![]() |
عبداللطيف زغلول
عن كتاب (عبداللطيف زغلول-مختارات من تراثه الشعري) للشاعر الفلسطيني (لطفي زغلول) نجل الشاعر الراحل. والكتاب المذكور يقع في 154 صفحة من القطع المتوسط تصدر بإهداء من نجله الشاعر واللغوي الفلسطيني الكبير (لطفي زغلول) نصه: إلى الروح التي ما زالت تجوب فضاءاتنا تجنِّح رؤانا بذكراها العطرة تحملنا على جناحيها إلى صلاة في محراب وجدان وإلى سَبحَة في مدار خيال وإلى تجلٍّ في أحضان صبوة نفخت فيها من روحك على مدى أيام عمرك فكانت هذه القصائد وغيرها الكثير إليك...إلى كل أحبائك ألذين علمتهم الحب وإلى ذاكرة الوطن نرفع لك هذا العمل وهو منك إليك ممهورا بإيمانك، بانتمائكَ ، بحبك وبشمعة لا تنطفئُ ساهرة يتلو ذلك سطور من حياة الراحل ، متلوة بفضاءات ثلاث من أشعاره جاءت على التوالي: الفضاء الأول : في محراب الإيمان، ويضم نخبة مختارة من القصائد الدينية والصوفية الفضاء الثاني: من كل روض ٍ قصيدة ، ويضم مختارات من قصائد عبداللطيف زغلول التي كتبها لأحبائه ..للمجتمع..للأحفاد ..وللأصدقاء الفضاء الثالث : ملاعب الهوى والشباب ، ويضم نخبة نظمها في مرحلة عنفوان الشباب ، وقد نظم معظمها في نهاية عقد الأربعينيات وعقد الخمسينيات من القرن العشرين. وسننشر هنا على التوالي نبذة عن حياة الشاعر الراحل ، ومختارات من الفضاءات الثلاث ..راجين أن تكتمل الفائدة والمتعة معا في التعرف على حياة هذا الشاعر واللغوي الفذ حياته كما يرويها نجله الأستاذ لطفي زغلول *ولد المرحوم الحاج لطفي زغلول في العام 1915 في أحد أحياء قصبة نابلس القديمة التي كانت آنذاك تحت ظلال الحكم العثماني الذي كان في أواخر أيامه . ويعود بنا تاريخ ميلاده إلى فترة عصيبة من تاريخ بلاد الشام التي كانت تعيش آنذاك ما عرف في التاريخ الشعبي (السفر برلك) وهو فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والتي أسفرت عن هزيمة الدولة العثمانية وخروجها من بلاد الشام التي سقطت في أيدي الإحتلالين البريطاني والفرنسي مقاسمة بينهما حسب اتفاقية (سايكس بيكو). في هذه الحرب تم تجنيد أخيه الأكبر (محمد) في صفوف الجيش العثماني وارسل للقتال في الجبهة الشرقية ضد إمبراطورية روسيا القيصرية آنذاك. وقد انقطعت أخباره ، وساد الظن حينها أنه استشهد. وقد جاء مولد عبداللطيف ليخفف من بعض الحزن الذي اصاب العائلة على فقدان (محمد) أحد ابائها الذي كان في الحقيقة أسيرا في أحد ضواحي مدينة موسكو العاصمة الروسية ، وعاد من بلاد المسكوب في العام 1918. كانت عائلة عبداللطيف بسيطة ، وكان رب الاسرة والده (الحاج سعيد ) يتباهى على الدوام بماضيه العسكري .فقد كان ضابظا صغيرا في الجيش العثماني . وكان ايضا يذكر بافتخار جده الأكبر الذي كان هو الآخر ضابطا في جيش إبراهيم باشا وهو ابن محمد علي باشا والي مصر الذي جاء على راس حملة على بلاد الشام. وكان الحاج سعيد يردد دائما أن أصل عائلته من مصر وهو ( ناصر الدين) من بلدة دسوق المصرية . في أثناء خدمته العسكرية حارب (الحاج سعيد) في اليمن وسوريا وشرقي الأردن. وفي العام 1908 ، وهو آخر عهده بالعسكرية كان في صفوف حرس الشرف العثماني الذي رافق الإمبراطور (وليام) الألماني الذي زار القدس آنذاك حاجا إلى أماكنها المقدسة . وقد حصل على ( نيشان ) ألماني أسوة بزملائه الذين كانوا في حرس شرف الإمبراطور . وبعد أن انتهت خدمته رجع إلى نابلس مسقط رأسه وعمل في إحدى مصابنها فترة من الزمن ثم استاجر دكانا قريبا من داره حيث عمل بقالا حتى سن متأخرة . في ظل هذه الظروف ولد ( عبد اللطيف) وكان له أخ آخر اسمه (أحمد) أكبر منه . وقد تلقى دروسه الأولية في (كتاب الحارة) . ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الهاشمية ، فالصلاحية. وقد كان ذكيا ومجتهدا ، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم عن ظهر قلب . وكان مولعا بالشعر والتاريخ العربي الإسلامي . إلا أنه كان لافت النظر في حبه للغة العربية التي أتقنها نحوا وصرفا . وهذا لم يمنعه من ان يتقن اللغة الإنجليزية أيضا. ونظرا للظروف المعيشية القاسية آنذاك فقد خرج من المدرسة قبل أن يستكمل دراسته الثانوية ، ويومها قدم طلبا لدائرة البريد فقبل موظفا في مدينة حيفا . وفي بداية تعيينه عمل بين فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني ومصر التي كانت هي الأخرى ترزح تحت الإحتلال البريطاني أيضا في توزيع البريد المنقول بالقطار الواصل بينهما آنذاك والذي كان ينتهي في مدينة ( العريش ) المصرية . ثم بعدذلك انتقل إلى العمل المكتبي في دائرة بريد حيفا. مما جاء في رسالة وجهها إلى أبائه يتحدث فيها عن حياته : ( اشتغلت في الحياة وشققت طريقي فيها شأن كل فقير محروم من حطام الدنيا ، غني بنفسه وروحه وعزيمته وإيمانه ، حتى تمكنت من تأمين مستقبلي إلى حد ما . حرمت من التعليم العالي فانكببت على التحصيل والمطالعة الدائبين حتى ثقفت نفسي بما قصر عنه أبناء الأثرياء المترفين . قاسيت ألم الفقر وذقت مرارة الحرمان ، فلم أفقد ثقتي بنفسي وبالله حتى ضمنت لي عيشا وسطا شريفا حلالا . تنعمت واخشوشنت فبقيت في الحالتين متمسكا بأخلاقي وديني ومثلي في الحياة ، وحظيت طوال ذلك باحترام الجميع . عاشرت جميع الطبقات وعشت مع كل الناس في جحيم هذا ونعيم ذاك . وكنت إذا شعرت بتقصير عن مجاراة المنعمين أغطي هذا النقص بتجاريبي في الحياة من علم وثقافة ومعرفة عامة . فان رأيت أن البذرة ألقيت في تربة غير صالحة انسحبت بكل هدوء ولطف حتى يتاح لي مجال أصلح أو ظرف أنسب. هكذا قضيت حياتي أحمل فكرة معقولة عن الحياة وأسعى لهدف معقول فيها لا أغلو في أفكاري ولا أتسامح في حقي ولا أفرض نفسي فرضا على الناس والمجتمع . ولم يفتني في أثناء هذا كله أن أسعى لإسعاد أسرتي والترفيه عنها واضعا نصب عيني أن لأهلي وذوي قرابتي حقا علي أؤديه لهم ولكل ذي حاجة ما وسعني ذلك وفي حدود العقل والعاطفة معا) . وفي العام 1937 تزوج عبداللطيف من إحدى قريباته التي كانت عائدة من (هوندوراس) في أمريكا الوسطى . وقام بتغيير اسمها من (ماريا) إلى (أمل) ، ولكنها ظلت تحمل إسم (مريم) في جواز سفرها وأوراقها الثبوتية الأخرى. وجدير بالذكر أن أمها كانت سيدة مسيحية من بيت لحم يقال أنها اعتنقت الإسلام فيما بعد. وقد رزق عبداللطيف من مريم خمسة اولاد وبنت واحدة ، هم: لطفي ، هدى، نزار ، محمد ، عدنان ، وعماد. وقد ظل يعمل في سلك البريد حتى تقاعد في العام 1967 ، قبيل الإحتلال الإسرائيلي بثلاثة أيام. خدم عبد اللطيف عدة سنوات في حيفا . وفي بداية الأربعينيات كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها . فانتقل إلى بريد نابلس حيث عمل هناك حتى انتهاء فترة الإنتداب البريطاني عام 1948 . وفي العهد الأردني شغل عدة وظائف في سلك البريد . فكان مراقبا لهاتف بريد نابلس الذي كان مقره في مبنى المحافظة الحالي الذي دمرته قوات الإحتلال الإسرائيلي في اجتياحها للأراضي الفلسطينية عام 2002 . ثم انتدب من قبل وزارة المواصلات الأردنية آنذاك لتأسيس دوائر بريد في كل من سلفيت ودير الغصون. وفي العام 1963 تولى إدارة بلدية قلقيلية . وفي العام 1965 أصبح مساعدا لمدير بريد نابلس . وفي العام 1967 ، وقبل ثلاثة أيام من الإحتلال الإسرائيلي صدر كتاب احالته على التقاعد. لم يقف عدم استكمال عبد اللطيف دراسته الثانوية حائلا دون تنامي رغبته في الإقبال على القراءة التي شكلت المساحة الكبرى من اهتماماته وهواياته وأولوياته . وكان الكتاب بالنسبة له الصديق والجليس والأنيس والنديم . فأقبل على اقتناء الكتب الدينية والتاريخية والأدبية ودواوين الشعر . ولا عجب أن ترك وراءه مكتبة عامرة بأمهات الكتب منها المجموعة التي كانت من نصيب نجله الأستاذ لطفي . وكان يقول : ( الكتب غذاء العقول وزينتها ، وليست زينة للمكتبات . إنني بحمد الله قد قرأت كل الكتب التي اقتنيتها وما زلت أقرأها . إن هجر الكتاب بعد قراءته مرة واحدة خطأ وخطيئة . وإن التواصل مع الكتاب صلة لا تفوقها إلا صلة الرحم) . كان المرحوم عبد اللطيف شديد التمسك والإلتصاق بعروبته وعقيدته الإسلامية ، وكان يعتز بانتمائه إلى التاريخ العربي والإسلامي وانجازات المسلمين الحضارية والثقافية والأمجاد العسكرية . وقد احتلت اللغة العربية اهتمامه الأكبر . وغني عن القول أنه كان يتقن قواعدها نحوا وصرفا إتقانا شاملا. وفي هذا الصدد أعلن مرارا وتكرارا أنه يكاد يقارب على إعراب معظم القرآن الكريم . وكان يؤلمه ويحز في نفسه ما آلت إليه اللغة العربية من تراجع على أيدي أبنائها . وكان يخص بالنقد فئة المتعلمين المثقفين الذين لم يعودوا يحترمون قواعدها ، في حين أنهم كانوا وما زالوا حريصين شديد الحرص على إتقان اللغات الأجنبية . وفي هذا السياق كان ينحي باللائمة على المناهج المدرسية التي فقدت دسمها الإنتمائي على صعيد اللغة والتاريخ والعقيدة جراء موجات الغزو الثقافي والفرنجة والإرتماء في أحضان الأغراب وممارسة التقليد الأعمى. كان عبداللطيف يحب أبناءه وكافح كفاحا مستميتا حتى حقق هدفه السامي في تعليمهم جميعا تعليما جامعيا فنجحوا في حياتهم العملية . وفي حياته كان يعاملهم كأصدقاء ويحضر بعضا من جلساتهم مع أصدقائهم يناقشون في أمور دينهم ودنياهم ويستمعون إليه مرشدا وموجها وشاعرا. توفي -رحمه الله -عام 1992 |
التراث الشعري للشاعر الراحل
عبداللطيف زغلول من مقدمة ديوانه نفح الذكرى بقلم نجله الشاعر والكاتب لطفي زغلول نظم عبداللطيف الشعر في سن مبكرة جدا ، وكان يكتب قصائده على قصاصات من الورق تعرضت في كثير من الأحيان للضياع أو التلف ، أو أنه كان يهيدها لأصدقائه أو أقربائه . ولم يفكر أن يحتفظ بأشعاره الا متأخرا ، ويمكن القول انه لم يكن حريصا على قصائده ، اذ كان يردد دائما انه سيكتب أفضل منها وأحسن . وعلاوة على ذلك كله فهو لم يمنح نفسه لقب شاعر ، ولم يخطر قط في حسبانه أن يكون له ديوان شعر في حياته أو حتى بعد مماته . لقد كان نظم الشعر بالنسبة له تفريغا لأحاسيس ومشاعر وانفعالات على وريقات بيضاء فتزهر عقودا من الكلمات تسبح في بحور شعرية لها أوزانها وقوافيها ولون من العاطفة يسبغه عليها . وهنا لا بد من الوقوف عند حادثي ضياع لتراثه الشعري . كان الأول في العام 1967 حين احتلت مدينة نابلس آنذاك على أيدي القوات الاسرائيلية ، قام عبد اللطيف باخفاء مجموعة من قصائده الوطنية كان محورها القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي مع بعض الخرائط لفلسطين التاريخية ليجد انها أصابها التلف الشديد لدى معاودة استخراجها من الحفرة التي دفنها فيها . واما المرة الثانية فكانت مصادرة بعض قصائده ضمن مواد ثقافية اخرى لدى الدخول بها عبر الجسر مرسلة من الاردن حيث كان يقيم في أواخر أيامه . اضاءة لفضائه الشعري ترك المرحوم عبداللطيف زغلول مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية في الموضوعات الدينية والوطنية والوجدانية والغزلية والاجتماعية ، وهي هي الموضوعات التقليدية التي كانت أكثر رواجا ابان حياته ، والتي ظلت تضيء فضاءه الشعري حتى آخر ايامه مع فارق أنها أخذت بالانحسار شيئا فشيئا مع تقدمه في العمر فيما يخص كل الموضوعات باستثناء الدينية والصوفية والوطنية منها التي انحصر ابداعه في مجالها . وهنا لا بد من الاشارة الى أن شاعرنا وتحديدا في عنفوان شبابه كما كان يحلو له أن يسمى تلك الفترة من عمره ، نظم القصائد الغزلية ذات الابعاد والاتجاهات المختلفة . وقد اتسم بعضها بالجرأة الا أنها لم تصل الى حد الابتذال والمجون . وله في هذا الصدد العديد من القصائد اخترت بعضها وأنزلتها في هذه المجموعة مثالا لا حصرا ، هادفا من وراء ذلك التركيز على الجانب الصوفي الديني الذي اختاره في النهاية وظل ثابتا عليه حتى أسلم الروح الى بارئها . وهنا يجدر التذكير بأن الراحل عبداللطيف قد قضى حوالي عقدين من عمره في الديار الحجازية وبخاصة في مكة المكرمة . وليس هناك من أدنى شك في أن مجاورة بيت الله الحرام في مكة المكرمة ، والحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة كان لهما دور رئيس في توجهه الديني الصوفي . بالنسبة لشاعرنا عبداللطيف زغلول ، كان الشعر لغته الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والعاطفية والعقائدية . وكان يترجم أحاسيسه وتفاعله مع بيئته الى انفعالات ينظمها قصائد يحلق على أجنحتها في سماء الجماعة الانسانية التي يعيش معها ويتقاسمان السراء والضراء . كانت هذه القصائد تفتح له بابا يدخل من خلاله ليشارك ويساهم في كل التفاعلات الجارية في مجتمعه ليجد نفسه طواعية وانتماء لوطنه وأهله مكافحا منافحا موجها مباهيا مفاخرا مغازلا من خلال قصائده لعلها تكون اسهاما يشعره أنه قدم شيئا في حياته غير خدمته من خلال عمله ووظيفته . ولكنه كان يصرح على الدوام أنه لا يبغي في المقام الأول الا أن يعبر عن مكنونات مشاعره وعواطفه وما يجيش في بحور رؤاه تجاه وطنه واهله وعقيدته وتاريخ أمته . كان يقول لي ردا على الحاحي ومطالبتي اياه أن يصدر ديوانا شعريا له : " انا لا أفكر في هذا الموضوع في حياتي . أنت يا لطفي شاعر وأتنبأ لك بمستقبل باهر في الشعر ، فاذا أحببت أن يكون لك ديوان أو أكثر فانني أتمنى لك التوفيق . أما بالنسبة لي ففي هذا الصندوق توجد مجموعة من أوراقي الشعرية بخط يدي ، وبعد أن اغادر هذه الدنيا الفانية الى دار البقاء ، افعل بها ما تشاء " . في اليوم الثاني من شهر كانون الاول عام 1987 - وهو آخر عهده بالوطن ومسقط الرأس مدينة نابلس - أي قبيل نشوب الانتفاضة الفلسطينية الاولى بخمسة أيام ، كرر لي صبيحة مغادرته أرض نابلس " تذكر ما قلته لك يا لطفي بشأن أوراقي ، ان الأرث الوحيد الذي يمكن أن أتركه لك هو هذه الاشعار ، وهذه المكتبة العامرة بأمهات الكتب " . |
مواقف وآراء
كان الرحل الشاعر عبداللطيف زغلول ، يحب اللغة العربية حبا جما ، ولا عجب في ذلك فهي من منظوره اللغة التي أنزل الله بها القرآن الكريم ، وهي اللغة التي تحتضن وتختزن كنوز العلم والمعرفة والأدب التي فاض بها الابداع الحضاري العربي الاسلامي . وهي لغة الجمال والرقة والعذوبة والخيال والفروسية والبلاغة والفصاحة ، وهي لغة الانتماء القومي والعقائدي . وهي أخيرا لا آخرا أم اللغات السامية جميعها . ما زلت أتذكر قوله لي : " لن تكون يا لطفي كاتبا أو شاعرا اذا لم تعشق لغتك وتتقنها صرفا ونحوا وبلاغة . وكان على الدوام يردد : بئس قول لم يهذبه الكتاب"، ويقصد هنا القرآن الكريم ببلاغته وفصاحته . وهنا تجدر الاشارة الى أنه عمل مستشارا لغويا لبعض الجامعات في الاردن والسعودية . وقد ترك مجموعة من المقالات النثرية في موضوعات شتى . وكان دائم التغني بنمطية الشعر العربي وتقنياته المتوارثة . وكان يقول ليس هناك من شعر عرفته البشرية كالشعر العربي القائم على أسس متينة من البحور والاوزان والقوافي . ليس كل كلام مهما رق وعذب وتجمل بشعر له حسب ونسب وانتماء الى صرح حضاري هو هذا النمط ذو الخصوصية والتميز والشخصية المتفردة ، والذي وحد شعراء العربية وضبط مسيرتهم الى الابداع . وكان يصرح على الدوام أنه لا يؤمن بشعر التفعيلة كبديل مسخ لهذه القامة المنتصبة الشامخة المتمثلة بالشعر العمودي ، ومع انه لا يعتبر شعر التفعيلة شعرا ، الا أنه احترمه باعتباره فنا أدبيا يقف عند عتبات الشعر العربي ، ولكنه لا يدخل الى صرحه . |
قراءة سريعة في سمات فضائه الشعري
ان القارىء لشعر الراحل عبداللطيف زغلول بكل ألوان طيفه ، يمكن أن يخرج بصورة ذهنية مفادها أن قصائده لها مواصفات يمكن اجمالها بمتانة التركيب اللغوي والقواعدي نحوه وصرفه مزدانة بحلة بلاغية وطول نفس شعري دون أدنى تكلف في رص بنيان منظومة القوافي وبخاصة في قصائده التي تتعدى خمسين بيتا وهي كثر . وتظل صدقية العواطف في الشعر بعامة ساحة نقاش وأخذ ورد ، ويمكن أن يقال في اتجاهاتها الشيء الكثير . وشاعرنا تنبع قصائده من عواطف جياشة وتفيض بها وبخاصة في قصائده الدينية والوطنية والاجتماعية . وهو كغيره من الشعراء له سبحاته وصولاته وجولاته على أجنحة الخيال الشعري الذي سافر فيه الى عالم المرأة والجمال والغزل . فنظم الكثير من القصائد الغزلية في ريعان شبابه وعنفوانه تلك الفترة من حياة الانسان التي يسودها مناخ تقلب العواطف والاهواء وعدم استقرارها وسيطرة الانفعال الوقتي والتأثر اللحظي . وهنا لا بد من الاشارة الى تلك الأيام التي عاشها شاعرنا ، فقد كانت وسائل الالتقاء بالجمهور لاسماعه الشعر تتمحور حول اجتماعات الاصدقاء وسهراتهم . وأما الدائرة الأكبر فهي المناسبات والاحتفالات الدينية والوطنية والاجتماعية . وهناك الصحف المحلية التي تنشر بين الفينة والأخرى القصائد والموضوعات الادبية . أما الصحف العربية فهي محدودة . وكانت الذروة في لقاء الجماهير تتمثل في الاذاعة الصوتية . ويمكن القول بان شاعرنا قد جرب كل هذه الوسائل ولكن بدرجات متفاوتة ومتباينة . ما زلت أتذكر ما زلت أتذكر يوم كان يناديني مبتسما وفي يده اوراق تتراقص فرحا ونشوة ، حينها كنت أدرك أن قصيدة جديدة ولدت ، وأنه بصدد اسماعي اياها . كنت أستمع اليه وهو يقرأ القصيدة بصوته الجهوري الواثق من كل حرف وكلمة يقولها أو بصحيح العبارة يتغنى بها ، فتضيء كلماته فضاءات أحلق فيها كأنني أنا الذي نظمت هذا الشعر سابحا به الى مدارات قاصية من اللون والظل والشذا . كان يدرك انفعالاتي وتجاوبي مع ابداعه ويقول لي : " كن هكذا قويا جريئا واثقا مما تقول ، وتجدد في كل قصيدة ولا تكرر نفسك ، وأكتب ما تمليه عليك مشاعرك وعواطفك ، ولا تقلد أو تتكلف ، وكن قريبا على الدوام من الذين سوف يستمعون اليك ولا تتعال عليهم ، واجعل بينك وبينهم مسارا معبدا بحلاوة ما تقول ". وما زلت أتذكر يوم أصبحت اتلو عليه قصائدي وأطلب منه سماع رأيه . كان يقول لي : " أنت شاعر ، ولكن لا تقف عند هذه الدرجة ، أمامك درجات عليك أن تصعدها فاصعدها مسلحا بالتجربة وبالتفاعل والانفعال وبالقراءة وبالاصرار على الوصول . ولكنني أتمنى يا بني أن تحافظ على نمطية الشعر العربي وان لا تخرج عليه ، وان خرجت فوازن بين ما يسمونه حديثا وبين ما هو اصيل وعريق حقا " . وأخيرا لا آخرا أتذكر الجلسات الصاخبة والحوارات الحادة والمواقف المتعاكسة الاتجاهات بيننا ليس في موضوع الشعر فحسب وانما في موضوعات شتى . ولا عجب في ذلك فهذا مشهد سلمي حضاري من مشاهد صراع الاجيال ، أعيشه هذه الايام مع ابنائي . كلمة أخيرة وفاء لذكرى هذا الرجل |
وهل هناك في الدنيا اناس ملزمون بالوفاء لانسان قبل الابناء ؟ . وأجيب عن هذا السؤال لا وألف لا . انني ملزم بالوفاء لهذا الرجل مرتين . الاولى لأنه والدي ولأنني ابنه . والثانية لأنني شاعر أدين بالكثير لشاعريته . ورغم الاختلاف في الرؤيا والمسار الشعريين بيننا ، الا أنني كنت أتفيأ وما زلت ظلاله الشعرية ، وتلك الروح التي كنت أستقرىء فيها الرفض لهذا الواقع المزري الذي آلت اليه الأمة العربية ، والتمرد عليه ، والوقوف على أمجاد الماضي التي ما انطفأت مشاعلها في ذاكرته . وأعترف هنا وفي هذا الصدد أنه لم يمت فقد تقمصت كل هذه الروح . ويكفيني أنني استلهمت ثلاثيتي الشعرية : " الله – الوطن – المرأة " من وحيه . فلا أحد يستحق أن يقال له الشعر الا هؤلاء ، وأما السلطان ايا كان ، فليس له مكان في هذا الفضاء
|
مختارات من قصائد عبداللطيف زغلول : وفاء زنبقة أكرم بها مـن زنبقـة وبطيبهـا مـا أعبقَـهْ بَعَثـت إلـي بنفـحـةٍ مـن طيبهـا مترفقـة كيمـا تذكرنـي بمـن باتـت لهـا متشـوقـة ورنـت إلـي عيونهـا كشعاع شمس مشرقـة فرأيـت فـي أكمامهـا شفق الأصيل ورونقـه كانت إلى الأمس القريب بحلمـهـا مستغـرقـة آلـت تظـل جفونهـا من غير نـومٍ مطبقـة حتى تلاقـي صنوهـا بعـد النـوى والتفرقـة من ذا الذي أوحى لهـا هـذا الخيـال ونمقـه درسٌ يعلمنـا الـوفـاء فـحـق أن نتعشـقـه حييتِ يا أبهى الزهـورِ فأنـتِ أهـل للثـقـة كونـي رسولـي للتـي أنداؤهـا بـكِ محدقـة من تقبس الأزهارُ مـن أشدائـهـا المتدفـقـة وتزودي مـن حسنهـا بالنضـرة المترقرقـة وتعلمي مـن طهرهـا أصفى الوداد واصدقـه فهي التي باتـت علـى أترابـهـا متـفـوقـة وسمـت بهـا أخلاقهـا كالنجـمـة المتألـقـة وسقت بمزن عبيرهـا وردَ الربيـعِ وزنبقـه |
يا دار مريم يا دار مريم لم اذق طعم الكـرى لا تكتميني خبريني مـا جـرى قد رابني ما حل فيكِ فيـا تُـرى ماذا دهى دار الحبيبة يـا تـرى فلقد رأيتُ من الجمودِ عليكِ مـا هزَّ الفـؤادَ وبالمصيبـة أنـذرا لو كان قلبي كالرواسـي قسـوةً أو كالحديـد صلابـة لتفـطـرا لكنـه قلـبٌ بحـبـك مفـعـمٌ أفلا يذوب أسى وينكر ما يـرى أتراكِ غيرُ سعيـدةِ يـا منيتـي ليتَ الذي أشقاكِ ووري في الثرى لو كنتُ أعلم في مماتـي راحـةً لكِ من عذابكِ ما استطعتُ تصبرا ففداكِ من ذي النائباتِ وذا الضنا روحُ الذي تهوين من بين الورى |
مـــحـــمـــد -صلى الله عليه وسلم- رف الندى وزها على الأغصانِ وزكا العبير بروضة ِ الفرقـانِ وتضوعت في كل جـوٍّ نفحـةٌ علويـةٌ مـن جنـةِ الرضـوانِ وتألقت في الكونِ أنوارُ الهـدى تهدي الورى للحـقِ والإيمـانِ وانجابت الظلماتُ بعدَ ضلالـةٍ وانهدَّ ركـنُ الظلـمِ والطغيـانِ والكفرُ ولى صاغيـاً مستحذيـاً والشركُ باتَ مقـوضَ البنيـانِ وسرتْ بأنحاءِ الوجـودِ بشائـرٌ ببزوغِ فجرِ العـدلِ والإحسـانِ فضلٌ من الرحمانِ أنزله علـى خيـرِ الأنـام ِوسيـدِ الأكـوانِِ فإذا الوجودُ بنورِ أحمدِ يزدهـي ويفيضُ بِشراً من سنـا القـرآنِ يا وقفةً بحراءِ كانـت مفصـلاً في الدهرِ بينَ الحـقِ والبهتـانِ إذ ذاكَ باركَ ذو الجـلالِ نبيـهُ وأعــده لهـدايـةِ الإنـسـانِ أوحى إليهِ رسالـةً مـا نالهـا في الرسـلِ إيـاهُ نبـيٌ ثـانِ آتاهُ علماً مـن لدنـهِ وحكمـةً لمّـا يـزالا صفـوة الأديـانِ ديـنٌ تخيـرهُ الإلـهُ لخلـقـهِ سمحٌ كريـمٌ ناصـعُ البرهـانِ دينٌ يعزُ مـن استظـلَّ بظلـهِ ويقيلُ عثراتِ الشقـيِ العانـي دينٌ بتى نُظـمَ الحيـاةِ قويمـةً وأقامَ صرحاً راسـخَ الأركـانِ ومشى على الأيامِ وهو مظفـرٌ متجـددٌ حـيٌّ علـى الأزمـانِ فـإذا بـهِ أعـلامـهُ خفـاقـةٌ شرقاً وغرباً فوقَ كـلِّ مكـانِ وإذا بنـوهُ بكـلِ قطـرٍ سـادةٌ يسعى لهم مـن سائِـرِ البلـدانِ شادوا حضارتهم وأعلوا صرحها متفيئـيـنَ بظـلـهِ الفيـنـانِ حكموا فكانَ العدلُ شيمةَ حكمهم يتحدث القاصـي بـهِ والدانـي لم تشهـدِ الأيـامُ شعبـاً سيـداً كالعربِ أهلَ تُقىً ذوي وجـدانِ |
مـــحـــمـــد -صلى الله عليه وسلم- رف الندى وزها على الأغصانِ وزكا العبير بروضة ِ الفرقـانِ وتضوعت في كل جـوٍّ نفحـةٌ علويـةٌ مـن جنـةِ الرضـوانِ وتألقت في الكونِ أنوارُ الهـدى تهدي الورى للحـقِ والإيمـانِ وانجابت الظلماتُ بعدَ ضلالـةٍ وانهدَّ ركـنُ الظلـمِ والطغيـانِ والكفرُ ولى صاغيـاً مستحذيـاً والشركُ باتَ مقـوضَ البنيـانِ وسرتْ بأنحاءِ الوجـودِ بشائـرٌ ببزوغِ فجرِ العـدلِ والإحسـانِ فضلٌ من الرحمانِ أنزله علـى خيـرِ الأنـام ِوسيـدِ الأكـوانِِ فإذا الوجودُ بنورِ أحمدِ يزدهـي ويفيضُ بِشراً من سنـا القـرآنِ يا وقفةً بحراءِ كانـت مفصـلاً في الدهرِ بينَ الحـقِ والبهتـانِ إذ ذاكَ باركَ ذو الجـلالِ نبيـهُ وأعــده لهـدايـةِ الإنـسـانِ أوحى إليهِ رسالـةً مـا نالهـا في الرسـلِ إيـاهُ نبـيٌ ثـانِ آتاهُ علماً مـن لدنـهِ وحكمـةً لمّـا يـزالا صفـوة الأديـانِ ديـنٌ تخيـرهُ الإلـهُ لخلـقـهِ سمحٌ كريـمٌ ناصـعُ البرهـانِ دينٌ يعزُ مـن استظـلَّ بظلـهِ ويقيلُ عثراتِ الشقـيِ العانـي دينٌ بتى نُظـمَ الحيـاةِ قويمـةً وأقامَ صرحاً راسـخَ الأركـانِ ومشى على الأيامِ وهو مظفـرٌ متجـددٌ حـيٌّ علـى الأزمـانِ فـإذا بـهِ أعـلامـهُ خفـاقـةٌ شرقاً وغرباً فوقَ كـلِّ مكـانِ وإذا بنـوهُ بكـلِ قطـرٍ سـادةٌ يسعى لهم مـن سائِـرِ البلـدانِ شادوا حضارتهم وأعلوا صرحها متفيئـيـنَ بظـلـهِ الفيـنـانِ حكموا فكانَ العدلُ شيمةَ حكمهم يتحدث القاصـي بـهِ والدانـي لم تشهـدِ الأيـامُ شعبـاً سيـداً كالعربِ أهلَ تُقىً ذوي وجـدانِ |
إلى شاعرة فلسطين فـدوى طـوقـان أكثرت من لومٍ ومـن عتـبِ يا ربةَ الشعرِ الـذي يصبـي يا ربةَ القلـبِ الكبيـرِ ويـا ليلى زمـانٍ مجـدِبِ القلـبِ حملـتِ قلبـا فـوقَ طاقتـهِ فسما عن الأحقـادِ والريـبِ أوغَلتِ في وادي الشعورِ وقدْ غاصَ الزمانُ بحمأةِ الذنـبِ لا تعذلي من ضلَّ في زمـنٍ أهلوهُ باعوا الجـدَّ باللعـبِ لا تعذلي أهلَ الزمـانِ فقـدْ ساروا بغيرِ هدى على الدربِ أم خلتهم شعراء قـد وُهِبـوا مافيهِ خصبُ البلقعِ الجـدبِ لا لا فليـسَ بشاعِـرٍ أبـدا من راحَ ينكِرُ صبوةَ الصـبِ والحبُّ همسٌ ليـسَ يسمعـهُ من كانَ معتادا على الصخبِ من صم عن علـوي نغمتـهِ لا تعجبي إن شـكَّ بالـربِ يـا ربـةَ الإبـداعِ معـذرةً فالحزن لم يخلقْ لذي اللـبِ هيا اخرجي للدهـرِ باسمـةً واستقبليهِ بصـدركِ الرحـبِ وانسي همومَ الدهرِ وابتهجي فالعيشُ لا يحلو مـعَ النـدبِ واستلهمي الأشعارَ لحنَ منىً ودعي لحونَ اليأسِ والكـأبِ فالشعـرُ للمحـزونِ منتجـعٌ يجلو سحابَ الهـمِّ والكـربِ فاستمتعـي بظلالـهِ أبــدا وتبختري في فيئِـهِ الرطـبِ تحيي بهِ ما عِشتِ في دعـةٍ تغنيكِ عن أهلٍ وعن صحبِ وابني لفـنِّ الشعـرِ كعبتـهُ من كل لحنٍ مطربٍ عـذبِ تُسلِـمْ إمـارتـهُ أزِّمتـهـا مختـارةً لسفيـرةِ الـحـبِّ مختـارةً لسفيـرةِ الـحـبِّ |
الساعة الآن 10:18 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |