منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   اللغة العربية وتحديات العولمة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=10418)

ميارى 29 - 9 - 2010 03:53 PM

اللغة العربية وتحديات العولمة
 



حددت اليونسكو يوم الحادي والعشرين من شهر فبراير من كل عام يوما وطنيا للغات الأم وهذا تقديرا لأهمية اللغة في حياة الشعوب والأمم والحضارات. وفي المقابل، نلاحظ أن في الكثير من الدول العربية هناك من يفضل اللغة الأجنبية على اللغة الأم وهذا تمشيا مع متطلبات الجامعات الكبرى والتخصصات العلمية واستجابة لسوق العمل الذي تفضل من يتقنون اللغة الأجنبية على غيرهم. ومن المغبات التي تعاني منها لغة الضاد عدم تدريسها بطرق ومناهج علمية، كما أثبتت العديد من الدراسات أن الذين يدرسون اللغة العربية في مدارسنا بحاجة إلى إتقان اللغة العربية.
قال سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون". لقد حملت اللغة العربية الإسلام ومفاهيمه وأفكاره ونظمه وقيمه وأخلاقه؛ كما أصبحت لغة الدين والثقافة والحضارة والعلم والمعرفة والحكم والسياسة وقواعد ونظم السلوك والأخلاق والمنطق. ما هو مستقبل اللغة العربية في عصر العولمة والإنترنت وثورة المعلومات؟ ما هي مكانة لغة الضاد في الخريطة اللغوية العالمية وفي الأوساط العلمية والفكرية العالمية؟ ما هو موقعها وما هي مكانتها في المحافل الدولية؟ ما هو موقعها ومكانتها في عقر دارها وبين أهلها وذويها؟ ما هي مكانتها ودورها في وسائل الإعلام المختلفة وفي المنتجات الفكرية والأدبية والإبداعية؟ وهل استعمال العامية والدارجة واللهجات المختلفة أصبح شرط النجاح في التواصل مع الجمهور؟". أسئلة تستحق الوقوف والتأمل والدراسة لأنها تثير قضية جوهرية في أيامنا هذه وهي مكانة اللغة العربية في ضمير الأمة وفي وسائل الإعلام وفي حياة المواطن العربي وفي وجدانه وطريقة تفكيره وعيشه. الواقع يشير إلى أزمة معقدة تنتشر بسرعة فائقة ومذهلة والأمر خطير لعدة اعتبارات، من أهمها أن العولمة وعصر الإنترنت والمعلوماتية لا ترحم ولا تشفق ومن لا يحصن نفسه بالعلم والمعرفة والنِّتاج الفكري والأدبي فإنه سيذوب لا محال في الآخر وسيصبح كاللقيط الذي لا يعرف له لا أصلا ولا فصلا ولا تاريخا ولا جذورا. للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل مجتمع وأمة، فهي الوعاء الذي يجمل الأفكار وينقل المفاهيم ويقيم روابط الاتصال بين الفئات الاجتماعية المختلفة فيفرز التقارب والتلاحم والانسجام. اللغة العربية هي التي نقلت الإسلام ونشرته في بقاع الأرض، كما نقلت الثقافة العربية عبر العصور والأجيال. فاللغة العربية هي البيئة الفكرية التي نعيش فيها، وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
إذا نظرنا إلى إشكالية اللغة يجب أن ننظر إليها ليس كمجرد وسيلة بريئة أو كناقل للأفكار والمعاني والتجارب وإنما كثقافة وكحضارة وكذاكرة اجتماعية. اللغة هي هوية الشعب والأمة واللغة هي الرافد الرئيسي لتطوره وتقدمه وعلومه وابتكاراته واختراعاته. واللغة هي القاسم المشترك الذي يجمع الأمة في التعبير عن أفراحها وأتراحها واللغة هي الناقل الذي يلّم الشعب ويوّحده. فإذا أردنا أن نتكلم عن إشكالية اللغة فإنه يجب علينا أن لا نفرغها من محتواها ومن أيديولوجيتها وأبعادها المختلفة، سواء كانت دينية أم سياسية أم حضارية أم أمنية أم قومية…الخ. فاللغة، إذن، تحدد لنا كيف نفكر وكيف نلبس ونأكل ونمرح ونمزح فهي وعاء كبير قد يحتوي على معاني وأفكار ومعتقدات وسلوكيات تعكس الفرد في بعده الإنساني والحضاري والثقافي والاتصالي والديني والاجتماعي. ولهذا نرى دولا كبيرة وعريقة تنفق مئات الملايين من الدولارات سنويا لنشر لغتها التي تعكس ثقافتها وحضارتها وتاريخها وطريقتها في الأكل واللباس وغير ذلك. فلا غرابة أن تؤسس فرنسا منظمة الفرانكوفونية وتنفق عليها بسخاء لتحافظ على انتشارها في إفريقيا وآسيا ودول كثيرة أخرى في أنحاء العالم. بريطانيا من جانبها ومن خلال الكومنولث تعزز كذلك مكانة اللغة الإنجليزية في العالم ومن خلال اللغة ينشر البريطانيون حضارتهم وتاريخهم وطريقة معيشتهم ورؤيتهم للأشياء. فالمجلس الثقافي البريطاني يكاد يوجد في معظم العواصم والمدن الكبرى في العالم سواء في إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، أما البي.بي.سي فتُسمع في معظم قرى ومداشر دول المعمورة قاطبة. وهنا نتساءل ماذا فعل العرب لنشر اللغة العربية وجعلها لغة العلم والفكر والحضارة والدين الإسلامي؟ أين هي المراكز الثقافية العربية في العواصم العالمية؟ وما هو الدور الذي تلعبه الملحقات الثقافية في السفارات العربية في العالم لنشر اللغة العربية؟
اللغة تقوى بشعبها وأمتها وتقوى كذلك بالإنتاج العلمي والفكري والثقافي. فاللغة تفرض نفسها وتنتشر في العالم بالعلم والمعرفة التي ترفدها. كما أن حركة الترجمة تعطي دفعا قويا للغة للانفتاح والتثاقف وتكييف فكر وعلوم الآخرين للمواطن العربي. الواقع مع الأسف الشديد يبعث على التشاؤم وعلى الحسرة والألم لأسباب عديدة من أهمها أن الإنتاج العلمي والمعرفي والثقافي والفكري العربي لا يتجاوز 1٪ من الإنتاج العالمي. بالإضافة إلى ذلك نلاحظ أن حركة الترجمة في الوطن العربي سواء من اللغات الأجنبية إلى العربية أو من العربية للغات الأخرى لا يكاد يذكر وهذا يعكس ضعف الاهتمام والاستثمار في هذا المجال والذي يعتبر رافدا استراتيجيا للغة وانتشارها والاقبال عليها. ففي العالم العربي أصبح الكلام يدور حول حماية اللغة العربية وليس حول نشر اللغة العربية وتطويرها وتكييفها مع تطورات العصر لتبقى لغة العلم والمعرفة والتكنولوجيا. فاللغة تقوى بالعلم والانتاج المعرفي والثقافي وتنتشر وتتوسع من خلال ما تقدمه من علوم وحضارة وثقافة.
ما وصلت إليه اللغة العربية في وسائل الإعلام المختلفة شيء مخزي ومؤسف، حيث أصبحت معظم هذه الوسائل، خاصة السمعية البصرية منها، تتفنّن في استعمال اللهجات والعامية والدارجة وهذا بافتخار واعتزاز، والمبرر هو أن العامية بسيطة ومفهومة لدى الجميع. وإذا رجعنا إلى موضوع العامية، بدلا من اللغة العربية الفصحى، نجد أن بعض المستشرقين والحاقدين على العرب والمسلمين خاصة هؤلئك الذين كانوا يهدفون إلى طمس الهوية العربية ودفن الإسلام والحضارة الإسلامية كانوا يصّرون على استعمال العامية وهذا ما حدث على يد المنظرين للاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر. وبذلك نجد الكثير من المستعمرين الفرنسيين في الجزائر، على سبيل المثال، كانوا يصّرون ويشجعون على استعمال الدارجة والابتعاد بقدر الإمكان على اللغة الفصحى مما جعلهم ينشرون كتبا بالدارجة ويشجعون كل من يستعمل العامية في التعليم والنشر والاتصال الرسمي وهم في نهاية الأمر من نشروا ثقافة تزييف القرآن وتحريفه وتجريده من معانيه الصحيحة من خلال شبكة من المشعوذين وأشباه الأئمة.

موضوع استعمال العامية يطرح عدة تساؤلات: لماذا العامية؟ و هل اللغة العربية الفصحى عاجزة عن إيصال المعاني والأفكار للجمهور؟ وهل اللغة الفصحى معقدة وصعبة إلى درجة أن الجمهور العريض لا يستطيع فهمها؟ وهل العامية مفهومة للجميع؟ أم أن اللغة العربية الفصحى عاجزة عن مواكبة العلم والمعرفة وآخر الاكتشافات التكنولوجية؟ وهل اللغة العربية هي لغة الشعر والأدب ولا علاقة لها بالبحث العلمي وبالابتكارات والاختراعات؟ هل اللغة العربية غير مؤهلة وغير قادرة على رفد واحتواء العلم والمعرفة.؟
قبل أن نجيب على هذه الأسئلة، نرجع قليلا إلى التاريخ لنسأله عن ماضي اللغة العربية وأمجادها وإنجازاتها المختلفة. اللغة العربية في أوج حضارة العرب وازدهارهم لم تكن عاجزة عن نقل العلم والمعرفة والاكتشافات والإبداعات العلمية. اللغة العربية الفصحى هي التي نقلت العلوم الطبية عن ابن رشد وابن سينا ونقلت رياضيات الخوارزمي وغيرهم من العلماء الذين ترجمت أعمالهم إلى اليونانية وغيرها من اللغات الأوروبية.
فللإجابة على الأسئلة السابقة نقول، إن اللغة العربية الفصحى قادرة على نقل أي علم وأي معرفة في كل الأوقات والأزمنة. فالعيب ليس في اللغة وإنما العيب في من يستعمل هذه اللغة ومع الأسف الشديد وصل الحد بالكثير من الشرائح الاجتماعية في الدول العربية إلى التنصل من الأصل ومن اللغة العربية والتباهي باللغة الأجنبية والثقافة الأجنبية والزي الأجنبي…الخ. وأصبحت النخب العربية المثقفة تتباهى باستعمال اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية وغيرها للتخاطب والتواصل وأصبحت اللغة العربية في بعض الأوساط محل ازدراء وسخرية بحيث ينظر إليها على أساس أنها لغة التخلف ولغة الطبقات الكادحة والفقراء والمساكين والمغلوبين على أمرهم.
وإذا عدنا إلى وسائل الإعلام وخاصة بعض القنوات الفضائية، التي أصبحت تهتم بالشكل والمظهر أكثر من الرسالة فنجدها بدلا من خدمة اللغة العربية وتقويتها وتطويرها وتطويعها لمتطلبات الألفية الثالثة والعولمة، نجدها تشوّه اللغة العربية وتقضي على أصالتها وغناها من خلال تحريفها وتهميشها والاعتداء عليها. وهكذا أصبح الخطاب الإعلامي العربي من حيث اللغةُ خطابا يضرّ باللغة العربية أكثر مما يخدمها، حيث أن القناة الفضائية تصل إلى مئات الملايين من المشاهدين العرب وخاصة الشباب منهم من خلال البرامج الترفيهية والمنوعات وغير ذلك ولأن القناة الفضائية وسيلة اتصال جماهيري، فإنها تنمي النشء والمشاهد العربي على التخلي عن أصالة اللغة العربية السليمة الفصيحة وتعلّم الدارجة والعامية والتي تختلف من جهة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى داخل نفس البلد، فما بالك إذا تعلق الأمر بـ22 دولة و300 مليون نسمة.
