![]() |
ما هو الإفلاس؟
ما هو الإفلاس؟ الإفلاس هو إجراء قانوني يجب استخدامه كملجأ أخير لحل المشاكل المالية، بعد أن تكون قد بحثت عن خيارات أخرى. إن قرار إعلان الإفلاس هو خطوة خطيرة، وفي حالات عدة، هو لا يؤمن لك فتح صفحة جديدة في وضعك الائتماني. وهو سيبقى مسجلاً على بيان ائتمانك لعدد معين من السنين اعتماداً على قوانين الإفلاس في بلدك، وقد يؤثر على إمكانيتك لشراء منزل أو حتى الحصول على تأمين لسيارتك. كما قد لا يسمح لك الإفلاس بالاحتفاظ بأي ملكية إن لم يسدد الرهن بالكامل أو إن وضع الدائن الحجز على هذه الملكية. ما الذي قد يحصل؟ قد تختلف قوانين الإفلاس باختلاف البلدان، كما تختلف الموجبات الناتجة عن التقدم بالطلب للإعلان عن الإفلاس. استشر مصرفك أو مستشاريك الماليين أو القانونيين قبل اتخاذك أي قرار. سوف يساعدونك لتقرر إن كان إعلان الإفلاس هو الخيار الوحيد أو إن كانت لديك خيارات بديلة أفضل. عادة، وفي حال تم إعلان إفلاسك، تعين المحكمة "مندوب رسمي" لإدارة أعمال المفلس، بما في ذلك بيع موجوداته، تسجيل دعاوى الدائنين وتسديد الحصص النسبية لهم. يكون "المندوب الرسمي" موظفاً حكومياً لدى المحكمة. يستولي "المندوب الرسمي" على كامل موجوداتك وهو مسؤول عن بيعها ودفع الحصص النسبية إلى دائنيك. وإذا كنت موظفاً، على "المندوب الرسمي" أن يقدر المبلغ الذي عليك اقتطاعه لتسديد ديونك، بعد أن يأخذ بعين الاعتبار المبلغ الذي تحتاجه لتأمين معيشتك ومعيشة أولادك. إذا تم إعلان إفلاسك، قد تفرض عليك الكثير من القيود. قد لا يسمح لك مغادرة بلدك ما لم يوافق "المندوب الرسمي" على ذلك. ولن تتمكن عادة من رفع دعوى قانونية أو متابعة أي دعوى مسبقة. لن تتمتع بالأهلية لتعين أو تعمل عمل الوصي، ولا للمساهمة مباشرة أو غير مباشرة في إدارة شركة أو عمل أو أن تعين مديراً لشركة من دون قرار محكمة يقضي بذلك. يتبع |
روى الإمام أحمد في مسنده (2/303) بإسناده فقال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ زُهَيْرٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . رواه مسلم (2581) ، والترمذي (2418) . وبوب عليه الترمذي : ما جاء في شأن الحساب والقصاص . - تعريف المفلس : المفلس لغة : من لا عين له ولا عرض . شرعا : ما قصر ما بيده عما عليه من الديون . - من هو المفلس بميزان الدنيا ؟ : لقد قدح في ذهن الصحابة عند سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن المفلس بميزان الدنيا هو من لا درهم له ولا متاع . فلماذا أجابوا بهذه الإجابة ؟ قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : والحاصل أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عُرف أهل الدنيا كما يدل عليه قولهم " فينا " غفلوا عن أمر الآخرة ، وكان حقهم أن يقولوا : الله ورسوله أعلم . لأن المعنى الذي ذكروه كان واضحاً عنده صلى الله عليه وسلم .ا.هـ. والإفلاس الذي أشار إليه الصحابة هو أمر عارض يزول بزوال المفلس . يقول الإمام النووي في شرح مسلم : وأما من ليس له مال ، ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلساً ، وليس هو حقيقة المفلس ؛ لأن هذا أمر يزول ، وينقطع بموته ، وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته .ا.هـ. - المفلس بميزان الآخرة : النبي صلى الله عليه وسلم يعرف حقيقة المفلس بالنسبة لميزان الدنيا ، فأراد نقل الصحابة - وهو المربي والمعلم للصحابة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم - من مفهوم الإفلاس في الدنيا إلى مفهومه في الآخرة لكي يكون الصحابة والأمة من بعدهم على علم بحقيقة المفلس . قال الإمام النووي : وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام المقطع فتؤخذ حسناته لغرمائه ، فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه .ا.هـ. بعد هذه المقدمة انظروا إلى حال بعض الرواد - هدانا الله وإياهم - ترى أن حديث المفلس في بعض ألفاظه ينطبق عليهم تماما وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم " ويأتي قد شتم عرض هذا ، وقذف هذا " ، بل قد تجده من أهل الصلاة والصيام والزكاة ، ثم يأتي الشتم والقذف وقد جعل الصلاة والصيام والزكاة حسنات تأخذ منه وتعطى لغيره بسبب شتمه وقذفه لغيره . فمن منا بالله عليكم يرضى لنفسه هذا المسلك الخطير ؟ - دعوى باطلة زينها الشيطان لبعضهم : تجد بعضهم يدعي أن هذا دين يتقرب به إلى الله إذا نال من عرض فلان من الناس أو قذف فلانا ، ونسي المسكين أو تناسى حديث المفلس الذي فيه الوعيد الشديد من مثل هذه الأعمال . فماذا لو حرصت على الحفاظ على حسناتك التي أنت أحوج الناس إليها يوم القيامة ؟ - باب التحلل من المظالم مفتوح : ونصيحتنا لأمثال هؤلاء أن يتحللوا من المظالم التي سجلت في موازينهم . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ . رواه البخاري (2296) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار " ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى : " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده .ا.هـ. يا أيها الرواد ، اتقوا الله فيما تكتبون . يا أيها الرواد ، تذكروا قول الله تعالى : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " يا أيها الرواد الذين شُغلوا بالشتم والقذف لإخوانهم في العقيدة ، واعتبروا أن هذا دينا يتدينون به هذا حديث المفلس بين أيديكم فهلا ترضون لأنفسكم يوم القيامة ما جاء فيه ؟ يا أيها المشرفون على المنتديات ، أنتم تتحملون جزءاً من الإثم فيما يحصل إن أنتم سكتم على هذا المنكر العظيم ، وقد يوافق هذا الأمر شيئا مما في نفوسكم ، ولكن أين الأمانة في تحمل هذا التكليف ولا أقول التشريف ؟ يا أيها المشرفون والرواد ، والذي نفسي بيده إنها رسالة من القلب أسأل الله أن تصل إلى قلوبكم . رسالةٌ من أخٍ مشفقٍ عليكم . تعالوا نقفُ وقفةَ إنصافٍ وحقٍ : أين المواضيع العلمية التي ينتفع بها الرواد ؟ أين النقاش العلمي الذي يُبتغى به الوصول إلى الحق ؟ أين التخلي عن الانتصار للنفس ؟ وختاما : أنا أعلم أن بعض الرواد لن يعبأ بهذا القول ، بل قد يصل الأمر إلى تصنيفي إلى فئة معينة ، ولكن تقطع قلبي لما يحصل في المنتديات من أمور لا ترضي الله ولا رسوله فكتبت هذه الكلمات التي أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه . وأرجو أن يحمل كلامي على أحسن المحامل . وأمتثل قول الله تعالى : " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " والله اعلم الإفلاس بالمفرق والجملة! ... الإفلاس في اللغة هو انعدام الفلوس والانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر ، أما الإفلاس بالمعني القانوني فهو إعلان قانوني صادر من محكمة مختصة مفاده أن شخصا ما قد أصبح عاجزاً تماماً عن سداد ديونه وغني عن القول إن الإفلاس قد ينجم عن سوء الإدارة المالية وقد ينتج عن ظروف قاهرة لا قبل للإنسان بمواجهتها كالكوارث الطبيعية أو الحروب، جدير بالذكر أن هناك فرق كبير بين الافلاس والتعثر المالي ، فالافلاس هو إعلان قانوني بالعجز التام عن سداد الديون أما التعثر المالي فهو مواجهة صعوبات في سداد الديون المستحقة لا ترقى إلى مستوى العجز التام عن السداد كذلك فإن إجراءات الحجز والحجر تترتب على الإفلاس ولكنها لا تترتب على التعثر المالي! وللإفلاس المالي ثلاثة أنواع الأول هو إفلاس الشخص الطبيعي كإفلاس التاجر ويترتب عليه الحجز على أمواله وإيقاع الحجر عليه أي منعه من التصرف فيها! أما النوع الثاني فهو إفلاس الشركة ويترتب عليه تعيين مصفي يتولى تصفية كل أصول الشركة بغرض تسديد أكبر قدر من ديونها ثم يتم شطبها من سجل الشركات وإخراجها من سوق العمل! أما النوع الثالث فهو إفلاس الدولة وهذا النوع من الإفلاس يعني إفلاس جميع مواطني الدولة بالتبعية ويترتب عليه قيام صندوق النقد الدولي بمنح الدولة قروضاً طويلة الأجل بفوائد مخفضة مقابل قيامها بفرض خطة تقشفية صارمة على شعبها بغرض تقليص الانفاق العام للحد الأدنى وإخراجها من دوامة الإفلاس! وهناك أنواع أخرى من الإفلاس منها الإفلاس الفكري وهو أن يصبح الإنسان عاجزاً عن تقديم الردود الموضوعية عند احتدام المناقشات والمفلس فكرياً يلجأ عادةً إلى العنف أو السب أو الهروب من ساحة المعركة الفكرية! وهناك الإفلاس العاطفي وهو أن يصبح الإنسان عاجزاً عن حب الآخرين فلا يحركه جمال ولا يثيره لطف ، والمفلس عاطفياً يجني على الجميع بوجوده القبيح! وهناك الإفلاس الأخلاقي وهو أن تكون سيئات الشخص أكثر من حسناته والمفلس أخلاقياً هو شخص غير مرغوب فيه في أي مكان ، وهناك الإفلاس الحضاري وهو أن تصبح سلبيات حضارة ما أكثر من ايجابياتها ومن الملاحظ أن المجتمع المفلس حضارياً يُظهر ردود أفعال غير حضارية مثل التهديد باستخدام القوة العسكرية والميل إلى فرض الإملاءات على أصحاب الحضارات الأخرى! من المؤكد أن سائر حالات الإفلاس تحكم على المفلس سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً بالموت المدني الذي يسلبه كل معاني الحياة الكريمة ولا يملك المرء إلا أن يرفع يديه للسماء ويقول : اللهم اجعلنا مستوري الحال ، أغنياء النفس ، أثرياء الروح ، ولا تسلط علينا الدائنين ، ولا تسلطنا على المدينين ، ولا تحكم علينا بالافلاسات ما ظهر منها وما بطن آمين يا رب العالمين! الإفلاس في الفقه والنظام . خالد بن سعود الرشود . الحمد لله ذو الفضل والمن والكرم ، خلق الإنسان من عدم ، وعلمه بالقلم علمه ما لم يعلم ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع قائلها يوم لا ينفع الندم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد : فإن الشريعة الإسلامية لا تزال مورداً عذباً ومنهلا خصبا لكل ما يستجد في حياة الناس من نوازل وحوادث ، فهي شاملة في أحكامها ، عادلة في جميع شؤونها ، ولا غرو فقد أسس دعائمها رب العالمين وخالق الناس أجمعين . فلا تجد في حياة المسلم ـ ولله الحمد ـ مشكلا ، سواء في أمور دينه أو دنياه إلا وفي الشرع حل له ، وفك لعقده ، إما أن يكون في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يجد ، فإن المجتهد يجتهد على ضوء الكتاب والسنة لاستخراج ذلك الحل . وكان لعصرنا الحاضر أوفر الحظ والنصيب من هذه الأمور المستجدة ، نتيجة للتطور التقني والمدني الذي يعيشه الناس ، ولا تزال تتعاقب هذه النوازل على الناس والتي يبحثون عن حل شرعي لها ، سواء تطرق العلماء المتقدمون لحكمها أم لا ؟ وبخاصة تلك المشكلات التي تحدث بين الناس في أمورهم الحياتية العامة أو الخاصة متطرقة لجميع أبواب الفقه ، وكان باب المعاملات من أشد ما يعتري الناس فيه من حاجة لاستظهار الحكم الشرعي فيه وبخاصة في أمور المتاجرات والمداينات المختلفة ، ولما كانت تعرض لبعض الناس الحاجة إلى الاستدانة من الآخرين ، ولكن بعض الناس قد يزيد في الاستدانة حتى لا يبقى عنده وفاء فما الحل الشرعي والنظامي لهذه الحالة والتي تسمى بالإفلاس وخاصة إذا كان المستدين مؤسسة فردية أو شركة كبيرة ذات رأس مال ضخم وكيفية التعامل مع هذه الحالة في الفقه والنظام ، من هذا الباب أحببت التطرق لهذا الموضوع في هذا البحث مراعياً الاختصار ليسهل الانتفاع به ، وأسأل المولى ـ عز وجل ـ أن يعفو عن الزلل ويبارك في الصواب وأن ينفع بهذا البحث كل من قرأه أو اطلع عليه وقد قسمته كالآتي : 1- تعريف الإفلاس لغة . 2- تعريف الإفلاس في الفقه . 3- تعريف الإفلاس في النظام . 4- الفرق بين الإفلاس والتفليس . الأصل الشرعي في أحكام المفلس الافلاس والتسوية القضائية. الإفلاس bankruptcy لغة هو وصف لحالة كل شخص أصابه العسر. وفي لسان العرب والقاموس المحيط: أفلس الرجل إذا لم يبق له مال، يُراد به أنه صار إلى حال يقال فيها ليس معه فلس. أما تعريف الإفلاس قانوناً فهو توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية (مادة 606 من قانون التجارة السوري). واستناداً إلى ذلك فإن المدين غير التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه والتاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه المدنية لا يمكن إشهار إفلاسهما، وبالتالي لا تطبق عليهما أحكام الإفلاس بل أحكام الإعسار المنصوصة في القانون المدني. وإذا كان الإفلاس والإعسار يقتربان لغة الواحد منهما من الآخر، إذ يعني كلاهما عجز المدين عن دفع ديونه لمدة ـ فإنهما يختلفان جوهرياً في كثير من الأحكام ولاسيما عدم الأخذ بفكرة التصفية الجماعية لأموال المعسر، وبقاء حق الدائنين في اتخاذ إجراءات فردية إزاءه، وعدم رفع يد المعسر عن إدارة أمواله، وعدم جواز شهر إعسار المدين إلا إذا كانت أمواله لا تكفي لوفاء ديونه المستحقة، بخلاف التاجر الذي يشهر إفلاسه لمجرد توقفه عن دفع ديونه التجارية ولو كانت أمواله تكفي لوفاء تلك الديون. الأصول التاريخية للإفلاس . الإفلاس الحديث نظام يرجع في نشأته إلى الأنظمة التي كانت مطبقة في الامبراطورية الرومانية وكذلك في الجمهورية الإيطالية في القرون الوسطى. ففي ظل الامبراطورية الرومانية عَدَّ القانون الروماني شخص المدين ضامناًً لديونه. فقد أجازت الألواح الاثنا عشر منح المدين مهلة ثلاثين يوماً للوفاء، فإذا لم يتمكن من سداد دينه في هذه المدة حق لدائنه أن يقبض عليه ويُعرف هذا الإجراء بـ «manus interjetio» ويحق للدائن في أثناء مدة الحبس أن يرغم المدين أن يعمل لحسابه حتى سداد الدين، فإذا لم يتمكن المدين من سداد دينه في ستين يوماً حق للدائن أن يبيع المدين بالمزاد وأن يقبض ثمنه. وكانت الغاية من القسوة على المدين، الذي يعجز عن دفع ديونه، هي وجوب توقيع العقاب على من يغدر بدائنيه في حقوقهم. ظل هذا الإجراء متبعاً حتى عام 429ق.م فقد صدر في ذلك العام قانون يقضي بتحويل ضمان الدائنين من شخص المدين إلى ماله، ولكن هذا القانون اشترط على المدين أن يتنازل عن أمواله لمصلحة الدائنين، على أن التنازل لم يكن يترتب عليه نقل ملكية أموال المدين إلى دائنيه، وإنما تقديمها ضمانةً لديونهم. واستمر العمل بهذا القانون حتى بداية ظهور القضاء البريتوري ـ في ظل الامبراطورية الرومانية ـ الذي وضع نظاماً جديداً سمح للدائنين بموجبه بوضع يدهم على أموال مدينهم دونما حاجة إلى تنازله، وكذلك ببيع هذه الأموال وتوزيع ثمنها بين الدائنين بطريقة قسمة الغرماء. يمتاز هذا القانون بأنه تضمن بعض الأفكار الرئيسية التي يدور حولها التشريع الحالي في مسائل الإفلاس، فقد سمح للدائنين بوضع يدهم على أموال مدينهم وأن يُنيطوا أمر إدارتها والتصرف بها بوكيل يتم تعيينه من قبلهم من جهة، ومنع المدين من التصرف بأمواله أو إدارتها من جهة أخرى. أحكام الإفلاس في القانون السوري وبعض القوانين العربية الأخرى . يتبع .......... |
عالج المشرع السوري أحكام الإفلاس في قانون التجارة الصادر بالمرسوم التشريعي ذي الرقم 149 المؤرخ في 22 حزيران عام .1949 ومن الملاحظ أن هذا القانون مقتبس في معظم أحكامه من القانون الفرنسي الصادر عام 1807 وما دخل عليه من التعديلات إلى تاريخ صدور قانون التجارة السوري، وأن المشرع السوري قد مال فيه إلى التقريب بين أحكامه وأحكام القوانين التجارية الصادرة في البلاد العربية، فهو في سائر مباحثه، والإفلاس واحد منها، يقترب من أحكام القانون التجاري اللبناني والعراقي والمصري كل الاقتراب، والغاية من ذلك هي توحيد التشريع بين البلاد العربية وإزالة التنازع بين قوانينها لتوحيدها أو التقريب بينها.
تناول المشرع السوري أحكام الإفلاس والصلح الواقي في الكتاب الخامس من قانون التجارة الآنف الذكر (المواد 576- 774). أما في الكويت، فقد بحث القانون التجاري الصادر عام 1962 أحكام الإفلاس والصلح الواقي (في مواده من 555 حتى 800). وفي تونس، خصصت المجلة التجارية، المتضمنة القانون التجاري التونسي الصادر عام 1959 الكتاب الرابع منها لدراسة الصلح الاحتياطي والتفليس وكرّست لذلك الفصول 413 ولغاية 596. وفي مصر بحث قانون التجارة المصري الصادر عام 1883 أحكام الإفلاس في المواد 195- 419 وفي المغرب خصص القانون التجاري المغربي الصادر عام 1913 الكتاب الثاني منه لدراسة الإفلاس، وتناوله في المواد من 197 ولغاية 389. شهر الإفلاس وإجراءاته شهر إفلاس التاجر: نظراً لخطورة النتائج التي قد تترتب على حالة الإفلاس فإن المشرع السوري اشترط صدور حكم بشهر الإفلاس، وهذا يتطلب: أن يكون المدين تاجراً، وأن يكون متوقفاً عن دفع ديونه التجارية. من المعروف أن من الشروط الواجب توافرها كي يُعدّ الشخص تاجراً أن يتخذ الأعمال التجارية مهنة له، وأن يكون كامل الأهلية. وعلى هذا لا يجوز شهر إفلاس القاصر أو الأشخاص الذين يقومون بأعمال تجارية لحساب غيرهم كالمستخدمين في المحلات التجارية ومديري الشركات المساهمة وربابنة السفن. ويجوز شهر إفلاس التاجر بعد وفاته وذلك في غضون سنة من تاريخ الوفاة شريطة أن يكون توقفه عن دفع ديونه التجارية سابقاً للوفاة. أما توقف المدين التاجر عن دفع ديونه التجارية فإن المشرع السوري قد أعطى للمحكمة سلطة مطلقة في تقدير هذه الأمور من الوقائع التي أمامها. وقد عَدّ القضاء بعض الوقائع قرائن على التوقف عن الدفع تكفي لشهر إفلاس التاجر مثل الاحتجاجات التي تبلغ إلى المدين لعدم دفع قيمة أسناد تجارية[ر] في تاريخ استحقاقها، أو إغلاق المدين محلاته التجارية وتواريه عن الأنظار، أو وضع المدين بالتداول أسناد مجاملة لا تستند إلى علاقات قانونية حقيقية وغير ذلك. حق طلب شهر الإفلاس: يتم شهر الإفلاس بحكم من المحكمة الابتدائية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي للمؤسسة التجارية وذلك بناء على طلب من التاجر المدين أو من أحد دائنيه أو من المحكمة نفسها وهذا خلافاً للقاعدة العامة القائلة بأنه لا يجوز للمحكمة أن تحكم إلا بناء على طلب. والسبب في هذا الاستثناء أن الإفلاس يتعلق بالنظام العام، وأنه لا يهم الدائنين فحسب بل يهم المجتمع بأكمله. لأن توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية قد يشيع الاضطراب في المعاملات التجارية ويخلق جواً من عدم الثقة بين الفعاليات الاقتصادية، الأمر الذي يعرقل مسيرة البلد في التقدم والازدهار. مضمون حكم شهر الإفلاس: يشتمل الحكم الصادر بشهر الإفلاس تعيين تاريخ التوقف عن الدفع، وتعيين وكيل أو عدة وكلاء للتفليسة، وتعيين القاضي المنتدب للتفليسة، والإجراءات التي تأمر بها المحكمة للمحافظة على حقوق الدائنين. شهر حكم الإفلاس: يختلف حكم شهر الإفلاس عن غيره من الأحكام الأخرى في أنه حجة مطلقة عامة ويتمسك به من كانوا طرفاً فيه وهم المدين ودائنوه الذين اشتركوا في طلب التفليسة أو غيرهم ممن لم يكونوا طرفاً فيه كالدائنين الذين لم يشتركوا في الطلب على السواء. ونتيجة لذلك فقد ألزم المشرع السوري شهر حكم الإفلاس في إحدى الصحف اليومية وفي ردهة المحكمة التي أصدرت الحكم وعلى باب مؤسسة المفلس التجارية، والغاية من ذلك هو إطلاع الناس كافة على هذا الحكم. طرق الطعن في الأحكام الصادرة في الإفلاس: الطعن في الحكم هو وسيلة أجازها القانون من أجل إعادة النظر في حكم صادر عن محكمة ما، إما لأن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون أو لأنها أخطأت في تقدير الوقائع، أو لأن الإجراءات التي بني عليها الحكم باطلة، أو لأي سبب آخر. وعلى هذا فإن طرق الطعن في الأحكام الصادرة في مسائل الإفلاس تطابق طرق الطعن بالأحكام بصورة عامة، وهي: اعتراض الغير والاستئناف والطعن بالنقض وإعادة المحاكمة. والأحكام التي تصدر عن محكمة التفليسة تخضع بدورها لطرق الطعن المذكورة ما لم يكن في القانون نص مخالف. آثار الإفلاس يترتب على الحكم القاضي بشهر الإفلاس آثار كثيرة يمكن حصرها في فئتين اثنتين: الآثار المتعلقة بالمدين، والآثار المتعلقة بالدائنين. آثار الإفلاس المتعلقة بالمدين: تقسم هذه الآثار إلى قسمين رئيسيين، يعود القسم الأول إلى أعمال المفلس السابقة على حكم شهر الإفلاس، ويشمل القسم الثاني ما يظهر أثره في المستقبل أي في تصرفات المفلس اللاحقة بشهر حكم الإفلاس. تأثير حكم شهر الإفلاس في تصرفات المدين السابقة لصدوره: إن الغاية الرئيسة من نظام الإفلاس هي تحقيق المساواة بين الدائنين كافة. لذلك فقد قضى المشرع السوري بإبطال بعض تصرفات المفلس التي تمت في فترة الريبة: أي من تاريخ توقفه عن الدفع وحتى تاريخ صدور الحكم بشهر إفلاسه، أو في العشرين يوماً السابقة لهذا التاريخ. وقد عدّد المشرع السوري على سبيل الحصر التصرفات الباطلة بحكم القانون وهي: التصرفات والتبرعات المجانية، وفاء الديون قبل استحقاقها، وفاء الديون المستحقة بغير الشيء المتفق عليه وإنشاء تأمين رضائي أو قضائي أو رهن عقاري على أموال المدين. على أنه لا يُعد هذا البطلان بطلاناً بالمفهوم العام ـ أي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد ـ بل هو مجرد عدم نفاذ التصرف في حق كتلة الدائنين. كما قضى المشرع السوري بجواز بطلان بعض التصرفات الأخرى للمدين إذا ثبت أن الذين تعاقدوا مع المدين كانوا على علم بتوقفه عن الدفع. تأثير حكم شهر الإفلاس في تصرفات المدين بعد صدوره: إن هذه الآثار هي: تخلي المفلس عن إدارة جميع أمواله، ووقف الملاحقات الفردية حياله، وسقوط آجال الديون المترتبة في ذمته، ووقف سريان الفوائد، وسقوط بعض حقوقه المدنية والسياسية. على أن رفع يد المفلس عن إدارة أمواله لا يعني نزع ملكيته لها، بل يستمر عدّه مالكاً لها. كما يترتب على وقف الملاحقات الفردية حيال المفلس عدم جواز رفع دعوى على المدين المفلس من قبل الدائنين بل يجب والحالة هذه أن تقام الدعوى في مواجهة وكيل التفليسة. كذلك يترتب على سقوط بعض حقوق المفلس المدنية والسياسية منع المفلس من القيام بوظيفة عامة أو أن يكون مديراً أو عضواً في مجلس إدارة أي شركة أو أن يكون مرشحاً أو ناخباً في المجالس السياسية أو المجالس المهنية. وذلك كله حتى يعاد إليه اعتباره وفقاً للقانون. آثار الإفلاس المتعلقة بالدائنين: يترتب على شهر حكم الإفلاس آثار عدة تمسّ الدائنين وأهمها الاسترداد. أي أنه يحق للأشخاص الذين يدّعون ملكية أموال موجودة في حيازة المفلس أن يطلبوا استردادها. وقد اشترط المشرع السوري شرطين اثنين لاسترداد البضاعة: أن تكون البضاعة موجودة عيناً في حيازة المفلس، وأن تكون مسلمة للمدين المفلس على سبيل الوديعة أو لأجل بيعها لحساب مالكها. وقد أفرد المشرع السوري حكماً خاصاً بالأسناد التجارية إذ اشترط لاستردادها أن تكون قد انتقلت إلى المدين المفلس على سبيل التوكيل لاعلى سبيل نقل ملكيتها، وأن تكون موجودة عيناً عنده. هيئة التفليسة لا بد من وجود أشخاص وهيئات في كل تفليسة لتنفيذ الإجراءات التي تستتبع حكم شهر الإفلاس وأهم هؤلاء الأشخاص: وكلاء التفليسة، والقاضي المنتدب، ومحكمة التفليسة. وكلاء التفليسة: وكيل التفليسة هو الذي يقوم مقام المفلس بإدارة أمواله، ويُعين في متن الحكم القاضي بشهر الإفلاس. ويشترط ألا يكون قريباً أو مصاهراً للمفلس حتى الدرجة الرابعة. ويجوز أن يكون للتفليسة أكثر من وكيل شريطة ألا يتجاوز عددهم الثلاثة. ويتقاضون مرتبات تحدد من قبل القاضي المنتدب. يقوم وكلاء التفليسة مباشرة، بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس، بجرد أموال المفلس بحضوره أو بعد دعوته بحسب الأصول وينظمون قائمة الجرد بحضور القاضي المنتدب. كما يقومون بجميع الأعمال اللازمة لصيانة حقوق المفلس تجاه مدينيه، ويواصلون تحت إشراف القاضي المنتدب تحصيل ديون المفلس على الغير. ثم يعمل الوكلاء على استلام سندات الدائنين للتحقق من ديونهم تجاه المفلس. ويلزمون، في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم بشهر الإفلاس، بأن يودعوا قلم المحكمة بياناً بالديون التي قاموا بتحقيقها مع ذكر القرار الذي اتخذه القاضي المنتدب بناء على اقتراحهم فيما يختص بكل منها. القاضي المنتدب: يعين القاضي المنتدب من بين أعضاء المحكمة التي أصدرت حكم شهر الإفلاس. على أنه إذا كانت المحكمة مؤلفة من قاضٍ فرد قام هو نفسه بوظائف القاضي المنتدب. يختص القاضي المنتدب بمراقبة عمليات الإفلاس وإدارتها. ويقدم تقريراً إلى المحكمة في المنازعات التي تنشأ عن الإفلاس، وله أن يأذن لوكيل التفليسة بالقيام ببعض الأعمال الضرورية كبيع الأشياء القابلة للتلف وتسليم المفلس ثيابه وأمتعته الضرورية. محكمة التفليسة: تختص محكمة التفليسة بالنظر في جميع الدعاوى التي يكون منشؤها القواعد المختصة بالإفلاس ولها تعيين وكيل التفليسة كما يحق لها أن تجيز بعض الأعمال الضرورية المهمة. حلول قضايا التفليسة تنتهي التفليسة بأحد الحلول التالية: الصلح البسيط أو اتحاد الدائنين أو الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته أو إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات. الصلح البسيط: قد لا يجد الدائنون مصلحة لهم بمتابعة إجراءات الإفلاس والوصول أخيراً إلى بيع موجودات المفلس وتوزيع ثمنها عليهم، فيرتضون إجراء صلح مع المفلس. ولهذا ألزم المشرع السوري القاضي المنتدب أن يوجه دعوة إلى الدائنين للاجتماع من أجل المفاوضة في عقد صلح مع المفلس وذلك في الأيام الثلاثة التي تلي إغلاق جدول الديون للدائنين الذين جرى تثبيت ديونهم نهائياً. أما الدائنون الذين قبلت ديونهم مؤقتاًً فيُدعى كل واحد منهم بكتاب مضمون في الأيام الثلاثة التي تلي قرار المحكمة القاضي بقبول ديونهم. وبما أن الصلح هو عقد بين المفلس والدائنين، فإن القانون أوجب على المفلس أن يحضر بنفسه الاجتماع، أو أن يرسل وكيلاً عنه إذا أبدى عذراً وقبله القاضي. يرأس القاضي المنتدب اجتماع المفاوضة لعقد الصلح. وفي الاجتماع يتلو وكيل التفليسة تقريراً خطياً عن حالة التفليسة، ثم يعطى حق الكلام للمفلس أو وكيله فيتقدم بالشروط التي يقترحها لعقد الصلح، وتجري بعد ذلك المناقشة بهذه الشروط بين المفلس والدائنين بحيث قد يقبل المفلس إجراء بعض التعديلات عليها. ثم تطرح، بعد ذلك، شروط الصلح مع تعديلاتها، إن وجدت، على التصويت. وقد اشترط القانون لحصول الصلح أن يصوت إلى جانبه عدد من الدائنين يؤلفون الأغلبية النسبية ويملكون ثلثي الديون المثبتة على وجه نهائي ومؤقت. لكن هذا الصلح لا ينتج أثره ولا يكون نافذاً إلا بعد عرضه على محكمة التفليسة لتصديقه. وقد يتضمن عقد الصلح منح المفلس آجالاً لوفاء ديونه وتقسيطها أو إبراءه من جزء كبير أو صغير منها. اتحاد الدائنين: الاتحاد هو حالة من حالات حلول التفليسة، أي إنهاؤها. وتتم في الأحوال الثلاث التالية: إذا لم يطلب المدين المفلس عقد الصلح، إذا طلب المدين المفلس عقد الصلح ورفضه الدائنون، إذا حصل المدين المفلس على الصلح ثم أبطل أو فسخ. وعلى إثر قيام حالة الاتحاد يدعو القاضي المنتدب الدائنين للمداولة فيما يتعلق بأعمال الإدارة وفي شأن إبقاء وكلاء التفليسة أو استبدال غيرهم بهم، ويقوم وكلاء الاتحاد بتصفية موجودات التفليسة، أي التحقق من موجودات المفلس وتحصيل الديون وبيع الموجودات وتوزيع حاصل التصفية على الدائنين بنسبة ديونهم. الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته: يجوز إجراء عقد صلح بين المفلس ودائنيه: إما بالتنازل الكلي أو بالتنازل الجزئي عن موجوداته. يتم بعد الاتفاق على عقد الصلح رفع يد المفلس عن الأموال المتنازل عنها، ويتم بيعها بوساطة وكلاء يتم تعيينهم لهذه الغاية، وتخضع إجراءات البيع إلى القواعد نفسها المتبعة في حالة الاتحاد. إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات: يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها، أو بناء على تقرير من القاضي المنتدب قبل تصديق عقد الصلح، أو تأليف اتحاد الدائنين، أن تحكم بإغلاق التفليسة إذا تبين لها عدم كفاية الموجودات. على أنه يحق للمحكمة الرجوع عن هذا الحكم إذا ثبت لديها وجود مال كاف لسداد نفقات التفليسة. الحقوق الخاصة التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة التفليسة يوجد بعض الحقوق الخاصة التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة التفليسة. وهذه الحقوق هي: حقوق زوج المفلس، حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو امتياز على منقول، حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو تأمين أو امتياز على عقار، حقوق أصحاب الديون المترتبة على عدة مدينين. حقوق زوج المفلس: يحق للمرأة التي أفلس زوجها أن تسترد عيناً المنقولات والعقارات إذا استطاعت إثبات ملكيتها لها قبل الزواج، وكذلك استرداد العقارات التي تم شراؤها في مدة الزوجية شريطة إثبات أن الأموال التي تم شراء هذه العقارات بها لم تكن من زوجها، وأن ينص عقد الشراء صراحة على بيان استعمال النقود. على أن المشرع السوري عدّ جميع الأموال التي أحرزتها الزوجة في أثناء مدة الزواج مشتراة بنقود زوجها، ما لم تقم الزوجة الدليل على عكس ذلك. حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو امتياز على منقول: إن الديون المضمونة برهن أو امتياز على منقول هي: امتياز الدائن المرتهن لبضاعة، وامتياز البائع، وامتياز المؤجر. وعلى هذا إذا رغب وكلاء التفليسة باستعادة الأشياء المرهونة فيجب عليهم وفاء الدين بعد الحصول على ترخيص من القاضي المنتدب. إما إذا لم يرغب وكلاء التفليسة بهذا الاسترداد وقام الدائن بعد ذلك ببيع الأشياء المرهونة فإنه يجب عليه في حال بيعها بثمن يزيد على الدين إعادة الزيادة إلى وكيل التفليسة. أما إذا كان الثمن أقل من الدين فإنه يحق للدائن المرتهن الاشتراك بالباقي في التفليسة بصفته دائناً عادياً. حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو تأمين أو امتياز على عقار: إذا تم توزيع ثمن العقارات قبل توزيع ثمن المنقولات أو حصل التوزيعان معاً يحق للدائنين المرتهنين للعقارات أو أصحاب حقوق الامتياز عليها، الذين لم يستوفوا ديونهم كلها من ثمن العقارات، الاشتراك بما بقي لهم مع الدائنين العاديين، شريطة أن تكون ديونهم قد حققت. حقوق أصحاب الديون المترتبة على عدة مدينين: إذا أفلس جميع الملتزمين بدين واحد دفعة واحدة كأن يحمل دائن سند دين موقع أو مظهر أو مكفول بوجه التضامن مع المفلس من شركاء له في الالتزام مفلسين أيضاً، جاز له أن يشترك في كل تفليسة بكل دينه إلى أن يستوفيه بتمامه، إلا أنه لا يجوز لتفليسة الرجوع على تفليسة أخرى بما أوفته عنها. جرائم الإفلاس إن الجرائم التي يمكن أن يرتكبها المفلس على نوعين: الإفلاس الاحتيالي والإفلاس التقصيري. الإفلاس الاحتيالي: يُعد مفلساً محتالاً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات كل تاجر مفلس أخفى دفاتره، واختلس أو بدّد قسماً من ماله، أو اعترف مواضعة بديون غير متوجبة عليه سواء في دفاتر أو صكوك رسمية أو عادية أو بموازنته. كما عَدّت بعض القوانين العربية، كالقانون الكويتي مثلاً، أن المدين يرتكب إفلاساً احتيالياً إذا حصل على الصلح بطريق التدليس. الإفلاس التقصيري: إذا أقدم التاجر، بعد التوقف عن الدفع، وفي سبيل تأخير الإفلاس، على شراء بضاعة ليبيعها بأقل من ثمنها، أو عقد للغاية نفسها قروضاً أو حوّل سندات أو توسل بطرق أخرى مبيدة للحصول على المال أو كان قد استهلك مبالغ باهظة في مضاربات وهمية، أو إذا أقدم على إيفاء دائن إضراراً بكتلة الدائنين، أو إذا زادت نفقاته الشخصية أو نفقات عائلته عن الحد المعقول، فإنه والحالة هذه يعدّ مفلساً مقصراً. والإفلاس التقصيري هو نوع من الجنحة يحاكم مرتكبه أمام المحكمة البدائية الجزائية ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة. أحكام إفلاس الشركات تسري على إفلاس الشركات القواعد المتعلقة بإفلاس التاجر بصورة عامة والتي ذكرت آنفاً، عدا بعض الأحكام الخاصة التي تختلف بين شركة وأخرى. يجوز شهر إفلاس جميع الشركات عدا شركة المحاصة لصفتها المستترة، كما يجوز شهر إفلاس الشركة وهي في حالة التصفية لأنها لا تزال تتمتع بالشخصية الاعتبارية. تختلف الآثار التي يرتبها الحكم بشهر الإفلاس بين شركة وأخرى. ففي شركات التضامن وشركات التوصية يؤدي شهر إفلاس الشركة حتماً إلى إفلاس جميع الشركاء المتضامنين، أما في الشركات المساهمة والشركات المحدودة المسؤولية فلا تأثير لإفلاس الشركة على الشركاء لأنهم لا يكتسبون الصفة التجارية، فهم مسؤولون عن ديون الشركة فقط بما كانوا قد قدموه من حصص أو أسهم. أما فيما يتعلق بمسؤولية مديري هذه الشركات، في حال إفلاس الشركة إفلاساً احتيالياً أو تقصيرياً، فإنه يمكن إقامة دعوى المسؤولية الجزائية على هؤلاء المديرين وعلى أعضاء مجالس إدارتها الذين يقومون بوظائف المديرين. كتبها : فاروق أبو الشامات منشورة في الموسوعة العربية |
الإفلاس .. تعريفه .. تصوره ...كيفية التعامل معه .
إفلاسٌ * التعريف : 1 - الإفلاس مصدر أفلس ، وهو لازمٌ ، يقال : أفلس الرّجل إذا صار ذا فلوسٍ بعد أن كان ذا ذهبٍ وفضّةٍ ، أو صار إلى حالٍ ليس له فلوسٌ . والفلس اسم المصدر ، بمعنى الإفلاس . والإفلاس في الاصطلاح : أن يكون الدّين الّذي على الرّجل أكثر من ماله ، وسواءٌ أكان غير ذي مالٍ أصلاً ، أم كان له مالٌ إلاّ أنّه أقلّ من دينه . قال ابن قدامة : وإنّما سمّي من غلب دينه ماله مفلساً وإن كان له مالٌ ، لأنّ ماله مستحقّ الصّرف في جهة دينه ، فكأنّه معدومٌ . الألفاظ ذات الصّلة : 2 - التّفليس هو : مصدر فلّست الرّجل ، إذا نسبته إلى الإفلاس .أ - التّفليس : واصطلاحاً : جعل الحاكم المدين مفلساً بمنعه من التّصرّف في ماله . وهذا ما صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة عندما عرّفوا التّفليس بالمعنى الأخصّ . والعلاقة بين التّفليس والإفلاس : أنّ الإفلاس أثر التّفليس في الجملة . وجرى المالكيّة على أنّ التّفليس يطلق على ما قبل الحجر بعد قيام الغرماء على المدين ، قالوا : ويقال حينئذٍ : إنّه تفليسٌ بالمعنى الأعمّ ، ويطلق على ما بعد الحجر عليه بحكم الحاكم ، ويكون حينئذٍ تفليساً بالمعنى الأخصّ . ب - الإعسار : 3 - الإعسار في اللّغة : مصدر أعسر ، وهو ضدّ اليسار . والعسر : اسم مصدرٍ ، وهو الضّيق والشّدّة والصّعوبة .وفي الاصطلاح : عدم القدرة على النّفقة بمالٍ ولا كسبٍ . فبين الإعسار والإفلاس عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ ، فكلّ مفلسٍ معسرٌ ، ولا عكس . ج - الحجر : 4 - الحجر لغةً : المنع مطلقاً ، وشرعاً : منع نفاذ تصرّفٍ قوليٍّ . وهو أعمّ من التّفليس من حيث الأثر ، إذ يشمل منع الصّبيّ والسّفيه والمجنون ومن في حكمهم من التّصرّف في المال .حكم الإفلاس : 5 - لمّا كان الإفلاس صفةً للشّخص لا فعلاً له لم يوصف بحلٍّ ولا حرمةٍ ، ولكن للإفلاس مقدّماتٌ هي من فعل المكلّف ، كالاستدانة ، وهذه قد ترد عليها الأحكام التّكليفيّة ، ويرجع في ذلك إلى مصطلح ( استدانةٌ ) .وقد يكون سبب الإفلاس الإعسار ، وله أحكامٌ وضعيّةٌ ( آثارٌ ) مفصّلةٌ في مصطلح ( إعسارٌ ) ، وأمّا الإفلاس من حيث إنّه أثرٌ للتّفليس ، فإنّه يناسب هنا الكلام على أحكام التّفليس . الحكم التّكليفيّ للتّفليس : 6 - إذا أحاط الدّين بمال المدين ، وطلب الغرماء الحجر عليه ، وجب على الحاكم تفليسه عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وصاحبي أبي حنيفة ، وهو المفتى به عند الحنفيّة . واشترط المالكيّة لوجوب ذلك ألاّ يمكن للغرماء الوصول إلى حقّهم إلاّ به . أمّا إذا أمكن الوصول إلى حقّهم بغير ذلك كبيع بعض ماله ، فإنّه لا يصار إلى التّفليس .وذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا يفلّس ، لأنّه كامل الأهليّة ، وفي الحجر عليه إهدارٌ لآدميّته . واستدلّ القائلون بتفليسه : بأنّ الكلّ مجمعٌ على الحجر على المريض مرض الموت فيما زاد على الثّلث لحقّ الورثة ، فلأن يحجر عليه ويمنع من التّصرّف في أمواله لحقّ الغرماء أولى . وممّا يتّصل بهذا الموضوع : أنّه هل يجوز للحاكم أن يبيع ماله جبراً عليه أو لا ؟ ذهب الجمهور إلى جواز ذلك مستدلّين بحديث معاذٍ : « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حجر عليه ، وباع ماله في دينٍ كان عليه ، وقسمه بين غرمائه ... » وكذلك أثر أسيفعٍ : أنّه كان يشتري الرّواحل ، فيغالي بها ، ثمّ يسرع في السّير فيسبق الحاجّ ، فأفلس ، فرفع أمره إلى عمر بن الخطّاب فقال : ( أمّا بعد : أيّها النّاس فإنّ الأسيفع أسفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال : سبق الحاجّ ، إلاّ أنّه قد أدان مغرضاً ، فأصبح وقد رين به ، فمن كان له دينٌ فليأتنا بالغداة نقسم ماله بين غرمائه ، وإيّاكم والدّين ... ) ولأنّه محجورٌ عليه محتاجٌ إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير رضاه ، كالصّغير والمجنون . وقال أبو حنيفة : لا يباع ماله جبراً عنه ، لأنّه لا ولاية عليه في ماله ، إلاّ أنّ الحاكم يجبره على البيع إذا لم يمكن الإيفاء بدون إجبارٍ ، لقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم } . واستثنى أبو حنيفة من ذلك أنّه إذا كان دينه دراهم ، وفي المال دراهم ، دفعت للغريم جبراً . وكذلك إن كان دينه دنانير وفي المال دنانير ، دفعت للدّائنين جبراً . وكذلك إذا كان عليه أحد النّقدين وفي ماله النّقد الآخر ، لأنّهما كجنسٍ واحدٍ . واستدلّ لذلك بأنّ الغريم إذا ظفر بمثل دينه أخذه جبراً ، فالحاكم أولى ، وهذا الاستثناء عنده من قبيل الاستحسان . وممّا يتّصل بهذا أنّ المدين المستغرق بالدّين ، يحرم عليه ديانةً كلّ تصرّفٍ يضرّ بالدّائنين ، كما يحرم على الآخرين أن يتعاملوا معه بما يضرّ بدائنيه متى علموا . وتفصيل ذلك في ( استدانةٌ ) . شرائط الحجر على المفلس : 7 - يشترط للحجر على المفلس عند كلّ من أجازه أن يطلب الغرماء أو من ينوب عنهم أو يخلفهم الحجر عليه . فلو طالبوا بديونهم ولم يطلبوا الحجر لم يحجر عليه .الشّريطة الأولى : ولا يشترط أن يطلبه جميع الغرماء ، بل لو طلبه واحدٌ منهم لزم ، وإن أبى بقيّة الغرماء ذلك أو سكتوا ، أو طلبوا تركه ليسعى . وإذا فلّس لطلب بعضهم كان للباقين المحاصّة . ولو طلب المدين تفليس نفسه والحجر عليه لم يجبه الحاكم إلى ذلك من غير طلب الغرماء . وهذا عند المالكيّة والحنابلة ، وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة . والأصحّ عندهم يحجر على المدين بسؤاله أو سؤال وكيله ، قيل : وجوباً ، وقيل : جوازاً . قالوا : لأنّ له غرضاً ظاهراً في ذلك ، وهو صرف ماله إلى ديونه . ووجه الأوّل أنّ الحجر ينافي الحرّيّة والرّشد ، وإنّما حجر بطلب الغرماء للضّرورة ، وأنّهم لا يتمكّنون من تحصيل مقصودهم إلاّ بالحجر ، خشية الضّياع ، بخلاف المدين فإنّ غرضه الوفاء ، وهو متمكّنٌ منه ببيع أمواله وقسمتها على غرمائه . وجعل بعضهم من الحجر بطلب المدين« حجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم على معاذٍ ». قالوا : الأصوب أنّه كان بسؤال معاذٍ نفسه . وقال الشّافعيّة : ولو كان الدّين لقاصرٍ ، ولم يسأل وليّه الحجر ، وجب على الحاكم الحجر من غير سؤالٍ ، لأنّه ناظرٌ لمصلحته . ومثله عندهم ما لو كانت الدّيون لمسجدٍ ، أو جهةٍ عامّةٍ كالفقراء . وقال الشّافعيّة أيضاً في حالة ما إذا طلب بعض الدّائنين الحجر دون بعضٍ : يشترط أن يكون دين الطّالب أكثر من مال المدين ، وإلاّ فلا حجر ، لأنّ دينه يمكن وفاؤه بكماله . وهذا هو المعتمد عندهم ، وفي قولٍ : يعتبر أن يزيد دين الجميع على ماله ، لا دين طالب الحجر فقط . الشّريطة الثّانية : 8 - يشترط أن يكون الدّين الّذي طلب ربّه الحجر على المدين بسببه ديناً حالاًّ ، سواءٌ أكان حالاًّ أصالةً ، أم حلّ بانتهاء أجله ، فلا حجر بالدّين المؤجّل ، لأنّه لا يطالب به في الحال ، ولو طولب به لم يلزمه الأداء .الشّريطة الثّالثة : 9 - يشترط أن تكون الدّيون على المفلس أكثر من ماله . وعلى هذا فلا يفلّس بدينٍ مساوٍ لماله ، وهو قول المالكيّة ، ويفهم أيضاً من كلام الحنابلة ، وقال المالكيّة : ولو لم يزد دينه الحالّ على ماله لكن بقي من مال المدين مالاً يفي بالمؤجّل يفلّس أيضاً ، كمن عليه مائتان . مائةٌ حالّةٌ ومائةٌ مؤجّلةٌ ، ومعه مائةٌ وخمسون فقط ، فيفلّس ، إلاّ إن كان يرجى من تنميته للفضلة - وهي خمسون في مثالنا - وفاء المؤجّل .وقال الشّافعيّة : إن كانت ديونه بقدر ماله ، فإن كان كسوباً ينفق من كسبه فلا حجر لعدم الحاجة ، وإن لم يكن كسوباً ، وكانت نفقته من ماله ، فيحجر عليه كي لا يضيّع ماله في نفقته على قولٍ عندهم . والأصحّ عندهم : أنّه لا حجر في هذه الحال أيضاً ، لتمكّن الغرماء من المطالبة في الحال . الشّريطة الرّابعة : 10 - الدّين الّذي يحجر به هو دين الآدميّين . أمّا دين اللّه تعالى فلا يحجر به . نصّ على ذلك الشّافعيّة . قالوا : ولو فوريّاً ، كنذرٍ ، وإن كان مستحقّوه محصورين ، وكالزّكاة إذا حال الحول وحضر المستحقّون .الشّريطة الخامسة : 11 - يشترط أن يكون الدّين المحجور به لازماً ، فلا حجر بالثّمن في مدّة الخيار ، نصّ على ذلك الشّافعيّة . الحجر على المدين الغائب : 12 - يصحّ عند الحنفيّة على قول الصّاحبين الحجر على المدين الغائب ، ولكن يشترط علم المحجور عليه بعد الحجر ، حتّى إنّ كلّ تصرّفٍ باشره بعد الحجر قبل العلم به يكون صحيحاً عندهم .وإن ثبت الدّين بإقراره ، أو ببيّنةٍ قامت عليه عند القاضي ، فغاب المطلوب قبل الحكم وامتنع من الحضور ، قال أبو يوسف : ينصب القاضي وكيلاً ، ويحكم عليه بالمال ، إن سأل الخصم ذلك ، وإن سأل الخصم أن يحجر عليه ، فعند أبي حنيفة ومحمّدٍ لا يحكم ولا يحجر حتّى يحضر الغائب ، ثمّ يحكم عليه ، ثمّ يحجر عليه عند محمّدٍ ، لأنّه إنّما يحجر بعد الحكم لا قبله . كذا في الذّخيرة . وفي النّوادر عن محمّدٍ : إن كانوا قد أثبتوا ديونهم يحجر عليه . ويصحّ الحجر على الغائب كذلك عند المالكيّة ، إن كانت غيبته متوسّطةً كعشرة أيّامٍ ، أو طويلةً كشهرٍ مثلاً ، أمّا الغائب الغيبة القريبة ففي حكم الحاضر . واشترطوا للحجر على الغائب ألاّ يتقدّم العلم بملاءته قبل سفره . فإن علم ملاءته قبل سفره استصحب ذلك ولم يفلّس .. وعند ابن رشدٍ يفلّس في الغيبة الطّويلة ، وإن علم ملاءته حال خروجه . ولم نجد للشّافعيّة والحنابلة كلاماً عن هذه المسألة فيما اطّلعنا عليه . من يحجر على المفلس : 13 - لا يكون المفلس محجوراً عليه إلاّ بحجر القاضي عليه . والحجر للقاضي دون غيره ، لاحتياجه إلى نظرٍ واجتهادٍ . هذا وإنّ لقيام الغرماء على المدين الّذي أحاط الدّين بماله بعض أحكام التّفليس عند المالكيّة ، ويسمّى هذا عند المالكيّة تفليساً عامّاً ، وهو أن يقوم الغرماء على من أحاط الدّين بماله - وقبل أن يحجر عليه الحاكم - فيسجنوه ، أو يقوموا عليه فيستتر عنهم فلا يجدونه ، ويحولون بينه وبين التّصرّف في ماله بالبيع والشّراء والأخذ والإعطاء ، هذا بالإضافة إلى منع تبرّعه ، ومنعهم لسفره ، كما في كلّ مدينٍ بدينٍ حالٍّ أو يحلّ في الغيبة ، وليس لهم في هذه الحال منعه من تزوّجٍ واحدةٍ ، وتردّدوا في حجّ الفريضة ، والفتوى عندهم على أنّ لهم منعه منه . ونقل ابن رجبٍ الحنبليّ في قواعده أنّ ابن تيميّة كان لا يرى نفاذ تبرّع المدين بالدّين المستغرق بعد المطالبة .ونقل عن الإمام أحمد أنّ تصرّفه بالعين الّتي له حقّ الرّجوع فيها على المحجور عليه لا ينفذ إن طالبه بها صاحبها ، ولو قبل الحجر . وأمّا عند سائر الفقهاء فإنّ المفلس قبل الحجر عليه كغير المفلس ، وما يفعله من بيعٍ أو هبةٍ أو إقرارٍ أو قضاء بعض الغرماء دون بعضٍ فهو جائزٌ نافذٌ ، لأنّه رشيدٌ غير محجورٍ عليه ، فنفذ تصرّفه كغيره . ونصّ شارح المنتهى من الحنابلة على أنّه يحرم عليه التّصرّف في ماله بما يضرّ غريمه . وصيغة الحجر أن يقول الحاكم : منعتك من التّصرّف ، أو حجرت عليك للفلس . ويقتضي كلام الجمهور التّخيير بين الصّيغتين ، ونحوهما - كفلّستك - من كلّ ما يفيد معنى الحجر . الإثبات : 14 - لا حجر بالدّين إلاّ إن ثبت لدى القاضي بطريقٍ من طرق الإثبات الشّرعيّة ( ر : إثباتٌ ) . إشهار الحجر بالإفلاس والإشهاد عليه : 15 - الّذين قالوا بمشروعيّة الحجر على المفلس قالوا : يستحبّ إظهار الحجر عليه وإشهاره لتجتنب معاملته ، كي لا يستضرّ النّاس بضياع أموالهم .وقال الحنفيّة - على رأي الصّاحبين - والشّافعيّة والحنابلة : ويسنّ الإشهاد عليه لينتشر ذلك عنه ، ولأنّه ربّما عزل الحاكم أو مات ، فيثبت الحجر عند الآخر فيمضيه ، ولا يحتاج إلى ابتداء حجرٍ ثانٍ . ولأنّ الحجر تتعلّق به أحكامٌ ، وربّما يقع التّجاحد فيحتاج إلى إثباته . ولم يتعرّض المالكيّة لذلك فيما اطّلعنا عليه من كلامهم . آثار الحجر على المفلس : 16 - إذا حجر القاضي على المفلس ، تعلّق بذلك من الآثار ما يلي : أ - تتعلّق حقوق الغرماء بماله ، ويمنع من الإقرار على ذلك المال والتّصرّف فيه . ب - انقطاع الطّلب عنه بدينٍ جديدٍ بعد الحكم بالإفلاس . ج - حلول الدّين المؤجّل في ذمّة المدين . د - استحقاق من وجد عين ماله عند المدين استرجاعه . هـ-استحقاق بيع مال المفلّس وقسمه بين الغرماء . وفيما يلي تفصيل القول في هذه الآثار . الأوّل : تعلّق حقّ الغرماء بالمال : 17 - بالحجر يتعلّق حقّ الغرماء بالمال ، نظير تعلّق حقّ الرّاهن بالمال المرهون ، فلا ينفذ تصرّف المحجور عليه في ذلك المال بما يضرّهم ، ولا ينفذ إقراره عليه . والمال الّذي يتعلّق به حقّ الغرماء هو مال المدين الّذي يملكه حال الحجر اتّفاقاً عند من يقول بجواز تفليس المدين . وأمّا ما يحدث له بعد ذلك فلا يشمله الحجر عند صاحبي أبي حنيفة - رحمهم الله - والمالكيّة ، وعلى قولٍ عند الشّافعيّة - هو مقابل الأصحّ عندهم - قالوا : كما لا يتعدّى حجر الرّاهن على نفسه في العين المرهونة إلى غيرها . والأصحّ عند الشّافعيّة ومذهب الحنابلة : يشمله الحجر كذلك ما دام الحجر قائماً ، نحو ما ملكه بإرثٍ ، أو هبةٍ أو اصطيادٍ أو صدقةٍ أو ديةٍ أو وصيّةٍ ، قال الشّافعيّة : أو شراءٍ في الذّمّة . قالوا : لأنّ مقصود الحجر وصول الحقوق إلى أهلها ، وذلك لا يختصّ بالموجود . فعلى قول الحنفيّة والمالكيّة يتصرّف المحجور عليه لفلسٍ فيما تجدّد له بعد الحجر من المال ، سواءٌ كان عن أصلٍ ، كربح مالٍ تركه بيده بعض من فلّسه ، أو عن معاملةٍ جديدةٍ ، أو عن غير أصلٍ كميراثٍ وهبةٍ ووصيّةٍ . ولا يمنع من ذلك التّصرّف إلاّ بحجرٍ جديدٍ على ما صرّح به المالكيّة . الإقرار : 18 - على قول الحنفيّة والحنابلة - وهو خلاف الأظهر عند الشّافعيّة - لا يقبل على الغرماء إقرار المفلّس بشيءٍ من ماله الّذي حجر عليه فيه ، لاحتمال التّواطؤ بين المفلّس ومن أقرّ له ، ويلزمه ما أقرّ به بعد فكّ الحجر عنه .والأظهر عند الشّافعيّة : أنّه يقبل في حقّ الغرماء ، إن أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر عليه أو أطلق ، لا إن أضافه إلى ما بعد الحجر . وعند المالكيّة تفصيلٌ ، قالوا : يقبل إقراره على غرمائه إن أقرّ بالمجلس الّذي حجر عليه فيه ، أو قريباً منه ، إن كان دينه الّذي حجر عليه به ثبت بالإقرار ، أو علم تقدّم المعاملة بينهما . أمّا في غير ذلك إن ثبت بالبيّنة ، فلا يقبل إمراره عليه لغيرهم . تصرّفات المفلّس في المال : 19 - تصرّفات المفلّس ثلاثة أنواعٍ :الأوّل : تصرّفاتٌ نافعةٌ للغرماء ، كقبوله الهبة والصّدقة ، فهذه لا يمنع منها . الثّاني : تصرّفاتٌ ضارّةٌ ، كهبته لماله ، ووقفه له ، وتصدّقه به ، والإبراء منه ، وسائر التّبرّعات ، فهذه يؤثّر فيها الحجر عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وعلى الأظهر عند الشّافعيّة . والقول الثّاني عند الشّافعيّة : أنّ التّصرّف يقع موقوفاً ، فإن فضل ذلك عن الدّين نفذ وإلاّ لغا . ومن أجل ذلك قال الحنابلة : لا يكفّر المفلّس بغير الصّوم ، لئلاّ يضرّ بالغرماء . ويستثنى من هذا النّوع التّصرّف بعد الموت ، كما لو أوصى بمالٍ . وإنّما صحّ هذا لأنّ الوصيّة تخرج من الثّلث بعد حقّ الدّائنين . واستثنى الحنابلة أيضاً تصرّفه بالصّدقة اليسيرة . الثّالث : تصرّفاتٌ دائرةٌ بين النّفع والضّرّ ، كالبيوع والإجارة . والأصل في هذا النّوع أنّه باطلٌ على قول بعض الفقهاء ، منهم الحنابلة والشّافعيّة في الأظهر ، وابن عبد السّلام من المالكيّة . ومذهب المالكيّة : أنّه يمنع من التّصرّف المذكور ، فإن أوقعه وقع موقوفاً على نظر الحاكم إن اختلف الغرماء ، وعلى نظرهم إن اتّفقوا ، ومذهب الحنفيّة على قول الصّاحبين أنّ للمفلّس أن يبيع ماله بثمنٍ مثله ، لأنّه لا يبطل حقّ الغرماء ، وإن باع بالغبن لا يصحّ منه ، سواءٌ أكان الغبن يسيراً أم فاحشاً ، ويخيّر المشتري بين إزالة الغبن وبين الفسخ . ولو باع بعض ماله لغريمه بدينه ، فقال الحنابلة : لا يصحّ ، لأنّه محجورٌ عليه . وقال الشّافعيّة في الأصحّ عندهم : لا يصحّ إلاّ بإذن القاضي ، لأنّ الحجر يثبت على العموم ، ومن الجائز أن يظهر له غريمٌ آخر . ومقابله عند الشّافعيّة : يصحّ ، ولو بغير إذن القاضي ، لأنّ الأصل عدم الغريم الآخر . لكن لا يصحّ إلاّ بشرط أن يكون البيع للغرماء جميعهم بلفظٍ واحدٍ ، وأن يكون دينهم من نوعٍ واحدٍ . وقال الحنفيّة : إن باع ماله من الغريم ، وجعل الدّين بالثّمن على سبيل المقاصّة صحّ إن كان الغريم واحداً . وإن كان الغريم أكثر من واحدٍ ، فباع ماله من أحدهم بمثل قيمته يصحّ ، كما لو باع من أجنبيٍّ بمثل قيمته ، ولكنّ المقاصّة لا تصحّ ، كما لو قضى دين بعض الغرماء دون بعضٍ . ولم نجد المالكيّة تعرّضوا لهذه المسألة بخصوصها ، فيظهر أنّها عندهم أيضاً موقوفةٌ على نظر القاضي أو الغرماء كما تقدّم . التّصرّف في الذّمّة من المحجور عليه لفلسٍ : 20 - لو تصرّف المحجور عليه لفلسٍ تصرّفاً في ذمّته بشراءٍ أو بيعٍ أو كراءٍ صحّ ، نصّ على ذلك المالكيّة ، والشّافعيّة على الصّحيح عندهم ، والحنابلة ، وهو مقتضى مذهب الصّاحبين ، لأهليّته للتّصرّف ، والحجر يتعلّق بماله لا بذمّته ، ولأنّه لا ضرر فيه على الغرماء ، ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه . إمضاء التّصرّفات السّابقة على الحجر أو إلغاؤها : 21 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ للمفلّس بعد الحجر عليه إمضاء خيارٍ ، وفسخٌ لعيبٍ فيما اشتراه قبل الحجر ، لأنّه إتمامٌ لتصرّفٍ سابقٍ على حجره فلم يمنع منه ، كاسترداد وديعةٍ أودعها قبل الحجر عليه ، وسواءٌ أكان في ذلك الإمضاء أو الفسخ حظٌّ للمفلّس أو لم يكن . وقال المالكيّة : ينتقل الخيار للحاكم أو للغرماء ، فلهم الرّدّ أو الإمضاء . وصرّح الحنفيّة بأنّ البيع ، إن كان بمثل القيمة جاز من المحجور عليه ، فيؤخذ منه مراعاةً لحظّ الغرماء في الفسخ أو الإمضاء . حكم ما يلزم المفلّس من الحقوق في مدّة الحجر : 22 - ما لزم المفلّس من ديةٍ أو أرش جنايةٍ زاحم مستحقّها الغرماء ، وكذا كلّ حقٍّ لزمه بغير رضى الغريم واختياره ، كضمان إتلاف المال ، لانتفاء تقصيره . بخلاف التّصرّفات الّتي تقدّم ذكر المنع منها ، فإنّها تكون برضا الغريم واختياره . قال الشّافعيّة على الأصحّ عندهم : ولو أقرّ المفلّس بجنايةٍ قبل إقراره على الغرماء ، سواءٌ أسند المفلّس سبب الحقّ إلى ما قبل الحجر أو إلى ما بعده .وجعل من ذلك صاحب المغني أنّه لو أفلس ، وله دارٌ مستأجرةٌ فانهدمت ، بعدما قبض المفلّس الأجرة ، انفسخت الإجارة فيما بقي من المدّة ، وسقط من الأجرة بقدر ذلك . ثمّ إن وجد عين ما له أخذ بقدر ذلك ، وإن لم يجده شارك الغرماء بقدره . الأثر الثّاني - انقطاع المطالبة عنه : 23 - وذلك لقول اللّه تعالى : { وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ } وقول النّبيّ لغرماء معاذٍ : « خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلاّ ذلك » وفي روايةٍ « ولا سبيل لكم عليه » فمن أقرضه شيئاً أو باعه شيئاً عالماً بحجره لم يملك مطالبته ببدله حتّى ينفكّ الحجر عنه ، لتعلّق حقّ الغرماء حالة الحجر بعين مال المفلّس ، ولأنّه هو المتلف لماله بمعاملة من لا شيء معه ، لكن إن وجد المقرض أو البائع أعيان ما لهما فلهما أخذها كما سبق ، إن لم يعلما بالحجر . الأثر الثّالث - حلول الدّين المؤجّل : 24 - في حلول الدّيون الّتي على المفلّس بالحجر عليه قولان للفقهاء :الأوّل وهو قول المالكيّة المشهور عندهم ، وقولٌ للشّافعيّ هو خلاف الأظهر عند أصحابه ، وروايةً عن أحمد : أنّ الدّيون المؤجّلة الّتي على المفلّس تحلّ بتفليسه . قال المالكيّة : ما لم يكن المدين قد اشترط عدم حلولها بالتّفليس . واحتجّ أصحاب هذا القول : بأنّ التّفليس يتعلّق به الدّين بالمال ، فيسقط الأجل ، كالموت . قال المالكيّة : ولو طلب الدّائن بقاء دينه مؤجّلاً لم يجب لذلك . والثّاني ، وهو قول الحنفيّة ، والشّافعيّ وهو الأظهر عند أصحابه ، وروايةً عن أحمد هي الّتي اقتصر عليها في الإقناع : لا يحلّ الأجل بالتّفليس . قالوا : لأنّ الأجل حقٌّ للمفلّس ، فلا يسقط بفلسه ، كسائر حقوقه ، ولأنّه لا يوجب حلول ما له ، فلا يوجب حلول ما عليه ، كالجنون والإغماء ، وليس هو كالموت ، فإنّ الموت تخرب به الذّمّة ، بخلاف التّفليس . فعلى هذا القول : لا يشارك أصحاب الدّيون المؤجّلة أصحاب الدّيون الحالّة ، إلاّ إن حلّ المؤجّل قبل قسمة المال فيحاصّهم . أو قبل قسمة بعضه فيشاركهم الدّائن في ذلك البعض . قال الرّمليّ من الشّافعيّة ، وصاحب الإقناع من الحنابلة : وإذا بيعت أموال المفلّس لم يدّخر منها شيءٌ للمؤجّل . ولا يرجع ربّ الدّين المؤجّل على الغرماء إذا حلّ دينه بشيءٍ ، لأنّه لم يستحقّ مشاركتهم حال القسمة . وقال الحنفيّة : يرجع عليهم فيما قبضوا بالحصص . أمّا على القول الأوّل : فيشارك أصحاب الدّيون المؤجّلة أصحاب الدّيون الحالّة في مال المفلّس . أمّا ديون المفلّس على النّاس فلا تحلّ بفلسه إذا كانت مؤجّلةً ، لا يعلم في ذلك خلافٌ . الأثر الرّابع : مدى استحقاق الغريم أخذ عين ماله إن وجدها : إذا أوقع الحجر على المفلّس ، فوجد أحد أصحاب الدّيون عين ماله الّتي باعها للمفلّس وأقبضها له ، ففي أحقّيّته باسترجاعها قولان للعلماء : 25 - القول الأوّل : أنّ بائعها أحقّ بها بشروطه ، وهو قول مالكٍ والشّافعيّ وأحمد والأوزاعيّ والعنبريّ وإسحاق وأبي ثورٍ وابن المنذر ، وروي هذا القول عن بعض الصّحابة ، منهم عثمان وعليٌّ رضي الله عنهما ، وعن عروة بن الزّبير من التّابعين . واحتجّ أصحاب هذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع « من أدرك ماله بعينه عند رجلٍ أو إنسانٍ قد أفلس فهو أحقّ به من غيره » . واحتجّوا أيضاً بأنّ هذا عقدٌ يلحقه الفسخ بالإقالة ، فجاز فيه الفسخ لتعذّر العوض ، كالمسلم فيه إذا تعذّر ، وبأنّه لو شرط في العقد رهناً ، فعجز عن تسليمه ، استحقّ الفسخ ، وهو وثيقةٌ بالثّمن ، فالعجز عن تسليم الثّمن نفسه أولى . 26 - القول الثّاني : قول أبي حنيفة وأهل الكوفة وقول ابن سيرين وإبراهيم من التّابعين وابن شبرمة . وروي عن عليٍّ رضي الله عنه :" أنّه ليس أحقّ بها ، بل هو في ثمنها أسوة الغرماء ". واحتجّوا بأنّ هذا مقتضى الأصول اليقينيّة المقطوع بها ، قالوا : وخبر الواحد إذا خالف الأصول يردّ ، كما قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه :" لا ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا لحديث امرأةٍ ". قالوا : ولما روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : « أيّما رجلٍ مات أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو أسوة الغرماء » . قالوا : وهذا الحديث أولى من غيره ، لموافقته الأصول العامّة ، ولأنّ الذّمّة باقيةٌ وحقّه فيها . الرّجوع فيما قبضه المدين بغير الشّراء : 27 - اختلف القائلون بالرّجوع فيما قبضه الغريم بغير الشّراء .أ - فقد عمّم الشّافعيّة القول بأنّ له الرّجوع في عين ماله بالفسخ في سائر المعاوضات الماليّة المحضة كالقرض والسّلم ، بخلاف غيرها ، كالهبة ، والنّكاح والصّلح عن دم العمد والخلع . وصنيع الحنابلة يوحي بأنّ قولهم في ذلك كقول الشّافعيّة ، وإن لم نرهم صرّحوا بذلك ، لكنّ تمثيلهم لما يرجع فيه بعين القرض ورأس مال السّلم والعين المؤجّرة يدلّ على ذلك . ب - وأجاز المالكيّة الرّجوع للوارث ، ومن ذهب له الثّمن ، أو تصدّق عليه به ، أو أحيل به . وأبوا الرّجوع فيما لا يمكن الرّجوع فيه كعصمةٍ ، فلو خالعت زوجها على مالٍ ، ثمّ فلّست قبل أداء البدل ، لم يكن لمخالعها الرّجوع بالعصمة لأنّها خرجت منه ، ويحاصّ الغرماء ببدل الخلع ، وكما لو فلّس الجاني بعد الصّلح عن القصاص لم يكن لأولياء القتيل الرّجوع إلى القصاص ، لتعذّر ذلك شرعاً بعد العفو ، بل يحاصّون الغرماء بعوض الصّلح . شروط الرّجوع في عين المال : جملة الشّروط الّتي اشترطها القائلون بالرّجوع في عين المال الّتي عند المفلّس هي كما يلي : الشّرط الأوّل : 28 - أن يكون المفلّس قد ملكها قبل الحجر لا بعده . فإن كان ملكها بعد الحجر فليس البائع أحقّ بها ، ولو لم يكن عالماً بالحجر ، وذلك لأنّه ليس له المطالبة بثمنها في الحال ، فلم يملك الفسخ . وقيل : ليس هذا شرطاً ، لعموم الخبر . وقيل بالتّفريق بين العالم ومن لم يعلم . الشّرط الثّاني : 29 - قال الحنابلة : أن تكون السّلعة باقيةً بعينها ، ولم يتلف بعضها ، فإن تلفت كلّها أو تلف جزءٌ منها ، كما لو انهدم بعض الدّار ، أو تلفت ثمرة البستان ، لم يكن للبائع الرّجوع ، وكان أسوة الغرماء . واحتجّوا بقول النّبيّ : « من أدرك ماله بعينه عند رجلٍ أو إنسانٍ قد أفلس فهو أحقّ به من غيره » قالوا : فإنّ قوله : " بعينه " يقتضي ذلك . ولأنّه إذا أدركه بعينه فأخذه انقطعت الخصومة بينهما . وعند المالكيّة والشّافعيّة يمنع تلف كلّه الرّجوع ، ولا يمنع تلف بعضه الرّجوع ، على تفصيلٍ عندهم في ذلك يرجع إليه في بابه . الشّرط الثّالث : 30 - أن تكون السّلعة عند المفلّس على حالها الّتي اشتراها عليها . فإن انتقلت عين السّلعة عن الحال الّتي اشتراها عليها ، بعد شرائه لها - قال الحنابلة : بما يزيل اسمها - منع ذلك الرّجوع ، كما لو طحن الحنطة ، أو فصّل الثّوب ، أو ذبح الكبش ، أو تتمّر رطبه ، أو نجّر الخشبة باباً ، أو نسج الغزل ، أو فصّل القماش قميصاً . وهذا عند المالكيّة والحنابلة . وقالوا : لأنّه لم يجد عين ماله . وقال الشّافعيّة : إن لم تزد القيمة بهذا الانتقال رجع ولا شيء للمفلّس . وإن نقصت فلا شيء للبائع إن رجع به . وإن زادت ، فالأظهر أنّه يباع وللمفلّس من ثمنه بنسبة ما زاد . الشّرط الرّابع : 31 - ألاّ يكون المبيع قد زاد عند المفلّس زيادةً . متّصلةً ، كالسّمن والكبر ، وتجدّد الحمل - ما لم تلد - وهذا على قولٍ في مذهب أحمد . وقول المالكيّة والشّافعيّة ، وهو روايةً عن أحمد : أنّ الزّيادة المتّصلة المتولّدة لا تمنع الرّجوع ، ويفوز بها البائع ، إلاّ أنّ المالكيّة يخيّرون الغرماء بين أن يعطوا السّلعة ، أو ثمنها الّذي باعها به . وهذا بخلاف نقص الصّفة فلا يمنع الرّجوع . أمّا الزّيادة المنفصلة فإنّها لا تمنع الرّجوع ، وذلك كالثّمرة والولد . وهذا قول مالكٍ والشّافعيّ وأحمد ، سواءٌ أنقص بها المبيع أم لم ينقص ، إذا كان نقص صفةٍ . والزّيادة المنفصلة للمشتري وهو المفلّس . الشّرط الخامس : 32 - ألاّ يكون قد تعلّق بالسّلعة حقٌّ للغير ، كأن وهبها المشتري أو باعها أو وقفها فلا رجوع ، لأنّه لم يدرك متاعه بعينه عند المفلّس ، فلا يدخل في النّصّ . وقال المالكيّة في المرهون : إنّ للدّائن أن يفكّ الرّهن بدفع ما رهنت به العين ، ويأخذها ، ويحاصّ الغرماء بما دفع . الشّرط السّادس : 33 - وهو للشّافعيّة . قالوا : أن يكون الثّمن ديناً ، فلو كان الثّمن عيناً قدّم على الغرماء بقبض العين الّتي هي ثمنٌ ، وذلك كما لو باع بقرةً ببعيرٍ ، ثمّ أفلس المشتري ، فالبائع يرجع بالبعير ولا يرجع بالمبيع ، أي البقرة . الشّرط السّابع : 34 - قال الشّافعيّة : أن يكون الثّمن حالاًّ عند الرّجوع ، فلا رجوع فيما كان ثمنه مؤجّلاً ولم يحلّ ، إذ لا مطالبة في الحال . وقال الحنابلة : إن كان الثّمن مؤجّلاً لم يحلّ رجوع البائع في السّلعة ، فتوقّف إلى الأجل ، فيختار البائع حينئذٍ بين الفسخ والتّرك . ولا تباع فيما يباع من مال المفلّس . قالوا : لأنّ حقّ البائع تعلّق بها ، فقدّم على غيره ، وإن كان مؤجّلاً ، كالمرتهن . الشّرط الثّامن : 35 - وهو للحنابلة ، قالوا : يشترط ألاّ يكون البائع قد قبض من ثمنها شيئاً . وإلاّ سقط حقّه في الرّجوع . قالوا : والإبراء من بعض الثّمن كقبضه . واحتجّوا بما روى الدّارقطنيّ من حديث أبي هريرة مرفوعاً : « أيّما رجلٍ باع سلعةً ، فأدرك سلعته بعينها عند رجلٍ قد أفلس ، ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً ، فهي له . وإن كان قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء » . وقال الشّافعيّ في مذهبه الجديد : للبائع أن يرجع بما يقابل الباقي من دينه . وقال مالكٌ : هو مخيّرٌ إن شاء ردّ ما أخذه ورجع في جميع العين ، وإن شاء حاصّ الغرماء ولم يرجع . الشّرط التّاسع : 36 - وهو للمالكيّة ، قالوا : يشترط ألاّ يفديه الغرماء بثمنه الّذي على المفلّس ، فإن فدوه - ولو بما لهم - لم يأخذه ، وكذا لو ضمنوا له الثّمن ، وهم ثقاتٌ ، أو أعطوا به كفيلاً ثقةً . وقال الشّافعيّة والحنابلة : لا يسقط حقّه في الفسخ ، ولو قال الغرماء له : لا تفسخ ونحن نقدّمك بالثّمن من التّركة . قال الحنابلة : لعموم الأدلّة . وقال الشّافعيّة : لما في ذلك من المنّة ، ولخوف ظهور غريمٍ آخر . لكن لو أنّ الغرماء بذلوا الثّمن للمفلّس ، فأعطاه للبائع سقط حقّه في الفسخ . الشّرط العاشر : 37 - أن يكون المفلّس حيّاً إلى أخذها ، فإن مات بعد الحجر عليه ، سقط حقّ البائع في الرّجوع . وهذا مذهب مالكٍ وأحمد . لحديث : « ... فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء » . وفي روايةٍ : « أيّما امرئٍ مات ، وعنده مال امرئٍ بعينه ، اقتضى منه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء » . قالوا : ولأنّه تعلّق به حقّ غير المفلّس ، وهم الورثة ، كالمرهون ، وكما لو باعه . وقال الشّافعيّ : له الفسخ واسترجاع العين ، لحديث أبي هريرة مرفوعاً : « أيّما رجلٍ مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه » . الشّرط الحادي عشر : 38 - أن يكون البائع أيضاً حيّاً ، فلو مات قبل الرّجوع فلا رجوع على قولٍ عند الحنابلة . وفي الإنصاف : للورثة الرّجوع . الشّرط الثّاني عشر : 39 - قال الشّافعيّة على الأصحّ عندهم : له أن يرجع فور علمه بالحجر ، فإن تراخى في الرّجوع ، وادّعى أنّه جهل أنّ الرّجوع على الفور ، قبل منه . ولو صولح عن الرّجوع على مالٍ لم يصحّ الصّلح ، وبطل حقّه من الفسخ إن علم . ووجه اشتراطه عندهم أنّه كالرّدّ بالعيب ، بجامع دفع الضّرر . والقول الآخر للشّافعيّة ، وهو مذهب الحنابلة : أنّ الرّجوع على التّراخي . قالوا : وهو كرجوع الأب في هبته لابنه . الرّجوع بعين الثّمن : 40 - لو كان الغريم اشترى من المفلّس شيئاً في الذّمّة ، وأسلم الثّمن ، ولم يقبض السّلعة ، حتّى حجر على المفلّس ، فهل يرجع الغريم بما أسلمه من النّقود ؟ قال المالكيّة : نعم يرجع إن ثبت عينها ببيّنةٍ أو طبعٍ ، قياساً للثّمن على المثمّن . وقال أشهب من المالكيّة : لا يرجع ، لأنّ الأحاديث إنّما فيها « من وجد سلعته ... » و : « من وجد متاعه ... » والنّقدان لا يطلق عليهما ذلك عرفاً . ثمّ قد قال المالكيّة : ولو اشترى شراءً فاسداً ففسخه الحاكم وأفلس البائع ، فالمشتري أحقّ بالثّمن إن كان موجوداً لم يفت . ولم نعثر على نصٍّ في هذه المسألة لسائر المذاهب . استحقاق مشتري العين أخذها إن حجر على البائع للفلس قبل تقبيضها : 41 - نصّ الحنابلة على أنّ الرّجل لو باع عيناً ، ثمّ أفلس قبل تقبيضها ، فالمشتري أحقّ بها من الغرماء ، لأنّها عين ملكه ، وذلك صادقٌ عندهم سواءٌ كانت السّلعة ممّا لا يحتاج لحقّ توفيةٍ ، كدارٍ وسيّارةٍ ، أو ما يحتاج إليه ، كالمكيل والموزون . ولم نجد تعرّضاً لهذه المسألة في المذاهب الأخرى . هل يحتاج الرّجوع إلى حكم حاكمٍ : 42 - لا يفتقر الرّجوع في العين إلى حكم حاكمٍ ، على مذهب الحنابلة ، وعلى الأصحّ في مذهب الشّافعيّة . قالوا : لأنّه ثبت بالنّصّ . ولو حكم بمنع الفسخ حاكمٌ فعند الشّافعيّة : لا ينقض حكمه قالوا : لأنّ المسألة اجتهاديّةٌ ، والخلاف فيها قويٌّ ، إذ النّصّ كما يحتمل أنّه " أحقّ بعين متاعه " يحتمل أنّه " أحقّ بثمنه " وإن كان الأوّل أظهر . وعند الحنابلة : يجوز نقض حكمه ، نقل صاحب المغني عن نصّ أحمد : لو حكم حاكمٌ بأنّ صاحب المتاع أسوة الغرماء ، ثمّ رفع إلى رجلٍ يرى العمل بالحديث ، جاز له نقض حكمه . أي فما كان بهذه المثابة لا يحتاج إلى حكم حاكمٍ . ما يحصل به الرّجوع : 43 - يحصل الرّجوع بالقول ، بأن يقول : فسخت البيع أو رفعته أو نقضته أو أبطلته أو رددت . نصّ على هذا الشّافعيّة والحنابلة ، قال الحنابلة : فلو قال ذلك صحّ رجوعه ولو لم يقبض العين . فلو رجع كذلك ثمّ تلفت العين تلفت من مال البائع ما لم يتبيّن أنّها تلفت قبل رجوعه ، أو كانت بحالةٍ لا يصحّ الرّجوع فيها لفقد شريطةٍ من شرائط الرّجوع المعتبرة ، أو لمانعٍ يمنع الرّجوع ، كما لو كان دقيقاً فاتّخذه خبزاً ، أو حديداً فاتّخذه سيفاً . أمّا الرّجوع بالفعل : فقد نصّ الشّافعيّة - في الأصحّ عندهم - والحنابلة على أنّ الرّجوع لا يحصل بالتّصرّف النّاقل للملكيّة كالبيع ، ولو نوى به الرّجوع . قال صاحب مطالب أولي النّهى : حتّى لو أخذ العين بنيّة الرّجوع لم يحصل الرّجوع . والقول الآخر : أنّه يحصل بذلك ، كالبيع في مدّة الخيار . ولم نجد للمالكيّة نصّاً في ذلك . ظهور عينٍ مستحقّةٍ في مال المفلّس : 44 - لو ظهر شيءٌ مستحقٌّ في مال المفلّس فهو لصاحبه . ولو أنّ المفلّس باعه قبل الحجر ثمّ استحقّ - والثّمن تالفٌ - فإنّ المشتري يشارك الغرماء كواحدٍ منهم ، وسواءٌ أكان تلف الثّمن قبل الحجر أو بعده ، لأنّ دينه من جملة الدّيون الثّابتة في ذمّة المفلّس قبل إفلاسه . وإن كان الثّمن غير تالفٍ ، فالمشتري أولى به على ما صرّح به الشّافعيّة ، ويفهم من كلام الحنابلة ، لأنّه عين ماله . الرّجوع في الأرض بعد البناء فيها أو غرسها : 45 - عند الشّافعيّة والحنابلة : إذا أفلس مشتري الأرض وحجر عليه ، وكان قد غرس فيها غراساً أو بنى بناءً ، لم يمنع ذلك من رجوع البائع فيها . والزّرع الّذي يجذّ مرّةً بعد أخرى وتبقى أصوله كالغراس في هذا . ثمّ إن تراضى الطّرفان - البائع من جهةٍ ، والغرماء مع المفلّس من الجهة الأخرى - على القلع ، أو أباه البائع وطلبوه هم فلهم ذلك ، لأنّه ملكٌ للمفلّس لا حقٌّ للبائع فيه ، ولا يمنع الإنسان من أخذ ملكه . ويلزم حينئذٍ تسوية الأرض من الحفر ، وأرش نقص الأرض بسبب القلع يجب ذلك في مال المفلّس ، لأنّه نقصٌ حصل لتخليص ملك المفلّس ، فكان عليه ، ويقدّم به الآخذ على حقوق الغرماء عند الشّافعيّة ، لأنّه لمصلحة تحصيل المال ، ويحاصّهم به عند الحنابلة . وإن أبى المفلّس والغرماء القلع ، لم يجبروا عليه ، لأنّه وضع بحقٍّ . وللآخذ حينئذٍ تملّك الغرس والبناء بقيمته قائماً ، لأنّه غرس أو بنى وهو صاحب حقٍّ ، وإن شاء فله القلع وإعطاؤه للغرماء مع أرش نقصه ، فإن أبى الآخذ تملّك الغرس والبناء ، وأبى أداء أرش النّقص ، فلا رجوع له على الأظهر عند الشّافعيّة والمقدّم عند الحنابلة ، لأنّ الرّجوع حينئذٍ ضررٌ على الغرماء ، ولا يزال الضّرر بالضّرر . والوجه الآخر عند الطّرفين : له الرّجوع ، وتكون الأرض على ملكه ، والغرس والبناء للمفلّس . ولم يتعرّض المالكيّة والحنفيّة لهذه المسألة فيما اطّلعنا عليه من كلامهم . إفلاس المستأجر : 46 - عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : إذا آجر عيناً له بأجرةٍ حالّةٍ ولم يقبضها حتّى حجر على المستأجر لفلسٍ ، فالمؤجّر مخيّرٌ ، إن شاء رجع في العين بالفسخ ، وإن شاء ترك ذلك للغرماء وحاصّ بجميع الأجرة .وإن اختار الفسخ ، وكان قد مضى شيءٌ من المدّة ، فقال المالكيّة والشّافعيّة : يشارك المؤجّر الغرماء بأجرة ما مضى ، ويفسخ في الباقي . وقال الحنابلة : في هذه الحال يسقط حقّه في الفسخ بناءً على قولهم : إنّ تلف بعض السّلعة يمنع الرّجوع . إفلاس المؤجّر : 47 - إن آجر داراً بعينها ثمّ أفلس المؤجّر ، فالإجارة ماضيةٌ ولا تنفسخ بفلسه للزومها ، وسواءٌ أقبض العين أم لم يقبضها . وإن طلب الغرماء بيع الدّار المعيّنة في الحال بيعت مؤجّرةً ، وإن اتّفقوا على تأخير بيعها حتّى تنقضي الإجارة جاز . أمّا إن استأجر داراً موصوفةً في الذّمّة ، ثمّ أفلس المؤجّر قبل القبض ، فالمستأجر أسوة الغرماء ، لعدم تعلّق حقّه بعينٍ . وقال المالكيّة والشّافعيّة : وإن أفلس ملتزم عملٍ في الذّمّة ، وقد سلّم للمستأجر عيناً ليستوفي منها ، قدّم بها كالمعيّنة في العقد . ثمّ قال الشّافعيّة : فإن لم يكن سلّم له عيناً ، وكانت الأجرة باقيةً في يد المؤجّر ، فللمستأجر الفسخ ويستردّ الأجرة . فإن كانت تالفةً ضرب مع الغرماء بأجرة المثل للمنفعة ، ولا تسلّم إليه حصّته منها بالمحاصّة ، لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه ، إذ إجارة الذّمّة سلمٌ في المنافع ، فيحصل له بعض المنفعة الملتزمة إن تبعّضت بلا ضررٍ ، كحمل مائة رطلٍ مثلاً ، وإلاّ - كخياطة ثوبٍ - فسخ ، ويحاصّ بالأجرة المبذولة . ولم نجد للحنفيّة كلاماً في هذه المسائل . |
الأثر الخامس من آثار الحجر على المفلّس : بيع الحاكم ماله : 48 - يبيع الحاكم مال المحجور عليه لفلسٍ ، عند غير أبي حنيفة ومن وافقه ، ليؤدّي ما عليه من الدّيون . وإنّما يبيعه إن كان من غير جنس الدّين . ويراعي الحاكم عند البيع ما فيه المصلحة للمفلّس . وذكر ابن قدامة الأمور التّالية ، وذكرها غيره أيضاً : أ - يبيع بنقد البلد لأنّه أوفر ، فإن كان في البلد نقودٌ باع بغالبها ، فإن تساوت باع بجنس الدّين . ب - يستحبّ إحضار المفلّس البيع ، قال : ليحصي ثمنه ويضبطه ليكون أطيب لقلبه ، ولأنّه أعرف بجيّد متاعه ورديئه ، فإذا حضر تكلّم عليه ، فتكثر الرّغبة فيه . ت - يستحبّ إحضار الغرماء أيضاً ، لأنّه يباع لهم ، وربّما رغبوا في شراء شيءٍ منه ، فزادوا في ثمنه ، فيكون أصلح لهم وللمفلّس ، وأطيب لنفوسهم وأبعد من التّهمة ، وربّما وجد أحدهم عين ماله فيأخذها . ث - يستحبّ بيع كلّ شيءٍ في سوقه ، لأنّه أحوط وأكثر لطلاّبه وعارفي قيمته . ج-يترك للمفلّس من ماله شيءٌ ، ويأتي تفصيل الكلام فيه . ح- يلاحظ الحاكم نوعاً من التّرتيب تتحقّق به المصلحة ، فيما يقدّم بيعه وما يؤخّره ، فيقدّم الأيسر فالأيسر ، حسبما هو أنظر للمفلّس ، إذ قد يكتفي ببيع البعض ، فيبدأ ببيع الرّهن ،0 ويدفع إلى المرتهن قدر دينه ، ويردّ ما فضل من الثّمن على الغرماء ، وإن بقيت من دينه بقيّةٌ ضرب بها مع الغرماء . ثمّ يبيع ما يسرع إليه الفساد من الطّعام الرّطب وغيره ، لأنّ إبقاءه يتلفه . وقدّمه الشّافعيّة على بيع الرّهن . ثمّ يبيع الحيوان ، لأنّه معرّضٌ للتّلف ، ويحتاج إلى مئونةٍ في بقائه . ثمّ يبيع السّلع والأثاث ، لأنّه يخاف عليه الضّياع وتناله الأيدي . ثمّ يبيع العقار آخراً . قال المالكيّة : يستأني به الشّهر والشّهرين . ونصّ الشّافعيّة على أنّ هذا التّرتيب مستحبٌّ في غير الحيوان ، وما يسرع إليه الفساد ، وما يخاف عليه النّهب أو استيلاء نحو ظالمٍ عليه . وذكر المالكيّة الأمور الآتية أيضاً : خ - أنّه لا يبيع إلاّ بعد الإعذار في البيّنة للمفلّس فيما ثبت عنده من الدّين ، والإعذار لكلٍّ من القائمين ( الدّائنين المطالبين ) ، لأنّ لكلٍّ الطّعن في بيّنة صاحبه ، ويحلف كلاًّ من الدّائنين أنّه لم يقبض من دينه شيئاً ، ولا أحال به ، ولا أسقطه ، وأنّه باقٍ في ذمّته إلى الآن . د - وأنّه يبيع بالخيار ثلاثاً لطلب الزّيادة في كلّ سلعةٍ ، إلاّ ما يفسده التّأخير . ذ - وقال الشّافعيّة : لا يبيع بأقلّ من ثمن المثل ، وهو مذهب الحنابلة ، كما في مطالب أولي النّهى ، وبعض الشّافعيّة قال : يبيع بما تنتهي إليه الرّغبات ، قالوا جميعاً : فإن ظهر راغبٌ في السّلعة بأكثر ممّا بيعت به - وكان ذلك في مدّة خيارٍ ، ومنه خيار المجلس - وجب الفسخ ، والبيع للزّائد . وبعد مدّة الخيار لا يلزم الفسخ ، ولكن يستحبّ للمشتري الإقالة . ر - وقالوا أيضاً : لا يبيع إلاّ بنقدٍ ، ولا يبيع بثمنٍ مؤجّلٍ ، ولا يسلّم المبيع حتّى يقبض الثّمن . ما يترك للمفلّس من ماله : 49 - يترك للمفلّس من ماله ما يأتي : أ - الثّياب : يترك للمفلّس بالاتّفاق دستٌ من ثيابه ، وقال الحنفيّة : أو دستان . ويباع ما عداهما من الثّياب . وقال الحنفيّة : يباع ما لا يحتاج إليه في الحال ، كثياب الشّتاء في الصّيف . وقال المالكيّة : يباع ثوبا جمعته إن كثرت قيمتهما ، ويشتري له دونهما ، وهو بمعنى ما صرّح به الحنابلة والشّافعيّة من أنّ الثّياب إن كانت رفيعةً لا يلبس مثله مثلها تباع ، ويترك له أقلّ ما يكفيه من الثّياب . وقال المالكيّة والشّافعيّة : يترك لعياله كما يترك له من الملابس . ب - الكتب : وتترك له الكتب الّتي يحتاج إليها في العلوم الشّرعيّة وآلتها ، إن كان عالماً لا يستغني عنها . عند الشّافعيّة ، وعلى قولٍ في مذهب المالكيّة . والمقدّم عند المالكيّة أنّها تباع أيضاً . ت - دار السّكنى : قال مالكٌ والشّافعيّ - في الأصحّ عنه - وشريحٌ : تباع دار المفلّس ويكترى له بدلها ، واختار هذا ابن المنذر ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لغرماء الّذي أصيب في ثمارٍ ابتاعها : « خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلاّ ذلك » . وقال أحمد وإسحاق ، وهو قولٌ عند الحنفيّة والشّافعيّة . لا تباع داره الّتي لا غنًى له عن سكناها . فإن كانت الدّار نفيسة بيعت واشتري له ببعض ثمنها مسكنٌ يبيت فيه ، ويصرف الباقي إلى الغرماء . ث - آلات الصّانع : قال الحنابلة وبعض المالكيّة : تترك للمفلّس آلة صنعته ، ثمّ قال المالكيّة من هؤلاء : إنّما تترك إن كانت قليلة القيمة ، كمطرقة الحدّاد : وقال بعضهم : تباع أيضاً . ونصّ الشّافعيّة أنّها تباع . ج - رأس مال التّجارة : قال الحنابلة وابن سريجٍ من الشّافعيّة : يترك للمفلّس رأس مالٍ يتّجر فيه ، إذا لم يحسن الكسب إلاّ به . قال الرّمليّ : وأظنّه يريد الشّيء اليسير ، أمّا الكثير فلا . ولم نر نصّاً في ذلك للحنفيّة والمالكيّة . ح - القوت الضّروريّ : عند المالكيّة والحنابلة : يترك للمفلّس أيضاً من ماله قدر ما يكفيه وعياله من القوت الضّروريّ الّذي تقوم به البنية ، لا ما يترفّه . قال المالكيّة : وتترك له ولزوجاته وأولاده ووالديه النّفقة الواجبة عليه ، بالقدر الّذي تقوم به البنية . وهذا إن كان ممّن لا يمكنه الكسب ، أمّا إن كان ذا صنعةٍ يكتسب منها ، أو يمكنه أن يؤجّر نفسه فلا يترك له شيءٌ . ثمّ قد قال المالكيّة : يترك ذلك له ولمن ذكر قدر ما يكفيهم إلى وقتٍ يظنّ بحسب الاجتهاد أنّه يحصل له فيه ما تتأتّى معه المعيشة . أمّا عند الشّافعيّة فلا يترك له من القوت شيءٌ ما عدا قوت يوم القسمة ، ولا نفقة عليه أيضاً لقريبٍ ، لأنّه معسرٌ بخلاف حاله قبل القسمة . وتسقط نفقة القريب لما بعد القسمة أيضاً عند الحنابلة . الإنفاق على المفلّس وعلى عياله مدّة الحجر وقبل قسمة ماله على الغرماء : 50 - عند الحنفيّة على قول الصّاحبين ، والشّافعيّة والحنابلة ، وهو مقتضى مذهب المالكيّة كما تقدّم : يجب على الحاكم أن ينفق من مال المفلّس عليه - أي على المفلّس - بالمعروف ، وهو أدنى ما ينفق على مثله ، إلى أن يقسم ماله . وذلك لأنّ ملكه لم يزل عن ماله قبل القسمة . وكذلك ينفق على من تلزم المفلّس نفقته ، من زوجةٍ وقريبٍ ولو حدث بعد الحجر ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول »، وهذا ما لم يستغن المفلّس بكسبٍ حلالٍ لائقٍ به .وفي الخانيّة من كتب الحنفيّة : ولا يضيّق عليه في مأكوله ومشروبه وملبوسه ، ويقدّر له المعروف والكفاف . أمّا بعد القسمة فقد تقدّم بيان ما يترك له من النّفقة . المبادرة بقسم مال المفلّس بين غرمائه : 51 - نصّ المالكيّة على أنّه لا ينبغي الاستيناء ( التّمهّل والتّأخير ) بقسم مال المفلّس ، وقال الشّافعيّة والحنابلة : يندب المبادرة بالقسم لبراءة ذمّة المدين ، ولئلاّ يطول زمن الحجر عليه ، ولئلاّ يتأخّر إيصال الحقّ لمستحقّه ، وتأخير قسمه مطلٌ وظلمٌ للغرماء . قال الشّافعيّة : ولا يفرّط في الاستعجال ، كي لا يطمع فيه بثمنٍ بخسٍ . وقال المالكيّة : إن كان يخشى أن يكون على المفلّس دينٌ لغير الغرماء الحاضرين فإنّ القاضي يستأني بالقسم باجتهادٍ .ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يلزم الحاكم أن ينتظر ليتمّ بيع الأموال كلّها ، بل يندب للحاكم عندهم أن يقسم بالتّدريج كلّ ما يقبضه . فإن طلب الغرماء ذلك وجب . فإن تعسّر ذلك لقلّة الحاصل يؤخّر القسمة حتّى يجتمع ما تسهل قسمته ، فيقسمه ، ولو طلبه الغرماء لم يلزمه . هل يلزم قبل القسمة حصر الدّائنين ؟ 52 - نصّ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّه لا يكلّف القاضي غرماء المفلّس إثبات أنّه لا غريم غيرهم ، وذلك لاشتهار الحجر ، فلو كان ثمّة غريمٌ لظهر . وهذا بخلاف قسمة التّركة عند جميعهم ، فإنّ القاضي لا يقسم حتّى يكلّفهم بيّنةً تشهد بحصرهم . ظهور غريمٍ بعد القسمة : 53 - لو قسم الحاكم مال المفلّس بين غرمائه ، فظهر غريمٌ بعد ذلك بدينٍ سابقٍ على الحجر ، شارك كلّ واحدٍ معهم بالحصّة ، ولم تنقض القسمة . فإن أتلف أحدهم ما أخذه رجع عليه كذلك ، على ما نصّ عليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ثمّ قال الشّافعيّة : فإن كان الآخذ معسراً جعل ما أخذه كالمعدوم ، وشارك من ظهر الآخرين .وقال المالكيّة : إن اقتسموا ، ولم يعلموا بالغريم الآخر ، يرجع على كلّ واحدٍ منهم بما ينوبه ، ولا يأخذ أحدٌ عن أحدٍ . وإن كانوا عالمين يرجع عليهم بحصّته ، ولكن يأخذ المليء عن المعدم ، والحاضر عن الغائب ، والحيّ عن الميّت ، أي في حدود ما قبضه كلٌّ منهم . وفي قولٍ عند الشّافعيّة : تنقض القسمة بكلّ حالٍ ، كما لو ظهر وارثٌ بعد قسمة التّركة . كيفيّة قسمة مال المفلّس بين غرمائه : 54 - أ - يبدأ من مال المفلّس بإعطاء أجرة من يصنع ما فيه مصلحةٌ للمال ، من منادٍ وسمسارٍ وحافظٍ وحمّالٍ وكيّالٍ ووزّانٍ ونحوهم ، تقدّم على ديون الغرماء . ذكر ذلك صاحب الإقناع من الحنابلة . وذكر الدّردير من المالكيّة تقديم ساقي الزّرع الّذي أفلس ربّه على المرتهن ، وقال : إذ لولاه لما انتفع بالزّرع .ب - ثمّ بمن له رهنٌ لازمٌ أي مقبوضٌ ، فيختصّ بثمنه إن كان قدر دينه ، لأنّ حقّه متعلّقٌ بعين الرّهن وذمّة الرّاهن . وما زاد من ثمن الرّهن ردّ على المال ، وما نقص ضرب به الغريم مع الغرماء . وأضاف المالكيّة : إنّ الصّانع أحقّ من الغرماء بما في يده إذا أفلس ربّ الشّيء المصنوع بعد تمام العمل حتّى يستوفي أجرته منه ، لأنّه وهو تحت يده كالرّهن ، حائزه أحقّ به في الفلس ، وإلاّ فليس أحقّ به إذا سلّمه لربّه قبل أن يفلّس ، أو أفلس ربّه قبل تمام العمل . قالوا : ومن استأجر دابّةً ونحوها كسفينةٍ ، وأفلس ، فربّها أحقّ بالمحمول عليها من أمتعة المكتري ، يأخذه في أجرة دابّته وإن لم يكن ربّها معها ، ما لم يقبض المحمول ربّه - وهو المكتري - قبض تسلّمٍ . وهذا بخلاف مكتري الحانوت ونحوه فلا يختصّ بما فيه . والفرق أنّ بحيازة الظّهر لما فيها من الحمل والنّقل أقوى من حيازة الحانوت والدّار . وقال المالكيّة أيضاً : وكذلك المكتري لدابّةٍ ونحوها أحقّ بها حتّى يستوفي من منافعها ما نقده من الكراء ، سواءٌ أكانت معيّنةً أو غير معيّنةٍ ، إلاّ أنّها إن كانت غير معيّنةٍ لم يكن أحقّ بها ما لم يقبضها قبل فلس المؤجّر . ج - ثمّ من وجد عين ماله أخذها بشروطها المتقدّمة . وكذا من له عينٌ مؤجّرةٌ استأجرها منه المفلّس ، فله أخذها وفسخ الإجارة على الخلاف والتّفصيل المتقدّم . د - ثمّ تقسم أموال المفلّس المتحصّلة بين غرمائه . وهذا إن كانت الدّيون كلّها من النّقد . وكذلك إن كانت كلّها عروضاً موافقةً لمال المفلّس في الجنس والصّفة ، فلا حاجة للتّقويم ، بل يتحاصّون بنسبة عرض كلٍّ منهم إلى مجموع الدّيون . فإن كانت الدّيون كلّها أو بعضها عروضاً وكان مال المفلّس نقداً ، قوّمت العروض بقيمتها يوم القسمة ، وحاصّ كلّ غريمٍ بقيمة عروضه ، يشترى له بها من جنس عروضه وصفتها . ويجوز مع التّراضي أخذٌ الثّمن إن خلا من مانعٍ ، كما لو كان دينه ذهباً ، ونابه في القسم فضّةٌ ، فلا يجوز له أخذ ما نابه ، لأنّه يؤدّي إلى الصّرف المؤخّر . وهذا التّفصيل منصوص المالكيّة . ولو أنّ المفلّس أو الحاكم قضى ديون بعضهم دون بعضٍ ، أو قضى بعضاً منهم أكثر ممّا تقتضيه التّسوية المذكورة شاركوه فيما أخذ بالنّسبة . ما يطالب به المفلّس بعد قسمة ماله : 55 - لا تسقط ديون الفلس الّتي لم يف ماله بها ، بل تبقى في ذمّته .ثمّ إن كان هناك أرضٌ أو عقارٌ موصًى له بنفعه أو موقوفٌ عليه ، يلزم بإجارته ، ويصرف بدل المنفعة إلى الدّيون ، ويؤجّر مرّةً بعد أخرى إلى أن تتمّ البراءة ، صرّح بذلك الشّافعيّة والحنابلة . أمّا تكليف المفلّس حينئذٍ بالتّكسّب ، بإيجار نفسه لسداد الدّيون الباقية ، فقد قسّم الشّافعيّة الدّيون إلى قسمين : الأوّل : ما كان المفلّس عاصياً بسببه ، كغاصبٍ ، وجانٍ متعمّدٍ ، فهذا يلزم بالتّكسّب ، ولو بإجارة نفسه ، ولو كان ذلك مزرياً به ، بل متى أطاقه لزمه ، قالوا : إذ لا نظر للمروآت في جنب الخروج من المعصية ، ولأنّ التّوبة من المعصية واجبةٌ ، وهي متوقّفةٌ في حقوق الآدميّين على الوفاء . الثّاني : ما لم يعص به من الدّيون ، فهذا لا يلزمه التّكسّب ولا إيجار نفسه . وأمّا المالكيّة فقد أطلقوا القول بأنّ المفلّس لا يلزم بالتّكسّب ولو كان قادراً عليه ، ولو كان قد شرط على نفسه ذلك في عقد الدّين . قالوا : لأنّ الدّين إنّما تعلّق بذمّته . وأمّا الحنابلة فقد أطلقوا القول بإجبار المفلّس المحترف على الكسب ، وإيجار نفسه فيما يليق به من الصّنائع ، واحتجّوا بأنّ المنافع تجري مجرى الأعيان في صحّة العقد عليها ، فأجبر على العقد عليها ، كما يباع ماله رغماً عنه . ثمّ قال المالكيّة والحنابلة : لا يجبر المفلّس على قبول التّبرّعات ، من هبةٍ أو وصيّةٍ أو عطيّةٍ أو صدقةٍ ، لئلاّ يلزم بتحمّل منّةٍ لا يرضاها ، ولا على اقتراضٍ . وكذا لا يجبر على خلع زوجته وإن بذلت ، لأنّ عليه في ذلك ضرراً ، ولا على أخذ ديةٍ عن قودٍ وجب له بجنايةٍ عليه أو على مورّثه ، لأنّ ذلك يفوّت المعنى الّذي لأجله شرع القصاص . ثمّ إن عفا باختياره على مالٍ ثبت وتعلّقت به حقوق الغرماء . وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجبر على التّكسّب ، ولا يؤاجره القاضي ، لسداد ديونه من الأجرة . ما ينفكّ به الحجر عن المفلّس : 56 - عند الشّافعيّة - ومثلهم الحنابلة فيما لو بقي على المفلّس شيءٌ من الدّيون - لا ينفكّ الحجر عنه بقسمة ماله بين الغرماء ، قال الشّافعيّة : ولا ينفكّ الحجر أيضاً باتّفاق الغرماء على فكّه ، ولا بإبرائهم للمفلّس ، بل إنّما ينفكّ بفكّ القاضي ، لأنّه لا يثبت إلاّ بإثبات القاضي ، فلا ينفكّ إلاّ بفكّه ، ولأنّه يحتاج إلى نظرٍ واجتهادٍ ، ولاحتمال ظهور غريمٍ آخر . ولا ينتظر البراءة من كلّ الدّيون ، بل متى ثبت إعساره بالباقي يفكّ الحجر عليه كما لا يحجر على المعسر أصالةً . وقال القليوبيّ من الشّافعيّة : المعتمد يبقى محجوراً إلى تمام الأداء . وصرّح الحنابلة بأنّ الحجر ينفكّ عن المفلّس إن لم يبق عليه للغرماء شيءٌ ، دون حاجةٍ إلى فكّه من قبل الحاكم . قالوا : لأنّ المعنى الّذي حجر عليه لأجله قد زال .أمّا عند المالكيّة ، وهو وجهٌ آخر عند الحنابلة ذكره صاحب المغني : فإنّ حجر المفلّس ينفكّ بمجرّد قسمة الموجود من ماله . قال المالكيّة : ويحلف أنّه لم يكتم شيئاً ، فينفكّ حينئذٍ ولو بلا حكم حاكمٍ . ثمّ قد قال المالكيّة والحنابلة : وإذا انفكّ الحجر عن المفلّس ، ثمّ ثبت أنّ عنده مالاً غير ما قسم ، أو اكتسب بعد فكّ الحجر مالاً ، يعاد الحجر عليه بطلب الغرماء ، وتصرّفه حينئذٍ قبل الحجر صحيحٌ . ولا يعاد الحجر عليه بعد انفكاكه ما لم يثبت أو يتجدّد له مالٌ . ولم نجد تصريحاً بحكم هذه المسألة لدى الحنفيّة ، غير أنّهم قالوا في الحجر على السّفيه ( وهو المبذّر لماله ) : لا يرتفع الحجر عنه إلاّ بحكم القاضي عند أبي يوسف . ما يلزم المفلّس من الدّيون بعد فكّ الحجر : 57 - إذا انفكّ الحجر عن المفلّس بقسم ماله أو بفكّ القاضي الحجر عنه على التّفصيل المتقدّم ، وبقي عليه شيءٌ من الدّين ، فلزمته ديونٌ أخرى بعد فكّ الحجر عنه ، وتجدّد له مالٌ ، فحجر عليه مرّةً أخرى بطلب الغرماء ، قال الحنابلة : يشارك أصحاب الحجر الأوّل ببقيّة ديونهم أصحاب الحجر الثّاني بجميع ديونهم ، لأنّهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمّته ، فتساووا في الاستحقاق .أمّا المالكيّة فقد فصلوا ، فقالوا : يشارك الأوّلون الآخرين فيما تجدّد بسببٍ مستقلٍّ ، كإرثٍ وصلةٍ وأرش جنايةٍ ووصيّةٍ ونحو ذلك ، ولا يشاركونهم في أثمان ما أخذه من الآخرين ، وفيما تجدّد عن ذلك إلاّ أن يفضل عن ديونهم فضلةٌ . ومذهب الشّافعيّة أنّه لو فكّ الحجر عن المفلّس ، وحدث له مالٌ بعده فلا تعلّق لأحدٍ به ، فيتصرّف فيه كيف شاء ، فلو ظهر له مالٌ - كان قبل الفكّ - تبيّن بقاء الحجر فيه ، سواءٌ حدث له بعد الفكّ مالٌ وغرماء أو لا ، والمال الّذي ظهر أنّه كان قبل فكّ الحجر للغرماء الأوّلين ، ويشاركون من حدث بعدهم فيما حدث بعد الفكّ ، ولا يشارك غريمٌ حادثٌ من قبله في مالٍ حدث قبله أو معه . أحكام من مات مفلّساً : 58 - من مات مفلّساً تجري بعض أحكام الإفلاس في حقّ ديونه ، ويمتنع جريان بعض أحكام الإفلاس الأخرى . ويرجع للتّفصيل إلى مصطلح ( تركةٌ ) .أحكامٌ أخرى يستتبعها التّفليس : 59 - إذا فلّس المدين استتبع تفليسه أحكاماً في بعض ما كان صدر منه من التّصرّفات ، كما في توكيله أو ضمانه أو غير ذلك . وينظر حكم كلّ شيءٍ من ذلك في بابه . |
|
مشكووووووووووووووووووووور
بارك الله فيك نشمي المنتدى |
رد: ما هو الإفلاس؟
يعطيڪَ العافيه.. مجهود قيم ومميز تسلم الايااادي عالطرح |
رد: ما هو الإفلاس؟
موووضوع متكامل
يسلمووووا |
رد: ما هو الإفلاس؟
شكرا لك عزيزتي
تقديري لك |
الساعة الآن 03:52 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |