

خطط المرابطون تخطيطاً جيداً ، إذ اتخذوا الجزيرة الخضراء خطاً للرجعة ، وحينما احتفظوا بقوة احتياطية تحتوي أشجع الجنود للانقضاض في الوقت المناسب على الأعداء ، وحينما قاتل جيشهم بنظام متماسك أربك النصارى ، وهو نظام الصفوف المتراصة المتناسقة الثابتة ، وكان النصارى معتادين على القتال الفردي .

تهيأ الطرفان للمعركة ، وسير ألفونسو القسم الأول من جيشه بقيادة جارسيان ورودريك لينقض بمنتهى العنف على معسكر الأندلسيين الذي يقوده المعتمد ، آملاً في بث الرعب في صفوف المسلمين ، ولكنهم وجدوا أمامهم جيشاً من المرابطين قوامه عشرة آلاف فارس بقيادة داود بن عائشة أشجع قادة ابن تاشفين ، ولم يستطع ابن عائشة الصمود لكثرة النصارى وعنف الهجوم ، لكنه استطاع تحطيم عنف الهجمة ، وخسر كثيراُ من رجاله في صد هذا الهجوم .

ولما رأى الأندلسيون كثرة النصارى هرب بعض أمرائهم ، بيد أن فرسان إشبيلية بقيادة أميرهم الشجاع المعتمد بن عباد استطاعوا الصمود وقاتلوا قتال الأسود الضواري ، يؤازرهم ابن عائشة وفرسانه .

وأيقن ألفونسو بالنصر عندما رأى مقاومة المعتمد تضعف ، وفي هذه اللحظة الحرجة وثب الجيش المرابطي المظفر إلى الميدان ، وقد كان مختبأ خلف ربوة عالية لا يرى ، وأرسل ابن تاشفين عدة فرق لغوث المعتمد ، وبادر بالزحف في حرسه الضخم ، واستطاع أن يباغت معسكر ألفونسو الذي كان يطارد ابن عباد حتى بعد قدوم النجدات التي أرسلها ابن تاشفين .

وفي تلك اللحظة يرى ألفونسو جموعاً فارة من النصارى ، وعلم أن ابن تاشفين قد احتوى المعسكر النصراني ، وفتك بمعظم حرسه ، وغنم كل ما فيه ، وأحرق الخيام ، فتعالت النار في محالهم ، وما كاد ألفونسو يقف على هذا النبأ حتى ترك مطاردة الأندلسيين ، وارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك ، وليسترد معسكره ، وقاتلوا الجيش المرابطي بجلد ، وكان ابن تاشفين يحرض المؤمنين على الجهاد ، وكان بنفسه يقاتل في مقدمة الصفوف يخوض المعركة في ذروة لظاها ، وقد قتلت تحته أفراس ثلاث ، وقاتل المسلمون قتال من يطلب الشهادة ويتمنى الموت .

ودام القتال بضع ساعات ، وسقطت ألوف مؤلفة وقد حصدتهم سيوف المرابطين ، وبدأت طلائع الموقعة الحاسمة قبل حلول الظلام ، فقد لاحظ ابن عباد وابن عائشة عند ارتدادهما في اتجاه بطليوس أن ألفونسو قد كف عن المطاردة فجأة ، وسرعان ما علما أن النصر قد مال إلى جانب ابن تاشفين ، فجمعا قواتهما وهرولا إلى الميدان مرة أخرى ، و أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين .

وكانت الضربة الأخيرة أن دفع يوسف ابن تاشفين بحرسه وقوامه أربعة آلاف إلى قلب المعركة ، واستطاع أحدهم أن يصل إلى ملك قشتالة ألفونسو وأن يطعنه بخنجر في فخذه طعنة نافذة ، وكانت الشمس قد أشرفت على المغيب ، وأدرك ألفونسو وقادته أنهم يواجهون الموت ، ولما جن الليل بادر ألفونسو في قلة من صحبه إلى التراجع والاعتصام بتل قريب ، ولما حل الليل انحدر ومن معه تحت جنح الظلام إلى مدينة قورية .

ولم ينج من جيش القشتاليين مع ملكهم سوى أربعمائة أو خمسمائة فارس معظمهم جرحى ، ولم ينقذ البقية من جيش ألفونسو سوى حلول الظلام حيث أمر ابن تاشفين بوقف المطاردة ، ولم يصل إلى طليطلة فيما بعد من الفرسان سوى مائة فارس فقط .

كل ما سبق كان في 12 رجب من سنة 479هـ ، وقضى المسلمون ليلهم في ساحة القتال يرددون أناشيد النصر شكراً لله عز وجل ، فلما بزغ الفجر أدوا صلاة الصبح في سهل الزلاقة ، ثم حشدوا جموع الأسرى ، وجمعوا الأسلاب والغنائم ، وأمر ابن تاشفين برؤوس القتلى فصفت في سهل الزلاقة على شكل هرم ، ثم أمر فأذن للصلاة من فوق أحدها ، وكان عدد الرؤوس لا يقل عن عشرين ألف رأس .

وذاع خبر النصر وقرئت البشرى به في المساجد وعلى المنابر ، وغنم المسلمون حياة جديدة في الأندلس امتدت أربعة قرون أخرى .

يتبع


الساعة الآن 09:08 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى