منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   جدارية [محمود درويش] (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12122)

أحمد معروف 1 - 12 - 2010 02:17 AM

جدارية [محمود درويش]
 
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:black;border:4px solid green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
هذا هُوَ اسمُكَ /

قالتِ امرأةٌ ،

وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ…

أرى الســماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي .

ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ

طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني

كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ

أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً…

وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في

الفَلَك الأَخيرِ .

..

وكُلُّ شيء أَبيضُ ،

البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ

بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في

سمــاء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ ، ولم

أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه

الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي

فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي :

(( ماذا فعلتَ ، هناك ، في الدنيا ؟ ))

ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ ، ولا

أَنينَ الخاطئينَ ، أَنا وحيدٌ في البياض ،

أَنا وحيدُ …

..

لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ .

لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا

أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ

الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل :

أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ

الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ

هنا في اللا هنا … في اللازمان ،

ولا وُجُودُ

..

وكأنني قد متُّ قبل الآن …

أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني

أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما

ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ

ما أُريدُ …

سأصيرُ يوماً ما أُريدُ

..

سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها

إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ …

كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من

تَفَتُّح عُشْبَةٍ ،

لا القُوَّةُ انتصرتْ

ولا العَدْلُ الشريدُ

..

سأَصير يوماً ما أُريدُ

..

سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي

وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ

اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من

الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ

عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ

رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني

وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السـماويُّ

الطريدُ .

..

سأَصير يوماً ما أُريدُ

..

سأَصير يوماً كرمةً ،

فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن ،

وليشربْ نبيذي العابرون على

ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ !

أَنا الرسالةُ والرسولُ

أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ

..

سأَصير يوماً ما أُريدُ

..

هذا هُوَ اسمُكَ /

قالتِ امرأةٌ ،

وغابتْ في مَمَرِّ بياضها .

هذا هُوَ اسمُكَ ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً !

لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ

ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ ،

كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ

جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى

ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء

واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف ،

يااسمي : سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ

سوف تحمِلُني وأَحملُكَ

الغريبُ أَخُ الغريب

سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات

يا اسمي: أَين نحن الآن ؟

قل : ما الآن ، ما الغَدُ ؟

ما الزمانُ وما المكانُ

وما القديمُ وما الجديدُ ؟

..

سنكون يوماً ما نريدُ

..

لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى

لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ

كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ

ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ ،

فلنذهب إلى أَعلى الجداريات :

أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةُ ،

كلامُ الله عند الفجر أَرضُ قصيدتي

وأَنا البعيدُ

أَنا البعيدُ

..

في كُلِّ ريحٍ تَعْبَثُ امرأةٌ بشاعرها

- خُذِ الجهةَ التي أَهديتني

الجهةَ التي انكَسَرتْ ،

وهاتِ أُنوثتي ،

لم يَبْقَ لي إلاّ التَأمُّلُ في

تجاعيد البُحَيْرَة . خُذْ غدي عنِّي

وهاتِ الأمس ، واتركنا معاً

لا شيءَ ، بعدَكَ ، سوف يرحَلُ

أَو يَعُودُ

..

- وخُذي القصيدةَ إن أَردتِ

فليس لي فيها سواكِ

خُذي (( أَنا )) كِ . سأُكْملُ المنفى

بما تركَتْ يداكِ من الرسائل لليمامِ .

فأيُّنا منا (( أَنا )) لأكون آخرَها ؟

ستسقطُ نجمةٌ بين الكتابة والكلامِ

وتَنْشُرُ الذكرى خواطرها : وُلِدْنا

في زمان السيف والمزمار بين

التين والصُبَّار . كان الموتُ أَبطأَ .

كان أَوْضَح . كان هُدْنَةَ عابرين

على مَصَبِّ النهر . أَما الآن ،

فالزرُّ الإلكترونيُّ يعمل وَحْدَهُ . لا

قاتلٌ يُصْغي إلى قتلى . ولا يتلو

وصيَّتَهُ شهيدُ

..

من أَيِّ ريح جئتِ ؟

قولي ما اسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ

الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ !

وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجعُني ، ويُرْجِعُني

إلى زَمَنٍ خرافيّ . ويوجعني دمي

والملحُ يوجعني … ويوجعني الوريدُ

..

في الجرّة المكسورةِ انتحبتْ نساءُ

الساحل السوريّ من طول المسافةِ ،

واحترقْنَ بشمس آبَ . رأيتُهنَّ على

طريق النبع قبل ولادتي . وسمعتُ

صَوْتَ الماء في الفخّار يبكيهنّ :

عُدْنَ إلى السحابة يرجعِ الزَمَنُ الرغيدُ

..

قال الصدى :

لاشيء يرجعُ غيرُ ماضي الأقوياء

على مِسلاَّت المدى … [ ذهبيّةٌٌ آثارُهُمْ

ذهبيّةٌٌ ] ورسائلِ الضعفاءِ للغَدِ ،

أَعْطِنا خُبْزَ الكفاف ، وحاضراً أَقوى .

فليس لنا التقمُّصُ والحُلُولُ ولا الخُلُودُ

..

قال الصدى :

وتعبتُ من أَملي العُضَال . تعبتُ

من شَرَك الجماليّات : ماذا بعد

بابلَ؟ كُلَّما اتَّضَحَ الطريقُ إلى

الsssء ، وأَسْفَرَ المجهولُ عن هَدَفٍ

نهائيّ تَفَشَّى النثرُ في الصلوات ،

وانكسر النشيدُ

..

خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عالية ٌ…

تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي …

غريبٌ أَنتَ في معناك . يكفي أَن

تكون هناك ، وحدك ، كي تصيرَ

قبيلةً…

غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ

في وَجَع الحمامةِ ،

لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان ،

لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً

وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ

..

وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من

لُغَتي . ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف

الضاد ، تخضعني بحرف الياء عاطفتي ،

وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ

كوكباً أَعلى . وللكلمات وَهيَ قريبةٌ

منفى . ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول :

وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب .

وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ

الآخرين . وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم

أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ ،

هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ ؟

..

وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ” درب الحليب ”

إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي .

يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ

عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو

نفسي في المرايا :

هل أَنا هُوَ ؟

هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل

الأخيرِ ؟

وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض ،

أَم فُرِضَتْ عليَّ ؟

وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ

أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها

لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما

انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ

وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟

..

وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ :

هل أَنا هُوَ ؟

هذه لُغَتي . وهذا الصوت وَخْزُ دمي

ولكن المؤلِّف آخَرٌ…

أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ

أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ

أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ :

اكتُبْ تَكُنْ !

واقرأْ تَجِدْ !

وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ ، يَتَّحِدْ

ضدَّاكَ في المعنى …

وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ

..

بَحَّارَةٌ حولي ، ولا ميناء

أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ ،

لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي ،

الهُنَيْهةَ ، بين مَنْزِلَتَيْنِ . لم أَسأل

سؤالي ، بعد ، عن غَبَش التشابُهِ

بين بابَيْنِ : الخروج أم الدخول …

ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ .

ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ : أَيُّها

الزَمَنُ السريعُ ! خَطَفْتَني مما تقولُ

لي الحروفُ الغامضاتُ :

ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ

..

يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ …

لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ ،

دَعِ الماضي جديداً ، فَهْوَ ذكراكَ

الوحيدةُ بيننا ، أيَّامَ كنا أَصدقاءك ،

لا ضحايا مركباتك . واترُكِ الماضي

كما هُوَ ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ

..

ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون …

هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في

ساعات أيديهمْ . وَهُمْ لايشعرون

بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ . لا شيءَ

ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ . تنحلُّ الضمائرُ

كُلُّها . ” هو ” في ” أنا ” في ” أَنت ” .

لا كُلٌّ ولاجُزْءٌ . ولا حيٌّ يقول

لميِّتٍ : كُنِّي !

..

.. وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ . لا

أَرى جَسَدي هُنَاكَ ، ولا أُحسُّ

بعنفوان الموت ، أَو بحياتيَ الأُولى .

كأنِّي لَسْتُ منّي . مَنْ أَنا ؟ أَأَنا

الفقيدُ أَم الوليدُ ؟

..

الوقْتُ صِفْرٌ . لم أُفكِّر بالولادة

حين طار الموتُ بي نحو السديم ،

فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً،

ولا عَدَمٌ هناك ، ولا وُجُودُ

..

تقولُ مُمَرِّضتي : أَنتَ أَحسَنُ حالا ً.

وتحقُنُني بالمُخَدِّر : كُنْ هادئاً

وجديراً بما سوف تحلُمُ

عما قليل …

..

رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ

يفتح زنزانتي

ويضربني بالعصا

يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ

..

رأيتُ أَبي عائداً

من الحجِّ ، مُغمىً عليه

مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة

يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ :

أَطفئوني ! …

..

رأيتُ شباباً مغاربةً

يلعبون الكُرَةْ

ويرمونني بالحجارة : عُدْ بالعبارةِ

واترُكْ لنا أُمَّنا

يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ !

..

رأيت ” ريني شار ”

يجلس مع ” هيدغر ”

على بُعْدِ مترين منِّي ،

رأيتهما يشربان النبيذَ

ولا يبحثان عن الشعر …

كان الحوار شُعَاعاً

وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ

..

رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ

وَهُمْ

يَخيطونَ لي كَفَناً

بخُيوطِ الذَّهَبْ

..

رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ

من قصيدتِهِ :

لستُ أَعمى

لأُبْصِرَ ما تبصرونْ ،

فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي

إلى عَدَمٍ …. أَو جُنُونْ

..

رأيتُ بلاداً تعانقُني

بأَيدٍ صَبَاحيّة : كُنْ

جديراً برائحة الخبز . كُنْ

لائقا ًبزهور الرصيفْ

فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ

مشتعلاً ،

والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ !

..

خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ . نهرٌ واحدٌ يكفي

لأهمس للفراشة : آهِ ، يا أُختي ، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ

الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر ، وَهْوَ يُبَدِّلُ

الراياتِ والقممَ البعيدةَ ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ

النسيان لي . لاشَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته . ولكنَّ السلاحَ

يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها ، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ

السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر ، والصحراء تنقُصُ

بالأغاني ، أَو تزيدُ

..

لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي

أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن

الأنقاض ، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع

المشاع ، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع ، ولم

يعودوا …

..

رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة ، لم أَجد لَيْلاً

خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب ، وقلتِ لي :

ما حاجتي لاسمي بدونكَ ؟ نادني ، فأنا خلقتُكَ

عندما سَمَّيْتَني ، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ …

كيف قتلتَني ؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل ، أَدْخِلْني

إلى غابات شهوتك ، احتضنِّي واعْتَصِرْني ،

واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل .

بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني .

فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ ، ولن تراني نجمةٌ

إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ ،

فهاتِني ليكونَ لي - وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ -

حاضِريَ السعيدُ

..

- هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي ؟

- لم أَقُلْ . كانت حياتي خارجي

أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ :

وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي

وأَنا المُسَافِرُ داخلي

وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ ،

لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها

وبطائرِ الدوريِّ …

لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ

اللهِ

يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ

وأُحبُّ حُبَّك ، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ

وأِنا بديلي …

..

أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ :

مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار

والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات ،

بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ

في ليلٍ طويلٍ …

..

أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ

ويروِّضُ الذكرى … أَأَنتِ أَنا ؟

وثالثُنا يرفرف بيننا ” لا تَنْسَيَاني دائماً ”

يا مَوْتَنا ! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا ، فقد نتعلَّمُ الإشراق …

لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ

تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ

فخفَّ بِيَ المكانُ

وطار بي روحي الشَّرُودُ

..

أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ :

يا بنتُ : ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ ؟

إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ ،

نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ ،

بوسعك الآن الذهابُ على ” طريق دمشق ”

واثقةً من الرؤيا . مَلاَكٌ حارسٌ

وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا ، والأرضُ عيدُ …

..

الأرضُ عيدُ الخاسرين [ ونحن منهُمْ ]

نحن من أَثَرِ النشيد الملحميِّ على المكان ، كريشةِ النَّسْرِ

العجوز خيامُنا في الريح . كُنَّا طيِّبين وزاهدين بلا تعاليم

المسيح . ولم نكُنْ أَقوى من الأعشابِ إلاّ في ختام

الصَيْفِ ،

أَنتِ حقيقتي ، وأَنا سؤالُكِ

لم نَرِثْ شيئاً سوى اسْميْنَا

وأَنتِ حديقتي ، وأَنا ظلالُكِ

عند مفترق النشيد الملحميِّ …

ولم نشارك في تدابير الإلهات اللواتي كُنَّ يبدأن النشيد

بسحرهنَّ وكيدهنَّ . وكُنَّ يَحْمِلْنَ المكانَ على قُرُون

الوعل من زَمَنِ المكان إلى زمان آخرٍ …

..

كنا طبيعيِّين لو كانت نجومُ sssئنا أَعلى قليلاً من

حجارة بئرنا ، والأَنبياءُ أَقلَّ إلحاحاً ، فلم يسمع مدائحَنا

الجُنُودُ …

..

خضراءُ ، أرضُ قصيدتي خضراءُ

يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في

خُصُوبتها .