وإذا نظرنا إلى اللغة العربية المستعملة في المحلات وفي الشوارع من خلال اللافتات واللوحات الإعلانية، نلاحظ تلوثا لغويا لا مثيل له، حيث استعمال الدارجة وكتابة الإعلانات بالحروف اللاتينية واستعمال كلمات إنجليزية أو فرنسية مكتوبة بحروف عربية، ونفس الشيء نجده في الكثير من إعلانات الصحف التي لا تراعي احترام اللغة السليمة على الإطلاق. هذا الوضع، مع الأسف الشديد، يساهم في نشر ثقافة العامية والدارجة وثقافة الاعتداء على اللغة العربية الفصحى بحجة التبسيط والتطوير والتأقلم مع معطيات العصر. فالإعلام العربي بحاجة ماسة إلى مراجعة خطابه احتراما للهوية العربية والشخصية العربية والسيادة العربية، كما من واجبه أن يغرس في النشء روح الغيرة على ثوابته وأصالته وحبّه لجذوره، لأن اللغة العربية السليمة الفصحى هي من مكونات الشخصية العربية الأصيلة. ولا يخفى على أحد أن اللغة العربية هي واحدة من ست لغات سائدة في العالم محصّنة ضد الاندثار والانهيار والانقراض. فاللغة العربية في عصر العولمة والمعلوماتية والألفية الثالثة أصبحت قضية وجود وشرف. فهي تعتبر ركنا أساسيا من أركان الأمن الثقافي والحضاري والفكري للأمة العربية والإسلامية حاضرا ومستقبلا، فاللغة هنا ليست لسانا فحسب وإنما هي عنوان للسيادة والحضارة والتاريخ والثقافة والأصالة.
اللغة إذن هي الوجه الآخر للتفكير وهي ليست ناقلا أو وعاء بريئا أو مجرد مرآة عاكسة للاتصال والتواصل، وإنما هي منظومة تحمل أيديولوجية وطريقة حياة وتفكيرا وسلوكا ومبادئ وأسسا، فهي كل متكامل لا نستطيع أن نفصله عن شخصية الإنسان ووجدانه.
أين الحكومات؟ وأين وزارات الإعلام؟ وأين المجامع اللغوية وأين حركة الترجمة التي بإمكانها تدعيم وتثبيت وتقوية الحركة العلمية والفكرية في الوطن العربي وبذلك تقوية اللغة العربية على نقل العلم والمعرفة ومواكبة التطورات العالمية؟ ماذا عن طرق وأساليب تدريس اللغة العربية في مدارسنا وثانوياتنا وجامعتنا؟ ماذا عن الوسائل العلمية والتعليمية لتبسيط عملية الفهم والاستيعاب للطالب؟ ماذا عن استعمال الوسائط المتعددة في تدريس اللغة العربية؟ ماذا عن الإنترنت والمواقع العربية في الشبكة وحجمها ونوعيتها؟ ماذا عن البحث العلمي في الوطن العربي وإلى أي مدى استطاع ويستطيع أن يضع اللغة العربية في مصاف اللغات الفاعلة في العالم؟ أين الإنتاج العلمي والبحث العلمي وأين هي موازنات مراكز البحوث والدراسات؟ فالذي يجعل من اللغة لغة قوية وفاعلة في العالم هو العلم والانتاج العلمي والابتكارات العلمية. ضعف اللغة العربية هذه الأيام يعود إلى عدة عوامل من أهمها ضعف الانتاج العلمي وضعف الصناعات الإعلامية والثقافية والتقليد الأعمى للآخر وثقافة الاستهلاك والاتكال والاعتماد على ما هو معلّب وجاهز.
د / محمد قيراط عميد كلية الاتصال، جامعة الشارقة


ميارى 29 - 9 - 2010 03:58 PM

حظيت اللغة العربيّة بمكانة كبيرة في نفوس أهلها حتّى بلغ اعتدادهم بها درجة التقديس، وربّما شغلتهم علومها زمناً طويلاً، لأنّ القرآن الكريم نزل بلسانهم ، فكان من الطبيعيّ أن يربط ابن فارس مثلاً بين العلم بها والعلم بالدين، فقال: “ إنّ العلم بلغة
العرب واجب على كلّ متعلّق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا حتّى لا غَناء بأحد منهم عنه “ . ولمّا أخذت كلمة الحقّ تعلو في الآفاق كان من البداهة أنّ تسود في مختلف الأمصار لغة المهيمن بدينه على غيرها من اللغات الأعجميّة التي وصفها عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – بأنّها خِبّ، أي: غشّ وخداع .. ولكنّ اللسان العربيّ كان يضعف كلّما ضعفت هيمنة السلطة الإسلاميّة، فإذا دخل الأعاجم قريةً راطنوا أهلها، وأفسدوا ألسنتهم، ولكنّ القرآن الكريم ظلّ على المدى يحفظ لهذه اللغة وجهها الناصع. فاللغة صورة المجتمع، أو هي هويّته الوطنيّة، سواء أ كان هذا المجتمع قويّاً أم ضعيفاً، أي: إنّ اللغة ظاهرة اجتماعيّة، أو هي كائن اجتماعيّ، يحيا بحياة مجتمعه، ويموت بموته. والدكتور أسعد علي يرى أنّ اللغة “ منزل الكائن البشريّ ومرآة فكره، يلجأ إليها لتأكيد وجوده، وينطلق بها لتحقيق رغباته، ولكنّ المنازل تُغنى بسكانها، والمرايا تصفو وتجمل بالعيون الناظرة إليها والوجوه المصوّرة عليها، فإذا هاجر السكان أو ماتوا خلت المنازل، وافتقر غناها، فهم روحها التي بها تحيا “ . ولا شكّ في أنّ هذا التصوّر السوسيولوجيّ للغة ينطبق على واقع لغتنا العربيّة في الماضي والحاضر، أي: أنّ مسيرة هذه اللغة ارتبطت على المدى بنوع محيطها الاجتماعيّ. ففي الماضي كانت الضاد لغة الاستعمال في مختلف قطاعات الدولة وأمصارها كما كانت لغة مختلف العلوم والمعارف والدواوين.. وفي الحاضر أظهرت لغة الضاد مقدرةً كبيرةً على استيعاب ما يستجد من التقنيّات حتّى تمكّنت بعض الجامعات والمعاهد العربيّة من تدريس الطبّ وبعض التخصّصات الحديثة باللغة العربيّة، ولكنّ الجحود الذي تواجهه هذه اللغة من أبنائها أنفسهم جعلها في الدرك الأسفل من اللغات العالميّة، وجعلها تواجه تحدّياتٍ جمّةً ودعواتٍ خطيرةً، ومنها على سبيل المثال: دعوة سعيد عقل إلى كتابتها بالحروف اللاتينيّة، ودعوة هادي العلوي إلى إلغاء الإعراب، ودعوة سلامة موسى إلى الكتابة بالعاميّة، وهي دعوات إقليميّة، لا تخفي وجهها القبيح ونواياها الخبيثة للنيل من العروبة والإسلام معاً، لأنّ هؤلاء ( الأغراب ) أو ( المستغربين ) كانوا يعرفون أنّ اللغة رابط وصلة رحم وهويّة وطنيّة.. واللغة العربيّة كانت على المدى عاملاً رئيساً من عوامل الوحدة العربيّة، بل هي اليوم آخر ما يستر سوءاتنا في مواجهة ما سمّي بـ ( العولمة Globalization )، وهو مصطلح أطلقه العالم السوسيولوجيّ الكنديّ مارشال ماك لوهان في كتابه ( الحرب والسلام في القرية الكونيّة 1969 )، وروّجه زبيغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس الأمريكيّ جيمي كارتر، وتزامن مع تطوّرات انهيار المعسكر الاشتراكيّ وسيطرة المعسكر الرأسماليّ على الاقتصاد والسياسة ووسائل الاتصال على حساب الهويّات الوطنيّة حتّى حوّل العالم كلّه إلى قرية كونيّة Global Village، تسود أسواقها ما سمّي لاحقاً بـ ( الفوضى الخلاّقة ) أو ( الفوضى المنظّمة )، ويعيث فيها فساداً وحيد القرن، ويستبدّ بها شرطيّ واحد . والعولمة لغةً مصدر من الفعل ( عَوْلَم ) على وزن ( فَوْعَل )، وهي اصطلاحاً أن تجعل الشيء على مستوى عالميّ ، أي: أن تنقله من مستواه الوطنيّ أو القوميّ إلى مستوى عالميّ من غير ملامح ولا أسارير.. وإذا كانت الدعوة إلى العولمة قد ولدت في أمريكا فلا شكّ في أنّها تدعو إلى تبنّي النموذج الأمريكيّ في الاقتصاد والسياسة وفي طريقة الحياة بشكل عام، ومن ضمنها الثقافة والفكر والإعلام.. أي: أنّها تدعو إلى أمركة العالم طوعاً أو كرهاً، فمن الأقطار العربيّة من استقبل العولمة استقبالاً كريماً غير آبه بنتائجها الوخيمة، ومنها من أكره على استقبالها جبناً أو حرباً أو حاجةً.. وهكذا تؤدّي العولمة إلى ضياع اللغات أو إضعافها، وتدفع التطوّر العالميّ في اتجاه اللغة الواحدة والثقافة الواحدة.. وربّما تؤدّي إلى طمس الهويّات والثقافات الوطنيّة، وعلى رأسها جميعاً اللغات التي تمثّل الوعاء الأول للثقافة والمخزون التاريخيّ للتقاليد والأعراف والفنون والإبداعات.. وذلك هو التحدّي الحقيقيّ الذي يواجه العالم كلّه، ولا سيّما الدول الناميّة. ومن هنا تقف الشعوب في مختلف أنحاء العالم حائرةً أمام سؤال عريض، هو: “ كيف نوائم بين متطلبات العولمة وضرورة الحرص في الوقت نفسه على التمسك بخصائص هويّتنا الوطنيّة ؟ “. وفي ظلّ واقعنا العربيّ المعاصر الذي تسوده لُغيّات متعدّدة وثقافات متباينة يبدو الجواب على هذا السؤال عسيراً ومريراً، فاللهجات العاميّة تسود وسائل الإعلام وآليّات الاتصال، واللغة الإنكليزيّة تستبدّ بجامعاتنا ومعاهدنا، وأنماط الحياة الغربيّة تتسلّل كالنمل إلى مأكلنا ومشربنا وملبسنا، وكأنّنا غرباء أو هجناء في أوطاننا، لا لسانَ لنا ولا يدَ.. وها هم أبناؤنا يتحدّثون العامّيّة بطلاقة، ويأكلون ( الهمبرغر ) بشراهة، ويلبسون ( الجينز ) بارتياح غامر.. وربّما يشنّفون آذانهم بموسيقى ( البوب )، ويفتحون نوافذهم لكلّ ريح حتّى تكاد تقتلعهم من جذورهم، وترميهم هشيماً، تذروه رياح العولمة الهوجاء. وفي خضمّ هذا الواقع المرير تقف لغة الضاد على قدم واحدة كطائر اللقلق، ينكرها أبناؤها، وتنكرها مؤسّساتنا الرسميّة، ولولا القرآن الكريم لمسخت لغيّات وأبجديّات وثقافات.. واللغة العربيّة عامل قوميّ من عوامل الوحدة العربيّة، فهي إذن هدف رئيس من أهداف العولمة التي يقف مروّجوها في طريق وحدتنا ونهضتنا، ويسعون إلى جعلنا سوقاً لترويج بضائعهم واستغلال ثرواتنا وانتهاك حرماتنا. ولم يكن ثمّة سبيل إلى تحقيق هذه الأهداف إلاّ الإعلام المعولم، والإعلام هو منبت العولمة الأوّل، فقد لاحظ معلّمها الكبير مارشال ماك لوهان أنّ التلفاز في أثناء حرب فيتنام قد حوّل المواطنين من مجرّد مشاهدين إلى مشاركين في لعبة الحرب، وهو ما أدى إلى اختفاء الحدود بين المدنيّين والعسكريّين، وأصبح الإعلام وقت السلم محرّكاً للتغيّر الاجتماعيّ . والإعلام في هذا السياق لغة وثقافة وسلوك ، أي: هو منتج المعرفة ومصدرها وموجّهها، وإذا ما وُجّه ( يميناً ) أو ( يساراً ) انساق خلفه الجمهور انسياقاً أعمى، وقد تخفّف أفراده من قيمهم وثوابتهم، و” باتوا مجرّد كائنات، تستهلك كلّ ما يقدّمه الآخرون لها على مائدة جوعها الفكريّ وحرمانها السياسيّ ويأسها الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وليس أمامها – وقد تشوّهت قيمها التي كانت تحكم الواقع – إلاّ أن تكون تابعةً لمِلّة، أحكمت عليها دائرة السوء، وعاثت بها فساداً وإفساداً “ . ولعلّ نظرةً عجلى إلى إعلامنا العربيّ في مختلف أشكاله وأقطاره – وهو إعلام مؤهّل للغزو - ستكشف لنا ما جرّته العولمة من جرائر وخيمة على سلوكنا وثقافتنا ولغتنا حتّى كادت هوّيتنا الوطنيّة تضيع في خضمٍّ من الرداءة عميقٍ وجارفٍ، وأصبحنا فريسة العولمة، ولو دخل الغرب جحر ضبّ خرب لدخلناه لاهثين، ونحن نرطن بـ ( الحداثة ) أو ( ما بعد الحداثة )، ونصفّق للفوضى الخلاّقة أو المنظّمة، والعدو الإٍسرائيليّ يهزّ شباكنا، وينتهك حرماتنا، ويقضم حاضرنا لقمةً لقمةً، بل يعدّ رئيسه شمعون بيريز لشرق أوسط جديد، تسوده الديمقراطيّة، وتحكمه الحرّيّة وحقوق الإنسان.. هي الحملات الصليبيّة نفسها.. هو هولاكو نفسه.. هي ثقافتنا العربيّة والإسلاميّة تُرمى من جديد في نهر دجلة حتّى تجري مياهه سوداً طوال سنوات، أو تُحرق من جديد في ساحات غرناطة حتّى يزكم دخانها الأنوف، ويسدّ غبارها الحلوق، والعولمة تجرّنا إلى المقصلة غير آبهين بحاضرنا المضطرب ولا بمستقبلنا الوخيم


منقول

عاشقة الوطن 30 - 9 - 2010 08:49 AM

http://www.shy22.com/upfiles/YWx87461.gif

ابتهال 30 - 9 - 2010 09:59 AM

الف شكر اختي ميارى على طرحك الموضوع
بارك الله لنا بلغتنا وبارك لنا بكل ناطق بها


الساعة الآن 10:04 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى