منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 27 - 7 - 2010 07:09 PM

التوبة والاستغفار
 
عنوان الحلقة: التوبة
تقديم: علاء بسيوني
الحمدلله أن الله سبحانه وتعالى تكرم على خلقه بالتوبة والإستغفار وبالإستعداد به سبحانه وتعالى برحمته ومغفرته وحبه للعفو على من يعود ويرجع للمولى عز وجل. كثير من الناس يريد بعد أن إرتكب معصية صغيرة كانت أم كبيرة أن يتوب ويرجع إلى الله وأحياناً تكون هذه النية عند كثير من الناس.ولكن الواقع يبين أن ليس كل من تتوفر لديه هذه النية بالتوبة أو الإستغفار أو الإنابة والرجوع إلى الله يعلم كيف يتم ذلك هل يتوب أو يستغفر؟ ولو قرر التوبة فكيف يتوب؟؟ وهل سيتقبل الله مني؟؟؟ وكثير من الأحيان يتدخل الشيطان في هذا إما لكي يمنع التوبة أو يؤخرها فما هي الخطوات التي يجب أن تتبع إذا أخطأ الإنسان يتوب أو يستغفر؟؟ ويبدأ بأي منهما ؟؟ وما الفرق بينهما؟؟
هذا سؤال مُلِحّ: الفرق بين الإستغفار والتوبة فرق في تداخل إستخدام اللفظ أو شيوع إستخدامه. فأصل الكلمة يختلف عن شيوع إستخدامها.مثال ذلك من يرتكب الكبيرة ويقو ل أنه سيستغفر؟؟؟ وهذا لا يجوز فيجب أن نفهم الفرق بين الإثنين و أيهما أسبق و الذي يجب أن نكون عليه. والقرآن وضح في أكثر من موقف الفرق بينهما ومتى يكون الإستغفار ومتى تكون التوبة. ولكن سورة هود هي أقرب سورة لتصوير معرفة كل واقع لكل كلمة في الإستغفار والتوبة. المعصية التي تكون فيها كبائر تستوجب توبة. الإستغفار حالة متداخلة مع التوبة لأنها واقع حياة. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ياآيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة) و في رواية (أكثر من سبعين مرة) وكلمة سبعين عند العرب كلمة للتهويل ودلالة على كثرة العدد. في الآيات الثلاث الأولى من سورة هود توقيع نادر للقرآن من حيث توصيف المنهج وكنه الكتاب وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟. قال الله تعالى:( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ 3 هود) كتاب أحكمت آياته ثم فصلت...من لدن حكيم لأنها أحكمت وخبير لأنها فصلت. أحكمت. متى يكون البناء محكم؟ عندما لا يكون هنالك ثغرة فبه. والكلمة مأخوذة من إقامة البناء فكأن المنهج الذي أرسله إليك المولى عز وجل لا يوجد فيه أي ثغرة فلن يكون لك حجة يوم القيامة أن تقول بأنك لم تفهمه أو لم تنتبه له فأحكمت آياته ثم فصلت وبذلك لا أحد يستطيع أن يدعي الجهل أو عدم إداركه في الوقت الذي وصل البشر إلى أعلى درجات التقدم والعلم والتطور والتفاخر بهذا التطور والإختراق العلمي الهائل دون أن يعلموا أن هذا سيكون حجة عليهم فالذي و صل الى مثل هذه المرحلة أين هو من المنهج؟؟؟؟؟. الله تبارك و تعالى يقول:( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ 105 الإسراء) فالكتاب ينزل إلى السماء الدنيا مجمل بالترتيب الذي نقرأ به المصحف الآن...ثم من أول إقرأ نبدأ نأخذ من هذا الكتاب آيات بتفصيل معين يواكب الأحداث. فالجمع موجود أساساً لله رب العالمين بإحكام. فالترتيب الآن بمراد الله عز وجل. فالكتاب محكم. فالترتيب لا أحد يستطيع عمله والتوصيف لا أحد يستطيع قوله وتوقيع للأحداث منقطع النظير. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gifإتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتكم) وذلك في الشريعة فقط وليس المقصود علوم الدنيا والثقافة فقد قال صلى الله عليه و سلمhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gifأنتم أدرى بشؤون دنياكم). ما سكت عنه الشرع ولا يخالف عرف أو قاعدة عامة أو أخلاق أو آداب فلا بأس وهذه رحمة من الله تبارك وتعالى. كثير من الناس غير المتعلمين بل والمتعلمين أيضاً من يجد صعوبة في تدبر آيات القرآن و الفهم . والمشكلة ليست في القرآن ولكنها تكمن في الناس...فالمنهج واضح قال الله تعالى:( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ17 القمر) فالعيب يكمن إذاً في المدرك في المتلقي .والراسخون في العلم -في الآيات- لا تعني أنهم يعلمون. ولها معنى في التوقيع أن الراسخ في العلم يؤمن حتى لو لم يفهم. لأن حتى الراسخ في العلم ليس من المفترض أنه يحيط بعلم الأمور كلها. قال الله تعالى:( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 طه) وهذه هي حالنا الآن.الذي يتبع المنهج يستغفر من باب طلب معية الله وليس مغفرة ذنوب. ولكن هذا لا يعني انه لن يخطيء. قال المولى عز وجل:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ 32 النجم) فهذا واقع حال كل مسلم. فيجب أن تكون ملتصقاً بالمنهج وأول ما أن يصيبك بوادر معصية بوادر أو بُعد عن الله تبادر بالعودة إليه. قال تعالى:( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) فالذي يعيش في معية الله يكون في قمة الراحة فهو لا يراقب الناس ولا يحسد ولا ينم ولا يغتاب ولا يكذب فيشكر ويحمد في السراء ويشكر ويصبر في الضراء.
ونعود إلى سورة هود: من فضل الله علينا التفصيل والتفصيل أتى من الإحكام . فمن ضمن الإحكام أنه يفصل ويفهمه جميع الناس ولا يختلف عليه إثنان. وبعد أن نقرأ قوله عز وجل(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) نتوقع توجيه وهو ( ألا تعبدوا إلا الله) وهذا هو أول توجيه بعث به محمد صلى الله عليه وسلم التوحيد. الآيات التي تليها توضح وقوع أمر ما وهو الذي حصل منذ عهد آدم عليه السلام. هل آدم ساعة أمره الحق تبارك وتعالى بعدم الإقتراب من الشجرة قام بطرح التساؤلات لماذا؟؟ والإحتجاج؟ لا لم يحدث وهذا هو التوحيد (سمعنا و أطعنا). ولكن سيحصل أمر ما ولقد خلقنا الله على هذه الخلقة وهذه الطبيعة(أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) من واقع القرآن هل يحدث حساب يعقبه؟ إما نعيم وإما عذاب من غير رسالات (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً 15 الإسراء) وهذه قاعدة. ولذلك سنسأل يوم القيامة ألم يأتكم نذير؟؟؟ قالوا بلى. قال تعالى:(وأن إستغفروا ربكم ثم توبوا إليه).لو أن شخصاً في هذه الدنيا يحيى بلا أي مبالاة فلن يفطن إلى كلمة أستغفر الله..ثم حصل لهذا الشخص أنه سمع آخراً يقول أستغفر الله. فهو بنطقه للألف والسين والتاء علم أن هنالك إلهاً.بدليل أنك تقول أستغفره وأستغفر تعني طلب الستر والمغفرة من الله وما دمت عرفته فتُب إليه. فالتوبة لم تظهر إلا بعد الإستغفار لأن الألف والسين والتاء تدل على العلم بأن هنالك إلهاً وأنه يستغفر .ومادمت عرفته فإذهب إليه .ويعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل توبة هي التوبة عن توبة. فقد كان يتوب إلى الله رغم أنه معصوم ولكن يتوب عن توبة (فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مئة مرة) والتوبة إلى الله ليست الرجوع من معصية فقط لأن جمال معرفة الإله الحق بأن تبقى و تحيى في معيته. فالتوبة هي الرجوع فإذا تبت ورجعت إلى الله إياك أن ترجع من عنده بل إبقى في معيته.
قال تعالى:( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ 105 الإسراء) وتفسيره: وبالحق أنزلناه كتاباً مجملاً كما هو الآن إلى السماء الدنيا وبالحق نزل قرآناً يُقرأ ومنجّماً على مدار 23 سنة. ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ 106 الإسراء) فلو أخذنا مثال المجادلة: فهي لجأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول ليس لديه تشريع ولو أن الموقف إنتهى هكذا لظهر كثير من المكذبين يقولون ما الفائدة إذن؟؟؟ حتى سؤالها الرسول صلى الله عليه وسلم أتى من بعده تشريع فيقول المولى عز وجل:( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا 1 المجادلة) فهل معنى هذا إن الله تعالى قد سمع الآن؟؟ لا لأن الله سمعها قبل أن تقولها فهو الذي عز وجل قدرها من قبل أن تخلق ولذلك يجب أن نفهم ونضع الآيات على مدار(وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 29 التكوير) يجب أن يشاء الله لكي نستطيع أن نشاء.
التأويل (أم الكتاب وأخر متشابهات) تبيّن وظيفة البشر (فيتّبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله) هنالك شخص هدفه يكون أن يشرح لك القرآن ويفسره لكي تعمل الناس وآخريعيب القرآن فلكي يعيبه لن يبحث عن المحكم بل عن المتشابه ويدعي أنه يحاول أن يأوله ولا يعلم تأويل القرآن إلا الله قال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا 7 آل عمران) الراسخون في العلم مؤمنون حتى إذا لم يصلوا إلى حدود المعرفة المطلقة ومثال ذلك ما فعله الصديق رضي الله عنه في مسألة العروج فقد وقف موقفاً بين طرفي النقيض : الذي يقول أنه لن يفكر بهذا الموضوع ولن يستعرضه على عقله لكي لا يهزني و يخرجني من الإيمان والآخر كذب أما أبو بكر فقال بأنه يصدقه في ما وراء ذلك بخبر السماء يأتي به وحي فكيف أكذبه في هذا الأمر؟! فالأمر الذي يستعصي عل أي شخص ما فهمه لا يلغيه من عقله ولكن يؤمن به يوجه طاقته من طاقة المعرفة إلى طاقة الإيمان فأبو بكر رضي الله عنه طبق قوله تعالى(كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ).
قال تعالى (ويؤت كل ذي فضل فضله)المذنب يستغفر الله ويتوب إليه حتى يعفو عنه يبعد عن الذنب ومن المنطق البشري أن يقال: أعفو عنكم وأسامحكم لكنه تعالى أعطانا نتيجة أخرى: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى 3 هود) فما هو المتاع هنا؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر) فهل في السجن متاع؟ .والدنيا جنة الكافر وهذا ما نراه جميعاً فالكافر منطلق في الدنيا دون أي قيود أو حدود يفعل ما يريد وما تهوى نفسه لأن ليس لديه منهج يحكمه ولكن أُنظر لما بعد الدنيا فما عمر الدنيا بالنسبة للواحد منا؟100 120 150 ثم ماذا؟؟؟؟ فالمتاع الحسن ليس معناه أن تكون متمتعاً في الدنيا فأنت كأنك مسجون لأنك متبع لمنهج لا تقوم بأي أمر إلا بعد أن ترجع إلى المنهج فهذا مثل الحصار فهذه الحدود سجنتك ولكن أُنظر إلى ما بعد هذه الحدود..إنظر ساعة تخرج من الدنيا. فالمتاع هنا هو المتاع لما سيحدث بعد الأجل المسمى-أي الموت- فأنت تصبر في الدنيا لأجل نعيم أزلي نعيم مقيم و دائم فالإنسان الفطن يفطن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا من ممركم لمقركم) فعش في الدنيا على مراد الله فيك وإنتظر الوعد قال تعالى:( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ 35 الرعد) الوعد لا يكون أبداً إلا في شيء فوق التصور من الجمال ودائماً يكون بالخير غير العادي وهذا عكس الوعيد الذي يكون من الإيعاد وهو عكس الوعد فالمتاع هنا للمؤمن أنه وصل من قناعته برضى المولى عز وجل وإرضائه آناء الليل وأطراف النهار أنه حتى عندما يكون في ضيق يأخذه على أنه متاع لأنه رغم السجن الذي هو فيه إلا أنه راضي رب العالمين (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ 10 الزمر) لأنه صبر على هذا الضيق وهذا السجن قال تعالى:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي 30 الفجر) راضية رغم أنها كانت مريضة ومتعبة ومبتلاة وفقيرة وتاركة لجميع الملذات إلا أنه مع الضيق الذي كان يعيش فيه كأنه في متاع وفي نعيم لأن معية الله نعمة لا أحد يعرف قيمتها إلا الذي عاشها فلو أن أحد جرب أن يترك معصية إرضاءً لوجه الله تعالى فسوف يشعر بحلاوة الإيمان وحلاوة رضى المولى عز وجل التي تفوق لذة المعصية ويبقى السجن بالنسبة له متاع فإمنعوا أنفسكم عن المعاصي تعيشون في هذا المتاع والنعيم الذي نرى فيه الكفار يكون وقتياً (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ 20 الأحقاف) و لهذا هي جنة الكافر وكم سيعيشون في الدنيا؟؟؟؟ نوح عليه السلام الذي عمّر ألف سنة قال: ( الدنيا كأنها دار له بابان دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر). قال الله تعالى:( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى 123 طه) فمن إتبع هدى المولى عز وجل فلا يضل-لا يرتكب الكبائر ولا الفواحش-لأن الله يحميه ولا يشقى لا في الدنيا ولا الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 طه) الضنك هو الحياة غير السعيدة مع كل مقومات السعادة فهو لديه كل مقومات السعادة وغير سعيد .والنعيم ليس من سمات الدنيا. النعيم من سمات الآخرة فكل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هين. وأهم أمر أن مصيبتنا ليست في ديننا فالحمد لله رب العالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا:ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) فيجب علينا الإستغفار والتوبة فإذا كان المعصوم محمد صلى الله عليه و سلم يستغفر ويتوب وهو الذي غفر له ما تقدم له من ذنب و ما تأخر فما بالنا نحن؟ ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ 21 الأحزاب) فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يحمل هم الدنيا لأنها زائلة ولكنه كان يحمل هم الوقفة في اليوم الآخر اليوم الفيصل في ميزان كل البشرية.

ميارى 27 - 7 - 2010 07:11 PM

عنوان الحلقة: المفاهيم الأساسية للتوبة والإستغفار والعفو؟
تقديم علاء بسيوني
الألفاظ الثلاثة : التوبة والإستغفار والعفو لكل واحد منها مفهوم لكن نريد أن نقف على المفهوم الذي رسمه القرآن الكريم بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه).
أستغفر: عندما تدخل الألف والسين والتاء على فعل فهي تدل على الطلب، أستغفر بمعنى طلب المغفرة. والمغفرة هي ستر المولى عز وجل لنا وهذا أمر عام. عند بعض العلماء يقولون إذا أُمسِك بشخص يسرق فإعلم أنها ليست المرة الأولى لأن الله تعالى لا يفضحه من أول مرة. أستغفر يعني أطلب رصيد مغفرة والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعلها بعد الطاعات . من الرسول صلى الله عليه وسلم الإستغفار من إستغفار والتوبة: توبة عن توبة، أما منا نحن فلو علمنا طاعات نقول بعدها: أستغفر الله أي أطلب رصيد مغفرة من الله تعالى ليسترني ساعة الخطأ وبهذا الإستغفار نكون أقرب للتوبة. الإستغفار يقرّبك إلى التوبة لأن الذي يستغفر الله تعالى يعرف الله عز وجل فمن السهل عليه أن يتوب إليه ويرجع إليه. الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول ما ينتهي من صلاته يقول: أستغفر الله ثلاثاً بإطلاق لفظ الجلالة الجامع لكل صفات الجلال والجمال وهي تشمل الغفار والرزاق والوهاب والتواب والقوي وكل الأسماء التي نعرفها والتي لا نعرفها. وكذلك في دعاء الخروج من المنزل علّمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول: بسم الله، لم يقل بسم الرحمن أو بسم الرزاق لأننا عند خروجنا من البيت نحتاج لكل الصفات التي نعرفها والتي لا نعرفها. والرسول صلى الله عليه وسلم علّمنا إطلاق لفظ الجلالة في بعض المواقف (أستغفر الله، بسم الله) وحلاوة الإستغفار تكون بعد الطاعة. والرسول صلى الله عليه وسلم يعلّمنا سيّد الإستغفار " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " وهذا يدلّ على أن هناك صيغاً أخرى للإستغفار لكن هذا سيّد الإستغفار.
التوبة: تعني العودة. تاب أي رجع. حلاوة التوبة أن لا يكون بعدها رحيل الآخر وطالما رجعت إلى الله تعالى إبق معه إلزم وهذا مهم في أنه عندما أتوب إذا إستهنت بالمعصية فسوف أعود ثانية للمعصية وهو ما نسميه إدمان المعصية. علينا أن نعي أن الصغيرة سنحاسب عليها ولو إستحضرنا الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة والعقوبة لما عصينا. وقلنا سابقاً أن الشيطان ينجح أحياناً في أن يٌنسي العاصي لحظة المعصية عقوبة هذه المعصية وإلا لو إستحضر العاصي العقوبة لما أقدم على معصية. تذكر يوم القيامة وأنت تقف بين يدي الله تعالى فيسألك" عبدي لم جعلتني أهون الناظرين إليك؟ استحييت من الناس ولم تستح مني؟ للأسف الذي يرتكب ذنباً يحاول أن يستتر من الناس حتى لا يروه فيفضح أمره لكنه لا يستتر من الله والشيطان يضحك عليه ويقول له إن الله غفور رحيم لكنه سبحانه ليس غفوراً عن ضعف حاشاه وإنما (نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم).
إستطراد: في القرآن الكريم وردت (قل) للرسول صلى الله عليه وسلم إجابة عن أسئلة الناس لكن عندما يكون الحديث في موضوع الميزان الذي يحكم تصرفاتنا مع المولى عز وجل جاء بالفعل (نبّيء) لأن (قُل) تحمل الرسالة، والنبوءة عند محمد صلى الله عليه وسلم سابقة للرسالة (رسول الله وخاتم النبيين) فهو صلى الله عليه وسلم نبي قبل أن يكون رسولاً لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول. (نبّيء) أن الله تعالى غفور رحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم. حلاوة الغفران والعفو لأنه صاحب العذاب سبحانه. قال تعالى (فمن زُحرح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) جاء الفعل زُحزح بصيغة المبني للمجهول.أصل عملنا يُدخل النار وأُدخِل برحمة الله تعالى. مهما تفعل تقول يا رب تقبّل والذي يفعل هذا لا يقع في المعاصي بسهولة لأنه يستحضر الإله الحق في ذهنه في كل عمل ويخاف أن لا يقبله تعالى منه.
كيف نجعل الناس تفكر في عظمة الخالق وتبتعد عن المعاصي التي يظنونها صغيرة؟
يجب أن لا ننظر إلى صغر المعصية ولكن علينا أن ننظر إلى عظمة من تعصيه. وللأسف خلطت المفاهيم عند الناس فترى البعض يحترم أبوه ولا يدخّن أمامه لكنه لا يستتر من الله تعالى. يجب على الإنسان أن يخاف من ربه قبل أن يخاف من أبيه وعليه أن يٌعمل صفة الرقيب دائماً. أركان التوبة مهمة وأوّلها أن تستكبر الذنب مهما رأيته صغيراً لأن إستصغارك للذنب يجعلك تقع فيه مرات أخرى. أما لو حصلت عقوبة من أول مرة فلن يعيدها ثانية. هذا في الدنيا فما بالك بالآخرة التي عقوبتها لا يمكن الخروج منها وإنما هي عقوبة أبدية. طالما لا يوجد منهج توقّع ما لا تتصور. يجب علينا الرجوع إلى آيات سورة هود لأن فيها توجيهات إلهية محكمة بترتيب ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ 3 هود) كيف تبت؟ التوبة ليست مجرد كلمة وإنما أغتسل غسلاً خاصاً كما أغتسل من الجنابة وأصلّي ركعتين سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ركعتي التوبة وأبكي وأدعو الله تعالى أن يعافيني من الخطأ والمخاطر والمعاصي ويجب عليّ أن أعي ما أقول وليس مجرد ترديد كلام.
اللهم فُكّ وثاقنا من المعصية: الشيطان كأنه ربط العاصي في معصيته فيُدمن الإنسان على المعصية لأنه يستصغرها فكيف نفكّ هذا الوثاق؟
بالتوبة النصوح. لو فهم الإنسان معنى التوبة. الأصل طالما أن الله تعالى شرّع التوبة فيجب أن نفهم معناها. نرجع للمعصية الأولى معصية آدم. آدم بدأ بالسمع والطاعة (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه) يمكن أن نسيانك لصفات الله تعالى وإتّباعك لشهواتك يجعلك تعصي. التوبة معناها الرجوع إلى الله تعالى يعنى أن أصل الإنسان أن يكون في معيّة الله تعالى ثم يبتعد عنه بالمعاصي ولهذا عليه أن يرجع إليه سبحانه بالتوبة والرجوع والإنابة. من فضل الله تعالى علينا أن شرع التوبة لأنه توّاب سبحانه حتى من قبل خلق آدم بدليل (إنه هو التواب الرحيم).
قوله تعالى (فتلقى آدمُ من ربه كلمات فتاب عليه) المولى تعالى أرجع له الفضل (فتلقى آدمُ) لم يقل (آدمَ) رغم أننا نفهم أن الفضل من الله تعالى لأنه سبحانه هدى آدم للتوبة. لكن هل أنتظر التوبة من الله كما يقول البعض إذا دعوت فتاة إلى الحجاب تقول لما يهديني الله تعالى. علينا أن نفهم أنه بتلقي آدم للتوبة فكأنما تلقيناها نحن.البعض يقول نحن علينا ذنب مما فعل آدم ولهؤلاء نقول أن الله تعالى قال: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). وفي هذا الموضوع كثيرون يسألون أنا أصوم ولا أصلي فهل صيامي مقبول؟ أقول لهؤلاء إذا كان صيامك صحيحاً فهو مقبول وكل مسألة لوحدها ولا تزر وازرة وزر أخرى. الملائكة تكتب كل عمل لوحده فإذا كان عند الشخص الواحد لا تزر وازرة وزر أخرى كيف عند آدم؟. لو صلّى هذا الصائم لكان أفضل له لأن الصلاة عماد الدين وهي العمود الفقري لأركان الإسلام والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهنا أنبّه الدعاة الذين ضيّقوا على الناس وقالوا لهم لا يقبل صيامهم إذا لم يصلوا فنفّروا الناس من الدين ويبعدون الناس عن الله تعالى بدل أن يقرّبوهم وكأن هؤلاء الدعاة هم حُرّاس على أبواب الجنة والنار والله المستعان، والواجب عليهم وعلينا أن ندعو الناس إلى الله على بصيرة وقد علّمنا تعالى المنهج (إُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). فالذي يصوم ولا يصلي قُل له صُم ثم إقترب منه وحاول معه واعمل عليه حتى يصلّي. وللأسف أقول أن كثيرين ممن يقعون في المعاصي يقعون فيها لأن التوجيهات غير صحيحة.
على المسلم أن يرتّب صلته بالله تعالى وبالصلاة تبتعد عن الشهوات والمعاصي فقد وصف تعالى النبيين أنهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا {س}(58) مريم) ثم قال بعدها (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)) الإستثناء يبيّن أن التوبة أصلها أنك كنت في معية الله تعالى. الله تعالى عندما عصى آدم وصفه بأنه نسي (فنسي) ولم يقل عنه أنه كفر وشرع له التوبة وكان المفروض علينا نحن أن نأخذ ما حصل مع آدم بعين الإعتبار فلا يصلي أحدنا العشاء مثلاً ثم يزني لأنه إذا فعل يكون لم يفهم قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) المفروض أن الصلاة تنفعه وتذكره بالله تعالى فلا يقع في معصية. نحن للأسف لا نقوم بالأمور على معطيات الله تعالى فينا. جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا يصلي ويرتكب الفحشاء فقال صلى الله عليه وسلم دعوه وتكرر هذا الأمر عدة مرات ثم سأل صلى الله عليه وسلم عن الرجل فقالوا له إنصلح حاله. لو أننا فهمنا نقول لنراجع صلاتنا كيف صلّينا؟ إذا أقمنا الصلاة بشكل صحيح لا يمكن أن نعصي. وردت إقامة الصلاة 67 مرة في القرآن الكريم ولم ترد مرة واحدة تأدية الصلاة لا في الكتاب ولا في السُنّة. يجب أن نفهم أنه لما يقول المولى عز وجل (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) أنه تعالى شرع التوبة وطالما شرع التوبة فهذا إقرار ضمني أن كل إبن آدم خطّاء لكن يجب أن لا يحصره الشيطان في معاصيه.
قال تعالى (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) البقرة) لم يخرج من دائرة المعاصي (فأولئك أصحاب النار) لكن مهما بلغت ذنوبك إذا لجأت إلى الله تعالى وإستغفرت الله تعود إليه سبحانه ولا يمكن للمولى أن يرفضك والله تعالى يتنزّل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه؟. لكن لنتخيل حال المسلمين والمولى تعالى يسأل هذه الأسئلة تراهم يغطون في نوم عميق وصلاة الفجر شاهدة على المسلمين يوم القيامة! أنظر إلى حال المصلين في صلاة الفجر وعددهم وإنظر إلى حالهم في صلاة الجمعة. هؤلاء أضاعوا الصلاة وإن كانوا يؤدّونها.
العفو: لا يكون إلا للطائع ، إلا لمن تاب وأناب إلى الله تعالى. هناك ألفاظ في القرآن الكريم تبيّن كُنه المسلم الحقّ: قال تعالى في وصف إبراهيم (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) هود) لم يوصف بهذه الصفة إلا إبراهيم عليه السلام. البديع في إستخدام ألفاظ القرآن أن الآهه هي الحصبة كما يمسها العرب آهه لأنها تحدث إرتفاعاً في درجة حرارة الجسم وألم يتأوّه صاحبها منها. فلازم معناها أوّاه أي كثير الدعاء، كثير التسبيح، كثير الخوف من الله على الناس وهذه الصفات لا تكون إلا في نبي. (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة) أوّاه كثير الخوف من الله تعالى على الناس، يخاف على الناس الذين عاصروه وخاف عليهم مما يعلمه. أوّاه أي رجّاع مسبّح دعّاء كثير الدعاء ويتألم في ذاته خوفاً من الله على الناس أن يكون قد قصّر كرسول. هذه الصفة لم يوصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذه حال الرسول الأبدية. أوّاه قلنا أنها تبيّن أنه كثير العودة إلى الله تعالى لكن في توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه حالة أبدية عنده. (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود) ساعة ما يرفضوا الرسالة ويكفروا (فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) كبير: صفة غريبة لوصف اليوم. هذا توصيف حال الرسول ساعة يتفلّت منه أحد حاله أنه خائف فهذه توصيف الأواه. إذا جاءت لإبراهيم عليه السلام توقيعاً فهي جاءت لمحمد صلى الله عليه وسلم توصيفاً. كان صلى الله عليه وسلم يتألم إذا مات يهودي فيقول صلى الله عليه وسلم أفلت مني. وهو صلى الله عليه وسلم جمع صفات وكمالات الرسل والنبيين (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (90) الأنعام) جاءت إقتده بالهاء لأنها جاءت في التطبيق، الإقتداء والإقتداه أي خذهم قدوة، قلّد كمالات النبيين جُمِعت للرسول صلى الله عليه وسلم ولو جمعنا خُلُقه صلى الله عليه وسلم نصل إلى أبلغ ما وصفته به السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: كان خُلُقه القرآن. أعطاه تعالى شجاعة موسى وإقدام داوود وشفقة هارون وملك سليمان وكفانا أنه محمد صلى الله عليه وسلم .
مشكلة الناس إستصغار الذنب وكذلك يرون التوبة شيئاً سهلاً فكيف نوقع في قلوبهم أن التوبة تحتاج لعمل وجهد والله تعالى مطّلع على قلوبهم ويعلم صدقهم؟
نحن لم نعش معنى التوبة. تاب أي رجع فهل يعود؟ يقول العاصي: تبت إلى الله فهل فهم معناها؟ لو تاب بندم وتعب وإستعظام للذنب حتى اللمم لا يرجع. يجب إستعظام الذنب والندم عليه وكيفية التوبة أن أفكر بالذنب دائماً كلما حاولت نفسي المعصية. التوبة ليست كلمة وإنما عملية متكاملة على الإنسان أن يعيش فيها. لو صلّينا كما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لنا "صلّوا كما رأيتموني أصلّي" وهنا رأى من باب العلم لأنه علّمنا كيف صلاته كان صلى الله عليه وسلم يخفف بالناس ويطيل لنفسه. صلِّ ركعتين تطيل فيها التدبر واركع حتى تطمئن راكعاً كما قال صلى الله عليه وسلم أي أن تبقى راكعاً حتى يحصل لك إطمئنان بالركوع. لو صلينا حق الصلاة لا يكون لدينا مشاكل. علينا أن نتدبر ما نقول وليست العبرة بطول القراءة وإنما بطول التدبر في ما تقرأ فلا تنتقل من بسم الله الرحمن الرحيم إلى الحمد لله رب العالمين إلا بعد أن تكون قد تدبرت معنى بسم الله الرحمن الرحيم.
للأسف كثيراً ما نسمع أخطأ فلان فهل له توبة؟ وما زال البعض يناقشون إلى الآن إذا كان للقاتل توبة؟ من الذي يمكنه أن يقول أن فلاناً ليست له توبة فإذا كان الله تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) النساء) إستعمال حرف الجر عل يبين أن الله تعالى كأنه ألزم نفسه بالتوبة وهو سبحانه لا يلزمه شيء، وقد جاء إستعمال حرف الجر على في أكثر من موضع وتأتي في أمور عظيمة (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) آل عمران) (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود) ويجب أن نأخذ هذا الأمر بالإعتبار. الرسول صلى الله عليه وسلم قال أن إبن آدم لا يمكنه أن يهرب من رزقه لأنه سيأخذه رغماً عنه " لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم ابن آدم. وإن فرّ ابن آدم من قضاء الله فإنه يفر إلى قضاء الله أيضاً"
هنيئاً لمن صلّى ركعتين وتاب عن معصية وهنيئاً لمن صلّى ركعتين وتاب من غير معصية. المهم أن لا يعود العاصي بعد توبته (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) المولى تعالى قالها بشرط أن لا ينفك عن المنهج ويتركه. مقابل هذه الآية صعب (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) كأننا لا نقع في المعاصي إلا لأننا نعرض عن ذكر الله تعالى. يجب أن نعيش في معيّة الله تعالى عندها نعيش على توبة فلا نضل ولا نشقى.
الذكر كلمة كبيرة فالصلاة ذكر والقرآن ذكر والدعاء ذكر والتسبيح ذكر (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد) الذكر يكون في القلب أولاً. القرآن الكريم لم يتكلم عن المحافظة على الصلاة إلا بعد ذكر الخشوع كما في قوله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) ثم قال بعدها (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)) المهم في التوجيه الخشوع في الصلاة لأن الصلاة في وقتها أمر مفروغ منه. ولو عشنا كلمة توبة وحققناها: أغتسل وأتوضأ وأصلي ركعتين بنية التوبة حتى لو لم أعصِ.
ما عصينا الله تعالى إلا ببعدنا عنه.
(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)) كذلك اليوم تُنسى أن سيحصل لك ما فعلته في الدنيا. تُنسى هي قمة التذكر لكنها تعني أنه نُسي من رحمة الله تعالى التي هي أصل الله تعالى. وهذا ليس نسياناً مطلقاً وإنما نسيان من رحمة الله تعالى. والله تعالى سبحانه يحاسبنا بالفضل لأنه لو حاسبنا بالعدل نضيع.
في سورة الأعراف قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)) هنا مبصرون بالبصيرة. والذي يُحشر أعمى سيستغرب لأنه كان في الدنيا بصيراً فيقول له المولى عز جل (كذلك) أي كما حصل معك في الدنيا أنك كنت ترى ولم تفعل فيوم القيامة يقول كما قال غيره (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) الملك) إتهموا أنفسهم بأنهم لم يسمعوا ولم يعقلوا ولم يفدهم سمعهم ولا عقلهم ولا بصرهم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/4/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:13 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 3
تقديم علاء بسيوني
لا زلنا نتحدث عن قضية التوبة والإستغفار أو فكرة العودة و الرجوع إلى معية الله عز و جل. وأنه من فضل الله الكبير علينا بأنه شرع التوبة و الإستغفار ولم يعاملنا كآدم عليه السلام عند أول خطأ أخرج من الجنة.وذلك من فضل الله الكبير علينا. فنحن كبشر جميعاً نخطىء وننسى ونتعثر بالمعاصي. ومن الناس من يكون مربوطاً داخل قيد المعصية وقد حبسهم الشيطان ورغم هذا كله فإن الله عز و جل شرع التوبة والإستغفار لكي نستطيع الخروج من هذه الدائرة المغلقة ونرجع مرة أخرى لمعية الله سبحانه و تعالى. فيجب ان لا ننسى هذا الفضل وأن نتعلم كيفية العودة إلى الله بصدق لأن كثيراً من الناس يتوب من الذنب ولكن بعد فترة يعود ويخطىء وتتكرر المعصية مرة وإثنتان وثلاثة وهنا تكمن الخطورة لأن الشيطان سيستغل هذا الأمر ويوسوس للعاصي بأن لا توبة له لأنه قد عزم أمام الله بأن لايعود ولكنه عاد للذنب ولذلك فإن الله لا يقبل منه التوبة، وهذا كله من وسوسة الشيطان لأنه يريد بالإنسان الإستمرار في الذنب و يؤيسه من التوبة ومن رحمة الله حتى يقبض وهو على معصية حتى ولو كانت صغيرة. وكثير من الناس من يتبع وسوسة الشيطان وطريقه لأنه أسهل ولأن العودة سوف تكلفه أشياء وهي التكليف ومثال ذلك أن هنالك من الناس من يجامع زوجته في الحلال ولكنه لايغتسل وهذا مبني عليه بأنه لا يتوضأ ولا يصلي. فخطأ واحد يؤدي إلى كم أخطاء وحالته تكون بأنه بعيد كل البعد عن الله وقس على هذا أموراً كثيرة. وقد شرع الله التوبة لأن آدم إبتعد فالتوبة رجوع وقد بعُد آدم بالنسيان، فهو لم يقل لا أو يرفض الأمر كأبليس ولكنه نسي فقد تقبل الأمر بمنتهى السمع والطاعة وهذه هي الفطرة التي خلق الله الناس جميعاَ عليها قال تعالى:( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا 30 الروم) فكل مولود يولد على الفطرة التي فعلها آدم وهي الإسلام وتعني هنا التسليم لله فالذي يحدث من بعد الفطرة من ذنوب هو خروج وبعد. قال تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif مُنِيبِينَ إِلَيْهِ 31 الروم) أي إرجعوا و لم يقل أنيبوا إليه. فأنيبوا فعل أمر ولكن منيبين حال وهذا تطبيق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يآيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة) لأنه صلى الله عليه وسلم ينفذ ماورد في القرآن الكريم. فمنيبين حال حتى لو لم تخطىء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند خروجه من الخلاء ( غفرانك غفرانك غفرانك) لأن الإنسان بعُد بعدم ذكر الله وليس بمعصية ويريد العودة. وبلال رضي الله عنه مثال على الإنابة فقد سمع رسول الله صلى عليه سلم دُفّ نعليه في الجنة فسأله فقال بلال رضي الله عنه (ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا وصليت ) فحاله حال إنابة. ولذلك يجب على المرء أن يستغفر الله بعد كل أمر أو عمل –دون المعصية- بَعُد فيه عن الله. مثال ذلك أستاذ الهندسة الفراغية يلقي محاضرة لمدة ساعة بعد المحاضرة يستغفر الله فهذا هو الرجوع. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغر الله بعد الصلاة. فهو مثل ذهابك في أمر من أمور الدنيا الحلال ولكنك تريد أن ترجع إلى الله فالإنسان لا يستغفر فقط لأنه أخطأ ولكن لأنه بعُد فالإستغفار هنا رجوع إلى حالة الإنابة والإنابة هي الرجوع إلى الله تعالى بتوبة. فلماذا إستخدمت بتوبة ؟ وهو في الأصل راجع وعائد إلى الله؟. والمقصود هنا للحالتين: الذي يرجع عن معصية والذي يرجع عن غير معصية. فكلمة توبة في مضمون الإنابة بأنه إذا كنت مرتكباً لمعصية فأنت عائد لكي تستغفر وتتوب وإذا كنت عائداً من غير معصية فأنت تتوب عن توبة وهذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان معصوماً عن الخطأ فهو ينام ولا ينام قلبه فحالة الإنابة لديه حتى في نومه صلى الله عليه وسلم . فقبل النوم يقول بإسمك اللهم أضع جنبي وبإسمك أرفعه وعند الإستيقاظ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، فهذه حالات إنابة وبينهما قلب ذاكر. والمثال الآخر على الإنابة قول الصحابي الجليل رضي الله عنه (نافق حنظلة) الذي كان شديد الخوف من أن إنشغاله مع زوجته وأهله وعمله وأمور الحياة قد يبعده عن الله وذكر الله والتعبد. وإعتبر هذا الإنشغال خصلة من النفاق. فالمنافق من يُبطن غير ما يُظهر. فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهو مناط هذا النفاق؟ وقد روي أن حنظلة أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قابل أبا بكر فقال له نفق حنظلة قال الصديق لماذا؟ قال نكون عند رسول الله نسمعه يتكلم فنرى الجنة رأي العين ونرى النار رأي العين وإذا خرجنا من عنده عاسفنا الأولاد وذهبنا إلى الأسواق، فقال أبو بكر وأنا كذلك، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي الطرقات لكنها ساعة وساعة، ساعة وساعة ساعة وساعة". فهو طامع في الجنة وخائف من النار وكوفىء المؤمن بالجنة لأنه لم يراها ولكن عمل لأجلها وبعّده عن النار لأنه لم يراه ولكنه إتقاها. فحنظلة رضي الله عنه يكون في حالة وجدانية عالية من الإنابة وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما يكون مع أهله ينشغل معهم بأمور الحياة ويفقد تلك الحالة الوجدانية التي مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأعتبر هذا نفاقاً فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (والله لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرقات ولكن يا حنظلة إنما هي ساعة وساعة) والجملة الأولى من الرسول صلى الله عليه وسلم تبين لك أنه من الإمكان أن تداوم على هذه الحالة من الإنابة في كل أمور حياتك بأن تستحضر نيتك لوجه الله فتظل بذلك في معية الله تعالى. وقد شرع الله التوبة للناس لكي يستطيعوا العودة إليه. فآدم عليه السلام وهو الذي كان في الجنة-جنة التدريب أو جنة الأرض- و لم يكن مكلفاً إلا بطاعة الله تعالى في عدم الإقتراب من الشجرة (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ 35 البقرة) ولكنه نسي و كانت ضريبة النسيان (فَتَشْقَى 117 طه) وهو شقاء التكليف وشقاء التمسك بالمنهج، فالمعصية سهلة للغاية ولكن الصعوبة تكمن في الإلتزام بالطريق السوي والمستقيم. وقد شرع الله التوبة-وهذا من فضل الله علينا- لأن ساعة ما كلف آدم لم يرفض أو يعترض ولكن طبيعته غلبته فآدم خُلِق على الفطرة قال الله تعالى:( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ 30 الروم).
قال الله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 الروم ):
فأقم وجهك للدين ولم يقل لله وفعل الأمر (أقِم) موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفه زعيم هذه الأمة أو على رأسها ولكن هذا الأمر ليس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وحده بدليل قوله تعالى (منيبين إليه) ولم يقل منيباً إليه. فالتكليف الخاص في القرآن بالرسول الله صلى الله عليه وسلم في مناطق محدودة جداً ويؤخذ منه لازم المعنى للأمة، فقوله تعالى:( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ 9 الضحى) أي يا محمد، وبقية التاس تقهراليتيم؟؟؟ وهذا غير صحيح أو منطق فالتوجيه لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. في قوله تعالى فأقم وجهك، الكلام للرسول r على صالح الأمر وغايته ولكن عندما يكون الكلام لنا أي أنه عندما يشعر الإنسان بأنه إبتعد وأن الحياة قد ساقته بعيد عن الله تعالى وأن الإلتزام صعب عليه فأقم وجهك للدين حنيفاً. والبديع في كلمة حنيفاً أن هذه الكلمة صيانة إحتمال لواقع حال: فكلمة حنيفاً خارج القرآن ومجردة في لسان العرب تعني مائلاً بعيداً وهذا هو حال سيدنا إبراهيم عندما ذكرت الكلمة في حقه فقد إبتعد عن الباطل وخرج يبحث عن الإله الحق، فالبعيد عن البعيد قريب والمائل عن المائل يكون في غاية الإستقامة. وقد أبقى الله تعالى كلمة حنيفاً في قرآنه بالمعنى الإصطلاحي لها أي الإستقامة أي أقم وجهك للدين مستقيماً مائلاً عن كل مائل بعيداً عن الباطل لأن هذه هي فطرتك التي خلقك الله عليها وقد تأخذك الحياة عن الفطرة ولكن يجب أن تعود-أقم- ولذلك شرع الله التوبة لكي يعود الناس إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها قال تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 الأعراف) وهذا هي البداية ولكن قد تبعد عن هذه البداية ولكن يجب أن تعود (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ). وقد يعترض كثير ممن لا يدينون بالإسلام على هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) قائلين بأنهم لو كُنا متأكدين بأن الدين هو الإسلام لما بقينا على ديانات أخرى أو مشركين أو ملحدين، ولكن قد يعتبر قولهم هذا صحيحاً لو لم يعتنق الإسلام منهم شخص واحد لكن هذا الشخص الذي أسلم أصبح حجة على الذي لم يسلم يوم القيامة ولو في عصر بائد ويتحقق قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) لمن يعلن إسلامه فقد أقام وجهه للدين حنيفاً وعاد للفطرة فهذه هي الحجة عليهم. وفي المقابل أن من المسلمين من يتنصر أو يتهود فهذا يحقق قوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ 256 البقرة) فلا يمكن أن يسلم أي شخص بالقوة أو الإكراه لأن إسلامه يكون مرفوضاً فالإسلام دين حرية الإعتقاد: قال تعالى (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ 29 الكهف) فجميع الأديان الوضعية يكون فيها إكراه وهذا من عظمة هذا الدين لأنه إله حق ولا يريد أن يعبد كرهاً فهنالك إسلام كرهاً ولكن لا يوجد هنالك عبادة كرهاً. فأقم وجهك للدين حنيفاً أي إرجع إلى الفطرة التي فطرك الله تعالى عليها بالإسلام لأن هذا ما يقوله المنطق. المنطق يقول لو أن الولد مات وعمره ست سنوات ستجده يوم القيامة _إن شاء الله_ في الجنة، لماذا؟؟ لأنه غير مكلف، لم يكلف بعد، لم يصل إلى مرحلة الاختيار وهو واقع تحت تأثير أهله فهوداه أو نصراه أو حتى جعلوه مسلما. لذلك أنا أقول لأولادنا المسلمين: أعلنوا إسلامكم، جددوا إيمانكم. لم ندق باباً لنبدي رغبتنا في الإسلام ونعلن إسلامنا بل قد ولدنا مسلمين من أبوين مسلمين وهذا يستوجب شكراً أكبر منا يجب أن نسجد لله _سبحانه وتعالى_ شاكرين أن جئنا من أبوين مسلمين ولم نبذل أي جهد أوعناء بل ذلك من فضل المولى عز وجل. إذا كان من أسلم الآن يقول الحمد لله مرة فنحن نقولها كم مرة؟؟ لإننا لم نبذل عناء الاختيار بين الديانات والمقارنة بين اليهودية والنصرانية وتضارب الأناجيل وتضارب التوراة وذلك بعكس من إعتنق الإسلام بإختياره فهو قد عانى الأمرين من نفسه وممن حوله. قال الله تعالى:( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) منيبين هنا هي حال من فعل غير موجود مقدر، أي أن حال الناس وهم ملتزمين بالفطرة التي فطر الله الناس عليها منيبين فهي حال من فاعل إلزموا الفعل المقدر أي أن ترجعوا للذي فطركم منيبين إليه.
وإتقوه: أي أنه يجب على كل شخص أن يحذر عندما يرجع إلى الله من أن يأمنه لأنه الحق تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ولا يعتقد أنه أصبح من المقربين ولا يغتر بصلاته وصيامه وإيمانه فيوقعه الشيطان بمعصية لم يظن قط أنه سيقع فيها وذلك لعجبه وأمنه. ولذلك لكي ترجع إلى الله تعالى يجب أن تعرفه أولاً سبحانه وتعالى وتعرف كنهه عز وجل فإذا رجعت إتقيه، فمن عرف الله خافه والذي لم يعرفه لا يخافه وعند ذلك يقع و يضيع. فيجب أن نخاف الله تعالى حتى بعد أن تقوم بكل مقومات الطاعة والإيمان. فالتوجيه الإلهي منيبين إليه. وإتقوه: أي أنك لن تستطيع أن تقوم بحالة الإنابة وتحافظ عليها إلا بتفعيل التقوى وذلك عن طريقة معرفته سبحانه وتعالى. وفي القرآن إتقوا الله وإتقوا النار ويجب على الإنسان أن ينظر إلى النتيجة فمن إتقى الله في الجنة ومن إتقى النار في الجنة. وإتقوا الله تعني إصنع بينك وبين غضب الله وقاية فأنت لن تقوم بصنع وقاية بينك وبين الرحمن لأنك تريد الرحمة. فأنت ستصنع وقاية وتحجز بينك وبين صفات الجلال (الجبار-القهار-ذو إنتقام وليس المنتقم.(لأن ذو إنتقام تعني أنه تعالى ينتقم من الكافر لكن لا ينتقم من المؤمن) والمنتقم تعني صفة دائمة وهذا ليس من صفاته سبحانه وتعالى)) وليس بينك وبين صفات الجمال لأنك هذه تحتاجها (رحمن-رحيم-غفور،..) فأنت تصنع وقاية بينك وبين غضبه. ومثل ذلك النار التي تصنع بينك وبينها وقاية عن طريق إغلاق جميع الأبواب والطرق المؤدية لها.
(و أقيموا الصلاة): لماذا الصلاة بالذات؟ هنالك فرق كبير بين أركان الإسلام وأركان المسلم. لأن هنالك عبادات تسقط عن المسلم للضرورة ( فقر-كبر-مرض...) مثل الحج عن غير القادر-لم يستطع له سبيلاً- والصوم عن المريض والزكاة عن الفقير. فأركان الإسلام خمسة ولكن أركان المسلم إثنان الشهادة والصلاة فهذان الركنان لا يسقطان عن المسلم بأي حال من الأحوال لا في فقر ولا مرض ولا شدة ولا خوف ولا كبر، ولا عذر لمن أسقط فرضاً من الصلاة فالصلاة هي عماد الدين وعليها تكمل التقوى فلا تتم التقوى إلا بإقامة الصلاة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/4/2006م، طبعت الحلقة الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً

ميارى 27 - 7 - 2010 07:14 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 4
تقديم علاء بسيوني
سؤال: كيف تكون التوبة من القلب وتكون وسيلة للوصول إلى الغاية وهي معية الله؟ وكيف يكون الإنسان على دين ومشركاً في نفس الوقت؟
قال الله تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 الروم) وتعني أقم وجهك يا محمد صلى الله عليه وسلم أنت والأمة، أنت ومن إتبعك فأقم وجهك للدين حنيفاً وإلزموا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحالكم منيبين، حالكم وأنتم تعودون إلى هذه الفطرة تكون حالة إنابة فكل من بعُد عن الفطرة التي فطرها الله عليها وهي الإسلام والتسليم لله رب العالمين يعود إلى الله، وإتقوه فمتى أردت أن تقوم بعملية الإنابة يجب أن تدعمها وتقويها بتقوى الله وإقامة الصلاة بما لها وماعليها من حيث الخشوع فيها والصلاة في وقتها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا 103 النساء) وليس من التيسير على الناس كما يظن البعض تأخير الصلاة لآخر وقتها -إلا لمن لديه عذر شرعي- فالوقت الذي بين الصلوات ليس ملكاً لك وليس عذراً لتأخير الصلاة فالعصر في بلد ما يؤذن الساعة 3.25 وفي بلد آخر3.30 لكي يظل الكون ساجداً لله تبارك وتعالى على مدار أربع وعشرين ساعة ورهناً له سبحانه وتعالى فيكون هناك على مدار الأربع والعشرين ساعة من يسجد هنا ويركع هناك ومن يكبّر ومن يرفع ومن يقرأ.هكذا تكون حالة الإقامة على مدار الأربع وعشرين ساعة. الناس التي لديها ظرف معين يمكن أن تؤجل. الفقه ليس لفظاً عاماً هذا حلال وهذا حرام لكن هناك إستثناءات فالشرع يكون للعام والإستثناء يدخل تحت مبدأ الضرورات تبيح المحظورات فالمحظورعلى شخص ما قد يكون مباحاً لآخر. نحن للأسف ضيّعنا الأمور بتيسير الأمور. المفروض أن الذي يسمع الأذان في مكان يعني أن عليه أن يقوم للصلاة فوراً. وسبق أن ذكرنا أن كلمة إقامة الصلاة غير تأديتها. ولو أخذنا على ذلك مثالاً: شخص سمع الأذان وهو يمشي في طريق سريع لا يستطيع الوقوف فيه وآخر جالس في منزله والظهر يؤذن فهل سيستويان يوم القيامة في الحساب؟. الإقامة تبدأ بتكبيرة الإحرام فيجب على من يبدأ بإقامة الصلاة بالله أكبر ألا تنتهي بالله أكبر الفرض التالي، ومن صلى الفرض ثم بعد ذلك إرتكب معصية -كالسرقة اوالزنا أوالكذب- فهو لم يصلي لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ 45 العنكبوت) فالذي يرتكب فحشاء بعد صلاة ينطبق عليه القول صليت وما صليت فيجب أن تنهانا الصلاة عن المعصية وترد وسوسة الشيطان. كل كلمة في الصلاة لها توقيع (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ 45 العنكبوت) لذكر الله أكبر أي أكبر من أن تخطيء بعد الصلاة أو أن تنساق لوسوسة الشيطان أو النفس. فالذي يسرق أو يعمل الفحشاء بعد الصلاة يكون قد أدّاها لكنه لم يقيمها. ومن يصلي ويقيم الصلاة بخشوع لا يرتكب معصية ، قال الله تعالى (وَالْعَصْر ِإِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر ٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 3 العصر) هذه آية نغفل عنها. الناس تتساهل في صلاة العشاء ولا أدري من أين جاءوا بهذا المناط؟ العشاء يمتد لأنه قد يكون هناك درس علم أنت فيه. الأنفس مجبولة على حب التاخي ولهذا تحب من ييسر لها الأمور لكن يجب علينا أن نحب من يدخلنا الجنة.
فيجب على المسلمين أن يتواصوا فيما بينهم بالخير ويذكّرون بعضهم بالصلاة والحرص على أن تأخذ بيد أخيك المسلم إلى طريق الهداية كأن تأخذه إلى المسجد مرة وإثنتان إلى أن يتعود ويصبح تردده إلى المسجد لوجه الله وليس لأجلك أو إحراجاً منك.
سؤال: النهي في آيات سورة الروم (ولا تكونوا من المشركين)، الدين هو العلاقة بالخالق فكيف نتفرّق شيعاً ؟ وكيف نطبق هذا التوجيه ونحرص أن لا نكون من المشركين؟
قال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) النهي هنا ليس لعامة الناس ليس لمن لا يصلي وإنما للمنيبين المتقين المصلّين الذين تفترض أن يكونوا قد نفذوا فهؤلاء الخوف عليهم وليس على الذين لم يصلوا ولم يتقوا ولم ينيبوا لأنهم خارج الموضوع أصلاً (كافر، مشرك شرك أكبر أو غيرهم) فهم في معية الشيطان وخرجوا عن الأمة. فالتحذير هنا للمنيبين الذين دعموا الإيمان بالتقوى وإقامة الصلاة وهذا هو الذي يقويهم لإقامة الصلاة فعندما يصلوا إلى هذه المرحلة يحذرهم الله من أن يشركوا والذي يؤكد هذا المفهوم قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فهم إذن على دين، والإسلام يتعرض لهذا الآن بتشجيع من بعض الطوائف ومن هم على رأس الأمر فيقولون الطرق الصوفية وغيرها ولم يرد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ السلف الصالح أن سمعنا عن ظهور الطريقة الأبوبكرية أو الطريقة العمرية أو العثمانية..إلخ، الصديق رضي الله عنه ساعة وُلّي الخلافة قال: (إني متّبع ولست بمبتدع)، إذا زلّ عالِم زلّ بزلّته عالَم. وللأسف اليوم تفرّغنا للمعارضات ولم نعد نتعاون، الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات. وما يحص الآن لا يجوز ولا يليلق أن الإسلام دين الله من عهد آدم إلى يوم القيامة والدين واحد ولا تعدد في الدين، التعدد يكون في الديانات وجميع الديانات دينها الإسلام وإلا لما جاء قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، يجب علينا أن نعود للقرآن وللصحيح من حديث رسول الله r وسُنّته. والمشكلة الآن أن بين المتعارضين لا يوجد من يبحث عن الحق وإنما كل فريق يريد أن ينتصر على الطرف الآخر وهذا همّه الوحيد. الحق لا يتعدد وطالما تغايرت الأسماء لا يمكن أن يكون المسمى واحداً فتغاير التوصيف يدل على التعدد والحق واحد، وقد تجد كثيراً من الأحاديث المتداولة بين الناس وبشدة غير صحيحة كحديث (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) هذا ليس صحيحاً وإنما الصحيح-في صحيح مسلم- أن الرسول r في حجة الوداع قال: ." وقد تركت فيكم مالن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكبها إلى الناس ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات." (صحيح مسلم، كتاب المناسك، حجة النبي صلى الله عليه وسلم) هذا هو النص الصحيح لحديث الرسول r لأنه لا يتّسق أن ينهى r عن تدوين السُنّة ثم يقول : كتاب الله وسُنّتي. هناك أحاديث كثيرة متناولة ومتداولة على المنابر وهي غير صحيحة وأقول للجميع: إرجعوا إلى أصل الدين وصحيحه: الكتاب والسُنّة الصحيحة.
الإنسان يتوب ويعود لله تعالى ويعزم على عدم العودة لكن قد يعود للمعصية فنقول ماذا كانت نيّته ساعة عزم على عدم العودة؟ التوبة والإنابة إلى الله يجب أن تكون بصدق وبندم وبعزم على عدم العودة، ومن عزم على عدم العودة وعاد للذنب فإذا كان ساعة ماعزم على عدم العودة كان ينوي بصدق ألا يعود ولكنه زل وأذنب يغفرله الله تبارك وتعالى (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى) ولكن من كان عزمه بعدم العودة فقط باللسان وليس بالقلب ولوعرضت عليه هذه المعصية مرة أخرى سيرتكبها فبذلك يكون قد أخل بأحد أركان التوبة وهو العزم بعدم العودة بالقلب وليس باللفظ فقط. وقد اختلف حول قضية توبة العاجز فلو أن شخصاً ما كان يسرق وقادر على السرقة ويخطط لها ومستمر في ذنبه ثم عجز عن ذلك فهل له توبة؟ نعم له توبة رغم أنه توقف عن الذننب لعجزه ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسبه، فيحاسبه عز وجل بأنه لو لم يعجز هل كان سيعود للذنب أم لا؟ لأن الله سبحانه وتعالى علم ما كان في الماضي وما يكون في الحاضر وما سوف يكون في المستقبل وما لا يكون -الذي لم يعلمه أحد ما ولم يراه- لو كان كيف كان يكون. فالله سبحانه وتعالى بعلمه المحيط سيعرف هل كان العاجز هذا لو لم يكن عاجزاً سيرتكب الذنب أو لا وسيحاسبه عليه، فالعاجز له توبة لذلك يجب على كل عاجز أن يتوب إلى الله بنية صادقة بحيث لو أن القدرة والقوة عادت إليه فإياك أن تعود للذنب والمعصية. ومثال ذلك أن فتاة إرتدت الحجاب لأنها مرضت وعندما شقيت خلعت الحجاب وهنا تكون الخطورة ورغم هذا كله لها توبة بعد ذلك لأن المولى عز وجل ساعة شرع التوبة لم يقفل بابها وإنما هو مفتوح على الدوام (إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل) ولو أن شخص أخطأ في النهار فلا ينتظر إلى الليل ليتوب ولكن فلتكن توبته في مجلس المعصية قال الله تعالى: ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 17 النساء). قال الله تعالى وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ 12 يونس) وهذا هو حال أغلبية البشر فإذا كانت له حاجة يستمر في الإبتهال والتقرب بالسنن وعندما تنقضي حاجته ينسى كل هذا ولا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى مرة أخرى.
مسألة تكرار الذنب هي الجهالة التي قال عنها تعالى ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) الله سبحانه وتعالى قد ألزم نفسه بها-التوبة-سبحانه وتعالى وإن كان الله سبحانه لايلزمه شيء. (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) والجهالة عند أهل اللغة والتفسير السفه والحماقة وهذا يعني أنه يعرف العقوبة ورغم هذا يرتكب الذنب ومن رحمة الله عز وجل أنه قال (بجهالة) والتي تعني الحماقة لأن لو كانت تعني الجهل أي عدم العلم بالعقوبة فمعنى هذا أن الإنسان عندما يعرف العقوبة فليس له حجة ولا توبة وهذا غير صحيح، الذي ليست له توبة في قوله تعالى: ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 18 النساء) فالذي يقفل باب التوبة هو أنك لم تتب، ومن عظيم هذا الإله الحق أنه سمى الإنسان الذي يتوب التواب وهو عز وجل التواب (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ 222 البقرة) والتوابين هنا لها تعريفان فإما توابين لأنهم يتوبون عن معصية أو لأنهم يتوبون عن توبة وهذا أفضل وهذه هي الإنابة فأنت تعود إلى الله تعالى سواء إرتكبت معصية أو لا وعندما نسمع سيد الإستغفار (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) عهدك أي الفطرة والميثاق الذي أخذه الله تعالى من بني آدم عندما أشهدهم على أنفسهم. (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا 172 الأعراف) أعوذ بك من شر ما صنعت أي أن الفعل الذي فعلته لا ألجأ لأحد غيرك يخرجني منه، أبوء لك بنعمتك علي وأعظم نعمة إنني أعود إلى المولى بإسلامي له، أبوء بذنبي أي أنني أعود إليك لأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فهذا هو سيد الإستغفار بأن الإنسان يعود بذنبه ولكن بمناط الإسلام ويستخدم حجة في غاية الجمال بـأنه أسلم إلى الله قبل أن يولد-وأنا على عهدك ووعدك ماإستطعت، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 102 آل عمران) ومن يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؟ فتقوى الله لا يستطيع أحد أن يصل لمنتهى العلم فيها لكي يقول هذا حق التقوى ، فتتقي الله تعني أن تخافه وتصنع حجاباً بينك وبين صفات الجلال، ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ 16 التغابن) فما استطعتم هنا لا تعني على قدر إستطاعتك ولكن كل إستطاعتك وكل قدرتك فالعليم الخبير عالم، ولو ضربنا مثالاً على هذا- ولله المثل الأعلى- لو أن شخص لديه ميكانيكي ماهر وهو في الطريق توقفت سيارته ووجد محلاً لميكانيكي أخر سوف يذهب إليه ليصلح سيارته قائلاً: أرني مهارتك فالميكانيكي سيبذل كل جهده وكل ما في وسعه لكي يتفوق ويقول صاحب السيارة أنه أفضل من الميكانيكي الذي عادة ما يتعامل معه. فما إستطعتم هنا ليست بمعنى متى ما قدرت ولكن تأتي بمنتهى الطاقة في القدرة وهذا ينطبق على قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 97 آل عمران) فهل يعني كل سنة أو مرة في السنة؟ ردّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي سأله هذا السؤال أنه قال لا تسأل في شيء أنا لم أقله لأني لو قلت نعم لوجبت، ونفهم من هذه الإجابة أنها تفضل كل سنة وهناك إختلاف بين العلماء في هذا المعنى . قال الله تعالى: ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا 60 مريم) خلف بالسكون تكون للأشرار وخلف بالفتح للأخيار، السلف صالح إذا كان الذي بعده صالحاً يسمى خلَف بالفتح ولو كان طالحاً يكون خلْف بالسكون من المخالفة، والغيّ يعبر به عن لازم معنى الغي، والنار دركات والجنة درجات ففي الجنة عندما تريد أن ترقي صاحبها ترفعه وفي النار تنزله فالدرك الأسفل من النار للمنافقين. فالدرك الأول من النار هو أهونه عذاباً بعكس الجنة الدرجة الأولى منها هي أقل درجة ولذلك دائماً ندعوا بالفردوس الأعلى . فماذا فعلوا هذا الخلف-بالسكون- لكي يلقوا غياً؟ أضاعوا الصلاة لم يقيموها -منيبين إليه وإتقوه وأقيموا الصلاة- فأول أمر جعلهم في الغيّ أنهم أضاعوا الصلاة ، فهم أضاعوا الصلاة ولو أدّوها (أدّوها عكس أقاموا الصلاة) فكم من مصلٍ ينتهي من صلاته ليعود إلى المعصية فهو بذلك لم يصلي، نسأل الله السلامة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/4/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:16 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 5
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) التوصيف في الآية 29 لغير المسلمين الموحدين المفطورين على فطرة الله ويتبعون منهج الله ليس بالشرك أو الضلال بل بالظلم. والظلم هنا مطلق فكلمة ظلم عندما تكون مطلقة تنسحب على أبشع أنواع الظلم وهو ظلم النفس والذي يعتبر أبشع من ظلم الإنسان لغيره لأنه معقول أن الإنسان يظلم غيره ولكن الذي ليس مقبولاً عقلاً أنك تظلم نفسك لأن المفروض أن الإنسان يحب نفسه فلو سألنا أي شخص بعيد عن الدين أنك عندما تحب نفسك ترقيها أو تدنيها؟، تبحث لها عن العاقبة الفاضلة أم المفضولة؟ وأخبرناه أن هنالك إختبار يجرى من خلال الدنيا ونهاية هذا الإختبار أو الإبتلاء إما جنة أو نار فإذا كنت تحب نفسك هل ستختار لها الجنة أم النار؟ بالتأكيد سيختار الجنة ولكن هذا الطريق ليس مفروشاً بالورود وليس سهلاً ورغم أن العقل يقول أنه يجب أن يختار الجنة ولكنه في الحقيقة يظلم نفسه فتكون النهاية إلى النار.
النفس هي جماع الروح والبدن فطالما هنالك روح بداخل البدن ويتحرك الإنسان ويفكر فهذه تسمى نفساً فعندما تأتي الروح لتخرج تسمع جملة على أحد أمرين إما أن الروح تقول للبدن جزاك الله عني كل خير أو جزاك الله عني كل شر وذلك لأن النتيجة تظهر ساعة بداية خروج الروح ورؤية ملك الموت فيعرف في هذه اللحظة النتيجة فإما ملائكة بيض الوجوه أو ملائكة سود الوجوه والنتيجة هذه إما أن الروح تشكر أو تذم فجزاك الله عني كل خير إذا كانت الأعمال كلها حسنات أو معظمها حسنات فتكون النتيجة الجنة بصرف النظر عن الدرجات أو العكس قال الله تعالى: ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ 106 آل عمران) فليس هناك لون رمادي أو وسط (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ6 القارعة) ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ8 القارعة) فالتوقيع القرآني أن الوزن في يوم القيامة الحق (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) فالوزن الذي يكون في الدنيا غير صحيح فالوزن الحقيقي إما أن تكون ثقلت أو خفت والنتيجة هذه يبنى عليها بأنك إما رقيت نفسك أو دنيتها وأضعتها، فالذين ظلموا في الآيات لم يذكر ماذا ظلموا بل أطلقها فما الذي فعلوه؟ إتبعوا أهواءهم، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أن كل شخص يولد على منهج وهذه هي الميزة التي في سورة الرحمن (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ 4 الرحمن) وقد إبتدأ الله بعلم القرآن والقرآن هنا مثال للمنهج أي منهج يقرأ ويستقرئ. من يتبع المنهج ويهتدي بهدي الله سبحانه وتعالى ويتقي الله ويقيم الصلاة وهذه قضية من أكبر الأمور وللأسف الشديد أن أغلب الناس لا يدركون مكمن الخطورة في أن تترك الصلاة فكل الذي نراه على وجه الأرض من فساد وإفساد وضلال وإضلال بسبب إضاعة الصلاة وإضاعتها ليس أن لا تصليها فقط فهذا معنى فقط والمعنى الأخطر أن الإنسان يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر فذلك يعني أنه لم يصلي (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ 45 العنكبوت) فلو كان صلى وذكر الله سبحانه وتعالى فصلاته أكبر من أن يأتي أي ذنب ولو قليل بعد الصلاة وليس فقط الفحشاء لأن المفروض الصلاة تنهاه لو كانت سليمة ولذلك الصلاة تعتبر أيضاً مثل المنهج من أجل هذا إتباع المناهج عموماً أي منهج على وجه الأرض من عصر آدم إلى دين الله في ديانة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام سنجد أنه في كل عصر يرضى به بعض الناس والبعض الآخر يرفضه ويكذبون الأنبياء ويقتلونهم وأكبر مثال على ذلك بني إسرائيل لأن النبي يأتي بمنهج وهم لا يريدون أن يتبعوا المنهج بل يريدون أن يتبعوا الهوى ، فآية الروم تدل على أنه لا يوجد هنالك مخلوق لله تبارك وتعالى ليس على منهج فلو أن إتباع الهوى كان في وقت لا يوجد فيه منهج فلن يكون هنالك حساب (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً 15 الإسراء) حتى الملائكة تسألهم وهم في طريقهم إلى النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ 8 الملك) فكلمة إتباع الهوى ليس لها وقع مع عدم وجود المنهج ولكن المشكلة في إتباع الهوى مع وجود المنهج. قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 الشمس) فكثير من الناس قد تقول أن الله سبحانه وتعالى قد ألهمنا الفجور وهذا خطأ كبير لأن إلهام هنا من المشترك اللفظي وألهمها هنا أي بين لها والله تبارك وتعالى لا يلهم الفجور بالمعنى السائد والخاطىء بأن الإنسان يأتيه من الله إلهام بالفجور وهذا كلام غير منطقي. وسوء الفهم هذا عند بعض الناس نجده أيضاً في قوله تعالى (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) بدعوة أن الله قد أضل بعض الناس فلا ينفع مع هذا أي جهد لإتباع طريق الهداية وهذا فكر في غاية الغباء ولكي نفهم الآية يجب أن نعود إلى ما قبلها (الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) فهم ظلموا أنفسهم بإتباعهم هوى النفس فأضاعوا الصلاة وإتبعوا الشهوات والشهوات أي الهوى. ومن يتمسك بالتوبة يبدل الله سيئاتهم حسنات قال تعالى: ( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 70 الفرقان) وهذا التبديل يحمل معنيان فهل يبدل السيئات الموجودة فعلاً حسنات إذا كان كذلك فالحمد لله والمعنى الثاني أنه لو كان إستمر في طريق الضلال ستكون أعماله كلها سيئات فبالتوبة سيمشي على طريق الهداية فيأخذ حسنات وهذا هو التبديل وهذا في شدة الجمال بأن سيئات التائب تضاعف بعد تبديلها لأن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك لأن إتباع الهوى يجعل للمعصية لذة فالتائب لم يبتعد عن المعصية فقط بل إبتعد عنها بلذتها وشهوتها وضغط على نفسه لدرجة أنه منعها لذة المعصية ويكون المقابل لهذه اللذة لذة الطاعة والتي هي بمثابة المكافأة. وقد ثبت في علم النفس أن للمعصية لذة غريبة وقاموا بتجربة هذا على بعض السارقين فبعد أن جمعوهم وضعوا أمامهم أشياء إعتادوا على سرقتها وجعلوها متاحة لهم ولكن لا أحد من السارقين أخذها لأنها متاحة أمامه فهذا يدل على أن هنالك لذة لديهم في السرقة والمخاطرة والإثارة. ولذة المعصية ليست إلا لذة تزيين فهي لذة وهمية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (البِرّ حسن الخُلُق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس) لكن البر حسن الخلق، فلو رأينا الفرق بين من عمل عملاً حلالاً يكون في غاية الإطمئنان بعكس من عمل عملاً حراماً يكون في غاية الرعب والقلق لأنه إرتكب خطأ فهذا يدل على أنها لذة تزيين ولذة وهمية فهي ليست حقيقية فالذي ضل إتبع هوى نفسه ولكن لو أنه إتبع المنهج وإن كان سيقيده بأوامر ونواهي وحدود وقد يتعبه ولكن نهايته جنة فلو لاحظنا أن في آخر كل مناهج أو آيات أمر ونهي نجد دائماً تبشير بالجنة فهو قد ضل لأنه لم يتبع الهدى. وهنالك نوعان من الهداية: هداية الدلالة وهداية المعونة والتي مرة نفاها القرآن عن الرسول ومرة أخرى أثبتها للرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء56 القصص) فإذا كنت أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم لن تهدي من أحببت فمن باب أولى أنك لن تهدي من لم تحب فهنا نفى عنه الهداية والهداية هنا هداية المعونة وفي قوله: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ52 الشورى)وهذه هي هداية الدلالة ويملكها البشر وبالذات الأنبياء المرسلين أما هداية المعونة فلا يملكها إلا الله فإن رفعها الله تبارك وتعالى عن أحدنا فكأنه أضله وتركه، لأن الإنسان لديه المنهج ولكنه لا يريده فالتقصير من الإنسان قال تعالى: ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ133 آل عمران ) فالمغفرة موجودة ولكنها لن تأتي إلى الإنسان بل يجب على الإنسان أن يسارع إليها فالإنسان هو الذي يبذل الجهد، فعند صلاة الفجر كم شخص يستيقظ وكم شخص لا يستيقظ فالذي لم يستيقظ هل هناك من نوّمه أم أنه لم يستعد للإستيقاظ فهو قد يقول لم أستيقظ ولكن هل قمت بعمل مقدمات الإستيقاظ كأن تنام مبكراً أو تستخدم منبهاً..إلخ. فلو كان لك هداية كنت طلبتها من المولى عز وجل. ولو لاحظنا كل آيات التوبة لوجدنا بعد التوبة العمل الصالح وهذا شرط من شروط التوبة العمل الصالح وأخص العمل الصالح بعد كل آيات الإستغفار والتوبة أنك لا تعود مرة أخرى للمعصية التي تبت منها على الأقل بل يجب أن يعمل صالح بعد أن إعتاد على عمل السيء فمن تعوّد أن يشرب الخمر مرة في الأسبوع بعد توبته يجب-في نفس هذا اليوم-أن يعمل صالحاً كأن يبحث عن مجلس علم أو يصلي جماعة في المسجد وهذا هو الإحسان.
هنالك فرق كبير بين الحرية والتفلت فالحرية هي أنك تختار براحتك والذي يدعي أن هنالك من يسلم رغماً عنه أو إكراهاً إسلامه يعتبر غير مقبول وذلك لايصح، ولايوجد هنالك ديانة على وجه الأرض قال فيها الحق سبحانه وتعالى:( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ29 الكهف) فلن تجد مثل هذا القول لا في دين وضعي أو قانون وضعي فهذا إبداع لأن الخالق يريدك أن تعبده بحريتك ورغبتك وهذه المفهوم الحقيقي للحرية وليس التفلت الذي يسعون إليه. النجاح في كل أمور الحياة البسيطة مرتبط كلياً بإتباع خطة أو منهج محدد فما بالك بمنهج وضعه الذي فطرك سبحانه وتعالى؟ فلو أخذنا على ذلك الصلاة كمثال من خلال عرض الصنعة على الصانع فلو أن لديك أي جهاز كهربائي دقيق وعرضت عليك الشركة من باب الضمان أن يأتيك مهندس صيانة كل سنة، شركة أخرى عرضت أن يأتيك كل ستة أشهر وأخرى كل شهر وأخرى كل يوم فما بالك بشركة تعرض أن يأتيك خمس مرات في اليوم فهل ستكون قلقاً؟ ولأن صنعة المولى عز وجل تختلف عن أي صنعة على وجه الأرض طلب عرض الصنعة عليه خمس مرات في اليوم فالصلاة تعتبر إصلاح للنفس دون أن نشعر، فلو أخذنا مثال بسيط على ذلك عندما يأتي مهندس التلفاز ويفتحه من الخلف ليلقي عليه نظرة ثم يغلقه في نظرك هو لم يفعل شيئاً ولكن لو أن التلفاز تعطل بعد ذهاب المهندس فهذا يدل على أنه لم يكن يفعل شيئاً ولكن إستمرار التلفاز بالعمل يدل على أن نظرته كان لها دور في إنتظامه ومثل هذا من يصلي لو أنه يصلي حقاً بخشوع وتدبر ويعرض صنعته على الصانع بصورة سليمة تجده ملتزم ومتقي فهنالك شيء صلح فيه من غير أن تراه وهي الصلة الإلهية التي يتم شحنها في كل صلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ركعتان في جوف الليل) فهو لا يقصد أن يكون في الظلام ولكن أن تكون بعيداً عن كل ما قد يلهيك ويشغلك ولكن متفرغ بعرض الصنعة على الصانع لكي يصطلح حالك. قال تعالى: ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ 42 الحجر) وهذا لا يعني أنهم لا يخطئون قال تعالى:( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 70 الفرقان) فنتيجتهم أعظم من الذي لا يذنب لأنهم إمتنعوا عن لذة المعصية وذلك لا يعني أن الذي لم يذنب لا يدخل في هذا الإستثناء وذلك مثل الذي يتعتع في القرآن ويفرح لأن له أجران ولكنه نسي بأن الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة وهذه درجة عالية ولكن صعب الوصول إليها، وهذا يعني أن من أخطأ لا تكبله الخطيئة ولا تحيط به السيئة لأن الله عز وجل شرع التوبة:( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). الأرض بدأت بتوبة: ساعة نزل آدم u نزول درجة هبط بتوبة وبمشروعية التوبة فيوم القيامة يجب أن نشكر آدم لأنه بخطيئته عليه السلام شرعت التوبة التي هي محور حياتنا. أي كلمة في القرآن فيها توبة وإستغفار وإنابة (منيبين إليه) أي حالكم ترجعون لله تعالى وجمال التوبة أن تكون عن توبة والإنابة عن إنابة فتكون دائماً في معية الله سبحانه وتعالى فإذا رجعت إلى الله إبقَ عنده وإلزمه ولا تعود إلى الذنوب مرة أخرى .
ُثّت الحلقة بتاريخ 2/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:17 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 6
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ 29 الروم) وآية أخرى تعطيك مثل هذا المفهوم وتوضحه في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) فالمولى عز وجل يقول للرسول صلى الله عليه وسلم أن هنالك أناس سواءٌ بذلت معهم مجهوداً أو لم تبذل لا يمكن أن يؤمنوا. المناط: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 7 البقرة) لأن الله ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وهم في الأساس على أبصارهم غشاوة، فالسؤال هنا من الذي ختم؟ الله سبحانه وتعالى. وهذا هو الإضلال لأنهم كفروا فهو الذين بدأوا. وختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم لأنهم كفرة فالله لم يكفّرهم ولكن هم الذين كفروا واختاروا الكفر فإذا كنت تريد الخير يعطيك خيراً وإن أردت شراً فشراً بدليل قوله تعالى: ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا 18 الإسراء) ولهذا مسؤولية الإختيار تقع على الإنسان، فالله عز وجل ختم على الذين كفروا لأنهم إختاروا الكفر ولذلك أعطاهم الله تبارك وتعالى مما إختاروا (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا 19 الإسراء) فالإنسان هو الذي يختار والله عز وجل يعطيك من الذي تريده فالذي يريد الإيمان يأخذ والذي يريد التقوى يأخذ والذي يريد الكفر يأخذ.
هل هذه الغشاوة أبدية مطلقة؟ ألا يفيق أحدهم ويخرج من هذه الشريحة؟: لو ركزنا في سورة البقرة نجد الإجابة مستترة. توقيع (إن الذين كفروا) تظهر كأنه لا فائدة منه لأنه هو الذي كفر. والكفر هو الستر وكفر بالله أي وضع بينه وبين المولى عز وجل ساتراً ولو أزال هذا الساتر يُزال الحكم كله فإذا جاء من الكفر كأنه أزاح الختم والغشاوة بإزاحة الستر أو الساتر. فالإنسان هو الذي يختار وضع الساتر أو إزالته. قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 8 البقرة) إن الذين كفروا فئة موجودة وهناك فءة لا فعلوا مثل المتقين ولا مثل الكافرين وهؤلاء هم المنافقون. فالمتقي يظهر مثل ما يبطن من إيمان، والكافر يظهر مثل ما يبطن من كفر، أما المنافق فيظهر ما عند المتقين ويبطن ما عند الكفار فهو يظهر الإيمان ويبطن الكفر، والكافر أقرب للإيمان من المنافق لأن المنافق حالته غريبة فهو يكذب ويصدق نفسه فهو مذبذب فيغتر بإيمانه وهو ليس مؤمناً وعندما يكون مع الكفار يغتر بكفره فهو في ضياع ويكون أبعد عن الإيمان من الكافر. فالسؤال في الآية (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) تكون إجابته: الله. الله يهديه. والختم ليس نهائياً لكن الختم لأنه كفر فإذا أزاح هذا الكافر كفره وأعلن الإيمان يزيح الختم والغشاوة والله يفرح بتوبة العبد العاصي وهو الغني عن العالمين "لله أفرح بتوبة عبد من صاحب الراحلة". فمن يهدي من أضل الله؟ الإجابة هنا الله سبحانه وتعالى. والله لم يختم على قلبه إلا لأنه كفر قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء48 النساء) (ما) تشمل كل شيء ما عدا الشرك وإذا عاد من الشرك يتقبل الله عودته وتوبته. فلا يهدي من أضل الله إلا الله وفي قوله (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) تأكيد أن لا أحد يستطيع هدايته إلا المولى عز وجل فقط لأنه لا أحد يتدخل بينه وبين ربه.الذي كفر وإتبع هواه وجعل منه إلهاً ليس له أمل إلا أن يهديه الله سبحانه وتعالى. ونرى بعد هذه الآية قوله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 30 الروم) كأن الإنسان عند قرآءته (عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) كأن هناك كلاماً محذوفاً: الذي هو على الفطرة السليمة يقول أنا لا أريد أن أكون من هؤلاء فيقول له: (فأقم وجهك) ليدل الله عز وجل الناس على الطريق السوي الذي يجب أن يتبعوه لكي لا يكون من الذين أضل الله.
في سورة الأنفال قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23))
التوبة منهج حياة ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "يا آيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة". وقال (يا آيها الناس) ولم يقل يا آيها الذين أسلموا أو آمنوا لأن التوبة حياة ومنهج حياة (منيبين إليه) هذاحالهم أنهم منيبين إلى الله سبحانه وتعالى ولهذا المولى عز وجل سمى نفسه التواب فأنت تواب وهو تواب ولله المثل الأعلى فالإنسان يكون تواباً إليه وهو سبحانه تواب لكي يقبل التوبة الكثيرة. وتوّاب توصيفها: إما أن الناس الذين يتوبون كثر أو لأن الإنسان الذي يتوب يتوب كثيراً فلا يصح أن يكون اسم المولى عز وجل تائب مثل غافر مثلاً. فغافر في توصيف المغفرة تصح ولكن تائب لا تصح لأن التوبة كثيرة والإنسان خطّاء فلذلك يقابل المفاعلة بمفاعلة، فلا يوجد في التوبة تائب وإنما تواب فقط. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)) وفي الآية توجيه من الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا بأن يستفيدوا من سمعهم ومن هذه النعمة التي أعطاك إياها المولى عز وجل وهي السمع لأن هنالك غيرك من الناس من لديه هذه النعمة ولكن لم يستفد منها. فهم يقولون في الآية سمعنا وهم لا يسمعون. وسمعنا في الآية ليست بمعنى السمع عن طريق الأذن ولكن السمع هنا بمعنى الطاعة وهذا لازم معنى السمع فهم قالوا سمعنا ولكنهم لم يطيعوا فهم بعصيانهم أصبحوا أقل درجة من البهائم، قال الله تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5 الجمعة) وهذا المثل بعكس ما قد يظنه الناس ففيه مدح للحمار لأنه ليس من وظيفة الحمار أن يحمل أسفاراً فالحمار يحمل أثقالاً وحمولة فقط فعندما يأتي شخص ويحمله معاني الكتب فمن هو الحمار؟؟ الذي يُحمِّله . (وحُمِّلوا) في الآية أي أن الله خلقهم وهم على إستعداد لحملها والعمل بها وتحمل مسؤوليتها والإستفادة منها ونقلها إلى الناس ولكنهم لم يحملوها بل غيروها وحرفوها وكل هذا بسبب الكِبر. والكبر مصيبة عظيمة ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر" وذلك لأنه أولاً قلّد غلطة إبليس ورد الأمر على الآمر وبذلك يقفل كل مفاتيح التقوى والهداية لنفسه، وثانياً يقوم بأمر ليس من سمات البشر ففي الحديث الصحيح يقول الله سبحانه وتعالى: "العز إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما فقد عذبته" ولم يقل سأعذبه في المستقبل لأن الكبر من صفات الله عز وجل والتي لا تنسحب على البشر فهنالك صفات لله يأخذ الإنسان جزءاً منها وهناك صفات لا يجوز أن يأخذ الإنسان جزءاً منها فالكبر إما أن يكون منهج حياة أو أن مقلوبه هو منهج الحياة وهو التواضع فيكون منهجك بحيث أنك تستمع لكل الناس ولا يعتقد الإنسان للحظة أنه قد وصل فمن قال أنا عالم فهو جاهل فالكبر ليس من سمات الإنسان بل من سمات الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كان يأكل بشماله : "كل بيمينك فقال الرجل: لا أستطيع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لاإستطعت والله ما منعه إلا الكبر" كان يجب عليه أن يقول على الأقل أحاول. وفي قوله تعالى: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ 47 البقرة) فالتفضيل هنا بأن الله ذكر عندهم في كتابهم أوصاف النبي الخاتم ولذلك لما تكلم معهم عيسى عليه السلام قال: ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 الصف) وهم يعرفونه أكثر مما يعرفون أبناءهم. هناك ميثاق (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) وهذا غير الميثاق الأول (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) فالمولى عز وجل فضّلهم على العالمين بأنه أعطاهم أوصاف النبي الخاتم.
كثرة الأنبياء إعتقد اليهود أنها ميزة فيهم لكنها العكس، تحولت النبوة الخاتمة من بني إسحق إلى بني إسماعيل وبعد أن كان يأمر وينهى صار تابعاً يقف خلف إمام في الصلاة. هذا هو الكِبر وهذا الذي إتخذ إلهه هواه. فهم يرون أنهم أئمة لكثرة المرسلين والأنبياء فيهم-وهذه ليست ميزة- فعندما رأوا أن الرسول ليس من بني إسرائيل أو من بني إسحاق فبذلك تحولت النبوة الخاتمة وجاءت عربية وليست إسرائيلية وأنهم بعد ما كانوا أصحاب علم وأئمة سيصبحون مأمومين وتابعين وهنا يظهر الكبر، وهذه هي المشكلة عند غير المسلمين فهو في ديانته إمام وله شأن كبير-ولكن على ضلال- فهل يستطيع بعد أن يُسلم أن يصبح مأموماً؟ هذا هو الكبر. أما في الإسلام ليس هنالك أي مانع أن تصلي خلف أي شخص وهذا هو التسليم والإسلام.
قال تعالى (كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الأنفال) هذا تأكيد فالذي فعلوه بأنهم لم يتحملوا الرسالة بعدم الطاعة وكفروا. الله تعالى يفطر الإنسان على المنهج ورزقه السمع والبصر والفؤاد ومن فضله تعالى يرسل الرسل على مر السنوات ومع ذلك بعض الناس لا يسمعون ولا يبصرون وهذا من مناط الكِبر.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ). (ولا تولوا عنه): الضمير هنا عائد على الله سبحانه وتعالى لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله. فلا يظن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي بشيء يخالف لمنهج الله تعالى فلا داعي أن يقال : ولا تولوا عنهما. ورد في القرآن الكريم طاعة الرسول لوحدها في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ 59 النساء)، أما أولي الأمر أتت بالإضافة (وأُولي الأمر) وليس متصوراً في هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء يخالف منهج الله تعالى ولذلك أتت في الآية ولا تولوا عنه. (عنه): هو المنهج الذي هو لله تبارك وتعالى ويأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) لا يسمعون أي لا يطيعون، لا يفعلون لازم معنى السمع ولازم معنى السمع هو الطاعة. (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ 285 البقرة) والآخرون (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا93 البقرة) فهم قلبوا المنهج أو ردوا الأمر على الآمر مقلدين إبليس و إبليس هو الذي ابتدع الكِبر (إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 الإسراء) فكان المفروض أن يسجد كما فعل الملائكة (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ 73 ص). فسجد الملائكة لم يستخدم (ثم) لأن عملية سجودهم كانت فورية لأن من دأب الملائكة الطاعة والإنسان لديه هذا الجزء تشبهاً بالملائكة (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) غفرانك هنا لأن الإنسان سيطيع ولكنه معرض للخطأ، آدم عليه السلام عندما أُمر (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ 35 البقرة) لم يرفض ولم يناقش بل قال حسناً ولكنه لم يعمل لأن ليس كل ما وافقت عليه ينفذ فكل أمر من الله يستوجب الطاعة والعمل به يحتاج إلى غفرانك وطلب المعونة من الله. ولو لا حظنا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة : "اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" فالذي يصلي العصر في جماعة ويقولها يصلي المغرب في جماعة على شرط أن تكون من القلب وليس من اللسان فقط فهو يصلي الفرض الذي يليه في جماعة لأنه طلب المعونة ولم يعتمد على نفسه. قال الله تعالى: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) فهم أصبحوا أسوأ وأقل درجة من البهائم والعياذ بالله لأن الفرق بين الإنسان والحيوان: العقل والإيمان ومناط الفكر (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا 44 الفرقان) فالبهائم تُسبّح المولى عز وجل وهي غير مكلفة فتسبيحها تسبيح فطري وهم قد ميزهم الله عز وجل بالسمع والعقل ولذلك وهم في طريقهم إلى النار يقولون: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ 11 الملك) فهم استحقوا السعير على عكس الذين سارعوا إلى المغفرة (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ 133 آل عمران) هم سارعوا إلى الضلال والكفر وإلى هذا الحاجز الذي بينهم وبين الحق تبارك وتعالى في حين أن هذا الحاجز كان يجب أن يكون بينهم وبين محارمه وليس بينهم وبينه سبحانه وتعالى ولذلك (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ 31 الروم) لأنك إذا عرفت الله تطيعه فالكافر لا يعرف كُنه الإله الحق وهذا حال الكافر. الذي اختار إتباع هواه فهو لا يريد مناهج.
بعض الناس تستكبر أن تسمع نصيحة والكِبر فروعه كثيرة في حين أن عكسه وهو التواضع هو المنهج فالرسول عليه الصلاة والسلام كم كان متواضعاً وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في بعض الأمور يسأل ويستشير وقد قال له الله تبارك وتعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 159 آل عمران) وشاورهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ 1 الأحزاب) وتعني دُم على تقوى الله فما يوجه للرسول صلى الله عليه وسلم يوجه له بصفة الثبوت والدوام لأنه عليها ولكنه يوجه إليه بوصفه زعيم الأمة فإذا قال أحد لشخص إتق الله فعليه أن لا يغضب. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء 1 الطلاق) فاللفظ فيه توجيه للرسول صلى الله عليه وسلّم وللأمة من بعده فإذا أراد شخص ما أن يطلق فليطلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم. التوجيه للرسول r أما بقية الأمة فتفعلها بأخلاق النبي r ومناطها قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ 21 الأحزاب) ويرجو الله أي يرجو طاعة الله ويرجو حسن لقاء الله، يرجو اليوم الآخر فهي هنا تحقق بلازم المعنى، واليوم الآخر أي أنه يريد أن تكون وقفته في هذا اليوم وقفة مشرفة وحسنة عليها يبكي العارفون.
قال الله تعالى: ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ) لأسمعهم الأولى تعني لجبلهم وهداهم إلى الطاعة ولو هداهم إلى الطاعة لن يسمعوا الكلام ولن يطيعوا الله أي أنهم سيشاهدون المنهج ولكن لن يتبعوه ومعنى هذا أنه ساعة ختم الله على قلوبهم وسمعهم لم يظلمهم فالله تبارك وتعالى لا يظلم أحداً ولكن الناس يظلمون أنفسهم فالإنسان الذي على كفر وضلال هو الذي كفر بدليل أنه يستطيع أن يسلم في أي لحظة دون أن يمنعه أحد. الله سبحانه وتعالى ما ختم على قلبه إلا لأنه كفر بالله تبارك وتعالى ورفض المنهج ولا يهدي من أضل الله إلا الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ 24 الأنفال) الحياة حياتين والموت موتين: الموت الأول وهو قبل الخلق (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ28 البقرة) وكنتم أمواتاً أي قبل الخلق فأحياكم، والموت الثاني هو الذي نعرفه ونراه وهو نقض الحياة. والموت الأول لم نره. ساعة الإنسان يحيا لديه نوعان من الحياة فالذي كفر إنسان حي على وجه الأرض ولكن حياته تكون بطبيعة الفطرة وهو كفر فمات على حياة. الروح قوام الحياة ولكن هل من قبيل الصدفة أن يطلق الله تبارك وتعالى على الوحي عامة الروح وعلى القرآن الروح وعلى الملك الذي يجيء بالقرآن الروح (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ193 الشعراء) وهو جبريل عليه السلام (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ 15 غافر) وهو الوحي. فالملك الذي يجيء بالوحي اسمه الروح والوحي روح (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ 52 الشورى) فالقرآن أيضاً روح لأنه يعطيك حياة فوق الحياة فالذي كفر مات وهو حي فهو حي حياة عادية ولكن لو آمن كان أخذ حياة أخرى تعطيه وتوصله إلى حياة خالدة وباقية فالذي يريد أن يحيا الحياة الحق فليأخذ للروح روحاً. فالروح التي هي قوام الحياة ستنتهي في يوم من الأيام فلذلك يجب أن تأخذ روحاً وهو المنهج الذي يعطيك الحياة الخالدة، ولذلك سميت الحياة هذه الحياة الدنيا لأنها دنية ولا تستحق العناء (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ 113 المؤمنون) ولكن الحياة التي تستحق التعب لأجلها هي الحياة الآخرة والباقية والحقيقية، هذه (لما يحييكم) في الدنيا على منهج الحياة الباقية. ولذلك الذي يدخل النار يموت في كل لحظة (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 56 النساء)، بينما الذي في الجنة فهو يعيش أبداً في نعيم (مثل الجنة التي وُعِد المتقون) ولذلك قال الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء 52 الروم) والصُمّ هنا بلازم المعنى فهم لم يستفيدوا من هذه النعمة فيسمعوا المنهج ويتبعوه. كل نعيم نراه في الدنيا إما أن يترك صاحبه أو صاحبه يتركه لكن نعيم الآخرة نعيم مقيم أبدي.
بثّت الحلقة بتاريخ 9/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:19 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 7
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال) عندما نسمع النداء (يا أيها الذين آمنوا) يكون هناك تكليف. عند كثير من الناس كلمة توبة لا تأتي إلا بعد المعصية أو الذنب حتى في الديانات الأخرى وهذه الفكرة في الإسلام كديانة-أي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم- مختلفة تماماً فالإنابة حالة حتى الرسول صلى الله عليه وسلم جعل من التوبة حالته فهو يقول "ياآيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة". وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد الصلاة وبعد كل طاعة فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يكون في حالة إنابة وحالة توبة وحالة معية لله تبارك وتعالى. وتتحقق هذه الحالة بالطاعة فحالة الإنابة والتقوى لا تتحقق إلا بالطاعة وإتباع المنهج. ولو أخذنا مثالاً على ذلك أتقى رجل في الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما تولى الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني متّبع ولست بمبتدع، فيجب على كل إنسان أن يحذر من أن يغتر بإيمانه ويعتقد أنه في غنى عن الناس وعن المنهج وهذا أمر في منتهى الخطورة فالإنسان بحاجة دائمة للمنهج. والدليل على ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فهؤلاء مؤمنون ومع ذلك الخطاب موجه لهم وليسوا منزهين كما يفترض معظم الناس فيقول الله سبحانه وتعالى لهم (أَطِيعُواْ اللَّهَ). ومثل آخر لإبراهيم عليه السلام خليل الله فهو قد رفض الأصنام وحطمها ورفض الشمس والقمر والكوكب فاحتار قومه معه من الذي ستعبده؟ فحتى المعطيات التي أعطاك إياها رب العالمين-إن صح التعبير-رفضتها، قال الله تعالى:( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ 76 الأنعام) فهو في حالة بحث فهذه ليست أول مرة إبراهيم عليه السلام يرى كوكباً ولكن حالة البحث غير حالة الحياة، ورفض الكوكب، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي 77 الأنعام) وهنا وجد أن القمر أكبر بقليل من الكوكب وأكثر وضوحاً وهذه أيضاً ليست المرة الأولى التي يرى فيها القمر ولكن رؤيته القمر بعد الكوكب دليل على أن هذا كلام الله وهذا هو مراد الله وتوقيعه، (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 الأنعام) وهنا يأتي توقف البحث الذي وجهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان سوف يقول لك الله خلق كذا وكذا وكذا فمن خلق الله؟ وهنا يجب أن يتوقف الأنسان بالبحث. فعندما وقف الخليل عليه السلام بالبحث قال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) وقد إستخدم كلمة ربي رغم أنه لا يعرفه ويبحث عنه. وهذا ليس كلام إبراهيم ولكن كلام الله على لسان إبراهيم، والمنطق يقول إن للكون إلهاً وهذا الإله يجب أن يكون أكبر من أي خلق لأن أي مخلوق له خالق أولى بالعبادة. فلما أفل بدأ إبراهيم عليه السلام يتدخل بالفكر وقال لا أحب الآفلين والحب هنا ليس الحب الذي يقابل الكره ولكن لا أحب هنا أي أن هذا لا يصلح أن يكون إلهاً لأنه قد غاب فهذا يدل على أن هناك من يغيبه فالذي يغيبه أولى منه بالعبادة. فلما سأله قومه ماذا ستعبد؟ قال عليه السلام في قوله تعالى:(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 79 الأنعام) وهو لم يكن يعرفه في ذلك الوقت وهذه هي منطقية البحث.
ولا يوجد أحد كبير على إحتياجه للمعونة الإلهية للهدى، فالهدى موجود ولكن الله عز وجل هو الذي يمدك بالمعونة لكي تصل إلى الهدى ففي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فهذا لا يعني أنهم وصلوا إلى قمة الإيمان وأنهم منزهون ولذلك قال الله تعالى: (أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) ونجد هذا أيضاً في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ 136 النساء). ففي قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أتت أمراً من الله تبارك وتعالى. والإيمان هو أن يكون لديك يقين جازم بالأشياء التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الجامع (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلوني فهابوه أن يسألوه. فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال "لا تشرك بالله شيئا. وتقيم الصلاة. وتؤتى الزكاة. وتصوم رمضان" قال: صدقت. قال: يا رسول الله ! ما الإيمان؟ قال "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله" قال: صدقت. قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال "أن تخشى الله كأنك تراه. فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك" قال صدقت. قال : يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ قال" ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وسأحدثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربتها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها. وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله. ثم قرأ: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}. [31/ سورة لقمان، آية 34] قال ثم قام الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوه على" فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل أراد أن تعلموا. إذا لم تسألوا".(صحيح مسلم، كتاب الإيمان)) فالإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. فتؤمن بالله أي تؤمن بالله وبكل من أرسله ولذلك نجد في أول سورة البقرة وأخرها قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ 285 البقرة) وفي أولها (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 4 البقرة) فلا يصح الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا بعد الإيمان بسائر الأنبياء والمرسلين ولذلك نجد في القرآن الكريم تبشير عيسى عليه السلام به-أي محمد صلى الله عليه وسلم-في قوله تعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 الصف)
فالإيمان هو اليقين الجازم بكل ما أمرك الله تبارك وتعالى به. فطاعة الله تساعد على دوام الإيمان فلو أخذنا مثالاً على ذلك مؤمن مع جماعة المؤمنين يؤذن فيصلون وهو لا يصلي و جاء الخمر فشرب وهم لم يشربوا فأين إيمانه؟ فهو إذن ملحق على جماعة المؤمنين وليس منهم فوجوده معهم وجود سليقة لأنه ولد مسلماً. وهذا من أخطر قضايا المسلمين أنهم ولدوا مسلمين فتجد منهم من يشرب الخمر ويسرق ويزني ويكذب وهو مسلم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وفي ضمن هذا النداء من جاء مسلماً، فهناك من يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر. وتوقيع الصلاة في القرآن (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ 45 العنكبوت) فمن يرتكب الفحشاء أو المنكر بعد الصلاة فهو لم يكن يصلي ولم يقم الصلاة ولم تنفعه. حلاوة الصلاة لا تأتي إلا عندما تركز فيها وأخطر شيء أن تجد نفسك بعد أن كبّرت تكبيرة الإحرام تسلِّم دون أن تدري وتكون بذلك لم تصلي. وكثيراً ما يجد الإنسان نفسه في آية إياك نعبد وإياك نستعين في سورة الفاتحة وفي التشهد الأول عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله يتثاءب وذلك من فعل الشيطان لأن إياك نعبد وإياك نستعين والشهادة هما دعائم التوحيد فهو يفعل ذلك لكي يوقعك أو يجعلك مستهتراً لأنه لو قلت إياك نعبد وإياك نستعين ستقع في قلبك فإذا فرغت من الصلاة ووسوس لك الشيطان بمعصية لن تفعلها.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وطاعة الله أن تقرأ القرآن لأنك من أين تستطيع أن تأتي بكلام الله من غير القرآن فهو المنهج وقراءته يجب أن تكون بتدبر (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا 24 محمد) فالأمر ليس بقراءة القرآن فقط لعد أجزاء دون تدبر وإنما أمرنا أن نتدبر بهذه الطريقة.
(أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فما هي طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كثير من الناس من يسأل عن أمور في الدين لكي يعرف إذا كانت فرض أم سنة فإذا كانت فرض سيؤديها وإذا كانت سنة فليس من المهم أن يؤديها. فالسنة عند كثير من الناس ليس مهماً أداؤها وهذا الأمر لن تجده أبداً عند من طرق باب الإسلام مسلماً صادقاً باحثاً قارئاً ومتدبراً-وليس بهوى- ولكن فقط عند الذين ولدوا مسلمين لأنهم لم يتعبوا في بحثهم عن الحق.
طاعة الله بالأمر الإجمالي في القرآن، أما كيفية الصلاة والزكاة والحج والصوم نأخذها من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ 80 النساء) فلا يمكن من غير الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنة نستطيع أن نكون مسلمين. فلولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا مسلمين. فلا يصح الإسلام إلا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبسنته، فكيف تصوم أو تصلي أو تحج أو القيام بأي شعيرة من غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذا في العبادات وحتى المعاملات وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها (كان خلقه القرآن). فطاعة الله تأتي بالأمر الإجمالي أما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فبالأمر التفصيلي ، تفصيل هذا الإجمال.
في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ) ولا تولوا عنه أي محمد صلى الله عليه وسلم، الضمير عائد على محمد rوقد يكون عائداً على المولى تعالى ولو كان عائداً على الإثنين لقال (عنهما).
قال تعالى (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) التوبة) الضمير عائد على من؟ نأخذ قول الله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9 الحجرات) ومن أعداء الدين من يقرأ القرآن بنية التدبر ولكن بنية البحث عن أخطاء لغوية ومن يمسك القرآن ليخطئه فقد أهدر وقته وجهده. ولو لاحظنا فقد نزل القرآن الكريم على أناس كانوا يكتبون الشعر العربي الفصيح والقصيدة بألف بيت فلو كانوا وهم كفار وهم أبلغ ناس كانوا يستطيعون أن يخطئوا القرآن ولكنهم عندما يلتزمون الصمت فهذا يدل على أنهم قد فهموه وفهموه على مراد الله فيه لأنهم يعتبروا أساتذة في اللغة. فلغة القرآن تختلف عن لغة العوام واللغة العربية الفصحى بدليل هذه الآيات لأن لولا التعبير القرآني ما تحقق مراد الله. بمعنى أن القضية بالواقع أو بمراد الله فبالواقع اللغوي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا فنحن هكذا نتكلم عن الطائفتين فهذا مثنى كلمة طائفة فلو قلنا اقتتلا لغوياً تكون صحيحة ولكن ليس على مراد الله. فمراد الله يأتي في واقع الأمر فلو دخلنا داخل هذه الطائفة وهذه الطائفة فاللفظ اقتتل وسنضيف له إما ألف الاثنين أو واو الجماعة. الواحد من الطائفة يبحث عن واحد من الطائفة الثانية ليقتله أو يفضل لو يقتل عشرة والعشرة سيهجمون على الواحد ليقتلوه وهؤلاء جمع فالطائفة فيها تعبير لفظي واللفظ لغة مفرد ولكن داخله جمع. فالقتال لا يمكن أن يأتي مثنى لأن القتال لا يكون فرداً ويتصدى له فرد بل أكثر من ذلك فيصبحون بذلك جماعة فاقتتلوا يجب أن تأخذ الجمع. ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) رجعنا إلى المثنى لأن في القتال يكون هنالك واحد فيخرج له أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك فلذا أستخدم الجمع في اقتتلوا أما في الإصلاح فأنت لن تأتي بالطائفتين وإنما رئيس الطائفة الأولى ورئيس الطائفة الثانية لذا أستخدم المثنى بينهما. ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى) إحداهما لأنهم طائفة، ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) فأصلحوا بينهما، بينهما أتت مثنى، ففي الصلح لها توقيع لغوي وفي القتال لها توقيع آخر.
وفي قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ 10 الحجرات) وأتت هنا بين أخويكم وليس إخوانكم لأن التوقيع هنا أنه عندما تريد أن تصلح تأتي دائماً باثنين مثال على ذلك في العلاقة الزوجية: (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا 35 النساء) يريدا هنا تعود على الحكمين أو الحكمين والزوجين أو الحكم والزوج في فريق والحكم الآخر والزوجة في فريق آخر. ودائماً في الإصلاح يستخدم المثنى لأنه لو زاد عن المثنى لن يكون هناك إصلاح. واستخدمت كلمة حكم هنا أي رجل وليس امرأة لأن المرأة عاطفية-وهذا ليس عيباً- فكثيراً ما تؤثر عاطفتها في حكمها ولكن الرجل يحكم عقله في الغالب والحكم من الحكمة فيجب أن يكون رجلاً عاقلاً حكيماً ولذلك أطلق حكم في الآية ولم يشترط أن يكون من العائلة فقد يكون جارها ولكن يمثلها أو يمثله. فالتوقيع القرآني يختلف عن التوقيع اللغوي لو كانت الكلمة مجردة أو مطلقة أو في القرآن.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) المتكلم في هذه الآية الله تبارك وتعالى. و(عنه) في الآية تعود على الرسول صلى الله عليه وسلم. (والله ورسوله أحق أن يرضوه) في التوقيع أحق بالرضى وفي القرآن يرضوه، توحيد الضمير اوحدة التوحيد. (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه) هو بعث رسولاً يأمرنا أن لا نتولى عنه. و(عنه) لغة متعلقة بـ (ولا تولوا). فالتولي لا يكون أبداً عن الله فالتولي يستحيل حتى على الكافر بالله أن يتولى عن الله والدليل قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 83 آل عمران) غير المسلم ديانة مسلم كرهاً والمسلم ديانة مسلم طوعاً فمن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهم مسلم طوعاً اليهودي أو غير المسلم ديانة لا يستطيع أن يستيقظ الصبح ويقوم بشيء لم يكتبه الله فبذلك هو مسلم كرهاً. فالتولي لا يمكن أن يكون عن الله إنما التولي يكون عن الرسل، تعرض عن الرسول.
بثّت الحلقة بتاريخ 16/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:21 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 8
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال)
إتّباع المنهج وطاعة الله تعالى ورسوله r هي المدخل ليكون الإنسان في معيّة الله عز وجل فما هي المداخل الأخرى التي نستخدمها لنكون في معية الله تعالى؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) بعض المستشرقين أثاروا موضوع الضمائر في القرآن الكريم. هذه الآية بتوقيع معاني اللغة العربية تقطع أسئلة المستشرقين. (ولا تولوا عنه) الضمير عنه متعلق بالتولي. (عنه) في الإعراب جار ومجرور متعلقان بقعل تولوا وليسا متعلقين بالطاعة لا لله ولا للرسول أو الله ورسوله. طاعة الله تعالى مفردة وردت في القرآن الكريم، وطاعة الرسول r وردت مفردة في القرآن الكريم وطاعة الله ورسوله وردت في القرآن أيضاً. أولاً يجب أن نفهم معنى الطاعة. ما معنى أن أطيع الله؟ أو أطيع الرسول r؟ يجب أن نفهم الطاعة ضمن إطار (يا أيها الذين آمنوا) لم ترِد أطيعوا للذين مع الذين كفروا أبداً. فالطاعة لا تكون إلا للمؤمن بداية. وقلنا أن الإيمان هو اليقين الجازم بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. والطاعة تكون بأن تطبق من آمنت به وتنفّذ تعليماته ولذلك جاء تفويض بالقرآن بطاعة رسول الله ولو أمر وحده. عندنا أطيعوا الله ورسوله: لما يأتي الرسول بكلام من رب العالمين وعندنا (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) النساء) هذا تفويض فأين توقيعه؟ إذا أطعت الرسول فيما قاله تكون أطعت المولى لذلك قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال الرسول ولم يقل النبي لأنه رسول من عند الله. يوقعها بطاعة مفردة (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) لم ترد هنا ورسوله. (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) لم يذكر كلمة الله هنا. كلمة الرسول تتضمن معنى الإله لأنه رسول الله لكن هذا إسمه توقيع التفويض (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) لماذا؟ نحن عندنا أقيموا الصلاة لكن من أين عرفنا عدد ركعات كل صلاة؟ أخذناه من الرسول r. طاعة الرسول في الأمر التفصيلي لطاعة الله في الأمر الإجمالي.
(ولا تولوا عنه) منطقياً التولي لا يمكن أن يكون عن الله تعالى حتى لمن كفر به سبحانه وتعالى. أنا كمسلم إسلام ديانة محمد r مسلم طوعاً، واليهودي كفر بالرسول r وبالتالي الذي كفر بالله تعالى لا يستطيع أن يتولى عن الله تعالى فله يسجد وله يُسلِم كرهاً (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران) المسلمون أسلموا طوعاً ومن كفر بالله تعالى وبالرسول أسلموا كرهاً.
ما دلالة إستخدام الواو في الآية بدل أو (طوعاً وكرها)؟
كل الحروف في القرآن الكريم حتى حروف الجر تأتي بمعناها وتحتمل معنى آخر. الواو تأخذ معنى (أو) في حالة ومعنى الواو في أعم الحالات. ذكرنا سابقاً في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)) حرف الجر (من) يعمل عمل (من) و عمل (في) لأنه لا أحد يفاجأ يوم الجمعة أن صلاة الجمعة في ساعة كذا لأنه يعرفها فالمفروض أن المسلم يعمل حساب صلاة الجمعة من قبلها واحترز من قبلها. (من يوم الجمعة) معناها في يوم الجمعة لكن تعمل حسابها من قبل يوم الجميعة (من تعمل بمعنى في). وهنا نسأل ما الحكمة من إستعمال الواو (ولا نقول لماذا لم يقل كذا؟ نقول لهم لأنه سبحانه أراد كذا. هذا ليتعلم الناس أدب السؤال)؟ الواو تنفع في الإحتمالين لكن (أو) تنفع في حالة واحدة. لو قال (أو) يتكلم عن مسلم وُلِد مسلماً وكافر وُلِد كافراً فافترض أن واحداً من هؤلاء إنتقل إلى الجهة الأخرى أو العكس (أو) عندها لا تعمل لذا قال تعالى (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) (أو) تعني أن الذي ولد مسلماً يبقى مسلماً والكافر يبقى كافراً وليس هذا هو المعنى المطلوب في الواو. (أو) تأتي بالمعنى الضمني. الفريقان لا يبقيان على حالهما لأنه لا إكراه في الدين حتى من الله تعالى، أنا ولدت مسلماً لكن هل أجبرني الله تعالى على الإسلام؟ لو أراد أي مسلم أن يتنصر أو يتهوّد أو غيره لا يمنعه أحد لأنه لا إكراه في الدين. (طوعاً وكرهاً) فالذي يريد أن يأتي من هذا الفريق وينضم للفريق الآخر والعكس ولو قال (أو) كان يبقى المسلم مسلماً وغير المسلم غير مسلم لكن إستعمال الواو تدل على أن المسلم قد يكون وُلِد طوعاً وجاء كرهاً أو وُلِد كرهاً وجاء طوعاً. (طوعاً وكرهاً) اليهودي نصنّفه غير مسلم كافر لأنه كفر بعيسى وبمحمد rكفر من حيث توصيفه لكنه لا يمكن أن يستيقظ صباحاً ويفعل شيئاً لم تُكتب في الأزل عند الله تعالى. (وله أسلم) نفهم منها إسلام الدين (إستسلم) لأن الله تعالى خلقه.
بعض الآيات توحي في ظاهرها أن الدّين فيه إجبار وأن الله تعالى لم يهديهم وهذه سنعمل عليها في حلقات قادمةإن شاء الله. جاء في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) نسأل من الذين جعلهم لا يؤمنون؟ قد يبدو أنه الله تعالى ويقد يقول البعض إذن الله تعالى فرض عليهم الكفر فنقول لهؤلاء أكملوا الآيات (إن الذين كفروا) تدل على أنهم هم الذين كفروا وهم بدأوا لكن نحن لا نحاسب الله تعالى على علمه بدليل قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). التجربة مفتوحة أمام الكفار هم بدأوا بالكفر ولو شاءوا لآمنوا في أي لحظة. وفي اللحظة التي يقول فيها أشهد أن لا إله إلا الله يكون أسلم طوعاً بعد أن كان مسلماً كرهاً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) ما دلالة تسمعون في الآية؟
السماع هنا ليس سماع كلام أو سماع هداية وإنما سماع إستجابة. وإذا نظرنا في الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)) نجد أن الخطاب للذين آمنوا (يا أيها الذين آمنوا) تدل على أنهم آمنوا بالله ورسوله ووقّعوا إسلامهم وليسوا معرضين. سابقاً سألنا أيهما أعلى درجة: الإسلام أو الإيمان؟ لو أردنا الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال يجب أن نسأل: أي إسلام تقصد؟ والمتسرع يجيب الإيمان لكن من وجهة نظر المحقق يسأل هل تقصد إسلام الرسالة (الشهادة) أو إسلام الوجه لله تعالى؟ المراحل هي: إسلام الشهادة ثم الإيمان بالتطبيق وفي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) الخطاب في البداية للمؤمنين ثم يطالبهم بالإسلام في نهاية الآية. هذا يعطينا الدرجات التي يحتاجها المسلم ليكون في الفردوس الأعلى وهي: إسلام الرسالة، الإيمان بالتطبيق، التقوى، حق التقوى أو الإحسان وإسلام الوجه لله تعالى. صحيح أنا مسلم لكن لما أخرج من بيتي ليس في بالي رب العالمين وإنما أقول يا ليتني أجد فلاناً كي ينهي لي هذه المعاملة هنا أكون مسلماً إسلام عقيدة لكن لو كنت مسلم الوجه لله تعالى أخرج من بيتي وأقول: "بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، حسبي الله ونعم الوكيل" أكون قد وكّلت الله تعالى الذي يقضي الحاجات (وتوكل على الحي الذي لا يموت) (إذا كنت أذهب وأنا أعتقد أن الشخص الذي أريده وسيلة يوفقني الله تعالى وإذا اعتقدت أنه غاية فهذا لا يكون توكلاً على الله تعالى) . فدعاء الخروج من المنزل هذا إسلام الوجه لله تعالى لأنك فوضت الأمر كله لله تعالى عز وجل. إسلام العقيدة أقل من الإيمان أما إسلام الوجه فهو أعلى الدرجات.
(وأنتم تسمعون) السماع هنا سماع إستجابة. هناك معنى لغوي ولازم معنى لغوي ومعنى إصلاحي. لما نقرأ سورة المجادلة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)) هل نفكر أنه سبحانه سمع أو نفّذ؟ نفهم منها أنه سبحانه سمع واستجاب. لو كانت (سمع) تعني فقط سمع لما نزل في السورة تشريع في حالة الظهار الذي اشتكت به المرأة من زوجها أوس بن الصامت. في ذلك الوقت كان الظهار نتيجته التحريم الأبدي للزوجة على الزوج ولكن في هذه الآية إستجاب تعالى للمرأة وأنزل تشريعاً آخر في هذا الموضوع وحلّ المشكلة (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)). القصة أن المرأة ذهبت إلى رسول الله r (وهنا ملاحظة لو أن الرسول r غير موجود كما في زماننا فنرجع إلى القرآن والسنة الصحيحة الثابتة كأنه r بيننا بسُنّته)، ذهبت المرأة تخبر رسول الله r أن زوجها أراد أن يجامعها وهو تريد أن تصلي العصر فقالت له انتظر حتى أصلي فغضب منها وقال لها أنت عليّ كظهر أمي فلما جاءت إلى الرسول r وأخبرته قال لها r: ما أراك إلا قد حرُمت عليه. وهذا هو التشريع من الله تعالى إلى ذلك الوقت وهو التحريم القطعي. فبدأت المرأة تبرر للرسول r فقالت: إن لي منه أولاداً إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا فيكرر الرسول r: ما أراك إلا قد حرُمت عليه. فالتفتت المرأة عن رسول الله r بفهمها أن الحل ليس عنده (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) لا يستطيع أن يشرّع تشريعاً لم يأته من الله تعالى فقالت: إلى الله أشكو حالتي. السيدة عائشة رضي الله عنها قالت لما نزل قوله تعالى ( قد سمع الله قول التي تجادلك) قالت: تبارك سمع الله والله لقد كنت بجوار رسول الله r ما سمعتها وسمعها الله من فوق سبع سموات. توقيع السمع هنا أنه يستمع ويعلم ولها معنى الإستجابة والتلبية. (ونفهم مما روته السيدة عائشة أن المرأة كانت تتحدث بأدب وبصوت خافت مع الرسول r عن زوجها ولم تشهّر به أو تفضحه كما يحصل في أيامنا هذه والله المستعان). فلما بدأ التشريع يكون (قد سمع) تكون استجابة وليس سماعاً مجرّداً.
لما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أي لا تضيعوا أنفسكم وأنتم على الإيمان بعدم الطاعة وعدم الإستجابة. (وأنتم تسمعون) أي وقد سمعتم. توقيع معنى السمع الذي حدث يأتي في آية أخرى بعدها (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) هم صمٌ ولو سمعوا وبكمٌ ولو نطقوا لكن ما سمعوا الهداية وما نطقوا الهدى لأنه مفروض لما يسمع يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فإذا لم يقلها فما الفرق بينه وبين الذي لا يسمع؟
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)) لأسمعهم هنا تعني لخلقهم على الهداية جعلهم يستفيدون من سمعهم لكن القضية الحقيقة (ولو أسمعهم) هل معنى أن كل من وُلِد مسلماً بقي على الإسلام؟ الناس تعتقد أن كل المسلمين في الجنة ويعتقدون أن المسلم العاصي يدخل النار قليلاً ثم يخرج وهذا أفضل عنده من أن يترك المعصية. نقول لهؤلاء أن هذا فكر إسرائيلي وهذا كلام الإسرائيليات وقّعها الله تعالى في قوله (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) البقرة) هذا فكر إسرائيلي أن يبقى الإنسان لعى المعصية أفضل له من أن يتركها لكن ماذا لو لم يخرج من النار؟ اترك المعصية طاعة لله تعالى فإن كان للمعصية لذة فطاعة الله تعالى لها لذّات وانظر ماذا يكون الأجر بعدها؟ هناك بعض من وُلِد كافراً ثم أسلم والعكس صحيح. البعض يحتج أنه لا يفهم الحكمة من شيء أو يعتقد أن بعض الأمور في المنهج قديمة ما عادت تنفع في زماننا الحالي فنقول لهؤلاء هل إذا ذهبت للدكتور وأعطاك دواء فهل تقول له أريد أن أعرف الحكمة من وراء هذا الدواء وكيف يعالج ومن ماذا يتكون؟ بالطبع لا وإنما تأخذ الدواء لأن الدكتور وضفه لك بعلمه وخبرته. نحن نقول (سمعنا وأطعنا) مجرد إسلامك لله تعالى وإيمانك به بالرسول r(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) أدركت الحكمة أم لم تدركها عليك أن تنفّذ لأن الأمر من الله تعالى.
(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) التوبة) لو على مرادنا اللغوي لقال (يرضوهما) لكن لو قيلت هكذا لا تؤدي مراد الله تعالى من المعنى. رضى الرسول ليس شرطاً أن يكون رضى الله تعالى فكل رضى مختلف. أنت ترسل رسولاً لجماعة مثلاً بأمر ما فيذهب الرسول ويستقبله الجماعة أفضل إستقبال هنا الرسول راضٍ عن الإستقبال لكن يقول لك عندما عرضت عليهم الأمر الذي أرسلتني به لم يوافقوا فبالتأكيد لن تكون أنت راضياً مع أن رسولك كان راضياً بالإستقبال. لما توحّد الضمير تدل على أن الذين أخذوا الرسالة يجب أن يفهموا أن مضمون الرسالة هو رضى الطرفين. الله ورسوله ووحّد الضمير لأن إرضاء الله هو إرضاء الرسول وإرضاء الرسول هو إرضاء الله تعالى حتى محمد r إذا رحّبت به ولم ترض بالرسالة لا يكون راضياً. لذا الشرط في نهاية الآية (لو كانوا مؤمنين) الإيمان هو اليقين الجازم بالتطبيق. فماذا يهم لو قابلتني جيداً ولم تطبق مضمون الرسالة؟ لو استقبلت ونفّذت ما يرضي الرسول r وهو نفس رضى الله عز وجل. ولهذا وحّد الضمير لأن محمداً r لا يرضى إذا لم يرض الناس بالرسالة. رضاه نفس رضى الله تعالى لأن محمداً r ليس له هوى. آية تؤكد أن رسول الله يفعل شيئاً ثم يأتي النص القرآني يعدّله له فلو كان القرآن من عند محمد r لن يعدّل. نفس الرسول r مختلفة عن البشر. لما إتخذ زيداً ابن محمد عدّلها القرآن ولو كان من عنده لما عدّلها (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) حتى لو فعل ما يخالف رضى السماء ورب السماء يأتي وحي يعدّلها. ومن عظمة الرسول r أنه ليس له هوى في نفسه لذا الرضى واحد.
في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)) تكرار الفعل في حق الرسول r تبين توقيع التفويض (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لأنه r لا ينطق عن الهودى. لكن أولي الأمر لو خالفوا ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة الثابتة لا تسمع كلامهم لذا جاء بعدها مباشرة (فردوه إلى الله رسوله) لم ترد أولي الأمر هنا لأن الأمر يرد إلى الله والرسول لأن المنهج يعود لله تعالى. المنهج من الله تعالى للأمة عن طريق رسول الله r الذي ليس له هوى لكن للأسف المسلمون اليوم يريدون إسلاماً على هواهم ويجب أن يطوّعوا إسلامهم على منهج الله تعالى. ولي الأمر يجب أن يعتمد المنهج فإذا فعل طاعته تكون واجبة وأمر ديني وإن خالف نردّ الأمر للمنهج (الله ورسوله) يجب أن يكون المنهج واضحاً فلا ينفع أن يكون المنهج مشوشاً. أسأل الله تعالى أن يُجلّي لنا القرآن والسُنّة. لما يسمع أحد القرآن وهو غير فاهم تجده يتحدث مع من بجانبه لكنه لو فهم لأنصت يتدبر (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) نسأل الله تعالى الرحمة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ميارى 27 - 7 - 2010 07:23 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 9
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال)
هل في إتّباع المنهج تغيير لحياة بني آدم؟ وهل في عدم إتباعه يكون الإنسان ميتاً؟ الناس تفهم أننا نولد ونموت وانتهى الأمر وأناس تفهم أننا نولد ثم نموت ثم نبعث ثانية.
نتوقف عند آيتين في كتاب الله عز وجل (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) غافر) و (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) النمل) هل المقصود الموتى في القبور أو الذي يحييون لكن قلوبهم ميتة؟
هذه الآيات تتعلق بمسألة مفهوم الحياة ومفهوم الموت وليس معنى الحياة ومعنى الموت لأن هناك معنى وهناك لازم معنى أو مفهوم. أول إشارة لهذا الموضوع كان في سورة البقرة والبديع أنها جاءت قبل أول إخبار عن خلق آدم u. أول إخبار عن خلق آدم في القرآن جاء في الآية: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) وقبلها بآية جاء قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)). حتى من لم يُسلِم لله تعالى عليه أن يفكّر بهذا السؤال (كيف تكفرون بالله) وهذا نمط غريب في الإبداع القرآني (وكنتم أمواتاً فأحياكم) هل أمواتاً قبل الخلق أو بعده؟ (فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون). في سورة الأنفال قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) نحن يجب أن نكون أحياء بدليل أننا آمنا لأنه لا يوجد ميّت يقال عليه مؤمن لأن المؤمن يعني أنه يُطبّق فإذن هو حيّ. بديع القرآن في إتصاله هناك قبل أن يقول (وإذ قال ربك للملائكة) يهيأ لك أنها يجب أن تكون أول شيء في القرآن أنه يخلق آدم ثم تتوالى الأنبياء والرسل وتأتي الذرية ثم يسألهم (كيف تكفرون). (كنتم أمواتاً) بالتأكيد لها معاني لازمة. (كيف تكفرون بالله) هل يُسأل هذا السؤال في منهج الله تعالى وفي قرآنه لكافرٍ به؟ إن القرآن للناس عامة وما أُرسل محمد r إلا للناس كافة لذلك جاء التوقيع القرآني في الرسول r: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). الناس ستقول بعد أن تكمل التجربة ويسألوا سؤال في نهاية الآية (فهل إلى خروج من سبيل) أما في البداية فقالوا (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين). كم مرة متنا؟ نحن رأينا أحداً مات ويوم القيامة نحن مؤمنين أنه سيبعث ونحن سنموت مثله فلو بعثنا يوم القيامة نقول متنا مرة واحدة وعشنا مرة واحدة ولم نحيا بعد للحساب. الأولى (أمتنا اثنتين) يمكن أن نغطيها (أنا أتكلم بخلفيات مما يقوله الناس) أنهم يقولون سنسلّم لموضوع أننا كنا ميتين قبل الخلق ثم الموتة الثانية ونحن ناقشنا في حلقات سابقة أنه لا يوجد خلقٌ من عدم في وجود الله تبارك وتعالى، لأنها ليست منطقية بدليل قوله تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) نحن مشكلتنا في التلقي وليس في التوقيع نحن مشكلتنا واحدة من اثنتين: إما غير فاهمين أو لا نريد أن نفهم. لو كنا غير فاهمين فليس عيباً لكننا نحن لا نريد أن نفهم!. واقعة البهائيين تدل على أن موضوع الإلتزام موضوع مُتعِب لأن الإنسان يريد أن ينفلت (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) هذا مراد الإنسان، والمشكلة في التلقّي وليس في التوقيع. فالذي لا يفهم يمكن أن نفهمه لكن ماذا نفعل بالذي لا يريد أن يفهم؟ المثل يقول أنت تستطيع أن تأخذ الحصان رغماً عنه إلى النهر لكن هل يمكنك أن ترغمه على الشرب؟ بالتأكيد لا. الآية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) أي أن الشيء موجود بدليل (أن يقول له) الضمير لا يعود إلا على موجود حتى لو كان غائباً عن مجلس الكلام (ضمير الغائب). الشيء في تصورنا أنه غير موجود لكنه موجود لأن الشيء يوجد ساعة إرادة الله تبارك وتعالى وهذا من قدرته سبحانه وتعالى (كُن) ليست بالنسبة لله تعالى وإنما بالنسبة لنا هي إظهاره لنا إنما مراد الله تعالى بمجرد الإرادة وُجد الشيء بدليل (له). فلا يوجد عدم بالنسبة لله تعالى لكن بالنسبة للمخلوق فالعدم موجود ونضرب مثالاً : إذا وضعت نجاراً في غرفة مقفلة ليس فيها شيء وقلت له إصنع لي مكتباً أو غيره وليس لديه مواد لعملها فسيقول لك أحضر لي خشباً وأدوات النجارة هذا لا يمكن أن يفعل شيئاً من عدم أما بالنسبة لله تعالى الحقّ فلا يوجد عدم أما عند المخلوق فيوجد عدم.
الموتتين عرفناها: الموتة التي قبل الخلق أي قبل أن تولد والموتة التي نموتها، فماذا عن الحياتين؟ يجب أن نفهم الحياتين: عندما يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا) اتفقنا أنها تدل على أنهم على قيد الحياة بدليل أنه يكلمهم. في محكم التوقيع قال: (وما أنت بمسمع من في القبور) الميت والذي لا يسمع ولم يستجب ويستفيد هذا اعتبرناه أصمّ وميت لأنه لا فرق بينه وبين الذي في القبر لأنه سمع ولم يستفد فاعتبرناه ميتاً. الميت الذي في القبر لا يستمع إلى محمد rفماذا يختلف عن الذي حضر محمداً r ولم يستفد؟ هناك نقطة ثانية: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) قالوا فيها (بعدم السماع) أن الأمر انتهى وأن الكافر ليس بيده لأن الله حال بينه وبين الإيمان.
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) خرجت من الإرادة المطلقة في القرآن إلى قصية التسيير. هل صنّف الله تعالى البشر صنفين وهل ظلم أحداً حاشاه؟ صنف حيّ دائماً وصنف ميت؟
أنعم الله تعالى علينا بالإسلام والإيمان وقسم آخر حال تعالى بينه وبين قلبه ولم يصل إلى الهداية ويقولون أن الله تعالى حال بينه وبين قلبه فهل دخوله النار يكون ظلماً حاشاه؟ حتى نكون منصفين نرجع لواقع ٍحدث ساعة أرسل الله تعالى محمداً r: نأخذ مثالاً عمر بن الخطاب كيف بدا له الإسلام بداية وكيف انتهى؟ وما الذي حدث؟ عمر بن الخطاب بدأ رافضاً للإسلام فلو كان تعالى يحول بين المرء وقلبه بالمعنى الذي يعتقده البعض ليكون عذراً يوم القيامة لكان حال بين عمر وإسلامه. (الله يحول بين المرء وقلبه) يجب أن تُفهم فالله تعالى لا يُجبر أحداً على الإيمان ولا على الكفر لأنه لو أجبر عليها لكان دخولنا الجنة أيضاً ظلم ودخولهم النار بإجبار ظلم وهذا مفهوم فاسد غير منضبط. المسألة ليست هكذا وإنما حقيقة الأمر (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) لكن المؤمن يقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). وسبق أن قلنا أن الهداية هدايتين: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة للرسل التي قال عنها تعالى في حق الرسول r(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) وهداية المعونة هي التي لله تعالى والتي نفاها عن الرسول r(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وما على الرسول إلا البلاغ وهم يختاروا واختيارهم فيه فضل لله سبحانه وتعالى. الرسول يأتي بالمنهج وهناك من يقبله وهناك من يرفضه. الرسول rله فضل لكن فضل الله تعالى سابق دائماً.
علينا أن نوقّع المنهج في المنهج والقرآن بالقرآن (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) المشيئة الأولى للبشر. (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) فمشيئتي من باطن مشيئة الله تبارك وتعالى بدليل أهل الجنة داخل الجنة يقولون (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) لم يقولوا الحمد لله الذي هدانا لأننا عملنا واشتغلنا وإنما هؤلاء فهموا الحقيقة ولم يجادلوا فيها. نحن اهتدينا، اخترنا الهداية لكن الذي هدانا هو الله تعالى والذي دخل النار هل منعه أحدٌ من أن يُسلِم ويشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ لم يمنع أحد الذي وُلِد مسلماً أن يترك الإسلام إلى غيره، وهذه تحصل للأسف. البهائيون جاءوا من كل الديانات يهودي ونصراني ومسلم يجب أن نشرح لهؤلاء المنهج لأنهم ضلوا الطريق. هذه تظهر أن لا أحد يمنع أحداً من الديانات الثلاث من شيء لا أحد منع يهودي من أن يتنصر أو يسلم ولا العكس. وهذا يبيّن فضل الله تعالى على الإسلام لأنه دين تدبّر وليس فيه إكراه. الإسلام إذا كان بدون رضى وقناعة فإسلامه غير صحيح كالذي يُسلِم ليتزوج إمرأة فقط هذا لا يُسلِم عن قناعة وإنما لهوى في نفسه ونحن نريده أن يدخل الإسلام لا لهوى في نفسه ولكن لقناعة هذا لأن الله يحول بين المرء وقلبه أي يحول بين المرء وكل الأماني التي يتمناها الإنسان وليس الحول بين القلب ومراد القلب. البعض يقول أنا صغير الآن أنتظر حتى أكبر ثم أحج أو أصلي فيموت في اليوم التالي يكون قد مات على معصية. نقول إذا كنت ضامناً متى تموت فافعل ما تشاء لكن من يضمن عمره؟ هذا أمر خطير: تأجيل الحج، تأجيل الحجاب، تأجيل الصلاة بدون عذر.
قال تعالى (واعلموا) الله تعالى يخاطب المؤمنين الذي يؤجّل الحج لأنه ليس عنده فهذا لا يسمى تأجيلاً لأن الإستطاعة تشمل المال والصحة (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لكن الذي يؤجل ويقول سوف أحج عندما أكبر أو عندما أتزوج أو غيره والتي تقول سوف أتحجب بعد الزواج ولكن يمكن أن يكون الله تعالى لم يكتب لها الزواج وقد تكون جميلة وعلى خلق ولكن لا أحد يعلم الغيب ويمكن أن لا تتزوج. الرسول r أعطانا إحتمالات لأن كل إنسان يبحث عن مواضفات لكنه rيوجّه "فاظفر بذات الدين تربت يداك" فالتي يقول لها الشيطان أجّلي حجابك حتى يأتيك رجل يتزوجك ثم تتزوج رجلاً أحبّها لشعرها الذي رآه وهي بدون حجاب فهذا الرجل ليس متديناً لأنه نظر إلى ما لا ينبغي له، فالذي يبحث عن ذات الدين سيبحث عن المحجّبة والعكس صحيح. عليك أن تفعل الصحّ (بإفعل) واتركها على الله تعالى. الله تعالى يوقّع المرأة في قلب الرجل فليس جمالها أو شعرها هو الذي دفع الرجل ليتزوجها. قلب المرء يريد الأماني والله تعالى يحول بين المرء وبين هذه الأماني.
كل العبادات الناس تسوّف فيها: سوف أصلي، سوف أحج، سوف أصوم، سوف أستغفر ليلة القدر وهو ما زال في شعبان! فهل يعقل لمن أخطأ مثلاً في شعبان أن ينتظر إلى ليلة القدر ليستغفر؟!
(يا أيها الذين آمنوا) من المؤمنين من لم يعلم، هو من المؤمنين لكنه يفعل شيئاً يخالف ما كان يجب أن يكون عليه من تطبيق المنهج على مراد الله وليس على مراد الإنسان وهواه. (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ما الذي يحييكم؟ والآيات قبلها وبعدها. القرآن منهج لا يؤخذ منه جزء ويُترك الباقي مثلما يقول الناس (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) ويقفون. يجب أن نقرأ كل الآية (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) هناك مغفرة لمن يستحق وعذاب لمن يستحق. قارون قال (إنما أوتيته على علم عندي) فيأتي الرد من الله تعالى مباشرة بعدما نسب النعمة إلى نفسه: (فخسفنا به وبداره الأرض). قارون هذا كانت مفاتيح خزائنه تنوء بها العصبة أولي القوة فما بالك بالخزائن؟! لكنه لم يقل الحمد لله. أخصّ نِعَم الله تعالى علينا نعمة الإسلام. وإذا كان غير المسلم الذي دخل الإسلام يسجد لله تعالى مرة فعلى المسلم الذي وُلِد مسلماً أن يسجد لله دائماً "الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة". حديث الرسول r فيمن فقد بصره أن له الجنة: هو فقد البصر ولم يفقد البصيرة. من فقد بصره مرة قل الحمد لله الذي لم يفقدني البصيرة وهذه هي الحياة الحقيقية. (إذا دعاكم لما يحييكم) يحييكم حياة أبدية حقة لأن الحياة الدنيا لعب ولهو أما الآخرة فهي الحيوان في الجنة أو في النار. الحياة الدنيا منتهية أي نعيم فيها إما أن تتركه أو يتركك فهو حقير لذا كل نعيم سوى الجنة حقير. اللهم قِنا النار وعذاب النار. خُذ من أقلّ النِعَم نعمة وخُذ من المحنة منحة لأننا في نعيم لا نشعر به (إذا دعاكم لما يحييكم) هذه هي الحياة الحقيقية التي نبكي عليها أما في الحياة الدنيا إبقى على إسلامك.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يوجد مؤمنون لم يستجيبوا ومؤمنون غافلون. هذه الغفلة التي تعطيني أماني يمنيني بها الشيطان لنفس عاصية غافلة لاهية لأن الشيطان لا يقدر على نفس طائعة (إلا عبادك منهم المخلَصون) فردّ المولى تعالى (إن هذا صراط عليّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) فكيد الشيطان ضعيف. عباد الله لا يقدر عليهم شيطان فالمؤمن لما قال له تعالى: استجيبوا واعلموا يريدهم أن ينتقلوا من مرحلة الإيمان إلى مرحلة الإحسان التي قبلها التقوى. يجب أن يتدرج المؤمن ويترقّى في درجات ومراحل الإيمان: إسلام العقيدة ثم الإيمان ثم التقوى ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله. القليل مع الدوام أفضل فإذا بدأت بصلاة ركعتين وذقت حلاوتها تصبح أربعاً ثم ستاً ثم ثمانية وهكذا هذا التدرج لأن الذي يبدأ بعشرين ركعة سيقرأ بسرعة ولن يداوم عليها. صلّ ركعتين بتأنٍ وابدأ بصيام يوم واحد الإثنين أو الخميس ثم يومين ثم ثلاثة أيام من كل شهر وهكذا حتى تتدرج في الطاعة وتتذوق حلاوتها.
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) القلب لا يعطي إلا الأماني ويغُرّ.
الشيطان يوم القيامة يقول (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم) الإستجابة لا تكون إلا لله تعالى وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم: حياة فوق الحياة. الحياة العادية يهبها الله تعالى للمؤمن والكافر. عندما دبّت الروح في آدم ظهرت عليه مظاهر الحياة التي هي الحِسّ والحركة. لا يتحرك إلا إذا حسّ فهو حيّ هذه يستوي فيها المؤمن والكافر لكن الذي سيحيا الحياة في الآية (يحييكم) حياة فوق الحياة التي هي بالحِسّ والحركة. هذه التي تعطي حياة دنيا وآخرة، حياة فوق الحياة في الدنيا وحياة في الآخرة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/5/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:25 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 10
تقديم علاء بسيوني
التوبة والإستغفار ليست بضع كلمات يقولها الإنسان بلسانه عند إرتكابه معصية أو ذنب من الذنوب كأن يقول تبت إلى الله أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم فالقضية ليست على هذا الحد ولكن هي حالة من العودة والإنابة والرجوع الدائم إلى المولى عز وجل حتى نكون دائماً في معيته سبحانه وتعالى. والتوبة ليست متوقفة على التوبة من الذنوب فالأفضل والأرقى والأجمل أن تكون توبة عن توبة و إنابة دائمة. ثم ونحن نسير على طريق التوبة نتعرض لآيات في القرآن لنستعين بأسلحة ودعائم تعيننا في مشوارنا للتوبة وعلينا أن نتدبر معاني هذه الآيات لنستفيد منها.
ورد تعليق من أحد المشاهدين حول ما ذكرناه في قول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ 20 الأنفال) قلنا أن الضمير في (عنه) عائد على الرسول r لأن التولي لا يكون عن الله تعالى لكن في الآيات بعدها (لأسمعهم وهم معرضون) فهل الله تعالى هو المقصود هنا . الملحوظة من وجهة نظر السائل أنها في محلها وأن هناك خطأ فيما ذكرناه وبين ما وصلنا إليه ونحن نحترم وجهة نظره لكنه غفل عن التوقيع اللغوي في الآيات حينما قال (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) نحن قلنا عنه حتى نحل مسألة الضمير: عنه هنا جار ومجرور متعلقة بقضية التولي (ولا تولوا عنه) وقلنا أن المستشرقين عندما أدخلوا هذه الآية ضمن آيات توحيد الضمائر على سبيل (عنه) عن الرسول أو عن الله قلنا أن هنالك فرق بين الواقع اللغوي و فهم الناس للآيات (لتولوا عنه) في الآية أي عن محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا يستطيع مخلوق أن يتولى عن الله تبارك وتعالى حتى الذي أعلن الكفر لأن هنالك فرق بين الإسلام بالتسليم والإسلام بأسلمة المرء رغماً عنه وهذا أكده الله تبارك وتعالى في قرآنه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا 83 آل عمران) فحتى الذي أعلن كفره هو مسلم كرهاً من غير أن يشعر فهو متأسلم لأنه رغماً عنه وليس مستسلماً، مثال ذلك أن اليهودي لا يستطيع أن يستيقظ الصبح ويقوم بأمر الله لم يكتبه فبذلك هو مسلم رغماً عنه وذلك بعكس المسلم طواعية الذي نطق بالشهادتين وأعلن إيمانه وطبق القرآن حتى وإن وقع منه الذي حصل من آدم عليه السلام الذي أعلن التسليم عندما أمره الله عز وجل بعدم الاقتراب من الشجرة ولم يسأل عن السبب أو الحكمة كما هو الآن عند كثير من الناس الذي يريد أن يعرف الحكمة من كل أمر لأنه لو كان هنالك حكمة في الأداء الإيماني فلن يبقى إيمانياً فأنت بذلك عبدت الحكمة ولم تعبد رب الحكمة،فالذي يشترط معرفة الحكمة من الصيام لكي يصوم لم يعلن إيمانه ولا يفعل شيء إلا إذا عرف حكمته فهو بذلك عبد الحكمة وليس عبد الله سبحانه وتعالى إنما العبد الذي هو من العبودية الحقة عندما قلنا كلمة عباد جمع عابد وليس عبد والتسليم من الطاعة (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا 285 البقرة) فلا تقول لماذا فعل الله. كلا ولكن قل مالحكمة على استحياء فأنت تصوم ولكنك تريد أن تتعمق أكثر في فهم الحكمة لماذا؟ لكي يطمئن قلبك كما قال سيدنا إبراهيم عليه السلام فأنت في كلتا الحالتين ستصوم سواء فهمت الحكمة أم لم تفهمها فأنت ستنفذ الأمر لأنك عابد في كل الحالات، فالقضية هنا في (لا تولوا عنه) هي بالقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ليس هنالك تولي عن الله، أما في قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 23 الأنفال) التولي هنا عن ماذا؟ هنا التولي متعلق بالسماع (ولو أسمعهم لتولوا) فالتولي هنا ليس عن الله وإنما عن مصدر السماع وهو الرسول لأنه ليس هنالك بشر سمع من الله تبارك وتعالى مباشرة، قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 15 الإسراء) لم يقل حتى نسمعكم وإنما حتى نبعث رسولاًً. ولو أسمعهم في الآية تعني ولو تحقق السماع بإرسال رسول يسمعهم فالتولي هنا سيكون عن الرسول أيضاً.
(عنه) كانت متعلقة بالتولي وهنا التولي متعلق السماع من الرسول الناقل عن الله وستظهر أكثر في الآيات القادمة. والإستجابة ستظهر هذه القضية أن أمر الرسول لا ينفصل عن أمر بدليل ما ذكرناه سابقاً (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ 24 الأنفال) فأمر الرسول لا ينفصل عن أمر الله بدليل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 59 النساء) كأننا بتفويض إلهي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر هو أمراً ولو لم يأمر به الله تبارك وتعالى لأنه قال وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول هذا التفويض له مناط في القرآن بعيد عن كنه التفويض لكي يبين لك أنه عندما يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر وإن لم يكن موجوداً في القرآن وجب تنفيذه بدليل قوله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 7 الحشر) فلم يرد لفظ الله جل جلاله هنا، وهذا التفويض له مناط والمناط هو(وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فهو يأمر وينهى صلى الله عليه وسلم ولو بعيداً-وليس مخالفاً-عما أمر به الله تعالى فهو لا يخالف أمر الله تبارك وتعالى ومن صدقه صلى الله عليه وسلم وما يؤكد أنه رسول أنه يأمر أمراً ثم يأتي الله تبارك وتعالى بما يخالفه فيعلنه محمد صلى الله عليه وسلم ويقول أنا أخطأت وبتعديل إلهي كما في قصة زيد بن حارثة فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن محمد فجاء التعديل من السماء فلو كانت هذه الرسالة من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم ما كان ليظهر نفسه مخطئاً ولكن لأنه صلى الله عليه وسلم ينفذ تعليمات السماء يستوي عنده الأمر الذي للمسلمين بما خالفوا والأمر له بما خالف صلى الله عليه وسلم فيعلن هذا الأمر. فالحكمة من الآيات تأييد أنه رسول وأنه لا يخفي شيئاً من السماء فهو لا يقدر ولكن ينفذ ولذلك كان التفويض الإلهي له بحق لأنه أساساً لا ينطق عن الهوى.
سؤال: الآية (ادعوهم لآبائهم) ليست للرسول وحده وإنما لجميع المسلمين والآن هناك قضية مثارة أن يسمي الناس أنفسهم بأسماء أمهاتهم ويريدون أن يقدموه رسمياً في البطاقة الشخصية وقالوا أن الدين لا يعترض على هذا بحجة أن هذا الأمر قاصر على آيات التبني وهذا الأمر قد عمل بلبلة في مجتمعنا. هذا الأمر بحاجة إلى حلقة كاملة لأننا يجب أن نفهم الموضوع بأكمله من حيث اللغة ومن حيث الواقع فالذين يتكلمون في هذا الأمر نسأل الله تعالى لهم الهداية ونقول لهم لهم أن يتدبروا لكن يجب أن يحزروا من مخالفة الشرع لأن هذا الأمر يخالف الشرع وإلف العادة وما اعتاده الناس. يقولن هذا الأمر في حالة النسب فماذا لو أرادت المرأة أن تتبنى سيبقى الأمر لها (ادعوهم لآبائهم) والآية ليست خاصة بالرسول وزيد بن حارثة. الإلاسم لم يحرّم التبني أبداً وإنما حرّم النسب لنفسك لأن التبني تفعّل والرسول قال أنا وكافل اليتيم في الجنة وكافل اليتيم هو متبنّي فيجب أن نفهم الألفاظ قبل أن نطلقها. الإسلام حرّم النسب إلى المتبنّي ولكن ادعوهم لآبائهم فإذا لم تعرفوا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ولو كان يجوز النسب للأم لكان من باب أولى أن يذكرها تعالى في هذه القضية. وهذه الآية تحتاج إلى درس كنه التبني وما هو التبني وما هو النسب وما معنى ادعوهم ومعنى آباؤهم وسنعرض لهذا إن شاء الله تعالى في حلقة خاصة.
هنالك فرق بين أن تتولى فكأنك تبتعد ولكنك لست بمعرض وبين التولي مع الإعراض ولذلك جاء التأكيد لحالهم في الآية أنهم تولوا وهم معرضون فهؤلاء الناس توليهم سيكون تولي بواقع حال التولي لأن واقع حال التولي الإعراض فأنت قد تتولى وأنت متذبذب فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ولكن الله سبحانه وتعالى يؤكد في قوله (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ولو حرف امتناع لامتناع لأن هذا الأمر لن يحدث لخبرة الله تبارك وتعالى ولأن علمه هكذا ولكنه يضرب مثال بأنه حتى إذا أسمعهم لن تكون هنالك أي نتيجة ولذلك لم يسمعهم لأته سبق في علمه سبحانه وتعالى أنه لا طائل منهم وهذا في علم الله تبارك وتعالى والحقيقة هو لم يظلمهم بدليل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) فهم قد كفروا منذ البداية قبل أن يقول المولى عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لا فائدة منهم.
سؤال: فيما يتعلق بمعنى التولي هناك آيات متشابهة منها قال الله تعالى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 يونس) (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ 44 الكهف)، فقد توحي بعضها بالتولي أي الإعراض وبعضها الولاية فما الفرق بين الألفاظ بأن تكون ولياً أو يتولاك الله أو تتولى عن منهج الله؟ فما الفرق بين الولاية والتولي؟
لو جرّدت الكلمتين ستجد (ولي) و (ولى) أحياناً نكتب حرف الياء وهي ألف (ى) لكن لما نجرّج سنجد في الكلمتين-التولي والولاية-واو ولام وألف ولكن هناك فرق في النطق فالتشكيل يخلف المعنى ولي أو ولَى؟ ولي تكون من الولاية واقترب واستفاد ،أما ولى فبمعنى بعد، الحروف الثلاثة شكل بعض لكن وقوع التشكيل على الكلمات صحيح أن الكلمتين واو ولام وألف لكن واحدة تكتب واو ولام وألف والأخرى واو ولام وياء (ولي) بالياء وولي من الولاية أو الوِلاية (ولي لله) وولّى تكتب بالأف القصر. ولّى يعني بعِد وولي أخذ واقترب واستفاد (ولّى مدبراً) أي بعُد). الولاية في قوله تعالى (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) فالولاية هنا ليست بمعناها ولكن بلازم معناها فالولاية هنا أي النصرة أي نتيجة الولاية أي هنالك النصرة لله الحق فلس هنالك غيره يستطيع أن ينصر فهذا نتيجة الولاية والتي تسمى لازم المعنى.
سؤال: قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فهل كنا أمواتاً والرسالة السمواية التي جاء بها الرسول هي التي تحيينا؟ الذين في الجنة أحياء فهل الذين في النار أحياء أيضاً؟ فما معنى لما يحييكم؟
قبل أن نعرف معنى يحييكم يجب أن نعرف معنى الإستجابة . في الآيات السابقة قلنا أن التولي لا يكون إلا عن الرسول لأن التولي عن الله غير منطقي حتى لو كان الإنسان كافراً. في الآية يقول الله عز وجل استجيبوا لله وللرسول ثم يقول إذا دعاكم (بالإفراد) ولم يقل إذا دعواكم فواقع الحال استجيبوا لله وللرسول فكان هناك استجابة لله ولرسوله (مثنى) ثم قال إذا دعاكم فكان من منطق اللفظ واللغة في إنشائنا وتعبيرنا أن يقول إذا دعواكم ولكن من يقول هذا الكلام ليس لديه فهم في اللغة ولا فهم واقع الحال في لأمر اللغوي ,استجيبوا فعل أمر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) يجب أن ننتبه إلى الخطاب: يا أيها الذين آمنوا،آمنوا هنا أي أعلنوا التصديق بالله ورسوله مع أن الواقع كان من المفروض أن يقول يا أيها الناس (استجيبوا). باعتبار أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة ولكن هنا تنبيه إلى أن الاستجابة متعلق بأمر غير مفهوم وهو لما يحييكم، فلو كانت يا أيها الناس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) لكان الإحياء هنا كأن الرسول سيأتي ويعطي الروح التي هي قوام الحياة لكل شخص وهذا غير منطقي، ولكن عند قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، فلو سألنا السؤال هل هو ينادي ميتاً؟ لا لأن القرآن نفسه نفى إسماع من في القبور فالميت غير الحيّ (ولا يستوي الأحياء ولا الأموات) فكلمة الذين آمنوا تدل على أنهم أحياء ولكن الحياة المقصودة في الآية حياة من نوع آخر. ففي قوله تعالى استجيبوا لله أي تشريعاً وللرسول بلاغاً عن هذا التشريع فلو فرضنا فرضاً جدلياً أن شرع الله قائم وموجود ولكن لا يوجد رسول فلن يعرفه أحد لأنه يحتاج إلى رسول، فكلمة الله تعني تشريع وكلمة الرسول لا تعني إلا البلاغ فاستجيبوا لله تشريعاً وللرسول بلاغاً لهذا التشريع. لو قال في الآية إذا دعواكم فهذا يدل على أن هنالك فرق بينهما وأنه ربما يقوم الرسول بتبليغ أمر ما من عنده، وما على الرسول إلا البلاغ لما يأتيه من السماء فلما توحّدت غاية التشريع والبلاغ وحّد الضمير فقال إذا دعاكم لأنه لا يدعوكم صلى الله عليه وسلم منفصلاً عن الله، فدعاكم هنا عائدة على الاثنين متوحّدة-الله والرسول- لوحدة الغاية فالتشريع والبلاغ لا ينفصلان وقد يسأل سائل لماذا أفرد البلاغ في الآية (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟ في قوله وللرسول لكي يبين الله لنا أنه حتى ولو قال الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ما لم يأتي في التشريع الإلهي فلن يقوله إلا بوحي فتعود مرة أخرى لله (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 النجم) فعندما يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن صلاة الظهر أربع ركعات هذا لن نجده في القرآن لكنها عن الله تبارك وتعالى وليست من عنده بدليل أن الصبح اثنتان والظهر والعصر أربعة والعشاء أربعة ولكن المغرب ثلاثة فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها كان قد جعلها جميعاً ثلاث أو أربعة أو اثنان ولكن هذا الاختلاف وقوله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه بوحي من السماء ولذلك لوحدة الغاية في الآية وحّد الضمير في (إذا دعاكم) .
سؤال: هنالك من يقول في التفسير إبن كثير والشوكاني فمنهم من قال أن النداء في يا أيها الذين آمنوا في الآية للمؤمنين ويعني أن تكونوا مستمرين على المنهج ومنهم من يقول أن النداء مقصود بهم لبعض المنافقين وكأن الآية معناها يا أيها الذين آمنوا فقط بألسنتهم ظاهرياً من غير الإيمان بالقلب وبما أنك منافق ستكون في النار ولكي تخرج من حظيرة المنافقين وتعود لحظيرة المؤمنين استجيبوا لله وللرسول،وهناك أيضاً من يقول أن يا أيها الذين آمنوا مقصود بهم أهل الكتاب الذين آمنوا من قبل وبالتحديد اليهود الذي كان منوط بهم في مرحلة بأن يكونون-كما يقولون- شعب الله المختار- فضلّوا فغضب الله عليهم وأنزل عليهم عقوبات وأغلال فبالدعوة المحمدية لو أن أهل الكتاب استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم فكأنه أحيا أمة اليهود المغضوب عليهم فما رأيك بهذا الكلام؟
كل هذه الأقوال تعتبر تأويل فيه تكلف خارج عن واقع التعبير الإلهي. الرأي الأول(عن المؤمنين) وهو الصحيح وهو أن النداء موجه للمؤمنين. أما الذين يقولون أن يا أيها الذين آمنوا نفاقاَ أي ظاهرياً استجيبوا لله لكي تعودوا إلى حظيرة الإيمان الحق، يرد على قوله هذا بأن هذه الآيات يتبعها توصيف الفئات في القرآن فأطلق الله على الإيمان التقوى فهو فبذلك يوصف ولمزيد من التوضيح نأخذ سورة البقرة كمثال فهي ترتيبها في النزول 87 فكونها في أول المصحف هذا ليس صدفة ولا فعل بشر ولهذا أرفض من يقول أن أبو بكر أو عثمان جمعوا القرآن فهما جمعا عن جمع لأنه تعالى قال (إن علينا جمعه وقرآنه) فالذي جمعه هو الله وهذا الجمع الذي حصل من الله كان جمع مسبق لأن الكتاب نزل إلى السماء الدنيا لكي يؤخذ منه القرآن حسب الأحداث-القرآن يقرأ ويتلى- ولذلم فرّقنا بين كلمة القرآن وكلمة الكتاب. ولذلك في القرآن نجد تنزيلين تنزيل بالهمزة و تنزيل من غير الهمزة (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ 105 الإسراء) أي وبالحق أنزلناه كتاباً وبالحق نزل قرآناً، فهو إنزال أولاً إلى السماء الدنيا بالكتاب مجموعاً كما بين أيدينا وبالترتيب نفسه ثم يؤخذ منه على حسب الأحداث فيكون تنزيلاً فيحدث أمر ما فيؤخذ من الجزء 28 بدليل أن أول ما نزل اقرأ وهي موجودة في الجزء الثلاثين في الكتاب فاقرأ هي أول القرآن نزولاً فالقرآن تعني النزول والكتاب يعني المصحف الذي بين يديك بترتيبه الحالي. سورة اقرأ أول القرآن والفاتحة أول الكتاب، فوجود سورة البقرة في أول الكتاب ليس صدفة ولا هو جمع من بشر والحكمة من هذا الترتيب وكونها ثاني سور القرآن (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5 البقرة) فنجد أول الحروف المقطعة بحيث أنه عندما تصادفك الحروف المقطعة مرة أخرى وأنت تفسر القرآن سوف تبين للناس ما هي الحروف المقطعة وما لازم معناها وما هي ولماذا قطعت والحكمة والمراد ولازم المعنى فبذلك تحيل الحروف المقطعة التي تأتي في السور التي بعدها إلى هذا الأمر. ثم ذكر الكتاب وليس القرآن لأن القرآن أصبح كتاباً ثم يقول (لا ريب فيه) ثم يذكر في تعبير عجيب أنه هدىً لفئة معينة من فئات كثيرة القرآن تكلم عنها ولكن في مطلع الكتاب يذكر هذه الفئة وهم المتقين. ولو رأينا أيضاُ في سورة البقرة قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 185 البقرة) وذكر هنا الناس فالدائرة شديدة الوسع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يزال يعيش بين الناس والقرآن كان لا يزال ينزل وقد أستخدم كلمة القرآن وليس الكتاب فكلمة قرآن تفيد أنه لا يزال ينزل والرسول بينهم لم يمت فهنالك هدايتين ولذلك كان استخدام كلمة الناس التي تناسب كلمة القرآن، ولكن عندما أصبح القرآن كتاب أصبح (هدًى للمتقين) من هم المتقين؟ في قوله(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 البقرة) فالصيام يؤدي إلى التقوى وهذه التقوى هي التي تجعلك تفهم الكتاب وتأخذ هدي الكتاب. وكأن الانشغال الدائم بالشهوات سبب في منع أخذ هدي الكتاب. والصيام هنا في رمضان ليس فقط أن تمسك عن الحرام بل أنت تمسك عن الحلال عن الأكل الحلال والشرب الحلال والزوجة الحلال وذلك يعطيك مناعة في غير رمضان بأن تمسك عن الحرام عندما توسوس لك نفسك أو الشيطان تذكر فضل الله عليك بأنك استطعت أن تمسك عن الحلال في رمضان فمن باب أولى أن تمسك عن الحرام وذلك يستمر أيضاً في الاثنين والخميس و 13 و 14 و15 فمن يفعل هذا يأخذ هدي الكتاب فيجد الإنسان نفسه وهو يقرأ يفهم وكأن هذا الصيام ممتد طوال السنة فيكون الإنسان صائماً واقعياً عن الحرام وعن المعاصي وهو في حالة تقوى وهذا في قوله تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 31 الروم)منيبين إليه ثم قال بعدها واتقوه ثم وأقيموا الصلاة نحن للأسف لا نقيم الصلاة ولو أقام الناس الصلاة حقاً لأتقوا وأنابوا بحيث أن الإنسان يروح ويرجع. والأخطر (ولا تكونوا من المشركين) وهذا أمر في شدة الخطورة، هناك مؤمن مؤمن يدخل المسجد ويصلي ومشرك من غير أن يشعر وهذه تحتاج إلى وقفة.
أما الرأي الثالث الذين قالوا أن المقصود بـ يا أيها الذين آمنوا هم أهل الكتاب فنقول لهم أن هذا تفسير مردود: نجد في آية سورة البقرة توصيف للمتقين في سورة البقرة (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هذه تختلف عن النفاق كلياً فالنفاق تظهر الإيمان وإذا خلوا إلى شياطينهم كفروا فهم يؤمنون بالغيب وذلك يختلف مع النفاق، (وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وهذا هو نفسه تعريف الإيمان الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل، ثم يذكر الله سبحانه وتعالى فئة أخرى غير المؤمنين وهم الكافرين وتوصيفهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 7 البقرة) إذن هناك مؤمن وكافر. ثم يأتي بعد ذلك بذكر المنافقين وتوصيفهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 8 البقرة) وهذا لا يدع مجالاً لأي شخص بأن يقول أن المقصود في يا أيها الذين آمنوا استجيبوا..هم المنافقين لأن لو كان هذا صحيحاً لأستخدم توصيف المنافقين المذكور في سورة البقرة لأنه وصفهم فالمؤمن مؤمن والكافر كافر والمنافق منافق. وهذا نجده في قوله تعالى(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 14 الحجرات) في الآية يقول الله لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا لأن الإيمان له توصيف ولا يقع توصيفه عليكم ولكي يعطيهم صيانة الاحتمال لم يقل ولم يدخل أو ولن يدخل الإيمان ولكن استخدم لمّا، لم أي لم يدخل إلى الآن ولن تعني لن يدخل ولكن لمّا تعني أنه لم يدخل إلى الآن ولكن متوقع دخوله وهذا التعبير الإلهي أتى في إطار التحبيب والتشجيع. وطالما عرّف القرآن الفئات كلها لا نحتاج إلى أن نقول المقصود كذا.لذا فمن يقول أن الخطاب في يا أيها الذين آمنوا مقصود به أهل الكتاب فهذا غير مقبول أيضاً لأن لدينا في القرآن لفظ أهل الكتاب وبني إسرائيل فلو كان الخطاب موجه لهم لاستخدم لفظ يا أهل الكتاب أو يا بني إسرائيل والمنافقين وصفوا أيضاً (وما هم بمؤمنين يخادعون الله) فهذه الأقوال إذن تأويل متكلف أو تفسير متكلف يرده معاني القرآن وظاهر الآيات. فالخطاب يقيناً للمؤمنين وقوله استجيبوا لأن من المؤمنين الذي جاء إلى حظيرة الإيمان لكن لا يستجيب. من لا يستجيب فهو قد آمن وسلم وطبق ويصلي ويصوم ولكن لم يستجب لأن حالة الإنابة وحالة التوبة غائبة عنه فمنهم من يخطئ ولا يتوب لأنه لم يقرأ القرآن ولم يقرأ قصة آدم عليه السلام ولم يعش الآية (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37 البقرة) هذا الفضل الإلهي بالتوبة. فقد أخطأ آدم عليه السلام ولم يعرف كيف يتوب لكن منذ تلك اللحظة شرعت التوبة فليس هناك عذر لأي شخص بأنه لا يعرف كيف يتوب لأنها قد شرعت من عهد آدم وباب التوبة مفتوح ولكن عليك العودة والتوبة إلى الله الذي يفرح بتوبة العبد ويغفر له وليس هذا فقط بل يبدل سيئاته حسنات.وهذا هو الكلام الواضح ولذلك في قوله يا أيها الذين آمنوا تنبيه للمؤمنين من أن يركنوا إلى إيمانهم ويتكلوا عليه ويفرحوا به ولكن استجيبوا لله ولرسوله إذا دعاكم.
(إذا) هنا شرطية لكي عندما تسمعها هي واقع حالك ولكن إذا فرحت بها يرد عليك السؤال لينبّهك هل هو دعاك أم لا (ألم يأتكم نذير)؟ فدعاكم موحدة الاستجابة للشرع وللبلاغ لأن الغاية واحدة.
(لما يحييكم): كل ما جاء من السماء شرعاً ومن الرسول بلاغاً فيه حياة تختلف عن الروح التي دخلت في آدم وأنتم تأخذونها عندما تولدون بدليل أن الولد يخرج من بطن أمه يبكي ويصرخ وهذا دليل أنه حيّ وهذه حياة عامة يأخذها المؤمن والكافر، كل البشريأخذها. ولكن عندما تبلغ سن الرشد لديك حياة ثانية وهناك من يعيش ويعمل لحياته الثالثة (هي الثانية والحياة الثالثة والثانية واحدة) قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 97 النحل) وهو مؤمن تدل على الحياة الثانية فيقول (فلنحيينه حياة طيبة) طيبة في الآية أي في الدنيا والآخرة أي تحيا حياة طيبة في الدنيا وتأخذ جزاء حسن في الآخرة لأنه دعاني بمنهج ومقابل هذا قوله تعالى إعراضك عن ذكر الله بالمنهج (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 طه) معيشة ضنكا في الدنيا حتى لو كان غنياً ويوم القيامة يحشر أعمى. فإتباع المنهج يعطيك حياتين في الدنيا حياة طيبة وإن بدت فقراً وابتلاءات كثيرة ويوم القيامة تأخذ أحسن الجزاء وإعراضك عن المنهج يعطيك تعبين ضنك في الدنيا ونار يوم القيامة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/6/2006م


الساعة الآن 01:18 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى