منتديات المُنى والأرب - سرنديبية الذات

سرنديبية الذات

عندما نعجز عن قهر المتاعب وينتابنا الوقوع في شرك أو مشكلة يتراءى لنا بصيص غامض يهدينا إلى موطئ أمل.

السرنديبية لفظة يخيل إلى السامع أنها ضرب من العشب أو الزهر وانما هي تعني في الحقيقة موهبة اكتشاف الاشياء القيمة مصادفة والكلمة مشتقة من اسطورة امراء سرنديب { سيريلانكا حالياً } الثلاثة. ومثال ذلك ان نتصور ان كريستوف كولمبوس وقد عاد إلى الملكة ايزابيلا التي مولت رحلته قائلا : مولاتي إننا لم نهتد إلى الهند بالضبط لكننا عثرنا على تلك القطعة من الارض الملأى بالوعود. إن كولمبوس لم يدرك أبدا أنه اكتشف قارة باسرها لكن النقطة المهمة في الأمر كانت ولا تزال عدم العودة صفر اليدين.

الحياة رحلة مضطربة كثيرا ما نعجز فيها عن بلوغ الهدف المنشود ومع ذلك يجدر بنا أن نحذو حذو كولمبوس فنظل منفتحين لتقبل كل جديد غير منتظر وفي تأهب مستمر لاكتشاف أمر ما فنجعل حياتنا بأكملها رحلة استكشاف متواصل

إننا نرى في العلماء اشخاصا نظاميين لكن اختراعات كثيرة لم تكن موجودة اليوم لو لم يتعرض العلماء للتعثر والإخفاق والارتباك في مواقف معينة فقطرات الاسيد التي تناثرت على سروال غراهام بل كانت الحافز الحاسم لاختراع الهاتف وكانت اراقة المطاط السائل والكبريت على موقد مشتعل هي التي ارشدت غوديير بفضل السرنديبية الى طريقة تقسية المطاط عن طريق معالجته بالكبريت بدرجة حرارة مرتفعة وقد قال يوما تشرشل هناك اشخاص كثيرون يتعثرون عرضا باكتشاف ما لكن معظمهم ينهضون من عثرتهم يستأنفون سيرهم مبتعدين.

ربما كانت السرنديبية سر المعجزات العلمية ولكن كيف يمكننا أن ننمي سرنديبيتنا الخاصة ؟؟

إن الإنسان إذا أراد أن يتقدم فهو يحتاج إلى الجديد المدهش الذي يفاجئه ليربكه ويهزه وهذا الأمر نجده في كل لحظة من حياتنا إذا أعرنا كل ما يمر بنا الاهتمام اللازم فنحن نمشي كل يوم ولكن هل أدركنا حقيقة الأشياء الجديدة التي نراها كل يوم من خلال المسير .

بما أن السرنديبية كثيرا ما تكون نتيجة جانبية لخيبة ما فنحن محمولون على التفكير في حاجتنا إلى { شباك } الولاء والمحبة والاقتناع والإيمان والصداقة ولا بد من الاهتمام بإصلاح هذه الشباك دائما كي يتسنى لنا النهوض من كبوتنا التي سببها حظنا العاثر فليس ثمة شخص يمكنه بمفرده الاستجابة لكل حاجات شخص آخر ونحن في حاجة كذلك إلى مغامرات تشد أزرنا في الليالي المظلمة أو الأيام الكئيبة التي نضطر إلى قضائها منفردين ولكم يعوزنا الانصراف إلى اهتمامات متعددة من رياضة وهوايات أخرى علنا نضمن لأنفسنا شبكة تتلقفنا عندما تخذلنا شبكة أخرى .

إن المعرفة الجزئية تثير فينا الرغبة في معرفة المزيد هذا ما قاله الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس الذي أطلق على هذه الصفة اسم الإدراك بالترابط ومؤدى ذلك أن هناك أفكارا كثيرة موجودة فعلا في العقل ويتم من خلالها استيعاب الخبرة الجديدة وتنظيمها والأمر هنا يشبه الذهاب إلى بئر لاستخراج الماء منها بدلاء مختلفة الأحجام فبعض الناس لا يملكون من الإدراك بالترابط سوى ملء كوب صغير ذلك لأن افتقارهم إلى الفضول وحب الاستطلاع حال دون توسيع آفاق إدراكهم فأصبحوا قاصرين عن استيعاب الجزء الأعظم من ثمار خبراتهم أما الذين يتمتعون بمقدار وافر من الإدراك بالترابط فان حب الاستطلاع وميزة التعجب والتساؤل يستحثانهم على الدوام فلا يتوقفون عن اكتشاف القرائن والعلاقات السببية بين الأفكار والخبرات .

وأحيانا عندما نعجز عن مواجهة المصاعب وقهرها ينتابنا شعور بالوقوع في شرك يتراءى لنا فجأة بصيص السرنديبية ليهدينا إلى باب النجاة وهو باب لم نكن نبحث عنه ذلك لأننا لم نكن ندري عما نبحث وإنما كنا في طريق البحث فالسرنديبية لا تقبل على الشخص المغرور الذي ينقصه حب الاستطلاع بل تستهدف من تستهويه المجازفة والتجربة وقد يغامر الشخص مئة مرة دون أن تتضح غاية أي منها أو تؤدي إلى هدف وربما تملكه مئة اهتمام لا تبرز لها أي قيمة محددة تلك هي قناطير الإدراك بالترابط حيث تزدهر السرنديبية

يقول شكسبير هناك تيار يتجاذب شؤون الناس ويحمل الذين يمتطون المد إلى التوفيق.وتتميز السرنديبية بأنها تنطوي على عنصر تفاؤل إذ يميل صاحبها إلى ائتمان قوى الحياة والظروف الاجتماعية التي تتجاوز حدود كل منا

النقطة الحاسمة أن السرنديبية لا تغادر قلوب هؤلاء المؤمنين بالله لأنهم دائما يعثرون على الاشياء القيمة في الذات الإلهية والتي ترشدهم الى تطبيق صفاتها وتعاليمها على الأرض لذلك ترى الاطمئنان قابعا في نفوسهم لا يغادرها يقدمون كل مالديهم من جميل الصفات وأنبلها وبصيص الأمل في أحلك الأوقات ينير دربهم باستمرار