![]() |
عصر الاكتئاب
عصر الاكتئاب يعيش العالم اليوم " عصر الاكتئاب " ..ولم يعد المرء بحاجة إلى المزيد من الدلائل على صدق وصف عصرنا الحالي بأنه عصر الاكتئاب النفسي ، وذلك مقارنة بما أطلق عليه في الماضي "عصر القلق " وهو الفترة التي سبقت وصاحبت ثم تلت الحرب العظمى الأخيرة. ولقد شهدت الحقبة الأخيرة مع بداية النصف الثاني من هذا القرن زيادة مطردة في انتشار حالات الاكتئاب في كل أنحاء العالم . ولدى شرائح واسعة في المجتمعات المختلفة ، من الرجال والنساء ، وفي كل الأعمار من شيوخ وشباب وحتى الأطفال . ولكن ما هو الاكتئاب ؟ يجب في البداية أن نجيب عن هذا التساؤل بشأن تعريف الاكتئاب ، والواقع أنه من الحكمة ألا نندفع بسرد ما تذكره الكتب والمراجع من تعريفات علمية دقيقة وضعها المتخصصون ، وصاغوها في عبارات ومصطلحات تحتاج بدورها إلى الشرح والتفسير ، فنحن حين نتحدث عن الاكتئاب إنما نذكر شيئاً يعرفه جيداً كل الناس ، أما إذا حاولنا وضع تعريف علمي محدد فإننا في هذه الحالة نكون كمن يتحدث عن أشياء يفهمها الجميع جيداً بكلمات لا يعرفها أحد . والاكتئاب هو بغير شك أكثر الظواهر النفسية شيوعاً ، فأغلب الظن أن أيا منا قد تملكه في وقت من الأوقات شعور بالحزن أو الضيق ، أو قد أحس باضطرابات في نمط ممارسته لأنشطته المعتادة كالعمل والنوم وتناول الطعام . وإن ذلك في الغالب من علامات الاكتئاب النفسي ، غير أن هناك خطأ شائعاً يقع فيه عامة الناس حيث يتوقعون أن الشخص لا يعاني من الاكتئاب إلا إذا كان في حالة من الحزن والأسى الشديد تبدو للجميع . فإن لم يكن الأمر كذلك فإنه في مفهوم عامة الناس لا يعاني من الاكتئاب . ولا ينطبق ذلك على العامة وحدهم بل يمتد إلى الأطباء أيضاً ، والواقع أن مظهر الحزن وحده ليس مرادفاً للاكتئاب في كل الحالات ، بل قد تظهر أعراض أخرى مختلفة تخفي هذا المظهر التقليدي للاكتئاب . ومن ناحية أخرى فإن هناك فرقاً بين مشاعر الحزن التي يشعر بها أي منا كرد فعل طبيعي لموقف يتطلب ذلك مثل وفاة عزيز أو التعرض لحادث ، وبين الاكتئاب كاضطراب نفسي . ولو تم الخلط بين الحالتين فإنه ما من إنسان على وجه الأرض إلا قد تعرض لهذه التجارب الأليمة ، ولكن لا يمكننا الادعاء بأن كل الناس قد أصيبوا بالاكتئاب لمجرد معاناتهم في وقت من الأوقات من هذه التجربة. ولنحاول مرة أخرى أن نعرف الاكتئاب من خلال نقيضه ، وهو السعادة حيث " تعني ذلك الشعور المحبب إلينا والذي يتضمن الرضا عن ما حولنا " ، ولكن الشعور بعدم السعادة أيضاً انفعال طبيعي ، ولا يعني بحال وجود الاكتئاب ، بل لا نستطيع أن نعتبره ظاهرة مرضية . وتستخدم الكلمة المقابلة للاكتئاب في اللغة الإنجليزية وهي Depression على نطاق واسع وللتعبير عن معان أخرى غير مرض الاكتئاب النفسي ، فهي تحمل عند استخدامها معاني مختلفة في علم الاقتصاد ، وعلوم الأرصاد الجوية ، وعلم وظائف الأعضاء ، أما في الطب النفسي ، وهذا هو موضوع حديثنا الآن ، فإن لمصطلح الاكتئاب أكثر من معنى ربما تشابهت ولكنها لا تتطابق تماماً ، فالاكتئاب أحد التقلبات المعتادة للمزاج استجابة للمواقف الأليمة التي نصادفها ، وهو أحياناً علامة من علامات مرض ما ، بل هو موجود في الغالب لدى كل المرضى أيا كان المرض الذي يعانون منه ، فمقولة " كل مريض مكتئب " لها نصيب كبير من الصحة . أو كل مريض يجب أن يكون كذلك ، والمفهوم الأهم للاكتئاب هو أنه حالة من الاضطراب النفسي ، وهو موضع اهتمامنا . ومن واقع مفهوم الاكتئاب كحالة اضطراب نفسي مرضي ، فقد شهدت الحقبة الأخيرة زيادة هائلة في حدوث هذه الحالات في كل أرجاء العالم ، فمن واقع إحصائيات عالمية متعددة تبين أن مالا يقل عن مائة مليون شخص يصابون بالاكتئاب كل عام في مختلف البلدان وذكرت تقارير لمنظمة الصحة العالمية أن من 2-5% من سكان العالم يعانون من حالة شديدة أو متوسطة من الاكتئاب ، أي أن لدينا حوالي 300 مليون من البشر في حالة اكتئاب نفسي ، ألا يكفي ذلك دليلاً على أننا نعيش الآن بالفعل " عصر الاكتئاب " . ولعل أبلغ تعبير عن هذه الحقيقة هو قول " ميلاني كلاين " من أشهر علماء الطب النفسي بأن المعاناة التي تسببت للإنسانية من أثار الاكتئاب النفسي تفوق تلك التي نتجت عن بقية الأمراض الأخرى مجتمعة ، وفي هذا السياق نطرق سؤالاً هاماً هو : كم يتكلف مريض الاكتئاب النفسي ؟ وقبل أن أحاول الإجابة على هذا التساؤل فإنني أوضح أن المقصود بالتكلفة هنا ليس التكلفة المادية فحسب ، بل تشمل كذلك أبعاداً اجتماعية وصحية ونفسية أيضاً ، فقد ثبت أن مرضى الاكتئاب النفسي خصوصاً المزمن منه هم من أقل الفئات إنتاجية في العمل ، وأكثرهم استهلاكاً للخدمات الطبية دون طائل ، كما يشكل مريض الاكتئاب عبئاً على كل من حوله حيث يؤثر سلباً في أفراد أسرته ، ويمتد تأثيره إلى أصدقائه ، وإلى زملاء العمل ، بل حتى إلى الطبيب المعالج ، ولنا أن نعلم أن الحياة برفقة مريض الاكتئاب هي بكل المقاييس محنة وتجربة سيئة لا يمكن أن ينبئك بقسوتها إلا من عايشها بالفعل . واستكمالاً للإجابة على تكاليف وأعباء مريض الاكتئاب علاوة على العبء الاقتصادي والاجتماعي والصحي ، هناك السنوات الطويلة من المعاناة واليأس القاتل في ظل هذا المرض ، وهناك خطر التعرض لأمراض أخرى ثبت علاقتها بالاكتئاب ربما من خلال ما يحدثه من تأثير سلبي على مناعة الجسم مثل أمراض القلب والسرطان بل إن الاكتئاب قد يكلف الإنسان حياته إذا أقدم على التخلص من معاناته بالانتحار . نعم هو " عصر الاكتئاب " وهناك ما يدفع على الاعتقاد بأن انتشار الاكتئاب يفوق كثيراً كل ما ذكر من أرقام مهما كانت هائلة . فالحقيقة الثابتة أن هناك في مقابل كل حالة حادة أو متوسطة من الاكتئاب يتم التعرف عليها ، يوجد العديد من الحالات الأخرى تظل محهولة ، وتبقى بمنأى عن التشخيص والعلاج ، وقد ثبت ذلك من خلل دراسات ميدانية أكدت وجود الاكتئاب والميول الانتحارية في شرائح من عامة المجتمع ، وفي أناس يبدون وكأنهم طبيعيون وأسوياء . ومن علامات " عصر الاكتئاب " أيضاً وجود أسباب عديدة تدفع إلى التنبؤ بزيادة أعداد البشر الذين يعانون من حالة الاكتئاب النفسي ، من ذلك أن الإنسان يعيش اليوم في بيئة اجتماعية سريعة التغيير ، وما يحدث على مستوى الكرة الأرضية من فقد للاستقرار ، والتفكك الاجتماعي الذي يصاحب التقدم الحضاري ومنها أيضاً زيادة حدوث الأمراض العضوية واستخدام الأدوية المختلفة بما لذلك من علاقة بحدوث الاكتئاب . وكذلك تقدم وسائل الرعاية الصحية الذي نتج عنه زيادة متوسط العمر وهذا في حد ذاته يبدو ميزة طيبة . غير أنه يتضمن زيادة فرصة التعرض للاكتئاب في السن المتقدم |
|
رائعة ديمة على الموضوع المتميز
يعطيك العافيه عزيزتي وبانتظار المزيد من مواضيعك |
|
الاخت ديمه / د الشربيني عندما نتابع موضوعا ما نجد أن العنوان احيانا يعطينا فكرة عن الموضوع ربما تغنينا احيانا عن التركيز في تفاصيله ...عصر الاكتئاب مفهوم واسع شامل وهوصفة من صفات الذات الانسانيه التي نراها انها جزء من المعادلة الكونيه ..أن التنويه الى ما أورده الدكتور الشربيني في تفسيره لحالة الاكتئاب تلك الحاله التي تؤثر على السلوك الانساني والتي اسبابها ما اورده الدكتور من التبدلات والمتغيرات الحضاريه ..وقد لفت نظري من خلال مطالعاتي المتواضعه في بعض المراجع المتخصصه لكوني مهتما بالدراسات السيكولوجيه ان الحالة المناخيه تتسبت في حالات اكتئاب عند البعض ..أذن ان الانسان وهو المتلقي والمتاثر بمايدور حوله حتى في ظواهر الاستجابه المنظمه واللااردايه لبعض الاشياء نرى أن تأثيرها يدور في دائرة القدرة في السيطره على الفعل الانساني مرئيا أو غير مرئي ...فتنج عند الانسان تعبيرات مفرطه تتجاوز حدود الذات وكما ذكر الدكتور شربيني وتصل محيطه المباشر الاسره والاصدقاء وبيئة العمل ...أن الاكتئاب النفسي حالة معبره عن الاحباط المزمن والتراكم السلبي في حياة الفرد اضافة الى ماأورده سعادة الدكتور وأن الملاحظ أن الاكتئاب اصاب العديد من المشاهير الذي كنا نعتقد انهم في منتهى السعاده الحياتيه وادى ذلك الى الانتحار والموت وانه حالة نفسيه ذهنيه ايضا وليس مجردحالة نفسيه كما وصفها الدكتور لان الذهن هووعاء المؤثرات المحيطه ومركز تراكمها ...لقد تحدث الدكتور فيما يبدو بأختصار عن عصر الاكتئاب واشار الى عصر القلق وكأن السكولوجيا النفسيه قد فرضت نفسها على الزمن في ضوء التفسيرات العلميه للاكتئاب ومحاولة معرفة الاسباب الكامنه وراءه ..هل الاخفاق مثلا مصدرا من مصادر تغذية الاكتئاب ام ن هناك عوامل تمتد الى ابعد من ذلك هل الحصول على كل متطلبات الحياه بسهولة ودون جهد انساني يحقق الشعور بالانجاز هو مدخل من مداخل لاكتئاب ايضا ..أنني أود أن اعرج الى عصرنا العربي الذي ربما ان عصر الاكتئاب فيه قد بدأ قبل أن نسميه عصرا اليس للواقع المعاش للانساني العربي من كبت الحريه الانسانيه وأمتهان المرأه وتبدل القيم وأنحدارها والتغرب عن القيم الايمانيه واستبدالها بقيم شخصيه هي من أهم اسباب الاكتئاب بمفهومه النفسي بل والانساني ..لماذا يتنقل الاكتئاب النفسي في محطات حياتنا المختلفه ليصبح عصور الاكتئاب وليس عصر ..اليست الدوله والمجتمع والمؤسسة الاسريه مسئولة عن الامن النفسي والصحة النفسيه للانسان ليكون الاكتئاب في ادنى حالاته ويصبح ظاهرة فرديه بدلا من مرض أجتماعي ..ان الاظطهاد والقمع في عالمنا العربي هما من أهم اسباب الاكتئاب لمواطننا العربي والذي اراه واضحا جدا بصدق في الكثير من المحطات لنقول هناك من يساهم أن يسود العصر بالاكتئاب بدلا من عصر يمكن ان نصنعه لاجيالنا وأمتنا ونقول بدأ عصر جديد نسميه عصر التفاءل هيا لنبدأ أذن ونحدد المعطيات لعصرنا الجديد عندما نتحاور بأدب الحوار ونحترم لغة الحوار في منتدانا الغالي هل نقول بدأنا عصر التفاءل من الارب ضموا اصواتكم وقولوا نعم |
الساعة الآن 02:52 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |