منتديات المُنى والأرب - نهرب منه و يهربن إليه

نهرب منه و يهربن إليه

للكثيرات ما زالت مظاهرة ميدان قصر النيل عام 1919 تشكل حدثا قديما جديدا و ذلك عندما أقدمت بعض نساء مصر على نزع الحجاب و حرقه فيما اعتُبر وقتها خطوة في مسلسل تحرير المرأة من ربقة الإستعمار و التبعية لما يعرف في المصطلحات النسوية بالمجتمع الأبوي patriarchal society و سطوة الدين و العادات و التقاليد التي حرمت المرأة من حقوقها الأساسية في ذلك الوقت الذي صُور فيه الحجاب كأحد وسائل السيطرة على المرأة و إبقاءها في حبس الحرملك و الجهل و الدروشة! و بما أن البداية كانت في مصر، قلب الأمة العربية، و بلد الأزهر و العلم كان من المتوقع أن تنتشر ظاهرة خلع الحجاب في بقية الدول العربية ،و ليس هذا فحسب بل أصبح الحجاب يرتبط بصورة نمطية للمرأة الجاهلة المسلوبة الإرادة، و هي صورة ما زالت المرأة المحجبة تعاني منها حتى عصرنا هذا بالرغم من الانتشار الواضح و العودة للحجاب في مجتمعاتنا، و من نتائجها أن المرأة المحجبة ما زالت ممنوعة من العمل العام في المواقع العليا و كأن الحجاب لا يتناسب مع صورة الدولة الحديثة التي ترغب الدول العربية في نشرها عن نفسها لتعريف العالم بها! هذا غير الحرب المعلنة صراحة على الحجاب في بعض الدول العربية التي تصنف بأنها ذات أغلبية مسلمة كتونس حيث تمنع المحجبات من التوظيف و التعليم!
و تبدو المفارقة مدهشة و صادمة بين أحوال و صورة الحجاب العربي و النساء المحجبات العربيات و بين استماتة كثير من النساء في الدول الغربية للدخول في الإسلام و ارتداء الحجاب، و هؤلاء لسن الأوروبيات من أصول عربية و إنما أجنبيات أصلا و جنسية و ديانة
ففي مقالة نشرتها صحيفة الميل اون لاين بعنوان لماذا تقبل النساء البريطانيات على الاسلام ؟و رابطها http://www.dailymail.co.uk/femail/article-1324039/Like-Lauren-Booth-ARE-modern-British-career-women-converting-Islam.html#ixzz13oRSUzel
و هي مبنية على دراسة قام بها الاستاذ كيفين برايس من جامعة سوانزي و تظهر ازدياد عدد النساء المتعلمات و العاملات البريطانيات اللواتي يعتنقن الاسلام و يرتدين الحجاب، و الدراسة مبينية على استطلاع و مقابلات مع عدة نساء بريطانيات صرحن بأنهن وجدن ضالتهن الروحية في أحكام الاسلام بعد أن عشن حياتهن بالطول و العرض و جربن جميع معطيات الحضارة الغربية من حرية العلاقات الجنسية و السفر و الاحتفالات و العيش خارج المنزل و التمرد على الأهل التي ما لبثت أن انجلت عن سراب علمن بعد تجريبه أنهن خرجن منه صفر اليدين الا من بعض أمراض الصحة و القلق و الاكتئاب
بل إن بعض النساء قلن أنهن اعتقن الاسلام و ارتدين الحجاب لأسباب نسوية بحتة فليس مثل الإسلام في إعطاء المرأة حقوقها التي تعدل بينها و بين الرجل، و إن كانت صورة الاسلام عكس ذلك في العالم فذلك بسبب أخطاء المسلمين و ليس بسبب الإسلام
و أضافت النساء أنهن أحببن الاسلام لأنه يعامل المرأة كإنسان لا ككائن جنسي،بل إن ارتداء الحجاب قد اعطاهن حرية و انطلاقا و تمكينا بدل الهوس الزائد بالمظهر كرأس مال وحيد للقبول و العمل و التقدم
و مدحن الإسلام الذي قدم لهن الحضن و العائلة الكبيرة و الصغيرة التي يسلبها الغرب منهن بمجرد بلوغ الثامنة عشرة إذ عليهن أن يغادرن بيت العائلة،شئن أن أبين، و العائلة ترفع يدها عن المرأة بحجة الاعتماد على نفسها حياتيا و عاطفيا و ماليا، ثم تعيش في مجتمع يفقدها الطهارة إذ يعتبر عدم ممارسة العلاقات الجنسية قبل الزواج مرضا يستدعي العلاج النفسي!!
و تؤكد المقالة أن هؤلاء النساء على مستوى من العلم و التأهيل و انهن اعتنقن الاسلام بكامل ارادتهن بالرغم من الحرب على الاسلام في الدول الغربية و التخويف منه فيما يعرف بظاهرة الاسلاموفوبيا islamophobia
لقد أقبلت النساء الأوروبيات على الاسلام لما وجدنه من سماحة و طهر،بقي فقط على المسلمين أن يتخلقوا به في حياتهم ليكونوا خير سفراء لخير رسالة ،و صدق المؤرخ الانجليزي مرماديوك باكتول إذ قال قديما" "إن المسلمين يمكن أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقا بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم ونبل أخلاقهم"
هي ذات القاعدة الإلهية التي تقول أن "لا إكراه في الدين" و تجعل من الكلمة الطيبة و الموعظ الحسنة و القدوة الصادقة وسائل انتشار الدين و الحجاب و أخلاق الإسلام ،و هو ما مدح به أحمد شوقي رسول الإسلام صلى الله عليه و سلم و رسالته فقال:
قالوا غزوت، و رسل الله ما بعثوا لقتل نفس و لا جاءوا لسفك دم
جهل و تضليل أحلام و سفسطة فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
شريعة لك فجرت العقول بها عن زاخر بصنوف العلم ملتطم
غراء حامت عليها أنفس و نهى و من يجد سلسلا من حكمة يحُم
كم شيد المصلحون العاملون بها في الشرق و الغرب ملكا باذخ العظم
نالوا السعادة في الدارين و اجتمعوا على عميم من الرضوان مقتسم
في ميدان قصر النيل نُزع الحجاب عن الرؤوس في اعتقاد أن هذا هو طريق العلم و التحرر!
و عاد الآن ليعلو رؤوس البريطانيات في ميدان الطرف الأغر و الفرنسيات في جادة الشانزليزيه و الألمانيات عند بوابة برندنبيرغ، و داليا مجاهد تحت قبة البيت الأبيض حيث قيادة العالم المتحضر و العلم و التطور
فماذا حصلت نساء العرب اللواتي نزعن الحجاب من يوم مظاهرة قصر النيل الى اليوم؟

د.ديمة طارق طهبوب
اعجبني واحببت ان اشارككم فيه