ولي منها : تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ

ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات

ودقَّةُ المعنى …

ولي منها : التَّشَابُهُ في كلام الأَنبياءِ

على سُطُوح الليلِ

لي منها : حمارُ الحكمةِ المنسيُّ فوق التلِّ

يسخَرُ من خُرافتها وواقعها …

ولي منها : احتقانُ الرمز بالأضدادِ

لا التجسيدُ يُرجِعُها من الذكرى

ولا التجريدُ يرفَعُها إلى الإشراقة الكبرى

ولي منها : ” أَنا ” الأُخرى

تُدَوِّنُ في مُفَكِّرَة الغنائيِّين يوميَّاتها :

(( إن كان هذا الحُلْمُ لا يكفي

فلي سَهَرٌ بطوليٌّ على بوابة المنفى … ))

ولي منها : صَدَى لُغتي على الجدران

يكشِطُ مِلْحَهَا البحريَّ

حين يخونني قَلْبٌ لَدُودُ …

..

أَعلى من الأَغوار كانت حكمتي

إذ قلتُ للشيطان : لا . لا تَمْتَحِنِّي !

لا تَضَعْني في الثُّنَائيّات ، واتركني

كما أَنا زاهداً برواية العهد القديم

وصاعداً نحو الsssء ، هُنَاكَ مملكتي

خُذِ التاريخَ ، يا ابنَ أَبي ، خُذِ

التاريخَ … واصنَعْ بالغرائز ما تريدُ

..

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

shreeata 1 - 12 - 2010 03:24 AM

جدارية رائعة
للشاعر الفلسطيني الراحل
محمود درويش
سلمت اخي العزيز
على ورعة الاختيار
تحيات لك
دمت

sad one 1 - 12 - 2010 10:32 AM

[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.arabna.info/mwaextraedit4/backgrounds/4.gif');background-color:black;border:4px ridge green;"][cell="filter:;"][align=center]
وكأنني قد متُّ قبل الآن …

أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني

أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما

ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ

ما أُريدُ …

سأصيرُ يوماً ما أُريدُ



قصيدة جميلة لمحمود درويش
مشكور رورو على اختيارها
انت رائع
تحياتي
[/align]
[/cell][/table1][/align]

حنان عرفه 1 - 12 - 2010 03:13 PM

رائعة من روائع محمود درويش
شكرا لك كثيرا أحمد
مميز انت دائما حتى في اختياراتك
دمت بود

أحمد معروف 1 - 12 - 2010 05:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shreeata (المشاركة 89639)
جدارية رائعة
للشاعر الفلسطيني الراحل
محمود درويش
سلمت اخي العزيز
على ورعة الاختيار
تحيات لك
دمت

بارك الله بك

شريف

شكرا لمرورك العزيز

أحمد معروف 1 - 12 - 2010 05:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sad one (المشاركة 89657)
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.arabna.info/mwaextraedit4/backgrounds/4.gif');background-color:black;border:4px ridge green;"][cell="filter:;"][align=center]
وكأنني قد متُّ قبل الآن …

أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني

أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما

ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ

ما أُريدُ …

سأصيرُ يوماً ما أُريدُ



قصيدة جميلة لمحمود درويش
مشكور رورو على اختيارها
انت رائع
تحياتي


[/align]
[/cell][/table1][/align]

الروعه لحضورك المميز
ساد وان
تشرفت بمرورك

أحمد معروف 1 - 12 - 2010 05:35 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان عرفه (المشاركة 89698)
رائعة من روائع محمود درويش
شكرا لك كثيرا أحمد
مميز انت دائما حتى في اختياراتك
دمت بود

عزيزتى الغاليه

حنان

حضورك يشرفنى

تحياتى

زهرة عمان 1 - 12 - 2010 09:55 PM


بنت بلادي 2 - 12 - 2010 10:57 AM

لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ .

لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا

أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ

الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل :

أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ

الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ

هنا في اللا هنا … في اللازمان ،

ولا وُجُودُ

غاب الشاعر الكبير درويش فحزنت له القصائد ووالحروف
مشكور على الجدارية الجميلة

أحمد معروف 2 - 12 - 2010 05:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت بلادي (المشاركة 89960)
لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ .

لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا

أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ

الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل :

أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ

الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ

هنا في اللا هنا … في اللازمان ،

ولا وُجُودُ

غاب الشاعر الكبير درويش فحزنت له القصائد ووالحروف
مشكور على الجدارية الجميلة

تشرفت بحضورك صفحتى

بنت بلادى

تحيلتى وورودى


الساعة الآن 04:53 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى