منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   الرؤيا الإبداعية في الصورة الشعرية لشعر المنفى العراقي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=10946)

B-happy 17 - 10 - 2010 09:00 PM

الرؤيا الإبداعية في الصورة الشعرية لشعر المنفى العراقي
 
الرؤيا الإبداعية في الصورة الشعرية لشعر المنفى العراقي


مهدي الحسناوي


14/08/2010





عندما نتحدث عن الرؤيا الإبداعية في ألصورة الشعرية فنعني الوعي بالذات لدى الشاعر بتصوير الوقائع والأشياء بلغة جميلة تداعب مخيلة المتلقي وتتميز الصورة الشعرية بأنها الإحساس أو الإدراك الحسي حسب مفهوم علم النفس الأدبي ، وهذا الإدراك الحسي ما هو إلا فهم أو تعقل بواسطة الصور ، أي يترتب عليه إدراك المرئيات والمسموعات ، كما انه يترتب عليه جودة الإنتاج أو رداءته ، بمعنى انه إذا كان قويا واضحاً استطاع الشاعر إن يصف ما يحس وصفاً دقيقاً مطابقة للواقع وبلغة جميلة ملؤها الشاعرية فانه شعر إبداعي ، وتزخر الصور الشعرية لشعر المنفى العراقي بالمفردات التي ترمز الى الرحيل والنفي كـ ( المرافئ ، والرحيل ، والبحار ، والمدائن ، والسفائن) كما يقول الشاعر عبد الوهاب البياتي في قصيدته الرحلة :-



لو صرخت (لارا) في الشفق القطبي
وفي غابات البحر الأسود
لانتهت المرحلة
لتحطم قلب الشاعر فوق رصيف الغربة
لكن القاتل حبه
مازال يواصل دربه
في حمى دوران الأفلاك السبعة
وحريق الأسئلة الصعبة

وعلى الرغم من إن صور الشعر وضيفتها التمثيل الحسي للتجربة الشعرية الكلية ،ولما تشتمل عليه من مختلف الإحساسات والعواطف والأفكار الجزئية ، فان تألق الصور الشعرية ورؤيتها الإبداعية تمثل مرحلة النضوج الشعري لدى كتاب قصيدة شعر المنفى العراقي، فهذا سعدي يوسف يرثي شعراء المنفى الذين رحلوا عنه مبكرين .


يرحل الشعراء
واحد بعد أخر في أخر الليلِِ
لم يحملوا معهم غير زاد الفقير
وتذكرة لم تؤرخ...
أقول لهم :لا تحنو الخطى
انتظروا ساعةً حَسبُ يا إخواني
نحن في آخر الليل
لكنهم يرحلون...

ونجد أيضا في هذا المقطع الشعري وصوره الشعرية تكثيفا شعريا لبنية القصيدة كلها ومحور تركيزها حيث رحيل الشعراء في المنفى ودفنهم هناك بلند الحيدري عبد الوهاب البياتي وسركون بولص ، وأحيانا تكون الصورة مرآة الشاعر كما في قصيدة مظفر النواب (مرثية لانهار من الحبر الجميل )



يسافر في ليلة الحزن
صمتي
غيوماً
واشتريت دروب المتاعب
الوي أعنتها فوق رسغي
ليالي أطول من ظلمات الخليقة
(خالٍ سوى من فتاتٍ من الصبر)
في ركن زاويتي
والدجى ممطرٌ
أأنت الوديع كساقية ٍ
من خبايا الربيع
يحاول البعض من شعراء المنفى الاستعانة بالذاكرة وإطلاق العنان لإحداثها المتشابكة فتمارس هذه الإحداث حضورها في اللحظة الشعرية أي لحظة ولادة النص هاربة من زمانها ومكانها المبعثرين هناك/ أمس في ذخيرة الوجدان الشخصي له وعن طريق تقطير هذه الوقائع ومزجها بما تراه العين النشطة من مشاهد يومية مملة ومكررة ألاف المرات ينطق النص بما تضمره تلك الحوادث المخزونة ليقيم حوارنا معها ، حوار الرؤيا الصافية غير المشوبة بغبار الوقائع حيث إن لحظة المعاناة الحقيقية تبدأ من الكتابة فتتم المعاينة المتألمة والمتأملة فتنتج صورة شعرية يشوبها الخيال الإبداعي يقول عدنان الصائغ في مجموعته تأبط منفى ...



اطرق باباً
أفتحهُ
لا أبصر إلا نفسي باباً
أفتحهُ
أدخلُ
لاشيء سوى بابٍ أخر
يا ربي
كم باباً يفصلني عني


إن الصورة الشعرية الإبداعية تفرض نفسها على ذهنية وإحساس المتلقي بمفرداتها واستخدام الرموز والمضادات فيها بلغةٍ تداعب الذائقة الشعرية التي تسعى الى قراءة ما بين السطور ،فتكون هذه الصورة المخيلة التي تنقله الى أمكنته وطفولته ، فهذا الشاعر كريم الاسدي المقيم في ألمانيا يقول في قصيدة موت في الريح ..


حينما تجداني
راحلاً في دمي
رائقاً كشتاء الجنوب
سابحاً في أثير الجراح
واجماً كجنوب الرياح
حينما تعرفان دمي
نابعاً من أقاصي السماء
مارقاً في البروق
ساهماً كالنيازك خاسرةٌ
فارفعاني كهودج ماء
وإذ هبت الريح
نحو الجنوب
ونحو الشروق
إذن وحداني

في الكتابة الشعرية وبشكل عام اشترك كل من اللاوعي والوعي في ولادة النتاج الشعري، فاللاوعي هو رحم القصيدة الأول والمولد للصورة أو الفكرة الشعرية عبر إلية تلقائية مبهمة أو كمنعكس لمدرك حسي ، هناك في الطبقات الغامضة والمجهولة يبداء تململ وتشكل هلام الصورة الشعرية ، فشعر المنفى لا يختلف عن أي شعر عربي أخر إلا انه له خصائص تميزه عن غيره وهذه الخصائص هي موضوع بحثنا ودراستنا فهذه ابنة الجنوب الشاعرة المندائيه لميعه عباس عمارة التي يراودها التعميد بدجلة والفرات فتستخدم هذه الصورة كأسلوب للغور في تفاصيل جرحها فتقول في قصيدة (ديهيا يهانا) يعني بن زكريا .


جميل أنت
دماؤك من عسل النحل
نقي من ماء الأردن
أحبت تعمدنا بالماء
هل يقوى شجً
عفوك..هل نحن الإحياء
اكبر من ماء الأردن خطايانا
صوتك يحيني
عمدني .. بعماد إبراهيم الأقدم

وتتميز بعض الصور الشعرية لقصائد المنفى بأنها تكون مشاهد للواقع العراقي المعاش ، وانفراد بعض شعراء المنفى بأنهم شكلوا ظواهر مميزة في الشعر العربي كالشاعر احمد مطر الذي يقول في قصيدة ( لا فتات)



لستُ إلا طائر في قفص
لا ارض من تحتي
ولا فوقي سماء
إنا محكوم بقانون التدلي في الهواء
ليس لي أي عزاء
غير إني اجعل صوتي
معبراً لي فوق موتي
امنح السجان ما شاء
إنا اعصيه هراء
وهو يعطيني غذاء
وإنا اهجوه- في تقليده - أقسى الهجاء
اذ أنا افقه ما قال
ولا يفقه من قولي إنا.. حرف هجاء


إن ميزة الصورة الشعرية تكمن في رؤاها ودلالاتها الإبداعية ، فهي تكون قراءة لذات الشاعر وواقعة المعاش ، ومن هذا يتضح إن ثمة ثنائية توجد بالضرورة في أساس الإبداع الشعري نفسه ، وفي أي تحليل يتصدى له، فللشاعر طبيعتان إنسانية وفنية ، والشعرية عملية تختلط فيها الحياة باللغة ويتزاوج المعنى بالمبنى ، فهذا شاعر المعاناة والمرض العضال إبراهيم احمد النجفي الذي أودى به المرض في منفاه يحدثنا في قصيدته ( الخطوة الأولى ) فيرثي نفسه وقافلة الفقراء والمعذبين :-





دمعة عند ابتداء الخطوة الأولى
وأخرى بين اشفار المسافات
وأنات الرياح
ارتدي في وجهكم كل عذابي
وجعاً ينبت في المنفى .. نذورات شبابي
أيها الغافون في جرحي ..
وأوجاع حنيني وانتحابي
هانوا لي شجوكم المرمي
على أنغام أنات السواقي وانتصابي
يغتدي لحني
وما ينزف مني في اغترابي
وثمة ملاحظة على قصائد الشعر العراقي في المنفى أنها تحمل وجع المنفى ومعاناته ،فالصورة الشعرية لهذه القصيدة تكون أحيانا مليئة بمفردات الاغتراب والحنين اليومي للتربة الأولى ، فهذا الشاعر جمعه اللامي يقول في قصيدة ( رعد صامت):-




عندما فتحت عيني
لم يكن ثمة في المدى
سوى رعود صامته وسحب عمياء
وعندما أغمضت عيني
جلست الى النور
ابكي
لينحب من اجلي النور

هكذا هي الصورة الشعرية الإبداعية لشعر المنفى ، فمفردات ( النفي ، الجرح ، الدمعة ) تراود المتلقي القارئ لأغلب هذا النتاج الشعري ، فهذا الشاعر سلام صادق الذي لم ينم وينعم في منفاه بأحلام سعيدة لأنه سئم الترحال التشرد فيقول في قصيدة ( الواقعة الأقل رعبا) :




إنا السهران
نامت ليلتي
ولم انم للان
إنا السكران
جفت خمرتي
وما ارتوى الندمان
بسوى دموعي ونزيف الأمس
لعل المتتبع لنتاج المنفى الشعري العراقي يرى الوطن حاضرا في اغلب الصور الشعرية لهذا الشعر المليء بالبكائية الحادة فهذا فاضل السلطاني يقول في قصيدة ( زيارة الى مسجد عقبه بن نافع )يقول :




أتذكرُ
لا اذكرُ إلا شيئاً
فمن خط هذه النقوش
على الباب من قرأ الفاتحة
على القبر دوني
وأغلقه ، ثم نام عليه؟
ولكنني ، لا اذكر ألان
كنت أدور على القصبات أجمع أجنحة ثم أطلقها
فاسمع منها الخبب
براقص بين القلوب
سلاماً على المصطفى
وكنتُ أراك
تراكض بين الدروب
لكيما تراني
وكان العراق بعيداً

وهذا الناقد والشاعر سعيد الغانمي يحن الى القبر أو الى الموت ، وليس الموت في المنفى ، وإنما الموت في الوطن فيقول في قصيدة ( قبري هنا... أو هناك )




احن الى نصف مترا بمترين
لكني لست اعرف أين سأدفن حين أموت
لعائلتي إن تسجى بأرض النجف
ولكن بيني وبين النجف
بلاد أو بحراً وخمس حروب
أتساءل : ما الفرق بين تراب النجف
وتراب سواها
وفي كل ارض تراب ودود
أتخيل قبري هناك
وأرجو إذا مت دفني هنا
ففي الحالتين ..هنا أو هناك ..
سيأتي غريب غريب
وينظر ذات اليمين وذات الشمال
وإذ يتأكد إن ليس من احد غيره في هذه القبور

كم جميلة ورائعة صور هذا المقطع الشعري من هذه القصيدة المليئة بالحزن العراقي ، وبالرغم من هذا الحزن إلا انه ثمة أمل بالمستقبل وعودة الفراشات الى المزارع والحقول كما يرى الشاعر هاتف الجنابي :




اكتفي بكلامٍ مرير
سنبلةٍ واجفة
أكتفي بغصونٍ كسيره
أقول سيرحل هذا القضاء الخشب
اكتفي مرة بالحساء ، وأخرى بماء العنب
اكتفي مرة بالرجاء لعل صدى العاصفة
يتأرجح بيني وبين السكون
اكتفي بصرير الظلام
أقول قريباً سيأتي
ويغسل وجهي نثيث الندى

إن الرثاء لشعراء المنفى العراقي ميزة أخرى لقراءة الذات الشعرية، وثمة ظواهر برزت في الأجيال الشعرية وهي بروز ظاهرة التمرد على المألوف والسائد الحياتي فحسين مردان وقصائده العارية وجان دمو وأسمال المنفى ، ما هي إلا ظواهر شعرية انتقلت بهذه الميزة الى المنفى فجان دمو الذي عرفته طرقات عمان وحانتها وساحاتها انتقل من هذا المنفى الى منفى أخر جنوب شرق العالم ، فهناك رحلة الموت الأبدي وكتب مرثية الأخيرة وهي مهداة الى الشاعر رشدي العامل:-




حتى في الأنهار التي لا قيلولة لها
ستبقى موسيقى صمتك أكثر صخباً وغرابة من جدل الرعب الذي
يلفنا
وما جدوى إن يعود المقامرون
الى رؤاهم القديمة
والمجنحون الى طرافاتهم
أو الشعراء الى خرافاتهم الخصبة
بين الخطوة والخطوة خطواتك بيننا

ثمة رؤى إبداعية ميزت الصورة الشعرية لقصائد شعراء المنفى العراقي ، وهذه الميزة هي حالة الحرية التي تمتع بها شعراء المنفى ، بالإضافة الى انفتاحهم على الثقافات الأخرى ، والبعض منهم اخذ يكتب الشعر بلغات أجنبية أخرى ،بعد إن أتقنوا هذه اللغات للبلدان التي يقيمون فيها ،واتخذوها مأوى لهم .
إن الصورة الشعرية ما هي إلا مشاهد انفعالات وتأثر بما هو حسي وجمالي يشوبه تدفق الصورة أو المقطع الشعري بصورةٍ انفعالية لا إرادية فيكون الشعر على لسان الشاعر بمثابة تدفق لغوي مليء بالصور الشعرية وهذه سمة الشعر الإبداعي ، وشعراء المنفى العراقي أبدعوا في الصورة الشعرية في اغلب قصائدهم.


منقول

صائد الأفكار 17 - 10 - 2010 09:09 PM

مجهود رائع وموضوع قيّم
استمتعت بتواجدي بصفحتك

بانتظار المزيد من هذا العطاء

لك مني ارقّ تحية وأعذبها

دمت بخير


الساعة الآن 07:03 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى