![]() |
بين العقلانية والإيديلوجيا....
بين العقلانية والإيديلوجيا.... "الثقافة ُ أكبر من العقل والعقل أكبر من الإيديلوجيا والإيديلوجيا أكبر من المنطق والمنطق أكبر من المنهج" من هذه المقولة التي يطرحها برهان غليون أبدأ.... بما تحتويه من أبعاد حينما تردُ لفظة العقلانيَّة والإيديلوجيا ينسربُ إلى لغتنا عصر التنوير الذي ثار ضد الأوهام والميتافيزيقا التي تغلفُ العقل.... والذي خالف النصوص الإنجيلية والتوراتية وقد كان هذا الصراعُ مريراً حين بدأ مع نهاية القرن الخامس عشر مدشَّناً بالشك الديكارتي إلى أن توالى هذا الصراع وصار لايميِّز مابين العلومِ التجريبية والعلوم الإنسانية..... فقد تبنى جاليليو ماقالهُ كوبرنيكس من أن الأرض غير كروية وهذا مخالف بطبيعة الحال لنظرية بطليموس بأن الأرض كروية وما انطوى في تلك الحقبة التي يمكن أن نسميها بحقبة العقل المطلق التي تنتهي إلى الفليسوف عمانويل كانط ونقده للعقل الخالص وبعدها يأتي فيلسوف الإرادة الألماني شوبنهاور الذي وجه نقداً لاذعاً للعقل الخالص والمطلق لتكون فلسفته هيَ التشاؤم والإرادة حيث أن الإرادة تسبقُ العقل ....كإرادة الحياة والنجاة ونأتي إلى العصر الحديث لنجده مابين بعدين هما:الميتافيزيقا التي لايستطيع انكارها والعقل ويشاءُ الفكر الإنساني أن يكون مساره بين هذين البعدين وهذا مبرَّرٌ جدًَّا فقد كانت الكنيسة في العصر القروسطي بارعةٌ في اقصاء كل اكتشاف علمي جديد وكل فكر انسانيٍّ فلسفيٌّ جديد وقد استطاعت الكنيسة أن تتبنى فلسفة أرسطو وتحرفها لتجعلها متوافقة مع تعاليم الكنيسة.....فكلُّ شيئٍ مخالفٌ لها تقصيه.....بالتالي كان لابد من الإنتصار للعقل وتقديم تضحيات كما ولايخفى ماحدث للبروتستانت من مجازر من قبل الكاثوليكيين جراء ذلك وينتصر الزمن للبروتستانت بعد ذلك وهناك ينتصر العقل إلى نهاية القرن التاسع عشر فكان لابد من التصالح مابين جميع مكونات الفكر الإنساني على اعتبار أنها نسيجٌ موحَّد يسعى إلى تكامل الإنسان..... متكئة على نسبية المعرفة وأنها في تطوَّرٍ دائم.....ونجد أننا أمام هذا التراكم التاريخي قد علقنا ومنذ ُ ذلك الحين بمصطلحٍ مهمٍّ جدَّاً هو الإيديلوجيا والذي لانستطيع أن نضع له تعريفاً محدداً بعيداً عن سياقه الزمني والذي هو تراكمٌ تاريخيٌّ بامتياز إلى أن تكوَّن لنا هذا المصطلح بصورته في هذا العصر .....بمعنى الإيمان بما يتعالى على الواقع وليس على غرار مايقوله الفليسوف الإقتصادي كارل ماركس بأن"الإيديلوجيا وعيٌ زائف"....ولايخفى أن هذا الكلام لايخلو من نظرة دوغمائية أحادية إلى الإيديلوجيا لأنه من المستحيل أن تتكون أي حضارة من الحضارات أو تتطور من دون وجود إيديلوجيا تتفيَّأ في ظلها وتستلهمُ آفاقها... والمجتمع من دونها يتحول إلى بيئة لاإنسانيَّة لا أخلاقية أشبه بالغابة..... المفكر العروي في تفكيكه لمصلح إيديلوجيا يرى أن هذا المصطلح جديدٌ على جميع اللغات وفي بدايتها كانت تعني فرنسياً علم الأفكار ثم انتقل إلى الألمانية ليتحول إلى معنى آخر ويعود هذا المصطلح مرّة أخرى إلى اللغة الفرنسية وأصبح دخيلاً أصلاً حتى في لغتها ألأصلية معيداً إلى الإعتبار أن هذا المصطلح قد استخدم الكتاب العرب أحد معانيه متمثلاً في عقيدة ومنظومة فكرية فيرى أن الكلمة المقابلة لها بالعربية هيَ الدعوة في الإستعمال الباطني.... فيدخلها إلى السياق العربي جاعلاً كلمة أدلوجة على وزن أفعولة فيقول أدلوجة أداليج وأدلج إدلاجاً ودلَّج تدليجا وأدلوجي ...... ولم تعد الإشكالية هيَ اشكالية وجودها وعدمه....كما حاولت الماركسية اقصاءه من الواقع....لأن الفلسفة الماركسية (المادية التارخية , الديالكتيكية) لو قدر لماركس أن يرى دويَّها بين أتباعه لتبرأ منها بعدما تحولت إلى ماهيَ عليه الآن وسابقاً.. لأنه من المستحيل في المجتمعات الإنسانية أن تجد مجتمعاً بدون إيديلوجيا تعانقه... بالنتيجة نصل إلى أن الأديلوجيا هيَ الحاضنة الأولى للفكر يتحملقُ حولها الإنسان بشكلٍ لا إرادي وإرادي ثم بعد ذلك إما أن ينطلق من خلالها أو يظل سجيناً في دائرتها بالتالي الإشكال الذي يقف صخرة أمام تأملنا للعالم الخارجي..... والسؤال الذي ينتصبُ أمامنا هو ماهو موقفنا من تعدد الإيديلوجيات ؟ يجيب على ذلك مانهيم على أن المثقف "هو الحر من كل انتماء طبقي والذي يصل إلى الموضوعية والوعي الصادق....متحررا من الحدود الإجتماعية ويتجاوز المعطيات البديهية الظرفية ليلتصق بالواقع المتغير" بالتالي لاخيار أمامنا سوى التحلَّق أو (الطيران) مابين طبقات الإيديلوجيا على مختلف الحضارات كما تحلَّق المسلمون الأوائل في معطيات الحضارة اليونانية.... فلامانع من الإستفادة من تلك الكنوز كالكنفشيوسية في الصين والهندية إذا كانت تحتوي على تعاليم أخلاقيَّة عالية وينبغي إذاً أن يكون التعاطي معها والتفكير بحجمها بعيداً عن محاولة البحث عن توافق يبعدنا عن الغاية الأساسية فعن طريق هذا المنهج يمكن أن نفكك مكوناتها سواء اتفقنا معها أو اختلفنا ومن وجهة نظري هيَ الوسيلة المثلى للتواصل معها واكتشاف كنوزها وإذا علمنا أن العصر الحديث قد استفاد من جميعها. و ق ف ة أن الإيديلوجيا باعتبارها منظومة أفكار هيَ من الخطورة بمكان إذا كانت تتدخل في كلِّ شيئ وكما قال مانهايم المثقف الحقيقي هو المتحرر من كل قيود والإيديلوجيا كواقع لا نستطيع إنكار وجوده.....لأنها هيَ العش َّ الذي يبصر الواحد منا وجوده عليه..... فبالتالي الخيار أمامنا إما أننا نحلق خارج العش لننطلق بعيداً إلى العالم الأرحب ..... أو بعبارةٍ أخرى الإيديلوجيا هيَ سورٌ من يخشى أن يتسلقه أو من يحاول أن لايتسلقه سوف يشقى به أبداً ويبقى سجيناً داخل إطاره..... ومن يتسلقهُ ستتكشف له الحقيقة النسبية خارج السور....... بالتالي فإن أن الإيديلوجيا إذا لم تكن مرنة بحيث تسمح بالتحليق إلى ماهو أبعد منها فإنه سيحدث كما تفضلت..... وأنا هنا في المقال تطرقت إلى الإيديلوجيا لأنها هو الواقع الموجود الذي لانستطيع انكار وجوده بالتالي سنبحث عن الطريقة للتعامل معه لذلك آمنتُ بما قال غليون أن الثقافة أكبر بكثير من هذه الإيديلوجيا التي تحاول تأطيرنا بالتالي إذا علمت حجم الإيديلوجيا سأعلم أن الإطار هو اللااطار الذي يمكنني أن أنطلق من خلاله وهيَ كما أعتقد متعلقةٌ بسلوك الفرد ذاته لاتتعدى حدود الآخرين ومعتقداتهم ..... |
شكرا على الموضوع
سلمت يداك على الطرح بانتظار جديدك |
شكراً يا الغلا على الطرح والفائدة طرح مميز بارك الله فيك |
شكرا لك على موضوعك الرائع
طرح موفق تقديري واحترامي بانتظار مواضيعك الهادفة |
الساعة الآن 01:28 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |