منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الشؤون الأمنية والعسكرية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=167)
-   -   الحروب العالمية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=11768)

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:13 PM

الحروب العالمية
 
الحروب العالمية

الحروب العالمية
الحرب العالمـية الأولى (1914 - 1918م).


شملت الحرب العالمية الأولى أكثر الأقطار، وسببت أعظم الخسائر التي لم تسببها حرب أخرى فيما عدا الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م). لقد أشعلت طلقات حادثة الاغتيال التي وقعت في النمسا ـ المجر تلك الحرب، وجرت سلسلة من التحالفات بين القوى الأوروبية الرئيسة لخوض القتال، كان كل جانب يتوقع نصراً سريعاً، لكن الحرب استمرت أربع سنوات وأزهقت أرواح مايقرب من عشرة ملايين من القوات المتحاربة.

أدت تطورات عدة إلى إراقة دماء كثيرة في هذه الحرب. وأدى التجنيد الإجباري إلى أن تكون الجيوش أكبر مما كانت عليه من قبل، وكان التعصب الوطني سببا دفع كثيرا من الرجال إلى الموت، كما أدت الدعاية دورها في تأييد الحرب وإظهار كل طرف ـ في عيون الآخر ـ بمظهر الشرير.

في 28 يونيو 1914م، اغتيل، الأرشيدوق فرانسيس فرديناند ولي عهد النمسا ـ المجر في سراييفو وكان للقاتل جافريلو برنسيب ارتباط مع تنظيم إرهابي في الصرب، فاعتقدت النمسا ـ المجر أن حكومة الصرب وراء هذا الاغتيال، وانتهزت الفرصة لتعلن الحرب على الصرب وتأخذ بثأر قديم.
أشعل اغتيال فرانسيس فرديناند الحرب العالمية الأولى، لكن بعض المؤرخين يعتقدون أن الحرب كانت لها أسباب أعمق، وهي أنها نتجت أساسًا من نمو الاعتزاز الوطني بين الشعوب الأوروبية والزيادة الكبيرة في القوات المسلحة الأوروبية، والسباق من أجل المستعمرات، وتكوين تحالفات عسكرية أوروبية. وعندما بدأت الحرب ساندت كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا ـ وهي التي عرفت بدول التحالف ـ الصرب، ضد قوى الوسط المكونة من النمسا ـ المجر وألمانيا، ثم انضمت أمم أخرى لدول التحالف أو لقوى الوسط.

أحرزت ألمانيا انتصارات سريعة على الجبهات الأوروبية الرئيسية، وفي الجبهة الغربية أوقفت فرنسا وبريطانيا التقدم الألماني في سبتمبر 1914م، وحاربت الجيوش المعادية في خنادق امتدت عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا، ولم يحدث تحول في الجبهة الغربية طوال ثلاث سنوات ونصف السنة رغم الحرب الضارية. وفي الجبهة الشرقية تقاتلت روسيا مع ألمانيا والنمسا ـ المجر. تأرجح القتال ما بين كرٍ وفرّ حتى سنة 1917م عندما اندلعت ثورة في روسيا، وسرعان ما طلبت روسيا عقد هدنة.

بقيت الولايات المتحدة على الحياد أول الأمر، لكن كثيرًا من الأمريكيين تحولوا ضد قوى الوسط بعد أن أغرقت الغواصات الألمانية السفن غير الحربية. وفي سنة 1917م انضمت الولايات المتحدة إلى الحلفاء، وأمدت الحلفاء بقوى بشرية كانوا في حاجة إليها لكسب الحرب، واستسلمت قوى الوسط في خريف 1918م.

كان للحرب العالمية الأولى نتائج لم تستطع الدول المتحاربة أن تتنبأ بها. فقد ساعدت الحرب على إسقاط أباطرة النمسا ـ المجر، وألمانيا وروسيا، وساعدت معاهدات الصلح دولاً جديدة في أن تخرج إلى حيز الوجود من نطاق قوى مهزومة. لقد تركت الحرب أوروبا متهالكة، لاتستطيع أن تعود لوضع قيادي في الشؤون العالمية مثلما كان لها من قبل، وأوجدت تسوية الصلح ظروفًا أدت إلى الحرب العالمية الثانية.

أسباب الحرب

تنحصر الأسباب الرئيسية للحرب العالمية الأولى في:

1- نمو النزعات القومية،
2- بناء قوة حربية،
3- التنافس على المستعمرات،
4- التحالفات العسكرية.

الأمم المتحاربة

يبين الجدول التاريخ الذي دخلت فيه كل دولة من دول التحالف ودول الوسط الحرب العالمية الأولى

الحــلــفـــاء

البريـطانية الإمبراطورية 4 أغسطس 1914م الصين 14أغسطس 1914م
البرازيل 26
أكتوبر 1917م كوبــا 7 أبريل 1917م
البرتغال 9 مارس 1916م كوستاريكا 23 مايو 1918م
بلجيكا 4 أغسطس
1914م نيكاراجوا 8 مايو 1918م
بنما 7 أبريل 1917م هاييتي 12 يوليو 1918م
الجبل الأسود 5 أغسطس 1914م الولايات المتحدة 6 أبريل 1917م
جواتيمالا 23 أبريل 1918م اليونان 2 يوليو 1917م
روسيا 1 أغسطس
1914م

دول الوسط

رومانيا 27 أغسطس 1916م ألمانيا 1 أغسطس 1914م
سان مارينو 3 يونيو 1915 الدولة العثمانية 31 أكتوبر 1914م
سيام 22 يوليو 1917م بلغاريا 14 أكتو بر 1915م
صربيا 28 يوليو 1914م النمسا ـ المجر 28 يوليو 1914م

نمو القومية.

تجنبَّت أوروبا حرباً كبرى في المائة عام السابقة على الحرب العالمية الأولى. ورغم أن حروبًا صغيرة اشتعلت، فإنها لم تضم دولا أخرى، لكن فكرة اكتسحت القارة في القرن التاسع عشر ساعدت على بدء الحرب الكبرى، تلك الفكرة كانت القومية وهي الاعتقاد أن الولاء لأمة بعينها ولأهدافها السياسية والاقتصادية يسبق أي ولاء آخر. وزاد هذا النزوع المبالغ فيه من الوطنية من احتمالات الحرب، لأن أهداف أمة ما لابد أن تتعارض مع أهداف أمة أو مجموعة أمم أخرى، بالإضافة إلى ذلك فإن الاعتزاز القومي كان من شأنه أن يجعل الأمم تضخم الخلافات البسيطة وتحولها قضايا كبرى، وأصبح من الممكن أن تؤدي شكوى صغيرة إلى تهديد بالحرب. لقد قويت القومية خلال سنوات القرن التاسع عشر بين أفراد الشعب الذين يشتركون في لغة واحدة، وتاريخ أو ثقافة. وقد أدى استعار المشاعر القومية إلى قيام دولتين جديدتين تأسّستا على أساس من مبادئ القومية هما: ألمانيا وإيطاليا اللتان كانتا نتاجًا لتوحد دول عديدة صغيرة، وكان للحرب دور كبير في تحقيق التوحيد القومي في إيطاليا وألمانيا.

ولقيت السياسات القومية تأييدًا عاطفيا عندما منحت دول كثيرة في غرب أوروبا حق التصويت لأناس أكثر، وأعطى حق التصويت المواطنين اهتماما أكبر وإعجابا أعظم بالأهداف القومية.

ومن ناحية أخرى، أضعفت القومية الإمبراطوريات الشرقية في النمسا ـ المجر، روسيا والدولة العثمانية. كانت هذه الإمبراطوريات تحكم مجموعات كثيرة تناضل من أجل الاستقلال، وكانت الصراعات بين المجموعات القومية متفجرة في دول شبه جزيرة البلقان في الجنوب الشرقي من أوروبا، وعُرفت شبه الجزيرة بأنها برميل البارود في أوروبا، لأن شعوبا كثيرة من البلقانيين كانوا جزءًا من الدولة العثمانية. حصلت اليونان والجبل الأسود والصرب ورومانيا وبلغاريا وألبانيا على الاستقلال في الفترة من 1821 إلى 1913م، لذلك فقد نشبت التوترات عندما احتكت كل دولة مع جيرانها بشأن الحدود، وانتهزت النمسا ـ المجر وروسيا ضعف الدولة العثمانية لتزيدا من نفوذهما في البلقان.

وجاء التنافس من أجل السيطرة على البلقان ليزيد من التوترات التي أدت إلى تفجر الحرب العالمية الأولى، وقادت صربيا حركة لتوحيد العنصر السلافي في المنطقة. أما روسيا وهي أقوى الدول السلافية فقد أيدت صربيا، لكن النمسا ـ المجر كانت تخشى القومية السلافية التي أدت إلى قلق في إمبراطوريتها، حيث كان هناك ملايين من السلاف يعيشون تحت حكم النمسا ـ المجر. وفي سنة 1908م أغضبت النمسا ـ المجر صربيا بإلحاق البوسنة والهرسك إلى إمبروطوريتها، وكانت صربيا تريد السيطرة على هذه الأراضي لأن كثيراً من الصرب يعيشون هناك.

التواريخ المهمة أثناء الحرب العالمية الأولى

1914م
28 يونيو اغتيال الأرشيدوق فرديناند.
28 يوليو أعلنت النمسا ـ المجر الحرب على الصرب وتتابعت عدة إعلانات أخرى حربية في الأسبوع التالي.
4 أغسطس غزت ألمانيا بلجيكا وبدأت القتال.
10 أغسطس غزت النمسا ـ المجر روسيا مبتدئة القتال في الجبهة الشرقية.
6-9 سبتمبر أوقف الحلفاء الألمان في فرنسا في معركة المارن.

1915م
18 فبراير بدأ الألمان حصار بريطانيا.
25 أبريل أنزلت قوات الحلفاء في شبه جزيرة جاليبولي.
7 مايو أغرقت غواصة ألمانية سفينة النقل البريطانية لوزيتانيا.
23 مايو أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا ـ المجر وبدأ تطور في الجبهة الإيطالية.

1916م
21 فبراير بدأ الألمان معركة فردان.
31 مايو -1 يونيو حارب الأسطول البريطاني الأسطول الألماني في معركة جتلاند.
1 يوليو بدأ الحلفاء معركة سوم.

1917م
1 فبراير استأنفت ألمانيا حرب الغواصات غير المحدودة.
6 أبريل أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا.
24 يونيو بدأت القوات الأمريكية الإنزال في فرنسا.
15 ديسمبر وقعت روسيا هدنة مع ألمانيا لإنهاء الحرب في الجبهة الشرقية.

1918م
8 يناير أعلن الرئيس الأمريكي ولسون نقاطه الأربع عشرة أساساً للسلام.
3 مارس وقعت روسيا معاهدة برست ـ ليتوفسك
21 مارس شنت ألمانيا أول معركة من المعارك الثلاثة النهائية في الجبهة الغربية.
26 سبتمبر بدأ الحلفاء هجومهم النهائي في الجبهة الغربية.
11 نوفمبر وقعت ألمانيا هدنة نهاية الحرب العالمية الأولى.

بناء القوة الحربية.

قبل أن تنفجر الحرب العالمية الأولى، وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان لدى ألمانيا أحسن جيش مدرب في العالم، اعتمدت فيه على تجنيد عسكري لكل القادرين من الشباب لتزيد من حجم جيشها وقت السلم. وسلكت أقطار أخرى نفس المسلك الذي سلكته ألمانيا وزادت من جيوشها المتحفزة، وظلت بريطانيا في أول الأمر غير مهتمة بشأن بناء ألمانيا لقوتها، حيث كانت دولة في جزيرة تعتمد على أسطولها للدفاع، وكان أقوى أسطول في العالم.

أدى التقدم التقني في الأدوات والمعدات وأساليب التصنيع إلى زيادة القوة التدميرية للقوات الحربية، وأصبحتالمدافع والأسلحة الحديثة الأخرى أكثر دقة وأسرع من الأسلحة السابقة، وأصبحت البواخر والسكك الحديدية قادرة على الإسراع في حركة القوات والإمدادات. وفي نهاية القرن التاسع عشر ساعدت التقنية الأقطار على أن تشن حروباً أطول وتتحمل خسائر أفدح من ذي قبل. ورغم ذلك فإن الخبراء العسكريين أصروا على أن الحروب القادمة سوف تكون أقصر.

أسلحة الحرب العالمية الاولى

التنافس على المستعمرات.

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حولت الأمم الأوروبية كل إفريقيا تقريبًا ومعظم آسيا إلى مستعمرات، كما ألهبت زيادة التصنيع التسابق نحو المستعمرات التي أمدت الأمم الأوروبية بالمواد الخام للمصانع وبالأسواق لبضائعها المصنعة وبفرص الاستثمار، لكن التسابق نحو المستعمرات أحدث توترًا بين الأقطار الأوروبية.

نظام التحالفات العسكرية.

أعطت التحالفات القوى الأوروبية إحساسا بالأمن قبل الحرب العالمية الأولى، وكان كل قطر يسعى إلى عدم تشجيع أعدائه بالهجوم عليه بالدخول في اتفاقيات عسكرية مع بلد أو بلدان أخرى، فمثل هذه الاتفاقية تضمن مساعدة أعضاء التحالف لهذا القطر، لكن هذا النظام خلق أخطارًا معينة. إذ إن اندلاع الحرب يضطر أعضاء التحالف الأخرى إلى الدخول في الحرب، وهذا يعني أن عددا من الأمم سوف تشترك في القتال الذي لن يقتصر على الطرفين المتنازعين. وكان التحالف يعني أن يضطر بلد ما إلى أن يعلن الحرب ضد بلد آخر أو الدخول في شأن لايهمه. بالإضافة إلى ذلك فإن بنود كثير من التحالفات ظلت سرا، وكانت السرية من شأنها أن تزيد من فرص إساءة حكم البلد على نتائج أعماله.

التحالف الثلاثي.

كانت ألمانيا في قلب السياسة الأوروبية الأجنبية منذ سنة 1870م وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، حيث كون المستشار أوتو فون بسمارك رئيس وزراء ألمانيا سلسلة من التحالفات لتقوية أمن بلده، فبدأ بتحالف مع النسما ـ المجر. وفي سنة 1879م اتفقت ألمانيا والنمسا ـ المجر أن تشتركا في الحرب إذا ما هوجم أي بلد منهما من جانب روسيا، ثم انضمت إيطاليا إلى التحالف سنة 1882م، وأصبح هذا التحالف يعرف بالتحالف الثلاثي. اتفق أعضاء التحالف الثلاثي أن يساعد كل منهم الآخر في حال وقوع أي عدوان من بلدين أو أكثر.

ثم جعل بسمارك النمسا ـ المجر وألمانيا تدخلان في تحالف مع روسيا، وكان هذا التحالف الذي عرف بعصبة الأباطرة الثلاثة قد تكون سنة 1881م. اتفقت القوى الثلاث على أن تظل على الحياد إذا اشتركت واحدة منها في حرب مع قطر آخر. وحث بسمارك النمسا ـ المجر وروسيا المتنافستين حول النفوذ في البلقان بأن تعترف كل منهما بنفوذ الأخرى في المنطقة، ومن ثم قلل من شأن خطر الاحتكاك بين البلدين.

وساءت علاقات ألمانيا مع البلدان الأوروبية الأخرى بعد ترك بسمارك السلطة سنة 1890م. لقد عمل بسمارك على أن يَحُول بين فرنسا جارة ألمانيا في الغرب، وبين أن تتحالف مع دولة أخرى من جيران ألمانيا في الشرق أي مع روسيا والنمسا. وفي سنة 1894م اتفقت روسيا وفرنسا على تعبئة قواتهما إذا ما عبأت أمة أخرى من دول التحالف الثلاثي قواتها، كما اتفقت فرنسا وروسيا على أن تساعد كل منهما الأخرى إذا ما هوجمت إحداهما من جانب ألمانيا.

الوفاق الثلاثي.

اتبعت بريطانيا سياسة خارجية خلال القرن التاسع عشر عرفت بالعزلة المجيدة. لكن بناء ألمانيا لقواتها البحرية جعل بريطانيا تشعر بالحاجة إلى حلفاء، وأنهت بذلك عزلتها. وفي سنة 1904م سوت كل من فرنسا وبريطانيا خلافاتهما الماضية حول المستعمرات ووقَّعتا الاتفاق الودي. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يتضمن أية التزامات بمساعدة حربية، إلا أنَّ البلدين بدءا مناقشة خططهما الحربية المشتركة. وفي سنة 1907م انضمت روسيا إلى الحلف الودي وأصبح يعرف بالوفاق الثلاثي، ولم يرغم الوفاق الثلاثي أعضاءه أن يشتركوا في الحرب مثلما تضمن التحالف الثلاثي، لكن التحالفات قسمت أوروبا إلى معسكرات متنازعة.

بداية الحرب

اغتيال الأرشيدوق.

ظن الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وريث عرش النمسا ـ المجر أن تعاطفه مع الصقالبة (السلافيين) سوف يقلل الاحتكاكات بين النمسا ـ المجر ودول البلقان. ولذلك قرر أن يطوف في البوسنة مع زوجته صوفي. وبينما الركب يطوف في سراييفو في 28 يونيو 1914م، قفز مسلح على سيارتهما وأطلق رصاصتين؛ على إثرهما مات فرديناند وزوجته في الحال، وكان القاتل جافريلو برنسيب ينتمي إلى عصابة صربية إرهابية تسمى اليد السوداء.

أعطى اغتيال فرانسيس فرديناند النمسا ـ المجر عذرًا لسحق صربيا عدوتها القديمة في البلقان. وحصلت النمسا على وعد من ألمانيا بمساعدتها في أي عمل تتخذه ضد صربيا، ثم أرسلت قائمة بطلبات مهمة لصربيا في 23 يوليو وقبلت صربيا معظم المطالب واقترحت أن تسوى المطالب الأخرى في مؤتمر دولي. ورغم ذلك رفضت النمسا ـ المجر العرض وأعلنت الحرب على صربيا في 28 يوليو وتوقعت نصراً سريعاً.

كيف انتشر الصراع ؟

اندفعت القوى الأوروبية إلى الحرب العالمية الأولى خلال أسابيع من قتل الأرشيدوق، وبذلت محاولات قليلة لمنع الحرب. فقد اقترحت بريطانيا مثلا مؤتمرا دوليا لإنهاء الأزمة، لكن ألمانيا رفضت الفكرة مدَّعية أن النزاع يخص النمسا ـ المجر وصربيا. ورغم ذلك فإن ألمانيا حاولت إيقاف الحرب ومنع انتشارها، فحث القيصر الألماني ولهلم الثاني قريبه القيصر نقولا الثاني قيصر روسيا على عدم تعبئة قواته.

وكانت روسيا من قبل قد تقاعست عن مساندة حليفتها صربيا. ففي سنة 1908م كانت النمسا قد أغضبت صربيا بضمها البوسنة والهرسك ووقفت روسيا محايدة. وفي سنة 1914م تعهدت روسيا أن تقف خلف صربيا، وحصلت روسيا على وعد بدعم من فرنسا، ووافق القيصر الروسي على خطط لتعبئة قواته على طول حدود روسيا مع النمسا ـ المجر، لكن القادة العسكريين الروس حثوا القيصر على أن يحشد قواته على طول الحدود مع ألمانيا أيضا، وفي 30 يوليو عام 1914م أعلنت روسيا أنها ستعبئ قواتها كاملة.

أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا أول أغسطس 1914م رداً على التعبئة الروسية، وبعد يومين أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، واكتسح الجيش الألماني بلجيكا في طريقه إلى فرنسا، وكان غزو بلجيكا المحايدة سببا في إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4 أغسطس، ومنذ ذلك الحين وحتى نوفمبر 1918م حين انتهت الحرب، لم تبق سوى مناطق قليلة من العالم محايدة.

الجبهة الغربية.

أعد ألفرد فون شليفن خطة ألمانيا الحربية سنة 1905م، وكان شليفن رئيسا لهيئة أركان حرب الجيش الألماني، وهي المجموعة التي تعطي المشورة بشأن العمليات الحربية. كانت خطة شليفن تقضي أن تحارب ألمانيا كلا من فرنسا وروسيا، بهدف إلحاق هزيمة سريعة بفرنسا، بينما تكون روسيا في تعبئة بطيئة لقواتها، ثم تبدأ ألمانيا الضربة الأولى إذا ما بدأت الحرب. وإذا ما وضعت الخطة موضع التنفيذ، فإن نظام التحالفات العسكرية سوف يؤدي بالتأكيد إلى حرب أوروبية عامة.

كانت خطة فون شليفن ترى أن يكون لألمانيا جناحان يحاصران الجيش الفرنسي في شكل كَمَّاشة؛ فالجناح الأيسر الصغير سوف يدافع عن ألمانيا عبر حدودها مع فرنسا، أما الجناح الأيمن الأكبر فيغزو فرنسا عبر بلجيكا ثم يحاصر عاصمة فرنسا باريس، ثم يتحرك شرقاً. ومع تحرك الجناح الأيمن سوف تقع القوات الفرنسية في مصيدة الكمَّاشات. وكان نجاح هجوم ألمانيا يعتمد على جناح أيمن قوي، ورغم ذلك كان هلمون فون مولتكه، الذي أصبح رئيسا للأركان في سنة 1906م وأدار استراتيجية ألمانيا عند بدء الحرب العالمية الأولى، قد غير من خطة فون شليفن بتخفيض عدد قواته في الجناح الأيمن.

حارب الجيش البلجيكي بشجاعة، وقاوم الألمان لفترة قصيرة، وفي 16 أغسطس 1914م استطاع الجناح الأيمن أن يبدأ حركة كماشة وأرغم القوات الفرنسية وقوة صغيرة بريطانية على أن تتقهقر إلى جنوب بلجيكا، واكتسح فرنسا، لكن بدلا من أن يتجه غربا حول باريس طبقا للخطة فإن جزءًا من الجناح الأيمن اندفع لمطاردة القوات الفرنسية المنسحبة شرقا على نهر المارن، وكانت هذه المناورة من شأنها أن تترك الألمان معرضين لهجوم من الخلف.

وفي هذه الأثناء، فإن الجنرال جوزيف جوفر القائد العام لكل الجيوش الفرنسية ثبت قواته قرب نهر المارن شرقي باريس، واستعد للمعركة، وبدأ قتالاً شرسًا عرف بمعركة المارن الأولى في 6 سبتمبر، وفي 9 سبتمبر بدأت القوات الألمانية تنسحب.

كانت معركة المارن الأولى مفتاح النصر للحلفاء، لأنها أنهت آمال ألمانيا في هزيمة فرنسا سريعا، واستبدل بمولتكه إريخ فون فالكنهاين رئيسًا للأركان.

وتوقف انسحاب الجيش الألماني قرب نهر آين، حيث خاض الألمان والحلفاء سلسلة من المعارك التي أصبحت تعرف بالسباق نحو البحر. وسعت ألمانيا إلى السيطرة على موانئ على القنال الإنجليزي لتقطع خطوط المدد الحيوي بين فرنسا وبريطانيا، لكن الحلفاء أوقفوا تقدم الألمان نحو البحر في معركة إيبر الأولى في بلجيكا، واستمرت المعركة من منتصف أكتوبر حتى منتصف نوفمبر.

وفي أواخر نوفمبر 1914م وصلت الحرب إلى طريق مسدود على طول الجبهة الغربية لأن أحدا من الجانبين لم يمتلك أرضا أكثر، وامتدت جبهة القتال أكثر من 720كم عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا، واستمر التوقف في الجبهة الغربية نحو ثلاث سنوات ونصف.

الجبهة الشرقية.

مضت تعبئة روسيا أسرع مما كانت تتوقع ألمانيا، وفي أواخر أغسطس 1914م اندفع جيشان روسيان بعمق في الأراضي الألمانية في شرقي بروسيا، وعرف الألمان أن الجيشين أصبحا منفصلين فأعدوا خطة حربية، تمكنوا بها من محاصرة جيش روسي في معركة تاننبرج في 31 أغسطس ثم طاردوا الجيش الروسي الثاني في شرق بروسيا في معركة البحيرات الماسورية، وكانت خسائر الروس نحو 25 ألفا، مابين قتيل وجريح ومفقود في المعركتين، وجعلت المعركتان من بول فون هندنبرج وإريخ لودندورف أبطالاً.

أما النمسا ـ المجر فكان نجاحها أقل من نجاح حليفتها ألمانيا في الجبهة الشرقية. ففي نهاية عام 1914م هاجمت القوات النمساوية ـ المجرية صربيا ثلاث مرات، وألحقت بها الهزيمة في كل مرة، وفي هذه الأثناء حاصرت روسيا معظم إقليم جاليسيا في النمسا ـ المجر (وهو الآن جزء من بولندا والاتحاد السوفييتي السابق). وفي أوائل أكتوبر انسحب الجيش النمساوي ـ المجري المهزوم إلى أراضيه.

القتال في الأماكن الأخرى.

أعلن الحلفاء الحرب على الدولة العثمانية في نوفمبر 1914م بعد أن ضربت السفن التركية الموانئ الروسية على البحر الأسود، ثم غزت القوات التركية روسيا واندلع القتال بعد ذلك في الأراضي التابعة للدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية وأراضي الرافدين (العراق حاليا) وفلسطين وسوريا.

واستمرت بريطانيا مسيطرة على البحار بعد نصرين بحريين على ألمانيا في سنة 1914م، وجعل الإنجليز منذ ذلك الحين أسطول الألمان محصورا في مياههم معظم الحرب، ومن ثم اعتمدت ألمانيا على حرب الغواصات.

وسرعان ما امتدت الحرب العالمية الأولى إلى المستعمرات الألمانية فيما وراء البحار، وأعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في آخر أغسطس 1914م وطردت الألمان من عدة جزر في المحيط الهادئ، أما قوات أستراليا ونيوزيلندا فقد سيطرت على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادئ، وفي منتصف سنة 1915م سقطت معظم أملاك الإمبراطورية الألمانية في إفريقيا في يد القوات البريطانية. ورغم ذلك استمر القتال في الأملاك الألمانية في إفريقيا الشرقية (تنزانيا حاليا) لمدة عامين أو أكثر.

الجمود في الجبهة الغربية

في سنة 1915م حفر الجانبان المتصارعان سلسلة من الخنادق تعرجت على طول الجبهة الغربية، ومن الخنادق دافعا عن مواقعهما وابتدآ هجماتهما. وظلت الجبهة الغربية جامدة في حرب الخنادق حتى سنة 1918م.

حرب الخنادق.

طور كل من الحلفاء وقوات الوسط أسلحة جديدة أرادوا بها أن يكسروا الجمود، وفي أبريل 1915م نشر الألمان الغاز السام على خطوط الحلفاء في معركة إيبر الثانية، وسبب ذلك دخانا وغثيانا واختناقا، ولكن القادة الألمان كانت لديهم ثقة قليلة في الغاز، وفشلوا في انتهاز هذه الفرصة لشن هجوم أكبر. كذلك استخدم الحلفاء الغاز السام بعد ذلك بقليل، وأصبحت كمامات الغاز أداة حربية في الخنادق، كذلك كان قاذف اللهب سلاحا جديدا يقذف نفثة من اللهب المحترق.

يتبع >

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:14 PM

معركة فردان.

لما كان فالكنهاين رئيس أركان حرب الجيش الألماني قد قرر في أبريل 1916م أن يركز على قتل جنود العدو فإنه كان يأمل أن الحلفاء سوف يحتاجون قوات لاستمرار الحرب، واختار فالكنهاين مدينة فردان الفرنسية، لكنه لم يكن يعتقد أن الفرنسيين سوف يدافعون عن فردان لآخر رجل. وبدأت الرماية في 21 فبراير، وشعر جوفر قائد الجيوش الفرنسية أن خسارة فردان سوف تضعف روح الفرنسيين المعنوية بقوة. وخلال الربيع والصيف صد الفرنسيون المهاجمين، وكما تنبأ فالكنهاين دفعت فرنسا بقوات إلى المعركة، ولم يتوقع فالكنهاين أن تكلف المعركة الألمان أرواحا كثيرة مثلما كلفت الفرنسيين، فأوقف الهجوم غير الناجح في 2 يوليو 1916م. وفي الشهر التالي حل هندنبرج ولودندورف بطلا الجبهة الشرقية محل فالكنهاين في الجبهة الغربية، وأصبح هندنبرج رئيس الأركان ولودندورف مساعده يخططان للاستراتيجية الألمانية.

أما الجنرال هنري بيتان فقد نظم الدفاع عن فردان. وعدته فرنسا بطلا، وأصبحت معركة فردان رمزا للتخريب المدمر في الحرب الحديثة، حيث ارتفعت خسائر الفرنسيين إلى نحو 315 ألف رجل وخسائر الألمان نحو 280 ألفا، وأما المدينة فقد دُمّرت تمامًا.

معركة السوم.

أعد الحلفاء دفاعا قويًا سنة 1916م عند نهر السوم في فرنسا، لقد استنزفت معركة فردان فرنسا، وهكذا أصبح هجوم السوم مسؤولية البريطانيين الرئيسية تحت قيادة الجنرال إيرل هيج. بدأ هجوم الحلفاء في أول يوليو 1916م، وخلال ساعات خسرت بريطانيا حوالي 60 ألفا، وهي أسوأ خسارة لها في يوم واحد من القتال. ومضى القتال الشرس في الخريف، وفي سبتمبر أنتجت بريطانيا أول دبابة، لكن الدبابات لم يكن يُعوَّل عليها لأنها قليلة العدد بحيث لم تؤثر في مجرى المعركة، وأخيرا أوقف هيج هجومه الذي لاقيمة له في نوفمبر. وحصل الحلفاء على نحو أحد عشر كيلومترًا، وبتكلفة كبيرة بلغت أكثر من مليون من الإصابات؛ منها أكثر من 600,000بين صفوف الألمان 400 ألف بين صفوف البريطانيين وحوالي 200,000بين صفوف الفرنسيين، ورغم الخسارة الكبرى في فردان والسوم، فإن الجبهة الغربية ظلت متماسكة حتى نهاية عام 1916م.

القتال في الجبهات الأخرى

خلال عامي 1915م و 1916م امتدت الحرب العالمية الأولى إلى إيطاليا عبر البلقان، وازداد نشاطها على الجبهات الأخرى. واعتقد بعض القادة العسكريين أن خلق جبهات جديدة قد يكسر الجمود على الجبهة الغربية، ولكن انتشار الحرب كان له تأثير قليل على هذا الجمود.

الجبهة الإيطالية دخلت إيطاليا الحرب ضد النمسا ـ المجر في شهر مايو 1915م. ورغم الكثير من المعارك المريرة فإن تقدم الإيطاليين كان ضئيلاً ولكنهم أنهكوا جيوش النمسا ـ المجر.

الجبهة الإيطالية.

ظلت إيطاليا خارج الحرب العالمية الأولى طوال عام 1914م رغم أنها كانت عضوا في التحالف الثلاثي مع النمسا ـ المجر وألمانيا، وادعت إيطاليا بأنها ليست ملتزمة بالانضمام للحرب لأن النمسا ـ المجر لم تدخل في حرب دفاعية. وفي مايو 1915م دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب الحلفاء، وفي معاهدة سرية وعد الحلفاء بأن يعطوا إيطاليا بعض أراضي النمسا ـ المجر بعد الحرب، ووعدت إيطاليا أن تهاجم النمسا ـ المجر. كان الإيطاليون، ويقودهم الجنرال لويجي كادورنا، قد اندفعوا بعمق لمدة عامين في سلسلة من المعارك على طول نهر إيسونزو في النمسا ـ المجر، وتكبّدت إيطاليا خسائر عديدة، لكنها أخذت أراضي قليلة. كان الحلفاء يأملون أن تساعد الجبهة الإيطالية روسيا بأن تدفع النمسا ـ المجر إلى سحب بعض قواتها بعيدًا عن الجبهة الشرقية، وإن كان هذا السحب قد حدث فإنه لم يساعد روسيا.

الدردنيل.

عندما بدأت الحرب العالمية الأولى، أعلنت الإمبراطورية العثمانية إغلاق الطريق المائي بين بحر إيجة والبحر الأسود، وبذلك سدت طريق البحر إلى جنوب روسيا. وفي فبراير ومارس 1915م، هاجمت السفن الحربية الروسية والفرنسية والإنجليزية مضيق الدردنيل، وكان الحلفاء يأملون في إيجاد طريق مدد إلى روسيا، ورغم ذلك فإن الألغام أوقفت الهجوم.

وفي أبريل 1915م أنزل الحلفاء قوات في شبه جزيرة جاليبولي على الشاطئ الغربي للدردنيل، وأدت قوات من أستراليا ونيوزيلندا دورا رئيسيا في هذا الإنزال، وسرعان ما أصبحت القوات العثمانية والحليفة متورطة في حرب خنادق، وفشل هجوم ثانٍ في أغسطس عند خليج سوفلا في الشمال في إنهاء الجمود. وفي ديسمبر بدأ الحلفاء في إجلاء قواتهم، بعد أن خسروا 250 ألفا من ضحاياهم في الدردنيل.

أوروبا الشرقية.

اخترقت جيوش ألمانيا والنمسا ـ المجر في مايو 1915م، الخطوط الروسية في جاليسيا في النمسا ـ المجر، وهي المقاطعة التي غزتها روسيا سنة 1914م، وانسحب الروس نحو 480 كم قبل أن يكوِّنوا خط دفاع جديدًا. وعلى الرغم من هذا التقهقر فإن القيصر نيقولا الثاني شن هجومين لتخفيف الضغط على الحلفاء في الجبهة الغربية، وفشل الهجوم الروسي الأول في مارس 1916م في أن يدفع بالقوات الألمانية بعيدا عن فردان.

الجبهة الشرقية

بدأ الهجوم الروسي الثاني في يونيو 1916م تحت قيادة الجنرال ألكسي بروسيلوف، وأجبر جيش بروسيلوف قوات النمسا ـ المجر على التقهقر 80كم. وخلال أسبوع أسر الروس 200 ألف جندي، ولإيقاف الهجوم كان على النمسا ـ المجر أن تسحب قواتها من الجبهة الإيطالية إلى الجبهة الشرقية، وهكذا أخرج الهجوم الروسي النمسا ـ المجر من الحرب، ولكنه أرهق روسيا، وأصيب كل جانب بنحو مليون إصابة.

دخلت بلغاريا الحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1915م لمساعدة النمسا ـ المجر كي تهزم صربيا. وكانت بلغاريا تأمل أن تستعيد أرضا فقدتها في الحرب البلقانية الثانية. وفي محاولة لمساعدة صربيا أنزل الحلفاء قوات في سالونيك في اليونان، لكن القوات لم تصل أبدا إلى صربيا، وانسحب الجيش الصربي إلى ألبانيا. وانضمت رومانيا إلى الحلفاء في أغسطس 1916م، وكانت تأمل في أن تحصل على بعض الأراضي من النمسا ـ المجر إذا كسب الحلفاء الحرب، وفي نهاية 1916م خسرت رومانيا معظم جيشها وسيطرت ألمانيا على حقول القمح الغنية وحقول النفط.

الحرب في البحر.

سببت سيطرة بريطانيا على البحار أثناء الحرب العالمية الأولى مشاكل جسيمة لألمانيا. فقد سد الأسطول البريطاني مياه ألمانيا، ومنع المدد من الوصول إلى الموانئ الألمانية. وبحلول سنة 1916م عانت ألمانيا من نقص الطعام والبضائع الأخرى. وحاربت ألمانيا القوة البحرية البريطانية بغواصاتها المسماة قوارب اليو (u). وفي فبراير 1915م أعلنت ألمانيا حصارًا بالغواصات على الجزر البريطانية، محذرة بأنها ستهاجم أية سفينة تحاول أن تخترق هذا الحصار، وبالفعل دمرت قوارب اليو (u) كميات ضخمة من البضائع المتجهة إلى بريطانيا.

وفي 7 مايو 1915م ضرب قارب طوربيد من قوارب اليو (u) وبدون إنذار سفينة الركاب البريطانية لوسيتانيا على ساحل أيرلندا، وقتل نتيجة لذلك 1198 راكباً منهم 128 أمريكيًا. وكان غرق لوسيتانيا دافعاً لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس ودرو ولسون ليحث ألمانيا على أن تكف عن حرب الغواصات غير المحدودة. وفي سبتمبر وافقت ألمانيا على عدم مهاجمتها سفنا محايدة أو سفن ركاب.

وظلت السفن الحربية التي تسابقت بريطانيا وألمانيا لبنائها قبل الحرب العالمية الأولى في مياه وطنها خلال معظم سنوات الحرب، لكن كان لهذه السفن دورها في تثبيط العدو عن الغزو، وكانت المعركة الوحيدة الكبرى التي تقابل فيها الأسطولان هي معركة جتلاند التي دارت بعيدا عن ساحل الدنمارك في 21 مايو. وفي 31 مايو و1يونيو 1916م كان الأدميرال السير جون جليكو يقود الأسطول البريطاني المكون من 150 سفينة حربية، وتقابل مع أسطول ألماني مكون من 99 سفينة حربية تحت قيادة الأدميرال راينهارد شير. وعلى الرغم من تفوق بريطانيا فإن جليكو كان حذراً، فقد كان يخشى أن يخسر كل الحرب في يوم، وأن خسارة بريطانيا لأسطولها سوف تعطي ألمانيا السيطرة على البحار. ادعى كل طرف أنه المنتصر في معركة جتلاند، ورغم أن بريطانيا خسرت سفنا أكثر من ألمانيا، فقد ظلت مسيطرة على البحار.

الحرب الجوية.

حدث تقدم كبير في الطيران من جانب الحلفاء والدول الوسطى خلال الحرب العالمية الأولى. كان كل جانب يسعى لصنع طائرات أحسن من الآخر. وقد استخدمت الطائرات بشكل رئيسي لمراقبة نشاط العدو. وكان الطيارون يحملون مدافع رشاشة لإسقاط الطائرات المعادية؛ ولكنهم كانوا بهذا يجازفون بقتل أنفسهم بأنفسهم إذا ما حدث أن ارتدت رصاصاتهم إلى نحورهم بفعل مراوح طائراتهم.

واستمر القصف الجوي في مراحله الأولى خلال الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1915م بدأت ألمانيا قذف لندن وبعض المدن البريطانية الأخرى من سفن زبِّلن الهوائية، لكن القذف كان قليل التأثير في الحرب.

المرحلة الأخيرة

هزائم الحلفاء.

في مارس 1917م كان القادة العسكريون الفرنسيون والإنجليز ما يزالون يعتقدون أن هجوما ناجحا قد يكسب الحرب، لكن القادة الألمان استغلوا الجمود على الجبهة الفرنسية ليحسنوا دفاعاتهم. وفي مارس 1917م تقهقرت القوات الألمانية إلى خط معركة جديد محصن بقوة في شمال فرنسا سمي بخط سيجفريد لدى الألمان، وبخط هندنبرج لدى الحلفاء. لقد حاصر خط سيجفريد الجبهة الفرنسية ووضع المدفعية الألمانية والمدافع الآلية في وضع أفضل، وأدى إلى فشل هجوم دبره الفرنسيون.

حل الجنرال روبرت نيفيل في ديسمبر 1916م محل جوفر كقائد للقوات الفرنسية، وأعد نيفيل هجوما ضخما قرب نهر آين. وتنبأ بأنه سوف يخترق خط الألمان خلال يومين. وأنعش إحساس نيفيل القوات الفرنسية، ولم يزعزع ثبات الألمان في خط سيجفريد من ثقة نيفيل.

وبدأ هجوم نيفيل في 16 أبريل 1917م، وفي نهاية اليوم كان واضحا أن الهجوم قد فشل، لكن القتال استمر في مايو وانتشر التمرد بين القوات الفرنسية بعد فشل هجوم نيفيل. لقد نزفت القوات دماء كثيرة لاحد لها في الجبهة الفرنسية. ورفض الرجال الذين قاتلوا بشجاعة معظم السنوات الثلاث أن يستمروا في الحرب، وحل بيتان بطل فردان محل نيفيل في مايو 1917م، وحسن بيتان من الظروف المعيشية للجنود وأعاد النظام، ووعد أن تظل فرنسا في وضع دفاعي إلى أن تصبح مستعدة لكي تقاتل مرة أخرى. وظل دور الدفاعات الأخرى على الجبهة الغربية مسؤولية بريطانيا.

كان الجنرال هيج يأمل أن يؤدي الهجوم البريطاني قرب إيبرو إلى النصر، وبدأت المعركة الثالثة عند إيبرو وكانت تعرف بمعركة باشندال في 31 يوليو 1917م. واستمرت القوات البريطانية وقوة فرنسية صغيرة تضرب الألمان في معركة رهيبة لأكثر من ثلاثة أشهر، ولقد عمل قصف الحلفاء بالمدفعية الثقيلة، الذي تقدم هجوم المشاة على تدمير شبكات الصرف الصحي حول إيبرو، وحوَّل المطر الغزير الأرض المبللة إلى مستنقع غرق فيه آلاف من الجنود الإنجليز، ثم أوقف الثلج والبرد المعركة المدمرة نهائيا في 10 نوفمبر. وفي أواخر الشهر نفسه استخدمت بريطانيا الدبابات لاختراق خط سيجفريد، لكن الفشل عند إيبرو أنهك القوات التي كانت بريطانيا تحتاج إليها لمتابعة النجاح.

في سنة 1917م رأت بريطانيا وفرنسا آمالهما في النصر تتحطم، وأجلت النمسا ـ المجر الإيطاليين من أراضيها في معركة كابوريتو في الخريف، وانعدم أمل أكثر الحلفاء بعد قيام ثورة في روسيا.

الثورة الروسية.

عانى الشعب الروسي كثيرًا خلال الحرب العالية الأولى، وخلال سنة 1917م لم يعد كثير منهم قادرًا على تحمل الخسائر العديدة، والنقص الخطير في الطعام، وأخذوا ينحون باللائمة على القيصر نيقولا الثاني ومستشاريه فيما يتعلق بمشكلات البلاد. وفي أوائل 1917م أطاحت ثورة في بتروغراد (حاليًا بيترسبيرج) بالعرش واستمرت الحكومة الجديدة في الحرب.

ولكي تضعف ألمانيا من مجهود روسيا الحربي فقد ساعدت ف. ل. لينين، وهو ثائر روسي كان يعيش آنذاك في سويسرا، في العودة إلى بلده في أبريل 1917م. وبعد سبعة أشهر قاد لينين ثورة تمكن بها من السيطرة على حكم روسيا، وطالب في الحال بمعاهدة سلام مع ألمانيا، وانتهت الحرب على الجبهة الشرقية.

وأمْلت ألمانيا شروط صلح قاسية على روسيا في معاهدة صلح وقِّعت في برست ـ ليتوفسك في 3 مارس 1918م، وأجبرت معاهدة برست ـ ليتوفسك روسيا على أن تتنازل عن مساحات كبيرة من الأرض تشمل فنلندا وبولندا وأوكرانيا وبسارابيا ودول البلطيق: أستونيا وليفونيا (لاتفيا حاليا) ولتوانيا، ومكن انتهاء القتال على الجبهة الشرقية القوات الألمانية من أن تنتقل إلى الجبهة الغربية. وبدا أن العقبة الوحيدة أمام إحراز الألمان للنصر هو دخول الولايات المتحدة الحرب.

الولايات المتحدة الأمريكية تدخل الحرب.

أعلن الرئيس ولسون رئيس الولايات المتحدة حياد الولايات المتحدة في بداية الحرب؛ فقد عارض معظم الأمريكيين تورط الولايات المتحدة في حرب أوروبية، لكن غرق سفينة لوسيتانيا وبعض أعمال ألمانيا الأخرى ضد المدنيين أحدث تعاطفا مع الحلفاء.

في 2 أبريل دعا ولسون إلى الحرب قائلاً: "إن العالم لابد أن يصل آمنا إلى الديمقراطية"، وأعلن الكونجرس الحرب على ألمانيا في 6 أبريل. وتوقع قليل من الناس أن تفعل الولايات المتحدة الكثير من أجل إنهاء الحرب.

المعارك الأخيرة.

أنعش انتهاء الحرب في الجبهة الشرقية أمل الألمان في النصر، وفي أوائل 1918م كانت القوات الألمانية تتفوق عل الحلفاء في الجبهة الغربية، وشنت ألمانيا ثلاث هجمات في الربيع. كان لودندورف قد خطط بأن يقوم بضربة ساحقة على الحلفاء قبل أن تصل القوات الأمريكية إلى الجبهة واعتمد على عنصر السرعة والمفاجأة.

ضربت ألمانيا ضربتها قرب سان كنتان، وهي مدينة في وادي نهر السوم، في 21 مارس 1918م وانسحبت القوات البريطانية نحو 25 كم. وفي آخر مارس بدأ الألمان ضرب باريس، وكانت مدفعيتهم الضخمة تقذف بالقذائف إلى مدى 120 كم. وبعد خسارتهم عند سان كنتان اجتمع قادة الحلفاء لوضع خطة دفاعية جديدة. وفي أبريل عينوا الجنرال فرديناند فوش من فرنسا قائداً أعلى للقوات المتحالفة في الجبهة، وبدأ هجوم ألماني ثان في 9 أبريل على طول نهر لي في بلجيكا، وناضلت القوات البريطانية ببسالة، وأوقف لودندورف الهجوم في 30 أبريل. وعانى الحلفاء من خسائر كبيرة في كلا الهجومين، لكن خسائر الألمان كانت فادحة هي الأخرى.

هجمت ألمانيا للمرة الثالثة في 27 مايو قرب نهر آين. وفي 30 مايو وصلت القوات الألمانية إلى نهر المارن، وساعدت القوات الأمريكية فرنسا لوقف التقدم الألماني عند مدينة شاتو تييري، وهي على بعد أقل من 80 كم شمال شرق باريس. وخلال يونيو طردت الولايات المتحدة الألمان من غابة بيلو قرب المارن. وعبرت القوات الألمانية المارن في 15 يوليو، وأمر فوش بشن هجوم مضاد قرب مدينة سواسون في 18 يوليو.

واستمرت المعركة الثانية في 15 يوليو إلى 6 أغسطس 1918م. ومثلت نقطة تحول في الحرب العالمية الأولى، وبعدها تقدم الحلفاء بثبات. وفي 8 أغسطس هاجمت بريطانيا وفرنسا الألمان قرب آميان.

بدأ الهجوم الأخير في الحرب العالمية الأولى في 26 سبتمبر 1918م. واشتركت قوات أمريكية مكونة من نحو 900 ألف في قتال شرس بين غابة أرجون ونهر الميوز. وتحقق لودندورف من أن ألمانيا لن تستطيع أن تتغلب على قوات الحلفاء الأكثر منها قوة.

نهاية القتال.

كسب الحلفاء الانتصارات على طول الجبهات في خريف 1918م، واستسلمت بلغاريا في 29 سبتمبر، وانتصرت القوات البريطانية تحت قيادة الجنرال إدموند أللنبي على الجيش العثماني في فلسطين وسوريا. وفي 30 أكتوبر وقَّعت الإمبراطورية العثمانية هدنة، وبدأت المعركة الأخيرة بين إيطاليا والنمسا ـ المجر في آخر أكتوبر في إيطاليا. وهزمت إيطاليا النمسا ـ المجر بمساعدة من فرنسا وبريطانيا، ووقعت النمسا ـ المجر هدنة في 3 نوفمبر.

كانت ألمانيا تترنَّح على حافة الانهيار كلما تقدمت الحرب خلال أكتوبر، وكان حصار بريطانيا البحري قد أجاع الشعب الألماني ونشر تذمرًا أدى إلى تظاهرات تطالب بالصلح، وتخلى القيصر فيلهلم عن عرشه في 9 نوفمبر وطار إلى هولندا، وتقابل وفد الحلفاء بقيادة فوش مع ممثلين ألمان في عربة سكة حديدية في غابة كومبيين في شمال فرنسا. وفي صباح 11 نوفمبر 1918م قبل الألمان هدنة نهائية بشروط الحلفاء، ووافقت ألمانيا أن تجلو عن الأراضي التي احتلتها خلال الحرب، وأن تسلم أعدادا كبيرة من جيشها وسفنها، وأدوات حربية أخرى، وأن تسمح لقوى الحلفاء أن تحتل أرض ألمانيا على طول نهر الراين. وأمر فوش بوقف القتال على الجبهة الغربية الساعة 11 قبل الظهر، وانتهت الحرب العالمية الأولى.

نتائج الحرب

الدمار والإصابات.

سببت الحرب العالمية الأولى دمارًا كبيرًا إذ مات نحو 10ملايين جندي نتيجة للحرب، وهو رقم يزيد عن عدد الذين ماتوا خلال المائة سنة السابقة للحرب، وجرح نحو 21 مليون رجل. أما الخسائر المالية فقد نجمت عن القوى التدميرية للأسلحة الجديدة خاصة المدافع الآلية. وساهم القادة العسكريون في هذه المذابح لفشلهم في التَّكيّف مع الظروف المتغيرة للحرب.

خسرت كل من ألمانيا وروسيا نحو مليون وثلاثة أرباع المليون قتيل خلال الحرب العالمية الأولى، وهو أكثر مما عاناه أي قطر آخر، وكانت نسبة الموتى في فرنسا أعلى بالمقارنة بعدد جنودها الكلي. فلقد خسرت نحو مليون وثلث المليون جندي؛ أي 16% من كل قواتها العاملة. ولا أحد يعرف كم عدد المدنيين الذين ماتوا من المرض والجوع والأسباب الأخرى المتعلقة بالحرب، ويعتقد بعض المؤرخين أن عدد المدنيين الذين ماتوا كان يساوي عدد الموتى من الجنود.

أما الخسائر المادية في الحرب العالمية الأولى فكانت أكثر في فرنسا وبلجيكا، فقد خربت الجيوش المزارع والقرى بمرورها فيها وحفر الخنادق للقتال، وخربت الحرب المصانع والجسور وقضبان السكك الحديدية. أما جرارات المدفعية والمواد الكيميائية فقد خربت الأرض على طول الجبهة الغربية.

النتائج الاقتصادية.

كبدت الحرب العالمية الأولى الأمم المتقاتلة نحو 337 بليون دولار أمريكي. وفي سنة 1918م كانت الحرب تكلف 10 ملايين دولار كل ساعة. ورفعت الأمم ضرائب الدخل والضرائب الأخرى من أجل تمويل الحرب. ولكن معظم الأموال جاءت من القروض التي أوجدت ديونا ضخمة، واستدانت الحكومات من المواطنين ببيع سندات حربية، واستدان الحلفاء كثيراً من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، طبعت معظم الحكومات أوراقاً مالية إضافية لمواجهة حاجاتها، ولكن الزيادة في النقود سببت تضخما ماليا قاسيا بعد الحرب.

سَخَّرت دول أوروبا مواردها في الحرب العالمية الأولى وخرجت من الحرب منهكة؛ ففرنسا على سبيل المثال، فقدت عُشْر قوتها العاملة، ولم يجد كثير من الجنود العائدين في معظم أقطار أوروبا وظائف لهم. وبالإضافة إلى ذلك خسرت أوروبا كثيرًا من منتجات أسواقها عندما كانت تنتج مواد للحرب، ورغم ذلك خرجت الولايات المتحدة بقوة اقتصادية متزايدة.

النتائج السياسية.

هزت الحرب العالمية الأولى دعائم حكومات كثيرة. وتصدت الحكومات الديمقراطية في بريطانيا وفرنسا لضغط الحرب، لكن أربع ملكيات سقطت، وكانت أول ملكية تسقط هي ملكية القيصر نيقولا الثاني في روسيا عام 1917م، وتخلى القيصر ولهلم الثاني في ألمانيا، والإمبراطور شارل من النمسا - المجر عن عرشيهما في سنة 1918م، وسقط السلطان العثماني محمد السادس في عام 1922م.

أدى سقوط الإمبراطوريات القديمة إلى إيجاد أقطار جديدة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وتكون من أرض النمسا ـ المجر قبل الحرب جمهوريات النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من إيطاليا، وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا. وتنازلت روسيا وألمانيا عن أراضٍ لبولندا وفنلندا، وحصلت دول البلطيق: أستونيا ولاتفيا ولتوانيا على استقلالها من روسيا، ووضعت معظم الأراضي العربية في الإمبراطورية العثمانية تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا. وتكونت تركيا من باقي الإمبراطورية العثمانية، ووضع قادة أوروبا في حسابهم المجموعات القومية لإعادة رسم خريطة أوروبا، وبذلك رسخوا دواعي قضية القومية، وأعطت الحرب العالمية الأولى الشيوعية الفرصة لتولي السلطة في أوروبا، وتوقع بعض الناس أن تقوم ثورات شيوعية في أماكن أخرى في أوروبا، وقويت الحكومات الثورية بعد الحرب لكن لم تقم حكومات شيوعية.

النتائج الاجتماعية.

أحدثت الحرب العالمية الأولى تغييرات عدة في المجتمع. فقد أثر موت كثير من الشباب على فرنسا أكثر مما أثر على أي قطر آخر، وانخفض سكان فرنسا خلال العشرينيات من القرن العشرين بسبب انخفاض المواليد، واجتثت الحرب الملايين من أبناء الشعب، وهرب بعضهم من مناطق مزقتها الحرب ليجدوا بيوتهم ومزارعهم وقراهم خربة، وصار بعضهم الآخر لاجئين نتيجة للتغيرات في الحكومات والحدود السياسية خاصة وسط وشرق أوروبا.

فضَّل كثير من الناس أن يستأنفوا سيرتهم الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، ونمت المناطق الحضرية بسبب تفضيل الفلاحين الإقامة في المدن بدلا من العودة إلى مزارعهم. وملأت النساء الوظائف والمصانع بعد ذهاب الرجال للحرب، وكن حريصات على أن يرسخن استقلالهن الجديد، وأعطت أقطار كثيرة المرأة حق التصويت بعد الحرب، وبدأ التباين بين الطبقات الاجتماعية يظهر نتيجة للحرب العالمية الأولى، وأصبح المجتمع أكثر ديمقراطية، وفقدت الطبقات العليا الحاكمة بعضا من نفوذها وامتيازاتها بعد أن قادت العالم إلى حرب ضروس. وواجه الرجال بكل طبقاتهم نفس الخطر والفزع في الخنادق. وأخيرا صاغت الحرب العالمية الأولى اتجاهات جديدة، وفقدت الطبقات الوسطى والعليا الأوروبية الثقة والتفاؤل اللذين كانت تشعر بهما قبل الحرب، وبدأ كثيرٌ من الناس يعيدون النظر في بعض المفاهيم التي كانت راسخة لديهم. مثال ذلك تغيّر الفكرة القائلة بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية على العالم كله، وكل ذلك بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب في هذه البلاد.

التسوية السلمية

أوروبا والشرق الأوسط بعد الحرب.

النقاط الأربع عشرة.

في يناير 1918م اقترح الرئيس ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة؛ أي قبل انتهاء الحرب بعشرة شهور، بعضا من أهداف الحرب سميت النقاط الأربع عشرة. اعتقد ولسون أن النقاط الأربع عشرة قد تحقق تسوية سلمية عادلة سماها سلام بلا نصر. وفي نوفمبر 1918م وافقت ألمانيا على هدنة. وتوقعت ألمانيا أن تتم التسوية على أساس النقاط الأربع عشرة، وعالجت ثماني نقاط منها تسويات خاصة سياسية وإقليمية. وأما باقيها فقد وُضِعَت كمبادئ عامة لمنع حروب مستقبلية، واقترحت آخر النقاط تنظيما دوليا سمي فيما بعد عصبة الأمم لتدعيم السلام.

يتبع >

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:15 PM

مؤتمر باريس للسلام.

اجتمع ممثلو القوى المنتصرة في يناير 1919م في باريس لوضع أسس التسوية السلمية، جاءوا من 32 قطرًا. وأعدت اللجان مقترحات تفصيلية لمؤتمر باريس للسلام، لكن القرارات وضعها رؤساء أربع حكومات سموا الأربعة الكبار. كان الأربعة الكبار هم: ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو أورلاندو.

تجاهل مؤتمر الصلح إلى حد كبير المبادئ الرئيسية في النقاط الأربع عشرة؛ فقد ضحَّى الحلفاء الأوروبيون الكبار أكثر من الأمريكيين فأرادوا أن يحصلوا على تعويض. أما ولسون فقد ركز جهوده على إيجاد عصبة الأمم، واستجاب ولسون لفرنسا وبريطانيا حول كثير من القضايا. وفي مايو 1919م وافق مؤتمر الصلح على المعاهدة وقدمها إلى ألمانيا. ولم توافق ألمانيا عليها إلا بعد تهديد من الحلفاء بغزوها، وإثر شكوك كبيرة وقَّع ممثلو ألمانيا على معاهدة الصلح في قصر فرساي قرب باريس في 28 يونيو 1919م.

وبالإضافة إلى معاهدة فرساي مع ألمانيا، وقَّع صانعو السلام معاهدات منفصلة مع دول الوسط الأخرى. فوقَّعت معاهدة سان جرمان مع النمسا في سبتمبر 1919م، ومعاهدة نويي مع بلغاريا في يونيو 1920م، ومعاهدة تريانون مع المجر في يونيو 1920م، ومعاهدة سيفر مع الإمبراطورية العثمانية في أغسطس 1920م.


نصوص المعاهدات التي أنهت الحرب.

حرمت المعاهدات دولاً من أراض وأسلحة وطالبتها بدفع تعويضات؛ أما ألمانيا فقد عوقبت بشدة. وتضمن بند في معاهدة فرساي إرغام ألمانيا على أن تقبل مسؤوليتها بوصفها المتسببة في الحرب.

وبموجب معاهدة فرساي تنازلت ألمانيا عن أراض في بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا وبولندا وخسرت مستعمراتها فيما وراء البحار، وحصلت فرنسا على حقول الفحم الحجري في وادي السار التابع لألمانيا لمدة خمس عشرة سنة، وكان على ألمانيا أن تدفع نفقات جيش للحلفاء يحتل الضفة الغربية من نهر الراين لمدة خمس عشرة سنة، وطلبت بعض البنود من ألمانيا أن تعيد إلى الحلفاء مواد حربية وسفنا وبضائع أخرى. ولم يستقر الرأي على مجموع التعويضات حتى سنة 1921م وتسلمت ألمانيا فاتورة تعويضات بنحو 33 مليار دولار أمريكي.

أما معاهدتا سان جرمان وتريانون فقد أنقصتا مساحة النمسا ـ المجر إلى أقل من ثلث مساحتها السابقة، واعترفت المعاهدات باستقلال تشيكوسلوفاكيا وبولندا ومملكة عرفت فيما بعد باسم يوغوسلافيا. وتسلمت هذه الدول الجديدة ومعها إيطاليا ورومانيا أراضي كانت تابعة للنمسا ـ المجر. أما معاهدة سيفر فقد انتزعت مصر ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وشرق الأردن من الإمبراطورية العثمانية، وتخلت بلغاريا عن أراض لليونان ورومانيا، وكان على ألمانيا كذلك أن تخفض قواتها المسلحة وأن تدفع تعويضات.

عالم مابعد الحرب.

وجد صانعو السلام أنه من المستحيل أن يرضوا آمال كل أمة ورغبات كل مجموعة قومية. لقد أغضبت التسويات القوى المنتصرة والمهزومة على حد سواء. وأخذ صانعو السلام في اعتبارهم رغبات المجموعات القومية وهم يرسمون حدودا جديدة. ورغم ذلك فإن المطالب القومية لم تتحقق في كثير من القضايا، مثال ذلك أخذت رومانيا مجموعة مجرية كبيرة من السكان، كذلك كان في أجزاء من تشيكوسلوفاكيا وبولندا ألمان كثيرون، وكان من شأن هذه التسويات أن تزيد من الخلافات بين الأقطار. وبالإضافة إلى ذلك فإن الأقطار العربية كانت مستاءة لأنها لم تحصل على استقلالها.

لم تحقق الحدود التي أعادت رسمها تسويات الصلح الأمان الاقتصادي إلا قليلا، مثال ذلك أن الأقطار الجديدة في النمسا ـ المجر كانت صغيرة وضعيفة وغير قادرة على أن تدعم نفسها، لقد فقدت كثيرًا من سكانها، ومواردها وأسواقها، وطالب السكان الألمان في النمسا إلى حد كبير بالاتحاد مع ألمانيا، ولكن صانعي السلام لم يريدوا لألمانيا أن تكسب أراضي بعد الحرب.

دخلت بريطانيا عالم مابعد الحرب وهي أكثر دول الحلفاء رضى. فلقد حافظت على إمبراطوريتها وسيطرتها على البحار، لكنها كانت منزعجة من أن ميزان القوى الذي أرادته في أوروبا قد ينقلب رأسا على عقب بوجود ألمانيا ضعيفة للغاية وبنصر شيوعي في حرب أهلية في روسيا، وبنجاح فرنسا في فرض شروط قاسية على ألمانيا عدوها التقليدي. ولكنها لم تنجح في تأمين حدودها وفشلت في أن تحصل على ضمان بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة في حالة غزو ألماني. وأخيرًا حصلت إيطاليا على أراض أقل مما وعدت به وأحست أنها لم تأخذ ماتستحق.

في الولايات المتحدة خالف مجلس الشيوخ الرأي العام، ورفض الموافقة على معاهدة فرساي، وعارض بذلك الرئيس ولسون. كانت المعاهدة تجعل الولايات المتحدة عضوا في عصبة الأمم. ولم يكن كثير من الأمريكيين على استعداد لأن يتقبلوا المسؤوليات المترتبة على القوة الجديدة التي صارت لبلدهم. فلقد خشوا أن تقحم عصبة الأمم بلدهم في منازعات أوروبية.

لقد وضعت معاهدة فرساي شروطا قاسية أكثر مما توقعته ألمانيا. وكانت مسؤولية قبول هذه الشروط إضعافا لحكومة ألمانيا بعد الحرب. وخلال الثلاثينيات ظهرت حركة شديدة التعصب للقومية يقودها أدولف هتلر، الذي وعد بتجاهل معاهدة فرساي والانتقام لهزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1939م غزت ألمانيا بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية بالفعل.
[line]

الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م)

أزهقت أرواحًا كثيرة، وخربت كثيرًا من الثروات. ربما كان لها من النتائج أكثر مما فعلته أية حرب أخرى في التاريخ؛ لقد عملت على إنهاء دور غربي أوروبا مركزْ القوة العالمي، وأدت إلى ظهور الاتحاد السوفييتي كقوة عالمية كبرى منافسة للولايات المتحدة واليابان وألمانيا التي هزمت أخيرًا في هذه الحرب، وشهدت انتعاشًا اقتصاديًا مثيرًا. لقد جلبت الحرب تقنيات جديدة كان من شأنها أن تغير من عالم ما بعد الحرب. وكان تطوير القنبلة الذرية خلال الحرب إيذانًا ببدء عصر الذَّرَّة.

لن يعرف أبدًا العدد الحقيقي للقتلى من جراء الحرب العالمية الثانية، فربما يقترب عدد القتلى العسكريين من نحو 17 مليونًا. أما القتلى المدنيون فقد كانوا أكثر نتيجة المجاعة والغارات والقنابل والمذابح والأوبئة والأسباب الأخرى المرتبطة بالحرب. وامتدت أرض المعركة إلى كل جزء من العالم تقريبًا، لقد حاربت القوات في أدغال موحلة في جنوب شرقي آسيا وفي صحاري شمالي إفريقيا، وفي جزر المحيط الهادئ ، وأديرت معارك في مناطق متجمدة من الاتحاد السوفييتي، على سطح الماء وتحته في المحيط الأطلسي وفي شوارع كثير من المدن الأوروبية.

بدأت الحرب العالمية الثانية أول سبتمبر 1939م عندما غزت ألمانيا بولندا. لقد بنى دكتاتور ألمانيا أدولف هتلر ألمانيا لتصبح آلة حربية قوية، وسحقت هذه الآلة بولندا، والدنمارك ولوكسمبرج وهولندا وبلجيكا والنرويج وفرنسا. وفي يونيو 1940 م وقفت بريطانيا وحلفاؤها من دول الكومنولث منفردين أمام هتلر. وفي الشهر نفسه دخلت إيطاليا الحرب إلى صف ألمانيا، وسرعان ما امتدت الحرب إلى اليونان وشمالي إفريقيا. وفي يونيو 1941م غزت ألمانيا الاتحاد السوفييتي، وهاجمت اليابان القواعد العسكرية للولايات المتحدة في بيرل هاربر في هاواي في 7 ديسمبر 1941 م، الأمر الذي دخلت بسببه الولايات المتحدة الحرب. وبحلول منتصف عام 1942م تغلبت القوات اليابانية على معظم جنوب شرقي آسيا، واكتسحت كثيرًا من الجزر في المحيط الهادئ. وكونت ألمانيا وإيطاليا واليابان تحالفًا عرف بالمحور، وانضمت ست دول أخرى إلى هذا المحور، وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والاتحاد السوفييتي القوى الكبرى التي تحارب المحور، وكانت تسمى دول التحالف، وقد وصل عددها إلى نحو 50 قطرًا بنهاية الحرب.

استطاعت دول التحالف خلال سنة 1942 م أن توقف تقدم قوات المحور في شمالي إفريقيا، وفي الاتحاد السوفييتي والمحيط الهادئ . ونزلت قوات التحالف في إيطاليا سنة 1943م وفي فرنسا سنة 1944 م. وفي سنة 1945م اندفع الحلفاء في ألمانيا من الشرق والغرب، وجرت سلسلة من المعارك الدموية في المحيط الهادئ ، الأمر الذي وضع الحلفاء على أبواب اليابان خلال صيف 1945م واستسلمت ألمانيا في 7 مايو 1945م واليابان في 2 سبتمبر من العام نفسه.

أسباب الحرب

يعزو كثير من المؤرخين أسباب الحرب العالمية الثانية إلى مشاكل تُركت بغير حل بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918م). لقد أوجدت الحرب العالمية الأولى والمعاهدات التي عقدت في نهايتها مشاكل سياسية واقتصادية جديدة، واستغل قادة أقوياء في عدد من الأقطار هذه المشاكل لكي يستولوا على السلطة. إن رغبة الحكام المستبدين في ألمانيا وإيطاليا واليابان في احتلال أقاليم أخرى أدى إلى وضع جديد، من شأنه أن يجعلهم في صراع مع الدول الديمقراطية.

المشاكل الاقتصادية.

خربت الحرب العالمية الأولى اقتصاديات الأقطار الأوروبية بدرجة جسيمة وخرج الغانمون والغارمون من الحرب مدينين بدرجة كبيرة. وكانت القوى المهزومة تجد صعوبة في دفع تعويضات للقوى المنتصرة، وكان المنتصرون يجدون صعوبة في تسديد قروضهم من الولايات المتحدة، وكان التحول من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلم من شأنه أن يوجد مشاكل كثيرة، ولم يجد كثير من الجند وظائف لهم بعد الحرب.

كانت إيطاليا واليابان تعانيان بعد الحرب العالمية الأولى من كثرة في السكان وقلة في الموارد، وحاولتا حل مشاكلهما بالتوسع في الأراضي. وفي ألمانيا ضرب التضخم السريع قيمة العملة، واكتسح مدخرات الملايين من الناس، ووصل الاقتصاد الألماني في سنة 1923 م إلى حافة الانهيار، وساعدت قروض من الولايات المتحدة الحكومة الألمانية في أن تعيد التوازن. وفي أوائل العشرينيات بدا وكأن أوروبا تدخل فترة استقرار اقتصادي.

وفي سنة 1929م بدأ هبوط اقتصادي عرف باسم الكساد الكبير في الولايات المتحدة. وفي أوائل الثلاثينيات توقف انتعاش أوروبا الاقتصادي. لقد سبب الكساد العظيم بطالة كبرى، ونشر الفقر واليأس عبر العالم، وأضعف الحكومات الديمقراطية، وقوى الحركات السياسية المتطرفة التي وعدت بإنهاء المشاكل الاقتصادية. وقد قويت حركتان بصفة خاصة فنادت قوى الشيوعية العمال بالثورة وأيدت قوى الفاشية قيام حكومة قومية قوية. واصطدم الشيوعيون بالفاشيين على طول أوروبا، ولكن المتطرفين السياسيين لقوا أعظم تأييد في الأقطار التي كانت فيها مشاكل اقتصادية كبرى وتبرم عميق من مؤتمر باريس.

القومية.

كانت القومية صورة متطرفة للوطنية التي اكتسحت أوروبا خلال القرن التاسع عشر. لقد وضع مؤيدو القومية أهداف أمتهم فوق أي ولاء عام آخر، ونظر كثير من القوميين إلى الأجانب وأعضاء الجماعات الأجنبية نظرة دونية، وساعد هذا الاعتقاد الأمم في تبرير غزوها لأرض غيرها، ومعاملتها المزرية للأقليات في داخل حدودها، وكان استعار المشاعر القومية السبب الرئيسي للحرب العالمية الأولى، وقد نمت وصارت أكثر قوة بعد الحرب.

ومضت القومية قُدُمًا مع مشاعر عدم الرضا بين القوميات. فكلما كان الناس محرومين من عزة قومية، رغبوا في أن يروا بلدهم قويًا وقادرًا على التمسك بحقوقه. أحس كثير من الألمان بالإهانة لهزيمة بلدهم في الحرب العالمية الأولى، وسوء المعاملة بموجب معاهدة فرساي. وفي الثلاثينيات أيدوا بحماس تنظيمًا قوميًا متطرفًا سمي الحزب النازي (الحزب القومي)، وأعلن هذا الحزب أن لألمانيا الحق في أن تصبح قوية مرة أخرى، كذلك قويت النزعة القومية في إيطاليا واليابان.

ظهور الدكتاتوريات.

ساعد التذمر السياسي والظروف الاقتصادية السيئة التي نمت بعد الحرب العالمية الأولى إلى ظهور الحكومات الاستبدادية في أقطار عديدة خاصة في تلك الأقطار التي افتقدت تقاليد الحكم الديمقراطي. وخلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين وصلت الحكومات الاستبدادية إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي وإيطاليا، وصارت لها السلطة كلها، وحكمت دون مراعاة لقانون، واستخدمت ولجأت الدكتاتوريات للإرهاب والبوليس السري للقضاء على المعارضين لحكمها.

العدوان يمضي قدمًا.

مضت إيطاليا واليابان في اتباع سياسة توسع إقليمي عدواني خلال ثلاثينيات القرن العشرين؛ فقد غزتا البلاد الضعيفة التي يمكن السيطرة عليها بسهولة. كانت الحكومات الدكتاتورية تعرف ما تريد وحصلت على مبتغاها، وتصدت الحكومات الديمقراطية برفق ولين للعدوان والاستبداد.

فقد كانت اليابان أول دولة تبدأ برنامج الغزو في سنة 1931م، حيث استولت القوات اليابانية على منشوريا، وهو إقليم في الصين غني بموارده الطبيعية. ويعد بعض المؤرخين أن غزو اليابان لمنشوريا هو البدء الحقيقي للحرب العالمية الثانية. لقد جعلت اليابان من منشوريا دولة تابعة سميت منشوكو. وفي سنة 1937م أقدمت اليابان على هجوم كبير ضد الصين، واحتلت معظم أراضي شرقي الصين في نهاية سنة 1938م رغم أن القطرين لم يكونا قد دخلا رسميا الحرب. وبدأ القادة العسكريون اليابانيون يتحدثون عن إخضاع كل شرقي آسيا تحت الحكم الياباني.

نظرت إيطاليا إلى إفريقيا لتشبع رغبتها في تكوين إمبراطورية. وفي سنة 1935م غزت القوات الإيطالية أثيوبيا، وكانت واحدة من الأقطار الإفريقية القليلة المستقلة، واستخدم الإيطاليون المدافع الآلية والدبابات والطائرات للتغلب على الجيش الأثيوبي الضعيف في عدته وعتاده، وغزوا البلاد في مايو 1936م.

بعد وصول هتلر للسلطة بدأ في بناء قوات ألمانيا المسلحة مخالفًا معاهدة فرساي. وفي 1936م أرسل هتلر قوات إلى أراضي الراينلاند، وهي منطقة من ألمانيا على طول شواطئ نهر الراين، وبموجب تلك المعاهدة كان المفروض أن يظل إقليم الراين خاليًا من القوات. وفي مارس 1938م توغلت القوات الألمانية في النمسا وضمتها إلى ألمانيا، ورحب كثير من الناس في ألمانيا والنمسا بهذا التحرك.

كانت أعمال العدوان انتصارات سهلة للدكتاتوريات، وبدت عصبة الأمم عاجزة عن وقفها. كان ينقصها الجيش والسلطة لوضع القانون الدولي موضع التنفيذ، ورفضت الولايات المتحدة أن تنضم إلى العصبة حتى لاتنشغل بالمنازعات الأوروبية، بينما كانت بريطانيا وفرنسا غير راغبتين في المخاطرة بحرب بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الأولى. كانت القوتان تعرفان أنهما ستتحملان عبء أي حرب.

كوّن المعتدون حلفًا؛ ففي سنة 1936م اتفقت ألمانيا وإيطاليا على أن تساند كل منهما الأخرى في سياستها الخارجية، وعرف التحالف بمحور برلين ـ روما، وانضمت اليابان إلى الحلف في سنة 1940م، وأصبح هناك محور برلين ـ روما ـ طوكيو.

الدول المتحاربة

الحلفـاء

الاتحاد السوفييتي 22 يونيو 1941 سوريا 26 فبراير 1945
أثيوبيا 1 ديسمبر 1942 تشيلي 14 فبراير 1945
الأرجنتين 27 مارس 1945 الصين 9 ديسمبر 1941
أروجواي 22 فبراير 1945 فنزويلا 16 فبراير 1945
أستراليا 3 سبتمبر 1939 العراق 16 يناير 1943
إكوادور 2 فبراير 1945 فرنسا 3 سبتمبر 1939
إلسلفادور 8 ديسمبر 1941 اليونان 28 أكتوبر 1940
إيران 9 سبتمبر 1943 كندا 10 سبتمبر1939
باراجواي 8 فبراير 1945 كوبا 9 ديسمبر 1941
البرازيل 22 أغسطس 1942 كوستاريكا 8 ديسمبر 1941
بريطانيا 3 سبتمبر 1939 كولومبيا 26 نوفمبر 1943
بلجيكا 10 مايو 1940 لبنان 27 فبراير 1945
بنما 7 ديسمبر 1941 لوكسمبرج 10 مايو 1940
بولندا 1 سبتمبر 1939 ليبيريا 26 يناير 1944
بوليفيا 7 أبريل 1943 مصر 24 فبراير 1945
بيرو 11 فبراير 1945 المكسيك 22 مايو 1942
تركيا 23 فبراير 1945 منغوليا الشعبية 9 أغسطس 1945
تشيكوسلوفاكيا 16 ديسمبر1941 النرويج 9 أبريل 1940
الجبل الأسود 8 ديسمبر 1941 نيوزيلندا 3 سبتمبر1939
جنوب إفريقيا 6 سبتمبر 1939 هاييتي 8 ديسمبر 1941
جواتيمالا 9 ديسمبر 1941 الهند 3 سبتمبر1939
الدنمارك 9 أبريل 1940 هندوراس 8 ديسمبر 1941
الدومينيكان 8 ديسمبر 1941 هولندا 10 مايو 1940
سان مارينو 24 سبتمبر 1944 الولايات المتحدة الأمريكية 8 ديسمبر 1941
السعودية 1 مارس1945 يوغوسلافيا 6 أبريل 1941

المحــور

ألبانيا 15 يونيو 1940 رومانيا 22 يونيو 1941
ألمانيا 1 سبتمبر 1939 فنلندا 25 يونيو 1941
إيطاليا 10 يونيو 1940 المجر 10 أبريل 1941
بلغاريا 6 أبريل 1941 اليابان 7 ديسمبر 1941
تايلاند 25 يناير 1942

يتبع >

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:16 PM

الحرب الأهلية الأسبانية.

مزقت الحرب الأهلية أسبانيا من 1936 إلى 1939م، حيث ثار عدد كبير من ضباط الجيش الأسباني على الحكومة، واختار المتمردون في الجيش الجنرال فرانسيسكو فرانكو قائدًا لهم، وعرفت قوات فرانكو بالقوميين أو المتمردين. أما القوات التي أيدت الحكومة الأسبانية المنتخبة فقد سميت الموالية أو الجمهورية، وجذبت الحرب الأهلية الأسبانية انتباه العالم. وخلال الحرب استعرضت الحكومات الاستبدادية قوتها، بينما بقيت الديمقراطيات عاجزة.

تعظيم القوة العسكرية صاحب قيام حكومة دكتاتورية في اليابان في الثلاثينيات من القرن العشرين. وهذه فرقة عسكرية يابانية أمطرت بالأشرطة الملونة أثناء سيرها في شوارع طوكيو سنة 1937م.

فشل الترضية.

قرر هتلر أن يضرب ثانية بعد فترة قصيرة من ابتلاع ألمانيا للنمسا في مارس 1938 م، وكانت الأرض الألمانية تحيط بتشيكوسلوفاكيا من ثلاثة جوانب. لقد أصبحت تشيكوسلوفاكيا مستقلة بعد الحرب العالمية الأولى، وكان سكانها يتألفون من قوميات عدة تضم أكثر من 3 ملايين نسمة من أصل ألماني. تلهف هتلر للسيطرة على أراضي سدتنلاند (السوريت)، وهي منطقة تقع غربي تشيكوسلوفاكيا، حيث كان يعيش معظم الألمان، وبدعم من هتلر طالب ألمان سدتنلاند بالوحدة مع ألمانيا.

قررت تشيكوسلوفاكيا أن تدافع عن أراضيها، وأيدتها فرنسا والاتحاد السوفييتي، وعندما زاد التوتر حاول رئيس وزراء بريطانيا نيفيل تشمبرلين أن يعيد الهدوء. لقد رغب تشمبرلين في حفظ السلام بأي ثمن، وكان يظن أن الحرب يمكن أن تمنع بالاستجابة لمطالب هتلر، وعرفت هذه السياسة بالترضية.

كان لتشمبرلين لقاءات عدة مع هتلر خلال سبتمبر 1938م عندما كانت أوروبا تقترب من حافة الحرب، وزاد هتلر من طلباته في كل اجتماع. وفي 29 سبتمبر تقابل تشمبرلين وإدوارد دالادييه رئيس وزراء فرنسا مع هتلر وموسوليني في ميونيخ بألمانيا، ووافق تشمبرلين ودالادييه على أن يقتطع سدتنلاند لألمانيا، وأجبرا تشيكوسلوفاكيا على الموافقة، ووعد هتلر أنه ليس له طلبات إقليمية أكثر من ذلك. لقد كان اتفاق ميونيخ يمثل أعلى مراحل التسوية وكان تشمبرلين ودالادييه يأملان أن يرضي الاتفاق هتلر، ويمنع حربًا أو على الأقل يطيل من السلام حتى تصبح بريطانيا وفرنسا مستعدتين للحرب. لكن الزعيمين كانا مخطئين في حساباتهما.

بدا فشل سياسة الترضية واضحًا؛ فلقد نقض هتلر اتفاقية ميونيخ في مارس 1939 م واحتل باقي تشيكوسلوفاكيا، وبذلك أضاف قوات تشيكوسلوفاكيا المسلحة وصناعتها إلى قوة ألمانيا الحربية. وفي الشهور السابقة للحرب مضت استعدادات ألمانيا للحرب قدمًا بأسرع من بناء بريطانيا وفرنسا لقوتهما الحربية.

المراحل الأولى للحرب

حققت ألمانيا خلال السنة الأولى للحرب سلسلة من الانتصارات السريعة على بولندا والدنمارك ولوكسمبرج وهولندا وبلجيكا والنرويج وفرنسا، وحاولت أن تضرب بريطانيا لكي تستسلم، ولكنها فشلت.

غزو بولندا.

بعد أن احتل هتلر تشيكوسلوفاكيا، بدأ يطالب بأراضٍ من بولندا وتعهدت بريطانيا وفرنسا بمساعدة بولندا إذا هاجمتها ألمانيا. ومع هذا فإنه كان بإمكان الدولتين مساعدة بولندا بغزوهما ألمانيا فقط. وهي خطوة لم يرد أي منهما اتخاذها. لقد أعدت فرنسا كلها للدفاع عن أراضيها لا للهجوم.

كانت بريطانيا وفرنسا تأملان أن يتمكن الاتحاد السوفييتي من مساعدة بولندا، ولكن العالم صُدم حين صار هتلر وستالين حليفين. وفي 23 أغسطس 1939 م وقعت ألمانيا والاتحاد السوفييتي ميثاق عدم اعتداء حيث اتفقتا ألا تعلن إحداهما الحرب على الأخرى، واتفقتا سرًا على تقسيم بولندا فيما بينهما.

في أول سبتمبر 1939م غزت ألمانيا بولندا، وبدأت الحرب العالمية الثانية. كان لبولندا جيش كبير إلى حد ما ولكن بمعدات حديثة قليلة، وتوقع الجيش البولندي أن يحارب على طول الحدود البولندية، ورغم ذلك، فإن الألمان أدخلوا طريقة جديدة في الحرب تسمى الحرب الخاطفة. ركزت الحرب الخاطفة على السرعة والمفاجأة، واقتحمت صفوف من الدبابات دفاعات بولندا، وتوغلت، في عمق البلاد قبل أن يكون لدى الجيش البولندي وقت للرد، وضربت الطائرات المقاتلة خطوط المواصلات وصفوف المعركة.

قاتل البولنديون بشجاعة ولكن خطة جيش الألمان (أي الحرب الخاطفة) أوقعت الجيش البولندي في فوضى، وفي 17 سبتمبر 1939م غزت القوات السوفييتية بولندا من الشرق، وفي آخر سبتمبر احتل الاتحاد السوفييتي الثلث الشرقي من بولندا وابتلعت ألمانيا الباقي.

الحرب الوهمية.

أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر 1939م، أي بعد يومين من غزو بولندا، ولكن الدولتين لم تتحركا حتى سقطت بولندا. وحركت فرنسا قوات إلى خط ماجينو، وهو حزام من الصلب والقلاع الحصينة بُني بعد الحرب العالمية الأولى على طول حدودها مع ألمانيا. أرسلت بريطانيا قوة صغيرة إلى شمالي فرنسا، ووضعت ألمانيا قوات على خط سيجفريد، وهو شق من دفاعات بناه هتلر في الثلاثينيات مقابل خط ماجينو. وتحاشى الجانبان القتال في أواخر سنة 1939م وأوائل سنة 1940م. وقد سمى الصحفيون هذه الفترة بالحرب الوهمية.

غزو الدنمارك والنرويج.

وصلت من السويد إلى ألمانيا شحنات ضخمة من الحديد الخام عن طريق ميناء نارفيك النرويجي. خاف هتلر أن تقطع الطائرات البريطانية هذه الشحنات بزراعة متفجرات في مياه النرويج الساحلية. وفي أبريل 1940م غزت القوات الألمانية النرويج وغزت الدنمارك في طريقها. وحاولت بريطانيا مساعدة النرويج، لكن القوة الجوية لألمانيا حالت بين السفن البريطانية العديدة والقوات وبين الوصول إلى هذا القطر، ووقعت الدنمارك في يد الألمان في يونيو 1940م، وأنقذ غزو النرويج الشحنات الألمانية من الحديد الخام، وتهيأت في النرويج قواعد للغواصات والطائرات الألمانية.

استقال تشمبرلين بطل الترضية بعد غزو النرويج، وحل محله ونستون تشرتشل رئيسًا للوزراء في 10 مايو 1940م وأخبر تشرتشل الشعب البريطاني أنه ليس لديه ما يقدمه سوى الدم والتعب والدموع والعرق.

الحرب في أوروبا وشمال إفريقيا.

غزو الأراضي المنخفضة.

كانت دول الأراضي المنخفضة، بلجيكا ولوكسمبرج وهولندا تأمل أن تظل محايدة بعد بدء الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك فإن ألمانيا شنت حربًا خاطفة ضدها في 10 مايو 1940 م، والتمست هذه الأقطار مساعدة الحلفاء، لكن لوكسمبرج استسلمت في يوم واحد وهولندا في خمسة أيام، واندفعت القوات البريطانية والفرنسية إلى بلجيكا حيث سقطت في المصيدة الألمانية، وعندما كانت قوات الحلفاء تتسابق في اتجاه الشمال قطع الغزو الألماني عليها الطريق من الخلف عبر غابة أردينز البلجيكية إلى الجنوب، ووصل الألمان إلى القنال الإنجليزي يوم 21 مايو، وحاصروا قوات الحلفاء تقريبًا في بلجيكا.

استسلم الملك ليوبولد الثالث يوم 28 مايو 1940م، وترك استسلامه قوات الحلفاء المحاصرة في خطر كبير. كانت هذه القوات تنسحب تجاه الميناء الفرنسي دنكرك على القنال الإنجليزي، وأرسلت بريطانيا كل الطائرات المتاحة لديها لإنقاذ القوات. وقد تضمن أسطول الإنقاذ مدمرات ويخوتًا وعبّارات ومراكب صيد وقوارب آلية. وأمام القصف العنيف أجْلت نحو 338 ألفا من القوات في الفترة من 26 مايو إلى 4 يونيو، وأنقذ الجلاء عن دنكرك الجيش البريطاني. ولكن الجيش ترك وراءه دباباته ومعداته، واستسلمت بقية قوات الحلفاء في دنكرك في 4 يونيو 1940م.

التواريخ المهمة في أوروبا وشمال إفريقيا 1939 - 1942م

1939م
أول سبتمبر غزت ألمانيا بولندا مبتدئة الحرب العالمية الثانية.
3 سبتمبر أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا.

1940م
9 أبريل غزت ألمانيا الدنمارك والنرويج
10 مايو غزت ألمانيا بلجيكا وهولندا
10 يونيو أعلنت إيطاليا الحرب على فرنسا وبريطانيا
22 يونيو وقعت فرنسا هدنة مع ألمانيا
10 يوليو بدأت معركة بريطانيا

1941م
6 أبريل غزت ألمانيا اليونان ويوغوسلافيا
22 يونيو غزت ألمانيا الاتحاد السوفييتي
8 سبتمبر أكملت القوات الألمانية حصار لينينغراد الذي استمر حتى يناير 1944م.

1942م
25 أغسطس أمر هتلر قواته بمحاصرة ستالينجراد
22 أكتوبر هاجمت بريطانيا قوات المحور عند العلمين في مصر
8 نوفمبر نزلت قوات الحلفاء في الجزائر والمغرب.

سقوط فرنسا.

توقعت فرنسا أن تقاتل على طول جبهة ثابتة، ولذلك ثبتت خط ماجينو للدفاع عن نفسها، لكن الدبابات الألمانية والطائرات التفت حول خط ماجينو. لقد مر الألمان شمالي خط ماجينو عندما اندفعوا عبر لوكسمبرج وبلجيكا وفي شمالي فرنسا في مايو 1940م وشنوا هجومًا كبيرًا ضد فرنسا في 5 يونيو، وأرسلت حسب خطة الحرب الخاطفة قوات فرنسية إلى الخلف، وعندما كانت فرنسا على وشك السقوط أعلنت إيطاليا الحرب على فرنسا وبريطانيا في 10 يونيو.

دخلت القوات الألمانية باريس في 14 يونيو 1940م. وكانت الحكومة الفرنسية قد هربت من العاصمة من قبل. وأصبح بول رينو رئيسًا لوزراء فرنسا في مارس. أراد رينو أن يستمر في الحرب، لكن كثيرًا من جنرالاته وهيئة القيادة العسكرية اعتقدوا أن المعركة من أجل فرنسا قد خسرت واستقال رينو، ووافقت حكومة فرنسية جديدة على هدنة في 22 يونيو.

وبموجب شروط الهدنة احتلت ألمانيا ثلثي الشمال من فرنسا وشريطًا على طول المحيط الأطلسي غربي فرنسا، وظل جنوب فرنسا تحت الإدارة الفرنسية. وأصبحت فيشي عاصمة الأجزاء غير المحتلة من فرنسا. وترأس المارشال هنري بيتان، وهو بطل فرنسي في الحرب العالمية الأولى حكومة فيشي، وتعاون إلى حد كبير مع الألمان، وفي نوفمبر 1942 م احتلت القوات الألمانية فرنسا كلها.

هرب أحد ألوية الجيش الفرنسي إلى بريطانيا ذلك هو شارل ديجول الذي حث الشعب على أن يستمر في القتال ضد ألمانيا عبر الإذاعة الموجهة إلى فرنسا، وعرفت القوات التي تجمعت حول ديجول بقوات فرنسا الحرة.

معركة بريطانيا.

اعتقد هتلر أن بريطانيا سوف تبحث عن السلام مع ألمانيا بعد سقوط فرنسا، لكن بريطانيا حاربت وحدها. وأعد هتلر الاستعدادات لعبور القنال الإنجليزي وغزو جنوب إنجلترا. وقبل أن يستطيع الألمان غزوها كان عليهم أن يهزموا القوات الجوية الملكية البريطانية. وكانت معركة بريطانيا التي بدأت في يوليو 1940م أول معركة غير مسبوقة للسيطرة على الجو. وفي أغسطس 1940م بدأت القوات الجوية الألمانية اللوفتوافه الهجوم على قواعد القوات الجوية الملكية، لكن محطات الرادار على طول ساحل إنجلترا أنذرت باقتراب الطائرات الألمانية، وساعدت القوات الجوية البريطانية في أن تعترضها.

كان كل جانب يبالغ في عدد طائرات العدو التي أسقطها. واعتقدت القوات الجوية الألمانية اللوفتوافه، خطأ أنها دمرت القوات الجوية الملكية، ثم شن الألمان ضرباتهم ضد قواعد القوات الجوية الملكية، وبدأوا في ضرب لندن وأهداف أخرى مدنية. كانوا يأملون أن يضعفوا الروح المعنوية عند المدنيين، ويجبروا بريطانيا على أن تستسلم. وكانت الغارات الجوية المعروفة باسم بليتز (الغارة الجوية الخاطفة) تشن كل ليلة تقريبًا طوال الخريف والشتاء. وفي مايو 1941م أوقفت ألمانيا نهائيًا محاولاتها لهزيمة بريطانيا من الجو.

وكان قرار هتلر بإنهاء هجومه على (القوات الجوية الملكية) قد ساعد بريطانيا على إعادة بناء قواتها الجوية. وكان إنقاذ بريطانيا مهما للغاية في الحرب فيما بعد؛ لأن هذا القطر استخدم قاعدة لتحرير الحلفاء في أوروبا من الحكم النازي.

انتشار الحرب

أصبحت الحرب العالمية الثانية حربًا عالمية في نهاية 1941م. وامتدت الحرب إلى إفريقيا وشبه جزيرة البلقان وشرقي أوروبا والاتحاد السوفييتي. كذلك قاتل الحلفاء والمحور كُلٌّ منهما الآخر في البحر. وفي ديسمبر 1941م دخلت الولايات المتحدة الحرب.

القتال في إفريقيا.

فتح الإيطاليون جبهات في إفريقيا في أثناء معركة بريطانيا تقريبًا، وتوقع موسوليني انتصارات سهلة على القوات البريطانية الصغيرة في شمالي إفريقيا. وفي أغسطس 1940 م اندفع الإيطاليون شرقًا من أثيوبيا واكتسحوا القوات في الصومال البريطاني. وفي الشهر التالي قامت القوات الإيطالية التي كانت ترابط في ليبيا بغزو مصر.

وتراوح القتال طوال عامين كرًا وفرًا عبر ليبيا ومصر. وقاتلت قوات من أستراليا ونيوزيلندا والهند وجنوب إفريقيا مع القوات البريطانية كي تبقى قوات المحور بعيدة عن مصر. وكانت سيطرة المحور على مصر سوف تؤدي إلى حرمان بريطانيا من كل حقول النفط في الشرق الأوسط ومن قناة السويس، وهي أقصر طريق بحري إلى آسيا. وضربت بريطانيا الإيطاليين من الخلف في ديسمبر 1940م لتطردهم عن مصر إلى الخلف في ليبيا. وجذب غزو إيطاليا لليونان جزءًا من قوات بريطانيا في إفريقيا، وأوقف التقدم الذي كان في أوائل 1941م. أرسل هتلر وحدات دبابات مدربة على حرب الصحراء لتساعد الإيطاليين في شمال إفريقيا، وعرفت وحدات الدبابات باسم الفيلق الإفريقي الذي كان يقوده اللواء إيروين روميل. وكان من شأن ترتيبات روميل الماهرة أن أكسبته اسم ثعلب الصحراء الذي عرف به. وخلال الربيع استعاد روميل الأرض الليبية التي فقدها الإيطاليون، واندفع إلى مصر وعاد الإنجليز ليدفعوا قوات المحور إلى الخلف في ليبيا في مايو 1942م. واندفع روميل عبر الخطوط البريطانية، ووصل إلى العلمين على بعد 320كم من قناة السويس.

ورغم ذلك لم ينقذ الألمان إمبراطورية موسوليني في شرقي إفريقيا. وفي مايو 1941 م هزمت بريطانيا الإيطاليين في الصومال البريطاني وأثيوبيا.

القتال في البلقان.

استخدم هتلر التهديدات ليجبر بلغاريا والمجر ورومانيا كي تنضم إلى المحور وكانت هذه الأقطار تمد ألمانيا بالطعام والنفط والمواد الأخرى. ووقعت حكومة يوغوسلافيا اتفاقا مع المحور في مارس 1941 م. ولكن القوات المسلحة اليوغوسلافية تمردت وقلبت الحكومة، فأمر هتلر وهو غاضب، أن تكتسح يوغوسلافيا. وبدأت القوات الألمانية تتدفق على يوغوسلافيا في 6 أبريل. استسلمت يوغوسلافيا بعد أحد عشر يومًا، وخلال ذلك الوقت كان هتلر ينقذ قوات موسوليني في أماكن أخرى من شبه جزيرة البلقان.

تعب موسوليني من لعبة الشريك الأصغر لهتلر وأراد إشباع غروره. وفي أكتوبر 1940م غزت القوات الإيطالية المتمركزة في ألبانيا اليونان، وتوقعت أن تهزم الجيش اليوناني الفقير في عدته بسهولة. وقاتل اليونانيون ببسالة رغم التفوق العددي الكبير الذي كان يواجههم. وفي ديسمبر طردوا الإيطاليين من اليونان واكتسحوا جزءًا من ألبانيا. أرسلت بريطانيا قوة صغيرة لمساعدة اليونان، ولكن في أبريل 1941م وصلت قوة ألمانية لمساعدة الإيطاليين. وفي أبريل سيطر المحور على اليونان، وانسحبت القوات البريطانية من اليونان إلى جزيرة كريت في البحر المتوسط. وفي 20 مايو سنة 1941م هبط آلاف من جنود المظلات الألمان على جزيرة كريت واستولوا على أحد المطارات، ثم هبط مزيد من الجنود الألمان. وكان هذا أول غزو محمول جوًا في التاريخ وقد منح ألمانيا قاعدة مهمة في البحر الأبيض المتوسط بنهاية شهر مايو.

كانت هزائم البلقان ضربات قاتلة لبريطانيا. ويعتقد بعض المؤرخين أن دوران هتلر تجاه يوغوسلافيا واليونان كان باهظًا لهتلر؛ لأنه أجل غزو الاتحاد السوفييتي. كان هتلر يتنبأ في ثقة بنصره على الاتحاد السوفييتي خلال ثمانية أسابيع ولكنه فشل في أن يعد لحرب الشتاء.

غزو الاتحاد السوفييتي.

برهنت ألمانيا والاتحاد السوفييتي أنهما شريكان لا يطمئن أحدهما للآخر، ونظر هتلر إلى الاتحاد السوفييتي كعدو رئيسي لألمانيا، وخاف من الأطماع السوفييتية أن تمتد إلى شرقي أوروبا. وأراد هتلر أيضًا السيطرة على حقول قمح الاتحاد السوفييتي وحقول النفط وكان ميثاق عدم الاعتداء مع ستالين في سنة 1939م مستخدمًا فقط لإبعاد الاتحاد السوفييتي عن الحرب، بينما تكتسح ألمانيا شرقي أوروبا.

لم يثق ستالين بهتلر، وبحث عن قواعد بحرية أكثر لتقوية الحدود السوفييتية. وفي نوفمبر 1939م غزا الاتحاد السوفييتي فنلندا واستسلم الفنلنديون في مارس 1940م، بعد حرب وحشية. وفي الصيف استولى الاتحاد السوفييتي على إستونيا ولاتفيا ولتوانيا على طول بحر البلطيق. وبدأ غزو ألمانيا للاتحاد السوفييتي الذي رمز له بعملية بارباروسا في 22 يونيو 1941م. وأخذ الاتحاد السوفييتي على غرة، واندفعت الدبابات الألمانية عبر خطوط الاتحاد السوفييتي. وفي أثناء الأسابيع القليلة الأولى من المعركة أحاطت الجيوش الألمانية بالقوات السوفييتية وقتلت وأسرت مئات الآلاف.

ومع تقدم الألمان، ضرب الشعب السوفييتي المصانع والسدود وخطوط السكك الحديدية ومخازن الطعام وكل شيء آخر قد يكون مفيدًا للعدو. وبدا وكأن الألمان يمضون نحو النصر في أواخر يوليو لكنهم بدأوا يخطئون.

أرادت طلائع جيش هتلر أن تندفع نحو موسكو، لكن هتلر خطأهم، وبدلاً من ذلك فقد دعم الجيوش الألمانية المتجهة شمالاً نحو لينينغراد، وجنوبًا نحو شبه جزيرة القرم على البحر الأسود. وبينما كان الألمان يفقدون الوقت في نقل القوات، أحضر ستالين قوات جديدة. وتباطأ التقدم الألماني في سبتمبر رغم أن الألمان أخذوا مدينة كييف في الجنوب، وسقط مطر غزير في أكتوبر وأصبحت الدبابات والمدفعية الألمانية عالقة في الطين.

وفي نوفمبر 1941م أخضع الألمان لينينغراد وبدأوا يحاصرون موسكو، ووصلت القوات ضواحي موسكو في أوائل ديسمبر، وكانت درجة الحرارة قد هبطت إلى 40ْم تحت الصفر وبدأ شتاء قارس غير عادي مبكرًا. وكانت القوات الألمانية تعوزها الملابس الدافئة وتعاني من الصقيع. وتحطمت دباباتهم وأسلحتهم في ذلك البرد القارس، وأنقذ الشتاء الاتحاد السوفييتي.

يتبع >

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:16 PM

معركة الأطلسي.

بدا كأن ألمانيا سوف تكسب معركة الأطلسي منذ سنة 1940 إلى سنة 1942م وقد أغرقت قوارب اليو ( u) آلاف الأطنان من بضائع الحلفاء البحرية في كل شهر. ولكن الحلفاء تغلبوا تدريجيًا على خطر قوارب اليو (u) واستخدموا الرادار المسمى السونار (الصوتي) للكشف عن غواصات الألمان. وضربت الطائرات البعيدة المدى قوارب اليو (u) عندما كانت تظهر على السطح. وفي منتصف 1943م كان الحلفاء يغرقون تلك القوارب بأسرع مما يستطيع الألمان أن يعوضوا ما يفقدون، وبهذا تم تجاوز أزمة الأطلسي.

الحرب تصبح صراعًا عالميًا

دخلت أمم الكومنولث الحرب، إما مع دخول بريطانيا ونيوزيلندا والهند الحرب في 3 سبتمبر 1939م أو بعده. فعلت ذلك جنوب إفريقيا في 6 سبتمبر وكندا في الـعاشر من الشهر نفسه، وأرسلت مستعمرات كثيرة، من ضمنها جزر الهند الغربية والمستعمرات الإفريقية قوات لهذا الغرض.

أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين روزفلت حياد الولايات المتحدة. لقد اعتقدت غالبية الشعب في الولايات المتحدة أن بلدهم يجب أن يظل بعيدًا عن الحرب العالمية الثانية. لكن كثيرًا من الأمريكيين يأملون في انتصار الحلفاء، وبحث روزفلت وآخرون من مؤيدي التدخل الدولي كل مساعدة، إلا الحرب، للأمم التي تقاتل المحور، كانوا يرون أن انتصار المحور مهدد للديمقراطية في كل مكان، أما الذين يرون انعزالية أمريكا فقد عارضوا مساعدة الولايات المتحدة للأمم المتحاربة.

أعلنت كل أقطار أمريكا الشمالية وجنوبها تدريجيًا الحرب على المحور، لكن البرازيل وكندا والولايات المتحدة فقط هي التي أرسلت قوات. لقد أدت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في نصر الحلفاء.

قانون الإعارة والتأجير.

كان الرئيس روزفلت يأمل في أن تهزم الولايات المتحدة المحور بأن تمد الدول التي تقاتلهم بالسفن والدبابات والطائرات والمواد الحربية الأخرى، وأهاب روزفلت بالولايات المتحدة أن تصبح ما أسماه موئل الديمقراطية.

ومع الحرب العالمية الثانية حالت قوانين الحياد دون بيع أسلحة للأمم المتحاربة. وسرعان ما غير مجلس النواب الأمريكي القوانين لكي يساعد بريطانيا وفرنسا. وسمح قانون جديد أن تشتري الأمم المتقاتلة أسلحة بالدفع نقدًا. وفي أواخر سنة 1940 م أصبحت بريطانيا تقريبًا لا تملك دعمًا ماليًًا لجيشها. واقترح روزفلت قانون الإعارة والتأجير، الذي يسمح للولايات المتحدة أن تؤجر أو تعير مواد خامًًا ومعدات وأسلحة لأي دولة تقاتل المحور. ووافق الكونجرس على القانون في مارس 1941م، وتسلمت 38 دولة ما مجموعه 50 بليون دولار مساعدة تحت بند قانون الإعارة والتأجير. وذهب أكثر من نصف المساعدة إلى الإمبراطورية البريطانية والربع تقريبًا إلى الاتحاد السوفييتي.

كانت اليابان وليست ألمانيا هي التي أقحمت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. ففي 1940م كانت القوات اليابانية مرابطة في الصين، ولإرغام الصين على الاستسلام قررت اليابان أن تقطع كل المدد الذي يصل إلى الصين من جنوب شرقي آسيا. أرادت اليابان أن تكون لها المصادر الغنية في جنوب شرقي آسيا، وتحدث قادة اليابان العسكريون عن بناء إمبراطورية أسموها المجال الأعظم للرفاهية المشتركة في جنوب شرقي آسيا.

عارضت الولايات المتحدة توسع اليابان في جنوب شرقي آسيا في سنة 1940م، واحتلت القوات اليابانية شمال الهند الصينية (وهي اليوم جزء من لاوس وفيتنام). وفي مقابل ذلك قطعت الولايات المتحدة الصادرات من الحديد الخردة والنفط وفضلات المعادن وبعض المواد الصناعية الخام المهمة الأخرى عن اليابان، وازداد التوتر بعد أن أخذت اليابان باقي الهند الصينية في سنة 1941م، ثم منعت حكومة الولايات المتحدة سحب الأموال اليابانية من مصارف أمريكا.

وأصبح اللواء هيديكي توجو رئيسًا لوزراء اليابان في أكتوبر 1941م وقرر توجو وقادة عسكريون آخرون مهاجمة الأمريكيين والإنجليز والدنماركيين في المحيط الهادئ ، فقد تيقنوا من ضرورة تحطيم أسطول الولايات المتحدة القوي.

وفي 7 ديسمبر 1941م وبدون إنذار، ضربت الطائرات اليابانية أسطول الولايات المتحدة الراسي في بيرل هاربر في هاواي. لقد كان قذف بيرل هاربر نجاحًا كبيرًا في أول الأمر لليابان؛ فلقد أحدث عجزًا كبيرًا في الأسطول الأمريكي، ودمر كثيرًا من الطائرات، ولكنه على المدى البعيد ثبت أنه مميت لليابان فلقد جر الولايات المتحدة إلى الحرب.

أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا والحلفاء الآخرون الحرب على اليابان في 8 ديسمبر 1941م. وفي اليوم التالي أعلنت الصين الحرب على المحور، وأعلنت ألمانيا وإيطاليا الحرب على الولايات المتحدة في 11 ديسمبر، وأصبحت الحرب العالمية الثانية صراعًا شاملاً.

هجوم الحلفاء في أوروبا وشمال إفريقيا.

انتهت هزائم الحلفاء في أوروبا في أواخر سنة 1941م. فلقد أوقفت القوات السوفييتية التقدم الألماني في شرقي أوروبا في 1942م، وكسبت انتصارًا أكبر عند ستالينجراد في سنة 1943،. وغزا الحلفاء شمالي إفريقيا سنة 1942م وأجبروا إيطاليا أن تستسلم في سنة 1943م وانتشرت قوات الحلفاء على شاطئ شمالي فرنسا سنة 1944 م في أكبر غزو في التاريخ، وأجبر هجوم الحلفاء في الشرق والغرب ألمانيا على أن تستسلم في سنة 1945م.

الإستراتيجية.

عُرف تشرتشل وروزفلت وستالين قادة القوى الثلاث الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية بالثلاثة الكبار. لقد خطط الثلاثة الكبار ومستشاروهم العسكريون الاستراتيجية التي هزمت المحور. عقد تشرتشل وروزفلت مؤتمرات كثيرة حول الاستراتيجية العامة، وأما ستالين فقد أدار وحده مجهود السوفييت في الحرب ونادرًا ما استشار الحلفاء.

في اجتماع في واشنطن العاصمة الأمريكية، في ديسمبر 1941م اتفق تشرتشل وروزفلت على أن الحرب الأوروبية يجب أن تكسب أولاً، وأن هذا يحتاج إلى غزو الحلفاء لغربي أوروبا. وكوّن القادة العسكريون للحليفتين الغربيتين هيئة أركان حرب مشتركة لتبادل الأفكار والمعلومات، واعتمد القادة السياسيون للحلفاء: تشرتشل وروزفلت وستالين إلى حد كبير على مستشاريهم العسكريين الكبار.

كان الخلاف الرئيسي بين الثلاثة الكبار أثناء الحرب يتعلق بغزو الحلفاء لغرب أوروبا. كان ستالين يحث روزفلت وتشرتشل دائمًا على أن يفتحا جبهة قتال ثانية في غربي أوروبا، ومن ثم يبعد القوات الألمانية عن الجبهة السوفييتية. وأيد كل من روزفلت وتشرتشل الفكرة، لكنهما اختلفا حول مكان الغزو ووقته. وكان الأمريكيون يريدون النزول في شمالي فرنسا بأسرع مايمكن، بينما رأى الإنجليز أن غزو فرنسا قبل أن يكون الحلفاء مستعدين أمر مميت، وبدلاً من ذلك حبذ تشرتشل غزو إيطاليا أولاً وأخذ بهذه الخطة.

تقابل روزفلت وتشرتشل أولاً في أغسطس 1941م على ظهر سفينة على ساحل نيوفاوندلاند، وأعلنا ميثاق الأطلسي وهو بيان عما تبتغيه الولايات المتحدة وبريطانيا بعد الحرب. وبعد غزو اليابانيين لبيرل هاربر اتفق روزفلت وتشرتشل على أن ألمانيا أقرب وأكثر خطرًا من اليابان، ووافقا على فتح الجبهة الثانية للتخفيف من الضغط الشديد الواقع على القوات السوفييتية، وركزا على هزيمة ألمانيا.

وتشرتشل في الدار البيضاء في المغرب، ووافقا على غزو جزيرة صقلية في البحر المتوسط بعد طرد الألمان والإيطاليين من شمالي إفريقيا. وفي المؤتمر أعلن روزفلت أن الحلفاء يقبلون فقط استسلامًا غير مشروط (كاملاً) من قوى المحور، وأيده تشرتشل.

وتقابل تشرتشل ورزفلت مع ستالين أولاً في نوفمبر 1943م في طهران بإيران، حيث ناقش الثلاثة الكبار خططًا لغزو بريطاني وأمريكي مشترك لفرنسا في ربيع سنة 1944م، ولم يتقابلوا مرة ثانية إلا حين قاربت ألمانيا على الانهيار. وفي فبراير 1945م اجتمع روزفلت وتشرتشل وستالين في يالطا وهي مدينة سوفييتية في شبه جزيرة القرم، واتفقوا على أن يحتل كل بلد من بلادهم منطقة من ألمانيا بعد انتهاء الحرب، وكان على فرنسا أن تحتل منطقة رابعة. وفي مؤتمر يالطا ضمن ستالين أن يسمح بانتخابات حرة في بولندا والأقطار الأخرى في شرقي أوروبا بعد الحرب، ولكنه لم يف بوعده فيما بعد، ومات روزفلت في أبريل 1945م بعد شهرين من مؤتمر يالطا.

التواريخ المهمة في أوروبا وشمال إفريقيا 1943 - 1945

1943
2 فبراير استسلم آخر القوات الألمانية في ستالينجراد.
13 مايو استسلمت قوات المحور في شمال إفريقيا.
4 يوليو فتحت ألمانيا هجومًا قرب المدينة السوفييتية كورسك.
10 يوليو غزت قوات الحلفاء صقلية.
3 سبتمبر استسلمت إيطاليا سرًا للحلفاء
9 سبتمبر نزلت قوات الحلفاء عند ساليرنو، بإيطاليا

1944
6 يونيو نزلت قوات الحلفاء في نورمنديا في اليوم المحدّد لغزو شمال فرنسا
20 يوليو فشل محاولة لاغتيال هتلر
16 ديسمبر ضرب الألمان قوات الولايات المتحدة في معركة البلغة

1945
30 أبريل انتحر هتلر في برلين
7 مايو استسلمت ألمانيا دون قيد أو شرط للحلفاء في ريمس، في فرنسا منهية الحرب العالمية الثانية في أوروبا.

الجبهة السوفييتية.

ضربت القوات السوفييتية الألمان خارج موسكو في ديسمبر 1941م، ودفعت القوات السوفييتية الغزاة إلى الخلف نحو 160كم من موسكو خلال الشتاء، ولم يعد الألمان قريبين من موسكو مثلما كانوا في ديسمبر 1941م. ورغم ذلك فإن انتعاش السوفييت كان قصير الأمد؛ ففي ربيع 1942م عاود الألمان الهجوم واكتسحوا شبه جزيرة القرم، ومضوا قدمًا شرقًا تجاه حقول النفط السوفييتية في منطقة القوقاز، وأمر هتلر الجنرال فريدريش فون باولوس أن يمضي في ضغطه ويستولي على مدينة ستالينجراد (اسمها الآن فولجاجراد)، وبدأت معركة وحشية مدة خمسة أشهر حول ستالينجراد في أواخر أغسطس. وفي سبتمبر كان الجنود الألمان والسوفييت يشتبكون بالأيدي في قلب المدينة.

ومع قدوم الشتاء التمس باولوس الإذن أن ينسحب من ستالينجراد، لكن هتلر أمره أن يبقى وأن يقاتل، وعاودت القوات السوفييتية هجومًا مضادًا في منتصف نوفمبر. وفي أسبوع واحد حاصرت جيش باولوس، ووعدت اللوفتوافه (أي القوات الجوية الألمانية) أن تزود الجيش من الجو، ولكن إمدادات قليلة أنزلت، وفي كل يوم كان يتجمد الآلاف من الجنود الألمان أو يموتون جوعًا. وفي 2 فبراير 1943 م استسلمت القوات الألمانية في ستالينجراد.

كانت معركة ستالينجراد نقطة تحول في تاريخ الحرب العالمية الثانية؛ إذ أوقفت تقدم ألمانيا شرقًا، ومات وأسر نحو 300 ألف من القوات الألمانية، كما مات عدد كبير من الجنود السوفييت أيضًا.

في شمال إفريقيا.

أصابت الألمان هزيمة في شمال إفريقيا في نفس وقت هزيمتهم عند ستالينجراد. في صيف 1942م واجهت القوات الألمانية والإيطالية بقيادة روميل البريطانيين وحلفاءهم عند العلمين في مصر. وكان اللواء هارولد ألكسندر والفريق بيرنارد لو. مونتجمري يقودان القوات البريطانية في شمال إفريقيا.

قام روميل بالهجوم في أواخر أغسطس 1942م على عَلَم الحَلْفا جنوب العلمين، وأوقف الإنجليز الهجوم لأنهم علموا سرًا ببعض تفاصيل خطة روميل في المعركة، وطلب تشرتشل هجومًا مضادًا عاجلاً لكن مونتجمري رفض أن يندفع إلى المعركة قبل أن يكون مستعدًا. وفي 23 أكتوبر اندفع مونتجمري إلى العلمين، واخترق خطوط العدو في أوائل نوفمبر، وانسحبت قوات المحور نحو تونس، والبريطانيون يتعقبونهم بقوة. وكانت معركة العلمين مثل معركة ستالينجراد نقطة تحول في الحرب، ففي كلتا المعركتين أنهى الحلفاء سلسلة انتصارات هتلر.

غزو إيطاليا.

لقد خطط الحلفاء لغزو صقلية بعد طرد قوات المحور من شمال إفريقيا. وقذفت طائرات المحور سفن الحلفاء بالقنابل في البحر المتوسط من قواعد في صقلية؛ إذ أراد الحلفاء أن يكون البحر المتوسط آمنًا لسفنهم،كما كانوا يأملون أن يمكنهم غزو صقلية من هزيمة إيطاليا التي أنهكتها الحرب وإخراجها منها.

ونزلت قوات الحلفاء تحت قيادة آيزنهاور على طول ساحل صقلية الجنوبي في 10 يوليو 1943م، واشتبكت طوال 39 يومًا في قتال ضار مع القوات الألمانية، وغادرت آخر القوات الألمانية صقلية في 17 أغسطس.

وعزل موسوليني من السلطة في 25 يوليو 1943م بعد غزو صقلية، وسجنته الحكومة الإيطالية لكن المظليين الألمان أنقذوه أخيرًا، وبدأ رئيس وزراء إيطاليا الجديد المشير بييترو بادوجليو محادثات سرية مع الحلفاء، وكان بادوجليو يأمل أن يمنع إيطاليا أن تصبح أرض معركة واستسلمت إيطاليا في 3 سبتمبر.

يوم دي (ساعة الصفر).

بعد الجلاء عن دنكرك في سنة 1940م بدأت بريطانيا خطة للعودة إلى فرنسا. وفي سنة 1942م بدأت بريطانيا والولايات المتحدة مناقشة غزو على مدى واسع عبر القنال الإنجليزي. وفي ذلك الصيف غزا الحلفاء ميناء دييب الفرنسي على القنال. وواجه الغزاة دفاعات مائية قوية وتكبدوا خسائر ثقيلة، وأقنع غزو دييب الحلفاء للإنزال في أحراش مفتوحة لأن فرصة النجاح أحسن من الإنزال في ميناء.

وتوقع الألمان غزوًا من الحلفاء في شمالي ساحل فرنسا في سنة 1944م، لكنهم لم يكونوا متأكدين في أي ناحية، فقد كانت هناك سلسلة من التحصينات سماها الألمان حائط الأطلسي على طول الساحل. وأوكل هتلر إلى روميل مهمة تقوية دفاعات الألمان على طول القنال الإنجليزي، وأحضر روميل مدفعية ولغم المياه والأحراش ومد الأسلاك الشائكة، وركز الألمان قواتهم قرب كاليه في أقرب جزء من القنال الإنجليزي، لكن الحلفاء خططوا أن ينزلوا بعيدًا إلى الغرب في منطقة شمالي فرنسا تسمى نورمنديا.

واختار الحلفاء يوم الاثنين الموافق 5 يونيو 1944م يوم الصفر للهجوم على نورمنديا، لكن الأمواج العالية أجبرتهم على تأجيله حتى 6 يونيو وأثناء الليل عبر نحو 2,700 سفينة و176 ألف جندي القناة، ومضت كاسحات الألغام إلى الأمام تطهر المياه من الألغام، ونزلت قوات المظليين خلف خطوط الألمان واستولت على الجسور وخطوط السكك الحديدية. وفي الفجر فتحت السفن الحربية النار على الشواطئ، وفي الساعة 6,5 صباحا اندفعت القوات المتحالفة على الشاطئ في جبهة طولها 100 كم في أكبر غزو بحري محمول في التاريخ. وتقدمت قوات الحلفاء ببطء أول الأمر، واتجه الأمريكيون غربًا لمحاصرة الميناء الذي كان في حالة سيئة وهو ميناء شيربورج يوم 27 يونيو. أما كايين التي كان الإنجليز يأملون إسقاطها يوم الصفر، فقد سقطت يوم 18 يوليو. وفي نهاية يوليو اندفع الحلفاء نهائيًا عبر خطوط الألمان في أرض فسيحة.

الاندفاع إلى الراين.

في 25 يوليو 1944م فتحت قاذفات القنابل للحلفاء ثغرة في جبهة الألمان قرب سانت لوي جنوب شرقي شيربورج بنحو 80 كم. واندفع الجيش الثالث للولايات المتحدة تحت قيادة الجنرال جورج س. باتون عبر هذه الثغرة، وخلال أغسطس طرد الحلفاء الألمان من معظم شمال غربي فرنسا، وضربت قاذفات قنابل الحلفاء الألمان المنسحبين.

ومضى جيش باتون شرقًا نحو باريس. وفي 19 أغسطس 1944م ثار أهل باريس ضد القوات الألمانية فأمر هتلر بهدم المدينة. ولكن لواءات جيشه تأخروا في تنفيذ الأمر، وحررت قوات الحلفاء بما فيها قوات فرنسا الحرة باريس يوم 25 أغسطس.

في منتصف أغسطس 1944م نزلت قوات الحلفاء في جنوبي فرنسا، واندفعت بسرعة عبر وادي نهر الرون، وكان باتون يتجه في هذه الأثناء شرقًا تجاه الحدود الألمانية ونهر الراين. وفي آخر أغسطس نفد وقود دباباته. وفي الشمال كانت القوات الإنجليزية التي يقودها المشير بيرنارد لو. مونتجمري تكتسح بلجيكا وتحاصر أنتورب في 4سبتمبر. وخطط الحلفاء لعملية محمولة جوًا لنقلهم عبر الراين. وفي 17 سبتمبر تم إنزال 20 ألف مظلي خلف خطوط الألمان ليسيطروا على الجسور في هولندا، لكن سوء الأحوال الجوية والمشاكل الأخرى عطلت عملية إنزالهم وكان واضحًا أن النصر على ألمانيا لابد أن ينتظر حتى سنة 1945 م.

وعرف لواءات الجيش الألماني أنهم هزموا، لكن هتلر جمع موارده المتداعية لمعركة أخرى. وفي 16 ديسمبر 1944 م فاجأت القوات الألمانية الأمريكيين فاطبقوا عليهم في غابة أردينز في بلجيكا ولوكسمبرج. لكن الألمان كان ينقصهم القوات والوقود وخلال أسبوعين أوقف الأمريكيون تقدم الألمان قرب نهر المويز في بلجيكا، وعرف هجوم الأردينز باسم معركة البولج (الانبعاج) بسبب الشكل المنبعج لأرض المعركة على الخريطة.

التقدم السوفييتي.

أنهى النصر السوفييتي في معركة ستالينجراد التقدم الألماني في شرقي أوروبا. وبعد يناير 1943م دفع الجنود السوفييت الألمان ببطء إلى الوراء، وتحسنت حال القوات السوفييتية في سنة 1943م، وتجاوز عددها الجيوش الألمانية المواجهة لها، وتدفقت الإمدادات على الاتحاد السوفييتي من بريطانيا والولايات المتحدة، وكيّفت المصانع السوفييتية أوضاعها للإنتاج الحربي.

ورغم ذلك فإن الألمان عاودوا الهجوم في يوليو 1943م، قرب المدينة السوفييتية كورسك، وجمعوا نحو ثلاثة آلاف دبابة في المعركة، وبقيت القوات السوفييتية تنتظرهم. وفي واحدة من أعظم المعارك في التاريخ دمّرت الألغام والدبابات والمدافع المضادة للدبابات والطائرات السوفييتية الدبابات الألمانية، وأوقف هتلر الهجوم لينقذ باقي دباباته. وتحركت القوات السوفييتية ببطء أثناء الصيف والخريف في سنة 1943م وفي يناير 1944م، أنهى هجوم سوفييتي حصار لينينغراد الذي بدأ في سبتمبر 1941م، وكان ذلك أطول حصار في التاريخ الحديث، ومات نحو مليون من أهالي لينينغراد خلال الحصار معظمهم بسبب النقص في الطعام والتدفئة ولكن المدينة لم تستسلم أبدًا.

وفي يونيو 1944م بعد غزو نورمنديا بقليل، هاجمت جيوش ستالين على جبهة طولها 720كم، وفي أواخر يوليو وصلت القوات السوفييتية ضواحي وارسو، وثار جيش بولندا الوطني ضد القوات الألمانية في وارسو في أول أغسطس، ولكن القوات السوفييتية رفضت أن تهب لمساعدة بولندا. وسمح ستالين للألمان أن يضربوا الجيش الوطني الذي ربما كان سيقاوم خططه لإقامة حكومة شيوعية في بولندا بعد الحرب، واستسلم الجيش الوطني بعد شهرين، ومات أكثر من 200 ألف بولندي أثناء ثورة وارسو، ودخلت القوات السوفييتية وارسو في يناير 1945م.

في أثناء ذلك اندفعت القوات السوفييتية إلى رومانيا وبلغاريا، وطرد الألمان من اليونان ويوغوسلافيا في خريف 1944م، لكنهم بقوا في بودابست عاصمة المجر حتى فبراير 1945م، وسقطت فيينا عاصمة النمسا في يد الجنود السوفييت في أبريل، وفي تلك الأثناء احتلت القوات السوفييتية كل شرقي أوروبا تقريبًا.

النصر في أوربا.

لقد بدأ الحلفاء نصرهم النهائي على ألمانيا في أوائل سنة 1945م، حين وصل الجنود السوفييت نهر الأودر على بعد 65كم شرقي برلين في يناير، واحتلت قوات الحلفاء مواقع لها على طول نهر الراين في أوائل مارس.

طهرت القوات البريطانية والكندية هولندا من الألمان واندفعت في شمال ألمانيا، وتسابقت القوات الأمريكية والفرنسية نحو نهر ألبة في وسط ألمانيا، وأمر هتلر جنوده أن يقاتلوا حتى الموت، ولكن أعدادًا كبيرة من الجنود الألمان كانت تستسلم كل يوم.

تُرك حصار برلين، عاصمة ألمانيا، للقوات السوفييتية، وفي 25 أبريل 1945م سيطرت القوات السوفييتية على المدينة، ومن مخبأ عميق تحت الأرض أمر هتلر الجنود الألمان أن يستمروا في قتالها. ورغم ذلك وفي 30 أبريل انتحر هتلر، وظل يعتقد أن قضيته كانت على حق، وأن الشعب الألماني غير جدير بحكمه.

خلف الجنرال كارل دونيتز هتلر كقائد لألمانيا، ونظم دونيتز استسلام ألمانيا. وفي 7 مايو 1945م وقع الكولونيل جنرال ألفرد جودل رئيس أركان حرب القوات الألمانية وثيقة استسلام غير مشروط في مقر قيادة آيزنهاور في رانس بفرنسا، وانتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا، واعتبر الحلفاء يوم 8 مايو يوم النصر في أوروبا.

بعد معركة العلمين غزا الحلفاء المستعمرات الفرنسية في شمال إفريقيا، ونزلت قوات الحلفاء يقودها الجنرال دوايت آيزنهاور من الولايات المتحدة في الجزائر والمغرب في 8 نوفمبر 1942م، وقاتلت قوات فيشي في شمال إفريقيا لعدة أيام، ثم انضمت بعد ذلك إلى جانب الحلفاء.

كان الحلفاء يأملون في التقدم سريعًا إلى تونس ومن ثم يفصلون قوات المحور عن قواعدها في بلادها في إيطاليا وصقلية. لكن قوات المحور تحركت بشكل أسرع واحتلت تونس أولاً. وهناك استعد روميل للمعركة، واشتبكت القوات الأمريكية أولاً في معركة مع الألمان في فبراير 1943 م قرب ممر القصرين بتونس. وهزم روميل القوات الأمريكية عديمة الخبرة في قتال شرس، ولكن قوات الحلفاء تماسكت بعد ذلك، واستسلمت بقايا قوات المحور في شمال إفريقيا في مايو، وكان روميل قد عاد من قبل إلى ألمانيا. وبتطهير قوات المحور من شمال إفريقيا حصل الحلفاء على قواعد يمكن منها غزو جنوب أوروبا.

الحرب في آسيا والمحيط الهادئ

ترك الهجوم على بيرل هاربر أسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ عاجزًا عن وقف التوسع الياباني. وخلال الستة شهور التالية مضت القوات اليابانية عبر جنوب شرقي آسيا وغربي المحيط الهادئ ، ووصلت الإمبراطورية اليابانية إلى أقصى حجمها في أغسطس 1942م، فامتدت في الشمال الشرقي إلى جزر ألوثيان في ألاسكا وغربًا إلى بورما وجنوبًا إلى إندونيسيا. وأوقف الحلفاء توسع اليابان في صيف 1942م وأخذوا يقتطعون من إمبراطوريتها حتى وافقت اليابان على أن تستسلم في أغسطس 1945م.

انتصارات اليابان المبكرة.

في 8 ديسمبر 1941م خلال ساعات من الهجوم على بيرل هاربر ضربت قاذفات القنابل اليابانية المستعمرة البريطانية في هونج كونج في جنوب ساحل الصين وجزيرتين للولايات المتحدة في المحيط الهادئ هما غوام وويك، وغزا اليابانيون تايلاند في نفس اليوم واستسلمت تايلاند خلال ساعات، وانضمت إلى المحور، واستولت القوات اليابانية على هونج كونج وغوام وجزيرة ويك في عيد الميلاد.

ومن تايلاند تقدمت القوات اليابانية في الملايو (الآن هي جزء من ماليزيا) وبورما، وكانت بريطانيا تحكم هذه المنطقة.

وفي أواخر يناير 1942م دفع اليابانيون القوات البريطانية إلى الوراء في سنغافورة، وهي جزيرة محصنة في أعلى شبه جزيرة الملايو (ماليزيا)، وقذف اليابانيون الجزيرة في 8 فبراير، واستسلمت سنغافورة بعد أسبوع، وحاصرت اليابان حوالي 85 ألف جندي جاعلة من سقوط سنغافورة أسوأ هزيمة تحل ببريطانيا على الإطلاق.

ثم تحولت اليابان لتحقيق هدفها التالي وهو احتلال إندونيسيا الغنية بالبترول جنوبي الملايو. وكانت السفن الحربية تحمي هذه الجزر، وضربت البحرية اليابانية السفن في فبراير 1942م في معركة بحر جاوة، وسقطت إندونيسيا في أوائل مارس.

وفي تلك الأثناء تقدمت القوات اليابانية في جنوبي بورما، وأرسلت الصين قوات إلى بورما لمساعدة بريطانيا على البقاء في طريق بورما، وأرسلت أسلحة وأطعمة ومواد أخرى عبر هذا الطريق من الهند إلى الصين. وفي إبريل 1942م أخذت اليابان طريق بورما وأغلقته، واستطاع اليابانيون طرد قوات الحلفاء من معظم بورما في منتصف مايو.

يتبع >

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:17 PM

كان غزو الفلبين هو الوحيد الذي استغرق أطول مما توقعت اليابان، بدأت اليابان إنزال قوات في الفلبين في 10 ديسمبر 1941م، وكانت القوات الأمريكية والفلبينية يقودها الجنرال الأمريكي ماك آرثر تدافع عن مانيلا. وفي أواخر ديسمبر سلمت قوات ماك آرثر مانيلا عاصمة الفلبين، وانسحبت إلى قرب شبه جزيرة باتان. ورغم ما كانوا يعانونه من نقص التغذية والمرض، فقد قاوموا الهجوم الياباني لمدة أكثر من ثلاثة شهور.

أمر الرئيس روزفلت ماك آرثر أن يتجه إلى أستراليا ويترك الفلبين في مارس 1942م، ووعد ماك آرثر الفلبينيين بقوله: "سوف أعود". وفي 9 أبريل استسلم حوالي 75 ألف من قوات الولايات المتحدة المنهكة عند باتان لليابانيين، وقد اضطر معظمهم أن يسير حوالي 105كم إلى معسكرات اعتقال، ومات كثير من الأسرى من المرض، وسوء المعاملة أثناء ما عرف بمسيرة الموت في باتان، وبقي بعض الجنود يقاومون عند جزيرة كوريجدور قرب باتان حتى 6 مايو، ولكن اليابانيين كانوا حينذاك منتصرين في كل مكان.

أذهلت سلسلة انتصارات اليابان السريعة حتى اليابانيين، وأخافت الحلفاء، وكان سقوط إندونيسيا قد ترك أستراليا بدون حماية، وكان حصار بورما قد جاء باليابانيين إلى حدود الهند، وخافت أستراليا والهند من الغزو، وهاجمت الطائرات اليابانية داروين في شمال ساحل أستراليا في فبراير 1942م.

التواريخ المهمة في المحيط الهادئ (1941-1942م)

1941م
7 ديسمبر قذفت اليابان القواعد العسكرية الأمريكية في بيرل هاربر
8 ديسمبر أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا الحرب على اليابان

1942م
15 فبراير سقطت سنغافورة في يد اليابانيين
26-28 فبراير هزمت اليابان قوات الحلفاء البحرية في معركة بحر جاوة
9 أبريل استسلمت قوات الولايات المتحدة والفلبين في جزيرة باتان
18 أبريل ضربت قاذفات القنابل الأمريكية طوكيو في غارة دوليتل
4- 8 مايو صد الحلفاء هجومًا يابانيًا في باتان في بحر المرجان
4- 6 يونيو هزم الحلفاء اليابان في معركة ميدواي
7 أغسطس أنزل مشاة البحرية الأمريكية في جزر غواد الكنال

تحول التيار.

ساعدت ثلاثة أحداث في سنة 1942م على تحول التيار ضد اليابان وهي: 1- غارة دوليتل 2-معركة بحر المرجان 3- معركة ميدواي.

غارة دوليتل.

شنت الولايات المتحدة غارة حربية على أرض اليابان في 18 أبريل 1942م لبيان أن اليابان يمكن أن تُضْرَب، فقد قاد المقدم جيمس هـ. دوليتل ست عشرة قاذفة قنابل من طراز (ب ـ 25) في هجوم مفاجئ على طوكيو وبعض المدن اليابانية.

معركة بحر المرجان.

في مايو 1942م، أبحرت قوة غزو يابانية تجاه قاعدة أسترالية في ميناء مورسبي على الساحل الجنوبي لجزيرة غينيا الجديدة، ويقع ميناء مورسبي في واجهة أستراليا، وقابلت السفن الحربية الأمريكية القوة اليابانية في بحر المرجان شمال شرقي أستراليا، وكانت معركة بحر المرجان التي استمرت من 4 إلى 8 مايو لا نظير لها في المعارك البحرية السابقة، إذ كانت المعركة البحرية الأولى التي لم تكن السفن المتحاربة فيها يرى بعضها بعضًا، وتولت الطائرات المحمولة على حاملات الطائرات القتال، ولم يكسب أي جانب نصرًا حاسمًا، لكن المعركة أوقفت الهجوم على ميناء مورسبي وأوقفت الهجوم مؤقتًا على أستراليا.

معركة ميدواي.

أرسلت اليابان أسطولاً كبيرًا لمحاصرة جزيرة ميدواي عند الطرف الغربي في أعلى سلسلة جزر هاواي، لقد فكّت الولايات المتحدة رموز الشفرة البحرية اليابانية، وعرفت بالغزو القادم، وجمع الأدميرال شيستر ف. نيميتز قائد أسطول الولايات المتحدة السفن التي نجت من الغارة على بيرل هاربر ومعركة بحر المرجان واستعد لوقف اليابانيين.

جنوب المحيط الهادئ.

بعد معركة ميدواي كان الحلفاء مصممين على وقف التوسع الياباني في جنوب المحيط الهادئ.

قام الحلفاء بتنظيم حملتين كبيرتين ضد اليابان، إحداهما بقيادة الجنرال ماك آرثر وهي التي أوقفت اليابانيين عند غينيا الجديدة، والأخرى بقيادة الأدميرال نيميتز لمحاربة اليابان في جزر سليمان شمال شرقي أستراليا، وكان الحلفاء يهدفون إلى الاستيلاء على ميناء رابول في بريطانيا الجديدة، وكانت رابول قاعدة رئيسية لليابان في جنوب المحيط الهادئ. هجمت الطائرات والسفن الحربية اليابانية على سفن الحلفاء من رابول وأمدت اليابان الجزر الأخرى في جنوب المحيط الهادئ من تلك القاعدة.

القفز في جزر وسط المحيط الهادئ.

منذ أواخر 1943م حتى خريف 1944م قفز الحلفاء من جزيرة إلى أخرى عبر وسط المحيط الهادئ تجاه الفلبين، وأثناء معركة القفز في الجزر صار الحلفاء خبراء في المعارك المحمولة بحرًا، وكانت كل جزيرة يحاصرونها تعطيهم قاعدة يتخذون منها هدفًا تاليًا لهم، ولكن بدلاً من محاصرة كل جزيرة ترك الحلفاء المواقع اليابانية المحصنة، وغزوا الجزر التي كانت السيطرة عليها ضعيفة، وعرفت هذه العملية باستراتيجية حفظ المال والأرواح، ونقل غزو السلحفاة الحلفاء عبر جزر جيلبرت ومارشال وكارولين وماريانا في وسط المحيط الهادئ.

في أغسطس 1944م احتلت القوات الأمريكية غوام وسايبان وتنيان، وهي أكبر ثلاث جزر في جزر ماريانا، وجاء احتلال جزر ماريانا ليجعل الحلفاء على مسافة تمكّنهم من قذف اليابان، واستقال توجو رئيس وزراء اليابان في يوليو 1944م بعد فقد سايبان، وفي نوفمبر بدأت قاذفات القنابل الأمريكية ب 29 تتخذ من جزر ماريانا قواعد للإغارة على اليابان.

تحرير الفلبين.

جعلت المعارك في غينيا الجديدة ووسط المحيط الهادئ الحلفاء في مرمى مؤثر لجزر الفلبين. وجمع ماك آرثر ونيميتز قواتهما لتحرير الفلبين، وقرر القائدان المتحالفان غزو الجزيرة عند لايت في وسط الفلبين في خريف 1944م.

توقع الحلفاء أن يحارب اليابانيون بشراسة للإبقاء على الفلبين، ومن ثم جمعوا أكبر قوة بحرية لم يستخدم مثلها من قبل في معركة في المحيط الهادئ . واشترك حوالي 750 سفينة حربية في غزو لايت، وهي الحملة التي بدأت في 20 أكتوبر 1944م. لقد كلفت القائد الأمريكي ماك آرثر أكثر من سنتين ونصف ومعارك كثيرة قاسية كي يفي بوعده في العودة إلى الفلبين.

بينما كانت قوات الحلفاء تتدفق على الشاطئ عند لايت، كان الأسطول الياباني يحاول ثانية أن يسحق أسطول الولايات المتحدة الأمريكية في المحيط الهادئ. لقد كانت معركة خليج ليت التي استمرت من 23 إلى 26 أكتوبر 1944م أعظم معركة بحرية في التاريخ من حيث حجم حمولة السفن التي شاركت فيها؛ فقد اشتركت فيها 282 سفينة، وانتهت المعركة بنصر كبير للولايات المتحدة، وأصبح الأسطول الياباني سيئًا للغاية حتى لم يعد مصدر تهديد خطر في باقي الحرب.

خلال معركة خليج ليت استخدم اليابانيون سلاحًا جديدًا وهو الكامكازي أو الطيار الانتحاري. أسقط الطيارون الانتحاريون طائراتهم المحملة بالمتفجرات على سفن الحلفاء الحربية، وماتوا نتيجة لذلك. لقد تم إسقاط العديد من الكامكازي قبل أن ترتطم بالسفن الحليفة لكن آخرين سببوا خسارة كبيرة، وأصبح هؤلاء الكامكازي واحدًا من أكبر أسلحة اليابان خلال باقي الحرب. واستمرت معركة ليت حتى نهاية 1944م، وفي 9 يناير 1945م نزل الحلفاء على جزيرة لوزون وبدأوا عملهم في الطريق إلى مانيلا، وسقطت المدينة في أوائل مارس، وفر باقي قوات اليابانيين في لوزون إلى الجبال، واستمروا يقاتلون حتى انتهت الحرب.

قتل حوالي 350 ألف جندي ياباني خلال معركة الفلبين، واقترب عدد قتلى الأمريكيين من 14 ألفًا وحوالي 48 ألفًا من الجرحى أو المفقودين. لقد اتضح أنه كان مقدرًا لليابان أن تتجرع الهزيمة بعد أن فقدت الفلبين.

الحرب في الصين وبورما والهند.

حينما كانت الحرب دائرة في المحيط الهادئ ، حارب الحلفاء اليابانيين أيضًا في القارة الآسيوية. كان المسرح الرئيسي للعمليات يشمل الصين وبورما والهند. وفي منتصف 1942م استولت اليابان على أكثر من شرق وجنوب الصين، وكانت الصين ينقصها العتاد والقوات المدربة، والاستعداد للاستمرار في القتال، لكن الحلفاء الغربيين أرادوا أن تبقى الصين في الحرب؛ لأن الصينيين أسروا آلافًا من القوات اليابانية، وطوال فترة ثلاث سنوات نقل الحلفاء جوًا مددًا عبر طريق جبلي شاهق من الهند إلى الصين، وكان الطريق يعرف باسم السَّنام.

الصين.

خلال سنة 1942م؛ أي بعد خمس سنوات من غزو اليابان للصين، أصبحت الجيوش المتقاتلة على وشك الإنهاك؛ وشنت القوات اليابانية هجومًا للاستيلاء على الإمدادات، ولتجويع البلد كي يستسلم، ونتيجة لذلك مات ملايين من الشعب الصيني بسبب نقص الطعام أثناء الحرب.

دار صراع بين الحكومة الوطنية الصينية التي يرأسها تشانغ كاي شيك والشيوعيين الصينيين، الأمر الذي أضعف مجهود البلد الحربي. وفي أول الأمر اشتركت القوات الوطنية والشيوعية في مقاتلة الغزاة اليابانيين، لكن تحالفهم انهار، وأصبحوا على استعداد لقتال بعضهم بعضًا بعد الحرب. وأرسل الحلفاء المستشارين والمعدات إلى الصين، ودربت الولايات المتحدة الطيارين، وأنشأت قوة جوية في الصين. وفي نهاية 1943م سيطر طيارو الحلفاء على سماء الصين، لكنهم لم يقدروا على مساعدة القوات المنهكة على الأرض، وكان القائد الأمريكي اللواء جوزيف ستيلوِلْ يعمل رئيسَ أركان حرب لتشاينج ومدرّبا للجيش الصيني.

بورما.

كانت معركة الحلفاء في بورما قريبة الصلة بالقتال في الصين، ومن سنة 1943م وحتى أوائل 1945م حارب الحلفاء لاستعادة بورما من اليابانيين وإعادة فتح طريق بري إلى الصين، وفتحوا طريقًا للمدد عبر شمالي بورما وسقطت رانجون عاصمة بورما في يد الحلفاء في مايو، واستعاد الحلفاء بورما كلها في نهاية الأمر.

الهند.

أصبحت الهند قاعدة إمداد مهمة ومركز تدريب لقوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان غزو اليابان لبورما في سنة 1942م قد وضع الهند في خطر عظيم. وفي أوائل سنة 1944م غزت القوات اليابانية الهند وأحاطت بمدينتي إمبال وكوهيما داخل حدود الهند. وقام الإنجليز بإمداد المدن جوًا، وبدأ المهاجمون ينسحبون نهائيًا من الهند في أواخر يونيو، ومات آلاف من جنود اليابان بسبب المرض والجوع أثناء الانسحاب.

الإطباق على اليابان.

أدى التفوق البري والجوي للحلفاء لمساعدتهم إلى تضييق الخناق على اليابان في أوائل 1945م، ومنذ ذلك الحين فقدت اليابان معظم إمبراطوريتها وطائراتها وسفن نقلها وكل سفنها الحربية تقريبًا، وظل مئات الآلاف من الجنود اليابانيين معطلين في جزر المحيط الهادئ التي التف حولها الحلفاء، وأخذت قاذفات القنابل الأمريكية ب 29 تقذف مصانع اليابان، وكانت غواصات الحلفاء تغرق الإمدادات الحيوية المتجهة إلى اليابان.

استمر القادة العسكريون اليابانيون في القتال رغم أنهم واجهوا هزيمة مؤكدة، واحتاج الحلفاء لقواعد أكثر ليتقدموا منها لقذف اليابان بالقنابل، واختاروا لذلك جزيرتي أيووجيما وأوكيناوا اليابانيتين.

تقع أيووجيما على بعد حوالي 1,210كم جنوب اليابان، وكان بهما حوالي 21 ألف جندي مرابطين هناك، استعدادًا للدفاع عن الجزر الضعيفة. نزل مشاة البحرية الأمريكية في 19 فبراير 1945م وتقدموا ببطء، وقاوم اليابانيون باستماتة حتى 16مارس، وجرح في المعركة حوالي 25 ألفًا من مشاة البحرية وحوالي 30% من القوات البرية.

أما أوكيناوا المحطة الثانية لطريق الحلفاء تجاه اليابان، فهي تقع على بعد 565 كم جنوب غربي اليابان، وبدأت قوات الحلفاء تنزل على شواطئها أول أبريل 1945م، وأرسل اليابانيون الكامكازي لمهاجمة القوات التي كانت تنزل على البر. وفي ذلك الحين انتهت المعركة في 21 يونيو، وأغرقت هذه الفرقة الانتحارية الكامكازي 30 سفينة على الأقل، وخربت أكثر من 350 أخرى، وكلف حصار أوكيناوا الحلفاء حوالي 50 ألفًا، وقتل حوالي 110 ألف ياباني بما فيهم المدنيون الذين فضلوا الانتحار على الهزيمة.

وفي صيف 1945م فضل بعض أعضاء الحكومة اليابانية الاستسلام، لكن آخرين أصروا على مواصلة القتال. وخطط الحلفاء لغزو اليابان في نوفمبر 1945م، وخشي المخططون العسكريون للحلفاء أن يكلفهم القتال حوالي مليون من الأرواح، واعتقد بعض القادة من الحلفاء أن مساعدة السوفييت مطلوبة لهزيمة اليابان، وشجعوا ستالين أن يغزو منشوريا، وعلى كل فقد توصل الحلفاء إلى طريقة أخرى لإنهاء الحرب.

القنبلة الذرية.

في سنة 1939م أخبر العالم الألماني المولد أينشتاين الرئيس الأمريكي روزفلت عن إمكانية صنع قنبلة عظمى يمكن أن تنتج مقذوفًا قويًا للغاية بانشطار الذرة، وخاف أينشتاين والعلماء الآخرون أن تطور ألمانيا مثل هذه القنبلة أولاً. وفي سنة 1942م بدأ علماء أمريكيون وإنجليز وآخرون العمل في مشروع مانهاتن، وهو برنامج سري للغاية لتطوير قنبلة ذرية، وجرت أول تجربة على هذه القنبلة في الولايات المتحدة في يوليو 1945م.

مات الرئيس روزفلت في أبريل 1945م وأصبح نائب الرئيس هاري س. ترومان رئيسًا للولايات المتحدة، وتقابل ترومان مع تشرتشل وستالين في بوتسدام في ألمانيا في يوليو بعد فترة قصيرة من هزيمة ألمانيا، وفي مؤتمر بوتسدام علم ترومان بأخبار نجاح تجربة القنبلة الذرية، وأخبر القادة الآخرين به. وأصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا والصين بيانًا يهددون فيه بتدمير اليابان ما لم تستسلم بدون شروط. وبرغم الإنذار مضت اليابان في القتال.

وفي 6 أغسطس 1945م أسقطت قاذفة قنابل أمريكية ب ـ 29 تسمى إينولا جاي أول قنبلة ذرية استخدمت في الحرب على المدينة اليابانية هيروشيما، وقتل الانفجار عددًا يتراوح بين 70,000 و 100,000 من سكانها، ودمر مساحة تقدر بـ 13كم². وبعد رفض القادة اليابانيين الاستجابة لهذا القذف، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة أكبر على ناجازاكي في 9 أغسطس فقتلت حوالي 40 ألفًا من السكان، ومات فيما بعد آلاف آخرون من الإصابات والإشعاع الناتج عن القنبلتين. وفي هذه الأثناء في 8 أغسطس أعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان وغزا منشوريا، وتسابقت القوات السوفييتية جنوبًا تجاه كوريا.

النصر في المحيط الهادئ.

رغم أن أباطرة اليابان كانوا ينأون عن السياسة حسب التقاليد، إلا أن هيروهيتو حث الحكومة على أن تستسلم. وفي 14 أغسطس وافقت اليابان على إنهاء الحرب، وانتحر بعض القادة العسكريين. وفي 2 سبتمبر 1945م وقع ممثلون لليابان بيانًا رسميًا للاستسلام على ظهر السفينة الحربية الأمريكية ميسوري التي كانت ترابط عند خليج طوكيو، وكان ممثلون لدول الحلفاء حاضرين، وأعلن الحلفاء يوم 2 سبتمبر يوم النصر على اليابان، وبذلك انتهت الحرب العالمية الثانية.

الحرب السرية

خلال الحرب العالمية الثانية كانت هناك حرب سرية تدور بين الحلفاء والمحور لحصول كل منهما على معلومات عن الآخر وعن نشاطاته الأخرى، ولإضعاف كل منهما المجهود الحربي للآخر. وحاول العاملون على فك الشفرة أن يكشفوا الاتصالات السرية، وسعى الجواسيس خلف خطوط العدو لجمع المعلومات. وحاول المخربون أن يشلوا النشاطات في الجبهة الداخلية، وانضم كثير من الناس في الأراضي التي تم استيلاء المحور عليها إلى جماعات المقاومة السرية التي تعارض قوات الاحتلال، واستخدمت كل الأمم المتحاربة الدعاية للتأثير على الرأي العام.

السري للغاية (الألتراسيكرت).

بعد إعلان الحرب بقليل حصلت بريطانيا بمساعدة الجواسيس البولنديين على إحدى الآلات التي استخدمتها ألمانيا لفك رسائل الشفرة، وبمجهود متقدم نجح الرياضيون الإنجليز في فك الشفرة وعرفت قدرة بريطانيا على قراءة كثير من وسائل الاتصالات الألمانية أثناء الحرب عن طريق السري للغاية أو (الألتراسيكرت)، وساعدت هذه الطريقة الحلفاء على هزيمة ألمانيا. لقد أدت هذه العملية دورًا مهمًا في المعركة؛ فخلال عام 1940م في معركة بريطانيا مثلاً اعتبرت هذه العملية إنذارًا مبكرًا عن المكان الذي يخطط فيه الطيران الألماني للغزو، وساعدت الألتراسيكرت مونتجمري على أن يهزم الألمان في مصر سنة 1942م بمده بمعلومات عن خطط روميل للمعركة، وكان الإنجليز حريصين على حماية الألتراسيكرت؛ فقد كانوا حريصين للغاية في استخدام معلوماتهم حتى لا تقوم ألمانيا بتغيير رموز شفرتها، ولم يكتشف الألمان أبدًا أن بريطانيا قد فكّت رموز شفرتهم.

الجواسيس والمخربون.

هؤلاء كانوا مدربين خصيصًا بوساطة الأمم المتحاربة. أعد الجواسيس تقارير عن تحركات القوات والتحصينات الدفاعية والتطورات الأخرى خلف خطوط العدو. وأَمَدّ جواسيس الحلفاء مجموعات المقاومة بالأسلحة والمتفجرات، وعطل المخربون مجهود العدو الحربي بكل الطرق: نسفوا المصانع والجسور، ونظموا شبه إضراب عن العمل في المصانع الحربية.

مجموعات المقاومة.

نشطت هذه المجموعات في كل قطر احتله المحور. بدأت المقاومة بأعمال فردية ضد المحتلين، ثم انتظم الناس ذوو الفكر المتشابه تدريجيًا معًا، وعملوا في سرية لطرد الغزاة وانتشرت نشاطات مجموعات المقاومة كلما مضت الحرب، وتضمن عملهم طبع وتوزيع صحف غير مشروعة، وإنقاذ أطقم طيران الحلفاء التي تصاب خلف خطوط العدو، وجمع معلومات عن العدو وعن التخريب.

وفي أقطار مثل فرنسا ويوغوسلافيا وبورما اشتركت مجموعات المقاومة في حرب عصابات: نظموا مجموعات مقاتلة شنت غارات وكمائن وهجمات محددة أخرى ضد قوات الاحتلال، وحتى في ألمانيا نفسها عارضت حركة سرية صغيرة النازيين. وفي يوليو 1944م خططت مجموعة من ضباط الجيش الألماني لتفجير قنبلة لقتل هتلر، وعلى كل فقد نجا هتلر من الانفجار فيما عدا إصابات طفيفة وأمر بالقبض على المتآمرين وأعدموا.

كانت مخاطر الانضمام إلى المقاومة عظيمة؛ فقد واجه أعضاء المقاومة الذين كان يقبض عليهم النازيون الموت، وأحيانًا كان الألمان يعتقلون وينفذون الموت في مئات من المدنيين انتقامًا لعمل من أعمال التخريب ضد قوات الاحتلال.

الدعاية.

استخدمت كل الدول المتحاربة الدعايات لكسب التأييد لسياساتها، ووجهت الحكومات الدعاية لشعوبها ولأعدائها على حد سواء، ووصلت رسائل الإذاعة إلى قطاع عريض من المستمعين، وكذلك استخدمت الأفلام والإعلانات والرسوم المجسمة.

استخدم الألمان الدعاية بمهارة لنشر عقائدهم، ووجه جوزيف جوبلز وزارة الدعاية الألمانية والتنوير، التي سيطرت على المطبوعات وبرامج الإذاعة والأفلام والفن في ألمانيا، وأراضي أوروبا التي أحتلتها ألمانيا، وعملت الوزارة لحث الناس على علو شأن الثقافة الألمانية وحق ألمانيا في أن تحكم العالم.

ودغدغ موسوليني أحلام الإيطاليين بعودة إيطاليا إلى مجدها التليد، كذلك حطت الدعاية الإيطالية من قدرة جنود الحلفاء القتالية.

كذلك اشتركت الأقطار المتحاربة في حرب نفسية استهدفت تدمير إرادة العدو على القتال، وأسقطت الطائرات التابعة للحلفاء منشورات فوق ألمانيا تنبئ بهزائم النازيين، واستخدمت أمم المحور بعض الناس الذين أذاعوا برامج لإضعاف الروح المعنوية لجنود الحلفاء.

الجبهة الداخلية

تأثر السكان في كل الدول المتحاربة بالحرب العالمية الثانية، لكن النتائج كانت متفاوتة للغاية. فتأثر كثير من دول أوروبا وأجزاء متفاوتة من آسيا من انتشار الخراب والمصاعب. أما الولايات المتحدة وكندا وأستراليا التي كانت بعيدة عن جبهات القتال، فقد استطاعت تجنب معظم مآسي الحرب.

مجهود الحلفاء الحربي.

أيد معظم السكان الذين يعيشون في أقطار الحلفاء المجهود الحربي؛ فقد احتقر النازية معظم المواطنين تقريبًا في دول الحلفاء، ورغبوا في هزيمتها، ورغبوا كذلك في هزيمة العسكرية اليابانية.

الإنتاج من أجل الحرب.

احتاج النصر في الحرب العالمية الثانية إنتاجًا ضخمًا من المواد الحربية شمل كميات كبيرة من أعداد السفن والدبابات والطائرات والأسلحة، وأقامت الولايات المتحدة بصفة خاصة كثيرًا من المصانع لتجهيز المواد الحربية، وحولت الحكومات المصانع القديمة إلى مصانع حربية، مثال ذلك بدأت مصانع السيارات تنتج الدبابات والطائرات.

تمويل الحرب.

وضعت الحرب اقتصاديات الأمم المتحاربة في توتر شديد، فاستدانت الحكومات من الأفراد والمؤسسات ببيع سندات حربية وطوابع، وساعدت الضرائب في تغطية تكاليف الحرب.كانت هناك اتجاهات اقتصادية لزيادة الكفاءة والاستفادة من المواد التي يمكن استخدامها مرة أخرى كالحديد الخردة، وحتى أغنى دول التحالف وهي الولايات المتحدة أنفقت معظم أموالها لتغطي تكاليف الحرب.

الإشراف الحكومي.

في معظم دول التحالف، عينت معظم الحكومات وكالات وزارات لتوجه المجهود الحربي، وتولت هذه الأجهزة إدارة إنتاج المصانع وزيادة الأسعار والرقابة على الصحف، ووضع مشروعات التموين لتوزيع البضائع النادرة بعدالة، تسلّمت كل أسرة بطاقة تموين لبعض المواد مثل السكر واللحوم والزبد والملابس.

التعبئة للحرب.

أدخلت بريطانيا والولايات المتحدة وأمم التحالف الأخرى نظام التجنيد الإجباري في سنة 1940م للرجال من سن 5,18 إلى 51 وذلك للأعمال العسكرية والصناعية، وللنساء بين سن 20 و30 للأعمال الصناعية وللقوات النسائية الإضافية. وكان على الأولاد والبنات من سن 16 و 18 أن يسجلوا أنفسهم لإمكان إلحاقهم بتنظيمات الشباب، كما أدخلت أستراليا ونيوزيلندا وكندا وجنوب إفريقيا نظام التجنيد الإجباري، وكذلك طبقت أمم التحالف الأخرى نظم تعبئة مشابهة، وأدخلت الولايات المتحدة أول تجنيد إجباري لها في وقت السلم سنة 1940م مطالبة كل الرجال بين سن 21 و 35 أن يسجلوا أنفسهم للأعمال العسكرية، ثم اتسع نظام التجنيد في الولايات المتحدة أخيرًا ليشمل الرجال من سن 18 إلى سن 45. وفي كل أنحاء العالم استدعي ملايين من الرجال ليخدموا في سلاح المشاة والبحرية والقوات الجوية، كما تطوعت ملايين أخرى من الرجال.

يتبع >

الغراب الأسود 17 - 11 - 2010 09:17 PM

معاملة رعايا العدو.

تعرض الألمان والإيطاليون واليابانيون والمواطنون الآخرون من دول المحور الذين كانوا يعيشون في أقطار الحلفاء للحبس أو تحديد الإقامة كغرباء أعداء. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فكان المهاجرون اليابانيون الذين وصلوا حديثًا هم الوحيدون الذين عوملوا معاملة غير عادلة. وبعد قصف بيرل هاربر سنة 1941م وجه بعض الأمريكيين جامَ غضبهم إلى الرعايا الذين هم من أصل ياباني، وفي سنة 1942م قادت الهيستريا المعادية لليابانيين حكومة الولايات المتحدة لنقل أكثر من 110 آلاف من أصل ياباني من موطنهم في الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى معسكرات إقامة في الداخل، وكان أكثر من ثلثي هؤلاء الناس مواطنين أمريكيين.

الدفاع المدني.

اتحد السكان المدنيون في بريطانيا بكل قلوبهم خلف المجهود الحربي، وعمل الناس ساعات طوالاً في المصانع، وتقبلوا النقص الكبير في الطعام والملابس والمواد الأخرى. وعانى كثير من الناس من التدمير الذي أحدثه قصف القنابل ببيوتهم. لقد كانت الحرب العالمية الثانية حربًا عمل فيها المواطنون في خط الجبهة. توقع مخططو السياسة الحكومية في بريطانيا الغارات الجوية، ومن ثم وضعوا خططهم على أساس تجربة الحرب الأهلية الأسبانية؛ حيث سبق القصف الجوي بالقنابل خسارة كبرى في المدن، وأعدت خطط الدفاع بحيث شملت الشرطة والإسعاف وخدمات الإنقاذ وفرق المطافي. وعملت فرق الدفاع الجوي في كل الأحياء وأخذت تبلغ قيادتها المركزية عن كل حادثة ضرب بالقنابل أثناء الغارات الجوية، وعمل المدنيون لإنقاذ الناس في المخابئ. أما الرجال الذين كانوا أكبر سنًا فقد كان عليهم أن يخدموا في القوات المسلحة، وتطوعوا للخدمة في فرق إنقاذ محلية عرفت بالحرس الوطني.

في ألمانيا.

لم يتحمس معظم الناس لبدء الحرب العالمية الثانية، لكن سلسلة الانتصارات السريعة من سنة 1939م وحتى منتصف سنة 1941م أثارت تأييدًا للحرب، وفي صيف 1941م لم يتوقع الألمان أن تستمر الحرب مدة أطول.

الحياة المدنية.

ظل الطعام واللباس والمواد الاستهلاكية الأخرى متوفرة في ألمانيا طوال السنوات الأولى من الحرب، وتدفقت الإمدادات من الأقطار التي احتلها النازيون في أوروبا، وكان قصف الحلفاء لألمانيا بطيئًا في بدايته، وسبب خسارة قليلة أول الأمر.

لكن موقف ألمانيا تغير في أواخر سنة 1942م، حين وجدت القوات المسلحة الألمانية نفسها غارقة في مستنقع الاتحاد السوفييتي، وقلت التقارير التي تتحدث عن انتصارات ففتر الحماس لدى الناس، ونزل قصف الحلفاء كالمطر ليلاً ونهارًا فوق المدن الألمانية، وأصبحت البضائع الاستهلاكية نادرة، ومع ذلك استمّر الناس في العمل بجد لخدمة المجهود الحربي.

في الاتحاد السوفييتي.

كانت الظروف بصفة خاصة صعبة؛ لأن القتال الشرس استمر حوالي أربع سنوات. أمر ستالين الجنود السوفييت المنسحبين أن يحرقوا في طريقهم الأخضر واليابس اللذين قد تستفيد منهما القوات الألمانية طعامًا أو مأوى، لكن سياسة الأرض المحروقة سببت مصاعب جمة للشعب السوفييتي، فمات ملايين من المواطنين السوفييت من الجوع ومن أسباب الحرب الأخرى. وفي أوكرانيا والمناطق التي كان يحتلها الاتحاد السوفييتي رحب كثير من الناس في أول الأمر بالقوات الألمانية الغازية، مصدقين أن الألمان قد يخلصونهم من حكم ستالين العنيف، لكن قسوة الاحتلال من جانب القوات النازية حولت الناس ضدهم. وخلال الحرب العالمية الثانية حارب المدنيون والجنود في الاتحاد السوفييتي ضد الألمان بكراهية وتصميم نادرًا ما نافسهم فيه أي شعب آخر في أوروبا.

نتائج الحرب

الموت والدمار.

أزهقت الحرب العالمية الثانية من الأرواح، وسببت من الخسائر أكثر مما سببته أي حرب أخرى. فقد عمل في صفوف كل من دول المحور والحلفاء ما يقدّر بحوالي 70 مليون شخص. وقد فقد حوالي 17 مليون منهم حياته، وفقد الاتحاد السوفييتي حوالي 7,5 مليون قتيل في المعارك وهذا العدد أكثر مما فقده أي قطر آخر، وكان ضحايا القتال في الولايات المتحدة وبريطانيا أقل من أي دولة أخرى. فقد قتل حوالي 400 ألف أمريكي و350 ألف بريطاني في هذه الحرب، وحوالي 3,5 مليون من الجنود الألمان وحوالي مليون وربع المليون جندي ياباني. أما القذف الجوي فقد جر الخراب على أهداف مدنية وعسكرية على السواء، وترك كثيرًا من المدن في دمار بخاصة في ألمانيا واليابان. فقد خربت القنابل المنازل والمصانع ومعدات النقل ووسائل المواصلات، ونشرت المعارك البرية الخراب فوق مناطق شاسعة. وبعد الحرب تشرد ملايين من الجياع والذين لا مأوى لهم في المناطق الخربة.

لا يعرف أحد كم من المدنيين ماتوا نتيجة للحرب العالمية الثانية؛ فقد أتلف القصف كثيرًا من الوثائق التي كانت ستساعد في تقدير أعداد القتلى، وبالإضافة إلى ذلك مات ملايين من الناس في حرائق وأمراض وأسباب أخرى بعد قيامهم بخدمات ضرورية مثل إطفاء الحرائق والإسعافات في المناطق التي دمرتها الحرب.

عانى الاتحاد السوفييتي والصين أعلى نسب من ضحايا المدنيين خلال الحرب العالمية الثانية، ويمكن القول: إن ما يقرب من 20 مليون من المدنيين في الاتحاد السوفييتي و10 ملايين في الصين، قد ماتوا، وحدث كثير من الوفيات بسبب الجوع.

صراعات بين قوى جديدة.

نشبت صراعات قوى جديدة بعد انتهاء الحرب. لقد أنهكت الحرب القوى الرئيسية التي كانت في أوروبا وآسيا قبل الحرب. انتهت الحرب بهزيمة كاملة لألمانيا واليابان، وأصيبت بريطانيا وفرنسا بخسارة شديدة، وبحثت الأمم الناشئة مثل الدول العربية والهند وغيرها عن الاستقلال عن مستعمريها القدامى. وخرجت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من الحرب كقوى قائدة عالمية، وانتهى تحالفهما بمجرد أن سعى الاتحاد السوفييتي لنشر الشيوعية في أوروبا وآسيا. وأدى الصراع بين العالم الشيوعي الذي يقوده الاتحاد السوفييتي وغير الشيوعي الذي تقوده الولايات المتحدة لما يعرف باسم الحرب الباردة

العصر النووي.

بدأ العصر النووي بتطوير القنبلة الذرية أثناء الحرب العالمية الثانية، واعتقد كثير من الناس أن الأسلحة القادرة على إحداث دمار كبير تجعل التفكير في حرب في المستقبل أمرًا مستحيلاً، وكانوا يأملون أن يعيش الناس في سلام، لكن سرعان ما بدأ سباق تطوير أسلحة أكثر قوة.

وفي نهاية الحرب العالمية الثانية عرفت الولايات المتحدة كيف تنشئ أسلحة ذرية. وفي سنة 1946م اقترحت الولايات المتحدة إنشاء وكالة دولية للسيطرة على الطاقة الذرية ومنع إنتاج أسلحة نووية، ولكن الاتحاد السوفييتي رفض إقامة نظام للتفتيش، وفشل الاقتراح، وأمر ستالين العلماء أن يطوروا القنبلة الذرية، ونجحوا في ذلك سنة 1949م. وفي أوائل الخمسينيات أجرت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تجارب على أسلحة أكثر دمارًا، تلك هي القنبلة الهيدروجينية.

وخاف الناس من قيام حرب نووية منذ بدأ العصر النووي، وفي بعض الأوقات كانت الحرب الباردة تهدد بالانغماس في حرب بين القوتين العظميين، لكن القوة التدميرية المخيفة للأسلحة النووية ربما كانت كفيلة بأن تحول بينهما وبين المجازفة بحرب كبرى.

آفاق السلام

مولد الأمم المتحدة.

بدأت مجهودات لمنع إندلاع حرب تشمل العالم مرة ثانية، وذلك لما نتج من مخاطر الحرب العالمية الثانية. وفي سنة 1943م اجتمع ممثلون للولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي والصين في موسكو، واتفقوا على إقامة منظمة دولية تعمل على تطوير السلم، واجتمعت القوى الأربع الكبرى مرة ثانية في في سنة 1944م في دمبارتون أوكس قرب مدينة واشنطن. وقرر الممثلون الدعوة لمنظمة جديدة للأمم المتحدة. وفي أبريل 1945م اجتمع ممثلو 50 أمة في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، لوضع مشروع ميثاق الأمم المتحدة، ووقع الميثاق في يونيو، وأصبح نافذ المفعول في 24 أكتوبر

السلام مع ألمانيا.

قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية قرر الحلفاء احتلالاً عسكريًا لألمانيا بعد هزيمتها، وقسموا ألمانيا إلى أربع مناطق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا، فيحتل كل منها منطقة، وأرادت القوى الأربع مجتمعة تقسيم برلين فيما بينها. وفي مؤتمر بوتسدام في يوليو 1945م حدد الحلفاء سياسة الاحتلال التي سينتهجونها، واتفقوا على إلغاء القوات المسلحة الألمانية وتجريم الحزب النازي، وفقدت ألمانيا أراضي شرقي نهري الأودر ونيس، وذهبت معظم المنطقة لبولندا. واستحوذ الاتحاد السوفييتي على الركن الشمالي الشرقي من المنطقة.

قدم الحلفاء القادة النازيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب للمحاكمة وأماطت المحاكمات اللثام عن الآثام والفظائع التي ارتكبتها ألمانيا النازية، وأجريت أهم محاكمات الحرب في المدينة الألمانية نورمبرج من 1945 إلى 1949م.

وبعد أن بدأ الاحتلال مباشرة أوقف الاتحاد السوفييتي تعاونه مع الحلفاء الغربيين، وسدّ الطريق أمام كل الجهود لتوحيد ألمانيا، وبالتدريج ضم الحلفاء مناطقهم في منطقة اقتصادية واحدة، ولكن الاتحاد السوفييتي رفض ضم منطقته، وظلت مدينة برلين في عمق المنطقة السوفييتية في ألمانيا. وفي يونيو 1948م فكر الاتحاد السوفييتي في أن يطرد القوى الأوروبية من برلين وأن يسد كل الطرق والسكك الحديدية والطرق المائية المؤدية إلى المدينة، وظل الحلفاء لمدة أكثر من سنة يمدون بالجو برلين بالطعام والوقود والمواد الأخرى، وأخيرًا رفع الاتحاد السوفييتي حصار برلين في مايو 1949م وانتهى الحصار الجوي في سبتمبر.

أقام الحلفاء الغربيون أحزابًا سياسية في مناطقهم، وأجروا انتخابات. وفي سبتمبر 1949م انضمت المناطق الثلاث الغربية تحت اسم جمهورية ألمانيا الاتحادية، وأصبحت تعرف بألمانيا الغربية. وفي مايو 1955م وقع الحلفاء الغربيون معاهدة تنهي احتلال ألمانيا الغربية وتعطي البلد استقلالاً كاملاً، لكن المعاهدة لم تكن سلامًا كاملاً، لأن الاتحاد السوفييتي رفض توقيعها.

وأقام الاتحاد السوفييتي حكومة شيوعية في منطقته، وفي أكتوبر 1949م أصبحت المنطقة السوفييتية تعرف باسم جمهورية ألمانيا الديمقراطية وسميت أيضًا ألمانيا الشرقية، وظلت السيطرة السوفييتية على ألمانيا الشرقية قوية بعد أن أصبح البلد مستقلاً رسميًا في سنة 1955م، ولم تخف تلك السيطرة إلا في الثمانينيات قبل أن تتحد الألمانيتان بفترة قصيرة.

السلام مع اليابان.

بدأ الاحتلال العسكري لليابان في أغسطس 1945م، وكان عدد الأمريكيين يفوق القوات الأخرى في مناطق احتلال الحلفاء، بسبب الدور المهم الذي قامت به بلادهم في هزيمة اليابان. أدخل الجنرال ماك آرثر كقائد أعلى لأمم التحالف، إصلاحات استهدفت تخليص اليابان من نمو سياستها العسكرية، وتحويلها إلى بلد ديمقراطي. ووضع دستورًا في سنة 1947م نقل بموجبه كل الحقوق السياسية من إمبراطور اليابان إلى الشعب، كما أعطى الدستور حق التصويت للمرأة، وأنكر حق اليابان في أن تعلن حربًا.

وقدمت قوات الاحتلال الحليفة للمحاكمة 25 يابانيًا ممن كانوا قادة عسكريين أو مسؤولين حكوميين ممن اتهموا بارتكاب جرائم حرب، ونفذ الحكم بالإعدام في سبعة منهم، وأرسل الباقون إلى السجن.

في سبتمبر 1951م وقعت الولايات المتحدة ومعظم أمم التحالف معاهدة سلام مع اليابان، واقتطعت المعاهدة أراضي الإمبراطورية الواقعة خارج اليابان، لكنها سمحت لليابان بأن تعيد تسليح نفسها، وانتهى احتلال الحلفاء لليابان بعد أن وقعت الدول معاهدة الصلح. ورغم ذلك فإن معاهدة جديدة قد سمحت للولايات المتحدة أن تبقي قوات لها في اليابان، ووقعت حكومة الصين الشعبية معاهدة صلح مع اليابان سنة 1952م، ووقع الاتحاد السوفييتي واليابان معاهدة منفصلة في سنة 1956م.

السلام مع أقطار أخرى.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة قصيرة، بدأ الحلفاء رسم معاهدات صلح مع إيطاليا وأربعة من الأقطار الأخرى التي قاتلت مع المحور، وهي بلغاريا وفنلندا والمجر ورومانيا، وحددت المعاهدات القوات المسلحة للأقطار المهزومة، وألزمتها بدفع تعويضات حرب، وألزمت المعاهدات بعمل تغييرات إقليمية، فتنازلت بلغاريا عن أراض لليونان ويوغوسلافيا، وحازت تشيكوسلوفاكيا أراضي من المجر، وفقدت فنلندا أراضي ضمها الاتحاد السوفييتي، وتنازلت إيطاليا عن أراض لفرنسا ويوغوسلافيا واليونان، وفقدت إمبراطوريتها في شرق إفريقيا، وحصلت رومانيا على أراض من المجر، ولكنها في المقابل أعطت أراضي لبلغاريا والاتحاد السوفييتي.

المصدر

" الموسوعة العربية العالمية "

سما 17 - 11 - 2010 11:53 PM


طرحك في منتهي الروعه والفائده


كل الشكر و التقدير لك على جهودك

ودمت بكل خير
موضوع طويل ولي عوده
تحياتي


الساعة الآن 01:13 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى