منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الملاحم والأساطير ومعتقدات الشعوب (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=66)
-   -   الثقافة التقليدية الصينية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1524)

أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:19 PM

الثقافة التقليدية الصينية
 

الثقافة التقليدية الصينية



الخطط الحربية: توجّه أصابع الإتهام الى شجرة التوت بينما تعاقب شجرة الخروب


خطة " توجّه أصابع الإتهام الى شجرة التوت بينما تعاقب شجرة الخروب " تعني على حد تعبير كلمتها أن الشخص يلوم شخصا لخطأ إرتكبه شخص آخر بهدف تحذيره من تكرار هذا الخطأ. وفي الأعمال العسكرية يستخدم القائد هذه الخطة لغرض تشديد الانضباط العسكري، ويحذر جنوده من تكرار الأخطاء التي ارتكبها غيرهم. لأن القائد إذا استخدم فقط أسلوب الإقناع أو بالتعهد بمنح المنافع حتى الأموال لجنوده في سبيل تعزيز وحدتهم، فقد يثير ذلك شكوكا وسوء فهم بينهم، والأسلوب الصحيح هو أنه يعاقب مخالفي الانضباط تحذيرا للآخرين من تكرار أخطائهم من أجل ضبط سلوكيات الجميع وتعزيز هيبته وتشديد الانضباط العسكري. وفيما يلي نقدم لكم قصة حقيقية شهدت تطبيق هذه الخطة في الصين القديمة.
شهدت الصين في عهد الممالك المتحاربة والموافق القرن السادس قبل الميلاد شهدت حروبا مستمرة بين مختلف الممالك الصغيرة والكبيرة. وفي الوقت نفسه كان ملوك تلك الممالك يعملون أيضا على جذب النوابغ والأكفاء ليساعدوهم بذكائهم وحكمتهم على تدريب جنودهم وتعزيز قواتهم العسكرية في سبيل محاربة الممالك الأخرى وتوسيع نفوذهم وأراضيهم. وكان ملك مملكة وو قد قرأ كتابا عسكريا من تأليف الشخصية المشهورة سون وو، فرأى أنه شخصية بارزة نادرة. لذلك استدعاه الى جانبه ومنحه منصبا عاليا. وذات يوم طلب الملك من سون وو أن يقوم بتدريب الحسناوات اللواتي كن يعشن في قصره بهدف اختبار سون وو لمعرفة ما إذا كان لديه قدرة حقيقية أم لا.
كانت حياة الحسناوات داخل القصر الملكي في غاية الراحة والسعادة في ظل الحب والتدليل المفرط من قبل الملك، ولم يشهدن أي تدريب عسكري. وبعد أن جمعهن سون وو في ميدان التدريب، واصلن مداعبة بعضهن البعض بدون اهتمام لما يتحدّث عنه سون وو أمامهن.
طلب سون وو من الحسناوات أن يقفن في صفّين، ثم شرح لهن النقاط التي يجب الاهتمام بها والحركات التي سيُلتزم بها أثناء التدريب حيث قال لهن:" إن التدريب مهمة يجب إنجازها بكل جدية، وإذا خالفت أي منكن أمري فسأعاقبها بشكل شديد." إلا أن الحسناوات واصلن بعد الاستماع الى كلامه لهوهن ومداعبتهن، وكانت علائم الاستخفاف والإهمال والسخرية بادية على وجوههن.
قرع سون وو الطبل مفتتحا التدريب، وأصدر أمره للحسناوات بصوت عال:" الى اليمين دُر!" إلا أن الحسناوات لم يتحركن بل ضحكن جميعا. لم يعبر سون وو عن استياءه أمام هذا الوضع بل وضّح لهن مرة أخرى تلك النقاط والحركات التي يجب أن يلتزمن بها. ثم سألهن:" هل فهمتن؟" فقلن جميعا:" فهمنا تماما!"
قرع سون وو الطبل مرة أخرى وأصدر أمره:" الى اليمين در!" وكما في المرة السابقة لم يتحركن، بل واصلن ضحكهن لمدة أطول، الأمر الذي أغضب سون وو جدا، وقال لهن:" إذا لم أوضّح أمري هذا فإنه ذنبي، وإذا كان كلامي واضحا ولم تلتزمن به فإنه خطأكن. ووفقا للانضباط العسكري يجب إعدام من يخالف الأمر العسكري في الحرب وفي ميدان التدريب. لذلك آمر الآن إعدام زعيمتين منكن." ثم طالب مرافقيه باخراج إثنتين من الحسناوات من بين صفوفهن، ودفعهما الى ميدان الإعدام وأعدمتا فعلا.
بعد أن عرف الملك الخبر هرع فورا الى ميدان التدريب في محاولة لمنع الاعدام، لكن الوقت سبقه. فاستفسر الأمر، فأوضح له سون وو تفاصيل القضية من البداية حتى النهاية. بينما قال له:" يا مولاى! إنني أدرب الحسناوات بتفويض منك ووفقا للانضباط العسكري، لدىّ سلطة لمعاقبة من يخالف هذا الانضباط." ورغم ظهور الاستياء من أعماق الملك إلا أنه لم يعبر عنه أمام الجميع بل انصرف.
واصل سون وو على تدريب الحسناوات باستمرار، وقرع الطبل مرة جديدة. فأصبحن جميعا حينئذ في غاية الجدية والدقة، وأثناء الممارسة لم تخالف أي منهن أمره. وعلى هذا النحو استمر في التدريب حتى إنتهى في وقت متأخر.
رغم أن الملك استاء من سون وو بعد الحادث، إلا أنه أعجب به وبقدرته البارزة في الادارة. لذلك عيّنه بعد ذلك قائدا كبيرا ليقود جيشه لمحاربة الممالك الأخرى. أظهر سون وو اثناء القتال شجاعته وحكمته البارعة. ولم يمض وقت طويل حتى حوّل مملكة وو الى مملكة قوية.
من هذه القصة ندرك أن الادارة سواء في العمليات العسكرية أو الأعمال الأخرى لا تحتاج الى الانضباط الصارم فحسب بل يجب أن يُطبق الانضباط بطريق يلزم الجنود على الالتزام به بكل الدقة. أما " توجه أصابع الاتهام الى شجرة التوت بينما تعاقب شجرة الخروب " فهو طريق فعال لتحقيق هذه الغاية.


الخطط الحربية: تبديل العوارض والأعمدة بالأخشاب البالية


العوارض والأعمدة تلعب دور إسناد هاما بالنسبة للمبنى. أما في العمليات العسكرية فتستخدم هذه الكلمات بصفتها قواما أو قوة رئيسية أو قائدا عاما للجيش أثناء الحرب. أما خطة " تبديل العوارض والأعمدة بالأخشاب البالية " فتعني استخدام الخداع لتغيير الأوضاع والظروف من أجل تحقيق الأهداف المخططة.
كان الجيش بالصين القديمة يشكّل قبل بدء القتال تشكيلة مشاة معينة في ميدان الحرب. وأما القوام العسكري ضمن هذه التشكيلة فيمثل " العارضة " أو " العمود " للجيش، وغالبا ما يقوم الطرف المهاجم أولا بشن هجمات خادعة على العدو لكشف نقطة ضعفه. وليجبر العدو على تغيير تشكيلة مشاته في ميدان الحرب أو خطته العسكرية لمواجهة الهجوم. ومن خلال هذه التغيرات قد تُكتشف أماكن تواجد قوام الجيش أو تتغير مواقعه حتى يعرفها الطرف المهاجم الذي يحاول تبديل " العارضة المساندة لجانب العدو بأخشاب بالية. وبعد تشويش تشكيلة مشاة العدو يشنّ الطرف المهاجم هجوما مباغتا عليه وينتصر عليه في النهاية. وفيما يلي قصة حقيقية شهدت تطبيق هذه الخطة في احدى المعارك في الصين القديمة.
في عهد أسرة تشن الملكية الصينية الموافق القرن الثالث قبل الميلاد. حقق الامبراطور تشن شي هوانغ توحيد البلاد، وأسس مملكة تشن الكبرى. ورغم كبر سنه حينذاك إلا أنه كان على ثقة تامة بصحته معتقدا بأن حكمه سيستمر سنوات طويلة. لذلك لم يفكر في مسألة خليفته. إلا أن إبنيه فو سو وهو هاي وضعا منذ زمن خططا تستهدف انتزاع سلطة الدولة بعد وفاة أبيهما بحيث سعى كل منهما بكل جهوده لتوسيع نفاذه بين الوزراء وفي بلاط العائلة. الأمر الذي جعل أفراد العائلة الملكية والوزراء وكبار مسؤولي الدولة ينقسمان الى مجموعتين مواليتين لكل منهما يهاجم بعضهما البعض بشكل خفي دون أن يعرف ذلك الامبراطور تشن.
كان الإبن الأكبر فو سو لطيفا ومتواضعا لدى تعامله مع الناس، فحظى بحب وتأييد من المواطنين. أما أخاه الصغير هو هاي فعاش في اسراف وتبذير فضلا عن أنه قاس وظالم في معاملة الآخرين. فأراد الامبراطور أن يعيّن إبنه الأكبر فو سو خليفة له. وطبّق فكرته هذه بحيث أرسل فو سو الى الجيش متتلمذا على يد ضابط كبير إسمه مون كو ليتعلم منه المزيد من المعلومات العسكرية وكيفية قيادة الجيش وممارسة الأعمال الادارية الأخرى.
ذات يوم أصيب الامبراطور بمرض شديد أثناء زيارته التفقدية خارج العاصمة، فطلب من وزيره الكبير لي سي أن يعود الى قصره بمرسومه الملكي بتعيين إبنه الأكبر فو سو وليا للعهد وخليفة له بعد وفاته. إلا أن لي سو بعد عودته الى القصر الملكي اعتقله الوزير الكبير الآخر تشاو قاو لمنع نشر المرسوم الملكي المذكور. ولم تمض أيام حتى توفى الامبراطور، إلا أن المرسوم الملكي لم يُعلن.
كان الوزير تشاو قاو طماحا كبيرا. وبعد أن عرف مضامين المرسوم الملكي ذهب الى لي سي وقال له:" إن الإبن الأكبر فو سو إذا اعتلى العرش فسيمنح منصبا هاما لمعلمه مون كو الذي لا تربطك به علاقات جيدة، وإذا أصبح مون كو وزيرا أو مسئولا أعلى منك سيعزلك من منصبك الحالي وحتى قد يقتلك. لذلك يجب أن نفكر في منع الإبن الأكبر من اعتلاء العرش للحفاظ على مصالحنا.
فكّر لي سي في كلام تشاو قاو تفكيرا عميقا، ووافق عليه أخيرا انطلاقا من مصلحته الشخصية. فقررا الإثنان مخالفة المرسوم الملكي المذكور بنقل سلطة الدولة الى الإبن الأكبر فو سو. بل صنعا مرسوما ملكيا مزوّرا يأمر الإبن الأكبر بالانتحار مع قتل معلمه مون كوه، بينما يُعيّن الإبن الثاني هو هاي امبراطورا جديدا للمملكة. باستخدام خطة " تبديل العارضة والعمود " قام تشاو قاو ولي سي بانقلاب ناجح في العائلة الملكية، واعتلى الإبن الثاني هو هاي أخيرا العرش. إلا أنه أساء الأعمال الادارية وشؤون الدولة مما جعل الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد تتراجع وتتدهور يوما بعد يوم، ولم يمض إلا ثلاثة أعوام حتى انهارت أسرة تشين وحلت محلها أسرة ملكية جديدة تُعرف باسم أسرة هان الملكية الموافقة القرن الثاني قبل المبلاد وعاشت زمنا طويلا.



الخطط الحربية: الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه



جاءت خطة " الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه " أصلا من قصة حقيقية حدثت في عهد الممالك المتحاربة بالصين القديمة والموافق القرن السابع قبل الميلاد، حيث كان في خارطة الصين حينذاك عدة ممالك يحارب بعضها البعض خلال سنوات طويلة. ومن بين هذه الممالك مملكة جين القوية اقتصاديا وعسكريا. وكان ملك جين يفكر دائما في ضم مملكتي يوي وقوه الصغيرتين المجاورتين لها. ولكنه قلق من مواجهة دفاعهما المشترك إذا شن هجوما على أي منهما. وإذا هاجم مملكة قوه فلا بد أن يعبر جيشه أرض مملكة يوي التي سوف ترفض طلبه هذا بلا شك. فسأل الملك وزراءه ومستشاريه لبحث حل لهذه القضية.
قدم شون شي/أحد وزرائه الى الملك واقترح عليه تقديم رشوة الى ملك يوي، وهى عبارة عن الحسناء والجياد، ويطلب منه مرور جيش مملكة جين من على أرض مملكته للتوجه الى مملكة قوه. إلا أن ملك جين قال بعد أن سمع اقتراحه هذا: إن الحسناء والجياد من أفضل الأشياء المحبوبة لدىّ، ولا أريد إهداءها لغيري، فقال شون شي له: يا مولاى إن هذه الأشياء نادرة ومحبوبة لديك فعلا، ولكن إذا قدمتها لملك يوي فكأنما وضعتها محفوظة داخل بيتك أنت شخصيا. ذلك لأننا بعد أن ننتصر على مملكة قوه، سنعود الي مملكة يوي لمحاربتها واحتلالها. وبعد الانتصار عليها ستعود هذه الأشياء اليك مع الحصول على المزيد من الأشياء والكنوز النادرة الجديدة من هذه المملكة. وما رأيك بهذه الحيلة يا مولاى! " فهم الملك خطته هذه من خلال شرحه كل الفهم، ووافق على تطبيقها، فأرسل مبعوثه لزيارة الملك يوي.
بعد أن أوضح المبعوث أمام الملك يوي طلب ملكه تلقى معارضة شديدة من جميع وزراء مملكة يوي حيث قالوا للملك يوي إن هذه هى خدعة تستهدف انتهاز أرض مملكة يوي لمهاجمة مملكة قوه، وسيتبع ذلك شن الجهوم على مملكة يوي والاستيلاء عليها في النهاية. إلا أن الملك يوي لم يستمع الى آرائهم هذه بل سال لعابُه للحسناء والجياد والرشوة الأخرى التي سيقدمها الملك جين له، فوافق على طلب الملك جين وسمح بعبور جيشه من أرض مملكته لمهاجمة مملكة قوه. إلا أنه لم يخطر باله إن جيش مملكة جين بعد الاستيلاء على مملكة قوه سيعود الي مملكته فعلا ويشن الحرب عليها ويحتل كل آراضيها. ويسقط حكمه في النهاية.
خطة " الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه " تستهدف الانتصار على العدو أو المنافس الضعيف نسبيا بواسطة تشويش فكرته أولا وإغرائه بجميل بسيط أو نعمة صغيرة حتى تنطلي عليه الحيلة، ثم القيام بالهجوم الخفي والسريع عليه والانتصار عليه. هناك قصة أخرى تم فيها تطبيق هذه الحيلة.
شهدت الصين في القرن الثاني الميلادي حروبا مستمرة بين مختلف أمراء الحرب. ومن بينهم ليو تشانغ/ حاكم مدينة جين تشو – احدى مدن منطقة سيتشوآن الحالية، وتشانغ لو وليو بي اللذين ذكرناهما في الحلقات السابقة. ومن أجل ضم المزيد من الآراضي طلب ليو تشانغ من ليو بي أن يساعده على محاربة تشانغ لو بشرط منحه الكثير من محاصيل الحبوب والامدادات العسكرية. ولكن ليو بي بعد حصوله على هذه الامدادات لم يرسل جيشه لمساعدة ليو تشانغ بينما أبلغه بأنه تعرض لهجوم من مملكة أخرى مع طلب المزيد من الامدادات والتعزيزات العسكرية منه. بعد أن عرف ليو تشانغ هذا الأمر لم يرسل سوى أربعة آلاف جندي لمساعدة ليو بي لصد الهجوم المعادي المزعوم. فاستاء ليو بي ونشر هذا الخبر بين ضباطه وجنوده مما أثار استياءا شاملا بينهم. وقتلوا أخيرا القائد الوافد اليهم من ليو تشانغ وأسروا جنوده المتبقين وضموهم الى جيشهم. وبعد أن عرف ليو تشانغ هذا الخبر غضب غاية الغضب لتصرفات ليو بي الغادرة، فشن في اليوم الثاني هجوما عليه إلا أنه لم يدبر خطة تكتيكية جيدة، وفشل أخيرا في المعارك التي دارت بينه وبين ليو بي. وبعد فترة غير طويلة تراجع ليو تشانغ مع جيشه الى قاعدته بمدينة جين تشو/ مدينة تشنغدو حاليا فقام جيش ليو بي بمحاصرة المدينة ثم الهجوم والاستيلاء عليها أخيرا. أما ليو تشانغ فسلم نفسه لليو بي، وبعد ذلك أصبح ليو بي ملكا في مملكة شو/ احدى الممالك الثلاث الكبرى في الصين القديمة حينذاك.
في هذه الحرب كان الملك ليو تشانغ قويا في البداية حيث امتلك الظروف المتفوقة، إلا أنه أخطأ في التحليل وفي وضع خطة عسكرية خاطئة أيضا بحيث استدعى ليو بي الذي أصبح أخيرا عدوا له لمساعدته على محاربة عدوه. أما ليو بي فقد استخدم خطة " الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه " وانتصر على خصمه ليو تشانغ، وحقق هدفه الاستراتيجي بحيلته في النهاية.


يتبع




أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:20 PM

الخطط الحربية: محالفة البعيد لمهاجمة القريب


قبل شرح هذه الخطة نقدم لكم قصة حقيقية حدثت في الصين القديمة باعتبارها المصدر الاصلي لهذه الخطة الحربية المشهورة.
في عهد الممالك المتحاربة الموافق القرن الثالث قبل الميلاد شهدت الصين القديمة حروبا مستمرة بين مختلف الممالك حيث كانت تحارب بعضها ضد البعض حينا وتحالف بعضها الآخر حينا آخر، كانت الأوضاع متقلبة ومعقدة جدا. ومن بين هذه الممالك مملكة تشين التي كانت أقوى من سائر الممالك في ذلك الوقت. وكان الامبراطور تشين يفكر دائما في ضم الممالك الأخرى بقوة لتوحيد البلاد كلها. إلا أن مملكة تشي الواقعة بشرقي البلاد كانت قوية أيضا وشكّلت أكبر عقبة وأقوى منافس لأمبراطور تشين، فاعتزم ارسال جيشه لمحاربة هذه المملكة. إلا أن مستشاره فان وي لم يكن موافقا على فكرة الامبراطور معتقدا بأن مملكة تشي بعيدة عن مملكة تشينغ، وإذا نفذت فكرة الامبراطور المذكورة فسيقطع جيشه مسافة بعيدة عبر أرض مملكتي هان ووي المتاخمتين لمملكة تشين، الأمر الذي سيكلف الجيش جهودا كبيرة ووقتا طويلا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا لم يكن الجيش الذي تم ارساله لمحاربة مملكة تشي قويا وكبير العدد، فمن الصعب أن يحقق النصر، وإذا أرسل الإمبراطور معظم جنوده الى ميدان القتال فسيكون الدفاع في مملكته ضعيفا غير قادر على مواجهة أي هجوم من مملكة أخرى. لذلك اقترح المستشار فان وي اجراء المفاوضات مع مملكة تشي للتوصل الى اتفاق سلام معها، وشن الهجوم في نفس الوقت على مملكتي هان ووي الصغيرتين والمجاورتين لمملكة تشينغ للاستيلاء عليهما أولا.
تبنى أمبراطور تشينغ اقتراح فان وي، وتوصل مع امبراطور تشي الى اتفاق التعايش السلمي. ثم أرسل جيشه لمحاربة مملكتي هان ووي وغيرهما من الممالك الصغيرة الأخرى المجاورة، واحتلها جميعا فعلا، واستولى بذلك على مناطق شمالي غربي البلاد. وبعد ذلك أعلن الحرب ضد مملكة تشي في الشرق ومملكة تشو – مملكة قوية أخرى في الجنوب – واحتلهما في النهاية. وأسس بعد ذلك اسرة تشين التي تعتبر أول دولة اقطاعية موحدة في تاريخ الصين القديم.
الهدف الرئيسي لخطة "محالفة البعيد لمهاجمة القريب" هو تنظيم عملية عسكرية لمهاجمة العدو القريب أولا في حالة أن العدو الرئيسي المطلوب كان بعيدا نسبيا وصعب الانتصار عليه للسبب الجغرافي. لأن محالفة البعيد تمكّننا من عدم مواجهة خصوم مفترضين، وتساعدنا علي الانتصار على العدو القريب، ومن ثم تركيز القوات لتوجيه الضربات على الأعداء بالمكان البعيد، والانتصار عليهم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن محالفة الخصوم بالأماكن القريبة في ظل الحرب غير صالح ضمان السلامة، لأنهم قد يصبحون أعداءا يهددون سلامتنا في أي وقت من الأوقات. لذلك يجب إزالتهم من حولنا.
تستخدم خطة " محالفة البعيد لمهاجمة القريب " أيضا في السياسة. مثلا كانت الصين في القرن الرابع العشر الميلادي والموافق عهد أسرة يوان الملكية قد شهدت العديد من الانتفاضات ضد الحكم الملكي. ومن أبرزها انتفاضة الفلاحين المتمردين بزعاية تشو يوان تشانغ. وفي الحروب والمعارك على امتداد سنوات عديدة تعززت قوات المتمردين وتضخمت، وأسقطت أخيرا أسرة يوان الملكية، وأسست مملكة جديدة تعرف باسم مملكة مينغ يحكمها تشو يوان تشانغ باعتباره امبراطورا لها. ومنح المناصب والمكاسب لكبار أنصاره وضباطه الذين كانوا يساعدونه ويرافقونه في الحروب. وبعد سنوات ساورته المخاوف من أن هؤلاء الضباط الذين قد أصبحوا حينذاك وزراءه، قد يدبّرون تمردا ضده ويسقطون حكمه. فاستخدم خطة " محالفة البعيد لمهاجمة القريب " لإضعاف قواهم بواسطة زرع بذور الشقاق وبث الفتنة والتفريق فيما بينهم حتى قام باعتقال وقتل بعضهم بعد كشف مؤامراتهم ومحاولاتهم الخفية ضده. وفي الوقت نفسه استدعى الأكفاء والموهوبين بواسطة الاختبارات والامتحانات ليكونوا وزراء جددا له نظرا لعدم وجود خلفية سياسية لديهم، ولا يشكلون تهديدا لحكمه وسلامته وبالأحرى يشكرونه على ما منحهم من المناصب والنعم والمنافع.
تكتسي خطة " محالفة البعيد لمهاجمة القريب " بلون الخداع، إلا أنها فعالة إذا لم يكن بامكاننا تحقيق خطتنا الاستراتيجية في الانتصار على المنافس الرئيسي، ويمكننا في هذه الحالة أن نتفق معه على التعايش السلمي بشكل مؤقت من أجل الحفاظ على مصالحنا المستقبلية.


أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:21 PM

الخطط الحربية: القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة




" القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " كان أصلا من الأقوال الشعبية، ومشابها لقول شعبي آخر يقول: القبض على الكلب بعد اخلاق الباب وراءه.
تهدف هذه الخطة الى جذب العدو الى مكان محكم تحت سيطرتنا الفعالة للقبض أو القضاء عليه. وتستخدم هذه الخطة في الأعمال العسكرية بهدف مطاردة العدو مع اجباره على الدخول الى كمين محكم دون وجود مفر له من أجل القضاء عليه بشكل كامل، ذلك لأنه إذا هرب من الكمين وتخلص من موقفه الحرج، فسيشفى من إصابته، وستعود اليه الحيوية والقوة وامكانية شن هجوم جديد علينا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا هرب العدو من الكمين فمن الصعب مطاردته نظرا الى احتمال تدبيره حيلة أخرى قد تنطلي علينا. وفيما يلي قصة حدثت في الصين القديمة وشهدت تنفيذ خطة " القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة "
شهدت الصين في عام 880 الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية القديمة انتفاضة بزعامة هوانغ تشاو – قائد جيش الفلاحين المتمردين – حيث قاد جيشه لمهاجمة مدينة تشانغ آن – مدينة شيآن حاليا – التي كانت عاصمة لأسرة تانغ الملكية، واستولى عليها في النهاية. فهرب الامبراطور من المدينة بينما أمر الجيش الملكي بصد هجوم المتمردين ومنع مطاردتهم له. واستمرت الحرب بالقرب من مدينة تشانغ آن نحو سنة واحدة، شهد الجيش الملكي من خلالها تعزيزا حيث ازدادت قوته بالتدريج حتى أصبح أقوى من جيش المتمردين.
عندما رأى هوانغ تشاو أن الوضع قد أصبح في غير صالحه بحيث أن الجيش الملكي سيهاجم مدينة تشانغ آن ويستولي عليها عاجلا أو آجلا، أمر جيشه بالانسحاب من المدينة عائدا الى قاعدته القديمة استعدادا لتدبير خطة حرب جديدة ضد الجيش الملكي.
إستولى الجيش الملكي على مدينة تشانغ آن فعلا، وبعد دخوله المدينة أصبح الضباط والجنود في غاية الفرح والمرح حيث يأكلون ويشربون ويلعبون وقد ارتخت معنويتهم ويقظتهم. وفي الوقت نفسه كان هوانغ تشاو يتجسس أخبار المدينة، وبعد أن عرف أحوال الجيش الملكي هذه، رأى أن الفرصة قد جاءت اليه حيث قال لضباطه إن العدو قد دخل الغرفة، وعلينا أن نغلق أبوابها وراءه لتكون محكمة دون ترك أي مفر ليهرب منه. وبعد أيام أمر جنوده بمحاصرة المدينة ثم أحكموا محاصرتها في ليلة مظلمة وبشكل خفي، وفي اليوم التالي شنوا هجوما مباغتا عليها دون أية معرفة واستعداد لدى جنود الجيش الملكي داخل المدينة لمواجهة القتال. وبسرعة فائقة اقتحم الجنود المتمردون المدينة وقتلوا عددا كبيرا من جنود الجيش الملكي، وأسروا البعض الآخر الذي لم يجد أثناء القتال أي مهرب له. وبذلك استولى هوانغ تشاو على هذه العاصمة الكبيرة من جديد باستخدام خطة " القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة "
تهدف هذه الخطة الى محاصرة العدو الذي يبدو ضعيفا من حيث الطاقة والعدد داخل مكان محكم نسيطر عليه بشكل فعال بدون وجود أي مفر له. ثم القيام بالهجوم عليه مع القضاء عليه بشكل كامل. لأن العدو إذا هرب فقد يصبح الوضع معقدا نسبيا في المستقبل. أما مبدأ تنفيذ هذه الخطة فهو نصب كمين كغرفة محكمة أولا، ثم تدبير حيلة تجذب العدو الى الدخول في الكمين مع تشديد الحصار عليه وقطع كل اتصالاته مع الخارج. وإذا كشف العدو معلومات عن الكمين فستفشل الخطة بكاملها. لذلك يجب أن تجري كل الأعمال التحضيرية بحذر بالغ وسرية تامة مع تدبير خدعة فعالة تجعل العدو يدخل الى موقع الكمين للقضاء عليه. تستخدم هذه الخطة أيضا في التنافس التجاري والقطاع المالي أيضا. مثلا أثناء التعامل في بورصة الأوراق المالية يبحث بعض المتعاملين بنظرتهم الثاقبة وحكمتهم يبحثون عن فرصة لجني المنافع الأكبر حيث يتركون أحيانا بعض الفرص التي لا تأتي إلا بأرباح صغيرة، منتظرين فرصة كبيرة توفّر لهم نفعا كبيرا بعد تصاعد الأسهم. والى جانب ذلك يستخدم بعض التجار والمستثمرين هذه الخطة لإجبار منافسيهم على التراجع وحتى الانسحاب من حلبة التنافس. ثم يقومون بضم أعمالهم ومؤسساتهم أو شركاتهم بشكل كامل. لذلك نقول إن التجارة تشهد حاليا استخدام هذه الخطة أكثر فأكثر.


أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:22 PM

الخطط الحربية: تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته





من المعروف أن حشرة الزيز بعد انسلاخها تترك قشرتها معلقة على غصون الشجرة، وكأنها زيزة حية أخرى. أما تطبيق هذه الخطة في الأعمال العسكرية والتجارية فيعني تدبير خطة تنكرية لخداع العدو أو المنافس مع الانسحاب الخفي من أجل التخلص من خطر أو ضيق. وتستخدم هذه الحيلة دائما في حالة أن القوة الذاتية أصبحت ضعيفة بالمقارنة مع العدو أو المنافس.
من بين العمليات العسكرية التي استخدمت فيها هذه الخطة حرب حدثت في القرن الثالث الميلادي الموافق عهد الممالك الثلاث المتحاربة بالصين القديمة. وكان كل من أباطرة ممالك وي وشو ووو يطمح في الانتصار على الآخرَينِ وتوحيد البلاد والاستيلاء على سلطة الدولة. لذلك كانوا يحاربون بعضهم ضد البعض بين حين وآخر. وجدير بالذكر أن في مملكة شو وزير بارز إسمه تشو قه ليانغ، وهو قائد عسكري حكيم ومشهور ليس في عهده فحسب بل ظلت شهرته قائمة حتى يومنا هذا. وبذكائه وحكمته كان دائما ما يحقق الانتصارات في المعارك مع مملكتي وي ووو. لذلك كلما قابله خصومُه في ميدان القتال تسمكوا بالحذر الشديد من انطلاء حيلته عليهم.
ذات مرة قاد تشو قه ليانغ جيش مملكة شو متوجها نحو الشمال لمحاربة جيش مملكة وي. فأرسل امبراطور وي جيشه فورا لمواجهة الأعداء. وعندما تقابل الجيشان استعدادا لبدء القتال أصيب تشو قه ليانغ بمرض شديد شعر بأنه لا يشفى منه، كما عرف أيضا أن جيش مملكة وي إذا أطلع على خبر مرضه أو حتى وفاته فسيشن هجوما قويا على جيشه الذي لن يحقق انتصارا على الخصوم بدونه. وإذا إنسحب جيشه فورا أو بعد وفاته من المنطقة فسيطارده جيش مملكة وي. لذلك استدعى قائد الجيش جيانغ وي وعلّمه بتوجيهات كيفية سحب الجيش من المنطقة بعد وفاته.
بعد أيام توفى تشو قه ليانغ متأثرا بمرضه فعلا، ووفقا لخطته لم يعلن جيانغ وي خبر وفاته، بل كتم السر بشكل محكم، وفي الوقت نفسه استدعى نجارا ليصنع تمثالا خشبيا مشابها جدا لتشو قه ليانغ قامة وشكلا، وألبسه ملابسه ثم وضعه في عربته القديمة. وبعد إكمال هذه الأعمال أمر جيانغ وي بانسحاب معظم أفراد الجيش الى المملكة مع نقل تابوت تشو قه ليانغ معهم أيضا.
بعد أن عرف قائد جيش وي خبر انسحاب جيش شو، قاد جنوده لمطاردته. وعندما إقتربوا منه شاهدوا مجموعة من الجنود بزعامة جيانغ وي قد إعترضت طريقهم، وفي مقدمتهم عربة جلس فيها تشو قه ليانغ. كما شاهدوا أن تشكيلة هؤلاء الجنود منتظمة وكل واحد منهم يبدو في حماسة عالية ومعنوية مرتفعة، فشعروا بحيرة ومخاوف معتقدين أن تشو قه ليانغ قد دبُّر حيلة لجذبهم الى كمين. فأمر القائد بانسحاب جيشه فورا لكي لا تنطلي الحيلة عليهم. وبعد أن شاهد جيانغ وي انسحاب جيش مملكة وي سحب قواته أيضا وبشكل سري. وعندما أطّلع قائد جيش وي على خبر وفاة تشو قه ليانغ مع التأكد من انسحاب جيش مملكة شو أصبح في غاية الندم، لأن الوقت قد سبقه كما فاتته الفرصة السانحة لمحاربة الخصوم والانتصار عليهم.
هناك قصة أخرى استخدمت فيها خطة" تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته " حدثت في عهد أسرة سون الملكية الصينية الموافق القرن الثالث عشر الميلادي، حيث نشبت الحرب بين جيش سون وجيش قومية جين - احدى الاقليات القومية الصينية بشمالي البلاد. وكان الوضع في صالح جيش جين لأن جيش سون أقل منه عددا وقوة. وأمام هذه الوضع أمر قائد جيش سون بانسحاب الجيش من ميدان الحرب من أجل الحفاظ على القوات العسكرية.
بدأ الانسحاب في ليلة مظلمة. وكان جنود جيش جين يستريحون داخل مخيمات معسكرهم. وفجأة تعالت أصوات الطبول المزعجة من معسكر جيش سون القريب من معسكر جيش جين، فنهض قائد جيش جين وظن أن الأعداء شنوا هجوما مباغتا على معسكره، وأمر جنوده بمواجهة المهاجمين. إلا أنهم لم يجدوا أي مهاجم. فعادوا الى معسكرهم بعد هدوء أصوات الطبول. ولكن لم يمض وقت طويل حتى عادت الأصوات مرة أخرى فنهضوا ثانية. وتكرر الأمر مرارا وتكرارا حتى أوقع الجنود في فزع وذهول شديدين. وظن القائد أن الخصوم استخدموا هذه الحيلة لازعاج جنوده لإضعافهم وتقويض معنويتهم. فطلب من جنوده ألا ينهضوا مهما كانت الأصوات.
وفي اليوم التالي انخفضت أصوات الطبول، واعتقد قائد جيش جين أن الأعداء ربما شعروا بتعب وملل، فأمر جنوده بالهجوم علي معسكرهم، وبعد دخولهم اليه لم يجدوا أي شخص بل شاهدوا فقط عشرات الخراف المربوطة والمعلقة على الأشجار، وتحت أقدامها طبول كثيرة، بحيث كانت تضرب الطبول بأقدامها وتحدث أصواتا. وفي ذلك الحين عرف القائد أنها خدعة قد إنطلت عليه. وهذا هو مثال آخر لتطبيق" تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته ".


أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:23 PM

الخطط الحربية: الصيد في الماء العكر



جاءت هذه الخطة أصلا من عمل صيد السمك. إذ ان الصياد دائما ما يحاول خلال سعيه لصيد الأسماك من النهر الى تعكير المياه لارباك واخافة الأسماك، مما يوفّر الفرصة له لاصطيادها باليد أو الشبكة. وتستخدم هذه الخطة دائما في الأعمال العسكرية حيث يتم تدبير الفوضى والاضطرابات بين الأعداء ليصبحوا بعد ذلك في حيرة أو ذهول. ومن ثم مهاجمتهم في الوقت الملائم. وفيما يلي قصة قديمة استخدمت فيها هذه الخطة.
شهدت الصين في القرن الثامن الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية القديمة شهدت تطورا جياشا وازدهارا شاملا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وكانت مدينة تشانغ آن، أي مدينة شيآن الحالية عاصمة لهذه الأسرة الملكية، وكانت تعتبر من أكثر مدن العالم ازدهارا وفخرا حينذاك. إلا أن قومية تشي دان - إحدى الأقليات القومية بشمال شرقي الصين – كانت دائما ما تتمرد وتغزو المناطق الداخلية. فأرسل الامبراطور ضابطا إسمه تشانغ شو قوي ليقود الجيش الملكي الى مدينة يو تشو أي مدينة بكين حاليا ليرابط فيها لتعزيز الحراسة في منطقة الحدود الشمالية ولصد غزو قوات تشي دان. وجدير بالذكر أن مدينة يو تشو كانت تتمتع بأهمية استراتيجية حاسمة وظلت موقعا تتنازع الجيوش للاستيلاء والسيطرة عليه.
توجه جيش تشي دان فعلا الى مدينة يو تشو في محاولة للهجوم عليها واحتلالها. إلا أنه بعد تنظيم هجمات عديدة عليها لم يشهد أي تقدم. فدبر قائد الجيش حيلة ونفذها حيث أرسل مبعوثه الخاص لزيارة مدينة يو تشو لمقابلة الضابط تشانغ شو قوي تعبيرا عن الرغبة في اجراء مفاوضات السلام معه وتهدئة الاوضاع في المنطقة، ولكن نيته الحقيقية هى التجسس ومعرفة الاخبار وتقويض يقظة الخصوم. فاستقبل تشانغ شو قوي مبعوث تشي دان بمودة، وأجرى معه مباحثات لبحث القضية. وفي اليوم التالي عمل بالمثل، إذ أرسل أيضا مبعوثه لزيارة معسكرات تشي دان بهدف التجسس عليها.
لقى مبعوث تشانغ شوي قوي داخل معسكرات تشي دان استقبالا وديا أيضا. وفي مأدبة أقيمت ترحيبا به وجد المبعوث أن آراء ضباط تشي دان ومواقفهم من الحرب مع الجيش الامبراطوري متباينة بحيث تمسك بعضهم بموقف متصلب بينما يعارض البعض الآخر هذا الموقف، وعبّر بعض الضباط للمبعوث عن إن أبناء قومية تشي دان يفضلون التعايش السلمي مع أبناء قومية هان أكثر من محاربتهم والتمرد ضد الامبراطور. وبعد المأدبة قابل المبعوث هؤلاء الضباط سرّا لإقناعهم بالاستسلام، وتعهد لهم بمنحهم المناصب والمنافع إذا استسلموا. فاقتنع هؤلاء الضباط بنصيحته وقبلوها مع التعهد باغتيال قائد جيش تشي دان. وبعد اتمام المهمة عاد المبعوث الى مدينة يو تشو وأبلغ تشانغ شو قوي بما حدث بينه وبين هؤلاء الضباط في معسكراتهم.
حدث الأمر كما يُتوقع إذ تمرد الكثير من ضباط جيش تشي دان، وقتلوا قائدهم الاعلى. الأمر الذي اثار اضطرابات داخل معسكراتهم. فانتهز الضابط الملكي تشانغ شو قوي هذه الفرصة وخرج مع جنوده من المدينة واقتحموا معسكرات الأعداء، وقضوا اثناء الاضطرابات على عدد من ضباط تشي دان وأسرو عددا كبيرا من الجنود. وبذلك انتصروا في هذه المعركة التي تمت بعدها تهدئة الاوضاع في منطقة الحدود الشمالية للبلاد.
ورأينا من خلال هذه القصة أن اختلاف المواقف بين قادة وضباط جيش تشي دان ومعارضة الشعب للحرب كانت السبب الرئيسي لفشل جيش تشي دان في المعركة، كذلك وبفضل الخطة التي وضعها الضابط الحكيم تشانغ شو قوي لتخريب وحدة هؤلاء الضباط وزرع بذور الشقاق في صفوفهم. واستخدم هذه الخطة لتعكير المياه من أجل اصطياد الأسماك فيها.
خطة " الصيد في الماء العكر " مشابهة لخطة " ضرب الخصم وهو يعاني من مشكلة ". وفي المجتمع العصري تستخدم هذه الخطة أيضا ودائما في المنافسات التجارية، إذ يستخدم بعض التجار التقلبات وحتى الاضطرابات التي تحدث أحيانا في الاسواق لرفع أسعار البضائع أو الانتصار على منافسيهم. ومن أجل الحفاظ على صفاء المياه وتجنب توغل العدو أو المنافس فيها لكسب المنافع يجب علينا أن نحافظ دوما على يقظتنا، ونحافظ على حذرنا للحيلولة دون ترك أية فرصة للعدو أو المنافس لينتهزها لاصطياد أسماكنا.


أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:24 PM

الخطط الحربية: سحب الحطب من تحت المرجل





خطة" سحب الحطب من تحت المرجل" على حد تعبيرها تعني اخراج الحطب المشتعل من تحت المرجل أو الفرن لوقف تسخين المياه فيه وتبريدها. وبعبارة أخرى أي: تسوية القضية من أساسها. ويرى الناس أن غلي المرجل بما فيه من المياه يعتمد على تعزيز اشتعال الحطب تحته، وطبعا ان كلا من المرجل الساخن وما فيه من المياه الساخنة اضافة الى النيران تحت المرجل لا يمكن لمسها باليد للتجنب من الاحتراق بها، إلا أنه يمكن أن نسحب الحطب من تحت المرجل لإطفاء النار ووقف تسخين المياه وتبريدها. ويمكن تطبيق هذه الخطة في العمليات العسكرية، إذ أن القائد العسكري العاقل غالبا ما يتجنب المواجهة المباشرة مع العدو الأقوى نظرا لعدم امتلاك القدرة على تحقيق الانتصار عليه مهما بذل من جهود وحتى التضحية الهائلة أثناء القتال. لذلك يسعى دائما لاكتشاف نقطة ضعف العدو التي يمكن انتهازها مع ايجاد وقت وفرصة ملائمة يدبر فيها عملية مفاجئة خارج حسبان العدو للهجوم على العدو والقضاء عليه في النهاية، كتنظيم حملة دعائية وحرب نفسية لاضعاف معنوية العدو والهجوم على قاعدته أو مستودعات امداداته في مؤخرته، وقطع طريق نقل الامدادات والتعزيزات له، وما الى ذلك. وكل هذه العمليات تنتمي الى خطة: سحب الحطب من تحت المرجل."
هناك قضية حدثت في الصين القديمة استخدمت فيها هذه الخطة تحكي أن في قديم الزمان شهدت احدى المناطق اضطرابا داخل معسكرات الجيش حيث قتل الجنود المشاغبون ضابطهم وأضرموا الحرائق في بعض مباني الحكومة المحلية. وأمام هذا الشغب لزم معظم مسئولي الحكومة المحلية بيوتهم خوفا من التعرض لأخطار وأضرار، فضلا عن اجراء الاتصال مع المشاغبين لاقناعهم بوقف الشغب وتهدئة الاوضاع. إلا أن مسئولا شجاعا إسمه شوي تشانغ روه تقدم وتوجه الى معسكر المشاغبين، وقال لهم إن لديكم عائلات،فيها الأب والأم والإخوان والأخوات، وستواجهون كما سيواجهون أيضا عقابا شديدا ومصيرا سيئا إذا واصلتم المشاركة في هذا الشغب الذي سيبوء بالفشل الأكيد. لذلك آمل ألا تفكروا في مصالحكم فقط بل تفكروا جيدا في مصالح أبائكم وأمهاتكم وأشقائكم في عائلاتكم. وإذا سلمتم أنفسكم طوعا للحكومة وتتركون مثيري الشغب فسنتعامل معكم بالتسامح الأكيد، ولا نحملكم المسئولية عن هذا الشغب. فما رأيكم ؟
بعد الاستماع الى كلامه بدأ الكثير من الجنود المشاركين في الشغب يشعرون بشئ من الندم، لأنهم التحقوا بصفوف المشاغبين تحت اجبار وخداع من مدبري الشغب أو تورطوا فيه بشكل عشوائي غير متعمدين. وبعد أن شاهد شوي تشانغ روه ظهور تغيرات على وجوههم واصل في اقناعهم حيث قال: أطلب ممن لا يريدون المشاركة في هذا الشغب أن يقفوا في جانبي ليبقى مثيروه في جانب آخر. وفور انتهاء كلامه هذا توجه مئات الجنود اليه ليقفوا معه تاركين أفرادا قليلة من مثيري الشغب في أماكنهم. وبعد أن رأوا أن الوضع قد اصبح في غير صالحهم هربوا فورا وفروا الى قرى بعيدة. فقاد شوي تشانغ روه رجاله لمطاردتهم وإلقاء القبض عليهم مع احالتهم للعدالة في النهاية.
وأثناء هذا الشغب أستخدم شوي تشانغ روه خطة " سحب الحطب من تحت المرجل " لتهدئة الاوضاع. وبالنسبة له كان المشاغبون المسلحون أقوياء قد يعرضونه لخطر في أي وقت من الأوقات عندما تقدم اليهم وتحدث معهم. إلا أنه ذكي وعاقل، حيث حذر الجنود المخدوعين من مواجهة مصير خطير إذا واصلوا المشاركة في هذا الشغب مع تذكرهم بمصالح أفراد عائلاتهم الذين قد يتعرضون لعقاب بسبب أخطائهم هذه إضافة الى توضيح موقف الحكومة من المستسلمين طوعا. الأمر الذي فرّق صفوف المشاغبين ودفع مثيري الشغب الى العزلة وجعلهم يفرون بعد فشلهم في محاولاتهم، مع القاء القبض عليهم في النهاية.
النقطة الحاسمة اثناء تطبيق هذه الخطة هى التمسك بالتناقض الرئيسي القائم لدى العدو أو المنافس لايجاد الفرصة القابلة للتطبيق للانتصار عليه. وهناك أعمال عسكرية مثالية توضح هذه النقطة منها الهجوم المفاجئ على الأعداء من خلفهم، وخطف امداداتهم أو قطع طريق انسحابهم لاضعاف معنويتهم وما غير ذلك.
تستخدم خطة " سحب الحطب من تحت المرجل" أيضا في الانشطة الاقتصادية وبالمجتمع العصري. مثلا إذا شهدت دولة ما خلال فترة زيادة مفرطة للقروض الائتمائية التي تستثمر في قطاع العقارات أو الأصول الثابتة. فمن المحتمل أن تظهر بسبب ذلك فقاعات اقتصادية قد تؤدي الى التضخم المالي. وأمام هذا الوضع غالبا ما يقوم البنك المركزي للدولة بتعديل سياستها المالية والنقدية مثل رفع نسبة احتياطي الودائع المصرفية أو أسعار الفوائد لمواجهة احتمال التضخم. وبذلك قد تنخفض السيولة النقدية التي تغذي الأسواق مما يخفض الزيادة المفرطة للاستثمارات التي تستهدف العقارات أو الاصول الثابتة.


أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:25 PM

الخطط الحربية: للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا




جاءت عبارة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " أصلا في أحد أشعار الشاعر الصيني المشهور دو فو في أسرة تانغ الملكية الصينية القديمة حيث قال في أحد أشعاره " لإسقاط الفارس إرم السهام على جواده، وللقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " ويقصد هذا الكلام بأن الهجوم يجب أن يستهدف أولا قائد الأعداء. وبذلك يمكن تحقيق الانتصار الكامل على الأعداء كلهم سواء في الحرب أو في المنافسات الأخرى.
تطبيق خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " في الحرب يهدف الى تركيز أهم وأكبر قوة لتدمير قيادة العدو والقضاء على قائده الأعلى لدفع الأعداء الى الفوضى والاضطرابات ليفقدوا معنويتهم، ومن ثم شن الهجوم السريع عليهم والانتصار عليهم في النهاية. وإذا كان العمل بالعكس أي ترك زعيم الاعداء يهرب، فيكون ذلك كترك النمر يهرب الى غابات الجبل مع منحه وقتا وفرصة يشفى فيها من جرحه، وبعد ذلك يعود للقيام بهجوم جديد بعد نزوله من غابات الجبل. وفيما يلي قصة حقيقية استخدمت فيها هذه الخطة في الحرب في الصين القديمة.
شهدت الصين فترة ازدهار، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، في القرن الثامن الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية. إلا أن الامبراطور الصيني في أواخر هذه المرحلة التاريخية عاش في غاية الاسراف والتبذير غير مهتم بشؤون الدولة. الأمر الذي جعل الوزراء وكبار المسؤولين مهملين لمسؤولياتهم ومتقاعسين عن أداء واجباتهم فارتكب الكثير منهم الاختلاس والابتزاز مما أثار استياءا متزايدا وشكاوى كثيرة من المواطنين. فوقع في بعض المناطق حركات تمرد وانتفاضة ضد الحكومة الملكية. ومن بين زعماء المتمردين ضابط إسمه آن لو شان الذي كان مسئولا للجيش الملكي باحدى مناطق البلاد. وقاد أنصاره في انتفاضة في محاولة اسقاط الحكم الامبراطوري. وزحفت قوات المتمردين نحو مدينة تشآن آن التي كان عاصمة للصين القديمة. وفي السنة التالية استولوا عليها فعلا بينما فر الامبراطور الى منطقة بعيدة. فاحتل آن لو شان القصر الامبراطوري وأعلن نفسه أمبراطورا جديدا.
قاد آن لو شان بعد ذلك جيشه المتمرد لمواصل الزحف الى مناطق آخرى في محاولة احتلال المزيد منها لتوسيع انتصاره. وكان من بين أنصاره ضابط يُعرف باسم يي زي تشي، كان يقود جيشا كبيرا لمهاجمة مدينة وي يانغ التي كانت تعتبر احدى المدن الاستراتيجية الهامة داخل البلاد. ولم يكن بداخل هذه المدينة حينذاك سوى بعضة آلاف جندي بقيادة قائدهم الشجاع تشانغ شون. ورغم قلة عددهم إلا أن كل واحد منهم كان شجاعا يعتزم الدفاع عن المدينة بكل ما يملكه مهما كانت التضحية. وبعد أن طوق المتمردون المدينة شنوا العديد من الهجمات عليها إلا أنهم لم ينجحوا في اسقاطها. وبقى الجانبان في وضع تشبث وجمود.
من أجل كسر حصار المتمردين والانتصار عليهم دبر تشانغ شون خطة وأمر جنوده بتطبيقها. وبعد غروب الشمس حيث انتهى المتمردون في أعمالهم العسكرية، وبدأوا بالاستراحة، طلب تشانغ شون من جنوده أن يقرعوا الطبول ويهتفوا بأصوات عالية. فنهض المتمردون جميعا معتقدين أن جنود المدينة سيخرجون منها لمهاجمتهم. فأمسكوا الأسلحة استعدادا لمواجهتهم، إلا أن جنود المدينة لم يخرجوا. وفي اليوم الثاني تكرر المشهد مرة أخرى كما تكررت الحالة أيضا في كل ليلة في الأيام المتتالية العديدة. الأمر الذي جعل المتمردين يشعرون بتعب وغضب وحيرة شديدة حتى ارتخت معنويتهم كما أصبحت قوة مهاجمتهم للمدينة في النهار ضعيفة بكثير.
ومن أجل كسر حصار المتمردين على المدينة فكر تشانغ شون أخيرا في تدبير خطة تمكنه من الانتصار عليهم. كانت الخطة بذاتها خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " والتي تستهدف زعيم المتمردين يي زي تشي. إلا أن جنود المدينة لم يروه سابقا، ولم يعرفوا شكله وملامحه. ومن أجل تمييزه من بين جنوده أمر تشانغ شون جنوده باطلاق السهام من على سور المدينة. الأمر الذي جعل المتمردين يتجمعون حول زعيمهم يي زي تشي لحمايته، وبذلك عرف تشانغ شون وجنوده الهدف المطلوب. فأطلقوا جميعا المزيد من السهام باتجاه يي زي تشي الذي أصيب أخيرا بجروح عديدة، وسقط من ظهر جواده على الأرض، مما أثار اضطرابا كبيرا وارتباكا شديدا في صفوف المتمردين، وبسرعة إنسحبوا من المعركة. وبذلك انتصر تشانغ شون بجيشه القليل العدد على المتمردين الكثيرين ونجح في الدفاع عن مدينته.
يبدو أن خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " سهلة الفهم إلا أن تطبيقها صعب نسبيا نظرا الى أن الزعيم غالبا ما يتمتع بحماية كاملة مكثفة يصعب كسرها. لذلك من الضروري أن يتم اكتشافه أولا ثم جعله مكشوفا في ميدان القتال مع شن الجهوم المكثف عليه. وبهذا الاسلوب يمكن القبض عليه أو القضاء عليه ومن ثم القضاء على " اللصوص الآخرين بأجمعهم.




أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:26 PM

الخطط الحربية: رمي حجر لاجتذاب زمردة




خطة " رمي حجر لاجتذاب زمردة " على حد تعبيرها تعني أنك ترمي قطعة من الحجر لهدف اجتذاب زمردة مرمية من الآخرين. ومنذ القدم يعتبر التواضع لدى الصينيين من الفضائل الحميدة، لذلك يقولون دائما بعد ابداء ملاحظاتهم في المناسبات العلنية:" إنني طرحت هذه الآراء كرمية حجر خشن لعلها تجتذب زمردة يرميها الآخرون "
ويذكر أن قصة " رمي حجر لاجتذاب زمردة " جاءت أصلا في أسرة تانغ الملكية الصينية القديمة التي يرجع تاريخها الى القرن التاسع الميلادي حيث ظهر أثناء تلك الفترة التاريخية عدد كبير من الشعراء البارزين الذين تركوا كمية كبيرة من الأشعار والقصائد الرائعة المنتشرة جيلا بعد جيل حتى يومنا هذا. ومن بينهم الشاعر المشهور تشاو شوآن الذي كان يتوجه دائما الى أحد المعابد الجميلة المنظر بمدينة سو تشو شرقي الصين ليزوره وينظم فيه أشعارا وقصائد أثناء الاستمتاع بالمناظر الجميلة هناك. وكان يسكن بالقرب من المعبد شاعر آخر إسمه تشانغ جيآن، وعندما عرف أن تشاو شوآن غالبا ما يأتي الى المعبد ويكتب على جدرانه أشعاره، ذهب في يوم من الأيام الى المعبد وكتب سطورا من صدر البيت الشعري فقط على جدار المعبد ثم انصرف. وبعد يوم زار تشاو شوآن فعلا هذا المعبد، وعندما قرأ تلك السطور تأثر بها إلا أنه تعجب بعدم اكمال الشاعر لشعره هذا. فأخذ القلم وقام باضافة عجز البيت الشعري ليكون كاملا. وبعد أن قرأ الناس هذا الشعر المنظم من الشاعرين قدروه، كما أعجبهم أكثر نصفه الأخير التي كتبه تشاو شوآن. وعندما عرف تشانغ جيآن الخبر، قال إني كتبتُ النصف الاول باعتباره قطعة خشنة من الحجارة لاجتذاب النصف الأخير الذي أرى أنه رائع للغاية يشبه زمردة. ومنذ ذلك الوقت نشأ هذا المثل الصيني المشهور الذي يعتبر أيضا احدى الخطط التي تستخدم أيضا في العمليات العسكرية.
تطبيق خطة " رمي حجر لاجتذاب زمردة " في الأعمال العسكرية يعني عرض طعم صغير باعتباره خدعة لتنطلي على العدو. وهناك قصة حقيقية شهدت تطبيق هذه الخطة.
في عام 700 الميلادي، حيث كانت الصين في عهد الممالك العديدة المتحاربة. وكانت كل مملكة تسعى لتوسيع آراضيها بالقوة، ومن بينها مملكة تشو التي كانت تحاول دائما شن الحرب للاستيلاء على مدينة محاذية لها تُعرف باسم " جياو تشنغ " ورغم أن جيش مملكة تشو قوي، إلا أن مدينة جياو تشنغ تستند الى موقعها الجغرافي المتفوق وسورها المتين وحصونها المنيعة تدافع وتقاوم هجوم جيش مملكة تشو بكل بسالة وشجاعة. وبعد مرور أكثر من شهر لم يحقق جيش مملكة تشو أي تقدم. وأمام هذا الوضع جلس قادة الجيش معا يبحثون عن طريقة لتغيير الوضع. ورأوا أن مدينة جياو تشنغ قد أصبحت محاصرة منذ أكثر من شهر، ويبدو أن كل الامدادات فيها وخاصة الاخشاب التي تستخدم للتدفئة واعداد الأطعمة أصبحت قليلة غير كافية لاحتياجات العسكريين والمدنيين بالمدينة. فوضعوا حيلة ثم نفذوها. وفي اليوم التالي ارسلوا عددا من الجنود في أزياء مدنية عادية ليصعدوا الى الجبل القريب من المدينة لقطع الأشجار وجمع الحطب. وبعد أن شاهد ذلك الجنود داخل المدينة والذين يعانون نقصا شديدا في الحطب رأوا أن الفرصة قد حانت، فخرج بعضهم الى خارج المدينة واعترضوا طريق عودة هؤلاء الحطّابين المتنكرين، وخطفوا منهم الحطب وعادوا بها الى المدينة. وفي اليوم الثاني والثالث خرج هؤلاء الحطابون أيضا الى الجبل لجمع الأحشاب والحطب بينما أعترضهم أيضا جنود المدينة في طريق عودتهم وخطفوا الحطب منهم. ومع مرور الايام أصبحت يقظة قادة المدينة وحذرهم تتراخى بالتدريج وأرسلوا عددا متزايدا من الجنود كل يوم الى خطف الحطب من أولئك الحطّابين المتنكرين. وذات يوم خرج الكثير من جنود المدينة كعادتهم لخطف الحطب فهرب الحطّابون جميعا فطاردوهم الجنود، ودخلوا بعد ذلك الى موقع الكمين الذي تمت اقامته حسب الخطة التي وضعها قائد جيش مملكة تشو. وعندما نضجت الفرصة بدأ أفراد الكمين يهاجمون جنود المدينة وقضوا عليهم ثم توجهوا بسرعة الى المدينة التي أصبحت ضعيفة الدفاع بسبب خروج معظم الجنود منها فاحتلوها بسهولة. فاستولت مملكة تشو بهذه الحيلة على مدينة جيانغ تشنغ.
تستخدم خطة " رمي حجر لاجتذاب زمردة " كثيرا أيضا في المجتمع الحديث مثلا يريد بعض نجوم الفن والشخصيات الاجتماعية المشهورة توسيع سمعتهم وتأثيراتهم وزيادة فرص عرض صورهم وأسمائهم على الصحف وشاشات التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى فيصنعون عمدا أخبارا تتعلق بحياتهم العاطفية وحتى أن بعضها مختلق. ومع زيادة انتشار هذه الأخبار تزداد سمعتهم وشهرتهم. الأمر الذي يوفر لهم المزيد من الفرص لكسب المزيد من النوافع والأموال. أما في القطاع التجاري فتستخدم هذه الخطة أكثر لهدف تحقيق الانتصار على المنافسين وترويج السلع.



أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:27 PM

الخطط الحربية: التراخي في مطاردة العدو لضمان القبض عليه في النهاية




خطة " التراخى في مطاردة العدو لضمان القبض عليه في النهاية " على حد تعبيرها تعني التظاهر بتراخي الانتباه مع منح التسامح أثناء مطاردة العدو ليتراخى حذره ويقظته ثم إلقاء القبض عليه أو القضاء عليه في النهاية.
ويبدو أن " التراخى في متابعة العدو " و" القبض عليه " شيئان متناقضان إلا أن الأول هو الوسيلة، والأخير هو الغاية. وفي الصين القديمة كلام يقول: لا تحاصر النمر الجريح. لأن النمر الجريح وخاصة بعد هروبه الى طريق مسدود قد يركز كل قوته للهجوم على الصياد. وأمام هذا الوضع يجب على الصياد اتخاذ خطة تجعل عزيمته ومعنويته وحذره ويقظته ترتخي تدريجيا باعتبار ذلك فرصة ينتهزها لإلقاء القبض عليه أو القضاء عليه في النهاية. وهناك قصة حقيقية لتطبيق هذه الخطة حدثت في الصين القديمة عنوانها: القبض على مون هو ثم اطلاق سراحه سبع مرات. وتحكي القصة كما يلي:
في عام 225 الميلادي حيث كانت الصين في عهد الممالك الثلاث المتحاربة، قاد تشو قه ليانغ/ كبير وزراء مملكة شو الجيش الملكي الجليل ليزحف نحو الجنوب لتعزيز الحراسة في الحدود الجنوبية. وبعد انتهاء المهمة وأثناء انسحابه من المنطقة الحدودية تعرض لهجوم من رجال العصابات القبلية من قومية يي بزعامة القائد الذي يُعرف باسم مون هو. فقاد تشو قه ليانغ جنوده لمحاربة مون هو. وانتصر أخيرا عليه وأسر في المعركة. وأمام هذا الوضع يمكن أن يواصل تشو قه ليانغ مطاردة رجال العصابات المتبقين حتى القضاء عليهم بكاملهم إلا أنه عرف أن مون هو قائد ذو شعبية واسعة وسمعة حميدة في المنطقة. وإذا نجح في اقناعه ليستسلم فسيساعده ذلك على تهدئة الاوضاع وتحقيق السلام الدائم في المنطقة الحدودية كلها. وإذا قتله فقد يثير ذلك إضطرابات كبيرة في المنطقة وحتى تنتشر هذه الاضطرابات في المناطق المجاورة الأخرى. فقرر تشو قه ليانغ اطلاق سراح مو هو ليعود الى معسكره.
بعد عودة مون هو الى قاعدته قاد رجاله في شن هجوم جديد على جيش تشو قه ليانغ. إلا أنه فشل وأسر مرة ثانية في يد تشو قوه ليانغ الذي أطلقه بعد ذلك سراحه مرة ثانية، ولكن مون لم يعترف بفشله معتقدا بأن الفشل يرجع الى أسباب أخرى وليس بسبب قدرته. وبعد عودته نظم عدة هجمات على تشو قه ليانغ إلا أنه فشل وأسر في كل مرة. وفي المرة الأخيرة بعد أسره إعترف بفشله وبقدرته الضعيفة في ادارة الاعمال العسكرية بالمقارنة مع تشو قه ليانغ فاستسلم له مع التعبير عن شكره الكبير لتشو لعدم اعدامه بعد أسره في كل مرة. ثم أقسم أمامه بأنه سيكون خاضعا لقيادته كما سيقنع زعماء القبائل الأخرى في المنطقة على مساعدة تشو قه ليانغ والملك شو للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة الحدودية. ومنذ ذلك الوقت هدأت الاوضاع فعلا في المنطقة. وباستخدام هذه الخطة أي خطة " التراخى في مطاردة العدو لضمان القبض عليه في النهاية " نجح تشو قه ليانغ في تحقيق السلام والاستقرار في حدود المملكة.
لدى الكثير من صيادي الأسماك تجربة أنه إذا أمسكت صنارة الصيد بسمكة كبيرة فيجب الا يسحبوا الخيط بسرعة وبقوة كبيرة، ذلك لأن السمكة ستحاول بكل قوتها للتخلص من الصنارة. وصحيح أنه يجب على الصيادين أمام هذا الوضع أن يمددوا الخيط أكثر لتتخبط السمكة وسط المياه لاستنفاد قوتها، بينما يشد الخيط ويمده بين حين وآخر. وبعد تكرار هذه الحركة لفترة في حين أن السمكة أصبحت في حالة واهنة وضعفت قوتها يسحبون الخيط لإخراج السمكة من المياه. وهذه العملية خير تطبيق لخطة " التراخي في مطاردة العدو لضمان القبض عليه في النهاية " لأن الصيادين إذا قاموا بسحب الخيط بسرعة مكافحين تخبّط السمكة العالقة بالصنارة فقد تكون نتيجة ذلك أن السمكة قد تتخلص من الصنارة أو انكسار عصا الصيد لعدم تحمله القوة الشديدة، وانتهاء عملية الصيد بخسارة له.


أرب جمـال 19 - 11 - 2009 10:28 PM

الخطط الحربية: اغراء النمر ليخرج من عرينه




" إغراء النمر ليخرج من عرينه " على حد تعبيره يعني استخدام الحيلة لجذب العدو الذي كان ملزما موقعه الحصين ليخرج منه للقضاء عليه في النهاية. وفي الصين القديمة غالبا ما تعرّض الناس المقيمون بالقرب من الجبال للافزاع والاصابة من النمور التي تعيش في غابات الجبال. ومن أجل القبض على هذه النمور المفترسة استخدموا حيلة إغرائها لتخرج من عرينها في غابات الجبال لتفقد سندها الجغرافي ثم دبروا خططا للقبض عليها. وفي الأعمال العسكرية بدأ الناس يستخدمون أيضا هذه الخطة حيث يدبرون خطة مماثلة لجذب العدو ليخرج من قلعته الحصينة. ثم شن الجهوم أو اقامة الكمين للقضاء عليه.
أشار كتاب فن الحرب المؤلف من سون وو الى أنه إذا امتلك العدو موقعا استراتيجيا متينا بينما كان على الأهبة الكاملة لمواجهة القتال فيجب عدم اجراء هجوم مباشر ضده. بل من الأفضل تدبير حيلة لجذبه للخروج من موقعه الحصين ليفقد زمام المبادرة ثم القيام ببعض الاعمال العسكرية كاقامة الكمين وغيرها من أجل القضاء عليه في النهاية. وأهم شئ في تطبيق هذه الخطة هو اغراء العدو ليخرج من " عرينه ". وفيما يلي قصة حقيقية لاستخدام هذه الحيلة في العملية العسكرية.
كانت بداية القرن الثاني الميلادي موافقة لعهد الممالك الثلاث المتحاربة في الصين القديمة حيث دارت الحروب دائما بين مملكة وي ومملكة شو ومملكة وو. كان ملك وو يفكر دائما في توسيع مملكته بالقوة. فوضع خطة عسكرية لهدف الاستيلاء على مدينة لو جيانغ التي كانت من أهم المدن الاستراتيجية الكبرى بالقرب من حدود مملكته إلا أنه عرف بوضوح أن ليو شون الذي كان يحكم هذه المدينة يملك موقعا متفوقا ملائما له، واذا شن الهجوم المباشر عليه فقد تكون فرصة تحقيق النصر ضئيلة. لذلك بعد التشاور مع مستشاريه وضع الملك وو خدعة تهدف الى اغراء ليو شون الى الخروج من مدينته ليفقد سنده الجغرافي ثم اجراء عملية عسكرية للقضاء عليه. فأرسل الملك مبعوثه الى ليو شون مع اهدائه كمية كبيرة من الهدايا الثمينة. وبعد وصول المبعوث سلم الي ليو شون رسالة من الملك قال فيها إنه يريد اقامة شراكة استراتيجية معه مضيفا أن بعض رجال القبائل والعصابات المحلية تزعجه دائما في المنطقة الحدودية، لذلك طلب من ليو شون أن يساعده بارسال جيشه للقضاء على رجال القبائل والعصابات معبرا أيضا عن شكره الجزيل المقدم له. بعد أن قرأ ليو شون الرسالة وخاصة بعد مشاهدة تلك الهدايا الثمينة سرّ سرورا كبيرا، فقرر ارسال جيشه الى خارج المدينة استعدادا للقتال ضد رجال العصابات. ورغم نصائح مستشاريه بعدم فعل ذلك إلا أنه أصرّ على ما أقره. وعندما عرف الملك وو أن جيش ليو شون قد خرج من مدينته التي قد اصبحت ضعيفة الدفاع قاد جيشه فورا في هجوم مفاجئ عليها. وأثناء العملية لم يواجه الملك مقاومة فعالة حتى استولى على مدينة لو جيانغ. وبعد أن عرف ليو شون الخبر ندم ندما شديدا إلا أن كافة الامكانيات والأوقات قد فاتته بحيث لم يكن قادرا على تغيير هذا الوضع. ولم يكن له أي مفر إلا الهرب الى مملكة أخرى.
تستخدم خطة " اغراء النمر ليخرج من عرينه " دائما في حروب العصر الحديث. مثلا خلال حرب المقاومة ضد العدوان الياباني على الصين في الحرب العالمية الثانية. احتل الغزاة اليابانيون الكثير من المدن والمواقع الاستراتيجية الهامة، وقاموا ببناء القلاع والحصون المتينة فيها لتعزيز حراستها وشن الهجوم منها على الجيش الصيني. أما الجيش الشعبي الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني فكان لا يملك أسلحة حديثة كثيرة كما لا يقدر على شن هجوم مباشر ضد الأعداء الأقوياء. ورغم ذلك وضع سلسلة من الخطط العسكرية المرنة بما فيها " إغراء النمر ليخرج من عرينه " لجذب الغزاة اليابانيين ليخروجوا من قلاعهم. ثم قام بمحاربتهم بحرب العصابات. وكانت نتيجة ذلك فعالة جدا بحيث اباد عددا كبيرا جدا من الأعداء
في الحلقات السابقة قدمنا لكم خطتي" يناور في الشرق للهجوم على الغرب" و" مهاجمة مملكة وي لإنقاذ مملكة تشاو ". وكلاهما متشابه مع خطة " إغراء النمر ليخرج من عرينه " إلا أن الأخيرة يتركز مبدأها بشكل رئيسي علـى عملية " أغراء " التي تكتسي بلون الخداع الكثيف، ومن ثم تحقيق الانتصار على العدو أو المنافس.



الساعة الآن 12:10 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى