![]() |
رمزیة السیاب و رمزیة الآخرین
رمزية السياب و رمزية الآخرين : إن الفنان الأسطوري الناجح يهمل مغزى الأسطورة من حيث عنايتها بالحقائق العليا، و بكل ماوراء الطبيعة ، و يقبل على قطاعات منها، أي يستلُّ شرائح و مواقف منها فيطورها التطويرالذي يصوّر الواقع المتغيّر..[1] في هذه الدراسة الموجزة نأتي أولاً بمقطع من قصيدة «رسالة من مقبرة» للسياب و مقطع من قصيدة «إلى آلبيركامو» لعبد الوهاب البياتي لنرى مِن خلال النظر في نصيهما مَن كان ناجحاً منهما في تطوير استخدام الأساطير و نزعها عن دلالتها الأسطورية الأولية. يقول السياب : بشراك يا أجداثُ، حان النشورْ! بشراك.. في " وهران " أصداء صورْ سِيزيفُ ألقى عنهُ عبءَ الدُّهورْ و استقبلَ الشمسَ على " الأطلسِ "![2] و يقول البياتي: نشرب شاىَ العصرِ في وهران، فالأغلال أدمتك يا "سيزيف" يا فارسَ عصرٍ أدرك الزلزال... و أنت مشدودٌ إلى حجر تغمرك الأعشابُ و الأملاحُ و المطر...[3] بينما يخرج السياب أساطيره عن الدلالة الأولية، يستخدم البياتي تلك الأساطير كما هي على الغالب دون لمسة تغيير على جوهرها، فمثلاً يقول البياتي في قصيدته «ظمآن». « سيزيفُ» قد كان و لم يزل يهم بالشكوى و لايحري ترمقهُ عن كَثَبٍ حرق غوارب[4] الأمواج في البحر والنجم في عليائه ساخراً يرمقه بالنظر الشزر و هو على صخرته منحنٍ تهوي به من قمة الدهر[5] إذن نرى هنا صورة سيزيف ومعاناته مع الصخرة دون لمسة تغيير جدية، مما كنا نتوقعه عند السياب. وهذا الأمر يجعل أساطيرالبياتي في نطاقها القديم ودلالتها الأسطورية الأولية. فسيزيف عند البياتي هو ذلک « الشيوعي العربي الذي نفي من وطنه، و أصبح شريداً لا أمل له في العودة ».[6]و في قصائده " يُبعث سيزيف من جديد" لکنه " في صورة المنفيّ الشريد ": عبثاً نحاول - أيها الموتی- الفرار من مخلب الوحش العنيد في وحشة المنفی البعيد الصخرة الصماء، للوادي، ي دحرجها العبيد سيزيف يُبعث من جديد، من جديد في صورة المنفِي الشريد. [7] موقف الشاعر أدونيس من أسطورة سيريف أيضاً يشبه موقف البياتي، لأنه يعتبر سيزيف رمزاً للإنسان الذي يقاسي العذاب و الآلام علی شکل مستمر و بجهود عظيمة لکن دون نتيجة و لا طائل يعود عليه: أقسمت أن أکتب فوق الماء أقسمت أن أحمل مع سيزيف صخرته الصماء. « و قد کان السياب الشاعر الوحيد الذي استخدم سيزيف رمزاً للإنتصار، و ذلک في قصيدته " رسالة من مقبرة " التي خصصها للمجاهدين الجزائريين . فمن أجل تثبيط عزائم هؤلاء المجاهدين أخذ المخبرون يذکرونهم بعبء التضحية الباهظ الذي يُماثل طريق جولجوثا Golgotha : و عندَ بابي يَصرُخ المخبرون: وعرٌ هو المرقی إلی الجلجله، و الصخرُ يا سِيزيفُ، ما أثقله. سِيزيفُ... إن الصخرةَ الآخرون ! و مع ذلک رمز إنتصار هؤلاء المجاهدين بإلقاء سيزيف لصخرته أي للنير الأبدي: بشراك.. في " وهران " أصداء صور سيزيف ألقى عنه عبءَ الدُّهور و استقبل الشمسَ على الأطلسِ![8] رموز الخصب و البعث لدى البياتي و السياب: في شعر البياتي توجد بعض الرموز و لقد استخدمها علی نفس الأسلوب الذي أوردها السياب في ديوانه، مثلاً« يتجلى التناص الأسلوبي في قصيدة البياتي ((العودة في بابل))، من خلال ذلك الحضور القوي و العميق لقصيدة السياب الشهيرة «أنشودة المطر»، يقول البياتي: بابل تحت قبة الليل، بلا زاد و لامعاد بلا حنوط، ترتدي عباءة الرماد صحتُ علي أطلالها : عشتار! فصاحت الأحجار: "عشتار، يا عشتار، يا عشتار!" تصدّع الجدار و غاب في الخرائب القمر و انهمرالمطر.[9] ينفتح المقطع الشعري السابق على قصيدة السياب (أنشودة المطر)، مستدعياً جزءً من أسلوبها البنائي، و محاكياً لجرسها الموسيقي الهادر، يقول السياب في مقطع من قصيدته تلك: أتعلمين أيَّ حزنٍ يَبعثُ المطر؟ و كيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟ و كيف يشعر الوحيدُ فيه بالضياع؟ بلا انتهاء – كالدمِ المُراق،كالجياعْ ، كالحبِّ، كالأطفال، كالموتى- هوالمطر! و مُقلتاكِ بي تطيفان مع المطر و عبر أمواج الخليج تمسح البروقْ سواحلَ العراق بالنجوم و المحار، كأنها تهمُّ بالشروقْ فيسحب الليلُ عليها من دمٍ دثار أصيح بالخليج :«يا خليج يا واهب اللؤلؤ، و المحار، و الردى!» فيرجع الصدى كأنه النشيج: « يا خليج يا واهب المحار و الردى... ». .... أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر و أسمعُ القُرى تئِنُّ، و المهاجرين يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع، عواصف الخليج، و الرعود، منشدين: مطر... مطر... مطر... و واضح أن البياتي في قصيدته السابقة، قد استفاد من التأثير العميق و السحري للغة السياب الإيقاعية، حيث نجد ذلك التداخل الإيقاعي الخارجي بين قصيدتي البياتي و السياب، إذ إن القصيدتين قد بنيتا على تفعيلة الرجز(مستفعلن)،التي لها وقع موسيقي خاص، يتوافق مع حركة القصيدة الشعورية و الدلالية، و من حيث البنية الإيقاعية الداخلية نجد التشاكل واضحاً بين كلتا القصيدتين، إذ تتكرر بعض ألفاظ السياب عندالبياتي، و منها)أصيح- صاحت)، (انهمر انهمر)،(المطر- المطر). و لا يخفى علي القارئ أسلوب الترجيع الذي يستخدمه البياتي محاكياً السياب به. فالسياب يصيح بالخليج، فيرتد إليه الصدی حاملاً إليه ماقاله، و هذا ما نجده لدى البياتي أيضاً، لكن البياتي لايصيح بالخليج، و إنما يصيح على أطلال بابل. و يضاف إلى ذلك كلِّه استخدام اللازمة لدى كل منهما، ففي قصيدة السياب نجد اللازمة على الشكل الآتي: مطر/ مطر/ مطر، أما في قصيدة البياتي فهي عشتار/ يا عشتار/ يا عشتار. و الدلالة في كل من القصيدتين متوافقة فالسياب يطلب المطر لأنه يرمزإلى الخصب، و البياتي يطلب عشتار لأنها رمز للبعث و الخصب ايضاً. [10]
|
بابل تحت قبة الليل، بلا زاد و لامعاد
بلا حنوط، ترتدي عباءة الرماد صحتُ علي أطلالها : عشتار! فصاحت الأحجار: "عشتار، يا عشتار، يا عشتار!" تصدّع الجدار و غاب في الخرائب القمر و انهمرالمطر.[ السيد قيس المحترم مقارنة واضحة ومفيدة للقارئ والذي يجول بذهني الآن من هو الشخص الناقد والمطلع الرائع الذي قام بهذا المقال القوي؟ تحياتي لك وبانتظار مقالات جديدة مهمة للقارئ كالتي امام ناظري الآن |
سيدي قيس ...لي عودة ...ساأحجز لي مقعدا
|
مرحباً «السیدة سما» الغالیة
أشکرک علی مرورک الأخضر و کلماتک المشجعة .. فیما یخص موضوع المقال(رمزیة السیاب و .. )متواضعاً أقول انني کتبته ضمن کتابتي لمقالات أخری شکـّلت فیما بعد رسالتي الجامعیة في مرحلة الماجستیر... لدي ایضاً مقالة أخری علی منتداکم .. ولها قصة طویلة مع سارقي الأدب في طهران ... لکنها کانت سببَ تعرّفي علی هذا المنتدی الرائع بمواضیعه الجالبة و القائمین علیه الأفاضل .. فأنا عادة لا أنشر شیئاً علی النیت ..بل قلـّما ادخل فی هذا العالم الافتراضي بسبب انشغالي بـأمور ما .. لکنني أحاول أن أنشر بعض مقالاتي بعد نشرها في المجلات الفصلیة بإیران .. لأنهم هنا لا یسمحون لطبع المقال إذا نُـشـِرَ مسبقاً في النیت .. تحیاتي لک ... من جنوب ایران : ق ی س |
أخي قيس ....أعمدة الشعر العربي المعاصر يستحقون ان يكونوا رسالة ماستر
لانهم كتبوا رسائلهم الى الامه بوركت على هذه الاطروحه نتمنا ان تكونوا في الارب ملتقى المبدعين العرب |
الساعة الآن 08:02 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |